3- الطبري (013 هـ).
ذكر قصة ابن سبأ مطولة وإثارته للفتن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد سبق أن أوردت نص الطبري في ذلك فليراجع في موضعه(3).
4- الشهرستاني (845 هـ).
ذكر السبئية وقال : <أصحاب عبدالله بن سبأ الذي قال لعلي كرم الله وجهه: أنت أنت .. يعني أنت الإله فنفاه إلى المدائن>(4).
5- ابن عساكر (175 هـ).
ذكر عدة روايات عن عبد الله بن سبأ وأخباره، بعضها من طريق سيف بن عمر، وبعضها من طرق أخرى غير طريق سيف. وقد سبق أن أوردت بعضها(5).
6- ابن الأثير (036 هـ).
نقل بعض روايات الطبري عن عبد الله بن سبأ بعد حذف أسانيدها(1).
7- ابن كثير (477 هـ).
ذكر ابن سبأ ودوره في تأليب الناس على عثمان رضي الله عنه فقال: <وذكر سيف بن عمر أن سبب تألب الأحزاب على عثمان أن رجلا يقال له: عبدالله بن سبأ، كان يهوديا فأظهر الإسلام...>(2).
8- ابن جحر (258 هـ).
نقل روايات ابن عساكر في أخبار ابن سبأ ثم قال: وأخبار عبدالله ابن سبأ شهيرة في التواريخ، وليست له رواية ولله الحمد، وله أتباع يقال لهم السبئية معتقدون إلهية علي بن أبي طالب، وقد أحرقهم علي بالنار في خلافته(3). وغيرهم كثير(4).
ثانيا : المثبتون وجود ابن سبأ من علماء الشيعة :
1- الناشيء الأكبر (392 هـ).
قال: <وفرقة زعموا أن علياً عليه السلام حي لم يمت، وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان عبدالله ابن سبأ رجلا من أهل صنعاء يهوديا>(1).
2- الأشعري سعد بن عبد الله القمي (103 هـ).
قال: <هذه الفرقة تسمى السبئية أصحاب عبدالله بن سبأ وهو عبدالله بن وهب الراسبي الهمداني، وساعده على ذلك عبد الله بن حرسي وابن أسود وهما من أجلة أصحابه، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر، وعمر، وعثمان، والصحابة، وتبرأ منهم>(2).
3- الحسن بن موسى النوبختي (013 هـ).(41/29)
قال : (السبئية) أصحاب عبدالله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال ان عليا عليه السلام أمر بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس اليه ياأمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو الى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيره الى المدائن... الى ان قال ... ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي(3) علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض(4) .
4- الكشي (963) هـ .
ذكر عبد الله بن سبأ ، وأورد خمس روايات يسندها الى أئمتهم، في البراءة من عبدالله بن سبأ ولعنه وذمه أورد منها :.
حدثني محمد بن قولويه : قال: حدثني سعد بن عبدالله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسي عن ابن عمير عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول - وهو يحدث أصحابه بحديث عبدالله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام فأبى أن يتوب فأحرقه بالنار.
حدثني محمد بن قولويه : قال: حدثني سعد بن عبدالله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لعن الله عبدالله بن سبأ انه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وأن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ الى الله منهم.(41/30)
وبهذا الاسناد عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن عيسي عن أبيه والحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالى قال: قال علي بن الحسين صلوات الله عليهما: لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبدالله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادعى أمراً عظيما ماله لعنه الله، كان علي عليه السلام والله عبداً لله صالحاً أخا رسول الله، مانال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وآله الكرامة من الله إلا بطاعته لله.
وبهذا الإسناد : عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبدالله (بن سنان) قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: إنا أهل بيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس. كان رسول الله صلى الله عليه وآله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفترى على الله الكذب عبدالله بن سبأ.
قال الكشي : وذكر بعض أهل العلم أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو فقال في اسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام مثل ذلك. وكان أول من أشهر القول بفرض امامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم، فمن هنا قال من خالف الشيعة ان أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية(1).
5- الصدوق (183 هـ).(41/31)
أورد حديثاً في صفة الدعاء، جاء فيه ذكر ابن سبأ، قال في (باب التعقيب) من (كتاب من لا يحضره الفقيه) رواية رقم (559). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: >إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه الى السماء، وينصب في الدعاء فقال ابن سبأ: ياأمير المؤمنين أليس الله عز وجل بكل مكان(1)؟ قال: بلى، قال: فلم يرفع يديه إلى السماء؟ فقال: أو ما تقرأ {وفي السماء رزقكم وما توعدون}(2) فمن أين يطلب الرزق إلا من موضعه وموضع الرزق ما وعد الله عز وجل السماء<(3).
وأورد هذه الرواية في ضمن رواية طويلة في كتاب (الخصال)(4).
6- أبو جعفر محمد بن الحسن الملقب بشيخ الطائفة المتوفى (064هـ).
ترجم شيخ الطائفة الطوسي عن حقيقة عبد الله بن سبأ في كتابه (رجال الطوسي) في باب (اصحاب علي رضي الله عنه) وقال: عبد الله بن سبأ الذي رجع الى الكفر وأظهر الغلو.
وذُكر في حاشية كتابه: (عبد الله بن سبأ - بالسين المهملة المفتوحة والباء المنقطعة تحتها نقطة - غال ملعون حرقه أمير المؤمنين علي عليه السلام بالنار، وكان يزعم ان عليا عليه السلام إله وأنه نبي. ثم ذكر رواية للكشي في عبد الله بن سبأ فقال: وقد ألفت في ترجمة عبدالله بن سبأ مؤلفات عديدة(5).
7- ابن أبي الحديد (656 هـ) .
ذكر أن ابن سبأ أول من أظهر الغلو في زمن علي رضي الله عنه قال:> وأول من جهر بالغلو في أيامه عبدالله بن سبأ، قام إليه وهو يخطب فقال له: أنت أنت، وجعل يكررها، فقال له ويلك من أنا؟ فقال: أنت الله، فأمر بأخذه، وأخذ قوم كانوا معه على رأيه<(1).
8- الحسن بن علي الحلى (627هـ) .
ذكر الحسن بن الحلي في رجاله عبدالله بن سبأ وذكره ضمن أصناف الضعفاء(2).
9- يحيى بن حمزة الزيدي (947 هـ).(41/32)
وجاء في كتاب (طوق الحمام) ليحيى بن حمزة الزيدي عن سويد بن غفلة أنه قال: مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فأخبرت عليا كرم الله وجهه وقلت: >لولا انهم يرون انك تضمر ما أعلنوا ما أجترأوا على ذلك، منهم عبدالله بن سبأ...<(3).
10- المرتضى أحمد بن يحيى (048 هـ).
أما ابن المرتضى (أحمد بن يحىى) وهو معتزلي ينتسب لآل البيت. ومن أئمة الشيعة الزيدية فهو لا يؤكد وجود ابن سبأ فحسب، وإنما يؤكد أن أصل التشيع منسوب إليه، فهو أول من أحدث القول بالنص، وبإمامة أثنى عشر إماما(4).
11- علي القهبائي (6101هـ).
ذكر العلامة البحّاثة الرجالي علي القهبائي عبدالله بن سبأ في كتابه مجمع الرجال فقال: عبد الله بن سبأ، الذي رجع إلي الكفر وأظهر الغلو. ثم ذكر روايات الكشي منها :
عن عبدالله بن سنان قال: حدثني (هـ) أبي عن أبي جعفر عليهما السلام إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله تعالى عن ذلك فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال نعم أنت هو وقد كان ألقى في روعى إنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين >ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب< فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار وقال >إن الشيطان استهواه وكان يأتيه ويلقى في روعه ذلك>(1).
12- الأردبيلي(1011هـ ) .
ذكر الأردبيلي عبدالله بن سبأ في كتابه جامع الرواة فقال عنه غال ملعون ... وإن كان يزعم ألوهية علي ونبوته(2).
13- محمد باقر المجلسي (1111هـ) .
ذكر المجلسي في (بحاره)(3) أن السبائية ممن تقول: بأن المهدي هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنه لم يمت.(41/33)
وذكر المجلسي في كتابه بحار الأنوار في باب (الفتن الحادثة بمصر) ما رواه عن ابراهيم (الثقفي) عن رجاله عن عبدالرحمن بن جندب عن أبيه قال: دخل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي وحبّة العرفي والحارث الأعور وعبدالله بن سبأ على أمير المؤمنين بعدما افتتحت مصر وهو مغموم حزين فقالوا له: بين لنا ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال لهم علي عليه السلام: هل فرغتم لهذا؟! وهذه مصر قد أفتتحت وشيعتي بها قد قتلت، أنا مخرج إليكم كتاباً أخبركم فيه عما سألتم وأسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيعتم فاقرؤه على شيعتي وكونوا على الحق أعوانا(1).
ونقل العلامة محمد باقر المجلسي أيضاً في كتابه بحار الأنوار في باب (أحوال سائر أصحابه عليه السلام) رواية نقلها عن طريق الشيخ المفيد:
عن عمار الدهني قال: سمعت أبا الطفيل يقول: جاء المسيب بن نجية إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام متلبلباً(2) بعبدالله بن سبأ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما شأنك؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله، فقال: ما يقول؟ قال:(3) فلم أسمع مقالة المسيب وسمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول هيهات هيهات الغضب، ولكن يأتيكم راكب الدغيلة يشد حقوها بوضينها، لم يقض تفثا من حج ولا عمرة فيقتلوه. يريد بذلك الحسين بن علي عليهما السلام(4).
وروى عن زرارة أنه قال : قلت للصادق عليه السلام: إن رجلا من ولد عبدالله بن سبأ يقول بالتفويض، فقال: وما التفويض؟ قلت: ان الله تبارك وتعالى خلق محمدا وعليا صلوات الله عليهما ففوض إليهما فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا فقال عليه السلام: كذب عدو الله إذا انصرفت اليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء. وهو الواحد القهار}(1).
فانصرفت الى الرجل فأخبرته فكأني ألقمته حجرا، أو قال: فكأنما خرس(2).
14- نعمة الله الجزائري (2111 هـ) .(41/34)
يقول نعمة الله الجزائري، في كتابه الأنوار النعمانية >قال عبد الله بن سبأ لعلي عليه السلام: أنت الإله حقا. فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن، وقيل إنه كان يهوديا فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون، وفي موسى، مثل ما قال في علي...>(3).
15- محمد باقر الخونساري (3131هـ) .
وأما محمد باقر الخونساري فقد جاء ذكر ابن سبأ عنده على لسان الصادق المصدوق الذي لعن ابن سبأ، لاتهامه بالكذب والتزوير، واذاعة الأسرار والتأويل(4).
16- ميرزا النوري الطبرسي (0231 هـ).
ذكر النوري الطبرسي في كتابه مستدرك الوسائل في باب (حكم الغلاة والقدرية) رواية عن عمار الساباطي، قال: قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) المدائن، فنزل بايوان كسرى، وكان معه دلف بن مجير منجم كسرى فلما زال الزوال، قال لدلف: <قم معي> الى - أن قال - ثم نظر الى جمجمة نخرة، فقال لبعض أصحابه: <خذ هذه الجمجمة> وكانت مطروحة، وجاء الى الأيوان وجلس فيه، ودعا بطست وصب فيه ماء، وقال له: <دع هذه الجمجمة في الطست>، ثم قال (عليه السلام): <أقسمت عليك ياجمجمة، أخبريني من أنا؟ ومن أنت؟> فنطقت الجمجمة بلسان فصيح، وقالت: أما أنت، فأمير المؤمنين، وسيد الوصيين(1)، وأما أنا، فعبدالله وابن أمة الله كسرى أنو شيروان.
فانصرف القوم الذين كانوا معه من أهل ساباط، إلى أهاليهم، وأخبروهم بما كان وبما سمعوه من الجمجمة، فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين (عليه السلام) وحضروه وقال بعضهم فيه مثل ما قال النصارى في المسيح، ومثل ما قال عبدالله بن سبأ وأصحابه. فقال له أصحابه: فإن تركتم على هذا كفر الناس، فلما سمع ذلك منهم، قال لهم: <ما تحبون ان اصنع بهم؟> قال: تحرقهم بالنار، كما أحرقت عبدالله بن سبأ وأصحابه(2).
17- المامقاني (1531هـ).(41/35)
ترجم لابن سبأ في تنقيح المقال وذكر أنه جاء ذكره في (كتاب من لا يحضره الفقيه) في (باب التعقيب) وفي (باب أصحاب أمير المؤمنين) نقل قول الصدوق: <عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر، وأظهر الغلو> وقال: <غال ملعون، حرقه أمير المؤمنين بالنار، وكان يزعم أن عليا إله، وأنه نبي>.
ثم ذكر روايات الكشي في عبد الله بن سبأ(1).
18- محمد حسين المظفري (9631هـ).
أما محمد حسين المظفري ، وهو من الشيعة المعاصرين فإنه لا ينكر وجود ابن سبأ، وإن كان ينفي أن يكون للشيعة به أي اتصال فيقول: <وأما ما ذهب إليه بعض الكتاب، من أن أصل مذهب التشيع من بدعة عبدالله بن سبأ، المعروف بابن السوداء فهو وهم، وقلة معرفة بحقيقة مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة، وبراءتهم منه، ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم، علم مبلغ هذا القول من الصواب>(2)،(3) .
19- شريف يحيى الأمين .
ترجم لابن سبأ في كتابه معجم الفرق الاسلامية وقال:
السَّبائِيَّة : أصحاب عبدالله بن سبأ الذي غلا في علي عليه السلام، وزعم أنه كان نبيا، ثم غلا فيه حتى زعم أنه إله، قائلا له: >أنت الاله حقا< فنفاه علي الى المدائن.
فلما قتل علي عليه السلام . قال ابن سبأ: لم يمت ولم يقتل وإنما قتل ابن ملجم شيطاناً تصور بصورة علي، وعلي في السحاب، والرعد صوته والبرق سوطه، وأنه ينزل بعد هذا الى الارض ويملؤها عدلا، وهؤلاء يقولون عند سماع الرعد: <وعليك السلام ياأمير المؤمنين>.
وقال ابن سبأ ان عليا صعد الى السماء كما صعد عيسى بن مريم عليه السلام وقال: كما كذبت اليهود والنصارى في دعواها قتل عيسى عليه السلام كذلك كذبت النواصب والخوارج، في دعواها قتل علي وإنما رأت اليهود والنصارى شخصا مصلوبا شبهوه بعيسى عليه السلام كذلك القائلون بقتل علي رضي الله عنه رأوا قتيلا يشبه عليا فظنوا أنه علي.(41/36)
وقالوا: هدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلم خفي عليهم وزعموا ان رسول الله _ كتم تسعة أعشار الوحي، وهي أول من قالت بالتوقف والغيبة والرجعة وهي من الفرق البائدة (انظر الغلاة)(1).
20- الدكتور محمد جواد مشكور .
ذكر الدكتور محمد جواد مشكور السبائية في كتابه (موسوعة الفرق الإسلامية) وقال :
السّبائية :
وهم من غلاة الشيعة. أصحاب عبدالله بن سبأ المسمى بابن سبأ أباً، وابن السوداء أما. وينحدر من أصل يمني، من يهود صنعاء، وكان يتظاهر بالإسلام. سافر إلى الحجاز والبصرة والكوفة، وفي عصر عثمان سافر إلى دمشق، ولكن أهلها طردوه فتوجه إلى مصر. وكان من رؤوس المعارضة في الثورة التي قامت ضد عثمان. مات بعد سنة 04هـ.
كان أصحاب ابن سبأ أول من قالوا بغيبة علي - عليه السلام - ورجعته إلى الدنيا، وزعموا أنه لم يقتل ولم يمت حتى يسوق العرب بعصاه، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً(2).
21- صائب عبد الحميد :
قال : (أما الشيعة فقد رووا بالأسانيد الصحاح عن ثلاثة من الأئمة: زين العابدين والباقر والصادق (ع) انهم لعنوا عبدالله بن سبأ وأصحابه).
وقال أيضا ... فإن أراد (ابن تيمية) أن يعرف حقيقة هذا اليهودي المحترق (ابن سبأ) فعليه أن يرجع إلى كتب الشيعة وحدهم(1).
المبحث الخامس
تشابه عقائد اليهود والشيعة
من خلال الموازنة والتحقيق يتبين أن السبئية أصل تفرعت عنه فرق أخرى من فرق الضلال التي نبتت في مجتمع المسلمين، كما أن عبدالله ابن سبأ لم ينته شأنه بموته وإنما استمرت آثاره - في مجتمع المسلمين - بفعل من جاء بعده متأثراً بأفكاره، ومتشبعاً بمعتقداته(1)..(41/37)
يقول عبد الله القصيمي بعد أن تحدث عن ظاهرة الغلو في علي بن أبي طالب: <تطايرت دعاوى هذا الرجل(2) ومبتدعاته في كل جانب، ورن صداها في أركان المملكة الإسلامية رنينا مراً مزعجاً واهتزت لها قلوب، ومسامع، طربت لها قلوب ومسامع، ورددت صداها أفواه أخرى، وطال الترديد والترجيع حتى نفذت إلى قلوب رخوة لا تتماسك، فحلتها حلول العقيدة، ثم تفاعلت حتى صارت عقيدة ثابتة تراق الدماء في سبيلها ويعادى الأهل والأصحاب غضبا لها، وصارت فيما بعد معروفة بالمذهب الشيعي والعقيدة الشيعية>(3).
فها هو الكشي - أحد كبار علماء التراجم عندهم في القرن الرابع - ينقل هذا النص عن بعض علمائهم فيقول: <ذكر بعض أهل العلم أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام مثل ذلك، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وأكفرهم فمن ههنا قال من خالف الشيعة أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية>(1).
فقد تأثرت الشيعة بدعوة عبدالله بن سبأ اليهودي وأصبح عندهم من أصول دينهم إثبات الإمامة والوصية والولاية لعلي بن أبي طالب بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتبرأ من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكفيرهم والحكم بضلالهم لما فعلوه في علي بن أبي طالب وأخذوا الخلافة منه كما يزعمون.
الجانب الأول
أوجه التشابه بين عقيدتي اليهود والشيعة في الوصية
التشابه في تسمية (الوصي) :(41/38)
إن إطلاق لقب (وصي) على من يخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تصريف شؤون المسلمين لم يعرف عند المسلمين، فمن المعلوم ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الذي تولى أمور المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه أطلق عليه لقب (وصي رسول الله) حتى من الذين قالوا بالنص على خلافته، ثم أتى بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كان أوصى إليه أبوبكر بالخلافة قبل وفاته، ومع هذا لم يطلق عليه لقب (وصي) بل كان يطلق عليه (خليفة خليفة رسول الله) ثم أطلق عليه فيما بعد لقب (أمير المؤمنين) وذلك للاختصار، ثم أطلق هذا اللقب على عثمان رضي الله عنه، ولم يوجد أحد من المسلمين أطلق لقب (وصي) على أحد من الخلفاء الأربعة، إلا ما كان من ابن سبأ وممن غرر بهم من عوام الناس، عندما أحدث القول بالوصية، وزعم أن عليا وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وكان ذلك في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه فبهذا يتضح أن أصل لقب (وصي) يهودي صرف، انتقل إلى الشيعة عن طريق ابن سبأ(1).
الجانب الثاني
اتفاق اليهود والشيعة على وجوب تنصيب وصي
- عند اليهود :
جاء في سفر العدد : <فكلم الرب موسى قائلا: ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلا على الجماعة، يخرج أمامهم، ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها، فقال الرب لموسى: خذ يوشع بن نون رجلا فيه روح، وضع يدك عليه، وأوقفه قدام العازار الكاهن، وقدام كل الجماعة، وأوصه أمام أعينهم... ففعل موسى كما أمره الرب، أخذ يوشع وأوقفه قدام العازار الكاهن وقدام كل الجماعة، ووضع يده عليه وأوصاه كما تكلم الرب عن يد موسى>(1).
- عند الشيعة :(41/39)
فقد أورد الصفار في كتابه (بصائر الدرجات) بابا كاملا في هذا المعنى، عنون له بقوله (باب إن الأرض لا تبقى بغير إمام ولو بقيت لساخت) ومما أورد تحته من الروايات، ما رواه عن أبي جعفر قال: (لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة، لساخت بأهلها كما يموج البحر بأهله)(2).
الجانب الثالث
اتفاق اليهود والشيعة
على أن الله تعالى هو الذي يتولى تعيين الوصي وليس للنبي اختيار وصيه من بعده
- عند اليهود:
>قال الرب لموسى هو ذا أيامك قد قربت لكي تموت ادع يشوع وقِفَا في خيمة الاجتماع لكي أوصيه، فانطلق موسى ويشوع ووقفا في الخيمة، فتراءى الرب في الخيمة في عمود السحاب، ووقف عمود السحاب على باب الخيمة: وقال الرب لموسى: ها أنت ترقد مع آبائك.. وأوصِ يشوع ابن نون، وأنا أكون معك>(1).
- عند الشيعة:
جاء في كتاب بصائر الدرجات: عن أبي عبدالله عليه السلام قال: <عرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا وقد أوصى الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولاية علي والأئمة من بعده، أكثر مما أوصاه بالفرائض>(2).
وعن أبي عبد الله الصادق (ع) قال ليلة أسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وانتهى إلى حيث أراد الله تبارك وتعالى ناجاه ربه جل جلاله فلما أن هبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء الرابعة ناداه ربه يامحمد. فقال: لبيك ربي(3)، قال: من اخترت من أمتك يكون من بعدك لك خليفة؟ قال: اختر لي ذلك فتكون أنت المختار لي، فقال: اخترت لك خيرتك علي بن أبي طالب(4).
الجانب الرابع
اتفاقهم على أن الله يكلم الأوصياء ويوحي إليهم
- عند اليهود:
جاء في سفر يشوع ما يؤيد هذا، وأن الله خاطب يشوع بعد موت موسى: <وكان بعد موت موسى عبدالرب، إن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلا: موسى عبدي قد مات، فالآن قم اعبر هذا الأردن>(1).
- عند الشيعة:(41/40)
روى المفيد عن حمران بن أعين قال: <قلت لأبي عبدالله عليه السلام: بلغني أن الرب تبارك وتعالى قد ناجى عليا عليه السلام، فقال أجل قد كانت بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبريل>(2).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: <إن الله ناجى عليا يوم الطائف ويوم عقبة تبوك، ويوم خيبر>(3).
الجانب الخامس
الوصي بمنزلة النبي عند اليهود والشيعة
- عند اليهود :
جاء في سفر يشوع : إن الله أعطى ليشوع هبة عظيمة في نفوس بني إسرائيل مثلما كان لموسى <فقال الرب ليشوع اليوم ابتدىء، أعظمك في أعين جميع إسرائيل، لكي يعلموا أني كما كنت مع موسى أكون معك>(1).
وفي نص آخر : <وفي ذلك اليوم عظم الرب يشوع في أعين جميع إسرائيل فهابوه كما هابوا موسى كل أيام حياته>(2).
- عند الشيعة :
جاء في الكافي عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: <الأئمة بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنهم ليسوا بأنبياء، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأما ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم >(3).
بل زاد غلوهم في علي رضي الله عنه <حتى جعلوا طلاق نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده، فمن طلقها في الدنيا بانت منه في الآخرة> .
عن الباقر (ع) أنه قال : لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال أمير المؤمنين (ع) : والله ما أراني إلا مطلقها فأنشد الله رجلاً سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: <ياعلي أمر نسائي بيدك من بعدي> لما قام فشهد؟ فقال: فقام ثلاث عشر رجلاً فيهم بدريان فشهدوا: أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب (ع): <ياعلي أمر نسائي بيدك من بعدي>(1).(41/41)
وذكر أبي الفضل بن شاذان في كتابه الفضائل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: <أنت ياعلي خليفتي على نسائي وأهلي وطلاقهن بيدك>(2).
ولا يكفي هذا الغلو في الأوصياء بل جعلوا الأئمة أعلم وأفضل من الأنبياء وأولي العزم لما أثبته محمد باقر المجلسي في أبواب كتابه بحار الأنوار:
-باب : إنهم أعلم من الأنبياء عليهم السلام(3).
- باب : تفضيلهم عليهم السلام على الأنبياء، وعلى جميع الخلق، وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق، وأَنَّ أولي العزم إنما صاروا أولي العزم بحبهم صلوات الله عليهم(4).
الجانب السادس
حصر اليهود الملك في آل داود
وحصر الشيعة الإمامة في ولد الحسين
- عند اليهود :
يحصر اليهود الملك في آل داود، ويرون أنه لا يجوز أن يخرج الملك منهم إلى غيرهم إلى يوم القيامة.
جاء في سفر أرميا <لأنه هكذا قال الرب لا ينقطع لداود إنسان يجلس على عرش بيت إسرائيل>(1).
وفي سفر الملوك الأول : < ويكون لداود ونسله وبيته وكرسيه سلام إلى الأبد من عند الرب>(2).
وفي الملوك الأول أيضا : <والملك سليمان يبارك وكرسي داود يكون ثابتا أمام الرب إلى الأبد>(3).
- عند الشيعة :
يحصر الشيعة الإمامة في ولد الحسين ويرون أنها لا تخرج عنهم إلى يوم القيامة.
فقد جاء في كتاب علل الشرائع وغيره: عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: <إن الله خص عليا بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم وصية الحسن وتسليم الحسين ذلك، حتى أفضى الأمر إلى الحسين لا ينازعه فيه أحد من السابقة مثل ماله، واستحقها علي بن الحسين< لقول الله عز وجل {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}(1) فلا تكون بعد علي ابن الحسين إلا في الأعقاب، وفي أعقاب الأعقاب>(2).(41/42)
وقد نقل إجماع علماء الشيعة على ذلك شيخهم المفيد فقال: <اتفقت الإمامية على أن الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بني هاشم خاصة، ثم في علي والحسن والحسين، ومن بعد في ولد الحسين دون الحسن عليه السلام إلى آخر العالم>(3).
الجانب السابع
جعل اليهود الملك في ولد هارون دون ولد موسى
وجعل الشيعة الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن
- عند اليهود :
جاء في سفر الخروج إن الله خاطب موسى قائلا: <وقرب إليك هارون أخاك وبنيه معه من بين بني إسرائيل ليكهن لي>(1).
- عند الشيعة :
روى الصدوق عن هشام بن سالم قال: <قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال: الحسن أفضل من الحسين. قلت: فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟
فقال : إن الله تبارك وتعالى أحب أن يجعل سنة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين عليهما السلام، ألا ترى أنهما كانا شريكين في النبوة، كما كان الحسن والحسين شريكين في الإمامة، وإن الله عز وجل جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى، وإن كان موسى أفضل من هارون عليهما السلام>(2).
الجانب الثامن
بناء هيكل سليمان عند اليهود
وحمل سلاح الرسول عند الشيعة
- عند اليهود :
جاء في سفر صموئيل الثاني أن الله تعالى خاطب داود بقوله: <متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك، أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته هو يبني بيتا لاسمى وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد>(1).
- عند الشيعة :
ويشترط الشيعة لصحة إمامة أئمتهم أن يحملوا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهم يشبهون السلاح فيهم بالتابوت في بني اسرائيل.
فقد روى الكليني في كافيه عن أبي عبدالله أنه قال: <إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل أي أهل بيت وُجِدَ التابوت على بابهم أوتوا النبوة فمن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة>(2).
الجانب التاسع(41/43)
انقطاع الملك والإمامة عند اليهود والشيعة
انقطاع ملك آل داود من بني إسرائيل والذي زعم اليهود أنه لا ينقطع إلى يوم القيامة منذ زمن بعيد جدا.
وكذلك انقطاع إمامة ولد الحسين، بل إنه لا الحسين ولا أبناؤه تولوا إمارة المسلمين في يوم من الأيام.
وهذا مما يدل على كذب اليهود والشيعة وافترائهم على الله تعالى، الذين نسبوا إليه بأنه وعدهم باستمرار الملك والإمامة فيمن زعموا، إذ لو وعد الله بذلك لوفى بوعده، فالله لا يخلف وعده، قال تعالى {وعد الله لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون}(1).
الجانب العاشر
حصر اليهود والشيعة لأسباطهم وأئمتهم
يستدل الشيعة الإمامية لحصرهم الأئمة في اثني عشر إماما بمشابهتهم لعدد أسباط بني إسرائيل يقول الأربلي: <إن الله عز وجل قال في كتابه: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيباً}(1). فجعل عدة القائمين بذلك الأمر اثني عشر، فتكون عدة الأئمة القائمين بهذا كذلك>.
فهذه بعض أوجه التشابه بين اليهود والشيعة في هذه العقيدة بعضها استنبطته عن طريق المقارنة بين نصوص الفريقين، وبعضها صرح الشيعة بتشبههم واقتدائهم باليهود فيها.
وهم إذ يصرحون بهذا يعلنون انتسابهم إلى اليهود لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : <من تشبه بقوم فهو منهم>(2).
وإلا فأي معنى لتشبثهم بنصوص أسفار اليهود، والتي يعلم اليهود قبل غيرهم بتحريفها وتبديلها، وإعراضهم عن نصوص القرآن الكريم الذي وعد الله بحفظه من التبديل والتحريف، وعلم العدو والصديق أنه من الله تعالى فأي معنى لفعلهم هذا غير انتسابهم لدين اليهود وبراءتهم من دين المسلمين(3).
غلو اليهود والشيعة في الأنبياء والأوصياء
ومن أبرز أوجه المشابه بين اليهود والشيعة الغلو في الأنبياء والأوصياء والصالحين.(41/44)
فأما موقف اليهود فإنهم يغلون في بعض الأنبياء وفي بعض الأحبار ويتخذونهم آلهة وأربابا، ويعبدونهم بأنواع العبادات، ويذلون لهم أعظم الذل.
وكذلك الشيعة فإنهم غلوا في أئمتهم وجعلوا لهم منزلة تضاهي منزلة رب العالمين.
إعطاء الأنبياء والأوصياء مقام العبودية
- غلو اليهود :
جاءت شواهد عديدة في كتاب التلمود من أسفار اليهود المقدسة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
جاء في سفر الخروج : <فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلها لفرعون وهارون أخوك يكون نبيك>(1).
واليهود في هذا النص جاوزوا بموسى قدره وهو مقام العبودية إلى مقام الألوهية.
- غلو الشيعة :
غلت الشيعة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى ادعوا فيه الربوبية كما ذكر ذلك العلامة محمد باقر المجلسي في كتابه بحار الأنوار فقال: <وجاء في تفسير باطن أهل البيت في تأويل قوله تعالى: {قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكراً} (1). قال: >هو يرد إلى أمير المؤمنين عليه السلام فيعذبه عذابا نكراً حتى يقول: {ياليتني كنت ترابا}(2) أي من شيعة أبي تراب.
وقال معلقا على هذه الرواية: <يمكن أن يكون الرد إلى الرب أريد به الرد إلى من قرره الله لحساب الخلائق يوم القيامة وهذا مجاز شايع، أو المراد بالرب أمير المؤمنين عليه السلام لأنه الذي جعل الله تربية الخلق في العلم والكمالات إليه، وهو صاحبهم والحاكم عليهم في الدنيا والآخرة>(3).
وجاء في أخبارهم أن علياً - كما يفترون عليه - قال: أنا رب الأرض الذي تسكن الأرض به(4).
فانظر إلى هذا التطاول والغلو .. فهل رب الأرض إلا الواحد القهار وهل يمسك السموات والأرض إلا خالقهما سبحانه ومبدعهما.
{ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}(5).(41/45)
عن المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله: {وأشرق الأرض بنور ربها} قال: رب الأرض يعني إمام الأرض(1).
وفي قوله سبحانه : {ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}(2) جاء في تفسير العياشي: يعني التسليم لعلي رضي الله عنه ولا يشرك معه في الخلافة من ليس له ذلك ولا هو من أهله(3)، وبنحو ذلك جاء تأويلها عند القمي في تفسيره(4).
ولا تظن أن هذا التأويل من باب أن رب تأتي في اللغة بمعنى صاحب، أو سيد، إذ إن هذه الآيات نص في الرب سبحانه لا يحتمل سواه، فالإضافة عرفته وخصصته خاصة مع ذكر العبادة.
وقد قال أئمة اللغة : إن الرب إذا دخلت عليه أل لا يطلق إلا على الله سبحانه(5)،(6).
جعل أسماء الأنبياء والأوصياء
كأسماء الله تبارك وتعالى
- غلو اليهود :
غلت اليهود في النبي دانيال حتى إنهم زعموا أن الله قد حل فيه، كما جاء في كلام بختنصر الذي خاطب به شعوب الأرض <أخيرا دخل قدامي دانيال الذي اسمه (بلطشاصر) كاسم إلهي والذي فيه رؤى الألهة القدسيين، فقصصت الحلم قدامه: يابلطشاصر كبير المجوس من حيث إني أعلم أن فيك روح الألهة القدوسيين، ولا يعسر عليك سر فأخبرني برؤى حلمي الذي رأيته وتبصيره>(1).
- غلو الشيعة :
غلت الشيعة في أئمتهم حتى جعلوا أسماءهم كأسماء الله تبارك وتعالى.
فقد روى محسن الكاشاني في كتابه علم اليقين روايات تثبت الغلو في أوصيائهم عن طريق إمامهم أبي جعفر من حديث خويلد وفيه :(41/46)
> نحن والله الأوصياء الخلفاء من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونحن المثاني الذي أعطاه الله عز وجل نبينا. ونحن شجرة النبوة، ومنبت الرحمة ومعدن الحكمة، ومصابيح العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وموضع سر الله ووديعة الله جل اسمه في عباده، وحرم الله الأكبر، وعهده المسئول عنه، فمن وفى عهدنا فقد وفى عهد الله، ومن خفر فقد خفر ذمة الله وعهده، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا، نحن الأسماء الحسنى الذي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا، ونحن والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه>(1).
وروى الكليني في أصول الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(2). قال : نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا(3).
وفي بصائر الدرجات عن هشام بن أبي عمار قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: <أنا عين الله وأنا يد الله، وأنا جنب الله، وأنا باب الله>(4).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: <أنا علم الله وأنا قلب الله الواعي، ولسان الله الناطق، وعين الله الناظر، وأنا جنب الله، وأنا يد الله>(5).
ادعاء اليهود لأنبيائهم وأوصيائهم علم الغيب وكذا الشيعة
- غلو اليهود :
غلت اليهود في بعض أنبيائهم عندما زعموا أنهم يعلمون بعض الأمور الغيبية كزعمهم أن إيليا كان يعلم متى ينزل المطر.(41/47)
جاء في سفر الملوك الأول : <وقال إيليا لأخآب اصعد كل واشرب لأنه حس دوي مطر، فصعد أخآب ليأكل ويشرب، وأما إيليا فصعد إلى رأس الكرمل وخر إلى الأرض وجعل وجهه بين ركبتيه، وقال لغلامه اصعد تطلع نحو البحر، فصعد وتطلع وقال ليس شيء. وقال: ارجع سبع مرات وفي المرة السابعة قال: هو ذا غيمة صغيرة قدر كف إنسان صاعدة من البحر، فقال: اصعد قل لأخآب اشدد وانزل لئلا يمنعن المطر وكان من هنا إلى هنا أن السماء أسودت من الغيم والريح وكان مطر عظيم>(1).
وهذا النص يفيد أن إيليا علم نزول المطر قبل أن تظهر علاماته بل إن السماء كانت صافية، كما أخبر بذلك خادمه الذي ذهب ليتطلع المطر، ومعلوم أن نزول المطر من الأمور الغيبية التي اختص الله بعلمها، ودعوى اليهود هذه في إيليا إنما كانت لاعتقادهم أن أنبياءهم يعلمون بعض الأمور الغيبية(2).
- غلو الشيعة :
غلت الشيعة في أئمتهم حتى رفعوهم فوق البشر وأطلقوا عليهم من الصفات ما لم تثبت لأحد، بل هي مما اختص به رب العالمين دون سائر المخلوقين، ومن هذه الصفات التي يطلقونها على أئمتهم: ادعاؤهم أنهم يعلمون الغيب وأنهم لا يخفى عليهم شيء في السموات ولا في الأرض، وأنهم يعلمون ما كان وما سيكون إلى قيام الساعة.
جاء في بحار الأنوار عن الصادق عليه السلام أنه قال: <والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين فقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟ فقال له: ويحك إني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسعوا صدوركم، ولتبصر أعينكم، ولتع قلوبكم، فنحن حجة الله تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبال تهامة إلا بإذن الله، والله لو أردت أن أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم، وما من يوم وليلة إلا والحصى تلد إيلادا، كما يلد هذا الخلق، والله لتتباغضون بعدي حتى يأكل بعضكم بعضا>(1).(41/48)
وعن سيف التمار قال: كنا مع أبي عبدالله عليه السلام فقال: <ورب الكعبة ورب البنية(2) - ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما لأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وراثة>(3).
أولياء اليهود والشيعة أفضل من الأنبياء
- غلو اليهود :
غلت اليهود في الحاخامات حتى روي في كتبهم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء.
فقد جاء في التلمود : <اعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء وزيادة على ذلك يلزمك اعتبار أقوال الحاخامات مثل الشريعة لأن أقوالهم هي قول الله الحي>(1).
وجاء في التلمود : <التفت يابني إلى أقوال الحاخامات أكثر من التفاتك إلى شريعة موسى>(2).
وفيه : < إن من درس التوراة فعل فضيلة لا يستحق المكافأة عليها، ومن درس (المشنا) فعل فضيلة استحق عليها أن يكافأ عليها، ومن درس الغامارا(3) فعل أعظم فضيلة>(4).
وفيه أيضا : < من احتقر أقوال الحاخامات استحق الموت دون من احتقر أقوال التوراة، ولا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط، لأن أقوال علماء التلمود أفضل مما جاء في شريعة موسى>(5)،(6).
- غلو الشيعة :
غلت الشيعة في أئمتهم حتى جعلوا منزلتهم أفضل من منزلة الأنبياء اتفاقا مع عقيدة اليهود.
فقد قال إمامهم المعاصر وآيتهم العظمى الخميني: <فإن للإمام مقاماً محمودا، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون. وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل>(1). ومعلوم دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا العموم .
ولم يكتف الشيعة بهذا بل تمادوا أكثر من ذلك عندما زعموا أن علي بن أبي طالب كان له من الفضائل ما لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .(41/49)
روى المجلسي في بحاره فيما نسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: <أعطيت ثلاثا وعلي مشاركي فيها، وأعطي علي ثلاثة ولم أشاركه فيها فقيل يارسول الله: وما الثلاثة التي شاركك فيها علي؟ قال: لواء الحمد لي وعلي حامله، والكوثر لي وعلي ساقيه، والجنة والنار لي وعلى قسيمهما. وأما الثلاث التي أعطي علي ولم أشاركه فيها فإنه أعطي شجاعة ولم أعط مثلها، وأعطى فاطمة الزهراء زوجة ولم أعط مثلها(2)، وأعطى الحسن والحسين ولم أعط مثلهما>(3).
فهذه الرواية ظاهرة في تفضيلهم عليا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل إنهم تحقيقا لهذا الهدف وهو إظهار أفضلية علي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يتورعوا عن وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجبن - حاشاه ذلك - عندما زعموا أنه قال (وأعطي شجاعة ولم أُعط مثلها) جازاهم الله على كل ما قالوا وافتروا على رسوله إنه سميع مجيب.
ومما يؤكد اعتقادهم أفضلية علي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مارواه الصدوق في أماليه ونسبه ظلما وبهتانا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: <علي بن أبي طالب خير البشر ومن أبى فقد كفر>(1) فهذا دليل آخر على تفضيلهم عليا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بشر وأنه تحت عموم البشر الذي حكموا بأفضلية علي رضي الله عنه عليهم.(41/50)
ويقول نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية مبينا رأي الإمامية في المفاضلة بين الأنبياء والأئمة: <اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا رضوان الله عليهم في أشرفية نبينا صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأنبياء عليهم السلام للأخبار المتواترة وإنما الخلاف بينهم في أفضلية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم السلام، على الأنبياء ماعدا جدهم. فذهب جماعة: إلى أنهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أولي العزم فإنهم أفضل من الأئمة عليهم السلام، وبعضهم إلى المساواة، وأكثر المتأخرين الى أفضلية الأئمة عليهم السلام على أولى العزم وغيرهم، وهو الصواب>(2).
وقول الجزائري <ماعدا جدهم> ليس إلا خداعا ونفاقا وإلا فهم يرون أن الأئمة مساوون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفضل.
وقد دل على ذلك ما ذكره المجلسي في كتابه بحار الأنوار باب (إنه جرى لهم من الفضل والطاعة ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنهم في الفضل سواء)(1).
إحياء الموتى عند اليهود والشيعة
- غلو اليهود :
يعتقد اليهود في حاخاماتهم أنهم يستطيعون ارجاع الحياة للأموات من الإنسان والحيوان.
جاء في التلمود : <إن أحد الحاخامات قتل حاخاما آخر في حالة سكر ثم أتى بمعجزة فأعاد الحاخام القتيل إلى الحياة>(1).
وجاء في التلمود أيضا : <إن أحد مؤسسي المذهب التلمودي اليهودي بمقدوره أن يحيي الإنسان بالسحر بعد قتله، وقد كان في كل ليلة يخلق عجلا ابن ثلاث سنوات بمساعدة أحد الربانيين ويأكلانه معا>(2).
وجاء < أن بعض الربانيين المنتمين للمذهب التلمودي يملكون حجراً يستطيعون بقوته إعادة الحياة إلى الذين ماتوا>(3) .(41/51)
وقد بالغ مؤلفو التلمود أكثر من هذا عندما زعموا أن الربانيين يستطيعون أن يخلقوا من المياه عقارب، وأن بمقدرتهم أن يحولوا بني الإنسان إلى حيوان فقد جاء في التلمود: <إن أحد الربانيين ويدعى (جاني) عرف أنه يقلب المياه إلى عقارب، بل إنه في أحد الأيام حول امرأة الى حمار يركبه في نزهاته>(4)،(5) .
- غلو الشيعة :
يزعم الشيعة أن لأئمتهم المقدرة على إعادة الحياة لمن شاءوا من الأموات سواء كان من الإنسان أو الحيوان .
جاء في كتاب بصائر الدرجات في باب (إن الأئمة عليهم السلام أحيوا الموتى بإذن الله تعالى): عدة روايات تؤيد هذا المعنى أختار منها:
ما نسب إلى أبي عبد الله أنه قال: <إن أمير المؤمنين عليا عليه السلام كانت له خؤلة في بني مخزوم وإن شابا منهم أتاه فقال: ياخالي إن أخي وابن أبي مات وقد حزنت عليه حزنا شديدا، قال تشتهي أن تراه؟ قال: نعم. قال: فأرني قبره فخرج ومعه برد(1) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المستجاب فلما انتهى إلى القبر تلملمت شفتاه ثم ركضه برجله فخرج من قبره وهو يقول (رميكا) بلسان الفرس فقال له علي عليه السلام ألم تمت وأنت رجل من العرب؟ قال: بلى ولكنا متنا على سنة فلان(2) فانقلبت ألسنتنا>(3).
ويروي المجلسي في البحار عن سعد القمي قال: قال أبو الفضل بن دكين حدثني محمد بن راشد عن أبيه عن جده قال: <سألت جعفر بن محمد عليهما السلام علامة، فقال: سلني ما شئت أخبرك إن شاء الله فقلت: أخاً لي بات في هذه المقابر فتأمره أن يجيئني قال: فما كان اسمه؟ قلت: أحمد، قال: ياأحمد قم بإذن الله وبإذن جعفر بن محمد فقام والله وهو يقول: أتيته<(4).
أما إحياء الأئمة للحيوانات :(41/52)
فيروي المجلسي في البحار أيضا عن المفضل بن عمر قال: <كنت أمشي مع أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام بمكة أو بمنى إذ مررنا بامرأة بين يديها بقرة ميتة وهي مع صبية لها تبكيان فقال عليه السلام : ما شأنك؟ قالت: كنت وصباياي نعيش من هذه البقرة، وقد ماتت، لقد تحيرت في أمري، قال: أفتحبين أن يحييها الله لك؟ قالت: أو تسخر مني مع مصيبتي. قال: كلا ما أردت ذلك، ثم دعا بدعاء، ثم ركضها برجله وصاح بها فقامت البقرة مسرعة سوية، قالت: عيسى ابن مريم ورب الكعبة، فدخل الصادق عليه السلام بين الناس، فلم تعرفه المرأة>(1).
وعن يونس بن ظبيان قال : < كنت عند الصادق عليه السلام مع جماعة فقلت قول الله لإبراهيم {فخذ أربعة من الطير فصرهن}(2) أكانت أربعة من أجناس مختلفة، أو من جنس؟ قال أتحبون أن أريكم مثله؟ قلنا: بلى قال: ياطاووس فإذا طاووس طار إلى حضرته، ثم قال: ياغراب فإذا غراب بين يديه، ثم قال: يابازي فإذا بازي بين يديه، ثم قال: ياحمامة فإذا حمامة بين يديه، ثم أمر بذبحها كلها وتقطيعها ونتف ريشها، وأن يخلط ذلك كله بعضه ببعض ثم أخذ برأس الطاووس فرأينا لحمه وعظامه وريشه يتميز من غيرها حتى ألصق ذلك كله برأسه وقام الطاووس بين يديه حيا، ثم صاح بالغراب كذلك، وبالبازي والحمامة كذلك، فقامت كلها أحياء بين يديه>(3).
أقوال أئمة اليهود وأئمة الشيعة كقول الله
- غلو اليهود :
جاء في كتاب أحد الحاخامات : <إن من يقرأ التوراة بدون المشنا والغامارا فليس له إله>(1).
وقد بلغ الغلو في طاعة حاخاماتهم طاعة عمياء.
فقد جاء في التلمود: <إن أقوالهم هي قول الله الحي، فإذا قال لك الحاخام ان يدك اليمني هي اليسرى وبالعكس فصدق قوله ولا تجادل، فما بالك إذا قال لك إن اليمنى هي اليمنى واليسرى هي اليسرى>(2).(41/53)
وفي نص آخر من نصوص التلمود: < إن كل كلمات الربانيين في كل عصر ومصر هي كلمات الله ، ولذلك تكون أعظم من كلمات الأنبياء ولو كانت متناقضة ومتنافرة ومن يسخر منها، ويقارع صاحبها ويتأفف منها يرتكب إثما عظيما، كما لو سخر من الله وقارعه وتأفف منه>(3).
- غلو الشيعة :
قال آيتهم الخميني عن تعاليم الأئمة: <إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلا خاصا، وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر، وإلى يوم القيامة يجب تنفيذها واتباعها>(1).
ويقول محمد رضا المظفر أيضا: < بل نعتقد أن أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليهم وليه، وعدوهم عدوه، ولا يجوز الرد عليهم، والراد عليهم كالراد على رسول الله، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى>(2).
ادعاء اليهود والشيعة العصمة في أنبيائهم وأوصيائهم
- غلو اليهود :
غلت اليهود في حاخاماتهم حتى ادعو فيهم العصمة من السهو والنسيان.
يقول الحاخام (روسكي) - أحد كتبة التلمود معلقا على خلاف وقع بين الحاخامين - <إن الحاخامين المذكورين قالا الحق لأن الله جعل الحاخامات معصومين من الخطأ>(1).
وليس هذا فقط ، بل حتى الحيوانات التي يستخدمها الحاخامات تكون معصومة.
كما جاء في التلمود <إن حمار الحاخام لا يمكن أن يأكل شيئا محرماًً>(2).
- غلو الشيعة :
قال شيخهم المفيد : <إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحفظ الشرائع، وتأديب الأنام، معصومون كعصمة الأنبياء، وأنهم لا يجوز منهم صغيرة إلا ما قدمت ذكر جوازه على الأنبياء، وأنه لا يجوز منهم سهو في شيء في الدين ولا ينسون شيئا من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم وتعلق بظواهر روايات لها تأويلات على خلاف ظنه الفاسد من هذا الباب>(3).(41/54)
وقال محمد رضا المظفر : <ونعتقد أن الإمام كالنبي، يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش، ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت عمدا وسهوا، كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان>(1).
أولياء اليهود وأولياء الشيعة
يحكمون بين الخلق في الدنيا والآخرة
- غلو اليهود :
وقد بلغ غلو اليهود في الحاخامات حتى زعموا أن الله تعالى يستشيرهم في حل بعض المشاكل، وأن الحاخامات يُعَلِّمون الملائكة في السماء .
كما جاء في التلمود <إن الله يستشير الحاخامات على الأرض عندما توجد مسألة معضلة لا يمكن حلها في السماء(1).
وفيه أيضا < إن الله في الليل يدرس التلمود>(2). تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
وفي نص آخر : <إن الربانيين المائتين يعلمون أهل السماء الأبرار>(3).
- غلو الشيعة :
من الاعتقادات التي غلت فيها الشيعة في أئمتهم أن الأئمة يُعِّلمون الملائكة التوحيد وذكر الله.
فقد روى الصدوق في كتابه (علل الشرائع) فيما افتراه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: <إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفُضِّلتُ على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك ياعلي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا.. ياعلي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض، وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى التوحيد ومعرفة ربنا عز وجل، وتسبيحه، وتقديسه، وتهليله، لأن أول ما خلق الله تعالى أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمورنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة لتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا.. فبنا اهتدوا إلى معرفة الله وتوحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده>(1).(41/55)
وزعم سليم بن قيس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: <ياعلي أنت علم الله بعدي الأكبر في الأرض، وأنت الركن الأكبر في القيادة فمن استظل بفيئك كان فائزا، لأن حساب الخلائق إليك، ومآبهم إليك، والميزان ميزانك والصراط صراطك، والموقف موقفك، والحساب حسابك فمن ركن إليك نجا ومن خالفك هوى وهلك، اللهم اشهد، اللهم اشهد>(2).
وفي كتاب سليم بن قيس أيضا :
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: <علي ديان هذه الأمة والشاهد عليها والمتولي حسابها>(1).
وقد افترى شيخهم المفيد على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: <أتيت فاطمة صلوات الله عليها فقلت لها: أين بعلك؟ فقالت: عرج به جبريل عليه السلام إلى السماء، فقلت: فيماذا؟ فقالت: إن نفراً من الملائكة تشاجروا في شيء، فسألوا حكماً من الآدميين فأوحى الله تعالى أن تخيروا، فاختاروا علي بن أبي طالب>(2) .
تشابه عقيدة اليهود والشيعة بدابة الأرض
ومن أغرب ما جاء في كتب الشيعة من غلوهم في علي رضي الله عنه زعمهم أنه دابة الأرض ولهم في ذلك روايات كثيرة ، أورد منها :
ما رواه حسن بن سليمان <عن أبي جعفر أنه قال في هذه الآية {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم}(1) قال: هو أمير المؤمنين(2).
وهذا من ضعف عقولهم وقلة فهمهم، وإلا فأي فضيلة لعلي في وصفه بأنه دابة الأرض بل إن وصفه بأنه دابة فيه أعظم امتهان وانتقاص لمقامه رضي الله عنه، وهذا أمر يعلمه كل العقلاء، ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.(41/56)
وهذه العقيدة إنما أخذوها عن اليهود كما صرحوا بذلك في رواية يرويها حسن بن سليمان الحلي في كتاب (مختصر بصائر الدرجات) عن سماعة بن مهران عن الفضل بن الزبير عن الأصبغ بن نباتة قال: <قال لي معاوية يامعشر الشيعة تزعمون أن عليا دابة الأرض؟ فقلت: نحن نقول اليهود تقوله. فأرسل إلى رأس الجالوت فقال ويحك تجدون دابة الأرض عندكم؟ فقال: نعم فقال ماهي؟ فقال رجل. فقال: أتدري ما اسمه؟ قال: نعم اسمه إليا قال: فالتفت إليّ فقال: ويحك ياأصبغ ماأقرب إليا من علي>(3).
إن هذه الروايات المبثوثة في كتب الشيعة ليست إلا ثمارا لتلك العقيدة الفاسدة التي غرسها الضال المضل عبدالله بن سبأ في نفوس هذه الطائفة، عندما ادعى الألوهية في علي رضي الله عنه بقصد إضلالهم وصرفهم عن عبادة الله إلى عبادة المخلوقين(1).
خذلان اليهود والشيعة رؤساءهم وأئمتهم
- خذلان اليهود :
مع غلو اليهود في أنبيائهم وحاخاماتهم، إلا أنهم خذلوهم وتركوا نصرتهم في أصعب المواقف، وفي وقت كانوا في أمس الحاجة لمؤازرتهم.
فقد خذل اليهود موسى عليه السلام عندما أمرهم بالقتال، ودخول الأرض المقدسة، بعد أن أخرجهم من مصر وحررهم من ذل العبودية لفرعون، فكان جوابهم له كما أخبر الله تعالى عنهم {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}(1).
- خذلان الشيعة :(41/57)
وكذلك الشيعة خذلوا أئمتهم في مواطن عديدة وتركوا مناصرتهم في أصعب الظروف، فقد خذلوا علياً رضي الله عنه مرات كثيرة وتقاعسوا عن القتال معه في أحرج المواقف التي واجهها، حتى اشتهر سبه لهم وذمهم في خطب كثيرة منها ما جاء في نهج البلاغة أنه خطب فيهم مرة بعد خذلهم إياه فقال: <أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم الأعداء ، تقولون في المجالس كيت وكيت فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد(1) ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم. أعاليل بأضاليل دفاع ذي الدين المطول، لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالجد، أي دار بعد داركم تمنعون ومع أي إمام بعدي تقاتلون. المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل(2) أصبحت والله لا أصدق قولكم ولا أطمع في نصركم ولا أوعد العدو بكم>(3).
فها هو ذا علي رضي الله عنه الذي يغالون فيه ذلك الغلو المفرط يشتكي من خذلانهم له وتفرقهم عنه عند القتال.
وخذلوا أيضا أبناءه من بعده، فقد خذلوا الحسين رضي الله عنه أعظم خذلان حيث كتبوا له كتبا عديدة في توجهه إليهم، فلما قدم عليهم ومعه الأهل والأقارب والأصحاب، تركوه وتقاعدوا عن نصرته وإعانته بل انضم أكثرهم إلى أعدائه خوفا وطمعا، وصاروا سببا في شهادته وشهادة كثير من أهل بيته من بينهم الأطفال والنساء(4).
وخذلوا أيضا زيد بن علي بن الحسين فقد تعهدوا بنصرته وإعانته فلما جد الأمر وحان القتال أنكروا إمامته لعدم براءته من الخلفاء الثلاثة فتركوه في أيدي الأعداء، ودخلوا به الكوفة فقتل(5).
طعن اليهود والشيعة في الله تبارك وتعالى
لا يوجد اختلاف بين ما ينسبه اليهود من الندم والحزن لله تعالى، وبين ما ينسبه الشيعة من البداء إلى الله تعالى.(41/58)
بل إني لا أشك في أنّ عقيدة البداء عند الشيعة، قد أخذت من أسفار اليهود بالنص، مع تغيير يسير في بعض الألفاظ والعبارات، والتشابه بين هاتين العقيدتين يتضح من خلال ما يلي:
ما ينسبه اليهود من الندم والحزن والأسف إلى الله تعالى وما ينسبه الشيعة إليه تعالى من البداء يفضي في النهاية إلى نتيجة واحدة وهي نسبة الجهل لله تعالى وأن الله لا يعلم المصالح إلا بعد حدوث الحوادث وأن الأمور المستقبلة لا تدخل تحت علم الله وقدرته تعالى الله عن ذلك(1).
- نسبة اليهود الندم والحزن إلى الله تعالى :
لا يتورع اليهود كما هي عادتهم، عن وصف الله تعالى بصفات النقص كالندم، والحزن، والأسف. وقد جاءت في أسفار اليهود نصوص كثيرة ورد فيها إطلاقهم هذه الصفات على الله تعالى.
ومن النصوص التي نسبوا فيها الندم إلى الله تعالى : ما جاء في سفر الخروج أن الله أراد أن يهلك بني إسرائيل الذين خرجوا مع موسى من مصر فطلب موسى من الله أن يرجع عن رأيه في إهلاك شعبه قائلا له: <ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك. اذكر ابراهيم وإسحاق وإسرائيل عبيدك، الذين حلفت لهم بنفسك، وقلت لهم: أكثر نسلكم. كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد. فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه>(1).
وجاء في التلمود : < ويندم الله على تركه اليهود في حالة التعاسة، حتى إنه يلطم ويبكي كل يوم، فتسقط من عينيه دمعتان في البحر، فيسمع دويهما من بدء العالم إلى أقصاه. وتضطرب المياه، وترتجف الأرض في أغلب الأحيان، فتحصل الزلازل>(2).
هذا ما جاء في كتب اليهود من إطلاقهم صفة الندم على الله تعالى. ولا يخفى ما في هذه الصفة من نسبة الجهل إلى الله تعالى - تقدس الله عن ذلك - وذلك أن الندم على فعل معين لا يكون إلا بحدوث علم جديد، يظهر منه مخالفة المصلحة لذلك الفعل.
أما النصوص التي دلت على وصفهم الله تعالى بالحزن والأسف(1) على بعض أفعاله.(41/59)
فقد جاء في سفر التكوين <ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه. فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته. الإنسان مع بهائم ودبّابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم>(2).
فمفهوم هذا النص أن الله تعالى خلق الإنسان ولم يكن يعلم أنه سيصدر منه الشر مستقبلا، فلما صدر منه ذلك حزن وتأسف على خلقه له، تعالى الله عن ذلك.
نسبة الشيعة البداء لله تعالى:
يطلق البداء في اللغة على معنين :
المعنى الأول : (الظهور بعد الخفاء) :
يقال بَدَا: بدْوَا بدْوا وبُدُوّاً وبداءً وبداءَةً وبُدُواً: ظهر وأبديته، وبداءة الشيء: أول ما يبدو منه: وبادي الرأى ظاهره(1).
وقد دل على هذا المعنى قوله تعالى : {وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون}(2). قال ابن كثير في تفسير هذه الآية، <أي وظهر لهم من الله، من العذاب، والنكال بهم، ما لم يكن في بالهم ولا في حسابهم>(3).
ودل عليه أيضا قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}(4).
المعنى الثاني : ( نشأة رأي جديد) .
قال الجوهري : بدا له في الأمر بداء أي نشأ له فيه رأي(5).
وقال صاحب القاموس المحيط : بدا له في الأمر بْدواً وبداءً وبداة نشأ له فيه رأي(6).
قال : محمد التونسوي : وقد دل على هذا المعني قوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين}(7).
> والبداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم، وكلاهما محال على الله تعالى>(1).
والشيعة يجيزون إطلاق لفظ البداء على الله تعالى: بل بالغوا في ذلك حتى أصبح اطلاق لفظ البداء على الله عقيدة لها مكانها في دين الشيعة، وقد جاءت روايات كثيرة في كتبهم في تعظيم هذه العقيدة، والحث على التمسك بها.
جاء في أصول الكافي في (كتاب التوحيد) تحت باب البداء عدة روايات في بيان فضل البداء أختار منها: -(41/60)
عن زرارة بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال:(2) < ماعبد الله بشيء مثل البداء>.
وعن أبي عبد الله عليه السلام : <ماعظم الله بمثل البداء>.
وعن أبي عبد الله عليه السلام : <ما بعث الله نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار له بالعبودية، وخلع الأنداد، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما شاء>.
وعن مالك الجهني قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: <لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه>.
وعن الريان بن الصلت قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول: <ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر، وأن يقر لله بالبداء>(3).
ويقول الخوئي في بيان فضل البداء <والقول بالبداء: يوجب انقطاع العبد إلى الله، وطلبه اجابة دعائه منه، وكفاية مهماته، وتوفيقه للطاعة، وإبعاده عن المعصية>(1).
وعقيدة البداء محل إجماع علماء الشيعة : وقد نقل إجماعهم على هذه العقيدة شيخهم الكبير: المفيد في كتابه (أوائل المقالات) وصرح بمخالفة الشيعة في هذه العقيدة لسائر الفرق الإسلامية.
فقال: > اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف، واتفقوا على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس(2).
وقال في كتاب تصحيح الاعتقاد: <قول الإمامية في البداء طريقه السمع دون العقل وقد جاءت الأخبار به عن الأئمة عليهم السلام>(3).(41/61)
وهذه العقيدة لم ينكرها أحد من علماء الشيعة، وذلك لكثرة الروايات التي دلت عليها واستفاضتها في كتبهم، وإنما حاول بعضهم أن يؤول معنى (البداء) على غير معناه المعروف في اللغة لما رأوا تشنيع المسلمين عليهم في هذه العقيدة الفاسدة، فقالوا إن إطلاق لفظ البداء على الله لا يستلزم الجهل وأن البداء في التكوين كالنسخ في التشريع(4) وغيرها من الأعذار الواهية التي حاولوا أن يدفعوا بها عن أنفسهم فضيحة تلك العقيدة الفاسدة.
وسأثبت في هذا المبحث أن معنى البداء الذي يطلقونه في كتبهم على الله تعالى، لا يخرج عن معناه اللغوي الذي ذكرته سابقا والذي يستلزم نسبة الجهل لله، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ولإثبات هذا سأورد جملة من الروايات التي صرحوا فيها بجواز تغير الرأي على الله تعالى، وحدوث العلم وتجدده عليه، تعالى الله عن ذلك.
روى العياشي في تفسيره: عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة}(1) قال: <كان في العلم والتقدير ثلاثين ليلة ثم بدا لله فزاد عشرا فتم ميقات ربه الأول والآخر، أربعين ليلة>(2).
فهذه الرواية صريحة في نسبة حدوث العلم لله تعالى فقوله: (كان في العلم والتقدير ثلاثين ليلة) يلزم منه أن الله تعالى لم يكن يعلم من ميقات موسى إلا الثلاثين ليلة. وهي التي في علمه وتقديره، أما العشر الأخرى فإن هذه الزيادة لم تكن معلومة له بل هي خارجة عن العلم والتقدير، وإنما بدا له فيها بعد ذلك.
ومن الروايات الصريحة في نسبتهم تغير الرأى وتجدده إلى الله تعالى. مارواه الكليني بسنده إلى أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام أنهما قالا: <إن الناس لما كذبوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هَمَّ الله تبارك وتعالى بهلاك أهل الأرض إلا عليا فما سواه بقوله: {فتول عنهم فما أنت بملوم}(3) ثم بدا له فرحم المؤمنين، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}(4)،(5).(41/62)
ولا يخفى ما في هذه الرواية من الافتراء والكذب على رب العالمين وذلك بنسبتهم البداء الذي هو تغير الرأى وتجدده إلى الحكيم العليم .
ومن الروايات الصريحة الدالة على نسبتهم الجهل إلى الله تعالى.
ما رووه عن جعفر الصادق أنه قال: ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني(1).
وهذه الرواية لها مناسبة وهي : ما نسبوه إلى جعفر الصادق أنه نص على إمامة ابنه إسماعيل ثم مات إسماعيل، في حياة أبيه(2). فكان المخرج من هذه الفضيحة نسبه البداء إلى الله تعالى.
وقد فسر هذه الرواية الصدوق قال: أما قوله <ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني> فإنه يقول : <ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ أخترمه في حياتي>(3) والذي يفهم من هذا أن موت إسماعيل ظهر لله بعد أن كان خافيا عليه، وأنه لم يكن معلوما له قبل حدوثه تنزه الله عن ذلك.
وفي رواية أخرى يروونها عن جعفر في موت ابنه إسماعيل أيضا أنه قال: <كان القتل قد كتب على إسماعيل مرتين فسألت الله في دفعه فدفعه>(4).
ومن الروايات التي ينسبون إلى الله فيها البداء: ما رواه الكليني عن علي بن محمد عن إسحاق بن محمد عن أبي هاشم الجعفري قال:
> كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وإني لأفكر في نفسي، أريد أن أقول كأنهما أعني: أبا جعفر، وأبا محمد، في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهم السلام، وأن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجى بعد أبي جعفر عليه السلام. فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال: نعم ياأبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلام، ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدثتك نفسك، وإن كره المبطلون وأبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه، ومعه آلة الإمامة>(1).(41/63)
وفي رواية أخرى يرويها الكليني عن علي بن جعفر قال: <كنت حاضرا أبا الحسن عليه السلام، لما توفي ابنه محمد، فقال للحسن: يابني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا>(2).
وهاتان الروايتان تدلان صراحة على نسبتهم تجدد الرأي إلى الله تعالى عن ذلك.
وهم يزعمون أن الله تعالى قد حدد وقت خروج قائمهم المنتظر، فلما قتل الحسين غضب الله غضبا شديدا فأخره، ثم حدده مرة أخرى فحدّث به الشيعة فأخَّره الله مرة ثانية.
روى النعماني والطوسي عن أبي حمزة الثمالي قال : <سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: ياثابت إن الله كان قد وقّت هذا الأمر في سنة السبعين، فلما قتل الحسين عليه السلام اشتد غضب الله فأخره إلى أربعين ومائة، فلما حدثناكم بذلك أذعتم وكشفتم قناع الستر، فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك عندنا وقتا يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. قال أبو حمزة فحدثت بذلك أبا عبد الله الصادق عليه السلام فقال قد كان ذلك>(1).
تلك أوجه الاتفاق بين اليهود والشيعة في هذه العقيدة، وليس غريبا ان يحدث ذلك التوافق الكبير بينهما، فعبدالله بن سبأ هو الذي أسس مذهب الشيعة ودعا إليه، وقام بنشر العقائد الفاسدة بين من اغتر به من ضعفاء الناس، وكان أول ما نادى به ابن سبأ من هذه العقائد زعمه أن علي بن أبي طالب هو وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد صرح ابن سبأ نفسه، أنه لم يأخذ هذه العقيدة من مصدر اسلامي، بل أخذها من التوراة(2).
المبحث السادس
دعوى الشيعة أن الصحابة حرفوا القرآن
روى محمد بن يعقوب الكليني عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية(1).
مع أن القرآن الموجود بين أيدينا ستة آلاف وستمائة وست وستون آية فسقط منه الثلثان تقريبا وما بقي إلا الثلث فقط.(41/64)
ويقول صاحب (مرآة العقول) في التعليق على هذا الحديث : فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثيرا من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً ، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر(2).
وليس هذا فقط بل يروي الكليني أن عندهم قرآناً آخر يعدل القرآن الموجود عند المسلمين ثلاث مرات، ولا يوجد فيه حرف واحد مما يوجد في القرآن الكريم .
جاء في كتاب الحجة من الكافي عن أبي بصير عن أبي عبدالله أنه قال > وإن عندنا لمصحف فاطمة، وما يدريك ما مصحف فاطمة عليها السلام. قال: قلت وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد>(3).
ويقول الملا خليل القزويني شارح الكافي بالفارسية ما ترجم بالعربية:
إن المراد منه أن آيات كثيرة طرحت من القرآن وليست في المصاحف المشهورة والأحاديث الصحيحة بالطرق الخاصة والعامة دالة على سقوط كثير من القرآن وهذه الأحاديث بلغت في الكثرة حداً يعتبر تكذيب جميعها جرأة ... ودعوى (أن القرآن هو هذا الموجود في المصاحف) لا يخلو عن إشكال والاستدلال باهتمام الصحابة وأهل الإسلام في ضبط القرآن استدلال ضعيف بعد الاطلاع على عمل أبي بكر وعمر وعثمان. وهكذا الاستدلال بآية {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} استدلال ضعيف، لأن الآية هنا بصيغة الماضي وفي سورة مكية وقد نزلت سور عديدة بمكة بعد هذه السورة وهذا ما عدا السور التي نزلت بالمدينة بعدها بكثير فلا دلالة فيها على أن جميع القرآن محفوظ.... وأيضا حفظ القرآن لا يدل على أن يكون محفوظاً عند عامة الناس فإنه يمكن أن يراد منه أنه محفوظ عند إمام الزمان وأتباعه الذين هم أصحاب أسراره(1).(41/65)
وقال شارح نهج البلاغة ميرزا الخوئي عن قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. إن أصل القرآن الكريم محفوظ عند الأئمة عليهم السلام(2).
وقد ذكر القمي في كتابه الخصال رواية تدل على التحريف والنقصان.
عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون: المصحف، والمسجد، والعترة، يقول المصحف: يارب حرفوني ومزقوني ويقول المسجد: يارب عطلوني وضيعوني. وتقول العترة: يارب قتلونا وطردونا وشردونا فأجثوا للركبتين للخصومة، فيقول الله جل جلاله لي: أنا أولى بذلك(1).
وعن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزله الله إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده(2).
وروى العياشي : عن أبي عبدالله >لو قُرِءَ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مُسَّمين>.
وروى عن أبي جعفر >لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه، ماخفي حقنا على ذي حجى، ولو قد قام قائمنا فنطق صدَّقه القرآن>.
وذكر العياشي أيضا عن أبي جعفر : >إن القرآن قد طرح منه آي كثيرة، ولم يزد فيه إلا حروف أخطأت بها الكتبة وتوهمها الرجال>(3).
ما الذي أخفاه الصحابة من القرآن
قال نعمة الله الجزائري متهما أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتحريفهم لكتاب الله: >ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة، فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غيروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا، كتغييرهم القرآن وتحريف كلماته، وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول والأئمة الطاهرين، وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم>(1).(41/66)
وقال عدنان البحراني بعد ما ذكر روايات استدل بها على تحريف الصحابة للقرآن : >والمستفاد من هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم (علي) عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها لفظة (آل محمد) صلى الله عليه وآله وسلم غيرمرة، ومنها (أسماء المنافقين) في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس أيضا على الترتيب المرضي عند الله، وعند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم > (2).
وروى العياشي في مقدمة تفسيره: عن أبي جعفر أنه قال: >نزل القرآن على أربعة أرباع، ربع فينا، وربع في عدونا، وربع فرائض وأحكام، وربع سنن وأمثال، ولنا كرائم القرآن(3).
ويزعم الطبرسي أن الله تعالى عندما ذكر الجرائم في القرآن صرح بأسماء مرتكبيها، لكن الصحابة حذفوا هذه الأسماء، فبقيت القصص مكناة: يقول: >إن الكناية عن أسماء أصحاب الجرائم العظيمة من المنافقين في القرآن، ليست من فعله تعالى، وإنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين، واعتاضوا الدنيا من الدين>(1).
ولم يكتف الطبرسي بتحريف ألفاظ القرآن، بل أخذ يؤول معانيه تبعا لهوى النفس، فزعم أن في القرآن الكريم رموزا فيها فضائح المنافقين، وهذه الرموز لا يعلم معانيها إلا الأئمة من آل البيت، ولو علمها الصحابة لأسقطوها مع ما أسقطوا منه(2).
وقال الملا محمد تقي الكاشاني في كتابه (هداية الطالبين) :
>إن عثمان أمر زيد بن ثابت الذي كان من أصدقائه هو وعدواً لعلي، أن يجمع القرآن ويحذف منه مناقب آل البيت وذم أعدائهم، والقرآن الموجود حالياً في أيدي الناس والمعروف بمصحف عثمان هو نفس القرآن الذي جمعه بأمر عثمان>(3).
دعوى أن فضائح الصحابة في القرآن(41/67)
روى الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع عليّ رضي الله عنه القرآن وجاء به الى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر فقال: ياعلي أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه علي عليه السلام وانصرف ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن فقال له عمر: إن علياً جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد أردنا أن تؤلف لنا القرآن وتسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار. فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألَّفه أليس قد بطل كل ما قد عملتم. ثم قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك وقد مضى شرح ذلك، فلما استخلف عمر سأل عليا أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم. قال: يا أبا الحسن إن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتى نجتمع عليه. فقال عليّ عليه السلام: هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي فقال عمر فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال علي عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به(1).
لذا فقد بوب الكليني باباً بعنوان (إنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله)(1).
1- عن أبي عبدالله عليه السلام قال: >أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم، فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب (2)(41/68)
2- وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: دفع إليَّ أبو الحسن عليه السلام مصحفا، فقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه، { لم يكن الذين كفروا }(3) فوجدت فيها سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال فبعث إليّ ابعث إليّ بالمصحف(4).
3- وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه ثمَّ قال: سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم، ياابن سنان: إنَّ سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة، ولكن نقصوها وحرفوها(5).
فضائل آل البيت وإمامة علي في القرآن
بوب ثقة الإسلام الشيعي محمد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي باب (نكت ونتف من التنزيل في الولاية) وذكر في هذا الباب أحاديث كثيرة تدعي التحريف في القرآن أختصِرُ منها:
1- ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل {ومن يطع الله ورسوله (في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده) فقد فاز فوزا عظيما} هكذا نزلت(1).
2- وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين (بولاية علي) ليس له دافع} ثم قال: هكذا والله نزل بها جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وسلم(2).
3- عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله وسلم هكذا: {فبدل الذين ظلموا (آل محمد حقهم) قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا (آل محمد حقهم) رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون}(3).(41/69)
4- عن أبي جعفر عليه السلام قال نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية هكذا {إن الذين ظلموا (آل محمد حقهم) لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا}. ثم قال: {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم (في ولاية علي) فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا (بولاية علي) فإن لله ما في السموات وما في الأرض}(1).
5- عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال هكذا نزلت هذه الآية: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به (في علي) لكان خيرا لهم}(2).
6- قرأ رجل عند أبي عبد الله {قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} فقال: ليس هكذا هي، إنما هي والمأمونون، فنحن المأمونون(3).
7- عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبريل بهذه الآية هكذا: {فأبى أكثر الناس (بولاية علي) إلا كفوراً}. قال: ونزل جبريل عليه السلام بهذه الآية هكذا: {وقل الحق من ربكم (في ولاية علي) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. إنا أعتدنا للظالمين (آل محمد) نارا}(4).
وقال القمي في تفسيره : وأما ما هو محرف منه فهو قوله {لكن الله يشهد بما أنزل إليك (في علي) أنزله بعلمه والملائكة يشهدون}(5). وقوله {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (في علي) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}(6). وقوله: {إن الذين كفروا وظلموا (آل محمد حقهم) لم يكن الله ليغفر لهم}(7). وقوله {وسيعلم الذين ظلموا (آل محمد حقهم) أي منقلب ينقلبون}(8). وقوله {ولو ترى الذين ظلموا (1) (آل محمد حقهم) في غمرات الموت}(2). ثم قال ومثله كثير نذكره في مواضعه(3).
وقد ذكر العلامة الشيعي ميرزا الخوئي في كتاب منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة روايات كثيرة تدل على التحريف والنقصان في القرآن. ووضع هذه الروايات تحت عنوان: الأدلة الدالة على وجود النقصان.(41/70)
وقد استخرج هذه الأحاديث من كتاب تذكرة الأئمة عن تفسير الكازر، والمولى فتح الله عن مصحف ابن مسعود، وهي آيات كثيرة في سور متعددة.
ففي المائدة {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك (في شأن علي) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}.
وفي الرعد {إنما أنت منذر (وعلي) لكل قوم هاد}.
وفي الشعراء {وسيعلم الذين ظلموا (آل محمد حقهم) أي منقلب ينقلبون} .
وفي الصافات : {وقفوهم إنهم مسئولون (في ولاية علي) ما لكم لا تناصرون}.
وفي النساء : {أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم (وآل محمد) الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما}.
وفي الزمر{فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون (بعلي بن أبي طالب) } .
وفي طه {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل (كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين فنسي) ولم نجد له عزما} ورواه أيضا في الكافي عن الصادق عليه السلام إلا أن في آخره والأئمة من ذريتهم بدل قوله والتسعة، ثم قال هكذا والله نزلت على محمد صلى الله عليه وآله وسلم(1).
وفي النجم {فأوحى إلى عبده (في علي ليلة المعراج) ما أوحى}.
وفي آية الكرسي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض (وما تحت الثرى، عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم) من ذا الذي يشفع عنده}(2).
وفي الأحزاب قوله {وكفى الله المؤمنين القتال (بعلي بن أبي طالب) وكان الله قويا عزيزا}.(41/71)
ومنها سورة الولاية {بسم الله الرحمن الرحيم ياأيها الذين آمنوا بالنبي والولي الذين بعثناهما يهديانكم إلى صراط مستقيم نبي وولي بعضهما من بعض، وأنا العليم الخبير، إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم، فالذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين، إن لهم في جهنم مقام عظيم، نودي لهم يوم القيامة أين الضالون المكذبون للمرسلين، ما خلفهم المرسلين إلا بالحق، وما كان الله لينظرهم إلى أجل قريب فسبح بحمد ربك وعلي من الشاهدين}(1).
وقال العلامة الشيعي ميرزا الخوئي أيضاً : ومنها سورة النورين(2)، تركت ذكرها لكونها مع طولها مغلوطة لعدم وجود نسخة مصححة عندي يصح الركون إليها(3).
دعوى علماء الشيعة تحريف القرآن
قال فيلسوف الفقهاء الشيعي الفيض الكاشاني <وأما اعتقاد مشايخنا <ره> في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه، وكذلك استاذه علي ابن ابراهيم القمي (ره) فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي فإنه أيضاً نسج على منوالهما في كتاب الاحتجاج، وأما الشيخ أبو علي الطبرسي فإنه قال في مجمع البيان: أما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه وأما النقصان فيه فقد روى جماعة من أصاحبنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصانا>(1).
وقال السيد طيب الموسوي الجزائري صاحب مقدمة تفسير القمي : -(41/72)
> أما الخاصة فقد تسالموا على عدم الزيادة في القرآن بل ادعى الإجماع عليه، أما النقيصة فإنه ذهب جماعة من العلماء الإمامية إلى عدمها أيضاً وأنكروها غاية الأنكار كالصدوق والسيد المرتضى وأبي علي الطبرسي في <مجمع البيان> والشيخ الطوسي في التبيان(2)، ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين المتقدمين منهم والمتأخرين القول بالنقيصة كالكليني، والبرقي، والعياشي، والنعماني، وفرات بن ابراهيم، وأحمد بن أبي طالب الطبرسي صاحب كتاب الاحتجاج، والمجلسي، والجزائري، والحر العاملي، والعلامة الفتوني، وعدنان البحراني، وقد تمسكوا في إثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الأغماض عنها(1).
وقد سئل آية الله علي الأصفهاني في كتابه (آراء حول القرآن) عن من يقول بتحريف القرآن من علماء الشيعة مع ذكر أدلتهم؟
فأجابهم قائلا : إن جماعة من المحدثين وحفظة الأخبار استظهروا التحريف بالنقيصة من الأخبار، ولذلك ذهبوا إلى التحريف بالنقصان .
وأولهم فيما أعلم علي بن ابراهيم في تفسيره، ويظهر ذلك من الكليني حيث روى الأحاديث الظاهرة في ذلك ولم يعلق شيئا عليها، وذهب السيد الجزائري الى التحريف في شرحيه على التهذيبين وأطال البحث في ذلك في رسالة سماها <منبع الحياة>.(41/73)
وقال الشيخ محمد حسين الأصفهاني النجفي والد شيخنا في الرواية أبي المجد الشيخ آغا رضا النجفي (قدهما) في تفسيره: والأحاديث الظاهرة في تغيير القرآن وتبديله والتقديم والتأخير والزيادة والنقيصة وغير ذلك كثيرة، حتى نقل بعض العارفين المحدثين عن السيد نعمة الله الجزائري أنه ذكر في الرسالة الصلاتية - أن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث، وذكر أنه لم يقف على حديث واحد يشعر بخلاف ذلك، وقال: القرآن الموجود الآن ستة آلاف آية وستمائة وست وستون آية تقريبا، والمروي في صحيحة هشام الجواليقي: <أن القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية وفي رواية ثمانية عشر ألف آية>(1) ، ونقل عن سعد بن ابراهيم الأردبيلي من علماء العامة في كتاب <الأربعين> أنه روى بإسناده إلى المقداد بن الأسود الكندي قال: كنت مع رسول الله متعلقا بأستار الكعبة ويقول: <اللهم أعني واشدد أزري واشرح صدري وارفع ذكري> فنزل جبريل (ع) وقال له اقرأ : {ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك}، فقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ابن مسعود فألحقها في تأليفه وأسقطها عثمان(2)، انتهى المقصود من كلامه، ولعل المراد من ألفي حديث، الطرق المتعددة من الشيعة وأهل السنة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة رضي الله عنهم . ورأينا من بعض السادة الأجلة من الجامعين للأخبار رسالة فيها مباحث روائية وبالغ في ذكر الأخبار التي يظهر منها وقوع التحريف ولاسيما بالنقيصة، وقال السيد صدر الدين في شرحه على قول المولى في الوافية: وقد وقع الخلاف في تغييره(3).(41/74)
وأقول إن السيد نعمة الله (قده) قد استوفى الكلام في هذا المطلب في مؤلفاته كشرح التهذيب والاستبصار ورسالته (منبع الحياة) وأنا أنقل ما في الرسالة لأن فيه كفاية، قال (ره): <إن الأخبار المستفيضة بل المتواترة قد دلت على وقوع الزيادة والنقصان والتحريف في القرآن>، منها ما روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه لما سئل عن التناسب بين الجملتين في قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}(1)، فقال: <لقد سقط من بينهما أكثر من ثلث القرآن>.
ومنها ما روي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: {كنتم خير أمة}(2)، قال: <كيف تكون هذه الأمة خير أمة وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس هكذا أنزلت وإنما نزلت خير أئمة>(3)، أي الأئمة من أهل البيت.
ومنها الأخبار المستفيضة في أن آية الغدير هكذا نزلت: {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} في علي(4) {وأن لم تفعل فما بلغت رسالته}(5)، إلى غير ذلك مما لو جمع لصار كتاباً كبير الحجم، وأما الأزمان التي ورد على القرآن فيها التحريف والزيادة والنقصان فهما عصران : العصر الأول عصره صلى الله عليه وآله وسلم وأعصار الصحابة وذلك من وجوه(6). ا.هـ .
وقال ميرزا الخوئي في كتابه منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: <إنه لابد أن يعلم أن القرآن الذي نزل به الروح الأمين على سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وآله أجمعين هل هو ما بين الدفتين وما وصل إلينا وتناولته أيدينا أم لا؟ بل الواصل إلينا بعض القرآن وأن القرآن الأصيل الذي نزل به جبريل قد حرف وبدل وزيد عليه ونقص منه، واختلف فيه الأصحاب.
فالذي ذهب إليه أكثر الأخباريين على ما حكى عنهم السيد الجزائري في رسالة منبع الحياة وكتاب الأنوار هو وقوع التحريف والزيادة والنقصان.(41/75)
وإليه ذهب علي بن ابراهيم القمي وتلميذه محمد بن يعقوب الكليني، والشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي، والمحدث العلامة المجلسي قدس الله روحهم(1).
يقول إمامهم المقدس الذي لا يكادون يخالفون له أمرا في هذا العصر (ونائب إمامهم المعصوم) الخميني في كتابه الفارسي (كشف الأسرار) والذي أعلن فيه الخميني عن عقيدته في القرآن وفي الصحابة صراحة دون اللجوء إلى التقية: ما نصه <لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن، فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة، كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد، ويلصقون العار - وإلى الأبد - بالمسلمين وبالقرآن ويثبتون على القرآن ذلك العيب الذي يأخذه المسلمون على كتب اليهود والنصارى(2).
وجاء في كتاب تحرير الوسيلة للخميني هذا النص: <يكره تعطيل المسجد، وقد ورد أنه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى الله عز وجل>(3).
وبالرجوع إلى مصادرهم المعتمدة نتعرف على الثلاثة الذين يشكون إلى الله تعالى الذين أشار إليهم الخميني جاء في كتاب الخصال <يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: المصحف والمسجد والعترة يقول المصحف يارب حرفوني ومزقوني>(1).
وأما عامة الشيعة فإنهم يعملون بتحريف القرآن وهم لا يشعرون في وضوئهم للصلاة. فإنهم يبدأون غسل أيديهم أثناء الوضوء من المرافق مخالفين فيها قول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}(2).
وقد بوب النوري الطبرسي في كتابه مستدرك الوسائل بابا بعنوان: (وجوب الابتداء في غسل الوجه باعلاه، وفي غسل اليدين بالمرفقين).(41/76)
عن جعفر بن محمد الباقر، عن آبائه (صلوات الله عليهم): أن التنزيل في مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام): {ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق}(3).
وقد روى عن الصادق عليه السلام أن الآية نزلت هكذا {وأيديكم من المرافق}(4).
ومما يدل على إجماع علماء الشيعة المعاصرين على عقيدة التحريف ما جاء في كتاب (تحفة عوام مقبول) المطبوع باللغة الأردية، والموثق من عدد من آياتهم المعاصرين والمشهورين عندهم، جاء ذكر أسمائهم على الصفحات الأولى من الكتاب بالخط العريض وهم:
1- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد محمود الحسيني (نجف أشرف).
2- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد أبو القاسم الخوئي (نجف أشرف).
3- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد محمد كاظم شريعتمداري (قم).
4- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد محسن حكيم الطبطبائي (نجف أشرف).
5- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد روح الله الخميني.
6- العلامة الفقيه سيد علي نقي النقوي(1).
كما جاء تقريظ هذا الكتاب ممن أطلقوا عليه لقب (ثقة الإسلام) الحاج محمد بشير أنصاري(2).
وقد تضمن هذا الكتاب نصا بالعربية في حدود صفحتين، وهو دعاء يسمى عندهم دعاء (صنمي قريش) - يعنون بهما أبا بكر وعمر رضي الله عنهما - وفي هذا الدعاء من اللعن والسب والشتم للشيخين ما لا يمكن وصفه(3).
وسأكتفي من هذا النص بموضع الشاهد للحديث هنا <بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم العن صنمي قريش، وجبتيهما، وطاغوتيهما، وإفكيهما، وابنتيهما، اللذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وحرفا كتابك ... اللهم العنهما بكل آية حرفوها<(1).
استفاضة روايات التحريف عند علماء الشيعة(41/77)
ذكر النوري الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) في الفصل الحادي عشر من الباب الأول الذي عنون له بقوله (الأخبار الكثيرة المعتبرة الصريحة في وقوع السقط ودخول النقصان في الموجود من القرآن).
وفي الفصل الثاني عشر من الباب نفسه الذي كان عنوانه (الأخبار الواردة في الموارد المخصوصة من القرآن الدالة على تغيير بعض الكلمات والآيات والسور).
ذكر تحت هذين الفصلين فقط حشدا كبيرا من الروايات الدالة على وقوع التحريف في القرآن بلغ عددها (2061) رواية - هذا غير ما ذكره في الفصول العشرة الأولى وفي المقدمة - وقال معتذرا عن قلة ما جمعه < ونحن نذكر منها ما يصدق به دعواهم مع قلة البضاعة >(1). وقال موثقا هذه الروايات < واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية>(2).
هذا ما ذكره النوري الطبرسي في كتابه من روايات التحريف، مع قلة بضاعته!! وليكن في المعلوم أن تلك الروايات موثقة عند علمائهم كما ذكر الطبرسي وقد ادعى استفاضتها بل تواترها غير واحد من علماء الشيعة المشهورين.
قال عدنان البحراني : القول بالتحريف والتغيير من المسلمات ، وهو إجماع الفرقة المحقة ، وكونه من ضروريات مذهبهم(1).
قال علي الكوفي أبو القاسم : أجمع أهل النقل والآثار من الخاص والعام، أن هذا الذي في أيدي الناس من القرآن ليس هذا القرآن كله(2).
قال المفيد : إن الأخبار جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى، من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان(3)،(4).(41/78)
وقال أبو الحسن العاملي الشيعي الكبير في مقدمة تفسير البرهان <اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها: أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرا من الكلمات والآيات>(5).
وقال أيضاً < وعندي في وضوح صحة هذا القول ( تحريف القرآن وتغييره) بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار، بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع وأنه من أكبر مقاصد غصب الخلافة(1).
ويقول محمد باقر المجلسي في شرحه لبعض الروايات الدالة على التحريف: <والأخبار من طريق الخاصة والعامة في النقص والتغيير متواترة، والعقل يحكم بأنه إذا كان القرآن منتشرا عند الناس، وتصدى غير المعصوم لجمعه يمتنع عادة أن يكون جمعه كاملا موافقا للواقع>(2).
وقال نعمة الله الجزائري : <إن الأخبار الدالة على هذا (التحريف) تزيد على ألفي حديث. وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد، والمحقق الداماد، والعلامة المجلسي، وغيره بل الشيخ الطوسي أيضاً صرح في (التبيان) بكثرتها بل ادعى تواترها جماعة>(3).
وقال أيضاً < إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي (يريد القراءات السبع)، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين، يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن، كلاما، ومادة، وإعرابا، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها>(4).
ومما يدل على استفاضة هذه الروايات وتواترها عندهم: أن هناك كثيراً من علماء الشيعة قد صنفوا كتبا مستقلة لإثبات التحريف، مما يدل على كثرة الروايات عندهم واشتهار هذه العقيدة بينهم:
قال النوري الطبرسي في (فصل الخطاب) <ويظهر من تراجم الرواة أيضاً شيوع هذا المذهب حتى أفرد له بالتصنيف جماعة فمنهم : -(41/79)
1- الشيخ الثقة أحمد بن محمد بن خالد البرقي، صاحب كتاب المحاسن، المشتمل على كتب كثيرة، وعد الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي من كتبه (كتاب التحريف).
2- والده الثقة محمد بن خالد عدّ النجاشي من كتبه (كتاب التنزيل والتغيير).
3- الشيخ الثقة الذي لم يعثر له على زلة في الحديث، كما ذكروا علي بن الحسن بن فضال، عد من كتبه: (كتاب التنزيل من القرآن والتحريف).
4- محمد بن الحسن الصيرفي، في الفهرست له (كتاب التحريف والتبديل).
5- أحمد بن محمد بن سيار، عدّ الشيخ والنجاشي من كتبه (كتاب القراءات) وقد نقل عنه ابن ماهيار الثقة في تفسيره كثيرا، وكذا الشيخ حسن بن سليمان الحلي تلميذ الشهيد في مختصر البصاير، وسماء (التنزيل والتحريف).
6- الثقة الجليل محمد بن العباس بن علي بن مروان الماهيار، المعروف بابن الحجام. وفي الفهرست له: (كتاب قراءة أمير المؤمنين عليه السلام) وكتاب (قراءة أهل البيت عليهم السلام).
وقد أكثر من نقل أخبار التحريف في كتابه .
7- أبو طاهر عبدالواحد بن عمر القمي، ذكر ابن شهر أشوب في معالم العلماء أن له كتابا في (قراءة أمير المؤمنين عليه السلام وحروفه).
8- صاحب كتاب (تفسير القرآن وتأويله، وتنزيله، وناسخه، ومنسوخه، ومحكمه، ومتشابهه، وزيادات حروفه، وفضائله، وثوابه، روايات الثقات عن الصادقين من آل رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين) كذا في (سعد السعود) للسيد الجليل علي بن طاؤس.
9- صاحب كتاب (مقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي بن أبي طالب والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد وزيد ابني علي بن الحسين وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر صلوات الله عليهم).
10- صاحب كتاب (الرد على أهل التبديل) ذكره ابن شهر أشوب في مناقبه، كما في البحار، ونقل عنه بعض الأخبار الدالة على أن مراده من أهل التبديل: هو العامة، وغرضه من الرد هو الطعن عليهم به، لأن السبب فيه إعراض أسلافهم عن حفّاظه وواعيه>(1)،(2).(41/80)
أين القرآن المحفوظ عند الشيعة ؟
إن معتقد الشيعة في القرآن هو أنه محفوظ عند المهدي المنتظر وقد أخذه علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الصحابة بعد أن عرضه عليهم ورفضوه وأعطاه الحسن ثم إلى الحسين إلى أن أصبح القرآن عند المهدي المنتظر وبعد ذلك يخرج القرآن مع خروج المهدي.
فقد روى المجلسي رواية استخرجها من كتاب الغيبة للنعماني: عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: <يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلا بالسيف لا يستتيب أحدا ولا تأخذه في الله لومة لائم>(1).
وقد روى الكليني في كافيه عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال له رجل: قلت له: جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم فقال لا اقرأوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم>(2).
قال الكاشاني معلقا على الحديث: أقول يعني به صاحب الأمر عليه السلام(3).
وذكر الكليني في كافيه عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس. فقال أبو عبدالله عليه السلام: كف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم عليه السلام فإذا قام قرأ كتاب الله تعالى على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام، وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم هذا كتاب الله كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد جمعته بين اللوحين فقالوا هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه(1).(41/81)
وقال آية الله الأصفهاني في كتابه (آراء حول القرآن) وهذا القرآن كان عند الأئمة يتلونه في خلواتهم وربما أطلعوا عليه بعض خواصهم كما رواه ثقة الإسلام الكليني عطر الله مرقده بإسناده إلى سالم بن سلمه وذكر الحديث(2).
وقال نعمة الله الجزائري : < روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتي يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلي السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين (ع) فيقرأ ويعمل بأحكامه>(3).
وقال أبو الحسن العاملي : < إن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى، ما جمعه علي (ع) وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن (ع) وهكذا إلى أن وصل إلى القائم (ع) <المهدي> وهو اليوم عنده صلوات الله عليه>(1).
وقال الحاج كريم خان الكرماني الملقب <بمرشد الأنام>: <إن الإمام المهدي بعد ظهوره يتلو القرآن، فيقول أيها المسلمون هذا والله هو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد والذي حرف وبدل>(2).
وقال علي أصغر البرجردي : <الواجب أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يقع فيه تغيير وتبديل مع أنه وقع التحريف والحذف في القرآن الذي ألفه بعض المنافقين، والقرآن الأصلي الحقيقي موجود عند إمام العصر عجل الله فرجه>(3).
وقال محمد بن النعمان الملقب بالمفيد: <إن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام بقراءة هذا القرآن إلى أن يقوم القائم (ع) فيقرىء الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين (ع)>(4).
انكار القول بتحريف القرآن تقية
وبعد هذه النصوص التي تم إيرادها من كتب علمائهم المعاصرين نخرج بالنتيجة التالية :(41/82)
إن علماء الشيعة جميعهم يقولون بتحريف القرآن الكريم، وأن الصحابة قد حذفوا منه كثيرا من الآيات الدالة على فضائل آل البيت بهدف توليهم للسلطة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأما ما يصرح به بعض علمائهم اليوم من القول بعدم التحريف إنما هو (تقية) يتقون بها النتائج الخطيرة التي قد تلحق بهم فيما لو صرحوا بهذه العقيدة الخبيثة .
وقد صرح بهذا أحد كبار علمائهم في الهند أحمد سلطان أحمد عندما قال: <إن علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف في القرآن لا يحمل إنكارهم إلا على التقية>(1).
وقال نعمة الله الجزائري : <والظاهر أن هذا القول(2) إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها>(3).
وقال النوري الطبرسي : < لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان للطوسي أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين>.
ثم أتى ببرهان ليثبت كلامه إذ قال : < وما قاله السيد الجليل علي ابن طاووس في كتابه <سعد السعود> إذ قال ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر الطوسي في كتابه <التبيان> وحملته التقيه على الاقتصار عليه(1).
وقال السيد عدنان البحراني: < فما عن المرتضى والصدوق والطوسي من إنكار ذلك(2) فاسد>(3).
وقال ميرزا الخوئي في كتابه منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة <إن الأئمة عليهم السلام إنما أمرونا بالرجوع إلى هذا الكتاب الموجود بأيدينا مع ما هو عليه من التحريف والنقصان لأجل التقية والخوف على أنفسهم وشيعتهم، فيكون ما استفدناه حكما ظاهريا بالنسبة إلينا فافهم>(4).
وهذا أبو منصور أحمد الطبرسي في كتابه الاحتجاج: ينقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: <ولو شرحت لك كلما أسقط وحرف وبدل، مما يجري هذا المجري لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء، ومثالب الأعداء>(5).
نسخ التلاوة(41/83)
لقد كان الأجدر بالشيعة الاثنى عشرية عندما ثبت عندهم أن علماءهم يقولون بتحريف القرآن أن يتبرؤا منهم ويكفروهم كما فعل ابراهيم عليه السلام وأصحابه قال تعالى{قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا ربكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}(1) ولكن هل فعل الشيعة ما فعله نبي الله ابراهيم؟ كلا.
إنهم ذهبوا يبحثون لهم الأعذار، وأحيانا ينكرون أنهم قالوا ذلك الكفر الصراح مع أن أولئك يثبتونه في كتبهم.
ولما لم يجد الشيعة مخرجا من هذا الخزي رأوا أن السبيل إلى الخروج منه هو اتهام أهل السنة بهذا الكفر عن طريق نسخ التلاوة الذي يقول به أهل السنة.
قال الخوئي : إن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف والإسقاط.
وقال : إن القول بالتحريف هو مذهب أكثر(2) علماء أهل السنة لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة(3). وصار الآن كثير من الشيعة يلهجون بهذا الكلام، وهذا كلام باطل من وجوه :
أولاً: نسخ التلاوة ثابت بالقرآن الكريم.
- قال تعالى } ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}(1).
- قال تعالى } وإذا بدلنا آية وكان آية}(2).
- قال تعالى }يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}(3).
- قال تعالى }ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك}(4).
والنسخ أما أن يكون للفظ أو الحكم أو هما معاً.
ثانياً: إن نسخ التلاوة ثابت في الكتب السماوية السابقة وإلا كانت الشرائع السابقة باقية إلى الآن.
ثالثاً: أكثر علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف والذين يتظاهر الشيعة الاثنى عشرية بالتمسك بأقوالهم كالمرتضى وأبى علي الطبرسي صاحب التفسير وشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي كلهم وغيرهم قالوا بنسح التلاوة .
- قال المرتضى : فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم(5).(41/84)
- قال أبو علي الطبرسي: النسخ في القرآن على ضروب ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم(6).
- قال أبو جعفر الطوسي : النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة: منها ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم وهي قوله: <والشيخ والشيخة إذا زنيا (1).
وقال : فصل في ذكر جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم. جميع ما ذكرناه جائز دخول النسخ فيه(2).
- قال النوري الطبرسي : أعلم أنهم اختلفوا في نسخ التلاوة، فالمنقول عن جمهور الأصوليين هو الجواز بل في نهاية العلامة ذهب إليه أكثر العلماء ونسب الخلاف إلى شاذ من المعتزلة(3).
- وقال محمد باقر المجلسي عندما صحح آية الرجم التي رواها الكليني في كافيه(4) قال: وعدت هذه الآية مما نسخت تلاوتها دون حكمه(5). وغيرهم كثير(6).
رابعا : قد شهد كثير من علماء الشيعة لأهل السنة بأنهم بريئون من القول بتحريف القرآن.
- قال المفيد : واتفقوا (يعني الإمامية) علي أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي.
وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية(1).
وقد نقل التيجاني عن الخوئي أنه قال: فالمسلمون أخوة سواء كانوا شيعة أم سنة فهم يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئا، وقرآنهم واحد ونبيهم واحد(2).
فهنا برأ الخوئي أهل السنة من القول بالتحريف مع أنهم جميعاً يقولون بنسخ التلاوة وهذا لا يخفى على الخوئي.
فهل قال هذا تقية أو كذب عليه التيجاني؟!(3) .
القراءات
وقد لبّس بعض علماء الشيعة على عوامهم بأن أهل السنة يقولون بالتحريف لأنهم يقولون بتعدد القراءات. وهذا يدل على جهلهم وعنادهم فالقراءات السبع ثابتة متواترة وإنكارها كفر صريح. ثم ان علماء الشيعة أنفسهم أثبتوا هذه القراءات.(41/85)
فقد بوب الحر العاملي في موسوعته وسائل الشيعة بابا بعنوان (وجوب القراءة في الصلاة وغيرهما بالقراءات السبعة المتواترة دون الشواذ والمروية)(1).
وقد بوب أيضا أبو جعفر ابن بابويه القمي في كتابه الخصال بابا بعنوان (القرآن نزل على سبعة أحرف) وكتب فيه أحاديث منها:
1- عن حماد بن عثمان قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إن الأحاديث تختلف عنكم قال: فقال: إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يفتى على سبعة وجوه. ثم قال: {هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حساب}(2).
2-عن عبدالله الهاشمي عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني آت من الله فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت يارب وسع على أمتي... فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف(3).
3- وقد نقل صاحب البحار محمد المجلسي عن حفيد المهدي المنتظر ونائبه الخاص أنه قال: إنما القرآن نزل على سبعة أحرف قبل الهجرة من مكة إلى المدينة(1).
4- عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف، كاف، أمر، وزجر، وترغيب، وترهيب، وجدل، وقصص، ومثل(2).
5- قال الخميني : الأحوط عدم التخلف عن إحدى القراءات السبع، كما أن الأحوط عدم التخلف عما في المصاحف الكريمة الموجودة بين أيدي المسلمين، وإن كان التخلف في بعض الكلمات مثل <مَلِكِ يوم الدين> و<كُفُواً أحد> غير مضر، بل لا يبعد جواز القراءة بإحدى القراءات(3).
6- قال الخوئي : تجوز قراءة مالك يوم الدين، وملك يوم الدين ويجوز في الصراط بالصاد، والسين، ويجوز في كفواً، أن يقرأ بضم الفاء وبسكونها مع الهمزة، أو الواو.
وقال : الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع، وإن كان الأقوى جواز القراءة بجميع القراءات التي كانت متداولة في زمان الأئمة عليهم السلام(4).
مسألة البسملة(41/86)
وكذا من تلبيسهم أنهم قالوا إن أهل السنة لا يقرأوا البسملة في الفاتحة في صلاتهم فهم قد حرفوا القرآن وهذا باطل لأن أهل السنة لم يختلفوا في اثباتها في المصحف ولكن في قراءتها في الصلاة ثم إن الشيعة أنفسهم أثبتوها في كتبهم.
1- عن مسمع البصري قال : صليت مع أبي عبد الله عليه السلام فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قام في الثانية فقرأ الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم(1).
2- عن محمد بن علي الحلبي أن أبا عبدالله سئل عمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب.
قال : نعم ، إن شاء سراً ، وإن شاء جهراً فقيل: أفيقرأها مع السور الأخرى؟ قال : لا(2).
وقال الحر العاملي : ذكر الشيخ (يعني الطوسي) وغيره أن هذه الأحاديث محمولة على التقية، وذكر محامل أخرى.
قلت : ولا يسلم لهم ذلك لأن التقية تحرم في البسملة.
- فعن جعفر بن محمد قال : التقية ديني ودين آبائي إلا في ثلاث: في شرب المسكر، والمسح على الخفين، وترك الجهر بسم الله الرحمن الرحيم(3).
المبحث السابع
طعن اليهود والشيعة في الأنبياء وأصحابهم
- طعن اليهود في بعض الأنبياء والحاخامات :
الطعن على أنبياء الله وانتقاصهم سمة بارزة من سمات اليهود، ومن قرأ كتب اليهود وجدها تعج بكثير من المطاعن على أنبياء الله والقدح فيهم ورميهم بأبشع الجرائم مما هم منه براء .
لهذا سأقتصر على ذكر بعض الأمثلة لما جاء في أسفارهم من هذه المطاعن:
فمن التهم الباطلة التي يلصقها اليهود بنبي الله لوط عليه السلام تلك التهمة الجائرة التي زعموا فيها أن لوطاً عليه السلام زنا بابنتيه.
وفيما يلي نص هذه الفرية التي سيجازيهم الله عليها، كما جاءت في الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين .(41/87)
> وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه، لأنه خاف أن يسكن في صوغر، فسكن في المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة، هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه، فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعي معه، فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما>(1). سبحانك هذا بهتان عظيم.
أما رسول الله هارون عليه السلام، فقد افتروا عليه أعظم فرية، حيث زعموا أنه صنع لبني إسرائيل عجلا من الذهب ليعبدوه، عندما تأخر عليهم موسى عليه السلام في الجبل :
جاء في سفر الخروج: <ولما رأى الشعب أن موسى قد أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه. فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها، فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا، فقالوا هذه آلهتك ياإسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر>(2).
أما داود عليه السلام فيرمونه بالزنا بامرأة أحد ضباط جيشه، ثم تدبيره بعد ذلك مقتل زوج هذه المرأة بعد علمه بأن هذه المرأة قد حملت منه.(41/88)
جاء في سفر صموئيل الثاني : <وكان وقت المساء أن داود قام من سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم، وكانت المرأة جميلة المنظر جدا، فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد: أليست هذه (بتشبع) بنت أليعام امرأة (أوريا) الحثي فأرسل داود رسلا وأخذها، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود وقالت إني حبلى... وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يوآب(1) وأرسله بيد أوريا وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت.. فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات أوريا رجلها، ندبت بعلها، ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابنا>(2).
ففي هذا النص قد نسبوا إلى نبي الله داود عليه السلام الزنا، بامرأة رجل كان يجاهد في جيشه، ثم تآمره على قتل هذا الرجل غدرا، جريمتان كبيرتان لا يستحي اليهود من إلصاقهما بنبي الله داود في الكتاب الذي يدعون قداسته وأنه وحي من الله.
أما سليمان عليه السلام فتصوره أسفار اليهود ملكا مرفها، كان همه إشباع رغباته النفسية، بكثرة المآكل والمشارب، وبكثرة النساء اللاتي صرفنه في آخر حياته عن عبادة الله إلى عبادة الأوثان كما زعموا.
ففي سفر الملوك الأول: <وأحب الملك سليمان نساء غربية كثيرة مع بنت فرعون: موآبيات، وعمونيات، وأدوميات، وصيدونيات، وحِثّيَّات من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: لا تدخلوا إليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم، فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة، وكانت له سبعمائة من النساء السيدات وثلاثمائة من السراري فأمالت نساؤه قلبه، وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه، كقلب داود أبيه>(3)،(4).(41/89)
أما عيسى وأمه عليهما السلام، فلم يترك اليهود جريمة إلا ألصقوها بهما.
فقد كذبوا المسيح عيسى ابن مريم وعدّوه كافرا مرتداً ووصفوه وأمه بأقبح الأوصاف وأشنعها.
وفيما يلي نماذج مما جاء في كتب اليهود من الطعن في المسيح وأمه عليهما السلام:
جاء في التلمود : < إن المسيح كان ساحرا ووثنيا>(1).
وجاء في موضع آخر منه <إن المسيح كان مجنونا>(2).
ولم يكتف اليهود بتكفير عيسى عليه السلام، ووصفهم له بأنه مرتد ساحر مجنون، بل طعنوا في نسبه وزعموا ظلما وبهتانا أن أمه أتت به عن طريق الزنا، فهو عندهم ابن غير شرعي.
جاء في التلمود : <إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار، وقد أتت به أمه من العسكري (باندار) عن طريق الخطيئة>(3).
- طعن اليهود في أصحاب الأنبياء:
وقد جاء في أسفار اليهود أيضا ذم الأنبياء والكهنة، ووصفهم بالكذب وشرب الخمر.
في سفر إشعيا < الكاهن والنبي ترنحا بالمسكر، ابتلعتهما الخمر، تاها من المسكر، ضلا في الرؤيا وفي القضاء>(1).
وفي سفر إرميا < لأن الأنبياء والكهنة تنجسوا جميعاً، بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب>(2).
- طعن الشيعة الاثنى عشرية في الأنبياء :
سأل المأمونُ الرضا عليه السلام عن قول الله : {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه}(3) .
قال الرضا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده فرأى' امرأته تغتسل فقال لها: <سبحان الذي خلقك>(4).
وفي تفسير علي بن إبراهيم القمي عن أبي جعفر: أن زينب مكثت عند زيد ما شاء الله ثم إنهما تشاجرا في شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنظر إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعجبته(5)
فانظر أخي القارئ كيف يطعنون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إذ كيف ينظر إلى زوجة رجل مسلم وهي تستحم ثم يعجب بها؟!(41/90)
وقريباً من هذه الحكاية ذكر الكليني في الكافي :
عن إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما وسلم أنه نظر إلى امرأةٍ من حِمْيَر أعجبه جمالُها فسأل الله عز وجل أن يزوجها إيَّاه ! وكان لها بَعْل فقضى الله على بعلها بالموت! وأقامت بمكة حزنا على بعلها فأسلى الله ذلك عنها وزوجها إسماعيل(1).
عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: كان رسول الله لا ينام حتى يضع وجهه بين ثديي فاطمة(2). وفاطمة امرأة كبيرة فكيف يضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجهه بين ثدييها رضي الله عنها.
ذكر الكليني في كافيه رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: <إن ذلك الحمار(3) كلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني(4) عن أبيه عن جدِّه عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار(5).
روى النعماني عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: لما يظهر الإمام المهدي يؤيده الله بالملائكة وأول من يبايعه محمد عليه الصلاة والسلام ثم علي عليه السلام، وروى الشيخ الطوسي والنعماني عن الإمام الرضا عليه السلام أن من علامات ظهور المهدي أنه سيظهر عاريا أمام قرص الشمس>(1).
فانظر ياأخي رحمك الله كيف يهينون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويدعون كذبا وزوراً أنه سيبايع المهدي، ثم يفترون على المهدي أيضا أنه سيظهر عريانا هكذا بدون ثياب. أي دين هذا؟
ثم نسبت الشيعة كذبا وزوراً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
> من تمتع مرة كانت درجته كدرجة الحسين، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي ابن أبي طالب، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي>(2).(41/91)
أفدرجة الحسين رضي الله عنه هينة إلى هذا الحد - إننا أهل السنة والجماعة نعتقد أن الرجل مهما عَبَدَ الله بشتى أنواع العبادات العظيمة فإنه لا يستطيع بحال أن يبلغ درجة أدنى فرد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف بسيد شباب أهل الجنة وسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم كيف بدرجة أخيه الأكبر الحسن ودرجة والده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم.
وأما سيد الأولين والآخرين وأفضل الرسل أجمعين، فاللهم إنا نبرأ إليك مما يدعي هؤلاء ونكل أمرهم إليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وذكر الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: <لما مات عبدالله ابن أبي بن سلول حضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جنازته فقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألم ينهك الله أن تقوم على قبره فسكت، فقال: يارسول الله، ألم ينهك الله أن تقوم على قبره فقال له: ويلك ما يدريك ما قلت؟ إني قلت: اللهم احش جوفه نارا واملأ قبره ناراَ وأصله ناراً>(1).
كيف تفتري الشيعة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث يدعون كذباً وزورا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على المنافق ولكنه في صلاته لم يدع له إنما دعى عليه - وهذا كما لا يخفى أنه من أعمال النفاق ونسبة النفاق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إهانة عظمى في حقه صلى الله عليه وآله وسلم(2) .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أنه كان ينام مع عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فراش واحد ولحاف واحد(3).
عن الرضا عليه السلام قال: قال الله لآدم هؤلاء من ذريتك (محمد وعلي وفاطمة، والحسن والحسين) وهم خير منك ومن جميع خلقي ، ولولاهم ماخلقتك، ولا خلقت الجنة والنار، ولا السماء والأرض ، فإيّاك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأُخرجك عن جواري.(41/92)
فنظر إليهم بعين الحسد! وتمنى منزلتهم ، فتسلَّط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نُهِى عنها ، وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة بعين الحسد! حتى أكلت من الشجرة(4).
قلت: لِمَ إذاً عاقبهما الله على الأكل من الشجرة كما ذكر في القرآن إذا كان أصل العقوبة لنظرهما إلى الأئمة بعين الحسد؟ .
عن الرضا عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن موسى سأل ربه فقال: يارب اجعلني من أمة محمد فأوحى الله إليه يا موسى إنك لا تصل إلى ذلك(1).
موسى لا يستحق أن يكون فرداً من أمة محمد. وأمة محمد هم الشيعة طبعاً ، والشيعة كلهم أفضل من موسى !! .
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: وكذَّب الأنبياء والمرسلين (أي إن الله كذبهم) كذَّب إخوةَ يوسف حيث قالوا: <أكله الذئب> وهم أنبياء مرسلون إلى الصحراء(2)
ورووا أن الله أوحى' إلى داود عليه السلام إني قد غفرت ذنبك وجعلت عار ذنبك على بني إسرائيل.
فقال: كيف يارب وأنت لا تظلم؟ قال: إنهم لم يعاجلوك بالنكرة(3).
عن أبي عبدالله قال: إن يوسف عليه السلام لما قدم عليه الشيخ يعقوب دخله عِزُّ الملك فلم ينزل إليه. فهبط جبريل فقال: يايوسف ابسط راحتك فخرج منها نور ساطع فصار في جو السماء.
فقال يوسف: ياجبريل ماهذا النور الذي خرج من راحتي؟
قال: نزعت النبوة من عقبك عقوبة لَمّا لَمْ تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون من عقبك نبي(4).
عن أبي جعفر عليه السلام قال: وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين إنَّ نبياً من الأنبياء كان يستكمل الطاعة ثم يعصي الله تبارك وتعالى في الباب الواحد فخرج به من الجنة وينبذ به في بطن الحوت ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة(1).
عن أبي عبدالله قال: إن نَبياً أراد أن يراجع الله في عذاب قومه فقال الله له: لترجعن عما تصنع أن تراجعني في أمر قد قضيته أو لأَرُدّنَّ وجهك على دُبرك(2).(41/93)
عن أبي جعفر عليه السلام: ودخل حزقيلَ النبيَّ العُجْب فقال في نفسه: ما فضل سليمان النبيَّ عليَّ وقد أعطيت مثل هذا؟ قال: فخرجت على كبده قرحه فآذته(3).
إن بعض أنبياء بني إسرائيل شكا إلى الله قسوة القلب وقلة الدمع(4).
وعن علي بن الحسين قال: يا أيتها الحوت. فأطلع الحوتُ رأسَه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول: لبيك لبيك ياوليَّ الله... فقال: مَن أنت؟ قال: أنا حوت يونس ياسيدي. قال: أنبئنا بالخبر. قال: ياسيدي إن الله لم يبعث نبيا إلا وقد عرض عليه وِلايتكم أهل البيت فمن قَبِلها من الأنبياء سَلَمَ وتَخَّلص، ومن تَوقَّف عنها وتَمَنَّع في حملها لقي ما لقي آدم من المعصية! ومالقي نوح من الغرق! وما لقي إبراهيم من النار! وما لقي يوسف من الجب! وما لقي أيوب من البلاء! وما لقي داود من الخطيئة ! إلى أن بَعَثَ يونس فأوحى' إليه أن يا يونس تَولَّ أمير المؤمنين علياً والأئمة الراشدين من صُلبه.
قال: كيف أتولَّى' من لَم أَره ولَم أعرفه؟ وذهب مغتاظا ً ! فأوحى الله إليَّ: أن التقمي يونس ولا توهني له عظماً ، فمكث في بطني أَربعين صباحاً يطوف معي البحار في ظلماتٍ ثلاث ينادي <لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنت من الظالمين> قد قبلت ولاية أمير المؤمنين والأئمة الراشدين.(1)
عن أبي جعفر الباقر قال: لما صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء..... ثم قال محمد صلى الله عليه وآله وسلم: أين أبي إبراهيم؟ فقالوا له: هو مع أطفال الشيعة فدخل الجنة فإذا هو تحت الشجرة لها ضروع كضروع البقر فإذا انفلت الضرعُ من فم الصبي قام إبراهيم فردَّ عليه. قال فسلم عليه وسأله عن عليِّ. فقال: خلَّفته في أُمَّتي. قال: نِعْم الخليفة خَلَّفْت. أما إن الله فرض على الملائكة طاعته وهؤلاء أطفال شيعته سألت الله عز وجل أن يجعلني القائم عليهم ففعل.(2)
الله أكبر: كَبُرت كلمة تخرج من أفواهكم إن تقولون إلا كذبا.(41/94)
آإبراهيم يعمل مُربِّية لأطفال الشيعة؟! قَبَّح الله من يُصدق هذا . عن الصادق عليه السلام قال: وكان داود عليه السلام قد بعث أوريا في بعث فصعد داود الحائط ليأخذ الطير وإذا امرأة أوريا تغتسل فلما رأت ظِلَّ داود نشرت شعرها وغطت به بدنها فنظر إليها داود وافتتن بها (فكتب داود إلى قائد جيشه) ضَع التابوت بينك وبين عدوك وقَدِّم أوريا بن حنان بين يدي التابوت فَقَدَّمَه وقتل . ثم تزوج داود أوريا وأنجبت له سليمان عليه السلام(3)،(4). وهذه القصة نفسها التي ذكرها اليهود كما مر ولكنهم زادوا على اليهود لأن اليهود قالوا وَلَدَت له ابنا أي من الزنا ولم تعينه، أما الشيعة فعينوا ولد الزنا وأنه سليمان عليه السلام.
إهانة الشيعة الاثنى عشرية أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أولاً: طعن الشيعة الاثنى عشرية في بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
اتفق سائر أهل السنة والجماعة على أن عدد بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع: السيدة زينب والسيدة رقية والسيدة أم كلثوم والسيدة فاطمة رضي الله عنهن وكذا ذهب إليه عامة الشيعة أيضا، إلا أن بعضهم(1) أنكر البنات الثلاث وأثبتوا لرسول الله بنتاً واحدة فقط وهي السيدة فاطمة الزهراء وأما الثلاث الباقيات فأنكروا بنوتهن لرسول الله وخالفوا صريح القرآن {ادعوهم لآبائهم}(2) لعداوتهم لبني أمية وذلك أن هؤلاء البنات كن عند بني أمية فرقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان وزينب تزوجها العاص بن الربيع.
قال تعالى{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين}(3) فالله ذكر البنات بصيغة الجمع التي تدل على تعدد بناته صلى الله عليه وآله وسلم وفي كتب علماء الشيعة: تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد له منها قبل مبعثه القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم وولد له منها بعد مبعثه الطيب والطاهر وفاطمة عليها السلام(4).(41/95)
وكذا أقوال الأئمة المعصومين عند الشيعة وعلمائهم صريحة في تعدد بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي مسجلة في الكتب الآتية وهي كلها للشيعة:
- مجالس المؤمنين ص 38 .
- التهذيب الجزء الأول ص 451 .
- تفسير مجمع البيان الجزء الثاني ص 332 .
- الكافي الجزء الأول ص 934 .
- فيض الإسلام ص 915 .
- نهج البلاغة الجزء الثاني ص 58 .
- قرب الأسناد ص 6 .
- تحفة العوام للسيد أحمد علي ص 311 .
- حيات القلوب الجزء الثاني ص28: 955، 322، 065.
- منتهى الآمال الجزء الأول ص 98 .
- مرآة العقول الجزء الأول ص 253(1) .
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي أيضا في الاحتجاج: فقال سلمان: فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه ودعا إلى نصرته... فأصبح لم يوافه منهم أحد غير أربعة، قلت لسلمان: من الأربعة؟ قال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام، أتاهم من الليلة الثانية... ثم الثالثة فما وفى أحد غيرنا(2).
أفليس تجوال علي بن أبي طالب ببضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليهما السلام وأخذها إلى باب كل فرد من المسلمين فيه إهانة للزهراء ولزوجها رضي الله عنهما أيضاً.
ثانيا : إهانة أمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أما موقف الشيعة من أمهات المومنين فإنهم يعادونهن ويناصبونهن العداء ، خاصة عائشة وحفصه رضي الله عنهما وقد نسبوا لعلي بن أبي طالب دعاء زورا وبهتانا ويسمى الدعاء بدعاء (صنمى قريش) يعنون بهما: أبا بكر وعمر وابنتيهما رضي الله عنهم أجمعين.
وهذا الدعاء موجود في أكثر من كتاب من كتبهم ولكن المرجع الأصلي له على ما يذكرون كتاب يقال له (مفتاح الجنان) - وهذا الكتاب موجود لدي - وهذا هو نص الدعاء كما جاء في هذا الكتاب:
( هذا دعاء صنمي قريش من كلام أمير المؤمنين)(41/96)
> اللهم صل على محمد وآل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيها وأفكيها وابنتيهما اللذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك وجحدا إنعامك وعصيا رسولك وقلبا دينك وحرفا كتابك وأحبا أعداءك وجحدا آلاءك وعطلا أحكامك وأبطلا فرائضك وألحدا في آياتك وعاديا أولياءك وواليا أعداءك وخربا بلادك وأفسدا عبادك. اللهم العنهما وأتباعهما وأولياءهما وأشياعهما ومحبيهما وأنصارهما، اللهم ألعنهما في مكنون السر وظاهر العلانية لعنا كثيرا أبدا دائما سرمداً لا انقطاع لأمده ولا نفاذ لعدده لعنا يعود أوله ولا يروح آخره لهم ولأعوانهم وأنصارهم ومحبيهم ومواليهم والمسلمين لهم والمائلين إليهم والناهضين باحتجاجهم والمقتدين بكلامهم والمصدقين بأحكامهم (قل أربع مرات اللهم عذبهم عذابا يستغيث منه أهل النار آمين رب العالمين)(1).
وهذا الدعاء قد جاء أيضا في كتاب (تحفة عوام مقبول).
وهذا الكتاب موثق من جماعة من كبار علماء الشيعة جاء ذكر أسمائهم على أول صفحة منه(2).
أما فضل هذا الدعاء عندهم فيوضحه محسن الكاشاني في الرواية التي ينسبها - ظلما وجوراًً - إلى ابن عباس <أنّ علياًً عليه السلام كان يقنت بهذا الدعاء في صلواته وقال: إن الداعي به كالرامي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بدر وأحد وحنين بألف ألف سهم>(3).
وزيادة على هذا فإنهم زعموا أن قائمهم المزعوم عندما يأتي يجلد عائشة رضي الله عنها الحد وينتقم لفاطمة رضي الله عنها.
روى المجلسي عن عبدالرحيم القصير عن أبي جعفر أنه قال - وهو برىء من ذلك - <أما لو قام قائمنا لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة عليها السلام منها، قلت: ولم يجلدها الحد؟ قال لفريتها على أم ابراهيم رضي الله عنها قلت فكيف أخره الله للقائم عليه السلام، فقال له: إن الله تبارك وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة وبعث القائم نقمة>(4)،(5).(41/97)
وقد أفرد صاحب الصراط المستقيم - قبحه الله - فصلين خاصين في الطعن على عائشة وحفصة رضي الله عنهما وأرضاهما، سمى الفصل الأول (فصل أم الشرور) يعني بها عائشة رضي الله عنها.
وقد أورد تحت هذا الفصل كثيراً من المطاعن والقدح في الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها.
وأما الفصل الثاني فقد خصصه للطعن في حفصة رضي الله عنها وعن أبيها وجعل عنوانه (فصل في اختها حفصة)(1)، وقد أسند العياشي إلى جعفر الصادق - زوراً وبهتاناً - القول في تفسير قوله تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا}(2).
قال: التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا: عائشة، وهي نكثت إيمانها(3).
وزعم الشيعة أيضا أن لعائشة رضي الله عنها باباً من أبواب النار تدخل منه:
فقد أسند العياشي إلى جعفر الصادق - رحمه الله - وحاشاه مما نسب الشيعة إليه - أنه قال في تفسير قوله تعالى حكاية عن النار: {لها سبعة أبواب}(4) <يؤتي بجهنم لها سبعة أبواب... والباب السادس لعسكر... الخ>(5). وعسكر كناية عن عائشة رضي الله عنها كما زعم ذلك المجلسي(1). ووجه الكناية عن اسمها بعسكر؛ كونها كانت تركب جملا - في موقعة الجمل - يقال له عسكر. كما ذكر ذلك المجلسي أيضا.
ولم يكتف الشيعة بذلك، بل لقبوا عائشة في كتبهم بـ <أم الشرور>(2)، وبـ<الشيطانة>(3).
وزعموا أنها كانت تكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(4)، وأن لقبها <حميراء> من الألقاب التي يبغضها الله تعالى(5).
فعائشة رضي الله عنها إذاً كافرة عند الشيعة، وليست من أهل الإيمان، وهي عندهم من أهل النار.
وقد زعم الشيعة أن قوله تعالى {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين}(6) مَثَلٌ ضربه الله لعائشة وحفصة رضي الله عنهما.
وقد فسر بعضهم الخيانة بارتكاب الفاحشة - والعياذ بالله تعالى: -(41/98)
قال القمي في تفسير هذه الاية: <والله ما عنى بقوله: {فخانتاهما} إلا الفاحشة(7)، وليقيمن الحد على (عائشة)(8) فيما أتت في طريق (البصرة)(1) وكان طلحة(2) يحبها، فلما أرادت أن تخرج إلى البصرة(3) قال لها فلان: <لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فزوجت نفسها من (طلحة)(4)،(5).
ووجه إقامة الحد عليها - على حد زعم الشيعة - كونها زوجت نفسها من آخر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع حرمة ذلك؛ فالله تعالى قد حرم نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعده أبداً .
فمن هي التي ارتكبت الفاحشة ، وتزوجت طلحة من بين زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي في طريقها الى البصرة - كما زعم الشيعة - ؟! .
المثل مضروب لعائشة وحفصة معا - على حد قول الشيعة المتقدم -
وحفصة لم تخرج إلى البصرة، والتي خرجت هي عائشة رضي الله عنها بإجماع الشيعة، فهي إذاً التي يقام عليها الحد - كما زعم الشيعة - لتزويجها نفسها من طلحة، مع حرمة ذلك عليها(6)؟!(41/99)
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج أن الإمام علياً عليه السلام قال عن عائشة أم المؤمنين: والله ما أراني إلا مطلقها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: (ياعلي أمر نسائي بيدك من بعدي)(7) أي لعلي الحق بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (والعياذ بالله) أن يطلق من يشاء من زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم الطاهرات المطهرات - لقد اخترعت الشيعة كذباً وإفكاً مثل هذه الروايات تنقيصا لمكانة الصديقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خاصة ولمكانة أمهات المؤمنين زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم مع أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللاتي أثنى عليهن الله في القرآن الكريم. فقال مخاطبا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في شأن أزواجه هؤلاء {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا}(1) وقال تعالى:{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (2) وقال تعالى : {يانساء النبي لستن كأحد من النساء}(3) الاية.
ونزلت في حقهن رضي الله عنهن {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا}(4) وخاصة السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها حيث أنزل الله عز وجل آيات سورة النور في طهارتها وعفتها وكمالها، وهي صريحة في أن من يطعن فيها بالإفك ويخترع الروايات الكاذبة للطعن فيها فإنه من عصبة المنافقين يقول الله تعالى في آخرها: {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين}(5).
كيف يتجرأ هؤلاء الشيعة ولا يستحيون من الله ولا من عباده فيهينون أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لا يرضى زوج أبدا أن يتعرض أحد لزوجته أو يطعن فيها ويذلها بأي صورة كانت بل إن الرجل الشهم ربما يتحمل ذل نفسه لسبب ما ولكن لا يمكن أن يتحمل الذل والإهانة والطعن في زوجته وأهله(6).(41/100)
ولم يكتف الشيعة بهذا ، بل نسبوا إليها أقوالا في غاية الخسة والبذاءة، وقد ترددت في ذكرها، وهممت ألا أكتبها، لولا ما ألزمت به نفسي من إعطاء صورة واضحة مختصرة عن نظرة الشيعة إلى الصحابة رضي الله عنهم، لذا فإني اذكر بعضها، وأعرض عن بعضها الآخر.
فلقد ذكر رجب البرسي - وهو من علمائهم - أن <عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة وفرقتها على مبغضي علي>(1).
وذكر أحمد بن علي الطبرسي - وهو من علمائهم أيضا - أن عائشة <زينت يوما جارية كانت عندها، وقالت: لعلنا نصطاد بها شابا من شباب قريش بأن يكون مشغوفا بها>(2).
فقاتلهم الله كيف حفظوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زوجته وأحب الناس إليه، لقد رموها بأشد مما رماها به رأس المنافقين وأتباعه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثالثاً : إهانة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
1- عن علي بن أبي طالب قال سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس له خادم غيري ، وكان له لحاف ليس له لحاف غيره ، ومعه عائشة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره ، فإذا قام إلى صلاة الليل يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا(1).
أقرأتم هذه الرواية الخبيثة التي تطعن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وعائشة وجعلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يغار على عرضه.
والأدهى من ذلك ، أنهم يروون في الكافي عن أبي عبدالله قال في الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد: يجلدان مائة جلدة(2).
2- عن علي بن أبي طالب قال : أنا جَنْبُ الله وكلمته وقَلْبُ الله وبابه الذي يؤتى منه <ادخلوا الباب سجدا أغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين، وبي وعلى يدي تقوم الساعة وفي يرتاب المبطلون وأنا الأول والآخر والظاهر والباطن وبكل شيء علي (3).(41/101)
3- عن أبي عبد الله قال : أُتي عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار كانت تهواه فأخذت بيضة وصبت البياض على ثيابها وبين فخذيها فقام علي فنظر بين فخذيها فاتهمها(4).
قلت : هذا كذب إذ كيف ينظر علي رضي الله عنه وكرم وجهه بين فخذي امرأة غريبة عنه.
وهل يطبق الشيعة اليوم هذا الفقه؟! ومن الذي يسيء لعلي الشيعة أم السنة؟
رابعا : الطعن في باقي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
1- الحسين بن علي 2- العباس بن أبي طالب 3- عقيل بن أبي طالب 4- عبد الله بن عباس 5- محمد بن علي بن أبي طالب 6- أولاد الحسن بن علي 7- علي بن الحسين (زين العابدين) 8- محمد بن علي (الباقر) 9- زيد بن علي بن الحسين 10- جعفر بن محمد (الصادق) 11- موسى بن محمد الجواد 12- جعفر بن علي العسكري.
روى الكليني عن أبي عبدالله عليه السلام أن رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي صلوات الله عليهما يمشي معه فلقيه مولى له فقال له الحسين عليه السلام: أين تذهب يافلان؟ فقال: أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها، فقال له الحسين عليه السلام: انظر أن تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله، فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين: الله أكبر، اللهم العن فلاناً عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك(1).
انظر وفقك الله للخير كيف تجترىء الشيعة فيفترون على الحسين رضي الله عنه مع ادعائهم محبته بأنه صلى على رجل فدعا عليه ولعنه مع أن الصلاة لا تكون إلا للدعاء وطلب المغفرة والرحمة.. فينسبون بذلك النفاق إلى الحسين كذبا وزوراً ونعوذ بالله أن يكون الحسين على هذا الشأن من النفاق والمداهنة. أفتبنى الأديان على النفاق؟ إذن لما احتاج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تحمل الأذى والمصائب من المشركين واليهود وغيرهم .(41/102)
وروى الكليني أن سديراً قال : كنا عند أبي جعفر عليه السلام فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، واستذلالهم أمير المؤمنين عليه السلام فقال رجل من القوم: أصلحك الله فأين كان عز بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: ومن كان بقي من بني هاشم إنما كان جعفر وحمزة فمضيا وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام عباس وعقيل(1).
وروى الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: بينا أبي جالس وعنده نفرٌ إذ استضحك حتى أغرورقت عيناه دموعاً ثم قال: هل تدرون ما أضحكني؟ قال: فقالوا: لا قال: زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. فقلت له: هل رأيت الملائكة ياابن عباس تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن، قال فقال إن الله تبارك وتعالى يقول:{إنما المؤمنون إخوة}(2) وقد دخل في هذا جميع الأمة.. قال: فاستضحكت ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقل ثم لقيته فقلت ياابن عباس ما تكلمت بصدق مثل أمس قال لك علي بن أبي طالب (ع) أن ليلة القدر في كل سنة وأنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وأن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت من هم فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون فقلت: لا أراها كانت إلا مع رسول الله فتبدأ لك الملك الذي يحدثه فقال: كذبت ياعبدالله رأت عيناي الذي حدثك به علي ولم تره عيناه ولكن دعا قلبه وقر في سمعه ثم صفقك بجناحه فعميت قال: فقال: ابن عباس ما أختلفنا في شيء فحكمه إلى الله فقلت: له فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين قال: لا فقلت هنا هلكت وأهلكت(1).
وعن زين العابدين عليه السلام بسند معتمد أن هذه الآية {من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} نزلت في حق عبدالله بن عباس وأبيه(2).(41/103)
عن عمران بن هيثم عن أبيه قال: أتت إمرأة مجح(3) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: ياأمير المؤمنين: أني زنيت فطهرني... فأمر أن يحفر لها حفرة ثم دفنها فيها ثم ركب بغلته وأثبت رجليه في غرز الركاب ثم وضع إصبعيه السبابتين في أذنيه ثم نادى بأعلى صوته ياأيها الناس إن الله تبارك وتعالى عهد إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عهدا عهده محمد صلى الله عليه وآله وسلم إليَّ بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حدٌ فمن كان عليه حدٌ مثل ماعليها فلا يقيم عليها الحد، قال: فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يؤمئذ ما معهم غيرهم قال: وانصرف فيمن انصرف يومئذ محمد ابن أمير المؤمنين عليه السلام(4).
وهنا محمد بن علي بن أبي طالب أيضا لم يسلم من الطعن، ورموه بتجهم بأبشع ما يرمى به مسلم ألا وهو العرض، حيث اتهموه أنه لم يكن من المشاركين في رمي الزاني لأنه عليه حد مثله.
وعن الحسين بن أبي العلا، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: وعندي الجفر الأحمر، قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر، قال: السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، فقال له عبدالله ابن أبي يعفور: أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: إى والله كما يعرفون الليل أنه ليلٌ والنهار أنه نهار ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم(1).
وعن بريد بن معاوية قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ان يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج... ثم ارسل إلى علي بن الحسين عليه السلام فقال له مثل ما قال للقريشي فقال له علي بن الحسين عليه السلام أرأيت أن لم أقر لك أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالأمس فقال له يزيد: بلى، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: قد أقررت لك بما سألت أنا عبد مكره فإن شئت فأمسك وإن شئت فبع(2).(41/104)
كيف يعترف الإمام المعصوم عند الشيعة بعبوديته ليزيد وهو من هو؟ وأين هو من أبيه لم لم يفعل كفعله؟
وعن عبيد الله الدابقي قال : دخلت حماما بالمدينة فإذا شيخ كبير وهو قيّم الحمام فقلت: ياشيخ لمن هذا الحمام؟ فقال: لأبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين عليه السلام فقلت: كان يدخله؟ قال: نعم، فقلت كيف كان يصنع؟ قال: كان يدخل فيبدأ فيطلي عانته وما يليها ثم يلف على طرف إحليله ويدعوني فأطلي سائر بدنه، فقلت له يوما من الأيام: الذي تكره أن أراه قد رأيته(3)، فقال: كلا إن النورة(4) سترته(5).
ويرد هذا كله قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم <من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر>(1). وحاشا محمد بن علي أن يكشف عورته.
عن عبد الرحمن بن الحجاج عن زرارة قال قلت لأبي جعفرعليه السلام: يدخل النار مؤمن؟ قال لا والله، قلت فما يدخلها إلا كافر؟ قال لا إلا ما شاء الله، فلما رددت عليه مراراً قال لي: أي زرارة إني أقول لا وأقول إلا من شاء الله وأنت تقول لا ولا تقول إلا من شاء الله، قال: فحدثني هشام بن الحكم وحماد عن زرارة قال قلت في نفسي شيخ لا علم له بالخصومة (والمراد إمامه) (يريد إبا جعفر)(2).
وكتب في شرح هذا الحديث ملا خليل القزويني في الفارسية ما معناه بالعربية (إن هذا الشيخ عجوز لا عقل له ولا يحسن الكلام مع الخصم).
عن حنان بن سدير قال : كنت جالساً عند الحسن بن الحسن فجاء سعيد بن منصور وكان من رؤساء الزيدية فقال: ما ترى في النبيذ فإن زيداً كان يشربه عندنا؟ قال: ما أصدق على زيد أنه شرب مسكراً. قال: بلى قد يشربه. قال : فإن كان فعل فإن زيدا ليس بنبي ولا وصي نبي إنما هو رجل من آل محمد يخطىء ويصيب(3).
وزيد هذا هو عم جعفر الصادق وأخو محمد الباقر وهو عند أهل السنة إمام ثقة، وأما عند من يدعون أنهم يوالون أهل البيت فسكير فهل هؤلاء يعظمون أهل البيت؟!(41/105)
وأما زواج عمر رضي الله عنه من أم كلثوم بنت علي رضي الله تعالى عنها فقد روى الكليني في الكافي عن زرارة أن أبا عبدالله (جعفر الصادق) قال في تزويج أم كلثوم: (إن ذلك فرج غصبناه)(1).
نعوذ بالله من هذه الوقاحة في حق السيدة ووالدها والحسنين رضي الله عنهم .
ولاحظ عبارة محمد باقر المجلسي أحد أعلام الشيعة في تعليقه على هذه الرواية حيث يقول <تدل على تزويج أم كلثوم من الملعون المنافق (عمر بن الخطاب) ضرورة وتقية< ألا من سائل يسأل هذا أين كانت حينئذ شجاعة أسد الله الغالب سيدنا علي بن أبي طالب وغيرته وشهامته وكذا بنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم؟!.
وعن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: <كان أبي يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتقيهم وأنا لا أتقيهم فهو حرام ما قتل>(2).
ونقل الكليني أيضا : <عن سلمة بن محرز قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إنّ رجلاً أرمانيا مات وأوصى إليّ فقال لي: ما الأرماني؟ قلت نبطي من أنباط الجبال مات وأوصى إليّ بتركة وترك ابنته فقال لي أعطها النصف قال: فأخبرت زرارة بذلك فقال لي: اتقاك(3) إنما المال لها، قال: فدخلت عليه بعد فقلت: أصلحك الله إن أصحابنا زعموا أنك اتقيتني فقال: لا والله ما اتقيتك لكني اتقيت عليك أن تعمل فهل علم بذلك أحد؟ قلت لا، قال فأعطها ما بقي>(1).
يفهم من هذه الروايات أن الأئمة كانوا يكتمون المسائل مرة ويحرفونها أخرى ويغيرون أجوبتهم من شخص إلى آخر وأن الكتمان في المسائل معظم دينهم بل رووا عنهم كذباً وزوراً أن الذي يكتم الدين يعزّه الله وأن الذي يظهره يذله الله إذا كان هذا شأن الأئمة المعصومين عندهم فبالله كيف الاعتماد على هؤلاء الأئمة أفليسوا هم أشبه بعلماء اليهود في تحريف الدين وكتمانه، وهذا كله طعن وإهانة شنيعة في حق أئمة أهل البيت وحاشاهم من هذه الأقوال الزائغة.(41/106)
ونقل الكشي عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التشهد.. قلت التحيات والصلوات... فسألته عن التشهد فقال كمثله قال التحيات والصلوات، فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت لا يفلح أبداً(2).
أبو عبد الله هذا هو الإمام جعفر الصادق الذي تنسب إليه طائفة الشيعة فيقولون عن أنفسهم إنهم جعفريون، وزرارة هذا من كبار رواة الشيعة وأكثر روايات الأئمة تتناقلها الشيعة عن طريقه - وهذا حاله مع إمامه المعصوم عنده ما أشدها من إهانة عظمى ارتكبها زرارة، ومن يرضى من عامة الناس أن يضرط أحد في وجهه أو لحيته فكيف بإمام جليل كجعفر الصادق رحمه الله ؟!
وذكر العلامة محمد الباقر المجلسي في جلاء العيون بالفارسية ما معناه بالعربية:
(عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن حسين فسموه صادقا لأنه إذا ولد من أولاده الخامس والذي يسمى بجعفر ويدعي الإمامة كذباً ويفتري على الله وهو عند الله جعفر الكذاب)(1). وهذا الذي ينقلون عنه أنه جعفر الكذاب هو ابن الإمام النقي وهو أحد الأئمة المعصومين عند الشيعة وشقيق الإمام حسن العسكري وهذا أيضا أحد الأئمة الاثنى عشر المعصومين عند الشيعة - وجعفر هذا من آل علي وفاطمة ومن سلالة الحسين وزين العابدين فكيف دعواهم الباطلة بحبهم لآل البيت إن هذا سلسلة نسبه هي السلسة الذهبية ولكنه عند الشيعة < محبي آل البيت > يلقب بجعفر الكذاب.
وعن يعقوب بن ياسر قال : كان المتوكل يقول: وَيْحَكم قد أعياني أمر ابن الرضا(2)، أبى أن يشرب معي أو يناد مني أو أجد منه فرصة في هذا، فقالوا له: فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويتعشق(3).(41/107)
نقل الكليني في الكافي عن أحمد بن عبد الله بن خاقان أنه سأل رجل أباه عن جعفر بن علي أخى الحسن العسكري فقال: ومن جعفر فتسأل عن خبره أيقرن بالحسن جعفر معلن الفسق فاجر ماجن شريب للخمور أقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه، خفيف، قليل في نفسه(4).
موقف الشيعة الاثنى عشرية من عموم الصحابة
لا يرتاب مسلم صادق في إسلامه في سمو منزلة الصحابة وفضلهم، ورفعة شأنهم، قوم اختصهم الله تبارك وتعالى لصحبة أفضل رسله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فصدقوه، وآزروه، ونصروه، واتبعوا النور الذي جاء به، فتلقوه عذباً زلالاًً، وسائغا فراتا من مشكاة النبوة، واخلصوا دينهم لله، وبذلوا في سبيله المهج والأرواح، والغالي والنفيس، والأموال والأولاد، فشادوا بنيانه، وأكملوا صرحه، وفتحوا البلاد وهَدَوا العباد، فكانوا بذلك أهلا لرضوان الله ومحبته، ورحمته وجنته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس وخير القرون.
ثم الشيعة الاثنى عشرية بعد ما تبين لهم فضل أولئك الصحب الأبرار، والخيرة الأطهار، يزعمون أن هؤلاء الكرام البررة رضي الله تعالى عنهم قد ارتدوا جميعا على أدبارهم القهقرى إلا نفراً يسيراً منهم رجّحوا أنهم ثلاثة: وهم سلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد استثنوهم من عداد من ارتد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال التستري - من كبار علمائهم - <كما جاء موسى للهداية وهدى خلقا كثيرا من بني إسرائيل وغيرهم فارتدوا في أيام حياته ولم يبق فيهم أحد على إيمانه سوى هارون صلى الله عليه وآله وسلم ، كذلك جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهدى خلقاً كثيرا، لكنهم بعد وفاته ارتدوا على أعقابهم(1).(41/108)
ولئن سألت الشيعة أدلة جلية ألجأتهم إلى هذا القول، لرأيتهم قد افتروا أقوالا نسبوها - زوراً وبهتاناً - إلى من يدعون أنهم أئمة لهم، أمثال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وغيرهم.
فمن الأقوال التي نسبوها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه : <إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أربعة>(1) - زادوا عمار بن ياسر رضي الله عنهما على الثلاثة السابقين - .
ومن الأقوال التي نسبوها إلى محمد بن علي الباقر رحمه الله <كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة>(2) و>ارتد الناس إلا ثلاثة نفر>(3).
وقد وصف الشيعة أسانيد هذه الروايات بأنها معتبرة(4)،(5).
أما سبب ارتداد الصحابة بزعمهم فهو لتركهم مبايعة علي رضي الله عنه.
روى الكليني> عن عبد الرحمن بن كثير عن أبى عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى}(6). فلان وفلان وفلان(7) ارتدوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين عليه السلام. قلت : قوله تعالى { ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر}(8) قال: <نزلت والله فيهما وفي أتباعهما>(9).
وهناك روايات أخرى كثيرة مكذوبة ملأ الشيعة بها كتبهم، ونسبوها - كذبا وبهتانا - إلى عدد من أئمتهم.
ولا ريب أن أولئك الأئمة بريئون من ذلك، وما نسبه إليهم الشيعة هو محض إفك مفترى، والحق أنه قد كُذب على أئمة أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أكثر مما كُذب على غيرهم، حتى شكا الأئمة - وعلى رأسهم جعفر الصادق - من ذلك.
وقد بين الإمام جعفر بن محمد الصادق رحمه الله - إمام الشيعة السادس - ذلك بقوله: <إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا، ويسقط صدقنا - بكذبه علينا - عند الناس>(1).(41/109)
أضف إلى ذلك ما أخبر به الله تبارك وتعالى من أنه رضي عن الصحابة في غير ما موضع من كتابه الكريم، وأمر بالاستغفار لهم. والمؤمن المطيع المتبع لا يصنع كصنيع الشيعة مع الصحابة؛ أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم. بل يستغفر لهم، ويترضى عنهم، ويعتقد أن ما نحن فيه من نعمة فهو من جهودهم رضي الله عنهم وجهادهم، ونتائج أعمالهم الطيبة المباركة، وثمرة لما قدموه من مال وولد في سبيل نصر دين الله ونشره، وإعلاء كلمة الله حتى لا يعبد أحد سواه.
والله تبارك وتعالى أخبر أنه رضي عن الصحابة الذين بايعوا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة بقوله: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريبا}(2).
وكانت عدّتهم - رضي الله عنهم - ألفا وثلاثمائة باعتراف الشيعة أنفسهم(1)، ولم يرتد منهم أحد، فكيف يُجِّوز الشيعة أن يرضى الله عز وجل عن أقوام ويحمدهم وهو يعلم أنهم سيرتدون على أعقابهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ بل وكيف يزعمون بعد هذا الإخبار أن الصحابة ارتدوا إلا نفرا يسيراً؟ إلا أن يقولوا: إن الله لم يعلم ذلك حتى وقع، فإن قالوها فقد عرضوا أنفسهم للعنة أحد الأئمة - المعصومين عندهم - جعفر الصادق الذي لعن من قال: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون(2)، ودعا عليه بالخزي، فقال: <من قال هذا أخزاه الله>(3).
والآية عامة في الرضا عن المبايعين تحت الشجرة كلهم فـ<إذ> في قوله تعالى: {إذ يبايعونك} ظرف، وسواء أكانت ظرفاً محضاً، أم كانت ظرفاً فيها معنى التعليل، فإنها تدل على تعلق الرضا بجميع المبايعين، فعلم أنهم جميعاً من المرضي عنهم.
وخلاصة القول : إن دعوى الشيعة ارتداد الصحابة أمر قائم على الهوى، وليس لديهم دليل نقلي صحيح، ولا عقلي صريح يسوغ لهم الإقدام على مثل هذا الادعاء الخطير.(41/110)
اللهم اعصمنا بالتقوى، واحفظ علينا حبنا لصحابة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم كما تحب وترضى يارب العالمين(4).
موقف الشيعة الإثنى عشرية من الخليفة الراشد
أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
يطعن الشيعة في صدق إيمان الصديق رضي الله عنه ، ويصفونه بأنه رجل سوء(1). أمضى أكثر عمره مقيما على الكفر، خادما للأوثان(2). عابدا للأصنام(3)، حتى شاب قرنه وأبيض فُوده(4).
ولم يكتفوا بهذا ، بل زعموا أن إيمانه كان كإيمان اليهود والنصارى، لأنه لم يتابع محمدا صلى الله عليه وآله وسلم لاعتقاده أنه نبي، بل لاعتقاده أَنَّه مَلِك(5)، لهذا لم يكن إسلامه صادقا، فقد استمر على عبادة الأصنام، حتى إنه - على حد قولهم - <كان يصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصنم معلق في عنقه يسجد له>(6)، وكان يفطر متعمدا في نهار رمضان، ويشرب الخمر، ويهجو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(7) :
قال الطوسي : <إن من الناس من شك في إيمانه، لأن في الأمة من قال: إنه لم يكن عارفا بالله تعالى قط>(8).
وأما ابن طاوس فقد جزم بأن أبا بكر مشكوك في هدايته(9).
وجزم المجلسي بعدم إيمانه(1).
أما باطنه رضي الله عنه ، فقد زعموا أنهم اطلعوا عليه، وتبين لهم من خلال هذا الاطلاع أنه كافر(2)، حتى إنهم حرّفوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: <إن أبا بكر لم يسؤني قط>، بما يوافق مزاعمهم الباطلة، فقالوا: <هذه صيغة ماض، وهي تستلزم أن كفر أبي بكر لم يسؤه عليه السلام>(3).
وهذه المزاعم التي قالها الشيعة كلها كاذبة، ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، وليس لديهم دليل عليها، إلا ما يعتمل في صدورهم من حقد على الصديق رضي الله عنه، وإخوانه الصحابة، فالصديق رضي الله عنه صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا به من مبعثه إلى أن مات.(41/111)
وقد أجمع المسلمون على أن الصديق رضي الله عنه أول من صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآمن به من الرجال(4)، وعليا أول من آمن من الصبيان، وخديجة أول من آمنت من النساء، وزيد بن حارثة أول من آمن من الموالي(5).
وقد سئل الحبر ابن عباس رضي الله عنهما: <من أول من آمن؟ فقال: أبو بكر الصديق: أما سمعت قول حسان:
إذا تذكّرت شَجْوًا من أخي ثقةٍ فاذكر أخاك أبا بكر بما فَعَلا
خَيرُ البِرَيَّة أوفاها وأعدلها بعد النَّبِيّ وأولاها بما حَمَلا
والتالي الثاني المحمود مشهده وأول الناس منهم صدَّق الرُّسُلا(6).
وحين عَرَض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاسلام عليه لم يتردد في قبوله، ولم يتلعثم، بل أقبل عليه بكل جوارحه، وقد أخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بقوله: <وما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة، إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم>(1).
بينما يروي الشيعة في قصة إسلام علي رضي الله عنه أنه تلعثم وتردد، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يمهله، وقال له: <إن هذا دين مخالف دين أبي، وأنا أنظر فيه>(2).
أما ادعاء الشيعة أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن مؤمنا حقيقة، وأنه مشكوك في هدايته، فكذب بإجماع المسلمين، ولا يوجد دليل واحد في أي كتاب من كتبهم يؤيد هذه المزاعم الباطلة، ولو كانت التهم تلقى جزافا لأمكن لمبغضي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَ يدَّعوا فيه ما أدَّعى الشيعة في الصديق رضي الله عنه ، ولكن حاشاه وحاشا الصديق من أن ينسب إليه ذلك، بل هما والصحابة الكرام من سادات أولياء الله، وأفضل الناس بعد أنبياء الله ورسله(3).
موقف الشيعة الاثنى عشرية
من الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه
يزعم الشيعة أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان مصابا بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال(1).(41/112)
ولم يكتف الشيعة بهذا التلميح، بل تعدّوه الى التصريح، إذ صرحت بعض رواياتهم أن عمر رضي الله عنه كان ممن ينكح في دبره .
فقد روى العياشي أن من تسمَّى بـ <أمير المؤمنين> فهو ممن يؤتي في دبره(2).
ومعلوم أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من تسمى بـ <أمير المؤمنين>(3).
وهذا الإفك وجهه الشيعة إلى من أحب الإمام الأول - المعصوم عندهم - علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يلقي الله بمثل عمله(4)، وزوجه ابنته أم كلثوم(5). فهل يحب الإمام المعصوم عندهم أن يلقى الله بمثل عمل من يؤتى في دبره؟ وكيف زوج الإمام المعصوم عندهم ابنته لمن يؤتي في دبره - على حد زعمهم - ؟ سؤال أترك الإجابة عليه للشيعة أنفسهم.
ويزعم الشيعة أيضا أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يبطن الكفر ويظهر الإسلام(1).
ويزعمون أن كفره مساوٍ لكفر إبليس إن لم يكن أشد منه.
عن أبى عبد الله عليه السلام أنه إذا كان يوم القيامة يؤتى بابليس في سبعين غلاِ وسبعين كبلاً(2) فينظر الأول إلى زفر(3) في عشرين ومائة كبل وعشرين ومائة غل فينظر إبليس فيقول: من هذا الذي أضعفه الله له العذاب وأنا أغويت هذا الخلق أجمعين؟
فيقال : هذا زفر، فيقول: بما حُدِّدَ لَهُ هذا العذاب؟ فيقال: ببغيه على علي عليه السلام(4).
ولا يكتفي الشيعة بمجرد القول بكفر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل يلعنون كل من يشك في كفره، ويزعمون أنه لا يشك في كفره عاقل.
قال المجلسي - شيخ الدولة الصفوية ، ومرجع الشيعة المعاصرين:- <لا مجال لعاقل أن يشك في كفر عمر. فلعنة الله ورسوله عليه، وعلى كل من اعتبره مسلماً، وعلى كل من يكف عن لعنه>(1)،(2).(41/113)
وروى القمي في تفسيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: <ما بعث الله نبيا إلا وفي أمته شيطانان يؤذيانه، ويضلان الناس بعده، فأما صاحبا نوح فقنطيفوس وخرام، وأما صاحبا ابراهيم فعكثل ورزام، وأما صاحبا موسى، فالسامري ومرعقيبا، وأما صاحبا عيسى: فبولس، ومريتون، وأما صاحبا محمد فحبتر وزريق>(3).
ويعنون بحتر عمر رضي الله عنه، وزريق أبا بكر رضي الله عنه(4) وهذه من الرموز التي يستعلمونها في كتبهم للطعن على الشيخين.
وفي تفسير العياشي عن بريد بن معاوية <أنه سأل أبا جعفر عليه السلام) عن قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت}(5). فكان جوابه فلان وفلان(6).
ويعنون بفلان وفلان أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كما بين ذلك شارح الكافي(7).
وفي كتاب سليم بن قيس: عن علي بن أبي طالب أنه قال: <إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أربعة، إن الناس صاروا بعد رسول الله بمنزلة هارون ومن تبعه، ومنزلة العجل ومن تبعه، فعلي في شبه هارون وعتيق(1) في شبه العجل، وعمر في شبه السامري(2).
وفي بصائر الدرجات : عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: <قلت أسألك جعلت فداك عن ثلاث خصال انف عني فيها التقية قال: فقال ذلك لك، قلت: أسألك عن فلان وفلان، قال فعليهما لعنة الله بلعناته كلها ماتا والله وهما كافران مشركان بالله العظيم>(3)،(4).
ومن الأعياد التي يفرح ويبتهج بها الشيعة الاثنا عشرية هو يوم مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويعتبرون يوم مقتله عيدا من أكابر الأعياد، ويعتبرون قاتله أبا لؤلؤة المجوسي الخبيث مسلما من أفاضل المسلمين، ويذكرون أنه إنما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتقاما لظلم أصابه منه وإهانة ألحقها به.
ويصف الشيعة قاتل عمر بالشجاع، ويلقبونه بـ <شجاع الدين>(2).(41/114)
ويظهر الشيعة الاثنى عشرية فرحتهم وابتهاجهم باستشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فإضافةً لاعتبارهم يوم مقتله من أكبر الأعياد نجدهم ينشدون الأناشيد فرحاً وابتهاجا بما جرى له على يد قاتله المجوسي(3).
كما يعظمون يوم النيروز كفعل المجوس(4). وقد اعترف علماء الشيعة بأن يوم النيروز من أعياد الفرس(5).
فمما لا شك فيه أن أبا لؤلؤة المجوسي كان كافرا، وأنَّ قتله لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إنما كان ثأرا لدينه ووطنه، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان سببا في إطفاء نار المجوس وإزالة ملكهم فاندفع أبو لؤلؤة بحقده فقتل عمر، وقتل معه بضعة عشر صحابياً، وعلى هذا فانتصار الشيعة له إنما يعد انتصارا للكفار.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله <ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي، ومنهم من يقول: اللهم أرض عن أبي لؤلؤة واحشرني معه، ومنهم من يقول في بعض ما يفعله من محاربتهم: واثارات أبي لؤلؤة، كما يفعلون في الصورة التي يُقدّرون فيها صورة عمر من الجبس وغيره. وأبو لؤلؤة كافرٌ باتّفاق أهل الاسلام، كان مجوسيا من عباد النيران... فقتل عمر بغضا في الإسلام وأهله، وحبا للمجوس، وانتقاما للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم>(1).
وليست تقتصر مطاعن الشيعة على ما ذكر، بل ما ذكرتُهُ يُعَدّ غيضاً من فيض مما في كتب الشيعة من المطاعن المفتراة والموجّهة الى أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أبي بكر(2)،(3).
موقف الشيعة الاثنى عشرية من الخليفة الشهيد
ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه
أولا : طعنهم في أخلاقه رضي الله عنه(41/115)
حسن خلق عثمان رضي الله عنه من الأمور التي تظافرت الأدلة على إثباته، فبلغت بمجموعها حد التواتر المعنوي، حتى إنه لو أنكر إنسان حسن خلقه، وسيرته الحميدة، ومآثره النبيلة لقام الناس كلهم عليه، وأشاروا بسباباتهم إليه إن هذا القائل من الكاذبين .
ولست أدري كيف يستحل الشيعة الكذب، ويأتون بما ينقض ما تواتر لفظا أو معنى، مما يجعل من يقرأ ما كتبوه يصمهم بالكذب، إلا أن يقولوا إن ذلك من التقية، فلا أظن أن التقية تسوغ لهم معارضة الأمور المتواترة.
لذلك نجدهم قد وجهوا العديد من المطاعن إلى أخلاق الحيي الكريم عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ووصفوه بأنه زان، مخنث، يلعب به، همه بطنه وفرجه.. الخ.
قالوا : إنه <أُتي بامرأة لتحد، فقاربها - جامعها - ثم أمر برجمها> على حد زعم الشيعة(1).
وليس الأمر قاصرا عند الشيعة على اتهام عثمان رضي الله عنه بالزنا، بل تعدوه إلى زعمهم أنه كان ممن يلعب به، وأنه كان مخنثا(2).
وقد نسبوا إلى علي رضي الله عنه - زورا وبهتانا - أنه قال عن عثمان: همه بطنه وفرجه.
فقد روى الكليني بسنده عن علي بن أبي طالب أنه قال في إحدى خطبه: <سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همته بطنه وفرجه، ياويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له>(1).
وذكر المجلسي في شرحها أن المراد بالثالث : عثمان بن عفان، وأن اللذين سبقاه هما أبوبكر وعمر(2).
وزعم الشيعة أيضا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن يبالي أحلالا أكل أم حراماَ.
فقد أسند الكليني أيضا - كذبا - إلى جعفر الصادق أنه قال: <إنَّ وليَّ عثمان لا يبالي أحلالا أكل أو حراما، لأن صاحبه كان كذلك>(3).
ومرادهم بـ <صاحبه> : عثمان رضي الله عنه .(41/116)
وهذه المطاعن التي وجهها الشيعة إلى أخلاق عثمان رضي الله عنه إنما وجهها الشيعة إلى من أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه أن الملائكة تستحي منه(4)، وإلى من أخبر عن نفسه أمام جمع كبير من الناس - كان يمكنهم أن يردوا عليه لو كان كاذبا - بأنه ما زنى قط في جاهلية ولا إسلام(5).
ثم الشيعة بعد هذا يزعمون أنه كان زانيا، ومخنثا، ويلعب به، و...، و...، ..الخ ما أوردوه من الأكاذيب(6).
ثانياً : زعم الشيعة الاثنى عشرية أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان منافقا كافراً، وقولهم بوجوب لعنه والبراءة منه
يزعم الشيعة أن عثمان رضي الله عنه كان منافقا يُظهر الإسلام ويبطن النفاق(1).
قال الكركي : <إن من لم يجد في قلبه عداوة لعثمان، ولم يستحل عرضه، ولم يعتقد كفره، فهو عدو الله ورسوله، كافر بما أنزل الله>(2).
إذاً : ليس الأمر قاصراً على تكفير عثمان رضي الله عنه، بل تكفير كل من لم يبغضه، ويكفره، ويشتمه، ويخوض في عرضه، ويعنونكم أنتم أيها المسلمون.
ولم يكتف الشيعة بالحكم على عثمان رضي الله عنه بالكفر، بل أوجبوا لعنه والبراءة منه(3)، ومن يتصفح كتبهم يجد العجب العجاب.
ولا ريب أن هذا الصنيع يعد مخالفة صريحة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد توعد الله من يخالف أمره بالفتنة في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة، قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}(4).
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم بَشَّر عثمان رضي الله تعالى عنه بالجنة(5)، وزوجه ابنته رقية، فلما توفيت زوجه ابنته الأخرى أم كلثوم(1)، فلما ماتت أم كلثوم وحزن عليها عثمان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " <لو كانت عندي ثالثة زوجتها عثمان>(2).(41/117)
ومعلوم أن المنافق والكافر لا يدخل الجنة، بل هي محرمة عليه، فكيف يتفق حكم الشيعة على عثمان بالكفر والنفاق مع بشارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بالجنة؟!.
ثم كيف يزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان ابنتيه الواحدة تلو الأخرى وهو كافر منافق - كما زعم الشيعة - ؟!
فدل هذا على أن دعوى الشيعة كفر عثمان قائمة على الهوى، ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، وأن الشيعة قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي بشر عثمان بالجنة، وزوجه ابنتيه الواحدة تلو الأخرى لما عرف عنه من دين وخلق وفضل، ومات عليه السلام وهو عنه راض(3)،(4).
ثالثا : زعم الشيعة الاثنى عشرية أن عثمان رضي الله عنه قتل زوجته ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يزعم الشيعة الاثنا عشرية أن عثمان رضي الله عنه قتل رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويستدلون على هذه الفرية بآيات زعموا كذبا أنها نزلت فيه، والآيات هي: قوله تعالى: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد - يقول أهلكت مالا لبدا - أيحسب أن لم يره أحد - ألم نجعل له عينين - ولساناً وشفتين - وهديناه النجدين}(1).
فقد روى القمي بسنده عن أبي جعفر الباقر - رحمه الله - وحاشاه أن يكون صدر عنه شيء من هذا البهتان المبين - في تفسير هذه الآيات أنه قال: <قوله تعالى: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد} قال: يعني عثمان في قتله ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. {يقول أهلكت مالا لبدا}: يعني الذي جهز به النبي من جيش العسرة {أيحسب أن لم يره أحد} قال: فساد كان في نفسه {ألم نجعل له عينين} يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {ولسانا} يعني أمير المؤمنين (ع) {وشفتين} يعني الحسن والحسين عليهما السلام {وهديناه النجدين} إلى ولايتهما>(2).(41/118)
روى الكليني عن أبي بصير أنه قال: <قلت لأبي عبد الله (ع) أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: نعوذ بالله منها، ما أقل من يفلت من ضغطة القبر، إن رقية لما قتلها عثمان وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قبرها فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عيناه، وقال للناس: إني ذكرت هذه وما لقيت، فرققت لها، واستوهبتها من ضغطة القبر فوهبها الله لي>(1).
أما كيف قتلها - على حد كذبهم وافترائهم - فقد زعم البياضي الشيعي أنه ضربها حتى ماتت(2).
ويزعم الشيعة أن رقية كانت خائفة من عثمان، وكانت تدعو الله أن ينجيها منه ومن عمله.
فقد روى شرف الدين النجفي بسنده أن أبا عبدالله جعفر ابن محمد بن علي الصادق قال في تفسير قول الله تعالى: {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}(3). أنه قال: <هذا مثل ضربه الله لرقية بنت رسول الله التي تزوجها عثمان بن عفان. قال: {ونجني من فرعون وعمله} يعني من الثالث، عثمان>(4).
وقال هاشم معروف الحسيني - وهو من الشيعة المعاصرين - : <وتشير المرويات الكثيرة(5) أن عثمان بن عفان لم يحسن صحبتها، ولم يُراع رسول الله فيها، فتزوج عليها أكثر من امرأة، وماتت على أثر ضربات قاسية منه أدت إلى كسر أضلاعها....!>(1)،(2).
روى القمي في تفسير قوله تعالى : {قل أعوذ برب الفلق}(3).(41/119)
قال <الفلق جب في نار جهنم يتعوذ أهل النار من شدة حره، فسأل الله من شدة حره أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم. قال: وفي ذلك الجب صندوق من نار يتعوذ أهل الجب من حر ذلك الصندوق، وهو التابوت وفي ذلك التابوت ستة من الأولين وستة من الآخرين، فأما الستة من الأولين فابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود ابراهيم الذي ألقى ابراهيم في النار ، وفرعون موسى ، والسامري الذي اتخذ العجل، والذي هودّ اليهود والذي نصر النصارى، وأما الستة الذين من الآخرين فهو الأول والثاني والثالث والرابع(4) وصاحب الخوارج(5) وابن ملجم لعنهم الله(6).
أما العياشي فيعبر عن حقده على هؤلاء الخلفاء برواية أخرى مصطنعة يرويها عن جعفر بن محمد أنه قال: <يؤتي بجهنم لها سبعة أبواب بابها الأول: للظالم وهو زريق، وبابها الثاني: لحبتر، والباب الثالث: للثالث، والرابع: لمعاوية، والباب الخامس: لعبدالملك، والباب السادس: لعسكر بن هوسر، والباب السابع: لأبي سلامه(1). فهم أبواب لمن اتبعهم>(2)،(3).
طعن الشيعة الاثنى عشرية
في باقي الصحابة رضي الله عنهم
يزعم الشيعة أن طلحة رضي الله عنه كان ولد زنا وقد نسبوا إلى هشام بن محمد الكلبي قوله عن أم طلحة الصعبة بنت الحضرمي <أنها كانت لها راية(1) بمكة، وأنها استبضعت بأبي سفيان، فوقع عليها أبو سفيان، وتزوجها عبيدالله بن عثمان - والد طلحة - فجاءت بطلحة بن عبيدالله لستة أشهر، فاختصم أبو سفيان وعبيد الله في طلحة، فجعلا أمره إلى صعبة فألحقته بعبيدالله، فقيل لها: كيف تركت أبا سفيان؟ فقالت : يد عبيدالله طلقة، ويد أبي سفيان تربة(2).
ولا ريب أن هذه المزاعم الكلبية فرية بلا مرية، وإفك بلا شك، والشيعة لم يفتروا هذه الفرية على طلحة وحده، بل جعلوا جميع أمة محمد عليه الصلاة والسلام أولاد زنا ماعدا شيعتهم(3).(41/120)
ونسب المرتضى أيضا كذباً إلى علي رضي الله عنه أنه قال: <ألا إن أئمة الكفر في الإسلام خمسة طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري>(4).
روي المجلسي في البحار أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخبر سعد بن أبي الوقاص رضي الله عنه أن على كل شعرة في لحيته شيطاناً جالساً(1).
وروى الصدوق كذباً إلى جعفر الصادق أنه قال: <إن للنار سبعة أبواب، باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون>(2) .
ومرادهم بفرعون وهامان: أبو بكر وعمر رضي الله عنه(3) وأما المراد بـ<قارون> فقد ذكر الكاشاني أن <عبدالرحمن بن عوف قارون هذه الأمة>(4).
المبحث الثامن
عدالة الصحابة
لقد طعن الشيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأشرعوا سهامهم في ظهورهم لأنهم لا يجرؤن على المواجهة، فعمدوا إلى تشويه سيرتهم المرضية، وتسويد صحائفهم البيضاء النقية، واتهامهم بالنفاق والخيانة، وتكفيرهم صراحة بما فيهم أبوبكر وعمر وعثمان وبقية العشرة الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة ومات وهو راض عنهم، وغيرهم من سادات الصحابة وخيارهم رضي الله عنهم أجمعين.
وقد صدق عليهم قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(1) : <فضلت اليهود والنصارى على الشيعة بخصلتين: سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواريو عيسى، وسئلت الشيعة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم>(2).
فالشيعة لم يَتّبِعوا في صنيعهم هذا كتاب الله تعالى، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما كان قدوتهم في ذلك ابن السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي الذي يعد أول من أحدث الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم، وكَفَّرهم، وأول من أظهر البراءة منهم باعتراف الشيعة أنفسهم(3).(41/121)
فابن سبأ اليهودي هو أول من وضع نواة الرفض - المشتمل على تكفير الصحابة وسبهم - وأرسى قواعده، وعنه أخذ الشيعة هذا المعتقد الباطل، وغيره من المعتقدات الفاسدة التي خالفت كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ولم يكتف الشيعة باعتناق مذهب الرفض - المشتمل على سب الصحابة - فحسب، بل عملوا على نشره والدعوة إليه سالكين في سبيل ذلك مختلف الطرق، آخذين بشتى الوسائل والسبل في محاولة منهم لاستدراج الكثير من المسلمين الغافلين إلى هذا المذهب الفاسد تحت أغطية كثيرة، منها ادعاؤهم حب أهل البيت، وزعمهم أن الصحابة دفعوهم عن حقهم، وغصبوهم إياه، وتواطأوا على ظلمهم، وغير تلك من المزاعم التي تعد عند أرباب العقول إفكا غير مقبول.
ولا ريب أن أهل بيت نبينا الطيبين الطاهرين بريئون كل البراءة من كل ما ألصقه بهم الشيعة، وما نسبوه إليهم من معتقدات - وبخاصة معتقد الرفض - فهم يحبون الصحابة ويجلونهم ويحترمونهم وينزلونهم المنزلة التي يستحقونها(1).
الموقف الصحيح تجاه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لقد شهدت نصوص القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال أهل العلم والفضل، وكذا العقل الصريح على عدالتهم والرضا عنهم.
أولا : القرآن الكريم :
أثنى الله تعالى عليهم في آيات كثيرة جلية واضحة، لا نحتاج لمعرفة معناها إلى تأويل باطني كحال الشيعة في تأويل آيات القرآن .
- قال جل شأنه }كنتم خير أمة أخرجت للناس}(1).
> وكفى فخراً لهم أن الله تبارك وتعالى شهد لهم بأنهم خير الناس فإنهم أول داخل في هذا الخطاب ولا مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته(2).
- وقال سبحانه}والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}(3).(41/122)
- وقال سبحانه }لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}(4).
قال ابن حزم: فمن أخبرنا الله سبحانه أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم ولا الشك فيهم البتة(1).
> والذين بايعوا تحت الشجرة بالحديبية عند جبل التنعيم(2) كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، بايعوه لما صده المشركون عن العمرة(3).
- وقال تعالى }محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}(4).
فانظر إلى عظيم مقام الصحابة، حيث أثنى الله عليهم بهذه الأوصاف، وأخبر أن صفتهم مذكورة في التوراة والإنجيل، حتى ذكر بعض أهل العلم أن ظاهر هذه الآية يوجب أن الروافض كفار، لأن في قلوبهم غيظاً من الصحابة وعداوة لهم والله يقول {ليغيظ بهم الكفار} فبين أن من كان في قلبه غيظ منهم فهو من الكفار(5).
- وقال تعالى }لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى}(1).
وقد حكم الله لمن وعد بالحسنى بقوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدونü لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدونü لا يحزنهم الفزع الأكبر}(2).(41/123)
- وقال سبحانه }للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقونü والذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحونü والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}(3).
وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار، وتتضمن أن هؤلاء الأصناف هم المستحقون للفيء، ولا ريب أن هؤلاء الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة، فهم لم يستغفروا للسابقين، وفي قلوبهم غل عليهم. ففي الآيات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم وإخراج الشيعة من ذلك، وهذا ينقض مذهب الشيعة(4).
والآيات في هذا الباب كثيرة. وهناك من حاول أن يحرف معاني الآيات الواردة في فضل الصحابة بتعسف ظاهر وانظر مثالاً لذلك التيجاني في كتابه ثم اهتديت والرد عليه في كتاب كشف الجاني محمد التيجاني في كتبه الأربعة ص53(1).
ثانيا : السنة النبوية :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه(2).
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)(3).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سأل رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي الناس خير قال: القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث(4).(41/124)
وعن أبي بردة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون(5)، (6).
ثالثا : موقف آل البيت من الصحابة :
فهذا أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه ينهى بعض من كان في جيشه عن سب معاوية مع كونه دون الشيخين في الفضل ويقول: <كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين>.(1)
ولقد سأل جابر الجعفي الإمام محمد بن علي أبا جعفر الباقر عليه السلام عن الشيخين رضي الله عنهما: <أكان منكم أهل البيت أحد يسب أبا بكر وعمر؟ قال: لا، وأنا أحبهما وأتولاهما وأستغفر لهما>(2).
أما الإمام الصادق رحمه الله - إمام القوم السادس - فلم يكن يتولاهما فحسب، بل كان يأمر أتباعه بتوليهما أيضا، فقد روى الكليني - في كتاب الكافي الذي هو عند الشيعة بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة - بسنده عن الصادق أنه قال لامرأة من الشيعة سألته عن أبي بكر وعمر، أأتولاهما وأحبهما؟ فقال لها : <توليهما>. قالت: فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما؟ قال: <نعم>(3).
وقد ورد المدح للصديق أبي بكر عن محمد الباقر أيضا كما رواه علي بن عيسى الأربلي الشيعي المشهور في كتابه: كشف الغمة في معرفة الأئمة: أنه سئل الإمام أبوجعفر عن حلية السيف هل تجوز؟ فقال نعم قد حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة، فقال (السائل): أتقول هذا؟ فوثب الإمام عن مكانه، فقال: نعم، الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق، فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة>(4).
وأخبر زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أصحابه أنه لم يسمع أحدا من آبائه يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كما نقل ذلك عنه الشيعة(1).
وآباؤه هم علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأبوه وجده .(41/125)
أفلا يسع الشيعة ما وسع أئمتهم من تولي الشيخين والترضي عنهما، وعدم التبرىء منهما، فضلا عن لعنهما؟!.
ولم يكتف زيد بن علي رضي الله عنهما بقوله هذا، بل وافقه بفعله، وذلك حين جاءه قوم ممن ينتحلون التشيع ومودة آل البيت، وطلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى يبايعوه - وذلك حينما خرج على الأمويين - فقال لهم كلمته الرائعة التي ألجمت أفواههم، وبينت لهم معنى التشيع الحق: <أنا أتبرأ ممن يتبرأ منهما>(2)، <البراءة من أبي بكر وعمر براءة من علي>(3)، فقالوا له: <إذن نرفضك>(4).
فهذه أقوال من يزعم الشيعة أنهم أئمة لهم، وهذه حالهم، يتولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، بل وسائر الصحابة، ويترحمون عليهم، ولا يتبرؤون منهم، بل ويأمرون الناس بتوليهم ومحبتهم، ويحذرونهم من بغضهم وسبهم. فكيف يدعي من يزعم الانتساب إليهم أن البراءة من الشيخين والصحابة واجبة؟!. فضلاً عن كونها شرطاً للإيمان .
سؤال أترك الإجابة عليه للشيعة أنفسهم؟ (5) .
ثناء الأئمة على الصحابة رضوان الله عليهم عامة :
فقد ذكر ابن بابويه القمي في كتابه <الخصال> <عن أبي عبدالله قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنى عشر ألفا(1)، ثمانية آلاف من المدينة وألفان من أهل مكة، وألفان من الطلقاء لم ير فيهم قدري، ولا مرجي، ولا حروري، ولا معتزلي ولا صاحب رأي كانوا يبكون الليل والنهار>(2).
وذكر المجلسي في كتابه بحار الأنوار عن الصادق عن آبائه عن علي عليه السلام قال: <أوصيكم بأصحاب نبيكم لا تسبوهم الذين لم يحدثوا بعده حدثاً ولم يؤوا محدثا، فإن رسول الله أوصى بهم الخير>(3).
وفي البحار أيضا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم <طوبى لمن رآني، وطوبى لمن رأى من رآني، وطوبى لمن رأى من رأى من رآني>(4)،(5).(41/126)
وعن موسى بن جعفر (إمامهم السابع) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: <أنا أمنة لأصحابي، فإذا قبضت دنا من أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا قبض أصحابي دنا من أمتي ما يوعدون ولا يزال هذا الدين ظاهراً على الأديان كلها مادام فيكم من قد رآني>(1).
وبالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم أرحم خلفائي ثلاث مرات قيل له يارسول الله ومن خلفاؤك قال: الذين يأتون من بعدي ويروون أحاديثي وسنتي فيسلمونها الناس من بعدي(2).
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الراشد الرابع، والإمام الأول عندهم يمدح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحدا يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، وقد باتوا سجدا وقياما، يراوحون بين جباههم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب(3).
وقال رضي الله تعالى عنه في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: وكان أفضلهم في الإسلام كما زعمت وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق، والخليفة الفاروق، ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم وإن المصاب بهما لجرح في الاسلام شديد. رحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا>(1).(41/127)
وعن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبدالله عليه السلام ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر فقال: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان قال قلت: فأخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقوا على محمد صلى الله عليه وآله وسلم أم كذبوا؟ قال بل صدقوا. قال قلت: فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث بعضها بعضا(2).
الاعتراف بخلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة :
واعترف علي رضي الله تعالى عنه وأولاده بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وأقروها لهم، وكان علي وزيرا ومشيرا لهم، كما ثبت عنه وعن أولاده مدح لهؤلاء الأعاظم، فقد قال: <لله بلاء فلان (أبي بكر)(1) فلقد قوم الأود، وداوى العمد، وأقام السنة، وخلف الفتنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه>(2).
وقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين شاوره في الخروج إلى غزو الروم: إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة(3) دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فأبعث إليهم رجلا مجربا واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمين(4).
وقال مثنيا على خلافة الثلاثة: إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتِّباع سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى(5).
ذم علي بن أبي طالب شيعته وبيان نقائصهم :(41/128)
> إن عليا وأولاده الأئمة المعصومين < - عندهم - كانوا يبغضون الشيعة المنتسبين إليهم، المدَّعين حبهم وأتباعهم، وكانوا يذمونهم على رؤس الأشهاد، فهذا علي رضي الله عنه الإمام المعصوم الأول - كما يزعمون - يذم شيعته ورفاقه ويدعو عليهم فيقول: وإني والله لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة الى صاحبهم وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم، فلو ائتمن أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته، اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شراً مني، اللهم مِثْ قلوبهم كما يماث الملح في الماء(1).
ويقول: ياأشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندما، وأعقبت سدما. قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب.
لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد مراسا، وأقدم فيها مقاما مني! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وهأنذا قد ذرفت على الستين! ولكن لا رأي لمن لا يطاع(2).(41/129)
ويقول : ياأيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهى الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء! تقولون في المجالس: كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد! ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، وسألتموني التطويل، دفاع ذي الدين الممطول لا يمنع الضيم الذليل! ولا يدرك الحق إلا بالجد! أي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز - والله - بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل، أصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدو بكم. ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ماطبكم؟ القوم رجال أمثالكم أقوالا بغير علم! وغفلة من غير ورع! وطمعا في غير حق؟!(1).
وجاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: <ياأهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث واثنتين: صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمى ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء! تربت أيديكم! ياأشباه الإبل غاب عنها رعاتها! كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر، والله لكأني بكم فيما إخالكم أن لو حمس الوغى وحمى الضراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها(2).
ذم باقي الأئمة شيعتهم :
وعن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قال : <عرفت أهل الكوفة (أي شيعته وشيعة أبيه) وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، وإنهم لمختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم معنا وإن سيوفهم لمشهورة علينا>(1).(41/130)
وقال أخوه الحسين لشيعته حينما اجتمعوا عليه بدل أن يساعدوه ويمدوه بعد ما دعوه إلى الكوفة وبايعوا مسلم بن عقيل نيابة عنه فقال لهم: <تبا لكم أيتها الجماعة! وترحا وبؤسا لكم وتعساً حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفا كان في أيدينا وحششتم علينا نارا أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ويداً على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ولا ذنب كان منا فيكم، فهلا لكم الويلات إذ أكرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لم تستخصف ولكنكم استسرعتم الى بيعتنا كطيرة الدبا، وتهافتم إليها تهافت الفراش ثم نقضتموها سفها>(2).
وعن جعفر الصادق - عليه السلام - أنه قال: إني والله ما وجدت أحدا يطيعني ويأخذ بقولي إلا رجلا واحدا - عبد الله بن يعفور(3).
وروى الكليني عن أبي الحسن موسى أنه قال: لو ميزت شيعتي ما وجدتم إلا واصفة ولو امتحنتهم لما وجدهم إلا مرتدين(4).
ومثل هذا كثير وهذه هي الأسباب التي جعلتهم يلجأون إلى القول بالتقية، لأنه لا يمكن الجمع بين مدح الصحابة وعلى رأسهم أبي بكر وعمر وعثمان، وبين ذمهم والطعن فيهم كما لا يمكن الجمع بين ذم الشيعة والطعن فيهم وبين مدحهم.
فكيف الجمع بين هذا وذاك؟
فقالوا : إن الأئمة ما قالوا ذلك إلا تقية فكان هذا هو المخلص الوحيد لهم من المآزق .
رابعا : دلالة العقل والتاريخ وما علم بالتواتر وأجمع الناس عليه من عدالتهم(41/131)
أولا : قد عرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم اختصاص عظيم وكانوا من أعظم الناس اختصاصا به، وصُحبة له وقربا إليه، وقد صاهرهم كلهم، وكان يحبهم ويثني عليهم وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهراً وباطنا في حياته وبعد موته، وإما أن يكونوا خلاف ذلك في حياته أو بعد موته، فإن كانوا على غير الاستقامة مع هذا القرب فأحد الأمرين لازم، إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم، وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما قيل:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته، وأكابر أصحابه، ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما قال مالك وغيره. إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين(1).
ثانيا : إن المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة، ومعلوم أن الشبهات والشهوات في اوائل الاسلام كانت أقوى، حيث كان الإسلام إذ ذاك قليلا، والكفار مستولين على عامة الأرض، وكان المسلمون يؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله، وهم صابرون على الأذى متجرعون لمرارة البلوى، وقد اتبعوه صلى الله عليه وآله وسلم وهو وحيد فقير، ذليل خائف، مقهور مغلوب، وأهل الأرض يد واحدة في عداوته، وقد خرجوا من ديارهم وأموالهم وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والعزة حبا لله ورسوله.(41/132)
وهذا كله فعلوه طوعاً واختيارا، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام، كيف يكون إيمانهم بعد ظهور آياته وانتشار أعلامه(1) لاسيما والسبب الذي تكفرهم الرافضة من أجله وهو بيعة أبي بكر من دون علي، لا يوجد فيه ما يدفعهم إلى التضحية بإيمانهم، وخسارة سابقتهم وجهادهم وبيع آخرتهم من أجل أبي بكر، فما الذي حملهم على ذلك وهم يعلمون أنه كُفر بربهم، ورجوع عن دينهم، وتركوا اتباع قول رسول الله في بيعة علي بن أبي طالب، وقد علموا أنها طاعة لنبيهم، والثبات على دينهم، هل يعقل أن يطيع المهاجرون والأنصار أبا بكر في الكفر بالله، ويتركوا اتباع قول رسول الله في علي؟ وهم الذين خرجوا من ديارهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون.
ثالثا : إن مذهب الرافضة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير أمير المؤمنين لتخليه عن القيام بأمر الله(2)، ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة، بل بطلانها مادام نقلتها مرتدين، ويؤدي إلى القدح في القرآن العظيم، لأنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم، وهذا هو هدف واضع هذه المقالة ولذلك قال أبو زرعة: <إذا رأيت الرجل ينتقص أحداًً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة(1).
ولذلك اعترفت كتب الشيعة أن الذي وضع هذه المقالة هو ابن سبأ فقالت <إنه أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادعى أن عليا عليه السلام أمره بذلك>(2).(41/133)
رابعا : إن عليا رضي الله عنه لم يكفر أحدا ممن قاتله حتى ولا الخوارج، ولا سبى ذرية أحد منهم، ولا غنم ماله، ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين، بل كان يترضى عن طلحة والزبير وغيرهما ممن قاتله، ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتله بحكم المسلمين، وقد ثبت بالنقل الصحيح أن مناديه نادى يوم الجمل لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يغنم مال(3). واستفاضت الآثار أنه كان يقول عن قتلى عسكر معاوية: إنهم جميعا مسلمون ليسوا كفارا ولا منافقين(1).
وهذا ثبت بنقل الشيعة نفسها، فقد جاء في كتبهم المعتمدة عندهم <عن جعفر عن أبيه أن عليا - عليه السلام - لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك، ولا إلى النفاق، ولكنه يقول: هم بغوا علينا(2).
ولكن عقيدة التقية عندهم تجعل دينهم دين الشيوخ لا دين الأئمة، فقد قال الحر العاملي في التعليق على النص السابق <أقول: هذا محمول على التقية>(3).
وجاء في كتاب علي إلى أهل الأمصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين: <وكان بدء أمرنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله، والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء>(4).
وقد أنكر على من يسب معاوية ومن معه فقال: <إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم، اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم(5).
فهذا السب والتكفير لم يكن من هدي علي رضي الله عنه .(41/134)
خامسا : إن الذين تستثنيهم الرافضة من حكمها بالردة كسلمان وعمار والمقداد، إنما استثنتهم لأنهم بزعمها على مذهب الرفض من تكفير أبي بكر وعمر، وإنكار بيعتهما، وهذا من جملة نصب الرافضة وتلبيسهم، لأنه لم يعهد لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما منازع في إمامتهما لا هؤلاء ولا غيرهم. وهذا سلمان كان أميرا من قبل عثمان رضي الله عنه على الكوفة، وهذا المقداد وغيره كانوا في عساكر الصحابة وغزواتهم فكيف يمشي تلبيس الرافضة(1).
سادسا : من المعلوم المقطوع به من وقائع التاريخ وأحداثه المعلومة المستفيضة حال الصحابة رضوان الله عليهم، وأنهم لم يؤثروا على الله شيئا، وبلغ المكروه بهم كل مبلغ، وبذلوا النفوس في الله حتى أيد الله تعالى بهم نبيه، وأظهر بهم دينه، فكيف يجسر على الطعن عليهم من عرف الله ساعة في عمره؟ أم كيف يجتريء على سبهم وانتقاصهم من يزعم أنه مسلم(2)؟!
ولهذا قال الخطيب البغدادي: <على أنه لو لم يرد من الله عز وجل فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد بنزاهتهم>(3).
ومن يراجع أحداث السيرة وما لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه من أذى واضطهاد، حتى رمتهم العرب عن قوس واحدة، وتحملوا اضطهاد قريش في بطحاء مكة، وقاسوا مرارة المقاطعة وشدة الحصار في الشعب، وعانوا من فراق الوطن والأهل والعشيرة فهاجروا إلى الحبشة، والمدينة، وقاموا بأعباء الجهاد وتضحياته، وحاربوا الأهل والعشيرة إلى آخر ما هو مشهور ومعلوم من حالهم.
من يتأمل شيئا من هذه الأحوال، يعرف عظمة ذلك الجيل، وقوة إيمانه، وصدق بلائه.(41/135)
سابعا : قامت القرائن العملية، والأدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين علي في علاقته مع إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع ونقله حتى الروافض ما يثبت المحبة الصادقة، والإخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة، والصفوة من جيل الصحابة رضوان الله عليهم. وتأتي في مقدمة هذه الأدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين علي ابنته أم كلثوم لأمير المؤمنين عمر(1). فإذا كان عمر فاروق هذه الأمة قد صار عند الاثنى عشرية أشد كفرا من إبليس، أفلا يرجعون إلى عقولهم ويتدبرون فساد ما ينتهي إليه مذهبهم، إذ لو كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما كافرين لكان علي بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر رضي الله عنه كافرا أو فاسقا معرضا بنته للزنا، لأن وطء الكافر للمسلمة زنا محض(2).
والعاقل المنصف البرىء من الغرض، الصادق في تشيعه لا يملك إلا الإذعان لهذه الحقيقة، حقيقة الولاء والحب بين الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم، ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد بن بويه - وكان رافضيا يشتم صحابة رسول الله - <إن عليا - عليه السلام - زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب استعظم ذلك وقال: ما علمت بهذا وتاب وتصدق بأكثر ماله وأعتق مماليكه ورد كثيرا من المظالم وبكى حتى غشي عليه>(1) لشعوره بعظيم جرمه في ما سلف من عمره، الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤلاء الأطهار .
وقد حاول شيوخ الشيعة إبطال مفعول هذا الدليل فوضعوا روايات عن الأئمة تقول: <ذلك فرج غصبناه>(2) فزادوا الطين بلة، حيث صوروا أمير المؤمنين في صورة <الديوث> الذي لا ينافح عن عرضه، ويقر الفاحشة في أهله، وهل يتصور مثل هذا في حق أمير المؤمنين علي؟!. <إن أدنى العرب يبذل نفسه دون عرضه، ويقتل دون حرمه، فضلا عن بني هاشم الذين هم سادات العرب وأعلاها نسبا وأعظمها مروءة وحمية، فكيف يثبتون لأمير المؤمنين مثل هذه المنقصة الشنيعة، وهو الشجاع الصنديد ليث بني غالب أسد الله في المشارق والمغارب>(3).(41/136)
ويبدو أن بعضهم لم يعجبه هذا التوجيه، فرام التخلص من هذا الدليل بمنطق أغرب وأعجب، حيث زعم أن أم كلثوم التي تزوجها عمر لم تكن بنت علي ولكنها جنية تصورت بصورتها(4).
ومن القرائن أيضا علاقات القربى القائمة بينهم، ووشائج الصلة، وكذلك مظاهر المحبة حتى إن عليا والحسن والحسين يسمون بعض أولادهم باسم أبي بكر وعمر، وهل يطيق أحد أن يسمي أولاده بأسماء أشد أعدائه كفراً وكرها له؟ وهل يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردد في أرجاء بيته، يرددها مع أهله في يومه مرات وكرات؟(1)،(2).
المصادر والمراجع
أولا : المصادر والمراجع السنية
- القرآن الكريم :
حرف الألف (أ)
1- ابن سبأ حقيقة لا خيال : د. سعدي الهاشمي - الطبعة الأولى - نشر مكتبة الدار بالمدينة بالمنورة.
2- الأحاديث الصحيحة : محمد ناصر الدين الألباني - منشورات المكتب الإسلامي .
3- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل : تأليف محمد ناصر الدين الألباني - إشراف محمد زهير الشاويش - المكتب الإسلامي.
4- الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين : لأبن عساكر الشافعي. دار الفكر، دمشق ، سوريا ، ط. الأولى 6041هـ - 6891م.
5- إسرائيل والتلمود : إبراهيم خليل أحمد - مكتبة الوعي العربي - الفجالة .
6- أسد الغابة في معرفة الصحابة : أبو الحسن علي بن مكرم المعروف بابن الأثير، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
7- الاستيعاب في معرفة الأصحاب : لابن عبد البر - ط. دار الفكر، بيروت، لبنان .
8- الإصابة في تمييز الصحابة : أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني - دار الكتاب العربي - بيروت.
9- أصول مذهب الشيعة : د. ناصر الغفاري - الطبعة الأولى 4141هـ - 3991م.
10- الاعتصام : أبو اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي - دار المعرفة، بيروت، لبنان.
11- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين - فخر الدين الرازي - راجعه علي سامي النشار - ط 2041 دار الكتب العلمية.(41/137)
12- الأعلام : خير الدين الزركلي - الطبعة السابعة - 6891م - دار العلم للملايين - بيروت - لبنان.
13- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم شيخ الإسلام ابن تيمية - مطابع المجد التجارية.
14- الأنساب : للإمام أبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني (265هـ) الطبعة الأولى- مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد - الهند.
15- أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري - مكتبة المثنى - بغداد .
16- أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب : أبو محمد الحسيني - الطبعة الأولى 3141هـ - 3991م
حرف الباء (ب)
17- البدء والتاريخ : مطهر طاهر المقدسي (705هـ) طبعة سنة 2691م نشر مكتبة الأسدي - طهران.
18- البداية والنهاية : أبو الفداء اسماعيل بن كثير - الطبعة الثانية 4791م 4931هـ - مكتبة المعارف - شارع الأمير أمين - بيروت.
19- بطلان عقائد الشيعة : محمد عبد الستار التونسوي - دار العلوم للطباعة - القاهرة.
حرف التاء (ت)
20- تاريخ ابن خلدون : عبد الرحمن بن محمد بن خلدون - منشورات دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر 6591م.
21- تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير : للحافظ شمس الدين الذهبي - نسخة مصورة عن دار الكتب المصرية، ونسخة كمبريدج - عنيت بنشره مكتبة القدسي سنة 7631هـ.
22- تاريخ خليفة بن خياط : تحقيق د. أكرم ضياء العمري - الطبعة الثانية - مؤسسة الرسالة - بيروت - دار القلم - بيروت - دمشق.
23- تاريخ الطبري : محمد بن جرير الطبري (013 هـ) الطبعة الأولى - دار الكتب العلمية - بيروت.
24- تاريخ العرب قبل الإسلام : د. جواد علي - مطبعة المجمع العلمي العراقي 5731هـ - 6591م.
25- تاريخ مدينة دمشق : لأبي قاسم علي بن الحسين بن هبة الله المعروف (بابن عساكر).
أ - مخطوط :
ب - مطبوع : تحقيق صلاح الدين المنجد - مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق.(41/138)
26- تاج العروس : للسيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي - منشورات مكتبة الحياة - بيروت - لبنان.
27- تاريخ المدينة المنورة : لابن شبه . ط. دار الأصفهاني للطباعة ، جدة، السعودية - ط. الثانية: 3931هـ تحقيق فهيم شلتوت.
28- التبصير في الدين : لأبي مظفر الأسفرايني - تحقيق كمال يوسف الحوت - الطبعة الأولى - عالم الكتب.
29- تجريد أسماء الصحابة : أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي ، شرف الدين الكتبي 9831هـ.
30- تدريب الراوي في شرح تقريب النووي : جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي،تحقيق عبد الوهاب عبداللطيف، دار إحياء التراث السنة النبوية ، ط الثانية: 9931هـ.
31- التعريفات : للسيد علي بن محمد بن علي السيد الزين أبي الحسن الجرجاني - شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
32- تفسير ابن كثير : للحافظ أبي الفداء اسماعيل بن كثير - مكتبة دار الفيحاء للطباعة والنشر - دمشق 4141هـ - 4991م.
33- تقريب التهذيب : لابن حجر العسقلاني - قدم له وقابله بالأصل محمد عوامة - الطبعة الأولى 6041هـ - دار الرشيد - سوريا - حلب.
34- التلمود - تاريخه وتعاليمه : ظفر الإسلام خان - الطبعة السادسة - دار النفائس - بيروت .
35- التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع : محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطي (773هـ) قدم له وعلق عليه محمد زاهد الكوثري - 8831هـ - 8691م - مكتبة المثني، بغداد - مكتبة المعارف - بيروت.
حرف الحاء (ح)
36- حقيقة الشيعة : عبد الله عبد الله الموصلي - مكتبة ابن تيمية - القاهرة.
37- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : لأبي نعيم الأصفهاني - الكتاب العربي ، بيروت. ط. الثانية 7831هـ - 7891م
38- الحور العين : مشوان الحميري - مكتبة الخانجي بمصر 8491م
حرف الخاء (خ)
39- الخطوط العريضة : لمحب الدين الخطيب - الطبعة العاشرة. القاهرة، مصر.(41/139)
40- خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية :
عبد الله التل - الطبعة الثالثة 9931هـ - المكتب الإسلامي.
حرف الدال (د)
41- در السحابة في مناقب القرابة والصحابة: للشوكاني - ط. دار الفكر، دمشق، ط الأولى 4041هـ.
حرف الذال (ذ)
42- الذريعة الطاهرة النبوية : للدولابي. ط، السلفية - الكويت، ط. الأولى 7041هـ - تحقيق سعد المبارك الحسن.
حرف الراء (ر)
43- الرحيق المختوم : صفي الرحمن المباركفوري - الجامعة السلفية - مكتبة دار السلام - الرياض 4141هـ - 4991م.
44- الرد على الدكتور علي عبد الواحد في كتابه بين الشيعة وأهل السنة - إحسان إلهي ظهير - الطبعة الأولى 5041هـ - 5891م إدارة ترجمان السنة - لاهور - باكستان.
45- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني : للعلامة الألوسي البغدادي - دار إحياء التراث العربي - بيروت.
46- الروض الأنيق في إثبات إمامة أبي بكر الصديق : مخطوط مصور عن المكتبة البلدية الاسكندرية.
حرف السين (س)
47- سراب في ايران : للدكتور أحمد الأفغاني .
48- السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين : للمحب الطبري - مطبعة عيسى البابي الحلبي - القاهرة.
49- سنن أبي داود : للإمام الحافظ أبي داود بن الأشعث السجتاني - تعليق عزت عبيد الدعاس - الطبعة الأولى 8831هـ - 9691م - نشر وتوزيع محمد علي السيد - حمص.
50- سنن ابن ماجة : طبعة عيسى البابي الحلبي - القاهرة - تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي.
51- سنن الترمذي (الجامع الصحيح) - لأبي عيسى محمد بن عيسى ابن سورة الترمذي - تحقيق ابراهيم عطوه عوض - الطبعة الثانية 5931هـ - مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي.
52- السيرة النبوية : لأبي الفداء إسماعيل بن كثير - تحقيق مصطفى عبدالواحد 3931هـ - 6791م - دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
53- السيرة النبوية : لأبي محمد عبد الملك بن هشام - دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة.(41/140)
54- السيرة النبوية : للسيد أبي الحسن علي الحسيني الندوي - عني بطبعه ومراجعته: عبدالله ابراهيم الأنصاري - المطبعة العصرية للطباعة والنشر - صيدا - لبنان.
55- السير والمغازي (سيرة ابن إسحاق).
لمحمد بن إسحاق - تحقيق د. سهيل زكار - الطبعة الأولى 8931هـ - 8791م - نشر دار الفكر.
حرف الشين (ش)
56- شرح العقيدة الطحاوية : للقاضي علي بن علي محمد بن أبي العز الدمشقي - حققه وخرج أحاديثه بشير محمد عيون - نشر مكتبة دار البيان الطبعة الأولى 5041هـ.
57- شفاء الغليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل: لأبي المعالي إمام الحرمين عبدالملك بن عبد الله بن يوسف الجويني تحقيق د.أحمد حجازي السقا - نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
58- الشيعة وأهل البيت : إحسان إلهي ظهير - الطبعة السابعة 4041هـ - الناشر إدارة ترجمان السنة - لاهور - باكستان.
59- الشيعة الأثنا عشرية وتحريف القرآن : محمد عبد الرحمن السيف
60- الشيعة والسنة : إحسان إلهي ظهير - الطبعة الثلاثون - الناشر إدارة ترجمان السنة، لاهور - باكستان.
حرف الصاد (ص)
61- صحيح البخاري : للإمام أبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري مع شرحه فتح الباري لابن حجر العسقلاني - ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي - الريان للتراث - القاهرة .
62- صحيح الجامع الصغير : للسيوطي - تحقيق محمد ناصر الدين الألباني - الطبعة الأولى 8831هـ - منشورات المكتب الإسلامي .
63- صحيح مسلم : للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج - تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي - ط. دار إحياء التراث العربي.
64- الصراع بين الإسلام والوثنية : عبد الله القصيمي - الطبعة الثانية - القاهرة - 2041هـ - 2891م.
65- الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة : لأحمد بن حجر الهيثمي خرج أحاديثه وعلق عليه : عبدالوهاب عبداللطيف - نشر مكتبة القاهرة 0 شركة الطباعة الفنية المتحدة.
حرف الضاد (ض)(41/141)
66- الضعفاء والمتروكين : للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي - ط. المكتبة الأثرية سانكه هِل.
حرف الطاء (ط)
67- طبقات ابن سعد : دار صادر ، بيروت ، لبنان - 6731هـ - 7591م - نشر دار بيروت.
حرف العين (ع)
68- عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام: سليمان بن حمد عودة - الطبعة الأولى 5041هـ - 5891م الناشر - دار طيبة للنشر والتوزيع.
69- العقد الفريد : أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي - تحقيق د.مفيد محمد قميحه - دار الكتب العلمية - بيروت لبنان.
حرف الفاء (ف)
70- فتح القدير الجامع : لفني الرواية والدراية من علم التفسير - محمد ابن علي الشوكاني - دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
71- الفتنة الكبرى (علي وبنوه) : طه حسين: الطبعة الثامنة - دار المعارف بمصر .
72- فتح المغيث شرح الفية الحديث : محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق عبدالرحمن محمد عثمان - مطبعة العاصمة 8831هـ.
73- الفرق بين الفرق : عبد القاهر بن طاهر البغدادي - تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد - نشر دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.
74- الفصل في الملل والأهواء والنحل : للإمام أبي محمد علي بن أحمد المعروف (بابن حزم) تحقيق: د. محمد ابراهيم نصر - د.عبدالرحمن عميرة - نشر دار الجيل - بريوت - لبنان.
75- فضائل الصحابة : أحمد بن حنبل : ط. مؤسسة الرسالة، بيروت ، لبنان، ط. الأولى 3041هـ - 3891م - تحقيق: وصي الله بن محمد عباس.
حرف القاف (ق)
76- القاموس المحيط : للشيخ محمد بن يعقوب الفيروز آبادي - منشورات عالم الكتب.
حرف الكاف (ك)
77- الكامل في التاريخ : لأبي الحسن علي بن أبي أكرم الشيباني المعروف (بابن الأثير) عنيت بنشره دار الطباعة المنيرية 6531هـ.(41/142)
78- كشف النقاب عن الأسماء والألقاب : تصنيف الإمام أبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي - تحقيق الدكتور عبدالعزيز بن راجي الصاعدي - دار السلام - الرياض - الطبعة الأولى 3141هـ.
79- كشف الجاني محمد التيجاني في كتبه الأربعة : عثمان محمد الخميس التميمي - الطبعة الثانية.
80- الكفاية في علم الرواية : أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت - المكتبة العلمية.
حرف اللام (ل)
81- لسان العرب : لابن منظور - دار صادر - بيروت - لبنان .
82- لسان الميزان : للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان.
83- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للعلامة الشيخ محمد ابن أحمد السفاريني - الطبعة الثانية 5041هـ - 5891م - المكتب الإسلامي.
حرف الميم (م)
84- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين : للإمام الحافظ محمد ابن حبان - تحقيق محمود ابراهيم زايد - دار الوعي بحلب.
85- مجموع الفتاوى : شيخ الإسلام ابن تيمية - جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد - الطبعة الأولى 8931هـ.
86- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : نشر دار الكتاب - بيروت - لبنان - مصور عن ط الثانية 7691م
87- المحلى : أبو محمد علي بن أحمد بن حزم ، تصحيح محمد خليل هراس، مطبعة الإمام بمصر.
88- المحبر : للعلامة الأخباري أبي جعفر محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي البغدادي المتوفي (542هـ) المكتب التجاري - بيروت.
89- مختار الصحاح : محمد بن أبي بكر الرازي - نشر مكتبة لبنان 6891م
90- مختصر التحفة الإثنا عشرية : تأليف شاه عبدالعزيز غلام حكيم الدهلوي - اختصره السيد محمود شاكر الألوسي - حققه محب الدين الخطيب - المطبعة السلفية 3791م.
91- مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم : الشيخ محمد بن عبدالوهاب - تحقيق محمد حامد الفقي - مكتبة السنة المحمدية 5731هـ.(41/143)
92- مذاهب الإسلاميين : عبدالرحمن بدوي - الطبعة الأولى 3791م - نشر دار العلم للملايين.
93- مرآة الجنان وعبر اليقضان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: لليافعي ، تصوير مؤسسة الأعلمي للمطبوعات الإسلامية ، حلب ، سوريا.
94- المستدرك على الصحيحين : أبو عبد الله محمد بن عبدالله النيسابوري (الحاكم) نشر مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب - سوريا.
95- مسند الإمام أحمد بن حنبل ، ط الحلبي ، القاهرة 3131هـ نشر دار صادر بيروت، لبنان - ط المعارف، القاهرة - تحقيق أحمد شاكر 5631هـ - 4731هـ/ 6491م - 5591م.
96- المعارف : لأبي عبدالله بن مسلم (ابن قتيبة) حققه: ثروت عكاشة الطبعة الثانية - دار المعارف بمصر.
97- معجم البلدان : ياقوت الحموي - دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان 9931 - 9791م
98- المغني في الضعفاء : تحقيق نور الدين - الناشر دار إحياء التراث العربي، بيروت - الطبعة الأولى 1931هـ - 1791م.
99- مقالات الإسلاميين واختلاف المصليين : لأبي الحسن علي بن اسماعيل الأشعري - تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد - الطبعة الثانية 9831هـ - نشر مكتبة النهضة.
100- الملل والنحل : لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني - الطبعة الثانية - دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
101- منهاج السنة النبوية : لشيخ الإسلام ابن تيمية : تحقيق محمد رشاد سالم - الطبعة الأولى 6041هـ - مؤسسة قرطبة للطباعة والنشر والتوزيع.
102- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم : أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند 7531هـ.
103- المناظرة بين أهل السنة والرافضة : أبو العباس يوسف الواسطي - مكتبة الجامعة الإسلامية.
104- المواقف في علم الكلام : عبد الرحمن بن أحمد الأيجي عالم الكتب، بيروت.(41/144)
105- ميزان الاعتدال في نقد الرجال : لأبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق علي محمد البجاوي - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.
حرف النون (ن)
106- نشأة التشيع وتطوره والأسس التي يقوم عليها: محب الدين الخطيب - المطبعة السلفية.
107- نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام : علي سامي النشار - الطبعة السابعة 7791م - دار المعرفة بمصر.
108- النهاية في غريب الحديث والأثر : للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير) تحقيق: ظاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي - المكتبة العلمية - بيروت.
حرف الواو (و)
109- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان : لأبي العباس شمس الدين أحمد ابن محمد بن أبي بن خلكان - تحقيق: إحسان عباس - دار صادر بيروت.
110- الوافي بالوفيات ج71 : خليل بن أيبك الصفدي (مخطوط) نسخة مصورة في المجمع العلمي بدمشق.
حرف الياء (ي)
111- اليهود المغضوب عليهم : محمد بن عبد العزيز منصور.
112- اليهود في القرآن : عفيف عبدالفتاح طبارة - الطبعة التاسعة 2891م نشر دار العلم للملايين
113- اليهود ، نشأتهم وعقيدتهم ومجتمعهم : الطبعة الأولى 4791م - نشر مكتبة النهضة المصرية.
114- اليهودية (المجلد الأول من مقارنة الأديان) : تأليف الدكتور أحمد شلبي - الطبعة السابعة 4891م - مكتبة النهضة المصرية - شارع عدلي - القاهرة.
115- اليهودية والصهيونية : تأليف أحمد عبدالغفور عطار - دار الأندلس.
116- يوم الغفران : محمد مال الله .
ثانيا : المصادر والمراجع الشيعية
حرف الألف (أ)
1- الاحتجاج : لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي. منشورات الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان - الطبعة الثانية 0141هـ - 9891م.
2- أحقاق الحق : لنور الله التستري - المطبعة المرتضوية في النجف، العراق، 37 - 1هـ - طبعة حجرية، منسوخة بخط أبي القاسم الخوانساري .(41/145)
3- الاختصاص : محمد بن محمد بن النعمان الملقب (بالمفيد) تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري - منشورات: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم .
4- الأخبار الطوال : للدينوري .
5- اختيار معرفة الرجال : لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي. وانشكا - مشهد ، ايران.
6- الإرشاد : الشيخ المفيد / طبعة طهران .
7- آراء حول القرآن : السيد الفاني الأصفاني - دار الهادي - بيروت.
8- الاستبصار - أبي جعفر الطوسي - دار الكتب الإسلامية - طهران - 3631هـ.
9- الاستغاثة في بدع الثلاثة : لأبي القاسم على بن أحمد الكوفي خال من تاريخ الطبع ومكانه .
10- الأشعثيات : لأبي علي محمد بن محمد الأشعث الكوفي - اصدار مكتبة بينوى الحديث ، طهران ، ايران.
11- أصل الشيعة وأصولها : محمد الحسين آل كاشف الغطاء - الطبعة الرابعة 2041هـ منصورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.
12- أعيان الشيعة : تأليف محسن الأمين العاملي - طبعة دار التعارف - بيروت.
13- أمالي الصدق : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف (بالصدوق) الطبعة الخامسة - منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
14- أمالي الطوسي : تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - الطبعة الثانية 1041هـ- 1891م نشر مؤسسة الوفاء - بيروت لبنان.
15- الأنوار النعمانية : تأليف نعمة الله الموسوي الجزائري - مطبعة شركة جاب تبريز - ايران.
16- الانتفاضات الشيعية : لهاشم معروف الحسيني .
17- أوائل المقالات في المذهب المختارات : تأليف الشيخ المفيد بن محمد بن محمد النعمان - نشر دار الكتاب الإسلامي - بيروت - لبنان 3041 هـ - 3891م.
18- الإيضاح : الشيخ أبي محمد الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري - الطبعة الأولى 2041هـ - 2891م - منشورات - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان .(41/146)
19- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة : تأليف محمد بن الحسن الحر العاملي - المطبعة العلمية قم ، انتشارات نويد .
حرف الباء (ب)
20- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار : تأليف الشيخ محمد باقر المجلسي - الطبعة الثانية 3041هـ مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان.
21- البرهان في تفسير القرآن : لهاشم بن سليمان الحسيني البحراني - مؤسسة مطبوعاتي اسماعيلياتي ، قم ، ايران.
22- بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد صلى الله عليه وسلم : لأبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار) منشورات الأعلمي - طهران - تاريخ الطبعة 2631هـ.
23- بين التصوف والتشيع : هاشم معروف الحسيني - دار القلم ، بيروت ، ط الأولى 9791م.
24- البيان في تفسير القرآن : لأبي القاسم الموسوي الخوئي - الطبعة السادسة 1041هـ دار الزهراء للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.
حرف التاء (ت)
25- تاريخ الإمامية وإسلافهم من الشيعة - عبد الله فياض - ط. الثانية - مؤسسة الأعلمي - بيروت.
26- تاريخ الشيعة : تأليف الشيخ محمد حسين المظفري - منشورات مكتبة بصيرتي - قم ايران.
27- التبيان في تفسير القرآن - أبي جعفر الطوسي - مكتب الاعلام الإسلامي - إيران.
28- تحرير الوسيلة : آية الله روح الله الخميني - طبعة سفارة الجمهورية الإسلامية الايرانية - بيروت - 7041هـ - 7891م.
29- تحفة عوام مقبول : (مجهول المؤلف) مطبعة حيدر بريس - لاهور.
30- تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد : الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان - ط 3041هـ - دار الكتاب الإسلامي - بيروت - لبنان.
31- تفسير بيان السعادة - سلطان محمد الجانبذي - منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان - 8041هـ.
32- تفسير الصافي : المولي محسن الفيض الكاشاني - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان - الطبعة الأولى 9931هـ.(41/147)
33- تفسير العياشي : للشيخ محمد بن مسعود بن عياشي المعروف (بالعياشي) نشر المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.
34- تفسيرات فرات الكوفي : فرات بن ابراهيم بن فرات الكوفي - طبع في المطبعة الحيدرية النجف الأشرف.
35- تفسير القمي : لأبي الحسن علي بن ابراهيم القمي - مكتبة الهدى ، النجف ، مؤسسة دار الكتاب للطباعة.
36- تفسير القرآن الكريم : عبد الله شبر ، دار إحياء التراث العربي 7931هـ، ط الثالثة.
37- تفسير كنز الدقائق : الميرزا محمد المشهدي القمي - 7041هـ - مؤسسة النشر المكتبي - قم - إيران.
38- تفسير منهاج السالكين : محمد الملا الكاشاني .
39- تفسير نور الثقلين : الشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي : مؤسسة مطبوعاتي اسماعيلياتي، قم، ايران.
40- تلخيص الشافي : محمد بن الحسن الطوسي - طبعة حجرية مكتوبة بخط اليد - نسخها مير أبو القاسم بن مير محمد صادق الخوانساري - فرغ من نسخها في شهر رجب، سنة 1031هـ - طهران - ايران.
41- التنبيه والإشراف : علي بن الحسن المسعودي ، دار صعب - بيروت.
42- تنقيح المقال في علم الرجال : عبدالله المامقاني - طبع في المطبعة المرتضوية في النجف سنة 2531هـ.
43- تهذيب الأحكام - أبي جعفر محمد عبد الحسن الطوسي .
حرف الثاء (ث)
44- ثم اهتديت : محمد التيجاني - مؤسسة الفجر - لندن
45- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي، تعليق علي أكبر الغفاري - مكتبة الصدوق طهران.
حرف الجيم (ج)
46- جلاء العيون : محمد باقر المجلسي - اللغة الفارسية.
47- الجمل - النصرة في حرب البصرة : المفيد - منشورات مكتبة الداوري، قم، ايران - ط. الثالثة.
حرف الحاء (ح)
48- حق اليقين في معرفة أصول الدين : عبد الله شبر - دار الكتاب الإسلامي.
49- الحكومة الإسلامية - آية الله الخميني - في منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى.
50- حياة القلوب : محمد باقر المجلسي.(41/148)
51- حق اليقين (فارسي) : تأليف محمد باقر المجلسي - مدير انتشارات علمية إسلامية بازار شيرازي.
حرف الخاء (خ)
52- الخصال : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي (الصدوق) تصحيح علي أكبر الغفاري - نشر مكتبة الصدوق دار التعارف.
حرف الدال (د)
53- دائرة المعارف الإسلامية الشيعية : حسن الأمين - دار التعارف للمطبوعات - الطبعة الخامسة 2141هـ - 2991م.
54- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: صدر الدين علي خان الشيرازي الحسيني - منشورات مكتبة بصيرتي، قم، ايران سنة 7931هـ - قدم له محمد صادق بحر العلوم.
55- دلائل الإمامة : أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري - منشورات المطبعة الحيدرية في النجف 9631هـ - 9491م.
حرف الذال (ذ)
56- الذريعة الى تصانيف الشيعة : لآغا بزرد الطهراني - دار الأضواء - بيروت، لبنان - ط. الثالثة - 3041هـ - 3891م
حرف الراء (ر)
57- رجال العلامة الحلي : الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المعروف (بالعلامة) - ط قم - إيران .
58- رجال الكشي (معرفة أخبار الرجال) : تأليف محمد بن عمر بن عبدالعزيز الكشي- تقديم وتعليق: أحمد السيد الحسيني.
59- الرجعة : أحمد بن زين الدين الأحسائي - الطبعة الثانية منشورات مكتبة العلامة الحائري العامة - كربلاء.
60- رجال الطوسي : ابي جعفر عمر بن حسين الطوسي - منشورات الرحمن - قم، ايران.
61- روضات الجنات : للخوانساري - دار الإسلامية - بيروت - لبنان.
حرف السين (س)
62- سعد السعود : لأبي القاسم علي بن موسى المعروف بابن طاوس، مطبعة أمير، قم، ايران، الناشر مكتبة الرحمن 3631هـ.
63- سيرة الأئمة الأثنى عشرية : لهاشم معروف الحسيني - دار العلم، بيروت، لبنان، ط. الثالثة 1891م
حرف الشين (ش)
64- الشافي في الإمامة : لأبي القاسم علي بن الحسن بن موسى، المعروف بالشريف المرتضى، طبعة حجرية بخط اليد، كتبت في طهران سنة 4531هـ كتبها عباس الحائري.(41/149)
65- شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد - تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم - دار الجيل، بيروت - لبنان.
66- الشعائر الحسينية : حسن الشيرازي - دار صادر - بيروت.
حرف الصاد (ص)
67- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم : تأليف الشيخ زين الدين محمد علي بن يونس العاملي النباطي - عنيت بنشره المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية مطبعة الحيدري.
68- صفات الشيعة وفضائل الشيعة : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية المشهور (بالصدوق) كانون انتشارات عابدي - طهران.
69- الصلة بين التصرف والتشيع : د. كامل مصطفى الشيبي - الناشر - دار المعارف بمصر الطبعة الثانية.
حرف الطاء (ط)
70- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : لابن طاوس - مطبعة الخيام، قم، ايران 0041هـ.
حرف العين (ع)
71- عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى : مرتضى العسكري - الطبعة الخامسة 3041هـ - نشر دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
72- عقائد الإمامية - محمد رضا المظفر - الطبعة الثالثة 1931هـ - مطبوعات النجاح بالقاهرة.
73- عقائد الإمامية الإثنى عشرية : تأليف الموسوي الزنجاني النجفي - مؤسسة الوفاء - بيروت لبنان.
74- عقد الدرر في شرح بقر بطن عمر : (د.م) مخطوط يوجد في مكتبة (رضا) رامبور، الهند يحمل رقم (3002).
75- عقد أم كلثوم (أردو) محمد عبدالشكور - ط. باكستان.
76- علل الشرائع : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي - منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف 5831هـ - 6691م.
77- علم اليقين في أصول الدين : تأليف محمد بن المرتضى المدعو : بالمولى محسن الكاشاني (لا يوجد مكان الطبع وتاريخه).
78- عيون أخبار الرضا : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) الطبعة الأولى 4041هـ - 4891م - منشورات : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان.
حرف الغين (غ)(41/150)
79- الغيبة : لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - الطبعة الثانية طبع في مطابع النعمان.
80- الغيبة : للشيخ محمد بن ابراهيم النعماني - الطبعة الأولى 3041هـ 3891م مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.
حرف الفاء (ف)
81- فرق الشيعة : للشيخ الحسن بن موسى النوبختي - الطبعة الثانية 4041هـ - 4891م - منشورات دار الأضواء - بيروت - لبنان.
82- فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الأرباب : حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي - طبعة حجرية.
83- الفصول في أصول الأئمة : للحر العاملي - منشورات مكتبة بصرتي ، قم ، ايران، ط. الثالثة.
84- الفهرست : لابن النديم - الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت ، لبنان.
85- الفهرست : لأبي جعفر الطوسي - الطبعة الثالثة - 3041هـ - 3891م مؤسسة - بيروت - لبنان.
حرف القاف (ق)
86- قرب الإسناد - طبعة ايران - 0731هـ.
87- قرة العيون في المعارف والحكم : للفيض الكاشاني - الناشر: مكتبة الألفين - الكويت - ط الثانية 9931هـ.
حرف الكاف (ك)
88- الكافي : لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني - تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري - الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.
89- كتاب سليم بن قيس الكوفي : منشورات مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان.
90- كشف الأسرار : روح الله الخميني ، بالفارسية - ط طهران 3631هـ.
91- الكشكول فيما جرى على آل الرسول : لحيدر بن علي العبيدي الحسيني العاملي - مطبعة أمير، قم، ايران منشورات بيدار، ط الأولى - حققه عبداللطيف بن علي أكبر الحسيني.
92- كشف الغمة في معرفة الأئمة : لأبي الحسن علي بن عيسى الأربلي - دار الأضواء ، بيروت، لبنان- 5041هـ - 5891 الطبعة الثانية.
93- كمال الدين وتمام النعمة : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) الطبعة الثانية - نشر دار الكتب الإسلامية - طهران.
94- الكني والألقاب : لعباس القمي - المطبعة الحيدرية، النجف، العراق، ط الثانية 9831هـ - 9691م.(41/151)
حرف اللام (ل)
95- لمحات من تاريخ القرآن - محمد علي - منشورات الأعلمي .
حرف الميم (م)
96- مجالس المؤمنين : للتستري .
97- المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية : تأليف الشيخ حسين ابن الشيخ محمد آل عصفور الدارزي البحراني - الطبعة الأولى 9931هـ - 9791م منشورات دار المشرق العربي الكبير - بيروت - البحرين.
98- مجمع الرجال : علي القهبائي - مؤسسة مطبوعاتي اسماعيلاتي.
99- مختصر بصائر الدرجات : تأليف حسن بن سليمان الحلي - انتشارات الرسول المصطفى - قم، إيران - ط. الأولى 0731هـ - 0591م.
100- مدينة المعاجز : العلم العلامة السيد هاشم البحراني - مؤسسة المعارف الإسلامية ، قم المقدسة.
101- مرآة العقول في شرح أخبار الرسول : محمد باقر المجلسي - الطبعة الثانية 4041هـ - دار الكتب الإسلامية - طهران، طبعة حجرية مكتوبة بخط اليد سنة 4531هـ طهران، ايران.
102- مروج الذهب : المسعودي - شرح وتقديم د. مفيد محمد قميحه - دار الكتب العلمية.
103- مستدرك الوسائل : حسين النوري الطبرسي - مؤسسة آل البيت لأحياء التراث.
104- المسائل السرورية للمفيد - المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد.
105- مشارف الشموس الدرية - عدنان البحراني - المكتبة العدنانية - البحرين .
106- مشارق أنوار اليقين في أسرار المؤمنين : تأليف الحافظ رجب البرسي منشورات: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.
107- مصباح الكفعمي : (جنة الأمان الواقية وجنة الأمان الباقية) : ابراهيم ابن علي بن الحسن العاملي الكفعمي - مطبعة أمير، قم، ايران، منشورات الرحمن ومنشورات زاهدي ط. الثانية، 5041هـ.
108- مصابيح الجنان : تأليف محسن العصفور - الطبعة الأولى 5041هـ - 5891م دار مكتبة وليد الكعبة.
109- معجم رجال الحديث : لأبي القاسم الموسوي الخوئي - منشورات مدينة العلم ، آية الله العظمى الخوئي، قم، ايران، ط الثالثة.(41/152)
110- معجم الفرق الإسلامية : شريف يحيى الأمين - دار الأضواء - الطبعة الأولى - بيروت ، لبنان 6041هـ - 6891م
111- مفاتيح الجنان : عباس القمي ، منشورات دار التربية.
112- مفتاح الجنان (مجهول المؤلف) : نشر مكتبة الماحوزي - البحرين.
113- المقالات والفرق : سعد عبدالله الأشعري - نشر مؤسسة مطبوعاتي عطاني طهران 3691م
114- مناقب آل أبي طالب : تأليف أبي جعفر محمد بن علي بن شهر أشوب - نشر دار الأضواء.
115- من لا يحضره الفقيه : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية.
116- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : العلامة ميرزا حبيب الله الخوئي - مؤسسة دار الوفاء ، بيروت.
117- منهاج الصالحين : السيد أبو القاسم الخوئي - دار الزهراء - بيروت - لبنان.
118- موسوعة الفرق الإسلامية : الدكتور محمد جواد مشكور - مجمع البحوث الإسلامية - الطبعة الأولى 5141هـ - 5991م - بيروت - لبنان.
حرف النون (ن)
119- نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت : لعلي بن عبد العالي العاملي الكركي - مخطوط يوجد في مكتبة (الرضا) برامبور، الهند تحمل الرقم (8991).
120- الناسخ والمنسوخ - كمال الدين العتائقي الحلى - مؤسسة آل البيت - بيروت.
حرف الهاء (هـ)
121- الهداية : الصدوق - مخطوط يوجد في مكتبة الجمعية الآسيوية، كلتكا، الهند، ويحمل رقم (22).
حرف الواو (و)
122- الوافي : الفيض الكاشاني ، المكتبة الإسلامية - طهران .
123- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : محمد بن الحسن الحر العاملي ، تحقيق: عبدالرحيم الشيرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط. الخامسة 3041هـ.
124- وقعة صفين : لنصر بن مزاحم المنقري .
125- وعاظ السلاطين : الدكتور علي الوردي - بغداد سنة 4591م.(41/153)
علم اليقين
من تاريخ الرافضة المشين
في عداء المسلمين ومعاونة المحتلين
يونس العلي
$$بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخي العزيز: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
هذا ما فتح الله به علينا في هذا البحث فله الحمد وله الشكر فهو العليم الخبير بما تُكن صدورهم وما يعلنون.. ففي حالة وجود أي ملاحظات يرجى الاتصال بالأخ أبو عبد الرحمن.
والبحث عملناه بصورة موجزة وأحلنا القارئ على بعض المصادر إذا أراد المزيد من المعلومات. عسى الله ربنا سبحانه وتعالى أن ينفع به المسلمين ويجعله في ميزان حسناتنا يوم القيامة وجزاك الله خيراً.
$مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وبعد.
تأتي أهمية الكتابة في هذا الموضوع من أهمية أقوال علماء السلف في التحذير من أهل البدع والأهواء الذين ابتليت بهم الأمة منذ انتهاء عصر صحابة النبي ((صلعم)) والتابعين وأخذوا يزدادون يوماً بعد آخر حتى طفح الكيل بهم وبلغ السيل ----- بحيث استسلم لهم الكثير ممن ينتسبون إلى العلم إن لم نقل بعض العلماء وانقاد لهم الكثير من الناس ولبسوا على الكثير دينهم وأفسدوا عليهم دنياهم. وما نراه اليوم يعتصر له القلب من تداعي الأمم على الإسلام من حوله. ومما يزيد ألم قلوبنا أن ترى من يتعاون معهم من أبناء جليتنا الذين يتكلمون بألسنتنا والذين اتبعوا اليهود والنصارى ---- القذر بالقذرة فوجهوا سلاحهم مع سلاح الأعداء إلى صدورنا وتحت مختلف الشعارات والمسميات.(42/1)
وعن هؤلاء الذين أصابوا أمن الإسلام وقتلا منذ عهده الأول إلى يومنا هذا هم الرافضة أعداء الله ورسوله وصحابته وآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكل من استن بسنة المصطفى واهتدى بهديه الذين لم يكتفوا بلعن الأمة من أولها إلى آخرها حتى تعاونوا مع كل فاجر وكافر للنيل من أهل هذا الدين وهدمه عقيدة وعبادة وأخلاقاً ومعاملات مما جر ذلك إلى فساد دنيا الناس بعد فساد دينهم. ويظهرون مودتهم للمسلمين بوجههم الآخر ليضربوا الإسلام بسلاح جديد هو سلاح التقريب بين المذاهب حتى يتهم لهم ----- أهل الحق في باطلهم وبذلك تكون الدائرة لهم على الإسلام وأهله.
لذلك كان بحثنا هذا لبيان عقائدهم وموقفهم من أهل السنة وتعاونهم مع الأعداء مستندين بذلك إلى أقوال علمائهم وحقائق أفعالهم على مر التاريخ في الدولة الإسلامية وبصورة مختصرة حتى يكونوا مكشوفين لعامة الناس بعد أن غطوا باطلهم بالتقية وتباكوا على أنفسهم بأنهم مظلومون وتباكى عليهم كثير ممن لا علم له بحالهم وكثير ممن انتسب إلى العلم ومن الكُتاب والشعراء والأدباء، فالتحذير منهم من واجبات الأمة في هذا الزمان حتى تتقي شرهم وتوهن كيدهم. وعلى العموم فنحن ننقل حقائق تاريخية وأقوال علماء ومؤرخين ووقائع رأيناها بأعيننا بحكم واقعنا الجغرافي مع الرافضة فما كان فيها من عبر اعتبرنا به وما كان فيه من شر اتقيناه ونسأل الله تعالى المغفرة من زلاتنا إنه هو الغفور الرحيم.
$$ المبحث الأول
$$الرافضة وفرقهم القديمة والحديثة
$أولاً: من هم الرافضة
رفض: الرفض تركك الشيء تقول: رفضني فرفضته، رفضت الشيء أرفضه وأرفضه رفضاً ورفضناً: تركته وفرقته.
قال الجوهري: الرفض: الترك وقد رفضه يرفضه ويرفضه والرفض: الشيء اتفرق والجمع أرفاض.(42/2)
الروافض: جنود تركوا قائدهم وانصرفوا فكل طائفة منهم رافضة والنسبة إليهم رافضي. والروافض: قوم من الشيعة سموا بذلك لأنهم تركوا زيد بن علي؛ قال الأصمعى: كانوا بايعوه ثم قالوا له: إبرأ من الشيخين نقاتل معك فأبى وقال كانا وزيري جدي فلا أبرأ منهما فرفضوه وأرفضوا عنه فسموا رافضة وقالوا الروافض ولم يقولوا الرفاض لأنهم عنوا الجماعات(1).
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت أبي من الرافضة؟ فقال الذين يشتمون أو يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما(2)
يقول الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي في مقدمته على كتاب الإمامة والرد على الرافضة. الرافضة: اسم يطلق على كل من تبرأ من الشيخين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكذلك على كل من تبرأ من الصحابة.
ويقول: وعلى هذا فالرافضة: هم كل من تبرأ من الصحابة وسبهم وشتمهم ومن باب أوى ----- حكم بكفرهم كما يقول ابن حزم(3)
ويدخل في الصحابة رضي الله عنهم أمهات المؤمنين زوجات الرسول ((صلعم)) حيث إن عقيدتهم هذه كانت في بدايتها تفضيل علي رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنه ثم زين لهم الشيطان تفضيل علي على باقي الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ثم بعد تكفيرهم والبراءة منهم ومن باقي الصحابة وجرهم ذلك إلى زوجات الرسول ((صلعم)) ثم سبعهم جميعاً ثم سب الأمويين ثم العباسيين ثم الأمة جميعاً ممن هو على غير مذهبهم فهم يعتقدون أن كل من لم يتبرأ من ؤلاء فهو منهم وبذلك يكون عدواً لهم ولآل بيت النبي ((صلعم)).
$ثانياً: فرق الرافضة:
__________
(1) ابن منظور (630-711هـ)، لسان العرب، بيروت، دار إحياء التراث العربي 5/266.
(2) ابن تيمية (661-728هـ) الصارم المسلول في الرد على شاتم الرسول، تحقيق محمد محيي الدين، 567..
(3) الأصبهاني أبو نعيم (336-430)، الإمامة والرد على الرافضة، تحقيق علي محمد ناصر الفقيهي، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم، 23.(42/3)
ربما يقرأ الكثير من المسلمين التاريخ الإسلامي وتمر عليه أسماء فرق ودويلات ولا يعرف أن معظم هذه الفرق والدويلات هي من الرافضة وذلك لعدم إيضاح ذلك من قبل كثير من الذين كتبوا التاريخ الإسلامي، ولجهل القارئ المسلم بالفرق وأصولها ومعتقداتها. لذا كان لزاماً علينا في مثل هذا البحث أن نعطي صورة مختصرة واضحة عن فرق الرافضة ومسمياتها حتى يعرف المسلمين من هم عندما يمرون على هذه المسميات في بطون الكتب والصحف والأعلام في الماضي والحاضر.
تجتمع كل فرق الرافضة في الوقت الحاضر تحت قسمي الشيعة وتحاول كل فرقة أن لا تتمسك باسمها الأصلي، هذه التسمية في بداياتها الأولى، كانت يعنى بها هم الذين شايعوا علياً رضي الله عنه وقالوا بإمامته وخلافته، ولم تكن فيها عقيدة البراءة من الشيخين وزوجات النبي ((صلعم)) وباقي الصحابة. ولكن أصبح اسم الشيعة يضم تحت لوائه جميع فرق الرافضة على اختلاف معتقداتهم فهم يستترون تحت هذا الاسم بالرغم من تعدد فرقهم ويجتمعون على عدة أمور:
1- الإيمان بأن الإمامة بعد رسول الله ((صلعم)) نص إلهي وتنحصر في وصية النبي ((صلعم)) بها لعلي بن أبي طالب وهي لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم من غيره أو----
2- اعتقاد عصمة الأئمة بعد رسول الله ((صلعم)) على اختلافهم في عددهم وأعيانهم.
3- البراءة من الصحابة وزوجات الرسول ((صلعم)) والاعتقاد أنهم اغتصبوا الخلافة من آل بيت النبي ((صلعم)) وعدم صحة خلافة الشيخين، إلا قليلاً من قالوا بصحة خلافتهما ولكن علياً فضل منهما.
4- العمل بالتقية مع جميع طوائف المسلمين بحيث يظهرون لهم عكس ما يبطنون.
5- أصبحت قصة قتل الحسين رضي الله عنه مظلوماً عليها مدار فرق الشيعة فأقاموا على أساسها مشاهد وعبادات ومناسبات لم تكن عند الأوائل منهم.(42/4)
يقول إحسان إلهي ظهير رحمة الله: إن سبب تشيعهم أنهم رأوا أن الدم الذي يجري في عروق علي بن الحسين وفي أولاده دم إيراني من قبل أمه شهر بانو إبنة يزدجرد ملك إيران من سلالة الساسانيين المقدسين عندهم، ففي تشيعهم لآل البيت إحياء لعقيدة المجوس، ووقوفهم مع الحسين بن علي رضي الله عنه نابع من عصبيتهم الفارسية لأولاد شهرباتو الساسانية(1)
يقول الشهرستاني في الملل والنحل: وهم خمس فرق: كيسانية وزيدية وإمامية وغلاة وإسماعيلية.
يقول الشهرستاني في الملل والنحل: وهم خمس فرق كيسانية وزيدية وإمامية وغلاة وإسماعيلية(2)
وقد وصفهم الإسفرايين كلهم بالرافضة في كتابه الفرق بين الفرق وعدتهم عشرون فرقة من فرق الإسلام منها ثلاثة زيدية، وفرقتان في الكيسانية وخمس عشرة فرقة من الإمامية.
فقال: وأما الروافض فإن السيئة منهم أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فقال بعضهم لعلي أنت الإله فأحرق علي قوماً منهم ونفي ابن سبأ إلها ساباط المدائن وهذه الفرقة ليست من فرق أمة الإسلام لتسميتهم علياً إلها. وقال ثم افترقت الرافضة بعد زمان علي رضي الله عنه إلى أربعة أصناف: زيدية وإمامية وكيسانية وغلاة. وافترقت الزيدية فرقاً والإمامية فرقاً والغلاة فرقاً؛ كل فرقة منها تكفر سائرها.
وقال: فإما الزيدية من الرافضة فمعظمها ثلاث فرق: الجارودية والسليمانية، وقد يقال الجريرية، والتبرية وهذه الفرق الثلاث يجمعها القول بإمامة علي بن الحسن رضي الله عنه في زمن هشام بن عبد الملك.
- والكيسانية منهم فرق كثيرة يرجع محصلها إلى فرقتين إحداها تزعم أن محمداً بن الحنفية حي لم يمت وهم في انتظاره ويزعمون أنه المهدي المنتظر، والفرقة الثانية منهم يقرون بإمامته في وقته وينقلون الإمامة بعد موته إلى غيره.
__________
(1) انظر إحسان إلهي ظهير، الشيعة والسنة، 49.
(2) الشهرستاني، أبو الفتح محمد عبد الكريم، الملل والنحل، بيروت، دار المعرفة 1/224، 2/1.(42/5)
- وأما الإمامية: فإنها خمس عشرة فرقة وهي المحمدية، والباقرية، والناووسية، والشمطية والعمادية والإسماعيلية، والمباركية، والموسوية، والقطعية، والإثنا عشرية، والهشامية، الزرارية، واليونسية، والشيطانية، والكاملية.
- وأما الغلاة: منهم البيانية، والمغيرية والجناحية، والمنصورية، والخطابية، والحلولية وقال عن الغلاة فما هم من فرق الإسلام وإن كانوا منتسبين إليه(1)
وهذه معظم فرقهم التي ذكرها علماء المسلمين الذين كتبوا في الفرق وأصولها وعقائدها ولكن هذه الفرق لم تبق على مسمياتها الأصلية فبعضها تغيرت أسماؤها وبعضها انصهرت تحت مسمى الشيعة، ولما عم الجهل معظم أتباع هذه الفرق أخذت بعضها من أفكار بعض فاختلطت عقائدهم مع بعضها حتى أصبح من الصعب التمييز بينها حتى عند اتباعها واتبع أغلبهم الإمامية على اختلاف فرقها وكلهم يحاولون الابتعاد عن مسمياتهم الأصلية ويحاولون جمع كلمتهم تحت مسمى الشيعة ويتغطون بغطاء حب آل البيت وموالاتهم.
ويجد القارئ في صفحات التاريخ الإسلامي كثيراً من أسماء الدويلات والجماعات يمر عليها القارئ ولا يعلم أنها تعود إلى هذه الفرق وتحمل عقائدها ولكن تحمل أسماءً أخرى غير أسمائها. فأغلب الدويلات التي انفصلت عن الدولة العباسية ينادون بالتشيع لآل البيت. فعلى القارئ المسلم أن ينتبه عندما تمر عليه بعض الأسماء فهي صورة الرافضة وجميعها تحمل عقائدهم وإن لم تنتسب إلى فرقة من فرقها بالإضافة إلى عقائد أخرى جاءتها من الديانة اليهودية والديانات الفارسية. ومنها:
- القرامطة – البويهيون – العبيديون – الصفويون – البهائيون – البابيون – النصيريون – الحشاشون – الإسماعيليون – الباطنيون – والملاحدة – والزنادقة ومنهم في الوقت الحاضر.
- حزب الله في لبنان والعراق
__________
(1) الأسفراييني، عبد القاهر بن طاهر بن محمد (ت 429هـ)، الفرق بين الفرق، القاهرة، دار التراث، 41-43.(42/6)
- المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بقيادة عائلة الحكيم.
- وقوات بدر التي تتبع إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.
- وحزب الدعوة في العراق بقيادة إبراهيم الجعفري.
- وجيش المهدي في العراق بقيادة عائلة الصدر.
- والائتلاف العراقي الموحد الذي يضم عشرات الأحزاب الشيعية والعلمانية من الشيعة الذي أيده آية الله السيستاني أكبر علماء الرافضة في النجف.
- ومنهم الدروز في سوريا ولبنان.
- وحركة أمل في لبنان.
- والنصيريون في سوريا الذين بدلوا اسمم إلى العلويين.
- والهازارا متمثلين في حزب الوحدة في أفغانستان.
- وطائفة البهرة الذين انقسموا من الإسماعيلية ويسمون بالطيبية وهم اليوم في اليمين والهند وباكستان(1)
- وجماعة الخالصي في ديالي بالعراق.
- وجماعة جيش المهدي وجماعة الخالص هم الوحيدون الذين لم يؤيدوا الاحتلال الأمريكي للعراق. وهم يؤمنون بالمقاومة السلمية للاحتلال. وقد قاومت جماعة جيش المهدي لعدة أيام في العراق ثم سلمت سلاحها إلى القوات الأمريكية لقاء مبالغ من المال واتجهت إلى المقاومة السلمية. أما جماعة حزب الله في لبنان فهي الوحيدة التي قاومت الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.
أما باقي الجماعات والأحزاب فقد وقفت يداً بيد مع اليهود والنصارى والمحتلين ضد أبناء جلدتها، بالسلاح والقول والعمل كعملاء وجواسيس وقام رؤوسهم وأصحاب العمائم فيهم بتقبيل (برايمر) الحاكم العسكري الأمريكي في العراق أمام شاشات التلفزيون والصحافة ووصف أمريكا وحلفائها أنها جيش تحرير العراق من حكم السنة العلمانيين.
يقول طه الولي في كتابه القراطمة أول حركة اشتراكية في الإسلام:
__________
(1) حسن إبراهيم، تاريخ الإسلام، بيروت، دار إحياء التراث، 4/279، طه الولي، القراطمة ص 35.(42/7)
وجدير بالذكر أن أصحاب نظرية الإمامة كانوا على مدى التاريخ الإسلامي يلتزمون جانب المعارضة للحكومات الإسلامية ويقصرون نشاطهم في السر أو في العلانية وفقاً للظروف المحيطة بهم على مقاومة هذه الحكومات من أجل إسقاطها والحلول محلها ولم يفكروا في أي وقت من الأوقات بمقاومة الحكومات الأجنبية أو ردها عن حياض الوطن الذي كان يتعرض لعدوان هذه الحكومات بين الحين والآخر. وتحت تأثير هاجس الوصول إلى السلطة والحكم باسم آل البيت، تسبب أصحاب هذه النظرية بانقسام العالم الإسلامي بينهم وبين أهل السنة والجماعة الذين لا يرون رأيهم مما أتاح للغرب الصليبي والشرق المغولي الوثوب على الإسلام في عقر داره واحتلال أجزاء كبيرة من أقطار المسلمين أكثر من مرة على مر العصور(1)
لهذا تم تلخيص تاريخ أصحاب نظرية الإمامة وموقفهم من الإسلام وديار المسلمين عند مداهمتها من قبل أعدائها.
__________
(1) --- الولي، القرامطة أول حركة اشتراكية في الإسلام، بيروت، دار العلم للملايين 130.(42/8)
ونحن نضيف على هذا الكلام ونقول أنهم لم يلتزموا حتى جانب الحياد بين المسلمين والكفار قبل دخول الكفار إليها وبعد دخولهم بل قاموا بمكاتبة الكفار وترغيبهم بدخول ديار المسلمين والاستيلاء عليها وكتبوا لهم بأخبار المسلمين وكانوا عيوناً للكفار على المسلمين فتحوا لهم أبواب الحصون وكانوا لهم بمثابة الحمير يركبونهم فيدلونهم على الطريق ويعيثون في بلاد الإسلام فساداً بمساعدتهم ثم يقومون بعد دخولهم بوضع أيديهم بأيدي الكفار لقتل المسلمين في ديارهم لا يفرقون في ذلك بين صغير أو كبير أو شيخ أو امرأة وأول ما يقومون به قتل العلماء والدعاة إلى الله من أهل السنة واغتصاب أموالهم والاستيلاء على مساجدهم وجعلها مراكز لتدريس خرافاتهم وبدعهم وحرق المكتبات التي تحتوي على العلم الشرعي من أجل القضاء على كل أثر من آثار القرون الأولى التي شهد لها سيدنا رسول الله ((صلعم)) لخيريه. ثم بعد استقرار الأمور للكفار في بلاد المسلمين يقومون بالعمل خدماً في معسكراتهم ولا يقتصر ذلك على الرجال بل يتعداه إلى نسائهم اللاتي تعمل الكثيرات منهن خادمات عندهم. ثم يكونون عيوناً لهم على المسلمين الذين يقومون بدفعهم لمحاولة إخراجهم من بلاد المسلمين، فمنهم من يعاونهم سراً ومنهم من يعاونهم علناً، كل حسب طاقته والظروف المحيطة به. وكلما طال عليهم الأمد ازدادت معاونتهم للكفار ومذلاتهم للمسلمين فقد وصلت معاونتهم لهم أوجها عند سقوط بغداد الثاني على أيد الأمريكان.
وإليك بعض ما وقعت عليه أيدينا من الشواهد التاريخية على ذلك.
$ثالثاً: شواهد تاريخية في حربهم الإسلام والمسلمين(42/9)
بدأ العداء الفارسي للعرب والمسلمين منذ أن بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن خذامة السهمي بكتاب إلى كسرى ملك الفرس يدعوه فيه إلى الإسلام وأمره أن يرفعه إلى عظيم البحرين. دفع عبد الله الكتاب إلى عظيم البحرين فدفعه هذا إلى كسرى فلما قرئ الكتاب عليه أخذه ومزقه وكتب إلى باذان عامله على اليمن (أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فليأتياني برأسه)، وعاد عبد الله بن حذافة إلى المدينة وأخبر الرسول ((صلعم)) بتمزيق الكتاب فقال عليه الصلاة والسلام <ub>((مزق الله ملكه))<ul> (1) لقد كان الفرس ينظرون إلى العرب على أنهم أتباع لهم، فلما وصل كتاب النبي ((صلعم)) إلى كسرى أخذته العزة بالإثم ومزق الكتاب.
وبعد أن هزم الفرس عسكرياً وزالت دولة بني ساسان من الوجود وأيقن الفرس أنه من المستحيل التغلب على الدولة الإسلامية بالمواجهة العسكرية اجتمع دهاقنتهم وقرروا الدخول في الإسلام لتهديمه من الداخل فجاءوا محملين بالعقائد الفارسية ودياناتها الزرادشتية والمزدكية والماتوية وحاولوا خلطها بالإسلام.
إن أول حلقة من حلقات التآمر على الدولة الإسلامية قام بها سلفهم وحامل لواء عقائدهم الأولى أبو لؤلؤة الهرجوان بالتعاون مع جفينه النصراني لقتل عمر الخطاب رضي الله عنه في المدينة لأنهم يعتبرونه الشخص الأول الذي أسقط راية المجوس(2)
ثاني حلقة من حلقات التآمر لواءها عبد الله بن سبأ اليهودي وأتباعه من قبائل مصر واليمن والأعراب الذين تجمعوا على عثمان رضي الله عنه وقتلوه في المدينة وهو صائم يقرأ القرآن.
__________
(1) عبد الله محمد أسود، موسوعة العراق السياسية، بيروت، الدار العربية للموسوعات 1/205.
(2) ينظر محمد بن جرير (ت 310)، تاريخ الطبري، 4/190.(42/10)
ثم فتحت أبواب الفتن والمؤامرات على الإسلام من قبل أعدائه من اليهود والنصارى والمجوس وبذلوا كل ما في وسعهم فرادى ومجتمعين في السر والعلن من أجل القضاء على الدين وأهله وجاءوا بعقائد باطلة ما أنزل الله بها من سلطان وأقحموها مع عقائد المسلمين الخالصة، كتلك التي أدخلها عبد الله بن سبأ اليهودي من قوله بالولاية والوصاية والإثنى عر نقيباً أو تلك التي أدخلها الفرس مثل العصى والرجعة والبداء والتقية وتلاقحت هذه المعتقدات فأنجبت فكرة تحريف القرآن والطعن في السنة وحملتها ورفعت شعار حب آل البيت والولاء لهم وعداء المسلمين من أجل إعادة حق أهل البيت المغتصب كما يدعون في ظاهرهم ولك ما تكن صدورهم أعظم وهو تقويض دعائم الإسلام وحكم الله في الأرض متخذين لذلك مختلف الوجوه وحسب كل ظرف من الظروف لتنفيذ مآربهم.
$$دولة القرامطة
وضع أسس القرامطة حمدان قرمط بن ميمون القداح فارس مجوسي تظاهر بالإسلام والتشيع لآل البيت ومذهبهم، ظاهره الرفض وباطنه الكفر ومركز دعوتهم واسط بالعراق واستولوا على الأحساء والبحرين واليمن وعمان تسترت حركة القرامطة بالإسماعيلية واستغلت مبدأ التأويل وقد غيروا العبادات وأباحوا المحرمات. فقالوا أشهد أن محمداً بن الحنفية رسول الله والقبلة إلى بيت المقدس ويوم الجمعة والإثنين لا يعمل فيه شيء والصوم يومان في السنة وهما المهرجان أو عيد النور وزولا الغسل من الجنابة إلا الوضوء كوضوء الصلاة وذهبوا إلى هدم المجتمع عن طريق إباحة المحرمات فقالوا بزواج الأخت والبنت(1)
__________
(1) السامرائي عبد الله سلوم، الغلو والفرق الغالبة، بغداد، دار الحرية 1972م، 111.(42/11)
وذهب القرامطة إلى مهاجمة المسلمين وهم في موسم الحج وقتلوا أعداداً كبيرة منهم كما هدموا قبة زمزم وخلعوا الحجر الأسود وأخذوه إلى بلادهم عشرين سنة وقد وجه المهدي العلوي إلى أبي طاهر الجنابي القرمطي لما قتل الحاج ودخل البيت الحرام وقلع الحجر الأسود وأخذه إلى البحرين سنة 317هـ سجلت علينا في التاريخ نقطة سوداء لا تمحوها الليالي والأيام قد حققت على دولتنا وشيعتنا ودعاتنا اسم الكفر والزندقة والإلحاد بفعالك الشنيعة(1)
__________
(1) محمد ماهر حمادة، الوثائق السياسية والإدارية للعهود الفاطمية والأتابكية والأيوبية، بيروت، مؤسسة الرسالة ص 29.(42/12)
وفعل القرامطة بالمسلمين العرب كما فعل من قبلهم سابور ذو الأكتاف فحرق القرامطة بني عبد القيس في منازلهم ودخلوا الكوفة عام 293 هـ وأوقعوا فيها مذبحة رهيبة وفي عام 311هـ دخل أبو طاهر البصرة ووضع فيها السيف وفي عام 317هـ(1) يقول ابن الجوزي في كلامه عن القرامطة: أجمع جماعة من الثنوية والمجوس والملحدين ومن دان بدين الفلاسفة المتقدمين فأعملوا أراءهم وقالوا قد ثبت عندنا أن جميع الأنبياء قد كذبوا ----- على أممهم وأعظم كل بلية علينا محمد فإنه نبغ من الغرب الطغام فخدعهم بناموسه فبذلوا أموالهم وأنفسهم ونصروه وأخذوا ممالكنا وقد طالت مدتهم والآن قد تشاغل أتباعه فمنهم مقبل على كسب الأموال ومنهم على تشييد البنيان ومنهم على الملاهي وعلماؤهم يتلاعبون ويكفر بعضهم بعضا وقد ضعفت بصائرهم فنحن نطمع في إبطال دينهم إلا أننا لا يمكننا محاربتهم لكثرتهم فليس الطريق إلا إنشاء دعوة في الدين والانتماء إلى فرقة منهم وليس فيهم فرقة أضعف عقولاً من الرافضة فندخل عليهم نذكر ظلم سلفهم الأشراف من آل نبيهم ودفعهم عن حقهم وقتلهم وما جرى عليهم من الذل نستعين بها على إبطال دينهم فتناصروا وتكاتفوا وتوافقوا وانتسبوا إلى إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق(2)
$ الدولة البويهية: (334-447هـ) – (945 – 1005م)
__________
(1) ينظر ابن كثير، البداية والنهاية 11/160-161، وجاء دور المجوس 77.
(2) ابن الجوزي، (ت 597)، القرامطة محمد الصياغ، بيروت ، المكتب الإسلامي 31-34.(42/13)
تنسب الدولة البويهية إلى زعيم فارس يدعى بويه من إقليم الديلم في جنوب بحر قزوين ويرجع البعض نسبه إلى آل ساسان ملوك الفرس القدماء بينما يرجع البعض الآخر نسبه إلى عامة الناس وأن هذه نسبة الملكية قد انتحلت وانتعلت بعد انتقال الملك إلى بنى بوية لرفع شأنهم وتمجيد ذكرهم وعاصمتهم شيراز ببلاد الفرس. وكانوا على مذهب الزيدية وهم يجيزون إمامة المفضول مع وجود الفاضل، بعد احتلال بغداد سنة 334هـ - 945م بايع أحمد بن بويه الخليفة العباسي المستكفي وبعد شهر واحد خلعه وبايع ابن عمه المطيع بالخلافة (334- 36هـ = 946-974م)(1)
وأظهر البويهيون ولاءهم للخلافة العباسية حرصاً منهم على مصلحتهم السياسية ويقول المؤرخون أنهم فكروا في القضاء على الخلافة العباسية وإقامة خلافة علوية مكانها وعدلوا عن ذلك بعد أن نصحهم العلويون؛ لأن عامة المسلمين قد اعتادوا على الدعوة العباسية وأطاعوا الخلفاء العباسيين كطاعتهم لله. ورسوله ، و---- أولى الأمر.
يقول ابن كثير وابن الأثير: إن معز الدولة البويهي فكر في مبايعة الخليفة العلوي في مصر المعز لدين الله الفاطمي بدلاً من الخليفة العباسي(2) وقد عدل عن رأيه بناءً على نصيحة أحد مستشاريه وعملاً بمبدأ التقية : هم أظهروا ولاءهم للخلافة العباسية نسبة في بغداد وتوثيق علاقاتهم بالخلافة الفاطمية الشيعية في مصر. يقول الدمشقي: وفي سنة 352هـ وفى العاشر من محرم عطلوا البيع ونصبوا القباب في الأسواق وخرجت نساء الرافضة منشرات الشعور يلطمن ويفتن الناس، واحتلفوا بعيد ------(3)
__________
(1) ----- أحمد مختار، في التاريخ العباسي والفاطمي، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة 1982م، ص 162، 164.
(2) بن الأثير، الكامل في التاريخ 6/315، ابن كثير البداية والنهاية 11/212.
(3) الدمشقي: ابن الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت 1089هـ) شفرات الذهب 3/9.(42/14)
يقول الدكتور عبد الله محمد الغريب: وفي عهدهم تجرأ سفهاء الناس على شتم الصحابة .
أمر الخليفة العباس القادر بالله (381-433 هـ) بوقف النواح والبكاء في بغداد في يوم عاشوراء كما رفض تعيين رجل شيعي اختاره البويهيون لشغل منصب قاضي بغداد في سنة 398هـ قام الشيعة بمظاهرة مسلحة طالبوا فيها بإقامة الدعوة للخليفة الفاطمي في مصر، الحاكم بأمر الله وصاروا ينادونه في الشوارع يا حاكم يا منصور وحاربهم الخليفة بفرقة من حرسه وانتهت المعركة بهزيمتهم وإخماد ثورتهم. وقام قراقوش بن المقلد صاحب الموصل الذي خرج عن طاعة الخليفة القادر سنة 401هـ ونشر الدعوة الفاطمية في الموصل والمدائن والأنبار ودعا للخليفة الحاكم بأمر الله على منابر تلك البلاد وقد وجه إليه الخليفة القادر العباس جيشاً قضى على حركته. وقد انتهت دولة بني بويه على يد الأتراك السلاحقة حينما دخل زعيهم طفرليك مدينة بغداد سنة 447هـ وقضى على دولة الملك الرحيم آخر ملوكهم(1)
$الدولة الفاطمية (296هـ - 568هـ)
تأسست الدولة الفاطمية في شمال أفريقيا سنة 296 على يد المهدي العلوي وداعيته ابن عبد الله الشيعي ويعتبر ذلك انتصاراً حقيقياً للرافضة وتتويجاً لجهودهم ومساعيهم في التآمر على الدولة الإسلامية. وهذا ما يسميه المؤرخون العهد المغربي. ثم انتقل المعز لدين الله إلى مصر عام 358هـ واستولى عليها بقيادة مولاه جوهر. حيث بني القاهرة وبنى الجامع الأزهر ليكون خاصاً بإقامة شعائر المذهب الإسماعيلي ومسجداً رسمياً للدولة الفاطمية ورمزاً لدعوتها المذهبية والفاطميون رافضة يرفضون خلافة أبي بكر وعمر ويقرون بأن النبي ((صلعم)) أوصى إلى علي بالخلافة.
__________
(1) في التاريخ العباسي والفاطمي 172-174.(42/15)
يقول العبادي: وأهم حدث في حياة الجامع الأزهر كان في سنة 378هـ في عهد الخليفة العزيز حينما قام وزيره يعقوب بن كلس الذي كان يهودياً وأسلم (هو الذي حرض المعز على غزو مصر) بتعيين 37 فقيهاً ليقوموا بإلقاء الدروس والمحاضرات المنظمة في فقه الشيعة ورتب لهم الأرزاق والجرايات وأنشأ لهم داراً مجاورة لسكناهم. وفرض جوهر الشعائر الفاطمية الرسمية في البلاد وزاد في الأذان والإقامة (بعد حي على الفلاح) (حي على خير العمل)(1) وشارك الفاطميون في الاحتفال بالأعياد القومية والمسيحية في مصر مثل عيد الدروز (11 سبتمبر) ويوم الغطاس خميس العهد وعيد وفاء النيل. وخرجت احتفالاتهم الإسلامية عن التقليد المعروف والاحتفال بالعيدين فقط عيد الفطر وعيد الأضحى إذا تجاوزت ذلك إلى الاحتفال بميلاد أهل البيت كالمولد النبوي ومولد الحسين والسيدة زينب إلى جانب الاحتفال برؤيا هلال رمضان وبليالي رمضان وليلة الإسراء والمعراج (27 رجب) وليلة النصف من شعبان وكان يصاحب ذلك بيع الحلوى واللعب وعرايس المولد كل هذه الأشياء ابتدعها الفاطميون(2)
__________
(1) في التاريخ العباسي والفاطمي 256، 257.
(2) نفس المصدر 361.(42/16)
لقد كانت سياسة الفاطميين عدائية نحو الخلافة العباسية في بغداد وكذلك عدائية نحو الخلافة الأموية في الأندلس وعدائية أيضاً نحو الفاتح صلاح الدين الأيوبي الذي تمكن في النهاية من إسقاط دولتهم 568هـ وفي عام 569 قام المتآمرون من الرافضة بمن يدعون أنهم من شيعة العلويين منهم عمارة بن أبي الحسن اليمني الشاعر وعبد الصمم الكاتب والقاضي العويرس وداعي الدعاة ----- من جند المصريين وحاشية القصر ووافقهم جماعة من أمراء صلاح الدين وجنده واتفق رأيهم على استدعاء الفرنج من صقلية ومن ساحل الشام إلى ديار مصر ووصل الخبر إلى صلاح الدين ---- الحال فقبض على المقدمين منهم وصلبهم(1) تآمروا على صلاح الدين وكاتبوا الفرنج من أجل إعادة الدولة العبيدية(2) واستولى الفرنج على القدس وخلافه الخليفة الفاطمي المستعلي الذي تكاسل عن نجدة واليه على القدس وتم محاصرة إنطاكية سنة إحدى وتسعين وأربعمائة فتح لهم فيروز الفارس أحد المستحفظين للأبراج في الليل شباكاً فدخلوا منه. وتم الاستيلاء على الرملة والمعرة.
يقول ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة عن المستعلي الخليفة الفاطمي إلا أنه كان مع تقاعده عن الجهاد وتهاونه في أخذ البلاد متغالياً في الرفض والتشيع كان يقع منه الأمور الشنيعة في مآثم عاشوراء ويبالغ في النواح والمآثم ويآمر الناس بلبس المسوح وغلق الحوانيت واللطم والبكاء زيادة عما كان يفعله آباؤه مع أن الجميع رافضة ولكن التفاوت نوع آخر(3)
$النصيريه
ينتمي النصيرية إلى مؤسسي هذه الطائفة وهو الفقيه الشيعي محمد بن نصير المتوفي (260هـ) الذي كان يدعو إلى عقائدهم.
__________
(1) ابن الأثير، الكامل في التاريخ 9/390 (حوادث 569هـ)، الذهبي، تاريخ الإسلام حوادث سنة 569هـ وجاء دور المجوس 771.
(2) ينظر: تغري بردي، جمال الدين بن المحاسن (ت 874) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 60/21.
(3) ينظر: النجوم الزاهرة ص 5/145-152.(42/17)
لقد تصدت الطائفة النصيرية للسلطة الإسلامية في زمن الدولة الأيوبية التى وقفت بوجه الصليبيين، واستولى الصليبيون على السواحل الشامية من جهتهم ولتأكيد صلتهم بالغزاة دبروا محاولة مزدوجة لاغتيال الفاتح صلاح الدين وإنهاء حياته، ولو وفقوا كما يقول محمد كرد علي إلى قتله لقتلوه به أمة بأسرها، حيث وثب أحد المستأجرين على صلاح الدين في حصاره عزاز فضربه بسكين في رأسه فجرحه فأمسك صلاح الدين يد الجاني وبقي يضرب بالسكين فلا يؤثر حتى قتله على تلك الحال ووثب آخر عليه فقتله أيضا(1).
وعندما تصدى الحاكم المملوكي الظاهر بيبرس لحملات التتار المغول وأفلح في صد اجتياحهم الأسود للبلاد العربية أيدهم البصيريون فكانوا عوناً لهم (فما دخل التتار بلاد الإسلام وتمكنوا من حلب ودمشق وغيرهما من الحواضر الإسلامية إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم لهم)(2)
ولهذا ما إن انتهى الظاهر بيبرس سنة (676 هـ) من التتار وقضى على جموعهم الكاسرة في واقعة عين جالوت (1268م) ودفع عن الشام عادية المغول؛ حتى توجه إلى حصون النصيرية وقلاعهم فعمل فيها الهدم والتخريب وألزمهم بناء المساجد وتعميرها علهم يعودون إلى دين الإسلام ثم لم يلبثوا أن تركوها خربة لا يدخلونها ولا يعمرونها وربما أوت إليها مواشيهم وربما أوى إليها مستطرق فأذن فيها فيقولون له: لا تنهق علفك يأتيك(3) .
__________
(1) ابن تيمية: رسائل ابن تيمية، ص 94، أبو الفدا، المختصر في تاريخ البشر 3/57 أحداث سنة 571.
(2) ابن تيمية. المصدر نفسه.
(3) ------------: تحفة النظار، 65، تغري بردي، النجوم الزاهرة: 7/150.(42/18)
وفي مطلع القرن الثامن للهجرة خرجت النصيرية عن الطاعة وكان بينهم رجل اسمه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله، وتارة يدعي أنه علي بن أبي طالب فاطر السموات والأرض تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا وتارة يدعي أنه محمد بن عبد الله صاحب البلاد خرج يكفر المسلمين وأن النصيريه على الحق.. وحملوا على مدينة جبل فدخلوها وقتلوا خلقاً من أهلها وخرجوا منها يقولون لا إله إلا علي ولا حجاب إلا محمد ولا باب إلا سليمان وسبوا الشيخين. وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين قل لا إله إلا علي واسجد لإلهك المهدي الذي يحي ويميت حتي يحقن دمك(1)
وجاء في ذكر أخبار الإسماعيلية في المختصر في أخبار البشر أن أبو الوفا لما صار الحكم له بدمشق كاتب الفرنج على أن يسلم لهم دمشق ويسلموا إليه عوضها مدينة صور وانفضوا على ذلك وأن يكون قدوم الفرنج إلى دمشق يوم الجمعة ليجعل أبو الوفا أصحابه على أبواب جامع دمشق وعلم تاج الملوك تروي صاحب دمشق بذلك فاستدعى وزيره المزدغاني وقتله وأمر بقتل الإسماعيلية الذين بدمشق فثار عليهم أهل دمشق وقتلوا من الإسماعيلية ستة آلاف نفر ووصل الفرنج إلى الميعاد وحصروا دمشق ولم يظفروا بشيء وأما إسماعيل الباطين فإنه سلم قلعة بانياس إلى الفرنج وصار معهم(2)
$الرافضة وسقوط بغداد الأول 656 هـ
$8- سقوط بغداد الأول:
__________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية أحداث 707.
(2) أبو الوفا، عماد الدين إسماعيل، المختصر في أخبار البشر، بيروت لبنان دار المعرفة 3/2.(42/19)
إن أعظم نكبة أصيبت بها دولة الإسلام والمسلمين منذ أعظم مصيبة وهي وفاة رسول الله ((صلعم)) حتى عام 656هـ هو سقوط بغداد الأول على يد هولاكو والتتر الذين عاثوا في بغداد وبلاد الإسلام فساداً فهذه الحادثة لم تحدث مثلها إلا عند سقوط بغداد الثاني عام 2002م على يد الأمريكان وحلفائهم. فالحادثتان تتشابهان من حيث الدوافع والأشخاص والإفساد والمتآمرين مع الأعداء من الرافضة.
يقول ابن كثير: كان ابن العلقمي(1) وزيراً للخليفة العباس المعتصم بالله وهو شيعي رافضي وكان الخليفة سنياً على طريقة واعتقاد الجماعة كما كان أبوه وجده ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ فكان وزيره الشيعي الرافضي يترصد الوقيعة بأهل السنة الذين كانت تحدث بينهم وبين الشيعة الرافضة خصومات من حين لآخر فخطط لإبادة أهل السنة ودولتهم وإقامة دولة رافضية.
وبحكم منصبه – وزيراً للدولة- وغفلة الخليفة العباسي فقد اجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريباً من مائة ألف مقاتل منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق منهم سوى عشرة آلاف كلهم قد صرفوا عن استقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله وذلك كله بتدبير الوزير ابن العلقمي.
__________
(1) ابن العلقمي: يقول ابن كثير كان شيعياً جلداً رافضياً خبيثاً مات في مستهل جمادي الآخرة سنة 656هـ - البداية والنهاية 13/203.(42/20)
ولما تم له ذلك وأصبحت بغداد بلا جيش يدافع عن الإسلام والمسلمين كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد وسهل عليهم ذلك وحكى لهم حقيقة الحال وكشف لهم ضعف الرجال وذلك كله طمعاً منه في أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر بدعه الرافضة وأن يقيم خليفة من الفاطميين. وقد حمله ذلك المعتقد الخبيث على أن دبر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ أن بنيت بغداد.
وحينما قدم التتار بقيادة سلطانهم هولاكو خان وفي صحبته مستشاره النصير الطوسي(1) إلى بغداد كان أول من برز إلى ملاقاته ابن العلقمي فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه، فاجتمع بالسلطان هولاكو خان لعنه الله وذلك للخطة المرسومة ثم عاد فأشار على الخليفة العباسي المعتصم بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق له ونصفه للخليفة.
فاضطر الخليفة إلى أن يخرج في سبعمائة راكب من القضاه والفقهاء والصوفية ورؤوس الأمراء والدولة والأعيان فلما اقتربوا من منزل السلطان هولاكو خان حجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفساً فخلص الخليفة بهؤلاء المذكورين وأنزل الباقون عن مراكبهم ونهبت وقتلوا عن آخرهم.
وأحضر الخليفة بين يدي هولاكو خان فسأله عن أشياء كثيرة ويقال عند ذلك اضطرب كلام الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت. ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خوجه نصير الدين الطوسي والوزير ابن العلقمي وغيرهما والخليفة تحت الحوطة والمصادرة. فأحضر من دار الخلافة شيئاً كثيراً من الذهب والحلي والجواهر والأشياء النفيسة.
__________
(1) هو محمد بن عبد الله الطوسي نصير الدين – أي دين الكفر وزير لهولاكو وكان معه في وقعة بغداد وعلت منزلته عنده: كان يطيعه فيما يشير به عليه ويحده بالأموال توفي في بغداد في ذي الحجة سنة 672هـ البداية والنهاية 13/267، معجم المؤلفين 11/207.(42/21)
وقد أشار أولئك ---- من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة، وقال الوزير ابن العلقمي متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر إلا عاماً أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك وحسنوا له قتل الخليفة.
فلما عاد الخليفة إلى السلطان هولاكو أمر بقتله ويقال إن الذي أشار بقتله هو الوزير ابن العلقمي والمولى نصير الدين الطوسي وهو كالوزير المستشار لهولاكو فلما تهيب هولاكو قتل الخليفة هون عليه الوزير ذلك فقتلوه رفساً وهو في جوال لئلا يقع على الأرض شيء من دمه خافوا أن يؤخذ بثأره كما قيل لهم لأنهم مشركون، فباءوا بإثمه وإثم من معه من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء وأهل الحل والعقد ببلاده.
وبعد قل الخليفة مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشباب ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش وقني الوسخ وكانوا كذلك لا يظهرون وكان الجماعة من الناس يجتمعون في الخانات ويغلقون عليهم الأبواب، فيفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار ثم يدخلون عليهم فيهربون إلى أعالى الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة وكذلك عملوا بمن في المساجد والجوامع والربط ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي الذي دبر هذه المكيدة للمسلمين الأبرياء(42/22)
يقول الأستاذ علي بن محمد بن ناصر الفقيهي في شرحه لكتاب الإمامة لأبي نعيم الأصبهاني بعد نقله هذه النصوص من سقوط بغداد في البداية والنهاية لابن كثير: ولما كان الرفض عقيدة أسسها عبد الله بن سبأ اليهودي الماكر فقد جازاه ابن العلقمي الرافضي على ذلك فدبر الأمر مع هولاكو بألا يُمس أحد من اليهود بسوء وكذلك النصارى، لأن الكفر ملة واحدة والتأريخ يشهد على الرافضة بأنهم يوالون الكفار ويناصرونهم على المسلمين في كل زمان ومكان(1)
يقول ابن كثير وقد اختلف الناس في عدد من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الواقعة فقيل ثمانمائة ألف وقيل ألف ألف وثمانمائة ألف وقيل بلغت القتلى ألفي ألف نفس أي مليونين.
وكان دخول التتار إلى بغداد في آخر المحرم ومازال السيف يقتل أهلها أربعين يوماً وقتل الخليفة كما سبق ذكر ذلك، وقتل معه ولداه الأكبر والأوسط وأسر ولده الأصغر وأسرت أخواته الثلاث وأسر من دار الخلافة ما يقارب ألف بكر كما قيل وقتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي وكان عدواً للوزير وقتل أولاده الثلاثة وأكابر الدولة واحداً بعد واحد وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد وكان الرجل يستدعي من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه فيذهب به إلى مقبرة الخلال تجاه المنظرة فيذبح كما تذبح الشاه ويؤسر من يختارونه من بناته وجواريه.
وقتل الخطباء والأئمة وحملة القرآن وتعطلت المساجد والجمعة والجماعات مدة شهور ببغداد(2)
$الصفويون
__________
(1) الأصبهاني، الإمامة: 56، 57، 58.
(2) ابن كثير، البداية والنهاية.(42/23)
ينتمي الصفويون بالأساس إلى أسرة تركمانية صوفية تنتسب إلى الشيخ صفي الدين (ت 1334م) واشتهر هذا الشيخ في أردبيل. استولى الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي على بغداد وبقية أنحاء العراق في 914هـ/ 1508م وبالرغم من أن الشاه دخل بغداد سلمياً فإنه أمر بمذبحة راح ضحيتها عدد كبير من السكان دون مبرر. نجح الشاه في تأسيس أول دولة صوفية شيعية فتحقق بذلك حلم تاق التشيع إلى التطلع إليه ذلك هو استغلال التصوف لصالح الدولة الشيعية الهدف الذي تجاوز الاستغلال إلى الانصهار وتعدي التعاون إلى الضياع والتجول ظلاً للتشيع وكان الشاه إسماعيل الصفوي يؤكد لمريديه أنه لم يكن يتحرك إلا بمقتضى الأئمة الإثنى عشر. أحيا إسماعيل الصفوى سب أعداء الشيعة في مختلف العصور وتنظيم الاحتفال بذكرى استشهاد الحسين على النحو المبالغ فيه وإضافة الشهادة الثالثة ((أشهد أن علياً ولي الله)) إلى الأذان(1)
وفي الوقت الذي كان فيه العثمانيون يركزون نشاطهم في شرقي أوروبا والبلقان ويبذل المماليك في السنوات الأخيرة من عمر دولتهم محاولات مستميتة من أجل التصدي للخطر البرتغالي في البحر الأحمر والمحيط الهندي كان الشاه إسماعيل الصفوي يسعى إلى استغلال الأوضاع القائمة لتحقيق أطماعه متجاهلاً المصالح الإسلامية فرسم سياسته التوسعية على أساسا التحالف مع البرتغاليين في الخليج العربي والتنسيق مع القوى المعادية للدولة العثمانية ودولة المماليك في مصر والشام وبعث بوفوده إلى أوروبا مفاوضاً ملوكها للتحالف ضد سلطات مصر واقتسام ممتلكاته على أن تكون مصر وفلسطين من نصيبهم بينما يستحوذ هو على بقية بلاد الشام وقد تزامنت مشاريع الشاه هذه مع سعيه إلى انتزاع الأناضول وإنهاء الدولة العثمانية(2)
__________
(1) ------ مصطفى كامل، الطريقة الصفوية، بغداد، النهضة 1967م، 30-31.
(2) العراق في التاريخ، بغداد، دار الحرية 1382م، 564، 568.(42/24)
وأدرك السلطان العثماني سليم الأول الخطر الصفوي فتحرك نحوهم باتجاه تبريز عاصمة الصفوية ودحر جيشهم في معركة جالديران (920هـ / 1514م).
وما توفى الشاه خلفه ابنه طهماسب (630-648هـ) (1523-1576م) فأوكل أمر بث التشيع وتنظيمه إلى الأخصائيين، ولخلو إيران من فقهاء متقنين توجه شطر جبل عامل في سوريا فاستدعى الشيخ علي بن عبد العال الكركي الذي يلقبه الشيعة بالمحقق الثاني (ت 940هـ/ 1534م) ينهض بأعباء هذه المهمة وانصب في إيران سيل العاملين حتى فاضت بهم مثل الشيخ حسين عبد الصمد الحارثي (984هـ / 1576م) وابنه بهاء الدين المنصف المشهور فاستغرقت هذه المهمة قرنين من الزمان وأثمرت بعدها بالتشيع الخالص في إيران حتى ظهر في الميدان الشيعة الإيرانيون فكان أبرزهم محمد باقر المجلس (1110هـ/ 1699م) الذي تمت على يده غلبة التشيع على التصوف في سنة (1106هـ/ 1694م) لما أمر بموافقة الشاه حسين الصفوي بإجلاء الصوفية على أصفهان العاصمة ومنع إقامة الأذكار وحرم ممارسة كل تقليد يتصل ---- وأجهز الأفغان على الدولة الصفوية بعد انتصارهم على الجيش الصفوي في كتاباد سنة (1134هـ/ 1722م)(1) ثم حوصرت أصفهان العاصمة ليسفر ذلك عن تنازل السلطان حسين المذكور عن العرش وتتويج محمود الأفغاني بعد ذلك سنة (1135هـ/ 1722م)
$الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)
ومن الشواهد التاريخية التي مرت علينا في العصر الحديث الحرب العراقية الإيرانية التي وقعت عام 1980م بعد مرور ما يقارب سنة من قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران وتسلم الخميني للسلطة نادى هو ورؤوس الرافضة علناً بتصدير الثورة الإيرانية إلى الدول الإسلامية وبدءوا بالعراق الذي يعتبرونه كعبتهم لأن فيه قبر الحسين رضي الله عنه.
__________
(1) ينظر: على ظريف، تاريخ الدولة الفارسية، بغداد، 1924م، 112-113.(42/25)
قال الخميني في كلمة ألقاها أبنه بالنيابة عنه يوم 21/3/1980 بأنا نبذل قصارى جهدنا لتصدير ثورتنا إلى الأجواء الأخرى من العالم ونترك فكرة إبقاء الثورة ضمن حدودنا.
وقال عن حكومة العراق في كلمة له نقلتها إذاعة طهران باللغة الفارسية إن هؤلاء يريدون أن نحيي عهد بين أمية، يريدون العودة إلى ذلك العهد الجاهلي لتكون القوى عربية فقط دون أن يكون هنالك أثر للإسلام.
ووقف النظام النصيري في سوريا ولمدة ثاني سنوات هي فترة الحرب العراقية الإيرانية مع النظام الطائفي الرافضي في إيران ضد العراق وذلك للعقيدة الباطنية المشتركة التي يحملونها بالرغم من أن عقيدة النظام النصيري المعلنة في سوريا هي العقيدة القومية وتم التوقيع على اتفاقية التعاون بين سوريا وإيران في العاصمة طهران وقام بغلق الحدود مع العراق وفتح مطاراته للطائرات الإيرانية وتزويد إيران بالأسلحة والعتاد وإرسال المساعدات، كل ذلك بسبب المعتقد المذهبي الذي أثر على حكام سوريا وإيران وأنهما التقيا عند هذه النقطة واتفقا على العمل سوية بموجبها.(42/26)
واستمر سفك الدماء لمدة ثماني سنوات وخلال هذه الفترة هرب الكثير من الرافضة الذين كانوا في الجيش العراقي إلى إيران حيث قامت بتنظيمهم وتشكيل ما يسمى فيلق بدر منهم بقيادة محمد باقر حكيم وهؤلاء قاموا بكثير من الهجومات على القوات العراقية إلى جنب القوات الإيرانية. وقاموا في يوم 29 تشرين الثاني 1981 والأيام التالية تقتل عدد كبير من الأسرى العراقيين بالاشتراك مع القوات الإيرانية وقد بث التليفزيون العراقي فلماً مصوراً لبعض عمليات القتل حيث يقومون بربط كل يد من يدي الأسير بحبل إلى سيارة واليد الأخرى إلى سيارة أخرى واقفة باتجاه معاكس وتنطلق السيارتان في وقت واحد باتجاهين متعاكسين فتنخلع يدا الأسير من الكتف وتنفصلان عن جسمه ليعيدوا سنة قدوتهم عابد النيران سابور ذو الأكتاف الذي كان يقوم بخلع أيدي ضحاياه من الكتف(1)
وقصص الأسرى العراقيين لا تعد ولا تحصى عن طرق التعذيب التي كان يشرف عليها قائد قوات (غدر) محمد باقر حكيم ويباشر بعضها بنفسه .. استمر احتجاز عدد كبير من أسرى الحرب السنة بعد انتهاء الحرب وكانوا يختارون أصحاب الأعمار الصغيرة ويبقونهم حتى يقضوا أكبر فترة من الأسر ما شهد بذلك الأسرى العائدون من إيران.
$ الرافضة وسقوط بغداد الثاني 1423 هـ
$سقوط بغداد الثاني
ما أشبه اليوم بالبارحة
لقد اختلف الناس في حوادث التاريخ هل تتكرر أو لا تتكرر وهل أن التاريخ يعيد نفسه أو لا يعيد نفسه؟ ومن خلال نظرة واحدة بشواهد التاريخ عند سقوط بغداد الأول على يد التتار والرافضة عام 656 هـ وسقوط بغداد الثاني على يد الأمريكان والرافضة عام 1424هـ نجدها تتشابه في أغلب تفاصيلها لتثبت للعالم أن التاريخ يعيد نفسه. ومن أوجه الشبه في ذلك.
__________
(1) ينظر موسوعة الحرب العراقية الإيرانية، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 1/140، 5/120، 5/216.(42/27)
- السقوط الأولى بدأ بمراسلات ابن العلقمي إلى التتار والسقوط الثاني بدأ باجتماع رؤوس الرافضة مع الأمريكان في شمال العراق للإعداد للاحتلال بغداد فاجتمع محمد باقر الحكيم وأحمد الجلبي وإبراهيم الجعفري وأعوانهم من الأكراد جلال الطالباني ومسعود البارزاني مع المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية في أربيل ووزع عليهم 99 مليون دولار من أجل الإعداد لاحتلال العراق وإقامة حكم ديمقراطي بقيادة الرافضة.
- لقد زين الشيعة في زمن صدام حسين له قوة جيشه ووصفوه له أنه الجيش الذي لا يقهر، وقاموا بسرقة أغلب ما يصرف للجنود من أجل إعدادهم وتدريبهم فكانت المعدات العسكرية غير صالحة للعمل وأغلب العتاد فاسداً ولا يخبرون قيادتهم بذلك. فالرافضة كانوا متغلغلين في أغلب المؤسسات العسكرية وأعدوا الجيش للهزيمة بدل إعداده للقتال.
- أول من فتح أبواب المحافظات الجنوبية واستقبل المحتلين هم الشيعة حيث بدأ الهجوم على العراق من الجنوب لأن أغلب سكانه من الرافضة.
- وبعد أن أصدر لهم طاغوتهم الأكبر على السيستاني فتوى بعدم التعرض للقوات الأمريكية، فانهار الجيش لعدم وجود الإسناد الشعبي حيث كان أغلبه متحصناً في المدن. وكان الرافضة يتلقون الجنود الأمريكان والإنكليز بالورود على الطرقات. وقام الجنود الأمريكان بإجراء مباراة بكرة القدم مع فريق محافظة النجف وهي معقل الشيعة وبعد دخولها مباشرة.
- قام الرافضة بقتل أغلب المتطوعين العرب المسلمين السنة الذين جاءوا قبل الهجوم لنصرة العراق وتم تسليم الكثير منهم للقوات المحتلة، فيما تم إنقاذ البعض منهم من قبل السنة في العراق وإيواءهم وإعادتهم إلى بلدانهم عن طريق الحدود السورية. وقد أخبرونا بأن النار كانت تطلق عليهم من خلفهم من قبل الشيعة.(42/28)
- قام الرافضة بالاستيلاء على أكثر من 30 ثلاثين مسجداً لأهل السنة في المحافظات الجنوبية ولم يتعرضوا لكنيسة واحدة من كنائس النصارى الموجودة هناك. وأعطوا جميع البيانات الملحقة لمسجد الدولة الذي بناه صدام حسين في الحلة للقوات المحتلة وأخذوهم المصلى ودار الإمام والمؤذن لأن المسجد كان كبيراً جداً وله حديقة كبيرة وفيه مدرسة دينية وقاعة مناسبات.
- قام الشيعة بعد سيطرتهم على الإذاعة بإقفال إذاعة القرآن الكريم وإيقاف بثها.
- قاموا بسرقة أموال الدولة في مناطقهم وفي معظم مناطق بغداد وذلك بفتاوى مسبقة من علمائهم، وقاموا بسرقة المتاحف وحرق الوزارات وحرق مكتبة الأوقاف العامة التي تحوي الكثير من المخطوطات وسرقة كافة محتويات كلية العلوم الإسلامية في بغداد بما في ذلك مكتبتها ثم تدمير كل ما لا يمكن حمله منها وتكسر زجاجها. وقد وجدنا توجيهات مكتوبة إلى قوات بدر التابعة لما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بوجوب حرق مكتبات أهل السنة والدوائر الحكومية والاستيلاء على دور الدولة ولم تسلم من الحرق سوى وزارة النفط التي قامت القوات الأمريكية بحمايتها وتم سرقة كافة محتويات المعسكرات ثم تهديمها ورفع أنقاضها وبيعها لتجار الخردة حتى أصبحت أثر بعد عين.
- وبعد إعلان انتهاء العمليات العسكرية من قبل المحتلين اتجه الشيعة للعمل في المعسكرات الأمريكية ومعسكرات الدول الأخرى داخل العراق كمترجمين ومتعهدي أرزاق وعمال لإعداد المعسكرات الثابتة للجيوش المحتلة وكذلك عملت نساؤهم كمنظفات في المعسكرات وخادمات للكثير من قياداتهم العسكرية.
- ثم بعد انطلاق المقاومة السنية بعد شهر تقريباً من الاحتلال أخذ الشيعة يعملون كعيون وجواسيس للمحتلين على أهل السنة مقابل استلام أموال من المحتلين على كل تقرير أو خبر يقدمونه لهم وكانوا يأتون ملثمين مع الجنود الأمريكان لبيوت أهل السنة للقبض عليهم.(42/29)
- قاموا بتشكيل جماعات من قوات بدر الشيعية لاغتيال علماء السنة وطلبة العلم وخطباء المساجد والدعاة والكثير من المجاهدين الذين لم تستطع القوات الأمريكية القبض عليهم.
- وبعد أن عجزت القوات الأمريكية عن استدعاء المزيد من جنودها أو من جنود الدول الأخرى فتحوا باب التطوع في الجيش للعراقيين تحت اسم الحرس الوطني وكان الشيعة أول المتطوعين مع الأمريكان فحملوا السلاح يداً بيد مع الجندي الأمريكي وهاجموا مدن السنة مثل الفلوجة والرمادي وسامراء واللطيفية وأحياء السنة في بغداد مثل الأعظمية والدورة وشاعر حيفا وقتلوا واعتقلوا الأبرياء وسرقوا كل ما خف حمله وغلا ثمنه من أموال نقدية ومصوغات وأثاث وسيارات وذلك عند مداهمتهم لهذه الدور بحجة التفتي عن أسلحة.
- بعد اعتقال الآلاف من أهل السنة الذين لا علاقة لهم بالمقاومة والجهاد قاموا بتعذيبهم بأشد أنواع العذاب مثل تكسير الأطراف والصعق بالكهرباء والثقب في أجسامهم بواسطة المذرف الكهربائي (الديل) والمشي على الزجاج المكسور وشرب الماء الحار ووضع المئات منهم في غرف صغيرة بحيث لا يستطيع أحد منهم الجلوس أو النوم لأوقات طويلة. ورغ كل ما سمعناه عن أبي غريب من تعذيب كان السجين يتمني أن يعتقله الأمريكان ويذهبون به إلى أبي غريب. حتى لا يقع بيد الحرس الوطني أو الشرطة العراقية من الشيعة وفور ما استلم إبراهيم الجعفري رئيس ما يسمى بحزب الدعوة الإسلامية عندهم رئاسة الوزارة أصدر أمراً بإعادة فتح الخمارات والملاهي التي كانت قد أغلقت في زمن النظام السابق وبحجة أن ذلك من الحرية الشخصية التي لا يجوز التعرض لها.
- وأصدر أمراً بالعفو عن كل الإيرانيين المتهمين والمحكومين بجرائم تجارة المخدرات وتجاوز الحدود وكافة الجرائم الأخرى.(42/30)
- قام الشيعة بإنشاء حسينيات بالقرب من كل مسجد للسنة في بغداد وذلك لتحويل بغداد إلى منطقة شيعية بعد أن عجزوا عن الاستيلاء على مساجدهم كما فعلوا بالجنوب. ولكن الفضل لله فإن لأهل السنة شوكة قوية في بغداد يصعب عليهم القضاء علي أهلها ببغداد وكل محيط ببغداد هو من السنة فحول بغداد جميعها عشائر عربية سنية ومن كافة جهاتها.
- قاموا بطباعة أغلب كتب الشيعة التي كان ممنوعاً عليهم طباعتها في عهد النظام السابق لما تحمله من بدع وخرافات وبغض للصحابة، وفي المقابل قاموا بإتلاف مكتبات الكثير من مساجد السنة ودور أهل السنة بعد الاستيلاء عليها وقد صرحوا على لسان مدير الوقف الشيعي بضرورة إنشاء جامعة دينية شيعية لأن الشيعة ليس لهم جامعات دينية وضرورة إنشاء مساجد للشيعة في كافة مدن العراق حتى السنية منها.
- قاموا بإدخال عدد كبير من الفرس إلى العراق وإعطائهم الجنسية العراقية وذلك لتغيير هوية العراق العربية ورفع نسبة الشيعة في المجتمع العراقي.
$جماعة الخالصي
تنتسب هذه الجماعة إلى محمد بن محمد مهدي الخالصي من شيوخ الشيعة المعاصرين ودعاة الوحدة الإسلامية في العراق. ومركز هذه الجماعة هو في محافظة ديالي بالعراق واتي مركز محافظتها بعقوبة. وهم يعتبرون أقلية بالنسبة للأكثرية في العشائر السنية المنتشرة في هذه المحافظة ولوضعهم هذا ومناداتهم بشعار الوحدة جعلهم يقفون ضد الاحتلال الأمريكي للعراق ظاهراً ويقولون بالمقاومة السلمية لإخراج المحتل أي عن طريق المفاوضات. ولكن هل هذا يعني أنهم لا يعتقدون بمعاداة أهل السنة؟
إليك الأدلة من كتبهم
1- يرى الخالصي (أن الأئمة الإثنى عشر أركان الإيمان ولا يقبل الله تعالى الأعمال من العباد إلا بولايتهم)(1)
__________
(1) محمد بن محمد مهدي القاظمي الخالصي، الاعتصام بحبل الله 43.(42/31)
2- ويقول عن أبي بكر وعمر (وأن قالوا إن أبا بكر وعمر من أهل بيعة الرضوان الذين نص على الرضا عنهم القرآن في قوله {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (18) سورة الفتح قلنا لو أنه قال لقد رضي عن الذين يبايعونك تحت الشجرة أو عن الذين بايعوك لكان في الآية دلالة على الرضا عن كل من بايع ولكم لما قال {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ} فلا دلالة فيها إلا على الرضا عمن مخض الإيمان(1)
يقول ناص بن عبد الله القفاري: ومعنى هذا أن أبا بكر وعمر لم يمحضا الإيمان فلم يشملهما رضا الله في زعم هذا الرافضي(2) ويقول: ولقد وفقنا على نص خطير له يكشف حقيقة الوحدة التي يدعو إليها وأنها تقوم على سب الصحابة فإنه صرح بأنه يريد من أهل السنة أن يتحدوا معه على سب عائشة أم المؤمنين وخيار صحابة رسول الله المؤمنين وإلا يفعلوا فلا وحدة، ويلوز الخالصي بالتقية بقول (فإن وافقنا باقي طوائف المسلمين - --- على لعن الصحابة وسبهم – تمت الكلمة وائتلف الشمل وإن أبوا رجعنا إلى حكمنا الأول وهو التقية حذرا من الفرقة وحرصاً على اتحاد الكلمة وقلنا لا نسب معاوية لأنه صحابي وخال المؤمنين وإن جاء بالسيئات التي لا تغتفر ونذكر عائشة بكل خير وإن قتلت أبناءها وأحدثت الفتن! ولكن الأولى بإخواننا أن يتفقوا معنا)(3)
هذا قليل من كثير من معتقد جماعة يقال أنها معتدلة في العراق. والأصح أنها جماعة قد أجادت من التقية وكيفية استعماله لتظهر بمظهر الاعتدال عند من لا يعرف أصوله مذهب الإمامية.
$جيش المهدي
__________
(1) محمد بن محمد مهدي الكاظمي الخالصي، أحياء الشريعة في مذهب الشيعة، 1/63-64.
(2) ناصر بن عبد الله الغفاري، مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة، الرياض، دار طيبة، 2/111.
(3) الخالصي: الإسلام سبيل السعادة، 90.(42/32)
من المعروف لدى الكثير من أهل السنة في العراق أن جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر قد تم تشكيله بعد الاحتلال الأمريكي، ومهمته الرئيسية هي قتل أهل السنة بالعراق وهذا حصل قبل السماح لقوات بدر بقيادة محمد باقر حكيم بالدخول إلى العراق من إيران حيث منعوا من الدخول عند بداية الاحتلال. وعندما عقد محمد باقر حكيم اتفاقاً مع القوات الأمريكية للسماح له بدخول العراق هو ومليشياته ولكن من دون سلاح، فدخلوا وتسلحوا من الداخل بأسلحة الجيش العراقي المنهوبة من المعسكرات، اصطدموا بجيش المهدي والتيار الصدري في أغلب المناطق الشيعية في العراق وذلك من أجل الصراع على مراكز القوى والسيطرة على أكثر عدد من الشيعة وكان الصراع على أوجه في النجف حيث تطور إلى صدام مسلح فاستعانت قوات بدر التي كان أغلبها قد تطوع في الشرطة والحرس، بالأمريكان من أجل القضاء على الصدر وجيش المهدي وكانت قيادة قوات بدر بيد عبد العزيز الحكيم بعد أن قضى محمد باقر حكيم في سيارة مفخخة في النجف. فأصبح ظاهر الصراع بين جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر والأمريكان. أما باطنه فهو بين الصدريين وقوات بدر.(42/33)
وعند هجوم القوات الأمريكية على قوات جيش المهدي في النجف ومحاصرتهم في داخل مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومنع الطعام والماء عنهم هب أهل السنة من كل أنحاء العراق لنجدتهم وفك الحصار عنهم فتبرع الكثير من أهل السنة بالأطعمة والأدوية وأدخلوا لهم بعض الأسلحة والمتطوعين معهم وقاموا بالقتال إلى جانبهم ونقل جرحاهم في حين كان أبناء مذهبهم من أهل النجف يداً بيد مع الأمريكان وقوات بدر وبعد أن فقدوا الكثير من مقاتليهم وتعفنت الجثث داخل المشهد تدخل علي السيستاني عالمهم الأكبر في النجف والذي كان على علاقة وثيقة بالقوات الأمريكية المحتلة؛ من أجل إنهاء حصار مدينة النجف على أن يسلم جيش المهدي حساباته فأصبح أكثر قرباً من أهل السنة لأنهم وقفوا بجانبه في محنته في حين وقف من هو على معتقده مع الأمريكان فأخذ يندد بالاحتلال وقاموا بجمع تبرعات لأهالى الفلوجة عند محاصرتهم رداً لما قاموا به من جلب الطعام من الفلوجة إلى النجف.
ولكن بقي جيش المهدي وقائده على الحياد بين الشيعة والسنة ولم يستنكروا أعمال منظمة بدر ضد أهل السنة وشاركوهم في الانتخابات، فهم بينهم خلافات لا يعلمها إلا الله ولكنهم يجتمعون على أهل السنة فلا يتفقون في أمر مثل اتفاقهم على معاداة أهل السنة وهذا ما يجعل كل ذي عقل لا يطمئن لهم ولا لظواهرهم فهم يعملون على أساس عقيدة تجمعهم على تقديم قتل النواصب وهم أهل السنة كما ورد ذلك في كبتهم على قتل اليهود والنصارى.
$ المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق
(منظمة بدر)(42/34)
تعتبر هذه المنظمة التابعة لما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق من أشد رافضة المعادين لأهل السنة، قام بتأسيسها آية الله محمد باقر حكيم في إيران من الجنود العراقيين الرافضة الهاربين من الجيش العراقي عند قيام الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، وأخذت أعدادهم تزداد عندما بدأ محمد باقر حكيم بتعذيب الأسرى العراقيين مع الجنود الإيرانيين لإجبارهم على الانضمام لمنظمته فانضم معهم بعض الأسرى الذين أخرجوهم من الأسر وأدخلوهم في معسكرات تدريبهم وسمحوا لهم بالتجول داخل إيران والزواج من إيرانيات وإعطائهم رواتب من الحكومة الإيرانية بقيادة آية الله خميني. قامت هذه المنظمة باغتيال عدد من العراقيين والقيام بهجومات على الجنود العراقيين في الجبهة جنباً لجنب مع الجنود الإيرانيين. وبقيت هذه المنظمة في إيران بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية لم يسمح لهم بالدخول إلى العراق بعد الاحتلال الأمريكي إلا بعد أن عقدوا اتفاقاً معهم على دخولهم بغير سلاح وانخراطهم في قوات الأمن العراقية التي تم تشكيلها من قبل القوات الأمريكية وبهذا أخذوا يستلمون رواتب من الحكومة العراقية المشكلة من قبل المحتلين وحملوا السلاح مرة ثانية وبصفة رسمية وعلى مرأى وموافقة الأمريكان.
وبعد اغتيال محمد باقر حكيم في النجف أمام مشهد علي رضي الله عنه بسيارة مفخخة أدت إلى اختفاء جثته تماماً ولم يجدوا منها شيئاً هو وبعض مساعديه وذلك من شدة الانفجار، آلت قيادة المنظمة إلى أخيه عبد العزيز الحكيم الذي ألقي بالمنظمة بكاملها في أحضان الأمريكان وأصبحوا يعملون بجانبهم يداً بيد ويتجسسون لهم على السنة وكذلك أخذت نساؤهم تعمل داخل المعسكرات الأمريكية كمترجمات وخادمات وإداريات.(42/35)
وعندما قويت شوكة المنظمة بعد أن أعطاهم الأمريكان وزارة الداخلية قاموا بتشكيل فرق لاغتيال العلماء والأطباء والطيارين الذين شاركوا في ضرب إيران في الحرب، وضباط الجيش --- في أهل السنة وشيوخ المساجد والدعاة وكثير من المصلين الذين كانوا يقومون باغتيالهم بعد خروجهم من صلاة الفجر أو العشاء وقتل المسلمين السنة الذين ينحدرون من أصول شيعية أو هم من عوائل ---- ولكنهم غيروا عقيدتهم بعد أن تبين لهم الحق. وقاموا بالقبض على الكثير م السنة وتسليمهم إلى القوات الأمريكية أو قتلهم ورميهم على الطرقات بعد قتلهم أو وفاتهم تحت التعذيب في سجونهم ثم إخراجهم ورميهم في مناطق مهجورة.. وقاموا بالقبض على الكثير من العرب من غير العراقيين واتهامهم بالإرهاب وقتلهم تعبيراً عن نظرتهم الشعوبية العدائية للعرب. وقاموا باغتيال أو سجن الكثير من الضباط والشرطة التابعين لوزارة الداخلية من السنة واتهامهم بمساعدة الإرهاب والمقاومة ثم طرد عدد آخر منهم وكل ذلك حصل بتوجيه من وزير الداخلية الإيراني ----- باقر صولاغ الذي هو رافضي العقيدة شعوبي الفكر حاقد خبيث عاث في العراق فساداً وأعوانه من منظمة بدر.
$ منظمة أمل
ومن الشواهد الحديثة على تعاون الروافض مع اليهود والنصارى لمنظمة أمل الشيعية لقد أنشئت حركة أمل من قبل إيران وقام بإنشائها عدد من تلامذة الخميني منهم موسى الصدر تلميذ الخيمين وصهره والدكتور مصطفى جمران وزير دفاعه الذي أهلكه الله في حادث سقوط طائرة ونائب وزير وزراء خميني الدكتور صادق طبا طبائي ابن أخت موسى الصدر وصهر الخميني وقادة أمل كلهم من تلامذة الصدر(1)(42/36)
يقول عبد الله محمد الغريب في كتابه (أمل والمخيمات الفلسطينية): تعاون الشيعة مع العدو الصهيوني في جنوب لبنان حقيقة ثابتة وليس أسطورة اخترعها خصوم الرافضة. لقد تحدثت الصحف ووكالات الأنباء المحلية والعالمية عن هذا التعاون ولمسه المسلمون والنصارى في الجنوب لمس اليد واعترف به الشيعة من خلال تبادل الاتهامات فيما بينهم. ويقول إن الفظائع التي ارتكبتها أمل بحق الفلسطينيين الآمنين في مخيماتهم يندى لها الجبين عاراً ويعجز مثل هذا القلم عن وصفها وتحديد حجمها لأن الرافضة حرصوا على ممارسة التعتيم الإعلامي على ما اقترفت أيديهم من جرائم.
وتناقلت وكالات الأنباء عمليات ذبح الأشخاص من الأعناق وقتل المعاقين وقتل البعض في داخل المستشفيات من الراقدين والعاملين فيها ونقل البعض الآخر خارج المستشفيات ثم قتلهم ونسفت الملاجئ على الشيوخ والنساء والأطفال ونهبت أموال المسلمين بعد أن تردد أن مقاتلي أمل اللصوص يعتبرون أن ما يستولون عليه من ممتلكات الفلسطينيين هو من غنائم الحروب. وتناقلت خبر اغتصاب 25 فتاة فلسطينية من أهالي مخيم صبرا أمام أهالي المخيم وصدر بيان عن جبهة الإنقاذ الفلسطينية بعد الذي قامت به أمل في المخيمات الفلسطينية في 19/5/1985 وما بعدها، جاء فيه أن المساجد جرفت وخزانات المياه فجرت والكهرباء والمياه قطعت والمواد الغذائية نفدت والجرحى دون أطباء أو أدوية والشهداء في الشوارع بسبب حصار حركة أمل واللواء السادس والثامن ومن يساندهم، وأكد بيان الجبهة أن ما جرى في المخيمات حالياً لم يحدث له مثيل حتى أثناء الاجتياح الإسرائيلي.
وتم أيضاً قصف برج البراجنة من قبل حركة أمل وارتكبت فيه مذابح أيضاً بعد أن صمد ---- أكثر من مخيمات صبرا وشاتيلا.(42/37)
ورددت حركة أمل خلال مسيرات لمقاتليها في شوارع بيروت الغربية في 2/6/1985 احتفالاً بيوم النصر بعد سقوط مخيم صبرا وشاتيلا وموت الكثيرين داخله من الجوع وانعدام العناية الصحية وانتشار الأمراض فيه، شعاراً تقول فيه (لا إله إلا الله والعرب أعداء الله). مما يؤكد نظرتهم الشعوبية المقيتة(1)
$حزب الله
هو التيار الخميني داخل حركة أمل انشق عنها بقيادة حسين الموسوي وتسمى (بحركة أمل الإسلامية) وتطور فيما بعد إلى (حزب الله) وكان ذلك عام 1982م. ودعم من إيران بالمال والسلاح والتدريب.
حزب الله منظمة شيعية تنتمي إلى فرقة الشيعة الإثنى عشرية يتركز نشاطه في ضاحية بيروت الجنوبية وبعض مناطق البقاع والهرمل.
ومن قيادات هذا الحزب محمد حسين فضل الله الذي يقول في معرض رد ه على الأسئلة الموجهة إليه في أحد البرامج (لم يكن هؤلاء الذين حكموا العالم الإسلامي في الماضي يحكمون باسم الإسلام، نحن لا نعتقد –على سبيل المثال- أن الحكم العثماني كان عادلاً وحراً وإسلامياً)(2)
يقول عبد المنعم شفيق في كتابه حقيقة المقاومة: (كان الشيعة أول من سارع لمساندة الجيش اللبناني (الموارنه) في الاشتباكات التي جرت مع المنظمات الفلسطينية بل ومساعدة اليهود في ذلك فالموارنه لا يريدون تكثير (السنة) لأجل إنشاء دولتهم النصرانية واليهود لا يريدون الفلسطينيين في لبنان لئلا يتهدد أمنهم من الشمال والشيعة لا يريدونهم كذلك لأنهم يمثلون عائقاً أمام تحقيق وجودهم وكيانهم الذي يسعون من أجله(3)
ويقول في الهامش: عند الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 استقبل سكان الجنوب من الشيعة القوات اليهودية بالورد والأرز لفرحتهم بأنهم سوف يخلصونهم من الفلسطينيين.
__________
(1) ينظر، عبد الله محمد الغريب، أمل والمخيمات الفلسطينية، 89، 160، 182، 189.
(2) عبد المنعم شفيق، حقيقة المقاومة، 56 منقول عن مقال د. إبراهيم خضر، مجلة المجتمع العدد 953 ص 45.
(3) المصدر السابق، 95.(42/38)
وعندما تحول الشيعة من مرحلة المهادنة في لبنان إلى العلم المسلح الظاهر واضحاً هدفهم بالتخلص من الفلسطينيين السنة معلناً، فمن جهة ينادون بالتقارب مع السنة وإزالة الحواجز ومن جهة أخرى يقومون بالمذابح ويتبرأ منها الآيات ويلصقون بالعلمانيين منهم.
بعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989م واتخاذه تسوية للأزمة اللبنانية تضع نهاية للحرب الأهلية خرج حزب الله بعبارات مكتوبة على لافتات في تظاهرة مكتوبة عليا (الوهابيون رجس من عمل الشيطان، سننتقم من الوهابيين؛ لن تمر هذه الجريمة دون عقاب(1) كانت هذه عبارات مكتوبة ومحمولة تبين الحقد الطائفي الدفين من الرافضة على أهل السنة.
وفي الخطاب الذي ألقاه حسن نصر الله في بنت جبيل عقب الانسحاب الإسرائيلي والذي حضره مائة ألف جنوبي أشار نصر الله إلى أن حزب الله لن يشارك في أي عمل عسكري ضد إسرائيل بهدف تحرير فلسطين، وخلا هذا المهرجان الخطابي من شعار (زحفاً زحفاً، نحو القدس)(2) وقد تكرس التزام حزب الله بضوابط الصراع مع إسرائيل في تفاهمي تموز 1993 ونيسان 1996 حيث تعهد الحزب بعدم ضرب أهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة(3)
$$ المبحث الثاني
سبب العداء هو عقائد الرافضة
__________
(1) المصدر السابق، 11.
(2) جريدة الأنباء العدد 863، 27/5/2000 نقلاً عن المصدر السابق.
(3) لمزيد من التفصيل راجع المصدر السابق ص 214.(42/39)
رب سائل يسأل ما الدافع الذي يدفع الرافضة لعداء أهل السنة وموالاة أعداء المسلمين من اليهود والنصارى؟ هذا السؤال تسهل الإجابة عليه لمن أطلع على عقائد الرافضة فهم يعملون على أساس عقيدة يحملونها ويغرسونها في قلوب أتباعهم فيتولد منها العداء والبغض والعداء لصحابة رسول الله ((صلعم)) ومن ثم عداء كل من يتبعهم وموالاة من يعاديهم. هذه العقائد موجودة في كتب علمائهم على شكل فتاوى يقومون بنقلها إلى أتباعهم عن طريق مجالسهم الحسينية التي يقيمونها على مدار السنة في ذكرى مولد ووفاة أئمتهم الإثنى عشر. ويمكن معرفة بعض هذه العقائد من خلال النقاط التالية:
$أولاً: تكفير الرافضة للمسلمين من غير الشيعة
1- يقول عبد الله الجميلي في كتابه (بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود): يعتقد الرافضة أنهم هم المؤمنون فقط وأن ما عداهم من المسلمين كفار مرتدون ليس لهم في الإسلام نصيب، أما سبب تكفير الرافضة للمسلمين فلأنهم لم يأتوا (بالولاية) والتي يعتقد الرافضة أنها ركن من أركان الإسلام فكل من لم يأت بالولاية فهو كافر عند الرافضة كالذي ترك الصلاة أو منع الزكاة بل إن الولاية مقدمة عندهم على سائر أركان الإسلام(1)
هذه العقيدة وردت في أمهات الكتب عند القوم. منها
2- روى صدر الأئمة أخطب خوارزم بسنده أن الله عز وجل قال لنبيه عن ولاية أئمتهم الأثنى عشر فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين يا محمد لو أن عبداً من عبادي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتهم(2)
وفي هذا دليل على أن كل من لم يؤمن بولاية الأئمة الإثنى عشر فهو كافر ولا مغفرة له.
__________
(1) عبد الله الجميلي، بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود، 532.
(2) ناصر عبد الله، مسلة التقريب بين أهل السنة والشيعة، في رياض دار طيبة، 2/82.(42/40)
3- تفسير القمي: عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال ليس على ملة الإسلام غيرنا وغيرهم (الشيعة) ثم يقول من فارقنا هلك ومن تبعنا نجا والمفارق لنا والجاحد لولايتنا كافر ومتبعنا ومتبع أوليائنا مؤمن(1)
4- الاختصاص للمفيد: عن علي بن الحسين أنه قال ليس على فطرة الإسلام غيرنا وغير شيعتنا وسائر الناس من ذلك براء(2)
5- روى الكليني في روضة الكافي: عن أبي عبد الله أنه قال لبعض أتباعه أما والله أنكم لعلى الحق وأن من خالفكم لعل غير الحق(3)
6- روى البرقي عن أبي عبد الله أنه قال ما أحد على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسابق الناس منها براء(4)
7- ونسبوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: وأيم الله إن عندي لصحف كثيرة قطائع رسول الله ((صلعم)) وأهل بيته وإن فيها لصحيفة يقال لها العبيط وما ورد على العرب أشد عليهم منها وإن فيها لستين قبيلة من العرب مبهرجة مالها في دين الله نصيب(5)
8- وعن الباقر في قوله سبحانه {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (65) سورة الزمر قال لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي عليه السلام ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين(6)
__________
(1) تفسير القيمي: 2/4.
(2) الشيخ المفيد، الاختصاص 107.
(3) رفضة الكافي، 8/145 ذكرها عبد الله الجميلي في بذل المجهود وقال أوردها البرقي في المحاسن ص 146.
(4) المحاسن، 147 نفس المصدر، 523.
(5) الصفار، بصائر الدرجات، 169، المجلس، بحار الأنوار 26/37 ذكرت في نفس المصدر السابق.
(6) تفسير الصافي 2/472 ينظر ناصر عبد الله، التقريب بين أهل السنة والشيعة 2/220.(42/41)
9- وعن أبي عبد الله في قوله سبحانه {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف قال العمل الصالح المعرفة بالأئمة {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} التسليم لعلي لا يشرك معه في الخلافة من ليس ذلك له ولا هو في أهله(1)
10- قاموا بتأويل الآيات الواردة في الكفار والمنافقين تأويلهم لها بخيار الصحابة وأقدمهم في الفضل أبو بكر وعمر وعثمان فقالوا في قوله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا} (29) هما أبو بكر وعمر. وورد أو {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ} (22) سورة إبراهيم قالوا هو الثاني يعنون به عمر وقالوا ليس في القرآن {وَقَالَ الشَّيْطَانُ} ألا وهو الثاني. وقالوا في قوله تعالى {فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (12) سورة التوبة طلحة والزبير من أئمة الكفر، وقالوا في الجبت والطاغوت (أبو بكر وعمر). وفي قوله تعالى {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} (74) سورة التوبة قالوا سبعة --- من المنافقين أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة ---- مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة(2)
هذا ---- من قيض مما قالوه في تكفير عامة المسلمين وتكفير القرن الأول الذين شهد لهم رسول الله ((صلعم)) بالخيرية وتكفير خيارهم صحبة لرسول الله ((صلعم)) أبو بكر وعمر، والطعن في زوجات الرسول ((صلعم)) وخصوصاً حفصة وعائشة، ولعن الصحابة عموماً وأبي بكر وعمر وعائشة وحفصة خصوصاً. ونختم بما جاء في دعاء لعن صنمي قريش وابنتيهما كما ورد عن الخميني الذي حاز على موافقة علمائهم.
$ثانياً: وصفهم أهل السنة بالنواصب:
__________
(1) تفسير العياش 2/353 ينظر المصدر السابق.
(2) ينظر المصدر السابق لمزيد من التفصيل.(42/42)
كلمة النواحب هي من الألقاب التي يرمز بها الرافضة لأهل السنة عندما يريدون الطعن منهم ومن قرأ أمهات الكتب عندهم علم يقيناً أنهم إنما يقصدون بالنواصب أهل السنة. وإليك الأدلة التي وردت:
1- يقول حسين الدارزي في تحقيقه للناصب.. وأما معناه الذي دلت عليه الأخبار فهو ما قدمناه هو تقديم غير علي عليه السلام على ما رواه ابن إدريس في مستطرقات السرائر نقلاً عن كتاب مسائل الرجال بالإسناد إلى محمد بن علي بن موسى قال: كتبت إليه – يعني علياً عليه السلام- عن الناصب هل يحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغون (يعني أبو بكر وعمر) واعتقاداً ما منهما؟ فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب.
2- وما في شرح نهج البلاغة الراوندي عن النبي ((صلعم)) أنه سئل عن الناصب قال: من يقدم على علي غيره، إلى أن قال (بل إن أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنياً)(1)
3- ويؤيد هذا ما ذكره نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية قال: وأما الناصبي وأحواله وأحكامه فهو ما يتم ببيان أمرين:
الأول: في بيان معنى الناصب الذي ورد في الأخبار أنه بخس وأنه شر في اليهودي والنصراني والمجوس وهو كافر بخس بإجماع علماء الإمامية رضوان الله عليهم.
وقد تفظن شيخنا الشهيد الثاني من الإطلاع على غرائب الأخبار فذهب إلى أن الناصبي هو الذي نصب العداوة لشيعة أهل البيت عليهم السلام وتظاهر بالوقوع فيهم كما هو حال أكثر المخالفين لنا في هذه الأعصار في كل الأمصار.
4- يقول الخميني في تحرير الوسيلة: وأما الخوارج والنواصب لعنهم الله تعالى فهم بخسان في غير توقف(2)
__________
(1) المحاسن النفسية في أجوبة المسائل الخراسانية، 145، 147.
(2) تحرير الوسيلة 333.(42/43)
وقد قاموا برمي خيار أهل السنة وعلمائهم بالنصب مثل الإمام أبو حنيفة والإمام أحمد وكفروا أعلام الله مثل سعيد بن المسيب وأبي مسلم الخولاني وأويس القرني وعطاء بن أبي رياح وإبراهيم النحفي ومالك والأوزاعي والثوري وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والشافعي وغيرهم(1)
هذه نظرتهم لأهل السنة عموماً ولعلمائهم خصوصاً الذين أظهر الرافضة العداوة لهم ولعنوهم وأخرجوهم من الملة وجعلوا أحكام التعامل معهم أحكام التعامل مع المشركين والكفار وكما سترعى لاحقاً.
$ثالثاً: اعتقادهم بخلود المخالفين لهم من أهل السنة وغيرهم في النار
إن الرافضة يعتقدون أن أهل السنة وكل من خالفهم من طوائف المسلمين في العقيدة، أنهم مخلدون في النار وأنهم مهما تعبدوا واجتهدوا فذلك لا ينجيهم من عذاب الله يوم القيامة.
1- روى الصدوق في عقاب الأعمال عن الصادق عليه السلام أنه قال: إن الناصب لنا أهل البيت لا يبالي صام أم صلى أم زنا أم سرق، إنه في النار إنه في النار(2)
وعن إبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كل ماصب وإن تعبد واجتهد بصير إلى هذه الآية {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}(3)
2- وفي المحاسن عن علي الخدمي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إن الجار ليشفع لجارة والحميم لحميمه ولو أن الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين شعفوا في ناصب ما شفعوا(4)
__________
(1) المزيد من التفصيل راجع عبد الله الجميلي، بذل المجهود، 532 وما بعدها.
إبن تيمية، درة التعارض بين العقل والنقل 7/138-139.
(2) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال 215، المجلسي: بحار الأنوار 27/235.
(3) الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، 247..
(4) البرقي 184(42/44)
3- يقول العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله عليه السلام: (وأعداء علي أمير المؤمنين هم الخالدون في النار وإن كانوا في أديانهم على غاية الورع والزهد والعبادة، والمؤمنون بعلي عليه السلام هم الخالدون في الجنة وإن كانوا في أعمالهم ضد ذلك)(1)
يقول عبد الله الجميلي في بذلك المجهود: وأعداء علي عندهم كل من قدم على علي غيره من الصحابة واعتقد صحة إمامة الشيخين فأهل السنة بهذا الاعتبار هم من أعداء علي الذين يحكم الرافضة بخلودهم في النار.
ويقول ويتمادى الرافضة في أكاذيبهم ودعاويهم البطالة إلى أكثر من هذا فيزعمون أن كل الناس ما عداهم وأئمتهم سيدخلون النار.
4- جاء في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال (وخلق أرواح شيعتنا في طينتنا وأبدلنهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل لأحد في مثل الذي خلفهم نصيباً إلا للأنبياء ولذلك صرنا نحن وهم الناس وصار سائر الناس همجاً للنار وإلى النار(2)
$رابعاً: اعتقادهم بطلان حكم أي دولة إسلامية ما عدا خلافة علي رضي الله عنه
وعلى أساس تكفيرهم للمسلمين من القرن الأول واتهامهم ومن اتبعهم من المسلمين أنهم نصبوا العداء لأهل البيت، بنوا على هذا الأساس أن كل بيعة لأي شخص من غير أهل البيت باطلة ويدخل في ذلك بطلان دولة الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان وأقروا بخلافة علي رضي الله عنهم جميعاً وأبطلوا خلافة الدولة الأموية والعباسية ومن بعدهم إلى يومنا هذا، وهذا مقرر عندهم على قول كبار علمائهم وفي أمهات كتبهم. وعليه يكون كل حكم في أي أمر من أمور الحياة الدينية والدنيوية لم يرد عن المعصومين باطلاً وغير واجب الطاعة إلا على سبيل التقية.
__________
(1) تفسير العياشي 1/139.
(2) ينظر بذل المجهود، 544.(42/45)
1- قال المجلسي في بحار الأنوار عن الخلفاء الثلاثة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم (أنهم لم يكونوا إلا غاصبين جائرين مرتدين عن الدين لعنة الله عليهم وعلى من اتبعهم في ظلم أهل البيت من الأولين والآخرين) ويعد كتاب بحار الأنوار من مصادرهم الأساسية(1)
2- وورد في (الكافي بشرحه) للمازندراني عن أبي جعفر قال (كل راية ترفع قبل راية القائم (ع) صاحبها طاغوت). قال شارح الكافي (وإن كان رافعها يدعو إلى الحق) وصحح المجلسي هذه الرواية.
3- وورد في الكافي للكليني عن أبي جعفر (ع) قال ( قال الله تبارك وتعالى لأعذن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس في الله وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية ولأعفون عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة)(2)
4- ويقول الخميني في كتاب كشف الأسرار (كل حكومة تقوم قبل ظهور القائم هي حومة باطلة وكل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله ثم يقول إن عمل السلطان عديل الكفر بسألته عن عمل السلطان فقال الدخول في أعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل الكفر ويقول: إن القتال مع الإمام مثل أكل لحم الخنزير(3)
5- يروي محدثهم الكليني بسنده عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث وتحاكما إلى السلطان وإلى القضاء أيحل ذلك قال من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وغن كان حقاً ثابتاً له لأنه أخذه بحكم الطاغوت.
وعلى هذه الأصول تكون كل خلافة أو حكومة من غير المعصومين أو أتباعهم باطلة جملة وتفصيلاً.
__________
(1) المجلسي: البحار 25/110 وما بعدها أوردها صاحب كتاب مسألة التغريب 2/311.
(2) الكليني: الكافي 1/376 وردت في نفس المصدر السابق.
(3) محمد أحمد الخطيب، كشف الأسرار، عمان، دار عمار، 238.(42/46)
وكانوا لا يقيمون صلاة الجمعة في العراق بحجة أن الجمعة لا تقام إلا بوجود إمام عادل فلما تم احتلال العراق من قبل الأمريكان وأصبح حاكم العراق الأمريكي (بول برايمر) أقيمت صلاة الجمعية في مساجدهم(1) .
$$المبحث الثالث
$$عملهم على أساس العقيدة
$أولاً: استباحة دماء أهل السنة وأموالهم:
بعد أن اتضح المعنى الحقيقي للنواصب والمقصود منه عند الرافضة هم أهل السنة. فقد دلت نصوصهم الكثيرة وفتاوي علمائهم المنتشرة في كتبهم التي تنص على استباحة دماء المسلمين وأموالهم عموماً وأهل السنة خصوصاً وجاءت روايات كثيرة عندهم بالحث على قتل أهل السنة منها:
1- روى المجلسي في البحار بسنده عن ابن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في قتل الناصب؟ قال حلال الدم اتقى عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل، قلت فما ترى في ماله؟ قال: توه(2) ما قدرت عليه(3) فدلت هذه الرواية على استباحتهم دماء أهل السنة وأموالهم بل قد جاء الإرشاد إلى قتلهم بحيث لا تثبت تهمة القتل على القاتل إما بقلب حائط عليم أو بإغراقهم في ماء كما هي أساليب اليهود للفتك بمخالفيهم.
2- ويصرح نعمة الله الجزائري بجواز قتل أهل السنة واستباحة أموالهم فيقول بعد أن ذكر أقوال علمائهم في المعنى المقصود من النواصب: الثاني في جواز قتلهم واستباحة أموالهم قد عرفت أن أكثر الأصحاب ذكروا للناصبي ذلك المعنى الخاص في باب الطهارات والنجاسات وحكمه عندهم كالكافر الحربي في أكثر الأحكام. ثم روى شيخ الطائفة نور الله برقده في باب الخمس والغنائم من كتبا التهذيب بسند صحيح عن مولانا الصادق عليه السلام قال: خذ مال الناصب وابعث إلينا الخمس.
__________
(1) الكليني: الكافي 1/67، لمزيد من التفصيل راجع نار بن عبد الله، مسألة التقريب 2/312.
(2) التوه: هو الهلاك، انظر القاموس المحيط 4/282.
(3) المجلسي: بحار الأنوار 27/231.(42/47)
3- يقول الخميني في تحرير الوسيلة: والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منه وتعلق الخمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحوٍ كان ووجوب إخراج خُمسه.
ويعتبر الخميني الناصبي أشد كفراً من اليهود والنصارى فيقول (يعتبر في المتصدق عليه في الصدقة المندوبة الفقر لا الإيمان والإسلام فتجوز على الغني وعلى الذمي والمخالف وإن كانا أجنبيين، نعم لا تجوز على الناصب ولا على الحربي وإن كانا قريبين(1)
فهذا هو الخميني يفتي للرافضة بإباحة أموال أهل السنة وأخذها أينما وجدت وبأي وسيلة ولم يرد عليه في قوله هذا عالم واحد من علمائهم المعاصرين مما يدل على اجتماعهم على تلك الفتوى، لكن الخميني كان أجرأ منهم فصرح بها فهم التزموا مبدأ التقية مع موافقتهم له(2)
__________
(1) الخميني: تحرير الوسيلة 1/318، 1/91، 1/119.
(2) ينظر بذل المجهود، 542. وجاء دور المجوس 1/186-187 لمزيد من التفصيل.(42/48)
على أساس هذه العقيدة الفاسدة استباحوا دماء المسلمين من غيرهم وأموالهم فتشابهوا اليهود الذين قالوا {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} (75) سورة آل عمران فحصل من ذلك عندهم فساد عظيم أدى بهم إلى أخذ أي مال يستطيعون سلبه أو نهبه دون مراعاة لخلق أو دين بل يجعلون ذلك تديناً، فجرهم ذلك إلى استباحة أموال المخالفين لهم من خيرانهم وأصدقائهم وممن يعملون عنده أو يستأمنهم على ماله وكذلك الأخذ من أموال الدولة التي يعملون بها إذا كانت لغير الشيعة مما أدى إلى فساد الوظائف التي تحت ولايتهم، وأباحوا قطع الطرق وأخذ أموال القوافل من المخالفين كما فعل القرامطة لأنفسهم في قتل حجاج بيت الله الحرام وأخذ أموالهم. وأباحوا سرقة مساجد أهل السنة وأخذ كل ما ينتفع به منها. ولقد رأينا والله من ذلك عجباً في الديار التي يكثرون فيها فمنهم من يسرق جاره أو صاحبه ومنهم من سرق المساجد وأخذ فراشها ومصابيحها وأجهزة مكبرات الصوت، ووصل الأمر إلى سرقة المصاحف منها وبيعها وكذلك سرقة أحذية المصلين وحوائجهم التي يغفلون عنها. وكثير منهم سرق من يعمل في محله أو دكانه أو أرضه، وأغلب الموظفين عندهم ممن يعرف عقائدهم يقوم بأخذ أي مال عام يقع تحت يده ودون علم مرؤوسيه. وكلما كان الواحد منهم أكثر تديناً وأكثر معرفة بعقائدهم كان أكثر سرقة وخيانة وإباحة لأموال غيره لأنه على علم بمعتقدهم ويظهر لك أنه يحبك وأمين على مالك وأهلك لأنه يغطي ذلك بثوب التقية التي تبيح لهم الكذب وأن يظهر بعكس ما يبطن. أما الذين لا علم لهم بأصول مذهبهم أو فتاوى علمائهم منهم أكثر أمانة وخلقاً من متدينيهم لأنهم بقي عندهم شيء من الفطرة التي ينكرونه بها هذه المنكرات ومنهم من يستغرب هذه الأفعال ولا يقرها، نسأل الله تعالى الهداية لهم، وما رأيناه منهم في العراق عجباً فقد استباحوا أموال الدولة قبل الاحتلال وبعده فقبل الاحتلال كانوا يأخذون أغلب الأموال(42/49)
التي تخصصها الدولة للمصالح العامة مثل إصلاح الطرق وبناء المدارس والمستشفيات وقام كثير من الضباط ومن هو دونهم منهم في الجيش العراقي باستباحة الأموال المخصصة لإصلاح الجيش وسرقة الأسلحة والعتاد ومخصصات الجند وتموين الجنود وأرزاقهم وأخذ الرشوة والكذب على قياداتهم مما أدى إلى انهيار الجيش العراقي من الداخل قبل الاحتلال وكثير منهم كانوا على علاقة بالكفار ينقلون لهم أخبار الجيش والتحركات العسكرية والكثير منهم أم جنوده بالتسليم قبل القتال، أما ما حصل بعد الاحتلال فهو أعجب فقد قاموا بسرقة كل ما وقعت عليه أيديهم من أموال الدولة فسرقوا الوزارات ثم أحرقوها وسرقوا دوائر الدولة الأخرى والمتاحف والمكتبات والمعسكرات والأسلحة والعتاد المتبقي فيها ثم القيام بتهديمها وأخذ مواد بنائها وكذلك سرقة المصانع الحكومية وأخذ ما فيها من آلات. والأعجب من ذلك أنهم كانوا يأتون بالكثير من هذه الأموال إلى مقلديهم حتى تكدست الأموال في بيوتهم وحسينياتهم وفي الشوارع التي أمامها وكل ذلك حصل بفتاوي --- وساداتهم التي أدت بهم إلى سرقة وزارة الأوقاف ومكتبة الأوقاف العامة وكلية العلوم الإسلامية ثم حرق هذه المؤسسات بحجة أنها سنية.(42/50)
أما ما حصل بعد دخول قوات بدر والمتطوعين من الرافضة في الشرطة وما يسمى بالحرس الوطني بعد تشكيلهما من قبل قوات الاحتلال منهم أخذوا بمداهمة دور أهل السنة مع الجنود الأمريكان يداً بيد بحجة تفتيشها والبحث عن مسلحين وإرهابيين كما يسمون أهل السنة بعد الاحتلال فيأخذون كل ما تقع عليه أيديهم من ذهب وأموال وسيارات وآليات أخرى وأجهزة كهربائية وممتلكات أخرى لا نستطيع حصرها في هذا البحث القصير، ثم يقومون بتخريب باقي الدار بإطلاق النار على الزجاج والأثاث الذي لا يستطيعون حمله، أو حرق الدار مع ما تبقى فيها وسب الله تعالى علناً وكذلك الصحابة رضي الله عنهم لأنهم يعلمون أن ذلك مما يغيظ أهل السنة. وعندما يأخذون أي أموال من أهل السنة قابلة للتلف ولا يمكن الاحتفاظ بها كالأطعمة مثلاً يقومون بتوزيعها على الشيعة في الشوارع. وكل ما حصل في العراق حصل في الكويت عند دخول الجيش العراقي عام 1990م إليها. حيث استباح الرافضة الذين في الجيش ضباطاً وجنود أموال المسلمين في الكويت ودماءهم وأعراضهم فنهبوا الدور والمحلات ومساجد أهل السنة ودوائر الدولة والمصانع والممتلكات العامة وقتلوا الأطفال وهتكوا الأعراض ولقد رأينا وسمعنا من ذلك كثيراً وعندما تسألهم عن ذلك يقولون لك هذه غنائم حرب فهي حلال وكأن من دخلوا إليهم كفار وغير مسلمين وكذلك عندما كانوا يسرقون أموال الدولة في العراق قبل الاحتلال يقولون إن أموال الدولة خلال، وهذا يعني أنهم أخذوا الفتاوى الفقهية بذلك من مقلديهم ومن اطلع على كتب علمائهم يجد فيها أن كل مال حرام تعطى خمسه حتى يصبح حلال هذا إذا كنت معتقداً حرمة المال. ومن يقرأ كتاب المسائل الفقهية لإمامهم أبو القاسم الخوئي زعيم الحوزة العلمية في النجف بالعراق في زمن احتلال الكويت يجد فتوى حلية المال الحرام بإعطاء خُمسه. ومن لم يسرق منهم في الكويت والعراق هم من غير الذين عندهم علم بمذهبهم ومعتقداتهم، أما من(42/51)
علم منهم فد قام والله بأعمال يتورع عنها فساق أهل السنة وليس أهل الدين من السنة. ونحن لا نقول أن أهل السنة معصومون ولم يقم أحد منهم بمثل هذه الأعمال ولكن الأغلبية الكثيرة من السنة بما فيها فساقهم يغتصبوا شيئاً والقليل منهم شارك غيره من الرافضة في أعمالهم، والفرق هو أن القلة من أهل السنة الذين أخذوا الأموال يعتقدون حرمتها على فسقهم وفجورهم والأغلبية من الشيعة أخذوها وهم يعتقدون حليتها على علمهم وتدينهم.
$ثانياً: العمل على زوال أي حكم لغير الشيعة:
لقد دأب المتآمرون على الإسلام من الرافضة الحاملين عقائد عبد الله بن سبأ والمجوس على العمل لإزالة أي حكم إسلامي على الكتاب والسنة أو علماني ورموزه من المحسوبين على السنة، ومن تطلع في تاريخهم وأقوال علمائهم يجد الكثير من هذه الشواهد.
1- عملوا على إزالة حكم الخلافة الأموية بدعوة أهل الكوفة للحسين رضي الله عنه لمبايعته سنة 60هـ ثم نقضوا عهودهم معه وتركوه يصطلي بنار الحرب وحده حتى مات شهيداً رضي الله عنه.
2- وأخيراً نجح أبو مسلم الخراساني في إسقاط الدولة الأموية باسم الدعوة لآل البيت وإظهار تأييده للدولة العباسية ثم التآمر عليها لولا حنكة المنصور وتخلصه منه في الوقت المناسب(1)
3- ولا يخفى تآمر البرامكة الذين يحملون نفس المعتقدات على الدولة العباسية في زمن هارون الرشيد واستئثارهم بالسلطة والتصرف بها كما يشاءون إلى أن قضى عليه الرشيد(2)
ويتضح من البحث في الصفحات السابعة تآمرهم على صلاح الدين الأيوبي وعلى إزالة الدولة العثمانية.
__________
(1) ينظر ابن كثير: البداية والنهاية 10/132.
(2) ينظر ابن خلدون، تاريخه 3/279، محمد الخضري، محاضرات من تاريخ الأمم الإسلامية 111.(42/52)
وآخر ما عملوه هو تآمرهم مع اليهود والنصارى والأكراد لإزالة الحكومة العلمانية في العراق التي بعض رموزها من السنة العلمانيين مما أدى إلى احتلال العراق عام 2003م بعد أن فشلت إيران في حربها ضد العراق عام 1980 ولمدة ثماني سنوات
وقبل ذلك تعاونت إيران مع أمريكا وشيعة أفغانستان لإزالة النظام الإسلامي هناك يقول حسين الخرساني (إن طوائف الشيعة يترقبون من حين لآخر أن يوماً قريباً آت يفتح الله تعالى لهم تلك الأراضي الممتدة –مرة أخرى- كذا- ليدخلوها آمنين مطمئنين فيطوفوا ببيت ربهم ويؤدوا مناسكهم ويزوروا قبور سادتهم ومشايخهم وفي مقدمتا قبر صاحب الشريعة الإسلامية ومسجده الشريف وقبور أهلل بيته وعترته الطاهرين في البقيع ولا يكون هناك سلطان جائر يتجاوز عليهم بهتك أعراضهم وذهاب حرمة إسلامهم وسفك دمائهم المحقونة ونهب أموالهم المحترمة ظلماً وعدواناً حقق الله تعالى أمالنا)(1)
$ثالثاً: العمل على ترسيخ هذه العقائد عند عامتهم
__________
(1) الإسلام على ضوء التشيع 132-133 من كتاب مسألة التقريب 2/81.(42/53)
لا شك أن مذهب الرافضة مبني على وجود هذه العقائد التي ذكرنا قسماً منها آنفاً مع عقائد أخرى لم نتطرق لها في هذا البحث يجرى زرعها وترسيخها عند عامتهم عن طريق مجالسهم الحسينية وتربية أتباعهم عليها علموها أو لم يعلموها، واتخذوا من قصة قتل الحسين رضي الله عنه مداراً لها. فيقومون بربط كل عقيدة من عقائدهم الفاسدة بحدث مصطنع من أحداث هذه القصة لربط المستمع من جهلتهم نفسياً بالإعجاب بالشخصية التي تدور حولها الأحداث. كما يحدث للأطفال عند مشاهدتهم الأفلام، فبعد انتهاء الفلم يقوم الطفل بتقليد بطل الفيلم وهو لا يشعر وكأنه هو البطل فتراه يضرب هذا ويكلم هذا على أنه تلك الشخصية. وكذلك عامتهم وجهلتهم عند ربطهم بأحداث تلك الشخصيات سوف يتصرفون بدون شعور على أنهم جزء من تلك الشخصيات فمثلاً عندما يجعلون من مسألة ظلم آل البيت واغتصاب حقوقهم من قبل مخالفيهم يجعلون المقلد منهم يشعر وكأنه هو المظلوم فيتنامى عنده الحقد على المخالفين وخصوصاً أن النفوس مجبولة على بغض الظلم والظالمين وحب الانتقام لهم وبما أن الذين ظلموا آل البيت لهم أتباع في وقتنا الحاضر وهم عامة المسلمين متمثلين بأهل السنة فيبدأ العداء لأهل السنة وحب القضاء عليهم. فلذلك لم يكتفوا بذكرى مقتل الحسين وإنما عملوا مناسبات ولادة لأئمتهم ومناسبات وفاة يجلسون فيها يتذكرون قصصهم. ولم يكتفوا بذكر قصة الحسين رضي الله عنه بل قاموا بتمثيلها لتكون أوقع في النفوس ففي كل سنة يختارون ساحة كبيرة ويجمعون الناس ويقومون بتمثيل قصة القتل وقطع الرؤوس ورقص القتلى بسنابك الخيل فيخرج المشاهد ممتلئاً حقداً على من قتل أهل البيت وحب الانتقام منه. وكذلك يصورون قصة ظلم أبو بكر وعمر لعلي ودخولهم البيت على فاطمة الزهراء من أجل إجبار علي على البيعة. وهكذا تعاد القصص عدة مرات في السنة. ويربطون الناس بالأجر العظيم ودخول الجنة لمن يحب آل البيت، ولا يتم حبهم إلا بالبراءة(42/54)
من أعدائهم الذي هم مخلدون في النار. ولم يكتفوا بهذا فيعملون مجالس النساء أيضاً وإن كانت نساؤهم لا تمنع من الاختلاط بالرجال من مثل هذه المناسبات. فيقول خطيبهم الوائلي الذي يعتبرونه عالماً عندهم يقول في إحدى خطبه (للنساء دور كبير في الحفاظ على مذهب أهل البيت) وذلك لأن أغلب زيارات القبور تقوم بها النساء عندهم فيقمن بسفرات أسبوعية تستمر لعدة أيام منفردات بحجة أداء الزيارات. فأصبح الدين عندهم ولادات ووفيات وزياراته وعمل أطعمة فهذا طعام يحبه علي رضي الله عنه وهذا طعام يحبه الحسين وهذا يوم فرحة الزهراء وهذا يوم عرس القاسم والنوروز وعيد غديرهم وهكذا فلا داعي للصلاة والصيام والحج ينسلخون من الدين وينسلخون من أخلاق المسلمين وهم لا يشعرون.
$$المبحث الرابع
$$كلمة إلى دعاة التقريب
نحن نعتقد أن التقريب غير ممكن مع من هذا تاريخهم وإن لم يكن بعد فيجب وضع بعض الأسس:
$الأساس الأول: معرفة تاريخ الرافضة وعقائدهم(42/55)
بعد هذا البيان ووضوح تاريخ الرافضة وعدائهم للصحابة والتابعين وأتباع التابعين وباقي الأمة. وتعاونهم مع أعداء الأمة من أجل إزالة كيانها وإزالة حكم الله تعالى في أرضه. ومنظماتهم السرية والعلنية واتخاذهم التقية ستاراً لذلك وتقلبهم حسب الظروف. ويخطئ من يقول إن شيعة اليوم غير شيعة الأمس. فشيعة اليوم قد جمعوا تراكمات فتاوى الشيعة منذ بداية دعوتهم ولحد الآن فالصحيح أن شيعة الأمس هم أفضل من شيعة اليوم، حيث إن الشيعة في أولهم هم من يفضل علي على عثمان فقط ثم تطورت عقيدتهم إلى تفضيله على أبي بكر وعمر ثم بعد ذلك لعن الخلفاء الثلاثة ثم لعن الرعيل الأول من الصحابة ثم لعن الأمة جميعها من غير المؤمنين بالأئمة الإثنى عشر. واليوم لا يوجد من شيعة الأمس أحد. فشيعة اليوم جمعوا ما قال به سلفهم جميعاً وأصبحوا داخل شبكة من العقائد الفائدة نتج عنا شبكة أخرى من البدع والخرافات من الصعب جداً التخلص منها في أن يتخلص من بدعة حتى يقع في واحدة أشر منها. وعن طريق وسائل الاتصال الحديثة والطباعة الحديثة وصلت أغلب قصصهم وخرافاتهم إلى عامتهم وتربوا عليها، وأصبح مقلدوهم الأحياء والأموات كثيرين ودعاتهم كثيرين وأصبحوا يقتدون بمن سبقهم. فمثلاً عندما قلت لأحدهم لماذا توافقوا على احتلال بغداد من قبل الأمريكان؟ أجاب قائلاً ولماذا لم نوافق على ذلك أم يوافق عليه نصير الدين الطوسي عند احتلال التتار لبغداد فأصبح فعل الطوسي وابن العلقمي سنداً لهم وسنة يستنون به بدل أن ينكروه.(42/56)
فواهم أشد الوهم من يعتقد أن شيعة اليوم أفضل حالاً من شيعة الأمن ومن قال ذلك فإنه يجهل عقائد ديانات الفرس القديمة وديانات اليهود والنصارى التي تشكلت منها عقائد الرافضة فمن يطلع على تاريخ الأديان يجدهم قد أخذوا من كل دين عقيدة وبدعة أو خرافة واتخذوا الكذب ديناً. ومن هذه صفاته يصعب التعامل معه والاتفاق معه حتى على حلول وسط. ولابد من معرفة التجارب السابقة في التقريب وأقوال علمائهم وطريقة معاملتهم لأهل الإسلام ومعاملتهم لأهل الكفر حتى يكون المسلم على بينة وعلم بما يفكرون وبما يقولون وبما يريدون أن يصلوا إليه من وراء ذلك. وعليه أن يحلل كل كلمة يقولونها وكل فعل يفعلونه لمعرفة الهدف من ورائه فهؤلاء القوم هدفهم الأول والأخير هدم الإسلام وتقويض بيناته وهذا أساس قيام هذا المذهب الذي قام على الطعن في القرآن والطعن في السنة وحملتها ويريدون من أهل الإسلام أن يقروا بعقائد ما أنزل الله بها من سلطان هي مجموعة خرافات أتوا بها من الديانات السماوية الأخرى المحرفة والديانات الوضعية الباطلة.
$الأساس الثاني: أن نعمل وفق عقيدة واتباع
لابد لكل مسلم أن تكون عقيدته ثابتة وهي العقيدة الصافية التي أرادها الله تعالى لعباده من الأنبياء وأتباعهم وأن يكون متبعاً لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وسنته وصحابته المتبعين لهديه. فالرافضة على عقائد باطلة يعملون على أساسها ومتبوعين ضالين مضلين ويتبعونهم. فلماذا لا يكون عمل أهل الحق على أساس عقائدي واتباع صحيح وليس تبعاً للأهواء والعواطف وعندنا من أقوال علمائنا فيهم ما ينير لنا الطريق ومن ذلك.(42/57)
يقول ابن تيمية رحمه الله فيهم (وحال الجيمية والرافضة شر من حال الخوارج فإن الخوارج كانوا يقاتلون المسلمين ويدعون قتال الكفار وهؤلاء أعانوا الكفار على قتال المسلمين وذلوا للكفار فصاروا معاونين للكفار إذلاء لهم معادين للمؤمنين أعزاء عليهم كما قد وجد مثل ذلك في طوائف القرامطة والجهمية الفناة والحلولية ومن استقرأ أحوال العالم رأى من ذلك عبراً وصار في هؤلاء شبهاً من الذين قال الله فيهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} (51) سورة النساء(1)
ويقول: وكثير منهم يواد الكفار في وسط قلبه أكثر من موادته للمسلمين ولهذا لما خرج الترك الكفار من جهة المشرق فقاتلوا المسلمين وسفكوا دماءهم ببلاد خراسان والعراق والشام والجزيرة وغيرها كان الرافضة معاونة لهم على قتال المسلمين ووزير بغداد المعروف بالعلقمي هو وأمثاله كانوا من أعظم الناس معاونة لهم على المسلمين وكذلك الذين كانوا بالشام بحلب وغيرها من الرافضة كانوا من أشد الناس معاونة لهم على قتال المسلمين وكذلك النصارى الذين قاتلهم المسلمون بالشام كان الرافضة من أعظم أعوانهم وكذلك إذا صار اليهود دولة بالعراق وغيره تكون الرافضة من أعظم أعوانهم فهم دائمً يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم(2)
__________
(1) ابن تيمية: درء التعارض بين العقل والنقل، تحقيق محمد رشاد سالم، 7/138، 139.
(2) ابن تيمية: منهاج السنة، 3/377.(42/58)
وقد صارت دول لليهود بالعراق وكان الرافضة من أعظم أعوانهم وقام أصحاب العمائم منهم بتقبيل الحاكم الأمريكي برايمر وأصدر السيستاني فتوى بعدم التعرض للقوات الأمريكية ووضعت قوات بدر التابعة لما يسمى بالثورة الإسلامية في العراق يدها بيد الجنود الأمريكان وعاثوا في ديار أهل السنة فساداً وعملوا في معسكرات الأمريكان رجالاً ونساءاً. فهؤلاء العلماء الربانيون كانوا أعرف الناس بحالهم.
$الأساس الثالث: هو أننا على الحق وهم على الباطل
لابد لكل من يناظرهم أن يعتقد أنه هو على الحق ثابت عليه وهم على باطل لابد أن يرجعوا، عنه إلى الحق كما ذهب عبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى الخوارج وناظرهم وأعادهم إلى الحق ولم يتنازل لهم عن شيء من الحق. فأهل الحق لا يتركونه من أجل أن يؤلف قلوب أهل الباطل، فالمسلم ليس عنده بضاعة كاسدة يبيعها بثمن بخس. فنحن عندنا عقيدة صافية وشريعة وافية وهم عندهم خرافات وأباطيل وإذا تنازلوا عن الباطل واتبعوا الحق فهم الرابحون. فعند تركهم للقول بتحريف القرآن أو سب الصحابة أو الطعن في أمها المؤمنين لا يخسرون شيئاً، أما إذا تنازلنا نحن عن موالاة الصحابة وانتقضنا من أمهات المؤمنين وطعنا في السنة أو في حديث واحد مما يثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو أقررنا بتفسيرهم الباطني لبعض الآيات فهذا يعني الهلاك وقد نهى الله سبحانه وتعالى رسوله عن المداهنة وهي التنازل عن الحق واتباع الباطل ولو صلينا ف حسينياتهم أو حضرنا مناسباتهم المبتدعة لكانوا هم الرابحين ونحن الخاسرون. فلا تقريب إلا على الإسلام.(42/59)
ومن لا تحضره الأدلة على إفساد عقائدهم فلينظر إلى حالهم: فكل عقيدة لابد أن يكون لها واقع في العمل، فمن تطلع إلى أعمالهم وجدها أشد فساداً من عقائدهم فلقد أوصلت عقائدهم هذه الكثير منهم إلى الشرك الأكبر وهو لا يعلم فوالله رأينا الكثير منهم أهون شيء عليه أن يسب الله سبحانه وتعالى ويسب النبي صلى الله عليه وسلم وإذا حلف الله يحلف كاذباً وإذا حلف بواحد من آل البيت يخاف أن يكذب لأنه يعتقد أنهم يضرونه وينفعونه فلا تعظيم لله في قلوبهم، نشأ من ذلك فساد عباداتهم فأكثرهم لا يصلون ولا يصومون ولا يحجون فتجد مساجدهم خراباً فهم يؤذنون ثلاث مرات فقط: الفجر والظهر والمغرب ويجمعون القصر مع الظهر والعشاء مع المغرب ومع ذلك لا يحضرون، أما في صلاة الفجر فربما تجد المؤذن وحده في المسجد، فعدم تعظيم الله عندهم ناشئ من تربيتهم على تعظيم المخلوق فهان عليهم ---- مما أدى عندهم إلى عدم تعظيم أوامره ونواهيه فبعد فساد العبادات فسدت عندهم المعاملات فهم أسوأ الناس حالاً في الغش والخداع والكذب وخيانة الأمانة وأشد من ذلك ارتكست عندهم الأخلاق فهم أسوأ الناس خلقاً في كل مدينة يعيشون فيها فمع وجودهم يكثر السلب والنهب وقطع الطريق والسرقة. وترى نسائهم كاسيات عاريات وعندما تزور القبر تلبس عباءة فتراهن دائرات على القبور أياماً وليالي، أفراد وجماعات وليس معهن رجل، وما رأيناه وسمعنا به عند القبول، والله يندي له الجبين فوالله من رأى حالهم لابد أن يقول أن هذا ليس دين الإسلام. فالإسلام الحق عقيدة صافية تنبثق عنها أخلاق حميدة ومعاملات حسنة وعبادات منضبطة وفساق أهل السنة أحس حالاً من علمائهم الذين لو اطلعت عليه لوليت منهم فراراً.
$الأساس الرابع: وضع ضوابط وأصول يرجع إليها عند الخلاف
لابد لكل من يفاوضهم ويقوم بعملية التقريب أن يتفق معهم على ضوابط وأصول يرجع إليها عند الخلاف.(42/60)
يقول: ناصر عبد الله الغفاري في مسألة التقريب: (وأولها القرآن الكريم وذلك قبل الدخول معهم في الحوار حول المسائل التفصيلية في الخلافة وغيرها(1) ويذكر أن الشيخ عثمان الدمياطي(2) يضع أصولاً للدخول مع الروافض في حوار أو مناظرة ويعلم ذلك تلاميذه ننقلها باختصار فيذكر: أنه لابد أولاً أن يتفق على الأصل الأول في الإسلام وهو القرآن العظيم فيقال للرافضين: (هل تؤمن بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله المنذل على سيدنا محمد ((صلعم)) المتعبد بتلاوته المتحدي بأقصر سوره منه فإن أنكر ذلك أو شك فيه فلا يحتاج إلى المناظرة معه بل يجري عليه أحكام الكافرين وكذا إن اعتقد أن في القرآن تغييراً أو تبديلاً لأنه مكذب لقول الله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر وإن أقر واعترف يتلو عليه أو يكتب له في ورقة الآيات التي أنزلها الله تعالى ثناءاً على الصحابة رضي الله عنهم. ثم بعد تلاوة هذه الآيات أو كتابتها في صحيفة يقول له هذه آيات أنزلها الله تعالى مثنياً على أصحاب النبي ((صلعم)) وشاهد لهم بأنهم صادقون ومخبراً بأن لهم الجنة. وقد أقر بأنها آيات الله فيلزم ترك الطعن عليهم والقدح فيهم لأنك إن فعلت ذلك كنت مكذباً بما تضمنته هذه الآيات وتكذيب آيات الله كفر فما تقول في ذلك؟ فإن قال هذه الآيات لا تشملهم قلنا يدفع ذلك قوله تعالى {وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى} (95) سورة النساء
__________
(1) ناصر عبد الله، مسألة التقريب، 2/264.
(2) عثمان بن محمد الدمياطي البكري الشافعي نزيل مكة (أبو بكر) فقيه صوفي كان حياً عام 1300هـ.(42/61)
فإن قال إن الصحابة ارتدوا إلا قليلاً خمسة أو ستة كما هو المشهور عن الرافضة فهذا تكذيب لله ولرسوله ((صلعم)) وإنكار للحقائق المتواترة فلا يجرى معه مناظرة بل ينبغي أن لا يخاطب لأنه غير عاقل بل غير مسلم وإن اعترف بالآيات والأحاديث التي جاءت في الثناء عليهم فحين ذاك يصار للبعث والمناظرة في مسألة استحقاق الخلافة ونحوها ويكون المرجع عند الخلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع(1)
أرى أن هذا الأسلوب والمحاورات ربما تنجح مع أفراد من عامتهم من الذين لم تدخل فكرة تحريف القرآن في عقولهم، أما من يؤمن بأن هذا القرآن محرف وعندهم قرآن غيره فلا ينفع معهم الحوار كما قال لي أحدهم عند مناظرته (هذا قرآنكم). أما رؤوسهم فصعب عليهم ترك الأموال والجاه بعد إقراره بمذهب أهل السنة وربما تتعرض حياته للخطر أيضاً لأنهم لا يتركون عالماً من علمائهم ترك عقائدهم إلا حاولوا قتله.
$الأساس الخامس: أن لا ننخدع بما يقولون
__________
(1) ينظر مسألة التقريب لمزيد من التفصيل 2/264.(42/62)
لابد لكل مسلم أن يعلم أن تسعة أعشار الكذب في الرافضة، فهم أمة خداعة تستخدم التقية ستاراً لما تكنه صدورهم. فهم يتكلمون عن وحدة المسلمين ويعملون على فرقة المسلمين. ويحاولون جر أهل السنة ولو للعمل بواحدة من بدعهم وخرافاتهم. فالذين ساروا وراء الشعارات البراقة وزحرف القول لما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران واهمون عندما ظنوا أن الخميني هو حامل لواء الإسلام وذهبوا ليبايعوه على أنه خليفة المسلمين. وعندما علموا وهمهم قالوا ذهبنا له لنقول له نحن معك لتحكم بالكتاب والسنة وهذا عذر أقبح من فعل فأمة مثلهم لا ترضى بخلافة أبي بكر وعمر تريدها أن ترضى بمن هو دونهم. وخميني الذي يلعن أبا بكر وعمر في دعاء صنمي قري تريده أن يرضى بسنتهما وحكمهما وهي سنة رسول الله ((صلعم)) وحكمه فما غيرا وما بدلا. وأمة تبغض زوجات النبي ((صلعم)) أمهات المؤمنين شهدت على نفسها بعدم الإيمان، فلو كان عندهم إيمان لرضوا بأن تكون عائشة وحفصة وباقي أمهات المؤمنين أمهات لهم لأن الله تعالى يقول {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (6) سورة الأحزاب
ونورد هذه القصة للاعتبار حصلت في بعض مناطق العراق التي أهلها من السنة والشيعة. أخبرونا أنهم يريدون التقارب حتى لا تحدث فتنة، بين السنة والشيعة فقلنا لهم كيف ترون الوحدة والتقارب قالوا نصلى معكم وتصلون معنا ونحن مستعدون أن نأتي ونصلي معكم أولاً بما في ذلك إمامنا الذي سوف يصلي خلف إمام مسجدكم وهذا كلام انخدع به الكثير ممن لا علم لهم. فقلنا لإخواننا إنهم يريدون منا أن نقرهم على باطلهم بحضورنا للصلاة معهم فدخولهم أهل السنة إلى حسينياتهم المبتدعة يعدونه نصراً وحضور أهل السنة في مناسباتهم المبتدعة إقراراً لهم عليها. فأخبرناهم أنه لابد من أمور عامة نتفق عليها حتى لا تحدث الفتنة فكتبنا عشرة نقاط هي من أسباب قيام الفتنة. وهي باختصار.(42/63)
أولاً: أن لا يكفر بعضنا بعضاً فنحن وأنتم مسلمون
ثانياً: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
ثالثاً: أن لا نعين قوات الاحتلال في أي أمر ولا يعمل أحد منا جاسوساً لهم.
رابعاً: أن لا نتعاون مع الأحزاب العلمانية في جهودها لتغيير الطابع الإسلامي للمدينة.
خامساً: أن نبتعد عن الخطب والمحاضرات التي تسيء للصحابة وزوجات النبي ((صلعم)) وآل البيت.
سادساً: أن يكون المسلمون يداً واحدة على من سواهم.
سابعاً: أن لا يمنع أي من المسلمين من الشيعة والسنة من دخول مساجد الآخر.
ثامناً: التصرفات الفردية من قبل بعض الأفراد لا تحتسب على الجماعة.
تاسعاً: في حالة حصول خلاف يرجع فيه إلى لجنة تحكيم.
عاشراً: أن يكون ظاهرنا هذا مثل باطننا وينصب الله لكل غادر لواء يوم القيامة والله على ما نقول شهيد.
فوالله كنا منصفين معهم في كل ما كتبناه فكتبنا أن لا يسيء أحد منا إلى الصحابة وآل البيت وهم يعلمون أنهم يسيئون إلى الصحابة ويتهموننا بالإساءة إلى آل البيت ونحن نحب آل البيت أكثر منهم وكتبنا أن لا يمنع أي واحد من دخول مساجد الآخر لأنهم يفهمونا بأنا نمنعهم من دخول مساجدنا ويفهمون ذلك لأتباعهم ويقولون لهم لا تذهبوا وتصلون في مساجدهم فهم يمنعونكم ولا يرضون بذلك ونحن والله ما منعنا أحداً وكانوا يحضرون ويصلون وحدهم فرادى خلف الصف ولا يمنعهم أحد وإن رأينا منهم غريباً نبش في وجهه وندعوه لضيافتنا ونعاملهم في المسجد أحسن معاملة.(42/64)
وعندما أطلعناهم على الشروط قلنا لهم إذا كان عندكم إضافة فاخبرونا لنضعها ضمن الشروط فقالوا ليس لدينا إضافة ولا اعتراض ولكننا نحتاج لمدة أسبوع لنعرض هذه النقاط على السيد في النجف حتى يوافق عليها لتكون عهداً بيننا وذهب أسبوع وجاء آخر وقالوا أن السيد مشغول ويحتاج إلى أسبوع آخر حتى يوقع على الوثيقة فقلنا لهم نحن غير مستعجلين ونحن عاملون بما قلنا وكتبناه وانتظرنا أسابيعاً وشهوراً فلم يرد علينا وفي هذه الأثناء خرجوا بمظاهرة مع الحزب الشيوعي الذي كل أعضائه منهم في هذه المدينة والأحزاب العلمانية الأخرى وهم ينادون بشعارات يعرضون فيها بأهل السنة. ثم بعد ذلك جاء الأمريكان وقبضوا على اثنين من أئمة المساجد السنية في المدينة بحجة الهجوم على قوات الاحتلال وفي التحقيق قالوا لهم أن لدينا عليكم ملفاً في التقارير، أنكم تقومون بضرب قوات الاحتلال وتحرضون عليها في خطبكم. وكل هذه التقارير من جواسيسهم الذين يعملون جواسيس للأمريكان المحتلين على المسلمين ثم استمر اعتقال أهل السنة ومداهمة دورهم وسرقة أموالهم ومهاجمة ---- وأيدي الرافضة بأيدي الأمريكان وقاموا بقتل بعض أهل السنة في دورهم وقاموا باعتقال أغلب من يصلي في مساجد السنة حتى وإن كان شيعياً حتى الأحداث منهم دون سن 15 سنة وأغلقت بعض المساجد لعدم وجود من يؤذن ويصلي فيها. وأخذ الكثير من أهل السنة وألقوا في السجون والمعتقلات التي تدار من قبل الأمريكان والرافضة وأذيقوا ألوان التعذيب من أجل انتزاع اعترافات منهم وهم أبعد ما يكونون عن المقاومة والجهاد.(42/65)
وعندما نورد أعمالهم وقصصهم في مثل هذا المقام ليكون إخواننا المسلمون على بينة منها لتكون لهم عبرة فاحتلال العراق من قبل أمريكا بالرغم مما فيه من يأس نحن نشهد لربنا أنه أحكم الحاكمين في هذا فلقد فضح الله تعالى فيه الرافضة وأخرجوا كل ما في جعبتهم علناً ودون تقية ليحذرهم الناس جميعاً والمسلمون خصوصاً في وقت كانوا يحاولون جاهدين من أجل خداع المسلمين بمسألة التقريب. ولو واصلنا الليل بالنهار عملاً وأنفقنا كل ما نملك ما استطعنا أن نفضحهم بجزء يسير كما فضحهم الله سبحانه وتعالى به وهذا هو عذاب الخذي في الدنيا ولهم ما يستحقون من الله تعالى في الآخرة.
$$المبحث الخامس
$$من أساليبهم في السيطرة على بلاد الإسلام
ربما لا يخفى على الكثير من دعاة الإسلام والكثير ممن اطلع على أحوالهم واهتم بها أن حكماء (قم) قد اجتمعوا ووضعوا خطة للسيطرة على بلاد الإسلام وحددوا لها مدة (50 عاماً) تسمى الخطة الخمسينية. وهم جادون في تطبيقها على أرض الواقع وفق السياسة التالية.
1- بناء القبور التي يدعون أنها لأهل البيت وتمثل رموزاً لهم في كافة أرجاء بلاد المسلمين باسم السياحة تارة وباسم التعاون تارة أخرى، وما من قبر يشيد أو مشهد يقام في بلاد الإسلام إلا وللرافضة يداً في ذلك ويقوم متبرعون منهم بالتشييد بتوجيه من آياتهم.(42/66)
2- القيام بتكثير الشيعة في ديار السنة لجعلهم أكثرية وذلك بتهجير أعداد منهم إلى ديار السنة وتقديم المساعدات لهم والإغراءات للسكن هناك ويقومون بشراء دور لهم من أهل السنة وبأغلى الأثمان إذا اقتضى الأمر وبذلك يتخلصون من سني ويأتون مكانه بشيعي. وهذا حصل في سامراء بالعراق مثلاً حتى في زمن صدام حسين حيث أخذوا يغرون أتباعهم بالسكن هناك وعندما علمت الدولة بذلك منعوا بيع وشراء الدور لفترة في سامراء. ولكن بعد سقوط النظام قاموا بإدخال ما يقارب ثلاثة ملايين إيراني إلى كربلاء والنجف وبدون جوازات سفر واستوطنوا النجف وكربلاء والجنوب من أجل ترجيح كفة الشيعة في الانتخابات وعندما استلمت الحكومة الشيعية الحكم أصدرت قراراً بالسماح بمنح الجنسية العراقية لمن يطلبها من أجل تجنيسهم، وقبل ذلك قامت هذه الحكومة بمطاردة العرب وخصوصاً الفلسطينيين وإخراجهم من العراق بعد اتهامهم أنهم جاءوا لمساعدة المقاومة والقيام بأعمال تفجيرية. ووصل الأمر إلى محاولة تكثيرهم في مكة والمدينة لغايات بعيدة يعملون لأجلها. وكذلك دول الخليج عن طريق الإقامة لفترة ثم طلب الجنسية ويتم ذلك بمساعدة تجارهم الذين يعملون عقود عمل للرافضة من أجل الحصول على الإقامة ثم طلب الجنسية.(42/67)
3- السيطرة على الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بإقامة الفضائيات مثل قناة الفيحاء من الإمارات والفرات والعراقية من العراق، وهاتان تعملان بجهوداً لتقنين الأمريكان ومثل قناة المنار من لبنان والعالم من إيران وإقامة الإذاعات الخاصة بالراديو والسيطرة على كثير من المراكز الثقافية ودور النشر عن طريق إنشائها ودعمها بالمال من أجل إغرائها وقيامها بالترويج لمذهب الرافضة وطبع منشوراتهم وكتبهم، وكثير من الصحف والمجلات تكتب مقالات كثيرة تعرض بها بالصحابة وزوجات الرسول ((صلعم)) وحصلت ضجة إعلامية كبيرة في دولة خليجية بسبب نشر مثل هذه المقالات. ومشاركة دور النشر الرافضية في معارض الكتب العربية لبث سمومهم.
4- الإكثار من إنشاء الحسينيات في المناطق السنية حتى وإن لم يصلوا فيها فكثير من المساجد أنشأت بالقرب منها حسينيات فما أن يقوم المسجد بإلقاء خطبة الجمعة أو درس في الشريعة إلا قاموا بفتح درس أو كاسيت قراءة على الحسين وفي بعض الحالات يذيعون آيات من القرآن لا حباً به ولكن للتشويش على السامعين خارج المسجد حتى لا يفهموا شيئاً من المحاضرة.
5- الارتماء في أحضان اليهود والنصارى بحجة انهم يساعدونهم في مكافحة الإرهاب لإفهامهم أن الإرهاب يأتي من جهة السنة فقط، وأن مذهبهم لا علاقة له بالإرهاب وهذا الدور يقوم به الشيعة حالياً بالعراق بقيادة آيتهم علي السيستاني وعبد العزيز الحكيم الذي قال عنه أحد قادة الاحتلال أتمنى أن يطول عمره ويمنح جائزة نوبل للسلام (يقصد بذلك علي السيستاني) وسيأتي الوقت الذي يظهر فيه حقيقة علاقة إيران باليهود.
الاتجاه نحو الشيعة الذين هم في دول غير إسلامية ومحاولة تجمعهم وإقامة حسينيات لهم وإرسال دعاة ومساعدات لهم خوفاً عليهم من أن يتحولوا إلى سنة وذلك لانتشار مساجد السنة والدعاة في البلدان غير الإسلامية وطبع الكثير من منشوراتهم في هذه البلدان مستفيدين من حرية النشر والصحافة.(42/68)
قبول الطلاب المسلمين من بلدان أخرى في الجامعات الإيرانية ومساعدتهم من أجل تلقينهم مذهب الإمامية، أو على الأقل عودتهم وهم متعاطفون معهم.
الحرص على مشاركتهم في المؤتمرات الإسلامية وكذلك الندوات ومراكز البحوث، ويحاولون جاهدين تضمين أي بيان ختامي ولو إشارة بالاعتراف بمذهبهم حرصاً على وحدة المسلمين كما يدعون وحصل ذلك في عدة مؤتمرات معروفة لدى الكثير.
في الوقت الذي ينادون فيه بوحدة المسلمين تجدهم يعتزلون المسلمين في المساجد فلا يصلون معهم وفي الحج لهم شعائرهم وحتى لبسهم لملابس الإحرام ويحاولون البقاء على عرفة في اليوم الثاني للوقوف. ويصومون في اليوم التالي لصوم المسلمين والعيد عندهم في اليوم الثاني من إعلان يوم العيد وأحياناً في اليوم الثالث ويحرصون على إنشاء منابر خاصة بهم ومناسبات وأعياد خاصة بهم، كل ذلك حفاظاً على شعائرهم الخاصة بهم من الزوال والانقراض عند اختلاطهم بباقي المسلمين.(42/69)
ومن ذلك حصراً لكثير من أسمائهم بالعبودية لآل البيت مثل (عد الحسين وعبد العباس وعبد الأمير وعبد علي وعبد الزهراء) ولا تجد عندهم اسم عبد الرحمن مطلقاً بحجة أن عبد الرحمن --- هو الذي قتل علي رضي الله عنه. ولا تجد عندهم أبو بكر أو عمر أو معاوية، ووصل بهم الحال إلى التسمي بأسماء الكفار ولم يتسموا بأسماء هؤلاء حتى إنهم يسمون فرعون ورستم وكسرى ولا يسمون أبو بكر وعمر ومعاوية وطلحة والزبير. وهذا شيء لا نبالغ فيه فعشيرة كاملة بالعراق اسمها عشيرة (آل فرعون) ورأينا وسمعنا برستم وكسرى وشاه زنان وغيرهم برغم كل الخلافات التي عندهم تجدهم يجتمعون على أهل السنة وهذا ما حصل في العراق---- التي تحمل الصفة الإسلامية وأحزابهم العلمانية والملحدون منهم اجتمعوا تحت اسم (البيت الشيعي) ودخلوا الانتخابات، ورمزوا لهذا الائتلاف الذي جمعهم بصورة (شمعة ---) اجتماعاً منهم على تقديس النار ورمزها لهم كما عملوا كلمة الله في العلم الإيراني على شكل الشعلة.
محاولتهم التقرب من علماء السنة ومن مؤسساتهم الدينية من أجل أن يوافقوا على إنشاء مراكز للتقريب وبدءوا بالجامع الأزهر الذي يعتبرونه المؤسسة الدينية الأولى لهم التي أقامها الرافضة العبيدين لتدريس أصولهم الفاسدة، ولولا عناية الله وتفضله على المسلمين بمجئ صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، إذ عمل على تغير منهجها من تدريس البدع والخرافات إلى تدريس مذهب أهل السنة، لكانت اليوم وبالاً على المسلمين. والكبوة الكبيرة التي كباها الأزهر وعلماؤه كانت عند إقرارهم على أن المذهب الجعفري مذهب خامس ويجوز التعبد به وموافقتهم على إنشاء دار للتقريب في مصر.(42/70)
ومحاولتهم إنشاء جامعات دينية باسم آل البيت لتدريس مذهب آل البيت كما يدعون وهو لا علاقة له بجعفر الصادق رحمه الله ولا بآل البيت، وكذلك إنشاء الكثير من المدارس الابتدائية بعد عزوف كثير من الناس عن حوزاتهم العلمية هذا حصل في العراق وفلسطين وكثير من بلاد الإسلام ودس أفكارهم في رؤوس الصغار من خلالها.
الاستثمارات التي يقيمونها في البلدان الإسلامية التي تسمح بالاستثمار وأغلبها بتوجيه من الآيات وذلك للسماح بالسيطرة على بلاد الإسلام عن طريق رؤوس الأموال وجلب عمالة شسيعية تستوطن هذه البلدان بصفة رسمية موافق عليها من قبل السلطة.
انتشار ممثلين عن آياتهم ووكلاء في جميع البلدان الإسلامية وذلك لاستمرار الاتصال بهم وجلب الخمس إلى الآيات والحوزات العلمية في قم والنجف وكل التوجيهات السياسية والشرعية تأتيهم عن طريق هؤلاء الوكلاء ويعتبرونهم سفراء ----- يقومون بمصالح الشيعة فيها فالحوزات تتصرف وكأنها دولة لها كيانها داخل دولة يتصرف الفاتيكان بالنسبة لعلاقته بالدول والكنائس وتعيين القسسه فيها.
قاموا بتغيير المناهج الدراسية في المدارس الابتدائية في العراق بعد استلامهم وزارة التربية فيها من قبل ما يسمى بحزب الدعوة الإسلامية حيث قام مدير المناهج بها بتحريف تاريخ الخلفاء الراشدين وعدم الترضي عنهم وتغير مواضيع أخرى ووضع دروس للديمقراطية مما أدى إلى اغتياله من قبل مجهولين.
تكرار مطالبتهم بالفيدرالية للمحافظات الشيعية الجنوبية وذلك لغايات بعيدة من أجل فصلها عن العراق وإقامة دولة شيعية موالية لإيران لأنهم يعلمون أن السنة لا يتركونهم إذا خرجت قوات الاحتلال.
$$المبحث السادس
$$الموالاة والمعاداة أو الولاء والبراء في الإسلام
لإتمام الفائدة من هذا البحث رأيت أن أجعل فيه هذا المبحث حتى يعلم المسلم أن هؤلاء الناس بينهم وبين ما أراده الله ورسوله من الولاء والبراء بون شاسع.(42/71)
الموالاة: لغة هي المحبة فكل من أحببته ابتداءً من غير مكافأة فقد أوليته وواليته والولاية ضد العداوة ومجمل القول في الموالاة أو الولاء: أنه المحبة والنصرة والاتباع واللفظ مشعر بالقرب والدنو من الشيء.
المعاداة: لغة: مصدر عادى يعادي معاداة والعداء والعداوة: الخصومة والمباعدة وهي الشعور المتمكن في القلب من قصد الإضرار وحب الانتقام والعدو ضد الصديق وملخصه: أنها التباعد والاختلاف وهي ضد الموالاة.
الموالاة والمعاداة شرعاً: أصل الموالاة الحب وأصل المعاداة البغض وينشأ عنهما من أعمال القلب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والأنس والمعاونة والجهاد والهجرة.
فالموالاة: الاقتراب من الشيء والدنو منه عن طريق القول أو الفعل أو النية.
والمعاداة ضد ذلك. ومن هنا نعلم أنه لا يكاد يوجد فرق بين المعنيين اللغوي والشرعي وأن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن يقدموا كامل الموالاة للمؤمنين وكامل المعاداة للكافرين ولا يتم الولاء للمؤمنين إلا بالبراء من المشركين فهما متلازمان.
قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}(1) وقال تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ}(2) وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ}(3)
__________
(1) سورة التوبة: الآية 71.
(2) سورة آل عمران: الآية 28.
(3) سورة الممتحنة: الآية 1.(42/72)
فالموالاة والمعاداة من الأصول المهمة وهي جزء من شهادة أن لا إله إلا الله فإن معناها البراءة من كل ما يعبد من دون الله. قال تعالى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}(1)
ولذلك فإن الموالاة والمعادلة واجبة شرعاً وجعلها العلماء من شروط (لا إله إلا الله) وهي أصل عظيم من أصول العقيدة بجي على المسلم الإيمان به والعمل بمقتضاه(2) وبين النبي ((صلعم)) ما ينشأ عن الإيمان بهذه العقيدة وهو الحب في الله والبغض في الله فقال عليه الصلاة والسلام <ub>((أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله)).<ul>(3)
وقد جعلها النبي ((صلعم)) سبباً لتذوق حلاوة الإيمان فقال عليه الصلاة والسلام <ub>((ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار)).<ul>(4) وعند تحقيق هذه العقيدة يستكمل المسلم إيمانه كما أوضح ذلك النبي ((صلعم)) بقوله <ub>((من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)).<ul>(5)
ويصبح من الواجب عليه ثلاثة أمور:
__________
(1) سورة الممتحنة: الآية 4.
(2) ينظر: عبد الله بن عبد الحميد الأثري، الوجيز في عقيدة السلف الصالح ص 133 وما بعدها.
(3) الألباني، مسلسلة الأحاديث الصحيحة (998).
(4) متفق عليه.
(5) الألبان، الصحيحة 380.(42/73)
1- حب المسلمين: وحب المسلمين ليس كلاماً يقال أو دعوى تدعى ولا يتم إلا بحب المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه وأن يكره له ما يكره لها. فقال النبي ((صلعم)) <ub>((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).<ul>(1) وكذلك حب النبي ((صلعم)) باتباع سنته وحب من اتبعه وأولم صحابته رضي الله عنهم.
2- أداء حقوقهم: وهي خمسة حقوق بينها النبي ((صلعم)) بقول <ub>((حق المسلم على المسلم خمس در السلام وتشميت العاطي واتباع الجنازة وعيادة المريض وإجابة الدعوة)).<ul>(2) والتعاون معهم على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكذلك كف الأذى عنهم وإصلاح ذات بينهم.
3- نصرتهم: وهي أن يكون المسلم يداً واحدة مع المسلمين على عدوهم في القلب والقول والعمل ولا يغلي بين المسلم وعدوه ما استطاع إلى ذلك سبيلا.(3)
ويدل على ذلك آيات كثيرة منها قوله تعالى {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}(4)
ويدل عليه قول النبي ((صلعم)) <ub>((انصر أخاك ظالماً أو مظوما)).<ul>(5) وقد فسره ((صلعم)) برد الظالم عن ظلمه عندما يكون ظالماً. ونصرة المظلوم برد الظلم عنه. وقوله ((صلعم)) <ub>((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)).<ul>(6) .. ومعنى تسليمه يخلي بينه وبين أعداءه وكذلك عدم التجسس عليهم ونقل أخبارهم وأسرارهم إلى عدوهم.
__________
(1) البخاري 13.
(2) رواة البخاري 1240.
(3) ينظر، عبد الرحمن عبد الخالق، الحد الفاصل بين الإيمان والكفر ويليه دراسة في الولاء والبراء ص 93.
(4) سورة النساء: الآية 75.
(5) البخاري 2444.
(6) البخاري ومسلم وغيرهم .(42/74)
وعلى هذا يقسم الناس في الموالاة والمعاداة إلى ثلاثة أقسام كما بين ذلك عبد الله بن عبد الحميد الأثري في عقيدة السلف الصالح(1) :-
أولاً: من يستحق الولاء المطلق: وهم المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وقاموا بشعائر الدين مخلصين له قال تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}
ثانياً: من يستحق الولاء من جهة والبراء من جهة اخرى: مثل المسلم العاصي الذي يهمل بعض الواجبات ويفعل المحرمات التي لا تصل إلى الكفر. فيجب مناصحة هؤلاء والإنكار عليهم وإقامة الحدود والتعذيرات عليهم كما فعل النبي ((صلعم)) مع عبد الله بن حمار عبدما أتى به وهو شارب للخمر ولعنه بعض الصحابة فقال النبي ((صلعم)) <ub>((لا تلعنوه ما علمت إنه بحب الله ورسوله)).<ul>(2) فأقام عليه الحد ومنع من لعنه.
ثالثاً: من يستحق البراء المطلق: وهو الكافر والمشرك سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو ملحداً أو وثنياً وهذا الحكم ينطبق أيضاً على من فعل المكفرات من المسلمين كدعاء غيرا لله أو الاستغاثة بغيره أو التوكل على غيره أو سب الله ورسوله أو دينه أو فصل الدين عن الحياة اعتقاداً أن الدين لا يلائم هذا العصر أو نحو ذلك – بعد إقامة الحجة عليهم. قال تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (3)
ومن نواقض الموالاة موالاة الكافر وإعانته على المسلم. نوجزها من كلام أهل العلم
__________
(1) ينظر الوجيز في مفيدة السلف الصالح ص 136-137.
(2) سورة المائدة: الآية 55-56.
(3) سورة المجادلة: الآية 22.(42/75)
موالاة الكافر وإعانته على المسلم:
جعل العلماء من نواقض الإسلام العشرة مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}(1)
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله في رسالته (حكم موالاة أهل الإشراك): أعلم رحمك الله أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم خوفاً منهم ومداراة لهم ومداهنة لدفع شرهم فإنه كافراً مثلهم وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين ويقول: وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلاً أنه يكفر فكيف بمن أظهر الكفر خوفاً وطمعاً في الدنيا وذكر بعض الأدلة على ذلك منها.
قوله تعالى {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} فأخبر تعالى أن اليهود والنصارى وكذلك المشركون لا يرضون عن النبي ((صلعم)) حتى يتبع ملتهم ويشهد أنهم على حق ثم قال تعالى {قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}(2)
وفي الآية الأخرى {إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ}(3) فإذا كان النبي ((صلعم)) لو يوافقهم على دينهم ظاهراً من غير عقيدة القلب لكن خوفاً من شرهم ومداهنة كان من الظالمين فكيف بمن أظهر لعباد القبور والقباب أنهم على حق وهدى مستقيم فإنهم لا يرضون إلا بذلك(4)
وقوله تعالى {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ}(5)
وقوله تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ}(6)
__________
(1) سورة المائدة: الآية 51.
(2) سورة البقرة: الآية 120.
(3) سورة البقرة: الآية 145.
(4) مجموعة التوحيد النجدية، مصر، وطبعة المنار 1419هـ ص 178.
(5) البقرة: الآية 217.
(6) آل عمران: الآية 28.(42/76)
وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ}(1)
يقول عبد الرحمن عبد الخالق: كل من والى كافراً أو أعانه على مسلم فقد كفر ونقض هذا الأصل (الموالاة) وخرج في دين الله سبحانه وتعالى وهذا يصدق أيضاً على من اطلع الكفار على عورات المسلمين في الحرب وأفشى لهم أسرار المسلمين وقد جاء بشن هذا آيات كثيرة منها قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(2)
فقوله تعالى فإنه منهم يدل على إنه قد خرج بذلك من الإيمان إلى الكفر وهو نص صريح.
ويخرج من هذا من فعل هذا غير مستحل له في حال ضعف أو خوف أو رغبة كما قال تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ}(3)
فقوله {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} يدل على أن من اتقى شر الكفارة وداراهم وردهم عن نفسه في حال ضعف ولا يجب أن ينتصر الكفار ولا أن يظهروا على المسلمين فإنه لا يكفر بذلك بل يكون معذوراً عند الله والله أعلم بالقلوب.. وأما من استحل ورضي بمعاونة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين وهو غني عن ذلك فهو كافر قطعاً ناقض لأصل الموالاة.
__________
(1) آل عمران: الآية 149.
(2) سورة المائدة: الآية 132.
(3) سورة آل عمران: الآية 28.(42/77)
وجعل من ضوابط تحقيق البراء: عدم جواز إعانة الكافر على المسلم فقال: الأمر الثالث الذي تقتضيه البراءة من الكفار هو عدم جواز إعانتهم على المسلمين بحال فإذا كان المسلم دمه وماله وعرضه حرام على أخيه المسلم وكان سباب المسلم فسوق واقتطاع حقه موجب للنار وسفك دمه ظلماً موجب الخلود فيها أيضاً فإن إعانة الكافر على مسلم خروج من الدين مطلقاً وكفراً أو رده.
والبراءة من الكافرين: تعني أن لا يتنازل لهم عن شيء من الدين وأن لا نحبهم فنحب ما هم عليه من كفر وأن لا نساعدهم على مسلم قط وأن لا نتخذ منهم بطانة وأعواناً في أماكن يطلعون منها على أسرار المسلمين وينفذون من خلالها إلي إضعافهم وتفشيلهم(1)
$$الخاتمة
يعد خفاء تاريخ الرافضة على كثير من المسلمين جزءاً من عقدتهم في التقية لإخفاء باطلهم إذا أردنا في مجمل هذه الصفحات بيان تاريخهم المشين المليئ بالأحداث المعادية للإسلام والمسلمين والولاء للكفر والكافرين. ليكون المسلمون على حذر منهم لأنهم يحاولون جر بلاد المسلمين إلى عقائدهم الفاسدة وبمختلف الطرق وأفضلها عندهم طلب العون من الكفار وتسليمهم أراضي المسلمين وديارهم في مقابل أن يسمحوا لهم بإقامة شعائرهم البطالة ونشر عقائدهم الفاسدة، وهذا ما شهد به تاريخهم. وكذلك محاولاتهم المتكررة لإنشاء مراكز للتقريب الغرض منها إدخال عقائدهم إلى المذاهب الإسلامية ومعاملتهم معاملة هذه المذاهب ليساعدهم ذلك على غش الناس الجهلة لحمل أفكارهم والتعاطف معهم ليؤدى ذلك إلى تقويض كيان الإسلام في العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات.
وما وضحناه بعد قليلاً من كثير ومن أراد الاستزادة فعليه مراجعة المصادر التي ذكرناه وغيرها من التي لم نحصل عليها ليتأكد بنفسه من خطر هذه الفرقة على الإسلام والمسلمين في إفساد دينهم ودنياهم. وما توصلنا إليه من نتيجة هو:
__________
(1) ينظر: الحد الفاصل ص 93.(42/78)
1- إن هذه الفرقة تسير وفق عقائد مصدرها أعداء الإسلام، وضعت من أجل هدم هذا الدين وإزالة حكمه من الأرض.
2- إن هؤلاء الناس صبغتهم الغدر وشيمتهم الخيانة ويتخذون من الكذب ديناً فلذلك لا يؤمن جانبهم أفراداً أو جماعات.
3- بطلان قولي القائلين أن شيعة اليوم غير شيعة الأمس وإنما شيعة اليوم يحملون كل تراكمات الماضي ولا يريدون التخلص منه.
4- إن مسألة التقريب معهم هي كمن ينفخ في الرماد أو في قربة مخرومة وأنهم يريدون من التقريب تقريب باطلهم إلى أذهان المسلمين.
5- على كل مسلم أن لا تسيره عواطفه تحت شعار ما يسمى بوحدة المسلمين. فوحدة المسلمين لا يمكن أن تتم إلا وفق عقيدة صافية ينبثق عنها نظام إسلامي يرضاه الله تعالى ورسوله ((صلعم)) فالمسلم لابد أن يكون تبعاً لعقيدته وتبعاً للوحي والكتاب والسنة واتبعاً لعواطفه وردود فعله الآنية.
6- إن هذه الفرقة شأنها شأن كل الفرق الباطلة التي سبقتها والتي انتهت وصار مصيرها إلى الزوال فكل باطل لابد أن ينتهي وأن الحق لابد أن يبقى ويظهر وهذه سنة الله تعالى الكونية.
فما كان في هذا البحث من خير فهو من الله تعالى وما كان فيه من شر فهو من أنفسنا ونستغفر الله تعالى، إنه سميع مجيب.
$$ المصادر والمراجع بعد القرآن الكريم
1- الاستفراييني: عبد القاهر بن طاهر (ت 429هـ)، الفرق بين الفرق، القاهرة، دار التراث.
2- الأصبهاني: أبو نعيم (ت 430 هـ)، الإمامة والرد على الرافضة، تم محمد ناصر الفقيهي، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم.
3-ابن الأثير، عز الدين الحسن على بن أبي الكرم (ت 630هـ) تم عمر عبد السلام، بيروت، دار الكتاب العربي 1422هـ.
4- الألباني: محمد ناصر الدين (ت هـ) سلسلة الأحاديث الصحيحة.
5- إحسان الهي ظهير، الشيعة والسنة.
6- ابن تيمية، أبي العباس تقي الدين بن عبد الحليم (ت 728هـ) منهاج العنة، تج محمد رشاد سالم 1406هـ.
7- رسائل ابن تيمية: تج محمد رشاد سالم.(42/79)
8- درء التعارض بين العقل والنقل: تج محمد رشاد سالم، الرياض، دار العطاء، 1422هـ.
9- ابن تغري بردي، جمال الدين أبو المحاسن (ت 874)، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، بيروت، دار الكتب العلمية، 1413هـ.
10- ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597)، القرامطة، تج محمد الصباغ، بيروت، المكتب الإسلامي .
11- حسن إبراهيم، تاريخ الإسلام، بيروت، دار إحياء التراث.
12- ابن خلدون، عبد الرحمن بن خلدون (ت 808هـ) تاريخ ابن خلدون، بيروت، دار الفكر 1421هـ.
13- ابن خلدون: عبد الرحمن بن خلدون (ت 808هـ)، تاريخ ابن خلدون، بيروت، دار الفكر 1421هـ.
14- الخالصي: محمد بن محمد مهدي، الاعتصام بحبل الله.
15- إحياء الشريعة في مذهب الشيعة.
16- الإسلام سبيل السعادة.
17- الخميني، تحرير الوسيلة.
18- الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (748هـ)، تاريخ الإسلام تج عمر عبد السلام، بيروت، دار الكتاب 1423 هـ.
19- الدمشقي: الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت 1089هـ) شذرات الذهب، بيروت دار الفكر 1414هـ.
20- السامرائي: عبد الله سلوم، الغلو والفرق الغالية، بغداد، دار الحرية، 1972م.
21- الشهرستاني، أبو الفتح محمد عبد الكريم، الملل والنحل، بيروت، دار المعرفة.
22- الشيبي، مصطفى كامل، الطريقة الصفوية، بغداد، دار النهضة 1967م.
23- الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال.
24- الطبري، محمد بن جرير (ت 310 هـ) تاريخ الرسل والملوك، بيروت، دار الفكر.
25- طه الولي، القرامطة، أول حركة اشتراكية في الإسلام، بيروت، دار العلم للملايين.
26- العبادي، أحمد مختار، في التاريخ العباسي والفاطمي، الإسكندرية، شباب الجامعة 1982.
27- عبد الله محمد أسود، موسوعة العراق السياسية، بيروت، الدار العربية للموسوعات.
28- موسوعة الحرب العراقية الإيرانية، بيروت، الدار العربية للموسوعات.
29- عبد الله محمد الغريب، أمل والمخيمات الفلسطينية، 1408 هـ.(42/80)
30- وجاء دور المجوس، ط1، 1407هـ - 1987م.
31- عبد المنعم شفيق، حقيقة المقاومة، ط1، 1407.
32- عبد الله محمد الغريب، أمل والمخيمات الفلسطينية 1409هـ - 2001م.
33- عبد الله الجميلي، بذل المجهود في مشابهة الرافضة لليهود، القاهرة، مكتبة ابن تيمية 1413 هـ.
34- نجد الله بن عبد الحميد الأثري: الوجيز في عقيدة السلف الصالح، مجمع الملك فهد 1422هـ.
35- عبد الرحمن عبد الخالق، الحد الفاصل بين الإيمان والكفر، حولي، الدار السلفية 1414هـ 1984م.
36- علي ظريف، تاريخ الدولة الفارسية، بغداد 1924م.
37- إبن كثير، أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي (774هـ)، البداية والنهاية، القاهرة مكتبة ابن تيمية ط1، 1408هـ، 1988م.
38- الغفاري، ناصر بن عبد الله، مسألة التقريب، بين أهل الشيعة والسنة، الرياض.
39- محمد ماهر حماده، الوثائق السياسية للعهود الفاطمية والأتايلية والأيوبية، بيروت مؤسسة الرسالة.
40- محمد أحمد الخطيب، كشف الأسرار، عمان، دار عمار، 1208هـ.
41- محمد الخضري بك، محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية
42- ابن منظور (63- 711هـ) لسان العرب، بيروت، بيروت، دار إحياء التراث العربى.(42/81)
عودة الصفويين
العلماء والدعاة والمشايخ وطلبة العلم والمثقفين والسياسيين والحكام ودوائر الأمن وصنّاع القرار؛ كل هؤلاء مدعوون لقراءة هذا المقال لفهم ما يجري على الساحة في المنطقة.
بقلم/ عبدالعزيز بن صالح المحمود
بعد سقوط بغداد بيد الأمريكان ظهر في بعض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة مصطلح (الصفويين، والصفويون الجدد)، والملاحظ أن جُل إن لم يكن كل شرائح المجتمع الإسلامي المثقف وغيره يجهل معنى هذه التسمية، حتى تصوّر البعض أن الصفويين هي حزب، أو اسم لميليشيا في العراق، وأن إسماعيل الصفوي هو شخص كعبد العزيز الحكيم ومقتدى الصدر.
لذا رأى راقم هذه السطور أن يساهم بمقال يوضح معنى هذه الكلمة ويعلق هو في الهامش رابطاً القديم بالواقع، مستعيناً بعشرات المصادر العربية والأجنبية والإيرانية والتركية، لتوضيح الحق، والله من وراء القصد.
نشأة الصفويين
تنتسب الأسرة الصفوية إلى الشيخ صفي الدين الأردبيلي (650هـ - 735هـ)، الذي كان في بداية عهده من مريدي الشيخ تاج الدين الزاهد الكيلاني. كان واعظاً صوفياً في مدينة (أردبيل)(1)، ثم أسس فرقة صوفية تسمى (الإخوان) وقد كثرت هذه الفرقة في إقليم (أذربيجان).
بعد وفاته أخذ مشيخة طريقته ابنه صدر الدين (704هـ - 794هـ)، ولما توفي صدر الدين تولى ابنه "خواجة علي" الذي كانت له لقاءات مع تيمور لنك، وتولى مشيخة الطريقة مدة 36 سنة، ومات في فلسطين سنة 830هـ، وقبره معروف في يافا باسم قبر الشيخ "علي العجمي". وكان للخواجة علي ميل للتشييع ولم يكن تعصباً بل تشيّع خفيف.
__________
(1) هي مدينة تابعة لإقليم أذربيجان السابق، وهي الآن في شمال غربي إيران قرب بحر قزوين.(43/1)
ثم تولى ابنه إبراهيم الذي لقب بـ "شيخ شاه" أي "الشيخ الملك"، لأن مظاهر الملك ظهرت عليه. وتوفي سنة 851هـ، وكان تشيعه واضحاً للإمامية، وأدخل أتباعه بصراعات مع أهل السنة في داغستان، وخلفه ابنه الأصغر جنيد والذي كثرت فيه عهده المظاهر الملكية.
وجنيد كان شيعياً جلداً متعصباً محارباً لأهل السنة، وقد قتل في إحدى حروبه في مدينة شيروان سنة 861هـ، وخلف ابنه حيدر وتزوج من "مارتة" بنت حسن أوزون "الطويل"(1)، وكانت أمها "كاترينا" ابنة "كارلو يوحنا" ملك مملكة طربزون(2)، اليونانية النصرانية.
وحيدر أول من لقب بلقب "سلطان" في العائلة الصفوية وأمر أتباعه الدراويش(3)، بأن يضعوا على رؤوسهم قلنسوة مخروطية الشكل مصنوعة من الجوخ الأحمر، وتحتوي على اثنتي عشرة طية رمزاً للأئمة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية، وسموا بـ "قزلباش"، وهي كلمة تركية تعني "الرأس الأحمر".
__________
(1) هو حسن الطويل مؤسس دولة "آق قونيلو" التي حكمت شمال غرب إيران.
(2) هذه المدينة تقع الان في تركيا على البحر الأسود وهي مملكة يونانية آنذاك.
(3) حالة الصفويين تمثل العلاقة بين التصوف والتشيع، فقد تحولت الطريقة الصوفية السنية "الشافعية" عند صفي الدين الأردبيلي وابنه صدر الدين بالتدريج إلى تشيع خفيف ثم تشيع غال. وقد كان التصوف أكثر من مرة مدخلاً للتشيع، وقد كتب عن ذلك الكاتب الشيعي الدكتور كامل مصطفى الشيبي "الفكر الشيعي والنزعات الصوفية" و"الصلة بين التصوف والتشيع". وقد أشار إلى ذلك المستشرق براون (Brown) عندما قال: إن التشيع والتصوف كان من الأسلحة التي حارب بها الفرس العرب:(Brown: A literary History of Persiavol P.410 ).(43/2)
وقد كوّن حيدر جيشاً للانتقام لمقتل والده من ملك شروان، ولكنه قتل سنة (893هـ)، وكان لحيدر ثلاث أولاد: علي، إبراهيم، وإسماعيل، وقد خاف الأمير يعقوب أمير "آق قونيلو" منهم فسجنهم، ثم أطلق سراحهم بعد وفاة يعقوب، ولكن علي وإبراهيم قتلا، وذهب إسماعيل إلى مدينة "كيلان" على بحر قزوين جنوب أردبيل، وقد رعاه السادات الصوفية، وحاول منذ صغر تجميع الصوفية والقزلباشية حوله، وتجميعهم من أجل الانتقام من قتلة أبيه وجده، وتم ذلك وتوجه إلى أمير دولة التركمان "آق قونيلو" سنة (907هـ)، وقتله وجلس على ملكه بعد أن بايعته كل قبائل التركمان، وأعلن دولته الصفوية.
الشاة إسماعيل أول ملك للدولة الصفوية (907هـ/1501م)
كما سبق ذكره، قتل الشاه إسماعيل "أمير الآق قونيلو" وأعلن قيام الدولة الصفوية وعاصمتها في مدينة "تبريز"(1).
وأول ما قام أعلن أن مذهب دولته الإمامية الاثنى عشرية وأنه سيعممه في جميع بلاد إيران، وعندما نُصح أن مذهب أهل إيران هو مذهب الشافعي قال: "إنني لا أخاف من أحد .. فإن تنطق الرعية بحرف واحد فسوف امتشق الحسام ولن أترك أحداً على قيد الحياة"(2).
ثم صك عملة للبلاد كاتباً عليها: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله"، ثم كتب اسمه(3).
وأمر الخطباء في المساجد بسب الخلفاء الراشدين الثلاثة، مع المبالغة في تقديس الأئمة الاثني عشر.
وقد عانى أهل السنة في إيران معاناة هائلة وأجبروا على اعتناق المذهب الأمامي بعد أن قتل الشاه إسماعيل مليون إنسان سني في بضع سنين(4).
ولرب سائل يسأل: كيف استطاع الشاه إسماعيل أن يسيطر على كل بلاد إيران؟
__________
(1) هذه المدينة ليومنا هذا بنفس الاسم وهي في إقليم أذربيجانفي إيران.
(2) "تاريخ إيران زمين" (ص267)، د. محمد جواد مشكور.
(3) "الشاه عباس الكبير" (ص10) د. بديع محمد جمعة.
(4) "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق" (1/43-50)، د. علي الوردي، كاتب شيعي.(43/3)
الجواب: هو أن إيران والعراق كانتا تحكم من قبل التركمان "الآق قونيلو"، وكان العراق قد حكم من قبل قبائل التركمان "القرة قونيلو" والشاه إسماعيل كان أتباعه الصوفية والذين سموا بـ "القزلباشية" هم مجموعة قوية من العشائر التركمانية هم: "شاملو، قاجار، تكلو، ذو قدر، افشار، روملو"، وهؤلاء كانوا على شكل الميليشيا الصوفية المتشيّعة، وكان له جيشاً فاتكاً، فتك بأهل السنة الشافعية في بلاد إيران، وكان للصفويين تأثير روحي على أتباعهم؛ وتذكر بعض المصادر الشيعية الفارسية إنه بينما كان الشاه إسماعيل مع أتباعه الصوفية في الصيد في منطقة "تبريز" إذ مر بنهر فعبره لوحده ودخل كهفاً ثم خرج متقلداً بسيف وأخبر رفقاءه أنه شاهد في الكهف "المهدي" صاحب الزمان، وأنه قال له: "لقد حان وقت الخروج"، وأنه أمسك ظهره ورفعه ثلاث مرات ووضعه على الأرض وشد حزامه بيده ووضع خنجراً في حزامه وقال له: اذهب فقد رخصتك(1).
ثم بعد ذلك بقي الشاه إسماعيل متردداً وقلقاً حتى رأى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في المنام وقال له: "ابني .. لا تدع القلق يشوّش أفكارك .. احضر "القزلباشية" مع أسلحتهم الكاملة إلى المسجد في "تبريز" وأمرهم أن يحاصروا الناس .. وإذا أبدى هؤلاء أية معارضة أثناء الخطبة باسم أهل البيت فإن الجنود ينهون الأمر"(2).
وفعل الشاه إسماعيل ما طلب منه في الجمعة مع أتباعه القزلباشية، وحاصر جامع تبريز وأعلن سيادة المذهب الإمامي الاثني عشرين بقيادة الدولة الصفوية.
__________
(1) "تاريخ الشاه إسماعيل" (ص88)، طبع مركز تحقيقات فارس- إيران، وباكستان، إسلام آباد، "عالم آراء صفوي" (ص64).
(2) رجر سيوري" "إيران في العصر الصفوي" (ص64).(43/4)
وسبب هذه الدعوى هو التحرر من فكرة "التقية والانتظار" إلى خروج المهدي والتي بقي علماء الشيعة يحملونها كأحد المبادئ الرئيسية، وهو ترك الجهاد والصراع العسكري إلى ظهور المهدي. ثم لما أرادوا الخروج من هذه الفكرة اخترعوا مجموعة أخرى من الأفكار والخرافات كي يبرروا خروجهم من المذهب.
ويحلل الكاتب "راجرسيوري" ذلك بأن الصفويين اعتمدوا على فكرة الحق الإلهي للملوك الإيرانيين قبل الإسلام منذ سبعة آلاف سنة، وذلك بوراثة هذا الحق، وعندما تزوج الحسين بن علي رضي الله عنه بنت ملك الفرس "يزدجرد" بعد معركة القادسية وأولدها الإمام زين العابدين "علي" اجتمع حقان: حق أهل البيت في الخلافة (حسب نظرية الإمامية)(1)، وحق ملوك إيران، بالإضافة إلى نيابة المهدي. هذا من جانب التشيع.
أما الجانب الصوفي فقد زوّد الفكر الصفوي بالمنامات، فيذكر الصفويون أن أحد شيوخ الصوفية وهو الشيخ زاهد الكيلاني، والذي تربى على يده جدهم "صفي الدين الأردبيلي" تنبأ على أثر رؤية لصفي الدين الأردبيلي "أن ملك هذا الزعيم سيملكون العالم، ويترقون يوماً بعد يوم إلى زمان القائم المهدي المنتظر(2).
__________
(1) المصدر السابق (ص26).
(2) المصدر السابق (ص(29)، بينما يذكر صاحب "عنوان المجد" إبراهيم بن صبغة الله الحيدري (ت:1882م)، وهو من نسل الصفويين الذين بقوا على سنيتهم وهربوا من الصفويين الشيعة، تأويلاً آخر للرؤيا، وإن الرؤيا معناها استمرار خروج العلماء إلى قيام الساعة. والحمد لله لا هذا حصل ولا الأول.(43/5)
وللرؤى والكشوفات تأثير ساحر في عالم التصوف، لذا فقد أثرت هذه النبوءة على القزلباشية وكان يتصورون أن ملك الصفوييون سيستمر حتى ظهور المهدي؛ لذا اهتزت هذه النظرة بعد موقعة "جالديران" بين الشاه إسماعيل والسلطان العثماني سليم سنة (920هـ/1512م)، وهزيمة الشاه إسماعيل، فبدأ الصراع يدب بين القزلياشية ونشأ تقاتل بينهم بعد اهتزاز هذه العقيدة في عقولهم(1).
والشاه إسماعيل كان يجمع بين التعصب المذهبي والغلو والتكفير وبين الدموية(2)
__________
(1) المصدر السابق (ص49).
(2) وهذا ما يحصل اليوم في العراق وبغداد على الخصوص حيث خرجت أفكار التشيع المغالي المكفر والتي زرعت بشكل مركز عند الشيعة في التسعينات إبان الحصار الأمريكي على العراق، ثم ظهرت نتائجه بعد سقوط بغداد واحتلال الأمريكان، فتشكلت المليشيات الشيعية فعذبت أهل السنة بأساليب لم تعهد في تاريخ العراق سالفاً، ثم قتلتهم وهجرتهم بحملة تطهير شرسة، ورحل الآلاف بل الملايين من أهل السنة. ويخطئ من يظن أن الشيعة المتطرفين فعلوا ذلك فجأة بعد الاحتلال، بل هي أفكار حملها علماء الشيعة عامة إلا من شاء الله، حتى الذين ظهروا بشكل معتدل للناس، فتلاميذ محمد محمد باقر الصدر الذي أعدمه صدام حسين، الذي يعد معتدلاً، هم إبراهيم الجعفري وجواد المالكي، أعضاء حزب الدعوة، الأكثر اعتدالاً في نظر بعض السنة، في عهدهم حصلت هذه المجازر.
ووالد الصدر "مقتدى" هو محمد صادق الصدر والذي يوسم بالأعتدال كذلك، هؤلاء أتباعه، ميليشيا المهدي، والكل يعرف الجرائم التي فعلت وأي فكر تكفيري دموي حمل هذا الجيل. وقبل ذلك حرس الثورة الإيراني والذين تربوا على أفكار خميني وخامنئي ماذا يفعلون بالعراق من دموية نادرة لم يفعلها حتى اليهود دون مبالغة. وبعد كل هذا يخرج علينا من لا يعرف عن التشيع إلا رسمه ليفتي لنا بغير علم بالتقريب بين المذاهب وما ذاك إلا لجهلهم بالتشيع وأفكاره وتاريخ ونشأته، ونخص بالذكر علماء مصر ومفكريها ودعاتها.(43/6)
، فقد نقل عنه قريبه إبراهيم صبغة الله الحيدري في "عنوان المجد" (ص119) أنه أكثر القتل حتى قتل ملك (شروان) وأمر أن يوضع في قدر كبير ويطبخ وأمر بأكله ففعلوا (أي القزلباشية)، وكان لا يتوجه لبلاد في إيران إلا فعل أشياء يندى لها الجبين من قتل ونهب حتىقتل من أعاظم علماء العجم "السنة" وحرّق كتبهم وانهزم كثير من العلماء، منهم جد مؤلف "عنوان المجد" على بلاد الأكراد السنية في بلاد العراق.
ثم أمر الشاه إسماعيل الجنود بالسجود له. وكان من دمويته أن ينبش قبور العلماء والمشايخ "السنة" ويحرق عظامهم، وكان إذا قتل أميراً من الأمراء أباح زوجته وأمواله لشخص ما.
وكان أتباعه يقدسونه ويعتقدون أنه لا ينكسر ولا يقدر عليه أحد(1).
هذا هو مؤسس الدولة الصفوية (إسماعيل شاه) التي تعد الدولة المؤسسة لكل دول الشيعة الاثني عشرية فيما بعد.
__________
(1) "عنوان المجد" للحيدري (119-120).(43/7)
توسع الشاه إسماعيل في أرجاء إيران بعد أن تتبع ملك دولة آق قونيلو، فذهب إلى جنوب تبريز إلى مدينة همدان وهزم مراد بيك أمير قبائل آق قونيلو، الذي فر إلى شيراز(1) واستولى عليها، وقضى على دولة التركمان السنية في إيران وذلك سنة 909هـ(2)، واستولى على فارس وكرمان وخزستان "عربستان" ومازندران واستراباد(3).
بعد ذلك توجه الشاه إسماعيل إلى جهة الشرق إلى خراسان واستولى عليها سنة 916هـ، واستولى على مدينة مشهد. وفي نفس السنة توجه إلى مرو شمال شرق إيران وذبح أكثر من عشرة آلاف من سكانها من أهل السنة(4).
ثم حاول أن يمتد إلى بلاد الأوزبك سنة 918هـ، وأرسل أحد قواده ولكنه انهزم وقتل قائده وضعفت جبهته في هذه المنطقة وهجم عليه الأوزبك وكادوا يستردون خراسان ولكن الشاه إسماعيل استردها.
دخول الشاه إسماعيل العراق واستيلاءه على بغداد
__________
(1) مدينة موجودة مقابل دولة الكويت من جهة الخليج العربي.
(2) "إيران دراسة عامة" د. محمد وصفي أبو مغلي، 1985، منشورات مركز دراسات الخليج العربي، جامعة البصرة.
(3) فارس: هي المنطقة التي تقابل الخليج العربي من الجهة الثانية، أما كرمان فهي بين باكستان وإقليم فارس المذكور. أما خوزستان فهي عربستان وهي معروفة شمال الخليج العربي مقابل مدينة البصرة العراقية وأشهر مدنها مصفى عابدان، أما مازندران فهي شمال شرقي طهران جنوب شرقي بحر قزوين، وأما استراباد فهي شمال طهران جنوب بحر قزوين غربي مازندران، أي هو سيطر على غربي وجنوب وشمال إيران الحالية، مبتدءاً دولته من اقليم أذربيجان شمال إيران.
(4) "إيران دراسة عامة" د. محمد وصفي أبو مغلي (ص247).(43/8)
من المعلوم للجميع أن بغداد عاصمة الدولة العباسية سقطت بيد المغول سنة 656هـ، وبعدها حكم العراق المغول وسميت دولتهم الاليخانية إلى أن تسلم الجلائرين دويلتهم "قرا قونيلو" ثم "آق قونيلو" التي بدأ حكمها منذ سنة 806هـ، وكان آخر حكامها سلطان مراد الذي حكم سنة 903هـ، وفي سنة 914هـ اراد الشاه إسماعيل احتلال بغداد فأرسل قائده حسين بك لاله، وانهزم والي بغداد "باريك"، وقد استبشر "نقيب النجف" محمد كمونة بعد أن كان والي بغداد "باريك" قد حبسه لأنه كان ينتظر الشاه، ويؤمل أهلي بغداد والعراق بأن الشاه إسماعيل سلطان عادل.
دخل حسين لاله بغداد دون قتال وأخرج محمد كمونة من السجن ورحب به وعظمه، وذهبا هو والوالي إلى الشاه إسماعيل ليبشروه بفتح بغداد(1).
دخل الشاه إسماعيل بغداد وكرم محمد كمونه وأعلى مقامه ثم زار كربلاء والنجف وأكرم أهلها وعمرها بالذهب والفرش والسجاد الثمين. ثم أدب بعض عشائر الجنوب. هذا خلاصة أعماله في العراق.
وعودة إلى ما فعله الشاه إسماعيل في بغداد، فأهل بغداد لم يقاوموا الشاه لأن محمد كمونه أخبرهم بعدله وكان لاضطراب الأوضاع في زمن "آق قونيلو" يؤملهم بظهر حاكم جديد ينقذهم مما هم فيه، ولكن الشاه إسماعيل أمر قائده حسين لاله بتهديم مدينة بغداد وقتل أهل السنة والصلحاء، وتوجه إلى مقابر أهل السنة ونبش قبور الموتى وأحرق عظامهم.
__________
(1) هكذا كان الشيعة في العراق وبغداد قديماً يستقبلون الفرس والشيعة، وهذا ما حصل عندما كان محمد باقر الصدر يراسل خميني بعد ثورته سنة 1979م، ويخبره أنه ينتظر قدومه في بغداد، وظل عند شيعة العراق ولاء للإيرانيين واضح، واليوم يوجه كل شيعة العراق والبحرين ولبنان والسعودية، كل هؤلاء ولاءهم لإيران، هذا الأمر المفضوح أدى بالرئيس المصري حسني مبارك أن يقول: إن ولاء الشيعة في البلاد العربية لإيران. وهو لم يذكر إلا ظاهرة لا يستطيع أحد إنكارها.(43/9)
وبدأ يعذب أهل السنة سوءالعذاب ثم يقتلهم، وهدم قبر أبي حنيفة وعبد القادر ونكل بقبر أبي حنيفة ونبش قبره(1). وقتل كل من ينتسب لذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه في بغداد لمجرد أنهم من نسبه وقتلهم قتلة قاسية(2).
وقد أرخ الشيعة في ذلك الزمان لهذه الحادثة حتى قال ابن شدقم "الشيعي" في كتابه "تحفة الأزهار وزلال الأنهار": "فتح بغداد وفعل بأهلها النواصب ذوي العناد ما لم يسمع بمثله قط في سائر الدهور بأشد أنواع العذاب حتى نبش موتاهم من القبور".
__________
(1) يكره الشيعة السنة ويكفرونهم ويلعنون بشكل خاص أبي حنيفة النعمان، وما أشبه الليلة بالبارحة فها هم اليوم "جيش المهدي" و"قوات بدر" وبالاستعانة بحكومة الجعفري والمالكي يقصفون مسجد أبي حنيفة في مدينة الأعظمية في بغداد بقنابل الهاون.
(2) كتب الشيعة منذ القديم تحمل حقداً خاصاً لخالد بن الوليد، وقد رد ابن تيمية في "منهاج السنة" شبهاتهم حوله، ويبدو أن ثقافة الشاه إسماعيل الشيعية جيده فنفذ كل حقده بقتل كل من ينتسب لهذا الصحابي الجليل والقائد العظيم سيف الله المسلول.(43/10)
هكذا يسمي أهل السنة النواصب، بمجرد أنهم لا يؤمنون بعقائد الشيعة فهم نواصب يستحقون القتل(1).
وقد فر كثير من سنة بغداد، وممن هرب الأسرة الكيلانية بعد أن خرّب الشاه إسماعيل قبر عبد القادر، فر هؤلاء إلى الشام ومصر وحكوا للعالم الإسلامي ما فعل الصفويون الشيعة ببغداد وأهلها(2).
__________
(1) للشيعة فن عجيب في تسخير المصطلحات لتأجيج الرأي العام الشيعي ضد أهل السنة. فانظر هنا إلى قوله "النواصب" فهذا مصطلح أطلقه أهل السنة إلى فرقة برزت بالشام في القرن الثاني والثالث للهجرة تبغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد انقرضت ولا يوجد مسلم سني يبغض علي في يومنا هذا، بل حب علي سنة وبغضه فسق وبدعة، هذا هو معتقد كل أهل السنة. أما الشيعة فيعنون بـ "النواصب" كل من لم يؤمن بأن علياً ولياً منصب من الله بعد رسول الله، وهذا ما لم يؤمن به أهل السنة، فإذن أهل السنة كلهم نواصب.والشيعة كتبهم مليئة بتكفير النواصب وأنهم شر من اليهود والنصارى، ويجب قتلهم، وهذا ما حصل قديماً، ويحصل اليوم. وارجع إلى صحف الشيعة في العراق وإلى قنواتهم الفضائية كقناة "الفرات" التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة عبد العزيز الحكيم، حيث يوصف أهل السنة بـ "النواصب" حتى يستحق قتلهم شرعاً "شرع الشيعة".
وقد ألف صديقنا الفاضل عبد الملك بن عبد الرحمن الشافعي كتابا قيما سماه "موقف الشيعة الإمامية من باقي فرق المسلمين" والمنشور في مكتبة الرضوان سنة 2005 ضمنه فصلا رائعا صفحة307 بعنوان عرض لأبرز أساليب الإمامية.
(2) أخبار أفعال الشاه إسماعيل ببغداد منثورة في كتب التاريخ السني والشيعي، وانظر: "العراق بين احتلالين" للمؤرخ عباس العزاوي، و"أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث"، ستيفن لونكريك وغيرهما.(43/11)
وصلت أخبار المذبحة العظيمة لأهل السنة إلى بلاد الدولة العثمانية في تركيا، إضافة على أخباره السابقة عن تشييع أهل السنة بإيران وقتل الآلاف المؤلفة، بل جسر إلى إرسال دعوته إلى داخل الدولة العثمانية. لذا اجتمع السلطان العثماني سليم الأول في عام (920هـ/1514م)، برجال الدولة وقضاتها وعلماءها ورجال السياسة، وقرروا أن الدولة الصفوية تمثل خطراً على العالم الإسلامي بالعموم وعلى الدولة العثمانية بالخصوص، لذا قرر السلطان إعلان الجهاد المقدس ضد هذه الدولة واستبقها بأعمال نلخصها بما يلي:
1- أرسل السلطان سليم مراسلات للشاه إسماعيل الصفوي، وكان السلطان سليم يكلمه بغلظة.
2- طهر بلاد تركيا من الشيعة التابعين للشاه الصفوي.
ولما لم يستجب الشاه إسماعيل لدعوة السلطان سليم الأول بالتسليم قرر السلطان السير بالجيش بقيادته مستعيناً ببقايا أسرة "آق قونيلو"، وأراد الشاه إسماعيل تأخير الحرب لفصل الشتاء كي يهلك الجيش العثماني جوعاً وبرداً.
أحس إسماعيل بالخطر فطلب الهدنة ولكن السلطان استمر في زحفه إلى صحراء جالديران شمال تبريز حتى وصلها سنة 920هـ/1514م)، وسحق الجيش الصفوي الشيعي على أرضه، وفر الشاه إسماعيل تاركاً كل أمواله، وأسرت زوجته، وقتل الخائن "محمد كمونه" السابق ذكره(1). وهكذا أخرج الصفوين من العراق بعد احتلال دام ست سنوات منذ (914هـ - 920م)(2).
__________
(1) هذه أسرة شيعية عريقة تنتسب لآل البيت، وقد مر كيف خان جدهم "محمد كمونة" البلاد، وكيف لاقى مصيره وليعرف أهل بغداد أصولهم ولا ينخدعوا بأصول عوائل كان أجدادهم خونة للأمة، كما فعل اليوم أحمد الجلبي وغيرهم ممن وقع على احتلال العراق.
(2) وسيخرج بإذن الله الاحتلال الصفوي الجديد فلا يفرح أهله بما حققوا بمعونة أمريكا، ومهما قتلوا وذبحوا من أهل السنة ستعود بغداد بإذن الله. والتاريخ يعيد نفسه.(43/12)
شعر الشاه إسماعيل بالضعف وشرع بالبحث عن صديق ليتعاون معه ضد العثمانيين، وكانت للبرتغاليين الصولة العظمى في بلاد العرب وخاصة طموحهم بواسطة اسطولهم في بحر العرب والخليج العربي واستيلاء قائدهم "البو كريك" على مضيق هرمز.
كل هذه الأمور أغرت الشاه إسماعيل لإجراء اتفاقيات وأحلاف مع البرتغاليين، وقد كان تأثير أمه "مارتا" وجدته لأمه "تيودورا" اليونانية تأثيراً واضحاً في ذلك الحلف(1).
وسننقل نص رسالة أرسلها "البوكيرك" إلى الشاه إسماعيل الصفوي جاء فيها:
"إني أقدر لك احترامك للمسيحيين في بلادك(2)، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر، أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو القطيف أو البصرة، وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي وسأنفذ له كل ما يريد(3).
__________
(1) تأثير زواج الخلفاء والقيادات من النصرانيات على الأمة الإسلامية واضح، وتأثيره السيئ والمشبوه, وبهذه المناسبة نذكر أن جدة محمد باقر الحكيم وأخوه عبد العزيز الحكيم يقال أنها (بولندية أو رومانية)،و قيل يهودية وقيل نصرانية، والمسألة تحتاج إلى تحرير وتحقيق.
(2) نفس ما تفعله جمهورية إيران الإسلامية حيث تحترم غير المسلمين (المجوس، اليهود، النصارى)، وتقيم لهم المعابد إلا أهل السنة في إيران فهم الأسوأ حالاً والأقل مساجداً.
(3) "قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين" (ص63)، د. زكريا إبراهيم بيومي، (1411/1991)، عالم المعرفة.(43/13)
وفعلاً تم التحالف مع النصارى البرتغاليين وأقرهم الشاه إسماعيل باستيلاءهم على هرمز مقابل مساعدة الشاه على احتلال البحرين والقطيف. كما اتفق على مشروع لتقسيم المشرق العربي بأن يحتل الصفويون مصر والبرتغاليون فلسطين(1).
ولكن هذا الحلم لم يتحقق – ولله الحمد – والفضل بعد الله في ذلك للعثمانيين(2)، لأن الدولة العثمانية كشفت المراسلات بين الدولة الصفية والمماليك للتآمر لاحتلال مصر، فسارعت باحتلال مصر وقضت على المماليك رغم أن هذا الفتح لمصر هو أحد أسباب تأخير السلطان سليم عن القضاء على الشاه إسماعيل ودولته(3)، كما أن البرتغاليين سيطروا على البحر العربي والخليج العربي.
عاش الشاه إسماعيل في همدان ثم عاد إلى تبريز بعد خروج السلطان العثماني وهلك سنة (930هـ/1524م).
مستحدثات العصر الصفوي
استحدث الشاه إسماعيل بدعاً أصبحت من المسلمات عند من بعده من الشيعة، منها:
__________
(1) الدولة الصفوية هي أول دولة شيعية إمامية، إذ أن دول الشيعة السابقة إما شيعة إسماعيلية، كالفاطميين، أو شيعة زيدية وليلاحظ القارئ أن أول دولة شيعية فارسية اتفقت على بيع فلسطين.
(2) "قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين" (ص63).
(3) "الشعوب الإسلامية" د. عبد العزيز سليمان نوار، دار النهضة العربية، 1991م.(43/14)
1- السب المقترن بالاضطهاد الطائفي، فقد اتخذ من سب الخلفاء الراشدين الثلاثة وسيلة لامتحان الإيرانيين، وأمر بأن يعلن السب في الشوارع والأسواق وعلى المنابر(1). والسب موجود عند الشيعة قديماً وفي مؤلفاتهم، ولكنه لم يعلن بصورته البشعة وعلى المنابر إلا في العهد الصفوي.
__________
(1) كل الشيعة اليوم، سواء في إيران والعراق ولبنان والبحرين والسعودية والكويت وباكستان، وغيرها ممن يتواجد فيه شيعة كلهم يسبون ويولعون في سب الخلفاء الثلاثة وبقية الصحابة وأمهات المؤمنين. فإذا تمكنوا كما فعلوا في العراق فإنهم يجبرون من يعذبونهم من أهل السنة على السب، وهذا ما يفعل في الدوائر الأمنية في إيران مع سنة إيران، وفي العراق اليوم.(43/15)
2- تنظيم الاحتفال بذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه سنوياً، وإظهار التطبير (ضرب الرؤوس حتى التدمية بآلة حادة وسكين كبير تسمى الطبر)، وضروب الظهور بالزناجيل (وهو الجنزير) حتى الاحمرار، واللطم على الوجوه والصدور، ولبس الأسود منذ بداية شهر محرم، وتبدأ هذه الفعاليات منذ الأول من محرم إلى اليوم العاشر منه يوم (عاشوراء)، وهو يوم مقتل الحسين، ويمنع الزواج شهر المحرم، وهذا الأمر كان قد استحدث بشكل خفيف في الفترة البويهية، ولكن الشاه إسماعيل طوره بهذا الشكل مع الأشعار البكائية التي تؤثر في النفوس كدعاية للتشيّع. ومنذ سنة (907-930هـ) ليومنا هذا والشيعة في إيران والعراق ولبنان وباكستان يعتبرون هذا من صلب دينهم، وإذا ما أراد حاكم أو مسؤول منعه قالوا: هذا يعادي التشييع. وهم يعلمون أولاً أن الشاه إسماعيل هو أول من أوجد هذه البدع لنشر التشيع. ويذكر الدكتور علي الوردي – وهو شيعي -: أن الشاه إسماعيل اقتبس هذه المراسيل من النصارى حيث كانوا يقومون بطقوس دينية عن مصاب المسيح والحواريين، لذلك كان يدعو النصارى لحضور مواكب التعزية(1).
__________
(1) "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق" (1/51)، "هكذا تكلم علي شريعتي" لفاضل رسول.(43/16)
3- وضع الشهادة الثالثة في الأذان: (أشهد أن علياً ولي الله)، وهذه البدعة وضعتها فرقة شيعية (1) في القرن الرابع للهجرة، ذكرهم عالم شيعي هو ابن بابويه القمي ولعنهم، وكذا حاربها أشهر علمائهم وهو الشيخ الصدوق في كتابه "من لا يحضره الفقيه". ولكن الشاه إسماعيل الصفوي أمر به ورفضه في وقته علماء الشيعة. ولم تدخل هذه البدعة في العراق حتى سنة (1870م)، أدخلها ناصر الدين شاه عندما زار النجف في زمن الوالي العثماني مدحت باشا(2)، ومنذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا أصبح هذا الأذان من مسلمات الشيعة في إيران والعراق ولبنان وجميع تواجد الشيعة في العالم، وسكت علماءهم وهم يعلمون حق العلم أن الأوائل لعنوا فاعليه وإنما فعله المفوضة الغلاة، وهكذا أصبحت أفكار الشيعة الغلاة المرفوضة هي شعائر مسلم بها في عهد الشاه إسماعيل وأصبحت من مسلمات المذهب، وسكت على ذلك جميع المراجع الدينية، وجاءت الثورة الإسلامية في إيران فأحيت كل ما فعله الصفوييون.
4- السجود على التربة الحسينية وهي قطعة من الطين يسجد عليها الشيعة بدل الأرض تسمى "التربة الحسينية"، وأصبحت يومنا هذا جزءاً من دين الشيعة وما هي إلا طريقة لتميز الشيعة عن غيرهم، وأوجدها الشاه إسماعيل فأصبحت من المسلمات الدينية.
__________
(1) هي فرقة المفوضة، وهي فرقية منحرفة كانت تقول: إن الله خلق روح علي رضي الله عنه وأولاده، وفوض العالم إليهم فخلقوا الأرض والسماوات. انظر: د. كامل الشيبي "الصلة بين التصوف والتشيع" (ص156)، وهي فرقة كانت الإمامية تحاربها ويومها في القرن الرابع أضافت (أشهد أن علياً ولي الله)، للأذان فحارب ذلك علماء الشيعة يومئذ، وقد كتب أحد الأفاضل علاء الدين البصير "الشهادة الثالثة في الأذان حقيقة أم افتراء"، مكتبة الرضوان، البحيرة، 2005م.
(2) علي الوردي، "لمحات اجتماعية" (2/159).(43/17)
5- ضرورة الدفن في النجف، فقد كان يؤتى بالجثث متعفنة من إيران لبعد الطريق وصعوبة التنقل من أجل الدفن في النجف، واشتغل لذلك تجار إيرانيين لنقل الجثث بعد تجفيفها ومثل بالإنسان الشيعي ميتاً كي يوصل إلى مقبرة النجف بعد استحداث هذه البدعة، وإلى يومنا هذا سرت هذه البدعة حتى أصبحت من بدهيات شيعة العراق الدفن بالنجف.
6- تغيير اتجاه القبلة في مساجد إيران باعتبارأن قبلة أهل السنة خاطئة، ومن ثم أصبح الشيعة وإلى يومنا هذا يصلون منحرفين عن القبلة الأصلية لأهل السنة.
7- أجاز علماءه السجود للإنسان وهذه ابتدعها الشاه إسماعيل للقزلباشية، فقد كان يسجد له، واليوم يكرم السادة والعلماء بشكل مغال فيه، وأما السجود فقد انتشر بين شيعة البهرة "الإسماعيلية"، ولكن كل الشيعة يسجدون للقبور ولو بخلاف القبلة.
8- إجراء مرتبات ضخمة لعلماء الدين الشيعة ومنحهم إقطاعات وقرى زراعية وأوقاف خاصة، كي يستطيعوا أن يفتوا للسلطان ما يشاء.
وهكذا برزت فكرة جمع المال للعلماء وعلماء الحوزة كلهم من أغنى الناس، فمؤسسة الخوئي في لندن تملك الملايين من الدولارات وقيل أكثر، وهذا الخميني عندما كان بالعراق كانت ثروته هائلة جداً، حتى إنه عندما رحل من العراق إلى فرنسا للإقامة حول مبالغ طائلة، واليوم يمتلك الحكيم "عبد العزيز" ومقتدى وغيرهم الملايين، وهذه بدعة فارسية أشار لها شاعر الشيعة أحمد الصافي النجفي عندما أحس بثراء علماء الدين الشيعة فقال:
عجبت لقوم شحذهم باسم دينهم *** وكيف يسوغ الشحذ للرجل الشهم
لئن كان تحصيل العلوم مسوِّغاً *** لذاك فإن الجهل خير من العلم
لئن أوجب الله الزكاة فلم تكن *** لتعطى بذل بل لتؤخذ بالرغم(43/18)
أتانا بها أبناء ساسان(1) حرفة *** ولم تكن في أبناء يعرب من قدم
وهكذا استطاع الشاه إسماعيل جعل إثراء العلماء ديناً بعد أن كنا نقرأ عن زهد علي رضي الله عنه وآل البيت، فاليوم أصبح أغنى الناس السادة(2).
هذه بعض مستجدات ومستحدثات الشاه إسماعيل، وللمزيد راجع بعض المراجع لذلك(3).
عصر ابنه الشاه طهماسب
تولى العرش الصفوي بعد وفاة أبيه وعمره (11سنة) وذلك سنة 930هـ/1524م)، لذلك فإن القزلباشية هم من حكم الدولة.
استغل الأوزبكيون "السنة" ذلك وهجموا على خراسان واستولوا عليها سنة (933هـ)، وهزمت قواد طهماسب، ولكنه سنة (935هـ) أعادها.
وأقام الشاه طهماسب حلفاً (إيرانياً-أوروبياً)، ضد العثمانيين، فأرسل السفراء إلى ملك المجر، وإمبراطور النمسا (شارل السابع)، وهذا الحلف الدافع له هو ظهور السلطان سليمان القانوني سنة (1525م) ويومها ذعر البلاط الإيراني للدولة الصفوية وبدأ بتحريض الشيعة في بلاد تركيا ضد الدولة العثمانية.
وفعلاً تم ذلك، ففي سنة 1926م، في منطقة يوزغاد قام الشيعي "بابا ذو النون" بتمرد من (3-4) آلاف شيعي وسيطر على المنطقة وفرض الجزية وهزم بعض القواد العثمانيين إلى أن قمعها السلطان سليمان ودمرها(4).
__________
(1) يقصد أبناء الفرس نسبة على الدولة الساسانية، فها هو الشاعر يعرف أنها بدعة فارسية إيرانية صفوية.
(2) مصطلح يطلقه الشيعة على من ينتمي لآل البيت.
(3) انظر: علي الوردي، "لمحات اجتماعية، الجابري، علي حسين: "الفكر السلفي عند الشيعة الاثنى عشرية"، عويدات، 1977. بهرام، جوبينة: "المتآمرون" كتاب إيراني مترجم، 1981. فيشر، مايكل: "إيران من الصراع الديني إلى الثورة"، جامعة هارفارد، أمريكا، 1980. بروكلمان: "تاريخ الشعوب الإسلامية".
(4) مدينة "بوزغاد" وتسمى الآن "بوزغات" شرقي العاصمة أنقرة.(43/19)
وأكبر من ذلك تمرد في منطقة (قونية) "مرعش" جنوب تركيا حالياً، بقيادة قلندرجلبي، ومعه (30) ألف شيعي، وقاموا بقتل السنة وكان شعاره في قتل السنة: "من قتل مسلماً سنياً ويعتدي على امرأة سنية يكون بهذا قد حاز أكبر الثواب". واستطاعوا في البداية قتل قواد أتراك كبهرام باشا، ولكن السلطان أرسل الصدر الأعظم إبراهيم باشا فقتلهم وقضى على تمردهم(1).
وكان سليمان يخطط لجهاد أوروبا وفتحها وتم له بعض ذلك.
__________
(1) د. محمد حرب: "العثمانيون في التاريخ والحضارة" (ص91). وليأخذ المسلمون العبرة، فكل تواجد شيعي هو بؤرة للتحرك بيد المركز (إيران)، فمن حرك حزب الله في لبنان؟ ومن يحرك شيعة العراق اليوم؟ ومن يحرك شيعة البحرين، وشيعة السعودية، والحوثي في صعدة باليمن، من يمده؟ أليس حزب الله والأموال الإيرانية. وكل تحركات الأفراد الشيعة في مصر وبلاد إفريقيا. فها هو التاريخ يعيد نفسه، وولاء كل شيعة العالم لدولتهم الصفوية الجديدة، ومن لم يفهم هذه الحقيقة من الإسلاميين الجدد الذين لم يفهمواا الحقائق العقدية لأهل السنة وتحذيرهم من الشيعة، ولم يفهموا التاريخ، بل إن أقسم إن قيادات إسلامية ودعاة من كل التوجهات الإسلامية لم يعرفوا حرفاً واحداً عن الدولة الصفوية ومؤامراتها على العالم الإسلامي، فالله المستعان.(43/20)
عودة إلى طهماسب والعراق، فعندما خسر الشاه إسماعيل في موقعة "جالديران" ضعف نفوذه في العراق لأن التجار الإيرانيين استمروا بالدخول والخروج إلى العراق، وكان العراق يحكم من قبل الحكام الأتراك بقايا "آق قونيلو" ويحاول الحكام الصفويين أن يستميلوا الحكام لهم، ولكنهم لم يفلحوا، وقد حكم العراق حاكم من منطقة إيرانية يدعى "ذي الفقار"، ولكنه لم يتبع طهماسب، وحكم العراق وحاول أن يعلن ولائه للعثمانيين، فهاجم طهماسب بغداد ولم يفلح، ولكنه استخدم الغدر، فأغرى أخوة ذو الفقار بقتله فقتلوه وسلموا الشاه بغداد، وعين عليها ضابط لكل ولاية في العراق، ورجع طهماسب إلى عاصمته قزوين(1). لكن أهالي بغداد هرعوا يراسلون السلطان سليمان القانوني كي يخلصهم مما حل بهم وما سيحل تحت الحكم الصفوي.
استعد السلطان سليمان القانوني لاستعادة مدينة بغداد، وأرسل رسائل تهدد طهماسب فذعر البلاط الإيراني فراسلوا ملك هنغارية كي يعاونهم ضد العثمانيين، لكن سليمان القانوني أعدم كل الأسرى الإيرانيين الشيعة.
فتحرك الهنغاريون فوجه الجيش العثماني لهم أولاً، ووجه مجموعة من ضباطه على تبريز لاستعادتها ومن تمرد من أصحاب الولايات. ودخلوا تبريز دون دم وسيطروا على عموم أذربيجان.
توجه السلطان سليمان بعد ذلك إلى بغداد، وانهزم واليها التابع لطهماسب ودخل سليمان القانوني بغداد وفتح العراق وتبع للدولة العثمانية، وأعاد قبر أبي حنيفة ورفاته وبناه من جديد، وقيل إنهم وجدوا رفاة أبو حنيفة كاملاً في كفنه، وأعيد إلى قبره وبنى عليه قبة، ولكنه زار قبر موسى الكاظم، وزار كربلاء والنجف وأنقذ مدينة كربلاء من الفيضان وبنى سدوداً.
__________
(1) "أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث" المستر ستيفن لونكريك (ص35).(43/21)
ثم رجع وخلص جميع العراق له بل حتى البحرين والقطيف(1). كل ذلك كان سنة (941هـ/1534م)، وسيطر نهائياً على تبريز سنة (944هـ) ونقلت عاصمة الصفويين إلى قزوين.
تعب طهماسب عسكرياً لذا طلب الصلح من العثمانيين ووقعت معاهدة "أماسيه" سنة (961هـ/1555م).
بعدها حاول طهماسب إقامة علاقات مع إنكلترا، وفكرت إنكلترا بدخول أرض الصفويين فأرسلت تاجراً يحمل رسائل من الملكة اليزابيث الأولى ولكنه في الحقيقة جاسوساً وذلك سنة (965هـ/1558م).
كان طهماسب محباً للعبث والشراب والطرب، وكانت دول أوروبا تذهب إليه لتحريضه على العثمانيين كما فعل سفير فينسيا، ولكن طهماسب كان همه المال والنساء وفسدت بلاده وكثرت الرشوة حتى قيل إنه مات مسموماً من إحدى زوجاته(2).
وأهم ما يميز فترة الشاه طهماسب:
استدعاءه لعالم شيعي معروف من لبنان وهو نورالدين علي بن عبد العالي الكركي، هذا العالم السيئ الذي برر كل أفعال الصفويين السيئة وألف لهم كتباً تؤيد ما استحدثوه، فألف كتاباً في التربة الحسينية، وجواز السجود للإنسان، وألف كتاباً يؤيد السب والشتم للصحابة بعنوان: "نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت"، أي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان يفضل لعن الصحابة على التسبيح لله. وألف رسالة في تغيير القبلة؛ لذا سماه خصومه الشيعة بأنه "مخترع الشيعة"، لأنه ابتدع وبرر أفعال الصفويين كلها.
__________
(1) المصدر السابق (35-41).
(2) إيران دراسة عامة" د. محمد وصفي أبو مغلي (ص149).(43/22)
وأخطر من ذلك كله أنه جعل صاحب الدولة الصفوية (نائب الإمام الغائب)بالوكالة(1). فكان ذلك أول تمهيد لنظرية "ولاية الفقيه"، والكركي ذهب أيام الشاه إسماعيل سنة 916هـ، إلى إيران واطلع على الأوضاع ثم رجع إلى النجف ليدرس الحالة الجديدة، فعقيدة الشيعة تقول بالتقية وعدم الجهاد إلى ظهور المهدي، والحالة الجديدة في إيران تخالف المعتقد فلا بد من نظرية جديدة فاخترع "نيابة عامة للفقهاء" عن الإمام المهدي، ولكنها ليست للشاة، ورأى طهماسب أن يجلب الكركي لتكون السلطة للفقهاء التابعين له، ويبعد القزلباشية الذين تحكموا به صغيراً، لذلك سلم طهماسب الحكم للكركي، والكركي أجاز شكلياً لطهماسب بالحكم، ولكن القزلباشية سمت الكركي فمات مسموماً سنة (940هـ)(2).
الشاه إسماعيل الثاني
مات الشاه طهماسب مسموماً وحدث صراعاً حول العرش حتى وصل إلى إسماعيل ابنه وكان أبوه قد سجنه مدة (25سنة)، فأخرج، وأول ما قام به قتل أخوته واحداً بعد الآخر، وقتل حاشية القصر بدموية وسمل عيونهم, هكذا نقل وقيل.
ولكنه لم يدم طويلاً فبعد مدة دخل عليه جماعة وقتلوه سنة (985هـ)، وقيل إنه أبعد العلماء ولم يعترف بـ "نيابة الفقهاء" وأن العلماء كانوا يلعبون بأبيه، فاتهمه العلماء بأنه أصبح سنياً وقتلوه. والبعض يؤكد أنه تحول إلى سني فقتل(3).
الشاه محمد خدابنده
__________
(1) "التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي"، محمد البنداري، دار عمار (ص62).
(2) "تطور الفكر السياسي الشيعي"، أحمد الكاتب، دار الشورى، (ص379-382).
(3) المصدر السابق (ص382)، و"تاريخ إيران زمين" (272-273). وذكر البعض أن اتهامه بسفك الدم لم يكن حقيقياً بل اتهام لأنه غير مذهبه إلى السنة.(43/23)
وهو ابن طهماسب جلس على العرش سنة (985هـ)، وكان ضعيف البصر لدرجة العمى، ولكنه كان جباراً، فقد قتل أخته (بريخان) لما لها من نفوذ عالي في القصر، كما قتل أخواله، وحتى أطفال أخيه إسماعيل الثاني، وحصل قتال بينه وبين العثمانيين زمن السلطان مراد الثالث، وحاول القزلباشية التلاعب بالحكم ووضع حاكم يناسبهم، ولكن ابنه عباس وكان عمره (17) سنة فطن لذلك فجمع جيشاً كبيراً من القبائل وخلع أبوه سنة (955هـ/1587م)(1).
عهد الشاه عباس الكبير
كان الشاه عباس على صغره رجلاً صاحب دهاء ومكر، وكل شيء يفعله غايته تبرر وسيلته، فقام بقتل مربيه وخير قواده، ومدة حكمه كانت (42سنة)، من سنة (996هـ - 1038هـ) (1587-1628م)، وكان أول ما قام به معاهدة صلح مع العثمانيين سلم مدناً كثيرة متنازلاً للعثمانيين. كما شرط عليه إيقاف لعن الخلفاء الراشدين الثلاثة، والذي كان معمولاً به في إيران فقبل. وأبقى ابن أخيه رهينة عند العثمانيين فوافق على كل الشروط(2).
كان الأوزبكيون السنة قد استولوا على خراسان وعلى مدينتي مشهد وسبزوار سنة (1002هـ)، ولكن مات ملك الأوزبك عبد الله خان وقتل أخوه عبد المؤمن فهاجمهم في مدينة هراة وطردهم من المنطقة سنة (1006هـ).
بعد ذلك اتصل الشاه عباس ببريطانيا لترسل له خبراء أسلحة ورحبت ذلك بريطانيا فأرسلت له "السير أنطوني شيرلي" وأخوه السير "روبرت سيرلي"، واتفقوا على تكوين جيش جديد من حملة البنادق بدل الرماح والسيوف، كما أدخل المدفعية وبنى مصانع، كما إنه كون قبيلة سماها "شاهسون" أي أصدقاء الملك وهو تجمع على أساس الولاء للملك لا على أساس القربى والنسب(3).
__________
(1) "إيران دراسة عامة" (149-250).
(2) "تاريخ إيران زمين"، د. محمود جواد مشكور (ص275).
(3) "تاريخ إيران"، سايكس (2/271)، و"إيران دراسة عامة" (ص252).(43/24)
كما إنه ساعد الإنكليز في إضعاف النفوذ الهولندي في الخليج العربي، وإبداله بالنفوذ الإنكليزي، واشتركا معاً بجيوش لتنفيذ هذه المهمة واستمرت حروبهم حتى سنة (1034هـ).
أما حروب الشاه عباس ضد العثمانيين فبدأت عندما شعر الشاه بقوته، شرع بإرجاع ما أعطاه لهم في معاهدته مثل مدينة "تبريز" كما إنه حاول احتلال "شروان وديار بكر"، ثم توجه أخيراً إلى بغداد(1).
والشاه عباس كان طائفياً بشكل جلي، وأشنع ما أراد فعله أنه حاول أن يقنع الإيرانيين بالتخلي عن الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج والاكتفاء بزيارة قبر الإمام الثامن علي بن موسى الرضا في مدينة مشهد، لأن الواجب القومي يحتم عدم السفر عبر الأراضي العثمانية ودفع رسم العبور، وكان يحث رجال الدين لتعظيم زيارة الرضا، كما إنه تردد مراراً لزيارته ومشى مرة على الأقدام إلى مدينة مشهد ويقال إنه مشى أكثر من (1300كم)(2).
كم إنه عامل الأكراد السنة معاملة سيئة، فقد طلب منهم الدخول في المذهب الشيعي فرفضوا مما أدى بالشاه عباس إلى قتلهم وشردهم إلى بلاد خراسان ليكونوا حاجزاً بينه وبين الأوزبك، وقد قتل في أيام (70ألف كردي)، ورحل (15000) عائلة كردية(3).
__________
(1) "خليج فارس در عصر استعمار"، وادالا، ترجمة شفيع جوادي (42-43)، و"تاريخ إيران زمين" (277).
(2) "الشاه عباس الكبير" د. بديع محمد جمعة (101-102).
(3) "خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن"، محمد أمين زكي، ترجمة محمد علي عوني، 1936م، (207، 208، 211). (History of Persiav`vol 11, P 174). وفي ذلك عبرة للأكراد وخاصة أكراد العراق، فقد صمد أجدادهم على المذهب وفعل الشاه عباس ما فعل، فهو يحاربهم من أجل المذهب، واليوم تعاون قادة أكراد العراق (الطالباني-البارزاني) مع الشيعة واطمئنوا لإيران، ولن ترحمهم إذا انتهت من سنة العراق، فهم في كل حال سنة، والعاقل من اتعظ بغيره.(43/25)
وكان يقتل أسرى العثمانيين والأوزبك فإن لم يقتلهم سمل عيونهم، إلا إذا تخلى عن مذهبه فله حكم آخر.(1)
وكان أحياناً يمثل بعلماء السنة فيقطع آذانهم وأنوفهم وتعطى هذه الأعضاء لعوام السنة لأكلها.(2)
وكما كان يحاصر مدناً سنية من أجل تسليمه شخص مطلوب وإلا قتل المدينة كما فعل مع مدينة همدان.(3)
بينما كان يكرم النصارى سواء من كانوا من أهل إيران أو رعايا الدول الأوروبية، بل كرم حتى التبشير المسيحي في إيران. وبنى مدينة للأرمن قرب أصفهان، تدعى "جلفا"، وكان يكرم النصارى بشكل غير طبيعي، لذا أقبل تجار أوروبا من كل حدب وصوب إلى إيران، واصدر قوانين بإعفائهم من الضرائب، ومنع رجال الدين الشيعة من إزعاجهم أو مناقشتهم، وكان يقدم هدايا لحم الخنزيرإليهم، وأمر جميع أعضاء البلاط باحتساء الخمر مشاركة للمسيحيين حتى ولو في شهر رمضان، وبنى لهم الكنائس، بل كان يشاركهم أعيادهم وسماع مواعظهم، مما شجع بعض القساوسة لدعوته للدخول في الدين النصراني ولكنه اعتذر بلطف.(4)
أما خلاصة ما فعله في مدينة بغداد، فقد ثار قائداً من القواد العثمانيين على والي بغداد يدعى (بكرصوباشي) وسيطر على بغداد وخاف من بطش العثمانيين، فأرسل إلى الشاه عباس يطلب منه دعمه مقابل أن تكون بغداد تابعة له(5)، رحب الشاه عباس بذلك، حتى يستعيد بغداد ويتمكن من زيارة النجف وكربلاء، وتكون تحت تصرفه.
توجه صوب بغداد وعندما اقترب من بغداد طلب من "بكر صوباشي" مفاتيح بغداد، ولكن بكر رفض تسليمه خوفاً من الغدر به.
__________
(1) "عالم آراي عباسي" (334-335).
(2) "الشاه عباس الكبير" (ص103).
(3) مرجع سابق (103-104). كما فعل الأمريكان مع فيلق بدر وحاصروا الفلوجة وطلبوا من أهل الفلوجة بعض المطلوبين.
(4) "الشاه عباس الكبير" (106-107).
(5) مثلما فعلته المعارضة العراقية استعانت بالمحتل وإيران على حكومتها.(43/26)
واستطاع الشاه عباس دخول بغداد والسيطرة على الموصل وكركوك وسيطر على أغلب العراق وذهب إلى النجف.
ولكن ماذا فعل الشاه عباس ببغداد؟
هتك حرماتها وأستارها، ورمل نساءها، ويتمت الأطفال، وأتلفت الثروات، وخربت الجوامع، وجعلت أرضاً منبسطة، وهدمت المراقد ونهبت ومنها مرقد أبي حنيفة وعبد القادر الجيلاني. وأما العشائر فنكل بها وأجرى عليهم عدة مظالم.
والشاه عباس خدع أهل بغداد عندما وعدهم بالأمان كي يسلموا اسلحتهم، وأخذ يقتل ويعذب الآلاف ورفض كثير من أهل بغداد تغيير عقيدتهم وفضلوا الموت على التشيع ولو بالظاهر، وأخذ أطفالهم والنساء فباعهم كعبيد إلى إيران ولم يعرف لهم خبر، وكان ينوي إبادة أهل السنة في بغداد، لذا طلب من سادن وخادم كربلاء إعداد قوائم لأهل السنة والشيعة كي يبيد أهل السنة، وحول المدارس الدينية إلى اصطبلات وهدم مرقد أبي حنيفة ومشهد عبد القادر الجيلاني، ثم عين والياً لها وغادرها إلى بلاده، وكان ذلك سنة 1033هـ(1). وفي سنة 1038هـ، هلك الشاه عباس.
وولي بعده الشاه صفي الأول سنة (1038هـ)، وفي عهده وفي سنة (1048هـ) حرر العثمانيون منه مدينة بغداد وكل العراق ولم يستطع الصفويون عمل أي شيء للعراق بعد ذلك، علماً بأن إيران هي البلد الوحيد المجاور للعراق والتي لها أطماع في احتلاله دائماً، واعتداءات إيران على العراق أشهر من أن تذكر.
المستحدثات في عصر الشاه عباس
1- أقام أعياداً لكل يوم ولادة إمام من الأئمة الاثني عشر، كما أقام العزاء في ذكرى وفاتهم، وخصص (8) أيام لعلي بن أبي طالب في رمضان. (2)
2- أبقى وأيد كل ما استحدثه الشاه إسماعيل.
3- خصص زيارة الرضا.
4- سمى نفسه (كلب عتبة علي)، أو (كلب عتبة الولاية)، ونقشه على خاتمه.(3)
__________
(1) تفاصيل كل ذلك في كتاب "العراق بين احتلالين"، المجلد الرابع، و"أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث" لوكريك.
(2) "زندكاني شاه عباس أول" (3/6).
(3) المرجع السابق (3/17).(43/27)
الدولة الصفوية بعد الشاه عباس
استمرت الدولة الصفوية بعده قرابة (100) عام) وانتهت سنة 1148هـ، وكل من حكم من الصفويين كان غير ملتزم بالدين، فكلهم قتل من عائلته ابنه وأخته وابن أخيه، وطرقهم وحشية في التعذيب والقتل العشوائي وشرب الخمور، هذه هي معالم الدولة الشيعية الاثني عشرية الأولى، وكان تغطي على هذه السلوكية بإقامة الشعائر الحسينية لنصرة آل البيت.
خاتمة مهمة
هذه هي الدولة الصفوية (907هـ - 1148هـ)، قرابة 250 سنة، الدولة الشيعية الإمامية الأولى في التاريخ، إذ أن الدولة الفاطمية دولة شيعية إسماعيلية، والبويهية هي دولة زيدية. فكان أول دولة شيعية إمامية، شيعت إيران بالقوة فقد كان الشيعة نسبتهم في بلاد إيران تقدر (10%)، وأصبحت اليوم (65%)(1)، والسنة على كونهم (35%)، فلا قيمة لهم في إيران، بل إن النصارى والأرمن واليهود والزرادشت والبهائيين والذين مجموع نسبتهم (2%) لهم من الحرية في العبادة والعمل داخل إيران أضعاف ما للسنة.
وعندما جاءت الثورة الإسلامية في إيران، وهي الدولة الإمامية الوحيدة في الأرض أعلنت في دستورها المادة (12): إن الدين الرسمي هو الإسلام، والمذهب الجعفري هو الاثنا عشري، وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد.
هذا هو التعصب الطائفي، أما التعصب الفارسي فظهر في الدستور عندما اشترطوا أن يكون رئيس الجمهورية "فارسياً".
إن سلوكية الشيعة في كل وقت وزمان سلوك واحد، لأنه ينبثق من مصادر واحدة، فمؤلفاتهم كلها دعوة لتعذيب وتقتيل أهل السنة (النواصب)، فإذا استضعفوا استعملوا (التقية)، وإذا تمكنوا استعملوا اشد أنواع القتل والتكفير لأهل السنة، منطلقين من عقدة الاضطهاد التي تولدت وولدت عند أتباعهم، مثلما ولّد اليهود عندهم عقدة المظلومية والاضطهاد، والتي تولد الحقد الدفين.
__________
(1) "التاريخ الإسلامي" محمود شاكر، المجلد (18)، المكتب الإسلامي.(43/28)
لقد تربى الشيعة على هذه العقد أكثر من (13) قرن، وكلهم وإن بنسب مختلفة يحمل هذه العقد، لذلك إذا تمكن الشيعي فعل ما يندى له الجبين، والسنة لا يصدقون كل ذلك لأنهم أحياناً لا يفهمون الدوافع الحقيقية للشيعة.
ما أريد قوله، إن حقد الدولة الصفوية لم يأت على الدولة العثمانية ولا على قومية معينة، بل هي وزعت حقدها على أهل السنة، سواء كانوا إيرانيين أو عراقيين أو أفغان أو أوزبك أو أتراك، كلهم مشتركون بالسنية وهذا جرم يكفي لقتلهم وتعذيبهم: (وما نقموا منهم إلا أن يومنوا بالله العزيز الحميد)( البروج :8)، وصدق الله إذ يقولك: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف:20].
نعم، هذا ما فُعل سابقاً، واليوم يفعل في العراق مع أهل السنة، يقتل المرء لكونه سنياً، ولا يضحك عالم أو مثقف أو سياسي على أهل العراق بقوله :إنها فتنة طائفية، فإن قيادات اليوم للعراق أخرجوا معتقدهم الحقيقي الذي وضعته الدولة الصفوية ونفذته، فحذار حذار .. وسيفعل حزب الله في لبنان ما فعل في العراق، وسيفعلون في البحرين والكويت والسعودية ما فعلته القيادات الدينية الشيعية في العراق بالسنة.
فهذا "حزب الدعوة الإسلامي" في العراق، ألم يقل لنا الإخوان المسلمين وغيرهم إنهم تلاميذ الداعية والعالم الشيعي محمد باقر الصدر وأنهم معتدلون خلافاً لغيرهم.
فماذا فعلوا عندما تمكنوا، إبراهيم الجعفري من قياداتهم، وجواد المالكي من قياداتهم، وكلاهما تتلمذ على محمد باقر الصدر، فماذا فعلوا عندما حكموا العراق؟؟
إن الناطق باسم (جواد المالكي) علي الدباغ وهو من حزب الدعوة يكرر عشرات المرات في الفضائيات: إن الشيعة ظلموا (14) عشر قرناً، آن لهم أن يأخذوا حقهم.(43/29)
وعندما ذهب وفد جماعة الإخوان لتهنئة الخميني بنجاح ثورته الإسلامية، أخبرهم نائبه أنهم – أي السنة – حكموا (14) قرناً، وآن للشيعة أن يحكموا العالم الإسلامي.
نصيحة لجميع السنة في العالم
إن الجهل بعقيدة الشيعة وبدولتهم الصفوية وما فعلت في العالم الإسلامي في وقتها، يشمل أغلب علماء الأمة ودعاتها ومثقفيها وساستها،ولكي تصدق اسأل من شئت: ماذا تعرف عن الدولة الصفوية؟ فلن تجد جواباً.
لقد تغافلت معظم الجماعات الإسلامية عن عقيدتنا السنية التي كتبها علماءنا ، هذه العقيدة التي فضحت مسالك الشيعة فلم ينخدع أجدادنا بهم، ولكننا اليوم نتيجة هذا التجاهل لما كتبه الأجداد أصبح غالب الجيل الإسلامي اليوم لا يعرف عن خطر التشيع شيئاً، بدعاوى مختلفة ؛مرة بدعوى شيعة اليوم غير شيعة الأمس، ومرة بأن خطر العدو الصليبي الصهيوني داهم ولا وقت للبحث عن الشيعة وعقائدهم وتاريخهم ، ونسوا التحالف الصفوي على أوروبا النصرانية لحرب العثمانيين السنة. واليوم تتحالف إيران "الشيعية" مع أمريكا لإسقاط أفغانستان والعراق ومن ثم احتلال العراق.
لقد تكرر على ألسنة عامة الشيعة من جيش المهدي وغيرهم :أن اليهود أحسن من السنة، فمن أين لهؤلاء العوام هذه الأفكار!
اذهبوا إلى حوزات قم والنجف، اذهبوا إلى جنوب لبنان والبحرين والقطيف لتروا ماذا يدرّس الشيعة أتباعهم من الحقد ومكر الليل والنهار، ويكيف يدربون على "التقية" في وسائل الإعلام على دعوى "الوحدة الوطنية" و"الوحدة الدينية" و"التقريب" و"نصرة فلسطين".
إيران وحزب الله يرددون ليل نهار أنهم أعداء الشيطان الأكبر "أمريكا"؟! وتحالفوا معهم في إسقاط أفغانستان والعراق. ويزعمون أنهم مؤيدون لأهل فلسطين ؟! ولكنهم يقتلونهم في العراق ويغتصبون نساءهم!(43/30)
يا سبحان الله! هذا كله نتيجة الخلل المنهجي في التربية العقدية للجيل الإسلامي المعاصر. وتاريخياً جري تزوير وتحريف آخر من قبل المثقفين.
فروجوا أن الدولة الصفوية كان لها خلاف سياسي مع العثمانيين، وكلاهما كان محتل للبلدان العربية! والقضية ليست دينية ولا مذهبية، بل هي متاجرة باسم الدين.
كل هذه الأفكار المنحرفة ربيت عليها الأجيال المعاصرة وغيبت عنهم الحقيقة.
فالجماعات الإسلامية كلها غيبت عن أصحابها حقيقة الشيعة وما يجري:
فالأخوان المسلمين أغلبهم لا يعرفون عن التشيع إلا القليل، أما عن الدولة الصفوية فلا يعرفون شيء.
بل إن مرشد الإخوان في مصر "محمد مهدي عاكف" يشبه "نصر الله" بصلاح الدين، وما درى أن نصر الله يأنف التشبه بـ "صلاح الدين"، فهم يكرهونه كرهاً أعمى، وقد كتب المفكر الشيعي اللبناني "الأمين" كتاباً في ذم صلاح الدين.
وحزب التحرير مغرق في تنظيره السياسي وتحليلاته الغريبة والعجيبة، بل إن بعض منظري الحزب في لبنان هم من الشيعة. وهم من أوائل من زار الخميني ونقدوا دستوره لأنه مذهبي وليس إسلامي، ومع كل هذا يقولون أن ما يجري في العراق هو من فعل بريطاني وأمريكي، وأما إيران فلا وألف لا!
ولعلهم في مستقبل الأيام وحين يفرض الواقع نفسه يعلمون الحق، سيما وإن لهم حب للدولة العثمانية دولة الخلافة، فما بالهم لا يقراءون ماذا فعلت دولة الخلافة بالصفويين.
وأما التيارات الصوفية فلا شأن لها في الشيعة بل أصبح همهم الأول حرب الوهابية، ومن الغريب أن محققاً عراقياً في الثمانينات حقق كتاب "الغنية" للشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله، فقام بمحو ما كتبه الشيخ عبد القادر في ذم الشيعة، والمحقق صوفي معروف بالعراق!!
وقد أتعبوا أهل السنة في الثمانينات والتسعينات عندما كان همهم الأول في العراق حرب أهل السنة في العراق بدعوى "الوهابية"، وكانوا يصرحون بخطر الوهابية أشد من خطر التشيع!(43/31)
وقد علموا اليوم من هو أشد خطراً، وأنكى فعلاً عليهم. بل هم اليوم مدخلاً للتشيع في مصر واليمن، وقد حاول إبراهيم الجعفري أن يؤسس تحالفاً مع الطريقة القادرية في العراق ولكنه لم يفلح والحمد لله.
وأما التبليغ فلا شأن لهم بالشيعة البتة!
وأما الجماعات السلفية ومع أنهم من أشد الناس وعياً بخطر الشيعة – بفضل الله أولاً، ومن ثم بكتابات شيخ الإسلام وكتابات إحسان إلهي ظهير ومحب الدين الخطيب وغيرهم فلم تعد كل الجماعات لها نفس الوعي السابق.
فبعضهم مشكلته الأولى الإرجاء والتكفير!
وبعضهم بعيد عن مشكلة التشيع، حتى أصبحت الدوائر الأمنية في بلادهم أكثر وعياً منهم بخطر الشيعة.
وآخرون منشغلون ببعضهم البعض، ومنهم مختلفون هل يؤيد حزب الله في حربه أم لا!
إن على كل الجماعات السنية سواء كانوا من الأخوان والتحريرية، والتبليغية، والصوفية، والسلفية وغيرها من الجماعات أن يعوا أن التشيع الصفوي والإيراني لا يفرق بينهم، فكلهم يحملون وزر السنة! رضوا بذلك أم أبوا، وليعيدوا قراءة التاريخ، وليعيدوا قراءة الدولة العثمانية، وليعيدوا قراءة عقائد علمائهم من أي مسلك كانوا، سواء أكانوا أشعرية، صوفية، ماتريدية، سلفية ..) عن حكم الشيعة.
أسأل الله أن يكون هذا المقال، وهذا التوضيح دافعاً لجميع السنة لمعرفة الحقيقة، وأهل السنة عندما حكموا كانوا أهل عدل حتى مع جميع الفرق الإسلامية واللاإسلامية، ومع جميع الأديان، وحتى لو لم يعدلوا، لم يقتلوا ويمثلوا ويهجّروا كما فعلت الشيعة في عهد الصفويين، وما تريد إيران الشيعية فعله بالعالم الإسلامي.
أسأل الله القبول، والله من وراء القصد؛
عبد العزيز بن صالح المحمود(43/32)
فرق معاصرة
تنتسب إلى الإسلام
وبيان موقف الإسلام منها
تأليف
د. غالب بن علي عواجي
عضو هئية التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
الجزء الأول
http://www.saaid.net
مقدمة الطبعة الثالثة .
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين،وبعد :
فإن دراسة الفرق ومعرفة الأخطار التي تجلبها على المسلمين من أهم ما ينبغي أن يهتم به عامة المسلمين ، فضلاً عن طلاب العلم والدعاة إلى الله تعالى .
وقد كان الصحابي الجليل حذيفة ري الله عنه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشر ؛ بينما طبيعة الإنسان هي السؤال عن الخير ، وقد بيَّن سبب ذلك بقوله : (( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الخير وكنت أساله عن الشر ؛ مخافة أن يدركني )) .
ولقد مرت بالمسلمين ولا تزال تمر بهم الأخطار متلاحقة يتبع بعضها بعضاً بعد أن تكالب الأعداء على مختلف اتجاهاتهم ،، ووقفوا صفاً واحداً متناسين ما بينهم من عداوات واختلاف في العقائد الحرب المسلمين وفتنتهم عن دينهم الحنيف ، في الوقت الذي غفل فيه المسلمون عن واقعهم وركن كثير منهم إلى أعدائهم أعداء عقيدتهم – فنفر بعضهم عن البعض الآخر بسبب تلك المؤامرات الخفية والظاهرة ، وما تبعها من اختلاف المسلمين في الموالاة والأهواء .
وقد حذَّرنا الله عز وجل من الركون إلى الذين ظلموا فقال تعالى : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ } .
ومعلوم أنه لن تعود للمسلمين عزتهم ومكانتهم بين الأمم إلا إذا عادوا بصدق وإخلاص إلى كتاب ربهم وإلى سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم .(44/1)
ولكن ومهما شعر بمرارة هذا التفرق ومهما بذلت من المحاولات لتكريس الفرقة – فإن الأمل يزداد في تجاوز المسلمين لهذا المحن . ومما يبشر بالخير ويجدد الآمال – هو إقبال الشباب على معرفة أسباب تلك التركة المشؤومة التي ورثوها ، تلك التركة التي تحكم الفرقة بينهم وتجعل منهم أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون ، فجندوا أنفسهم للقضاء عليها وإعادة الوحدة الإسلامية بين قلوب المسلمين ؛ ليصبحوا مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، وهي محاولات تحتاج إلى الصبر والإخلاص والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وإجلاء الأمور على حقيقتها ؛ فإن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من التذكير ، وإذا شاء الله شيئاً يسره : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }.
وقد طمعت في أن أدلي بدلوي المتواضع ؛ لأتقدم إليك أخي القارئ بما يعتلج في صدري إزاء هذا التفرق الحاصل بين المسلمين ؛ لأذكرك بالأسباب التي أدت إليه وما يبيته أعداء دينك لك ، وما هو الواجب علينا أن نقوم به إزاء عقيدتنا ووحدة قلوبنا ، وكشف كل المحاولات التي تهدف إلى تعميق الفرقة بيننا ، وإلى إبعادنا عن تحقيق قوله الله تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وقوله تعالى : { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ }.(44/2)
أخي القارئ الكريم ، لقد كنت ولا زلت أنظر إلى ما قدمته إليك في هذا الكتاب على أنه دون ما كان ينبغي أن يبذل ، وحسبي أنها إحدى الصيحات للوقوف في وجه تيار دعاة التفرقة وبيان أمرهم ومكائدهم ضد تآلف قلوب المسلمين ورغبتهم الشريرة في أن يبقى المسلمون على هذا التمزق والتنافر .
ورغم ذلك فقد أخبرني الناشر للكتاب أن طلاب العلم قد أقبلوا على شرائه برغبة لم يكن يتوقعها كما ذكر لي ذلك ؛ مما جعل الطبعة الأولى في سنة 1414هـ ، 1993م تنفد بسرعة ، فطلب إلي وألح في الطلب أن يعيد طباعته في سنة 1415هـ فأبيت بسبب لا أكتمك إياه ؛ وهو أن تلك الطبيعة فيها أخطاء كثيرة جداً ، وفيها تحريفات ونقص ، وترك علامات الترقيم مما حدى بكثير من الغيورين وفقهم الله إلى إرسال ملاحظاتهم التي استفدت منها كثيراً .
وتوقفت عن طباعة الكتاب حتى أنتهي من تصحيح كل الملاحظات ، فإذا بي أفاجأ بظهور طبعة جديدة عليها الطبعة الثانية في سنة 1416هـ 1996م وهي تصوير عن الطبعة السابقة وبنفس العيوب السابقة تماماً ، وقد آلمني هذا التصرف جداً إضافة إلى ما تلقيته من بعض الفضلاء من عتاب على نشره في الطبعة الثانية دون تصحيح لظنه رضاي عنها ، مما جعلني أضاعف الجهد في تصحيح الكتابة للطبعة الثالثة التي هي في الحقيقة الطبعة الثانية بعد أن أخبرني الناشر بأنه لا يأمن أن تصدر عدة طبعات دون علمي بها ولا استشارتي فيها .
وها أنا أقدم إليك هذه الطبعة على عجل ، وهي مصححة وفيها اختلاف كثير عن الطبعات السابقة ، مع طلبي من كل قارئ لها أن يتكرم بإبلاغي عن أي خطأ يجده لنتلافاه في المستقبل إن شاء الله تعالى ؛ فإن الكمال لله تعالى والنقص من طبيعة البشر .
وفي الختام أتوجه بالشكر الجزيل إلى كل من أسهم في تقويم الكتاب ونبهني إلى الأخطاء ممن أعرفهم وممن لا أعرفهم .(44/3)
أسأل الله عز وجل أن يتولى ثوابهم وأن يجزل لهم الأجر وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم إن شاء الله تعالى ، وأن يعفو عن تقصيري وأن يجعلنا جميعاً من ورثة جنة النعيم .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
غالب بن علي عواجى
في 20/10/1417 هـ .
المدينة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ....
وبعد ....
فأحمد الله تعالى على ما هيأ للجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية من طلاب علم ، جاؤوا من بلدان بعيدة وأماكن مختلفة للتزود بالعلم النافع في دينهم ودنياهم ، ألّف الله بين قلوبهم في هذه الجامعة الإسلامية المباركة ، وصاروا كالبنيان المرصوص وكالجسد الواحد ؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ....(44/4)
ولا شك أن هذا المجتمع الطيب مما تزداد القلوب به انشراحاً ؛ فهي فرصة ثمينة للطلاب والمدرسين أتيحت لهم بفضل الله ثم بجهود القائمين على خدمة الإسلام والمسلمين بكل سخاء ، وحين أسند إليَّ تدريس مادة الفرق منذ العام الدراسي 1405 هـ ، كنت مستشعراً أهمية هذه المادة المفيدة لتفهيم أبناء المسلمين ما يبيته لهم أعداؤهم من الإصرار على تفتيت وحدتهم ، والتشويش على أفكارهم – إن لم يتمكنوا من إخراجهم عن دينهم نهائياً – وهم يعلمون هذا تحت ستار إظهار الإسلام والانتساب إليه ؛ مما جعل الكثير من أبناء المسلمين يقعون ضحية تلك المؤامرات الخفية منها والظاهرة ، ومما يدعو إلى الأسف زهد كثير من المسلمين عن البحث في حقيقة تلك الفرق فجعلوا الأخطار التي تبين لهم ، فلم يعد البحث عن تلك الطوائف والتصدى لها مثال أخذ ورد بين الكثير من طلاب العلم – فضلاً عن العامة – وفي مقابل هذا أقول بكل تفاؤل : إنه مما يسرني جداً في أثناء تدريسي لهذه المادة شدة رغبة وإقبال الشباب على تفهم ودراسة أفكار تلك الطوائف ومعرفة جذورها التاريخية وعقائدها المختلفة وأفكارها المتباينة بحماس واضح ورغبة صادقة ؛ بعد ما اتضح لهم مقدار الحاجة إلى مثل هذه الدراسة .(44/5)
ولقد كانت هذه الفرق التي يموج بها العالم الإسلامي ودراستها ، ومعرفة مخاطرها الظاهرة والخفية على الإسلام والمسلمين محل اهتمامي ؛ فكنت أقرأ كل ما تيسر لي الاطلاع عليه من كتب علماء السنة ، وما كتبه غيرهم ، ثم أثبت كل ما استحسنته وكان صواباً من تلك الكتب أثناء دراستي لها من فوائد علمية ، وآراء مهمة ، ومناقشات هادفة ، فجمعت شتات كثير من الفوائد التي تهم الراغب في دراسة الفرق مع بيان الحق ورد كل ما يعارض الاعتقاد السليم ، ولم أهتم بذكر الفرق الفرعية بكل طائفة إلا ما دعت إليه الحاجة وهو قليل وقد كتبت كل ذلك لنفسي ، فلما اجتمع لي ما استحسنته من إثبات شتات كثير من المعلومات عن الفرق في مكان واحد رجوت الله تعالى أن ينفعني وإخواني طلاب العلم به ، وأن يكون منجداً أولياً لدراسي الفرق .
ولرغبة الأحبة من طلاب العلم قدمته لهم ، سائلاً المولى جلت قدرته أن يجدوا فيه ما ينفعهم ويعينهم على فهم حقيقة تلك الفرق التي يدرسونها .
مع اعتذاري عما يوجد فيه من سهو أو تقصير ؛ فالخير أردت والكمال لله وحده . ولكل امرئ ما نوى ....
وقد قسمت هذه الدراسة إلى : أبواب . وفصول لكل باب :
الباب الأول مقدمة في دراسة الفرق ، وتشمل الفصول الآتية :
الفصل الأول : الهدف من دراسة الفرق
الفصل الثاني : أهمية دراسة الفرق
الفصل الثالث : النهي عن التفرق وفيه مبحثان :
المبحث الأول : الأدلة من القرآن الكريم .
المبحث الثاني : الأدلة من السنة النبوية .
الفصل الرابع : حصر الفرق في العدد المذكور في حديث الافتراق ، ويشتمل على مبحثين
المبحث الأول : من الفرق ؟
المبحث الثاني : معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( كلها في النار إلا واحدة )) .
الفصل الخامس : كيف ظهر الخلاف والتفرق بين المسلمين
الفصل السادس : مدى سعة الخلاف الذي كان يحصل بين الصحابة وموقفهم منه. وكيف تطور بعدهم إلى تمزيق وحدة الأمة الإسلامية(44/6)
الفصل السابع : مظاهر الخلاف بين المسلمين
الفصل الثامن : كيف تبدأ الفرق في الظهور
الفصل التاسع : منهج العلماء في عدَّ الفرق
الفصل العاشر : ما المراد بأمة الإسلام؟
الفصل الحادي عشر : أهم أسباب نشأة الفرق
الباب الثاني : فرقة السلف أهل السنة والجماعة
الفصل الأول : تمهيد حول دراسة هذه الطائفة
الفصل الثاني : الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة
الفصل الثالث : عقيدة فرقة أهل السنة والجماعة
الفصل الرابع : أسماء هذه الطائفة وألقابهم
الفصل الخامس : ما هي عقيدة السلف وما هو منهجهم في مسائل الاعتقاد والاستدلال لها؟ وما معنى كلمة عقيدة
الفصل السادس : أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع
الفصل السابع : لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك
الفصل الثامن : الثناء على السلف رحمهم الله تعالى
الفصل التاسع : جهودهم في خدمة الإسلام
الفصل العاشر : بيان وسطية أهل السنة في مسائل الاعتقاد وسلامتهم من ضلالتي الإفراط والتفريط صلى الله عليه وسلم
الفصل الحادي عشر : علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة مزايا العقيدة السلفية وأصحابها
الفصل الثاني عشر : ذكر أشهر أئمة أهل السنة ومؤلفاتهم في العقيدة
الفصل الثالث عشر : تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة
الباب الثالث : دراسة عن الخوارج ، وفيه الفصول الآتية :
الفصل الأول : تمهيد وجود الخوارج في الماضي والحاضر
الفصل الثاني : التعريف بالخوارج لغة واصطلاحاً .
الفصل الثالث : أسماء الخوارج وسبب تلك التسميات
الفصل الرابع : متى خرج الخوارج
الفصل الخامس : محاورات الإمام علي للخوارج في النهروان
الفصل السادس : أسباب خروج الخوارج
الفصل السابع : حركات الخوارج الثورية وفرقهم وعددهم
الفصل الثامن : دراسة أهم فرق الخوارج، وهم الإباضية
وتشمل دراسة هذه الطائفة ما يلي .(44/7)
تمهيد .
زعيم الإباضية .
هل الإباضية خوارج ؟
فرق الإباضية .
دولة الإباضية .
موقف الإباضية من المخالفين لهم :
أ- موقفهم من سائر المخالفين .
ب- موقفهم من الصحابة .
عقائد الإباضية .
الفصل التاسع : إيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للخوارج ، ويشمل الآتية :
المسألة الأولى : هل الخوارج يقولون بالتأويل أم بظاهر النص فقط ؟
المسألة الثانية : موقف الخوارج من صفات الله تعالى .
المسألة الثالثة : حكم مرتكبي الذنوب عند الخوارج .
المسألة الرابعة : الإمامة العظمى .
المسألة الخامسة : موقفهم من عامة المسلمين المخالفين لهم .
المسألة السادسة : حكم الخوارج في أطفال مخالفهم .
الفصل العاشر : الحكم على الخوارج
الباب الرابع : وقد خصص لدراسة الشيعة ، من خلال الفصول الآتية :
الفصل الأول : التعريف بالشيعة لغة واصطلاحاً، وبيان التعريف الصحيح
الفصل الثاني : بيان متى ظهر التشيع.
الفصل الثالث : مراحل دعوى التشيع
الفصل الرابع : أسماء الشيعة
الفصل الخامس : فرق الشيعة وتشمل :
تمهيد .
السبب في تفرقهم .
عدد فرقهم .
السبب في عدم اتفاق العلماء على عدد فرقهم .
الفصل السادس : دراسة أهم فرق الشيعة
السبئية .
الكيسانية .
المختارية .
الزيدية .
الرافضة : وتشمل دراستها ما يلي :
أ- تعريفهم لغة واصطلاحاً .
ب- سبب تسميتهم بالرافضة .
ج- وجودهم قبل اتصالهم بزيد .
د- أسماؤهم قبل اتصالهم بزيد .
هـ فرقهم وهم :
المحمدية .
الاثنا عشرية : وتشمل دراستها :
أ- أسماؤهم وسبب تلك التسميات .
ب- سبب انتشار مذهبهم وأماكن انتشارهم .
ج- فرقهم وأهمها :
الشيخية .
الرشتية .
الفصل السابع : إيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للشيعة ، ويشمل المسائل الآتية :
قصر استحقاق الخلافة في آل البيت على علي وذريته رضي الله عنهم ، وإنها كانت بنص من النبي صلى الله عليه وسلم فيهم .(44/8)
دعواهم عصمة الأئمة والأوصياء .
تدينهم بالتقية .
دعواهم المهدية والرجعة .
موقفهم من القرآن الكريم .
موقفهم من الصحابة .
القول بالبداء على الله تعالى .
وتحت كل عنصر من العناصر السابقة إيضاح تام له وبيان الحق في كل تلك المسائل ، وبيان أدلة الشيعة ومناقشتها وإبراز العقيدة السلفية في كل مسألة إن شاء الله تعالى .
الفصل الثامن : الشيعة في العصر الحاضر وهل تغير خلفهم عن سلفهم؟
الفصل التاسع : الحكم على الشيعة
الباب الخامس : وقد كان لدراسة الباطنية ، وقد اشتمل على الفصول الآتية :
الفصل الأول : تمهيد - في بيان خطر هذه الطائفة
الفصل الثاني : متى ظهر مذهب الباطنية
الفصل الثالث : الغرض من إقامة هذا المذهب وكيف تأسس
الفصل الرابع : أسماء الباطنية وسبب تسميتهم بتلك الأسماء
الفصل الخامس : الطرق والحيل التي يستعملها الباطنيون لإغواء الناس
الفصل السادس : عقائد الباطنية ويشمل :
عقائدهم في الألوهية
عقائدهم في النبوات .
عقائدهم في الآخرة .
عقائدهم في التكاليف الشرعية .
الباب السادس : وهو دراسة عن النصيرية ، وقد اشتمل على الفصول الآتية :
الفصل الأول : تمهيد في بيان خطر النصيرية
الفصل الثاني : زعيم النصيرية وسبب انفصاله عن الشيعة وموقفهم منه
الفصل الثالث : أسماء هذه الطائفة والسبب في إطلاقها عليهم
الفصل الرابع : نشأة النصيرية .
الفصل الخامس : تكتم النصيرية على عقائدهم
الفصل السادس : طريقتهم في تعليم مذهبهم
الفصل السابع : أهم عقائد النصيرية
تأليه علي رضي الله عنه وبرأه الله منهم .
القول بالتناسخ .
تقديس الخمر – عبدالنور .
الفصل الثامن : عبادات النصيرية
الفصل التاسع : أعياد النصيرية
الفصل العاشر : موقف النصيرية من الصحابة
الفصل الحادي عشر : فرق النصيرية
الفصل الثاني عشر : أماكن النصيرية
الفصل الثالث عشر : محاولات لم تثمر(44/9)
الباب السابع : وكان لدراسة الدروز ، وفيه الفصول الآتية :
الفصل الأول : في بيان خطر هذه الفرقة
الفصل الثاني : التعريف بالدروز لغة واصطلاحاً وبيان أصل الدروز .
الفصل الثالث : زعيم الدروز .
الفصل الرابع : أسماء الدروز
الفصل الخامس : كيف انتشرت العقيدة الدرزية
الفصل السادس : معاملة الدروز لمن يكشف شيئاً من عقائدهم
الفصل السابع : أماكن الدروز
الفصل الثامن : طريقة الدروز في تعليم ديانتهم
الفصل التاسع : من هو الحاكم بأمر الله الذي ألهه الدروز وبيان هلاكه .
الفصل العاشر : أهم عقائد الدروز
ألوهية الحاكم .
القول بالتناسخ .
إنكار القيامة .
عداوتهم للأنبياء .
إنكارهم التكاليف .
الفصل الحادي عشر: الدروز في العصر الحاضر
- كمال جنبلاط ودوره في تثبيت عقيدة الدروز
الفصل الثاني عشر : الفرق بين النصيرية والدروز
الباب الثامن : دراسة عن البهائية ، وفيه الفصول الآتية :
الفصل الأول : نبذة عن أساس ظهور البهائية وبيان صلتها بالبابية. ثم بيان الطالب الآتية :
زعيم البابية
صلة البابية بالمستعمرين في ذلك الوقت .
نهاية الشيرازي .
مؤتمر بدشت وما تم فيه من خطط .
الكتاب المقدس للبابية .
هزيمة البابية .
الفصل الثاني : خطر البهائية
الفصل الثالث : زعيم البهائية .
اسمه ومولده – دوره في مؤتمر بدشت – ثقافته – عمالته هو وأسرته لأعداء الإسلام من الإنجليز والروس واليهود – وفاته .
الفصل الرابع : المبادئ التي نادى بها البهائيون : ويشمل .
زعمهم وحدة جميع الأديان .
وحدة الأوطان .
وحدة اللغة .
السلام العالمي .
المساواة بين الرجل والمرأة .
عقائد أخرى للبهائيين .
الفصل الخامس : أمثلة من تأويلات البهائية للقرآن الكريم
الفصل السادس : موقف البهائية من السنة النبوية .
الفصل السابع : السبب في انتشار تعاليم البهائية .
الفصل الثامن : كتاب البهائية الذي يقدسونه .د(44/10)
الفصل التاسع : أماكن البهائية
الباب التاسع : وفيه دراسة عن القاديانية ، وقد انتظم تمهيدا وفصول .
تمهيد: التحذير من ظهور دجالين يدعون النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم:
الفصل الأول : كيف نشأت القاديانية
الفصل الثاني : زعيم القاديانية
الفصل الثالث : ختم النبوة وموقف القادياني منه
الفصل الرابع : كيف وصل القادياني إلى دعوى النبوة
اتجاهه إلى التأليف والناظرات .
إلهاماته .
دعواه أنه المسيح الموعود وأمثلة من تأويلاته الباطلة للنصوص بمساعدة صديقه الحكيم البهيروي .
ادعاؤه النبوة .
الفصل الخامس : نبوءات الغلام المتنبئ .
الفصل السادس: غلوه وتفضيله نفسه على الأنبياء وغيرهم
الفصل السابع : أهم عقائد القاديانية .
التناسخ .
التشبيه .
الفصل الثامن : علاقة القاديانية بالإسلام وبالمسلمين وبغير المسلمين، وموقف علماء الهند وباكستان من القاديانيين .
الفصل التاسع : أسباب انتشار القاديانية .
الفصل العاشر : وفاة القادياني .
الفصل الحادي عشر : بعض زعماء القاديانية
الحكيم نور الدين البهيروي .
محمود أحمد .
الخواجة كمال الدين
شخصيات أخرى .
الفصل الثاني عشر : الفرع اللاهوري .
زعيمه .
مبادئه .
الباب العاشر : دراسة الصوفية ، وفيه الفصول الآتية :
الفصل الأول : تمهيد في بيان انحراف الصوفية بصفة عامة .
الفصل الثاني : التعريف بالصوفية لغة واصطلاحاً .
الفصل الثالث : هل توجد علاقة بين المتصوفة وأهل الصفة .
الفصل الرابع : أسماء الصوفية وسبب تسميتهم بها
الفصل الخامس : متى ظهر المذهب الصوفي
الفصل السادس : حقيقة التصوف
الفصل السابع : أقسام المتصوفة وذكر طرقهم واختيار الطريقة التجانية نموذجاً ودراستها بإيجاز .
الفصل الثامن : الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية .
الفصل التاسع : مغالطات لجنة جماعة الصوفية في مدينة "الورن" في نيجيريا
الفصل العاشر : كيفية الدخول في المذهب الصوفي .(44/11)
الفصل الحادي عشر : أصول الصوفية .
الفصل الثاني عشر:إيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للصوفية ويشمل :
عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل .
عقيدة المتصوفة في الحلول .
وحدة الوجود .
وحدة الشهود، وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود .
الولاية وبيان المصطلحات الصوفية .
الفصل الثالث عشر : الكشف الصوفي .
الفصل الرابع عشر : الشطحات الصوفية .
الفصل الخامس عشر : التكاليف في نظر الصوفية .
الفصل السادس عشر : الأذكار الصوفية .
الفصل السابع عشر : الوجد والرقص عند الصوفية .
الفصل الثامن عشر : الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية .
الفصل التاسع عشر : تراجم زعماء الصوفية .
الباب الحادي عشر : دراسة المرجئة ، وفيه الفصول الآتية .
أولاً: تمهيد:
الفصل الأول : التعريف بالإرجاء لغة واصطلاحاً وبيان أقوال العلماء في ذلك
الفصل الثاني : الأساس الذي قام عليه مذهب المرجئة .
الفصل الثالث : كيف نشأ الإرجاء وكيف تطور إلى مذهب .
الفصل الرابع : بيان أول من قال بالإرجاء .
الفصل الخامس : أصول المرجئة .
الفصل السادس : أقسام المرجئة .
الفصل السابع : أدلة المرجئة لمذهبهم والرد عليها .
الفصل الثامن : مذهب أهل السنة في تعريف الإيمان .
الفصل التاسع : منزلة مذهب المرجئة عند السلف
الباب الثاني عشر : الجهمية
تمهيد : هل توجد آراء الجهمية في وقتنا الحاضر؟
الفصل الأول : التعريف بالجهمية وبمؤسسها
الفصل الثاني : نشأة الجهمية
الفصل الثالث : بيان مصدر مقالة الجهمية .
الفصل الرابع : ذكر أهم عقائد الجهمية إجمالاً . ثم دراسة الآتية :
إنكار الجهمية جميع الأسماء والصفات ، شبهاتهم والرد عليهم .
قولهم بالإرجاء والجبر .
إنكارهم الصراط .
إنكارهم لميزان .
قولهم بفناء الجنة والنار .
الفصل الخامس : الحكم على الجهمية
الباب الثالث عشر : المعتزلة ، وتشمل دراستهم الفصول الآتية :
الفصل الأول : نشأتهم .(44/12)
الفصل الثاني : أسماء المعتزلة وسبب تلك التسميات .
الفصل الثالث : مشاهير المعتزلة .
الفصل الرابع : ذكر أهم عقائد المعتزلة إجمالا .
الفصل الخامس : الأصول الخمسة للمعتزلة بيانها، والرد عليها . ويشمل :
التوحيد .
العدل .
الوعد والوعيد .
القول بالمنزلة بين المنزلتين .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الباب الرابع عشر : " الأشاعرة أو السبعية " وتشمل دراستهم المطالبة الآتية :
1- ظهور الأشاعرة:
2 - أبو الحسن الأشعري:
3 – عقيدته .
4- عقيدته كما بينها في كتابه الإبانة .
5 - أشهر زعماء الأشعرية .
6 - موقف الأشاعرة من صفات الله تعالى .
الباب الخامس عشر : الماتريدية :
1 - التعريف بمؤسس الماتريدية:
2 - أهم آراء الماتريدي إجمالا:
الباب السادس عشر : دراسة أهم المسائل التي اتفق عليها أهل الكلام من الأشعرية والماتريدية والمعتزلة والجهمية ، وتشمل :
1 - تقديم العقل على النقل.
2 – جهل أولئك بمعنى توحيد الألوهية .
3- معنى التأويل عندهم الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى المرجوح .
4 – تعطيل النصوص عن مدلولاتها.
بيان شبههم والرد عليها في كل تلك المسائل .
5- جدول مختصر لبيان ثبوت صفات الله تعالى وتأويل الخلف لها .
هذا وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجد فيه قارئه ما يؤمله من الاستفادة وأن ينفع به .
وأرجوا من كل محب اطلع عليه أن يرشدني إلى ما يجد فيه من أخطاء ؛ فإن المؤمن للمؤمن كالمرآة ، وهو من التعاون الذي حث الله عز وجل عليه في كتابه الكريم .
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
20/ 3/ 1414 هـ
المدينة النبوية
الفصل الأول
الهدف من دراسة الفرق(44/13)
دراستنا للفرق ليس إقراراً أو فرحاً بها، أو شماتة على الآخرين، وإنما ندرسها مع أسفنا الشديد للتفرق الحاصل بين المسلمين، والذي نرجو من وراء هذه الدراسة أن تحقق أهدافاً طيبة في خدمة الإسلام، وفي كسر حدة الخلافات التي مزقت المسلمين وفرقتهم إلى فرق وأحزاب.
والتي تهدف كذلك إلى جمع كلمتهم، ولفت أنظارهم إلى مواقع الخلاف فيما بينهم؛ ليبتعدوا عما وقع فيه من سبق من هذه الأمة، فإن الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، فهي نوع من أنواع العلاج لتلك المآسي الحالَّة بالمسلمين، وسبب من الأسباب التي تبذل لينفع الله بها إن شاء؛ لأن معرفة الدواء النافع يتوقف على معرفة الداء.
ولا يحتاج المسلمون لجمع كلمتهم، وإعادة مجدهم وعزهم وانتصارهم على جحافل الكفر والطغيان إلا إلى العودة الصادقة والنية الخالصة، فإن الأسس التي قام عليها عز الإسلام والمسلمين فيما سبق لا تزال كما هي قائمة قوية جديدة على مر الأيام والليالي –كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ...
وتلك الأهداف التي نتطلع إلى تحقيقها كثيرة نذكر أهمها فيما يأتي:
1- تذكير المسلمين بما كان عليه أسلافهم من العزة والكرامة والمنعة حينما كانوا يداً واحدة، وقلباً واحداً.
2- لفت أنظارهم إلى الحال الذي يعيشونه، ومدى ما لحقهم من الخسارة بسبب تفرقهم.
3- توجيه الأمة الإسلامية إلى الوحدة فيما بينهم، وذلك بالتركيز على ذم التفرق وبيان مساوئه، وبيان محاسن اتحاد المسلمين، وجمعهم على طريق واحد.
4- تبصير المسلمين بأسباب الخلافات التي مزقتهم فيما سبق من الزمان ليجتنبوها بعد أن يتدارسوها فيما بينهم بعزم قوي وصدق نية.
5- معرفة ما يطرأ على العقيدة الإسلامية الصحيحة من أفكار وآراء هدامة مخالفة لحقيقة الإسلام بعيدة عن طريقه الواضحة.(44/14)
6- رصْد تلك الحركات والأفكار التي يقوم بها أولئك الخارجون عن الخط السوي والصراط المستقيم؛ لتعرية دورهم الخطر في تفريق وحدة الأمة الإسلامية بتعريف الناس بأمرهم، وجلاء حقيقتهم للتحذير منهم، وبيان ما يقومون به من خدمة تلك الأفكار وترويجها.
ذلك أنه ما من بلاء كان فيما سبق من الزمان إلا وهو موجود اليوم في وضوح تام؛ فلكل قوم وارث (1).
7- حتى تبقى الفرقة الناجية علماً يهتدي به بعيدة عن تلك الشوائب الطارئة على العقيدة.
8- وصل حاضر هذه الأمة بماضيها، وبيان منشأ جذور الخلافات بينهم والتي أدت إلى تفرقهم فيما مضى من الزمان للتحذير منها، وللرد على أولئك الذين يحاولون دعوة المسلمين إلى قطع صلتهم بماضيهم، والبناء من جديد كما يزعمون.
9- ثم إن دراستنا للفرق وإن كان يبدو عليها أنها بمثابة جمع لتراث الماضين- فإنه يراد من وراء ذلك دعوة علماء المسلمين إلى القيام بدارسته وفحصه واستخراج الحق من ذلك، واستبعاد كل ما من شأنه أن يخرج بالمسلمين عن عقيدتهم الصحيحة أو يفرق كلمتهم.
وهذا فيما أرى هو أنجح الطرق وأقربها إلى إشعار المخالفين بالإنصاف وطلب الحق للاستدلال على خلافهم وخروجهم عن الصواب من كتبهم ومن كلام علمائهم لقطع كل حجة مخالفة بعد ذلك.
*********************************
الفصل الثاني
أهمية دراسة الفرق
ورد شبهة من يريد عدم دراستها
بيّنّا فيما مضى بعض الأهداف التي ندرس الفرق من أجلها، ونجيب هنا عن شبهة لكثير من الناس ربما يرددها بعضهم منخدعاً بحسن نية، والبعض الآخر يرددها بنية سيئة.
وهي: لماذا نشغل أنفسنا بدراسة فرق انتهت، وربما لم يعد لها ذكر على الألسنة..وقد رد العلماء عليها قديماً وحديثاً وانتهى الأمر؟
والجواب: إن هذا التساؤل قد انطوى على مغالطات خفية ونية سيئة، أو جهل شنيع، وذلك:(44/15)
أولاً: إن هذه الفرق وإن كانت قديمة فليست العبرة بأشخاص مؤسسي تلك الفرق ولا بزمنهم، ولكن العبرة بوجود أفكار تلك الفرق في وقتنا الحاضر.
فإننا إذا نظرنا إلى فرقة من تلك الفرق الماضية نجد أن لها امتداداً يسري في الأمة سريان الوباء.
وأقرب مثال على ذلك فرقة المعتزلة، أليس أفكارهم لا زالت حية قوية يتشدق بها بعض المغرضين من الذين استهوتهم الحضارة الغريبة أو الشرقية، فراحوا يمجدون العقل ويحكمونه في كل الأمور، ويصفون من يعتمد على ما وراء ذلك بالتأخر والانزواء .
إنهم يريدون الخروج عن النهج الإسلامي ولكنهم لم يجرءوا صراحة على ذلك، فوجدوا أن التستر وراء تلك الآراء التي قال بها من ينتسب إلى الإسلام خير وسيلة لتحقيق ذلك، فذهبوا إلى تمجيد تلك الأفكار لتحقيق أهدافهم البعيدة.
ثانياً: مما هو معلوم أن كل الأفكار والآراء التي سبقت لها أتباع ينادون بتطبيقها، فالنزعة الخارجية وتنطع أهلها في الدين، واستحلال دماء المسلمين لأقل شبهة، وتكفيرهم الشخص بأدنى ذنب- قائمة الآن في كثير من المجتمعات الإسلامية على أشدها، موهمين الشباب ومن قلت معرفته بالدين أن الدين هو هذا المسلك فقط.
كذلك نرى الصوفية وقد اقتطعت من المسلمين أعداداً كثيرة، مثقفين وغير مثقفين، جَرَفَهُم التيار الخرافي فراحوا ينادون بالجهل والخرافات، واتباع المنامات، وتحضير الأرواح، ومعرفة المغيبات، وتعظيم الأشخاص والغلو فيهم.
وغير ذلك من مسالك الصوفية التي سندرسها بالتفصيل إن شاء الله تعالى.(44/16)
وعلى هذا، فدراستنا هذه وإن كنت في ظاهرها دراسة للماضي، ومراجعة للتاريخ لفرق المبتدعة الذين جَنَوا على ماضي المسلمين إلا أنها دراسة حاضرة كذلك من حيث إنها تكشف جذور البلاء الذي شتت قوى المسلمين وفرقهم شيعاً، وجعل بأسهم بينهم شديداً، بل هي نور يضيء لشبابنا طريقه وسط هذا الظلام الفكري المفتعل، الذي لا يخدم إلا أعداء الإسلام وشانئيه بتوجيه الأنظار إلى تلك الفرق التي تعمل في الظلام لنشر أفكارها، وفرض مخططاتها المعادية للإسلام.
ثالثاً: إن دراسة الفرق والدعوة إلى الاجتماع واتحاد كلمة المسلمين -فيه تكثير لعدد الفرقة الناجية بانضمام أولئك الخارجين عن الحق ووقوفهم إلى جانب إخوانهم أهل الفرقة الناجية؛ فيكثر عددهم فيصح فيهم ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من قيام فرقة من المسلمين : (( ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك)) (2) وتَرْكُنا لدراسة الفرق يفوِّت علينا هذا الخير العظيم.
رابعاً: أضف إلى ذلك أن ترك الناس دون دعوة إلى التمسك بالدين الصحيح، ودون بيان أضرار الفرق المخالفة، فيه إبطال لما فرضه الشرع من القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الفرق التي ظهرت، ما من فرقة منها إلا وقد قامت مبادئها على كثير من المنكرات، وهي تدعي أنها هي المحقة وما عداها على الضلال، فألبسوا الحق بالباطل، وأظهروا مروقهم وخروجهم وفجورهم عن منهج الكتاب والسنة في أثواب براقة لترويج بدعهم، والدعوة لها.(44/17)
خامساً: إن عدم دراسة الفرق والرد عليها وإبطال الأفكار المخالفة للحق، ففيه إفساح المجال للفرق المبتدعة أن تفعل ما تريد، وأن تدعو إلى كل ما تريد من بدع وخرافات دون أن تجد من يتصدى لها بالدراسة والنقد كما هو الواقع؛ فإن كثيراً من طلاب العلم- فضلاً عن عوام المسلمين- يجهلون أفكار فرق يموج بها العالم، وهي تعمل ليلاً ونهاراً لنشر باطلهم، ولعل هذه الغفلة من المسلمين عن التوجه لكشف هذه الفرق المارقة لعله من تخطيط أولئك المارقين الذين نجحوا في حجب الأنظار عنهم وعن مخططاتهم الإجرامية.
ولا أدل على ذلك من أنك تجد بعض الأفكار وبعض العبارات يرددها كثير من المسلمين دون أن يعرفوا أن مصدرها إما من المعتزلة (3)، أو من الصوفية (4) ، أو البهائية (5) ، أو القاديانية (6) ، أو الخوارج (7) ، أو الشيعة (8) ، إلى غير ذلك.
ومن المعلوم أن ذلك إنما يعود إلى الجهل بأفكار هذه الطوائف (9).
******************************
الفصل الثالث
النهي عن التفرق
لقد كان هذا الأمر مما عني به القرآن الكريم أيما عناية وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن اهتدى بهديه من أصحابه البررة والتابعين لهم بإحسان، ويشتمل هذا الفصل على مبحثين وهما:
المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم:
ومما جاء في القرآن الكريم، وهي آيات كثيرة نثبت منها قوله تعالى:
1- {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }(10) .
2- {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } (11).
3- { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (12).(44/18)
والآيات واضحة في معناها ودلالتها ولا تحتاج إلا إلى التطبيق بجد وإخلاص، فهي تحذر من التفرق وتدعو إلى الوحدة وجمع كلمة المسلمين، والسير في طريق واحد. فإذا تفرق المسلمون بعد ذلك فهم خارجون عن السير فيه، وحينما تفرق المسلمون أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون، زعمت كل فرقة أنها هي الناجية، وما عداها هالك، حتى التبس الأمر على كثير من المسلمين فلم يهتد إلى الفرقة الناجية بسبب تلك المزاعم، ولا ينبغي أن نأبه لتلك المزاعم، بل نعرض كل ما نسمع على كتاب الله وسنة نبيه، فما وافقهما فهو الحق، وما خالفهما عرفنا أنه باطل وهذا هو الميزان الذي ينبغي أن نزن به كل قول ومعتقد مهما كان مصدره كما هو حال أهل السنة في عرضهم للأقوال والمعتقدات على كتاب الله وسنة رسوله، وهو توفيق من الله لهم، وهم الفرقة الناجية، وهم أهل الحق إلى أن تقوم القيامة.
المبحث الثاني : الأدلة من السنة النبوية:
ومن عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى اجتماع كلمة المسلمين وتحذيرهم عن التفرق أحاديث كثيرة منها على سبيل المثال:
1- ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً ثم قال: ((هذه سبيل الله)) ثم خط خطوطاً عن يمينه، وخطوطاً عن يساره ثم قال: (( هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه)) ثم قرأ هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }(13) .
2- وفي حديث العرباض بن سارية قوله صلى الله عليه وسلم: ((فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))(14) .(44/19)
3- وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم حذيفة عند ظهور الخلاف والتفرق في الدين بقوله: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)) قال حذيفة: قلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) (15).
4- وعن معاوية بن أبي سفيان قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة...وهي الجماعة)) (16).
وفي رواية عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة)) (17).
ولا بد لنا من وقفة عند هذا الحديث الذي أضاف إلى التحذير من الافتراق الإخبار بهلاك تلك الفرق الضالة إلا واحدة منها، ثم حصر الفرق في العدد المذكور، ورغم كثرة الروايات المختلفة لحديث المذكور إلا أنه لم يخل عن الاختلاف في صحته، وسنقف هنا عند دراسته على الأمور التالية:
سند الحديث:
رُوي هذا الحديث بعدة أسانيد، إلا أن العلماء وقفوا بالنسبة لقبوله المواقف التالية:
1- منهم من لم يصححه، ولم يجوز الاستدلال به. وهم بعض العلماء كابن حزم وغيره.
2- ومنهم من اكتفى بتعدد طرقه. وتعدد الصحابة الذين رووا هذا المعنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- ومنهم من أخذ به وحاول أن يحصر الفرق في العدد المذكور كالبغدادي رحمه الله وغيره (18) .(44/20)
وحينما تعرض شيخ الإسلام –رحمه الله- للكلام عن الفرق، قال عن الحديث: ((مع أن حديث الثنتين والسبعين فرقة ليس في الصحيحين، وقد ضعفه ابن حزم وغيره، لكن حسنه غيره أو صححه كما صححه الحاكم وغيره، وقد رواه أهل السنن وروي من طرق)) (19). وفي مجموع الفتاوى ورد قوله: ((الحديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد، كسنن أبي داود والترمذي والنسائي)) (20).
* * * * * * * * * * *
الفصل الرابع
حصر الفرق في العدد المذكور في حديث الافتراق
ويشمل مبحثين:
والواقع أن حصر الفرق في العدد المذكور تفصيلاً ليشمل كل فرقة –فيه إشكال، وذلك أن أصول الفرق لا تصل إلى هذا العدد، وفروعها تختلف وجهات نظر العلماء في عدّها أصلية أو فرعية، ثم إن فروع الفرق تصل إلى أكثر من هذا العدد، فهل نعد الأصول مع الفروع؟ أو الأصول فقط؟ أو الفروع فقط؟.
كذلك فإن الفرق ليس لظهورها زمن محدد، أي لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد لنهاية تفرق أمته. وعلى هذا فإن الصواب أن يقال: إن الحديث فيه إخبار عن افتراق أمة محمد صلى الله عليه وسلم دون تحديدهم بزمن بعينه، بحيث لا يصدق إلا على أهله فقط، وإنما أخبر عن افتراق أمته، وأمته صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة...إذاَ فلا نحددها بزمن.
وينبغي أيضاً أن نعد الفرق في أي عصر ظهرت فيه، بغض النظر عن وصولها إلى العدد المذكور في الحديث أو عدم وصولها، فلا بد أن يوجد هذا العدد على الوجه الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر به، في عصرنا أو في غير عصرنا (21) .
المبحث الأول: من الفرق الناجية؟
أما من هي الفرق الناجية، فقد اختلف العلماء في المراد بهم على أقوال، هي إجمالاً:
1- قيل: إنها السواد الأعظم من أهل الإسلام.(44/21)
2- وقيل: هم العلماء المجتهدون الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمتي لا تجتمع على ضلالة)) (22) ، أي لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة، وخصهم شيخ الإسلام بعلماء الحديث والسنة.
3- إنهم خصوص من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم في رواية: ((ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) (23).
4- إنهم جماعة غير معروف عددهم ولا تحديد بلدانهم، أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بإخبار الله له أنهم على الحق حتى يأتي أمر الله. ولعل هذا هو الراجح من تلك الأقوال ونحن نطمع إن شاء الله أن نكون منهم مادمنا على التمسك بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى منهج سلفنا الكرام.
5- وفيه قول خامس، أن الجماعة هم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير (24).
المبحث الثاني معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))
وأما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((كلها في النار)) فقد ذكر الشاطبي ما حاصله:
1- أن هذه الفرق لا بد أن ينفذ فيها الوعيد لا محالة.
2- أنهم مثل أهل الكبائر تحت المشيئة (25).
3- أن الأولى عدم التعرض لتعيين الفرق غير الناجية بالحكم عليها بالنار، لأن النبي عليه السلام نبه عليها تنبيهاً إجمالياً لا تفصيلياً إلا القليل منهم كالخوارج(26).
والذي يظهر لي أن الفرق تختلف في بعدها أو قربها من الحق، فبعضها يصح أن يطلق على أصحابها أنهم أهل بدعة أو معصية وحكمهم حكم أصحاب الكبائر، وبعضها لا يصح وصف أصحابها إلا بالكفر لخروجهم عن الإسلام مثل فرق الباطنية والسبئية والميمونية من الخوارج..الخ، ويكون حكمهم حكم الكفار الخارجين عن الملة، ولو تظاهروا بالإسلام.
* * * * * * * * *
الفصل الخامس
كيف ظهر الخلاف والتفرق بين المسلمين(44/22)
كان الخلاف في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ينتهي فور وصوله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حين يحكم فيه، وبعد وفاته وحتى آخر عصر الخلفاء الراشدين كان المسلمون على منهج واحد في أصول الدين وفي فروعه، إلا أنه قد وجدت بعض الأمور التي كانت محل خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، ولكنهم قضوا عليها بثباتهم ونياتهم الصادقة –بعد توفيق الله لهم- نذكر منها على سبيل الإيجاز ما يلي:
ما أصاب بعض الصحابة من الدهشة من موت الرسول صلى الله عليه وسلم هل مات الرسول كما مات غيره من الأنبياء؟ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}(27)، أم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمت وإنما هو في غيبوبة وسيفيق منها، حتى قال عمر رضي الله عنه: من قال إن رسول الله مات-ضربته بالسيف؟
وحينما جاء أبو بكر رضي الله عنه قضى على هذا الخلاف، وأقر الجميع بموت الرسول صلى الله عليه وسلم.
هكذا يذكر أصحاب المقالات، ومن وجهة نظري لا أرى أن هذا يشكل خلافاً حقيقياً وإنما هي حالة طارئة مرّت بالمسلمين دون أن تشكل ظاهرة خلافية.
اختلفوا كذلك في موضع دفنه:
1- فأراد أهل مكة رده إلى مكة.
2- وأراد أهل المدينة دفنه بها.
3- وقال آخرون بنقله إلى بيت المقدس.
ولكل فريق من هؤلاء حججه على ما يراه لكن الخليفة الراشد الصديق رضي الله عنه قضى على هذا الخلاف حينما روي لهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما قبض الله نبياً إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه ))(28) ...والخلاف في هذه المسألة يعتبر خلافاً خطيراً؛ إذ لو وقف كل فريق عند رأيه وعاند لأدى ذلك إلى فتنة عظيمة.
اختلفوا في تسيير جيش أسامة، هل يبقى بالمدينة كما يرى عمر وغيره، لضرورة الحاجة إليه؟ أم يذهب لما وجهه الرسول عليه السلام كما يرى أبو بكر؟
وقد شرح الله صدورهم لتوجيهه، وكان في ذلك خير عظيم.(44/23)
ثم اختلفوا في قتال مانعي الزكاة، هل يقاتلون كما يقاتل الكفار لأنهم فرقوا بين ركنين من أركان الإسلام؟ أم لا يقاتلون ما داموا يشهدون الشهادتين، ويؤدون الصلاة؟.
ثم انتهى الخلاف بقبول رأي أبي بكر في قتال هؤلاء. وحتى الذين خالفوا في قتال مانعي الزكاة ما كانوا يريدون تركهم مطلقاً، وإنما كانوا يرون تأخير حسابهم معهم إلى حين القضاء على من هو أخطر منهم وأشد شوكة0
وكالاختلاف في الإمامة لمن تكون لقريش أم للأنصار؟ واجتماعهم في سقيفة بني ساعدة، ورجوعهم أخيراً إلى مبايعة أبي بكر الصديق حينما تبين لهم الحق في قوله.
ثم تفاقم التصدع والانشقاق الخطير شيئاً فشيئاً إلى أن انتهى بمقتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، حينما سعى في ذلك عدو الله ابن سبأ، ثم أصبح المسلمون فرقاً وأحزاباً وفشت بينهم العداوة والبغضاء إلا من رحم الله (29)؛ مصدقاً لقول عثمان رضي الله عنه: ((فوالله لئن قتلتموني لا تحابون بعدي ولا تصلون بعدي جميعاً ولا تقتلون بعدي جميعاً عدواً أبداً))(30).
* * * * * * * * * * * * * *
الفصل السادس
مدى سعة الخلاف الذي كان يحصل بين الصحابة
وموقفهم منه.
وكيف تطور بعدهم إلى تمزيق وحدة الأمة الإسلامية
رأينا فيما سبق أن الصحابة اختلفوا في مسائل لو أنها عند غيرهم لأريقت في بعضها الدماء، ولكن الصحابة ما كانوا يريدون الخلاف لذاته أو لأهوائهم كما حصل فيما بعد عند غيرهم.(44/24)
إلاّ أن جل خلافهم إنما كان حول فهم نص من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهي أمور أكثرها اجتهادية شبيهة بما كان يحصى أحياناً في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كما حصل في أمر صلاة العصر حينما توجهوا إلى بني قريضة، وكان أحدهم إذا تبين له صحة وجهة نظر أخيه ترك خلافه، ورجع إلى الحق، بل وربما يرجع عن خلافه في مثل المسائل الاجتهادية؛ حرصاً على جمع الكلمة، وسداً لمنافذ الخلافات أو فتح الثغرات التي يأوي إليها المتربصون بهم...
ومما ورد في كره الصحابة للخلاف، ورجوع بعضهم عنه في مسائل الاجتهاد خوفاً من تفرق الكلمة ما جاء في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه قال: ((اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي))(31).
قال ابن حجر في معناه نقلاً عن أيوب: ((إن ذلك بسبب قول علي في بيع أم الولد، وأنه كان يرى هو وعمر أنهن لا يبعن وأنه رجع عن ذلك فرأى بيعهن)) قال عبيدة(32): فقلت له رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلى من رأيك وحدك في الفرقة، فقال علي ما قال، قلت وقد وقعت في رواية حماد بن زيد أخرجها ابن المنذر عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم عنه، وعنده قال لي عبيدة: بعث إلى علي وإلى شريح فقال: ((إني أبغض الاختلاف فاقضوا كما كنتم تقضون)) ثم قال ابن حجر في شرح قول علي رضي الله عنه: ((فإني أكره الاختلاف)) أي الذي يؤدي إلى النزاع.
قال ابن التين: ((يعني مخالفة أبي بكر وعمر، وقال غيره: المراد المخالفة التي تؤدي إلى النزاع والفتنة (33)، وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه ما يفيد رجوعه عن خلافه خوفاً من قيام فتنة ))(34).
وظل الخلاف في حياتهم لا يراد به إلا الوصول إلى الحق والتمسك به.(44/25)
ثم جاء من بعدهم أشكال من الناس بعضهم كان منافقاً فأظهر الإسلام والموافقة، ثم عمل في الداخل على تضخيم الخلاف، وفتح ثغرة في مفاهيم المسلمين، وجادل بالتأويل والشبهات، وبعضهم استغل اختلاف الصحابة في بعض المسائل، واتخذ منه سبيلاً لتمزيق وحدة الأمة الإسلامية بتقليب الأدلة ومعارضة بعضها ببعض، وإذكاء التعصب، وزيادة حدة الخلاف ليحقق هدفه في الحقد على المسلمين(35).
ثم تطور الخلاف بين المسلمين من سيء إلى أسوأ، إلى أن وصل الحال إلى الواقع المؤسف الذي نعيشه اليوم من التباكي على الوحدة الإسلامية التي صارت صعبة المنال، بما اقترفوه من أفكار نفرت بعضهم عن بعض، وأذكى علماؤهم الأحقاد، وضخموا حجم الخلافات حتى صاروا فرقاً متناحرة، وتكثروا من ألقاب المدح بما لم يفعلوا، وصدق عليهم قول الشاعر الأندلسي:
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
وتوالت على المسلمين الضربات والإهانات، وتأمر عليهم أهل الشرق والغرب، ونسوا أن الله طلب منهم أن يكونوا أشداء على الكفار رحماء بينهم، فذل المسلمون ذلاً شنيعاً وخصوصاً في عصرنا الحاضر، ولكنهم لم يستيقظوا من الضربات، ولا تدري هل ذلك من هول ما أصابهم، أم يطلبون المزيد من الإهانات.(44/26)
والعرب بخصوصهم الذين كانوا قبل الإسلام أذل الناس، يريد الكثير منهم الآن العودة إلى تلك الجاهلية التي أخرجهم الله منها، وأبدلهم بالهدى والنور بعد أن كانوا على شفا حفرة من النار، وسيعلمون لو تم لهم ما يريدون- لا سمح الله- كم جَنَوْا على أنفسهم وعلى أمتهم، وهؤلاء أحد عوامل الهدم وإضعاف المسلمين. فقد توالت على المسلمين عوامل كثيرة أضعفتهم، عوامل خارجية أتقن تخطيطها أعداؤهم، فضربوهم في عقر دارهم، وحاربوا الدعوات الإسلامية بشتى الأساليب، وتأثر كثير ممن ينتسب إلى الإسلام بالدعايات المضللة، وبقي قلة من المخلصين قد خذلهم القريب والبعيد وهم نواة الخير في الأرض، ولن يخذلهم الله تعالى.
وعوامل داخلية من العصبية البغيضة، وإثارة النعرات الجاهلية، واتباع الهوى، واتخاذ رؤساء جهالاً معجبين بآرائهم، وصاروا كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ((غثاء كغثاء السيل))(36)، ولهذا فإن هذه الكثرة تُرى في المسلمين لا تُفْرِحْ كثيراً، فقد رأينا كيف وقفوا عاجزين أما أعدائهم في كل مكان، اللهم إلا فئات قليلة صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
* * * * * * * * * * * * * * *
الفصل السابع
مظاهر الخلاف بين المسلمين
مر المسلمون بخلافات عديدة، والمتتبع لكل تلك الخلافات يجد أنها:
1- إما أن تكون خلافات عملية جردت فيها السيوف والمدافع والبنادق، ولا شك أنها نتيجة لخلافات عقدية في أكثرها، وإن كانت تبدوا أنها سياسية، وبعضها خلافات سياسية خصوصاً في القرون الأولى.
وهذه الخلافات يهتم بها كتّاب التاريخ، يسجلونها ويوضحون أسبابها، ويذكرون نتائجها، وهي كثيرة على مدى التاريخ الإسلامي قديماً وحديثاً.
قديماً ما وقع بين علي رضي الله عنه والخوارج، وما وقع بين الخوارج والدولة الأموية، وما وقع بين الدولة الأموية وابن الزبير.(44/27)
وحديثاً ما نراه واضحا في لبنان وغيره من فتك الشيعة- الذين يتظاهرون بالإسلام- بأهل السنة وتنكيلهم بهم إلى حد الاستهتار بدمائهم، أو بين أهل السنة وبين مم يتظاهر بالإسلام على ديانة القاديانية أو البهائية أو غيرهم، ممن يتظاهر بالإسلام ويصوب السلاح إلى صدور المسلمين.
2- وإما أن تكون خلافات علمية، وهذه خاض غمارها العلماء، كل فريق يؤيد ما يذهب إليه، وينقض ما ذهب إليه المخالف دون أن يصغي لأدلة من يخالفه بعين الإنصاف –في أكثر الأحوال-، حتى إن كل فريق من المختلفين يقول: رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب.
وهذه الخلافات وإن لم تكن عملية، إلا أنها في كثير من القضايا أسهمت في إذكاء نار العداوة والبغضاء بين المسلمين، وساعدت في نفره المسلمين بعضهم عن بعض، خصوصاً بعد أن تولاها قوم معجبون بآرائهم، جهال بمعرفة النصوص وما تهدف إليه؛ فتعصبوا لمشايخهم وأفكارهم، ثم انطووا على ذلك (37) .
ودارس الفرق يهمه الإلمام بالأمرين جميعاً؛ حتى يتسنى له الحكم على الأمور بوضوح، فإن معرفة الحوادث التاريخية، ومعرفة الأفكار والمعتقدات ثم عرضها على كتاب الله وسنة نبيه، ثم الاسترشاد بما فهمه السلف من تلك النصوص هو بالإضافة إلى أنه من الإحسان إلى النفس وإلى الآخرين، طريق الإنصاف، ومعرفة الداء ودوائه.
* * * * * * * * * * * * *
الفصل الثامن
كيف تبدأ الفرق في الظهور
يذكر علماء الفرق أنه عندما يريد شخص معرفة ظهور فرقة من الفرق على وجه التحديد، فإن ذلك من غير اليسير الوصول إليه والجزم به دون تخمين أو شك، وذلك:
لأن الفرقة لا تستحق هذا الاسم إلا بعد مرورها بمراحل متعددة، تبدأ فكرة صغيرة، فردية أو جماعية، ثم تتكون شيئاً فشيئاً إلى أن تصبح فرقة ذات منهج مميز لها سياسياً أو اجتماعياً.
وهذا ما عناه الأستاذ أبو زهرة حين قال:(44/28)
((إن رأينا أن الأفكار التي تشيع وتنتشر، من الصعب الوصول إلى مبدئها على وجه الجزم واليقين من غير حدس أو تخمين))(38).
والتخطيط لقيام الفرقة قد تطول مدته وقد تقصر، حسبما يتهيأ لها من الظروف والعوامل المساعدة لقيامها، وعلى هذا فإنه ينبغي حسبما يبدو لي أن نفرق بين ظهور الفرقة كفرقة ذات أفكار وآراء اعتقادية وبين ظهورها كفكرة.
والصعوبة إنما تكمن في ظهورها فكرة، وأما تحديد ظهورها فرقة فهو ما سجله العلماء عن ظهور كل الفرق والطوائف.
* * * * * * * * * * * * ** * * *
الفصل التاسع
منهج العلماء في عدَّ الفرق
لم يوجد لعلماء الفرق قانون يسيرون عليه في عدّهم للفرق الإسلامية، بل سلكوا طرقا عديدة، كل واحد منهم يعدها حسب اجتهاده، وما وصل إليه علمه.
وفي هذا يقول الشهر ستاني – رحمه الله-: ((اعلم أن لأصحاب المقالات طرقاً في تعديد الفرق الإسلامية، لا على قانون مستند إلى أصل ونص)).
ثم قال: ((فما وجدت مصنّفين منهم متفقين على منهاج واحد في تعديد الفرق، ومن المعلوم الذي لا مراء فيه أنه ليس كل من تميز عن غيره- بمقالة ما في مسألة ما –عُدّ صاحب مقالة، وإلا فتكاد تخرج المقالات عن حد الحصر والعد)).
وقال أيضاً: ((وما وجدت لأحد من أرباب المقالات عناية بتقرير هذا الضابط إلا أنهم استرسلوا في إيراد مذاهب الأمة كيف ما اتفق، وعلى الوجه الذي وجد، لا على قانون مستقر وأصل مستمر))(39).
والواقع أننا نجد مصداق كلام الشهر ستاني عند تتبع العلماء للفرق، وأقرب مثال لذلك أنك تجد أمهات الفرق عند الأشعري عشر أصناف، وعند الشر ستاني نفسه أربع فرق، وعند غيرهما ثمان فرق، وعند آخرين ثلاثاً، وبعضهم يجعلها خمساً، إلى غير ذلك مما يوحي بعدم وجود قانون لعدّ الفرق مستقلة أو تابعة لغيرها؛ إذا كان هَمُّ الأولين فيما يبدو تسجيل ما يجدون من آراء فردية كانت أو جماعية.(44/29)
ولعل بعض هؤلاء العلماء اختلط عليه الأمر فيمن يستحق أن يطلق عليه أنه من أهل ملة الإسلام فيعتبر خلافه، أو لا يعتبره من المسلمين فلا يذكر خلافه، وهذه المسألة تحتاج إلى إيضاح نوجز ما ذكره البغدادي عنها فيما يلي:
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل العاشر
ما المراد بأمة الإسلام؟
اختلف المنتسبون إلى الإسلام في الذين يدخلون بالاسم العام في ملة الإسلام، وحاصل الأقوال في هذه المسألة كما يلي:
1- أن هذه التسمية تشمل كل مقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأن كل ما جاء به حق، كائناً قوله بعد ذلك ما كان.
وهذا قول زعيم طائفة الكعبية من المعتزلة أبي القاسم الكعبي.
2- أنها تشمل كل من يرى وجوب الصلاة إلى جهة الكعبة.
3- أنها تشمل كل من أقر بالشهادتين ظاهراً ولو كان مضمراً للنفاق والكفر.
والواقع : أن تلك الأقوال لا تخلو من إيراد عليها وانتقاد لها، فقول الكعبي الأول، وقول مجسمة خراسان الأخير ينقضه ما موقع من يهود إصبهان من إقرارهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العرب خاصة لا إلى بني إسرائيل، وكذا قال قوم من موشكانية اليهود- نسبة إلى زعيمهم موشكان- فإنهم أقروا بجميع شرائع الإسلام، ونفوا أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم نبي إلى كافة البشر، بما فيهم اليهود.
ومع ذلك فإنهم ليسوا بمسلمين، ولا تعتبر أقوالهم ضمن أقوال الفرق الإسلامية(40).
والصحيح في هذا كله أنه لا يدخل في الإسلام إلا من أقر به ظاهراً وباطناً، والتزم بالإيمان بالشريعة الإسلامية، ثم إذا كان له بعض البدع فإنه ينزل من الإسلام حسب قربه أو بعده عنه، ويعامل على هذا الأساس، ويحترز من تكفير شخص بعينه إلا إذا ظهر كفره من قوله أو فعله أو اعتقاده بعد إقامة الحجة عليه.
* * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الحادي عشر
أهم أسباب نشأة الفرق
أ- تمهيد: التفرق في عصرنا الحاضر.
ب- الأسباب العامة للتفرق.(44/30)
أ- التفرق في عصرنا الحاضر:
... سبق أن عرفنا نهي الدين عن التفرق، وذكرنا الأدلة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية على ذلك، كما تبين لنا كذلك الخطر الذي يكمن في طريق الأمة الإسلامية، والذي يعوقها عن الوصول إلى الغاية التي أمرهم الله بها. وكيف أنهم حينما يتفرقون ويصبحون أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون-يصبحون أمة ضعيفة لا قيمة لها، كما هي سنة الله في الذين خَلَوا من قبل.
ويجري عليهم نفس المصير الذي جرى على الأمم قبلهم، لأنه لا نجاة ولا عزة إلا بالتمسك بالإسلام الذي رفع الله به أقواماً قبلوه وأذل به آخرين استكبروا عنه، وأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ومن الشقاء إلى السعادة ومن الجهل إلى العلم، وعاش الناس في ظلاله عيشة في منتهى السعادة.
وقد مضت تلك الأيام غرة في جبين الدهر، ولسان حال المسلمين اليوم يقول:
وودّ بجدع الأنف لو عاد عهدها وعاد له فيها مصيف ومريع
تنكر للإسلام كثير ممن يتظاهر به، ويزعم أنه يسير على نهجه فألحق بالمسلمين الذل بعد ذلك العز الذي غمر شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها، وكان هؤلاء أشد على الإسلام والمسلمين من أعدائه الظاهرين حين أعرضوا عن تعاليم الإسلام المشرقة، وصاروا صعاليك يستجدون موائد الشرق والغرب القذرة، وعملوا ليلاً ونهاراً، سراً وإعلاناً على إضعاف المسلمين وتشكيكهم في دينهم وتشتيت أمرهم.
وقد ساعدهم على ذلك أعداء الإسلام الذين يتربصون به الدوائر {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}(41)والذين يمدونهم بكل ما لديهم من التشجيع المادي والمعنوي، فإذا بهم يتحولون إلى وحوش وسباع ضارية، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.(44/31)
لقد تربى هؤلاء على موائد الكفرة ودرسوا في مدارسهم، وأتقنوا مناهجه ثم أظهروا أنفسهم أبطالاً فاتحين، واتخذوا لأنفسهم شعارات براقة خادعة وهم ما بين ثوري اشتراكي شيوعي، أو بعثي زنديق حاقد، أو رأسمالي جشع حقود حسود، أو ماسوني أينما يوجه لا يأت بخير، فابتلي المسلمون بهم أشد البلاء، وتوالت عليهم المحن، وظهر الإلحاد، وتفرقت بسببهم الكلمة، وظهر قرن الشر، وفشت الدعارة علانية، وصار المتمسكون بدينهم غرباء.
وبعد تلك المحن كلها مما لا يمكن وصفه امتن الله على المؤمنين، وظهرت بوادر صحوة يتمنى كل مسلم أن تتم بخير، مع الخوف الشديد أن توجه تلك الصحوات وجهة في غير مسارها الصحيح، فتنتكس الأمة انتكاساً ربما لا تقوم لهم قائمة - لا سمح الله- إذا نجح هؤلاء النقلابيون على كل شيء حتى على دينهم ورسالة نبيهم، لأنهم يريدون قلب كل شيء، وتحويل كل معتقد إلى معتقداتهم الفاسدة، ثم السير بهم في تلك السبل التي تربوا عليها، وهي السبل التي حذرنا الله من سلوكها، إن المتتبع لنشاط هؤلاء ودوافعهم تنكشف له اللعب السياسية والاجتماعية الخطيرة التي تدفع بأتباعها من ظهورهم إلى حيث لا يدرون، ومن حيث لا تمكنهم من معرفة ما هم واردون عليه.
قد أحاطوهم بصراخ وعويل أفقدوهم حتى مجرد اللحظة التي يفكرون فيها، وبخبث ودهاء تظافرت جهودهم يصدق بعضها بعضاً، الجريدة، والمجلة، والكتاب، والتلفزيون، والإذاعة، وإعلانات الشوارع، وندوات المجالس، ونثر ونظم، وتمثيليات وفكاهات؛ فأحاطوهم من كل جهة، ودخلوا معهم في كل مجال من مجالات الحياة.(44/32)
وجعلوهم لا يفكرون إلا فيهم، وفي تنفيذ دعاياتهم في كل وقت -وهم يمشون، أو على مكاتبهم، أو في بيوتهم، أو في اجتماعاتهم، أو في انفرادهم؛ حتى أخذوا منهم كل أوقاتهم، وخدعوهم عن كل ما يمت إلى تدبر أمرهم فأصبحوا فريسة سهلة، لا حراك بها أمام هؤلاء سراق عقول البشر الذين يصطادون في الماء العكر، قد دخلوا في المجتمعات المحافظة على سلامة عقيدتها كما تدخل الجراثيم.
فأصبح الكثير من شباب الأمة الإسلامية - إلا من رحم الله- عقولهم معهم وأيديهم تكتب عنهم وتمجدهم وأرجلهم تمشي إلى مجالسهم، وألسنتهم تنطق بدعاياتهم وأكاذيبهم وحيلهم. ولا شك أن ثمن ذلك كله تفرق الكلمة وتشتت الآراء تحت غطاء إصلاح وتقدم الأمة، والوصول إلى التطور والتجديد، أو غير ذلك من الأكاذيب.
جندوا كل أولئك لهدف واحد هو محاربة الدين والعادات الإسلامية، وتفكيك الروابط المتينة التي بناها الإسلام والتي تقف دون رغباتهم الجنسية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
وجنَّدوهم كذلك لقطع أوصال الأمة وإلقاء بذور الشقاق بينهم- على طريقة فَرِّقْ تَسُد- ودربوهم على طريقة إلصاق التهم بالآخرين من أهل الحق وتشويه سمعتهم، ثم ألقوا بينهم مختلف الآراء الفكرية شغلوا الأمة بها.
ولم يفلحوا في شيء مثلما أفلحوا في تفريق كلمة المسلمين، وإشاعة الفرقة والعداوة بينهم، وبغي بعضهم على بعض، والتفنن في اللمز ورفع الشعارات، وهذا ما يفسره لنا وَلَعُهُمْ بقيام الأحزاب المتناقضة في الآراء لإلهاء الناس عن مراقبة ما يقومون به.(44/33)
ونتج عن ذلك استحكام الفرقة، ونشوء الأحزاب والجماعات المتصارعة، وإفساح المجال واسعاً لكل طامع في تفتيت الأمة، الذين هم كالجسد الواحد؟ إنهم يلهثون لاستعباد عقول الناس بأي ثمن كان، حتى ولو كان تفرقة أهل البيت الواحد ما دام ذلك يحقق لهم مصالحهم، ويجعلهم قادة للقطعان الذين يتبعونهم بغير تدبر ولا روية منخدعين بزخارف أقوال أولئك الذين فسدت فطرهم، وانتكست مفاهيمهم، حتى أصبحوا يرون المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والباطل حقاً، والحق باطلاً.
عقاب من الله لهم لانحرافهم عن النهج الرباني، وعن الصراط المستقيم، والسبيل المبين إلى سبل وشبهات على رأس كل سبيل منها شيطان يدعو إليه كما تقدم بيان المصطفى صلى الله عليه وسلم لهذا المسلك في الحديث الثابت عنه (42) وبالبحث عن أسباب تفرق الأمة الإسلامية، قديماً وحديثاً، يتضح أن أسباباً عديدة عملت مجتمعة على ذلك التفرق بعضها معلن وبعضها خفي، وهذا لا يمنع أنه قد يوجد لكل طائفة من العوامل ما لا توجد عند الطوائف الأخرى، ولهذا فإنه من الإطالة البحث عن الأسباب التي أدت إلى خروج كل طائفة من الطوائف التي يموج بها العالم الإسلامي .
وتفصيل ذلك والتوسع فيه كل طائفة على حدة ودراسة تلك الأسباب والمقارنة بينها وبين الأسباب للطوائف الأخرى فهذا يحتاج إلى دراسة خاصة، تبدأ بذكر ما جرى بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحداث مروراً ببيان الخلاف الحاد الذي أنتجه أمر الخلافة لمن تكون وكيف تمت في عصر الصحابة رضوان الله عليهم، ومواقف الناس منها .
ثم بيان ما حصل من ابن سبأ من مؤامرات ومواقف خبيثة أدت إلى ارتكاب جريمة مروعة في عصر الصحابة؛ وهي قتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه علانية، وما أعقب ذلك من مواجهة حربية بين علي رضي الله عنه وطلحة والزبير ومن معهما في معركة الجمل بتأثير أعداء الله السبيئة.(44/34)
ثم امتداد الفتنة بصورة شاملة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما في معركة صفين، وما نتج عنها بعد ذلك من أمر التحكيم الذي شطر جيش علي رضي الله عنه إلى حزبين متضادين هما: الخوارج والشيعة، وما أحدثه هؤلاء من أفكار نسبوها إلى الدين الإسلامي بعد ذلك.
وتلك الأحداث كانت بمثابة مرض ألمّ بجسم الأمة أفقده الكثير من المناعة؛ فظهرت بوادر أمراض كثيرة فيه، فَبَزَغَ قرن الشيطان عند ذلك وتوالت المصائب وأسباب التفرق المتعددة الأشكال، فظهرت العصبيات البغيضة، والقوميات المتصارعة، والرغبة في السيطرة والزعامة، وتفاوتت المفاهيم فظهرت المذاهب الفكرية للفرق المختلفة، من خوارج، ومعتزلة، وقدرية، ومرجئة، وشيعة...الخ، فأسسوا الآراء التي فرقت المسلمين، وغذوها بالتأويلات الفاسدة اتباعاً لأهوائهم.
وظهر الغلو الممقوت نتيجة لتمجيد كل طائفة لآرائها ولرجالها وقويت الرغبة لدى كل طائفة للاستقلال بأتباعها.
ثم جاء دور التلاعب بالنصوص من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلة الله عليه وسلم، وجرت كل طائفة مفاهيم تلك النصوص إلى ما يوافق ما أسسته من مفاهيم سقيمة وعقائد خاطئة فاختلفوا من بعد ما جاءهم البينات.
ولئن كانت دراسة كل تلك الأمور بالتفصيل والتوسع غير واردة هنا لما قدمناه سابقاً فإنه يمكن الاقتصار والإشارة إلى أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك التفرق الحاصل في العالم الإسلامي بصورة إجمالية عامة، سواء كان ذلك في الزمن القديم أو في الأزمان التي جاءت بعده.
ب- الأسباب العامة:
1- وجود علماء انحرفت عقائدهم، على رأس كل طائفة منهم مردة أسهموا في تثبيت الفرقة بين المسلمين.
2- غلبة الجهل وفشوه بين أوساط المسلمين في مختلف العصور بصفة عامة.
3- عدم فهم النصوص فهماً سليماً ، حتى وإن كانت النيّة ربما تكون حسنة عند البعض منهم.
4- موافقة الخلاف والفرقة لهوى في النفس فأصروا عليه.
5- تدخل سلطان العصبية البغيضة.(44/35)
6- استحكام قوة الحسد في النفوس.
7- الرغبة في إحياء البدع والخرافات، وميل كثير من النفوس إليها.
8- تقديس العقل وتقديمه على النقل.
9- بث الدعايات المنفرة عن الاعتقاد الصحيح الموافق للكتاب والسنة الذي يُمثله السلف الصالح.
10- وجود تأثيرات خارجية.
أما بالنسبة للسبب الأول وهو وجود العلماء الذين انحرفت عقائدهم؛ فمما لا يكاد يجهله طالب العلم أن أكثر العقبات التي تواجه الداعية إلى الله هم هؤلاء الأصناف الذين تمكنوا من استجلاب العامة، وجذبهم إليهم، حتى أصبحوا يقدسونهم، ويرون أن لا علم إلا ما كان لديهم، ولا حق إلا ما سلكوه، وحذروا من الالتقاء معه في أي شيء، ولنا في ضحايا علماء البريلوية، وعلماء الصوفية، وعلماء الباطنية وغيرهم-أمثلة قريبة على تثبيت وإحكام الفرقة بين المسلمين.
ومن الغريب في الأمر أن البينات التي هي أقوى شيء لقطع النزاع، وانتهاء الاختلافات صارت البينات هي التي قام عليها محور الاختلاف كما ذكر الله ذلك في كتابه الكريم، قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(43) ،وقال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}(44).
ومن المعلوم أن أصحاب هذا الاختلاف بعد وجود البينات.. إنما هم علماء السوء الذين يظهرون منها ما يوافقهم ويخفون منها ما لم يتفق وهواهم.
وفتنة هؤلاء من أعظم الفتن حيث أضلوا الناس بغير علم ولا هدى، ومن حيث كان أتباعهم يتوقعون منهم معرفة الحق والوصول إليه، فصار هؤلاء العلماء يحرمون ما يشاءون ويحللون ما يشاءون، ويفتون بما يريدون، ثم جعلوا أتباعهم وراء ستار كثيف من الجهل والنفور عن الآخرين؛ لئلا يكتشف جهلهم.(44/36)
وجرت الرياح بما تشتهي سفنهم ووجدت لهم عوامل كثيرة ساعدتهم وقوَّت من عزائمهم فأبعدوا الهوة بينهم وبين الوصول إلى الحق واجتماع الكلمة عليه، وقد حذرنا من لا ينطق عن الهوى سوء فعل هؤلاء حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين))(45) .
وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم:- ((أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن))(46).
أما بالنسبة للسبب الثاني وهو غلبة الجهل وفشوه بين أوساط عوام المسلمين، فقد مرت بالمسلمين في عصورهم المختلفة فترات حلّ فيها الجهل واستحكمت الخرافات في النفوس محل العلم والاعتقاد الصحيح فضعف نور الإيمان في نفوس هؤلاء، وقلَّ وجود علماء متكاتفين متعاونين على إظهار وقمع الباطل؛ فانتشرت الخرافات وقوي أمر التحزب الباطل والفرقة الممقوتة.
وقد عاب الله تعالى في كتابه الكريم الجهل وأخبر أن سبب ترك الناس لدين الله وتفرقهم فيه إنما هو الجهل.
قال تعالى في شأن موسى وقومه حين وصل بهم الجهل إلى أن طلبوا من موسى أن بنصب لهم إلهاً: {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}(47).
وآيات أخرى كثيرة في القرآن الكريم فيها ذم الجهل والدعوة إلى العلم والمعرفة.
وكذا في السنة النبوية أحاديث كثيرة في ذم الجهل والتحذير من قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضوا وأضلوا))(48) .(44/37)
وقد نشأ عن الجهل الغلو في تعظيم بعض المخلوقين تعظيماً خارجاً عن هدي الإسلام، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- عن نوع من أنواع أسباب الاختلاف بين المسلمين وتفرقهم وهو الغلو.. قال: ((ثم إن الغلو في الأنبياء والصالحين قد وقع في طوائف من ضلاّل المتعبدة والمتصوفة..حتى خالط كثيراً منهم من مذاهب الحلول والاتحاد ما هو أقبح من قول النصارى، أو مثله، أو دونه)).
وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}(49) الآية. وفسره النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه بأنهم: ((أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم)) وكثير من أتباع المستعبدة يطيع بعض المعظمين عنده في كل ما يأمره به، وإن تضمن تحليل حرام، أو تحريم حلال(50).
وقد دخل رجل على ربيعة بن عبد الرحمن فوجده يبكي فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه، فقال له: أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا، ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم.. ثم قال ربيعة في شأن الجهال حين يتزعمون الناس، ويخرجونهم بفتاواهم عن الحق ..قال: ((ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق))(51).
وأما عدم فهم النصوص فهماً سليماً فقد أدى ذلك إلى نتائج سيئة، حيث أخذت كل فرقة تؤول النصوص لصالحها، وتقوية ما تذهب إليه من أفكار وآراء، ومصداق ذلك أنك ترى النص الواحد من الكتاب أو من السنة يفسر بعدة أفكار، متعارضة في بعض الأحيان حسب ما تذهب إليه كل طائفة.
وصار بعضهم يعيب البعض الآخر، وذموا أهل السنة، وسخروا من مفاهيمهم، وفرحوا بما عندهم من تلك التأويلات الملفقة، وصار حال أهل السنة معهم كما قال الشاعر:
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم(44/38)
وكان لهذه المواقف نتائج ظاهرة هي تفرق الأمة الإسلامية وظهورهم طوائف، كل طائفة لا تلوي على أخرى بعد أن تحجرت العقول وجمد كل ذي رأي على رأيه، وقدم فهمه على مفاهيم من هو أفقه منه، واستنكف أن يرجع عما تقرر في ذهنه، وهي قضية طالما وقفت حجر عثرة في طريق الدعوة إلى الإصلاح واجتماع الكلمة قديماً وحديثاً.
وأما موافقة الخلاف لهوى في النفوس فإنه أمر خطير بل هو من أشد الأمور التي تفرق بسببها المسلمون قديماً وحديثاً، وبالاسترسال مع الهوى أقصى العقل وأهملت الشرائع وأخرجت النصوص عن مدلولاتها وقامت البدع وانتشرت الخرافات، بل وسفكت الدماء أحياناً كثيرة، وهو الذي حال بين كثير من البشر وأنبيائهم.
والنصوص من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في ذم الهوى لا تخفى على أي مسلم من عوام المسلمين فضلاً عن طلاب العلم، لقد أخبر الله تعالى أن الهوى أحيانا يحل في بعض النفوس محل الإله فقال تعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}(52).وأخبر تعالى أن الهوى هو الذي حال بين الأنبياء وأممهم، إذ لم يستفيدوا من أنبيائهم لاستكبارهم الذي أملاه عليهم هواهم قال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ }(53).
وآيات أخرى كثيرة في ذم إتباع الهوى وعواقبه الوخيمة.
وفي الحديث عن أنس رضي الله عنه: ((وثلاث مهلكات: هوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه))(54).
وعن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعد ذكره حديث افتراق الأمة:
((وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجاري بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكلب لصاحبه))، وقال عمرو: ((الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله))(55).(44/39)
وأما تدخل سلطان العصبية البغيضة فكان إحدى المعاول الهدامة لوحدة الأمة الإسلامية ؛ حيث غطت على أبصار وقلوب أتباعها فحجبتهم عن النظر إلى الآخرين بعين الأخوة والترابط العام ومحاولة تألف القلوب وجمع الكلمة.
فأخذت كل طائفة تمجد أفكارها، وتتحزب حولها، وتشنع على الآخرين، فكم سفكت بسببها من الدماء وكم خربت من مدن عامرة وكم خرج بسببها عن الدين من بشر، وقديماً قالت ربيعة عن الكذاب مسيلمة: ((كذاب ربيعة خير من صادق مضر)) (56)؛ لأن سلطان العصبية لا عقل عنده، والتعصب كما يقول بعض العلماء: ((ظاهرة ذميمة لا يؤدي إلا إلى التفرقة والتعادي...وثمرة التعصب الاختلاف والفرقة والتباغض)) (57).
وليس هذا فحسب؛ بل إنه المستنقع الخصب لانتشار أوبئة البدع على اختلاف أنواعها، وما تؤدي إليه من تعظيم الآباء والمشايخ، وتقديم أفكارهم على النصوص الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، معرضين عن قول الله عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}(58).
وقال تعالى حاكياً عن حالهم وهم في النار: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا}(59).
وهذه الطاعة الناشئة عن التعصب هي التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال: يا عدي اطرح عنك هذا الوثن وسمعته يقرأ في سورة براءة(60).
قال: (( أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه))(61).
وإذا وصل الحال إلى هذا الحد فكيف تتفق الكلمة وكيف يحصل الاتحاد بين المسلمين وتنتهي الفرقة البغيضة.(44/40)
وأما استحكام قوة الحسد في النفوس. فهذا هو الداء العضال الذي يأكل الأخضر واليابس ويفرق الكلمة ويجعل المسلمين شيعاً وأحزاباً متباغضة،هذا العامل متمم لعامل العصبية البغيضة، وقد ابتلي به كثير من أصحاب النفوس المريضة والقلوب الغافلة؛ حيث أوجد لدى هؤلاء النفور التام والاستكبار الممقوت عن قبول الحق وتجاوز الخلافات التي تحصل بين الناس.
وهؤلاء ماضون على طريقة أول الحاسدين لبني آدم وهو إبليس؛ حيث قال فيما أخبرنا عنه: {قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً}(62) وقوله: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}(63).
إن أول نتائج الحسد استحكام الفرقة بين المسلمين وبغي بعضهم على بعض وظهور العداوة والبغضاء، وغير ذلك من المفاسد التي لا يعلمها إلا الله.
وقد قال نبي الهدى صلى الله عليه وسلم عن هذا النوع من الأدواء المهلكة: ((الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب- أو قال-: العشب)) (64) وفي رواية أخرى ((الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار))(65) الحديث.
وفي التاريخ الإسلامي أمثلة كثيرة على مدى الضرر الذي لحق بوحدة الأمة الإسلامية من جراء الحسد قديماً وحديثاً، فقد ورد عن بعض العلماء أن ما حصل بين ربيعة ومضر في الزمن القديم من العداوة والحروب إنما كان ناشئاً عن الحسد لمضر؛ لمكان النبوة فيهم، ومن هنا قال المأمون فيما يذكر عنه: ((لو خرج اثنان ثائران لكان أحدهما من ربيعة)) (66)، وتقدم قول أهل العصبية السخيفة: ((كذاب ربيعة خير من صادق مضر)).(44/41)
وأما عامل حب البدع والخرافات وميل أكثر النفوس إليها، فمما هو واضح أن الابتداع في الدين وإحياء الأمور البدعية التي ما أنزل الله بها من سلطان، ثم التصميم على تنفيذ تلك البدع –كان من أعظم الأسباب في تفرق كلمة المسلمين ونفور بعضهم من بعض كما أنه كان من أعظم العوامل التي أبعدت الكثير من الناس عن تفهم العقيدة الحنيفية، وأخرجتهم إلى حمأة الجهل والتعلق بالخرافات واعتبارها من الدين.
فكان لحب البدع وإحيائها أكبر الأثر في قيام كثير من الحركات والفرق على امتداد تاريخ الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمننا الحاضر.
وكأن لسان حال هؤلاء يقول لا حاجة بنا إلى الشرع الذي لا يوافق ما نريد فشرعوا لأنفسهم ما شاءوا من الزيادة والنقص في دينهم؛ فاختلط الأمر على كثير من الناس، التفريق بين الشرع الذي جاء به المرسلون وبين التشريع الذي أحدثه أصحاب البدع ورؤوس الفرق، فأصبح التفرق بين المسلمين بعد ذلك نتيجة حتمية؛ فإن النفوس إذا لم تشتغل بالحق اشتغلت بالباطل.
ولم يهتم أصحاب تلك البدع بتفهم ما ورد في القرآن الكريم من الدعوة إلى التزام الشرع الحنيف، والابتعاد عن كل ما يضاد منهج الله وصراطه المستقيم، والتمسك بعه وحده كما قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (67)
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ }(68) كما لم يهتم أولئك بنصح نبيهم لهم وتحذيره إياهم من الوقوع في البدع التي تحيط الأعمال وتسبب لأصحابها الوبال في الدنيا والآخرة.(44/42)
قال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))(69). وقال صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد))(70). وهذا تحذير شديد وترهيب خطير، وأخطر منه أن ضرر صاحب البدعة قد لا يقتصر عليه وحده , فهو يضر نفسه ويضر غيره ، ويتحمل إثم نفسه وإثم غيره ممن تسبب في إغاوئهم، وهو ما يفسره قوله صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً))(71).
وأما عامل تقديس العقل وتقديمه على النقل فإنه سيأتي الكلام عنه إن شاء الله في آخر هذه الدراسة بمزيد من الإيضاح.
واعتبار هذا العامل من الأسباب المفرقة لصفوف المسلمين من الوضوح بمكان، فإن المعتزلة ومن تبعهم حينما قدسوا العقل وقدموه على النقل، واعتبروه المرجع الأول والأخير والحكم الفصل في كل قضايا الدين، فتحوا بهذا الموقف فتنة وتفريق بين المسلمين، لم يستطع أحد إغلاقه إلى يومنا الحاضر.
إن العقل له حدود إذا تجاوزها الشخص خرج عن الحق من حيث يطلبه، سنة الله في خلقه، وصارت نعمة العقل العظيمة آفة في حق صاحبها حين تجاوز حدوده.
ويعود تمجيد العقل وتقديسه إلى ما أحدثته ترجمة الكتب اليونانية وظهور عل الكلام المذموم والفلسفة والمنطق واحتدام الخصام بين الطوائف الإسلامية في تطبيق هذه الأفكار المخالفة للشريعة الإسلامية، وانقسام المسلمين بعد ذلك بين مؤيد ومخالف ومحتال للتوفيق بين هذه الأفكار والشريعة الإسلامية، فازداد الخرق على الواقع، وظهر شر كثير فقيَّض الله من عباده من وقف في طريق هؤلاء وأزال الشبهة(72).(44/43)
وأما بالنسبة لموقف المخالفين للسلف من التهجم عليهم وبث الدعايات الكاذبة عنهم، وإغراء بعض المسلمين بالنفرة عن البعض الآخر؛ فإن موقف السلف كما هو معروف من سلوكهم لا يحبون الغمز واللمز واللغو الباطل وإلصاق التهم بالآخرين ظلماً وعدواناً؛ لأنهم على خلق وأدب إسلامي يمنعهم من ذلك، يتمثلون قول الله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }(73).
بخلاف المواقف الشائنة للمخالفين لهم من أهل الضلال والتفرق الممقوت، فإنهم لا يبالون ما قالوه من السباب وكيل التهم وقذف الألقاب الظالمة عليهم جزافاً، والغرض من كل ذلك هو التنفير عنهم وعن عقيدتهم السلفية، والنتيجة من كل ذلك زيادة إحكام التفرق وتعميقه بين المسلمين.
فمن الأوصاف الظالمة التي أطلقها هؤلاء على أصحاب العقيدة السلفية- وصفهم بالمشبهة والحشوية والمجسمة والنابتة والنواصب، وغير ذلك من الألقاب التي أطلقها هؤلاء على أهل السنة؛ ليتم لهم تنفير الناس عنهم، كما كان الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يطلقون عليه ألقاباً كاذبة، بقصد التنفير عنه فوصفوه بأنه شاعر وكاهن ومجنون وصابئ وساحر، وسموه مذمماً، وهو أفضل الخلق وسيد الأولين والآخرين.
وكبار الفرق الذين بثوا الدعاية السيئة والألقاب الشنيعة على السلف هم الخوارج والمعتزلة والروافض والجهمية والقدرية والأشاعرة والماتريدية والصوفية، وكل طائفة من هذه الطوائف أطلقت ما حلا لها من الألقاب الظالمة على أهل السنة فسموهم مجسمة وحشوية ونابتة ...إلخ.
وفي كل طائفة من هذه الطوائف علماء ومجادلون هم وراء كل تلك التشنيعات.(44/44)
وما أبعد هؤلاء عن امتثال قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(74).
((إن كل فرقة من تلك الفرق قد ألبست الحق بالباطل فأخرجت للناس بدعها وضلالها تحت لافتات إسلامية، وفي قوالب إسلامية، ليغتر بها العامة فيتبعوهم معتقدين أنهم على الكتاب والسنة مقيمون، ولمذهب السلف الصالح متبعون))(75).
وأما ما قيل عن وجود تأثيرات خارجية أسهمت هي الأخرى في تفرق كلمة المسلمين فقد وقع ذلك بالفعل. وهذه التأثيرات تكمن في الأمور التالية:
(أ) في اختلاط المسلمين بغيرهم، ودخول غير المسلمين في الإسلام، وإصرارهم- متعمدين وغير متعمدين- على التمسك ببعض الأفكار التي كانوا عليها قبل دخلوهم في الإسلام، ومحاولتهم تغطية تلك الأفكار بغطاء إسلامي، على طريقتهم الخاصة؛ فنتج عن ذلك نشوة جماعات تتمسك به وتعادي من يخالفها، وبالتالي تكونت هذه الجماعات في شكل فرق إسلامية فيما بعد.
(ب) وجود حركة ثقافية، وترجمات لكتب عديدة تحتوي على أمور جديدة غريبة أخذت حيزاً من تفكير المسلمين، وتنمية الخلاف بينهم قديما كما فعله المأمون، وحديثاً هذه الحركة القوية لترجمة كتب الملاحدة والماديين.
(ج) تأثر بعض المسلمين بغيرهم من أهل الديانات السابقة بعد أن عايشوهم، كما ظهر ذلك في بعض المعتقدات التي تبنتها جماعات تدعي الإسلام، وكان أساس تلك المعتقدات إما فارسي، وإما هندي، وإما نصراني، وإما يهودي تأثر بهم المسلمون بحكم الاختلاط والتقارب.(44/45)
(د) وأيضاً ما قد يواجهه المسلمون من ضغوط ينتج عنها – على الزمن البعيد- جيل من المسلمين ينظر إلى تلك الأمور على أنها حقائق وعقيدة صحيحة للآباء والأجداد. ومن هنا ينشأ المزيد من التفرق بين المسلمين.
(هـ) دخول كثير من الناس في الإسلام ظاهراً، وهم يبيتون النية لهدمه وزعزعته في صدور أهله! وأكثر هذا الصنف هم اليهود والنصارى. وقد ظهر تأثير هؤلاء على المسلمين بوضوح في آراء كثير من الفرق التي تنتمي إلى الإسلام مثل آراء الروافض الغلاة والجهمية والمعتزلة والنصيرية، وغير هؤلاء ممن ظهرت الأفكار الأجنبية واضحة في معتقداتهم، وقد نبه علماء الإسلام على هذه القضية وأولوها عنايتهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن تأثير المسلمين بغيرهم من الأمم خصوصاً فارس والروم: ((وأما مشابهة فارس والروم فقد دخل منه في هذه الأمم من الآثار الرومية قولاً وعملاً، والآثار الفارسية قولا وعملا ما لا خفاء فيه على مؤمن عليم بدين الإسلام وبما حدث فيه))(76).
ويقول ابن حزم رحمه الله: (( والأصل في أكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الإسلام؛ أن الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم وجلالة الخطر في أنفسهم، حتى إنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء (77) ، وكانوا يعدُّون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب- وكانت العرب أقل الأمم عند الفرس خطراً- تعاظمهم الأمر وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام))(78) إلى آخر ما ذكر من مشاهير أولئك القوم وحيلهم في إخراج المسلمين عن دينهم.(44/46)
ويقول طارق عبد الحكيم: ((وبعد أن تم الفتح الإسلامي لبلاد فارس، ودخل الفرس في دين الله أفواجاً، ولكن -بطبيعة الحال- لم يكن من السهل أن يعرف كل الفرس المسلمون الإسلام كما أراده الله عز وجل، فالأعداد المسلمة غفيرة، والعادات والأديان والأفكار القديمة متأصلة في النفوس، فكان أن ترعرعت نبتة الرفض البغيضة في تلك البلاد(79) ، واستمدت أفكارها الرئيسية بشأن الإمام المعصوم، وآل بيته مما رسخ في الأذهان من قديم)).
وهو يشير هنا إلى ما قاله ضياء الدين الريس عن الفرس الذين دخلوا في الإسلام وأذهانهم مملوءة بمذاهبهم القديمة وحضارتهم البائدة..فقال: ((والفارسي لم يكن يستطيع أن يتصور أن يوجد خليفة بالانتخاب، وإنما المبدأ الوحيد الذي يمكن أن يفهمه هو مبدأ الوراثة..وليس من المبالغة إذا في شيء أن يقال: إن البيت النبوي وقد مثله ((أل عليّ)) قد حلَّ في قلوب هؤلاء الفرس واعتبارهم محل بيت ((آل ساسان))(80).
وعن تأثر المسلمين بالفكر اليوناني قال طارق عبد الحكيم: ((زعم أن الأثر اليوناني قد ظهر كأشد ما يكون في فكر من يسمون بفلاسفة الإسلام(81) كالفارابي وابن سينا، وفي فكر المعتزلة - إلا أنه قد أثر في مناهج الفكر بشكل عام عند بقية الفرق، بل وعند بعض علماء أهل السنة الذين دافعوا عن علم الكلام الذي استقوه من المنهج المنطقي اليوناني، وقد تجلى ذلك في كتابات أئمة الأشاعرة))(82).
وعن تأثرهم بالأفكار الهندية قال: ((وقد كان من أهم ما أثر به فكر الهنود في الفرق المبتدعة في الإسلام هي فكرة ((التناسخ))، فقد نشأت عدة فرق تقول بهذه الفكرة منها والسبئية من الروافض، كذلك تأثرت الصوفية بالهندوكية.
إلى أن قال: ((ومن الفرق التي تأثرت بالتناسخ النصيرية والدروز الذين يعتقدون أن مرتكبي الآثام يعودون إلى الدنيا يهوداً أو نصارى أو مسلمين سنيين))(83).
وسيتضح كل ذلك إن شاء الله عند دراستنا لهذه الفرق.(44/47)
أما أثر اليهودية في المسلمين فإنه يظهر من خلال شخصية عبد الله بن سبأ، والأحداث التي افتعلها، والأفكار التي روَّجها من القول بالرجعة والوصية وغيرها من الأفكار التي اخترعها.
ومن خلال شخصية لبيد بن الأعصم الذي كان يقول بخلق التوراة، فأخذ ذلك عنه ختنه طالوت، وأخذ عن طالوت أبان بن سمعان، وعنه الجعد بن درهم، ثم الجهم بن صفوان، ثم بشر المريسي الذي كان أصله يهودياً.
وكذا تأثير اليهود فيمن أخذ عنهم فكرة القول بالبداء على الله تعالى، وهي فكرة يهودية كفكرة الرجعة.
وعن تأثر المسلمين بالنصرانية يقول: ((فمن المفاهيم النصرانية التي تسربت إلى عقول طوائف من المسلمين، وأدى بهم إلى الصوفية هي نظرة النصارى إلى الدنيا، واحتقارهم الكامل لها في ظاهر الأمر)).
كذلك كان للمفاهيم النصرانية عن اللاهوت والناسوت والاتحاد بينهما أثر في تنمية وتشكيل مبدأ الحلول والاتحاد، الذي قال به متأخرو الصوفية كالحلاج وابن سبعين وابن عربي.
كذلك مفهوم الولاية بالمعنى الصوفي فإنها مذهب نصراني(84).
وأخيراً أقول بأن كلام العلماء حول قضية تأثر بعض المسلمين بالمفاهيم والحضارات الأخرى كثير، وإنما الغرض والتنبيه على وجود هذا الداء بين صفوف المسلمين بعد أن تراخت قبضتهم على دينهم بفعل تلك العوامل الكثيرة.
وسبب هذا التأثر هو أن الأفكار تتغلغل في النفوس وتنتشر، ثم تستحكم في أصحابها حين تجد عقولاً مفلسة وقلوباً غافلة، فتتمكن حينئذ- على حد ما قاله أحد الشعراء عن الهوى-:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا
وهذا البعض من المسلمين إنما أوقعه في مثل هذه المزالق- بعده عن العلم وعن أهل العلم، ومثل هؤلاء إنما هم سهم الصائد الأول. ومن هنا نجد أن تلك الأفكار الخاطئة إنما تنشأ في المجتمعات الجاهلة لعدم وجود حصانة ضدها لديهم، ولجهل تلك المجتمعات أيضاً أسباب لا تخفى على طالب العلم.(44/48)
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الأول
تمهيد
حول دراسة هذه الطائفة
من المعروف أن طلاب العلم خصوصاً في هذه المرحلة – الماجستير – عندهم إلمام جيد عن هذه الفرقة إلا أنه قد يكون عند البعض إلمام غير مرتب في دراسة خاصة ومتوالية ومتسعة للنقاش والمداولة في فصل الدراسة ومن هنا حصلت القناعة أنه يجب أن تكون دراسة هذه الطائفة ضمن منهج السنة المنهجية لدارسي مرحلة الماجستير وأن تكون بمثابة التصفية النهائية في دراستهم عن أهل السنة من حيث طرح اعتقاد أهل السنة بوضوح دراسة ومناقشة واستنتاجات شفهية داخل الفصل من جميع الجوانب التي يحتاج إليها المسلم داعية أو مدرساً أو غير ذلك والباحث كلما تعمق في دراسة عقيدة أهل السلف كلما ازداد علماً ومعرفة ومن أراد العلم النافع فعليه ببذل الجهد فيها وفهمها.
وأعتقد أنه من نافلة القول أن عقيدة السلف ما كانت في يوم من الأيام مشتملة على غموض أو اضطراب يحتاج إلى توضيح ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان من ظهور علماء السوء الذين أحاطوا كثيراً من التعاليم الإسلامية بشبهاتهم التي ورثوها عن مختلف الفلسفات ثم أضرموا الخلاف فيها وقلبوا الأمور حتى ظهرت أنها في حاجة إلى الدراسة والبيان إذ فوجئ السلف بالأمر الواقع فاحتاجوا إلى البيان والجدل وضرب الأمثلة لإعادة المسلمين إلى نبع العقيدة الصافي وأخذ هذا المنحى جهداً ووقتاً كان الأولى أن يستغل في غيره لولا تلك الفتنة الهوجاء التي شوشت أفكار كثير من المسلمين وبعد أن أدرجت هذه الطائفة ضمن مقرر أهل السنة المنهجية بالدراسات العليا وأسند إلى تدريسها رغبت أن أثبتها ضمن ما سبق طباعته من المقررات في كتاب فرق معاصرة قصد الفائدة إن شاء الله تعالى فإليك أخي القارئ خلاصة تلك المناقشات والدراسة بإيجاز. أرجو أن تجد فيها ضالتك عن حقيقة فهم مذهب السلف إن شاء الله.
الفصل الثاني
الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة(44/49)
مما لا ريب فيه أن المسلمين عموماً تطبق عليهم خطط وتنفذ فيهم مؤامرات قد أحكم حبكها ولا أظن القارئ في حاجة إلى ضرب الأمثلة على هذا الواقع فإن كل شيء يشهد بذلك من الاستعمار الفعلي إلى الاستعمار الفكري إلى التفرق الحاصل بين المسلمين في نظرتهم إلى الأخوة فيما بينهم وإلى ولاءاتهم المختلفة بل المتناقضة وإلى الطوق الغليظ الذي وضعوه في أعناقهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون وهنا أعتذر للقارئ الكريم عن المتابعة والاستفاضة في دراسة جوانب التأثير الذميم النازل بأحوال المسلمين عموماً فقد كتب المصلحون والناصحون والمفكرون ما يشفي ويكفي لو كان السامعون أحياء القلوب إلا أن أكثرهم أصبحوا كما قال الشاعر :
لقد أسمعت لو ناديت حياً *** ولكن لا حياة لمن تنادي
وتحقق ما نسب إلى الشافعي رحمه الله في قوله :
نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا
نعم أعتذر عن الاسترسال في الكتابة عن هذا المجال فإن حديثه ذو شجون وأحداثه تكاد أن تتكلم عن نفسها فالخطب جسيم والحمل عظيم وإذا لم يفق المسلمون اليوم فإن قوارع الدهر وسنن الله في خلقه ستوقظهم عاجلاً أم آجلاً ولنتحسر مع القائل :
أمرتهمو أمري بمنعرج اللوى فلم *** يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
نترك الكلام عن أحوال المسلمين وفرقهم وأحزابهم المتناحرة وولاءاتهم المتناقضة والإهانات التي تواجههم في كل مكان وفي كل يوم على أيدي أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وسائر ملل الكفر والضلال الذين تداعوا على المسلمين كما تتداعى الأكلة على قصعتها كما أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.(44/50)
نترك هذا كله لنتجه بالنصيحة إلى البقية والصفوة من المسلمين الذين بقوا قابضين على مفاهيم كتاب ربهم وسنة نبيهم إلى الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم سيبقون ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله مهما كانت قلتهم ومهما كانت حالهم الذين أدركوا أنهم تتهددهم في دينهم وفي دنياهم بل وفي وجودهم أخطار كثيرة تتطلب جمع الكلمة وصدق المؤازرة ونشر النصيحة صافية نقية في جميع الجوانب وهي كثيرة الجوانب جداً وما لا يدرك كله لا يترك كله فعسى أن يكون في التذكير بها فتح باب خير وعودة وثبات إذ من السهولة العودة إلى ما كان عليه المسلمون في ماضيهم من العزة والمنعة حين تكون النيات خالصة والقلوب متوجهة بصدق ومن تلك الأخطار التي بقيت للمسلمين ما أشير إليه هنا بإيجاز سريع.
1- محاربة المسلمين في تمسكهم بكتاب ربهم تعالى.
2- محاربة المسلمين في تمسكهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
3- محاولة دق إسفين بين الكتاب والسنة وذلك بدعواهم أنه يجب الأخذ فقط بالقرآن الكريم دون السنة النبوية.
4- بتشكيكهم في صلاحية تعاليم ديننا الإسلامي في هذا العصر بزعمهم.
5- بث الدعايات ضد أهل السنة وتشويه ما هم عليه من المعتقدات الصحيحة.
6- محاربتهم عن طريق تمجيد العقل وتقديسه وجعله مصدر التشريع.
7- محاربتهم عن طريق التأويلات الفاسدة للنصوص لإبعادهم عن مدلولاتها.
8- محاربتهم عن طريق الحرب النفسية وإدخال اليأس والوهن في قلوبهم.
9- محاربتهم عن طريق تقوية بعضهم على بعض ليضربوا عصفورين بحجر :
أ- إضعافهم مادياً وبشرياً.
ب- دوام حاجتهم إليهم.
10- إحياء البدع على أعلى المستويات بل ومحاولة إخضاع أهل الحق لها بالترهيب والترغيب.(44/51)
11- محاولة حصر مفهوم الإسلام وتعاليمه في القيام بالعبادة فقط دون أن يكون له أي شأن في حياة الناس وسلوكهم وسموه في الجانب الروحي حتى ظن كثير من الناس أن أهل السنة والمتمسكين بالدين لا يعرفون ما وراء المسجد شيئاً عن الحياة.
12- إشغال أهل الحق بفتن مختلفة ونظريات باطلة بقصد صرفهم عن التوجه إلى نقد المخالفين أو بقصد إشغالهم بالردود عليها.
13- إشغالهم بدعوات التجديد في الدين أي بإحداث البدع وإحداث أمور في الشريعة الإسلامية ما أنزل الله بها من سلطان خصوصاً وهذه الدعوات تصدر عن أناس يجهلون كثيراً من أحكام الشريعة وحكمها.(44/52)
14- تأييد كل الدعوات الهدامة والمبادئ المنحرفة كدعوى النبوة ونسخ الشريعة الإسلامية بها مع أنها قضية معلومة من الدين بالضرورة لا يجعلها مسلم سليم الفطرة والعقل وأوتي ولو يسيراً من العلم فإن ختم النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثبتت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية قال الله تعالى : {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}(79) وفي أحاديث كثيرة يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه آخر الأنبياء لا نبي بعده ومن ادعاها فهو كاذب مفترٍ على الله تعالى وثبت هذا في قلب كل مسلم فجاء أهل الباطل بتأويلاتهم الفاسدة للنصوص وأفرغوها من مدلولاتها الحقيقية وألبسوها معاني زور هي منها براء كزعمهم أن خاتم بمعنى أفضل أو خاتم الأنبياء المشرعين أو أن خاتم بمعنى زينة كزينة الختم في الورق، لقد أفرغوا معنى ختم النبوة من معناه فذهبوا يدعون أنهم أنبياء وأنه يجب على كل مسلم أن يؤمن بهم بعد أن شنعوا على أهل السنة والجماعة وكفروهم لعدم انسياقهم مع هذه الضلالات المعلوم بطلانها من دين الإسلام بالضرورة وشغل أهل السنة بمقارعتهم والردود عليهم وذهبت أوقات وجهود كان ينبغي أن تستغل لرفع راية الإسلام خفاقة لو لا تكالب أعداء الإسلام ومخططاتهم الخطيرة ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(80) وما حفظه الله فإنه لا يستطيع أحد أن يضيعه.(44/53)
ثم وضعوا أمام أهل السنة عراقيل كثيرة في حرب ضروس معهم تمثلت من ضمن ما تمثلت فيه بث الفرقة وقيام الأحزاب التي قامت على الهوى والأنانيات البغيضة غير ملتفتين إلى النصوص المتظافرة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام بالتحذير من هذه المسالك التي يعج بها العالم اليوم خصوصاً العالم الإسلامي الذين لا يريدون أن يتعظوا بغيرهم بل يريدون أن يكونوا هم العظة وهو ما حصل بالفعل حينما اتبعوا سنن من كان قبلهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو فكر أولئك في دخول جحر الضب لوجد من بعض المسلمين اليوم من يريد ذلك وهذا يدل على الانهزامية الكاملة والانبهار بما عند الغرب أو الشرق من مغريات الحياة الدنيا التي يعلمون ظاهراً منها وهم عن الآخرة هم غافلون مصداقاً لما أخبر الله به من أنه سيريهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يعلموا أنه الحق وأن ما هم عليه إنما هو ابتلاء وإقامة للحجة عليهم وإلا فليسوا أقرب إلى رضاء الله من خلّص المؤمنين الذين لا يملكون تلك المادة التي يملكها أعداء الإسلام مع أن الواقع يشهد بما عليه حال أهل السنة من ارتفاع الكلمة والعزة حتى بين أظهر أعداء الإسلام فإن مساجدهم عامرة وشعائرهم قائمة قد حفظ الله بهم دينه وأعلى بهم كلمته وذلك بدون شك أنه بسبب تمسكهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم وسيرهم على ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وهو الطريق الذي يأمن سالكه من التفرقة في السبل المتشابهة الكثيرة المؤدية إلى الضياع والهلاك والتمسك بهدى الصحابة رضوان الله عليهم أولئك الذين امتازوا بالذكاء ورجاحة العقل والأخذ من فم النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يسمع منه مهما كان صلاحه ورجاحة عقله أولئك هم الجماعة وهم الذين بشرهم نبيهم بأنهم ومن يتبعهم سيبقون ظاهرين على الحق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وإذا كانت دراستنا ومناقشاتنا في هذه القاعة تخص فريقاً من أكرم الناس وهم أهل السنة والجماعة(44/54)
فلنبدأ بالتعريف بهم وإجلاء حقيقتهم وحقيقة مبادئهم والأدلة على ذلك.
* * * * * * * * * * * * *
الفصل الثالث
عقيدة فرقة أهل السنة والجماعة
لقد ألف العلماء في بيان العقيدة السلفية المؤلفات الواسعة ملئت بها المكتبات الإسلامية بين مطولات ومتوسطات ومختصرات مطبوعات ومخطوطات.
ومن العجيب أنه على كثرة ما كتب في ذلك فلا يزال الكثير من الناس يجهلون عقيدة هذه الطائفة ويجهلون كثيراً من مبادئها لأسباب كثيرة حسب ما يظهر لي :
1- بسب انصراف الناس عن مدارستها بجد.
2- لعدم وجود من يقدمها للناس في أماكن تجمعاتهم وبالصورة المرضية.
3- لقوة الدعايات ضد السلف وضد كتبهم.
4- لعدم تمكينهم وتمكين كتبهم من الانتشار في كثير من بلدان المسلمين لوقوف أعداء السلفية ضدها.
ومهما وصل الشخص في علمه بها فإنه دائماً في حاجة إلى تجديد معلوماته ولهذا كلما قرأ الشخص عنها وفي كتب أصحابها ازداد معرفة واكتسب علماً جديداً وربما يعود هذا إلى كثرة ما كتب عنها وكثرة الأساليب المستخدمة في الكتابة عنها وسعة مفاهيم كتابها وكثرة ردودهم على أهل الباطل المناوئين لهم ودحض كل شبهة توجه لهم ولهذا فإن أهل السنة وعلومهم مثل الجداول وينابيع المياه العذبة متجددة على الدوام ولنا في شهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أكبر شاهد ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
كما أن فرقة السلف
أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية
والطائفة المنصورة
وهم خير الفرق وأزكاها ولا تقارن بهم أي فرقة أخرى مهما بلغت في انتسابها إلى الكتاب والسنة.(44/55)
فقد اتضح منهاجهم القويم وشهد لهم النبي العظيم صلى الله عليه وسلم بأنهم على الحق والهدى وأنه لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على الحق وهي فرقة قائمة بذاتها لا تعلق لها بالفرق الأخرى وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وإنما نذكر ههنا في هذه العجالة على حد ما قيل (وبضدها تتميز الأشياء) كما أن معرفة هذه الطائفة وفهم مبادئها حق الفهم هو العلم والخير كله وبهذه المعرفة يستطيع المسلم الدفاع عن دينه ومبادئه ورد شبهات المبطلين وتفنيدها.
فإن من حق معرفة طريقة السلف أهل السنة والجماعة فقد أمن العثار وسار في طري الأبرار.
ولقد كنت في بداية تدريسي لهذه المادة أرى أنه يجب أن يرفع قدر أهل السنة أن يدرسوا ضمن الفرق الأخرى المنحرفة لأنهم هم الأساس وهم الدعامة القوية لحفظ السنة وليس فرقة طارئة كسائر الفرق ولكن حصلت القناعة بعد ذلك لإبرازها بالدراسة فقد ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظ فرقة وطائفة ولا يضيرهم أن يذكروا مع ذكر الفرق المخالفة للحق بل إن ذكرهم يعتبر من إقامة الحجة على كل مخالف.
* * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الرابع
أسماء هذه الطائفة وألقابهم
1- الألقاب الصحيحة
أطلقت على أهل السنة أسماء وألقاب صحيحة تدل على حالهم وتطابق معتقداتهم هي كالرحيق بالنسبة لكل مؤمن صحيح العقيدة وكالشجى في حلق كل مبتدع مخرف وهي أسماء مشرقة أخذت من أوصافهم التي وردت على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن أحوالهم وسلوكهم.
فمن شكك فيها أو ردها فإنما ذلك لمرض في قلبه وعقيدة باطلة في نفسه كما هو شأن أهل الباطل في مقاومتهم دائماً للحق وأهله والتشنيع عليهم وذكرهم بالألقاب والأسماء المنفرة الكاذبة.
وأسماء السلف الصحيحة التي أطلقت عليهم هي :
1- أهل السنة والجماعة.(44/56)
2- السلف الصالح.
3- الفرقة الناجية.
4- أهل الحديث والسنة.
5- أهل الأثر.
6- الطائفة المنصورة.
وفي ما يلي بيان هذه الأسماء وبيان أحقية السلف بإطلاقها عليهم.
1- أهل السنة والجماعة
أ – التعريف بأهل السنة :
1- معنى السنة في اللغة هي الطريقة أو الطرق الواضحة والسلوك الطيب قال الجوهري : "السنن الطريقة يقال استقام فلان على سنن واحدة" أي على طريقة واحدة.
وقال ابن الأثير مبيّناً المعنى اللغوي ومتعرضاً كذلك للمعنى الاصطلاحي في مادة "سنن" "قد تكرر في الحديث ذكر السنة وما تصرف منها والأصل فيها الطريقة والسيرة وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً مما لم ينطق به الكتاب العزيز ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة أي القرآن والحديث".
وبما ذكر وغيره يتضح أن معنى السنة في اللغة هي الطريقة أو الطريق وقد ورد في الحديث ما يؤيد ما سبق في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث وفد مضر "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
وقد دل الحديث على أن السنة تنقسم إلى قسمين إما أن تكون سنة حسنة أو تكون سنة سيئة ولكل واحدة جزاؤها العادل.
2 – معناها في الاصطلاح :
تطلق تسمية السنة على كل ما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته ويطلق على المتمسكين بها أهل السنة وهي تسمية مدح لهم كما يطلق على المخالفين لها أهل البدعة تسمية ذم لهم.(44/57)
ومن كرامة الله لأهل السنة هدايته لهم إلى الانتساب إليها دون غيرها كما هو حال أهل الطرق البدعية فلم ينتسبوا إلى رأي ولا إلى شخص ولا إلى بلد أو قوم أو غير ذلك وهي مزية فيهم قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أما أهل الطرق البدعية فما أكثر انتسابهم إلى مشائخهم أو آرائهم أو بلداتهم وغير ذلك.
ولهذا تجد أن الكثير من تلك التسميات والآراء لهم بل والأشخاص المتزعمين لهم يضمحلون ويندثرون مهما بلغوا من القوة والتمكين ومهما تطول بهم المدة قال الراغب "سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يتحراها" ومن الملاحظ أنه مع اتفاق كل المسلمين على هذا المفهوم للسنة فقد وقع بعض التفاوت في مفاهيم علماء كل فن. فالسنة عند المحدثين هي "ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو سيرة سواءً أكان قبل البعثة أو بعدها" بينما هي عند العلماء الذين يتتبعون الأحكام الشرعية العامة كالأصوليين يقتصرون في التعريف بها على أنها "ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير" وكالفقهاء الذين يبحثون عن حكم الشرع في أفعال المكلفين من حيث الوجوب أو عدمه حيث فسروا السنة بأنها خلاف الواجب أي ما يثاب العبد على فعله ولا يعاقب على تركه كفعل المستحبات أو تركها.
ويتحصل من أقوال العلماء أن المراد بالسنة عند الإطلاق ما يلي :
1- يراد بها كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
2- يراد بها الحديث النبوي.
3- يراد بها العقيدة.
4- يراد بها التمسك بالكتاب والسنة وهدى الصحابة في كل الأمور سواء أكانت في الأمور الاعتقادية أو أمور العبادات.
5- يراد بها ما يقابل البدع وأهل هذا القول – السلف – يفرقون بين السنة والحديث لأن السنة ما يقابل البدعة والحديث ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد يكون الرجل محدثاً ولكنه ليس بسني.(44/58)
ويفهم من هذه الإطلاقات عموماً أن السنة يراد بها ما كان في أمر الدين بدليل قوله تعالى في الحث على التمسك بكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" .
وقوله تعالى : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(81) وغير ذلك من الآيات وبدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : "فعليكم بسنتي" وقوله صلى الله عليه وسلم :"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"وقد أطلق على السلف أهل السنة لتمسكهم بها منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن تبعهم بإحسان والقرآن الكريم والسنة النبوية في مجال الاعتقاد والاستدلال لا فرق بينهما في وجوب العمل والتمسك بهما فهما وحيان إلا أن السنة النبوية صدرت على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم من كلام الله عزّ وجلّ وهذا هو اعتقاد أهل السنة كلهم المتمسكون بها حقيقة عدا من انحرف عنها من الطوائف التي تنتسب إلى الإسلام (82).
ب - معنى الجماعة :
تطلق الجماعة على الطائفة أو الفرق أو الأمة الذين يرتبطون بمنهج واحد وهدف واحد ولم يتفرقوا في الاعتقاد والسلوك وتطلق تسمية أهل السنة والجماعة – وهو المراد – على السلف الصالح من الصحابة وأتباعهم إلى يوم الدين كما تقدم – وأطلقها بعضهم على أهل الحديث ولا ريب أن اقتران اسم أهل السنة بالجماعة يفيد مزية خاصة لأهل السنة إذ هم الجماعة التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على الانضمام إليهم والسير في منهجهم حينما أخبر عليه الصلاة والسلام عن هلاك الطوائف إلا واحدة وهي الجماعة وهذا هو الحق والاعتقاد مهما كان من الخلاف وإنما نذكر الخلاف فيما يلي تتمة للبيان .
الخلاف في المراد بالجماعة هذه(44/59)
1- قيل الجماعة هم السواد الأعظم واختلف في المقصود بالسواد الأعظم فقيل هم كثرة الناس وهذا مردود فلا يلزم أن تكون الجماعة التي معها الحق هم الكثرة دائماً والله تعالى يقول : {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ }(83) خصوصاً إذا فهم من السواد الأعظم العوام وغيرهم.
وقيل السواد الأعظم هم العلماء العاملون بالحق المتبعون للسنة حتى لو كان عالماً واحداً وقوّى هذا القول كثير من العلماء فقد قيل :"وواحد كالأنف إن أمر عني".
1- أنهم العلماء المجتهدون في كل عصر إلا أنه يرد على هذا أنه ضيق موسعاً باشتراط الوصول لرتبة الاجتهاد ثم إنه تعريف غير جامع ولا مانع فإن كل فن له علماؤه المجتهدون فيه وعلماء السلف يدخلون دخولاً أولياً في عداد أهل السنة والجماعة الممدوحة.
2- أنهم خصوص الصحابة رضوان الله عليهم ولكنه قول غير راجح مع دخول الصحابة دخولاً أولياً في الجماعة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحكم على المسلمين بالهلاك ما عدا الصحابة فقط ولقوله : "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
3- أنهم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير واحد وجب على الجميع طاعته إلا أنه يرد على هذا القول أن الحديث لم يرد في باب الإمارة وشأنها وإنما ورد في التحذير من التفرق.
4- أنهم جماعة على الحق أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم بتلك الصفات دون تعيين لأسمائهم وبلدانهم(84) وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
وهذا هو الذي يترجح – والله أعلم – ولأهل السنة والجماعة نصيب من صحة تلك الأقوال كلها.
2 – السلف
التعريف بالسلف في اللغة وفي الاصطلاح(44/60)
أ – في اللغة : "يقال سلف الرجل آباؤه المتقدمون والجمع أسلاف وسلاف"(85) وقد استدل الراغب لمجيء(86) السلف على المتقدم بقوله تعالى : { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ }(87)وقوله تعالى : {فَلَهُ مَا سَلَفَ}(88) وقوله تعالى : {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}(89) .
وقال ابن منظور ابن منظور : "قيل سلف الإنسان من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين السلف الصالح"(90) .
وهذا التعريف اللغوي للسلف عام يشمل كل من سبق وتقدم على غيره وهو دون المعنى الاصطلاحي للسلف في المفهوم الحقيقي لهم.
والسلف الصالح قد تقدمونا وهم قدوتنا ولهذا فلا منافاة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي من تلك الناحية إلا من حيث الخصوص والعموم كما سيتضح هذا عند ذكر التعريف الاصطلاحي لهم فيما يلي :
ب – التعريف الاصطلاحي : اختلف العلماء في المفهوم من إطلاق تسمية السلف على من تطلق وفي أي زمن أطلقت وهل هذا الوصف باق يصح الانتساب إليه أم لا؟
1- ذهب المحققون من أهل العلم إلى أن مفهوم السلف عند الإطلاق يراد به الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان وأتباع التابعين من أهل القرون الثلاثة الوارد ذكرهم في الحديث ومن سلك سبيلهم من الخلف وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله ومن قال بقوله ويظهر هذا في قوله : "مذهب أهل الحديث وهم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف"(91) إلى آخر كلامه ولفظة أهل الحديث الواردة في كلام شيخ الإسلام يقصد بها عامة من يتمسك بالسنة النبوية وليس المراد ما تعارف عليه الناس اليوم في التخصصات العلمية بدليل قوله في معرض ثنائه على أئمة الحديث :(44/61)
"وإذا كان الأمر كذلك فأعلم الناس بذلك أخصهم بالرسول وأعلمهم بأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته ومدخله ومخرجه وباطنه وظاهره وأعلمهم بأصحابه وسيرته وأيامه وأعظمهم بحثاً عن ذلك وعن نقلته وأعظمهم تديناً به وإتباعاً له واقتداء به وهؤلاء هم أهل السنة والحديث حفظاً له ومعرفة بصحيحه وسقيمه وفقهاً فيه وفهماً يؤتيه الله إياه في معانيه وإيماناً وتصديقاً وطاعة وانقياداً واقتداءاً وإتباعاً مع ما يقترن بذلك من قوة عقلهم وقياسهم ورأياً وأصدق الناس رؤياً وكشفاً".
إلى أن يقول : "ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته بل نعني بهم كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهراً وباطناً واتباعه باطناً وظاهراً وكذلك أهل القرآن وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث والبحث عنهما وعن معانيهما والعمل بما علموه من موجبها ففقهاء الحديث أخبر بالرسول من فقهاء غيرهم"(92) .
وفي هذا البيان الطيب يتضح أن أهل الحديث هم الذين يعلمونه ويعملون به أما من علمه ولم يعمل به فإنه ليس منهم بل لا فرق بينه وبين أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم ممن برزت جهودهم في خدمة الحديث وأصحاب المعجم المفهرس أقوى مثال وهم بخلاف أهل الحديث مع كثرة ما دونوه لتتم حجة الله عليهم.
2- وهناك من خصص لفظ السلف عند الإطلاق بالصحابة فقط.
3- ومنهم من خص لفظ السلف بالصحابة ومن تبعهم دون غيرهم.
4- ومنهم من خص السلف بالقرون الثلاثة فقط.
ويتضح من هذه التعريفات أنه لا خلاف بين أحد من المسلمين أن الصحابة هم السلف الصالح الأخيار الأبرار وأن أفضل الناس بعد الصحابة هم التابعون لهم بإحسان ثم أتباع التابعين ثم من سار على نهج الجميع دون تقييد بزمن.(44/62)
وأما من خص السلف فقط بالصحابة أو التابعين أو أتباعهم فقط أو صهم بزمن محدد فهو استحسان منه واجتهاد وليس له دليل فإن السلف ليسوا جماعة بخصوصهم أو في زمن بخصوصه وإنما السلف هم المتمسكون بالكتاب والسنة فإن المدار عليهما والعبرة بهما ولا ريب أن الصحابة لهم القدح المعلى في هذه النسبة لملازمتهم النبي صلى الله عليه وسلم وجودة أفهامهم وذكائهم ولهذا كان ما عملوا به حجة يجب العمل به وما تركوه يجب تركه بخلاف غيرهم بعد القرون الثلاثة وإن كان وصف السلف يشملهم بسبب تمسكهم بالشرع الشريف مع تفوق الصحابة عليهم بالفضل والأسبقية(93) .
السلف والسلفية
وبيان صحة الوصف وجواز الانتساب والاعتزاء إليه والرد على ما أنكر ذلك لم يكن هذا الوصف مجرد لقب أو اسم أو ظهر صدفة على ألسنة الناس. لم يكن كذلك ولكنه نشأ عن أساس ثابت كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها لقد نشأ الاسم عن سلوك عميق لما كان عليه الصحابة ومن بعدهم بإحسان فاستحقوا هذا الاسم نتيجة عمل واقتداء والتزام بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
ولا ريب أن من اتصف بهذا الوصف يستحق أن ينتسب إلى السلفية أو سلف هذه الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
ولا اعتبار لنبز أصحاب الأهواء والبدع وتزهيدهم عن هذه الفرقة الناجية ومن أراد أن يقف على الحق فليقرأ سيرة هذه الجماعة وليقف على البلاء الذي تحملوه في سبيل الدفاع عنها لتبقى جوهرة مكنونة صافية نقية.
وفي تاريخ الإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية ومن جاء بعدهم من تلامذتهم وأتباعهم إلى يومنا الحاضر خير شاهد على استحقاق هؤلاء لهذا الاسم السلفية وعلى غبطة الانتساب إليهم الذي هو في النهاية انتساب إلى الإسلام الذي رضيه الله تعالى.(44/63)
وقد ظهر من كلام الشيخ أبي زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية والدكتور مصطفى الشكعة في كتابه "إسلام بلا مذاهب" أن السلفيين هم الذين أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم في القرن الرابع ثم تجدد ظهوره على يد الشيخ ابن تيمية في القرن السابع الهجري ثم جدده الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر للهجرة وقد أخطأ الحقيقة كما أخطأها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه "السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي".
حيث رد وبعنف على القول بأن السلفية لقب لفئة من الناس واعتبره خطأً وبدعة طارئة على المسلمين بزعمه وقد ظهر خطأه من تسمية كتابه هذا وقد ذهب إلى أن الاقتداء بالسلف ليس معناه اتباع آرائهم وأقوالهم ومواقفهم التي اتخذوها وسلوك طريقتهم وإنما يكون بالرجوع إلى ما احتكموا إليه من قواعد تفسير النصوص وتأويلها وأصول الاجتهاد والنظر في المبادئ والأحكام(94) وهذا حكم قاصر وغير صحيح فإن السلفية ليست فترة زمنية ثم إن تفسيره الاقتداء بالصحابة بهذا التفسير لا يعتبر إتباعاً حقيقياً فإذا لم نتبعهم في آرائهم وفي أقوالهم وفي مواقفهم التي ورثوها عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي سلوكهم وطريقتهم في العبادات وفي المعاملات إذا لم نتبعهم في هذا كما يرى البوطي فماذا بقي لهم من فضل الصحبة والتلقي من النبع الصافي قبل أن تعكره مختلف الآراء والمذاهب والفرق.
وأما ما يراه من إتباعهم يكون في الرجوع إلى ما احتكموا إليه عند الاختلاف فهذا أيضاً لا يمنع الاقتداء بهم وتقديم آرائهم على آراء من جاء بعدهم.(44/64)
على أن القواعد التي أشار إليها البوطي وأن الشافعي رحمه الله عملها حيث وضع قواعد أصول الفقه لم تكن قد بينت في الزمن الذي كان قبله فماذا يحكم عليهم البوطي(95) ولو أنه سلم بما اتفق عليه السلف لكان خيراً وأشد تثبيتاً ولأغناه ذلك عن تكلف القواعد والشروط وموقف العقل بالنسبة للنصوص في أخبار الآحاد وأخبار التواتر التي شغلته فإنها كلها مبنية على الاستحسان والاجتهاد على طريقة المتكلمين.
والخلاصة من كل ما سبق أن مذهب السلف والانتساب إليه أمر لا غبار ولا اعتراض عليه وأنه لا يحق لأحد الانتساب إليه إلا إذا كان متبعاً قولاً وفعلاً ظاهراً وباطناً كما كان عليه الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان وأما من حاد عنهم إلى كلام الفلاسفة وعلماء الكلام الباطل وإلى إتباع العقل دون الالتفات إلى النص فهو ليس على طريقتهم وإن انتسب إليهم لأنه انتساب غير حقيقي.
3- الفرقة الناجية
الفرقة في اللغة اسم يطلق على الطائفة أو الجماعة من الناس :
والناجية وصف لتلك الفرقة بالنجاة دون أن يكون له تعلق بالزمن والمقصود بهم هم أهل الحق ممن تمسكوا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على مدى الأزمان ولا عبرة بدعاوى المنحرفين أنهم هم تلك الفرقة الناجية.
ووصفهم بالناجية لعله أخذ من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه"(96) أو لأن المتمسك بالوحيين سبيله النجاة أو لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا تزال طائفة ... الحديث" ولا ريب أن من تمسك بكتاب الله وسنة نبيه أنه من الناجين بتوفيق الله له ينجو من الضلالة والفتن وينجو إذا ما مات على ذلك من عذاب الله وغضبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تركتكم على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك"(97) .(44/65)
وهذا الاسم – الفرقة الناجية – يشمل كل من اتصف بالعقيدة الصحيحة التي كان عليها الصحابة ومن استن بسنتهم واهتدى بهديهم وربما أخذت التسمية أيضاً من حديث افتراق الأمة حيث أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الفرق كلها هالكة إلا واحدة هي الناجية(98) وهم الصحابة ومن تمسك بهديهم وهذا الوصف لا ينطبق إلا على السلف الذين اتبعوا الصحابة بإحسان.
ويجب أن نلاحظ أن السلف حين تسموا بهذه التسمية لا يقصدون من ورائها الشهادة لأنفسهم بالجنة ولا تزكية أنفسهم وإنما المقصود بها إظهار ما هم عليه من التمسك بكتاب الله وسنة رسوله الكريم وهما مصدر النجاة ولا يمنع أن تكون التسمية من باب التفاؤل أو من باب إظهار البراءة من المخالفين كما يرى البعض ولا مانع من ملاحظة كل ذلك.
4- تسميتهم أهل الحديث(99) والسنة
كثير من العلماء يطلق هذه التسمية على السلف أهل السنة كشيخ الإسلام وغيره من رجال العلم.
وإذا أطلقوا في تسميتهم فقالوا أهل الحديث والسنة فإنهم لا يريدون التقسيم إنما هما عندهم بمعنى واحد فالسنة هي الحديث والحديث هو السنة حسب ما يظهر من صنيع المحدثين من السلف.
ولكن ينبغي الانتباه إلى أن بعض علماء السلف قد يطلق تسمية أهل السنة احترازاً عن غيرهم من أهل البدع فتكون السنة عامة والحديث أخص ويظهر الافتراق في أبواب الاعتقاد عند هذا الاستعمال.
وعلى هذا فهناك فرق بين مصطلح أهل السنة وأهل الحديث وإن عبر بأحدهما عن الآخر في أبواب الاعتقاد لما بينهما من التقارب في الغالب وإلا فقد يكون المرء من أهل السنة وليس من أهل الحديث من الناحية الصناعية أي ليس بمحدث وقد يكون من أهل الحديث صناعة وليس هو من أهل السنة فقد يكون مبتدعاً (100).
ولاشك في أن هذه التسمية شرف عظيم لرجال العقيدة الصحيحة الحاملين لواء علم الحديث المنتسبين إليه.
5 – أهل الأثر(44/66)
أطلقت الأثرية أو أهل الأثر على أهل السنة والجماعة والمراد بهم كل من تمسك بنصوص الكتاب والسنة ويريدون بالأثر ما أثر عن الله تعالى وعن نبيه صلى الله عليه وسلم من تلك النصوص.
وواضح أنهم لا يريدون به ما أصبح معروفاً عند بعض العلماء من تقسيماتهم للحديث إلى أقسام ومنها المأثور أو الأثر وهو ما وقف على الصحابي ولم يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن السلف لا ينطبق عليهم هذا الاصطلاح إذ هم من أحرص الناس على التمسك بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ورفع إليه. وإنما يقصدون بالأثر الحديث عموماً فأهل الأثر أي أهل الحديث الملتزمون بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما ورد عن السلف من الصحابة ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان من آثارهم الصحيحة لأن رد الآثار الصحيحة إنما هو من سمة أهل البدع المتنطعين في دينهم الذين لا يقبلون إلا ما يوافق أهواءهم مع أنهم يقدمون كلام مشايخهم وآبائهم على ما تفيده النصوص حمية وعصبية.
ولكنهم يستكبرون عن الآثار التي هي أشرف وأرفع من كلام من جاء بعد الصحابة مهما بلغ في العلم والشرف.
6- تسميتهم الطائفة المنصورة :
هذه التسمية للسلف أخذت من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون"(101) وعن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم(102) :"ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله" وفي بعض الروايات : "لا تزال طائفة من أمتي منصورين ..."(103) الحديث وقد فسّر العلماء هذه الطائفة بأنهم كل من تمسك بالكتاب والسنة وعمل الصحابة المجانبين البدع وأهلها وهم أصحاب الحديث الذي يعملون به قولاً وعملاً المجاهدون في سبيل الله تعالى.(44/67)
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النصر سيكون حليفهم إلى أن تقوم الساعة وهي بشارة عظيمة مفرحة لأهل الحق والواقع يشهد بذلك فكم من المؤامرات والخطط تبيت لهم قديماً وحديثاً ولكن الله تعالى بلطفه يخرجهم منها ويجعل لهم منها فرجاً ومخرجاً لأن الله تعالى قد تكفل بحفظ هذا الدين إلى يوم القيامة وهؤلاء هم حفظته بإذن الله تعالى وقد تكفل الله عزّ وجلّ بنصرة من ينصر دينه وأن يجعل العاقبة الحسنة له في الدنيا والآخرة. وقد يفهم البعض أن هذا الحديث يدل على أن السلطة والحكم لابد أن يكونا بأيدي العلماء من أهل السنة. وهذا فهم خاطئ إذ لا يلزم من كونهم منصورين إلى قيام الساعة أن يكونوا بشكل حكومات ولا بد فإن الله تعالى ينصرهم بهذا وبغيره بلطفه العظيم كما هو الواقع فأحياناً يكون الحكم بأيديهم وأحياناً بأيدي غيرهم ولا يؤثر ذلك في سلوكهم الإيجابي أبداً.
2 – الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح
لم يتورع أهل الباطل في إطلاق مختلف الأسماء الذميمة والألقاب الباطلة على أهل الحق لينفروا الناس عنهم وعن عقيدتهم الصافية.
وهو نفس المسلك الذي كان عليه المشركون تجاه النبي صلى الله عليه وسلم حيث أطلقوا عليه أنه ساحر شاعر مجنون ... الخ.
ورغم تلك الدعايات الكاذبة ضد الرسول صلى الله عليه وسلم وضد أنصاره وأتباعه فإن الحق بقي دائماً يتلألأ فوق رؤوسهم ويجذب الناس إليهم زرافات ووحداناً وبقي الباطل وأهله في تقهقر وذلة.
وسوف لا يزال الأمر كذلك. ولأهل السنة أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وما دام وقد ظهر فضل أهل السنة واضحاً جلياً فإن ذامهم يدل على نقصه على حد ما قيل :
وإذا أتتك مذمتي من ناقص *** فهي الشهادة لي بأني فاضل(44/68)
كما أن سب الصالحين بغير ذنب فيه زيادة لهم في الأجر وفيه رفع لدرجاتهم عند الله تعالى وقد تلمس المخالفون للسلف حججاً واهية وأقوالاً كاذبة لفقوها ضد السلف وجاؤوا إلى أحسن الصفات عند السلف وجعلوها ذماً لهم وصدق من قال:
وكم من عائب قولاً صحيحاً *** وآفته من الفهم السقيم
ولهذا فقد أصبح من علامات أهل البدع سبهم لأهل السنة والتشهير بهم واختراع الألقاب الباطلة لهم بل لم يقف نبز أهل الباطل لأهل السنة فحسب بل تعدوا في باطلهم إلى نبز رب العالمين من حيث يشعرون أو لا يشعرون ذلك أن الله تعالى حينما أطلق على نفسه صفات وأوصافاً تمدح بها فإذا بأهل الأهواء يخترعون لها مفاهيم وأسماء باطلة شنيعة تنفر من يسمعها من اعتقادها إذا لم يكن على معرفة بأباطيلهم.
والله تعالى وصف نفسه بصفات الكمال المعروفة فجاء هؤلاء وأطلقوا عليها لقب التشبيه والتجسيم والتمثيل { قل أأنتم أعلم أم الله} (104) .(44/69)
فإذا بتلك الصفات الحميدة في مكان الذم وكذلك وصف الله نفسه بأن له وجهاً ويدين الخ وسماها هؤلاء تركيباً وتبعيضاً لا يليق بالله تعالى بزعمهم فقالوا يجب أن ينزه الله عن التركيب والتبعيض ليصلوا إلى نفي صفاته ووصف الله نفسه بأنه مستو على العرش فسمى هؤلاء هذه الصفة تحيزاً وإثبات جهة محدودة لله تعالى بزعمهم ومن هنا حولوها إلى كلمة "استولى" ووصف الله نفسه بصفات الأفعال من الكلام والنزول ونحو ذلك ويسمى هؤلاء هذه الصفات أفعالاً لا توجد إلا في المخلوق بزعمهم فقالوا للعامة يجب أن ننزه الله عن صفات الأفعال التي هي حوادث وسموها أعراضاً والأعراض لا تليق بالله تعالى ومن هنا جاءهم مفهوم الإيمان الحقيقي بالله تعالى وبصفاته كما يزعمون فإذا هو أن ننزه الله تعالى عن التراكيب والتقسيم والأعراض والأغراض والتحيز والجهة وظن الجاهلون أن هؤلاء على شيء وأن ذلك هو ما يقتضيه تنزيه الله ولم يعلموا أن هؤلاء هم من أشد الناس إعراضاً عن الله تعالى وما يليق به ومن أشدهم محادة لرسوله صلى الله عليه وسلم ولسائر المؤمنين وإتماماً لمحاربتهم أهل السنة وتنفير الناس عنهم رأوا لزاماً أن ذلك لا يتم إلا بإطلاق الألقاب الشنيعة والمنفرة على أهل السنة فكان مثلهم كما قيل قديماً "رمتني بدائها وانسلت" فقد ألقوا بالعيوب التي هم أحق بها ألقوا بها على أهل السنة كذباً منهم وزوراً دون رادع من إيمان أو ضمير لكي ينتقص الناس أهل السنة بينما نجدهم قد تعاظموا أنفسهم واستكبروا ولهذا فقد أطروا أنفسهم بأسماء وبألقاب عديدة وزكوا أنفسهم والله تعالى يقول : {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ }(105) ظناً منهم أن الحق وأهله سيندثرون {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ }(106)وما تكفل الله بحفظه فلن يضيع أبداً.
فمن الأسماء والألقاب التي أطلقها عليهم أهل الباطل نبزاً لهم:(44/70)
1- المشبهة – النقصانية – المخالفة – الشكاك وتنبزهم بهذه الألقاب الجهمية لإثباتهم صفات الله تعالى.
2- الحشوية – النابتة أو النوابت – المجبرة المشبهة وتنبزهم بهذه الألقاب المعتزلة والزنادقة وسائر أهل الكلام والخوارج.
3- المجبرة أو الجبرية وتنبزهم بهما القدرية.
4- الناصبة أو النواصب – العامة – الجمهور – المشبهة – الحشوية وتنبزهم بها الرافضة.
5- المشبهة – المجسمة – الحشوية – النوابت – الغثاء – الغثراء وتنبزهم بها الأشاعرة والماتريدية.
وبهذا يتضح أن أهل الانحراف قد يتفقون وقد يختلفون في إطلاق بعض الألقاب الباطلة على أهل السنة والهدف بينهم مشترك.
1- فأما إطلاقهم عليهم مشبهة فقد تصور هؤلاء المبطلون أن السلف حينما أثبتوا تلك الصفات لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته لورودها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تصوروا أن هذا الإثبات يقتضي نشبيه الله بخلقه لأنهم لم يدركوا من دلالات هذه الأسماء إلا ما أدركوه من تعلقها بالمخلوق وفاتهم الفرق الذي لا يعلمه إلا الله بين الخالق والمخلوق.(44/71)
وقد أثبت السلف أن هذا التصور الخاطئ لتلك الطائفة هو الذي جعلهم بحق مشبهة وليس أهل السنة الذين لم يثبتوا فيها أي شبه بين الخالق والمخلوق إلا مجرد التسمية مع معرفة معنى الصفة والتقويض في الكيفية فإن أولئك لم ينفوها عن الله إلا بعد أن شبهوه بخلقه فأي الفريقين أولى بتسمية المشبهة أهل السنة أم أولئك أهل الباطل من الجهمية الذين هم أول من ولج باب التشبيه الخطير ونفى عن الله تعالى ما أثبت لنفسه في كتابه الكريم أو على لسان نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم وشبهوه بالمعدومات حين أطلقوا عليه كل صفات السلوب ورموا أنبياء الله تعالى مثل موسى وعيسى ومحمداً عليهم صلوات الله وسلامه بأنهم مشبهة في قول موسى كما حكى الله عنه أنه قال : {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ}(107)وفي قول عيسى ابن مريم : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}(108)وفي قول محمد صلى الله عليه وسلم : "ينزل ربنا إلى سماء الدنيا"(109) فإن كان الأنبياء مشبهة فمن هم المنزهة؟ لو كان لهؤلاء عقول سليمة وفطر مستقيمة لما أقدموا على هذا المعتقد الباطل والذي يكاد أن لا يكون له نظير في جرأته وحماقته.
2- وأما زعمهم أن أهل السنة نقصانية فلقولهم أن الإيمان يزيد وينقص فلا ريب أنهم يكذبون بهذا النبز قول الله عزّ وجلّ وقول نبيه صلى الله عليه وسلم في إثبات زيادة الإيمان ولردهم النصوص الواردة في هذا حيث زعموا أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأما أهل السنة فإنهم لا يختلف منهم إثنان في أن الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي كما أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم مثل قوله تعالى:{ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً }(110).
وقوله تعالى : {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً }(111) .
وآيات أخرى كثيرة في القرآن الكريم كلها تثبت أن الإيمان يزيد وما قبل الزيادة قبل النقص حتماً.(44/72)
ووردت أحاديث كثيرة أيضاً في هذا تؤكد كلها زيادة الإيمان ونقصه قال صلى الله عليه وسلم : "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة وأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان" (112) .
وقال صلى الله عليه وسلم : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(113).
والأحاديث في هذا كثيرة وإنما المقصود التنبيه على صحة عقيدة السلف وبطلان عقائد المخالفين في قضية زيادة الإيمان ونقصه وأن تسمية السلف نقصانية تسمية خاطئة سببها الجهل.
والسلف كلهم مطبقون على أن الإيمان يزيد وينقص ووردت عنهم روايات كثيرة تؤكد هذا قال أبو هريرة رضي الله عنه :"الإيمان يزداد وينقص"(114) .
قال أبو الدرداء رضي الله عنه :"من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه"وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه : "هلموا نزدد إيماناً فيذكرون الله عزّ وجلّ"(115) إلى آخر النصوص المستفيضة عن السلف وعلى هذا فإن السلف أتوا بالكمال المطلوب حسب ما أفادته النصوص فكيف يكونون نقصانية وما النقصانية إلا من نقص عن العمل بالنصوص الشرعية وسرق مدلولاتها الواضحات كالجهمية المشبهة ومن تبعهم وعلى كل حال فلا عبرة بقول أهل البدع أن السلف نقصانية لأنهم يقولون بزيادة الإيمان ونقصانه فإنهم على الحق في هذا مستندين على ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف هذه الأمة كما ترى أخي القارئ الكريم.(44/73)
ولولا أن المخالفين قد كابروا عقولهم وعاندوا ليتيقنوا من أنفسهم أن الإيمان يزيد وينقص كما يجده كل شخص من نفسه في مختلف الحالات فمن زعم أنه على حد سواء دائماً في اتجاهه ورغبته ورهبته إلى الله فقد افترى على نفسه وأراد أن يغالطها فمن ذا الذي يكون على حالة واحدة طوال وقته ثم أليس كذلك أن من المسلمين به أن الناس يتفاوتون في إيمانهم وتصديقهم أيضاً حسب القرائن وما وقر في القلب من حب الله عزّ وجلّ وتصديق الأنبياء وهل يحق لأحد أن يزعم أن إيمانه وتصديقه مثل إيمان خير أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أهل بيعة الرضوان وأهل معركة بدر والمؤمنون الذين اتبعوه في ساعة العسرة. إن من زعم ذلك فقد جانب الصواب.
3- وأما تسميتهم لأهل السنة مخالفة. فنعم أن أهل السنة مخالفة لأهل الأهواء والبدع بل ومعادية ويكفي أنهم من أشد الناس اتباعاً لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا قيمة لمخالفتهم أهل الأهواء وما يقصده هؤلاء من أن السلف مخالفة للحق فإنه اتهام باطل هم أحق به وليس أهل السنة فإن القول إذا لم تعضده الأدلة الصريحة الواضحة لا يسمى حقاً ولو زعم قائله أنه حق وهذه المخالفة لأهل البدع هي من أجمل المخالفات بل كانوا يتقربن بها إلى الله تعالى.(44/74)
4- أما تسميتهم لأهل السنة بالشكاك من قبل المرجئة فإنها تسمية ظالمة لأن السلف لم يشكوا في دينهم ولا في أخبار ربهم ونبيهم ولا في شيء ثبت بالكتاب والسنة فالمرجئة أولى بهذا النبز لشكهم – بل لردهم – ما أخبر الله به عن نفسه في كتابه الكريم أو على لسان نبيه العظيم ثم هم لا يملكون أي دليل على أن السلف تطرق إليهم الشك فيما يعتقدونه مما ثبت به النص وأما مجرد دعواهم أن السلف شكاك فليس بدليل كما أن زعمهم أن السلف يشكون في إيمانهم بسبب تجويزهم الاستثناء فيه فهذا بسبب عدم معرفتهم المقصود بكلام السلف حينما أجازوا الاستثناء وذلك أنهم لم يجيزوه على سبيل الشك في إيمانهم ولكنهم أجازوه على سبيل التواضع وعدم تزكية النفس المنهي عنه ثم لعلمهم أن الإيمان يشتمل الإيتان بكل الأعمال المأمور بها واجتناب كل الأعمال المنهي عنها وهذا باب واسع فخافوا أن يثبتوه على وجه الجزم ويكونون قد قصروا في جانب منه وبهذا يتضح أنه لا وجه لتسميتهم بالشكاك وربما يكون تحويرهم الاستثناء على سبيل التواضع لله تعالى ولا مانع من حصول كل ذلك(116) .
5- وأما بالنسبة لنبزهم لأهل السنة بأنهم حشوية:(44/75)
فهو بمعنى أنهم حشو الناس أي لا قيمة لهم أو بمعنى أنهم يروون الأحاديث لا يميزون بين صحيحها وسقيمها سواء أكانت صحيحة أو ضعيفة أو موضوعة أو متعارضة أو بمعنى أنهم مجسمة لله تعالى بسبب إثباتهم صفات الله تعالى وعدم نفيها أو تأويلها فانظر أخي القارئ إلى هذه الجرأة للمعتزلة ومن شايعهم كيف يفترون الكذب على السلف ثم إذا كان خيرة الناس لا قيمة لهم ولا اعتبار بكلامهم فلمن تكون القيمة والاعتبار؟ ألمن اتبعوا أهواءهم وحاربوا الله وردوا كلامه بشبهات ملاحدة الفلاسفة وأهل الكلام الباطل؟ أم لمن اتبع هدى الله تعالى وآمن به ظاهراً وباطناً؟ ولكن ما الذي يضير أهل السنة من السلف احتقار هؤلاء لهم بعد أن أكرمهم الله وأثنى عليهم في كتابه الكريم وأثنى عليهم نبيه وصفهم بالطائفة المنصورة القائمة على الحق إلى أن تقوم الساعة.
أما زعمهم أن السلف يروون الأحاديث كيفما اتفق فهي دعوى تدل على ضحالة معرفتهم بطريقة المحدثين وما امتازوا به من خدمة السنة من فحص الأحاديث وغربلتها كما يغربل الدقيق أو أشد.
وفحصهم كذلك لرجال الأسانيد فرداً فرداً حتى ليخيل للقارئ والسامع أنه ما من راوٍ للحديث إلا وكأنه قد عاش مع أهل السنة أهل الحديث في منزل واحد ومن تتبع طريقة السلف في رواية الأحاديث عرف عظم احتياطهم ومدى الجهود المباركة التي خدموا بها سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وأما تجسيم الله تعالى فحاشا أن يكون السلف مجسمة بل هم أعداء المجسمة والمحاربين لهم فإن مذهب السلف هو الابتعاد عن إطلاق مثل هذه العبارات على الله تعالى لا نفياً ولا إثباتاً حتى يستفسروا من قائلها لأنها تحمل معنى حقاً ومعنى باطلاً وعلى حسب ما يريد المتكلم بهذا يحكم السلف.
وعن تسمية أهل الباطل لأهل السنة حشوية يقول شيخ الإسلام رحمه الله في رده وذبه عنهم.(44/76)
فقد تبين أن الذين يسمون هؤلاء وأئمتهم حشوية هم أحق بكل وصف مذموم يذكرونه وأئمة هؤلاء أحق بكل علم نافع وتحقيق وكشف حقائق واختصاص بعلوم لم يقف عليها هؤلاء الجهال المنكرون عليهم المكذبون لله ورسوله.
فإن نبزهم بالحشوية إن كان لأنهم يروون الأحاديث بلا تمييز فالمخالفون لهم أعظم الناس قولاً لحشو الآراء والكلام الذي لا تعرف صحته بل يعلم بطلانه.
وإن كان لأن فيهم عامة لا يميزون. فما من فرقة من تلك الفرق إلا من اتباعها من هو من أجهل الخلق وأكفرهم. وعوام هؤلاء هم عمار المساجد بالصلوات وأهل الذكر والدعوات والحجاج البيت العتيق والمجاهدون في سبيل الله وأهل الصدق والأمانة وكل خير في العالم فقد تبين لك أنهم أحق بوجوه الذم وأن هؤلاء أبعد عنها وإن الواجب على الخلق أن يرجعوا إليهم فيما اختصهم الله به من الوراثة النبوية التي لا توجد إلا عندهم (117).
6- وأما نبزهم لأهل السنة بأنهم نوابت بمعنى أن أهل السنة يشبهون نوابت الأشجار الصغيرة.
أي أنهم صغار في العلم والمعرفة كصغار النوابت من الأعشاب التي لم تكتمل قوتها ونضجها.
أو أنهم نوابت شر نبتوا في الإسلام مبتدعين فيه مغيرين له بزعمهم فإن هذا النبز من الافتراءات الكاذبة على أهل السنة الذين هم أساس العقيدة وحماتها الذين تربوا على فهمها والعمل بها ولم يعرفوا أو يعملوا بغيرها مما جاءت به الفلسفات الإلحادية وعلم الكلام الباطل والحقيقة أن نبزهم لأهل السنة بهذا الاسم يصدق عليه أنه من باب قلب الحقائق والمغالطات المكشوفة.
فإن الأحق بتسمية النوابت هم أهل الكلام المذموم والفلسفات الباطلة الذين نبتوا دون علم مسبق بالكتاب والسنة وإنما نبتوا على علم الكلام وأنواع الفلسفات المنحرفة التي لم تعرف عند المسلمين إلا بعد أن نبت هؤلاء فيهم.(44/77)
وتسلطوا على معاني النصوص فعطلوها عن مدلولاتها وقالوا إن الله ليس له سمع ولا بصر ولا علم ولا استواء، إلى آخر أوصافهم السلوبية التي مفادها في النهاية إنكار وجود الله تعالى الذي تضمنه قولهم أن الله ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا يحس ولا يشم ولا يشار إليه .. الخ.
مما جرأ الملاحدة على القول بأنه لا فرق بين المنكرين لوجود الله تعالى والواصفين له بتلك الصفات الجهمية الاعتزالية التي تدل أخيراً على إنكار وجوده سبحانه وأنه لا مكان له إلا في الذهن وافتراضاته الخيالية إذ أن شيئاً ليس هو فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا يحس ولا يشم ولا يشار إليه أمر لا يقبله عقل ولا يقره منطق.
7- أما نبزهم لأهل السنة بأنهم جبرية أو مجبرة أو قدرية فإنه بالتأمل في مذهب القدرية والجبرية وأهل السنة يتبين الحق من يستحق اسم الجبرية أهل السنة أم المبتدعة من خلال معرفة ما يلي :
1- مذهب القدرية المحتجون بالقدر على الله تعالى وهم المشركون.
2- مذهب الجبرية.
3- مذهب أهل السنة.
- فالقدرية المحتجون بالقدر هم الذين يزعمون رضى الله عن كل عمل يعملونه ويحتجون على الله بالقدر والمشيئة فيقولون قدر الله علينا فكيف يعاقبنا؟.
قال تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }(118)الآية.
ومقصودهم أن الله تعالى لو كان يكره ما هم عليه من الشرك والسلوك لغيّر ذلك وعاقبهم ولكنه قد شاءه ورضيه وبذلك فلا عقوبة عليهم لأن الله قدره عليهم وجبرهم عليه لمشيئته النافذة له.
وفي مقابل هؤلاء جاءت فرقة أخرى تنفي أن يكون لله تعالى أي أثر في فعل الإنسان تركاً أو فعلاً بل الإنسان هو الذي يخلق فعله كما يريد.(44/78)
وقد وصل الغلو بهؤلاء إلى القول : "بأن الله لا يعلم الأشياء قبل وقوعها وإن ما يفعله العباد أيضاً" لا يعلم به إلا بعد وقوعه فلا تأثير له في أي فعل يفعله العبد وهذا مذهب غلاة القدرية وقد انقرضوا فيما يذكره عنهم العلماء إلا أن المتأخرين منهم يثبتون علم الله بالأشياء قبل وقوعها ولكنه لا يتدخل في أعمال البشر بل هم الذين يخلقونها كما يريدون فهؤلاء القدرية (المعتزلة) هم نفاة القدر عن الله تعالى وهم ومن سبقهم على ضلال.
وأما الجبرية: فهم على النقيض من مذهب القدرية في أفعال العباد لأن المعتزلة القدرية لا يقولون بأن الله قدر على العبد فعله ولا جبره عليه فسلبوا عنه القدرة.
بينما الجبرية على النقيض من ذلك يقولون كل عمل يعمله العبد فإنه مقدر عليه من الله ومجبور على فعله فهو كالريشة في مهب الريح فإن الله هو الفاعل الحقيقي بقوته وليس للعبد إلا نسبة الفعل إليه عن طريق المجاز، كما يقال تحركت الشجرة ونحو ذلك فسلبوا عن العبد القدرة والمشيئة التي أخبر الله تعالى عنها وجعلوا العبد أشبه ما يكون بالجماد المسير من غيره وإذا كان مذهب القدرية والجبرية هو ما تقدم فإن مذهب السلف بخلاف ذلك كله ومعنى هذا أنهم لا تصح تسميتهم لا قدرية ولا جبرية.
فإن معتقد أهل الحق أهل السنة والجماعة أن أفعال العباد تنسب إليهم حقيقة فإذا صلى أو صام أو سرق أو زنى فهو فعلة حقيقة وأيضاً بمشيئته التي لا تخرج عن إطارها العام عن مشيئة الله تعالى لها وخلقه لها كوناً ولو شاء الله لما تمكن العبد من أي فعل فالله هو الخالق الحقيقي لها والعبد هو الفاعل الحقيقي لها بتمكين الله له مع ملاحظة الفرق بين مشيئة الله الكونية والشرعية.(44/79)
ويتضح من خلال ما تقدم ما يذكره أهل السنة من أن الجبرية أصابوا في قولهم أن الله هو الخالق لأفعال العباد بقدرته الكونية وأن القدرية أصابوا أيضاً في قولهم أن العبد هو المتسبب في فعله وبقدرته وهو مسؤول عنه ولكن الخطأ في قول الجبرية يكمن في زعمهم أن العبد لا فعل له ولا قدرة له وإنما هو مجبور والفاعل هو الله تعالى وأما الخطأ في قول القدرية فيكمن في قولهم أن العبد هو الذي يخلق فعله بقدرته وإرادته دون أن يكون لله تعالى تدخل في ذلك والحق في ذلك كله هو ما هدى الله إليه أهل طاعته كما سبق مستدلين بقوله تعالى : { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }(119)وقوله تعالى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }(120)وغير ذلك من الآيات.
8- وأما نبزهم للسلف بأنهم ناصبة فقد كذب الرافضة وافتروا أن يكون أي شخص من السلف قد نصب العداوة لأهل البيت أو للرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ابتداءاً بعلي رضي الله عنه ثم جميع أهل البيت وهذا النبز دلالة قاطعة على جهل الرافضة بمذهب السلف في أهل البيت لأنهم لم يقرؤوا لهم ولم يطلعوا على كلامهم ومعتقدهم فيهم فأيهما أولى بهذا النبز الرافضة الذين نصبوا العداوة لكل المسلمين ابتداءًا بالصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان وبأهل البيت الذين لاقوا المصائب المتتالية عليهم بسبب مؤامرات الرافضة وخذلانهم لهم في أكثر من موقف والشواهد على هذا أكثر من أن تحصر.(44/80)
أيهما أولى بهذا النبز هؤلاء أم السلف الذين يترضون عن كل واحد من أهل البيت ما دام صالحاً ويفضلونه على غيره بتلك الصفة ويقدمونه ولا يتبرؤون من أحد من المسلمين ما دام على الإسلام والتزام القرآن والسنة وقاعدة الرافضة "لا ولاء إلا ببراء" من أكبر الأدلة على بغضهم خيرة الصحابة الكرام وجرأتهم على تكفيرهم مخالفة لما ثبت من فضلهم في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
9- وأما نبزهم لمن عداهم من السلف وسائر المسلمين بالعامة فهو لقب تشنيع في مقابل تسميتهم لأنفسهم الخاصة وهذه التزكية الكاذبة لأنفسهم شابهوا فيها اليهود الذين سموا أنفسهم شعب الله المختار وسموا من عداهم بالجوييم فهل هؤلاء الباطنية هم خاصة الله بينما أحباءه ومتبعي أمره ونهيه هم العامة؟ الذين لا اعتبار بهم ولا قيمة لهم؟ بل أيهما العامل رجل متبع للنصوص الثابتة الموافقة للحق والعقل أم رجل متبع لهواه متدين بالخرافة يصدق ما لا يصدقه عاقل من الغلو في أشخاص مثلهم مثل غيرهم من البشر الذين قال الله فيهم :{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }.(44/81)
وهذه التسمية لمن عداهم بالعامة هي مثل تسميتهم لمن عداهم بالجمهور ومن العجيب أن يحكموا على كل المسلمين بصفة واحدة بينما يقابل تلك التسمية تسمية واحدة لهم "الخاصة" الدالة على تعاليهم وغرورهم وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته لا تجتمع على ضلالة فكيف اجتمع المسلمون كلهم على الضلالة ولم يخرج عنها إلا هؤلاء الروافض الذين يكفرون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويتهمون أم المؤمنين وينتظرون مهدياً خرافياً يأتي بقرآن غير القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ويزعمون أن الأئمة يعلمون الغيب ولا يموتون إلا باختيارهم إلى غير ذلك من العقائد التي جمعها الكليني في كتابه الذي يقدسونه "الكافي" وغيره من كتبهم التي تدل على تطاولهم على سائر المسلمين دون أي دليل من عقل أو نقل غير ما زين لهم من سوء معتقداتهم المعبرة عن جهلهم وبعدهم عن سبيل المؤمنين {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً }(121).
10- وأما نبزهم لأهل السنة بأنهم مجسمة لإثباتهم صفات الله تعالى كما جاءت في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة.
فهو نبز أبان عن جهلهم بحقيقة عقيدة السلف وأبان عن قصورهم في الفهم السليم لنصوص الوحيين فإن لفظ التجسيم عند السلف هو من الألفاظ التي يجب التحرز منها عند إطلاقها على الله تعالى ولا بد أن نسأل من أطلقها عن مراده بالجسم فإن أراد بإطلاق الجسم على الله معناه في لغة العرب من أنه يوصف بصفات ويرى بالأبصار ويتكلم ويسمع ويبصر ويرضى ويغضب وأنه مستو وأنه تصح الإشارة إليه ويصح أن يسأل عنه بأين وأن له وجهاً ويدين فإطلاق الجسم بهذا المعنى صواب مع أن القائل مخطئ في إطلاق هذه العبارة التي أحدثها علماء الكلام وليكْتفِ بالألفاظ الشرعية مثل ليس كمثله شيء وله المثل الأعلى وقل هو الله أحد وغير ذلك.(44/82)
وإن أراد بإطلاقه نفي الجسم عن الله تعالى أنه ليس جسماً مثل سائر الأجسام التي تتكون من أجزاء متفرقة فهو صواب فإن الله تعالى ليس كمثله شيء ومع تصويبه فإنه مخطئ في إطلاق هذه العبارة التي أحدثها علماء الكلام فإنه لم يعهد عن السلف أن أطلقوا لفظ الجسم على الله لا نفياً ولا إثباتاً فإن كان ولا بد من إطلاقها فلتكن بالألفاظ الشرعية التي تدل على تنزيه الله تعالى على الإطلاق مثل ليس كمثله شيء وقل هو الله أحد وله المثل الأعلى وغير ذلك من الألفاظ العامة المشتملة على التنزيه الصحيح كما تقدم وأما إن أريد بهذا الإطلاق نفي الجسمية عن الله تعالى بمعنى نفي صفاته الثابتة بالكتاب والسنة كالاستواء والنزول والوجه والسمع والبصر إلى آخر صفاته عزّ وجلّ – وهو ما يهدف إليه علماء الكلام فهذا النفي باطل بهذا المعنى لأن إثبات هذه الصفات لا يلزم منه وقوع التشبيه الذي حذره هؤلاء المبطلون بزعمهم فإن تصور إثبات الصفات أنه يقتضي التشبيه هو نفس التشبيه المذموم فإن النافي للصفات لم ينفها إلا بعد أن أصبح مشبهاً فيها فوقع في الخطأ الذي جره إلى خطأ أكبر منه وهو إثبات ذات خالية عن الصفات وهو أمر لا يمكن وقوعه إلا في تخيلات الذهن وهي تخيلات فاسدة وأما في خارج الذهن فلا يمكن وجودها.(44/83)
وفي هذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله :"فمن قال أنه جسم وأراد أنه مركب من الأجزاء فهذا قوله باطل وكذلك إن أراد أنه يماثل غيره من المخلوقات فقد علم بالشرع والعقل" أن الله ليس كمثله شيء في شيء من صفاته، فمن أثبت لله مثلاً في شيء من صفاته فهو مبطل ومن قال أنه جسم بهذا المعنى فهو مبطل ومن قال أنه ليس بجسم بمعنى أنه لا يرى في الآخرة ولا يتكلم بالقرآن وغيره من الكلام ولا يقوم به العلم والقدرة وغيرهما من الصفات ولا ترفع الأيدي إليه في الدعاء ولا عرج بالرسول صلى الله عليه وسلم إليه ولا يصعد إليه الكلم الطيب ولا تعرج الملائكة والروح إليه فهذا قوله باطل وكذلك كل من نفى ما أثبته الله ورسوله وقال إن هذا تجسيم فنفيه باطل وتسمية ذلك تجسيماً تلبيس منه فله إن أراد أن هذا في اللغة يسمى جسماً فقد أبطل وإن أراد أن هذا يقتضي أن يكون جسماً مركباً من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة أو إن هذا يقتضي أن يكون جسماً والأجسام متماثلة قيل له أكثر العقلاء يخالفونك في تماثل الأجسام المخلوقة وفي أنها مركبة فلا يقولون أن الهواء مثل الماء ولا أن الحيوان مثل الحديد والجبال فكيف يوافقونك على أن الرب تعالى يكون مماثلاً لخلقه إذا أثبتوا له ما أثبت له الكتاب والسنة والله تعالى قد نفى المماثلات في بعض المخلوقات وكلاهما جسم كقوله تعالى :{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }(122).
مع أن كلاهما بشر فكيف يجوز أن يقال إذا كان لرب السماوات علم وقدرة أن يكون مماثلاً لخلقه والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله(123) .(44/84)
ومن قال إن السلف مجسمة فقد افترى عليهم لأنهم من أبعد الناس ومن أشدهم تحذيراً من إطلاق العبارات التي فيها حق وصواب وانحراف وبطلان ومنها إطلاق الجسمية على الله تعالى فإن السلف يمنعون منعاً قاطعاً من إطلاقها على الله تعالى ولكن في حال إطلاقها يقيدونها بما سبق أن عرفته فكيف يصح وصفهم بعد هذا بأنهم مجسمة؟ وهل يصح أن يوصف النافي للشيء بأنه مثبت له؟.
11- وأما نبزهم لهم بأنهم غثاء وغثراء فهو بمعنى أن أهل السنة هم كالغثاء الذي يحمله السيل عند انحداره وكما ورد في الحديث "ولكنكم غثاء كغثاء السيل"(124).
والغثراء بمعنى سفلة الناس وأراذلهم والمعنى بهذا النبز الباطل أن أهل السنة هم سفلة الناس الذين هم كزبد السيل أي لا خير فيهم ولا نفع.
وهذه مغالطة ظاهرة وظلم واضح ويستطيع أي شخص أن يتبين صحة هذا حينما يتصور أن الناس بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ظلوا على الهدى الذي تركهم عليه المصطفى إلى أن نبتت الدعوات الهدامة والآراء الضالة بسبب ترجمة كتب اليونان واستعلاء الأهواء فأي الفريقين يستحق هذا اللقب الذين بقوا على الحق ولا يزالون عليه وهو الأصل في المسلمين أم الذين انحرفوا وأخذوا بآراء اليونان وفلاسفتهم؟ وقد دخل الصحابي عائد بن عمرو على عبيد الله بن زياد فقال أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم فقال له اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال عائد رضي الله عنه وهل كانت لهم نخالة إنما النخالة كانت بعدهم وفي غيرهم (125).
12- وقد نبزوهم أيضاً بتسميتهم "زوامل أسفار" تشبيهاً لهم بالجمال التي يحمل عليها و "أصحاب أقاصيص وحكايات وأخبار" وكل هذه الأوصاف هم منها براء.
وإذا أتتك مذمتي من ناقص *** فهي الشهادة لي بأني فاضل(44/85)
وفي الرد عليهم يقول أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني رحمه الله "وفي الحقيقة ما ثلموا إلا دينهم ولا سعوا إلا في هلاك أنفسهم وما للأساكفة(126) وصوغ الحلي وصناعة البز وما للحدادين وتقليب العطر والنظر في الجواهر أما يكفيهم صدأ الحديد ونفخ في الكير وشواظ(127) الذيل والوجه وغيرة في الحدقة وما لأهل الكلام ونقض حملة الأخبار "(128) . وهذا النقد يذكر القارئ بالمقالة المشهورة بين عامة الناس "رحم الله امرأ عرف قدره فوقف عنده".
ويصدق كلام السمعاني في اقتحام هؤلاء لما لا يحسنونه ما قرروه في عقائدهم من المتناقضات والجهل الشنيع من حيث ظنوا أنهم وصلوا إلى العلم الغزير فكانوا مثل التي نقضت غزلها بعد إحكامه في كل مرة أو من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وقد قال عنهم من تبين له خطر ما هم عليه من العقائد الفاسدة يا ليتني أموت على دين أمي أو نحوه من الكلام الذي يتحسر فيه على ما فات من سنين عمره التي قضاها في الاشتغال بعلم الكلام وفلسفة اليونان.
* * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الخامس
ما هي عقيدة السلف
وما هو منهجهم في مسائل الاعتقاد والاستدلال لها؟
وما معنى كلمة عقيدة
العقيدة هي ما يعتقده الشخص في قرارة نفسه ويعقد العزم عليه ويراه صحيحاً سواء أكان صحيحاً في حقيقة الأمر أم باطلاً.(44/86)
ومن هنا فإن عقيدة السلف التي يعتقدونها في قرارة أنفسهم وقد عقدوا العزم على العمل بها هي جملة ما أخذوه عن كتاب الله وسنة نبيه وهو الاعتقاد الصحيح والواقع الحق الذي لا يزيغ عنه إلا هالك بخلاف عقائد غيرهم الذين خلطوا بعلم الكلام وآراء الفلاسفة فجاءت نتاجاً مشوهاً خصوصاً في ما يتعلق بأسماء الله وصفاته وبعضهم لم يقف عند هذا الحد بل تعدى هذا الخطأ إلى أخطاء أخرى تتعلق بالنبوات وبالسمعيات بسبب تأثرهم بالأفكار المنحرفة فإذا بعقائدهم تقوم على خليط من الآراء والأفكار المنحرفة بأدلة متنوعة إما من القرآن الكريم الذي حرفوا معانيه وأولوها لتوافق أهواءهم أو من السنة النبوية التي لا يميزون في قبولها بين الصحيح والضعيف والمكذوب وغيره سواء أكان بسند أم بغير سند ولا يهمهم من الراوي إلا أن يكون على وفق معتقدهم أو من المكاشفات التي يزعمون أن الله يخاطبهم بها أو من الأحلام المنامية أو من التقائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً كما يدعون كذباً وزوراً أو من العلم اللدني الذي يقذفه الله في قلوبهم كما يدعون أو من الخرافات والأساطير التي لا تصلح إلا في سمر العجائز بالليل لأن تلك كلها في ميزان السلف أمور مرفوضة لانقطاع التشريع بموت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يبق في مفهوم السلف إلا الاجتهاد حول فهم النصوص واستخراج الحق منها.
وقد ذكر بعض العلماء أن أهل الأهواء إزاء السنة النبوية ينقسمون إلى فريقين:
فريق لا يتورع عن ردها وإنكارها إذا خالفت مذهبه وما ألفه من أقوال وأفعال ثم يختلق لردها شتى الأعذار الباطلة.
ومنهم فريق آخر يثبتون السنة في ظاهرهم ويعتقدون بصحة النصوص ولكنهم يشتغلون بتأويلها إلى ما يوافق هواهم وينصر معتقداتهم وهؤلاء الحقيقة ماكرون فإن عملهم هذا هو رد للسنة ولكنه بطريق قد تخفى على غير طلاب العلم.(44/87)
وأحياناً يضرب هؤلاء بالنصوص جانباً بحجة أنها متعارضة مع أنه في الواقع لا يوجد بين النصوص الصحيحة أي تعارض إذا تبين الناسخ والمنسوخ والمتقدم والمتأخر منها فإن لم يتبين ذلك فإنه يمكن الجمع بينها ولا محالة إلا إذا كانت أحاديث موضوعة وصحيحة فحينئذٍ طريقة أهل السنة أنه لا تعارض بين الصحيح والموضوع إذ لا قيمة للموضوع وشبهه إزاء الصحيح لأن عدم فهم النصوص هو الذي أدى إلى تفرق الأمة وسفك دماء بعضهم بعضاً وما نشأ عنه من الاستكبار والبغي والعدوان واستحكام العداوات وكل هذا لا تحتمله الشريعة الإسلامية التي تركنا عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
إن منهج السلف في مسائل الاعتقاد والاستدلال لها يقوم على إيمانهم بكل ما ثبت دليله من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إيماناً راسخاً ظاهراً وباطناً.
سواء كان ذلك الأمر الذي يعتقدونه من الأمور الغيبية كالإيمان بكل ما أخبر الله به أو أخبر عنه رسوله بأنه قد وقع كالإيمان بخلق الله لآدم من طين وخلق زوجه منه وإهباط الله لهما إلى الأرض بسبب معصيتهما ثم توبة الله عليهما وإنزال الكتب وإرسال الرسل وجميع ما جاء بإثباته النص في سائر الأمور التي قد وقعت من قبلنا أو كان من الأمور التي أخبر الله ورسوله أنها ستقع كالإيمان باليوم الآخر وما يقع فيه من الثواب والعقاب في الحساب والجنة والنار وما فيهما وغير ذلك من أمور العالم الآخر أو كان من الأمور التي تقع في الدنيا التي جاء النص بوقوعها فيها قبل يوم القيامة مثل ما أشار إليه الله في القرآن الكريم أو أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم مثل موقعة بدر وفتح مكة وظهور الدجال ونزول المسيح وغير ذلك.(44/88)
وبصفة عامة الإيمان بكل الأخبار الغيبية التي وقعت أو التي ستقع على حد سواء هي مزية عظيمة تدل على قوة إيمانهم وطمأنينة نفوسهم غير متأولين بعقولهم لرد النصوص كما تفعل الفرق الباطلة الذين لا يؤمنون إلا بما تراه عقولهم مقدمينها على النصوص كالمعتزلة وغيرهم غير ناظرين إلى نقص العقول عن إدراك المغيبات عنها واضطرابها في معرفة الحقائق حينما لا تستند إلى النصوص الشرعية وإلى الوحي الإلهي الذي يخرج الله به من يشاء من الظلمات إلى النور لأن السلف يعلمون تمام العلم أن الدين لا يؤخذ إلا من مصدره ومصدره الشرع الشريف وليس العقول ومختلف الآراء القاصرة.
ويعلمون كذلك أنه من الحمق والغباء والضلال البعيد أن يتركوا الطرق الواضحة البينة إلى الطرق المظلمة المحفوفة بالمخاطر.
وأن الطريق الواضح هو ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تاماً كاملاً الذي لا يقبل الله ديناً سواه { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً }(129)وقوله : {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً }(130).
ولقد جعلوا هذه الآية هي أساس منهجهم وأبرز صفاتهم فكانوا المثل الأول في التسليم لنصوص الشرع لاعتقادهم أن التسليم هو الطريق الذي فيه النجاة وأنه ثمرة الإيمان الحقيقي لحب الله له والثناء على أهله وقد تواصى السلف بالتزام ذلك قولاً وعملاً وصرحوا به ورغبوا فيه الناس نصحاً منهم لله ولرسوله ولعامة المسلمين لمعرفتهم أنه أساس بناء الإسلام لأن من لم يسلم للشرع أمره سلمه إلى الشيطان والبدع والخرافات وشاق الله ورسوله وخالف سبيل المؤمنين وحال المخالفين أقوى شاهد على ما هم فيه من التخبط والاضطراب والضعف.(44/89)
وهكذا نجد أن منهج أهل السنة في تقرير العقيدة يتمثل في الأمور التالية :
1- التمسك بالكتاب والسنة وعدم التفريق بينهما وتحكيمهما والعمل بهما في كل ما يعرض لهم من قضايا العبادة وغيرها دون رد أو تأويل سواء كانت الأخبار الواردة عن الرسول متواترة أو آحاداً لا فرق فيها بعد صحتها وثبوتها إذ التفريق بينهما إنما هو من سمات أهل البدع.
2- العمل بما ورد عن الصحابة في قضايا العقيدة والدين وغيرهما والسير على نهجهم وسننهم لأنهم أعرف بالحق من غيرهم.
3- الوقوف عند مفاهيم النصوص وفهم دلالاتها وعدم الخوض فيما لا مجال للعقل فيه مع الاستفادة من دلالة العقل في حدوده وعدم الخوض فيها بالتأويلات الباطلة.
4- الإعراض عن البدع وعن أهلها فلا يجالسونهم ولا يسمعون كلامهم ولا شبههم بل يحذرون منهم أشد تحذير خصوصاً من عرف منهم بعناده واتباعه الهوى.
5- لزوم جماعة المسلمين ونبذ التفرق والتحذير منه.
هذا هو منهجهم وكان لهذا المنهج مزايا قيمة من أهمها:
1- أن هذا المنهج هو ما دل عليه كتاب الله تعالى ودلت عليه سنة نبيه عليه الصلاة والسلام ودل عليه عمل الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
2- أن هذا المنهج الذي ساروا عليه كان من أقوى أسباب بقاء عقيدتهم صافية نقية لا تشوبها شوائب الضلال وهي نعمة من الله عليهم لما علمه من حسن نياتهم وصدق عزائمهم.
أما أدلتهم على وجوب لزوم ذلك المنهج فهو ما نعرض بعضه فيما يلي :
استدلال أهل السنة على وجوب التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويشتمل على مبحثين هما:
1- استدلالهم من القرآن الكريم:
وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على وجوب التمسك بالقرآن الكريم وأنه لا يخرج عنه مؤمن وأن الدين لا يؤخذ إلا منه ومن سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فمن زاغ عنهما خرج إلى الضلالة وفارق هدى الإسلام ومن تلك الآيات البينات:(44/90)
- قوله تعالى : {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً }(131)..
- وقوله تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا }(132).
- وقوله تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }(133).
- وقوله تعالى : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ }(134). وهذه الآيات واضحة الدلالة على أن الهدى كله في كتاب الله تعالى وفي هدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأن الواجب على كل مسلم الانقياد والإذعان والتسليم التام دون أي تردد أو شك وذلك لأن كل أمر بان رشده لا يتردد العاقل في قبوله والاعتماد عليه.
2- استدلالهم من السنة النبوية:
وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يحث فيها على وجوب التمسك بكتاب الله تعالى وأن من فارقه فلا حظ له من الإسلام.
قال صلى الله عليه وسلم : " مثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر"(135) .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين"(136).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب"(137) .
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرعوب فقال أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه(138).(44/91)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال إن هذا القرآن شافع مشفع من اتبعه قاده إلى الجنة ومن تركه أو أعرض عنه (أو كلمة نحوها) زج في قفاه إلى النار. (139)
- وجاء في موعظة الرسول صلى الله عليه وسلم بغدير خم قوله : "أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به" ثم قال : "وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي"(140) وفي رواية أخرى "كتاب الله وسنتي".
- ومن حديث يرويه العرباض بن ساريه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" (141).
- وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن مثلي ومثل ما بعثني به مثل رجل أتى قومه فقال إني رأيت جيشاً بعيني وإني النذير العريان فالنجاة فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبت طائفة منهم فأصبحوا على مكانتهم فصبحهم الجيش واستباحهم فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق"(142) .
- وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رغب عن سنتي فليس مني"(143) .
والأحاديث في هذا كثيرة كلها تؤكد وجوب التمسك والعمل بكتاب الله تعالى وأنه هو الصراط المستقيم الذي أوله في الدنيا وآخره في الجنة.
* * * * * * * * * * * * * *
الفصل السادس
أقوال السلف
في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع(44/92)
كما وردت عن السلف الكرام أقوال كثيرة في الحث على التمسك بكتاب الله تعالى وأن الهدى والخير والفلاح كله في ذلك وأنه يجب على كل المسلمين الرجوع إلى كتاب الله والتمسك به في كل أحوالهم واختلافاتهم كما قال الله سبحانه وتعالى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ }(144).
وهذا هو منهج كل من جاء بعد السلف الكرام من التابعين ومن تبعهم من علماء المسلمين وعامتهم وفي كتب شيخ الإسلام رحمه الله وتلميذه ابن القيم وغيرهما كالطبري وابن كثير وأهل الحديث كالشيخين وغيرهما ممن تزخر بأقوالهم المكتبات الإسلامية في كتبهم من الأقوال والشروحات ما لا مزيد عليه في وجوب التمسك بكتاب الله والعمل به والرجوع إليه.
وعلى هذا "فقد اتفق المسلمون سلفهم وخلفهم من عصر الصحابة إلى عصرنا هذا أن الواجب عند الاختلاف في أي أمر من أمور الدين بين الأئمة والمجتهدين هو الرد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام الناطق بذلك الكتاب العزيز {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} ومعنى الرد إلى الله سبحانه الرد إلى كتابه ومعنى الرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم الرد إلى سنته بعد وفاته وهذا مما لا خلاف فيه بين جميع المسلمين"(145).
- وهم يؤكدون أن الخير كله فيها وأن الشر كله في الابتعاد عنها وفي الابتداع الذي يسببه اتباع الهوى والبعد عن السنة والسير خلف التأويلات الباطلة التي هلك بسببها الكثير ممن جرفتهم التيارات المنحرفة ومن تلك الأقوال.
- قال عبد الله بن مسعود "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم"(146).
- وعن معاذ بن جبل من كلام له رضي الله عنه قال : "فإياكم وما ابتدع فإنما ابتدع ضلالة"(147) .
- وقال حذيفة اتقوا الله يا معشر القراء خذوا طريق من قبلكم فوالله لئن سبقتم لقد سبقتم سبقاً بعيداً وإن تركتموه يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيداً" (148) .(44/93)
- وعن عبد الله بن مسعود قال يجيء قوم يتركون من السنة مثل هذا يعني الإصبع فإن تركتموهم جاؤوا بالطامة الكبرى وإنه لم يكن أهل كتاب قط إلا كان أول ما يتركون "السنة" وإن آخر ما يتركون الصلاة ولولا أنهم يستحيون لتركوا الصلاة(149)..
- وعن عبد الله بن الديلمي قال : "إن أول ذهاب الدين ترك السنة يذهب الدين سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة" (150)
- وعن حسان بن عطية قال: "ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة"(151).
- وعن عمر بن عبد العزيز قال : " سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله عزّ وجلّ واستكمال لطاعته وقوة على دين الله ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في رأي من خالفها فمن اقتدى بما سنوا فقد اهتدى ومن استبصر بها بصر ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله عزّ وجلّ ما تولاه وأصلاه جهنم وساءت مصيرا"(152).
- وأقوالهم في هذا الصدد كثيرة وإنما تلك أمثلة يكتفى بها طالب الحق الحريص على سلامة دينه من غوائل أقوال أهل الباطل الذين يقدمون البدع على السنة ويحلونها محلها ويعتبرونها ديناً يجب اتباعه.
استدلالهم على وجوب العمل بما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم:
يعمل السلف بما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابة أفقه وأعرف بما يقولون وقد زكاهم الله ورسوله وبذلك تعتبر أقوالهم وأفعالهم سنة يجب العمل بها وخصوصاً الخلفاء الراشدين منهم.
ومما ورد في وجوب العمل بما صح عن الصحابة:
- جاء عن العرباض بن سارية رضي الله عنه من حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:"فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها عضوا عليها بالنواجذ"(153).(44/94)
- وعن خصوص أبي بكر وعمر رضي الله عنهما جاء قوله صلى الله عليه وسلم :"اقتدوا باللذين من بعدين أبي بكر وعمر" (154)وهذا يدل على مزيد فضلهما ووجوب الاقتداء بهما.
وعلى هذا أجمع السلف وهو من أسس عقائدهم وقد مدح الله السلف الكرام من الصحابة ومن سار على نهجهم بقوله تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }(155)فهم السابقون الأولون وأصحاب الشرف العظيم في وقوفهم إلى جانب نبيهم في ساعة العسرة وفدائهم له بأموالهم وأنفسهم وهم أول المجاهدين في سبيل الله من هذه الأمة.
وكانت نسبتهم في البداية بالنسبة إلى نسبة الكفار كنسبة الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود فإن الأرض كلها على الشرك وعبادة الأصنام.
فاستعذبوا العذاب في سبيل نشر النور إرضاءاً لله تعالى وقرباً إليه ولا يوجد مسلم على ظهر الأرض إلا وهو مدين للصحابة بالشكر والتقدير على نصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فتوحاتهم التي عمت أكثر البقاع في عهودهم المجيدة.(44/95)
وتلك الحقيقة يعيها كل مسلم إلا من فسدت فطرته وانحرف واتبع هواه كالرافضة الذين ذهبوا يسبونهم ويكفرونهم مضادة للآية الكريمة : {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ }(156)ولهذا فقد كان ابن حزم رحمه الله حينما يدحض النصرانية ويثبت لهم تحريف كتابهم يستدلون عليه أن المسلمين أيضاً أثبتوا أن في القرآن تحريفاً وزيادة ونقصاً فيقول لهم لا تحتجوا بكلام الرافضة واحتجوا بكلام المسلمين أو نحو ذلك لمعرفته التامة بأنه لا يمكن أن يقدم مسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً أن يدعي بأن هذا القرآن الموجود بين أيدينا قد تخلى الله عن وعده بحفظه أو أنه سلط عليه من يغيره ويبدله فإن من اعتقد حدوث هذا فقد خرج عن الإسلام إن كان يدعيه وكفر به.
وقوف السلف عند حدود النص(44/96)
أما بالنسبة لوقوف السلف عند حدود النص وعدم الخوض فيما لا مجال للعقل فيه فهذا دليل من أقوى الأدلة على عمق فهمهم وقوة ذكائهم وحرصهم على ما ينفعهم في دينهم به يظهر صدق متابعتهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام وحرصهم على إقامة سنته والبعد عن ما يكدرها فقد علموا أن العقل من أكبر نعم الله على عباده وأن الله جعله عوناً لصاحبه وربط الله به كثيراً من القضايا ونوّه به وبعلو شأنه ولكن السلف مع هذا يعلمون علم اليقين أن العقل له حد ينتهي إليه فإذا تجاوزه انقلب إلى الجهل والحمق سنة الله في خلقه وإن تكلف الأمور التي لا سبيل لمعرفتها إلا عن طريق النص يعتبر تعدياً وظلماً وقد يجر إلى القول على الله بغير علم والكذب عليه مع أنهم ليسوا في حاجة إلى ذلك فإن السنة واضحة ونهج من سبقهم فيها واضح وقد يجر كذلك إلى إحداث البدع وهو الأمر الذي ينفر منه السلف أشد نفور ويحذرون منه أشد تحذير فطالما جر عدم الوقوف عند النصوص إلى إحداث البدع والخرافات بل وإماتة كثير من السنن كما هو الحال عند أصحاب الأهواء وعباد العقول وتقديمهم لها على النصوص وكم من الفظائع والمآسي ارتكبت بسبب عدم فهم النصوص كما يحدثنا عنها التاريخ بل وإن تكفير أهل البدع بعضهم بعضاً ودليلهم واحد لهو أقوى الأدلة على مضار عدم فهم النصوص إذ إنه لا يوجد أي نص يؤدي إلى تكفير العاملين به بعضهم بعضاً وهو أمر معروف بداهة.
إعراض السلف عن أهل البدع
أما إعراضهم عن أهل البدع وعن مخالطتهم فقد أصبح أمراً معلوماً بالضرورة عند أهل السنة فقد حذروا من مجالسة أهل البدع والاستماع إليهم لعلمهم أن أصحاب البدع يوردون شبهات يضللون بها العامة قال تعالى : {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } (157).(44/97)
وقال تعالى : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ }(158).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث : "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"(159).
وفي رواية : "وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة"(160).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(161) وقال صلى الله عليه وسلم : "من رغب عن سنتي فليس مني"(162).
وهذه الآيات والأحاديث كلها تدل على وجوب الإعراض عن المبتدعين وعن أقوالهم وما يحدثونه في دينهم بأهوائهم التي يقدمونها على السنة ومن هنا كانت نفرة أهل السنة عن أهل البدع اتباعاً لأمر الله وأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم ونصحاً لأنفسهم ولغيرهم.
وقد أكد السلف التحذير من أهل البدع ووجوب البعد عنهم.
- قال ابن مسعود رضي الله عنه : "وستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم عليكم بالعلم وإياكم والبدع والتنطع والتعمق وعليكم بالعتيق"(163).
- عن مجاهد قال قيل لابن عمر : "إن نجده يقول كذا وكذا فجعل لا يسمع منه كراهية أن يقع في قلبه منه شيء"(164). وعن تحذيرهم من سماع كلام القدرية جاء عن أبي أمامة الباهلي قال : "ما كان شرك قط إلا كان بدؤه تكذيب بالقدر ولا أشركت أمة قط إلا بدؤه تكذيب بالقدر وإنكم ستبلون بهم أيتها الأمة فإن لقيتموهم فلا تمكنوهم من المسألة فيدخلوا عليكم الشبهات"(165).
- وعن تحذيرهم من الدخول في الخصومات مع أهل الأهواء جاء رجل إلى الحسن البصري فقال : "يا أبا سعيد إني أريد أن أخاصمك. فقال الحسن: إليك عني فإني قد عرفت ديني إنما يخاصمك الشاك في دينه"(166).(44/98)
- وعن بغض أهل الأهواء وحب الابتعاد عنهم قال أبو الجوزاء : "لئن يجاورني قردة وخنازير أحب إلي من أن يجاورني أحد منهم"(167). يعني أهل الأهواء.
- وكان الحسن يقول :"لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم"(168) .
وكان ابن طاوس جالساً فجاء رجل من المعتزلة قال فجعل يتكلم قال فأدخل ابن طاوس إصبعيه في أذنيه وقال لابنه أي بني أدخل إصبعيك في أذنيك واشدد ولا تسمع من كلامه شيئاً. قال معمر راوي الخبر يعني أن القلب ضعيف (169).
وروى الدارمي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال : "إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم بشيء دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة"(170) .
وكان الشافعي ينهى النهي الشديد عن الكلام في الأهواء ويقول : "أحدهم إذا خالف صاحبه قال كفرت والعلم فيه أنما يقول أخطأت"(171).
وقال علي بن المديني : "من قال فلان مشبه علمنا أنه جهمي ومن قال فلان مجبر علمنا أنه قدري ومن قال فلان ناصبي علمنا أنه رافضي"(172) .
وقد رويت عن السلف من النصوص الكثيرة ما لا يحتمل المقام ذكرها هنا وكلها تهدف إلى أمر واحد هو اجتناب أهل البدع والتحذير منهم امتثالاً لقول الله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }(173).
وقوله تعالى : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا }(174) .(44/99)
وفي عدم مجالستهم حماية للعقيدة وحماية لقلوبهم لئلا تميل إلى شيء من شبهات أهل الباطل وحتى لا تنتشر أفكارهم بين الناس وفيه كذلك قيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أهل البدع إن لم يجدوا من يرد عليهم تمادوا في باطلهم وضعف في نفوس الناس الإحساس بوجوب تغيير المنكر بل يستمرئون بعد ذلك وقد يعترض البعض فيقول إن مجالستهم ومناظرتهم فيها إقامة للحجة عليهم ودعوة لهم للرجوع أو يقول قد ناظر بعض السلف أهل الباطل كما فعل ابن عباس مع الخوارج وعمر بن عبد العزيز معهم أيضاً والمناظرة المشهورة لعبد العزيز الكناني مع بشر المريسي وغير ذلك والجواب والله أعلم أن مناظرة السلف لأهل البدع تعتبر بالجملة قليلة ولا يناظرونهم إلا إذا رأوا أن المصلحة تقتضي ذلك وفي مجامع عامة وعلنية.
وهي أيضاً لا تكون إلا مع من يرجى منه الرجوع أما المعاندين منهم المصرين على بدعهم الداعين إليهم فإنهم كانوا يحذرونهم ويحذرون منهم وهذا من باب الحزم وإنكار المنكر والبعد عن الشر قبل الوقوع فيه فإن مجالسة أهل البدع والاستماع لكلامهم قد يجذب الشخص إليهم وقد يتشوش فكره بكلامهم فإذا حسم الشر من أوله كان أضمن لسلامته ومن هنا فإنه يجب الحذر من قراءة كتب المخالفين والاستماع لخطبهم وكلامهم قبل أن يحصن الشخص نفسه بالقراءة عنهم ومرد شبهاتهم.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : "أن من وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه"(174) .
* * * * * * * * * * * * *
الفصل السابع
لزوم السلف جماعة المسلمين
وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك(44/100)
أما لزومهم جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق فهذا أحد الأسس التي قامت عليها عقيدتهم امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم فقد استفاضت الأدلة من كتاب الله عزّ وجلّ ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم على وجوب لزوم الجماعة والحذر من التفرق وما يؤدي إليه مهما كان نوعه.
وفي كتاب الله تعالى وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يوضح ويؤكد هذا الجانب بمزيد من العناية والبيان .
1- الأدلة من كتاب الله تعالى :
- قال الله تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ }(175) .
- وقال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } (176).
- وقال الله تعالى:{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (177).
- قال الله تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }(178).(44/101)
وهذه الآيات وغيرها مما جاء في معناها واضحة الدلالة والمراد وكلها تهدف إلى منع التفرق في الآراء والمعتقدات التي لا يتصف بها قوم إلا كانوا في طريقهم إلى الفضل رغم وضوح هذه الأدلة ورغم حاجة الأمة الإسلامية إلى العمل بمفهوم هذه الآيات البينات إلا أن المسلمين في عصرنا هذا لم يستفيدوا منها بل كان بعضهم قريباً من حال الذين أخبر الله عنهم أنهم ازدادوا بمجيء البينات اختلافاً وفرقة وبعداً عن منهج الله تعالى. قال تعالى : { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ }(179) . فما أكثر ما يجتمع المسلمون في شكل مؤتمرات وندوات ولقاءات ويكون شعارهم هو العمل بهذه الآية : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ } ولكنهم يخرجون وهم على أشد ما يكونون من الاختلاف والتنافر وما أكثر ما يقرأ المسلمون هذه النصيحة الإلهية:{ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ }.
وما أكثر ما يقرؤون غيرها من الآيات ولكن لماذا لم يستفيدوا منها؟(44/102)
والجواب : أنهم حينما يجتمعون يكون كل فريق وحزب في غاية الإصرار على أن حبل الله الذي يجب التمسك به هو ما هو عليه وحزبه ويجب على الآخرين الانضواء تحت رايتهم والسير على نهجهم وكل يرى نفس هذا الرأي وبالتالي يكون اجتماعهم لتعميق هذه الفرقة فلا يستفيدون من تلاوة هذه الآيات شيئاً لعدم إخضاع رغباتهم وأهوائهم لتحكيمها ولعدم رضاهم بالرجوع إلى الحق الذي هدى الله إليه سلف هذه الأمة وصلح عليه أمرهم وما دام كل حزب وكل فرقة تستدل بالآيات على أن الآخرين مفارقين للحق وأن الحق هو بأيديهم فقط وما داموا كذلك فلا أمل في عودة الوحدة الإسلامية . ومن عجيب أمر أهل الأهواء أن البينات التي تفصل النزاعات أصبحت هي بمفاهيم هؤلاء البدعية مصدر الاختلاف والنزاع بسبب عدم التسليم لمفهومها الصحيح وإلا فهي ليست كذلك وحبل الله وصراطه المستقيم واحد لا تعدد فيه { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } فكيف يتعدد الحق وكيف تصبح كل تلك الفرق والطوائف المبتعدة عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وعن سبيل المؤمنين كيف يصبحون كلهم على حق.
2- الأدلة من السنة النبوية
وكما تعددت الأدلة من كتاب الله تعالى على النهي عن التفرق وعلى وجوب التمسك بالجماعة تعددت الأدلة كذلك من السنة النبوية على هذا الجانب الهام في العقيدة الإسلامية.
ومما ورد في ذلك:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يرضى لكم ثلاثاً أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم" (180).(44/103)
2- عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد هذا الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك(181).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية .. الحديث(182) .
- وعن عرفجة بن شريح الأشجعي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان" (183).
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة"(184).(44/104)
- وهذه الأحاديث وغيرها مما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها تؤكد على وجوب لزوم الجماعة والتحذير من التفرق ولو تمسك بها المسلمون وحققوها لكانوا على الخير الذي مضى عليه السلف الكرام من الصحابة ومن تبعهم بإحسان ولعاد للمسلمين سؤددهم وكرامتهم التي فقدت في عصرنا الحاضر بسبب التفرق وعدم الإذعان لتعاليم الشريعة السمحاء ومع ذلك لا يزال الخير إن شاء الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة ما داموا متمسكين بالحق قولاً وعملاً والله تعالى يقول : { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }(185) .
* * * * * * * * * * * * * *
الفصل الثامن
الثناء على السلف رحمهم الله تعالى
1- الثناء على الصحابة الكرام من كتاب الله تعالى :
أثنى الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم وأثنى رسوله صلى الله عليه وسلم على الصحابة الكرام وأن لهم محاسن وفضائل لا يمكن أن يلحقهم فيها من جاء بعدهم فهم خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين وزمنهم أفضل الأزمان ورضي الله عنهم فوق كل اعتبار لا ينتقصهم إلا ضال منافق لا يعرف الإسلام وكلهم عدول.
وينقسمون إلى قسمين إلى مهاجرين وإلى أنصار رضي الله عنهم جميعاً هذا هو تقسيم أهل الحق لهم أما غيرهم من أهل الباطل فيقسمونهم إلى قسمين مرتدين وهم سائر الصحابة وغير مرتدين وهم عدد لا يتجاوز أصابع اليد.
- ومن ثناء الله سبحانه وتعالى على الصحابة في كتابه العزيز .
قوله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }(186) .(44/105)
- و قوله تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا }(187) .
- وقوله تعالى : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } (188).
- وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }(189).
- وقوله تعالى : {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (190).
- وقوله تعالى : { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {8} وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {9} وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }(191) .(44/106)
وهذه الآيات الكريمات كلها تدل على فضل الصحابة رضوان الله عليهم من المهاجرين والأنصار ومن السابقين إلى الإسلام قبل الفتح ومن جاء بعدهم على طريقتهم مع تفضيل السابقين بمزيد فضل – وكلهم على فضل – وفيها بيان ما أعد الله لهم من ثواب ونعيم في الآخرة وبيان ما امتازوا به من الشدة على الكفار والرحمة فيما بينهم بل أن شدتهم هي في حقيقتها رحمة بالكفار لكي يدخلوا في الإسلام ويخرجوا من الظلمات إلى النور وهي صفات عظيمة المسلمون اليوم في أحوج ما يكونون للإنصاف بها بعد أن انعكس الأمر لدى الكثير منهم حيث صاروا أشداء فيما بينهم رحماء مع مخالفيهم وقد أخبر سبحانه عن رضاه عن الصحابة جميعاً وبالأخص أصحاب بيعة الرضوان وأثنى على الأنصار وبين صفتهم التي لا يصل إليها إلا الموفق في الكرم والإيثار.
وبين أن فريقاً من المؤمنين جاؤوا من بعدهم دائماً يتوسلون إلى الله تعالى أن يغفر لهم ولإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان وهي صفة عظيمة تدل على فطر سليمة ونفوس طاهرة وقد اتصف السلف بهذه الصفة الطيبة وحققوها في أكمل صورها كما اتصف مبغضوهم بعكسها تماماً فقد ظهر حثالة البشر من الرافضة النواصب والخوارج وسائر من ألحد وخرج عن هدى السلف ظهر هؤلاء يسبون الصحابة ويفترون عليهم وعلى سائر السلف مما يدل على أنهم ليسوا على طريق هؤلاء الكرام الذي يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان وبدلاً من قيامهم بهذا الواجب من الاستغفار لهم ذهبوا يكيلون التهم ويدعون عليهم ويستهزئون بهم محاده لله تعالى وهذه دلالة قاطعة على جهل هؤلاء بسيرة السلف الصالح بل وبأمر الله تعالى في هذا.
2- ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم :(44/107)
أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم ثناءًا عاطراً على الصحابة الكرام ويكفيهم فخراً أنه كان راضياً عنهم محباً لأخلاقهم خصوصاً أولئك الذين نصروه في ساعة العسرة باذلين أموالهم وأنفسهم وأولادهم حباً فيه وفي رفع هذا الدين العظيم حتى أتم الله لهم ودخل الناس في دين الله أفواجاً فلهم الفضل بعد الله على سائر البشر وسائر الناس مدينون لهم بالشكر والتقدير إذ لولا فضل الله ثم قيام أولئك بنصرة الإسلام لما وصل إلى ما وصل إليه ولهذا فكل منتسب إلى الإسلام مدين لهم بالشكر والتقدير ومن ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم:
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه"(192) وذلك لامتياز عبد الرحمن بن عوف بالأسبقية إلى الإسلام وتأخر خالد إلى ما بعد بيعة الرضوان فإن حال الذين أسلموا بعد الحديبية وإن كان قبل فتح مكة لكنهم ليسوا على درجة من سبقهم في الفضل وفي مضاعفة الحسنات لهم فإن نصف مد منهم أجره أعظم من أجر من تصدق بمثل أحد ذهباً لو حصل ذلك فكيف بحال من ظهر في قرون الشر وصار ينتقص كل أولئك الصحابة.
- وورد في الصحيحين عن عمران بن حصين وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة(193) .
- وفي صحيح مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها (194).(44/108)
- وروى الترمذي عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن أذاني فقد أذى الله تعالى ومن آذى الله تعالى فيوشك أن يأخذه"(195) .
كما أثنى الله تعالى وأثنى رسوله صلى الله عليه وسلم على بعض الصحابة بخصوصهم مثل أبي بكر وعمر وعلي وعثمان وابن مسعود وأبو عبيدة وأبو ذر ومعاذ بن جبل وغيرهم ممن صحت فيه النصوص.
وأجمع علماء الإسلام على عدالتهم وفضلهم والمفاضلة بينهم من دون انتقاص أحد منهم وإنما هو تفضيل كتفضيل بعض الأعضاء على البعض الآخر منها وتلك المفاضلة بين الصحابة تعود إلى الأسبقية في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم الإيمان والبذل في سبيل الله إرضاء الله ثم لنبيه الكريم في الدفاع عنه وعن ما جاء به من الحق وإذا كان هذا حال الصحابة فما هو حال من لا يساوي شيئاً بالنسبة لهم.
3- ثناء السلف عليهم :
- وبهذا المعنى ورد أنه قيل لعائشة رضي الله عنها أن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر فقالت وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر(196) .
- وعن ابن عباس أنه قال لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم خير من عمل أحدكم أربعين سنة وفي رواية وكيع : "خير من عبادة أحدكم عمره"(197) .(44/109)
- وقد وصفهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله:"إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيئ" (198) .
- وفي رواية عنه أنه قال:" من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"(199) .
الفصل التاسع
جهودهم في خدمة الإسلام
تنوعت جهود السلف في خدمة الإسلام وأهمها :
1- جهودهم الحربية.
2- جهودهم في بيان العقيدة الإسلامية.
أما جهودهم الحربية فإن التاريخ مليء بذكرها غني بأحداثها لا يجهل أي مسلم ذلك ابتداءاً بجهودهم الحربية بين يدي نبيهم صلى الله عليه وسلم في معارك عديدة كبدر وأحد والخندق وسائر الغزوات التي خاضوا غمارها لا يطلبون منها إلا رضى ربهم ونبيهم ولم ينتقل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه إلا وقد قرت عينه وانشرح صدره ومات وهو عنهم راض.
ولم تنقطع المعارك الحربية والفتوحات بوفاته صلى الله عليه وسلم بل اشتدت وتعددت على يد خلفائه الميامين ابتداءاً بأبي بكر رضي الله عنه وما قام به من جهود عظيمة في محاربة المرتدين ومن بعدهم من الكفار وجعل الله في أيامه خيراً عظيماً ونفعاً بليغاً أعاد الجزيرة إلى دولة إسلامية واحدة ثم انتقل إلى البلاد الأخرى يفتحها البلد تلو البلد.(44/110)
وبعد وفاته وانتقال الخلافة إلى عمر رضي الله عنه ازدادت رقعة الدولة الإسلامية وأوصلها بجهوده بعد نصر الله إلى ما يسمى في عصرنا الحاضر بالامبراطورية وكذا في عهد الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه ثم تتابعة الفتوحات على يد معاوية رضي الله عنه وبلغت الدولة الإسلامية قمة مجدها وازدهارها وجاءت الدولة العباسية وسلكت نفس الاتجاه إلى أن جاءت أيضاً الدولة العثمانية وكانت لها جهود رائعة في انتشار الإسلام ونشره وكان علماء السلف هم المحركون لتلك الأحداث بخطبهم الحماسية وإثارة روح التضحية في سبيل الله تعالى بل والمشاركة الجادة في خوض المعارك ولا يغيب عن ذهن القارئ ما فعله شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره في وقوفهم ضد التتار وانتصارهم عليهم فحفظ الله بهم الدين لما ادخره لهم من جزيل الأجر والثواب.
2- جهودهم في خدمة العقيدة: ...
ولا ريب أن العقيدة الإسلامية صافية نقية محجة بيضاء ولهذا ما إن ظهرت البدع والفتن التي أراد أهلها – بسوء نية – التشويش على صفاتها وطمس نورها إلا ووقف السلف بكل حزم وشجاعة ويقين لردها والإنكار عليها وعلى أهلها لا تأخذهم في الله لومة لائم فحفظ الله بهم الدين وأتم بهم النعمة ولولا فضل الله ثم تلك الجهود التي بذلوها لاختلط الحق بالباطل وقال من شاء في الدين بما شاء ولانتشرت البدع والخرافات الباطلة إلى أن يصبح المسلمون في دينهم كما أصبح عليه من قبلهم ولكن الله لم يرض بهذا فقد تكفل بحفظ دينه الذي ارتضاه إلى يوم القيامة وسخر له رجالاً خدموه يبتغون فضل الله ورضوانه ما كانت تأخذهم في الله لومة لائم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.(44/111)
فقد كان السلف من الرعيل الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخلص الناس وأشدهم حفاظاً على شعائر الإسلام كانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم يتناصحون ويرشدون لا يقر لأحدهم قرار إذا رأى منكراً أو بدعة من قريب أو من بعيد لا يداهنون أحداً ولا يرهبون إلا ربهم.
ولو بدأنا التعرف على جهودهم في زمن الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه لرأينا مدى اهتمامه بالحفاظ على العقيدة الإسلامية صافية نقية وما محاربته لأهل الردة وإرجاعهم إلى الدين إلا مظهر من مظاهر اهتمامه بخدمة العقيدة بل وما كانت هجرته إلى المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أحد الشواهد على ذلك فلقد ترك المال والبنين والأهل والأحبة ليفر إلى البلد الذي يأمن فيه على عقيدته وما إنفاقه في سبيل الله وإعتاقه الرقاب إلا لوجه الله وخدمة عقيدته الحنيفية ولقد أسلم على يده أفذاذ كانوا مفخرة الإسلام والمسلمين ويطول الشرح لو أردنا استقصاء أعماله التي قدمها مبتغياً بها وجه الله وخدمة دينه.
وكذلك الحال مع الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي اقض مضاجع أعداء الإسلام وأعلى الله به كلمة الحق وظهر المسلمون على أعدائهم ودخل الناس في دين الله أفواجاً وكانت درته سيفاً مسلطاً على رقاب أهل البدع وكانت سيرته العطرة وأخباره المشرقة مثار دهشة وإعجاب العالم أجمع كان شديداً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم شديد على أهل البدع يضربهم بالدرة مؤدباً لرعيته بأقواله وأفعاله. دخل عليه شاب طويل الثوب وعمر يجود بنفسه فسلم عليه فلما خرج ناداه عمر فرجع إليه الشاب فقال له يا بني أقصر من ثوبك فإنه أنقى لثوبك واتقى لربك أو كلاماً نحو هذا ولم يشغله ما هو فيه من سكرات الموت حتى عن التنبيه على هذه المسألة فما الظن بغيرها؟(44/112)
وقد ضرب رجلاً اسمه صبيغ حتى أدمى رأسه لأنه كان مغرماً بالسؤال عن المتشابهات وهدد أبا موسى الأشعري حين استأذن ثلاثاً وانصرف قائلاً له لماذا استأذنت ثلاثاً وانصرفت فقال له هكذا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وكان أبو موسى صادقاً وعمر يعرفه بالصدق ولكنه أراد أن يحد ويؤدب من عسى أن تسول له نفسه التقول على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له هات شاهداً وإلا فعلت وفعلت بك وكان مهاباً رغم تواضعه الجم تهابه الناس وتهابه الشياطين كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يسلك وادياً أو فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً آخر وأخباره لا تستقصيها هذه العجالة رضي الله عنه.
وبعد وفاته واستشهاده خلفه عثمان رضي الله عنه فأبلى في الإسلام وفي خدمته وفي الفتوحات ونشر الإسلام وخدمة العقيدة الحنيفية ما طفحت به المراجع التاريخية.
ومن أجل خدماته للإسلام كرمه الواسع ابتغاء مرضات الله تعالى وإنفاقه الذي فاق التصور ثم فتوحاته ونشر الإسلام ولا ينسى القارئ أجل خدمة قام بها عثمان في شأن كتاب الله تعالى إلى أن استشهد على يد البغاة عاقبهم الله بما يستحقون.
ثم خلفه علي رضي الله عنه على نفس الأهداف في خدمة الدين ورفع رايته ومحاربة أهل الكفر وأهل البدع بأقواله وأفعاله حتى لقي ربه ثم جاءت الدولة الأموية وكان لأول ملوكهم معاوية رضي الله عنه وهو من خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين خدماته الجليلة للإسلام والمسلمين فقد فُُتحت البلدان الكثيرة في عهده وعهد خلفائه وانتشر الإسلام انتشاراً واسعاً وكان رضي الله عنه محارباً لكل محدث في الدين حماية للعقيدة الإسلامية أن تدنس بالشبهات.
ونبغ في عهد الدولة الأموية ثم العباسية علماء أجلاء خدموا الدين وقدموا أنفسهم في سبيل الحفاظ على صفائه ونقائه.(44/113)
ولم يخل عهد من العهود إلا وفيه جهابذة من علماء السنة ومن المحافظين على بقاء ونقاء الإسلام إلى يومنا الحاضر ولله الحمد فلا ننسى تلك المواقف المشرفة لعلماء السلف في خدمة الدين الإسلامي. أمثال الإمام المبجل إمام أهل السنة أحمد بن حنبل والعز بن عبد السلام وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى أن جاء في العهد القريب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي جدد الله به كثيراً من السنن التي كادت أن تندثر وأذل به كثيراً من أهل البدع التي انتشرت وأخذت حيزاً واسعاً في عقول المسلمين ويطول جداً ذكر علماء السنة وذكر جهودهم في خدمة العقيدة فقد كُتبت المطولات العديدة في هذا الشأن ومن الصعوبة حصرها جميعاً أو حصر جهود مؤلفيها في وقفاتهم التي أصبحت نموذجاً يحتذى به ومشعلاً يستضاء به تلك الجهود التي قمع بها فتن المارقين أصحاب البدع ومختلف الفرق من جهمية ومعتزلة أشعرية و ما تريدية وخوارج ومرجئة من بدء ظهورهم إلى يومنا الحاضر فأدوا الأمانة الملقاة على عواتقهم وابرؤوا ذممهم ونصحوا الأمة فحذروا وبينوا وألفوا الكتب والمقالات وكم لهم من محاضرات ومناظرات دحضوا فيها شبه الضالين وأقاموا الحجة على كل السامعين فانقلبوا بنعمة من الله تعالى وما هذه المؤلفات العديدة التي تزخر بها المكتبات الإسلامية إلا ثمرة من ثمار جهودهم وأقوى الشواهد على بلائهم.
بيان مجمل اعتقادات السلف في سائر أبواب الاعتقاد
لقد تميزت عقيدة السلف بقيامها على الكتاب والسنة في كل جزئية منها فكانت تلك العقيدة هي المحجة البيضاء التي تركنا عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم سهلة في تطبيقها واضحة في دلالاتها لا يزيغ عنها إلا المبتدعون أصحاب الأهواء الباطلة والاتجاهات الفاسدة.
ومما أود التنبيه عليه أن عقيدة السلف قد دونها العلماء بمؤلفات كثيرة بل كتبوا في كل جزئية مجلدات ضخمة كما سبق بيانه.(44/114)
ولذلك فمن غير السهولة أن أذكرها هنا مفصلة وإنما أكتفي بذكرها على طريق الإجمال والإيجاز بحيث يكفي المستعجل فينال بغيته في التعرف على عقيدة السلف إن لم يتمكن من الاطلاع عليها بالتفصيل في مراجعها.
وقد عبر عن ذلك الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه (الإبانة عن أصول الديانة) بعد أن رجع إلى مذهب السلف ودان الله به كما عبر عنه أيضاً في كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) ففي كتابه (الإبانة) قال رحمه الله تعالى: فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون.
قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عزّ وجلّ، وبسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون. وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه، ورفع درجته وأجزل مثوبته، قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفخم وعلى جميع أئمة المسلمين.(44/115)
وجملة قولنا أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نريد من ذلك شيئاً وأن الله عز وجل إله واحد لا إله إلا هو، فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور وأن الله استوى على عرشه كما قال:{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }(200)وأن له وجهاً بلا كيف كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ}(201) وأن له يدين بلا كيف، كما قال:{ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ }(202) . وكما قال:{ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ }(203) وأن له عيناً بلا كيف، كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا }(204) وأن من زعم أن أسماء الله غيرة كان ضالاً وأن لله علماً كما قال:{ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ }(205).
وكما قال: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}(206). ونثبت لله السمع والبصر ولا ننفي ذلك، كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ونثبت أن لله قوة كما قال: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}(207) نقول : إن كلام الله غير مخلوق وإنه لم يخلق شيئاً إلا وقد قال له : كن فيكون، كما قال : {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(208) .
وأنه لا يكون في الأرض شيء من خير وشر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله عزّ وجلّ وأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله الله(209) .(44/116)
ولا نستغني عن الله، ولا نقدر على الخروج من علم الله عزّ وجلّ وأنه لا خالق إلا الله(210) وأن أعمال العبد مخلوقة لله مقدورة، كما قال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }(211)وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا وهم يخلقون، كما قال: { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}(212) وكما قال: { لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}(213) وكما قال: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ}(214)، وكما قال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}(215). وهذا في كتاب الله كثير وأن الله وفق المؤمنين لطاعته، ولطف بهم، ونظر إليهم، وأصلحهم، وهداهم، وأضل الكافرين، ولم يهدهم، ولم يلطف بهم بالإيمان، كما زعم أهل الزيغ والطغيان، ولو لطف بهم وأصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين، كما قال تبارك وتعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(216) وأن الله يقدر أن يصلح الكافرين، ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وأنه خذلهم وطبع على قلوبهم(217) وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره، وأنّا نؤمن بقضاء الله وقدره، خيره وشره، حلوه ومره، ونعلم أن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله وأنا نلجأ في أمورنا إلى الله، ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه ونقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن من قال بخلق القرآن فهو كافر –وندين بأن الله تعالى يُرى في الآخرة بالأبصار كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنة كما قال الله عزّ وجلّ: {كلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}(218)وأن موسى عليه السلام سأل الله عزّ(44/117)
وجلّ الرؤية في الدنيا، وأن الله تعالى تجلى للجبل، فجعله دكاً، فأعلم بذلك موسى أنه لا يراه في الدنيا، ونرى بأن لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب(219) يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمر، كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم كافرون ونقول: إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبههما مستحلاً لها غير معتقد لتحريمها كان كافراً.
ونقول: إن الإسلام أوسع من الإيمان، وليس كل إسلام إيماناً. وندين بأن الله تعالى يقلب القلوب: ((وأن القلوب بين إصبعين من أصابع الله عزّ وجلّ (220)، وأنه سبحانه يضع السماوات على إصبع والأرضين على إصبع))(221).
كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف. وندين بأن لا ننزل أحداً من أهل التوحيد والمتمسكين بالإيمان جنةً ولا ناراً إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ونرجوا الجنة للمذنبين، ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين.(44/118)
ونقول: إن الله عزّ وجلّ يخرج قوماً من النار بشفاعة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقاً لما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى تنتهي الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض، وإن الميزان حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق وأن الله عزّ وجلّ يوقف العباد في الموقف ويحاسب المؤمنين وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ونسلم الروايات الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وندين بحب السلف الذين اختارهم الله عزّ وجلّ لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونثني عليهم بما أثنى به عليهم، ونتولاهم أجمعين ونقول: إن الإمام الفاضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضوان الله عليه، وأن الله أعز به الدين وأظهره على المرتدين وقدمه المسلمون للإمامة كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة، وسموه بأجمعهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه وأن الذين قتلوه قتلوه ظلماً وعدواناً، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافتهم خلافة النبوة ونشهد بالجنة للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، ونتولى سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونكف عما شجر بينهم. وندين الله بأن الأئمة الأربعة خلفاء راشدون مهديون فضلاء لا يوازيهم في الفضل غيرهم.(44/119)
ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا وأن ((الرب عزّ وجلّ يقول: هل من سائل، هل من مستغفر))(222) وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافاً لما قاله أهل الزيغ والتضليل ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا تبارك وتعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين، وما كان في معناه. ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها، ولا نقول على الله ما لا نعلم ونقول: إن الله عزّ وجلّ يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} وأن الله عزّ وجلّ يقرب من عباده كيف شاء كما قال: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}وكما قال:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى }ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وفاجر، كما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي خلف الحجاج وأن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافاً لقوله من أنكر ذلك. ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم، وتضليل من رأى الخروج عليهم، إذا ظهر منهم ترك الاستقامة وندين بإنكار الخروج عليهم بالسيف، وترك القتال في الفتنة ونقر بخروج الدجال(223) كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير ومساءلتهما المدفونين في قبورهم ونصدق بحديث المعراج(224) ونصحح كثيراً من الرؤيا في المنام ونقر أن لذلك تفسيراً ونرى الصدقة عن موتى المسلمين، والدعاء لهم ونؤمن بأن الله ينفعهم بذلك ونصدق بأن في الدنيا سحراً وسحرة، وأن السحر كائن موجود في الدنيا وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وتوارثهم ونقر أن الجنة والنار مخلوقتان.(44/120)
وأن من مات أو قتل فبأجله مات أو قتل وأن الأرزاق من قبل الله عزّ وجلّ يرزقها عباده حلالاً وحراماً وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويتخبطه خلافاً لقول المعتزلة والجهمية، كما قال الله عزّ وجلّ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ }(225) وكما قال:{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}(226) ونقول: إن الصالحين يجوز أن يخصهم الله عزّ وجلّ بآيات يظهرها عليهم وقولنا في أطفال المشركين (إن الله يؤجج لهم في الآخرة ناراً، ثم يقول لهم اقتحموها) كما جاءت بذلك الرواية(227)، وندين الله عزّ وجلّ بأنه يعلم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون، وما كان وما يكون، وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون وبطاعة الأئمة ونصيحة المسلمين، ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعته ومجانبة أهل الأهواء: وسنحتج لما ذكرناه من قولنا وما بقي منه مما لم نذكره باباً باباً وشيئاً شيئاً إن شاء الله تعالى.
ونجد الأشعري قد أكد أيضاً تلك الأمور في كتابه: (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) وفي بيانه لاعتقاد أصحاب الحديث.
وقد رغبت أن أثبتها كما جاءت في الكتاب القيم تتميماً للفائدة وتأكيداً لكلامه في الإبانة وأن مصدر هذين الكتابين هو الأشعري رحمه الله تعالى.
هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة(228):(44/121)
جملة ما عليه أهل الحديث والسنة: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يردون من ذلك شيئاً، وأن الله –سبحانه- إله واحد فرد صمد، لا إله غيره، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور وأن الله –سبحانه- على عرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(229) وأنه له يدين بلا كيف، كما قال: { خَلَقْتُ بِيَدَيَّ }(230)، كما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ }(231) وأنه له عينين بلا كيف، كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا }(232) وأن له وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ}(233).
وأن أسماء الله لا يقال: إنها غير الله؛ كما قالت المعتزلة والخوارج، وأقروا أن لله –سبحانه- علماً كما قال:{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}(234)وكما قال:{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}(235) وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله، كما نفته المعتزلة، وأثبتوا لله القوة، كما قال:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً }(236) وقالوا: إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر، إلا ما شاء الله، وإن الأشياء تكون بمشيئة الله، كما قال عزّ وجلّ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}(237) وكما قال المسلمون: ما شاء الله كان، وما لا يشاء لا يكون.
وقالوا: إن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله، أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله، أو أن يفعل شيئاً علم الله أنه لا يفعله.
وأقروا أنه لا خالق إلا الله، وأن سيئات العباد يخلقها الله، وأن أعمال العباد يخلقها الله عزّ وجلّ، وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا منها شيئاً.(44/122)
وأن الله وفق المؤمنين لطاعته، وخذل الكافرين، ولطف بالمؤمنين، ونظر لهم، وأصلحهم، وهداهم، ولم يلطف بالكافرين، ولا أصلحهم، ولا هداهم، ولو أصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين.
وأن الله –سبحانه- يقدر أن يصلح الكافرين، ويلطف بهم، حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن لا يصلح الكافرين، ويلطف بهم، حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وخذلهم، وأضلهم وطبع على قلوبهم.
وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره، ويؤمنون بقضاء الله وقدره، خير وشره حلوه ومره، ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، إلا ما شاء الله كما قال، ويُلجئون أمرهم إلى الله –سبحانه- ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت، والفقر إلى الله في كل حال.
ويقولون: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم، لا يقال: اللفظ بالقرآن مخلوق، ولا يقال: غير مخلوق.
ويقولون: إن الله –سبحانه- يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون، ولا يراه الكافرون، لأنهم عن الله محجوبون، قال الله عزّ وجلّ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وإن موسى –عليه السلام- سأل الله سبحانه الرؤية في الدنيا، وإن الله –سبحانه تجلى للجبل، فجعله دكاً، فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة.(44/123)
ولا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه، كنحو الزنا والسرقة، وما أشبه ذلك من الكبائر، وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون، وإنما ارتكبوا الكبائر والإيمان –عندهم- هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالقدر خير وشره، حلوه ومره، وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، وأن ما أصابهم لم يكن ليخطأهم. والإسلام هو: أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، على ما جاء في الحديث، والإٍسلام عندهم غير الإيمان. ويقرون بأن الله –سبحانه- مقلب القلوب.
ويقرون بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها لأهل الكبائر من أمته، وبعذاب القبر، وأن الحوض حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق، والمحاسبة من الله عزّ وجلّ للعباد حق، والوقوف بين يدي الله حق ويقرون بأن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق، ويقولون أسماء الله هي الله، ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار، ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله –سبحانه- ينزلهم حيث شاء، ويقولون: أمرهم إلى الله، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ويؤمنون بأن الله –سبحانه- يخرج قوماً من الموحدين من النار، على ما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينكرون الجدل، والمراء في الدين، والخصومة في القدر، والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل، وينازعون فيه من دينهم، بالتسليم للروايات الصحيحة، لما جاءت به الآثار التي رواها الثقات، عدلاً عن عدل، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقولون: كيف؟ ولا لم؟ لأن ذلك بدعة.(44/124)
ويقولون: إن الله لم يأمر بالشر، بل نهى عنه، وأمر بالخير، ولم يرض بالشر، وإن كان مريداً له ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله –سبحانه - لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً رضوان الله عليهم ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم .
ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن الله –سبحانه- ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر؟ كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله عزّ وجلّ: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء:59] .
ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين، وألا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله.
ويقرون أن الله –سبحانه- يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}[الفجر:22]، وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ ق:16].
ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل إمام، بر وفاجر، ويثبتون المسح على الخفين سنة، ويرونه في الحضر والسفر.
ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – إلى آخر عصابة تقاتل الدجال، وبعد ذلك.
ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح، وألا يخرجوا عليهم بالسيف، وألا يقاتلوا في الفتنة، ويصدقون بخروج الدجال، وأن عيسى ابن مريم يقتله.
ويؤمنون بمنكر ونكير، والمعراج، والرؤيا في المنام، وأن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم.
ويصدقون بأن في الدنيا سحرة، وأن الساحر كافر كما قال الله تعالى، وأن الساحر كائن موجود في الدنيا.(44/125)
ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وموارثتهم ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان.
وأن من مات مات بأجله، وكذلك من قتل قتل بأجله وأن الأرزاق من قبل الله –سبحانه- يرزقها عباده، حلالاً كانت أم حراماً وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويتخبطه وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله بآيات تظهر عليهم وأن السنة لا تُنسخ بالقرآن وأن الأطفال أمرهم إلى الله: إن شاء عذبهم، وإن شاء فعل بهم ما أراد وأن الله عالم ما العباد عاملون، وكتب أن ذلك يكون، وأن الأمور بيد الله.
ويرون الصبر على حكم الله، والأخذ بما أمر الله به، والانتهاء عما نهى الله عنه وإخلاص العمل، والنصيحة للمسلمين، ويدينون بعبادة الله في العابدين، والنصيحة لجماعة المسلمين، واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والعصبية والفخر والكبر والإزراء عن الناس والعجب.
ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة، والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار، والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب فهذه جملة ما يأمرون به، ويستعملونه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبه نستعين، وعليه نتوكل، وإليه المصير.
وفي كتب أهل السنة والجماعة تفصيل وأدلة كل مسألة مما تقدم ذكره فارجع إلى كتبهم إن أحببت الاطلاع على تلك التفاصيل.
وقد أورد اللالكائي رحمه الله فصلاً طويلاً عن اعتقاد علماء السلف وعدد أسمائهم وذكر مقالاتهم تحت عنوان ((سياق ما روي عن المأثور عن السلف في جمل اعتقاد أهل السنة والتمسك بها والوصية بحفظها قرناً بعد قرن))(238) .
ثم شرع في بيان اعتقادهم (الصحابة فمن بعدهم) في مسائل العقيدة وقد سار على هذا المنهج عدة من المؤلفين السلف رحمهم الله جميعاً.
* * * * * * * * * * * * *(44/126)
الفصل العاشر
بيان وسطية أهل السنة
في مسائل الاعتقاد وسلامتهم من ضلالتي
الإفراط والتفريط(239)
المتتبع لمنهج السلف يجد أن الله تعالى قد هداهم إلى الوسط في عقيدتهم فلا إفراط ولا تفريط قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}(240) أي خياراً عدولاً وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير الأمور أوسطها))(241) .
وقد ميز الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بهذه المزية العظيمة وشرفهم بها وهداهم إلى الحق فلا تجد عند المتمسكين بهدي الكتاب والسنة إفراطاً ولا تفريطاً(242)، لأنهما أشد مصادر الهلاك والضلال وبسببهما انتشرت البدع والخرافات بل وعبادة غير الله تعالى والشرك به بتزيين الشيطان وخدعه المتنوعة كما وقع لقوم نوح في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسراً وكما وقع لغيرهم من بعدهم من الأمم.
وتظهر وسطية أهل السنة في جميع مسائل الاعتقاد سواء ما يتعلق منها بذات الله عزّ وجلّ أو بصفاته.
ويتبين فيما يلي:
وسطيتهم بين الأمم الكافرة أصحاب الديانات الوضعية.
وسطيتهم بين الفرق التي تنتسب إلى الإسلام.
1- وسطيتهم بين الأمم الكافرة:
ويظهر هذا بوضوح عند المقارنة بين مفهوم الذات الإلهية في عقيدة أهل السنة وفي عقائد غيرهم.
أ- وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى:(44/127)
فإن الله تعالى في عقيدة أهل السنة لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء فذاته بخلاف ما يتصور العقل، له ذات تليق بجلاله وله صفات تليق بجلاله وله أسماء تليق بجلاله حتى ولو كانت صفاته وأسماؤه قد أطلقت على المخلوق فإن العقل يدرك تماماً أن مجرد الاتفاق في التسمية لا يدل على المماثلة وهو واضح في المخلوقات تمام الوضوح فكيف بالخالق سبحانه وتعالى ولقد ضلت سائر الملل عن هذا المنهج(243) فبعضهم وصف ذات الله تعالى بأنها كذوات خلقه وهم اليهود، والمشبهة وبعضهم وصفوا غير الله تعالى بذات الله كالنصارى حينما ادعوا أن المسيح ابن الله وأنه إله، واليهود وصفوه عزّ وجلّ بأنه قد كبر وشاخ ولم يعد قادراً على تصريف الأمور إلا بمشورة موسى عليه السلام(244) كما تدل على ذلك التوراة ونصوص التلمود وتصريح زعماء إسرائيل ووصفوه بالنقص وألحقوا العيوب به فلا فرق بينه وبين خلقه تعالى في مفاهيم المنحرفة.
ولكن عند المسلمين هو سبحانه: ((أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)).
وقرروا أن الكلام في الصفات فرع عن معرفة الذات فكما أن ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين وهذا المفهوم السهل الواضح وهو ما عناه الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ولولا ظهور الشبهات واستحواذ الشياطين على عقول المخالفين لكان تصور ما تقدم يكفي لردهم إلى الحق.
ب-وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء :
وأهل السنة وسط في ما يتعلق بأنبياء الله تعالى فهم يؤمنون بأنهم بشر مثل سائر البشر شرفهم الله بوحيه ورسالته وأنهم أطهر الناس وأعقل الناس ولكن لا يرفعونهم فوق مرتبتهم ولا ينزلونهم عن قدرهم ويؤمنون أنهم لا يعلمون الغيب ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا بإذن الله.(44/128)
بينما تجد التوراة مملوءة بذكر عيوب أنبياء الله وأنهم حسب إفك كتاب التوراة من أحرص الناس على المال وأشدهم طلباً ولو كان سبيل ذلك تقديم العرض كما يكذبون على خليل الله إبراهيم وزوجته سارة وأنهم- وحاشاهم- زناة كما يكذبون على لوط ويعقوب وداود وسليمان وغيرهم وبينما تجد هذا البهت عند اليهود تجد أن النصارى قابلوهم بالضد فادعوا لبعض الأنبياء وغيرهم الألوهية كعيسى عليه الصلاة والسلام وأمه وروح القدس.
ثم غلوا في علمائهم فأنزلوهم منزلة الخالق في التشريع والتحليل والتحريم كما أخبر الله عنهم وبرأ الله المسلمين من ذلك كله وأهل السنة والجماعة في قمة التوسط في نظرتهم إلى علمائهم على حد قول الشاعر:
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد * * * كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وما أكثر ما كان يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله))(245).
كما نجد في القرآن الكريم أكثر من آية يوجه الله الخطاب فيها إلى أهل الكتاب ويذمهم بسبب غلوهم في الأنبياء وفي عبادتهم التي قامت على الإفراط والتفريط اتباعاً لما تمليه عليهم الشياطين.
ج- وسطيتهم في عبادة الله تعالى:
سلك أهل السنة مسلكاً صحيحاً يؤيده الكتاب والسنة حيث عبدوا الله بما شرع لهم في كتابه أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا يزيدون في عبادتهم ولا ينقصون كما شرع لهم ربهم، ولا يشرعون لأنفسهم عبادة لم يؤيدها الدليل في كل جزئية من أمور العبادة البدنية أو القولية بينما تجد من خرج عن هدى الإسلام قد جعل إلهه هواه وأهل الكتاب هم القمة في هذه الصفة الذميمة.(44/129)
فاليهود –وهم أهل تفلت وتحريف واستكبار- نجدهم من أشد الناس ابتعاداً عن العبادة حسب ما شرع الله لهم ومن أشد الناس كسلاً عنها، فقد أمرهم الله أن يدخلوا الباب سجداً فدخلوه زحفاً على أعقابهم وأمرهم أن يقولوا حطة فقالوا حنطة بل وأمرهم أن يدخلوا فلسطين فقالوا لموسى: ((اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون)) بل وأمرهم الله تعالى أن يعبدوه فعبدوا العجل والحية نخشتان وآلهة أخرى.
ولهذا وصفهم موسى عليه الصلاة والسلام بأنهم أصلاب غلاط الرقبة عصاة أصحاب عناد واستكبار وحب للفتن.
ووضعهم اليوم في فلسطين مع جيرانهم أقوى شاهد على هذا السلوك البغيض منهم فإنهم لا يعيشون إلا في الفتن وتأجيجها وفي التفنن في المؤامرات.
وأما النصارى فهم بضد اليهود غلوا في العبادة والتقرب إلى الله حتى خرجوا عن منهج الله وأمره بتزيين الشيطان لهم وحرموا على أنفسهم ما أحل لهم وابتدعوا رهبانية لم يستطيعوا القيام بها.
وقد وصف الله هذا السلوك الأحمق بقوله تعالى: { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}(246).
د- وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة:
من أصول أهل السنة والجماعة في باب الصفات:
- وجوب الإيمان واليقين بجميع أسماء الله وصفاته كما وردت بألفاظها الشرعية نفياً وإثباتاً بينما نجد المشركين وأهل الكتاب في غاية البعد عن التزام ذلك.
- وأن لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه في كتابه الكريم أو على لسان نبيه العظيم ولا يجوزون اختراع أسماء أو صفات لله تعالى لم ترد في الوحيين.
- الإيمان بمعاني الصفات وقطع الطمع عن البحث في كيفياتها.(44/130)
- الإيمان بأن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر.
- الإيمان بأن الكلام في الصفات فرع عن معرفة الذات.
وهذه الأمور المجملة عن عقيدتهم في هذا الجانب هو الذي يتفق ونصوص الشرع ويرتاح العقل إلى قبوله، فهو أمر منطقي لا تكلف فيه ولا هضم وهو الذي عاد إليه المتنطعون من أصحاب علم الكلام وأقروا به وأذعنوا وندموا على مخالفتهم(247) له بسبب تشبعهم بفلسفة اليونان وحكمائهم الجاهلين.
وهذه العقيدة سهلة وواضحة بعيدة عن التصورات الباطلة ولهذا فقد أراحوا أنفسهم من الدخول في ظلمات الشكوك والتخيلات التي لا تقف عند حد فتجدهم يعبرون عن معتقدهم في هذا الباب بأنهم يؤمنون بكل ما أخبر الله عنه في كتابه أو أخبر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم من صفات عليا.
ويعرفون معنى كل صفة ويفوضون في الكيفيات ويعلمون أن صفات الله لا تشبه صفات خلقه معتمدين قوله عزّ وجلّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(248).
وينفون عنه كل صفة تشعر بالذم أو لم ترد في الكتاب ولا في السنة ويتوقفون في إطلاق الأسماء والصفات عليه جل وعلا إذا لم ترد في الكتاب والسنة.(44/131)
وهذا بخلاف ما عليه من أهل الكلام ممن ينتسبون إلى الإسلام وممن لا ينتسبون إليه مثل اليهود والنصارى فإن اليهود: وصفوا الله تعالى بصفات النقص والذم ومثلوه بخلقه وقد أخبر عزّ وجلّ عنهم أنهم وصفوه بالبخل قال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}(249) ووصفوه بالفقر كما قال تعالى عنهم {لقد كفر الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ستكتب شهادتهم}(250) ووصفوه في التوراة وفي التلمود بأنه يتعب ويندم ويبكي ويلهو مع حواء ويعقد شعرها ويلعب مع السمكة الكبيرة وأنه يقرأ التوراة كل يوم وقبل النوم وأنه لا يعرف الأشياء إلا بعد وقوعها وأنه مثل الإخطبوط وأنه يكتب بالقلم ووصفوه بالنسيان الكثير والوقوع في الأخطاء والتوبة منها وغير ذلك من الصفات التي ملئت بها التوراة مما لا يتسع المقام لبسطه هنا. ولم ينتشر التشبيه والتجسيم إلا من قبل اليهود المفترين، وأما النصارى فإنهم في صفات الله تعالى على وفق ما عليه الوثنيون لأن النصرانية التي أحدثها بولس هي عين الوثنية ولهذا راقت في نظر قسطنطين وسائر الوثنيين من أباطرة الرومان فتظاهروا بأنهم على النصرانية.
وقد مدحوا بعض من يؤلهونهم بكل صفات الله تعالى وتقدس كما ادعوا في المسيح عليه السلام وادعوا أن لله ولداً وصاحبة –المسيح وأمه- وأن المسيح يجلس إلى جوار أبيه وأنه وحيد الله تعالى وغير ذلك من عقائدهم الباطلة التي تبرأ منها المسيح ومن معتقديها في الدنيا والآخرة كما بين الله تعالى ذلك في كتابه الكريم.
2- وسطيتهم بين الفرق التي تنتسب إلى الإسلام:
تعددت الفرق الإسلامية وتباينت مفاهيمهم وادعت كل طائفة أنها هي التي على الحق وغيرها على الباطل.(44/132)
وقد تقدم أنه لا عبرة بادعاء أي طائفة وأن العبرة إنما هي بعرضها على الكتاب والسنة فما وافقهما فهو على الحق وما خالفهما فهو على الباطل كائناً المخالف من كان وكان لأهل السنة بتوفيق الله موقفهم المتميز بين تلك الفرق كلها.
وسيجد القارئ إن شاء الله ما يوضح له الحق ويبين له وسطية أهل السنة في مسائل العقيدة بالنسبة للفرق الأخرى ممن ينتسبون إلى الإسلام من خلال ما يلي:
1- وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام:
موضوع الأسماء والصفات من أهم مواضيع العقيدة ومن أكثرها مجالاً لخلافات الناس ولقد كانت من أسهل المواضيع ومن أقلها إشكالاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن خلفائه الكرام ولهذا لم يبحثوها ولم يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها لعلمهم التام وعقولهم الراجحة ومعرفتهم أن الكلام في الصفات فرع عن معرفة الذات حتى إذا ما ظهر قرن الشيطان من وراء علوم اليونان وفلسفاتهم وعلوم الكلام ومتاهاته.فإذا بها كما وصف المتنبي شعره ولغته((ويسهر الخلق جراها ويختصم)).
وأخذ الخلاف فيها أشكالاً عديدة ووقعت الفتن التي لا يعلم مداها إلا الله وحده ولا يزال المسلمون يجترون آثارها إلى اليوم في مناقشات ومجادلات عقيمة سخيفة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا يزداد بها الشخص إلا جهلاً وضلالاً وبعداً عن الفهم الصحيح لحقيقة الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته، وتظهر وسطية أهل السنة في باب الأسماء والصفات بمقارنة عقيدتهم بعقائد المخالفين من الفرق ذلك أن أهل السنة يؤمنون بأن لله أسماء وصفات حسنى وصف بها نفسه في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه العظيم آمن بها السلف كما وردت من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل.(44/133)
- الصحيحة والمعتقد الأسلم والأعلم والأحكم التي حاد عنها أصحاب الأهواء والبدع عقوبة لهم على تركهم الكتاب والسنة وطريق المؤمنين وتقديمهم لأفكار الملاحدة من عتاة الحضارة اليونانية والهندية وغيرها وإذا نظرنا إلى عقائد أصحاب الأهواء والانحراف فسنجد أن بينهم وبين عقائد أهل السنة تفاوتاً بعيداً وتعارضاً صارماً، أما أهل التعطيل، فقد كان إيمانهم بصفات الله تعالى على أسوأ الاضطراب فقد نفوا عن الله تعالى اتصافه بالأسماء أو بالصفات بحجة تنزيه الله تعالى عن التشبيه كما قرره زعيمهم الجهم بن صفوان في أن إثبات أي صفة أو اسم لله تعالى فيه مشابهة لله بخلقه وهو كفر حسب زعمه فيجب عدم إثباته.
ومذهب الجهمية هذا كان أصرح من مذهب المعتزلة الذين أثبتوا أسماء الله تعالى ولكنهم نفوا صفاته ونفوا أن تدل الأسماء على معان ومدلولات وقد أرجعوا الصفات إلى الذات فقالوا سميع بذاته عليم بذاته ...الخ.
وهذا الموقف الباطل يلحقهم بالجهمية إذ أن النتيجة واحدة وهي نفي الصفات ومدلولاتها.(44/134)
وأما الأشاعرة فقد تناقض موقفهم حيث أثبتوا الأسماء وبعض الصفات ثم أولوا أو نفوا بعضها الآخر أو أرجعوها إلى الإرادة والمشيئة لا غير ومعلوم أن ما نفوه عن الله تعالى يعتبر تعطيلاً ويلزمهم أن يقولوا فيما نفوه مثل قولهم فيما أثبتوه وإلا كان إثباتهم ونفيهم تحكماً بلا دليل صحيح ومن هنا كان هؤلاء محل نقمة جميع الفرق عليهم أهل السنة والمعتزلة والجهمية وإذا كان من تقدم ذكرهم عطلوا الله تعالى عن ما يستحقه من معاني الأسماء الحسنى والصفات العليا فقد قابلهم فريق آخر من أصحاب الأهواء وهم المشتبهة ومذهبهم أن الله عزّ وجلّ في صفاته وأسمائه مثل الإنسان تماماً وذهب غلاتهم كهشام بن الحكم الرافضي وهشام بن الحكم الجواليقي ومقاتل بن سليمان وداود الجواربي وغيرهم إلى وصف الله عزّ وجلّ بأوصاف يتنزه عنها جل وعلا افتروا فيها على الله تعالى وطرقوا باباً حجبه الله عن الخلق وكل تلك الآراء مجانبة للحق بعيدة عن الصواب لأنها قامت على غير أساس ثابت {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} بسبب إعراضهم عن الحق الذي هدى الله إليه السلف وبسبب تشبعهم بعلم الكلام والفلسفة والمنطق وظنهم أنهم على شيء وأنهم أوتوا علماً غزيراً {ومن أظلم ممن ذُكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون}(251) ومعلوم بالعقل أن الله تعالى لو سأل الشخص وقال له لماذا أثبتَّ لي الأسماء والصفات فأجابه بأني آمنتُ بها كما نطقتُ بها لكان هو الجواب الحق وهو أمر بدهي و لولا تنطع أصحاب الأهواء لما توقف أحد عن الإيمان بهذا فإن الله تعالى أعلم بنفسه وبما وصفها به من صفات عليا وأسماء حسنى وله المثل الأعلى.(44/135)
فأهل السنة أثبتوا الأسماء والصفات دون أن ينساقوا إلى التشبيه بل لم يخطر في أذهانهم أن إثبات الأسماء والصفات يستلزم المشابهة والمماثلة لمعرفتهم أن الاتفاق في التسميات لا يلزم منه الاتفاق في الذات كما أنهم لم يعطلوا الله تعالى عن دلائل أسمائه وصفاته التي وصف بها نفسه بل أثبتوا من الأسماء والصفات ودلائلها كما يليق به تعالى وهو المسلك الحق الذي يجب اتباعه ونبذ ما عليه المعطلة والمشبهة أهل الإفراط والتفريط ومثل وسطية أهل السنة والجماعة في هذا الباب وسطيتهم كذلك في الأمور الأخرى مثل ما يتعلق بأهل المعاصي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
2-وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي:
وتظهر وسطية أهل السنة في أصحاب المعاصي من خلال معرفة حكمهم عليهم في الدنيا والآخرة وحكم المخالفين عليهم في الدنيا والآخرة أيضاً.
فما هو حكم أصحاب المعاصي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة؟
والجواب: عند أهل السنة حكم العاصي في الدنيا أنه لا يخرج عن اسم الإسلام ويقال له مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وأما في الآخرة فحكمه إلى الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عاقبه ولا يخلد في النار مثل سائر الكفار إن دخلها، وهذا هو الذي تجتمع عليه النصوص من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
أما غير أهل السنة فكانوا بين إفراط وتفريط في الحكم على العاصي فقد حكم عليه بعضهم كالخوارج بأنه كافر في الدنيا ومخلد في الآخرة في النار أو هو في منزلة بين المنزلتين في الدنيا فلا هو مؤمن ولاهو كافر ولكنه في الآخرة مخلد في النار، وهذا حكم المعتزلة وقابلت الجميع المرجئة فحكموا بإيمانه إيماناً كاملاً في الدنيا وهو في الآخرة مع النبيين الصديقين والشهداء.(44/136)
وحجة الجميع تتفق في أنهم يرون أن الإيمان كشيء واحد لا يتبعض فلا يزيد ولا ينقص فإما يكون الشخص عاصياً –والعاصي ليس بمؤمن- وإما أن يكون طائعاً –وهو المؤمن- وحكم الكافر والمؤمن معروفان في الإسلام.
وبالتأمل في موقف أهل السنة من أصحاب الذنوب وموقف من سواهم ممن ذكرنا تتضح بجلاء وسطية أهل السنة وصدق قول الله تعالى فيهم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً }(252).
3- وسطيتهم في الإيمان بالقدر :
كما تظهر وسطيتهم في كل الأمور العقدية الأخرى التي خالف فيها أصحاب الأهواء والبدع ومنها قضية الإيمان بالقدر فإن قضية القدر من المسائل الشائكة التي يجب فيها التسليم والرضى.
وكان لأهل السنة موقفهم الذي يعضده النقل معاً فقد تأكد في مذهبهم أن القدر سر الله تعالى وأن الواجب على المسلم الإيمان به دون تعمق لما وراء الأدلة وترك الاحتجاج به على فعل المعاصي والإيمان بتقدير الله تعالى لكل الأمور بمشيئته، وأن الله هو الخالق لكل شيء بما فيها أفعال العباد ولكنها لا تسمى فعل الله بل هي أفعال العباد والله هو الذي أقدرهم على فعلها ولو شاء لما فعلوها كما قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا}(253)وهي مشيئته الكونية العامة وهذا بخلاف ما تقوله الجبرية الذين يرون أن الله هو الخالق لها ثم يضيفون قولهم الخاطئ أن العباد لا قدرة لهم على الفعل وإنما هم كريشة في مهب الريح وأن الخالق والفاعل معاً هو الله تعالى ومن هنا نشأ خطأهم ، وكذلك خطأ القدرية الذين زعموا أن العبد هو الخالق لفعله وقدرته وإرادته دون أي تدخل من الله تعالى ومن هنا وصفوا بأنهم يثبتون خالقين مع الله تعالى مشابهة للمجوس، وأهل السنة توسطوا في ذلك كما عرفت سابقاً فأثبتوا مشيئة الله الكونية والشرعية وقدرة الله على كل شيء وأثبتوا أن العبد له قدرة ومشيئة لا تخرج عن مشيئة الله تعالى وقدرته وهو الفاعل للفعل حقيقة.(44/137)
وموقف القدرية والجبرية الخاطئ يعود إلى عدم فهمهم لإرادة الله ومشيئته فهماً صحيحاً على الطريقة التي سار عليها السلف وهي الإيمان بأن لله مشيئة وإرادة لا يخرج أي شيء عنهما فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ثم يعود كذلك إلى عدم تفريقهم بين الإرادة والمحبة ذلك أن الإرادة إما أن تكون كونية وهي الإرادة العامة لجميع الموجودات ودليلها قوله عزّ وجلّ: { وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}(254)وإما أن تكون الإرادة شرعية وهي التي تتعلق بمحبة الله تعالى ورضاه عن الشيء كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ }(255) وأهل السنة يؤمنون أن الإرادة الكونية هي التي تعلقت بكل شيء حتى معصية العاصي فلا يلزم منها التفرقة بين ما يحبه الله وما لا يحبه. أما الإرادة الشرعية فهي التي تعلقت بمحبته ورضاه فهو وإن كان قدَّر وقوع الشر كوناً لكنه في الإرادة الشرعية لم يرضه ولم يحبه فهو لا يحب الظالمين ولا الفاسقين ولا العاصين. أما بالتأمل في مذهب المخالفين فنجد أن المعتزلة لا يفرقون بين الإرادتين الكونية والشرعية فيعتقدون أن كل ما أراده الله فقد أحبه.
وبذلك توصلوا إلى أن المعاصي لا يريدها الله تعالى ولا يحبها وبالتالي فلم يأمر بها ولا إرادة له في وقوعها وإلا لكان مريداً للمعاصي وبالتالي فلا يعاقِب عليها حسب زعمهم.
بينما ذهبت الجبرية إلى عدم التفريق بين الإرادتين أيضاً ولكنهم ناقضوا المعتزلة فقالوا كل ما يقع من أفعال خيِّرة كانت أم شريرة طاعة أم معصية كلها بإرادة الله تعالى ومحبته ورضاه وإلا لما وقعت فاحتجوا بالقدر على أفعالهم كالمشركين الذين احتجوا بمشيئة الله ورضاه على وقوعهم في الشرك وفي التحليل والتحريم. وبالتأمل في مذهب أهل السنة والمخالفين لهم يتضح تماماً وسطية أهل السنة بين غلو القدرية والجبرية وعدم وقوف القدرية والجبرية عند الحق الذي هدى الله إليه أهل السنة بلطفه وكرمه.(44/138)
4-وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم
وكما توسط أهل السنة في تلك المعتقدات السابقة توسطوا أيضاً في قضية أخرى تتعلق بالصحابة رضوان الله عليهم وقبل بيان هذا الجانب أقول أن العقل لا يكاد يتصور أن يمس جانب الصحابة بأدنى أذى احتراماً لهم وتوقيراً واعترافاً بجميل ما قدموه للبشرية جمعاء وأياً كان الحال فقد وقعت الخصومة فيهم بين مختلف الطوائف التي تنتسب إلى الإسلام وكان لأهل السنة موقفاً مشرفاً منهم كانوا به وسطاً فيهم فكيف تم ذلك؟
وقف أهل السنة بالنسبة للصحابة بين غلو الغالين وتقصير المخالفين وقد تميز موقفهم منهم بأمور كثيرة منها:
1- أن الصحابة هم خير البشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم .
2- الاعتراف بكل ما ذكر عنهم من الفضائل في القرآن والسنة وأقوال أهل العلم.
3- السكوت عما شجر بينهم من اختلاف وفتن داخلية ولا نذكرهم إلا بخير.
4- الشهادة بالجنة لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بها أو جاءت في القرآن.
5- الاعتراف بأنهم كلهم على فضل ولكنهم يتفاضلون فيما بينهم وأن أفضلهم على الإطلاق أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم جميعاً دون انتقاص لفضل كل منهم وأن خلافة كل واحد منهم ثابتة على النهج الصحيح وأن من أسلم قبل الفتح وبيعة الرضوان أفضل ممن أسلم بعد ذلك.
6- الاقتداء بهم والتحلي بفضائلهم واقتفاء آثارهم.
7- لا نرفع أحداً منهم فوق منزلته ولا ندعي له فضائل لم تثبت وهم في غنى عن مدحهم بما لم يثبت يهم.
8- الإيمان بأن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم طاهرات مطهرات وأنهن أمهات المؤمنين ويؤمنون بوجوب محبة أهل البيت ويقدمونهم وفق وصية النبي صلى الله عليه وسلم بهم دون إفراط ولا تفريط.
9- لا يدّعون عصمة أي شخص كائناً من كان مع الاعتقاد أن من جاء بعدهم لا يصل إلى جزيل ما أعد الله لهم من الثواب لأن مُدَّ أحدهم خير من إنفاق مثل جبل أحد ذهباً من غيرهم.(44/139)
10- لا يكفرون أحداً من الصحابة ولا اعتبار للمرتدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
11- يتولون الصحابة كلهم ويترضون عنهم بخلاف الرافضة وغيرهم من الفرق الضالة وبهذه المزايا التي اتسم بها أهل السنة كانوا وسطاً فيما يتعلق بجانب الصحابة وستتضح وسطيتهم من خلال ما تلاحظه في مواقف المخالفين لهم فيما يأتي:
فالخوارج كفّروا الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكفروا كل من شارك في قضية التحكيم وتبرؤوا منهم بل وأوجبوا لهم النار كما تبرؤوا من الحسن والحسين وكفروا الخليفة ذي النورين أيضاً رضي الله عنه وكذا طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم جميعاً وهذا الموقف منهم غاية في الغلو المذموم وجرأة ممقوتة على هؤلاء الأخيار وقد تبعهم في هذا الموقف الشنيع بعض كبار المعتزلة كواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد حيث قالوا بفسق أصحاب الجمل وعلي ومعاوية ومن معهم من أهل صفين ومن عثمان كذلك رضي الله عنه، وهذا قول عمرو بن عبيد وأما شيخه واصل بن عطاء فقد قال بفسق أحد الفريقين دون تعيين كما تتبرأ المعتزلة من معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما وبالجملة فإن المعتزلة كان موقفهم من الصحابة قريب من مواقف الخوارج في غلوهم متناسين ما قدمه أولئك الفضلاء من خيرٍ لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بل غلبوا ما تصوروه عنهم من بعض المواقف التي لم يفهموا تفسيرها أو كانت تخالف آراءهم الاعتزالية فوقفوا منهم تلك المواقف الشنيعة وخالفوا ما أمرهم الله به من الاستغفار والترحم والترضي على من سبق بالإيمان فضلاً عن خيرة الناس بعد الأنبياء والمرسلين. وأما الرافضة فقد كان موقفهم من صحابة نبي الله صلى الله عليه وسلم سبة وعاراً فقد وصلوا في حمقهم وغبائهم أن شتموا الصحابة بل وتقربوا بسبهم إلى الله تعالى ولهذا كان النصارى أعقل منهم حين قيل لهم من خير أهل ملتكم؟ فقالوا أصحاب عيسى وكان اليهود أعقل منهم حين قيل لهم من خير أهل ملتكم؟(44/140)
قالوا أصحاب موسى أما الرافضة فإنهم لو قيل لهم من شر أهل ملتكم لقالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عليه ولهذا نجد كثيراً من المسلمين الذين هم على الفطرة يترضون عن جميع الصحابة وما أن يدخل الشخص في مذهبهم إلا وأصبح لعن الصحابة وخصوصاً من شهد له الله تعالى بصحبة نبيه من أول التزاماته العقدية.
فما الذي سيجنيه المسلمون من شخص يزعم أنه مسلم وهو عدو مبين لسلف هذه الأمة مقتدياً بابن سبأ والحاقدين من أصحاب الديانات التي قضى عليها الفتح الإسلامي على أيدي الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وإذا كان موقفهم تجاه الصحابة كله موقف عداء وبغض وشتم فإن موقفهم تجاه أهل البيت وعلي بخصوصه أشد شناعة وعداوة وإن كان ظاهرهم أنهم يحبونهم ويتشيعون لهم ذلك أن التاريخ كله يشهد بأن أكثر المآسي وأفدحها التي وقعت لأهل البيت كان وراءها عقول الرافضة وسيوفهم ابتداء بأمير المؤمنين علي رضي الله عنه وابنه الحسين ومن جاء بعده من أهل البيت الذين استدرجهم الرافضة للخروج على الدولة الأموية ثم خذلانهم في أحرج المواقف كما وقع لمسلم بن عقيل والحسن بن علي وزيد بن علي ين الحسين وابنه يحيى وغيرهم.
ولقد غلا الرافضة غلواً فاحشاً في حق علي رضي الله عنه ورفعوه إلى منزلة أحرق من قال بها في حياته وهي تأليههم له.
فقد فضلوه على سائر الصحابة وادعوا أنه سيرجع قبل يوم القيامة وأنه خير الأوصياء وأنه لم يجمع القرآن كما أنزل إلا هو.
وأن أهل بيته كلهم من الأئمة المعصومين عن الذنوب والخطايا وأنهم يعلمون الغيب وأنهم لا يموتون إلا بإذنهم وإرادتهم وأنهم أفضل من الأنبياء والمرسلين وعندهم الجفر والجامعة ومصحف فاطمة وأنهم يوحى إليهم وغير ذلك من غلوهم الفاحش المدون في كتبهم يتوارثونه خلفاً عن سلف كما في كتابهم الكافي للكليني وغيره.(44/141)
وفي المقابل صبوا جام غضبهم على الخلفاء الثلاثة وأم المؤمنين عائشة وحفصة وسائر الصحابة وأنهم حسب افترائهم ارتدوا عن الإسلام وخصوصاً من حضر غدير خم لعدم مبايعتهم علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ولولا أن الحديث لا يتطلب تفصيل هذه الافتراءات والأباطيل لكان إثبات ذلك عنهم من مراجعهم من أيسر الأمور فليرجع إليها الباحث عن الحق النهم بالمعرفة ليقف على كل ضلالات الرافضة وخروجهم عن الحق وليظهر له توسط أهل السنة والجماعة في موقفهم من كل صحابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفيما تقدم إشارة كافية للبيب . (256)
الفصل الحادي عشر
علامات وسمات الفرقة الناجية
وعلامات وسمات الفرق الهالكة
مزايا العقيدة السلفية وأصحابها
امتازت عقيدة السلف بمزايا عظمية ميزتهم عن جميع العقائد التي قامت على الهوى وما أفرزته العقول البشرية.
لأن العقيدة السلفية مصدرها غير مصدر العقائد البدعية فلا بد أن يحصل بينهم التمايز وإضافة إلى أنها قامت على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإنها لم تدنس بعلم الكلام والمنطق وسائر ما أفرزته عقول فلاسفة اليونان وغيرهم بل هي عقيدة نقية تملأ النفوس يقيناً وطمأنينة وأتباعها يعظمون كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يجتمعون عليها ولا يتفرقون في ثبات عظيم كثبات عقيدتهم الناصعة التي رضيها الله عزّ وجلّ وهدى أحباءه إليها.(44/142)
فقد انعكست هذه العقيدة بصفائها على معتنقيها فصاروا أثبت الناس على الحق بخلاف أهل الأهواء الذين تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه وسبب ثباتهم يعود إلى يقينهم بصحة ما هم عليه واقتناعهم به وهم من أكثر الناس اتفاقاً وأقلهم اختلافاً لأن هدفهم أصبح واحداً وتفكيرهم واحداً وهذا التوحد سببه تمسكهم بعقيدة واحدة وثقتهم أن السلف من قبلهم كانوا على الحق والصراط المستقيم فاحتذوا أثرهم وسلكوا مسالكهم وأخلصوا في نشر عقيدتهم فملأت الدنيا نوراً وأخرج الله بهم أقواماً من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وكانوا أمة وسطاً عدولاً يستحقون ثناء الله وثناء رسوله عليهم وكانوا من أحرص الناس على اجتماع الكلمة وعدم التفرق في الآراء والأفكار ولا أدل على هذا من أن بعضهم كان إذا اختلف مع آخر في قضية واشتد الخلاف بينهم وخشي أن تكون فتنة كان يترك خلافه لأخيه حباً في اجتماع الكلمة وكراهية للتفرق كما يذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولهذا استحقوا أن يسموا أهل السنة والجماعة وهما وصفان يدلان على أفضليتهم وحسن ما هم عليه من السلوك الحميد والمعتقد السليم.
وإذا كنا نذكر سماتهم هنا وسمات غيرهم من أهل الأهواء فإنما ذلك على حد ما قال الشاعر ((وبضدها تتميز الأشياء)) والناظر في مذهب السلف والخلف يجد لكل منهم علامات تميزهم نابعة عن اعتقاد كل منهم لأنه كما يقال ((كل إناء بالذي فيه ينضح)). فلأهل السنة علامات وصفات ولغيرهم من المخالفين علامات وصفات ولا تشكل على طالب العلم التمييز بينها.
فإن المتتبع لسلوك السلف سيجد أنهم تميزوا بصفات كثيرة منها:
أنهم أعرف الأمة بالحق.
وأرحم الأمة بالخلق.
وأرحم الناس بخصومهم من بعضهم البعض.
ومن أشد الناس رجوعاً إلى الحق وانقياداً له ووقوفاً عنده.(44/143)
ومن أشدهم رحابة صدر ودماثة خلق وتسامح وإنصاف في حال قدرتهم على المخالفين لهم.
ومن أكثرهم تواضعاً وتلطفاً وأبعدهم عن السباب والفحش وسيء الأخلاق.
لا يشمتون بأحد ولا يظهرون الاستهزاء إلا بالقدر الذي يتبين به غرضهم من الرد على المخالفين إن كان ذلك ضرورياً.
ولقد كانت لهم مواقف تشهد بنبل أخلاقهم وحبهم للتسامح والشفقة على المخالفين يتمثلون ما كان عليه نبيهم الكريم من الصبر حينما كان يؤذيه قومه وهو يقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))(257).
والأمثلة على هذا كثيرة سجلها التاريخ لهم وتاريخ الصحابة مليء بالأمثلة المشرفة ومن ذلك:
- مواقفهم في سقيفة بني ساعدة.
- مواقفهم تجاه أهل الذمة.
- مواقفهم في حال الحرب مع المخالفين.
- مواقفهم في الحفاظ على العهود والمواثيق.
وكان نصيب الخلفاء الراشدين من تلك الصفات القمة والحظ الأعلى ومن اطلع على تأريخهم عرف ذلك فهذا الخليفة الصديق صاحب النبي صلى الله عليه وسلم كان من أشد الناس شفقة ورحمة بالمخالفين له وفي غاية التسامح مع كل من أساء إليه يبادر بالعفو إذا ذُكّر به مهما كان الحال.
وقصته مع مسطح خير دلالة على ذلك فإنه حين غضب عليه لمشاركته مع أصحاب الإفك وكان ينفق عليه آلى على نفسه أن لا يُنفق عليه بعدها فلما أنزل الله تعالى: { ولا يأتلِ أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}(258) فرجع ينفق عليه حباً في مغفرة الله.
ومواقف أخرى عديدة كلها تدل على تأصل هذه الصفة في نفسه، ومثل موقفه حين تشاجر مع عمر وشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم على عمر واحمر وجهه وأخذ يعاتبه حتى أشفق أبو بكر على عمر وهدّأ من غضب الرسول صلى الله عليه وسلم شفقة بعمر رضي الله عنهما.(44/144)
وكذلك عمر الفاروق رضي الله عنه فقد كان من أشد الناس رحمة على رعيته وأبنائه، وكل المسلمين كانوا عنده كأنهم رجل واحد يتعهد فقراءهم فيواسيهم ويرشد ضالهم ويعلمه وقصته مع المرأة التي باتت تعلل بنيها بالماء فوق النار توهمهم أن بها أكلا ليناموا فلما وقف عليها عمر رضي الله عنه وسألها عن حالها وشكت فقرها فذهب وجاء بالدقيق والمسن وكان ينفخ النار والدخان يخرج من خلال لحيته حتى أنضج لهم الطعام ولم ينصرف إلا والأطفال يلعبون فرحين من الشبع.
وكان من رحمته برعيته أنه كان يبذل النصيحة ويرشد المخطئ حتى في أحرج المواقف فقد دخل عليه رجل يعوده حين طعنه أبو لؤلؤة المجوسي فلما خرج الشاب رأى عمر أن ثوبه طويل فاستدعاه وهو في تلك الحال التي كان يجود بنفسه فيها وقال له ارفع ثوبك يا ابن أخي فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك.
وما فعله مع صبيغ من تأديبه لإرجاعه إلى الحق وغير ذلك من المواقف التي تدل على رحمته وحبه للمسلمين.
وكذلك عثمان رضي الله عنه وما كان يتصف به من الرقة والحياء والكرم أمر مشهور في كتب التاريخ فقد كان سريع العفو لا ينتقم لنفسه محباً للعافية تجاه رعيته فقد واساهم في زمن المجاعة ابتغاء مرضاة الله بقافلة من الشام وقعد لتمريض زوجته رضي الله عنهما بل عفا عن البغاة الذين أتوا للنقمة عليه في المدينة.
ومثلهم علي رضي الله عنه وما ميزه به الله من الأخلاق الطيبة والرحمة بالمساكين والعطف على رعيته وتقديم نفسه في المعارك حماية للمسلمين ودفاعاً عنهم.(44/145)
وإذا تجاوزنا الحديث عن بقية الصحابة الكرام ومآثرهم العظيمة وانتقلنا إلى علماء السلف من المسلمين فإننا نجدهم من أرحم الناس وأشدهم شفقة على المخالفين وأنصحهم لهم ويأتي في أول هؤلاء إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله وتأريخه مع القائلين بخلق القرآن وما لقيه من الآلام التي تنفطر لها القلوب خير شاهد على ذلك وعلى محبته للمسلمين ولقد ابتلي بالضراء فكان أصلب من الرواسي وابتلي بالسراء فكان شديد الحلم والتواضع لم تخضعه نقمة ولم تستخفه نعمة.
وتاريخ السلف غني بالرجال الأفذاذ فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية كان من أحرص الناس على بيان الحق ومن أشدهم عفواً عن من ظلمه لم يبال بالسجن والإهانات التي وجهت له من قبل المخالفين الحاقدين عليه وطالما تمكن من الانتصاف منهم ولكنه كان يبادر إلى العفو عنهم ولا يطلب منهم إلا معرفة الحق والتبصر في الدين قال رحمه الله عن إنصاف أهل السنة وشفقتهم بمخالفيهم ((أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس الإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك فليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الكذب والزنى حرام لحق الله وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلى من كفره الله ورسوله))(259).
وإذا تجاوزنا تاريخ تلك الحقبة ورجالاتها إلى رجال العصور الأخيرة من السلف فسنجد رجالاً كانوا مثال الأخلاق الفاضلة وحب الخير للناس جميعاً ومن أشدهم رحمة بكل المسلمين حتى المخالفين منهم وفي أول هؤلاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي بذل نفسه لخدمة العقيدة وتفهيم الناس بدينهم الصحيح.(44/146)
وكذا من سار على طريقته مثل الشيخ عبد الله القرعاوي رحمه الله، الذي أخرج الله به أقواماً من الظلمات إلى النور ومن الشرك إلى التوحيد ومن الخرافات الجاهلية إلى الحقائق الإسلامية في منطقة جيزان ففتح الله به القلوب ونور به البصائر وكان رحمة من الله تمكن حبه في القلوب وتمكنت دعوته في النفوس ولن تزال أبداً إن شاء الله قوة راسخة.هذه نماذج سقتها على عجل مكتفياً بمن تقدم ذكرهم كأمثلة مشرفة لسلف هذه الأمة وما امتازوا به من حميد الصفات وهناك مئات الأمثلة التي لا تكاد تحصى إلا بالكلفة .
ومن المعلوم أن هذا التسامح ليس هو تسامح العاجزين فقد كانوا فرسان الوغى وليوث الحروب لا يخافون إلا ربهم من فوقهم وإنما هو تسامح الواقف عند الحق المقدم له الراضي به أما بالنسبة لسمات أهل البدع من الفرق الهالكة فقد اتصفوا بأسوأ الصفات التي أبانت عن سوء معتقداتهم لعدم تحليهم بآداب السنة الغراء وهو أمر بدهي فإن المخالف لها لا بد أن يركب هوى نفسه والهوى من أخطر المطايا وأسرعها إلى الهلاك ومخالفة الشرع.
وبتتبع الصفات التي يتصف بها هؤلاء تجد أنها كثيرة ومنها:
بغي بعضهم على بعض والتطاول في السباب.
اختلافهم لأتفه الأسباب وكثرة تفرقهم.
اتباعهم لما يهوون حسبما تمليه عليهم رغباتهم وتكفير بعضهم البعض وتكفير كل طائفة لما عداها.
تتبعهم المتشابه وإثارة الخلافات حوله.
بغضهم لأهل السنة واختراع الألقاب الباطلة لهم تنفيراً عنهم.
بغض مذهب السلف وتسميته بالأسماء والألقاب الباطلة.
قبولهم للروايات الكاذبة وعدم تحريهم النصوص الصحيحة.
قبولهم للأخبار التي لا يصدقها العقل ولا تعضدها حجة.
عدم اهتمامهم –كما يجب بالسنة النبوية- وتسلطهم عليها بالتأويل أو الرد بحجة أنها غير ملزمة مثل القرآن.
وغير ذلك من الصفات التي عرفت عنهم قديماً وحديثاً.(44/147)
فالخوارج وهم أول الفرق الهالكة خروجاً تجد أنهم يتصفون بالجفاء والخروج عن الدين وضيق الأفق وتكفير المخالفين لهم واستحلال دمائهم وأموالهم فكانوا يقتلون المصلين في المساجد حينما يغيرون عليهم محكمين بزعم أنهم كفار وأن جهادهم قربة إلى الله، وقد كفروا خيرة الناس بعد الأنبياء والمرسلين من عظماء الصحابة رضوان الله عليهم مثل علي بن أبي طالب وعثمان وأبي موسى الأشعري ومعاوية وعمرو بن العاص والحسن والحسين وغيرهم من فضلاء الصحابة ومن سار المسلمين.
وكفروا الناس بالمعاصي واستحلوا دماءهم بها وأوجبوا الخروج على الحكام لأتفه الأسباب فسفكوا من الدماء ما لا يعلمه إلى الله وحده وتفرقوا فيما بينهم تفرقاً لا يكاد يكون له نظير إذ كان أقل خلاف يحصل بينهم يختلفون ويتقاتلون لا يرعون في بعضهم إلاًّ ولا ذمة. فكانوا أشبه ما يكونون بالوحوش المسعورة لقي الناس منهم الأمرين وشغلوا الناس حكاماً ومحكومين وأذاقوهم الفتن المتلاحقة والويلات المتعاقبة، وما ذلك إلا لبعدهم عن هدى الكتاب والسنة وطريق سلف هذه الأمة وهو طريق من تركه ضل وارتكب الظلم وفعل المحرمات وخرج عن الحق وتلقفته السبل التي أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه حينئذ يصبح مثل البهيمة التائهة أو الجمل الذي لا خطام له.
وبعد الخوارج نجد مثالاً آخر من تلك الطوائف وهم الرافضة الضالة الذين وقفوا أسوأ المواقف من الصحابة وسائر أهل السنة كما لا يخفى على طالب العلم.
ثم نبغت المعتزلة الذين تشبعوا بآراء الخوارج وبعلم الكلام وآراء الشيعة فإذا بهم يملأون كتبهم سباباً لأهل السنة والمتمسكين بها وإذا بهم يحرضون الحكام عليهم ليشفوا غيظ صدورهم وما فعله ابن أبي دؤاد بإمام أهل السنة وغيره من علماء المسلمين المخالفين لآراء هذه الفرقة الضالة لهو أقوى مثال على ذلك.(44/148)
ثم توالت الأمثلة على مر العصور فظهرت المرجئة والقدرية والأشعرية وغيرها من الطوائف الكثيرة الذين اتصفوا بضيق الأفق والشدة على كل من خالف آراءهم حتى وإن كان في المسائل البسيطة الاجتهاد به، فكان المعتزلة لا يرجعون إلى كتاب ولا إلى سنة في مسائل الصفات ولا في أحكامهم على المخالفين لهم وإنما يأخذون ما تمليه عليهم عقولهم إضافة إلى الشبهات التي تلقفوها من علماء الكلام.
ولذلك تقرر في مذهبهم أنه إذا تعارض العقل والنقل فإنه يقدم العقل ويؤول النص أو يترك. مع أنه في الواقع الصحيح لا تعارض أبداً بين العقل السليم والنص الصحيح وكذلك الجهمية وهم مشائخ المعتزلة الذي أسسوا كثيراً من الشبهات وفتحوا أبواب الجدل والخوض في مسائل العقيدة فضلوا وأضلوا وفرقوا الأمة وكانوا من أسوأ الناس أخلاقاً وفضاضة على المخالفين لهم ولعل القارئ قد سمع عن هذا النمط من المنحرفين وما يقولونه عن أهل الحق.
ولعل القارئ أيضاً لا يخالفني في أن الكوثري في وسط أهل البدع والخرافات شيخ الإسلام رحمه الله في وسط أهل السنة والجماعة وكم للكوثري ولمشائخه ومن سار على نهجه من أفكار خاطئة وكم له من الردود والسباب والشتائم لأهل السنة ولعقيدتهم الصافية وقد صب جام غضبه على مشاهير أهل السنة على مدار تاريخهم وأطلق عليهم عدة ألقاب باطلة هم منها براء، جاءت منه على طريقة أهل البدع في التسرع إلى التكفير والسخرية بالصالحين لغلبة الهوى عليهم وضيق أفهامهم.(44/149)
وقد رد عليه علماء السلف قديماً وحديثاً ردوداً كالصواعق وبينوا أخطاءه بالدليل من الكتاب والسنة وإجماع الأمة مجانبين التجني عليه أو على غيره- كما هي عادتهم- في رأفتهم بالمخالفين وبالتالي دعوتهم بالتي هي أحسن. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف أهل الأهواء والبدع ((إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه أولئك الذين سماهم الله فاحذروهم))(260) وقد تحدث علماء السلف عن سمات الفرق الهالكة وأسباب تفرقهم وما أحدثوه في الدين تحدثوا من باب النصيحة والتحذير.
فقد سأل عمرو بن قيس الحكم بن عتبة ((ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء أن يدخلوا فيها؟ قال الخصومات))(261) وقال الفضيل بن عياض ((لا تجادلوا أهل الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله))(262) وفي مصنف عبد الرزاق أن رجلاً قال لابن عباس الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم. فقال كل هوى ضلالة))(263).
وعن أبي قلابة قال: ((ما ابتدع قوم بدعة إلا استحلوا السيف))(264).
وقال علي بن المديني: ((من قال فلان مشبه علمنا أنه جهمي ومن قال فلان مجبر علمنا أنه قدري ومن قال فلان ناصبي علمنا أنه رافضي)).
وأقوالهم في هذا كثيرة جداً وما قصدناه هو الإشارة التي يفهم بها اللبيب.
الفصل الثاني عشر
عشر ذكر أشهر أئمة أهل السنة ومؤلفاتهم في العقيدة
لقد يسر الله تعالى لحفظ دينه رجالاً وهبوا أنفسهم لخدمة هذه العقيدة المباركة ويسر لهم الأمور ورزقهم الذكاء والإخلاص فنبغ منهم العلماء الفطاحل أصحاب البيان والسحر الحلال فكانوا جنوداً أوفياء لدينهم ما إن تظهر فتنة إلا ودفنوها ولا صاحب بدعة أو هوى إلا وحذروا منه فأقام الله بهم حجته على الناس، ومن الصعوبة بمكان حصرهم هنا وإنما نذكر ما يتيسر ذكره منهم كمثال على الثراء الفكري عند علماء السلف ومن هؤلاء:(44/150)
أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري ..... سفيان بن عيينة.... مسلم بن الحجاج ....ابن عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي .... أحمد بن حنبل..... علي بن المديني.....أبو ثور إبراهيم بن خالد..... أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.....أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم .... أبو جعفر محمد بن جرير الطبري.
الأئمة الأربعة.
ابن كثير..... ابن خزيمة..... ابن القيم.... سهل بن عبد الله التستري.... ابن تيمية.
وغيرهم الكثير ممن أثروا المكتبات الإسلامية بمؤلفاتهم القيمة التي تشهد بإخلاصهم وتوفيق الله وعونه لهم ولا نزكي على الله أحداً.
أهم مؤلفات علماء السنة
في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين
وقد ألف علماء السلف في بيان عقيدتهم وإيضاحها والرد على المخالفين، المؤلفات الكثيرة مدعومة بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهي من الكثرة بحيث لا يكاد أحد يستطيع حصرها.
ومن أجلّ علماء السلف ومؤلفيهم الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله وله مؤلفات في بيان عقيدة السلف والذب عنها، منها ما دونه بنفسه ومنها ما دونه تلامذته في مؤلفاتهم. ومن كتبه في الحديث المسند وقد جمع فيه أحاديث كثيرة بين فيها عقيدة السلف ضمن تلك الأحاديث التي أوردها، وكتب في بيان العقيدة الكتب الآتية:
السنة..... الإيمان.... الرد على الزنادقة.... فضائل الصحابة.
ومنهم الإمام البخاري رحمه الله وقد أودع في صحيحه كثيراً من بيان عقيدة السلف وكذا كتابه خلق أفعال العباد والآداب المفرد ومنهم الإمام مسلم رحمه الله وقد أودع في صحيحه أيضاً كثيراً من أبواب العقيدة، ومنهم:
- ابن ماجه في سننه
- أبو بكر بن الأثرم في كتابه "السنة".
- عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية.
- عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه الرد على الجهمية وكتابه الرد على بشر المريسي.(44/151)
- ابن أبي عاصم في كتابه " السنة".
- عبد الله بن الإمام أحمد في كتابه "السنة".
- محمد بن نصر المروزي في كتابه "السنة".
- الإمام الطبري في كتابه "صريح السنة".
- الخلال في كتابه "السنة".
- ابن خزيمة في كتابه "التوحيد وإثبات صفات الرب عزّ وجلّ".
- الطحاوي في كتابه "العقيدة الطحاوية".
- الأشعري بعد رجوعه إلى مذهب السلف في كتابه "الإبانة عن أصول الديانة" والمقالات.
- عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتابه "الرد على الجهمية".
- الحسن بن علي البربهاري في كتابه "السنة".
- الآجري في كتابه "الشريعة" وكتابه "التصديق بالنظر إلى الله تعالى".
- أبو حمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصفهاني في كتابه "العظمة".
- الدارقطني في كتابه "أحاديث النزول كتاب الصفات".
- ابن بطه – عبيد الله بن محمد بن حمدان بن بطة العكبري في كتابه "الإبانة – الصغرى والكبرى".
- ابن منده أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده في كتابه "الرد على الجهمية، الإيمان"، التوحيد بتحقيق د. علي ناصر فقيهي.
- ابن أبي زمنين في كتابه "أصول السنة".
- اللالكائي أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي في كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" بتحقيق زميلي د. أحمد سعد حمدان الغامدي.
- قوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصفهاني في كتابه "الحجة في بيان المحجة" بتحقيق الزميل د. محمد ربيع و د. محمد أبو رحيم.
أبو المظفر السمعاني في تفسيره.
الإمام مالك ... ربيعة الرأي ... سفيان الثوري.
شيخ الإسلام ابن تيمية صاحب الباع الطويل في بيان عقيدة السلف وكتبه كثيرة مشهورة وقد احتوت الفتاوي على كثير منها (265).
ابن قيم الجوزية وله عدة مؤلفات مشهورة.(44/152)
الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأهم مؤلفاته "كتاب التوحيد المتداول بين طلبة العلم وكتاب كشف الشبهات وغيرهما من الرسائل التي كتبها وكذا الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله".
وفي عصرنا الحاضر كتب كثير من الفضلاء في بيان السنة والرد على المخالفين مثل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وكذا الألباني رحمه الله وما ذكر سابقاً فإنما هو من باب التمثيل إذ أن حصر كتب السلف يكاد أن يكون مستحيلاً جمعه في هذه العجالة فالمكتبة الإسلامية ثرية بمؤلفات متنوعة بين الضخم والمختصر والنثر والنظم والأسئلة والأجوبة ولا يزال الخير في أهل السنة إن شاء الله إلى قيام الساعة كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.
رحم الله جميع علماء السلف ونفع بمؤلفاتهم جميع أهل الأرض إنه على كل شيء قدير.
الفصل الثالث عشر
تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة
وفي ختام هذه الدراسة الموجزة عن السلف وعقيدتهم أحب التنبيه إلى ما وقع فيه بعض الناس من إطلاق عبارات ومفاهيم لا تتفق مع عقيدة السلف ومنهجهم بزعم أنها هي العقيدة الصحيحة السلفية.
متأثرين فيها بشتى المذاهب المخالفة ومؤثرين في غيرهم ممن قلت معرفتهم بحقيقة مذهب السلف وكل ذلك ناتج عن جهل بحقيقة معاني تلك الكلمات وتلك المفاهيم وهي كثيرة بحيث لا يستوعبها وقت كتابة هذه العجالة ولكن أشير إلى أهمها ولأهميتها وخفائها أيضاً أحببت أن أنبه إليها إخواني طلاب العلم وكل من يراها نصيحة لهم ودفاعاً عن العقيدة تتمة لدراسة فرقة السلف الطائفة المنصورة جمعتها من شتى المصادر. ومن الملاحظ أن بعض هؤلاء الذين يخطئون في جوانب من العقيدة بعضهم على مستوى من المعرفة والثقافة ولكن الكمال لله تعالى والتذكير ينفعهم {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}(266) فقد يكون للشخص أخطاء في جوانب ولكنه في جوانب أخرى لا يشق له غبار.(44/153)
والمشكلة ليس الوقوع في الخطأ – فهذا شأن الإنسان – ولكن الخطأ هو الإصرار على الخطأ لأن الإصرار على الخطأ ليس من سمة طلاب العلم بل علامتهم وشعارهم دائماً { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}(267) و"الحكمة ضالة المؤمن" فإن من طلب الزيادة في العلم زاده الله ومن أصر على ما عنده من المعرفة فقط فكأنه يقول بلسان حاله لا أريد زيادة على ما عندي والله تعالى يقول :{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً}(268) وفيما يلي بيان ما تقدمت الإشارة إليه:
- الزعم بأن التفويض في الصفات هو مذهب السلف وذلك أن عقيدة السلف في هذا هي الالتزام التام بما جاء في كتاب الله تعالى أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الوحيين كل النصوص تؤكد على الإثبات في الصفات لا على التفويض وهو ما كان عليه الصحابة في اعتقادهم في باب الصفات وما كان عليه سائر التابعين ومن تبعهم بإحسان وسائر من كتب من السلف في العقيدة من المتقدمين والمتأخرين لم يخالف إلا من خرج عن هديهم.
- ومن المزاعم الباطلة أيضاً قول البعض أن السلف يمرون الصفات كما جاءت دون فهم معانيها وهذا غير صحيح فإن السلف إنما يريدون بإمرارها كما جاءت في الكيفيات لا في معانيها فإن كيفية الصفات من الأمور المجهولة والسؤال عنها بدعة أما المعاني فواضحة ومعقولة.
- الزعم بأن الله تعالى في كل مكان واستدلالهم بآيات معية الله لخلقه وتفسيرهم لها بأنها المعية الذاتية لله تعالى عن ذلك فإن السلف فسروا هذه المعية من الله تعالى بأنها إحاطة علمه عزّ وجلّ بجميع ما يجري فلا يخفى عليه شيء وذاته تعالى فوق عرشه وهو مع كل مخلوق بعلمه وإحاطته.(44/154)
- الزعم بأن السلف يعتقدون أن الله في السماء أي في داخلها أو أنها تحيط به أو أنه بإحدى السماوات تحوزه تعالى الله عن ذلك فإن هذا ليس من أقوال السلف بل هو من أقوال أهل البدع لأن معنى أن الله في السماء أي في مطلق العلو فوق عباده وفوق عرشه هكذا عقيدة السلف كما قال تعالى : {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ }.
- الزعم بأن السلف مجسمة أو حشوية أو مشبهة أو جبرية أو قدرية أو نابتة أو غثاء أو غثراء أو غير ذلك من الألقاب التي أطلقت على السلف نبزاً لهم فإن مذهب السلف هو بخلاف ذلك كله كما اتضح في دراستنا السابقة.
- الزعم بأن آيات الصفات من المتشابه قول لأهل البدع لا لأهل السنة الذين يعتقدون أنها من المحكم المعروف المعنى.
- القول بأن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة أو أنه لا فرق بينهم وبين أهل السنة هذا قول من يجهل الفرق بينهم في قضية الصفات وغيرها من القضايا التي خالفوا فيها السلف.
لأن أهل السنة يثبتون كل الصفات من غير تأويل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل والأشاعرة لا يثبتون الصفات كلها كما هو معلوم من مذهبهم بل يؤولون أكثرها بحجة التنزيه وهو اعتقاد فاسد لا يقره أهل السنة والجماعة.
- القول بأن الأشاعرة هم المتمسكون بمذهب الأشعري رحمه الله، وهذا الخطأ نشأ من عدم اعتراف هذه الطائفة برجوع الأشعري رحمه الله إلى مذهب أهل السنة والجماعة كما صح عنه ذلك وكما قرره في كتبه كالإبانة والمقالات وغيرها وقد صرح بما لا خفاء به بأنه على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله تعالى.(44/155)
- قول بعض أهل البدع ننزه الله عن التشبيه والتمثيل والتركيب والتبعيض وحلول الحوادث والجسم وتعدد القدماء .. الخ. كلها من كلمات أهل البدع ولا شك أن السلف ينفون عن الله تعالى كل صفة لم ترد في الكتاب أو في السنة وبالنسبة لإطلاق بعض العبارات المجملة فإنهم يستفسرون من قائلها وماذا يقصده من كلامه مثل الجسم وغيره من الألفاظ المجملة ثم يحكمون عليه تبعاً لذلك.
- تقسيم أهل السنة والجماعة إلى سلف وخلف وإن جميعهم يسمون بالسلف وبأهل السنة والجماعة. هذا خلط غير صحيح وجمع بين نقيضين فإن الخلف مؤولة الصفات وليسوا هم السلف المثبتة لها ويلتحق بهذا أيضاً ما أصله أهل البدع بقولهم مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم وهو تقسيم باطل وتفضيل للمؤولة والمحرفة على السلف أصحاب السنة والجماعة الذين مذهبهم أسلم وأعلم وأحكم.
- الزعم بأنه يجب التأويل خصوصاً في بعض النصوص وأن من لم يؤولها وقع في الخطأ وأن من منع التأويل فإنه سيضطر هنا إليه وإلا كان كلامه باطلاً بزعمهم، وكذلك فإن من منع التأويل مطلقاً وقال به هنا كان دليلاً على تناقضه فيما يزعم هؤلاء الخلف ومن أمثلة ذلك:
1- قوله تعالى:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ}(269)
2- وقوله تعالى : {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}(270).
3- وقوله تعالى:{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ* تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ}(271).
4- وقوله تعالى : {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}(272) .
5- وقوله تعالى : { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ }(273) .
كما استدل المخالفون للسلف على وجوب التأويل بأحاديث من السنة النبوية زاعمين أن من لم يؤولها فإنه لا يكون سلفياً.(44/156)
1- مثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: "ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه"(274) .
2- ومثله الحديث الآخر أن الله تعالى قال :"ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"(275) .
3- الحجر الأسود يمين الله في الأرض(276) وقد زعم المخالفون للسلف أننا لو لم نؤول هنا لأصبحنا ملاحدة نؤمن بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود كما يزعمون.
4- حديث نزول الله تعالى في ثلث الليل الأخير إلى السماء الدنيا(277) .
وقد زعم المخالفون للسلف أن تلك الآيات والأحاديث مما يتوجب فيها التأويل فقوله تعالى :{ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ } أي بعلمه لا بذاته وهذا المعنى اللمعية هو الذي سماه المخالفون تأويلاً وهي تسمية غير صحيحة فإن معنى وهو معكم أي مطلع عليكم شهيد عليكم ومهيمن وعالم بكل ما تأتون وما تذرون ولا يمكن أن تفسر المعية في هذه الآية بغير هذا التفسير والمنزه الله تعالى لا يمكن أن يفهم منها معية ذاته جل وعلا إلا إذا أراد التعطيل أو التشبيه أو القول بوحدة الوجود.
وأما الآية الثانية : {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} أي وملائكتنا وقدرتنا وعلمنا أقرب إليه من قبل وريده وقد وصف المخالفون هذا المعنى بأنه لجوء إلى التأويل وهو فهم غير صحيح فإنه ليس بتأويل بل هو على ظاهره صحيح فإن الملائكة يعملون بقدرته وإرادته وهم جنود له تعالى مطيعون ولهذا عبر بكلمة "نحن" المفيدة للتعظيم وإحاطة علمه تعالى بكل شخص ومخلوق صغيراً كان أو كبيراً.(44/157)
وأما الآية الثالثة { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي بحفظنا ورعايتنا لها وبمرأى منا وليس هذا من قبيل التأويل كما زعم المخالف بل هو المعنى الحقيقي ولهذا قال تعالى : { بِأَعْيُنِنَا } ولم يقل في أعيننا أي تجري على مرآه عزّ وجلّ وحفظه.
وأما قوله تعالى :{ وَجَاءَ رَبُّكَ } فهو مجيء حقيقي ولا نحتاج إلى أي تأويل له للأدلة الأخرى من القرآن الكريم والسنة النبوية فمن أوله إلى مجيء أمره أو مجيء ملك كبير ونحو ذلك فقد خالف الحق ومذهب السلف إذ لا مانع من مجيء الله تعالى.
وأما الآية : { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} فإن الجواب عنها هو كالجواب في "وجاء ربك" فالإتيان والمجيء والنزول كلها صفات حقيقية نعرف معانيها ونتوقف في معرفة كيفياتها ولا نحتاج إلى أي تأويل لها.
أما بالنسبة لما استدلوا به من السنة النبوية وأنه لابد فيه من التأويل وإلا لما كنا على السلفية بزعمهم فهو تكلف منهم وتقوية لمذهبهم في حب التأويل :
1- أما الحديث الأول : فمعناه كما يفيده كلام العلماء أن العبد إذا أحب الله تعالى من خالص قلبه فإن عمله كله لا يكون إلا لله فلا يستعمل أعضاءه كلها إلا لله وفي مرضاته عزّ وجلّ فلا يسمع ولا يبصر ولا يبطش بيده ولا يمشي برجله إلا وفق ما أراده الله منه وبالتأويل يوفقه الله ويستجيب له وهذا هو المعنى الحقيقي وليس بتأويل كما يدعي غير السلف ولا حاجة إلى ركوب التأويل ما دام المعنى في غاية الوضوح.(44/158)
2- وأما الحديث الثاني وهو قرب الله تعالى فقد وصف الله نفسه بالقرب فقال {فإني قريب} وقربه صفة لا نعرف كيفيتها ولكنها ثابتة لمن تقرب إلى الله تعالى ومع أن الكون كله في قبضة الله تعالى ليس فيه قريب ولا بعيد لكنه عزّ وجلّ يكون إلى أوليائه أكثر قرباً وعناية وهو فوق عرشه ويقرب من عبده حسب مشيئته وإرادته عزّ وجلّ في زيادة العناية به. وإذا تصورنا هذا المفهوم فإنه لا حاجة بنا إلى التأويل فراراً من إثبات هذا القرب إذ لا يعقل أن يتصور أن الله يكون قريباً من كل خلقه بذاته عزّ وجلّ.
3- وأما الحديث الثالث : فقد أراح الله منه فإنه حديث غير صحيح كما ذكره علماء الحديث وعلى فرض صحته فإنه لا يحتاج إلى تأويل إذ معناه يتضح في تمام الحديث بقوله : "فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه".
والمعنى واضح في قوله "فكأنما" أي ليس المراد أن الحجر الأسود هو صفة لله تعالى أو يد له عزّ وجلّ بل من قبله فله من الأجر مثل الذي يقبل يد الله تعالى وهذا المفهوم لا يحتاج معه إلى التأويل إذ لا محذور فيه فهو افتراض المقصود به حصول الأجر العظيم وما دام الحديث غير صحيح فلا حاجة إلى تكلف الجواب عنه.
4- وأما حديث النزول: فمعناه ينزل جل وعلا حقيقة على صفة لا نعرفها ولا تكيفها مهما اختلفت الأوقات من بلد لبلد فكما أننا لا نعرف كيفية الصفات فكذلك كيفية النزول ولهذا فلسنا بحاجة إلى تأويل نزول الله تعالى بنزول أمره وقدرة الله عزّ وجلّ فوق ما يتصوره العقل فهو يرزق خلقه ويميتهم بمشيئته ويحاسبهم في وقت واحد كما أنه لا يمر وقت إلا وأمره وقضاؤه عزّ وجلّ نازل فلماذا نقصر نزول أمره على تلك الأوقات فقط لو لم يكن نزولاً حقيقياً لا يعلم كيفيته إلا هو عزّ وجلّ.(44/159)
- من الأخطاء في العقيدة كذلك قولهم عن الله تعالى : "أنه الموجود الحق" لأن الموجود ليس من أسماء الله تعالى أو قولهم :"المنفرد بالوجود الحقيقي" لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة أنهما من صفاته تعالى.
وقولهم "واجب الوجود" أو العقل الأول أو اليهولي على إنما أسماء الله تعالى لأنها أسماء مبتدعة لله تعالى لم ترد في الشرع الشريف فلا نطلقها لا نفياً ولا إثباتاً وفي غيرها من أسماء الله تعالى ما يغني عنها.
- " لا معبود سوى الله" جملة ناقصة صوابها " لا معبود بحق إلا الله" لأنه قد عبد غير الله وإله.
- فلان شهيد. لفظ لا يجوز الجزم به لأن الشهادة علمها إلى الله تعالى ولا يشهد لأحد بجنة أو بنار إلا من ورد النص فيه.
وقد تساهل الناس في أمر الشهادة حتى صاروا يقولون شهيد الحب شهيد الوطن شهيد الواجب شهيد الكرة .. الخ . وهو تساهل يدل على جهل عظيم بمنزلة الشهداء عند الله تعالى.
- بعضهم يعبر عن توحيد الله عزّ وجلّ بأنه خالق الكون ومدبره .. الخ.
والحقيقة أن هذا هو توحيد الربوبية الذي لا يدخل الشخص بالإقرار به في توحيد الألوهية حتى يقر بتوحيد الألوهية وإفراد الله تعالى بعبادته لا شريك له الذي بعث الله رسله من أجله لا من أجل تقرير توحيد الربوبية الذي تقر به الفطر والعقول السليمة على مر الدهور.
- الزعم بأن السلفية ليست مذهباً معروفاً كلام باطل وتجاهل لطائفة أهل السنة والجماعة كما ذكرنا سابقاً.
- رد أخبار الآحاد في مسائل الاعتقاد هو مذهب أهل البدع أما أهل السنة والجماعة فيتقبلون أخبار الآحاد ويعملون بها في كل أمر ما دامت قد ثبتت صحتها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
- التوسل بالجاه أو بالذات لأي كائن – غير الله تعالى – يعتبر شركاً لا يجوز فعله ومن نسب إلى السلف جواز التوسل بالجاه أو بالذات فقد أخطأ فهم عقيدتهم.(44/160)
- القول بأن رؤية الله تعالى في الآخرة تستلزم التحيز لله عزّ وجلّ كلام باطل وهو ليس من أقوال السلف الذين يؤمنون برؤية الله تعالى على كيفية لا نحيط بها استناداً إلى نصوص رؤيته تعالى حقيقة إذ لا مانع من رؤيته لا نصاً ولا عقلاً.
- نفي الجهة عن الله تعالى مطلقاً أو إثبات أنه في كل جهة بذاته هو معتقد فاسد فإن الله تعالى أخبر عن نفسه أنه في جهة الفوقية المطلقة ولا يلزم منه التحيز أو كونه بذاته في كل مكان فإنه مما يتنزه الله عنه.
- تجويز التوسل بذات أحد من البشر سواء أكانوا من الرسل عليهم الصلاة والسلام أو غيرهم بدعة منكرة لم يجوزها السلف اتباعاً للنصوص الناهية عن ذلك.
- القول بالتفريق بين الحقيقة والشريعة ليس من أقوال السلف بل هو من اختراعات غلاة الصوفية وذلك أن أي شيء يخالف الشريعة يجب نبذه وعدم الالتفات إليه فضلاً عن قبول معارضته.
- اعتقاد أنه لا فرق بين الإرادة والمشيئة الإلهية خطأ لأن الإرادة تنقسم إلى إرادة كونية: تتعلق بكل شيء مما يحبه الله أو لا يحبه وإرادة شرعية: تتعلق بما يحبه الله ويرضاه بينما المشيئة تتعلق فقط بالإرادة الكونية من حيث العموم.
- تنشر بعض الصحف بين آونة وأخرى أخباراً كاذبة فيها تهويل يجذب القراء مثل ما تزعمه بعض الصحف عن علماء الآثار من أنهم يجدون أحياناً جماجم تدل على أن الإنسان كان يشبه القرد تماماً وهذه تقوية لنظرية الملحد داروين أو أن القيامة ستقوم في وقت كذا وكذا من السنين، أو أنه وجد في بلد كذا جنين يقرأ القرآن بصوت مسموع وهو في بطن أمه أو أن الدابة ستخرج وقت كذا وغير ذلك من الأخبار التي تدل على أن مصدرها ملاحدة يريدون ترويع الناس لمصالح لهم ومعلوم أن من ادعى علم الغيب فإنه كاذب وكافر بجميع الأديان حاشا الأنبياء الذين يطلعهم الله على ما يشاء من المغيبات.(44/161)
- قول بعض الناس بالله وبك أو على الله وعليك أو غير ذلك من الألفاظ التي فيها التشريك بين الله وبين غيره هي من الأمور المنهي عنها والتي لا يقرها السلف وأما إذا أدخلت "ثم" مكان "الواو" فلا حرج.
قول علماء الكلام "الكلام غير المتكلم به"، أو "القول غير القائل" أو "العلم غير العالم" أو "القدرة غير القادر" إلى غير ذلك من العبارات التي نسجوها على هذا النحو كل ذلك كلام باطل ليس من مذهب السلف فإن مراد هؤلاء أن تلك الصفات مباينة لله تعالى ومنفصلة عنه وأنه لا يصح وصفه بأية صفة لأن الصفات مغايرة له حسب زعمهم ومن هنا تسلطوا على نفي كل صفات الله تعالى واعتبروها تركيباً لا يجوز على الله تعالى ففرقوا بين الله تعالى وبين صفاته بتعمقهم في علم الكلام المذموم ظانين أنه علم غزير.
- القول بوجوب الموازنة قول يخالف طريقة السلف(278) وذكر الموازنة فيه محاذير كثيرة فإن المخالف لا ينظر إلى ما يذكر عن أهل البدع من المساوئ بل يقف عند ذكر المحاسن ويضخم أمرها ويستدل بها على صحة ما هو عليه من المبادئ والعقائد كما أن السلف لم يكونوا يستجيزون الثناء على أهل البدع ولهذا فإن ترك ذكر المحاسن يعتبر عقوبة جيدة لأهل البدع.
فإنه قد يكون لهم أخطاء تذهب بجميع حسناتهم فلا فائدة من ذكر الحسنات بعد ذلك وقد يكون ما نذكره عنهم من الحسنات ليست هي حسنات حقيقية بل قد تكون سيئات عند الله تعالى .
ثم إن في الثناء على الفساق تغرير بمن لا يعرفهم ولم يذكر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم أي حسنات أو ثناء على الكفار بل ذم كفرهم وأعمالهم المخالفة.
أما إذا كان الشخص من أهل السنة والجماعة ولكنه أخطأ في بعض الأمور الاجتهادية فلا حرج من مدحه والثناء عليه مع التنبيه على خطإه إن أخطأ وكذا ذكر الآراء التي يخالفون فيها مع تفنيدها لا حرج فيه.(44/162)
- السلف لا يفرقون بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ومن فرق بينهما فقد جانب الصواب والمفرق إما أن يكون جاهلاً أو في قلبه شيء من بغض السلف وكيف تكون منصورة وهي غير ناجية وكيف تكون ناجية وهي غير منصورة لأن الله تعالى لا يجعل النصر في النهاية إلا لجنده الذين رضي عنهم أما الباطل فله صولة ثم يضمحل وصاحبه لا يكون ناجياً ولا منصوراً.
- السلف لا يحبون إطلاق كلمة "الصحوة الإسلامية" مع أن هذه العبارة قد انتشرت كثيراً على ألسنة الناس وسبب كراهتهم لها أنها تشعر السامع أن المسلمين كانوا في غفوة تامة وليس لهم دعوة إلى الله ولا جهاد في سبيله ولم يعرفوا الإسلام إلا بعد أن نبغ دعاة هذه العبارة وحركتهم التي يزعمون أنها صحوة جديدة في الإسلام.
- ليس من عقيدة السلف الاحتفاء بأعياد الميلاد ولا رأس السنة الميلادية أو الهجرية ولا يعترفون إلا بعيدين كبيرين هما عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد ثاني صغير هو يوم الجمعة ومن نسب إليهم غير ذلك فقد جانب الصواب.
- ليس من عقيدة السلف الاعتراف بما يسمى "تقارب الأديان" لأن هذه خدعة جديدة ويهدفون من ورائها الإيحاء للناس بصحة أديان الطوائف المعادية للإسلام وبالتالي الهجوم على الإسلام وأهله.
- كلمة الأديان السماوية إطلاق غير دقيق فإن السماء ليس لها أديان ولا ترسل رسلاً ولا تنزل كتباً ولا يوجد بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلا دين إلهي واحد فيجب إسناد الكتب وإنزالها ثم نسبة الدين الصحيح إلى الله تعالى وإن كان بعضهم يتجوز ذلك بحجة أن المقصود واضح وهو الله تعالى.(44/163)
ليس من عقيدة السلف الزعم بأن الإكثار من قراءة سورة "تبت يدا" غير مناسب لأن فيها تعريضاً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو أن هذه الخرافة صدرت عن العوام والجهال لما كان لذكرها ضرورة ولكني سمعت بعض أهل العلم ممن نقرأ لهم بعض مؤلفاتهم والله المستعان يحذر من تعمد القراءة بسورة تبت يدا مراعاة لخاطر النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقولون بل ويزعمون في تخويفهم لمن يتعمد ذلك أنه يصاب بالشلل وهو كلام باطل يجب التوبة منه والاستغفار من اعتقاده وكذا الزعم بأن من قرأ سورة قريش دائماً فإنه يصبح غنياً وإن كان جائعاً يصبح شبعاناً وهي خرافات تنافي الاعتقاد الصحيح.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
* * * * * * * * * *
الباب الثالث
دراسة عن الخوارج
ونبدأ الآن بعون الله وتوفيقه في بيان الفرق التي تنتسب إلى الإسلام وأول ما نبدأ به منها حسب ترتيبها في الظهور واعتبارها فرقة من الفرق (( هي فرقة الخوارج )) .
وسنخص بالتفصيل أهم آرائهم الاعتقادية مع إبطالها بالرد عليها وتفنيد شبهها تاركين في هذه الفرقة وفي غيرها من الفرق التي سيأتي الكلام عنها ما يمكن الاستغناء عنه أولاً تدعو الحاجة إلى ذكره في هذه العجالة ....
وقد قسمت الدراسة عن هذه الفرقة إلى الفصول الآتية :
* * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الأول
تمهيد
وجود الخوارج في الماضي والحاضر
الخوارج فرقة كبيرة من الفرق الاعتقادية، وتمثل حركة ثورية عنيفة في تاريخ الإسلام السياسي. شغلت الدولة الإسلامية فترة طويلة من الزمن، وقد بسطوا نفوذهم السياسي على بقاع واسعة من الدولة الإسلامية في المشرق وفي المغرب العربي، وفي عمان وحضرموت وزنجبار(1) وما جاورها من المناطق الإفريقية وفي المغرب العربي، ولا تزال لهم ثقافتهم المتمثلة في المذهب الإباضي المنتشر في تلك المناطق .(44/164)
ولا يخفى كذلك أن بعض أفكار الخوارج- ولاسيما الأزارقة- المتعلقة بتكفير العصاة لا يزال لها أتباع يمثلون تنطع الخوارج وتشددهم في وقتنا الحاضر، مما يستدعي عرض ودراسة هذه الفرقة، وما أنتجت من آراء وأفكار، وبيان ما جناه أتباعها على الإسلام والمسلمين .
ومما يجدر ذكره بالنسبة لكتب الخوارج أنها تكاد أن تكون مفقودة تماماً إذا ما استثنينا الإباضية منهم، فلم تعرف لهم مؤلفات موفورة كبقية الفرق، وأكثر ما نرجع في ذلك إلى ما كتبه العلماء من أهل السنة، مع ثقتنا بصحة ما نقلوه عنهم لمعايشتهم لهم، وكذلك لاحتمال أنهم عثروا على كتب للخوارج لم تصل إلينا، على أن ما وصل من كتب الإباضية تدل على مصداق أولئك في نقلهم لمذهب الخوارج(2).
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الثاني
التعريف بالخوارج
في اللغة: الخوارج في اللغة جمع خارج، وخارجي اسم مشتق من الخروج، وقد أطلق علماء اللغة كلمة الخوارج في آخر تعريفاتهم اللغوية في مادة ((خرج)) على هذه الطائفة من الناس؛ معللين ذلك بخروجهم عن الدين أو على الإمام علي، أو لخروجهم على الناس(3).
في الاصطلاح: اختلف العلماء في التعريف الاصطلاحي للخوارج، وحاصل ذلك:
منهم من عرفهم تعريفاً سياسياً عاماً، اعتبر الخروج على الإمام المتفق على إمامته الشرعية خروجاً في أي زمن كان.
قال الشهرستاني: ((كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان)) (4)
ومنهم من خصهم بالطائفة الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه. قال الأشعري:((والسبب الذي سُمّوا له خوارج؛خروجهم على علي بن أبي طالب))(5).
زاد ابن حزم بأن اسم الخارجي يلحق كل من أشبه الخارجين على الإمام عليّ أو شاركهم في آرائهم في أي زمن. وهو يتفق مع تعريف الشهرستاني(6).(44/165)
3- وعرفهم بعض علماء الإباضية بأنهم طوائف من الناس في زمن التابعين وتابع التابعين أولهم نافع بن الأزرق (7) ، ولم أر هذا التعريف عند أحد غير الإباضية.
وهذا التعريف لأبي إسحاق أطفيش يريد منه أن لا علاقة بين المحكمة الأولى –الذين لا يعتبرهم خوارج لشرعية خروجهم كما يزعم- وبين من بعدهم إلى قيام نافع سنة 64هـ، وهذا التعريف غير مقبول حتى عند بعض علماء الإباضية، ويبقى الراجح هو التعريف الثاني؛ لكثرة من مشى عليه من علماء الفرق في تعريفهم بفرقة الخوارج، وقيام حركتهم ابتداء من خروجهم في النهروان، وهو ما يتفق أيضاً مع مفهوم الخوارج كطائفة ذات أفكار وآراء اعتقاديه أحدثت في التاريخ الإسلامي دوياً هائلاً.
* * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الثالث
أسماء الخوارج وسبب تلك التسميات
للخوارج أسماء كثيرة، بعضها يقبلونه وبعضها لا يقبلونه، ومن تلك الأسماء:
1- الخوارج. 2- الحرورية. 3- الشراة.
4- المارقة. 5- المحكمة. 6- النواصب.
أما بالنسبة للاسم الأول: فهو أشهر أسمائهم، هم يقبلونه باعتبار وينفونه باعتبار آخر، يقبلونه على أساس أنه مأخوذ من قول الله عزّ وجلّ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }(8) وهذه تسمية مدح.
وينفونه إذا أريد به أنهم خارجون عن الدين أو عن الجماعة أو عن علي رضي الله عنه؛ لأنهم يزعمون أن خروجهم على عليّ رضي الله عنه كان أمراً مشروعاً بل هو الخارج عليهم في نظرهم.
و الإباضيون بخصوصهم يسمونها فتنناً داخلية بين الصحابة.(44/166)
قال نور الدين السالمي الإباضي عن تسميتهم خوارج على سبيل المدح: ((ثم لما كثر بذل نفوسهم في رضى ربهم وكانوا يخرجون للجهاد طوائف – سُمُّوا خوارج، وهو جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج في سبيل الله))(9).
وقال أحد شعراء الخوارج(10).
كفى حزناً أن الخوارج أصبحوا *** وقد شتت نياتهم فتصدعوا
وأما بالنسبة للتسمية الثانية: فهي نسبة إلى المكان الذي خرج فيه أسلافهم عن عليّ، وهو قرب الكوفة. قال شاعرهم مقارناً بين جحف الثريد أي أكلة وبين جحف الحروري بالسيف أي ضربه به:
ولا يستوي الجحفان جحف ثريدة *** وجحف حروري بأبيض صارم (11)
ووردت هذه التسمية في قول عائشة رضي الله عنها: ((أحرورية أنت)) (12)
قالته للمرأة التي استشكلت قضاء الحائض والصوم دون الصلاة.
وأما بالنسبة للتسمية الثالثة: فهي نسبة إلى الشراء الذي ذكره الله بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }الآية(13).
وهم يفتخرون بهذه التسمية ويسمون من عداهم بذوي الجعائل: أي يقاتلون من أجل الجُعْل الذي بذل لهم. قال شاعرهم عيسى بن فاتك:
فلما استجمعوا حملوا عليهم *** فظل ذوو الجعائل يقتلونا (14)
وأما التسمية الرابعة: فهي من خصوم الخوارج، لتنطبق عليهم أحاديث المروق الواردة في الصحيحين في مروقهم من الذين كمروق السهم من الرمية. قال ابن قيس الرقيات من أبيات له:
إذا نحن شتى صادفتنا عصابة *** حرورية أضحت من الدين مارقه (15)(44/167)
وأما التسمية الخامسة : فهي من أول اسمائهم التي أطلقت عليهم وقيل أن السبب في إطلاقه عليهم إما لرفضهم تحكيم الحكمين وإما لتردادهم كلمة لا حكم إلا لله وهو الراجح ، وهي كلمة حق أريد بها باطل ولا مانع أن يطلق عليهم لكل ذلك غير أن السبب الأول ينبغي فيه معرفة أن الخوارج هم الذين فرضوه أولاً وهم يفخرون بهذه التسمية كما قال شاعرهم شبيل بن عزره :
حمدنا الله ذا النعماء أنّا *** نحكم ظاهرين ولا نبالى(16).
وأما تسميتهم بالنواصب فلمبالغتهم في نصب العداء لعليّ بن أبي طالب – رضي الله عنه - .
* * * * * * * * * *
الفصل الرابع
متى خرج الخوارج
1- اختلف المؤرخون وعلماء الفرق في تحديد بدء نشأتهم وخلاصة ذلك ما يبلى : -
1- أنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أنهم نشأوا في عهد عثمان رضي الله عنه.
3- أنهم نشأوا في عهد علي رضي الله عنه حين خرج عليه طلحة والزبير، كما يزعم بعض علماء الإباضية.
4- أو حين خرج الخوارج من المحكمة عن جيشه كما هو الراجح.
5- أنهم ظهروا في عهد نافع بن الأزرق ابتداء من سنة 64هـ، كما تقدم في التعريف بهم. وفيما يلي مناقشة تلك الأقوال وبيان الصحيح منها:
أما بالنسبة للقول الأول، فإن المقصود به ما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم من قيام ذي الخويصرة- عبد الله ذي الخويصرة التميمي- في إحدى الغزوات في وجه الرسول معترضاً على قسمة الرسول صلى الله عليه وسلم للفيء، وأنه لم يعدل –حاشاه- في قسمتها.
وقد قال بهذا القول كثير من العلماء منهم: الشهرستاني وابن حزم وابن الجوزي، والآجري، إلا أنه ينبغي التفريق بين بدء نزعة الخروج على صورة ما، وظهور الخوارج كفرقة لها آراء وتجمع قوي.(44/168)
فذو الخويصرة لا يعتبر في الحقيقة زعيماً للخوارج، لأن فعلته حادثة فردية- تقع للحكام كثيراً- ولم يكن له حزب يتزعمه ولا كان مدفوعاً من أحد –إلا طمعه وسوء أدبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فيمكن القول بأن نزعة الخروج قد بدأت بذرتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . (17)
وأما بالنسبة للقول الثاني، فهو رأي لبعض العلماء أيضاً كابن كثير وابن أبي العز (18)، ولكن يرد على هذا أن أولئك الثوار البغاة كان هدفهم قتل عثمان وأخذ المال، ولا ينطبق عليهم وصف فرقة ذات طابع عقائدي خاص، ولهذا اندمجوا مع المسلمين بعد تنفيذ جريمتهم ولم يشكلوا فرقة مستقلة –وإن كان فعلهم يعتبر خروجاً عن الطاعة وخروجاً على الإمام –إلا أنهم ليسوا هم الخوارج كفرقة عقائدية سياسية لما تقدم.
وأما بالنسبة للقول الثالث؛ وهو للورجلاني الإباضي، فأنه قول مردود؛ فإن طلحة والزبير رضي الله عنهما لا يصح وصفهما بالخوارج ولا ينطبق عليهما وصف الخوارج كفرقة، وكان معهما أيضاً أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد شهد الله لها بالإيمان، وطلحة الزبير رضي الله عنهما من العشرة المبشرين بالجنة(19).
وأما بالنسبة للقول بأن نشأتهم تبدأ من قيام نافع بن الأزرق؛ فإنه لم يقل به غير من ذكرنا من علماء الإباضية (20)؛ لنفيهم وجود صلة ما بين المحكمة ومن ثار على طريقتهم وبين الأزارقة بعدهم، وهو قول غير مقبول لوجود تسلسل الأحداث وارتباطها من المحكمة إلى ظهور نافع بن الأزرق.
والحاصل أن الخوارج بالمعنى الصحيح اسم يطلق على تلك الطائفة ذات الاتجاه السياسي والآراء الخاصة، والتي خرجت عن جيش الإمام علي رضي الله عنه والتحموا معه في معركة النهروان الشهيرة(21).
ومما نذكره هنا محاورات بين عليّ رضي الله عنه والخوارج، تصور لنا مدى التعنت الذي اتصف به الخوارج.
* * * * * * * * *
الفصل الخامس
محاورات الإمام علي للخوارج في النهروان(22).(44/169)
وقعت بين الإمام علي وبين الخوارج –قبل نشوب المعركة- عدة محاورات، وحينما طلب منهم علي رضي الله عنه بيان أسباب خروجهم عنه أجابوه بعدة أشياء منها:
1- لماذا لم يبح لهم في معركة الجمل أخذ النساء والذرية كما أباح لهم أخذ المال؟
2- لماذا محى لفظة أمير المؤمنين وأطاع معاوية في ذلك عندما كتب كتاب الهدنة في صفين، وأصر معه على عدم كتابة ((علي أمير المؤمنين))؟
3- قوله للحكمين : إن كنت أهلاً للخلافة فأثبتاني . بأن هذا شك في أحقيته للخلافة.
4- لماذا رضي بالتحكيم في حق كان له.
هذه أهم الأمور التي نقموا عليه من أجلها كما يزعمون، وقد أجابهم عن كل تلك الشبه ودحضها جميعاً حيث أجابهم عن الشبهة الأولى والتي تدل على جهلهم بما يلي:
أ- أباح لهم المال بدل المال الذي أخذه طلحة والزبير من بيت مال البصرة، ثم هو مال قليل
ب- النساء والذرية لم يشتركوا في القتال وهم أيضاً مسلمون بحكم دار الإسلام ولم تكن منهم ردة تبيح استرقاقهم.
ج- قال لهم: لو أبحت لكم استرقاق النساء والذرية فأيكم يأخذ عائشة سهمه فخجل القوم من هذا ورجع معه كثير منهم كما قيل.
وأجابهم على الشبهة الثانية:
1- بأنه فعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وذكر –إن صحت الرواية- أنه قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لي منهم يوماً مثل ذلك.
والله أعلم بصحة هذه الرواية التي يتناقلها المؤرخون، ذلك أن معاوية رضي الله عنه ما كان يطالب بالخلافة حتى يحق له أن يطلب محو كلمة ((أمير المؤمنين)). ومعاوية كذلك كان يعرف أسبقية عليّ وفضله، وإنما النزاع حول أمر آخر غير الخلافة، اللهم إلا أن يكون هذا الفعل من صنيع المفاوضين دون علم معاوية بذلك.(44/170)
وأجابهم عن الشبهة الثالثة على افتراض صحة الرواية عنه: بأنه أراد النصفة لمعاوية ولو قال: احكما لي؛ لم يكن تحكيماً، ثم استدل بقصة وفد نصارى نجران ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم إلى المباهلة لإنصافهم.
وأجابهم عن الشبهة الرابعة: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكّم سعد بن معاذ في بني قريظة في حق كان له.
ثم نشبت المعركة مع من بقي منهم على عناده وهزم الخوارج شر هزيمة، وتذكر بعض كتب الفرق أنه لم يَنْجُ من الخوارج إلى تسعة، ولم يُقتل من جيش عليّ إلا تسعة(23) ، وصار هؤلاء التسعة من الخوارج هم نواة الخوارج في البلدان التي ذهبوا إليها، وفي هذا نظر(24)، وقتل زعيم الخوارج في هذه المعركة وهو عبد الله بن وهب الراسبي سنة 37 ، أو 38هـ .
* * * * * * * * * * * * * *
الفصل السادس
أسباب خروج الخوارج.
في البحث عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى خروج الخوارج ، يختلف العلماء في هذا السبب أو ذاك ، وفي تحديد مدى فاعلية بعض الأسباب ، والراجح أن أسباباً مجتمعة هي التي أدت بهم إلى الخروج ، ونوجز أهم الأسباب فيما يلي :
1- النزاع حول الخلافة:
وربما يكون هذا هو أقوى الأسباب في خروجهم، فالخوارج لهم نظرة خاصة في الإمام معقدة وشديدة، والحكام القائمون في نظرهم لا يستحقون الخلافة، لعدم توفر شروط الخوارج القاسية فيهم، أضف إلى هذا عدم الاستقرار السياسي الذي شجعهم على الخروج، وإلى الحسد الذي كان كامناً في نفوسهم ضد قريش. إضافة إلى أنهم فسروا الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما بأنه نزاع حول الخلافة. ومن هنا استسهلوا الخروج على عليّ ومعاوية من بعده.
2- قضية التحكيم:
فقد أجبروا الإمام عليّ على قبول التحكيم، وحينما تم ذلك طلبوا منه أن يرجع عنه بل ويعلن إسلامه، فرد عليهم رداً عنيفاً.(44/171)
وهناك من يقلل من شأن هذه القضية كعامل في ظهور الخوارج، ولا شك أن هذا خطأ، فقد كان التحكيم من الأسباب القوية في ظهورهم.
وقد رد بعض العلماء وشنع على من يقول من المؤرخين وكتاب الفرق، بأن كان في قضية التحكيم خداع ومكر، كالقاضي ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم؛ حيث فصّل القول في هذا الأمر.
3- جور الحكام وظهور المنكرات:
هكذا كان الخوارج يرددون في خطبهم ومقالاتهم، أن الحكام ظلمة والمنكرات فاشية، والواقع أنهم حينما فعلوا خرجوا أضعاف ما كان موجودا من المظالم والمنكرات، حينما رأوا أن قتال المخالفين لهم قربة إلى الله تعالى، وأن الأئمة ابتداءً بالإمام علي –مع عدله وفضله- ثم بحكام الأمويين والعباسيين-كلهم ظلمة في نظرهم دون تحرٍّ أو تحقيق، مع أن إقامة العدل والنهي عن المنكرات يتم بغير تلك الطريقة التي ساروا عليها في استحلال دماء مخالفيهم حكاماً ومحكومين.
4- العصبية القبلية:
التي ماتت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر عمر رضوان الله عليهما. ثم قامت في عهد عثمان وما بعده قوية شرسة، وكانت قبل الإسلام بين ربيعة- وأكثر الخوارج منهم- وبين مضر قوية، وقد قال المأمون في إجابته لرجل من أهل الشام طلب منه الرفق بالخوارج: ((وأما ربيعة فساخطة على الله منذ بعث نبيه من مضر، ولم يخرج اثنان إلا خرج أحدهما شارياً)).
وهناك أسباب أخرى عوامل اقتصادية؛ كقصة ذي الخويصرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وثورتهم الممقوتة على عثمان رضي الله عنه؛ حيث نهبوا بيت المال بعد قتله مباشرة، ونقمتهم على عليّ في معركة الجمل، ومنها كذلك الحماس الديني الذي مدحهم به بعض المستشرقون كجولد زيهر حينما ذكر أن تمسك الخوارج الشديد بالقرآن أدى بهم إلى الخروج على المجتمع، والمغالطة في قوله هذا واضحة، فإن التمسك بالقرآن لا يؤدي إلى سفك الدماء بغير حق(25).
* * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل السابع(44/172)
حركات الخوارج الثورية وفرقهم وعددهم.
أ- أشرنا فيما مضى إلى أن الخوارج قد كونوا لهم دولة وصار لهم نفوذ، وإذا تتبعنا حركاتهم الثورية فإننا نجدها متصلة عنيفة، ابتداءً من خروج المحكِّمة على الإمام عليّ ومن خرج بعدهم على الإمام عليّ في شكل جماعات حربية تثور هنا وهناك عليه وعلى الحكام الأمويين من بعده حرب عصابات، إلى أن جاء نافع بن الأزرق سنة 64هـ ، وبدأ الخوارج يظهرون كفرق كبيرة امتدت إلى عصر الدولة العباسية، لا يقر للخوارج قرار أو يستكينون إلا ريثما يتم عددهم وعدتهم يمثلون المعارضة بالتعبير الحديث، وتلك الحركات مدونة في كتب التاريخ والفرق مما لا نرى التطويل بذكره؛ لأنها أحداث تاريخية.
ب- فرق الخوارج
أما فرقهم فإن من رحمة الله بالناس أن الخوارج تفرقوا فيما بينهم، ولو اتحدوا لكانوا كارثة على المسلمين المخالفين لهم، ويذكر العلماء أن الخوارج كانوا يختلفون ويتفرقون لأتفه الأسباب، وحينما جاء نافع بن الأزرق ببعض التفاصيل في المذهب كحكم التقية والقعدة(26) وأطفال المخالفين لهم فزاد الطين بلة والنار اشتعالاً فتفرقوا فرقاً كثيرة قد لا يكون ضرورياً عدها هنا فإن بعض تلك الفرق انتهى في وقته، وبعضها اندمج مع الفرق الأخرى، وبعضها رجع عن مقالاته كما فصلته كتب الفرق(27).
ج- عدد فرق الخوارج
وأما عددهم فإنه يجد الباحث عن عدد فرق الخوارج الأصلية والفرعية أنه أمام أعداد مختلفة؛ وذلك لأن كتب الفرق الإسلامية لم تتفق على تقسيم فرقهم الرئيسية أو الفرعية على عدد معين، فنجد الأشعري مثلاً يعد فرق الخوارج أربع فرق، وغيره يعدها خمساً، وبعضهم يعدها ثمانياً، وبعضهم سبعاً، وآخرون خمساً وعشرين، وقد تصل إلى أكثر من ثلاثين فرقة، والواقع أنه يصعب معرفة عدد فرق الخوارج(28) ، والسبب في ذلك يعود إلى:
1- أن الخوارج فرقة حربية متقلبة، فلم يتمكن العلماء من حصرهم حصراً دقيقاً.(44/173)
2- أن الخوارج كانوا يتفرقون باستمرار لأقل الأسباب ، كما أنهم يختلفون أيضاً لأقلها.
3- أن الخوارج أخفوا كتبهم إما خوفاً عليها من الناس أو ضناً بها عنهم، مما يجعل دراستهم من خلال كتبهم في غاية الصعوبة.
وندرة كتبهم في عصرنا الحاضر دليل على ذلك، إلا ما وجد للإباضية على قلته- إلى غير ذلك من الأسباب، إلا أنه من المعلوم تماماً أن أشهر فرق الخوارج فرقة الإباضية كما يذكر كتاب الفرق المتقدمون منهم و المتأخرون، رغم أن علماء الإباضية –خصوصاً علي يحيى معمر- ينفي نفياً قاطعاً أن تكون الإباضية فرقة من فرق الخوارج، وقد ذكرنا فيما سبق السر في ذلك.
وفيما يلي نذكر نبذة موجزة عن هذه الطائفة :
* * * * * * * * * * * * *
الفصل الثامن
دراسة أهم فرق الخوارج وهم الإباضية.
وتشمل دراسة هذه الطائفة ما يلي:
1- تمهيد:
ولا بد من وقفة يسيرة عند هذه الفرقة من الخوارج، نذكر عنهم على سبيل الإيجاز بعض ما قيل عنهم، سواء ما جاء عن المخالفين أو الموافقين لهم، أو ما ذكروه في كتبهم، ولكون هذه الطائفة لا يزال لها أتباع وأنصار في أماكن كثيرة من العالم، ولكونهم كانت لهم صولة وقوة، ولكثرة ما جاء من أخبارهم السياسية والعقدية والاجتماعية-فإنها تحتاج إلى دراسة خاصة قد تأخذ حجماً كبيراً لمن أراد أن يتتبع أخبارهم ويقف على مبادئهم(29).
ولذا فإننا نحيل القارئ –إذا أراد تفاصيل أخبار هذه الطائفة بأن يرجع إلى الكتب التي اهتمت بذكر تواريخهم وبيان عقائدهم، سواء ما كان منها قديماً أو جديداً؛ حيث ظهرت بعض كتب الإباضية على ندرتها وشدة تحفظهم عليها منذ القدم، إضافة إلى توجه بعض العلماء للكتابة عنهم في عصرنا الحاضر(30).
وأما أماكنهم فقد ذكر بكير بن سعيد أعوشت –أحد علمائهم- أنهم يوجدون حالياً في الجزائر وتونس وليبيا وعمان وزنجبار(31).
2- زعيم الإباضية(44/174)
أما بالنسبة لزعيم الإباضية فإنهم ينتسبون في مذهبهم- حسبما تذكر مصادرهم- إلى جابر بن زيد الأزدي الذي يقدمونه على كل أحد ويروون عنه مذهبهم، وهو من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه(32).
وقد نُسبوا إلى عبد الله بن إباض لشهرة مواقفه مع الحكام(33) ، واسمه عبد الله بن يحيى بن إباض المري من بني مرة بن عبيد، وينسب إلى بني تميم، وهو تابعي، عاصر معاوية وابن الزبير وكانت له آراء واجه بها الحكام.
وهذا هو اسمه المشهور عند الجمهور، إلا أن بعض العلماء التبست عليه شخصية ابن إباض بشخصية أخرى يسمى ((طالب الحق)).
فالملطي سماه في بعض المواضع من كتابه التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع إباض بن عمرو، وهذا خطأ منه مع أنه ذكره في مواضع أخرى بتسميته الصحيحة (عبد الله بن إباض)، وصاحب إبانة المناهج سماه يحيى بن عبد الله الإباضي، و هذا خطأ منه، حيث التبس عليه تسميته ((ابن إباض)) برجل آخر من زعماء الإباضية اسمه ((يحيى بن عبد الله طالب الحق المتقدم)) ثار باليمن وجمع حوله من الأتباع والانصار ما شجعه على الخروج في وجه حكام بني أمية سنة 128هـ، أصله من حضرموت، تأثر بدعوة أبي حمزة الشاري فخرج على مروان بن محمد وأخذ حضرموت وصنعاء، فسير إليه مروان بن محمد قائده عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي فدارت معركة أسفرت عن قتل طالب الحق سنة 130هـ(34).
وقد ذهب بعض العلماء من الإباضية إلى تحديد الوقت الذي استعملت فيه تسمية الإباضية، وأن ذلك كان في القرن الثالث الهجري، وقبلها كانوا يسمون أنفسهم ((جماعة المسلمين)) ، أو ((أهل الدعوة))، أو((أهل الاستقامة)) كما يذكر ابن خلفون من علمائهم (35)، وهذا القول لا يتفق مع نشأة الإباضية بزعامة جابر بن زيد أو عبد الله بن إباض.(44/175)
وقد ذهب ابن حزم إلى القول بأن الإباضية لا يعرفون ابن إباض، وأنه شخص مجهول(36)، وهذا خطأ منه، فإن ابن إباض شخص يعرفه الإباضيون، ولهذا رد عليه علي يحيى معمر الإباضي وذكر أن الإباضية يعرفون ابن إباض معرفة تامة ولا يتبرءون منه وأن ابن حزم تناقض حين ذكر أن الإباضية يتبرءون منه؛ إذ كيف يتبرءون من شخص مجهول لا يعرفونه(37)
ثم نتساءل كذلك من أين لهم تسميتهم ((إباضية)) إذا لم يكن ابن إباض من أوائلهم.
وقد ذهب الشهرستاني إلى أن ابن إباض خرج في أيام مروان بن محمد وقتل في ذلك الوقت (38)، وهذا غير صحيح، لأن ابن إباض توفي في خلافة عبد الملك بن مروان.
3-هل الإباضية من الخوارج؟
اتفقت كلمة علماء الفرق –الأشعري فمن بعده- على عد الإباضية فرقة من فرق الخوارج، وليس المخالفون للإباضية فقط هم الذين اعتبروهم في عداد الخوارج، وإنما بعض علماء الإباضية المتقدمون أيضاً؛ إذ لا يوجد في كلامهم ما يدل على كراهيتهم لعد الإباضية فرقة من الخوارج.
ولكن بالرجوع إلى ما كتبه بعض العلماء الإباضية مثل أبي اسحاق أطفيش، وعلي يحيى معمر- نجد أنهم يتبرءون من تسمية الإباضية بالخوارج براءة الذئب من دم يوسف.
ولقد خاض علي يحيى معمر في كتبه الإباضية بين الفرق الإسلامية، و الإباضية في موكب التاريخ، وغيرها –خاض غمار هذه القضية وتفانى في رد كل قول يجعل الإباضية من الخوارج وهاجم جميع علماء الفرق المتقدمين منهم والمتأخرين على حد سواء، واعتبر عدهم للإباضية من الخوارج ظلماً وخطأ تاريخياً كبيراً، لأن تاريخ الخوارج عنده يبدأ من سنة 64هـ بقيام نافع بن الأزرق فمن بعده، وسمى ما قام به المحكِّمة الأولى فتناً داخلية. ونفى وجود أي صلة ما بين المحكِّمة الأولى والخوارج بقيادة نافع بن الأزرق، ونجدة بن عامر، وغيرهما من الخوارج كما تقدم(39).(44/176)
ولا شك أن هذا القول فيه مغالطة خاطئة، ذلك أن الأحداث متسلسلة ومرتبطة من المحكِّمة إلى ظهور نافع بن الأزرق، بحيث يظهر أن الأولين هم سلف الخوارج.
والحقيقة أن ظهور نافع بن الأزرق كان على طريقة من سبقه في الخروج إلا أنه ساعدته الظروف بحيث تغير وضع الخوارج من جماعات صغيرة تثور هنا وهناك إلى جماعات كبيرة هزت الدولة الأموية هزاً عنيفاً في فترات متقطعة.
وزعم علي بن يحيى معمر أن لفظة الخوارج كاصطلاح على جماعة، لم يكن معروفاً بين الصحابة، وهذا غير صحيح، لأن لفظة الخوارج وردت في الأحاديث وفي كلام الصحابة كثيراً كعلي وعائشة وابن عباس وغيرهم من الصحابة.
وتعجب جداً حينما تر تعليل أطفيش وتبعه علي يحيى معمر لمعركة النهروان بين علي والمحكِّمة الأولى.
فهو لا يرى أن السبب فيها خروج أولئك عن الطاعة وسفكهم الدماء وإرهاب المسلمين، بل إن السبب في حرب عليّ لهم كما يرى هو أن القيادة أو الخلافة أسندت إلى أزدي-ابن وهب- لا إلى قرشي، فحاربهم علي عصبية لقريش(40).
فهل عليّ كان واثقاً من بقاء الخلافة لنفسه وهو في حالة حرب مع معاوية حتى يحارب لبقاء الخلافة في قريش.
ثم لو كان الأمر عصبية لقريش فلماذا لم يترك حرب معاوية ويسلمه الخلافة وهو قرشي! هذا أمر واضح لولا أن التعصب الذي يحمله بعض علماء الإباضية على عليّ رضي الله عنه هو الذي أدى بهم إلى هذا الخلط في الفهم وتغيير وقلب الحقائق.
ونذكر فيما يلي بعض النصوص من كلام علماء الإباضية حول الخوارج:(44/177)
قال مؤلف كتاب الأديان وهو إباضي: ((الباب الخامس والأربعين في ذكر فرق الخوارج، وهم الذين خرجوا على عليّ بن أبي طالب لما حكَّم، ثم أخذ يذكر الخوارج بهذا الاسم في أكثر من موضع من هذا الكتاب على سبيل المدح قائلا: هم أول من أنكر المنكر على من عمل به، وأول من أبصر الفتنة و عابها على أهلها، لا يخافون في الله لومة لائم، قاتلوا أهل الفتنة حتى مضوا على الهدى)) إلى أن يقول:
((وتتابعت الخوارج وافترقت إلى ستة عشر فرقة بفرقة أهل الاستقامة يعني الإباضية))(41).
ويقول نور الدين السالمي عن الخوارج: ((لما كثر بذل نفوسهم في رضى ربهم وكانوا يخرجون للجهاد طوائف سُموا خوارج، وهو جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج في سبيل الله. وكان اسم الخوارج في الزمان الأول مدحاً لأنه جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج للغزو في سبيل الله))(42).
ويقول صاحب كتاب وفاء الضمانة الإباضي: ((وكان الصفرية –إحدى فرق الخوارج- مع أهل الحق منا في النهروان))(43).
ولا أدري معنى لهذا الحرص من بعض الإباضية على عدم دخولهم في دائرة الخوارج. فإذا كانت الإباضية –كما هو معروف- تتولى المحكِّمة ويعتبرونهم سلفاً صالحاً لهم وينفون عنهم اسم الخارجية فلماذا تذكر بعض كتبهم لفظة المحكمة وتفسرها بين قوسين ((بالخوارج)) كما فعل السالمي في كتابه عمان تاريخ يتكلم! والأغرب من هذا أنه يسمي الخوارج في العصر العباسي بالمحكِّمة كما نرى في نص كلامه حين يقول موازناً بين قوة الخوارج في الدولتين الأموية والعباسية يقول:
((ولم تكن قوة المحكِّمة أو ((الخوارج)) في العصر العباسي كما كانت في العهد الأموي)).
ثم يمضي المؤلف المذكور ذاكراً شواهد من مناوءة المحكِّمة أو الخوارج للعباسيين، ويمثل للخوارج بأئمة الإباضية المعتبرين عندهم مما يدل على أن لا فرق بين الخوارج و الإباضية في التسمية والمبادئ(44).(44/178)
ومن هنا يتبين لنا أن تسميتهم باسم الخوارج قديمة وجدت قبل ظهور الأزارقة، سواء كان ذلك من التنبأ بظهورهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أو في ترديد هذا الاسم على لسان عليّ رضي الله عنه، أو على ألسنة غيره من الناس وعلى ألسنة بعض علماء الإباضية أيضاً، وعلى هذا فلا يخطئ من ألحق تسمية الإباضية بالخوارج، ويبقى ما امتاز به الإباضية من تسامح، أو تسامح أغلبيتهم تجاه مخالفيهم قائماً وثابتاً لهم ورغم ما يظهر أحياناً في بعض كتب الإباضية من الشدة والقسوة تجاه المخالفين لهم والحكم عليهم بالهلاك والخسران، كما يقرره الوار جلاني منهم في كتابه الدليل لأهل العقول.
4-فرق الإباضية:
انقسمت الإباضية إلى فرق، منها ما يعترف به سائر الإباضية، ومنها ما ينكرونها ويشنعون على من ينسبها إليهم، ومن تلك الفرق:
1-الحفصية: أتباع حفص بن أبي المقدام.
2-اليزيدية: أتباع يزيد بن أنيسة.
3-الحارثية: أتباع حارث بن يزيد الإباضي.
4-أصحاب طاعة لا يراد بها الله(45).
ولهذه الفرق من الأقوال والاعتقادات ما لا يشك مسلم في كفرهم وخروجهم عن الشريعة الإسلامية.
ورغم أن علماء الفرق قد أثبتوا نسبتها إلى الإباضية إلا أن عليّ معمر-في كتابه الإباضية بين الفرق الإسلامية- أخذ يصول ويجول وينفي وجود هذه الطوائف عند الإباضية أشد النفي، ويزعم أن علماء الفرق نسبوها إلى الإباضية ظلماً وخطأ(46) وهذا الرد منه لا يسلم له على إطلاقه، لأن انحراف هذه الفرق في آرائهم لا يقوم دليل قاطع على عدم انتسابهم إلى الإباضية؛ إذ يجوز أن يكون هؤلاء الزعماء كانوا في صفوف الإباضية ثم انفصلوا عنهم بآرائهم الشاذة، وتظل نسبتهم إلى الإباضية ثابتة في الأصل، كما أنه لا يمنع أن يخرج بعض أفراد المذهب عن عامة أهل المذهب وتبقى نسبتهم إليهم لو مجرد التسمية –ثابتة- وإضافة إلى تلك الفرق السابقة فإنه يوجد ست فرق أخرى للإباضية في المغرب هي:(44/179)
1-فرقة النكار: زعيمهم رجل يسمى أبا قدامة يزيد بن فندين الذي ثار في وجه إمام الإباضية بالمغرب عبد الوهاب بن رستم. وسميت هذه الفرقة بالنكارية لإنكارهم إمامة ابن رستم.
وقد سميت الفرقة الموافقة لعبد الوهاب بن رستم ((بالوهابية أو الوهبية)).
2-النفاثية: نسبة إلى رجل يسمى فرج النفوسي المعروف بالنفاث، ونفوسة قرية تقع في ليبيا.
3-الخلفية: نسبة إلى خلف بن السمح بن أبي الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري الذي كانت له مناوشات مع الدولة الرستمية.
4-الحسينية: وزعيمهم رجل يسمى أبا زياد أحمد بن الحسين الطرابلسي.
5-السكاكية: نسبة إلى زعيمهم عبد الله السكاك اللواتي من سكان قنطرار، تميز بأقوال تخرجه عن الإسلام، وقد تبرأت من الإباضية.
6-الفرثية: زعيمهم أبو سليمان بن يعقوب بن أفلح.
ونفس الموقف السابق لعليّ يحيى بن معمر من الفرق السابقة وقفه أيضاً ضد هذه الفرق وأنكر أن تكون من الإباضية وشكك في وجود بعض هذه الفرق، فضلاً عن نسبتها إلى الإباضية(47) إلا أن كثيراً من العلماء يذكرون أن هذه الفرق هي ضمن الإباضية بالمغرب.
5-دولة الإباضية:
قامت للإباضية دولتان: إحداهما في المغرب والأخرى في المشرق –عمان- تمتع المذهب الإباضي فيهما بالنفوذ والقوة.
وساعد انتشار المذهب الإباضي في عمان بُعْدُها عن مقر الخلافة، ثم مسالكها الوعرة.
ويرجع دخول المذهب الإباضي عمان إلى فرار بعض الخوارج بعد معركة النهروان إلى هذا البلد؛ كما يرى بعض العلماء.
ولكن السالمي من علماء الإباضية يرى أن دخول المذهب إلى عمان يرجع إلى قدوم عبد الله بن إباض.(44/180)
وعلى أي حال فقد قوي المذهب وأراد أهل عمان الاستقلال عن الخلافة العباسية عهد السفاح والمنصور، وانتخبوا لهم خليفة هو الجلندي بن مسعود ابن جيفر الأزدي، إلا أن جيوش الخلافة العباسية قضت على حلم أهل عمان وظلت جزءاً من الدولة العباسية إلى سنة 177هـ، حيث بدأت نزعة الاستقلال وولوا عليهم سنة 179هـ إماماً منهم، واستمر ولا تهم في الحكم في عمان ابتداءً بأول خليفة وهو محمد بن أبي عفان الأزدي، ثم الوارث بن كعب الخروصي، ثم غسان بن عبد الله، ثم عبد الملك بن حميد، ثم المهنا بن جيفر اليحمدي، ثم الصلت بن مالك الخروصي، ثم راشد بن النظر اليحمدي الخروصي، ثم عزام بن تميم الخروصي، ثم سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب، ثم راشد بن الوليد، ثم الخليل بن شاذان، ثم محمد علي، ثم راشد بن سعيد، ثم عامر بن راشد بن الوليد(48).
وبعده محمد بن غسان بن عبد الله الخروصي، والخليل بن عبد الله ومحمد بن أبي غسان وموسى بن أبي المعالي وخنبش بن محمد والحواري بن مالك، وأبو الحسن بن خميس وعمر بن الخطاب ومحمد بن محمد بن إسماعيل الماضري وبركات بن محمد بن إسماعيل. ثم جاءت أئمة اليعارية الذين قوي نفوذهم جداً واستمروا إلى أن حدثت الانشقاقات والتفرق بينهم، فتدخلت الدول الاستعمارية وقضت على الإمامة(49).
أما بالنسبة لدولة الإباضية في المغرب فإن قيام هذه الدولة كان نتيجة لانتشار المذهب الإباضي هناك بين قبائل البربر.
ولقد كانت البصرة هي إحدى القواعد الأساسية لدعاة المذهب الإباضي، حيث يتخرج منها دعاة هذا المذهب وينتشرون في أماكن كثيرة، وتعتبر المرجع لجميع الإباضية في كل مكان، إذ يأتون إليها ويتزودون منها علماً وخططاً لنشر مذهبهم وإقامة حكمهم، في ذلك الوقت وفد إليها رجال هذا المذهب ثم خرجوا إلى المغرب وأسسوا دولتهم إلى جانب دولة الصفرية الخارجية.(44/181)
وطريقة قيام المذهب الإباضي تمت بوضع خطة للقبض على زمام السلطة شيئاً فشيئاً، وكان أول زعيم لهم هو أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري، فاستولوا على طرابلس ثم عيَّن عبد الرحمن الرستمي قاضياً عليها وواصل أبو الخطاب انتصاراته، ولكن جيش الخلافة العباسية دحرهم في معركة قتل فيها أبو الخطاب وتفرقت الإباضية.
ثم قام عبد الرحمن الرستمي الذي يعتبر مؤسس الدولة الرستمية الإباضية في المغرب بمحاولات الاستقلال، وتمت له السيطرة على أماكن كثيرة وسلموا عليه بالخلافة سنة 160هـ وهو فارسي الأصل.
وقد توفي سنة 171هـ فاختاروا ابنه عبد الوهاب الذي واصل تنمية المذهب واجتمعت عليه الكلمة إلى أن مات، فخلفه ابنه أفلح بن عبد الوهاب وسار على طريقة والده وأحبه الناس، وبعد وفاته تولى ابنه أبو اليقظان محمد ابن أفلح، فأحب الناس سيرته إلى أن توفي فخلفه ابنه أبو حاتم يوسف بن محمد بن أفلح إلا أن العلاقة ساءت بينه وبين عمه يعقوب بن أفلح ودارت بينهم معارك هائلة، ومن هنا بدأت الدولة الرستمية في الأفول وداهمتهم الشيعة بقيادة أبي عبيد الله الشيعي وانتهت أسرتهم في سنة 296هـ فرثاهم علماء الإباضية كثيراً(50).
6- موقف الإباضية من المخالفين لهم:
أ-موقفهم من سائر المخالفين:
تتسم معاملة الإباضية لمخالفيهم باللين والمسامحة وجوزوا تزويج المسلمات من مخالفيهم
وهذا ما يذكره علماء الفرق عنهم، إضافة إلى أن العلماء يذكرون عنهم كذلك أن الإباضية تعتبر المخالفين لهم من أهل القبلة كفار نعمة غير كاملي الإيمان ولا يحكمون بخروجهم من الملة، إلا أن هذا المدح ليس بالاتفاق بين العلماء؛ فهناك من يذكر عن الإباضية أنهم يرون أن مخالفيهم محاربون لله ولرسوله وأنهم يعاملون المخالفين لهم أسوأ المعاملة.(44/182)
والحقيقة أن القارئ لكتب علماء الفرق يجد أنهم متعارضون في النقل عنهم إلا أن يقال: إن طائفة من الإباضية معتدلون وآخرون متشددون. ولهذا وجد علي يحيى معمر ثغرة في كلام علماء الفرق ليصفهم بالتناقض والاضطراب في النقل إلى آخر ما أورد من انتقادات لا تسلم له على إطلاقها.
وذلك أنك تجد في بعض كلام علماء الإباضية أنفسهم الشدة في الحكم على المخالفين لهم ووصفوهم بأنهم الكفار وأنهم من أهل النار ما لم يدينوا بالمذهب الإباضي، وتجد آخرين يتسامحون في معاملة المخالفين لهم ويبدو عليهم اللين تجاههم.
وتجد التعصب في حكمهم على مخالفين ظاهراً قوياً من قراءتك لكتاب مقدمة التوحيد لابن جميع، وكتاب الحجة في بيان المحجة في التوحيد بلا تقليد للعيزابي، ورسالة في فرق الإباضية بالمغرب للمارغيني، وكتاب الدليل لأهل العقول للورجلاني، وكذا العقود الفضية، وكشف الغمة الجامع لأخبار الأمة- فإن القارئ لهذه الكتب يجد التشدد تجاه المخالفين قائماً على أشده كما تشهد بذلك مصادرهم المذكورة.
ومع هذا فإن العلماء و المتقدمين وكثيراً من المتأخرين يذكرون عبارات كثيرة تصف الإباضية بالتسامح واللين تجاه المخالفين ممن يدعون الإسلام إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي وحرابة، ومع ذلك نفى عليّ يحيى معمر أن يكون من مذهب الإباضية أنهم يرون أن معسكر السلطان معسكر بغي وحرابة، ولكنه-وهو يقسم حكام المسلمين في كتابه الإباضية بين الفرق الإسلامية- جعل هذا الوصف ينطبق على الحاكم الذي يخرج عن العدل ولا يطبق أحكام الإسلام كاملة(51).
ومن خلال الأمثلة الآتية من كلام العلماء حول موقف الإباضية من المخالفين لهم تجد مصداق ما قدمنا إجماله فيما يلي:
1- اللين والتسامح مع المخالفين:
أ-ما قاله عنهم كتَّاب الفرق.
ب-ما قالوه هم في كتبهم.
أما ما قاله علماء الفرق عنهم:(44/183)
فمثلاً نجد أن الأشعري يقول: ((وأما السيف فإن الخوارج جميعاً تقول به وتراه، إلا أن الإباضية لا ترى اعتراض الناس بالسيف)) (52) .
وقال أيضاً: ((وجمهور الإباضية يتولى المحكِّمة كلها إلا من خرج، ويزعمون أن مخالفيهم من أهل الصلاة كفار ليسوا بمشركين)) (53).
ثم قال عنهم كذلك: ((وزعموا أن الدار أي دار مخالفيهم- دار توحيد إلا معسكر السلطان فإنه دار كفر يعني عندهم)) (54) .
إلى أن قال : (( وفي المعركة لا يقتلون النساء ولا الأطفال على عكس ما يفعله الأزارقة ))(55)
أما البغدادي و الشهرستاني فيذكران عن الإباضية أنهم يرون أن مخالفيهم براء من الشرك والإيمان، وأنهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفار(56).
وأما ما قالوه هم عن أنفسهم : فنجد صاحب كتاب الأديان الإباضي وهو يعدد آراء الأخنس –زعيم فرقة الأخنسية –يقول: ((وجوَّز تزويج نساء أهل الكبائر من قومهم على أصول أهل الاستقامة)) (57).
ونجده كذلك يؤكد على أنه لا يجوز من أهل القبلة إلا دماءهم في حالة قيام الحرب بينهم وبين الإباضية (58).
ويأتي أبو زكريا الجناوني فيؤكد أنه يجوز معاملة المخالفين معاملة حسنة، غير أنه ينبغي أن يدعو إلى ترك ما به ضلوا فإن أصروا ناصبهم إمام المسلمين الحرب حتى يذعنوا للطاعة ولا يحل منهم غير دمائهم (59).
وهناك نصوص في مسامحة الإباضية للمخالفين لهم من حسن المعاملة وعدم اغتيالهم أو استعراضهم وتحريم أموالهم.
يذكرها عنهم علي يحيى معمر مع عزوها إلى قائليها في كتابه الإباضية بين الفرق الإسلامية ، في معرض نقده كلام علماء الفرق عن الإباضية(60) لا نرى ضرورة للتطويل بنقلها هنا.
2- الشدة على المخالفين:
1-ما يقوله عنهم علماء الفرق:(44/184)
يقول البغدادي عنهم: ((إنهم يرون أن المخالفين لهم كفار وأجازوا شهادتهم وحرموا دماءهم في السر واستحلوها في العلانية... وزعموا أنهم في ذلك محاربون لله ولرسوله ولا يدينون دين الحق، وقالوا باستحلال بعض أموالهم دون بعض والذي استحلوه الخيل والسلاح، فأما الذهب والفضة فإنهم يردونها على أصحابها عند الغنيمة ))(61).
وكان الأشعري قد سبق إلى قوله عنهم.
((وقالوا جميعاً: إن الواجب أن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل أو تأويل، فإن تاب وإلا قتل، كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله وفيما لا يسع(62).
2-ما قالوه هم في كتبهم:
روى الجيطالي الإباضي عن الإمام عبد الوهاب أنه قال: سبعون وجهاً تحل بها الدماء، فأخبرت منها لأبي مرداس بوجهين فقال: من أين هذا من أين هذا؟
وفي كتاب سير المشائخ أن الإمام كان يقول: عندي أربعة وعشرين وجهاً تحل بها دماء أهل القبلة، ولم تكن منهم عند أبي مرداس رحمه الله إلى أربعة أوجه وقد شدد علي فيهم(63).
ويقول المارغيني منهم: ((وقالت المشائخ إن هذا الدين الذي دنا به الوهبية من الإباضية من المحكِّمة دين المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الحق عند الله وهو دين الإسلام، من مات مستقيماً عليه فهو مسلم عند الله، ومن شك فيه فليس على شيء منه، ومن مات على خلافه أو مات على كبيرة موبقة فهو عند الله من الهالكين أصحاب النار))(64).
وقال العيزابي منهم: ((الحمد لله الذي جعل الحق مع واحد في الديانات فنقول معشر الإباضية الوهابية: الحق ما نحن عليه والباطل ما عليه خصومنا؛ لأن الحق عند الله واحد، ومذهبنا في الفروع صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفينا خطأً يحتمل الصدق)) (65).
ولا يقلُّ الوار جلاني تشدداً عن من سبق، فهو يقول:(44/185)
فإن قال قائل: هذه أمة أحمد صلى الله عليه وسلم قد قضيتم عليها بالهلاك وبالبدعة والضلال وحكمتم عليها بدخول النار ما خلا أهل مذهبكم. قلنا: إنما قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم-لا نحن- بقوله: حيث يقول: ((ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهن في النار ما خلا واحدة ناجية ...كلهم يدعي تلك الواحدة)) (66) .
وهناك نصوص كثيرة أخرى في تزكية مذهبهم وبطلان ما عداه من المذاهب، وأن الله لا يقبل أي دين غير دين الإباضية والوهبية عن صاحب العقود الفضية(67) و السالمي(68) وجاعدين خميس الخروصي(69)، وصاحب كشف الغمة(70)، وصاحب النيل وشفاء العليل(71) وابن جميع(72) وغيرهم من علماء الإباضية.
ب-موقف الإباضية من الصحابة:
موقف الإباضية من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم:
من الأمور المتفق عليها عند سائر الخوارج الترضي التام والولاء والاحترام للخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما، لم تخرج فرقة منهم عن ذلك.
أما بالنسبة للخليفتين الراشدين الآخرين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقد هلك الخوارج فيهما وذموهما مما برأهما الله عنه.
والذي يهمنا، أن نشير هنا إلى رأي الإباضية في الصحابة رضوان الله عليهم بإيجاز، تاركين تفصيل الحجج والردود عليها لمقام آخر:
1- موقف الإباضية من عثمان رضي الله عنه:
من الأمور الغريبة جداً أن تجد ممن يدعي الإسلام ويؤمن بالله ورسوله من يقع في بغض الصحابة؛ خصوصاً من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة وثبتت بذلك النصوص في حقه.
فعثمان رضي الله عنه صحابي جليل شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، أما بالنسبة للخوارج فقد تبرءوا منه ومن خلافته، بل وحكموا عليه بالارتداد و العياذ بالله وحاشاه من ذلك.(44/186)
وفي كتاب كشف الغمة لمؤلف إباضي من السب والشتم لعثمان ما لا يوصف، ولم يكتف بالسب والشتم، وإنما اختلق روايات عن بعض الصحابة يسبون فيها عثمان بزعمه ويحكمون عليه بالكفر(73)، ولا شك أن هذا بهتان عظيم منه.
ويوجد كذلك كتاب في الأديان(74) وكتاب آخر اسمه الدليل لأهل العقول(75) للورجلاني، فيهما أنواع من السباب والشتم لعثمان ومدح لمن قتلوه؛ حيث سماهم فرقة أهل الاستقامة، وهم في الحقيقة بغاة مارقون لا استقامة لهم إلا على ذلك.
2-وأما بالنسبة لموقفهم من علي رضي الله عنه: فإنه يتضح موقفهم منه بما جاء في كتاب كشف الغمة تحت عنوان فصل من كتاب الكفاية قوله: فإن قال ما تقولون في علي بن أبي طالب، قلنا له: إن علياً مع المسلمين في منزلة البراءة، وذكر أسباباً- كلها كذب- توجب البراءة منه في زعم مؤلف هذا الكتاب، منها حربه لأهل النهروان وهو تحامل يشهد بخارجيته المذمومة.
وقد ذكر لوريمر عن موقف المطاوعة –جماعة متشددة في الدين- كما يذكر قوله: ((ويعتقد المطوعون أن الخليفة علياً لم يكن مسلماً على الإطلاق؛ بل كان كافراً !! ))(76).
كما تأول حفص بن أبي المقدام بعض آيات القرآن على أنها واردة في علي، وقد كذب حفص(77).
ومن الجدير بالذكر أن علي يحيى معمر –المدافع القوي عن الإباضية يزعم أن الإباضية لا يكفرون أحداً من الصحابة، وأنهم يترضون عن علي رضي الله عنه فهو ينقل عن كتاب وفاء الضمانة بأداء الأمانة مدحاً وثناءً لعلي(78).
وأورد علي يحيى معمر فصلاً طويلاً بيّن فيه اعتقاد الإباضية في الصحابة بأنهم يقدرونهم حق قدرهم، ويترضون عنهم ويسكتون عما جرى بينهم، ونقل عن أبي إسحاق أطفيش في رده على الأستاذ محمد بن عقيل العلوي أنه قال له: أما ما زعمت من شتم أهل الاستقامة لأبي الحسن علي وأبنائه فمحض اختلاق.
ونقل عن التعاريتي أيضاً مدحه للصحابة خصوصاً علياً وأبناءه، وكذلك التندميري الإباضي.(44/187)
وأخيراً قال علي يحيى معمر: ((ولم يكن يوماً من الأصحاب شتم له أو طعن، اللهم من بعض الغلاة، وهم أفذاذ لا يخلو منهم وسط ولا شعب))(79).
وهذه الحقيقة التي اعترف بها أخيراً تجعل ما ملأ به كتابه الإباضية بين الفرق من الشتائم على كل كتّاب الفرق غير صحيح، فما الذي يمنع أن يكون نقل هؤلاء العلماء يصدق على أقل تقدير على هؤلاء الأفذاذ الذين أشار إليهم، مع أن ما يذكره علي يحيى معمر لا يتفق مع النصوص المستفيضة عن علماء الإباضية في ذمهم لبعض الصحابة، فهل الورجلاني يُعتبر- على حد التعبير السابق ليحيى معمر- من الغلاة المتشددين، وهو من هو في صفوف الإباضية؟
فهذا الرجل يواصل في كتابه الدليل لأهل العقول تكفيره وشتمه لمعاوية رضي الله عنه ولعمرو بن العاص، بل قد قال زعيم الإباضية عبد الله بن إباض نفسه في كتابه لعبد الملك عن معاوية ويزيد وعثمان كما يرويه صاحب كشف الغمة: ((فإنا نُشهد الله وملائكته أنا براء منهم وأعداء لهم بأيدينا وألسنتنا وقلوبنا، نعيش على ذلك ما عشنا، ونموت عليه إذا متنا، ونبعث عليه إذا بعثنا، نحاسب بذلك عند الله)) وكفى بهذا خروجاً.
وصاحب كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة يشتم الحسن والحسين رضي الله عنهما، وأوجب البراءة منهما بسبب ولايتهما لأبيهما على ظلمه وغشمه، كما يزعم- كذلك بسبب قتلهما عبد الرحمن بن ملجم، وتسليمهما الإمامة لمعاوية، وهي أسباب لا يعتقدها من عرف الصحابة الذين شهد الله ورسوله لهم بالسابقة والفضل، ولكن انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر، وصدق الشاعر حين قال:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص *** فهي الشهادة لي بأني فاضل(44/188)
ونفس الموقف الذي وقفه الخوارج عموماً و الإباضية أيضاً من الصحابة السابقين- وقفوه أيضاً من طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وأوجب لهما الورجلاني النار(80)، وقد بشرهما الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهؤلاء يوجبون عليهما النار، فسبحان الله ما أجرأ أهل البدع و الزيغ على شتم خيار الناس بعد نبيهم الذين نصروا الإسلام بأنفسهم وأموالهم وأولادهم ومات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنهم!!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ))(81) ، وأنه لما يحار فيه الشخص هذا الموقف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان أخص أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم غير مرضيين عند هذه الطوائف من خوارج وشيعة فمن المرضي بعد ذلك؟
7- عقائد الإباضية:
من الأمور الطبيعية أن تخرج هذه الفرقة وغيرها من الفرق عن المعتقد السليم في بعض القضايا ما دامت قد خرجت عن أهل السنة والجماعة وارتكبت التأويل، ولا بد كذلك أن توجد لها أقوال فقهية تخالف فيها الحق إلى جانب أقوالهم في العقيدة، ولا يسعنا هنا ذكر جميع مبادئ فرقة الإباضية العقديّة والفقهية، فهذا له بحث مستقل خصوصاً ما يتعلق بالمسائل الفقهية، فإن دارس الفرق قلما يوجه همه إلى إيضاحها وتفصيلاتها إلا عند الضرورة.
والذي نود الإشارة إليه هنا أن الإباضية أفكاراً عقدية وافقوا فيها أهل الحق، وعقائد أخرى جانبوا فيها الصواب.
1- أما ما يتعلق بصفات الله تعالى : فإن مذهب الإباضية فيها أنهم انقسموا إلى فريقين : فريق نفى الصفات نفياً تاماً خوفاً من التشبيه بزعمهم ، وفريق منهم يرجعون الصفات إلى الذات فقالوا أن الله عالم بذاته وقادر بذاته وسميع بذاته إلخ الصفات فالصفات عندهم عين الذات ، قال أحمد بن النضر :
وهو السميع بلا أداة تسمع *** إلا بقدره قادر وحداني(44/189)
وهو البصير بغير عين ركبت *** في الرأس بالأجفان واللحظان
جل المهمين عن مقال مكيف *** أو أن ينال دراكه بمكان
أو أن يحيط به صفات معبرس *** أو تعتريه هماهم الوسنان (82)
ويقول السالمى :
أسماؤه وصفات الذات *** ليس بغير الذات بل عينها فافهم ولا تحلا
وهو على العرش والأشيا استوى *** وإذا عدلت فهو استواء غير ما عقلا
وإنما استوى ملك ومقدرة *** له على كلها استيلاء وقد عدلا
كما يقال استوى سلطانهم فعلى *** على البلاد فحاز السهل والجبلا (83)
وقال العيزابي منهم (( الحمد لله الذي استوى على العرش أي ملك الخلق واستولى عليه وإلا لزم التحيز وصفات الخلق )) (84)
وهذا في حقيقته نفي للصفات ولكنه نفي مغطي بحيله إرجاعها إلى الذات وعدم مشابهتها لصفات الخلق وقد شنع الورجلاني منهم على الذين يثبتون الصفات بأنهم مشبهة كعبادة الأوثان وأن مذهب أهل السنة هو – حسب زعمه – تأويله الصفات فاليد النعمة والقدرة والوجه الذات ومجئ الله مجئ أمره لفصل القضاء لأن إثبات هذه الصفات لله هو عين التشبيه كما يزعم (85).
ومعلوم لطلاب العلم أن هذا ليس هو مذهب السلف الذي يثبتون الصفات لله كما وصف نفسه في كتابه الكريم ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل . قال ابن تيمية في بيان مذهب السلف : (( أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل )) .
ويقول ابن القيم :(44/190)
(( لا ريب أن الله وصف نفسه بصفات وسمى نفسه بأسماء ، وأخبر عن نفسه بأفعال وأخبر أنه يحب ويكره ويمقت ويغضب ويسخط ويجئ ويأتي وينزل إلى السماء الدنيا ، وأنه استوى على عرشه ، وأن له علما وحياة وقدرة وإرادة وسمعا وبصراً ووجهاً ، وأن له يدين وأنه فوق عباده وأن الملائكة تعرج إليه وتنزل من عنده ، وأنه قريب ، وأنه مع المحسنين ومع الصابرين ومع المتقين ، وأن السموات مطويات بيمينه ، ووصفه رسوله بأنه يفرح ويضحك وأن قلوب العباد بين أصابعه وغير ذلك )) .(86)
فهل بعتبر هذا الوصف تشبيه لله بخلقه ؟ { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ } (87)
وطريقة السلف في إثبات كل صفة لله أنهم يقولون فيها أنها معلومة والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة . وأن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(88) . وهذه الآية أساس واضح في إثبات الصفات لله .
ولم ير أهل السنة أن إثبات الصفات يؤدي إلى التشبيه لمعرفتهم أن الإتقان في التسمية لا يستلزم الاتفاق في الذات فالله سميع وبصير والإنسان بصير وبين الذاتين ما يعرفه كل عاقل من الفرق ومن تصور التشبيه فقد جمع بين التشبيه والتعطيل .
والحاصل أن الإباضية هنا وافقوا المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من أهل الفرق في باب الصفات معتمدين على عقولهم وعلى شبهات وتأويلات باطلة على أن الإباضية أنفسهم مختلفون في إثبات صفات الله تعالى فأباضية المشرق يختلفون عن أباضية المغرب ذلك أن أباضية المشرق تعتقد أن صفات الله تعالى حادثة وأباضية المغرب تعتقد أنها قديمة وبين الفريقين من التباعد في هذا مالا يخفى .(89).(44/191)
2- وأما عقيدة الإباضية في استواء الله وعلوه ، فإنهم يزعمون أن الله يستحيل أن يكون مختصاً بجهة ما بل هو في كل مكان وهذا قول بالحلول وقول الغلاة الجهمية ولهذا فقد فسر الإباضية معنى استواء الله على عرشه باستواء أمره وقدرته ولطفه فوق خلقه أو استواء ملك ومقدرة وغلبة وإذا قيل لهم لما خص العرش بالاستيلاء والغلبة أحابوا بجواب واه قالوا لعظكته ، وقد خرجوا بهذه التاويلات عن المنهج الشرعي إلى إعمال العقل واللغة بتكلف ظاهر مخالف للاعتقاد السليم والمنطق والفطرة .
3- وذهبت الإباضية في باب رؤية الله تعالى إلى إنكار وقوعها لأن العقل – كما يزعمون - يحيل ذلك ويستبعده واستدلوا بقوله تعالى : {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ }(90) وأولوا معنى الآية تأويلاً خاطئاً على طريقة المعتزلة .
ومن أدلتهم قوله تعالى { قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي }(91).
واستدلوا من السنة بحديث عائشة حين سئلت عن الرسول صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه ليلة الإسراء فأجابت بالنفى كما رواه صاحب وفاء الضمانة(92) وقد أورد الربيع بن حبيب صاحب كتاب الجامع الصحيح أو مسند الربيع الذي هو عندهم بمنزلة صحيح البخاري ومسلم عند أهل السنة ويعتبرونه أصح كتاب بعد القرآن الكريم – كما يزعمون . أورد عدة روايات عن بعض الصحابة – تدل على إنكارهم رؤية الله تعالى بزعمه(93).
والواقع أن كل استدلالاتهم التي شابهوا فيها المعتزلة ، إما استدلالات غير صحيحة الثبوت أو صحيحه ولكن أولوها على حسب هواهم في نفي الرؤية .
فإن الآية الأولى ليس فيها نفي الرؤية وإنما نفي الإحاطة والشمول فالله يرى ولكن من غير إحاطة به عز وجل .
وقوله لموسى{لن تراني} أي في الدنيا وقد علق الله إمكان رؤيته تعالى بممكن وهو استقرار الجبل .(44/192)
وحديث عائشة إنما أرادت نفى أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه في ليلة الإسراء وليس المقصود نفي الرؤية مطلقاً فهذا لم ترده أم المؤمنين ومن فهم النفي مطلقاً فهو سيئ الفهم جاهل بالنصوص .
وخلاصة القول في هذه المسألة أن رؤية الله تعالى تعتبر عند السلف أمراً معلوماً من الدين بالضرورة لا يمارى فيها أحد منهم بعد ثبوتهم في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفي أقوال الصحابة رضي الله عنهم وفي أقوال علماء السلف قاطبة رحمهم الله تعالى .
4- ومن عقائد بعض الأباضية في كلام الله تعالى القول بخلق القرآن – بل حكم بعض علمائهم كابن جميع والورجلاني أن من لم يقل بخلق القرآن فليس منهم . (94)
وقد عرف المسلمون أن القول بخلقه من أبطل الباطل إلا من بقى على القول بخلقه منهم وهم قلة شاذة بالنسبة لعامة المسلمين وموقف إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله وهو القول بأن القرآن كلام الله تعالى منه بدأ واليه يعود ولا يتسع المقام هنا لبسط شبه القائلين بخلقه وأدلة من يقول بعدم خلقه وردهم على أولئك المخطئين .
ومن قذف الله الإيمان والنور في قلبه يعلم أن الله تعالى تكلم بالقرآن وبلغة جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم والكلام صفة لله تعالى ، ومما ينبغي الإشارة إليه هنا بعض الإباضية قد خرج عن القول صفة لله تعالى ، ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن بعض الإباضية قد خرج عن القول بخلق القرآن كصاحب كتاب الأديان(95) وكذا أبو النضر العماني(96) وردا على من يقول بخلقه وبسطا الأدلة في ذلك وبهذا يتضح أن الإباضية قد انقسموا في هذه القضية إلى فريقين .
5- وقد اعتدل الإباضية في مسألة ووافقوا أهل السنة فأثبتوا القدر خيره وشره من الله تعالى وأن الله خالق كل شيء وأن الإنسان فاعل لأفعاله الاختيارية مكتسب لها محاسب عليه وبهذا المعتقد صرح زعماؤهم كالنفوسي(97) والعيزابي(98) والسالم(99) وعلى يحي معمر(100).(44/193)
6- وقد اختلف الأباضيون في إثبات عذاب القبر . فذهب قسم منهم إلى انكاره موافقين بذلك سائر فرق الخوارج . وذهب قسم آخر إلى إثبات قال النفوس في متن النونية :
وأما عذاب القبر ثبت جابر *** وضعفه بعض الأئمة بالوهن (101)
ومعتقد السلف جميعاً هو القول بثبوت عذاب القبر ونعيمه كما صحت بذلك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة ومن أنكره فليس له دليل إلا مجرد الاستبعاد ومجرد الاستبعاد ليس بدليل .
7- ويثبت الأباضيون وجود الجنة والنار الآن ويثبتون الحوض ويؤمنون بالملائكة والكتب المنزلة .
8- وأما بالنسبة للشفاعة : فإن الإباضية يثبتونها ولكن لغير العصاة للمتقين وكأن المتقى في نظرهم أحوج إلى الشفاعة من المؤمن العاصي . قال صاحب كتاب الأديان – والشفاعة حق للمتقين وليست للعاصين(102).
وقال السالمي :
وما الشفاعة إلا للتقي كما *** قد قال رب العلا فيها وقد فصلا (103)
وذكر الربيع بن حبيب روايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم تدل في زعمه على هذا المعتقد وقرر الحارثي في كتابه العقود الفضية تلك القضية (104).
ومذهب أهل السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشفع في عصاة المؤمنين أن لا يدخلوا النار ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها بعد إذن الله ورضاه وثبت أن الله يقبل شفاعته في ذلك وشفاعة الصالحين من عباده بعضهم في بعض .
9- وأما الميزان : الذي جاءت به النصوص وثبت أن له كفتان حسيتان مشاهدتان توزن فيه أعمال العباد كما يوزن العامل نفسه فإن الإباضية تنكر هذا الوصف ويثبتون وزن الله للنيات والأعمال بمعنى تمييزه بين الحسن منها والسيئ وإن الله يفصل بين الناس في أمورهم ويقفون عند هذا الحد غير مثبتين ما جاءت به النصوص من وجود الموازين الحقيقية في يوم القيامة(105) وعلى الصفات التي جاءت في السنة النبوية .(44/194)
10- وكما أنكر الإباضية الميزان أنكروا كذلك الصراط وقالوا إنه ليس بجسر على ظهر جهنم(106) ، وذهب بعضهم – وهم قلة – إلى إثبات الصراط بأنه جسر ممدود على متن جهنم حسبما نقله د/ صابر طعيمه عن الجيطالي من علماء الإباضية (107) والسلف على اعتقاد أن الصراط جسر جهنم وأن العباد يمرون عليه سرعة وبطئاً حسب أعمالهم ومنهم من تخطفه كلاليب النار فيهوى فيها .
11- ووافق -معظم الإباضية - السلف في حقيقة الإيمان من أنه قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية(108) وقد خالف بعضهم فذهب إلى الإيمان يزيد ولا ينقص وقد نقل الدكتور صابر صعيمه بعض الأدلة من كتبهم على هذا الرأي(109)
12- وزيادة الإيمان ونقصه مسألة خالف فيها الإباضية سائر الخوارج الذين يرون أن الإيمان جملة واحدة لا يتبعض وأن العبد يكفر ويذهب إيمانه بمجرد مواقعته للذنب ويسمونه كافراً ومخلداً في النار في الآخرة إلا أن الإباضية مع موافقتهم للسلف في الحكم لكنهم يسمون المذنب كافر كفر نعمة ومنافقاً .
يقول إعوشت (( فالكفر إذن عند الإباضية ينقسم إلى ما يلي : 1- كفر نعمة ونفاق وبتمثل في المسلم الذي ضيع الفرائض الدينية أو ارتكب الكبائر أو جمع بينهما . )) (110).
وفي الآخرة مخلد في النار إذا مات من غير توبة (111)، وكان الحال يقتضى أنهم لا يطلقون عليه كلمة الكفر ولا النفاق ولا يحكمون عليه بالخلود في النار بل هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ونجد هنا أن الإباضية وافقوا أيضاً سائر الخوارج في الحكم على مرتكب الكبيرة بالخلود في النار إذا مات قبل التوبة بناء على اعتقاد إنفاذ الوعيد لا محالة .
واستدلوا بسائر أدلة الخوارج على كفر مرتكب الكبيرة وخلوده في النار وأهل السنة لا يرون ذلك بل يقولون إذا مات المذنب قبل التوبة فأمره إلى الله وهو تحت المشيئة ، ويقولون أيضاً أن أخلاف الوعد مذموم وإخلاف الوعيد كرم وتجاوز .(44/195)
13- وأما مسألة الإمامة والخلافة فقد ذكر بعض العلماء عن الإباضية في مسألة الإمامة والخلافة أن الإباضية يزعمون أنه قد يستغني عن نصب الخليفة ولا تعود إليه حاجة إذا عرف كل واحد الحق الذي عليه للآخر ، وهذا القول أكثر ما شهر عن المحكِّمة والنجدات .
وأما الإباضية فقد ذكر هذا القول عنهم . ج لوريمر في كتابه دليل الخليج(112) ولكن بالرجوع إلى كتب الإباضية نجد أنهم ينفون هذا القول عنهم ويعتبرونه من مزاعم خصومهم عنهم وإن مذهبهم هو القول بوجوب نصب حاكم للناس ومن قال غير هذا عنهم فهو جاهل بمذهبهم على حد ما يقوله علماؤهم كالسالمي وعلي يحي معمر وغيرهما .
قال السالمي : (( والإمامة فرض بالكتاب والسنة والإجماع والاستدلال ))(113) وموقفهم هذا يتفق مع مذهب أهل السنة فإنهم يرون وجوب نصب الحاكم حتى وإن كانوا جماعة قليلة ، فلو كانوا ثلاثة في سفر لوجب تأمير أحدهم كما دلت على ذلك النصوص الثابتة وأن من قال بالاستغناء عن نصب الحاكم فقد كابر عقله وكذب نفسه ورد عليه الواقع من حال البشر وصار ما يقوله من نسج الخيال وأدلته على الاستغناء مردودة واهية .
والخوارج كافة ينظرون إلى الإمام نظرة حازمة هي إلى الريبة منه أقرب ولهم شروط قاسية جداً قد لا تتوفر إلا في القليل النادر من الرجال وإذا صدر منه أقل ذنب فإما أن يعتدل ويعلن توبته وإلا فالسيف جزاؤه العاجل .
وقد جوَّز الإباضية كأهل السنة صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا تمت للمفضول ؛ خلاف لسائر الخوارج .(114).
14- وجوز الإباضية التقية خلاف لأكثر الخوارج(115). وقد أورد الربيع بن حبيب في مسنده روايات في الحث عليها تحت قوله (( باب ما جاء في التقية )) ومنه قال جابر سئل ابن عباس عن التقية فقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( رفع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما لم يستطيعوا وما أكرهوا عليه ))(44/196)
قال : (( وقال ابن مسعود ما من كلمة تدفع عني ضرب سوطين إلا تكلمت بها وليس الرجل على نفسه بأمين إذا ضرب أو عذب أو حبس أو قيد )) (116) أي وهو يجد خلاصاً في الأخذ بالتقية
وبهذا نكتفي بما تقدم ذكره عن فرقة الإباضية .
* * * * * * * * * * * * *
الفصل التاسع
إيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للخوارج.وفيه مسائل.
وتشمل المسائل الآتية :
خاض الخوارج – كغيرهم من الفرق – في مسائل اعتقادية إلا أن الخوارج بصفة خاصة لم تصل إلينا أكثر أراءهم من كتبهم وإنما وصلت إلينا من كتب أهل السنة وقد صح نقل أهل السنة وغيرهم من علماء الفرق الآخرين وقد ذكرنا فيما مضى السبب في قبولنا لتلك النقول عن الخوارج وفيما يلي نذكر أهم المسائل التي كان للخوارج فيما دور بارز :
1- هل الخوارج يقولون بالتأويل أم بظاهر النص فقط
تعريف التأويل في اللغة :
يطلق التأويل في اللغة على عدة معاني منها التفسير والمرجع والمصير والعاقبة وتلك المعاني موجودة في القرآن والسنة قال الله تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}(117) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه لابن عباس (( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل )) .
تعريفه في الاصطلاح : عند السلف له معنيين :
1- يطلق بمعنى التفسير والبيان وإيضاح المعاني المقصودة من الكلام فيقال تأويل الآية كذا ؛ أي معناها .
2- ويطلق بمعنى المآل والمرجع والعاقبة فيقال هذه الآية مضى تأويلها وهذه لم يأت تأويلها .
والفرق بينهما : أنه لا يلزم من معرفة التأويل بمعنى التفسير معرفة التأويل الذي هو بمعنى المصير والعاقبة فقد يعرف معنى النص ولكن لا تعرف حقيقته كأسماء الله وصفاته فحقيقتها وكيفبتها كما هي غير معلومة لأحد بخلاف معانيها .
3- وعند الخلف من علماء الكلام والأصول والفقه هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح .(44/197)
وهذا التأويل مرفوض عند السلف واعتبروه تحريفاً باطلاً في باب الصفات الإلهية(118) وقد ظهر هذا المعنى للتأويل متأخراً عن عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة بل ظهر مع ظهور الفرق ودخلوا منه إلى تحريف النصوص وكانت له نتائج خطيرة إذ كلما توغلوا في تأويله المعاني وتحريفها كلما بعدوا عن المعنى الحق الذي تهدف إليه النصوص وبالنسبة لموقف الخوارج فإن العلماء اختلفوا في الحكم على الخوارج بأنهم نصيون أو مؤولون.
1- فذهب بعضهم إلى أن الخوارج نصيون يجمدون على المعنى الظاهر من النص دون بحث عن معناه الذي يهدف إليه وهذا رأي أحمد أمين(119) وأبو زهرة(120)
2- وذهب آخرون إلى أن الخوارج يؤولون النصوص تأويلاً يوافق أهوائهم وقد غلطوا حين ظنوا أن تأويلهم هو ما تهدف إليه النصوص وعلى هذا الرأي ابن عباس وشيخ الإسلام ابن تيمية(121) وابن القيم(122).
3- ومن العلماء من ذهب إلى القول بأن الخوارج ليسوا على رأي واحد في هذه القضية بل منهم نصيون ومنهم مؤولون كما ذهب إلى هذا الأشعري في مقالاته .(123)
وهذا هو الراجح فيما يبدو من آراء الخوارج ولا يقتصر الأمر على ما ذكره من اعتبار بعض الفرق نصيين وبعضهم مؤولين مجتهدين وإنما يتردد أمر الخوارج بين هذين حكمهم على الخوارج كما يتضح ذلك جلياً في مواقف الخوارج المختلفة .
ويبدو لي أن التأويل الذي نفاه الأستاذ أحمد أمين والشيخ أبو زهرة رحمهما الله إنما هو التأويل الصحيح الذي يفهم صاحبه النص على ضوء مقاصد الشريعة .
وأما التأويل الذي يثبته للخوارج أصحاب الاتجاه الثاني ويذمونهم به فهو حمل الكلام على غير محامله الصحيحة وتفسيره تفسيراً غير دقيق .
2- موقف الخوارج من صفات الله عز وجل .
هذه المسألة لم أجد فيما تيسر لي الاطلاع عليه من كتب علماء الفرق بياناً لرأي الخوارج فيها بصفة عامة .(44/198)
وقد ذكر الشهرستاني عن فرقة الشيبانية قولاً لأبي خالد زياد بن عبدالرحمن الشيباني في صفة العلم لله أنه قال : (( إن الله لم يعلم حتى خلق لنفسه علما ، وأن الأشياء إنما تصير معلومة له عند حدوثها )) . (124).
وأما بالنسبة لفرقة الإباضية بخصوصهم – فقد تبين من أقوال علمائهم أنهم يقفون منها موقف النفي أو التأويل بحجة الابتعاد عن اعتقاد المشبهة فيها كما تقدم .
وموضوع الصفات والبحث فيها يحتاج إلى دراسة مستقلة وبالرجوع إلى أي كتاب من كتب السلف يتضح الحق فيها بكل يسر وسهولة .
وأما بالنسبة لما ذكر عن رأي زياد بن عبدالرحمن أو الإباضية فلا شك أنه لا يتفق مع المذهب الحق – مذهب السلف – ولو كان الأمر يخص زياد بن عبدالرحمن وحده لما كان له أدني أهمية ، ولكن الأمر أخطر من ذلك ، فقد اعتقدت الجهمية ذلك . وبطلان هذا القول ظاهر والتناقض فيه واضح .
فإن صفات الله عز وجل قديمة بقدمه غير مخلوقة وما يخلق الله من الموجودات فإنما يخلقه عن علم وإرادة ، إذا يستحيل التوجه إلى الإيجاد مع الجهل ، ثم كيف علم الله أنه بغير علم حتى يخلق لنفسه علماً ؟ هذا تناقض ظاهر .
3- حكم مرتكبي الذنوب عند الخوارج
اختلف حكم الخوارج على أهل الذنوب بعد اتفاقهم بصفة عامة على القول بتكفيرهم كفر ملة . وحاصل الخلاف نوجزه فيما يلي :.
1- الحكم بتكفير العصاة كفر ملة ، وأنهم خارجون عن الإسلام ومخلدون في النار مع سائر الكفار . وهذا رأي أكثرية الخوارج .
وعلى هذا الرأي من فرق الخوارج : المحكمة والأزارقة والمكرمية والشبيبية من البيهسية واليزيدية والنجدات . إلا أنهم مختلفون في سبب كفره :
فعند المكرمية أن سبب كفره ليس لتركه الواجبات أو انتهاك المحرمات وإنما لأجل جهله بحق الله إذ لم يقدره حق قدره .(44/199)
وأما النجدات فقد فصلوا القول بحسب حال المذنب ، فإن كان مصراً فهو كافر ولو كان إصراره على صغائر الذنوب ، وإن كان غير مصر فهو مسلم حتى وإن كانت تلك الذنوب من الكبائر وهو تفصيل بمحض الهوى والأماني الباطلة .
2- أنهم كفار نعمة وليس كفار ملة :.
وعلى هذا المعتقد فرقة الإباضية كما تقدم . ومع هذا فإنهم يحكمون على صاحب المعصية بالنار إذا مات عليها ، ويحكمون عليه في الدنيا بأنه منافق ، ويجعلون النفاق مرادفاً لكفر النعمة ويسمونه منزلة بين المنزلتين أي بين الشرك والإيمان ، وأن النفاق لا يكون إلا يكون إلا في الأفعال لا في الاعتقاد (125).
وهذا قلب لحقيقة النفاق إذ المعروف أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نفاقهم في الاعتقاد لا في الأفعال،فإن أفعالهم كانت في الظاهر كأفعال المؤمنين
أدلتهم :
تلمس الخوارج لما ذهبوا إليه من تكفير أهل الذنوب بعض الآيات والأحاديث وتكلفوا في رد معانيها إلى ما زعموه من تأييدها لمذاهبهم وهي نصوص تقسم الناس إلى فريقين : مؤمن وكافر ، قالوا : وليس وراء ذلك الحصر من شيء .
ونأخذ من تلك الأدلة قوله تعالى :
1- {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ }(126).
2- {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(127)
3- {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (128)
إلى غير ذلك من الآيات .
ووجه استدلالهم بالآية الأولى :
أن الله تعالى حصر الناس في قسمين : قسم ممدوح وهم المؤمنون وقسم مذموم وهم الكفار ، والفساق ليسوا من المؤمنين ، فإذاً هم كفار لكونهم مع القسم المذموم واستدلالهم هذا لا يسلم لهم . أن الناس ينحصرون فقط في الإيمان أو الكفر .(44/200)
فهناك قسم ثالث وهم العصاة لم يذكروه هنا ، وذكر فريقين لا يدل على نفى ما عداهما والآية كذلك واردة على سبيل التبعيض بمن ، أي بعضكم كافر وبعضكم مؤمن . وهذا لا شك في وقوعه ولم تدل الآية على مدعى الخوارج أن أهل الذنوب داخلون في الكفر.
وأما وجه استدلالهم بالآية الثانية :.
فقد زعموا أنها شاملة لكل أهل الذنوب ، لأن كل مرتكب للذنب لابد وأنه قد حكم بغير ما أنزل الله . وقد شملت الفساق لأن الذي لم يحكم بما أنزل الله فيجب أن يكون كافر والفاسق لم يحكم بما أنزل الله حين فعل الذنب .
وهذا الاستدلال مردود كذلك لأن الآية واردة على من استحل الحكم بغير ما أنزل الله . أما أن يدعى الشخص إيمانه بالله ويعترف بأن الحق هو حكم الله فليس بكافر وإنما من أصحاب المعاصي حتى تقام عليه الحجة .
وأما وجه استدلالهم بالآية الثالثة .
فهو أن صاحب الكبيرة لابد وأن يجازي – على مذهبهم – وقد أخبر القرآن أنه لا يجازى إلا الكفور . والفاسق ثبتت مجازاته عندهم فيكون كافراً .
وهذا الدليل مردود عليهم ، وينقضه أن الله يجازي الأنبياء والمؤمنين وهم ليسوا كفاراً ، وبأن الآية كانت تعقيباً لبيان ذلك العقاب الذي حل بأهل سبأ ، وهو عقاب الاستئصال ، وهذا ثابت للكفار لا لأصحاب المعاصي .(129).
وأما ما استدلوا به من السنة على بدعتهم في تكفير العصاة من المسلمين فقد أساءوا فهم الأحاديث وحملوها المعاني التي يريدونها ، ومن تلك الأحاديث ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن ))(130).
ولهم أدلة أخري نكتفي منها بهذا الحديث .(44/201)
فقد فهموا من هذا الحديث نفى الإيمان بالكلية عن من فعل شيئاً مما ذكر في الحديث ، وهذا لا حجة لهم فيه ، فإن الحديث – كما يذكر العلماء – إما أن يكون واردا فيمن فعل شيئاً مما ذكر مستحلاً لتلك الذنوب أو أن المراد به نفي كمال الإيمان عنهم ، أو أن نفي الإيمان عنهم مقيد بحال مواقعتهم لتلك الذنوب .
ولو كانت تلك الكبائر تخرج الشخص عن الإيمان لما اكتفى بإقامة الحد فيها . ولهذا فقد ذكر بعض العلماء أن هذا الحديث وما أشبهه يؤمن بها ويمر على ما جاء ، ولا يخاض في معناها .
وقال الزهري في مثل هذه الأحاديث (( أمروها كما أمرها من قبلكم )) .(131)
وقد جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : (( ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة . قلت وإن زني وإن سرق ثلاثاً ثم قال في الرابعة : على رغم أنف أبي ذر )) قال : (( فخرج أبو ذر وهو وإن رغم أنف أبي ذر )).(132)
والكلام في أهل الكبائر مبسوط في موضعه من كتب التوحيد وكتب الفرق والمقصود هنا هو التنبيه على خطأ الخوارج فيما ذهبوا إليه من تكفير أهل الذنوب من المسلمين مخالفين ما تضافرت النصوص عليه من عدم كفر مرتكبي الذنوب كفر ملة إلا بتفصيلات مقررة في مذهب السلف .
4- الإمامة العظمي
هذه هي مشكلة الخوارج الكبرى منذ نشأوا وطوال عهد الدولة الأموية وزمن متقدم من عهد الدولة العباسية ، شغلتهم قضية الإمامة عملياً ، فجردوا السيوف ضد الحكام المخالفين لهم ناقمين عليهم سياستهم في الرعية من عدم تمكينهم من اختيار أمامهم بأنفسهم ثم سياستهم الداخلية في الناس وشغلتهم فكرياً بتحديد شخصية الإمام وخصائصه ودوره في المجتمع ، وكانوا يظهرون بمظهر الزاهد عن تولى الخلافة حينما يكون الأمر فيما بينهم وحربا لا هوادة فيها ضد المخالفين لهم .
حكم الإمامة عند الخوارج(44/202)
الإمامة منصب خطير وضرورة اجتماعية إذ لا يمكن أن ينعم الناس بالأمن وتستقر الحياة إلا بحاكم يكون هو المرجع الأخير لحل الخلافات وحماية الأمة وقد أطبق على هذا جميع العقلاء .
أما بالنسبة للخوارج فقد انقسموا فيها إلى فريقين :.
1- الفرق الأول : وهم عامة الخوارج . وهؤلاء يوجبون نصب الإمام والانضواء تحت رايته والقتال نعه ما دام على الطريق الأمثل الذي ارتأوه له .
2- الفريق الثاني : وهم المحكمة والنجدات والإباضية فيما قيل عنهم . وهؤلاء يرون أنه قد يستغنى عن الإمام إذا تناصف الناس فيما بينهم وإذا احتيج إليه فمن أي جنس كان ما دام كفئا لتولى الإمامة (133).
ومن مبرارتهم :
1- استنادهم إلى المبدأ القائل لا حكم إلا لله ، والمعنى الحرفي لهذا المبدأ يشير صراحة إلى أنه لا ضرورة لوجود الحكومة مطلقاً .
2- أن الحكم ليس من اختصاص البشر بل تهيمن عليه قوة علوية .
3- إن الضروري هو تطبيق أحكام الشريعة ، فإذا تمكن الناس من تطبيقها بأنفسهم فلا حاجة إلى نصب خليفة .
4- ربما ينحصر وجود الإمام في بطانة قليلة وينعزل عن الأعلبية فيكون بعيداً عن تفهم مشاكل المسلمين فلا يبقى لوجود فائدة .
5- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشر صراحة ولا وضع شروطاً لوجود الخلفاء من بعده .
6- أن كتاب الله لم يبين حتمية وجود إمام وإنما أبان وأمرهم شوري بينهم(134).
هذه مبرراتهم بالنفي ، فهل بقى القائلون بالاستغناء عن نصب الإمام على مبدأهم ؟ والجواب بالنفي فإن المحكمة حينما انفصلوا ولو عليهم عبدالله بن وهب الراسبي والنجدات حينما انفصلوا . تزعمهم نجدة بن عامر وأما ما قيل عن الإباضية من أنهم يقولون بالاستغناء عن نصب الإمام(135) فإن مصادرهم التي تيسرت لي قراءتها تذكر أن هذا القول إنما نسبه إليهم خصومهم بقصد الإشاعة الباطلة عنهم(136).(44/203)
وأما تلك المبررات التي نسبت إلى من ذكرناهم فلا شك أنها مبررات واهية ولا تكفي للقول بالاستغناء عن نصب الخليفة . أما القول بعدم وجود الإنسان الكامل ، فإنه لا يمنع من نصب الإمام حيث يختار أفضل الموجودين .
ومن التصور الساذج القول بتناصب الناس فيما بينهم . وأما انعزال الإمام فإن مدار الأمر على التزامه بواجباته الشرعية وعدم إيجاد الحجب بينه وبين رعيته ، وذلك مناط الحكم بضرورة وجود الإمام شرعاً وعقلاً .
وقد ذهبت الخليفة من الخوارج الإباضية إلى أن كل إقليم أو حوزة يستقل بها أمامها فلا يجوز لإمام أن يجمع بين حوزتين (137) ويكون لهذا المناطق أئمة بعدد تلك المناطق وهذا باطل ولا يتفق مع روح الإسلام وأهدافه لأن ذلك يؤدي إلى المشاحنات والعداوة وتفريق كلمة المسلمين وحينما قرروا أن كل إقليم ينبغي أن يكون مستقلا عن الآخر لا يخضع إقليم ولا منطقة لمنطقة أخرى تجاهلوا دعوة المسلمين إلى الاتحاد الذي يكمن فيه عزهم وقوتهم .
شروط الإمام
وضع الخوارج شروطاً قاسية لمن يتولى الإمام ومنها :.
1- أن يكون شديد التمسك بالعقيدة الإسلامية مخلصاً في عبادته وتقواه حسب مفهومهم .
2- أن يكون قوياً في نفسه ذا عزم نافذ وتفكير ناضج وشجاعة وحزم .
3- أن لا يكون فيه ما يخل بإيمانه من حب المعاصي واللهو .
4- ألا يكون قد حد في كبيرة حتى ولو تاب .
5- أن يتم انتخابه برضى الجميع ، لا يغنى بعضهم عن بعض .
ولا عبرة بالنسب أو الجنس ، كما يقولونه ظاهراً دعاية لمذهبهم وفي باطنهم يملأهم التعصب وكون الإمام ينتخب برضى أهل الحل والعقد ، هذا مبدأ إسلامي لم يأت به الخوارج كما يقول بعض المستشرقين دعاية للخوارج .
ولم يلتفت الخوارج إلى ما صح من الأحاديث في اشتراك القرشية لتولي الخلافة وتقديم قريش فيها عند صلاحية أحدهم لها .(44/204)
ولم يشترط الشرع في الإمام أن يكون ليله قائماً ونهاره صائماً ، أو أنه لا يلم بأي معصية ، أو يكون انتخابه برضي كل المسلمين من أقصاهم إلى أدناهم ، لا يغنى بعضهم عن بعض في مبايعتهم له كما يزعمه الخوارج(138).
محاسبة الإمام والخوارج عليه
يعيش الإمام عند الخوارج بين فكي الأسد – عكس الشيعة – فالخوارج ينظرون إلى الإمام على أنه المثل وجهه الأعلى وينبغي أن يتصف بذلك قولاً وفعلاً وبمجرد أقل خطأ ينبغي عليهن القيام في وجه ومحاسبته ، فإما أن يعتدل وإما أن يعتزل .
ومن غرائبهم ما يروى عن فرقة البيهسية منهم والعوفية ، فقد اعتبر هؤلاء كفر الإمام سبباً في كفر رعيته ، فإذا تركه رعيته دون إنكار فإنهم يكفرون أيضاً(139) ، ولا شك أن هذا جهل بالشريعة الإسلامية ، وعلى هذا فما تراه من كثرة حروبهم وخروجهم على أئمتهم أو أئمة مخالفهم يعتبر أمراً طبيعياً إزاء هذه الأحكام الخاطئة .
وقد حث الإسلام على طاعة أولى الأمر والاجتماع تحت رايتهم إلا أن يظهروا كفر بواحا . فلا طاعة المخلوق في معصية الخالق ، وينبغي معالجة ذلك بأخف الضرر ، ولا يجوز الخروج عليهم ما داموا ملتزمين بالشريعة بأي حال .
إمام المفضول
اختلف الخوارج في صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل إلى فريقين :
1- ذهب فريق منهم إلى عدم الجواز وأن إمامة المفضول تكون غير صحيحة مع وجود الأفضل .
2- وذهب الفريق الآخر منهم إلى صحة ذلك وأنه تنعقد الإمامة للمفضول مع وجود الأفضل ، كما هو الصحيح(140).
إمامة المرأة
الإمامة مسؤلية عظمي وعبء ثقيل يتطلب سعة الفكر وقوة البصير ة ويتطلب مزايا عديدة جعل الله معظمها في الرجال دون النساء ، ولا أدل على هذا من اختيار الله عز وجل لتبليغ رسالته من جنس الرجال ، وقد أطبق جميع العقلاء على أن الخلافة لا يصلح لها النساء .(44/205)
ولكنا نجد فرقة من فرق الخوارج وهي التشبيبة تذهب إلى جواز تولي المرأة الإمامة العظمى مستدلين بفعل شبيب حينما تولت غزالة – زوجته وقبل أمه – بعده(141).
موقف الخوارج من عامة المسلمين المخالفين لهم
انقسم الخوارج في نظرتهم إلى المخالفين لهم إلى فريقين
1- فريق منهم غلاة .
2- وفريق آخر أبدي نوعاً من الاعتدال .
ويذكر الأشعري رحمه الله في مقالاته أن الخوارج مجمعون على أن مخالفيهم يستحقون السيف ودماؤهم حلال إلا فرقة الإباضية فإنها لا تري ذلك إلا مع السلطان(142).
واختلف علماء الفرق في أول من حكم بكفر المخالفين هل هم المحكمة الأولى أم هم الأزارقة ومن سار على طريقتهم من فرق الخوارج فيما بعد .
وبتتبع حركة المحكمة الأولى نجد أنهم سبقوا إلى تكفير المخالفين لهم واستحلال دمائهم والشواهد في كتب الفرق كثيرة كقتلهم عبدالله بن خباب بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره في حوادث كثيرة إلا أن أشد من بالغ في تكفير المخالفين لهم وأعمل فيهم السيف هم الأزارقة وفرقة منهم تسمى البيهسية وكذلك أتباع حمزة بن أكرك .
- أما المعتدلون منهم – وهو اعتدال لا يكاد يذكر – فنجد مثلاً الأخنسية منهم يحرمون الغدر بالمخالفين أو قتلهم قبل الدعوة وجوزوا تزويج المسلمات – منهم لمخالفيهم – الذين يعتبرونهم مشركين ، وكذلك بعض البيهسية .
ومن أكثر المعتدلين والمتسامحين مع المخالفين هو تلك الشخصية المرموقة عند كافة الخوارج أبو بلال مرداس بن أدية فقد خرج وهو يقول لمن يلقاه أنا لا نخيف أمناً ولا نجرد سيفاً وكان مما آثاره للخروج على الدولة أن زيادا ذات يوم خطب على المنبر وكان مرداس يسمعه فكان من قوله (( والله لآخذن المحسن منكم بالمسيء والحاضر منكم بالغالب والصحيح بالسقيم )) .(44/206)
وهذا بالطبع لا يحتمله الخوارج فقام إليه مرداس فقال قد سمعنا ما قلت أيها الإنسان وما هكذا ذكر الله عز وجل عن نبيه إبراهيم عليه السلام إذا يقول : {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(143) وأنت تزعم أنك تأخذ المطيع بالعاص ثم خرج عقب هذا اليوم .
وينبغي أن يعلم أن كل فرقة لابد فيها من غلاة يخرجون على جمهورهم إلا أن السمة الغالبة على الخوارج الشدة على المخالفين لهم وقد تعود هذه الشدة إلى ما يراه الخوارج من وجهة نظرهم من خروج مخالفيهم عن النهج الإسلامي وبعدهم عنه وبالتالي الرغبة في إرجاع الأمة إلى ما كانت عليه في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما يدعى الخوارج ...
حكم الخوارج في أطفال مخالفيهم
لابد وأن يكون في حكم العقل تمييز بين معاملة الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف وبين الكبير المكلف . والخوارج لم يتفقوا على حكم واحد في الأطفال سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة ونوجز أهم آرائهم في هذه القضية فيما يلي :.
1- منهم من اعتبرهم في حكم آبائهم المخالفين فاستباح قتلهم باعتبار أنهم مشركون لاعصمة لدماء آبائهم .
2- ومنهم من جعلهم من أهل الجنة ولم يجوز قتلهم .
3- واعتبرهم بعضهم خدما لأهل الجنة .
4- ومنهم من توقف فيهم إلى أن يبلغوا سن التكليف ويتبين حالهم .
5- والإباضية تولوا أطفال المسلمين وتوقفوا في أطفال المشركين ، ومنهم من يلحق أطفال المشركين بأطفال المؤمنين .
أما القول الأول : فهو للأزارقة واستدلوا بقوله الله تعالى : {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} (144) . وتبعهم في هذا بعض فرق الخوارج كالعجاردة والحمزية والخلفية .(44/207)
وأما القول الثاني : فهو للنجدات والصفرية والميمونية واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) (145) والذين توقفوا في الحكم عليهم قالوا لم نجد في الأطفال ما يوجب ولا يتهم ولا عداوتهم إلى أن يبلغوا فيدعوا إلى الإسلام فيقروا به أو ينكرونه .
هذه خلاصة أهم آراء الخوارج في هذه القضية والواقع أن هذه المسألة من المسائل الخلافية بين العلماء .
فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن أطفال المؤمنين إذا ماتوا على الإيمان فإن الله تعالى يدخلهم الجنة مع آباءهم وإن نقصت أعمالهم عنهم لتقر أعين أبائهم بهم فيكونون مع أبائهم في الجنة تفضلا من الله تعالى على ضوء قوله عز وجل : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }(146).
ونقل ابن القيم عن الإمام أحمد أنه قال بأنهم في الجنة دون خلاف .
وبعضهم ذهب إلى أنهم تحت المشيئة .
وجدير بالذكر أن أطفال المؤمنين الذين نتحدث عنهم هنا هم الذين يعتبرهم الخوارج أطفال مشركين .
وأما أطفال المشركين الذين هم عبدة الأوثان ومن في حكمهم فإن العلماء اختلفوا فيهم اختلافاً كثيراً .
1- فذهب بعضهم إلى التوقف في أمرهم فلا يحكم لهم بجنة ولا نار وأمرهم إلى الله .
2- أنهم في النار .
3- أنهم في الجنة .
4- أنهم في منزلة بين المنزلتين أي الجنة والنار .
5- أن حكمهم حكم آبائهم في الدنيا ولآخرة تبعاً لآبائهم حتى ولو أسلم الأبوان بعد موت أطفالهما لم يحكم لإفراطهما بالنار .
6- أنهم يمتحنون في عرصات القيامة بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فمن أطاعه منهم دخل الجنة ومن عصاه دخل النار .(44/208)
وقد استعرض ابن القيم أدلة القائلين بهذه الآراء وانتهي إلى نصرة الرأي الأخير ثم قال (( وبهذا يتألف شمل كلها وتتوافق الأحاديث ويكون معلوم الله الذي أحال عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال (( الله أعلم بما كانوا عاملين )) .
وأيد ابن حزم القول بأن أطفال المشركين في الجنة وكذا النووي وقد توقف شيخ الإسلام في الحكم عليهم .
وأما استباحة قتل النساء كما – يرى الخوارج – فقد أخطأوا حين جوزوا ذلك سواء كانوا من المسلمين أو من المشركين فقد صحت الأحاديث بالمنع من قتلهم إلا أن يكون ذلك في بيات لا يتميز فيه الأطفال والنساء فلا بأس من قتلهم إذا وقع دون عمد . (147)
*******************************
الفصل العاشر
الحكم على الخوارج.
اختلفت وجهات النظر في الحكم على الخوارج فيما ظهر لي من خلال دراستي عنهم إلى قولين :
... 1- أحدهما الحكم بتكفيرهم.
... 2- الحكم عليهم بالفسق والابتداع والبغي.
وقد استند الذين كفروهم على ما ورد من أحاديث المروق المشهورة عند علماء الفرق؛ رادين الخوارج إلى سلفهم القديم ذي الخويصرة وموقفه الخاطئ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم موقف الخوارج أيضاً من الصحابة خصوصاً الإمام علياً وغيره ممن شارك في قضية التحكيم.
والأحاديث الواردة فيهم كثيرة غير أن علي يحيى معمر يرى أن هذه الأحاديث إنما تصدق –على فرض صحتها كما يذكر- على المرتدين في زمن أبي بكر رضي الله عنه(148). وما رأيت أحداً من العلماء سبقه إلى هذا القول. ثم إن ما في الأحاديث من أوصاف الخوارج من كثرة قراءتهم للقرآن وتعمقهم في العبادة لا ينطبق على هؤلاء المرتدين في زمن أبي بكر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد كفرهم كثير من العلماء، لا نرى التطويل بذكر أسمائهم هنا.(44/209)
وإذا كان بعض العلماء يتحرج عن تكفيرهم عموماً فإنه لا يتحرج عن تكفير بعض الفرق منهم، كالبدعية من الخوارج الذين قصروا الصلاة على ركعة في الصباح وركعة في المساء. والميمونية- حيث أجازوا نكاح بعض المحارم كبنات البنين وبنات البنات وبنات بني الأخوة، ثم زادوا فأنكروا أن تكون سورة يوسف من القرآن لاشتمالها –فيما يزعمون- على ذكر العشق(149) والحب، والقرآن فيه الجد، وكذا اليزيدية منهم، حيث زعموا أن الله سيرسل رسولاً من العجم فينسخ بشريعته شريعة محمد صلى الله عليه وسلم(150).
أما الرأي الثاني: وهو القول بعدم تكفير الخوارج؛ فأهل هذا الرأي يقولون: إن الاجتراء على إخراج أحد من الإسلام أمر غير هين، نظراً لكثرة النصوص التي تحذر من ذلك إلا من ظهر الكفر من قوله أو فعله فلا مانع حينئذ من تكفيره بعد إقامة الحجة عليه.
ولهذا أحجم كثير من العلماء أيضاً عن إطلاق هذا الحكم عليهم وهؤلاء اكتفوا بتفسيقهم، وأن حكم الإسلام يجري عليهم لقيامهم بأمر الدين- وأن لهم أخطاء وحسنات كغيرهم من الناس، ثم إن كثيراً من السلف لم يعاملوهم معاملة الكفار كما جرى لهم مع علي رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز؛ فلم تسبى ذريتهم وتغنم أموالهم.
ولعل الصحيح أن الذين حكموا على الخوارج بالكفر الصريح قد غلوا في تعميم الحكم عليهم، والذين حكموا عليهم بأنهم كغيرهم من فرق المسلمين أهل السنة قد تساهلوا، بل الأولى أن يقال في حق كل فرقة ما تستحقه من الحكم حسب قربها أو بعدها عن الدين.
وإطلاق ما أطلقته النصوص في الحكم العام، ويتوقف عن إطلاق التكفير المخرج من الملة على المعين إلا بعد إقامة الحجة عليه، أو إذا ظهر كفره من قوله أو فعله أو اعتقاده.(44/210)
وإلى هنا ينتهي المطلوب بالنسبة لفرقة الخوارج، وقد تركنا مسائل كثيرة للخوارج(151) يجدها الباحث حين يرجع إلى ما كتبه علماء الفرق عنهم، وربما يجمع تلك المسائل كلها وجميع فرقهم وما يتعلق بهم رسالة ماجستير تسمى: ((الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها)) لكاتب هذه الأسطر، وقد ذكرتها من باب تسهيل الرجوع إلى ما يتعلق بالخوارج لمن يهمه دراسة هذه الفرقة بالتفصيل.
********************************
المراجع
أولاً: مراجع فرقة الخوارج ومنها :
1- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: لأبي الحسن الأشعري.
2- الملل والنحل: للشهرستاني.
3- الفرق بين الفرق: للبغدادي.
4- الفصل في الملل والأهواء والنحل: لابن حزم.
5- التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع: للملطي.
6- التبصير في أمور الدين: للإسفراييني.
7- الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها ، رسالة ماجستير لكاتب هذا البحث.
8- آراء الخوارج: للدكتور عمار الطالبي.
9- فرق المسلمين والمشركين: للرازي.
10- المواقف: للإيجي.
ثانياً: مراجع فرقة الإباضية بخصوصهم:
1- الإباضية بين الفرق الإسلامية: لعلي يحيى معمر.
2- الإباضية في موكب التاريخ: لعلي يحيى معمر.
3- العقود الفضية: للحارثي.
4- الدليل لأهل العقول: للورجلاني.
5- متن النونية: للنفوسي.
6- كتاب الأديان: لمؤلف إباضي مجهول الاسم.
7- أجوبة ابن خلفون.
8- تلقين الصبيان ما يجب على الإنسان: للسالمي.
9- كتاب الدعائم: لأحمد بن النضر.
10- مسند الربيع بن حبيب أو ((الجامع الصحيح)).
11- مدارج الكمال نظم مختصر الخصال: للسالمي.
12- الإباضية عقيدة ومذهباً: د.صابر طعيمة.
********************************
الباب الرابع
الشيعة (1)
تمهيد:(44/211)
تتركز هذه الدراسة لهذه الفرقة في الرد على أولئك الذين أسسوا كثيراً من الأفكار الشيعية على محاربة الإسلام وأهله ببيان ضلالهم وبيان موقفهم من النصوص وموقفهم من الشعائر الإسلامية وموقفهم من أهل البيت ومن القرآن الكريم ومن الصحابة الكرام وغير ذلك من تعاليمهم.
وأيضاً لنضم أصواتنا إلى أصوات كثير من مفكري الشيعة كالدكتور موسى الموسوي وغيره من الذين تبين لهم حجم الخرافات الهائلة في المذهب الشيعي، وبعدهم عن تعاليم الإسلام المشرقة في كثير من المعتقدات، فجاشت نفوسهم بالرغبة في بذل النصح لهم وبيان الأخطاء الشيعية التي دونها علماؤهم في كتبهم من المتقدمين أو من المتأخرين.
إننا نحرص كل الحرص ونرغب أشد رغبة في عودة هؤلاء إلى الحق، وسنلتزم إن شاء الله ببيان الحق بدليله، مع الاستناد في تخطئتهم إلى كتبهم؛ لعله يتبين لهم أن ما هم عليه أكثره سراب مأخوذ عن أحد شخصين: إما رجل حاقد على الإسلام وأهله، وإما رجل قد اتخذ الخرافات ديناً، متعصب لما ألفى عليه آباءه و مشائخه. وقد أوجب الإسلام بذل النصح وبيان الحق وإقامة الحجة. والحق هو ما أثبته كتاب الله وأثبتته السنة النبوية، وما عداه باطل.
والشيعة –كطائفة ذات أفكار وآراء- غلب عليهم هذا الاسم وهم من أكذب الفرق على أئمتهم، ومن أخطرها على المسلمين، وذلك بسبب:
1- استعمالهم التقية المرادفة للكذب.
2- تظاهرهم بنصرة آل البيت، حيث انخدع بهم كثير من عوام المسلمين.
3- بغضهم لأهل السنة بسبب تعاليم خاطئة وضعها بعض كبرائهم نتج عنها نفور الشيعة وعدم الوصول –بعد محاولات كثيرة من جانب أهل السنة- إلى التقارب.(44/212)
وقد قام التشيع في ظاهر الأمر على أساس الاعتقاد بأن علياً رضي الله عنه وذريته هم أحق الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن علياً أحق بها من سائر الصحابة بعهد من النبي صلى الله عليه وسلم، كما زعموا في رواياتهم التي اخترعوها وملأوا بها كتبهم.
ومن الملاحظ على هذه الفرقة أنها كانت باباً واسعاً لكل طامع في تحقيق أغراضه من أهل الأهواء:
1- إذ تشيع قوم إيماناً بأحقية أولاد علي بالخلافة حسبما سمعوا من النصوص التي لفقها علماء التشيع.
وتشيع قوم كرهوا الحكم الأموي ثم العباسي فقاموا بتلك الثورات العديدة التي سجلها علماء الفرق والتاريخ تحت غطاء دعوى التشيع لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وتشيع آخرون للانتقام من الإسلام كالباطنية.
وتشيع قوم لتحقيق مطامع سياسية كالمختار مثلاً.
2- ولأن الشيعة أيضاً لا يتحرون النصوص الصحيحة، ولا يهتمون بإيصال السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لهذا فإن أكثر أحاديثهم رُويت عن الأئمة.
3- ولأنهم كذلك أهل عاطفة نحو أهل البيت –فيما يظهرون للناس-، فلذا يكفي لتوثيق الشخص عندهم أن يكون ظاهره الغلو في أهل البيت، ويكون بذلك من الثقات الإثبات.
* * * * * * * * * * * * *
الفصل الأول
التعريف بالشيعة لغة واصطلاحاً، وبيان التعريف الصحيح
أولاً: في اللغة:
أطلقت كلمة الشيعة مراداً بها الأتباع والأنصار والأعوان والخاصة.
قال الأزهري:(( والشيعة أنصار الرجل وأتباعه، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة)) (2)
وقال الزبيدي: ((كل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكل من عاون إنساناً وتحزب له فهو شيعة له، وأصله من المشايعة وهي المطاوعة والمتابعة))(3).
استعمال مادة ((شيعة)) في القرآن الكريم:
وردت كلمة شيعة ومشتقاتها في القرآن الكريم مراداً بها معانيها اللغوية الموضوعة لها على المعاني التالية:(44/213)
1-بمعنى الفرقة أو الأمة أو الجماعة من الناس:
قال الله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً}(4) أي من كل فرقة وجماعة وأمة(5).
2-بمعنى الفرقة:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}(6) أي فرقاً (7).
3- وجاءت لفظة أشياع بمعنى أمثال ونظائر:
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ }(8) أي أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية(9).
4-بمعنى المتابع والموالي والمناصر(10):
قال تعالى: { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ }(11) (12).
ثانياً: في الاصطلاح:
اختلفت وجهات نظر العلماء في التعريف بحقيقة الشيعة، نوجز أقوالهم فيما يلي:
1- أنه علم بالغلبة على كل من يتولى علياً وأهل بيته. كقول الفيروز آبادي: ((وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى علياً وأهل بيته، حتى صار اسماً لهم خاصاً))(13).
2- هم الذين نصروا علياً واعتقدوا إمامته نصاً، وأن خلافة من سبقه كانت ظلماً له.
3- هم الذين فضّلوا علياً على عثمان رضي الله عنهما.
4- الشيعة اسم لكل من فضل علياً على الخلفاء الراشدين قبله رضي الله عنهم جميعاً، ورأى أن أهل البيت أحق بالخلافة، وأن خلافة غيرهم باطلة وكلها تعريفات غير جامعة ولا مانعة إلا واحداً منها.
مناقشة تلك الأقوال:
أما التعريف الأول: فهو غير سديد، لأنه أهل السنة يتولون علياً وأهل بيته، وهم ضد الشيعة.(44/214)
وأما التعريف الثاني: فينقضه ما ذهب إليه بعض الشيعة من تصحيحهم خلافة الشيخين، وتوقف بعضهم في عثمان، وتولي بعضهم له كبعض الزيدية فيما يذكر ابن حزم (14).
ثم أيضاً ما يبدو عليه من قصر الخلافة في علي فقط دون ذكر أهل بيته.
والتعريف الثالث غير صحيح كذلك؛ لانتقاضه بما ذهب إليه بعض الشيعة من البراءة من عثمان. كقوله كثير عزة:
برأت إلى الإله من ابن أروى *** ومن دين الخوارج أجمعينا
ومن عمر برئت ومن عتيق *** غداة دعي أمير المؤمنينا
ويبقى الراجح من تلك التعريفات الرابع منها لضبطه تعريف الشيعة كطائفة ذات أفكار وآراء اعتقادية(15).
* * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الثاني
متى ظهر التشيع؟
اختلفت أقوال العلماء من الشيعة وغيرهم في تحديد بدء ظهور التشيع تبعاً لاجتهاداتهم. وقد قدمنا بيان السبب في مثل هذا الخلاف، وحاصل الأقوال هنا:
1- أنه ظهر مبكراً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى يديه حيث كان يدعو إلى التوحيد ومشايعة علي جنباً إلى جنب.
وقد تزعم هذا القول محمد حسين الزين من علماء الشيعة وغيره(16). وهو ما ذكره النوبختي أيضاً في فرقه(17)، وهو ما أكده أيضاً الخميني(18) في عصرنا الحاضر، بل ذهب حسن الشيرازي إلى القول: ((بأن الإسلام ليس سوى التشيع والتشيع ليس سوى الإسلام، والإسلام والتشيع اسمان مترادفان لحقيقة واحدة أنزلها الله، وبشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم))(19).
2- أنه ظهر في معركة الجمل حين تواجه علي وطلحة والزبير، وقد تزعم هذا القول ابن النديم حيث ادعى أن الذين ساروا مع علي واتبعوه سمّوا شيعة من ذلك الوقت(20).
3- أنه ظهر يوم معركة صفين، وهو قول لبعض علماء الشيعة كالخونساري، وأبو حمزة، وأبو حاتم. كما قال به أيضاً غيرهم من العلماء، مثل ابن حزم، وأحمد أمين(21).(44/215)
4- أنه كان بعد مقتل الحسين رضي الله عنه، وهو قول كامل مصطفى الشيببي وهو شيعي؛ حيث زعم أن التشيع بعد مقتل الحسين أصبح له طابع خاص(22).
5- أنه ظهر في آخر أيام عثمان وقوي في عهد علي(23).
والواقع أن القول الأول الذي قالت به الشيعة مجازفة وكذب صريح لا يقبله عقل ولا منطق، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما بعث لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الوثنية إلى التوحيد، وإلى جمع الكلمة وإلى عدم التحزب، والقرآن والسنة مملوءان بالدعوة إلى الله وعدم الفرقة.
وقد قال محمد مهدي الحسيني الشيرازي: ((وقد سماهم بهذا الاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال مشيراً إلى علي عليه السلام: ((هذا وشيعته هم الفائزون))(24) ، وهذا باطل.
ولعل الراجح من تلك الأقوال هو القول الثالث –أي بعد معركة صفين- حين انشقت الخوارج وتحزبوا في النهروان، ثم ظهر في مقابلهم أتباع وأنصار علي حيث بدأت فكرة التشيع تشتد شيئاً فشيئاً.. على أنه –فيما يبدو- لا مانع أن يوجد التشيع بمعنى الميل والمناصرة والمحبة للإمام علي وأهل بيته قبل ذلك – إذا جازت تسمية ذلك تشيعاً – لا التشيع بمعناه السياسي عند الشيعة، فإن هؤلاء ليسوا شيعة أهل البيت وإنما هم أعداؤهم والناكثون لعهودهم لهم في أكثر من موقف.
* * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل الثالث
المراحل التي مر بها مفهوم التشيع
كان مدلول التشيع في بدء الفتن التي وقعت في عهد علي رضي الله عنه بمعنى المناصرة والوقوف إلى جانب علي رضي الله عنه ليأخذ حقه في الخلافة بعد الخليفة عثمان، وأن من نازعه فيها فهو مخطئ يجب رده إلى الصواب ولو بالقوة.(44/216)
وكان على هذا الرأي كثير من الصحابة والتابعين، حيث رأوا أن علياً هو أحق بالخلاقة من معاوية بسبب اجتماع كلمة الناس على بيعته، ولا يصح أن يفهم أن هؤلاء هم أساس الشيعة ولا أنهم أوائلهم، إذ كان هؤلاء من شيعة علي بمعنى من أنصاره وأعوانه.
ومما يذكر لهم هنا أنهم لم يكن منهم بغي على المخالفين لهم، فلم يكفروهم، ولم يعاملوهم معاملة الكفار بل يعتقدون فيهم الإسلام، وأن الخلاف بينهم لم يعدُ وجهة النظر في مسألة سياسية حول الخلافة وقد قيل: إن علياً كان يدفن من يجده من الفريقين دون تمييز بينهم.
وقد أثمر موقف الإمام علي هذا فيما بعد، إذ كان تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية انطلاقاً من هذه المواقف الطيبة التي أبداها والده رضي الله عنهما.
ولم يقف الأمر عند ذلك المفهوم من الميل إلى علي رضي الله عنه ومناصرته، إذ انتقل نقلة أخرى تميزت بتفضيل علي رضي الله عنه على سائر الصحابة، وحينما علم علي بذلك غضب وتوعد من يفضله على الشيخين بالتعزير، وإقامة حد الفرية عليه(25).
وقد كان المتشيعون لعلي في هذه المرحلة معتدلين، فلم يكفروا واحداً من المخالفين لعلي رضي الله عنه ولا من الصحابة، ولم يسبوا أحداً، وإنما كان ميلهم إلى علي نتيجة عاطفة وولاء.
وقد اشتهر بهذا الموقف جماعة من أصحاب علي، قيل منهم أبو الأسود الدؤلي، وأبو سعيد يحيى بن يعمر، وسالم بن أبي حفصة، ويقال أن عبد الرزاق صاحب المصنف في الحديث، وابن السكيت على هذا الاتجاه(26).
ثم بدأ التشيع بعد ذلك يأخذ جانب التطرف والخروج عن الحق، وبدأ الرفض يظهر وبدأت أفكار ابن سبأ تؤتي ثمارها الشريرة فأخذ هؤلاء يظهرون الشر، فيسبون الصحابة ويكفرونهم ويتبرءون منهم، ولم يستثنوا منهم إلا القليل كسلمان الفارس، وأبي ذر، والمقداد، وعمار بن ياسر، وحذيفة.(44/217)
وحكموا على كل من حضر ((غدير خم)) بالكفر والردة لعدم وفائهم –فيما يزعم هؤلاء – ببيعة علي وتنفيذ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بعلي في غدير خم المذكور.
وكان عبد الله بن سبأ هو الذي تولى كبر هذه الدعوة الممقوتة الكافرة، وقد علم علي بذلك فنفاه إلى المدائن وقال: ((لا تساكنني ببلدة أبداً )).
وأخيراً بلغ التشيع عند الغلاة إلى الخروج عن الإسلام، حيث نادى هؤلاء بألوهية علي. وقد تزعم هذه الطبقة ابن سبأ، ووجد له آذاناً صاغية عند كثير من الجهال، ومن الحاقدين على الإسلام. وقد أحرق علي رضي الله عنه بالنار كل من ثبت أنه قال بهذا الكفر(27) وكان له مع ابن سبأ موقف نذكره بالتفصيل عند ذكر فرقة السبئية (28)
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الرابع
أسماء الشيعة
1- الشيعة : وهو أشهر اسم من أسمائهم، ويشمل جميع فرقهم، ولا خلاف بين العلماء في إطلاقه عليهم كاسم علم.
2- الرافضة : وقد أطلقه عليهم بعض العلماء فجعله اسماً لجميع الشيعة.
3- الزيدية : وهي تسمية لبعض الناس يطلقونها على جميع الشيعة(29).
وكل هذه الأسماء الثلاثة وردت من خلال كتابات بعض العلماء عن طائفة الشيعة، واختيار كل منهم للاسم الذي يطلقه عليهم لا أن هذه التسميات بالاتفاق أو بهذا الترتيب.
والواقع أن إطلاق اسم الرافضة على عموم الشيعة، بمن فيهم بعض فرقهم كالزيدية التي نشأت في نهاية القرن الأول للهجرة غير سديد، لأن التسمية -رافضة- إنما أخذت من قول زيد بن علي لبعض الشيعة: ((رفضتموني))(30) فسموا الرافضة.
وليس معنى هذا أنهم لم يكونوا على عقيدة الرفض بل هم رافضة، ولهذا طلبوا من زيد أن يكون رافضياً مثلهم فامتنع. لكن لم تجرِ هذه التسمية عليهم قبل ذلك، ومعنى هذا أن الشيعة كان لهم وجود قبل زيد تحت أسماء أخرى كما سيأتي بيانه.(44/218)
وكذا إطلاق اسم الزيدية على جميع فرق الشيعة(31) يرد عليه اعتراض، فقد كانت الشيعة لهم وجود قبل زيد الذي تنسب إليه الزيدية متمثلاً في فرق السبئية والكيسانية.
ثم إن الزيدية لا تقول بكل مقالات الشيعة الغلاة، بل بينهما خلافات حادة في كثير من الآراء، وسباب كما ذكره البغدادي، وهو واضح من موقف زيد نفسه فلم يرفض زيد خلافة الشيخين ولم يسبهما.
ويتضح من هذا أن إطلاق اسم الشيعة على كل طوائف التشيع لا يرد عليه اعتراض إذا أريد به اسم علم، بغض النظر عن صدق هذا الاسم عليهم أو عدم صدقه، فقد يكون الاسم من المسلمين وصاحبه من الملحدين، وقد يكون العكس، فلا تأثير للأسماء في الحقيقة والواقع.
الفصل الخامس
فرق الشيعة
1- تمهيد :
1- انقسمت الشيعة إلى فرق عديدة، أوصلها بعض العلماء إلى يقارب سبعين فرقة(32).
وبدراسة تلك الفرق قد يتضح أن منهم الغلاة الذين خرجوا عن الإسلام وهم يدَّعونه ويدَّعون التشيع، ومنهم دون ذلك، ويمكن أن نقتصر على دراسة أربع فرق كان لها دور بارز في العالم الإسلامي وهي:
- السبئية. - الكيسانية.
- الزيدية. - الرافضة.
والرافضة الاثنا عشرية هي الواجهة البارزة في عصرنا الحاضر للتشيع.
وقبل الخوض في تفاصيل تلك الفرق نذكر السبب في تفرق الشيعة ذلك التفرق، ونذكر أيضاً السبب في عدم اتفاق العلماء على عدد فرق الشيعة.
2- السبب في تفرق الشيعة:
من الطبيعي جداً أن يحصل خلاف بين الشيعة، شأنهم شأن بقية الفرق أهل الأهواء، فما داموا قد خرجوا عن النهج الذي ارتضاه الله لعباده، واستندوا إلى عقولهم وأهوائهم فلا بد أن نتوقع الخلافات خصوصاً حينما يكون الخلاف مراداً لذاته.
ونضيف إلى هذا أنه ربما يعود تفرق الشيعة إلى عدة أسباب بعضها ظاهر وبعضها غير ظاهر، ومن ذلك:(44/219)
1- اختلافهم في نظرتهم إلى التشيع:
إذ منهم الغالي المتطرف الذي يسبغ على الأئمة هالة من التقديس والإطراء، وعلى من خالفهم أحط الأوصاف وأشنع السباب، بل وإطلاق الكفر عليهم، مما يكون بعد ذلك هوة عميقة لاختلاف وجهات النظر، ومنهم من اتصف بنوع من الاعتدال، فلا يرى أن المخالفين لهم كفار وإن كانوا على خطأ كما يرى هؤلاء.
2- اختلافهم في تعيين أئمتهم من ذرية علي.
فمنهم من يقول هذا، ومنهم من يقول ذلك، كما سيتضح ذلك من دراستنا لهذه الطائفة حينما ندرس مواقف الاثني عشرية و الزيدية و النصيرية والباطنية في تعيين الأئمة، وكيفية تسلسلهم فيها.
3- كون التشيع مدخلاً لكل طامع في مأرب:
وحينما كان التشيع مدخلاً لكل طامع في مأرب فقد أحدث هؤلاء الطامعون في السلطة، أو في الانتقام من الآخرين أو في حب الظهور – أحدث هؤلاء انشقاقاً كبيراً بين صفوف الشيعة حينما طلبوا تحقيق أغراضهم بالتظاهر بالتشيع لآل البيت، ثم البدء بما يهدفون إليه.
فمثلاً دخلت الباطنية عن طريقهم، وتزعم المختار عن طريقهم، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة.
3- عدد فرقهم:
وكشأن العلماء في اختلافهم في عدد الفرق نجدهم قد اختلفوا في عدد فرق الشيعة.
فالأشعري(33) مثلاً يذكر أنهم ثلاث فرق رئيسية، وما عداها فروع.
بينما نرى البغدادي(34) وهو يسمي الشيعة الروافض – أي بما فيهم السبئية و الزيدية- يعدهم أربعة أصناف والباقي فروعاً لهم.
ويعدهم الشهرستاني(35) خمس فرق والباقي فروعاً لهم.
وبعضهم يعدهم أكثر بكثير من هذه الأعداد كما قدمنا، والأقرب إلى الصواب أن يقال:إن من أكبر فرقهم أكثرهم نفوذاً ووجوداً في العالم الإسلامي إلى اليوم فرقة الإمامية الرافضة وفرقة الزيدية.
ومما لا شك فيه أن هذا الاختلاف تكمن وراءه أسباب. فما هي تلك الأسباب أو الظاهر منها ؟
4- السبب في عدم اتفاق العلماء على عدد فرق الشيعة؟(44/220)
ذكرنا قبل قليل أن فكرة التشيع قد جذبت إليها كثيراً من أهل الأهواء والأغراض، وهؤلاء بدءوا يُدخلون في الإسلام ما لا يتفق مع الإسلام، بل يتفق مع هواهم، فأضافوا إلى الفكر الشيعي أفكاراً جديدة أسهمت في كثرة تفرق من ينتسب إلى التشيع.
وهذه الكثرة والظهور المتتابع جعلت العلماء لا يتفقون في عدهم لهم، ومن هنا بدأ علماء الفرق يسجلون ما يصل إليهم من عدد فرق الشيعة، فجاء عدّهم غير منضبط لتجدد الأفكار الشيعية وتقلبها.
وربما أيضاً لتباعد هؤلاء العلماء فيما بينهم، ولكثرة ظهور الفرق الشيعية أيضاً في تتابع لم يمكِّن العلماء من ملاحقته ورصده، بل وربما يوجد لكثير من هذه الفرق رغبة ملحة في صرف الأنظار عنهم فيحاولون زيادة التشويش لصرف التوجيه إليهم ودراستهم ومتابعة حركاتهم المريبة، ليتم لهم تنفيذ مآربهم بهدوء دون أن يفطن الناس لهم.
إضافة إلى ذلك التشويش الحاصل فعلاً في طريقتهم عند طباعة كتبهم بحيث لا يهتدي الشخص إلى المكان الذي يريد تسجيله عليهم للاختلاف البعيد بين طبعات الكتاب الواحد، واختلاف الصفحات.
* * * * * * * * * * * * * * **
الفصل السادس
دراسة أهم فرق الشيعة
1- السبئية:
السبئية : هم أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي.
قيل إنه من الحيرة(36) بالعراق، وقيل –وهو الراجح- إنه من أهل اليمن من صنعاء(37)، وقيل أصله رومي(38) . أظهر الإسلام في زمن عثمان خديعة ومكراً، وكان من أشد المحرضين على الخليفة عثمان رضي الله عنه حتى وقعت الفتنة.(44/221)
وهو أول من أسس التشيع على الغلو في أهل البيت، ونشط في التنقل من بلد إلى بلد؛ الحجاز والبصرة والكوفة، ثم إلى الشام، ثم إلى مصر وبها استقر، ووجد آذاناً صاغية لبثّ سمومه ضد الخليفة عثمان والغلو في علي، وهذا النشاط منه في نشر أفكاره مما يدعو إلى الجزم بأن اليهود يموِّلونه، إذ كلما طرد من بلد انتقل إلى آخر بكل نشاط، ولاشك أنه يحتاج في تنقله هو وأتباعه إلى من يموِّلهم وينشر آراءهم، ومن يتولى ذلك غير اليهود الذين آزروه في إتمام خطته ليجنوا ثمارها بعد ذلك الفرقة وتجهيل المسلمين والتلاعب بأفكارهم.
وقد بدأ ينشر آراءه متظاهراً بالغيرة على الإسلام، ومطالباً بإسقاط الخليفة إثر إسلامه المزعوم. ثم دعا إلى التشيع لأهل البيت وإلى إثبات الوصاية لعلي إذ إنه –كما زعم- ما من نبي إلا وله وصي، ثم زعم بعد ذلك أن علياً هو خير الأوصياء بحكم أنه وصي خير الأنبياء.
ثم دعا إلى القول بالرجعة(39)، ثم إلى القول بألوهية علي، وأنه لم يقتل بل صعد إلى السماء، وأن المقتول إنما هو شيطان تصور في صورة علي، وأن الرعد صوت عليّ، والبرق سوطه أو تبسمه، إلى غير ذلك من أباطيله الكثيرة.
وفيما أرى أنه قد بيّت النية لمثل هذه الدعاوى، ولهذا لم يفاجئه موت علي بل قال وبكل اطمئنان وثبات لمن نعاه إليه: ((والله لو جئتمونا بدماغه في صرة لم نصدق بموته، ولا يموت حتى ينزل من السماء ويملك الأرض بحذافيرها))(40) .
وهذه الرجعة التي زعمها لعلي كان قد زعمها لمحمد صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: ((إنه ليعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمداً يرجع)). واستدل بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ }(41).(44/222)
وقد كذب عدو الله وأخطأ فهم الآية أو تعمد ذلك في أن المعاد هنا هو رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا قبل يوم القيامة، فلم يقل بهذا أحد من المفسرين، وإنما فسروا المعاد بأنه:
- الموت.
- أو الجنة.
- أو أنه رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه يوم القيامة.
- أو رجوعه إلى مكة(42).
وهي أقوال لكل واحد منها حظ من النظر بخلاف قول ابن سبأ، فإنه قول يهودي حاقد كاذب على الله دون مبالاة.
وقد تبرأ جميع أهل البيت من هذا اليهودي، ويذكر أن بعض الشيعة قد تبرأ منه أيضاً (43).
موقف علي رضي الله عنه من ابن سبأ:
اختلفت الروايات عن موقف علي رضي الله عنه من ابن سبأ حينما ادعى ألوهيته:
1- بعض الروايات تذكر أن علياً استتابه ثلاثة أيام فلم يرجع فأحرقه في جملة سبعين رجلاً (44).
2- وبعض الروايات تذكر أن ابن سبأ لم يظهر القول بألوهية علي إلا بعد وفاته، وهذا يؤيد الرواية التي تذكر أنه نفاه إلى المدائن حينما علم ببعض أقواله، وغلوه فيه (45).
3- وبعض الروايات تذكر أن علياً علم بمقالة ابن سبأ في دعوى ألوهيته، ولكنه اكتفى بنفيه خوف الفتنة واختلاف أصحابه عليه، وخوفاً كذلك من شماتة أهل الشام.
وكان هذا بمشورة ابن عباس رضي الله عنهما، أو الرافضة كما قيل في هذه الرواية(46).
والواقع أن الروايات التي تذكر أن علياً ترك ابن سبأ فلم يحرقه واكتفى بنفيه مع عظم دعواه وشناعة رأيه فيه –أمر فيه نظر، بل غير وارد كما أتصور، إذ يستعبد- حسبما يظهر لي- أن يتركه علي يعيث في الأرض فساداً، ويدعوا إلى ألوهيته أو نبوته أو وصايته أو التبرأ من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يكتفي بنفيه فقط إلى المدائن، وهو يعلم أنه باق على غلوه، وأنه سيفسد كل مكان يصل إليه.(44/223)
ويمكن أن يقال –وهو أقل اعتذار: إنه تركه لعدم ثبوت تلك الأقوال عنده؛ لأن ابن سبأ كان يرمي بها من خلف ستار.
أو لأن دعوى الألوهية لم توجد إلا بعد وفاة علي رضي الله عنه كما يرى بعضهم، وأنه حينما نفاه إلى المدائن كانت دعواه لم تصل إلى حد تأليهه لعلي رضي الله عنه.
وقد جرأت هذه الدعوى الكثير بعد ذلك على دعوى الألوهية لأشخاص من آل البيت بل ومن غيرهم.
ومما يجدر التنبيه إليه وقوع أخطاء حول هذه الشخصية تناقلها بعض العلماء نبيِّنها فيما يلي:
1- أن بعض علماء الشيعة، ومن المستشرقين أيضاً من يحاول إنكار وجود ابن سبأ ويزعم أن شخصيته أسطورية منتحلة(47).
وهؤلاء لا يوجد لهم مستند إلا شبهات واهية، وأصبح إنكارهم له أشبه ما يكون بإنكار ضوء الشمس في وسط النهار، إضافة إلى أن هذا الإنكار دعوى خطيرة، إذ لو صح التشكيك في وجوده لسهل التشكيك أيضاً في وجود غيره ممن امتلأت بهم مصادر المسلمين، ولعلها خطة يبيتها هؤلاء للوصول إلى هذا الهدف البعيد ليفقد المسلم بعد ذلك ثقته بتاريخه وفيما كتبه علماؤه، فيكذبهم أو يبقى في حيرة وشك.
2- وقع لبعض العلماء التباس بين عبد الله بن سبأ، وعبد الله بن وهب الراسبي (48)، ورأى أنهما شخصية واحدة، وهذا خطأ ظاهر.
فإن الراسبي هو زعيم المحكمة الأولى –كما سبق-، وابن سبأ هو زعيم الحركة السبئية .
3- وجد من كلام بعض العلماء ما يشير إلى التفرقة بين ابن السوداء، وبين ابن سبأ(49). والواقع الصحيح غير ذلك فإن ابن سبأ هو نفسه ابن السوداء كما يسميه بعضهم. ومن فرق بينهما فلاشتباه الأمر عليه.
وأما بالنسبة للرد على المسألة الأخيرة ((دعوى ألوهية علي)) فهي واضحة البطلان، فإن ادعاء الألوهية لأي شخص كلام ساقط يدل على نية خبيثة ومعتقد رديء أو جنون صاحبه.(44/224)
ومثله الزعم بأن علياً لم يقتل، وأنه لا يجوز عليه الموت. وقد رد البغدادي في كتابه ((الفرق بين الفرق))(50) ، وكذا ابن حزم أيضاً(51)وغيرهما على مزاعم ابن سبأ بعدم موت عليّ بأدلة عقلية منها:
1- إن كان مقتول عبد الرحمن بن ملجم شيطاناً وليس بعليّ، فلم لعنتم ابن ملجم وقد قتل شيطاناً؟
2- قولكم إن الرعد صوت علي، والبرق تبسمه أو سوطه يبطله أن البرق والرعد كانا موجودين ومعروفين منذ القدم، واختلف الفلاسفة قبل الإسلام في علتهما لا في وجودهما.
3- موسى وهارون ويوشع أعظم رتبة في نفس ابن سبأ واليهود من علي ... فلم صدقوا بموتهم ونفوا حلول الموت بعلي؟
4- دعواهم أن الأئمة ينبع لهم العسل والسمن من الأرض(52)- يكذبه أن الحسين وأصحابه بكربلاء قتلوا عطاشاً، ولم ينبع لهم الماء فضلاً عن السمن والعسل(53).
زعمهم أن علياً في السحاب على حد ما قال إسحاق بن سويد(54).
برئت من الخوارج لست منهم *** من الغزّال منهم وابن باب
ومن قوم إذا ذكروا علياً *** يردون السلام على السحاب
هذا الزعم يبطله أن السحاب متفرق فوق الأرض، يبدأ وينتهي في حركات متواصلة ومتقطعة..ففي أي سحاب يكون؟ وعلى أي أرض يستقر؟
ورغم تفاهة هذه الدعوى في علي رضي الله عنه إلا أنها وجدت مؤيدين ومناصرين، وقد صدق الله تعالى حين قال في وصف البشر حين يضلون الصراط المستقيم: {أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}.
ورغم تفاهة دعوى ابن سبأ في علي رضي الله عنه فقد ذكر علماء الفرق من الردود عليها والإلزامات الواردة عليها ما لا تستحق من الاهتمام.
2-الكيسانية:
بدأ ظهور هذه الفرقة بعد قتل الخليفة الراشد علي رضي الله عنه، وعرفوا بهذه التسمية واشتهروا بموالاتهم لمحمد بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية، وظهر تكونهم بعد تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنهما (55).(44/225)
فحينما تم الصلح مالوا عن الحسن والحسين وقالوا بإمامة محمد بن الحنفية، وقالوا: إنه أولى بالخلافة بعد علي، وهو وصي علي بن أبي طالب، وليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه أو يخرج بغير إذنه.
وقالوا: إن الحسن خرج لقتال معاوية بأمر محمد بن الحنفية، وإن الحسين خرج لقتال يزيد بإذن ابن الحنفية، بل وقالوا بأن من خالف ابن الحنفية فهو مشرك كافر.
وفرقة من هؤلاء الكيسانية قالوا: إن الإمامة لعلي ثم الحسن ثم الحسين ثم لابن الحنفية لأنه أولى الناس بالإمامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن(56).
وقد اختلف في كيسان زعيم الكيسانية:
1- فقيل إن كيسان رجل كان مولى لعلي بن أبي طالب.
2- وقيل: بل كان تلميذاً لمحمد بن الحنفية(57).
3- وقيل: بل هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب، وقد كان يلقب بكيسان(58). وهذا غير صحيح لأن قيام الكيسانية كان قبل ظهور أمر المختار كما تقدم.
3-المختارية:
كيف صارت الكيسانية مختارية؟
حينما تقرأ بعض كلام علماء الفرق تجد أن فيه مشكلة خفية وخلطاً في التسمية، إذ يجعل بعضهم الكيسانية هي نفسها فرقة المختارية التي تزعمها المختار ابن أبي عبيد كما فعل القمي وغيره (59).
وبعضهم يجعل الكيسانية فرقة مستقلة، تزعمها رجل يقال له كيسان كما فعل الشهرستاني وغيره.
والذي يتضح لي أن الكيسانية عندما نشأت كانت فرقة مستقلة، تزعمهم رجل يسمى كيسان الذي هو تلميذ لمحمد بن الحنفية أو مولى لعلي، وحينما جاء المختار بن أبي عبيد انضم إليه هؤلاء وكونوا بعد ذلك فرقة المختارية...
ولقد كان لفرقة المختارية أحداث هامة في التاريخ بقيادة المختار. فمن هو المختار بن أبي عبيد الذي تلقفته الكيسانية للانقضاض به على قتله الحسين ابن علي رضي الله عنه؟
المختار بن أبي عبيد الثقفي:(44/226)
هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، ولد في الطائف في السنة الأولى للهجرة، ووالده صحابي استشهد في معركة الجسر حينما كان قائداً لجيش المسلمين في فتح العراق، وقام بكفالة المختار عمه سعيد بن مسعود الثقفي الذي كان والياً على الكوفة لعلي رضي الله عنه.
وقد نشأ المختار على جانب من الذكاء والفطنة مراوغاً ماكراً غير صادق في تشيعه، وإنما كان يريد من ورائه تحقيق طموحه السياسي بأي وجه، وله مواقف تشهد بصحة هذا القول عنه ذكرها أهل التاريخ والفرق(60).
وقد لقب بكيسان لأسباب هي:
1- منهم من يقول: إنه نسبة إلى الغدر(61)، لأن كيسان في اللغة العربية اسم للغدر، وكان المختار كذلك.
2- أنه أطلق عليه هذا اللقب باسم مدير شرطته المسمى بكيسان(62) والملقب بأبي عمرة الذي أفرط في قتل كل من شارك ولو بالإشارة في قتل الحسين، فكان يهدم البيت على من فيه، حتى قيل في المثل: ((دخل أبو عمرة بيته)) كناية عن الفقر والخراب.
أنه أطلق على المختار هذا اللقب باسم كيسان الذي هو مولى علي بن أبي طالب(63).
وذهب بعض الشيعة ومنهم النوبختي(64) إلى أن هذا اللقب أطلقه عليه محمد بن الحنفية على سبيل المدح، أي لكيسه، ولما عرف عنه من مذهبه في آل البيت؛ لأن الكيسانية زعموا أن محمد بن الحنفية هو الذي كلف المختار بالثورة في العراق لأخذ الثأر للحسين، وهذا ليس بصحيح كما سيأتي.
وقد كان للمختار أدوار مع ابن الزبير، وخاض معارك في العراق خرج منها ظافراً فأعجبته نفسه، وأخذ يسجع كسجع الكهان، ويلمح لأناس ويصرح لآخرين أنه يوحى إليه، فانفض عنه كثير من أصحابه، وقُتل في حربه مع مصعب بن الزبير سنة 67هـ ، وتفرق أتباعه(65)، وصدق عليه الحديث الذي روته أسماء بنت أبي بكر وغيرها أنه كذاب ثقيف(66).
محمد بن الحنفية:(44/227)
أما ابن الحنفية الذي جعله المختار واجهة له...فهو محمد بن علي بن أبي طالب، وأمه خولة، قيل: بنت جعفر، وقيل: بنت أياس الحنفية، وهي من سبي اليمامة في حروب الردة، صارت إلى علي. وقيل: إنها سندية وكانت أمة لبني حنيفة فنسبت إليهم.
ولد ابن الحنفية سنة 16هـ في عهد عمر بن الخطاب، ونشأ شجاعاً فاضلاً عالماً، دفع إليه أبواه الراية يوم الجمل وعمره 21سنة، وقد تنقل بعد وفاة والده فرجع إلى المدينة ثم انتقل إلى مكة ثم منى في عهد ابن الزبير ثم إلى الطائف، ثم قصد عبد الملك بن مروان بالشام وتوفي سنة 81هـ قبل بالطائف، وقيل بأيلة من فلسطين، وقيل لم يمت بل حبسه الله في جبل رضوى القريب من ينبع، وهذا من تحريف الشيعة.
وبعد وفاته اختلف الشيعة فيما بينهم:
فذهب بعضهم إلى أنه مات وسيرجع. وذهب آخرون إلى أنه لا زال حياً بجبل رضوى قرب المدينة عنده عينان نضاختان، إحداهما تفيض عسلاً، والأخرى تفيض ماءً، عن يمينه أسد يحرسه، وعن يساره نمرٌ يحرسه، والملائكة تراجعه الكلام، وأنه المهدي المنتظر، وأن الله حبسه هناك إلى أن يؤذن له في الخروج، فيخرج ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
وفي هذه الخرافات يقول السيد الحميري أو كثير عزة على رواية في قصيدة له:
ألا حي المقيم بشعب رضوى *** واهد له بمنزله السلاما
وقل ياابن الوصي فدتك نفسي *** أطلتَ بذلك الجبل المقاما
وما ذاق ابن خولة طعم موت *** ولا وارت له أرض عظاما
لقد أمسى بجانب شعب رضوى *** تراجعه الملائكة الكلاما
وإن له لرزقاً كل يوم *** وأشربه يعل بها الطعاما
أضر بمعشر وآلوك منا *** وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض طرا *** مقامك عنهم سبعين عاما (67)
وقد اختلف الكيسانية في سبب حبس ابن الحنفية بجبل رضوى:(44/228)
1- ذهب بعضهم –وأراد أن يقطع التساؤل- إلى القول بأن سبب حبسه سر الله، لا يعلمه أحد غيره، وهو تخلص من هذه الكذبة التي زعموها في حبسه.
2- وبعضهم قال: إنه عقاب من الله له بسبب خروجه بعد قتل الحسين إلى يزيد بن معاوية، و طلبه الأمان له، وأخذه عطاءه.
3- بعضهم قال: إنه بسبب خروجه من مكة قاصداً عبد الملك بن مروان هارباً من ابن الزبير ولم يقاتله(68).
والحقيقة أنك لا تدري كيف تبلدت عقول هؤلاء إلى حد أن يعتقدوا هذا الاعتقاد الغريب في أن الله غضب على ابن الحنفية من مجرد زيارته لهؤلاء الحكام من المسلمين، والذين لهم يد مشكورة في انتشار رقعة الإسلام، فأوصل الله –بزعمهم- عقابه إلى هذا الحد من السنين الطويلة التي شكى منها الحميري سبعين عاماً، وقد بقي الكثير جداً والتي ستمتد إلى أن يغير هؤلاء الحمقى عقيدتهم هذه.
4-الزيدية:
بعد قتل الحسين بن علي(69) ظهرت معظم الفرق التي تزعم التشيع، بل وأخذت دعوى التشيع تتصاعد في الغلو.
وفي أيام علي بن الحسين الملقب بزين العابدين طمع الشيعة في استجلابه إليهم غير أنه كان على ولاء تام ووفاء كامل لحكام بني أمية متجنباً لمن نازعهم(70)، بل إن يزيد بن معاوية وهو خليفة كان يكرمه ويجلسه معه، ولا يأكل إلا معه(71).
وقد أنجب أولاداً، منهم:
- زيد بن علي بن الحسين.
- محمد بن علي بن الحسين المكنى بأبي جعفر الباقر.
- عمر بن علي بن الحسين(72).
وقد اختلف الشيعة في أمر زيد بن علي، ومحمد بن علي أيهما أولى بالإمامة بعد أبيهما؟(44/229)
فذهبت طائفة إلى أن لزيد فسموا زيدية، وهؤلاء يرتبون الأئمة ابتداءاً بعلي رضي الله عنه، ثم ابنه الحسن، ثم الحسين، ثم هي شورى بعد ذلك بين أولادهما-كما ترى الجارودية منهم(73) - ثم ابنه علي بن الحسين زين العابدين، ثم ابنه زيد وهو صاحب هذا المذهب، ثم ابنه يحيى بن زيد، ثم ابنه عيسى بن زيد –كما ترى الحصنية منهم فيما يذكره القمي(74)-، وبعد ذلك يشترطون في الإمام أن يخرج بسيفه سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين.
وذهبت طائفة أخرى إلى أن الإمامة لمحمد بن علي بن الحسين المكنى بأبي جعفر الباقر(75). ونحن هنا بصدد دراسة الزيدية كيف قامت؟ وما هي مواقف الناس منهم؟
وقد وصف أبو زهرة الزيدية بأنهم ((أقرب فرق الشيعة إلى الجماعة الإسلامية، وأكثر اعتدالا، وتشيعهم نحو الأئمة لم يتسم بالغلو؛ بل اعتبروهم أفضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، واعتدلوا في مواقفهم تجاه الصحابة، فلم يكفروهم وخصوصاً من بايعهم علي رضي الله عنه واعترف بإمامتهم)) (76) .
هكذا قال عنهم، والذي يظهر لي أن هذا الحكم غير صحيح على جميع الزيدية- فإن بعض طوائفهم رافضة، وهم الذين خرجوا عن مبادئ زيد وآرائه، سواء كانوا متقدمين أو متأخرين فقد قسم أبو زهرة الزيدية من حيث الاعتقاد إلى قسمين(77):
1- المتقدمون منهم؛ المتبعون لأقوال زيد، وهؤلاء لا يعدون من الرافضة، ويعترفون بإمامة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
2- وقسم من المتأخرين منهم، وهؤلاء يعدون من الرافضة، وهم يرفضون إمامة الشيخين ويسبونهما ويكفرون من يرى خلافتهما.(44/230)
وهذا يحتاج من الزيدية إلى إعادة النظر؛ ليتقاربوا من إخوانهم أهل السنة، وإلا أصبحوا في صف الإمامية الرافضة، وعموماً فإن مذهبهم في الإمامة يحصرونه في أولاد فاطمة فقط من غير تحديد بأحد منهم، وإنما يشترطون أن يكون كل فاطمي اجتمعت فيه خصال الولاية من الشجاعة والسخاء والزهد، وخرج ينادي بالإمامة – يكون إماماً واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو الحسين(78)، عكس الاثني عشرية الذين حرصوا على الأئمة في أولاد الحسين فقط.
زيد بن علي وهو الذي تنسب إليه الطائفة الزيدية:
وهو زيد بن علي بن الحسين بن علي، ولد سنة 80هـ تقريباً، وتوفي سنة 122هـ، وأمه أمة أهداها المختار إلى علي زين العابدين فأنجبت زيداً (79).
وكان زيد –كما تذكر الكتب التي تترجم له –شخصية فذة، صاحب علم وفقه وتقوى، واتصل بواصل بن عطاء وأخذ عنه، واتصل بأبي حنيفة وأخذ عنه(80)، وكان أبو حنيفة يميل إلى زيد ويتعصب له، وقد قال في خروجه لحرب الأمويين: ((ضاهى خروجه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر)) كما يذكر ذلك أبو زهرة(81).
موقفه من حكام بني أمية:
خرج زيد على الحكام الأمويين، وأشهر السلاح في وجوههم، فما هو الدافع لزيد على هذا الخروج؟ والجواب هو حسب ما قيل في بعض المصادر أن زيداً خرج على بني أمية منكراً للظلم والجور، وبعضها يذكر أنه لم يكن يريد الخروج، ولا طلب الخلافة، ولكن حدث في تصرف هشام بن عبد الملك وعماله إهانات وإساءة لزيد لم يطق أن يعيش معها مسالماً لهشام بن عبد الملك، وذلك أن زيداً أحس أن والي المدينة من قبل هشام ويسمى خالد بن عبد الملك ابن الحارث ووالي هشام على العراق يوسف بن عمر الثقفي يتعمدان الإساءة له، وربما تصور أن ذلك بإيعاز من الخليفة هشام، فقرر أن يذهب للشام ويشرح أمره لهشام ليزيل ما في نفسه من تخوف أن يثور عليه زيد.(44/231)
لكن حدث ما لم يكن في حسبانه، فقد قابله الخليفة مقابلة غير لائقة به حاصلها: أن زيداً وقف بباب هشام فلم يؤذن له بالدخول مدة، فكتب له كتاباً يشرح أمره ويطلب الإذن له فكتب هشام في أسفل الكتاب: ارجع إلى أميرك بالمدينة. فعزم زيد على مقابلته وقال: والله لا أرجع إلى خالدا أبداً.
وأخيراً أذن له وقد رتب هشام الأمر، فوكل به من يحصي عليه جميع ما يقول، وحينما صعد زيد إلى هشام قال زيد: والله لا يحب الدنيا أحد إلا ذل. فلما مثل بين يدي هشام لم ير موضعاً للجلوس فيه حيث انتهى به المجلس، وقال: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله، ولا يصغر دون تقوى الله.
فقال هشام: اسكت لا أم لك. أنت الذي تنازعك نفسك الخلافة وأنت ابن أمَة. فقال له: يا أمير المؤمنين، إن لك جواباً إن أجبتك أحببتك به، وإن أحببت أمسكت- ولو أن هشاماً يريد العافية لقال له أمسك – فقال: بل أجب. فقال: إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أم إسماعيل أمَة لأم إسحاق، فلم يمنعه ذلك أن بعثه الله نبياً، وجعله للعرب أباً، وأخرج من صلبه خير البشر محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم تقول لي هذا وأنا ابن فاطمة وابن علي؟
فقال هشام: اخرج.
فقال زيد: أخرج، ولا أكون إلا حيث تكره.
ومن هنا قرر أنه بين أمرين أحلاهما مر؛ فاختار الخروج(82) ...
وكم أسديت له من النصائح للرجوع عن رأيه، ولكنه –وبدفع من الشيعة- واصل سيره إلى أهل الكوفة الذين عاهدوه على نصرته ثم نكسوا على أعقابهم حين تراءى الجمعان، جيش الخلافة وهؤلاء، وفي هذا الموقف الحرج قام هؤلاء وسألوه– ليأخذوا حجة في الهرب ولرداءة معتقدهم- قالوا له: إنا لننصرك على أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر اللذين ظلما جدك علي بن أبي طالب.(44/232)
فقال زيد – دون نفاق - : إني لا أقول فيهما إلا خيراً، وما سمعت أبي يقول فيهما إلا خيراً، وقد كانا وزيري جدي، وإنما خرجت على بني أمية الذي قتلوا جدي الحسين، وأغاروا على المدينة يوم الحرة، ثم رموا بيت الله بالمنجنيق والنار.
فلما سمعوا هذا الجواب تفرقوا عنه ورفضوه. فقال لهم: رفضتموني؟
فسموا رافضة-، وبقي في شرذمة قليلة سرعان ما قضى عليهم يوسف ابن عمر، وقد قتل زيد ودفن في ساقية فاستخرجه يوسف وكتب إلى الخليفة، فأمره هشام أن يصلبه مدة وأن يحرقه، وتم ذلك فيما ذكره علماء الفرق والمؤرخين(84).
آراء زيد و الزيدية:
للشيعة عموماً آراء متضاربة متناقضة وأفكار تأثرت بجهات شتى من وثنية ومجوسية ويهودية ونصرانية إلا القليل منهم.
وأما بالنسبة لزيد فإن آراءه كما ذكر علماء الفرق والمؤرخين نوجزها فيما يلي:
1- في السياسة: يرى زيد جواز ولاية المفضول، أي إن الإمامة عنده ليست وراثة، فإذا اقتضت المصلحة تقديم المفضول فلا بأس بذلك، وكان مع تفضيله لعلي على أبي بكر يرى أن خلافة الشيخين خلافة صحيحة.
ولما قيل له في ذلك قال: ((كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة إلى أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوها، من تسكين ثائرة الفتنة وتطييب قلوب العامة، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً، وسيف أمير المؤمنين من دماء المشركين من قريش لم يجف بعد والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي، فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد، وكانت المصلحة أن يكون القيام بهذا الشأن لمن عرفوا باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام، والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ...))(85) إلى آخر كلامه.(44/233)
وفي هذا الجواب بعض الأمور التي فيها نظر، فإن الصحابة ما كانوا ليحقدوا عليه قتل أقربائهم من المشركين، وأما الشدة فإن عمر كان أشهر منه فيها وقد ولاه الصحابة أمرهم.
2- القول بعدم عصمة الأئمة أو وصايتهم من النبي صلى الله عليه وسلم كما تقول الإمامية وبعض فرق الزيدية، فإن زعمهم عصمة الأئمة أو وصايتهم كان أساسه الاعتقاد الخاطئ أن تولي الأئمة كان من النبي صلى الله عليه وسلم. والنبي ما كان يتصرف إلا بوحي، ومن غير المعقول أن يختار الله ورسوله الأئمة ثم يجري عليهم الخطأ في أحكامهم وهم المرجع للدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن زيداً لم يلتفت إلى هذا القول الخاطئ والاعتقاد الباطل فيما قيل عنه(86). إذ لم تثبت العصمة لأحد غير الأنبياء فيما كلفوا بتبليغه.
3-لم يقل بالمهدي المنتظر ولا بالغائب المكتوم(87).
وهي من عقائد الشيعة الأساسية، فكل طائفة منهم لها مهدي وغائب مكتوم، وتفرقوا في هذه الخرافة طوائف متعارضة: فالمهدي عند الكيسانية هو محمد بن الحنفية، وعند الاثني عشرية محمد بن الحسن العسكري، وعند بقية طوائفهم أئمة مهديون ينتظرون خروجهم بغتة يملأون الأرض عدلاً بزعمهم.
وسبب هذه الخرافة أنهم يعتقدون أن لآل البيت مزية عن غيرهم فهم يحيون قروناً، وأن الخلافة لا تخرج من أيديهم سواء كانوا ظاهرين أو مستترين، ولم يلتفت زيد إلى وجود مهدي سيخرج، كما يذكر عنه أبو زهرة (88).
والواقع أن أهل السنة يؤمنون بمجيء مهدي في آخر الزمان على ما بينته الأحاديث(89) ، لكن هؤلاء الشيعة استغلوا هذه القضية استغلالاً خاطئاً، وقررها علماؤهم وزعماؤهم لأغراض سياسية أكثر منها دينية.
4- حكم في مرتكب الكبيرة بأنه في منزلة بين المنزلتين تبعاً لرأي المعتزلة: وقيل: إنه خالفهم في تخليده في النار، وقال: لا يخلد في النار إلا غير المسلم(90) هكذا ذكر عنه أبو زهرة.(44/234)
ولكن الأشعري ينقل عن فرق الزيدية القول بتخليد مرتكب الكبيرة في النار كما تقول الخوارج(91) والمعتزلة، وإنهم مجمعون على ذلك.
وأهل الحق يقولون: هم تحت المشيئة، ولا يقولون بحتمية دخولهم النار ولا بتخليدهم فيها.
5- قال بالإيمان بالقضاء والقدر من الله تعالى، وأن العبد فاعل لفعله حقيقة، وله قدرة واختيار بتمكين الله له، وبها يحاسب فيثاب أو يعاقب كما يذكره عنه أبو زهرة(92) رغم أن الزيدية معتزلة في الأصول بسبب تلمذة زيد لواصل بن عطاء الغزال زعيم المعتزلة.
6- لم يقل بالبداء على الله، وهو القول بحدوث حوادث جديدة متغيرة في علم الله – على حسب ما يحدث-، وهذا القول تزعمته الكيسانية وكثير من الروافض، واعتقاده كفر. ومذهب زيد أن علم الله تعالى أزلي قديم، وأن كل شيء بتقديره سبحانه، وأن من النقص في علم الله أن يغير إرادته لتغير علمه(93) ولم يتأثر بعقائد الإمامية في هذا .
7- لم يقل بالرجعة المزعومة عند الشيعة. وهي بدعة غريبة، وهي أن كثيراً من العصاة سيرجعون إلى الدنيا ويجازون فيها قبل يوم القيامة، وينتصف أهل البيت ممن ظلموهم، كما أنه يرجع أقوام آخرون لا عقاب عليهم لينظروا ما يحل بمن ظلم أهل البيت(94) ، إلى غير ذلك من الآراء التي تهم أهل الاختصاص والتفرغ لدراستها.
ولكن: هل استمر الزيدية على هذه المبادئ التي قيلت عن زيد.
والجواب: لا، فقد جاءت طوائف حرفت مذهب زيد، ورفضوا خلافة الشيخين(95)، وقالوا بالرجعة(96) وعصمة الأئمة وغير ذلك من أقوال فرقهم الأربع التي هي: الجارودية، و السليمانية أو الجريرية، والبترية أو الصالحية، واليعقوبية. وأشهرها الجارودية.
5- الرافضة:
1 - معنى الرافضة لغة واصطلاحاً:
الرفض في اللغة يأتي بمعنى الترك. يقال: رفض يرفض رفضاً ، أي ترك.
وعرفهم أهل اللغة بقولهم: ((و الروافض كل جند تركوا قائدهم))(97) ، هذا هو معنى الرفض في اللغة.(44/235)
وأما في الاصطلاح: فإنه يطلق على تلك الطائفة ذات الأفكار والآراء الاعتقادية الذين رفضوا خلافة الشيخين وأكثر الصحابة، وزعموا أن الخلافة في علي وذريته من بعده بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، وأن خلافة غيرهم باطلة.
2 - سبب تسميتهم بالرافضة:
أطلقت هذه التسمية على الرافضة لأسباب كثيرة:
1-قيل : إنهم سموا رافضة لرفضهم إمامة زيد بن علي، وتفرقهم عنه كما تقدم(98).
2-وقيل : سموا رافضة لرفضهم أكثر الصحابة، ورفضهم لإمامة الشيخين(99).
3-وقيل : لرفضهم الدين(100).
ولعل الراجح هو الثاني، ولا منافاة بينه وبين الأول، لأنهم كانوا رافضة يرفضون الشيخين وقد رفضوا زيداً كذلك إذ لم يرض مذهبهم.
3 - وجود الرافضة قبل اتصالهم بزيد:
وجدت هذه الطائفة قبل انضمامهم لزيد بن علي، وكانت عقيدتهم هي الرفض، ولهذا طلبوا من زيد أن يوافقهم على أهوائهم ويتبرأ من الشيخين فخيب آمالهم وانفصلوا عنه. وسبب ذلك يعود إلى تشبعهم بأفكار اليهودي ابن سبأ، وانحرافهم التام عن التشيع لأهل البيت الذي كان عبارة عن الحب والمناصرة.
4 - أسماؤهم قبل اتصالهم بزيد:
ومن أسمائهم في تلك الفترة:
1-الخشبية.
2-الإمامية (101) .
وسبب تسميتهم بالخشبية: أنهم – كما قيل- كانوا يقاتلون بالخشب ولا يجيزون القتال بالسيف إلا تحت راية إمام معصوم من آل البيت . وسبب تسميتهم بالإمامية: لزعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي رضي الله عنه نصاً ظاهراً ويقيناً صادقاً، ولم يكتف فيه بالوصف بل صرح بالاسم لعلي ولأولاده من بعده –كما يدعي هؤلاء.
5 - فرق الروافض:(44/236)
لقد تفرقت الشيعة الروافض إلى أقسام كثيرة لم يتفق العلماء على عددها، ولا على اعتبار من هم الأصول ومن هم الفروع منهم. ولا حاجة إلى التطويل بذكر جميع تلك الفرق الأصول والفروع؛ إذ الكل يجمعهم معتقد واحد حول الإمامة وأحقية علي بها، وأولاده من بعده، ورفض من عداهم.
وأشهر فرق الروافض: الشيعة الاثنا عشرية –كما سندرسهم بالتفصيل- ، وفرقة أخرى منهم تسمى المحمدية.
وسنقتصر على دراسة هاتين الطائفتين ليتضح من خلالهما مدى تناقض الشيعة في عقائدهم الهامة مثل الإيمان بالمهدي(102) والرجعة(103) وغير ذلك من عقائدهم، إضافة إلى أن هذه الفرقة لا تزال طائفة منهم – وهم الذين صدقوا بقتل زعيمهم الذي ينتسبون إليه- النفس الزكية- يأتون إلى قبره- الذي ظنوا بأنه دفن في مكانه ذلك –يأتون إليه ويتمسحون به ويدعون عنده إلى اليوم.
1- المحمدية: خلاصة أمر هذه المحمدية أنهم طائفة يعتقدون أن الإمام والمهدي المنتظر هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي، ويعرف بالنفس الزكية.
ولد محمد سنة 93هـ(104)، ويوصف بأنه كان فاضلاً صاحب عبادة وورع، ولذا أطلق عليه لقب النفس الزكية.
خرج بالمدينة المنورة سنة 145هـ على أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي، فبعث إليه المنصور بعيسى بن موسى الهاشمي، فدارت المعركة على محمد فسقط قتيلاً بعد مدة قليلة من إعلان خروجه، وقد احتز عيسى رأس محمد وأرسله إلى أبي جعفر المنصور(105) جرياً على العادة التي سنها الأمويون من قبل لإرهاب المخالفين.(44/237)
ومما يجدر ذكره أن شخصاً ماكراً اسمه المغيرة بن سعيد العجلي كانت له آراء ضالة استغل توجه الناس إلى محمد بن علي بن الحسن فأخذ يدعو الناس إلى البيعة لمحمد، وجدَّ في ذلك، وزعم للناس أن المهدي المنتظر قد خرج، وأنه محمد بن الحسن، وبشر الناس بأن ملكه سيمتد طويلاً ويعيد الأمور إلى نصابها ويملأ الأرض عدلاً، وأن على الجميع أن يبادروا بالطاعة والانطواء تحت لوائه للقيام بواجبهم نحو المهدي.
وحينما قتل محمد في أول لقاء مع عيسى بن موسى أسقط في يد أتباعه من هؤلاء الحمقى الذين صدقوا أقواله وانقسموا فيما بينهم، فطائفة تبرأت من المغيرة وقالوا: لا يجوز لنا متابعته بعد أن ظهر كذبه، فإن محمد بن عبد الله ابن الحسن مات مقتولاً ولم يملك ولا يملأ الأرض عدلاً، ولو كان هو المهدي لتكفل الله بظهوره.
وطائفة أخرى –لأغراض في أنفسهم ولبقاء شوكتهم- استمروا على الولاء للمغيرة ولمحمد بن عبد الله بن الحسن، ولجئوا إلى أقوال السبئية، فقالوا: إن محمداً لم يقتل، وإنما المقتول كان شيطاناً تصور للناس في صورة محمد بن عبد الله بن الحسن، وأن محمداً لا يزال حياً في جبل حاجر بنجد، ولا بد أن يظهر مرة أخرى، ويملأ الأرض عدلاً، وأن البيعة ستعقد له بين الركن والمقام في بيت الله الحرام بمكة(106).
وقد ذكر لي بعض أهل المعرفة أن جماعة من الشيعة يأتون إلى مكان في المدينة المنورة خلف مسجد ثنية الوداع لزيارته لاعتقادهم أنه قبر محمد بن عبد الله بن الحسن، وقد أزيل هذا المكان في مشروع. ويظهر أن هؤلاء الشيعة هم من القسم الذين صدقوا بموته وفارقوا المغيرة.
وقد استمر المغيرة على ضلالاته حتى قتله خالد بن عبد الله القسري.
2-الاثنا عشرية:(44/238)
هذه هي الواجهة الرئيسية والوجه البارز للتشيع في عصرنا الحاضر وهم القائمون على نشر هذا المذهب الرافضي والممول له بشتى الطرق والأساليب، وقد تحقق لهم الكثير مما أرادوه في العالم الإسلامي وذلك لما يبذلونه من مساعدات مادية ومعنوية.
فتعتبر هذه الطائفة أشهر فرق الشيعة، وأكثرها انتشاراً في العالم، وإليها ينتمي أكثر الشيعة في إيران والعراق وباكستان وغيرها من البلدان التي وصلت إليها العقيدة الشيعية، ولهم نشاط ملموس في كثير من البلدان في الآونة الأخيرة؛ حيث توغلوا إلى أماكن من بلدان المسلمين ما كان لهم فيها ذكر.
وهم مجموعة من الطوائف المختلفة الآراء بعضها معلن وبعضها مستتر، ويجمعهم هدف عام واحد وهو علو المذهب الاثنا عشري الجعفري الذي زعم الخميني أن أتباعه يبلغون 200 مليون شيعي، كان النواة الأولى فيها لمذهب التشيع هو الرسول وعلي بن أبي طالب و خديحة، حيث بدأ الرسول – حسب زعمه- يدعو للتشيع من نقطة الصفر(107).
1- أسماؤهم وسبب تلك التسميات:
للاثنا عشرية أسماء تطلق عليهم، بعضها من قبل مخالفيهم وبعضها من قبلهم هم، وهذه الأسماء هي:
1- الاثنا عشرية(108).
وسبب تسميتهم بها لاعتقادهم وقولهم بإمامة اثني عشر رجلاً من آل البيت، ثبتت إمامتهم –حسب زعمهم- بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، وكل واحد منهم يوصي بها لمن يليه.
وأولهم: علي –رضي الله عنه- و آخرهم محمد بن الحسن العسكري المزعوم الذي اختفى في حدود سنة 260هـ ، وسيعود بزعمهم ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ويسير الخير بين الناس وافراً إلى آخر مزاعمهم الكثيرة، وفيه قال الشيرازي: ((كما تسمى الشيعة بالاثني عشرية لأنهم يعتقدون بإمامة الأئمة الاثني عشرية))(109).
وهؤلاء الأئمة الاثنا عشر هم:
علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- .
الحسن بن علي –رضي الله عنه- .
الحسين بن علي –رضي الله عنه- .
علي بن الحسين.(44/239)
محمد بن علي بن الحسين الباقر.
جعفر بن محمد بن الحسين –أبو عبد الله- الصادق- .
موسى بن جعفر الكاظم.
علي بن موسى –الرضي- .
محمد بن علي –الجواد- .
علي بن محمد الهادي.
الحسن بن علي العسكري.
محمد بن الحسن العسكري الغائب الموهوم، كما يسميه الشيخ إحسان إلهي –رحمه الله تعالى - ، ومن الملاحظ أن الشيعة الاثني عشرية حصروا الإمامة في أولاد الحسين بن علي دون أولاد الحسن –رضي الله عنهما-، ولعل السبب في ذلك يعود إلى تزوج الحسين بن علي بنت ملك فارس يزدجرد، ومجيء علي بن الحسين منها.
2-الجعفرية:
نسبة إلى جعفر بن محمد الصادق الذي بنوا مذهبهم في الفروع على أقواله وآرائه –كما يزعمون- وهو بريء من أكاذيب الشيعة هذه، فإنهم يسندون إليه أقوالاً واعتقادات لا يقول بها من له أدنى بصيرة في الإسلام ، فكيف به؟
وهذا الاسم من أحب الأسماء إليهم بخلاف تسميتهم بالرافضة، فإنهم يتأذون منه، وهم أحق بتسميتهم بالرافضة لا الجعفرية؛ لأنهم لا يعرفون مذهب جعفر الصادق، وإنما هي تخرصات جمعوها، وتلفيقات استحسنوها ثم نسبوها إليه(110) ، وأكثرها مما لا يرضي الله ورسوله، بل ولا يقوله عاقل ولا طالب علم يعرف الشريعة الإسلامية، ومع ذلك يتبجح الشيعة بانتسابهم إليه ظلماً وزوراً.
يقول الخميني مفتخراً: نحن نفخر بأن مذهبنا جعفري ففقهنا هذا البحر المعطاء بلا حد، وهو من آثار جعفر الصادق(111).
ويقول الشيرازي: كما تسمى الشيعة بالجعفرية لأن الإمام جعفر بن محمد الصادق –ع- تمكن أن يوسع نشر الإسلام أصولاً وفروعاً وآداباً وأخلاقاً، وأما سائر الأئمة فلم يتمكنوا من ذلك لما كانوا يلاقونه من الاضطراب، كما في زمان علي والحسن والحسين. –ع-؛ والكبت والإرهاب من أيدي الخلفاء الأمويين والعباسيين.(44/240)
لكن الإمام الصادق –ع- حيث كان في زمن التصادم بين بني أمية وبني العباس اغتنم الموقف فرصة لنشر حقائق الإسلام بصورة واسعة، والشيعة أخذوا منه أكثر معالم الدين، ولذا نسبوا إليه(112).
3-الرافضة:
الرافضة – أو الروافض- وهو اسم غير محبوب لديهم وقد سموا به، إما:
1- لأنهم رفضوا مناصرة زيد بن علي –كما تقدم -.
2- أو لرفضهم أئمتهم وغدرهم بهم.
3- أو لرفضهم الصحابة وإمامة الشيخين.
4- أو لرفضهم الدين(113).
5- وهناك تعليل لبعض الشيعة وهو أنهم سموا بهذه التسمية من قبل خصومهم للتشفي منهم.
ولكن توجد رواية في الكافي عن جعفر بن محمد أن الله هو الذي سماهم رافضة، وهذا ينقص ما زعموه أنهم لا يستحقون هذه التسمية. وكل تلك التعليلات غير الخامس تصدق عليهم.
جاء في الكافي عن محمد بن سليمان عن أبيه أنه قال: قلت لأبي –عبيد الله – جعفر_: جعلت فداك إنّا قد نبزنا نبزاً أثقل ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت به الولاة دماءنا قال: فقال أبو عبد الله –ع- الرافضة؟ قلت: نعم. قال لا والله ما هم سموكم به ولكن الله سماكم به(114) .
4-الإمامية:
1- إما نسبة إلى الإمام ( الخليفة) لأنهم أكثروا من الاهتمام بالإمامة في تعاليمهم كما هو واقع بحوثهم.
2- أو لزعمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي وأولاده.
واختار هذا التعريف الشهرستاني (115)، وهو التعريف الذي ذكره الشيرازي منهم حيث قال: وتسمى الشيعة بالإمامية لأنهم يعتقدون بإمامة علي –أمير المؤمنين- وأولاده الأحد عشر(116)
3- أو لانتظارهم إمام آخر الزمان الغائب المنتظر –كما يزعمون-.
5-الخاصة:
وهذه التسمية هم أطلقوها على أنفسهم وأهل مذهبهم(117).(44/241)
وقد ذكر العلماء كثيراً من الأمور التي شابه الشيعة اليهود فيها(118)، ومن ذلك تسميتهم لأنفسهم الخاصة، ومن عداهم العامة كما فعلت اليهود حينما سموا أنفسهم –شعب الله المختار-، وسموا من عداهم- الجوييم أو الأمميين-وتوجد بينهم وبين اليهود مشابهات في أشياء كثيرة سنذكر بعضها بعد قليل.
سبب انتشار مذهب الرافضة وأماكن انتشارهم :
لقد انتشر هذا المذهب الرديء انتشاراً واسعاً، وسبب ذلك يعود –فيما يظهر لي- إلى أمور من أهمها:
1- جهل كثير من المسلمين بحقيقة دينهم الإسلامي.
2- وإلى جهلهم بحقيقة مذهب الرافضة.
3- وإلى نشاط هؤلاء الروافض في نشره بشتى الوسائل.
وقد اغتر بهم كثير من المسلمين متناسين أو جاهلين أنه لا فائدة للإسلام أو للمسلمين من شخص يدعي الإسلام ثم يلعن الصحابة ويكفرهم ويحكم عليهم بالردة، ويرى بأن القرآن فيه تحريف وزيادة ونقص، ثم ينتظر المهدي الذي يأتي ويسفك دماء أهل السنة بدون رحمة، كما قرروه في كتبهم تنفيساً عن أحقادهم عليهم.
أهم الأماكن التي انتشر فيها هذا المذهب :
... 1- إيران: وهو المذهب الرسمي للدولة، وقد أعلن الخميني في دستورهم أن دين الدولة يقوم على المذهب الجعفري.
... 2- العراق.
3- الهند.
4- باكستان.
وفي هذه البلدان أعداد منهم، وقد انبثوا في بقاع من سوريا ولبنان ودول الخليج، وكثير من البلدان الإسلامية مستغلين غفلة أهل السنة.
ولم أثبت هنا أعدادهم في تلك البلدان لعدم اقتناعي بصحة تلك الأعداد التي تذكر عنهم؛ لما يحصل في الغالب من مغالطات في ذكر عدد نسبة السنة أو الشيعة في أي بلد لأغراض سياسية ودعائية.
7- فرق الاثني عشرية وانقسامها:(44/242)
انقسمت الشيعة الاثنا عشرية إلى فرق كثيرة(119)، من أهمها وأشدها خطراً وأكثرها نفوذاً وشوكة وتأثيراً في المجتمع الشيعي، ومن أشدها نشاطاً في دعوى ظهور المهدي: الشيخية و الرشتية، بغض النظر عن الخلاف بينهم وبين الاثني عشرية.
1-الشيخية:
قال الألوسي: وقد يقال لهم الأحمدية (120)، وهي طائفة تنتسب إلى رجل يقال له الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي البحراني، المولود سنة 1166هـ، والمتوفى سنة 1243هـ ، وهو شيخ ضال ملحد، له آراء كفرية وزندقة ظاهرة، ومهد السبيل بآرائه لظهور ملاحدة جاءوا بعده.
وأما بالنسبة للشيعة فقد مجدوه، وذكروا له ألقاباً هائلة من التبجيل والتعظيم، فأطلقوا عليه –كذباً وزوراً- ترجمان الحكماء، لسان العرفاء، غرة الدهر، فيلسوف العصر ...إلخ.
وقد عاش الإحسائي كاتباً ومدرساً في مدن الشيعة الهامة، مثل كربلاء و طوس وغيرهما من البلدان، ونشر أفكاره ومعتقداته الضالة، وكون له أتباعاً كان لهم أثر في قيام حركات أخرى كالبابية والبهائية.
أهم معتقداته:
1- زعم أن الله –تعالى عن قوله- تجلى في علي وفي أولاده الأحد عشر، وأنهم مظاهر الله، وأصحاب الصفات الإلهية، وهي عقيدة حلولية مستمدة من عقائد البراهمة وغلاة الصوفية.
2- أرجع وجود هذا الكون وما فيه إلى وجود الأئمة، وأنهم هم العلة المؤثرة في وجوده إذ لولاهم ما خلق الله شيئاً، وبمثل هذا قال الغلاة عبارتهم المشهورة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم – بما لا يرضاه-: ((لولاك لولاك ..لما خلقت الأفلاك))وهو غلو فاحش يجب التوبة منه.
3- وزعم في محمد بن الحسن العسكري المهدي المزعوم عند الشيعة مزاعم غريبة، منها أن المهدي المذكور يتجلى ويظهر في كل مكان في صورة رجل يكون هو المؤمن الكامل، أو الباب إلى المهدي، وتحل فيه روح المهدي، ثم ادعى لنفسه وجود هذه الصفة فيه، وضلل كثيراً ممن سار على شاكلته إلى أن هلك.(44/243)
2-الرشتية:
وبعد هلاك الشيخ أحمد الإحسائي قام بأمر الشيخية أحد تلامذته وخريجيه، ويسمى كاظم الحسنى الرشتي(121) سنة 1242هـ .. ونهج نفس المنهج والطريق التي عليها سلفه في كثير من المسائل، وخالفه في أخرى، إلا أنه زاد الطين بلة حين: إنه حل فيه روح الأبواب كما حل في الإحسائي، ولكن آن الأوان لانقطاع الأبواب ومجيء المهدي نفسه.
ومن هنا بدأ يلتمس ظهور المهدي، وهو في الحقيقة إنما بحث عن صيد فوجده، حيث وقع اختياره على شخصية من تلاميذه ليجعل منه المهدي المنتظر بعد أن لمس أن هذه الدعوى يمكن أن تجد لها أتباعاً.
وقد نشر الرشتي مذهبه الفاسد حتى صارت له أماكن كثيرة وأتباع كثيرون من شيعة إيران وعربستان وأذربيجان والكويت، وانتشرت أفكاره أيضاً في الهند وباكستان، وافتتحت فيهما مراكز كثيرة، وتأتيهم المساعدات من تلك الأماكن التي وصل انتشار الشيخية إليها.
وهناك فرقة أخرى هي محل نظر في إلحاقها بالشيعة الاثني عشرية أو الصوفية، وتسمى النوربخشية نسبة إلى رجل يسمى محمد نور بخش القوهستاني المولود سنة 795 هـ(122).
* * * * * * * * * * * * * * *
الفصل السابع
إيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للرافضة
للرافضة آراء اعتقادية كثيرة لا يتسع المقام هنا لبسطها، إلا أننا سنقتصر في دراستنا لآرائهم على أهم المسائل الاعتقادية عندهم، والتي كان لها أثر هام في تباعدهم عن هدي الكتاب والسنة، وطريقة أهل الحق، وسنقتصر على المسائل الآتية على سبيل الإيجاز:
قصر استحقاق الخلافة في آل البيت. علي وذريته رضي الله عنهم، وأنها كانت بنص من النبي صلى الله عليه وسلم فيهم.
دعواهم عصمة الأئمة والأوصياء.
تدينهم بالتقية.
دعواهم المهدية.
ودعواهم الرجعة.
موقفهم من القرآن الكريم.
موقفهم من الصحابة.
القول بالبداء على الله تعالى.(44/244)
وتوجد لهم آراء أخرى –كما ذكرنا- مثل دعوى النبوة في بعض من يتشيعون لهم... ومثل القول بالتناسخ والحلول، وغير ذلك. وهذه الآراء – الظاهر سقوطها وبطلانها- توجد في فرقهم القديمة والحديثة، وقد تخرج بعض فرقهم عن رأي وتلتزم بآخر لايقل عنه سوءاً وضلالاً إلا من اعتدل منهم، كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق وهم قليل.
أولاً: موقفهم من الخلافة والإمامة:
هذه القضية هي الشغل الشاغل لهم، وهي مركز بحوثهم، ومن أهم الأسس لعقيدتهم، وأكثر المسائل الفرعية ترجع إليها، وأهم ما يدور من الخلاف بينهم وبين أهل السنة، أو فيما بينهم إنما يدور حولها.
ويعتبر الشيعة الإمامة وتسلسلها في آل البيت ركناً من أركان الإسلام، ويعتقدون أنها منصب ثبت من عند الله تعالى، يختار الله الإمام كما يختار الأنبياء والمرسلين.
و الاثنا عشرية يحصرونها في علي وفي أولاده، ولا يصححونها في غيرهم.
وفيما يلي نستعرض أهم آرائهم فيها:
1- الإمام له صلة بالله تعالى من جنس الصلة التي للأنبياء والرسل(123):
روى الكليني عن أبي عبد الله أنه قال: ((أشرك بين الأوصياء والرسل في الطاعة))(124).
وفي هذا يروي الكليني في كتابه الكافي: ((أن الحسن بن العباس المعروفي كتب إلى الرضا يقول له: ((جعلت فداك، أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام؟)).
قال: فكتب أو قال: ((الفرق بين الرسول والنبي والإمام، أن الرسول هو الذي ينزل عليه جبريل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي، وربما رأى منامه نحو رؤيا إبراهيم، والنبي ربما سمع الكلام، وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص))(125).(44/245)
أي أن الإمام- حسب هذا الكلام- يوحى إليه، وهذا خلاف ما يعتقده المسلمون من انقطاع الوحي بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الشيعة –وهم يقررون أن رتبة الإمام لا يصل إليها ملك مقرب ولا نبي مرسل –كما ادعى الخميني في هذا العصر(126)-لا يمنعهم مانع من هذا الادعاء.
2- الإيمان بالإمام جزء من الإيمان بالله:
((روى أبو حمزة قال: قال لي جعفر ع: إنما يعبد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً.
قلت: جعلت فداك .فما معرفة الله؟
قال: تصديق الله عز وجل، وتصديق رسوله –ع- وموالاة علي –ع- والائتمام به وبأئمة الهدى ع، والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم... هكذا يعرف الله عز وجل))(127).
ومن الذي أخبرهم أن معرفة الله لا تكفي بدون معرفة الإمام؟! ومتى كانت معرفة أهل البيت من أركان الإيمان بالله تعالى؟!
3- حرفوا معاني القرآن الكريم إلى هواهم في الأئمة، ومن ذلك:
أ- تفسيرهم لقول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} النور: الإمام علي والأئمة من بعده، كما فسره أبو عبد الله –حسب زعم الكليني (128).
ب- تفسيرهم لقول الله عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ** وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}(129) الحسنة: معرفة الولاية وحب آل البيت، والسيئة إنكار الولاية وبغض آل البيت، كما فسرها علي بن أبي طالب لعبد الله الجدلي، كما يزعم الكليني (130).
ج- تفسيرهم لقول الله عز وجل: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}(131) أي إمام يهديهم ابتداءً بعلي وانتهاءً بالمهدي(132).
إلى غير ذلك من الآيات التي فسروها بمثل هذه المعاني الباطلة في كتبهم المعتبرة، وأهمها الكافي.(44/246)
4- زعموا في الأئمة أنهم هم الذين جمعوا القرآن كله كما أنزل(133) ولا يعترفون بغير ذلك، وجحدوا جهود الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه، وأبيِّ بن كعب، وغيرهما من خيار الصحابة رضي الله عنهم.
5- الأئمة عندهم اسم الله الأعظم(134) ، وعندهم الجفر وهو وعاء من أدم – فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، وعندهم مصحف فاطمة، وفيه مثل قرآننا ثلاث مرات، وليس فيه من قرآننا حرف واحد(135)، وأن الأئمة لا يموتون إلا بمشيئتهم واختيارهم (136).
6- وأن الإمام إذا مات لا يغسله إلا الإمام الذي يليه، وهو أكبر أولاده(137).
ومن خرافاتهم في خلق الإمام من الإمام ما يرويه يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله أنه قال: ((إن الله عز وجل، إذا أراد أن يخلق الإمام من الإمام بعث ملكاً وأخذ شربة من ماء تحت العرش، ثم أوقعها أو دفعها إلى الإمام فشربها، فيمكث في الرحم أربعين يوماً لا يسمع الكلام، ثم يسمع الكلام بعد ذلك.
فإذا وضعته أمه بعث الله إليه ذلك الملك الذي أخذ الشربة فكتب على عضده الأيمن ((وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته)). فإذا قام بهذا الأمر رفع الله له في كل بلدة مناراً ينظر به إلى أعمال العباد(138). وهذا منتهى الكذب فلا يعلم بأعمال العباد إلا الذي خلقهم، وهذا المنار المزعوم لا وجود له إلا في أذهانهم.
وإذا كانت هذه الرواية في الكافي، فإن رواية أخرى هي أيضاً في نفس هذا الكتاب تناقض هذه الرواية حيث تقول: ((روى غير واحد من أصحابنا أنه قال –أي جميل بن دراج-: لا تتكلموا في الإمام فإن الإمام يسمع الكلام وهو في بطن أمه))(139). إلى آخر ترهاتهم ومبالغاتهم الباطلة في الأئمة.(44/247)
وجميع العقلاء –وعلى رأسهم أهل السنة- يعرفون أن الخليفة إنسان ككل الناس، يولد كما يولدون، ويعلم أو يجهل كما يعلمون ويجهلون، ليس له مزية إلا أن كفايته وأخلاقه جعلت الناس يختارونه لتنفيذ الأحكام فيما بينهم، فإذا جار وخرج عن حكم الله متعمداً فلا طاعة له.
أما عند الشيعة فالخير ما فعله الإمام، والشر ما تركه أياً كان ذلك.
ومعلوم أن عقيدتهم في الإمام تشل الفكر وتميته وتعطي للحاكم سلطة لا حد لها ولا حصر، فالعدل ما حكم به مطلقاً، والجور ما لم يحكم به بغض النظر عن صواب الحكم أو خطئه، فهم المشرعون وهم الحاكمون، والله عز وجل حين قال: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً...}(140)لم يشمل تشريعات الأئمة حسب معتقد هؤلاء، حيث جاء هؤلاء الأئمة بتشريعات- حسب ما يروونه عنهم- لم يأت بها الشرع من قبل.
والشيعة حين قصروا استحقاق الخلافة في علي رضي الله عنه وفي الأئمة من بعده تلمسوا لهم شبهاً كثيرة ودعاوى مردودة، على أن ما ذهبوا إليه هو الصواب كما يرون(141). نذكر منها ما يلي:
1- قالوا: إن أمر الإمامة لا يحتمل عدم البيان، والرسول صلى الله عليه وسلم بعث لرفع الخلاف، فلا يجوز أن يترك بيان الإمام الذي يليه إلى اختلافات الناس واجتهاداتهم (142).
2- يستدلون ببعض الروايات الواردة في فضائل علي رضي الله عنه ومن ذلك:
أ - ((من كنت مولاه فعلي مولاه))(143).
ب - ((أقضاكم علي)) (144).
ج - ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) (145) زاد الرافضة في الحديث ((إنه لا ينبغي أذهب إلا وأنت خليفتي)) (146).
3- استدلوا ببعض الاستنباطات من وقائع يزعمون أنها كانت من النبي صلى الله عليه وسلم تشير إلى خلافة علي منها:(44/248)
أ- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر على علي أحداً من الصحابة، فحيثما انفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أو سفر كان هو الأمير (147).
ب- أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل علياً بسورة براءة ليقرأها على الناس في الحج مع أن أمير الحج هو أبو بكر رضي الله عنه حينئذ، فأرجعه كما يزعم عبد الواحد الأنصاري (147).
والواقع أن فضائل الإمام علي مما يتباهى به أهل السنة، ويحرصون على ذكرها، إلا أنه ليس فيما ذكره الرافضة من الأخبار ما يدل صراحة على ما زعموه .
فأما قولهم: إن أمر الإمامة لا يحتمل عدم البيان، وأن الرسول بيّنه –فصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّنه بمقدمات كثيرة، تدل على استخلافه لأبي بكر، وإن كان هناك خلاف بين أهل السنة هل بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم خلافة أبي بكر بالنص الصريح أو الإشارة، إلا أن أسعدهم بالدليل من قال إنها ثبتت بالنص والإشارة معاً.
ومن ذلك ما جاء عن جبير بن مطعم عن أبيه قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه.
قالت: أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ كأنها تقول الموت.
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن لم تجديني فأت أبا بكر))(148).
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر))(149).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ((ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى: ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) (150).(44/249)
وأحاديث أخرى كثيرة عرف منها الصحابة أحقية الصديق بالخلافة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس للشيعة في دفعها إلا الكذب والبهتان، وليس معهم أي دليل عن علي رضي الله عنه ثابت يدعي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على استخلافه، كما شهد بذلك المنصفون من الشيعة أنفسهم في كتبهم(151) . ولو قال علي ذلك لما كذبه أحد من الناس، وكان علي يعلم أن الخلافة ليست بالوراثة، وإنما تكون إذا اجتمع رأي أهل الحل والعقد من المسمين على اختيار من يتولى الخلافة، ثم تعقب ذلك المبايعة العامة في المسجد.
وقد رد على من قال له: استخلف علينا –كما يرويه ابن كثير – فقال: لا، ولكن أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن يرد الله بكم خيراً بجمعكم على خيركم كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم(152).
والشاهد في هذا النص أن علياً لم يذكر نصاً من الرسول صلى الله عليه وسلم على ولايته، وفيه شاهد أيضاً على اعترافه بفضل أبي بكر رضي الله عنه.
ويزيد هذه الحقيقة وضوحاً ما ورد أن ابن العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم طلب إلى علي أن يتحدث ويطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ليوصي لبني هاشم بالخلافة، أو يوصي بهم الناس فأبى علي ذلك وقال: ((إنا والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم))(153).
وهذا يدل على بعد نظره وقوة فهمه رضي الله عنه، فلو كان يعلم نصاً في ذلك لما تردد في إعلانه، وقد دعت الضرورة إليه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت عنه، بل أعلن على منبر الكوفة أمام جمهور أتباعه أن الخلفاء الثلاثة من قبله هم أفضل هذه الأمة بعد نبيِّها صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته)).(44/250)
وعنه أنه قال نازل من المنبر )) ثم عثمان ثم عثمان )) (154)
وحينما تمت مبايعة الحسن بعد استشهاد الإمام علي لم يذكر فيها تصريحاً ولا تلميحاً أن هناك نص من أبيه على مبايعته ، وإنما كان أول من تقدم لمبايعته قيس بن سعد بن عبادة قائلا له :(( ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه))فسكت الحسن فبايعه ثم بايعه الناس بعده (155).
ولو أن الحسن يعرف نصا على استخلافه لما جاز له ترك الخلافة ولا السكوت عن إخبار الصحابة به وإعلامهم بحقيقة الأمر ليخرج أقل ما يقال من إثم الكتمان ، إذا أغفلنا النظر عن حقيقة هامة وهي أنه كان من الذين لا يخافون في الله لومة لائم .
وإذا كان الحسن قد تنازل عن الخلافة لمصلحة المسلمين وحقن دمائهم ، فإنه من الكذب أن يقال أنه أوصي للحسين من بعده ، فكيف يوصي بها للحسين وقد تنازل عنها ، وصارت حقاً لغيره ، وإذا كان هو زهد عنها وكرهها ، فكيف يرضاها لأحد من أهل بيته ؟
وإذا كان تنازله عنها لحقن الدماء أفيوصي بسفكها بعد موته؟
إضافة إلى أنه لا يوجد لأحد من أهل البيت نص ثابت يدل على دعوى ثبوت الخلافة فيهم، لا عن الحسن، ولا عن الحسين، ولا عن غيرهما من أهل البيت لا فيهم، ولا في غيرهم، وقد وجد من المسلمين من كانت له ميول قوية في إسناد الخلافة إلى من يصلح من آل البيت خصوصاً حينما أسندت إلى بعض بني أمية الذين ما كانوا في المنزلة المرضية بمقارنة بعضهم بآل البيت، وتجلى ذلك كثيراً حينما تولى الخلافة يزيد مع وجود الحسين وغيره من كبار آل البيت.(44/251)
ثم ما كان لبعض الولاة من الأمويين من معاملة سيئة لبعض أهل البيت.إضافة إلى تلك الطريقة التي كان يتم بها نقل الخلافة دون اختيار ولا مشورة، ومع ذلك كله فإنه لم يزعم أحد من بني هاشم أن لديه أيّ نص من الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي يعطي له ولبنيه الحق في تولي هذا الأمر من بعده أو توارثه في أعقابهم ولا أعقاب أعقابهم، كما قرره علماء الشيعة.
ومما لا شك فيه أن الأحداث السيئة التي تلاحقت بآل البيت خصوصاً استشهاد الحسين مما أثار في النفوس تعاطفاً قوياً نحو آل البيت، وقد ظهر هذا التعاطف في كثير من الأمور أنه كان لمصلحة بعض المغامرين الذين يتطلعون إلى تحقيق أهداف لهم، كما فعل المختار وغيره ممن تظاهر بالتشيع وحب أهل البيت ليصل إلى غرضه من أقرب الطرق.
وأما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فجوابه أن هذه الولاية لا تستلزم الولاية العامة بمعنى الإمارة. فقد وردت نصوص كثيرة فيها إثبات موالاة المؤمنين بعضهم لبعض في كتاب الله تعالى وسنة نبيه، وأن المؤمنين أولياء لله، وأن الله وملائكته والمؤمنين موالي رسوله.
كما أن الله ورسوله والذين آمنوا أولياء المؤمنين، وليس معناه أن من كان ولياً لآخر كان أميراً عليه دون غيره، وأنه يتصرف فيه دون سائر الناس، قال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }(156) وقال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ }(157){وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}(158).(44/252)
وولاية علي رضي الله عنه واجبة على كل أحد، من جنس موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً، فكل من كان الرسول صلى الله عليه وسلم مولاه فعلي مولاه ولا شك، فالذي لا يتولى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون ولياً لعلي رضي الله عنه، ولم يكن المراد من الحديث من كنت مولاه أي أميراً عليه فعلي مولاه أي أميراً عليه؛ لأن معناه لا يوحي بهذا.
وأما استدلالهم بحديث: ((أقضاكم علي)) فالجواب أنه على فرض صحته ليس فيه نص على الخلافة لعلي، فإن معرفة الإنسان بشيء لا يلزم أن يكون هو المتولي له، فلا يلزم من معرفة الشخص للقضاء أن يكون هو الحاكم أو الخليفة للمسلمين.
وصحيح أن معرفة القضاء أمر مهم في الحكم إلا أنه ليس من شرط الإمامة أن يكون أعلم الناس بالقضاء، وقد جاء في القرآن الكريم أن داود عليه السلام كان هو الخليفة، ومع ذلك خفي عليه إصابة الحكم في بعض القضايا، وفهمها سليمان كما أخبر الله بذلك في قصة التحاكم في الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم: {ففهمناها سليمان} (159)ولم يوجب هذا الموقف أن يكون سليمان هو الخليفة في عهد أبيه.
ولو كان الحديث يؤدي إلى ما فهم الشيعة لوجب على الناس تغيير الحكام باستمرار كلما وجد شخص أعرف من غيره.
وأما استدلالهم بحديث: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)).
فالجواب أن هذا الحديث ليس فيه نص على إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن هارون لم يكن هو خليفة موسى فقد مات قبله.
وسبب الحديث يوضح مراد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أراد أن يتوجه إلى تبوك ترك علياً في المدينة للنظر في أمور المسلمين، فقال بعض المنافقين في المدينة: إنما خلف علياً لأنه يستثقله ولا يحبه.(44/253)
فلما علم علي بذلك أخذ سيفه ولحق بالرسول وهو نازل بالجرف(160)، وأخبره بقول المنافقين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى))، فبين له أن استخلافه على المدينة لم يكن لاستثقاله كما زعم أولئك، وإنما كان استخلافه كاستخلاف موسى لهارون حينما ذهب موسى لميقات ربه، ولم يستخلف موسى هارون بغضاً له أو استثقالاً، كما أن الحنان الذي كان بين موسى وهارون يوجد مثله بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه، وهذا بعيد عن الخلافة والولاية، وإنما هو من الرسول صلى الله عليه وسلم كهارون من موسى في الوصية له ووجوب احترامه ومعرفة فضله.
وأما استدلالهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤمر على أبي بكر وعمر غيرهما من الصحابة، ولم يؤمر على علي أحداً. فجوابه:
فجوابه :
1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ولّى أبا بكر أموراً كثيرة لم يشركه فيها أحد، مثل ولاية الحج والصلاة بالناس، وغير ذلك.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ولى من هو بإجماع أهل السنة والشيعة من كان عنده دون أبي بكر مثل عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة، وخالد بن الوليد، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك ولاية أبي بكر في بعض الأمور لكونه ناقصاً عن هؤلاء.
وقد ولى الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة كما ولى غيره في بعض أمره فلم ينفرد علي رضي الله عنه بالولاية.
ربما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم ولايته في بعض الأمور لأن بقاءه عنده أنفع له منه في تلك الولاية، وحاجته إليه في المقام عنده وغناه عن المسلمين أعظم من حاجته إليه في الولاية.(44/254)
وأما إرساله –صلى الله عليه وسلم- لعلي بسورة براءة فلم يكن ذلك لرد أبي بكر عن ولاية الحج، ولكن أردفه لينبذ إلى المشركين عهدهم، وقد كانت عادتهم ألا يعقد العقود ولا يحلها إلا المطاع المسؤول العام، أو رجل من أهل بيته فقط، وعلي له هذه القرابة.
وأيضاً كان علي يصلي خلف أبي بكر كسائر أهل الحج. ومن قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل علياً لرد أبي بكر عن إمارة الحج فقد كذب باتفاق أهل العلم، فإن المهمة التي كلف بها عليّ إنما هي تنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في إخبار المشركين بنبذ العهد الذي بينهم وبين المسلمين كما أمر الله تعالى(161).
ثانياً: دعواهم عصمة الأئمة والأوصياء:
هذه إحدى خرافات الشيعة في أئمتهم فقد ادعوا عصمتهم من كل الذنوب والخطايا، الصغائر والكبائر، لا خطأ ولا نسياناً منذ طفولتهم إلى نهاية حياتهم وجوباً لا شك فيه.
سبب ذلك:
وعند البحث عن سبب هذا الاعتقاد الذي جعلهم ينزلون أئمتهم هذه المنزلة المستحيلة، نجد أن الذي حملهم على ذلك هو أن العصمة عندهم شرط من شروط الإمامة(162)، ثم رفعوا أئمتهم وغلوا فيهم غلواً فاحشاً إلى أن اعتبروهم أفضل من الأنبياء، لأنهم نواب أفضل الأنبياء (163) .
ثم زادوا فادعوا لهم أنهم يعلمون الغيب(164)، وأن جزءاً إلهياً حل فيهم وإذا كان الأمر كذلك فالعصمة أمر طبيعي أن توجد فيهم.
إضافة إلى ذلك قالوا: إن تنصيب الإمام إنما شرع من أجل جواز الخطأ على غير الأئمة، فلو جاز الخطأ على الإمام وهو الهادي إلى الحق لاحتجنا إلى هاد آخر، وهذا الهادي يمكن أن يلحقه الخطأ فيحتاج إلى هاد آخر، وهكذا فيلزم التسلسل فقطعاً للتسلسل ينبغي أن يكون كل إمام من أولئك معصوماً في وقته – حسب زعمهم- حتى يؤمن على حفظ الشريعة، وإلا احتجنا إلى حافظ آخر، إذ كيف يؤتمن على الشريعة شخص معرض للخطأ (165).(44/255)
كذلك من الأسباب أيضاً في استنادهم في القول بعصمتهم إلى ما يزعمونه من النصوص عن أئمتهم، فقد نقل الكليني –فيما يكذب الشيعة على آل البيت- أن جعفر الصادق قال: ((نحن خزان علم الله، ونحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله بطاعتنا ونهى عن معصيتنا.. نحن حجة الله البالغة على من دون السماء وفوق الأرض)) .
وفي رواية أنه قال لرجل اسمه سدير حين سأله بقوله: جعلت فداك، ما أنتم؟ قال: نحن خزان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض(166) .
وادعاء الشيعة لأئمتهم علم الجفر هو غلو آخر منهم، وهو عبارة عن العلم الإجمالي بلوح القضاء والقدر والمحتوي على كل ما كان وما يكون كلياً وجزئياً، وأنه علم يتوارثه أهل البيت ومن ينتمي إليهم، ويأخذ منهم المشائخ الكاملون، وكانوا يكتمونه كل الكتمان.
ويذكر الجرجاني أن الجفر والجامعة كتابان ذكر فيهما على طريقة الحروف والحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم كما يدعي هؤلاء الغلاة.
وقيل: إن الجفر كتاب وضعه جعفر الصادق، وهو مكتوب على جلد الجفر لأخبار أهل البيت.
وقال ابن خلدون: إن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد العجلي كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق، وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم، وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب فيه، لأن الجفر في اللغة هو الصغير، وهذا لا شك من الكذب الذي اختلقه غلاة الشيعة في أئمتهم، فإنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، ولم يكتب الله لأحد علم المغيبات.(44/256)
ولقد جاء الكليني بالغرائب عن أبي عبد الله تحت باب سماه هكذا: ((باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام))(167) حيث عرَّف بالصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة في حديثه الآتي: ((عدة من أصحابنا ... عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله فقلت له: جعلت فداك، إني أسألك عن مسألة، ههنا أحد حتى يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله ((ع))ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه، ثم قال: يا أبا محمد، سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك، إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّم علياً باباً يفتح له منه ألف باب؟ قال: فقال: يا أبا محمد علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً ((ع)) ألف باب، يفتح من كل باب ألف باب.
قال: قلت: هذا والله العلم.
قال: فنكت ساعة في الأرض، ثم قال: إنه لعلم، وما هو بذلك.
قال: ثم قال: يا أبا محمد، وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟
قال: قلت: جعلت فداك، وما الجامعة؟
قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله، وإملائه من فلق فمه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش. وضرب بيده إلي وقال: أتأذن لي يا أبا محمد؟ قال: جعلت فداك، إنما أنا لك فاصنع ما شئت.
قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا، كأنه مغضب.
قال: قلت: وهذا والله العلم.
قال: إنه لعلم وليس بذاك. ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر؟
قال: قلت: وما الجفر؟
قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني اسرائيل.
قال: قلت: إن هذا هو العلم.
قال: إنه لعلم، وليس بذاك. ثم سكت ساعة. ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة (ع) ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟
قال: قلت: وما مصحف فاطمة (ع)(44/257)
قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات،و الله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.
قال: قلت: هذا والله العلم.
قال: إنه لعلم، وما هو بذاك. ثم سكت ساعة، ثم قال: إن عندنا علم ما كان، وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.
قال: قلت: جعلت فداك. هذا والله هو العلم.
قال: إنه لعلم، وليس بذاك.
قال: قلت: جعل فداك، فأي شيء العلم؟
قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة(168).
ثم أورد روايات أخرى كثيرة، ولا نملك إزاء هذه الخرافات إلا أن نقول: {سبحانك هذا بهتان عظيم} (169).
ولا تستغرب أيها القارئ الكريم حين يتحدثون ويكذبون على أبي عبد الله، فقد كذبوا حتى على حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم عفير، حيث أورد الكليني في ذلك رواية طويلة قال في آخرها:
إن حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم عفير كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي، إن أبي حدثني عن أبيه، عن جده، عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة، فقام إليه نوح فمسح على كفله، ثم قال يخرج من صلب هذا الحمار، حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم...فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار.(170)
وكانت نهاية هذا الحمار فيما يذكر الكليني أنه حين مات الرسول صلى الله عليه وسلم قطع الحمار خطامه، ثم فر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها، فكانت قبره.
إنهم لا يتورعون عن الحديث حتى على الحيوانات فما بالك بأئمتهم؟
ومن كلام الخميني –وهو أحد أئمتهم في هذا العصر- قوله عن هذه الخرافة: ((نحن نفخر بأن أئمتنا هم الأئمة المعصومون، بدءاً من علي بن أبي طالب وختماً بمنقذ البشرية الإمام المهدي صاحب الزمان، عليه وعلى آبائه التحية والسلام، وهو بمشيئة الله القدير حي يراقب الأمور))(171).(44/258)
وقد أعان الله على الكاذب بالنسيان –كما يقال- إذ توجد لهم روايات في كتبهم يخبرون فيها عن بعض أهل البيت من الأئمة، وفيها اتهامات لهم وذم في مقابل ذلك الغلو فيهم فيصفونهم أحياناً بقلة العلم، وأحياناً أخرى بالغفلة والتناقص في أفكارهم أيضاً؛ بل ويصفونهم بصفات شنيعة مما يكذب هذه العلامات والشروط التي تصوروا وقوعها في كل إمام من أئمتهم.
قال الطوسي في ذم جعفر بن علي بعد سباب كثير له قال فيه: ((وما روي فيه وله من الأقوال والأفعال الشنيعة أكثر من أن تحصى ننزه كتابنا عن ذلك))(172).
ثم انظر تفضيل الخميني لإيران في عصره على الحجاز في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الكوفة والعراق في عهد علي رضي الله عنه، حيث قال: ((إنني أقولها بجرأة: إن شعب إيران بجماهيره المليونية في العصر الحاضر هو أفضل من شعب الحجاز، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشعب الكوفة والعراق على عهد أمير المؤمنين والحسين بن علي)) (173).
إبطال ما ادعته الشيعة من عصمة أئمتهم:
أما اعتقادهم خوف وقوع الخطأ من الإمام لو لم يكن معصوماً، فإنه من المعلوم عند الناس أن المقصود من تنصيب الإمام هو تنفيذ الأحكام ودرء المفاسد، وحفظ الأمن والنظر في مصالح العامة وغير ذلك، وليس من شرط بقائه في الحكم أن يكون معصوماً. ولم يطالبه الشرع بإصابة عين الحق حتما في كل قضية، وإنما المطلوب منه أن يتحرى العدل بقدر الإمكان، ولا مانع بعد ذلك أن يخطئ ويصيب كبقية الناس.
وادعاؤهم أنه لا يجوز عليه الخطأ يكذبه العقل والواقع.
وكذلك زعمهم أنه لا بد من إمام معصوم للناس، فإنه لا يكفي إمام واحد فإن البلدان متباعدة، ووجود إمام واحد في كل عصر لا يكفي للجميع، فوجب إذاً أن يكون في كل بلد إمام معصوم يباشر الحكم بنفسه وإلا هلك الناس، ولا يجوز له أن ينيب أحداً مكانه لجواز الخطأ عليه، وفي هذا من العنت ما لا خفاء فيه.(44/259)
ولو طلب من هؤلاء الشيعة الذين يدّعون عصمة أئمتهم أن يأتوا بدليل واحد من القرآن أو السنة النبوية أو عن الصحابة، أو عن إجماع الأمة لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، إذ القرآن الكريم لم يصرح بعصمة أحد، بل أثبت أن المعصية من شأن الإنسان، فإنه قد صدرت من آدم الذي هو أبو البشر، وأخبر عن موسى بأنه قتل، وعن يونس أنه ذهب مغاضباً.
وفيه عتاب من الله تعالى لبعض أنبيائه ورسله بسبب تصرفات صدرت منهم.
وورد في السنة النبوية ما يشير إلى ذلك في وقائع صدرت من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ }(174) ، وما ورد في عتابه عن أخذهم الفداء من أسارى معركة بدر، وغير ذلك مما هو معروف في الكتاب والسنة وأقوال علماء الإسلام.
ومن العجيب أنه قد صدح كل الأئمة بعدم عصمتهم في كثير من المناسبات، ثم يروي الشيعة بعض ذلك في كتبهم، ثم لا يأخذون بها.
روى الكليني في باب التسليم على النساء، عن علي رضي الله عنه أنه كان يكره التسليم على الشابة منهن ويقول:((أتخوف أن يعجبني صوتها، فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر ))(175).
وكان يقول لأصحابه: ((لا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدل فإني لست آمن أن أخطئ))(176).
ورووا كذلك أن الحسين بن عليّ بن أبي طالب كان يبدي الكراهية من صلح أخيه الحسن مع معاوية، ويقول: ((لو جز أنفي كان أحب إلي مما فعله أخي))(177).
ومن المعلوم أنه إذا خطأ أحد المعصومين الآخر ثبت خطأ أحدهما بالضرورة، فأين العصمة بعد ذلك؟
ثم أن دعوى عصمة أحد من الناس –إلا ما ورد فيه الخلاف في عصمة الأنبياء- دعوى تعارض الطبيعة البشرية المركبة من الشهوات، كما أنه لا يمدح الإنسان لأنه معصوم، بل يمدح لأنه يجاهد نفسه على فعل الخير كما أخبر الله بذلك في أكثر من موضع من كتابه الكريم.(44/260)
ولهذا رتب الله الجزاء على حسب قيام الشخص بما كلفه الله به، وأعطاه القدرة والإرادة ليكون بعد ذلك طائعاً أو عاصياً، فاعلاً أو تاركاً، ولو عصم الله من المعاصي أحداً –غير الأنبياء- لما كان للتكليف معنى، بل حتى الأنبياء كلفهم الله تعالى ولم يرفع الله عن أحد التكليف وامتثال أمره ونهيه، ما دام الشخص في كامل عقله وصحته، ولو لم يكن الإنسان محلاً للطاعة والعصيان لما كان للتكليف معنى.
ثالثاً: تدينهم بالتقية:
التقية في اللغة يراد بها الحذر. يقال توقَّيت الشيء أي حذرته.
والتقية في مفهوم الشيعة معناها أن يظهر الشخص خلاف ما يبطن.
أي أن معناها النفاق والكذب والمراوغة والبراعة في خداع الناس، لا التقية التي أباحها الله للمضطر المكره (178) .
وقد ذمهم في هذا الموقف بعض علمائهم الذين يحبون الإنصاف، فهذا الدكتور موسى الموسوى يقول:
((لقد أراد بعض علمائنا –رحمهم الله- أن يدافعوا عن التقية، ولكن التقية التي يتحدث عنها علماء الشيعة وأمْلَتْها عليها بعض زعاماتها هي ليست بهذا المعنى إطلاقا، إنها تعني أن تقول شيئاً وتضمر شيئاً آخر، أو تقوم بعمل عبادي أمام سائر الفرق وأنت لا تعتقد به، ثم تؤديه بالصورة التي تعتقد به في بيتك)) (179).
ونجد مصداق هذا في أصح الكتب عندهم حيث يروي الكليني عن أبي عبد الله أنه قال: ((خالطوهم بالبرانية، وخالفوهم بالجوانية))(180).
وللتقية عند الشيعة مكانة مرموقة، ومنزلة عظيمة فقد اعتبروها –على حسب المفهوم السابق عندهم- أصلاً من أصول دينهم لا يسع أحداً الخروج عنها، وقد بحثوها في كتبهم كثيراً، وبينوا أحكامها وما ينال الشخص من الثواب الذي لا يعد ولا يحصى ولا يصدق لمن عمل بها، وعامل الناس بموجبها فخدعهم وموه عليهم، وكم تأثر الناس وانخدعوا بحيل هؤلاء الذين جعلوا التقية مطية لهم.
ولبيان منزلة التقية عند الشيعة نورد الأمثلة التالية:(44/261)
1- التقية أساس الدين، من لا يقول بها فلا دين له.
روى الكليني عن محمد بن خلاد قال: سألت أبا الحسن (ع) عن القيام للولاء فقال: قال أبو جعفر(ع): ((التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له))(181) .
وفيما يرويه عن أبي عبد الله أنه قال لأبي عمر الأعجمي: ((يا أبا عمر، إن تسعة أعشار الدين في التقية ، ولا دين لمن لا تقية له )) (182)
بل وصل اعتناؤهم بالتقية إلى حد تأويل الآيات عليها، مثل قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ}(183) قال أبو عبد الله –كما زعم الكليني-:((الحسنة: التقية: والسيئة: الإذاعة)) (184).
2- اعتقدوا أن التقية عز للدين، ونشره ذل له. كما روى الكليني عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله: ((يا سليمان، إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله))(185)
ولا شك أن هذا قلب للحقائق، فإن الله عز وجل طلب من الناس جميعاً نشر العلم وبيانه. وقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }(186) ، وقال الله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}(187).
وقد امتثل الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ربه فلم يكتم من العلم شيئاً، بل وطلب إلى أمته أن ينشروا العلم بكل وسيلة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((بلغوا عني ولو آية)) (188)، وقال: ((نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع))(189).
وقد أثنى الله في كتابه الكريم على الصادقين الشجعان الذين لا يخافون في الله لومة لائم، فقال عز وجل: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}(190)(44/262)
وقال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً}(191)
كما ذم الله تعالى المنافقين المخادعين للناس فقال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (192)
وقال تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}(193).
وليس من هدي الإسلام استحلال الكذب على طريقة الشيعة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله عند الله صديقاً. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً))(194).
3- جعل الشيعة ترك التقية مثل ترك الصلاة تماماً. قال القمي: ((التقية واجبة، من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة))(195). وهذا من أغرب الأقوال، فإن التقية رخصة جعلها الله في حالة الضرورة القصوى، بشرط أن لا يشرح بالكفر صدراً فكيف يعاقب من تركها، بل قال البغوي: ((والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل وسلامة النية، قال تعالى: { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ }(196)، ثم هذا رخصة! فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم (197).(44/263)
4- حدد الشيعة لجواز ترك التقية بخروج القائم من آل محمد (المهدي المنتظر).
قال القمي: ((التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج على دين الله تعالى، وعن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة))(198).
والحقيقة أن من تركها لا يخرج إلا عن دين الإمامية فقط وعن خرافاتها.
5- حرفوا معاني الآيات إلى ما يوافق هواهم، وكذبوا على آل البيت.
قال القمي: ((وقد سئل الصادق عليه والسلام عن قول الله عز وجل:{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }(199) قال: أعلمكم بالتقية))(200) ، أي على هذا التفسير أكرمكم هو أكذبكم على الناس.
6- زعم الشيعة أن المعيار الصحيح لمعرفة الشيعي من غيره هو الاعتقاد بالتقية، وينسبون إلى الأئمة المعصومين- في زعمهم- أنهم هم الذين قالوا هذا الكلام.
فقد رووا عن الحسين بن علي بن أبي طالب الإمام الثالث أنه قال: ((لولا التقية ما عرف ولينا من عدونا)) (201) .
ومعنى هذا أن معرفة خداع الناس، والمبالغة فيه هو الذي يميز الشيعة عن غيرهم.
7- ساوى الشيعة بين التقية وبين الذنوب التي لا يغفرها الله كالشرك.
فرووا عن عليّ بن الحسين الإمام الرابع أنه قال: ((يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين، ترك التقية، وترك حقوق الإخوان))(202).
ولكن الله تعالى قد قال:{إن اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (203)
وهذه المواقف للشيعة تجعل من الصعوبة بمكان التفاهم المخلص بينهم وبين المخالفين لهم –خصوصاً أهل السنة- وذلك أن الشيعي إذا رأى أنه في موقف الضعف لجأ إلى التقية، وفي هذه الحال له من الأجر الذي قدّره الشيعة ما يعادل مصافحته لعلي رضي الله عنه أو الصلاة خلف نبي من الأنبياء (204) كما افتروا على الله وعلى رسوله.(44/264)
وأقرب مثال على عدم حصول التفاهم تلك المحاولات التي قامت للتقريب بين الشيعة وأهل السنة، ثم خابت الآمال وتيقن أهل السنة أنه لا وفاء ولا إخلاص ولا صدق عند أولئك الذين يتعبدون الله بالتقية.
أسباب قول الشيعة بالتقية:
اختلفت كلمة الشيعة في الأسباب الحاملة لهم على التمسك بالتقية واعتبارها أساساً في الدين، وفيما يلي نوجز أهم ما قيل فيها:
1- قالت طائفة: إن التقية تجب للحفاظ على النفس أو العرض أو المال أو الإخوان.
2- وقالت طائفة: إن التقية تجب لأنها فضيلة، والفضائل يجب التحلي بها، وسواء كانت التقية للحفاظ على النفس أو لغير ذلك فهي واجبة في نفسها، وصاحبها أعرف بحاله، بينما روى الكليني عن أبي جعفر أنه قال: ((التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم، فقد أحلّه الله له ))(205).
3- والحق أنهم أوجبوا التقية لظروف أحاطت بهم، ورأوا أن لا خلاص لهم إلا بالاتكاء على دعوى التقية.
ومن ذلك:
أ- أنهم وقفوا على أقوال متضاربة عن الأئمة المعصومين عندهم يختلفون في الشيء الواحد، وتتناقض فيه أقوالهم دون أن يجدوا مبرراً لذلك التناقض؛ فخرجوا من ذلك بدعوى أن ذلك الكلام صدر من الأئمة على سبيل التقية.
وهذه الأقوال أكثرها من أكاذيب رواتهم، ليست من الأئمة الذين عرفوا بالشجاعة والصراحة، كما صرح بذلك أحد علماء الشيعة المنصفين(206).
ب- ومنها ما وجدوه من كلام الأئمة في مدح الصحابة الذين تبرأ منهم الشيعة ويعتبرونهم كفاراً، فزعموا أن ذلك المدح إنما كان تقية.
ومهما كان، فإن التقية التي يراها الشيعة لا يجوز اعتقادها في الإسلام لأنها قائمة على الكذب والخداع.(44/265)
وما رووه عن الأئمة وأنهم كانوا يلجؤون إليها كذب، بل كذَّبوا أنفسهم بأنفسهم حيث يذكرون روايات كثيرة لأناس سألوا بعض الأئمة المعصومين –حسب زعمهم- عن مسائل فأجابوا فيها بجواب، ثم سألوهم بعد مدة فأجابوا فيها بجواب آخر دون أن يوجد أي داع للتقية لصدور تلك الإجابات المختلفة من إمام واحد عن مسألة واحدة بين خاصة الإمام وشيعته وأنصاره كما صرحت بهذا مصادرهم...
وهذا اعتراف منهم بأن الأئمة لا يلجؤون إلى التقية بسبب الخوف وإنما هو بسبب الجهل، ولا شك أن هذا طعن شنيع في أولئك الذين يدعون عصمتهم.
فانظر إلى ما أورده النوبختي عن عمر بن رباح، وما أورده عنه أيضاً الكشّي في رجاله أنه سأل أبا جعفر (ع) عن مسألة فأجاب فيها بجواب، ثم عاد إليه في عام آخر فسأله عن تلك المسألة بعينها فأجاب فيها بخلاف الجواب الأول فقال لأبي جعفر: هذا خلاف ما أجبتني في هذه المسألة العام الماضي، فقال له: إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية فشكك في أمره وإمامته.
فلقي رجلاً من أصحاب أبي جعفر يقال له محمد بن قيس فقال له: إني سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب، ثم سألته عنها في عام آخر فأجابني فيها بخلاف جوابه الأول، فقلت له: لم فعلت ذلك؟ فقال: فعلته للتقية: وقد علم الله أني ما سألته عنها إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به وقبوله والعمل به، فلا وجه لاتقائه إياي وهذه حالي.
فقال محمد بن قيس: فلعلّه حضرك من اتقاه؟ فقال: ما حضر مجلسه في واحدة من المسألتين غيري، لا، ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التبخيت ولم يحفظ ما أجاب به العام الماضي فيجيب بمثله، فرجع عن إمامته وقال: ((لا يكون إماماً من يفتي بالباطل على شيء بوجه من الوجوه ولا في حال من الأحوال، ولا يكون إماماً من يفتي تقية بغير ما يجب عند الله))(207).(44/266)
وما أحسن ما أجاب به سليمان بن جرير الشيعي عن تخليط الشيعة في تمسكهم بالتقية ليجعلوها مخرجاً لأكاذيبهم على أئمتهم، حيث قال كما يرويه عنه النوبختي، وهو من كبار علماء الشيعة:
((إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معها من أئمتهم على كذب أبداً، وهما القول بالبداء، وإجازة التقية. فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون، والإخبار بما يكون في غد، وقالوا لشيعتهم: إنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا، فإن جاء ذلك الشيء على ما قالوه، قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا يكون. فنحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمته الأنبياء، وبيننا وبين الله عز وجل مثل تلك الأسباب التي علمت بها الأنبياء عن الله ما علمت، وإن لم يكن ذلك الشيء الذي قالوا إنه يكون على ما قالوا، قالوا لشيعتهم بدا الله في ذلك بكونه.
وأما التقية، فإنه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب الدين فأجابوا فيها، وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم وكتبوه ودوّنوه، ولم يحفظ أئمتهم تلك الأجوبة بتقادم العهد وتفاوت الأوقات، لأن مسائلهم لم ترد في يوم واحد، ولا شهر واحد بل في سنين متباعدة وأشهر متباينة وأوقات متفرقة.
فوقع في أيديهم في المسألة الواحد عدة أجوبة مختلفة متضادة، وفي مسائل مختلفة أجوبة متفقة، فلما وقفوا على ذلك منهم ردوا إليهم هذا الاختلاف والتخليط في جواباتهم وسألوهم عنه، وأنكروا عليهم، فقالوا: من أين هذا الاختلاف وكيف جاز ذلك؟
قالت لهم أئمتهم: إنما أجبنا بهذا للتقية، ولنا أن نجيب بما أحببنا وكيف شئنا لأن ذلك إلينا، ونحن أعلم بما يصلحكم وما فيه بقاؤكم وكف عدوكم عنا وعنكم، فمتى يظهر من هؤلاء على كذب؟ ومتى يعرف لهم حق من باطل))(208).(44/267)
ولا شك أن هذه الصراحة تامة وشهادة على الشيعة منهم، وهذا التخليط إنما هو إفك علمائهم لا من الأئمة الذين ينتسبون إليهم مثل جعفر الصادق وغيره، وقد حاول محمد صادق آل بحر العلوم المعلق على كتاب النوبختي إيجاد مبررات ورد لهذا القول، لكنها مبررات واعتذارات مثل بيت العنكبوت.
أدلة الشيعة على جواز التقية:
تلمس الشيعة لمبدأ التقية بمفهوم لها نصوصاً حمَّلوها ما لم تحتمله من المعاني التي يعتقدون أنها تؤيد ما يذهبون إليه.
ومن تلك الأدلة التي تمسكوا بها ما ذكره بحر العلوم في تعليقه على فرق الشيعة للنوبختي بقوله: ((التقية مما دل على وجوبه العقل إذا كانت لدفع الضرر الواجب، وقد دل عليه أيضاً القرآن العظيم، ثم نقل عن الطبرسي بعض الآيات يحتج بها (209):
1- قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }(210).
2- قوله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } (211)
3- قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً }(212).
4- قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ }(213) .
وفي هذا يقول محمد مهدي الحسيني الشيرازي عن الشيعة: وهم يرون التقية لقوله تعالى: { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً }(214).(44/268)
والواقع أن استدلالهم بهذه الآيات على التقية التي يرونها استلال خاطئ وهذه الآيات وآيات أخرى كثيرة ليس فيها دلالة للشيعة على التقية التي هي بمعنى الكذب واستحلاله، بل تشير إلى جواز التورية في ظاهر الكلام إذا لزمت الضرورة، كقول إبراهيم عليه السلام: {إِنِّي سَقِيمٌ }(215) أي من عملكم وعبادتكم للأوثان، وليس هو من الكذب بل فيه تعريض لمقصد شرعي كما يذكر العلماء(216) وهو تكسير آلهتهم بعد ذهابهم عنها.
وأما الاستدلال بالآية: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) فإن معناها الأمر بالاتقاء من الكفار.
قال البغوي: ((ومعنى الآية أن الله نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان؛ دفعاً عن نفسه من غير أن يستحل دماً حراماً أو مالاً حراماً، أو يظهر الكفار على عورات المسلمين))(217).
وأما الآية {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ } أي إلا من كان حاله مشرفاً على الخطر، واضطر إلى القول بالكفر فله أن يتقول به من غير أن يعتقد ويعمل به، بل يقول ما فيه تورية ومعاريض مع طمأنينة قلبه بالإيمان، وبحيث لا يشرح صدور الكفار بالمدح الظاهر لهم ولديانتهم، وإنما يلجأ إلى المعاريض التي يكون فيها صادقاً، ولا تؤثر في دينه، كأن يقول لهم إنكم على معرفة، وعندكم تقدم ظاهر، قصوركم عالية وبساتينكم مثمرة، ويريد به أنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون)).(44/269)
قال ابن جرير في معنى الآية، بعد أن ذكر أنها نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه: ((فتأويل الكلام إذن، من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره على الكفر، فنطق بكلمة الكفر بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، موقن بحقيقته، صحيح على عزمه، غير مفسوح الصدر بالكفر، لكن من شرح بالكفر صدراً فاختاره وآثره على الإيمان، وباح به طائعاً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم))(218).
ومن الجدير بالذكر أن هذه التقية الشيعية الباطلة لم يقصروها على الناس فقط بل جوزوها حتى على الأنبياء، وهذا خطأ وخلاف الحق، فإن الأنبياء لا يسلكون التقية التي يريدها الشيعة، ولا تجوز أبداً، فالكذب لا يجوز عليهم، وكتمان الحق وإظهار الموافقة للكفار كذلك لا يجوز لهم، وإلا لما انتشرت دعوتهم، ولما ظهر الخلاف بينهم ويبن أقوامهم، ولما حصل عليهم من المتاعب والأخطار ما حصل مما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم مما لم يكن ليقع أبداً لو استعمل الأنبياء التقية الشيعية المملوءة جبناً ونفاقاً، وحاشا أن يسلكوا ذلك.
وقد يقول بعض الشيعة في احتجاجهم بالسنة: إننا نجد أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يلين القول ويبتسم في وجوه بعض الفسقة والظلمة، وهذا كما يرى هؤلاء تقية.
والواقع أن هذه الأفعال التي صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت من باب المداراة، ومن باب حسن الخلق وتأليف القلوب، مع أنه حصل مثل هذه المواقف لأناس ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف من جانبهم شيئاً حتى يقال إنها تقية منه لهم، ثم لم تكن هذه المداراة في أمور الدين إذ لم يعرف عن أحد من الأنبياء أنه دارى أحداً في دينه، وإنما هو حسن الخلق ومقابلة الناس بالبشر مع تألفهم لأقوامهم، ولا ينافي هذا أن يقع في القلب كراهية ما هم عليه من فجور مع محبة الخير لهم وإرشادهم إليه وبذل النصح لهم بصدق وإخلاص.(44/270)
وفي مختصر التحفة الاثني عشرية فوائد في هذا المعنى، ارجع إليها إن أحببت الزيادة(219).
وفي الختام نود التنبيه إلى أن ما ينسبه الشيعة إلى علي رضي الله عنه من قوله بالتقية –غير صحيح بروايات الشيعة أنفسهم وتناقضهم من حيث لا يعلمون. شأن كل باطل:
فقد رووا في كتبهم أن علياً كان يهدد عمر في مواقف كثيرة، بل ويصل أحياناً إلى الضرب والإهانة ورفع الصوت فيما يزعمون، وأن علياً لو شاء لخسف بعمر وبغيره، وهذا يدل على أن علياً ما كان بحاجة إلى التقية.
ثم رووا عن علي أيضاً أنه توقف عن بيعة أبي بكر زمناً ((ستة أشهر)) لو كان يرى وجوب التقية لبايعه وأبطن الخلاف.
وعلى هذا فإنهم حين ينسبون إلى الأئمة القول بالتقية، ثم يثبتون لهم صفات لا تليق إلا بالله يعتبر كلامهم متناقضاً.
فقد روى الكليني أن الأئمة لا يموتون إلا برغبتهم واختيارهم، وقد أجمع الشيعة على صحة هذا.
كما روى أيضاً أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم شيء، ومن كانت هذه صفاته فإن التقية في حقه تعتبر جبناً وخوفاً لا داعي له، وكيف يلجؤون إلى التقية وهم يعلمون كل ما سيجري عليهم.
ثم يتناقض كلامهم في القضية الواحدة تبعاً لحال الإمام وظروفه، ولنفرض أنهم يصادفون متاعب من مخالفيهم فهل يجمل بهم الهرب منها بالتقية وخداع الناس؟ فأين فضيلة الصبر وامتثال أمر الله وتحمل المشاق في سبيل الله؟ لأن هذه هي وظيفة الأنبياء والمصلحين من الناس، وهي فضيلة لا يليق بهم تجنبها باستحلال الكذب.
وأخيراً فإنه يلزم الشيعة أن يصفوا الحسن بن علي رضي الله عنه بأنه ليس له كرامة وفضل، لأنه لم يلتزم بالتقية مع معاوية، وأن المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل الناس لأنهم أتقاهم أي أكثرهم عملاً بالتقية حسب تفسير الشيعة الخاطئ(220).(44/271)
ولولا شدة التعصب وتزيين الشيطان لهم أعمالهم لرأوا أن هذه الخرافات التي جعلت أعداء الإسلام يسخرون منهم بسببها أنها من أهم ما ينبغي عليهم محاربتها، وأن عليهم أن يحرروا أفكارهم من هذه الشنائع التي هي إلى الوثنية أقرب- وكل ذلك من أهم ما ينبغي عليهم القضاء عليه إذا أرادوا تصحيح دينهم وتحرير عقولهم من هذه المبادئ البدائية:
يقول الدكتور الموسوي في رده على علماء الشيعة:
((إن على الشيعة أن تجعل نصب أعينها تلك القاعدة الأخلاقية التي فرضها الإسلام على المسلمين، وهي أن المسلم لا يخادع، ولا يداهن، ولا يعمل إلا الحق، ولا يقول إلا الحق ولو كان عليه، وأن العمل الحسن حسن في كل مكان، والعمل القبيح قبيح في كل مكان.
وليعلموا أيضاً أن ما نسبوه إلى الإمام الصادق من أنه قال التقيّة ديني ودين آبائي ((إن هو إلا كذب وزور وبهتان على ذلك الإمام العظيم))(221).
4-المهدية والرجعة عند الشيعة:
من هو المهدي؟
يؤمن أهل السنة بالمهدي الذي صحت به الأحاديث، ولكن غير مهدي الشيعة الخرافي الذي وصلوا في إيمانهم به وانتظاره وترقبه إلى حد جعلهم محل سخرية العالم منهم، وأخباره عندهم أكثر من أن تذكر، وقد أفرده الطوسيّ بكتابه المسمى: ((كتاب الغيبة)).
إن القول بالمهدي وانتظاره من عقائد الشيعة البارزة والأساسية، ذلك المهدي الذي يزعمون أنه غاب عنهم لأسباب مؤقتة، وسيرجع وسيملأ الأرض عدلاً ورخاءً كما ملئت ظلماً وجوراً (222) .
ولهذا فهم يقيمون على سردابه بسامراً الذي زعموا أنه مقيم فيه دابة ترابط دائماً ليركبها إذا خرج من سردابه، ويقف جماعة ينادون عليه بالخروج يا مولانا اخرج، يا مولانا اخرج، ويشهرون السلاح، وفي أثناء مرابطتهم لا يصلون خشية أن يخرج وهم في الصلاة فينشغلون بها عن خروجه وخدمته، بل يجمعون الخمسة الفروض.(44/272)
وليس هذا فقط عند السرداب، بل أحياناً يكونون في أماكن بعيدة عن مشهده ويفعلون هذا إما في العشر الأواخر من شهر رمضان، وإما في غير ذلك يتوجهون إلى المشرق وينادونه بأصوات عالية، يطلبون خروجه مع أنه لا مهدي هناك. وإنما هي خرافة نفذ منها ومن غيرها أعداء الإسلام إلى الطعن في الإسلام وتجهيل حامليه، وإلا فما الداعي لمثل رفع هذه الأصوات وهذه المرابطة المضنية؟
فإنه على فرض أن هذا المهدي موجود هناك، فإنه لا يستطيع أن يخرج إلا بإذن الله، ثم إذا أذن الله له فإنه يحميه وينصره وييسر له كل ما يحتاجه، وليس هو في حاجة إلى أولئك الغلاة الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
فعملهم على كل الاحتمالات باطل لا يؤيده عقل ولا نقل ، وكيف سيملأ الله به الأرض عدلاً ورخاءً بعد خروجه ولا يحميه حتى تلك اللحظات عند خروجه؟ أليس هذا تناقضاً؟
لأنه قد تقرر في عقيدتهم حسبما يؤكده الكليني في ((الكافي)): أن الأرض لا تخلو من إمام حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فحينئذ لا يوجد حجة، ولا تقبل توبة من أحد(223). ومن الغريب أن يؤكد الكليني أيضاً أنه لا يجوز السؤال عن اسمه بأي حال، وأنه لا يسميه باسمه إلا كافر، ويكتفي عن ذكر اسمه بذكر لقبه القائم، حيث لقب بذلك لأنه يقوم بعد ما يموت حسب الرواية التي أوردها الطوسي عن أبي سعيد الخرساني عن أبي عبدالله (224).
وأنه يحج في سنة ماشياً على رجله، ثم لا يرى عليه أثر السفر(225).
وأن أقرب ما يكون الناس إلى الله حين ينتظرون الغائب، وأشد ما يكونون بغضاً عند الله حينما يفتقدونه ولم يظهر لهم(226).(44/273)
بل وسمى الكليني أمة محمد صلى الله عليه وسلم أشباه الخنازير والأمة الملعونة لعدم إيمانهم بغيبة المهدي(227) والتي سوف لا تتأخر كثيراً فقد سأل الأصبغ بن نباته أمير المؤمنين عن مدة الغيبة فقال: ستة أيام، أو ستة أشهر، أو ست سنين(228) فهو لا يتأخر بعد أن امتن الله به على خلقه، فإن الكليني يذكر أن موسى بن جعفر فسّر قول الله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ } (229)
قال: إذا غاب عنكم إمامكم، فمن يأتيكم بإمام جديد(230).
وقد وقعت علامات كثيرة تبشر بقرب ظهوره، فإنه قبل ظهوره تقع الفتن بين الشيعة ويسمي بعضهم بعضاً كذابين، ويتفل بعضهم في وجوه بعض(231)، ثم أورد الكليني روايات وقصصاً كثيرة حول علم المهدي بالمغيبات وأساطير وخرافات كثيرة ذكرها عنه.
وأما الطوسي في كتابه المسمى كتاب الغيبة فقد حطب في أخبار المهدي بليل، ولذا فلا أدري ما الذي أذكره عنه في أخبار هذا المهدي غير أني سأشير إلى بعض ذلك فيما يلي:
أكد الطوسي أن المهدي الغائب شوهد مرات عديدة حول الكعبة وهو يدعو بهذا الدعاء: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم انتقم لي من أعدائك))(232).
وأنه يظهر في كل سنة لخواصه يوماً واحداً، فيحدثهم ويحدثونه، ويقلب لهم الحصى ذهباً(233)
وهو لا يحب أن يساكن أحداً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد ذكر الطوسي عنه أنه قال –كما أوصاه أبوه-: ((لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم، ولهم الخزي في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب أليم)) (234).
وقد أورد الطوسي روايات كثيرة تفيد علم المهدي بالمغيبات(235) .(44/274)
واقرأ هذا العنوان: ((فصل، وأما ظهور المعجزات الدالة على صحة إمامته في زمان الغيبة فهي أكثر من أن تحصى، غير أنا نذكر طرفاً منها))(236) فإذا استطعت أن تقرأه فإنك ستجد ما يدهش العقل ويضيق الصدر من الأخبار التي لا يحتمل سماعها من له عقل وذوق.
واقرأ توقيعات المهدي لنوابه حال غيبته عنهم(237)، وما أورده من الفتاوى والأقوال الجاهلة في تلك التوقيعات المزورة على أيدي أولئك النواب والذين كثر عددهم إلى حد أنهم أصبحوا فريقين متضادين، وكلاء وسماسرة ممدوحين وعددهم عند الطوسي 13 رجلاً، ووكلاء وسماسرة مذمومين وعددهم 6، له ولسائر الأئمة ومنهم سفراء ممدوحين وعددهم 3، وآخرين مذمومين وهم عدد كثير، قال الطوسي بعد أن ذكر عدداً من أسماء السفراء قال: ((فهؤلاء جماعة المحمودين وتركنا ذكر استقصائهم لأنهم معروفون مذكورون في الكتب فأما المذمومون فجماعة، ثم ذكر عدداً كثيراً منهم (238) .
وهناك الكثير من المزاعم والتهويلات حول شخصية هذا المهدي في كتب الشيعة، لعل فيما أشرنا إليه من ذلك ما يكفي لمعرفة مدى ضحالة هذه الأفكار، ونسيان أهلها لعقولهم، وتلاعب الشيطان بهم واستخفافهم بعقول الناس عند شغفهم بتثبيت آرائهم، وإظهار مذاهبهم، وركوبهم لذلك كل صعب وذلول غير مبالين بنتائج تهورهم وشناعة معتقداتهم.
أما هذا المهدي عندهم فهو الإمام الثاني عشر من أئمتهم حسب ترتيبهم لهم، واسمه محمد بن الحسن العسكري.
ومع كل اهتمام الشيعة بأخباره والتلهف على لقائه فلقد اضطرب كلامهم حوله وتناقضت فيه أقوالهم، ومع أنه –كما هو الصحيح عند أكثر العلماء- أنه شخصية خيالية لا وجود له إلا في أذهان الشيعة الذين يزعمون إمامته وينتظرون خروجه بعد غيبته الكبرى(239)، ومن تلك التناقضات الشيعية ما تجده من :
1- اختلاف الشيعة في وجود محمد بن الحسن وولادته.(44/275)
فقد اختلفت كلمتهم في وجود هذا الشخص، فبعضهم ذهب إلى أن الحسن العسكري مات ولم يعرف له ولد أصلاً، وقال هؤلاء بأن الحسن العسكري حين توفي ظن بعضهم أن بجاريته حملاً فوكلوا بها من يراقبها حتى تبين أن لا حمل بها.
واستدلوا أيضاً بأن الحسن العسكري حينما مات أخذ أخوه جعفر تركته، ولو كان للحسن ولد لما حصل على ذلك.
2- وذهب آخرون إلى إثبات ولادة محمد بن الحسن، بل وحددها محمد صادق آل بحر العلوم المعلق على فرق الشيعة للنوبختي بأنها كانت يوم الجمعة منتصف شعبان على أشهر الأقوال كما زعم سنة 255هـ، بينما الكليني في الكافي يذكر أنه ولد سنة 256هـ(240)، بينما هو يقرر أنه خفي الولادة والمنشأ(241).
وهؤلاء الذين أثبتوا ولادته تناقضت أقوالهم واضطربت أفكارهم فيه أيضاً، فبعضهم قال بأنه ولد بعد وفاة والده الحسن بثمانية أشهر، وكذَّبوا من زعم غير هذا كما نص عليه النوبختي.
وقال آخرون: إنه ولد قبل وفاة والده بسنين.
وقال بعضهم: بخمس سنوات.
كما اختلفوا كذلك في تحديد السنة التي اختفى فيها، فبعضهم يجعلها سنة 256هـ، وآخرون 258هـ، وغيرهم 255هـ.
كما اختلفوا في اسم أمه على أقوال:
* فقيل: اسمها نرجس.
* وقيل: صقيل أو صيقل.
* وقيل: اسمها حكيمة.
* وقيل اسمها سوسن(242).
وأقاويل أخرى كثيرة مضطربة يطول نقلها، وهذا الاختلاف كله دليل على أن هذا الإمام لم يولد وإنما هو استحساناتهم وتخميناتهم، وهذه الاختلافات تدل أيضاً على مدى تخبطهم وعلى الجهل الذي يخيم عليهم إذ كيف تخفى ولادة محمد بن الحسن العسكري وهم متأكدون –حسب شروطهم في الخلافة والإمامة ورواياتهم العديدة- أن الحسن العسكري هو الإمام الحادي شعر، ولابد أن يخلفه عقب منه هو أكبر أولاده، وهو الذي يتولى الأمر بعده، ويغسله ويصلي عليه كما يقررون ذلك.(44/276)
ثم إن شخصية كهذه تملأ الأرض عدلاً ونوراً لا ينبغي بل ولا يصدق أن تكون ولادته محل خلاف أو خفاء.
ولك أن تستنتج من مواقفهم المتناقضة ما يزيدك يقيناً برداءة مذهبهم فيه، هذا مع ما لهم من حكايات وخرافات هي من نسيج الخيال الغير معقول رواها الطوسي في كتابه ((الغيبة)) عن حكيمة والخادم نسيم، كلها تدور حول ما حدث عند ولادة المهدي مباشرة.
فإنه حين سقط من بطن أمه كان يقرأ القرآن بصوت مسموع، وأنه كان متلقياً الأرض بمساجده،وأن والده أمره أن يتكلم فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم استفتح فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم صلى على أمير المؤمنين –علي بن أبي طالب- وعلى الأئمة إلى أن وقف على أبيه ثم تلا قول الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}(243) .
كما زعم الطوسي أن خادم الحسن العسكري حينما عطس بحضرة المهدي وكان عُمْر المهدي عشر ليال قال هل المهدي: يرحمك الله، قال الخادم:ففرحت بذلك. فقال له: ألا أبشرك في العطاس؟ هو أمان من الموت ثلاثة أيام (244) .
وجاء الطوسي بأخبار كثيرة وكلمات نسبها إلى المهدي وهو طفل رضيع لا يعرفها إلا فيلسوف، وأنه حينما ولد كانت الملائكة تهبط وتصعد وتسلم عليه وتتبرك به، وأن روح القدس طار به ليعلمه العلم مدة أربعين يوماً،؟ وأنه حينما ولد كان مكتوباً على ذراعه الأيمن{جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} (245) .
وزعموا كذلك في رواياتهم على لسان الحسن العسكري أن ابنه المهدي كان ينمو في السنة والواحدة مثل نمو سنتين من غيره(246).(44/277)
كشأن سائر الأئمة، ومزاعم كثيرة ظاهرها يشهد عليها بالكذب والتهويل الأجوف لولا خوف الإطالة لكان في ذكرها ما يتعجب من العاقل على جرأة هؤلاء على التلفيق الذي لا يقبله عقل سليم ولا فطرة نقية، كما فعل الطوسي في كتاب (الغيبة)) (258) صفحة، كلها مثل هذه المبالغات والتلفيقات دون أن يجد الشخص جواباً شافياً لما يدور في ذهنه من أسئلة مهمة.
لماذا اختفى المهدي في السرداب مع انه لا داعي لهذا الخوف ما دامت الملائكة تحميه وتتبرك به وتنصره، فإن ملكاً واحداً يكفيه كل أهل الأرض؟
ثم لماذا يختفي الآن وقد ذهب كل من كان يخاف منهم، وجاء قوم يتلهفون على خروجه ونصرته، فلماذا إذاً تخلف عنهم بدون عذر مقبول، وهم يصيحون ليل نهار عجل الله خروجه؟
ثم لماذا لم يشب ولم ينم الحسن والحسين –سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم- مع عظم مكانتهما مثلما شب ابن الحسن والعسكري بتلك العجلة؟ وما الداعي أيضاً لتلك العجلة في تنموه ومصيره أن يختفي في السرداب ثم لا يراه أحد بعد ذلك ولا ينتفع به أحد؟
قد تجد عند الطوسي(247) وغيره من علمائهم بعض الإجابات التي لفقوها في أسباب غيبته، ولكنها إجابات غير كافية ولا مقنع فيها لأحد، ومن أعجب الأمور أن ينكر الهاشميون وجود ولد الحسن العسكري على مرأى من الناس ومسمع، وذلك حينما ادعى شخص زمن المقتدر الخليفة العباسي أنه هو ابن الحسن العسكري، فجمع الخليفة جميع بني هاشم وعلى رأسهم نقيب الطالبيين أحمد بن عبد الصمد المعروف في كتب التاريخ __بابن الطومار)) للبت في أمر هذا الرجل، فشهد الجميع على كذبه بدليل أن الحسن العسكري لم يعقب، فحبس المدعي وشُهّر وضرب.(44/278)
ورغم أن أهل البيت أدرى بم فيه، لكن هؤلاء الشيعة أبوا إلا المكابرة مهما كانت النتائج، وادعوا وجود هذا المهدي ولا بد أن دافعاً قوياً دفعهم إلى هذه المجازفة، فما هو السبب في هذا الإصرار على وجود هذه الشخصية؟ سنذكر الجواب إن شاء الله في آخر الكلام عن هذه الشخصية.
مكان وجود المهدي:
اختلف الشيعة في المكان الذي اختفى فيه مهديهم محمد بن الحسن العسكري على أقوال متضاربة توحي لأهل كل مكان ذكروه بقرب المهدي منهم.
ومن تلك الأقوال، وهي كثيرة:
1- أنه مختف في سامراء، في سرداب دار أبيه، وهذا من أشهر أقوال الشيعة والمتداول بينهم، وفي كتبهم(248).
2- أنه مختف في المدينة المنورة.
قال أبو هاشم الجعفري للحسن العسكري: ((يا سيدي هل لك ولد؟ قال: نعم. قلت: فإن حدث حادث فأين أسأل عنه؟ فقال: بالمدينة (249)
3- أنه مختف بمكة المكرمة(250).
وقد أورد الطوسي روايات كثيرة في هذا، وأورد الكليني حديثاً في هذا.
4- وبعضهم قال: هو بذات طوى(251).
5- وبعضهم قال: إنه في اليمن بواد يسمى شمروخ(252).
6- وبعضهم قال: إنه بالطائف حسب رواية الطوسي الطويلة عن علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي(253).
وكل هذه الخلافات دليل على بطلان تلك الدعوى، والباطل أهله يخلفون فيه حتماً، ولا يخفى التباعد بين هذه الأماكن، وهذا التباعد بينها دليل على أنها افتراضات مبنيّة على هوى وأغراض سياسية، إذ لا يمكن لأي شخص أن يجمع بينها ويصل إلى نتيجة مرضية مهما أوتي من المعرفة والذكاء، ولكن هكذا شريعة الهوى والسياسة حيث لا تستند على أي أساس ثابت.
وإذا كان المهدي قد اختار أن يختفي ويتوارى عن الأنظار فهل يجعل لذلك الاختفاء والهرب عن الناس حداً ومدة يعود بعدها إلى قيادة الشيعة، ومتى يتم ذلك؟ الجواب نذكره فيما يلي.
رجعة المهدي ومتى تتم؟(44/279)
يؤمن سائر العقلاء أنه لا رجعة لأحد بعد موته ليعيش في الدنيا- ويؤمن المسلمون برجعة واحدة تكون في يوم القيامة حين يجمع الله الخلائق لفصل القضاء، كما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة، بخلاف ما عليه كثير من الشيعة من إمكان ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة.
فقد قرروا في عقائدهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليّ والحسن والحسين وبقية الأئمة سيرجعون. وفي المقابل يرجع أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية، ويزيد وابن ذي الجوشن، وكل من آذى أهل البيت بزعمهم.
كل هؤلاء سيرجعون إلى الدنيا مرة أخرى قبل يوم القيامة عند رجوع المهدي إلى الظهور –كما قرره لهم عدو الله ابن سبأ- يرجعون ليتم عقابهم كما آذوا أهل البيت واعتدوا عليهم ومنعوهم حقوقهم، فينالهم العقاب الشديد ثم يموتون جميعاً، ثم يحيون يوم القيامة للجزاء الأخير مرة أخرى.
وقد بلغ بهم كرههم للصحابة أن زعم غلاتهم ومتعصبيهم وهو الشريف المرتضي أن أبا بكر وعمر يصلبان على شجرة في زمن المهدي وهي خضراء فتيبس فيضل بسبب ذلك جمع كثير من الناس، وهم يقولون: إن هذين البريئين قد ظلما ولذا صارت الشجرة الخضراء يابسة، وقيل: تكون تلك الشجرة يابسة قبل الصلب ثم تصير رطبة خضراء بعد الصلب فيهتدي كثير من الناس. قال الألوسي: ((والعجيب أن هؤلاء الكاذبين مختلفون بينهم في هذا الكذب أيضاً))(254).
ولهم في هذه الرجعة أخبار غريبة وخرافات يمجها العقل السليم. وقد أحاطوها بتهويلات عظيمة حتى يخيل للقارئ أن رجوع المهدي هو يوم القيامة الذي أخبر الله عنه، وهل خيالات وخرافات لا يصدقها إلا من لم يمن الله عليه بمعرفة دين الإسلام.
وقد ذكر الطوسي أن المهدي يخرج يوم عاشوراء يوم السبت بين الركن والمقام. وهذه الرواية عن أبي جعفر، وذكر رواية عن أبي عبد الله أنه ينادي باسم المهدي ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء يوم قتل الحسين(255).(44/280)
وفي بعضها أن جبريل ينادي يوم ستة وعشرين من شهر رمضان باسم القائم، ويقوم في يوم عاشوراء اليوم الذي قتل فيه الحسين بين الركن والمقام، فتسير إليه شيعته، ومنهم من يطير طيراناً، ومنهم من يمشي في السحاب، وهم أفضل أصحابه، وتكون الملائكة حوله صافِّين ومعه جميع الكتب المقدسة التي أنزلها الله على الأنبياء من أولهم إلى آخرهم.
ثم يأمر بحصر المخالفين للشيعة فينكل بهم، ثم تعلو كلمة الشيعة ويمتد حكمهم إلى جميع الأرض وتكون الغلبة لهم...إلخ.
ويذكر الطوسي عن أبي الحسن الرضا أنه قال: ((ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء ..صوتا منها..ألا لعنة الله على الظالمين، والصوت الثاني: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين، والصوت الثالث: يرون بدنا بارزاً نحو عين الشمس، هذا أمير المؤمنين، قد كرّ في هلاك الظالمين (256)، وأن أول من تنشق عنه الأرض في الرجعة هو الحسين بن علي رضي الله عنه)).
وأما عن الغلظة التي سيسير عليها فقد زعموا تنفيساً عن أحقادهم ضد العرب- كما دلّت عليه رواياتهم- أنه بعد رجعة المهدي أول ما يبدأ به أنه يقتل قريشاً ويصلبهم أحياءً وأمواتاً، أي بعد أن يحيي الله من مات منهم فيجازيهم أشد الجزاء بسبب ما فعلوا نحو أهل البيت فيضع السيف فيهم لا يستتيب أحداً منهم، ويستمر في هذا القتل مدة ثمانية أشهر لا يضع السيف عن عاتقه.
وزعم الطوسيّ في روايته عن أبي عبد الله أن المهدي يقطع أيدي بني شيبة ويعلقها في الكعبة (257)، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي سلمهم مفتاحها.
كما زعموا أن يقتل سبعين قبيلة من قبائل العرب (258).(44/281)
كما افترى علماء الشيعة على الله تعالى وردوا شهادته في كتابه الكريم في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي برأها الله من كل سوء...فزعموا أن المهدي يقيم عليها الحد، فيجلدها الحد(259)، لعن الله من اعتقد هذا الاعتقاد وأخزاه الله في الدنيا والآخرة، وهذه الزندقة ذكرها الصافي في تفسيره(260).
وبعد ذلك قالوا: إنه سيستأنف طريقة جديدة كما استأنف رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، قال الطوسي عن أبي عبد الله (ع) قال: ((إذا قام القائم جاء بأمر غير الذي كان))(261).
وقد فسروا هذا الاستئناف بأنه يسير على حكم سليمان بن داود - كما يذكر الطوسي (262) ، بل ويهدم ما كان قبله ويستأنف الإسلام من جديد(263).
ومعنى هذا أنه يكفر بالإسلام ويبدأ من جديد – على حسب هذه النصوص- هذا هوا الظاهر. ووصل سوء الأدب بأولئك أن اعتقدوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم في الرجعة الثانية لعلي رضي الله عنه يكون جندياً يقاتل بين يدي علي بن أبي طالب، ويبايع كذلك المهدي هو وسائر الأنبياء كما يروي العياش عن جعفر أنه قال لم يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا ردهم جميعاً إلى الدنيا حتى يقاتلون بين يدي علي بن أبي طالب(264).
وأن دابة الأرض المذكورة في القرآن هي عليّ بن أبي طالب(265).
ونترك خرافات كثيرة يمجها العقل، وتستثقل ذكرها النفس، إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى الحقد والكراهية التي كان عليها كتَّاب مثل هذه الأفكار وشدة كيدهم للإسلام ولزعماء المسلمين من الصحابة الكرام فمن بعدهم الذين قضوا على اليهودية والوثنية المجوسية، وأنزلوهم من عروشهم وساووهم بعامة المسلمين.(44/282)
مما أغضب هؤلاء الذين لفقوا مثل هذه الأخبار والترهات في ذم قريش وحكام المسلمين أجمعين، وذم كثير من أهل البيت وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا كله بخلاف ما هو معلوم من دين الإسلام، بل وجميع الأديان السماوية مجمعة على أن الإنسان إذا انتهى عمره في الدنيا ومات فإنه لا رجعة له إلا للقاء ربه يوم القيامة للحساب والجزاء.
وهذا هو ما صرح به الله عز وجل في القرآن الكريم؛ حيث قال رداً على من تمنى الرجعة إلى الدنيا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }(266)، وهذا هو اعتقاد جميع المسلمين، ولم يقل بخلاف هذا أحد لا سلف الأمة ولا أحد من آل البيت الذي تزعم الشيعة أنهم تبع لهم، والقرآن صريح وواضح في إبطال هذه البدعة، والخرافة العقدية التافهة.
وقولهم: إن المهدي هو الذي يحاسب الناس وينزل بهم العقاب بسبب ما قدّموه في حق آل البيت، فإن الإسلام يصرح بأن الله عز وجل يتولى حساب جميع خلقه، ويثيب أو يعاقب.
أما البشر، فليس لهم ذلك لقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}(267) .
وقول هؤلاء الشيعة إنما اقتبسوه من قول النصارى بأن المسيح هو الذي يتولى حساب الخلق –تشابهت قلوبهم.
وقول هؤلاء: إن الرسول يقاتل بين يدي عليّ بن أبي طالب، ويبايعه المهدي الذي هو من ولدهما- إهانة واستخفاف بحق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإهانة أيضاً لعلي رضي الله عنه، إضافة إلى تفسيرهم دابة الأرض بأنها علي رضي الله عنه، ولقد صدق عليهم الحديث: ((إذا لم تستح فاصنع ما شئت))(268).(44/283)
وأما ما زعموه من عقوبة خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من صلبهما على شجرة وهي رطبة فتصبح يابسة، فهو افتراء ومخالفة للعقل والواقع، إذ كيف يعقل أن يجازيا بقتل الحسين وليس لهم بذلك صلة، ثم إن ذنبهما –إن كان أخذ الخلافة ذنب- لا يعقل أن يصل إلى هذا الحد من العقوبة.
ثم كيف يجازيهما الله أمام أقوام لم يشهدوا ذنبهما ولم يعرفوا له سبباً، إذ الأولى أن يتم جزاءهما أمام من شهد أمرهما في الوقت الذي آذوا فيه أهل البيت حتى تقر أعينهم بجزائهما، مع أن إثبات هذا العقاب يؤدي في النهاية إلى عكس ما يريد الشيعة، ويناقض أقوالهم، وذلك:
1- أن أولئك الناس لو أرجعهم الله إلى الدنيا للجزاء قبيل يوم القيامة لكان أمرهم في الآخرة إلى الجنة، إذ من الظلم أن يعذبوا مرة أخرى، فحصل لهم بتعذيبهم في رجعتهم إلى الدنيا تخفيف وراحة.
وهذا ينقض ما ذهب إليه الإمامية، فإنه على أصولهم أن عذاب جهنم لا بد وأن يكون مستمراً على من آذى آل البيت، ثم ما هو الداعي إلى هذه العجلة يخرجهم فيعذبهم ثم يموتون ويعذبون مرة أخرى، وأيضاً لماذا لم تكن هذه العجلة في وقت وقوع الجريمة لتكون أنكى، أما تركهم هذه المدة كلها ثم يعذبهم في زمن المهدي فهو برود مثل برود الشيعة في أكاذيبهم.(44/284)
2- أن الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم الذين حكم الشيعة عليهم بالرجوع، لعظم ما ارتكبوه في حق آل البيت وجزاؤهم الشديد في الدنيا ثم يموتون-بزعمهم- ويبعثون يوم القيامة. ذنوبهم بإقرار الشيعة غصب الخلافة وبعض حقوق آل البيت –على زعم الشيعة-، وهذا الذنب –إذا جاز تسميته ذنباً- لا يصل إلى درجة الكفر بالله والشرك به بل هو فسق والفسق لا يصل إلى هذا الحد من العقاب ولا يوجب الرجعة في الدنيا، ولو كان الأمر يقتضي الرجعة لكان إرجاع الكفرة والمشركين والذين ادعوا الألوهية مع الله- كفرعون ونمرود وغيرهما- أولى بالرجوع، والشيعة لم يقولوا بذلك، فوجب أن يكون – حسب مقياسهم- أن غصب الخلافة أو التعدي على آل البيت أعظم جرماً من الشرك ومن ادعاء الألوهية وقتل الأنبياء بغير حق، وهم لا يقولون بهذا؛ فظهر بطلان قولهم بوجوب إعادة ورجعة أولئك الخلفاء لعقابهم في الدنيا بسبب غصبهم الخلافة، أو أخذ أبي بكر لفدك بغير حق كما يدعون لجهلهم بنص النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
3- ثم إن قولهم برجوع النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وسائر الأئمة وإخراجهم من قبورهم لحضور هذا العقاب في الرجعة –فيه تعذيب لهم بالموت مرة أخرى، والموت أشد آلام الدنيا...فلم يجوز الله سبحانه وتعالى إيلام أحبائه عبثاً؟ إذ الموت لا بد أن يشمل كل كائن حيّ، وإذا أحيا الله هؤلاء فلا بد من تجرعهم الموت مرة أخرى- على حسب هذا المعتقد الخرافي-، فكيف يعذب أولياءه بالموت مرتين في الدنيا وغيرهم مرّة واحدة؟(44/285)
4- إنه على عزم الشيعة بإعادة هؤلاء وإيقاع العذاب عليهم في الدنيا – فيه نفع لهؤلاء المبعوثين إلى الدنيا إذ يعلمون حينئذ أنهم أخطئوا فيتوبون حتما توبة نصوحاً، والتوبة مقبولة في الدنيا ولو بعد الرجعة، فكيف بعد ذلك يمكن تعذيبهم، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. فوجب على معتقد الشيعة برجعتهم أن يقولوا بأنهم في الآخرة في الجنّة لصدق توبتهم في الدنيا في الحياة الثانية.
إلى غير ذلك من الردود التي تدحض مذهب الشيعة في القول بالرجعة، وأنه خلاف العقل والنقل والواقع، والله الهادي إلى سواء السبيل(269).
ومما ينبغي الإشارة له هنا أنه قد خرج عن القول بالمهدي على تلك الصورة المزعومة عند الشريعة بعض فرقهم كالزيدية، وقد أنكروا عودة المهدي وردّوها بروايات عن الأئمة أيضاً، وكفى الله المؤمنين القتال.
وقد سبقت الإشارة إلى هذه القضية في درس الزيدية، كما سبقت الإشارة إلى أن الشيعة ليسوا كلهم على مذهب واحد في المهدي المنتظر، وإنما اشتهر اسم محمد بن الحسن العسكري بالمهدي المنتظر، لأنها عقيدة الرافضة الإمامية في عصرنا الحاضر.
أما متى يخرج المهدي؟
فقد وقَّت بعض الشيعة لخروج المهدي زمناً معيناً، وذلك بعد وفاة الحسن العسكري بزمن، إلا أن الذين وقّتوا خروجه بزمن حينما انتهى التقدير ورأوا أن المسألة ستتضح ويظهر فيها الكذب مددوا هذه الغيبة إلى وقت غير مسمى، واختلقوا لذلك أعذاراً كاذبة، فرواية وردت عن الأصبغ بن نباته –كما ينقلها الكليني- تذكر أنه سيخرج بعد ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنوات، وهذه الروايات هي المتقدمة والقريبة من وفاة الحسن العسكري(270).(44/286)
ورواية أخرى يذكرها الكليني عن أبي جعفر تذكر أنه سيخرج بعد سبعين سنة، ثم مددت هذه المدة أيضاً حين أفشي السر إلى أجل غير مسمى، وذلك حسب ما روى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر أن الله تبارك وتعالى قد كان وقّت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين –صلوات الله عليه- اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة، فحدَّثناكم فأذعنتم الحديث فكشفتم قناع الستر، ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً...إلخ(271).
والواقع أنه لن يخرج حتى تخرج هذه العقيدة من أذهانهم ومعتقداتهم التي صنعها علماؤهم لأغراض ومقاصد كثيرة، في أولها حرب الدولة الإسلامية وإعادة السيطرة الفارسية.
وقد أبان سر هذه المهزلة المهدية أحد الشيعة وهو علي بن يقطين حين سئل عن المهدي فأجاب: ((إن أمرنا لم يحضر فعلَّلنا بالأماني، فلو قيل لنا: إن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة –لقست القلوب، ولرجع عامة الناس عن الإسلام، ولكن قالوا: ما أسرعه وما أقربه تألفاً لقلوب الناس، وتقريباً للفرج))(272) .
فانظر إلى هذه الشهادة عليهم، وقارن بينهم وبين السلف الذين ينتظرون المهدي الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لترى ثبات السلف وعدم وجود تلك العجلة واللهثة التي توجد في الشيعة، لأن السلف مطمئنون واثقون بدينهم ونبيهم، ويعلمون أن العجلة لا تقدمه ولا تؤخره، ولأنهم كذلك ليست لهم أحقاد يريدون أن يشتفوا من المخالفين لهم عند ظهور المهدي.
سبب إصرار الشيعة على القول بوجود محمد بن الحسن العسكري(44/287)
عرفنا فيما تقدم عمق هذه الفكرة في أذهان الشيعة وتشبثهم بوجود ابن للحسن العسكري الذي جعلوا منه مهديهم المنتظر، ومكابرتهم وإصرارهم على القول بولادته، فما هو السر في هذا ؟ والجواب حاصله أن الشيعة قد وضعوا شروطاً وقواعد وأوصافاً للإمام ألزموا أنفسهم بتصديقها وهي من صنع الخيال، وبالتالي فهي صعبة المنال ثم جعلوها جزءاً من العقيدة الشيعية، بحيث لو لم تتحقق لانتقض جزء كبير من تعاليمهم، ولأصبحوا في حرج.
وأكثر تلك الشروط هي تقول على الله ومجازفة وحكم على الغيب، فمنها على سبيل المثال لا الحصر:
1- أن الإمام لا يموت حتى يكون له خلف من ذريته هو الذي يتولى الإمامة من بعده حتماً لازماً وقد روى الطوسي عن عقبة بن جعفر قال: قلت لأبي الحسن: قد بلغت ما بلغت وليس لك ولد؟
فقال: يا عقبة بن جعفر، إن صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى ولده من بعده (273)
2- أن الإمامة لا تعود في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً؛ بل في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.
ومعنى هذا أن الحسن العسكري –وهو الإمام الحادي عشر- لو مات دون عقب لانتقضت هذه القاعدة، وقد روى الطوسي عن أبي عيسى الجهني قال أبو عبد الله ع: لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين رضي الله عنهما، إنما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب (274) .
3- الإمام لا يغسله إلا إمام هو أكبر أولاده.
ولقد ذكر ابن بابويه القمي عن علي بن موسى بن جعفر كثيراً من الشروط التي اشتملت على خرافات وآراء ضالة ليست من الإسلام في شيء، كقولهم: ((للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختوناً، ويكون مطهراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل.(44/288)
وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادة ولا يحتلم، وتنام عينيه ولا ينام قلبه، ويكون محدثاً، ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وسلم – لأنها محفوظة بزعمهم عند الأئمة يتوارثونها- ولا يرى له بول ولا غائط، لأن الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، ويكون له رائحة أطيب من رائحة المسك.
ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم، ويكون أشد الناس تواضعاً لله عز وجل، ويكون آخذ الناس بما يأمرهم به، وأكف الناس عما ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجاباً حتى إنه لو دعى على صخرة لانشقت نصفين، ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه محفوظ عند الأئمة والسيف ذو الفقار.
ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة، وتكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً، فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ويكون عنده الجفر الأكبر والجفر الأصغر؛ إهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم حتى أرش الخدش، وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة))(275).
ويروي الكليني عن أبي جعفر قال: ((للإمام عشر علامات: يولد مطهرا مختوناً، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين، ولا يجنب، وتنام عينيه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب، ولا يتمطى، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة المسك، والأرض موكلة بستره وابتلاعه، فإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عليه وفقاً، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً، وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه)) (276).(44/289)
وبغض النظر عن دراسة هذه الخيالات والخرافات التي يمجها العقل ويرفضها الفكر ويكذبها الواقع، إذ لا يوجد رجل تتوفر فيه هذه الشروط التي لم تتوفر حتى في الأنبياء والرسل عليهم الصلاة السلام مجتمعة – بغض النظر عن ذلك كله فإن الذي يهمنا هنا هو معرفة السر الذي أصرَّ بموجبه الشيعة على القول بوجود ابن للحسن العسكري يخلف والده في إمامتهم.
وقد اتضح مما تقدم أن الذي حمل الشيعة على ذلك الإصرار هي تلك الشروط التي تنص على أن الإمام لا يموت حتى يوجد له عقب من أولاده هو الذي يتولى تجهيزه ودفنه، والقيام بأمر الشيعة بعده حتماً...وكان موت الحسن من دون ولد يهدم تلك الشروط التي وضعوها.
ومن هنا قرّروا أن يوجدوا للحسن ولداً تخلصاً من هذا المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه، وليكن بعد ذلك ما يكون، وهم على ثقة بأن لكل صوت صدى، بل هم واثقون من أن استجابة الأكثر من الناس للخرافات والخزعبلات أقوى من استجابتهم للحق، وأقرب إلى نفوس الكثير من بني آدم.
وإضافة إلى ما تقدم في سبب دعواهم وجود المهدي، فإنه ينبغي ملاحظة أنه قد مرت بالشيعة ظروف سياسية واجتماعية ودينية ذاقوا فيها مرارة الحرمان من عدم إقامة دولة لهم تنظر إليهم بالعين التي يريدونها من تقديمهم واعتبار آرائهم، وغير ذلك مما كانوا فيه من العزة والتطاول على الناس، واعتبار عنصرهم أفضل العناصر.
وحينما غلبتهم الدولة الإسلامية وبلغ السيل الزبى بإخضاع الدولة الأموية لهم –فكر رؤساؤهم في ذلك الوقت في أمر يجتمع عليه عامتهم؛ لئلا يذوبوا في غيرهم، وييئسوا من استعادة أمرهم، فبدأوا في حبك المخططات السرية والعلنية، وتوجيه أنظار جميع الشيعة إلى الالتفاف حول أمل إذا تحقق عادت به سيادتهم كما يتصورون.(44/290)
وهو انتظار المهدي الغائب(277) الذي سيزيل عند رجوعه جميع من ناوأهم، ويقضي على قريش بخصوصهم بكل شراسة حتى يقول الناس: لو كان هذا من قريش لما فعل بهم هكذا حسب ما يرويه النعماني (278)، وحسبما يروونه عنه في كتبهم.
وهذه الشراسة والشدة على العرب بخصوصهم ومنهم قريش تدل دلالة واضحة على أن هذا المهدي ليس له صلة بالعرب، فهو عدو شرس لهم ليس بينه وبينهم أية عاطفة أو صلة.
وفعلاً هذا المهدي ليس من قريش، بل هو مهدي فارسي متعصب ليزدجرد وللأسرة الساسانية التي قضى عليها الإسلام، يتضح ذلك في هذه الرواية التي يرويها الطوسي عن أبي عبد الله أنه قال:
((اتقوا العرب فإن لهم خبر سوء، أما إنه لا يخرج مع القائم منهم أحد))(279) وبهذا يتضح أن هذا المهدي مصنوع بمعرفة الشيعة وعلى طريقتهم، حقود شديد، يمثل الغلظة بأجلى صورها.
5- موقفهم من القرآن الكريم:
القرآن الكريم كلام الله، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه،تكفل الله بحفظه وحمايته من أيدي العابثين وتأويلات المبطلين فقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(280)، وقال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44)لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} .(281)
نزل به جبريل الأمين على قلب محمد سيد المرسلين وبلغنا رسول الله كما تبلِّغه عن الله تعالى، جمع الله به الكلمة، ووحد به القلوب، ولا تزال البشرية بخير ما تمسكوا به، مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور كما أنزله الله لم يزد فيه ولم ينقص منه بشهادة الله عز وجل.
هكذا يعتقد المسلمون في القرآن الكريم، فما هو رأي غلاة الشيعة (الرافضة) في صون القرآن عن التبديل والتغيير؟(44/291)
إن الحق والواجب أن يكون القرآن الكريم بعيداً عن أي مساس، وأن يكون نواة تجتمع عليها كلمة كافة المسلمين، وأن يجعل الحكم له في كل قضية، إلا أنه –ومع الأسف الشديد- لم يسلم القرآن الكريم من تدخل أهواء الشيعة –المتعمقين في الغلو- فقالوا بأقوال لا تجتمع معها كلمتهم وكلمة أهل السنة أبداً حتى يرجعوا عنها؛ لأنهما يسيران في طريقين متباعدين لا يلتقيان.
لقد أعلن غلاة الشيعة أن في القرآن تحريفاً ونقصاً كثيراً، ولم يكن هؤلاء من عامة الشيعة أو علمائهم غير المشاهير، بل هم من علمائهم الكبار عندهم كالقمي والكليني وأبي القاسم الكوفي والمفيد والأردبيلي والطبرسي والكاشي والمجلسي والجزائري(282) والكازراني وغيرهم، وهؤلاء قد صرّحوا وبكل وضوح أن في القرآن نقصاً وتحريفاً في الآيات التي يذكر فيها علي بن أبي طالب، أو الآيات التي فيها ذم المهاجرين والأنصار ومثالب قريش، وأن القرآن لم يجمعه كما أنزل إلا عليّ فقط.
كما يعتقدون أن مصحفاً مفقوداً سيصل إلى أيديهم يوماً ما يسمى ((مصحف فاطمة)) فيه أضعاف ما في المصحف العثماني الموجود بين أيدي المسلمين، وأنه يختلف عن هذا المصحف اختلافاً كثيراً.
وتوجد نماذج كثيرة من تحريفاتهم للقرآن الكريم، اهتم علماء السنة بذكرها عنهم قديماً وحديثاً لعلّ المقام لا يتسع لسرد أسماء من كتب في هذا أو سرد الآيات التي يدعي الشيعة أنها محرفة أو ناقصة عن مصحف آل البيت فيما يذكره كتاب ((فصل الخطاب)) في تحريف كتاب ((رب الأرباب)) للطبرسي))، وفي الكافي وغيرهما من كتب الشيعة.
والحقيقة أن هذا الموقف لا يمت للإسلام بأدنى صلة، ومعتقده لا شك في كفره وخروجه عن الملة مهما كان ادعاؤه للإسلام بعد ذلك.(44/292)
ومن الأمثلة على ذلك ما كتبه كبير علماء النجف الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي، والذي بلغ من إجلالهم له عند وفاته سنة 1320هـ أنهم دفنوه في بناء المشهد المرتضوي بالنجف، في إيوان حجرة بانو العظمى بنت السلطان الناصر لدين الله، وهو أقدس مكان عندهم.
هذا الرجل ألّف سنة 1292هـ وهو في النجف عند القبر المنسوب للإمام عليّ كتابه المسمى: ((فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب)) جمع فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة قديماً وحديثاً أنهم يعتقدون بوجود النقص والتحريف في القرآن الكريم، وطبع الكتاب في إيران.
وعند طبعه قامت ضجة كبيرة حوله، خصوصاً ما أبداه بعض عقلائهم لا لأجل ما في الكتاب، وإنما كانوا يرغبون أن يبقى التشكيك في القرآن سراً مبثوثاً في كتبهم المعتبرة لا أن يذاع في كتاب واحد تقوم به الحجة عليهم.
وبدلاً من أن يستكين مؤلفه أو يعتذر ألف كتاباً آخر سماه: ((رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب)) دافع فيه عن ما أودعه في كتابه السابق ((فصل الخطّاب))، وقد كتب هذا الدفاع قبل موته بسنتين(283).
ولبيان نظرتهم إلى القرآن نورد بعض الشواهد والأمثلة فيما يلي:
1- ادعى الشيعة أن سورة من القرآن تسمى سورة ((الولاية)) قد أسقطت من المصحف العثماني، ونصها:
((يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبي والولي اللذين بعثناهما يهديانكم الصراط المستقيم(*) نبيّ ووليّ بعضهما من بعض وأنا العليم الخبير (*) إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم (*) والذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين (*) إن لهم في جهنم مقاماً عظيماً إذا نودي بهم يوم القيامة أين الظالمون المكذبون للمرسلين (*) ما خلفهم المرسلين إلا بالحق وما كان الله ليظهرهم إلى أجل قريب (*) فسبح بحمد ربك وعليّ من الشاهدين ))(284).(44/293)
فانظر إلى هذا الكلام الفارغ الذي لو قدمه تلميذ في مادة الإنشاء لاستحق عليه الرسوب، كلام مفكك ركيك، ثم يزعمون أنه كلام الله تعالى، وأن هذه سورة من عند الله تعالى أنزلها ضمن القرآن الكريم.
وفي كتاب الكافي وفصل الخاطب من الآيات التي زعم الشيعة أنها محرفة وناقصة ما جعلني أحتار في أيها أثبته هنا وأيها أتركه فهي كثيرة جدا، أخذت صفحات عديدة، وكلها مما يقتل النفس أسى على ضلال هؤلاء وتطاولهم على كتاب الله دون خوف من الله ولا مبالاة بمشاعر المسلمين.
وبعد البحث وبذل الجهد في تصفح كتاب فصل الخطاب عثرت على الطامة الكبرى وهي ((سورة الولاية)) بكاملها، وقد رغبت أن أنقلها ليعتبر المؤمن، ويرجع المغالط، ويعرف أهل الشر على حقيقتهم؛ فقارن أيها القارئ الكريم بين كتاب الله وبين هذا القرآن الذي يزعمه علماء الشيعة ويتقولونه على الله تعالى، ولا تنخدع بأكاذيبهم حين يجحدون مثل هذا الافتراء، فإنهم يقدسون الكليني والطبرسي أشد تقديس، ولم يظهر منهم أحد يشنع عليهما ويرد ضلالتهما ويبرأ إلى الله من أباطيلهما وجرأتهما على كتاب الله الذي تكفل الله بحفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
سورة الولاية كما هي في فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب للطبرسي:(44/294)
قال الطبرسي فيما ينقله عن صاحب كتاب ((بستان المذاهب)) بعد ذكر عقائد الشيعة ما معناه: وبعضهم يقولون: إن عثمان أحرق المصاحف، وأتلف السور التي كانت في فضل علي وأهل بيته عليهم السلام، ومنها هذه السورة: ((بسم الله الرحمن الرحيم الله الرحمن الرحيم . يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم (*) نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم (*) إن الذين يوفون ورسوله في آيات لهم جنات النعيم (*) والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم (*) ظلموا أنفسهم وعصوا الوصيّ الرسول أولئك يسقون من حميم (*) إن الله الذي نوّر السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه يفعل الله ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (*) قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذهم بمكرهم إن أخذي شديد أليم (*) إن الله قد أهلك عاداً وثموداً بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة أفلا تتقون (*) وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين (*) ليكون لكم آية وإن أكثركم فاسقون (*) إن الله يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون إن الجحيم مأواهم وإن الله عليم حكيم (*).
يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون (*) قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون (*) مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم (*) إن الله لذو مغفرة وأجر عظيم (*) وإن علياً من المتقين (*) وإنا لنوفيه حقه يوم الدين (*) ما نحن عن ظلمه بغافلين (*) وكرمناه على أهلك أجمعين (*) فإنه وذريته لصابرون (*) وإن عدوهم إمام المجرمين (*) قل للذين كفروا بعدما آمنوا أطلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون(*).(44/295)
يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات مبينات فيها من يتوفاه مؤمناً ومن يتولاه من بعدك يظهرون (*) فأعرض عنهم إنهم معرضون (*) إنا لهم محضرون في يوم لا يغني عنهم شيء ولا هم يرحمون (*) وإن لهم في جهنم مقاماً لا يعدلون (*) فسبح باسم ربك وكن من الشاهدين(*).
ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل (*) فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعنّاهم إلى يوم يبعثون (*) فاصبر فسوف يبصرون(*) ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين (*) وجعلنا لكم منهم وصياً لعلهم يرجعون (*) ومن يتول عن أمري فإني مرجعه فليتمتعوا بكفرهم قليلاً فلا تسأل عن الناكثين (*).
يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين (*) إن علياً قانتاً بالليل ساجداً يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون (*) سنجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون (*).
إنا بشرناك بذريته الصالحين (*) وإنهم لأمرنا لا يخلفون (*) فعليهم مني صلوات ورحمة أحياءً وأمواتاً يوم يبعثون (*) وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرين (*) وعلى الذين سلكوا مسلكهم منّي رحمة وهم في الغرفات آمنون (*) والحمد لله رب العالمين (*) )).
وبعد أن أورد الطبرسي هذا الهذيان –حاشا ما سرقه من القرآن الكريم- قال: ((قلت: ظاهر كلامه أنه أخذها من كتب الشيعة، ولم أجد لها أثراً فيها غير أن الشيخ محمد بن علي بن شهر أشوب المازندراني ذكر في كتاب ((المثلب)) على ما حكي عنه أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية، ولعلها هذه السورة (285).
فانظر أيها القارئ المسلم إلى مدى ما وصل إليه ضلال هؤلاء؛ حيث جعلوا هذا الكلام الفراغ قرآناً أنزله الله، لعن الله من قاله وغضب عليه.(44/296)
وقد أوردت ((السورة)) –كما يسميها هؤلاء الفجار –بتمامها لكي يتضح المقارنة بينها وبين ((سورة الولاية)) التي هي سبع آيات كما يكذبون...فكيف زادت بعد ذلك؟
هذا التساؤل يزول إذا عرفت أيها القارئ الكريم أن الشيعة يزيدون في كل نص لهم فيه غرض على منواله إن كان شعراً أو نثراً مع عزوه إلى أصل الكلام، وما الذي يمنعهم من ذلك وقد كذبوا على الله تعالى.
واعلم أيها القارئ الكريم أنني تركت مئات الآيات من كتاب الله سطى عليها الطبرسي وأوردها على أنها زائدة أو ناقصة أو محرفة.
وأرى أنه يكفي مرارة أنني نقلت من كتابه الرديء ((سورة الولاية)) هذه، بل وأرى أن مجرد قراءة هذه السورة يكفي لجلب الغثيان وإثارة الأسى والحزن على ما وصل إليه هؤلاء وهم يتظاهرون بعد ذلك بالإسلام.
على أن هذه السورة لا تحتاج في نقدها وتعرية خوائها وضحالة فكر من اخترعها –قبّحه الله- إلى أدنى اهتمام.
وأما الكليني فقد جاء من كتابه ((الكافي)) بمئات الآيات التي زعم أن الله أنزلها هكذا، ونأخذ كمثال الآيات الآتية التي أوردها في ((باب فيه نكت من التنزيل في الولاية))(286).
1- عن أبي بصير عن أبي عبد الله في قول الله عز وجل: ((ومن يطع الله ورسوله في ولاية عليّ وولاية الأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً)) هكذا أنزلت(287).
2- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع) في قوله: ((ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من ذريتهم فنسي)). هكذا والله أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ))(288) (لعن الله الكاذبين).
3- عن جابر قال: نزلت جبريل (ع) بهذه الآية على محمد هكذا ((وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في علي فأتوا بسورة من مثله))(289) .(44/297)
4- عن الرضا (ع) في قول الله عز وجل: (كبر على المشركين بولاية عليّ ما تدعوهم إليه يا محمد ولاية علي)) هكذا في الكتاب مخطوطة (290).
5- عن أبي عبد الله في قول الله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع (*) للكافرين بولاية عليّ ليس له دافع)) ثم قال: هكذا والله نزل بها جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم
6- عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبريل (ع) بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وسلم هكذا ((فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون))(291).
7- قرأ رجل عند أبي عبد الله (ع): {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} (292).
قال: ليس هكذا هي، إنما هي والمأمونون فنحن المأمونون))(293).
وهناك آيات أخرى كثيرة على هذا الصنيع تلاعب بها أولئك الفجار تركتها اكتفاءاً بالأمثلة السابقة، ولعلهم حينما وضعوها كانوا يظنون ويتمنون أنها ستقرأ في المساجد والصلوات على حسب تحريفاتهم؛ لأنهم لا يعلمون أن الله تكفل بحفظ كتابه، وأن المسلمين يكتشفون كل محاولة للتلاعب بالقرآن مهما كان خفاؤها بتوفيق الله لهم.
وفد نتج عن هذا التلاعب بالقرآن أن اختلط أمره على عامة الشيعة فلم يوجد عندهم التمييز بين كلام الله في القرآن وما أدخله أولئك الفجار عليه، وهذا ما يرويه الكليني بقوله:
((روى عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن – أي أبو الحسن الثاني علي بن موسى الرضا المتوفى سنة 206 قال: قلت له: جعلت فداك، أنا أسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال: لا، اقرؤوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم))(294).(44/298)
ينبئ عن مدى التشويش الذي أصاب الشيعة من جراء أكاذيب علمائهم عليهم وعلى أئمتهم المعصومين بزعمهم، وتوجيه لأنظار الشيعة عامة إلى ترقب مجيء من يعلمهم بمصحف آل البيت،مصحف فاطمة الذي يختلف تمام الاختلاف مع المصاحف الموجودة بأيدي المسلمين ، وقرآنه يختلف مع القرآن الذي عرفه المسلمون من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
روى الكليني عن أبي بصير قال: ((دخلت على أبي عبد الله...إلى أن قال أبو عبد الله –جعفر الصادق- كما يزعم الكليني وأبو بصير-: وإن عندنا مصحف فاطمة عليها السلام، قال: قلت: وما مصحف فاطمة(ع)؟
قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد))(295).
هذه الرواية أيضاً من أكاذيب الشيعة، وصدق من قال: ((عدو عاقل خير من صديق جاهل))، إذا قلنا بأن لهم صداقة مع أهل البيت كما يزعمون.
وكان لابن حزم رحمه الله تعالى مواقف مشهورة وكثيرة مع النصارى، كان يناظرهم ويقيم عليهم الحجج الدامغة أن كتبهم محرفة وفيها نقص وزيادات وضياع لأصولها الصحيحة ولم تعد تصلح للاحتجاج بها فضلاً عن التدين بما فيها، فكان القسس يردّون عليه نفس الحجة قائلين إن القرآن كذلك فيه تحريف ونقص، وضاع كثير من أصوله باعتراف المسلمين من الشيعة، فيجيبهم ابن حزم بقوله:
((إن دعوى الشيعة ليست حجّة على القرآن ولا على المسلمين، لأن الشيعة غير مسلمين)). وقال رحمه الله:
((وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القراءات، فإن الروافض ليسوا من المسلمين، إنما هي فرق حدث أولها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، وكان مبدؤها إجابة ممن خذله الله تعالى لدعوى من كاد للإسلام، وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر...(296) إلى آخر كلامه.(44/299)
ومهما حاول الحاقدون على الإسلام من أي ملة كانوا فإن الله عزّ وجلّ تكفل بحفظ كتابه وحمايته، وما كان في حماية الله عز وجل فإنه لا يضيع.
وكم حاول كثير من الفجار التطاول على القرآن فأخزاهم الله. وسيبقى القرآن دستوراً خالداً للمسلمين محفوظاً حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ولكم يتمنى كل مسلم غيور على دينه أن تمحى مثل هذه الأباطيل والشوائب، وأن تقترب قلوب المسلمين وتتوحد أهدافهم وتصدق نياتهم، ويأتوا إلى حكم القرآن خاضعين مسلمين إن أرادوا النجاة واجتماع كلمة المسلمين وقوَّة شوكتهم، لولا أن العداوة قد استحكمت، والآراء قد ثبتت في الأذهان بتحريض علماء السوء.
وإن التغيير الكامل لمثل هذه المواقف يتطلب نية صادقة وعزماً قوياً على الالتفاف حول الأساس الذي بني عليه الإسلام وهو كتاب الله وسنة نبيه لرفع كلمة المسلمين مما هم فيه من التفرق والخذلان، والعودة بهم إلى سابق مجدهم وعزهم إذا أراد الله بهم الخير والخروج من أيدي الطغاة الذين تكالبوا عليهم من الشرق والغرب، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(297) .
6- موقفهم من الصحابة:
وأما بالنسبة لموقف الشيعة من الصحابة رضي الله عنهم.
فقد هلكوا فيهم؛ إذ بالغوا في العداء لهم وكفّروهم، وحكموا بردة أخيارهم –حاشاهم من ذلك- بل وجعلوا من عبادتهم لله التقرب إلى الله بلعنهم صباحاً ومساءً وأثبتوا من الأجر-بافترائهم على الله – ما لا يعد ولا يحصى لمن سبهم صباحاً ومساءً واختلقوا عليهم أكاذيب وافتراءات لا يصدّقها من له أدنى مسكة من عقل.(44/300)
وبلغ من حقدهم على خيرة الصحابة أن كرهوا لفظة العشرة التي تذكرهم بالعشرة المبشرين بالجنة، وهم في موقفهم هذا قد خرجوا عن منهج الله ورسوله حيال المؤمنين عموماً والصحابة خصوصاً، الذين أثنى الله عليهم وشهد لهم بكل خير فردوا شهادة الله فيهم، وتعبّدوه بسبِّ أوليائه وتكفيرهم، وحتى لم يشكروا لهم إحسانهم في إيصال الدين إليهم وإخراجهم من الوثنية والمجوسية إلى نور الإسلام، وتناسوا جهادهم في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وأخرجوهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
ولا يخلو كتاب من كتب الشيعة – على كثرتها وبطلانها- من سب وشتم للخلفاء الراشدين وسائر الصحابة إلا من استثنوهم.
وقد عبّروا عن أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة بصنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما، وأحياناً يعبّرون عن أبي بكر وعمر بالجبت والطاغوت، وأحياناً بكلمة الأول والثاني وقد يضيفون، والثالث يقصدون عثمان رضي الله عنه. وفيما يلي نذكر بعض النصوص من كتبهم تجاه الصحابة ليكون أوثق للحجة عليهم وأدعى إلى الإنصاف.
وأول ما نذكره هو تطاولهم على الصحابة وتفضيلهم لأنفسهم عليهم.
فقد أورد الطوسيّ عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم. قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين، ونزل فينا القرآن؟ فقال: إنكم لو تحملوا ما حملوا، لم تصبروا صبرهم))(298).
أي أن حثالة الناس الذين يبكون على المهدي، ويصيحون في كل يوم ليخرج؛ أجر الواحد منهم مثل أجر خمسين ممن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)).(44/301)
وأما الكليني فإنه لم يتورع عن تفسير القرآن على حسب هواه في جرأته المعروفة، فقال معرِّضاً بأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم عند شرحه لقول الله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ}(299) : ((عن زرارة، عن أبي جعفر في قوله تعالى: {لتركبن طبقاً عن طبق}قال: يا زرارة، أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقاً عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان))(300).
((وعن أبي عبد الله في قول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ }(301) .
قال: نزلت في فلان وفلان وفلان آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر وكفروا حين عرضت عليهم الولاية حين قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من كنت مولاه فعليّ مولاه))، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين (ع) ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعه البيعة لهم لم يبق فيهم من الإيمان شيء(302).
وعن أبي عبد الله في قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}(303) ، قال: ذلك حمزة وجعفر وعبيدة وسلمان وأبو ذر و ...(304) بن الأسود وعمار، هدوا إلى أمير المؤمنين (ع)، وقوله:{ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}(305) يعني أمير المؤمنين ،و { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ }(306). الأول والثاني والثالث))(307).(44/302)
ومن أحاديث الكليني وذمّه للصحابة رضوان الله عليهم ما يرويه عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، في قوله عز وجل: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا }(308)، قال لما نزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(309) اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد المدينة فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في هذه الآية؟ فقال بعضهم: إنا كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها، وإن آمنا فإن هذا ذل حين يسلط علينا ابن أبي طالب.
فقالوا قد علمنا أن محمداً صادق فيما يقول، ولكنا نتولاه ولا نطيع علياً فيما أمرنا فقال: فنزلت هذه الآية: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}يعرفون يعني ولاية عليّ بن أبي طالب وأكثرهم الكافرون بالولاية(310).
وقال في ذمّه للخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم: ((والجبت والطاغوت فلان وفلان وفلان والعبادة طاعة الناس لهم))(311).
ويبلغ الحقد والكراهة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن يتهمها الكليني في دينها وفي عرضها وعفتها، حين يفتعل الرواية الآتية –على من اخترعها لعنة الله- وهي طويلة نقتصر منها على هذه الكلمات:
1- قال الحسن لأخيه الحسين: ((واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وعداوتها لنا أهل البيت)).
2- قال لها الحسين بن عليّ: ((قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قربه)).
3- قال لها الحسين: ((وقد أدخلت أنت بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال بغير إذنه...إلى أن قال: ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم المعاول)).(44/303)
4- ((ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربهما منه الأذى، وما رعيا من حقّه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (312).
إلى آخر ما أورده من كلام السفهاء والسفلة حاشا الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية أن يتلفظوا به، بل ولا يتلفظ به من هو أقل منهم إيماناً، فكيف بهم؟؟؟ ولكنها الغفلة والطيش الذي امتازت به هذه الطائفة حينما قادهم علماء السوء منهم إلى بغض الصحابة والحكم عليهم بالردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الذين استحلوا الكذب على أئمتهم بما ملأوا به كتبهم من روايات هي من مخترعاتهم، والتي هي أيضاً امتداد لأفكار ابن سبأ الضال.
وأما شرف الدين العاملي في مراجعاته التي زعم فيها أنه منصف يقول الحق، فقد جاء في كتابه هذا بالطامات والدواهي الغليظة بما افترى من الكلام والوقيعة في الصحابة عموماً، والخلفاء الثلاثة خصوصاً بطرق غامضة وأساليب ملتوية.
فقد عرَّض بأبي بكر وعمر أنهما خطبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة فلم يزوجها من أحد منهما، وزوجها من علي فحسداه على ذلك وكاداه بكل وسيلة فلم ينجحا. فقال العاملي في ذلك مع الشتم لأبي بكر وعمر رضوان الله عليهما: ((وقد تظافرت الروايات أن أهل النفاق والحسد والتنافس لما علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيزوج علياً من بضعته الزهراء وهي عديلة مريم وسيدة نساء أهل الجنة.
حسدوه لذلك وعظم عليهم الأمر؛ لا سيما بعد أن خطبها من خطبها فلم يفلح.(44/304)
وقالوا: إن هذه ميزة يظهر بها فضل علي، فلا يلحقه بعدها لاحق، ولا يطمع في إدراكه طامع فأجلبوا بما لديهم من إرجاف، وعملوا لذلك أعمالاً، فبعثوا نساءهم إلى سيدة نساء العالمين ينفرنها، فكان مما قلن لها: إنه فقير ليس له شيء لكنها عليها السلام لم يخف عليها مكرهن وسوء مقاصد رجالهن، ومع ذلك لم تبد لهن شيئاً يكرهنه حتى تم ما أراده الله عز وجل ورسوله لها(313).
ولقد نسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم زوج عثمان على ابنتيه، وتمنى أن لو كانت له ثالثة فيزوجه أيضاً. وأن أبا بكر وعمر لم يصنعا هذا الصنيع ولا شيئاً منه تجاهها ولا تآمرا عليه. وقد تناقض العاملي فإنه ذكر أيضاً ما يدل على تبرم فاطمة بزواجها من علي، فقد افترى على أبي هريرة، قال: قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من علي وهو فقير لا مال له؟
قال صلى الله عليه وسلم : يا فاطمة أما ترضين أن الله عز وجل اطلع إلى الأرض فاختار رجلين أحدهما أبوك والآخر بعلك(314). وعن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة في مرض أصابها على عهده فقال لها: كيف تجدينك؟ قالت: والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي. قال صلى الله عليه وسلم: أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي إسلاماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً))(315) ثم قال العاملي: ((والأخبار في ذلك متضافرة لا تحتملها مراجعاتنا))(316).
وقد طعن في إيمان أبي بكر وعمر وطاعتهما للرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك عثمان رضي الله عنه، وكل من أطاعهم فزعم أنهم كانوا لا يمتثلون لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤولون قوله لصالحهم دون أي اكتراث بمخالفته...إلى أن قال: ((أما الخلفاء الثلاثة وأوليائهم فقد تأولوا النص عليه بالخلافة للأسباب التي قدمناها))(317) وزعم أن علياً كان دائم الشكوى من قريش، ومن أبي بكر وعمر، فقال: ((وكم احتج أيام خلافته متظلماً، وبث شكواه على المنبر متألماً))(318).(44/305)
وأنه دائم الدعاء عليهم بقوله: ((اللهم إني أستعينك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي)). ولقد نسي أن علياً بن أبي طالب كان لا يرى الدنيا تساوي شيئاً عنده فكيف بالخلافة التي أخذوها وهو كاره لها، لولا ما كان يؤمله من استقامة الناس على الدين، والقضاء على الفتن.
ومن الأمور التي لم يتورع عنها العاملي زعمه أن الحسن بن عليّ جاء إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: انزل عن مجلس أبي، ووقع للحسين مثل ذلك مع عمر وهو على المنبر أيضاً (319).
وهناك افتراءات كثيرة وتشويه للحقائق وسباب لخيرة الناس بعد محمد صلى الله عليه وسلم، لم يجد العاملي أي حرج في ذكر هذه المواقف التي لا تمت إلى الإسلام بأدنى صلة.
وله في أم المؤمنين عائشة من التعريض بها والسب والشتم –الذي لا يليق إلا به ومن يعتقد معتقده – ما لا أستطيع ذكره هنا لطوله، ولعدم صبر المؤمن على النظر فيه وقراءته.
فقد ذكر في وسط السبب والتعريض بها أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيباً على منبره فأشار نحو مسكنها قائلاً: ((ههنا الفتنة، ههنا الفتنة، ههنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان))(320).(44/306)
ولقد أذهب الحقد والكراهية لأم المؤمنين عقله فادّعى أن قرن الشيطان يطلع من بيت النبي صلى الله عليه وسلم من حجرة عائشة التي دفن فيها، وأن الفتن والشرور كلها تنبعث منه، وحاشا أن يقع، فانظر إلى سفه هؤلاء الفجار...ثم أسند الحديث إلى البخاري ومسلم متجاهلاً معنى الحديث المقصود منه، مؤكدا أنه وارد في عائشة، وفي ذم حجرتها التي حوت قبر الرسول خير البشر صلى الله عليه وسلم واختلق العاملي حديثاً أورده عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: ((ادعوا لي أخي. فجاء أبو بكر فأعرض عنه. ثم قال: ادعوا لي أخي. فجاء عثمان فأعرض عنه، ثم دعي له علي فستره بثوبه وأكب عليه، فلما خرج من عنده قيل له: ما قال لك؟ قال علمني ألف باب، كل باب يفتح له ألف باب))(321)
ويذكر أيضاً أنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كاد للإسلام كثير من العرب والمنافقين، والذين يريدون للإسلام شراً، وهؤلاء في جانب، وفي جانب آخر كان فيه كثير من العناصر الجياشة بكل حنق من محمد وآله وأصحابه، تريد انتهاز الفرصة، وأخذ الحكم قبل أن يستتب الإسلام بقوته ونظامه، ويقصد بهذا أبا بكر وعمر وغيرهما من الصحابة.
ثم قال: ((فوقف أمير المؤمنين بين هذين الخطرين، فكان من الطبيعي له أن يقدم حقه قرباناً لحياة الإسلام، وإيثاراً للصالح العام ... فانقطاع ذلك النزاع، و ارتفاع الخلاف بينه وبين أبي بكر لم يكن إلا فرقاً على بيضة الدين))(322).
وينقل عن عمر رضي الله عن أنه قال لابن عباس في كلام دار بينهما: ((إن قريشاً كرهت أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة فتجحفون على الناس))(323).
وهذه الكذبة مثل الكذبة التي تقول في كتبهم عن الباقر والصادق: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من ادعى إمامة ليست له، ومن جحد إماماً من عند الله، ومن زعم أن أبا بكر وعمر لهما نصيب في الإسلام))(324)(44/307)
أو الكذبة الأخرى في قولهم: ((ولله وراء هذا العالم سبعون ألف عالم في كل عالم سبعون ألف أمّة، كل أمّة أكثر من الجن والإنس، لا هم لهم إلا اللعن على أبي بكر وعمر وعثمان))(325).
وللشيعة دعاء يسمونه ((دعاء صنمي قريش)) أبي بكر وعمر، ونصّه: ((اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما...)) وهذا الدعاء انتظم الخليفة الراشد أبو بكر وعمر وعائشة وحفصة رضوان الله على جميعهم. وقد أشرنا إلى عدائهم للخلفاء في درس الرجعة والمهدية.
وعلى العموم فإن كتبهم مملوءة بالسب والطعن في الصحابة، لا يستثنون إلا خمسة منهم، وقيل سبعة عشر من مجموع ذلك العدد الضخم من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
وللطبرسي في كتابه ((فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب)) من الغمز واللمز والأكاذيب على آل البيت ما يدل دلالة واضحة على بعد هؤلاء العتاة عن الدين الإسلامي الحنيف، وجهلهم بحق الصحابة، وأنهم بعيدون عن هدي الإسلام كل البعد، وهكذا فعل الطوسي في كتابه ((الغيبة))، والخميني في كتبه ردد تلك الأفكار، وبالغ في زخرف القول مثل كتابه ((ولاية الفقيه)) وغيره من كتبه ووصاياه.
وإذا كنت قد وعيت أيها القارئ الكريم كل ما تقدم، ورأيت مواقف الشيعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته وأهل بيته، بل والقرآن الكريم وعامة أهل السنة، ورأيت تلك العداوة الشديدة، وتلك المواقف التي يئن لها قلب كل مسلم ...فإن مما ينبغي أن يطأطأ له الشيعة رؤوسهم خجلاً أن تكون تلك الموقف هي عقيدتهم نحو دين الإسلام وأتباعه وهم يدعون أنهم من أتباعه(44/308)
وأن يذكر المنصفون من كتّاب الشرق والغرب ما يرفع رأس المسلم فخراً واعتزازاً بدينه وبأسلافه، ومن بيانهم لحقائق الإسلام والخلفاء ودورهم المشرق، ودور الصحابة في إسعاد البشرية بوصول الخير إليهم، ونقلهم بكل أمانة ما سعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف نشروا الإسلام، لا لشيء إلا لإرضاء الله تعالى، وقياماً بواجب الدعوة نحو البشرية جمعاء، مع ما كانوا فيه من الفاقة والزهد والترفع عما في أيدي أهل البلاد المفتوحة، وقيامهم بذلك العدل الذي أدهش أهل كل مكان وطئته أقدامهم الكريمة فدخلوا في دين الله أفواجاً راغبين مغتبطين لهذا الدين، وصاروا فيما بعد ذلك من جنود الإسلام الميامين.
شهادة المنصفين:
والآن اسمع ما يقوله المنصفون في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – وهناك عشرات الأمثلة تركتها لئلا يطول البحث، ويمكنك الرجوع إليها بسهولة ويسر (326)
يقول الكاتب الإنجليزي المشهور كاريل في إعجابه بالقرآن الكريم:
((إن القرآن كتاب لا ريب فيه، وإن الإحساسات الصادقة الشريفة والنيات الكريمة تظهر لي فضل القرآن، الفضل الذي هو أول وآخر فضل وجد في كتاب نتجت عنه جميع الفضائل على اختلافها، بل هو الكتاب الذي يقال عنه في الختام: (( {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}(327) لكثرة ما فيه من الفضائل المتعددة))(328).
ويقول الفريد غليوم أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة لندن:
((علينا من المبدأ أن نقرر أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان واحداً من أعلام التاريخ العظماء...إلى أن يقول: إن إخلاص خلفائه لدعوته وإيمانهم بها وفهمهم لها قد جعلهم يعملون على تعميم الدعوة الرحيمة))(329).
وقالت الدكتورة لورافيتشا فاليري الكاتبة الإيطالية في كتابها ((محاسن الإسلام)):(44/309)
((أما الخلفاء الذين خلفوا محمداً صلى الله عليه وسلم في حكم الدولة الإسلامية الذين كانوا تراجم ضميره، فقد صاروا على سننه التي سنها لهم، وحملوا راية الإسلام إلى قلب القارة الآسيوية من جهة، وإلى أمواج المحيط الأطلسي من جهة أخرى))(330).
ويقول الدكتور م.أهنو قنصل اليابان في مصر، معجباً بالقرآن وما فيه من الهدى والخير:
((إن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إذا تمسكوا بما جاء في القرآن الكريم من تعاليم فإن هذا يكون سبباً في تقدمهم في نواحي الحياة الاجتماعية والأدبية والدينية والسياسية؛ لأن القرآن قد جمع المدنيات قديمها، وحديثها، وهو كتاب جامع شامل))(331).
وقال المسيو جوته:
((كلما قلَّبنا النظر في القرآن الكريم تملكنا الروعة والوجل، لكننا سرعان ما نشعر نحوه بجاذبية تنتهي بنا حتماً إلى الإكبار، فهو بين الكتب المقدسة نموذج عال رفيع، ولسوف يحيا تأثيره في النفوس في جميع الأجيال والعصور))(332).
ويقول الأستاذ شيرل عميد كلية الحقوق بجامعة فيينا في مؤتمر الحقوق عام 1937م:
((إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد صلى الله عليه وسلم إليها، إذ إنه رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة))(333).
وقال الأستاذ خليل إسكندر قبرصي في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه بعده: ((هذا الذي امتدت أيدي خلفائه إلى أقصى حدود أوروبا، فأناروا بحسن عدلهم وأمانتهم، وجميل تقواهم ظلماتها، ومزقوا بنور الفرقان دياجر جهالتها))(334).(44/310)
وهناك نصوص كثيرة جداً من هؤلاء الذين يحبون صفة الإنصاف فاقرأها وقارن بين مواقف هؤلاء ومواقف الشيعة لترى الغبن الفاحش للمسلمين بانتساب هؤلاء إليهم، مع بقائهم على تلك الأقوال والمعتقدات التي قدمنا ذكرها عن خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته وأهل بيته وعامة المسلمين وكتابهم المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وفي الكتاب والسنة والإجماع وأقوال أهل البيت وسائر علماء الإسلام ما يغني عن الاستشهاد بكلام غير المسلمين لولا أني أردت إظهار خزي الرافضة.
7- قولهم بالبداء على الله:
البداء: معناه الظهور بعد الخفاء، كما في قوله تعالى:{وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}(335) أي ظهر.
ومعناه أيضاً: حدوث رأي جديد لم يكن من قبل، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}(336) .
وله معان أخرى كلها لا تخرج عن مفهوم تجدد العلم بتجدد الأحداث.
وهذه المعاني تستلزم سبق الجهل وحدوث العلم تبعاً لحدوث المستجدات لقصور العقول عن إدراك المغيبات.
وإذا أطلقت هذه المعاني على الإنسان فلا محذور فيها لتحققها فيه، وأما إذا أطلقت على الله عز وجل فلا شك أنها كفر تخرج صاحبها من الملة، ذلك أن الله تعالى عالم الغيب والشهادة، يعلم السر وأخفى، ويعلم ما ظهر وما سيظهر على حد سواء، ومحال عليه عز وجل حدوث الجهل بالشيء فتبدو له البداءات فيه.
وهذه العقيدة معلومة من الدين بالضرورة أنها باطلة لدى كافة المسلمين، ولا يتصور اتصاف الله بها إلا من لا معرفة له بربه، واستحوذ عليه الجهل والغباء. فما هو موقف الشيعة من هذه القضية؟.(44/311)
الواقع أن كل كتب الشيعة تؤكد وجود اعتقاد هذه الفكرة عن الله، بل ووصل بهم الغلو إلى حد أنهم يعتبرونها من لوازم الإيمان، كما سيأتي ذكر النصوص عنهم، إلا أن الأشعري يذكر عنهم أنهم اختلفوا في القول بها إلى ثلاث مقالات:
* فرقة منها يقولون: إن الله تبدو له البداوات، وإنه يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات، ثم لا يحدثه بسبب ما يحدث له من البداء، وفسروا النسخ الحاصل في بعض الأحكام على أنه نتيجة لما بدا لله فيها...تعالى الله عن قولهم.
* وفرقة أخرى فرّقوا بين أن يكون الأمر قد اطلع عليه العباد أم لا، فما اطلعوا عليه لا يجوز فيه البداء، وما لم يطلعوا عليه –بل لا يزال في علم الله- فجائز عليه البداء فيه.
* وذهب قسم منهم إلى أنه لا يجوز على الله البداء بأي حال.
هذا ما قرره الأشعري(337)، ولكن كما قدمنا فإنه بالرجوع إلى مصادر الشيعة الإمامية الرافضة تجد أنهم متمسكون بهذا المبدأ ويقرون أن الله تبدو عليه البداوات، ويذكرون فيه فضائل من يعتقد على الله البداء أكاذيب كثيرة منكرة دون ذكر خلاف بينهم، وقد يصدق كلام الأشعري على بعض المعتدلين ممن مال إلى التشيع، ولم يغلوا فيه غلو الإمامية.
أدلتهم على القول بالبداء:
تمسك الرافضة بعقيدة البداء تمسكاً شديداً، ولهذا فإن أدلته في كتبهم لا تكاد تحصر.
ومن ذلك ما ذكره الكليني في الكافي، حيث عقد باباً كاملاً في البداء سماه ((باب البداء))، وأتى فيه بروايات كثيرة توضح بجلاء مقدار تعلقهم بعقيدة البداء، منها:
* عن زرارة بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال: ((ما عبد الله بشيء مثل البداء)).
والحقيقة ما عبد الله بشيء مثل التوحيد له عز وجل والانقياد التام، وأما البداء فهو عقيدة يهودية، من قال بها فقد وصف ربه بالنقص والجهل والتخبط في الاعتقاد.(44/312)
* وفي رواية ابن عمير عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام: ((ما عُظِّم الله بمثل البداء))(338).
* وعن أبي عبد الله أنه قال: ((لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه))(339).
وعن مرزام بن حكيم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ((ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله بخمس: بالبداء والمشيئة والسجود والعبودية والطاعة))(340).
وهذه لا يظهر أنها خمس؛ فالسجود والعبودية والطاعة كلمات تغني كل واحد منها عن الأخرى.
وعن الريّان بن الصلت قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: ((ما بعث الله نبياً إلا بتحريم الخمر، وأن يقر لله بالبداء))(341).
وهذا غير متيقن فإن شرائع الأنبياء تختلف في الفروع، ولم تتفق دعوة الأنبياء على التأكيد إلا في الدعوة إلى توحيد الله وعبادته.
ومن تمجيدهم لمن يقول بالبداء ما رواه الكليني عن جعفر أنه قال: ((يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة واحدة، عليه سيما الأنبياء، وهيبة الملوك))(342).
وعن أبي عبد الله قال: ((إن عبد المطلب أول من قال بالبداء، ويبعث يوم القيامة أمة واحدة، عليه بهاء الملوك وسيما الأنبياء))(343).
والمعروف –حسبما يذكر علماء الفرق- أن أول من قال بالبداء في الإسلام وأظهره هو المختار بن أبي عبيد، وأن عبد المطلب لم يدخل الإسلام.
ويبدو القول بالبداء واضحاً فيما نقل الكليني عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ((يا ثابت، إن الله وقَّت هذا الأمر –أي خروج المهدي- في السبعين، فلما قتل الحسين صلوات الله عليه اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة، فحثّناكم فأذعتم الحديث، فكشفتم قناع الستر ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتا عندنا،{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}(344)(44/313)
قال أبو حمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله عليه السلام فقال: قد كان ذلك(345).
ومفهوم هذا النص أن الله تعالى حينما وقّت خروج المهدي في أربعين ما كان يعلم عن مصير الحسين، فلما قتل الحسين غضب الله تعالى على الناس فأخر خروج المهدي جزاءً لقتله وانتقاماً من الناس.
ومعلوم أن نسبة الجهل إلى الله تعالى كفر وردة كما تقدم، فإن الله تعالى قد كتب على الحسين كل ما هو لاقيه قبل أن يخلق السموات والأرض، واشتداد غضب الله تعالى حين قتل الحسين وبتلك الصورة المفاجئة يدل على أنه لم لكن يعلم ذلك، وإلا لاشتد الغضب قبل قتله، ولأخّر ظهور المهدي قبل توقيته في السبعين.
وبعد أن ذكر الطوسيّ جملة من أخبار البداء قال:
((فالوجه في هذه الأخبار أن نقول إن صحت: إنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى قد وقّت هذا الأمر في الأوقات التي ذكرت، فلما تجدّد ما تجدّد تغيرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر، وكذلك فيما بعد ويكون الوقت الأول، وكل وقت لا يجوز أن يؤخر مشروطاً بألا يتجدد ما تقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيء الوقت الذي لا يغيره شيء فيكون محتوماً)) (346).
وهذا هو إثبات الجهل بعينه لتوقف الأمور على ظهور المستجدات والمصلحة فيها.
أول من قال بالبداء على الله تعالى:
يبدو أن أول ادعى البداء على الله تعالى هم اليهود، قالوا: إن الله تعالى خلق الخلق، ولم يكن يعلم هل يكون فيهم خير أو شر، وهل تكون أفعالهم حسنة أم قبيحة، فقد جاء في سفر التكوين في الإصحاح السادس من التوراة ما نصه:
((ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه جداً فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته لأني حزنت أني عملتهم))(347).(44/314)
وهذا النص وأمثاله يفيد صراحة أن الله قد بدت له أمور لم يكن يعلمها، فحزن حزناً شديداً حين رأى معاصي البشر.
فالبداء عقيدة يهودية مدوّنة في كتبهم المحرفة، ونفس هذه الأفكار مدونة عند الشيعة، فالكليني –كما رأينا فيما سبق- يروي عن الأئمة فضائل كثيرة لاعتقاد هذا الكفر، حتى وإن ذكر بعض الروايات التي تفيد عدم حصول جهل الله بالأمور قبل ظهورها لكنها لم تكن صريحة مثل النصوص الأخرى التي سبق ذكرها عنهم.
ويذكر الكثير من العلماء أن أشد من تزعم القول بالبداء في الإسلام هو المختار بن أبي عيبد الثقفي تغطية لكذبه، قال البغدادي مبيناً سبب ادعاء المختار القول بالبداء على الله تعالى:
((وأما سبب قوله بجواز البداء على الله عز وجل فهو أن إبراهيم بن الأشتر لما بلغه أن المختار قد تكهّن وادعى نزول الوحي عليه قعد عن نصرته واستولى لنفسه على بلاد الجزيرة، وعلم مصعب بن الزبير أن إبراهيم بن الأشتر لا ينصر المختار فطمع عند ذلك في قهر المختار، ولحق به عبيد الله بن الحر الجعفي ومحمد بن الأشعث الكندي وأكثر سادات الكوفة غيظاً منهم على المختار لاستيلائه على أموالهم وعبيدهم، وأطمعوا مصعباً في أخذ الكوفة قهراً.
فخرج مصعب من البصرة في سبعة آلاف رجل من عنده سوى من انضم إليه من سادات الكوفة، وجعل على مقدمته المهلّب بن أبي صفرة مع أتباعه من الأزد، وجعل أعنة الخيل إلى عبيد الله بن معمّر التيمي، وجعل الأحنف ابن قيس على خيل تميم...
فلما انتهى خبرهم إلى المختار أخرج صاحبه أحمد بن شميط إلى قتل مصعب في ثلاثة آلاف رجل من نخبة عسكره، وأخبرهم بأن الظفر يكون لهم، وزعم أن الوحي قد نزل عليه بذلك، فالتقى الجيشان بالمدائن، وانهزم أصحاب المختار وقتل أميرهم ابن شميط وأكثر قوّاد المختار، ورجع فلولهم إلى المختار وقالوا له: ألم تعدنا بالنصر على عدونا وقد انهزمنا؟(44/315)
فقال: إن الله تعالى كان قد وعدني بذلك، لكنه بدا له، واستدل على ذلك بقوله عزّ وجلّ: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}(348). فهذا كان سبب قول الكيسانية بالبداء))(349).
ويقول الشهرستاني في تقريره لهذه القضية: ((وإنما ضار المختار إلى اختيار القول بالبداء لأنه كان يدعي علم ما يحدث من الأحوال، إما بوحي يوحى إليه، وإما برسالة من قبل الإمام، فكان إذا وعد أصحابه بكون شيء وحدوث حادثة، فإن وافق كونه قوله جعله دليلاً على صدق دعواه، وإن لم يوافق قال: قد بدا لربكم. وكان لا يفرق بين النسخ والبداء. قال: إذا جاز النسخ في الأحكام جاز البداء في الأخبار)) (350).
ومعلوم عند كافة أهل العلم أن النسخ ليس معناه البداء على الله تعالى، وإنما النسخ رحمة من الله تعالى وتدرّج في الأحكام.
ولكن الشيعة أيضاً هم على هذا الرأي، وهو عدم التفريق بين النسخ والبداء، وفي هذا يقول الطوسي.
((وعلى هذا يتأول أيضاً ما روي من أخبارنا المتضمنة للبداء ويبيّن أن معناها النسخ على ما يريده جميع أهل العدل فيما يجوز فيه النسخ، أو تغير شروطها إن كان طريقها الخبر عن الكائنات (351).
وعلى كل حال فإنه ما من مسلم سليم الفطرة، لم تدنس فطرته بشبهات المبطلين وأقوايل الضالين إلا وهو يعتقد أن الله تعالى لا يلحقه نقص في علمه المحيط بكل شيء، وأن ادّعاء البداء على الله معناه نسبة الجهل إليه جل وعلا، وهذا كفر صريح.
ولقد أصبح الشيعة باعتقادهم هذا –كما يقول العلماء- ((عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منهم كل عاقل بسبب ما اعتقدوه من مثل هذه الضلالات))(352) .(44/316)
وبالرجوع إلى القرآن الكريم وإلى السنة النبوية وإلى أقوال أهل العلم، وإلى فطرة كل شخص نجد أن كل ذلك يضحد ما ذهب إليه علماء الشيعة ويبطل القول بالبداء، وأن الذين يطلقون ذلك على الله ما عرفوه وما قدروه حق قدره...ففي القرآن الكريم آيات تكذب كل زعم يقول بالبداء على الله عز وجل، ومن ذلك:
... 1- قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (353)
2- قوله تعالى: { يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}(354).
... 3- قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ }(355).
وفي السنة أحاديث كثيرة تدل على ما دلت عليه تلك الآيات، ومعلوم أن هذه الفكرة لم ترد على أذهان السلف الأوائل؛ بل إنهم كانوا يعتبرونها من وساوس الشيطان ويستعيذون بالله منها، فإن الله قد أحاط بكل شيء علماً، والله لم يثبتها لنفسه والأنبياء لم يقرّوا لله بها –كما زعم الشيعة- وإنما أقر بها اليهود، وروجها عبد الله بن سبأ في الإسلام. وجدّدها المختار، وتلقفها عنهم الحاقدون على الإسلام الذين يطمعون في التلاعب بمفاهيم المسلمين وتشويه معتقداتهم، وليكون ذلك أيضاً غطاءً لما يريدونه من مخططات لهدم الإسلام.
ومما لا يتطرق إليه الشك أن الشيعة –وهم يستحلون الكذب على الله وعلى الناس- أنهم هم الذين اخترعوا تلك النصوص ونسبوها إلى بعض العلماء الأجلاء من آل البيت لتكتسب بذلك وجهاً عند عوام المسلمين فيتقبلوها، ليتم لأولئك ما أرادوه من نيات سيئة بيّتوها للإسلام والمسلمين.
* * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الثامن
الشيعة في العصر الحاضر وهل تغير خلفهم عن سلفهم؟(44/317)
لقد تعمد علماء الشيعة مغالطات الناس قديماً وحديثاً في إبداء نظرتهم إلى المخالفين لهم من سائر الناس ومن أهل السنة –بخصوصهم- متخذين من التقية منفذاً لكل ما يريدونه من قول أو فعل، كما أنها تظهر بين آونة وأخرى كتابات لهم تبدي في الظاهر تقاربهم من أهل السنة، فانخدع الكثير بتلك الدعايات ولكن تبين أن الشيعة سلفاً وخلفاً لم يتغير موقفهم قيد أنملة.
وتبين لأهل السنة ولكل مخلص أنه لم تُجدِ جميع المحاولات التي قاموا بها في دعوة الشيعة إلى التقارب، ذلك أن الشيعة قد قام دينهم من أول يوم على أساس التقية والكذب، كما تُصّرح بذلك كتبهم الموثوقة لديهم مثل الكافي الذي هو بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة.
فهو مملوء بما لا يمكن أن يحصل بين الشيعة والسنة اتفاق ما داموا يعتبرونه مصدراً لهم، ويؤمنون بصحة ما فيه من الكفر والشرك ورفع الأئمة إلى مرتبة الألوهية في أبواب كثيرة منه يصرح فيها بأنه لا حق إلا ما أخذ عن الأئمة الذين يعلمون الغيب ويحق لهم التشريع كما يريدون.
وهذا الغلو بعيد جداً عن تعاليم الإسلام إضافة إلى ما جاء فيه من البشارة لليهود بعودة الحكم والتمكين لهم في الأرض حينما يظهر أمر الأئمة، كما في باب ((أن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يُسألون البينة)).
قال: ويروى عن عمار الساباطي قوله لأبي عبد الله جعفر بم تحكمون إذا حكمتم؟ قال: بحكم الله وحكم داود.
كذلك موقف الغلاة منهم من القرآن الكريم واعتقادهم أن فيه نقصاً وتحريفاً، وكذلك موقفهم من الصحابة وما حكموا به عليهم من الكفر والردة وسبابهم الشنيع لهم، كل ذلك وغيره من عقائدهم الأخرى يجعل مانعاً قوياً بينهم وبين أهل السنة، وأقرب مثال على ذلك دار التقريب التي فتحت مؤخراً بين السنة والشيعة في القاهرة منذ زمن، واستمرت المحاولات على قدم وساق من جانب واحد وهو جانب أهل السنة.(44/318)
وحينما تبين لأهل السنة أن هذه المحاولات لم تُجْدِ شيئاً أصيبوا بخيبة أمل، وزاد الأمر وضوحاً لدى أهل السنة أن الشيعة لم يرضوا أن تفتح دور مماثلة للتقارب في النجف وقم وغيرهما من مراكز الشيعة لأنهم إنما يريدون من التقريب أن يتم بجذب أهل السنة إليهم وإلى غلوهم في التشيع فقط كما سبق ذكره.
ولقد حذر كبار علماء الإسلام منذ القدم من هؤلاء الشيعة، فقال الشافعي: ((ما رأيت في أهل الأهواء قوماً أشهد بالزور من الرافضة))(356).
وقال شريك بن عبد الله القاضي: ((أحمل عن كل من لقيت إلا الرافضة، فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه ديناً))(357).
وبمثل هذا الكلام قال الإمام مالك وابن المبارك وأبو زرعة وغيرهم والرازي والطحاوي والإمام أبو حنيفة وابن تيمية وابن القيم وغيرهم.
كما ردّ عليهم علماء معاصرون، وبينوا كفر الشيعة وعنادهم وكرههم لمن عداهم من المسلمين. كما حذر هؤلاء من الانخداع بهم، فارجع أيها المسلم إلى ما قاله عنهم هؤلاء الأفاضل، وانظر ما قاله الألوسي ومحب الدين الخطيب وبهجت البيطار ومحمد رشيد رضا والهلالي ومصطفى السباعي والمودودي وابن باز والشيخ الأمين، غيرهم من العلماء الذين عرفوا حقيقة الشيعة ويئسوا من التقارب معهم.
وقد وجدت الآن كتب تبين حقيقة الشيعة في هذا العصر الذي يقودهم فيه الخميني، وتبين أهداف الخميني ونواياه بالمسلمين من أهل السنة، ولعله يريد أن يعيد ما فعله ابن العلقمي سنة (656) ببغداد بالخلافة الإسلامية من تشجيعه للتتار على التنكيل بالمسلمين وغير ذلك من الأحداث التي تشهد بمواقف الشيعة وخيانتهم.(44/319)
ومما هو جدير بالتنبيه إليه أنه حينما اشتد الخلاف بين السنة والشيعة وأقلق ذلك الملك نادر شاه سنة (1156هـ) أمر بعقد مؤتمر في النجف يوم 26/10/1156هـ حضره علماء السنة والشيعة من العراق وإيران والتركستان والأفغان لبحث هذه الأمور التي فرقت بين المسلمين حيث كفّر بعضهم بعضاً ...الأفغان والتركستان يكفرون الإيرانيين لأنهم يسبون الشيخين، ويكفرون الصحابة ويقولون بحل المتعة، ويفضلون علياً على أبي بكر.
وبعد أن تم الاجتماع وحضرت جموع كثيرة من كلا الجانبين وبحثوا في تلك القضايا التي سجلها أهل السنة على الشيعة اتفق رأيهم على ما تنص عليه الوثيقة التالية:
((إن الله اقتضت حكمته إرسال الرسل، فلم يزل يرسل رسولا بعد رسول حتى جاءت نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولما توفي وكان خاتم الأنبياء والمرسلين –اتفقت الأصحاب رضي الله عنهم على أفضلهم وأخيرهم وأعلمهم أبي بكر الصديق ابن أبي قحافة رضي الله عنه، فأجمعوا واتفقوا على بيعته كلهم حتى الإمام علي بن أبي طالب بطوعه واختياره من غير جبر أو إكراه فتمت له البيعة والخلافة .
وإجماع الصحابة رضي الله عنهم حجة قطعية، وقد مدحهم الله في كتابه المجيد فقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ }(358) وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ }(359).
وكانوا إذ ذاك سبعمائة صحابي، وكلهم حضروا بيعة الصديق، ثم عهد أبو بكر بالخلافة إلى عمر بن الخطاب فبايعه الصحابة كلهم حتى الإمام علي ابن أبي طالب، ثم اتفق رأيهم على عثمان بن عفان، ثم استشهد عثمان في الدار ولم يعهد فبقيت الخلافة شاغرة، فاجتمع الصحابة في ذلك العصر على علي بن أبي طالب.(44/320)
وكان هؤلاء الأربعة في مكان واحد، وفي عصر واحد، ولم يقع بينهم تشاجر ولا تخاصم ولا نزاع، بل كان كل منهم يحب الآخر ويمدحه ويثني عليه، حتى إن علياً رضي الله عنه سئل عن الشيخين فقال: هما إمامان عدلان قاسطان، كانا على حق وماتا على حق، فاعلموا أيها الإيرانيون أن فضلهم وخلفتهم على هذا الترتيب، فمن سبّهم وانتقصهم فماله وولده وعياله ودمه حلال للشاة، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وقد سجلت وقائع هذا المؤتمر ومناقشاته والملابسات التي صحبته في رسالة صغيرة بعنوان ((مؤتمر النجف))(360) وقد ضمت تلك الرسالة تفصيلات أخرى فيما دار من حوار بين الإيرانيين وعلماء الأفغان لا نرى ضرورة لتسجيلها هنا، بل اقتصرنا على ذكر الخلاصة التي انتهى إليها المؤتمر، والتي تعتبر بمثابة توصية عامة يلتزم بها الجميع من أهل السنة والشيعة، وفيها –كما ترى- النص على ترك كل ما يثير الخلاف والفرقة بين المسلمين.
ولو التزم الشيعة بعد ذلك بهذه الوثيقة لاجتمع أمر المسلمين على كلمة سواء، ولكن الشيعة لم يلتزموا بهذا الاتفاق بل كانوا يراوغون ويخادعون.
وشيعة اليوم لا يختلفون عن شيعة الأمس في المراوغة والكيد، وفي الغلو أيضاً، فهذا الخميني زعيم ثورتهم في إيران يصرح بتعصبه الشديد وخروجه عن الحق في الأئمة، ورفعهم فوق مكانتهم البشرية فهو يقول:
((إنهم عليهم السلام يختلفون عن سائر الناس اختلافاً في قدم الخلق وفي الوجود، ولهم مع الرب تعالى مرتبة لا يدانيها ملك مقرب ولا نبي مرسل))(361).
ولهم نشاط في استجلاب الناس إليهم حتى انخدع كثير من أهل السنة بهم وصاروا شيعة، ووصل عددهم كما زعم الخميني (200) مائتي مليون شيعي(362).
وإرضاؤهم لعلماء السنة بالكلمات الجميلة إنما هو من باب التقية حتى يتمكنوا من إتمام مخططاتهم في إقامة دولة شيعية عالمية.(44/321)
وفي هذا يقول الخميني: ((لا تبعدوا الناس عنكم الواحد تلو الآخر، لا تكيلوا التهم لهم بالوهابية تارة وبالكفر أخرى، فمن يبقى حولكم إذا عمدتم إلى ممارسة هذا الأسلوب))(363).
وهو بهذه النصيحة إنما يريد أن يحثهم على معرفة طريق الخداع والنفاق، وإلا فإن قلبه –كما تشهد بذلك كتبه- يغلي حقداً على أهل الحق ابتداءاً بأبي بكر وانتهاءً بالموجودين في عصره.
ولهذا فقد أمر الخميني الحجاج الإيرانيين بأن يصلوا مع أهل السنة تقية منهم وخداعاً للناس، كما كان يفعل قادة الشيعة حينما كانوا يصلون خلف أهل السنة أحياناً ثم يعيدون صلاتهم بعد ذلك، كما صرح بهذا أحد علماء الشيعة المعاصرين حين قال الدكتور موسى الموسوي:
((وعندما أكتب هذه السطور هناك آلاف مؤلفة من الشيعة الإمامية يعملون بالتقية في أعمالهم الشرعية، فهم يحملون معهم التربة الحسينية التي يسجدون عليها في مساجدهم، ولكنهم يخفونها في مساجد الفرق الإسلامية الأخرى، وكثير منهم يقيمون الصلوات في مساجد السنة مقتدياً بإمام المسجد وإذا عادوا إلى بيوتهم أعادوا الصلاة عملاً بالتقية معتمدين على روايات نسبت إلى أئمة الشيعة في التقية))(364).
ولقد بلغ الحقد الشيعي على المسلمين – وخصوصاً أهل السنة - في عصرنا الحاضر إلى حد الاستهتار بدماء المسلمين وأعراضهم، وتهديد أمنهم في بيوتهم ولعل ما فعلوه في مكة المكرمة في حج عام 1407هـ أقوى شاهد على مدى حقدهم، ونظرتهم إلى المخالفين لهم، حينما تظاهروا في الحج ما يقارب مائة وخمسين ألفاً، وهجموا يريدون الكعبة، وتجمعوا في مظاهرات غوغائية، وكانوا يهدفون إلى تحقيق مخطط رهيب رافعين شعاراتهم وصور زعيمهم الخميني، وتقدموا رجالاً ونساءً يريدون الحرم، لولا أن الله تعالى وبفضله ثم يقظة الحكومة السعودية لنجح مخطط أولئك.(44/322)
وحيل بينهم وبين دخول الحرم، واشتبكوا مع المسلمين من المواطنين والجنود وبقية الحجاج من المسلمين في قتال ضار، أريقت فيه دماء المسلمين الأبرياء، وراح زعماؤهم يلقون التهديدات بشتى الأساليب للكرة مرة أخرى، وسيردّ الله كيدهم إلى نحورهم:{ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ }(365).
وقد حدث بالفعل أيضاً أن أوعزوا إلى بعض عملائهم في حج عام 1409هـ بزرع متفجرات حول الحرم المكي الشريف في يوم 7 ذي الحجة، وقام هؤلاء بهذه الجريمة النكراء وراح ضحيتها حجاج أبرياء جاؤوا لأداء فريضة الحج، ثم اندس أولئك العملاء في الناس، وظنوا أنهم نفذوا جريمتهم، وشفوا حقد صدورهم.
ولكن الله أطلع الحكومة السعودية بتوفيقه فنالوا جزاءهم في الدنيا بتنفيذ حكم الله في المحاربين، وقتلوا وسجن بعضهم..مع أن الحج نفسه لم يكن هدف الحجاج الإيرانيين، بل الهدف زيارة مرقد الرسول صلى الله عليه وسلم ومراقد الأولياء كما صرحوا بهذا في منشور المظاهرة التي نظموها عام 1406هـ جاء فيه:
((فإننا نحن حجاج بيت الله القادمون من كل فج عميق لزيارة مرقد خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأولياء الله الصالحين والصلاة في مسجد الرسول، خرجنا اليوم في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرة ...إلخ في25/11/1406هـ.
ولا ينبغي كذلك أن ننسى ما يفعلونه اليوم والحرب تدور رحاها في لبنان ليلاً ونهاراً كيف تعامل أحزابهم الكثيرة المسلمين من أهل السنة بخصوصهم بكل قسوة وعنف وكيف تفننوا في التنكيل لهم كما تفعل اليهود أو أشد –كما يروي البعض- مع تظاهرهم بالإسلام وهم والنصيريون يد واحدة ذئاب شرسة على الإسلام والمسلمين.(44/323)
وهم على وتيرة واحدة سلفهم وخلفهم من أشد أعداء أهل السنة ومن أكثرهم تآمراً عليهم، ولقد كان المسلمون يُذبحون في بغداد ويحرقون بالألوف أمام ابن العلقمي والنصير الطوسي وهما يدلان التتار على عورات المسلمين، وعلى كتبهم وعلى أماكن اختبائهم، وكانا يظهران الفرح والشماتة بالمسلمين، ثم تلت ذلك أحداث لا حصر لها كان هؤلاء الشيعة أنكى الناس والملل كلها بالمسلمين.
ولا غرابة في هذا منهم ماداموا قد أبغضوا خيرة أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، ولعنوهم في كل صباح ومساء ورووا في مثالبهم ما لا يفعله الوثنيون، ويتنزه عنه الإباحيون، ويكفي أنهم حكموا عليهم بأنهم ارتدوا عن دين الإسلام، وأخفوا كثيراً من القرآن، وقذفوا أم المؤمنين.
وفي عصرنا الحاضر من الأمثلة ما لا يكاد يحصر، ويكفي أنهم يسمون أهل السنة والجماعة ((النواصب)) ثم يكيلون لهم اللعنات وأشد الافتراءات، بل ويفضلون الكلاب عليهم ويعتبرونهم من المغضوب عليهم عند الله، ولم يعترفوا لهم بأقل الصفات البشرية.
يقول الخميني في حكمه على أهل السنة الذين يسميهم نواصب: ((وأما النواصب والخوارج –لعنهم الله تعالى- فهما نجسان من غير توقف))(366).
ويقول في مساواة المسلمين بغير المسلمين في التذكية بالكلب المعلَّم.
((الثاني: أن يكون المرسلِ مسلماً أو بحكمه، كالصبي الملحق به بشرط كونه مميزاً، فلو أرسله كافر بجميع أنواعه، أو من كان بحكمه كالنواصب لعنهم الله لم يحل أكل ما قتله))(367)
بل ويرى عدم جواز الصلاة على ميت أهل السنة الذين يسميهم زورا بالنواصب فقال:
((يجب الصلاة على كل مسلم وإن كان مخالفاً للحق على الأصح، ولا يجوز على الكافر بأقسامه حتى المرتد، ومن حكم بكفره ممن انتحل الإسلام كالنواصب والخوراج))(368).
ثم أدركه عرق السوء الذي جعل أسلافه يعتقدون بأن في القرآن تحريفاً وزيادة ونقصاً فهو يقرر ما يلي:(44/324)
((مسألة: سورة الفيل والإيلاف سورة واحدة، وكذلك الضحى وألم نشرح فلا تجزئ واحدة منها، بل لابد من الجمع مرتباً مع البسملة الواقعة في البين))(369) أي أنه لم يكن على اقتناع من وضع القرآن وترتيبه.
* * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل التاسع
الحكم على الشيعة
يسأل كثير من الدارسين عن حكم الشيعة ...هل هم كفار خارجون عن الملة، أم هم في عداد الفرق الإسلامية؟
وبغض النظر عن اختلاف وجهات نظر العلماء في الحكم عليهم، وبغض النظر أيضاً عما يورده كل فريق من أدلة على ما يذهب إليه فإن الواقع يدل على أن الحكم على الشيعة أو غيرهم من الفرق بحكم واحد يحتاج إلى تفصيل
فأما بالنسبة للشيعة بخصوصهم الذي اتضح لي:
1- أن الشيعة ليسوا جميعاً على مبدأ واحد في غير دعوى التشيع، فمنهم الغلاة الخارجون عن الملة بدون شك، ومنهم من يصدق عليهم أنهم مبتدعون متفاوتون في ابتداعهم، فبعضهم أقرب من البعض الآخر.
2- أن التثبت في تكفير المعين أمر لا بد منه، إذ ليس كل من انتسب إلى طائفة خارجة عن مذهب السلف في بعض القضايا يحق تكفيره.
3- ليس معنى التثبت في تكفير المعين أننا لا نطلق على الطائفة الخارجة عن الحق ألفاظ التبديع والتضليل والخروج عن الجماعة، لأن ذلك الحكم خاص بتعيين الأفراد لا الجماعة عموماً، خصوصاً من وجدنا نصاً فيهم.
وعلى هذا فالحكم العام على الشيعة أنهم ضلال فساق خارجون عن الحق، وهالكون مع الفرق التي أخبرت عنها الأحاديث – حكم لا غبار عليه.
4- اتضح أن الشيعة عندهم مبادئ ثابتة في كتبهم المعتمدة، قررها رجالاتهم المعتبرون قدوة في مذاهبهم، من قال – ولو ببعض من تلك المبادئ - فلا شك في خروجه عن الملة الإسلامية، ومنها:(44/325)
أ- قولهم بتحريف القرآن وأنه وقع فيه الزيادة والنقص حين جمعه أفاضل الصحابة رضوان الله عليهم، كما صرح بذلك الطبرسي في كتاب ((فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب))، وغيره من كتب الشيعة، وانتظارهم أيضاً مصحف فاطمة كما يزعمون.
ب- غلوهم في أئمتهم وتفضيلهم على سائر الأنبياء كما ملئت بذلك كتبهم القديمة، والحديثة، الكافي وما كتبه الخميني في العصر الحديث.
ج - غلوهم في بُغض الصحابة ممن شهد الله لهم بالفوز والنجاة، كأبي بكر وعمر وعثمان وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وحفصة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وردهم شهادة أم المؤمنين رضي الله عنها، وبقاؤهم على عداوتها وإفكهم عليها، واعتبارها عدوة وليست بأم، وهذا حق، فإنها ليست لمثل هؤلاء بأم، فهي أم المؤمنين فقط.
د- قولهم بالبداء على الله تعالى، وقد تنزه الله عن ذلك.
ومواقف أخرى يصل خلافهم فيها إلى سلب العقيدة الإسلامية من جذورها في كل قلب تشبع بها.
وأما من لم يقل بتلك المبادئ، وكان له اعتقادات أخرى لا تخرجه عن الدين، فإنه تقام عليه الحجة ثم يحكم عليه بعد ذلك حسب قبوله الحق أو ردّه له.
* * * * * * * * * * * * * * * **
من مراجع فرقة الشيعة
كتاب الكافي: للكليني.
فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب: للطبرسي.
تحرير الوسيلة: للخميني.
كتاب الغيبة: للطوسي.
ولاية الفقيه: للخميني.
الشعائر الحسينية: للشيرازي.
فرق الشيعة: للنوبختي.
مختصر التحفة الاثني عشرية ...للآلوسي.
الفقه الجعفري وأصوله: للسالوس.
الرد على الرافضة: للمقدسي.
المراجعات: للعاملي مع الرد عليها للزعبي.
وجاء دور المجوس: للغريب.
أمل والمخيمات الفلسطينية: للغريب.
الخميني بين التطرف والاعتدال: للغريب.
أبرهة الجديد: لقنديل.
سراب في إيران: للأفغاني.
الثورة البائسة: للموسوي.
الشيعة في الميزان: للنجرامي.(44/326)
الشيعة وتحريف القرآن: لمحمد مال الله.
الشيعة والتصحيح: للموسوي.
عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام: لسليمان حمد العودة.
عبد الله بن سبأ حقيقة لا خيال: لسعدي الهاشمي.
السبئيون منهجاً وغاية: د.حمدي عبد العال.
إحسان إلهي ظهير في كتبه:
الشيعة والسنة.
الشيعة وأهل البيت.
الشيعة والقرآن.
الشيعة والتشيع.
والحمد لله رب العالمين.
* * * * * * * ** * * * **(44/327)
فرق معاصرة
تنتسب إلى الإسلام
وبيان موقف الإسلام منها
تأليف
د. غالب بن علي عواجي
عضو هئية التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
الجزء الثاني
http://www.saaid.net
الباب الخامس
الباطنية
الفصل الأول
تمهيد في بيان خطر هذه الطائفة
مذهب الباطنية من أخبث وأردأ المذاهب، وأهله من عتاة الشر وأفسد المخلوقات، وهم أعدى أعداء المسلمين قديماً وحديثاً، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى بعض عقائدهم نحو المسلمين، فذكر أن لهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة، فإذا كانت لهم مكنة يسفكون دماء المسلمين، وإن عجزوا لجئوا إلى الخطط والمؤامرات السرية ضدهم، وحينما استولوا على البحرين وصارت لهم فيه دولة عاثوا فساداً.
وكذلك حينما تمكنوا من الوصول إلى مكة والناس في الحج قتلوا الحجيج، بل حصدوهم كما تحصد الحشائش، وألقوا بجثثهم في بئر زمزم، وبعضهم دفنوهم في صحن المسجد، وبعضهم تركوهم جثثاً منثورة، ثم اقتلعوا الحجر الأسود وأخذوه معهم، وقتلوا من علماء المسلمين ومشائخهم وأمرائهم وجندهم ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى.
وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين، فقد كانوا في أيام الحروب الصليبية أعظم أعوان النصارى، فلم يستول الصليبيون على السواحل الشامية إلا من جهتهم، وما دخل التتار بلاد المسلمين إلا بمعونتهم، فلقد كان النصير الطوسي أبرز عيونهم، ولقد كان الخليفة مغتراً به.
وما أن دخل التتار بغداد حتى حرضهم النصير الطوسي على قتل الخليفة وعشرات الألوف من المسلمين، وهدم عليهم دورهم، وقتل النساء والأطفال، وسبى من أراد سبيه من نسائهم وفضحهن، وأغرق كثيراً من كتب المسلمين في نهر دجلة حتى تغير ماء النهر.
وأعظم أعيادهم هو اليوم الذي يصيب المسلمين فيه بلاء وكرب، كيوم استيلاء الصليبيين على سواحل الشام، وكيوم استيلاء التتار على بغداد.(45/1)
كما كانت أعظم مصائبهم يوم أن نصر الله المسلمين على التتار والصليبيين والعبيديين.
وقد أوجز البغدادي عداوة الفرق الباطنية للإسلام والمسلمين في كلامه الآتي فقال:
((اعلموا أسعدكم الله أن ضرر الباطنية على فرق المسلمين أعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوس عليهم، بل وأعظم من الدهرية وسائر أصناف الكفرة عليهم، بل أعظم من ضرر الدجال الذي يظهر في آخر الزمان، لأن الذين ضلوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم إلى يومنا أكثر من الذين يضلون بالدجال من وقت ظهوره، لأن فتنة الدجال لا تزيد مدتها عن أربعين يوماً وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر))(1).
والسبب أن من ذكرهم البغدادي خطرهم ظاهر وعداوتهم معروفة والناس يحذرونهم بطبيعة الحال، ولكن الضرر الشديد يأتي ممن يتظاهر بالإسلام فيغتر به المسلمون، فيطعنهم من خلفهم كما هو حال الباطنية في مختلف عصورهم، وقلما تجد كاتباً من علماء المسلمين من المؤرخين وعلماء الفرق إلا وهو يذكر من أفعال هؤلاء بالمسلمين ما تقشعر له الجلود.
وقد وصف ابن كثير رحمه الله عداوتهم ووقيعتهم بالمسلمين حينما قادهم أبو طاهر الجنابي ووصلوا إلى مكة، والناس في الحج آمنون مطمئنون...قال عن ذلك:
((فانتهب أموالهم، واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقاً كثيراً، وجلس أميرهم أبو طاهر لعنه الله على باب الكعبة والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام، في الشهر الحرام، في يوم التروية الذي هو من أشرف الأيام وهو يقول: ((أنا الله وبالله أنا، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا)). فكان الناس يفروّن منهم فيتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئاً بل يقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيقتلون وهم في الطواف...))) إلى أن قال:(45/2)
((فلما قضى القرمطي لعنه الله أمره، وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم ودفن كثيراً منهم في أماكنهم من الحرم وفي المسجد الحرام. وهدم قبّة زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها وشققها بين أصحابه...))(2) الخ ما ذكره عن جرم هؤلاء، وقد حدد بعض العلماء عدد من قتل بثلاثة عشرة ألف نسمة (3) .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أشد المحذرين من الباطنية لمعرفته الواسعة بمذاهبهم، وقد أجاب من سأله عنهم بجواب طويل جاء فيه:
((هؤلاء القوم المسمَّونْ بالنصيرية(4) هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسلوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا بنهي ولا بثواب ولا بعقاب ولا بجنة ولا بنار...)).
إلى أن قال: ((فإن كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين كما قتلوا مرة الحجاج وألقوهم في بئر زمزم...)) إلى أن قال: ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم، وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين، ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار.
ومن أعظم أعيادهم إذا استولى –والعياذ بالله- النصارى على ثغور الإسلام.
ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعونتهم ومؤازرتهم، فإن منجم هولاكو الذي كان وزيرهم وهو النصير الطوسي، كان وزيراً لهم بالموث، وهو الذي أمر بقتل الخليفة وبولاية هؤلاء))(5).
وفي كتب الباطنية من المدح والتمجيد لهذا المجرم ما لا يستحقه. يقول مصطفى غالب عنه:(45/3)
((حتى أخضع هولاكو خان قلعتي ((آلموت))، ((ميمون دز)) فعثر على هذا الفيلسوف الكبير في مرصد القلعة، فاقتاده الجند إلى هولاكو خان، ولما مثل بين يديه أكرمه وطلب منه أن يلتحق بخدمته كوزير له، فرفض في بادئ الأمر إلا إذا أمن على أرواح وممتلكات الإسماعيلية، فوعده خيراً شريطة أن يرافقه في حملته على بغداد، وهكذا انتقل هذا الفيلسوف العظيم إلى خدمة هولاكو خان بعد أن أخذ منه العهد على المحافظة على الإسماعيلية)).
ثم قال عن إشارته على هولاكو بقتل خليفة المسلمين:
((وبعد أن تم لهولاكو احتلال بغداد أشار عليه بأن يقتل آخر خلفاء بني العباس المستعصم بالله)).
ثم قال عن سرقته كتب المسلمين، ونهب ما شاء منها:
((واغتنم فرصة وجوده في بغداد، فجمع كل ما تمكن من جمعه من الكتب النادرة، وقيل: إن مكتبته أصبحت بعد فتح بغداد- انظر كيف يسمي تلك الفاجعة فتحاً –تضم أكثر من أربعمائة ألف مجلد))(6).
ولقد ظل هؤلاء على عداوتهم للمسلمين، ورغم تشتت النصيرية قديماً لكنهم ظلوا يعملون في الخفاء بنشاط، إلى أن استطاعوا الوصول إلى الحكم في سوريا في هذا العصر على حين غفلة من المسلمين، فما كان لهم همّ مثل همِّهم القضاء على المسلمين أهل السنة في سوريا وفي غيرها، وأفعالهم اليوم تعيد إلى الأذهان فعل أسلافهم قديماً.
ولهم في الحروب التي جرت بين العرب واليهود في سنة 1967م تعاون ظاهر وخفي، إذ مكنوا- كما قال المطلعون على أخبارهم اليهود من احتلال أجزاء كبيرة من سوريا –هضبة الجولان والقنيطرة- ومن الأردن ومن لبنان لقاء اتفاقيات سرية ومصالح مشتركة(7).
ومن المؤسف أن تجد الكثير من أهل الكتب من أهل السنة قد انخدع بنفاق هؤلاء الباطنية، فصادقوهم وأمدوهم بالأموال متناسين ما تنطوي عليه نيات هؤلاء، ظانين أن تغير الأسماء قد أخرجهم عن ديانتهم وحقدهم على المسلمين.
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الثاني
متى ظهر مذهب الباطنية(45/4)
اختلفت كلمة العلماء حول تحديد ظهور هذا المبدأ الهدام- على نحو ما قدمنا في بيان بدء- ظهور الفرق- وقد ذهب بعض العلماء إلى التحديد بالزمن، فذكر أن الباطنية ظهر مذهبهم في سنة 205هـ وقال آخرون: في سنة 250هـ، وبعض العلماء يقول: مائتين وكسر.
وذكر أصحاب التواريخ أن دعوة الباطنية ظهرت في زمن المأمون وانتشرت في عهد المعتصم، ومنهم من نسب الباطنية إلى الصابئين بحرّان، ويذكر البغدادي أنهم دهرية زنادقة.
ويقول الديلمي في بيانه لنشأتهم:
((اعلم أن ابتداء وضع مذهب الباطنية – سلط الله عليهم طوفان نوح- وريح عاد وحجارة لوط، وصاعقة ثمود –كان في سنة خمسين ومائتين من الهجرة))(8).
وقال عندما شرع في تفصيل مذهبهم:
((اعلم أن مذهب الفرقة الغويّة الضالة الشقية المسماة بالباطنية –قطع الله دابرها، وبتَّ أواخرها، وألحق أولها بآخرها –على ما نقله العلماء –حدث بعد مائتي سنة وكسر من الهجرة))(9).
ويقول البغدادي في بدء ظهور الباطنية:
((ومنهم من نسب الباطنية إلى الصابئين الذين هم بحرّان...)) إلى أن يقول: ((قال عبد القاهر: الذي يصح عندي من دين الباطنية أنهم دهرية زنادقة يقولون بقدم العالم))(10).
بينما يذهب الشيخ محمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي إلى أن نشأة الباطنية كان في سنة مائتين وست وسبعين، حينما قام زعيمهم ميمون القداح بإنشاء هذا المذهب الخبيث وهو وزملاؤه الذين كانوا على شاكلته(11).
والذي يظهر لي أن سبب اختلاف العلماء في تحديد نشأة الباطنية يعود إلى عوامل عدة من أهمها:
غموض أمر الباطنية في أدوار كثيرة مرّ بها تاريخهم، كل واحد من العلماء أرّخ لهم حسب ما وصل إليه من أخبارهم.
أن مذهب الباطنية نفسه يقبل تلك الاختلافات...فمن قال: إنهم ظهروا في الإسلام، فلما يبدونه من تظاهرهم به وتشيعهم أيضاً لآل البيت.(45/5)
ومن قال: إن أفكارهم تعود إلى ما قبل الإسلام من أفكار الصابئة أو الدهرية، فلما وجده من آرائهم الكثيرة التي بدا عليها طابع الدهرية أو الفلاسفة القدماء أو البرهمية أو اليهودية أو النصرانية أو البوذية، لأن مذهب الباطنية خليط من شتى الديانات.
والحقيقة التي يجب أن ندركها أن مهما كانت الأسباب فإن الدعوة الباطنية يحوطها كثير من الغموض خصوصاً في بدء أمرها، أي في الدور الذي يسمونه ((دور الستر))؛ إذ لا يتمكن أحد من معرفتهم والكتابة عنهم الكتابة الدقيقة، ومهما كان فإن عقائد الباطنية على العموم قد استمدت من عقائد قديمة.
ولكن بدأ التخطيط لإقامة هذا المذهب في الإسلام كما يترجح من أقوال العلماء ما بين سنة 200و300هـ أي بعد انتشار الإسلام وعز أهله به، وانطفاء نار المجوسية، كسر صليب النصارى، وكسر طاغوت الوثنية، ودحر اليهودية، وضرب الذلة والمسكنة عليهم.
فأكل الحسد قلوبهم، وبدأوا يخططون في الخفاء لطريق ينفّسون بها عن أحقادهم للنيل من الإسلام وأهله، فاهتدوا إلى هذه الطرق التي سيأتي الحديث عنها، ليستيقن طالب العلم أن ما نعايشه في عصرنا هذا من مؤامرات ظاهرة وخفية على الإسلام وأهله إنما هو امتداد لتلك الحركات الأصول في ذلك الزمن، وإنما تخمد حيناً وتنشط أحياناً أخرى، والهدف واحد على امتداد الزمن.
* * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الثالث
الغرض من إقامة هذا المذهب وكيف تأسس
قام هذا المذهب الهدام من أول الأمر على النيل من الإسلام وأهله، إما بإخراج المسلم عن دينه بالكلية، أو بإدخال الشكوك في قلبه.
ولقد استفاض العلماء في بيان ذلك كله، واتضح أن قيام هذا المذهب كان لأسباب كثيرة ومقاصد خبيثة من أهمها:
إبطال الإسلام والقضاء عليه وعلى أهله، أو زعزعته من نفوس المسلمين أو تشكيكهم فيه، وإحلال المجوسية والإلحاد محله.(45/6)
من أجل ذلك، ومن أجل إقامة حكم عام في الأرض تسيطر عليه الآراء الباطنية، وينفذ فيه حكمها..قام هذا المذهب.
واتخذ أهله عدّة أقنعة تستّروا بها لتحقيق ما يهدفون إليه منها:
اعتمادهم على تأويل النصوص تأويلات تنافي ما يقرره الإسلام ويأمر به.
إظهار التشيع لعلمهم بأن مذهب التشيع يحتمل كلامهم، إذ لم يجدوا مدخلاً إلى الإسلام إلا من جهة إظهار التشيع والانتساب إلى المذهب الشيعي.
وقد تم تأسيس هذا المذهب –فيما يذكر الغزالي(12)- كما يلي:
((تم في اجتماع لقوم من أولاد المجوس والمزدكية وشرذمة من الثنوية الملحدين، وطائفة كبيرة من ملحدة الفلاسفة المتقدمين، -زاد الديلمي: وبقايا الخرمية واليهود-..جمعهم ناد واشتوروا(13) في حيلة يدفعون بها الإسلام.
وقالوا: إن محمداً غلب علينا وأبطل ديننا، واتفق له من الأعوان ما لم نقدر على مقابلتهم، ولا مطمع لنا في نزع ما في أيدي المسلمين من المملكة بالسيف والحرب، لقوة شوكتهم وكثرة جنودهم، وكذلك لا مطمع لنا فيهم من قبيل المناظرة لما فيهم من العلماء والفضلاء والمتكلمين والمحققين فلم يبق إلا اللجوء إلى الحيل والدسائس.
ثم اتفقوا على وضع حيل وخطط مدروسة يسيرون عليها لتحقيق أهدافهم من خلال الأمور التالية:
التظاهر بالإسلام وحب آل البيت والانتصاف لهم.
دعوى أن النصوص لها ظاهر وباطن، والظاهر قشور والباطن لبّ، والعاقل يأخذ اللبّ ويترك القشور.
وهذا الزعم الكاذب يريدون من ورائه سلب المعاني عن الألفاظ، والإتيان بمعان باطنية تتفق مع ما يهدفون إليه من الكيد للإسلام.(45/7)
اختاروا أن يدخلوا على المسلمين عن طريق التشيع، وعلى مذهب الرافضة، وإن كان هؤلاء الباطنيون يعتبرون الروافض أيضاً على ضلال، إلا أنهم رأوهم- على حد ما ذكر الغزالي- أرّك الناس عقولاً، وأسخفهم رأياً، وألينهم عريكة لقبول المحالات، وأطوعهم للتصديق بالأكاذيب المزخرفات(14)، وأكثر الناس قبولاً لما يلقى عليهم من الروايات الواهية الكاذبة، فتستروا بالانتساب إليهم ظاهراً للوصول إلى أصناف الناس، فكان ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض)) كما ذكر الغزالي(15).
أو كما قال بعض العلماء: إن الإمامية دهليز الباطنية ...وهذا هو التفسير الواضح لما تلحظ من التقارب الشديد بين الباطنية والرافضة.
اتفقوا أن يبثوا دعاتهم وأن يلزموهم بخطة ماكرة، وهي أنه يجب على كل داعية أن يوافق هوى المدعو مهما كان مذهبه ودينه مستعملاً معه الحيل التسع المعروفة عنهم والتي سنذكرها فيما بعد.
وكان من أبرز دعاتهم ميمون بن ديصان القدّاح، وهو رئيسهم(16)، وابنه عبيد الله، وحمدان قرمط(17)، وزكرويه بن مهرويه –عبدان-، وأبو سعيد الجنابي، وولده أبو طاهر(18) ...وغيرهم ممن يطول حصرهم هنا.
وقد تحمل دعاة الباطنية كثيراً من المشقة والآلام والأسفار الكثيرة في نشر باطلهم من بلد إلى بلد، مما يتوجب على أهل الحق- وهم يعرفون بأنهم سيحصلون من دعوتهم إلى الله على خيري الدنيا والآخرة – ألا يكون هؤلاء الطغاة أكثر حماساً وصبراً منهم في نشر باطلهم.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الرابع
أسماء الباطنية
وسبب تسميتهم بتلك الأسماء
أطلقت على هذه الطائفة أسماء كثيرة للتمويه على الناس، بعضها يقبلونه وبعضها لا يقبلونه، ومن أشهرها:
1- الباطنية:
... وقد أطلق عليهم هذا الاسم لزعمهم أن النصوص من الكتاب والسنة لها ظاهر وباطن، وأن الظاهر بمنزلة القشور والباطن بمنزلة اللب(19).
2- الإسماعيلية:(45/8)
نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق لزعمهم الانتساب إليه(20) لأن والده جعفر الصادق نص إلى إمامته من بعده، وأوصى له بها رغم أن علماء النسب مجمعون على أن إسماعيل مات في حياة والده سنة (145هـ)، لكن الإسماعيليون يزعمون أن إسماعيل لم يمت في حياة والده وفي العام المذكور.
بل إن أباه قد جعله وصيه، ولخوفه عليه من الخليفة العباسي احتال لإخفائه عنه فكتب محظراً بوفاته وأشهد عليه عامل المنصور العباسي بالمدينة المنورة، وفي نفس الوقت توجّه إسماعيل سراً إلى (السلمية) وهي من أعمال حماة، وإلى الجنوب الشرقي منها، بينهما 35كم، وهي مركز الإسماعيلية حيث كان يقيم فيها آنذاك رهط من بني هاشم، وانتسب إليهم فعرفوه وأقام بينهم.
يقول مصطفى غالب عن سلمية هذه:
((ويكفي سلميّة فخراً أنها أنجبت جماعة إخوان الصفا، ومنها انطلقت جحافل الإمام عبيد الله المهدي لتأسيس الدولة الفاطمية في المغرب)).
ثم يزعم الإسماعيليون أن الخليفة العباسي علم بمكان إسماعيل في السلمية، وحينئذ خرج إسماعيل متخفياً إلى دمشق، وعلم به كذلك الخليفة، وكان العامل على دمشق إسماعيلياً فأخبر إسماعيل بما كتب به الخليفة من إلقاء القبض على إسماعيل وإرساله إلى الخليفة .
فقرر إسماعيل التوجه إلى العراق ووصل البصرة سنة 151هـ، ثم ظل ينتقل بين أتباعه سراً وتحت أزياء مختلفة وأسماء عديدة إلى أن توفي سنة 158هـ بعد أن رزق –حسب زعمهم- من الأولاد محمد وعلي وفاطمة، وبعد أن أوصى بالإمامة من بعده إلى محمد(21).
وقد حصل شقاق وتفرق بين الإمامية والإسماعيلية في سوق الإمامة، فبينما هي عند الشيعة الاثني عشرية في جعفر الصادق ثم في موسى الكاظم، إذا هي عند الإسماعيلية في جعفر الصادق ثم في ابنه إسماعيل ثم في محمد بن إسماعيل..إلى آخر أئمتهم المستورين.
وقد تفرقت الإسماعيلية إلى ثلاث فرق معاصرة هي:
أ- الدروز.
ب- الإسماعيلية النزارية-البهرة-.(45/9)
ج- الإسماعيلية الأغا خانية.
وأخبار الإسماعيلية طويلة، وقد كتب فيها الشيخ إحسان إلهي كتاباً مستقلاً(22).
3- السبعية:
قيل في سبب إطلاق هذه التسمية عليهم ما يلي:
أ- لدعواهم أن أدوار الإمامة سبعة سبعة، كلما انتهى حكم سبعة من الأئمة قامت القيامة وابتدأ الدور من جديد إلى ما لا نهاية.
ثم لشغفهم بالعدد سبعة حيث فسروا كثيراً من الأمور على وفق هذا العدد، فقالوا: إن السموات سبع، والأرضين سبع، والكواكب السيارة سبعة، والأيام سبعة، وأعضاء الإنسان سبعة، والنقب في رأس الإنسان سبعة...إلى آخر أدلتهم على مزية العدد سبعة.
وقد رد بعض العلماء على الإسماعيلية بتفضيل بعض الأعداد على السبعة، إما الأربعة، أو الخمسة، أو العشرة، وكل ذلك مما لا طائل تحته ولا حاجة تدعو إليه، والذين يتشاءمون بالأعداد أو يتفاءلون بها جهال.
ب- وقيل: إنه أطلق عليهم بسبب اعتقادهم أن العالم السفلي تديره الكواكب السبعة وهي: زحل، المشتري، عطارد، المريخ، الزهرة، الشمس، القمر. وهي عقيدة مأخوذة من ملاحدة المنجمين(23).
((وملتفت إلى مذاهب الثنوية في أن النور يدبر أجزاءه الممتزجة بالظلمة بهذه الكواكب السبعة)) (24).
4- التعليمية:
وقد أطلق عليهم بسبب أن مذهبهم قائم على الحجر على العقل، وإبطال النظر والاستدلال، والدعوة إلى الإمام المعصوم المستور، وأن العلم لا يجوز أخذه إلا منه.
واستدلوا لهذا بأن الحق إما أن يعرف بالرأي أو بالتعليم، وباطل أن يعرف بالرأي لتعارض الآراء واختلاف العقلاء، فلم يبق إلا أن يعرف بالتعليم، والعلم لا يجوز أخذه عن أحد غير الإمام المعصوم لضمان صحته والوثوق به(25).
وهذا الدليل من أردأ الأدلة، بل هو يحكي رداءة مذهبهم وأفكارهم الشريرة.(45/10)
ويرد عليهم بأن الإمام الذي يدعون إليه وإلى أخذ العلم عنه لا وجود له إلا في أذهانهم وفي خططهم لاحتواء كل الأديان والسيطرة على الناس، فإن دعواهم أنه مستور لا يظهر هو أقوى الأدلة على كذبهم.
5- الإباحيّة:
وهذه التسمية التي أطلقت عليهم في الواقع مأخوذة من اعتقاداتهم وأفعالهم، وهم لذلك أهل إباحة لا يحرمون محرّما ولا يلتزمون بشرع،بل الحلال ما حل في أيديهم، والحرام ما منعوا منه.ويستدلون على هذا المسلك بقول الله عز وجل:{خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}(26)
ومن أدلتهم على ما يذهبون إليه أيضاً من استحلال المحرمات حسب بواطن النصوص التي اطلعوا عليها بفهمهم السقيم قول الله عز وجل:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ }(27)، وقوله عز وجل:{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ }(28)، أي أن فيه حكماً ظاهراً وحكماً باطناً.
فقالوا: إن الظواهر من النصوص قد تدل على التحريم، بينما بواطنها تدل على الإباحة، وهذه حيلة من حيلهم لاستدراج الناس إلى مذاهبهم الرديئة وحججهم الباطلة على أن الأحكام لها ظاهر ولها باطن، فهم يريدون من التأكيد على هذا المفهوم هدم ظواهر النصوص بعد ذلك بتلاعبهم بمعانيها وفق أهوائهم وتحريفاتهم.
6- القرامطة(29):
أما سبب تسميتهم بهذا الاسم فلانتسابهم إلى رجل يقال له حمدان قرمط، وهو رجل من أهل الكوفة، وقد كان راعياً مائلاً إلى الزهد والديانة(30)-فيما يذكر عنه- في بداية حياته، وقيل: إنه كان يتظاهر بذلك وأنه على المجوسية(31) فصادفه أحد دعاة الباطنية –ويسمى حسين الأهوازي- وهو متوجه إلى قريته، وبين يدي حمدان بقر يسوقها، فدارت بينهما المحادثة التالية:
قال حمدان لذلك الداعي وهو لا يعرفه ولا يعرف حاله: أراك سافرت من موضع بعيد فأين مقصدك؟ (انظر إلى تفاني أهل الباطل في تبليغ الناس باطلهم).
فذكر له الداعي موضعاً هو قرية حمدان.(45/11)
فقال له حمدان: اركب بقرة من هذا البقر لتستريح من تعب المشي- فلما رآه مائلاً إلى الزهد والديانة أتاه من حيث رآه مائلاً إليه، وهذه إحدى خطط الباطنية – فقال له: إني لم أومر بذلك.
فقال حمدان: وكأنك لا تعمل إلا بأمر؟
قال: نعم.
قال حمدان: وبأمر من تعمل؟
فقال الداعي: بأمر مالكي ومالكك ومن له الدنيا والآخرة.
فقال: ذلك هو رب العالمين.
فقال الداعي: صدقت، ولكن الله يهب ملكه لمن يشاء.
قال حمدان: وما غرضك في البقعة التي أنت متوجه إليها؟
قال: أمرت أن أدعو أهلها وأخرجهم من الجهل إلى العلم، ومن الضلال إلى الهدى، ومن الشقاوة إلى السعادة، وأن أستنقذهم من ورطات الذل والفقر، وأملكهم ما يستغنون به عن الكد والتعب.
فقال حمدان: أنقذني أنقذك الله فما أشد احتياجي إلى مثل ما ذكرته.
فتحرج الداعي أن يخبره بشيء حتى يأخذ عليه العهد أن لا يفشي سرّ الإمام المعصوم المستور، ولا يفشي له خبر- وهذه إحدى حيل الباطنية –فعاهده حمدان على ذلك، فشرع الداعي في استدراجه إلى الباطنية حتى صار فيما بعد ركناً من أركانها، وصار له أتباع وفرقة تنسب إليه تسمى (القرامطة) أو (القرمطية) كان لهم في تاريخ الأمة الإسلامية حوادث هائلة، وأخبار بتنكيلهم بالمسلمين مؤسفة (32).
قال ابن كثير رحمه الله في حوادث سنة 278هـ:
((وفيما تحركت القرامطة، وهم فرقة من الزنادقة الملاحدة أتباع الفلاسفة من الفرس الذين يعتقدون بنبوة زرادشت ومزدك، وكانا يبيحان المحرمات، ثم هم بعد ذلك أتباع كل ناعق إلى باطل، وأكثر ما يفسدون من جهة الرافضة، ويدخلون إلى الباطل من جهتهم، لأنهم أقل الناس عقولاً، ويقال لهم الإسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل الأعرج ابن جعفر الصادق(33).
وفي سنة 286 تحرك القرامطة برئاسة أبي سعيد الحسن بن بهرام الحنابي واستولوا على هجر وما حولها من البلاد وأكثروا فيها الفساد.(45/12)
وقد كان أبو سعيد هذا سمساراً في الطعام يبيعه للناس في القطيف، فجاء بعض الدعاة الباطنيون إلى شيعة القطيف فاستجابوا له وتأمر عليهم أبو سعيد الجنابي، وأصله من بلدة جنابه قريبة من القطيف، وعاثوا في الأرض فساداً وأخافوا أهل العراق والشام إلى أن هلك أبو سعيد هذا في عام301هـ فتولى بعده ولده أبو طاهر الجنابي وكثر دعاة القرامطة وصارت لهم دولة(34) .
وفي سنة 317هـ اشتدت شوكتهم جداً وتمكنوا من الوصول إلى الكعبة، والناس يوم التروية، فما شعروا إلا والقرامطة برئاسة أبي طاهر الجنابي قد انتهبوا أموالهم وقتلوا كل من وجدوا من الحجيج في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة.
وجلس أميرهم أبو طاهر –بل أبو النجس- على باب الكعبة والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في المسجد الحرام، في الشهر الحرام، في يوم التروية، وكان يقول هذا الملعون: أنا الله وبالله أنا، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا –تعالى الله عما يقول علواً كبيراً-، ولم يدع أحداً طائفاً أو متعلقاً بأستار الكعبة إلا قتله.
ثم أمر بإلقاء القتلى في بئر زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة، ونزع كسوتها عنها، ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود، فجاء قرمطي فضرب الحجر بمثقل في يده وهو يقول: أين الطير الأبابيل، أين الحجارة من سجيل، ثم قلعه وأخذوه معهم، فمكث عندهم اثنين وعشرين سنة(35)، وهو ابتلاء من الله للمسلمين في ذلك الوقت.
وفي نفس هذه السنة نبغت لهم نابغة في بلاد المغرب عرفت باسم الفاطميين على يد زعيمهم أبي محمد عبيد الله بن ميمون القداح، وكان يهودياً صباغاً بسلمية فادعى أنه أسلم ثم سافر من سلمية فدخل بلاد المغرب، وادعى أنه شريف فاطمي فصدقته طائفة كثيرة من البربر حتى صارت له دولة فملك مدينة سجلماسة(36) ، ثم ابتنى مدينة سماها المهدية، وانتزع الملك من يد أبي نصر زيادة الله آخر ملوك بني الأغلب على أفريقية، وقد اختلف في نسبه:(45/13)
فمرة قيل: هو عبيد الله بين الحسن بن محمد، وينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب.
ومرة قيل: إنه من نسل إسماعيل بن جعفر الصادق.
قال ابن خلكان:
((والمحققون ينكرون دعواه في النسب وينصون على أن هؤلاء المتسمين بالفاطميين أدعياء، وأنهم من أصل يهودي من سلمية بالشام، وأن والده لقب بالقداح لأنه كان كحالاً يقدح العيون، وقد هلك عبيد الله سنة 322هـ.
وتمكن حفيده المعز من الاستيلاء على مصر واستمر ملك العبيديين بها نحو قرنين من الزمان، إلى أن قضى عليهم بطل الإسلام صلاح الدين الأيوبي في سنة 564هـ وأزال منها كل آثار العبيديين وقطع شرورهم عن الناس، وأراح الله منهم العباد.
أماكن وجود القرامطة:
مما يجدر ذكره أن القرامطة توزعوا إلى أقسام، وأخذوا أماكن كثيرة تجمعوا فيها؛ ويمكن أن نوجز أماكن تجمعاتهم فيما يلي:
1- في اليمن:
وقد تزعم القرامطة في أول الأمر رجلان، وهما: المنصور بن الحسن بن زاذان، وعلي بن الفضل الجدني، أرسلهما ميمون ين ديصان القداح، وقد تلقب المنصور بمنصور اليمن،واجتمع حوله عدد من القبائل، وأظهر الدعوة باسم الإمام الإسماعيلي المنتظر، وقد تمكن عام 266هـ أن يؤسس أول دولة إسماعيلية، وقام بنشاط كبير، ثم أرسل الدعاة إلى عدة جهات بعيدة عن مركز الخلافة العباسية، مثل الداعية عبيد الله المهدي الذي ذهب إلى المغرب، وادعى كذباً أنه شريف فاطمي من آل البيت، وكون هناك –كما سبق- دولة.(45/14)
وكان علي بن الفضل الجدني أيضاً من أصدقاء المنصور إلا أنه اختلف معه فيما بعد، وقامت بينهما حروب حين تمكن علي بن الفضل من جمع عدة قبائل حوله، ثم ادعى النبوة وأباح المحرمات، وكان المؤذن يؤذن في مجلسه: ((وأشهد أن علي بن الفضل رسول الله))، وامتد له العتو والفجور فكان يكتب إلى عماله: ((من باسط الأرض وداحيها، ومزلزل الجبال ومرسيها علي بن الفضل إلى عبده فلان...))). إلى أن مات مسموماً بواسطة طبيب أقسم ليقتلنه غيرة لله، فتم له ذلك في سنة 303هـ(37).
2- العراق:
والمعروف أن جنوب العراق القريب من فارس أرض الشيعة ومهدها الأول، ومركز الجهل والخرافات أيضاً، كان القاعدة والمركز الأساسي لانتشار القرامطة، وقد نشط الدعاة من الإسماعيلية هنا أمثال مهرويه وهو مجوسي من أصل فارسي، وحسين الأهوازي وهو فارسي وانتسب إلى الأهواز لإخفاء شخصيته، لأن الأهواز كانت عربية وتسمى ((الأحواز))، وعبيد الله بن ميمون القداح رأس الدعوة الإسماعيلية الذي فرق أولاده في أماكن كثيرة من تلك الجهات.
ونشط دعاة آخرون متسترون بالدين وبالانتساب إلى آل البيت وقلوبهم المجوسية تغلي على الإسلام والمسلمين، وبسطوا نفوذهم في أماكن كثيرة من الأهواز وخراسان والشام إلى أن قتل آخر زعمائهم وهو زكرويه عام 301هـ، وتشتت أتباعه في تفاصيل كثيرة يذكرها علماء الفرق(38).
ولقد كان أساس نشأة القرامطة في العراق بتأثير من حمدان قرمط الذي تأثر بدعوة حسين الأهوازي حين خرج من سلمية في الشام قاصداً العراق فصادف حمدان وجرى بينهما ما قدمنا الإشارة إليه من تلك المحادثة التي أعقبها دخول حمدان في دعوة الباطنية، ثم كان له بعد ذلك شأن كبير في إشاعة الفساد وتخويف الآمنين.
((وقد قدر عدد الضحايا الذين سقطوا في حروب القرامطة من أهل الشام ومن البوادي ومن الحجيج ومن أهل المدن، ومن جند مصر، ومن جند العراق بما يزيد على 600.000 بين رجل وامرأة وطفل))(39) .(45/15)
3- البحرين:
أول ما عرف شأن القرامطة في البحرين كان على يد شخص نزل البحرين وأعطى نفسه اسم يحيى بن المهدي(40)، وبعضهم يقول: الحسن بن بهرام الفارسي(41).
وقد استمال إليه الناس بالتدريج فأظهر بالتدرج أولاً أنه شيعي، وحينما رأى إقبال الناس ادعى أنه المهدي المنتظر.
وكانت الدولة العباسية قد بدأت في مراحل الضعف واشتغلت بمشاكلها الداخلية الكثيرة، وقد تبع هذا الداعية رجال كان لهم شهرة وقيادة مثل الحسن ابن بهرام الذي عرف باسم أبي سعيد الجنابي، الذي عاث في الأرض فساداً، وأذاق الناس القتل والجوع إلى أن قتل عام 301هـ، وتولى بعده أبو طاهر، وفعل أفعالاً تقشعر منها الجلود من القتل والنهب، فقد دخل البصرة عام 311هـ في 2700من رجاله فقتل خلقاً عظيماً وحمل الأموال والأمتعة والنساء والصبيان ورجع بها.
وفي عام 312هـ قطع على الحجاج الطريق، فأخذ منهم جميع ما يملكون، وترك من لم يقتله منهم بلا ماء ولا زاد، فمات أكثرهم في تلك القفار.
وفي عام 313هـ دخل الكوفة وعاث فيها فساداً مدة ستة أيام نقل خلالها ما أراد من الأمتعة، وفعل ما فعله في العام السابق، وأغار على مدينة الأنبار وعين التمر.
وفي عام 317هـ فعل فعلته الكبرى فهجم على الحجاج في يوم التروية كما تقدم، فنهب الأموال، وقتل الحجاج في المسجد الحرام، وفي البيت نفسه، ورمى القتلى في بئر زمزم حتى امتلأت بالجثث، وخلع باب الكعبة ووقف يلعب بسيفه على بابها، وخلع الحجر الأسود ورجع به إلى بلده وبقي معهم اثنتين وعشرين سنة، إلى أن رده هؤلاء القرامطة بتأثير من الفاطميين في المغرب، وهم الذين أمروهم برد الحجر الأسود إلى مكانه بعد أن ساءت سمعتهم كثيراً في العالم الإسلامي، ولحق الفاطميين بالمغرب شيء من سوء تصرفاتهم، فسعوا في إرجاع الحجر الأسود إلى البيت تغطية لشنائعهم.(45/16)
ووصل نفوذ هؤلاء القرامطة إلى نجد والحجاز والشام، وأرادوا القاهرة إلا أنهم صدّوا من قبل جوهر الصقلي.
ثم تناوب عدة زعماء إلى أن أراد الله إهلاكهم فقام أحد زعماء قبيلة بني عبد القيس المشهورة ، وهو عبيد الله بن علي العيوني فاستعان بالخلفية العباسي القائم بأمر الله، كما استعان بالسلطان السلجوقي ((ملكشاه))، وجاءت القوات العباسية وساعدت عبيد الله بن علي العيوني، وقضت على القرامطة نهائياً في عام 467هـ وأراح الله منهم العباد، وطهر منهم البلاد (42).
ويذكر العلماء أحداثاً كثرة لتحركات قرامطة البحرين، وما فعلوه من قتلهم المسلمين وتخريب بلدانهم لا نرى ضرورة للتطويل بذكرها، إذ إن خلاصتها أن هؤلاء الذين يتظاهرون بالتشيع والإسلام فعلوا ما لم يفعله سائر الكفار غير التتار.
7- الملاحدة:
لأنهم ينفون وجود الله عز وجل ويقولون بتأثير الكواكب (43).
هكذا يذكر الديلمي، وهو الواقع، ولا يرد على هذا ما يوجد عندهم من ذكر الله تعالى وذكر صفاته عز وجل فقد وصفوا الله تعالى بصفات سلبية مؤداها إنكار وجوده تعالى.
8- المزدكية:
نسبة إلى رجل يقال له مزدك، قيل: إنه رئيس الخرمية، وقيل غير ذلك(44)، ولعله غير مزدك صاحب الشيوعية الأولى، ثم أطلق على الباطنية لمشابهتهم مذهب مزدك.
9- البابكية:
لانتسابهم إلى بابك الخرمي، خرج في أيام المعتصم بناحية أذربيجان، فجهز لهم الجيوش حتى قتلهم.
وقد كان من إباحية هؤلاء البابكية أن لهم ليلة يجتمع فيها رجالهم ونساؤهم ويطفئون السرج ثم يتناهبون النساء، فيبيت كل واحد مع امرأة، ويزعمون أن من احتوى على امرأة استحلها بالاصطياد كائنة من كانت، وأن هذا الصيد من أطيب المباحات بزعمهم، وتسمى هذه الليلة ((ليلة الإفاضة))، وهو عمل لا تقبل به حتى البهائم، وقبلته عقولهم التي هي أحط من عقول البهائم.(45/17)
إضافة إلى أنهم يدعون نبوة رجل كان من ملوكهم قبل الإسلام يقال له ((شروين))، يزعمون أنه أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن سائر الأنبياء (45).
10- الخرمية أو الخرمدينية:
وكلمة ((خرم)) أعجمية، ومعناها: الشيء المستلذ المستطاب الذي ترتاح له النفس، وهو من باب الدعاية لمذهبهم الذي هو رفع التكاليف وتسليط الناس على ارتكاب الشهوات، وهو لقب كان يطلق على المزدكية قبل الإسلام وهم أصحاب الشيوعية الأولى، الإباحية الذين ظهروا في عهد قياذ، وقضى عليهم ولده أنوشروان (46).
وهم الذين قال فيهم أبو الحسين الملطي عند ذكره لأصناف الفرق: ((وإنما سموا مزدكية لأنه ظهر في زمن الأكاسرة رجل يقال له مزدك، فقال هذه المقالة (47).
11- المحمرة:
قيل: لأنهم صبغوا ثيابهم بالحمرة في أيام بابك، ولبسوها شعاراً لهم.
وقيل: لأنهم يطلقون على مخالفيهم اسم الحمير (48).
وقيل لأن أخلاقهم وطبائعهم صارت شبيهة بطبائع الحمير (49).
ولا مانع أن توجد هذه الأسباب كلها فيهم، وإن كان أكثر العلماء يرجح القول الأول.
وقد أضاف أحد علمائهم وهو ((مصطفى غالب)) اسماً جديداً للباطنية هو ((الهادية)) وهو اسم يشعر بالهداية التي يطلبها كل أحد، ولكن ما أكثر الخداع في التسميات، فهم أليق أن يسموا بالهاوية لأنه لا هدى لديهم إلا تأليه غير الله عز وجل، والسير خلف ميمون القداح اليهودي وأتباعه الذين دافع عنهم مصطفى غالب في كتابه ((أعلام الإسماعيلية)) دفاعاً طويلاً.
وبقراءة عابرة لهذا الكتاب يجد المنصف صريح الكفر والغلو ظاهراً عليه.
يقول ناصر خسرو، من أعلام الإسماعيلية عن المسلمين: ((فأعط التأويل للحكماء، وأعط التنزيل للغوغاء، فاطلب المعنى الحقيقي لظاهر التنزيل، وكن كالرجال الأصفياء ولا تكن كالحمير فتقنع بالنهيق والقول الهراء )) (50).
ويقول مصطفى غالب في ترجمته لمحمد الباقر:(45/18)
((وقيل: إن الإمام الباقر كان يعرف الغيب))(51). وقد تحاشى كلمة ((يعلم)) خداعاً منه
ومن العجيب أن يذكر هذا المؤلف بعض عظماء الإسلام على أنهم من أعلام ورجال الإسماعيلية مثل علي بن أبي طالب (52)، ومحمد الباقر(53)، والحسين بن علي بن أبي طالب(54)، وغيرهم إلى جانب ميمون القداح، وحمدان قرمط، والحاكم بأمر الله، وغيرهم من طغاة الإسماعيلية.
ويقول أيضاً في غلوهم في الأئمة:
((والإسماعيلية يعتبرون –من حيث الظاهر- أن الأئمة من البشر، وأنهم خلقوا من الطين، ويتعرضون للأمراض والآفات والموت مثل غيرهم من بني آدم، ولكن في التأويلات الباطنية يسبغون عليه وجه الله ويد الله وجنب الله، وأنه هو الذي يحاسب الناس يوم القيامة، وهو الصراط المستقيم والذكر الحكيم إلى غير ذلك من الصفات))(55).
وحينما يسمي الباطنيون الله بالعقل الأول أو السابق نجدهم يقولون:
((يجب أن يكون في العالم الأرضي عالم جسماني ظاهر يماثل العالم الروحاني الباطن، فالإمام هو مثل السابق، وحجته مثل التالي، وكل خصائص العقل الأول السابق جعلت للإمام)) (56).
أي أن الإمام عندهم مثل الله تماماً، وهل بعد هذا الكفر كفر، وأقوال أخرى كثيرة كلها تدل على مدى كفر هذه الطائفة، ينقلها أحد علمائهم المعاصرين، وهو يفتخر بأعلامه الإسماعيليين وتمسكهم بالدين الإسلامي وتبحرهم في العلوم.
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الخامس
الطرق والحيل التي يستعملها الباطنيون لإغواء الناس
من المبادئ الأساسية عند الباطنية تقديس النفاق والكذب والخداع، ومن الوصايا الهامة التي يجب أن يسير بموجبها كل داعية باطنية هي أن يجاري من يخاطبه، ويوافقه في مذهبه تماماً، بل ويحسِّن له الغلو فيه، ويريه أنه أحرص منه على التزامه به.(45/19)
فإذا كان المدعو شيعياً فإنه يجب أن يكون مذهب الداعية شيعياً أيضاً، وإذا كان المدعو فاجراً مستهتراً أو ناسكاً متعبداً أو يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً فإن مذهب الداعي كذلك.
فإذا كان المدعو فاجراً حسَّن له الداعي انتهاب اللذات، وأن الحياة منتهية والدنيا فانية.
وإذا كان المدعو ناسكاً حسن له التعبد والزهد وعدم الالتفات إلى الدنيا.
وإذا كان المدعو يهودياً حسَّن له الداعي مذهبه، وأظهر له تعظيم السبت، وشتم النصارى والمسلمين جميعاً.
وإذا كان مجوسياً يظهرون عنده تعظيم النار والضوء والشمس وغير ذلك من مذهب المجوس .
ومن وجدوه نصرانياً يظهرون عنده الطعن في اليهود والمسلمين جميعاً، وأن القول بالأب والابن وروح القدس حق، ويعظمون الصليب عندهم.
ومن وجدوه فيلسوفاً فهو منهم وقد وصل الحبيب إلى المحبوب لاتفاق هؤلاء مع الفلاسفة في دعوى أن النصوص لها ظاهر وباطن، وإنكار الشرائع، وقالوا بسائر أقوال الفلاسفة مع قدم العالم، وإبطال المعاد والمعجزات وغيرها من أقوال الفلاسفة.
ومن وجدوه ثنوياً فقد ظفروا ببغيتهم فيدخلون عليه بإبطال التوحيد والقول بالسابق والتالي.
وهكذا فإن مذهبهم هو مذهب المدعوين، مهما كان هذا المذهب، يتلونون تلون الماء بالإناء الذي فيه والنتيجة من كل ذلك هو استجلاب المدعو ثم إخراجه من دينه إلى دين الباطنية.
ولهم حيل وطرق للوصول إلى قلوب الناس والتدرج بهم في الكفر شيئاً فشيئاً. وقد ذكرها الغزالي قائلا: ((ففي الاطلاع على هذه الحيل فوائد جمة لجماهير الأئمة))(57).
وسبب استتارهم وراء هذه الحيل هو الخوف من إظهار كفرهم بطريقة مكشوفة، وترتيب حيلهم هذه كما يلي:
الزرق والتفرس، ثم التأنيس، ثم التشكيك، ثم التعليق، ثم الربط، ثم التدليس، ثم التأسيس، ثم الخلع، ثم المسخ أو السلخ.
وفيما يلي تعريف موجز بهذه الحيل:
الحيلة الأولى:(45/20)
وهي حيلة الزرق والتفرس، ومعناها: أن يكون الداعي ذكياً فطناً صاحب فراسة، يميز بين من يطمع في استدراجه لقبول دعوته، ومن لا يطمع في ذلك وله معرفة بتأويل النصوص وإخراجها عن معانيها الظاهرة إلى المعاني الباطنة، وأن لا يبدأ بالمخالفة للمدعو بل يوافقه ثم يستدرجه بعد ذلك على حسب الخطط الباطنية إذا تفرس فيه القبول.
الحيلة الثانية:
وهي التأنيس: والمراد بها الوصول إلى قلب المدعو واستمالته بلطف الحديث وذكر بعض الآيات والأحاديث والأشعار، وبحث جوانب من الأمور اليومية، وإلقاء خطب ومواعظ، ويظهر له كل أمر يزيد في الأنس بينهما ويقرِّب بين الأفهام.
الحيلة الثالثة:
هي التشكيك: وهي أن يسأل الداعي المدعو عن مسائل في أمور الدين، وهي مسائل يعجز المدعو عن الإجابة عنها لجهله، وذلك أن الدعاة الباطنيين يركزون دعوتهم في العوام .
وأيضاً لأن بعض تلك المسائل تعبدية قد لا تعرف الحكمة فيها، كأن يسأله عن متشابه القرآن، ومسائل يعجز المدعو عن الإجابة عنها لجهله، وذلك أن الدعاة الباطنيين يركزون دعوتهم في العوام.
وأيضاً لأن بعض تلك المسائل تعبدية قد لا تعرف الحكمة فيها، كأن يسأله عن متشابه القرآن، ومسائل فقهية: لم أمر بالغسل من المني، ومن الغائط والبول بالوضوء وهما أغلظ نجاسة؟ ولم أمرت الحائض بقضاء الصوم دون الصلاة وهما واجبان على السواء، ولم كانت أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة؟ وعن رمي الجمار، والإحرام، والطواف، وعن الحروف التي في أوائل السور {آلمر}، و{كهيعص} وغير ذلك، ويعظمون أمرها ويدّعون أن لكل ذلك جواباً لا يعرفه كل أحد، بل علم ذلك إليهم وإلى إمامهم المستور بزعمهم.
الحيلة الرابعة:
وهي التعليق: فتتم بعد طرح تلك المسائل، فإذا طلب المدعو الاستفسار عنها، وتعلق قلبه بها وبمعرفتها قالوا له: إننا لا نخبرك بشيء حتى تعطينا العهد والميثاق، فإذا رضي بذلك نقلوه إلى الحيلة الخامسة، وهي الربط.(45/21)
الحيلة الخامسة:
وهي الربط: وهي إحكام قبضتهم عليه بما يؤخذ عليه من العهود والمواثيق الغليظة في عدم إفشائه سراً من أسرارهم، وأنه إذا فعل ذلك فقد استوجب لعنة الله وغضبه، وأنه مخلد في النار أبد الآباد...إلى آخر تلك الإيمان الطويلة التي لا يؤمنون بها هم.
فإذا كان المدعو ذكياً موفقاً عرف أن هذه الأيمان كلها لا تطلب منه إلا لأن ما سيخبرونه به غير مرضي وليس فيه حق، لأن الحق لا يتكتم عليه أهله، ويتذكر قول الله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}(58)، وآيات كثيرة يحذر الله فيها من كتمان العلم، وأن كتمانهم لعلمهم دليل على أنه مليء بالعورات والفضائح.
الحيلة السادسة:
وهي التأسيس: وهي إظهارهم تعظيم الشرع والرغبة في طلب العلم والمحافظة على أوامر الدين، وأن تلك العهود التي أعطاهم المدعو يجب احترامها، وهم في الواقع إنما يظهرون له هذه الأمور من أجل اصطياده، وإلا فهم لا يؤمنون بعهد ولا بميثاق.
ومنها اشتراطهم أخذ العلم عن الإمام المعصوم المستور الذي يزعمون أنه هو الطريق إلى علم النبي الناطق والوصي، وهو الأساس إلى علم الناطق، وزعمهم أنه مستور، لأنهم يعلمون أن لا وجود له، فلئلا يطالبهم المدعو بلقائه زعموا أنه مستور، وإنما هو دجل وتمويه وخداع للمدعو.
وقد ذكر الغزالي سبعة أمثلة لهذا المسلك وأطال في شرحها.
الحيلة السابعة:
التأسيس: وهي أنهم يضعون مقدمة لا تنكر في الظاهر، ولا تبطل الباطن، يستدرج فيها المدعو بحيث لا يدري، ويوهمونه أن الله تعالى جعل لكل شيء ظاهراً وباطناً، ويستدلون عليه بقوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ }(59)، ونصوص أخرى.(45/22)
ثم يقال له: الظاهر قشور والباطن هو اللب، والظاهر رمز والباطن المعنى المقصود، ثم يؤسسون في نفسه الشغف لمعرفة البواطن والإعراض عن ظواهر النصوص..لأنه وصل بزعمهم إلى مرتبة وهي طلب العلم الباطني.
الحيلة الثامنة:
وهي الخلع من الدين: فهي أن يقول الداعي للمدعو: إن فائدة الظاهر أن يفهم ما أودع فيه من علم الباطن لا العمل به، فمتى وقف المدعو على الباطن سقط عنه حكم الظاهر، وهو المراد –بزعمهم الكاذب- لقوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}(60)، أي يضع عنهم هذه التكاليف الشاقة من صلاة وصيام وغيرها من شرائع الإسلام بعد أن يعرفوا بواطن النصوص التي تدعو إلى القيام بتلك التكاليف وهذا مثل خرافة غلاة الصوفية حين يصلون إلى اليقين بزعمهم.
الحيلة التاسعة:
الانسلاخ من الدين أو حيلة السلخ: فهي أنهم إذا أنسوا من المدعو الإجابة وصار منهم، أعلموه أنه قد أطلق من وثاقه وحل له كل ما حرم على غيره من الناس الذين لم يدخلوا مذهبهم: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ }(61)...وزالت عنه جميع التكاليف، ولا يحرم عليه شيء (62).
ولهم حيل في إسقاط التكاليف عن المدعو، حيث يوهمونه أن التكاليف تسقط عنه تلقائياً إذا تدرج في المعرفة ووصل إلى معرفة أن التكاليف إنما كانت موضوعة في الظاهر للناس الجهال حتى يطلبوا العلم ويخرجوا عن مشقة التكاليف.
لأن الإمام المعصوم المستور ونوّابه يعلمون معنى القيام بتلك التكاليف ومعناها الحقيقي، فتسقط عنهم فريضة الصلاة إذا دفع للإمام مبلغ 12ديناراً، ويقرأ له الإمام قول الله تعالى: { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ }(63)، ويفهمه أن الصلاة معناها الحقيقي –بزعمهم- معرفة أسرار الباطن، أو معرفة خمسة أسماء وهي: علي والحسين والحسن ومحسن وفاطمة.(45/23)
ثم يسقطون عنه فريضة الصوم بعد أن يدفع المبلغ المذكور للإمام، ثم يفهمونه أن الصوم إنما المقصود منه كتمان أسرار الباطنية، أو معرفة ثلاثين رجلاً أو ثلاثين امرأة يعدّونهم في كتبهم، وليس معنى الصوم الامتناع عن الأكل والشرب، ويقرأ عليه قوله تعالى: { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً}(64) . فلو كان معنى الصوم ترك الطعام لقال: فلن أطعم؛ فدل على أن الصيام هو الصمت والسكوت عن إبداء أسرار الأئمة بزعمهم.
ثم يسقطون عنه الحج بتفهيمه أن المقصود بالحج إنما هو زيارة مشائخهم لا الذهاب إلى مكة.
ثم يسقطون عنه حرمة الخمر والميسر بتفهيمه أن المقصود بهما أبو بكر وعمر رضوان الله عليهما ولعن الباطنية، فأما الخمر المصنوع من العنب وسائر ما يصنع منه فليس بحرام، لأن كل ما تنبت الأرض حلال : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}(65) ، { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا}(66).
ثم يسقطون عنه وجوب الاغتسال من الجنابة بدعوى أن الطهارة هي طهارة القلب، وأن المؤمن طاهر بذاته والكافر نجس بذاته والكافر نجس بذاته ولا يطهره الماء ولا غيره، بل إن الجنابة المقصود بها موالاة أضداد الأنبياء والأئمة، وأما المنيّ فهو طاهر إذ هو أصل الإنسان، ولو كان الاغتسال منه لنجاسته لكان الاغتسال من البول والغائط أولى بزعمهم.
وعلى هذا فإن معنى الآية {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}(67) أي إن كنتم لا تعرفون معنى الباطن فتعلموا واعرفوا العلم الباطني.(45/24)
ثم يسقطون عنه حرمة الزنا، ويسمونه المشهد الأعظم ونهاية الفوز، وإن إحلال الزنا هو دخول الجنة، ويتلو عليه قوله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ }(68). وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ }(69).ويفسر له الزينة هنا بأنها ما خفي من أسرار النساء التي لا يطلع عليها إلا المخصوص بذلك.
ويسلك به مسالك ملتوية، وفي نهايتها يبدأ بتطبيق ما تعلمه المدعو من جواز الفحش والفجور، وأن ذلك حلال، فيبدأ يطبق ذلك على زوجته فيبيحها للمدعو، ثم يحضر المشهد الأعظم وهو اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد وإطفاء السرج بعد أن تدار الكؤوس، وتحمى الرؤوس، ثم يتناهبون النساء ويسمون ذلك صيداً كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدم (70).
وهكذا ينقضون الإسلام درجة درجة إلى أن يوهموا المدعو أنه أصبح فوق مستوى التكاليف لتعمقه في العلم ومعرفته لبواطن تلك الظواهر فيصل إلى تحقيق قول الله تعالى : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(71) ، وهو في الحقيقة يصل إلى حمأة الفساد والإفلاس من الدين ومشابهة البهائم والخروج عن الإنسانية المكرّمة، فلا يعرف بعد ذلك معروفاً ولا ينكر منكراً، مات قلبه وضميره فهو أضل من البهائم، لأنها لا تعرف تلك المسالك الشيطانية التي وصل إليها هؤلاء المفسدون.
وينبغي أن تعلم أن ما قدمناه من ذكر تلك الحيل لا تتم على عجل، بل إنهم يدرسون الشخص دراسة لا نظير لها إذا وقع عليه اختيارهم، ولا ينبغي أن تفهم أن تلك التعليمات تلقى عليه بهذه البساطة التي عرضناها؛ بل إنه يمر بتعقيدات وتعليمات وصقل، قد يأخذ فيها مدداً طويلة أو قصيرة حسب ميوله وذكائه وتقبله، ولهذا يحكمون عليه قبضتهم.(45/25)
وهذا ما يفسره وقوف التابعين لهم في صفهم ودفاعهم عن هذه العقيدة، لا يهمهم حتى تقديم دمائهم في سبيل نشرها وعلوّ شأنها، وذلك لتشبعهم بتلك التعاليم الملتوية ومسخ فكر الداخل وتفريغه من كل علاقة إلا بهذا المذهب.
ولمزيد من التفاصيل عن حيلهم وخططهم في استجلاب الناس إلى دعوتهم وترتيبهم العميق الذي لا يدركه المدعو إلا بعد الإطاحة به- ننقل هنا ما باح به أحد علمائهم المعاصرين؛ حيث قال ما نصه:
((ولقد وُفّقت الحركة الإسماعيلية بين جهاز الدعاية الذي نظمته خير تنظيم، وبين نظام الفلك ودورته، فجعلوا العالم الذي كان معروفاً في عصرنا، مثل السنة الزمنية، والسنة مقسمة إلى اثني عشر شهراً، وإذاً فيجب أن يقسم العالم إلى اثني عشر قسماً، وسموا كل قسم جزيرة، وجعلوا على كل جزيرة من هذه الجزر داعياً هو المسئول الأول عن الدعاية فيها، وأطلقوا عليه لقب ((داعي دعاة الجزيرة)) أو ((حجة الجزيرة)).. إلى أن يقول:
((والشهر ثلاثون يوماً، ولذلك كان لكل داعي جزيرة ثلاثون داعياً نقيباً لمساعدته في نشر الدعوة، وهم قوته التي يستعين بها في مجابهة الخصوم، وهم عيونه التي يعرف بها أسرار الخاصة والعامة.
واليوم مقسم إلى أربع وعشرين ساعة، اثنتي عشرة ساعة بالليل، واثنتي عشرة ساعة بالنهار، فجعل الإسماعيلية لكل داع نقيب أربعة وعشرين داعياً منهم اثنا عشر داعياً ظاهرين كظهور الشمس بالنهار، واثنا عشر داعياً محجوباً مستتراً استتار الشمس بالليل.
وبعملية حسابية نجد أن عدد الدعاة الذين بثهم الإسماعيلية في العالم كان حوالي (8640) داعياً في وقت واحد، وذلك بخلاف عدد آخر من الدعاة لا يشملهم هذا، وهم الدعاة الذين يكونون دائماً في مركز الدعوة الرئيسي مع الإمام.(45/26)
علماً بأن لكل فئة من هؤلاء الدعاة عمل خاص لا يتعداه، حفظاً لنظام الدعوة وسريتها، فدعاة النهار الاثنا عشر في كل جزيرة كانوا يعرفون بالمكاسرين أو المكالبين، وهم أصغر طبقة في درجات الدعاة.
وعلى عاتق المكالب تقع مهمة مجادلة العلماء والفقهاء أمام جماهير الناس وكأنهم تلاميذ يريدون الإفادة من أساتذتهم دون أن يخالج الشك العلماء والفقهاء أو الجماهير المجتمعة للأخذ عن هؤلاء العلماء أو الفقهاء بأن من يجادله أو يناقشه مناقشة علمية عنيفة أنه من الدعاة –انظر إلى هذا الدهاء والمكر.
وفي أغلب الأحيان يظهر عجز العالم عن الجواب الصحيح، أو تبدو منه أخطاء فيسخر منه الداعي المكاسر ويتركه، وهنا تظهر عبقرية الداعي المكاسر، فيسرع إليه الناس يلتمسون منه الجواب الشافي عن الأسئلة التي طرحها، والموضوعات الني ناقش فيها العلماء.
ومن الظاهر أن الداعي المكاسر كان يختار اختياراً خاصاً، ولا يسمح له بالمكاسرة إلا بعد امتحان عسير وتجارب كثيرة، ونجد في بعض الكتب الإسماعيلية الشروط الواجب توفرها عند اختيار الداعي المكاسر، والخصال التي يجب أن يتحلى بها، من ذلك أن يكون من نفس البيئة التي سيكاسر فيها؛ ولد ونشأ بها حتى يكون معروفاً عند الجمهور، ويجب أن يكون حسيباً ونسيباً بين قومه ..إلى أن يقول:
((فإذا وثق داعي الجزيرة في شخص تتوفر فيه هذه الشروط شرع في تعليمه العلوم الإسلامية حتى يتبحر فيها! فإذا تم له ذلك أخذ يلقنه مسائل الخلاف بين المذاهب وآراء أهل الملل. والنحل كلها من فرق إسلامية وغير إسلامية، ويظهر له موطن الضعف في كل مذهب، وفي كل رأي.
ثم يعلمه كيف يجادل في اختلاف هذه الآراء، وكيف يناقش أصحابها فإذا تم له ذلك يبدأ الداعي في تدريبه على تفهم نفسية كل جماعة من الجماعات، وكيف يخاطب كل طائفة من الطوائف حتى يستميل الناس إليه.(45/27)
فإذا أتقن كل هذه الأمور وتدرب عليها ونجح فيها النجاح الملحوظ سمح له الداعي أن يكاسر ويجادل الفرق الأخرى دون أن يشعر أحد بأنه إسماعيلي المذهب، بل يجب أن يكتم ذلك كتماناً شديداً، ولذلك يجب أن يكون المكاسر ذكياً ذا فراسة حتى لا يخطئ في معرفة نفسية المجتمع أو تقدير الناس الذين يخاطبهم.
فإذا فرض ووجد المكاسر أمامه خصماً عنيداً أكثر منه علماً وتبحراً في مختلف الفنون وجب على المكاسر في هذه الحالة –أن يلج في المسائل الفلسفية العميقة التي لا حد لها، والتي لا يفهمها العامة، ويدخل معه في مناقشات باطنية هي من أخص خواص الفلسفة الإسماعيلية التي لا يعرفها غير الدعاة، وبذلك ينجو المكاسر من الظهور بمظهر الضعف أمام العامة، بل ربما عظم شأنه في أعينهم؛ لأنه يتحدث عن أشياء لا يفهمونها ولا يعرفون كنهها.
هكذا كان الداعي المكاسر أو الداعي المكالب الذي كانت مرتبته أقل مراتب النظام الإسماعيلي للدعاية، فإذا كان هذا هو شأن أصغر الدعاة استطعنا أن ندرك ما كان عليه أمر كبار الدعاة على اختلاف درجاتهم وتباين مراتبهم.
وفي حالة توصل الداعي المكاسر إلى إقناع أحد المستجيبين ممن يرغبون الوصول إلى معرفة الحقيقة يأخذه إلى أحد الدعاة الذين هم أعلى منه مرتبة، فيلاطفه ويفاتحه في لين ورفق دون أن يظهر له صفته المذهبية أو شيئاً من عقائده؛ بل يكتفي بإطلاعه على بعض المسائل المذهبية، ويلمح له ببعض التأويلات الباطنية التي لا ضير في كشفها.
فإذا أصر المستجيب على الاستزادة من المعرفة أحاله إلى الداعي المأذون، وهو من دعاة الليل الذي يبدأ بأخذ العهود والمواثيق، فإذا وثق بإخلاص المستجيب بدأ يكاشفه ببعض الأسرار الخفية التي لا ينفر منها، ويتدرج به حتى يطمئن الداعي المأذون إلى إخلاصه، ويطمئن المستجيب إلى الداعي ويثق به.(45/28)
عندئذ ينقله إلى الداعي الذي أرقى منه مرتبة، وهكذا يتدرج المستجيب بين الدعاة حتى يسمح له أخيراً بحضور مجالس داعي دعاة الجزيرة الذي له وحده الحق في أن يعلم الناس التأويلات الباطنية للدين والقرآن والحديث، كما يعلّم الدعاة فلسفة الدعوة المذهبية أي علم الحقيقة.
صحيح كان داعي الدعاة يلقي المجالس والأحاديث على العامة الذين أخذت عليهم العهود والمواثيق دون أن يصلوا بعد إلى درجة عالية في علوم الدعوة، ولكن هذا المحاضرات كانت بعيدة عن الأسرار الإسماعيلية العليا))(72).
ثم ذكر بعد ذلك مراتب كبار الدعاة الذين كانوا يلازمون مركز الإمامة، وهي 16 مرتبة .
فانظر أخي الكريم إلى هذه الخطط الشيطانية، وانظر كيف يدخلون إلى قلوب الناس ويسرون فيهم سريان النوم.
ولك أن تعجب من حال المدعو وهم يقذفونه من شيخ إلى شيخ كأنه كرة في أيديهم دون أن يعلم الحال الذي سيوردونه عليه.
كما يحق لك أن تعجب من كثرتهم وتماسكهم؛ حيث ينتشرون في البلد الذي ينكب بهم مثل انتشار الجراثيم في الجسم السليم ثم يحكمون الطوق عليه ليقع فريسة هامدة أمامهم.
وكيف يدرسون نفسيات الناس وميولهم، ويعرفون كل شيء عنهم قبل الإقدام عليهم.
فأين دعاة الحق من مثل هذه التنظيمات؟! إن كثيراً منهم قد يجهل حتى أدنى الآداب التي يقابل بها الناس.
ولو عرضت الدعوة الصحيحة إلى الإسلام، ولو بقليل من هذه الخطط لكان للعالم الإسلامي شأن غير شأنه الموجود اليوم، فإن جودة عرض البضاعة تغري بشرائها.
ومن هنا نجد هذا الباطني يتمدح بهذا الجانب فيقول: ((وبفضل هذا التنظيم الدقيق انتشرت الدعوة الإسماعيلية بشكل لم تعهده أي دعوة إسلامية وغير إسلامية من قبل في جميع الأقاليم، وبين كل طبقات المجتمع على السواء)) (73).(45/29)
الذي يهمنا من كلامه هذا هو الإشارة إلى دقتهم في التخطيط وحبك المؤامرات بغض النظر عن مبالغته في انتشار دعوتهم الخبيثة؛ فلقد انتشرت الدعوات الإسلامية الصحيحة انتشاراً لم تصل إلى القرب منها أية دعوة في العالم بأسره، ولم يثبت أصحاب أية دعوة في التمسك بمبادئهم ثبوت أصحاب العقيدة الصحيحة على مرِّ التاريخ.
* * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل السادس
عقائد الباطنية
يجد المتتبع لأخبار الباطنية ومذاهبهم تناقضاً ظاهراً، والسر في هذا التناقض يعود إلى أن أهل المذهب هم الذين أرادوا ذلك لكي تتضارب أخبارهم عند الناس، وبالتالي يستطيعون تكذيب ما يريدون مما ينقل عنهم بحجة أن الناس يكذبون عليهم.
ثم هم أيضاً لا يقوم مذهبهم إلى على هذا التلون الكثير، ومن هنا قال الغزالي: ((والذي قدمناه في جملة مذهبهم يقتضي لا محالة أن يكون النقل عنهم مختلفاً مضطرباً، فإنهم لا يخاطبون الخلق بمسلك واحد، بل غرضهم الاستتباع والاحتيال، فلذلك تختلف كلماتهم، ويتفاوت نقل المذهب عنهم))(74).
ومهما كان الحال فإن عقائد الباطنية هي مجموعة أفكار ملفقة من مذاهب شتى، وكلها خبط واضطراب، ومن عجيب أمرهم أنهم يستدلون على كفرهم ومحاربة الإسلام ببعض الآيات من القرآن الكريم، وبأحاديث مختلقة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأحاديث صحيحة يحرفون معانيها، ويؤولونها على وفق اعتقاداتهم الإلحادية، وكل عقائدهم ترجع إلى:
1- إنكار وجود الله تعالى.
2- جحد أسمائه وصفاته.
3- تحريف شرائع النبيين والمرسلين (75).
وفي كل ذلك يتسترون:
1- إما بالتشيع لآل البيت.
2- وإما بزعم التجديد والتقدم.
وغير ذلك مما يختلقون من الشعارات والأكاذيب المخترعة.
أولاً: عقيدتهم في الألوهية:
فقد اختلفت مذاهبهم فيه على درجات من الكفر والإلحاد كما اتضح من خلاصة معتقداتهم (76).(45/30)
فذهب قسم منهم إلى القول بوجود إلهين، لا أول لوجودهما من حيث الزمن، إلا أن أحدهما علة لوجود الثاني، واسم العلة السابق، واسم المعلول التالي، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه، وقد يسمون الأول عقلاً، والثاني نفساً تخرصاً وكذباً.
بل قالوا: إن السابق والتالي هما المراد باللوح والقلم، واستدلوا من القرآن الكريم بما جاء فيه من صيغة الجمع مثل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا }(77)، {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ }(78).
قالوا: ولولا أن معه إلهاً آخر له العلو أيضاً لما ورد قوله تعالى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}(79) ، قالوا وهما أيضاً: الرحمن الرحيم(80).
ولا شك أن هذا يدل على مدى جهلهم بلغة العرب لأنهم من فارس، وبعضهم لم يتقن العربية، وإلا لعلموا أن هذا الخطاب ((إنا)) أو ((نحن)) إنما هو من باب التعظيم، والله عز وجل له العظمة المطلقة.
وقد ذكر مصطفى غالب –باطني من أهل سلمية- خلاصة معتقدهم في الخالق عز وجل فقال:
((ولما كان الله فوق العالم وهو غير محدود، فلا يمكن أن يخلق العالم مباشرة وإلا اضطر إلى الاتصال به مع أنه بعيد عنه، لا ينزل إلى مستواه، ولما كان واحداً فلا يمكن أن يصدر عنه العالم المتعدد، ولا يستطيع أن يخلق الله العالم، لأن الخلق عمل وإنشاء شيء لم يكن، وذلك يستدعي التغير في ذات الله والإله لا يتغير))(81).
ومعنى هذا الكفر أن الله علة العالم وسبب وجوده فقط، وأن الله فوق العالم، ولا يستطيع أن يتصل به ويخلقه بنفسه مباشرة لأنه واحد، ويستنكف أن يباشر خلق الأشياء بنفسه لترفعه وعلوه وهذا من أعظم الجهل والغفلة.
وذهب قسم آخر منهم إلى الاعتقاد أن علياًً رضي الله عنه هو الذي خلق السموات والأرض خالق محيي مميت مدبر للعالم، وأنه ظهر في صورة الناسوت –الناس- ليؤنس خلقه وعبيده ليعرفوه ويعبدوه، وقد أنشد بعضهم في سنة سبعمائة قوله:(45/31)
أشهد أن لا إله إلا *** حيدرة الأنزع البطين
ولا حجاب عليه إلا *** محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليه إلا *** سلمان ذو القوة المتين(82)
وذهب بعضهم إلى أن الله تعالى لا يصح وصفه بأنه موجود ولا معدوم، ولا معلوم ولا مجهول، ولا موصوف ولا غير موصوف، ولا قادر ولا غير قادر...وهذا ما يقصده مصطفى غالب حين قال:
((وتحدّث الفلاسفة الإسماعيليون عن وجود الله تعالى، فأثبتوا ضرورة وجوده عن طريق ليسيّته، وضرورة استناد الموجودات واحتياجها إلى موجد، ونفوا عن الله الأيسية كما نفوا عنه الليسية، وقالوا: إن الله لا يمكن أن يكون ليساً ولا أيساً، أي إنه لا يصح أن يكون الله غير موجود ولا أن يكون موجوداً من نوع الموجودات التي وجدت عنه، ويطلق عليه اسم المبدع الأول، والعقل الأول، والمحرك الأول...
ويأتي بعده في ترتيب العقول، العقل الثاني الذي وجد عن طريق الانبعاث...)) إلى آخر تقسيمه الطويل الممل.
إلى آخر خرافاتهم وإلحادهم وغرضهم نفي وجود الله تعالى بوجه يدق على عوام الناس، يكون ظاهره التنزيه، والغرض الحقيقي نفي وجود الله عز وجل، إذ لا يمكن أن تصدق تلك الأوصاف إلا على معدوم، ومثل هذه المزاعم معلوم بطلانها من دين الإسلام بالضرورة، فلا خالق إلا الله عز وجل كما هو معلوم عند أصحاب كل الأديان، وعليّ وغيره في هذا الكون مخلوق لله، أوجده بعد أن لم يكن، لا يملك أحد لنفسه ضراً ولا نفعاً. {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(83).
ثانياً: اعتقادهم في النبوات:(45/32)
يجحد الباطنيون النبوات، وينكرون المعجزات، ويزعمون أنها من قبيل السحر والطلاسم، ويفسرون النبوة بأنها عبارة عن شخص فاضت عليه من السابق بواسطة التالي قوّة قدسية صافية مهيأة لأن تنتقش عند الاتصال بالنفس الكلية بما فيها من الجزئيات، كما قد يتفق ذلك لبعض النفوس الزكية في المنام حين تشاهد في مجاري الأحوال في المستقبل إما صريحاً بعينه أو مدرجاً تحت مثال يناسبه مناسبة ما، فيفتقر فيه إلى التعبير، لأن النبي هو المستعد لذلك في اليقظة (84).
ويزعمون أن هذه القوة القدسية الفائضة على النبي لا تستكمل في أول حلولها، كما لا تستكمل النطفة في الرحم إلا بعد تسعة أشهر، فكذلك هذه القوة كمالها أن تنتقل من الرسول الناطق إلى الأساس الصامت (85).
ومن هذا التصور الرديء اعتقدوا أن جبريل عبارة عن العقل الفائض على النبي لا أنه شخص يتنقل من علو إلى سفل.
وعلى هذا فهم يعتقدون أن القرآن الكريم تعبير محمد عن المعارف التي فاضت عليه من العقل الذي هو جبريل، وسمي كلام الله مجازاً.
ومن اعتقاداتهم التي بينها الغزالي أنهم قالوا: كل نبي لشريعته مدة، فإذا انصرمت مدته بعث الله نبياً آخر ينسخ شريعته. وحددوا لشريعة كل نبي سبعة أئمة (86)، أولهم النبي الناطق، ثم الأساس الصامت، ثم السوس, ومعنى الناطق أن شريعته ناسخة لما قبله، ومعنى الصامت أن يكون قائماً على ما أسسه غيره.
قالوا: ولكل نبي سوس، والسوس هو الباب إلى علم النبي في حياته والوصي بعد وفاته، والإمام لمن هو في زمانه، ومن هنا زعموا أن آدم سوسه شيئاً، وهو الثاني، ويسمى من بعده متماً ولاحقاً وإماماً، إلى أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وسوسه علي بن أبي طالب، وقد استتم دوره بجعفر بن محمد .(45/33)
فإن الثاني من الأئمة الحسن بن عليّ، والثالث الحسين بن علي، والرابع علي بن الحسين، والخامس محمد بن علي، والسادس جعفر بن محمد، وقد استتموا سبعة معه، وصارت شريعته ناسخة، وهكذا يدور الأمر أبد الدهر (87).
وفي مثل هذه الضلالات يقول علماؤهم :
((ويعتبر الإمام محمد بن إسماعيل أول الأئمة المستورين والناطق السابع، لأن إمامته كانت بداية دور جديد في تاريخ الدعوة الإسماعيلية، قام بنسخ الشريعة التي سبقته، فجمع بين النطق والإمامة، ورفع التكاليف الظاهرية للشريعة، فنادى بالتأويل واهتم بالباطن)) (88).
إلى أن يقول حاكياً عن أحد دعاتهم في ضمن فضائل محمد بن إسماعيل: ((وعطلت بقيامه ظاهر شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ))(89).
ووصف مصطفى غالب محمد بن إسماعيل بأنه القيامة الكبرى (90)، لاكتمال الدور به، والابتداء من جديد.
ويقول النوبختي وهو من أعرف الناس بهم:
((وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي أمر فيه بنصب علي بن أبي طالب عليه السلام للناس بغدير خم، فصارت الرسالة في ذلك اليوم في علي بن أبي طالب، واعتلوا في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كنت مولاه، فعليّ مولاه))، وأن هذا القول منه خروج من الرسالة والنبوة، وتسليم منه في ذلك لعلي بن أبي طالب بأمر الله عز وجل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان مأموناً لعلي محجوجاً به ...)) إلى أن يقول:
((وزعموا أن محمد بن إسماعيل حيّ لم يمت، وأنه في بلاد الروم، وأنه القائم المهدي، معنى القائم عندهم أنه يبعث برسالة وشريعة جديدة ينسخ بها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ... )) إلى أن يقول:
(( واعتلوا في نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وتبديلها بأخبار رووها عن أبي عبد الله جعفر بن محمد أنه قال: ((لو قام قائمنا علمتم القرآن جديداً)).(45/34)
وأنه قال: ((إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء)) ونحو ذلك من أخبار القائم))(91).
وسبب نقل هذا الكلام إنما هو لإيضاح إصرار الباطنية على نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن ما يظهره مصطفى غالب وغيره من عتاة الباطنية من التلاعب بمعاني الكلام إنما هو خداع للناس وستر لهذه العقيدة الخبيثة التي ترد ما أخبر الله به من إتمام الدين إلى أن تقوم القيامة وينتهي هذا الكون ومن فيه ولا يبقى إلا وجه الله عز وجل.
ولا يخفى على القارئ اللبيب ما في آخر كلام النوبختي من عبارات تتفق مع هوى الشيعة الغلاة منهم حول القرآن الكريم.
وأما استدلالهم بأن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، بمعنى يظهر شخص ينسخه، فلا شك أنه كلام يدل على قصر عقولهم، فإن الإسلام والحال ما ذكروا لا يبقى غريباً فقط بل إنه لا يبقى له أي وجود...فكيف يسمونه غريباً وقد انمحى ونسخ، وحاشا أن يتم ذلك.
وكلامهم إنما هو تأويل للحديث، وكذب على الله ورسوله أن يكون المراد من معنى الحديث ما ذكروا، بل إنه يدل على قلة المتمسكين به والعاملين بأحكامه وتعاليمه كما كان في بدء أمره كذلك.
وأما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يبشر في هذا الحديث بنسخ شريعته، فإنه لا حقيقة لهذا المقصود إلا في أفهام سخفاء العقول.
وأوَّلوا معجزات الأنبياء تأويلات باطنية، فثعبان موسى أي غلبته عليهم، وإظلال الغمام أي الإمام الذي نصبه موسى لإرشادهم، ومعنى عدم الأب لعيسى أنه لم يأخذ العلم عن إمام مستور معصوم، وإنما استفاد العلم من الله بغير واسطة والجن الذين ملكهم سليمان باطنية ذلك الزمان، والصيام الإمساك عن كشف السر.(45/35)
في تخرصات وتلفيقات يطول ذكرها، ولا خير من وراء بحثها وإنما هي الإشارة إلى التحذير من مسالك هؤلاء، ومن أفكارهم وعباراتهم الخادعة، فلا ينبغي أن يهدر الوقت في التعمق في دراسة هذه الأفكار والردود عليها.
وقد أورد الغزالي في الباب الخامس من كتابه ((فضائح الباطنية)) أمثلة كثيرة لتلك التأويلات في فصلين :
* الفصل الأول: في تأويلاتهم للظواهر.
* الفصل الثاني: في استدلالهم بالأعداد والحروف وبيّن زيف أقوالهم في عدة صفحات(92)
وكذا الديلمي في كتابه " بيان مذهب الباطنية وبطلانه " ويحيى بن حمزة العلوي في كتابه ((الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام)). كل هؤلاء وغيرهم من علماء الفرق قد ذكروا أمثلة ومناقشات لدحض أقوال الباطنية، تحتاج إلى دراسة خاصة ووقت متسع لها.
ثالثاً: اعتقادهم في الآخرة:
اتفق كلمة الباطنية على إنكار الآخرة التي جاء الإسلام بتفاصيل بيانها، وأوَّلوا القيامة في القرآن والسنة، وقالوا بأنها رموز تشير إلى خروج الإمام، وقيام قائم الزمان –إمام العصر-، السابع الناسخ للشرع المغير للأمر كما يصفونه، وقالوا أيضاً: إن معنى القيامة انقضاء الدور.
وأنكروا بعث الأجسام والجنة والنار، وقالوا: ((إن معنى المعاد هو عود كل شيء إلى أصله، وأن الإنسان مركب من عالم روحاني وعالم جسماني، فالجسماني منه جسده، وهو مركب من الأخلاط الأربعة وهي: الصفراء، والسوداء، والبلغم، والدم فيتحلل الجسد ويعود كل خلط إلى طيبعته...
فالصفراء تصير ناراً، والسوداء تصير تراباً، والدم يصير هواءً، والبلغم يصير ماءً). وهذا هو المعاد الجسدي عندهم، فلا تعود الحياة إلى الأجساد بعد الموت.(45/36)
أما الروحاني، وهو النفس المدركة العاقلة من الإنسان فإنها إن صفيت بالمواظبة على العبادات، وزكيت بمجانبة الهوى والشهوات، وغذيت بغذاء العلوم والمعارف المتلقاة عن الأئمة الهداة اتحدت عند مفارقة الجسم بالعالم الروحاني الذي كان منه انفصالها، فتسعد بذلك وهذا هو جنتها (93) .
بهذه الخرافات فسروا المعاد الأخروي، ولا شك أنها مأخوذة عن مذاهب الهندوس والبوذيين؛ ولذلك أجمع هؤلاء الباطنيون على القول بالتناسخ الموجود عند البراهمة والبوذيين، وصبغوه في الظاهر بالإسلام فصار الكلام مسلماً والفكر هندوسياً وبوذياً ووثنياً.
وقد أكثر الشيخ إحسان إلهي –رحمه الله- من النقول عن كتب الباطنية، وتأويلاتهم لأخبار القيامة بما لا يتسع لاستقصائه المجال هنا (94).
رابعاً: اعتقادهم في التكاليف الشرعية:
يتميز مذهب الباطنية بأنه من أشد المذاهب استحلالاً للمحرمات، وأوغل في الإباحية البهيمية، وأكثر تفلتاً عن القيام بالتكاليف الشرعية وتبرماً منها، مع أنهم لا يتظاهرون أمام العامة بترك التكاليف إلا فيما بينهم.
وأما ظاهر مذهبهم فهو لزوم القيام بالتكاليف، بل وأحياناً بعضهم يبالغ في إيجاب أشياء لم تجب ليظهروا بمظهر الزهاد والعباد، وليستفيدوا من جهة أخرى، إرهاق الناس بكثرة التكاليف لتضيق صدورهم بها.
وفي مقابل ذلك يركز هؤلاء الفجار على مسامع الناس أن الخروج من تبعة هذه التكاليف أمر ميسر لكل أحد أراده.
وحينما يشتاق الشخص إلى معرفة هذا الأمر لا يجودون به عليه إلا بعد مراحل واختبارات عديدة ليشعر المدعو فعلاً أنه قد وصل إلى السر بعد تعب واجتهاد.(45/37)
ومعرفة هذا السر يكون بطلب التابع لهم رتبة الكمال في العلوم التي تؤخذ –بشرط- من نواب الإمام المعصوم المستور. وعلى الشخص أن يجتهد ويسعى في العبادة في أثناء تلقيه لذلك إلى أن يصل إلى رتبة الكمال- وهي في الحقيقة رتبة منتهى الجهل والغفلة-، محباً للشهوات والفواحش على حد ما أخبر به النوبختي، حيث قال وهو يعدد عقائد الباطنية:
((وإن الله تعارك وتعالى جعل لمحمد بن إسماعيل جنة آدم صلى الله عليه وسلم، ومعناها عندهم الإباحية للمحارم وجميع ما خلق في الدنيا، وهو قول الله عز وجل: {وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ }(95)))(96) .
هذا بالإضافة إلى أنهم يعمقون في ذهن الشخص أن القيام بهذه التكاليف والمنع والإباحية إنما تستهدف من ورائها فائدة واحدة وهي استنهاض همة القلب ليصل إلى معرفة بواطن هذه الأمور، فإذا لم يكن كذلك فإن عليه أن يبقى في عداد الجهال الذين هم مثل الحمير التي لا يمكن رياضتها إلا بالأعمال الشاقة (97).
في زخرف من القول أخذوه من شتى المذاهب، حيث أخذوا من كل مذهب شرّ ما فيه.
ولقد كان للرافضة عليهم فضل كبير، فقد أخذوا عنهم فكرة الإمام المعصوم المستور، وأنه لا حق إلا ما خرج عن الأئمة، وكذا تحريف الآيات على حسب هواهم، ودعوى وجود الإمام الصامت والناطق، ونسخ الشريعة الإسلامية بمجيء مهدي الشيعة ومجيء الإمام السابع من الأئمة المستورين عند الباطنية، وأشياء كثيرة لا تخفى على القارئ الكريم، وقد ذكر أكثرها في دراستنا للشيعة سابقاً.
فهذا الكليني يفسر قول الله تعالى: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ}(98)، عن موسى بن جعفر أنه قال: ((البئر المعطلة الإمام الصامت، والقصر المشيد الإمام الناطق)) (99).(45/38)
والوالدين اللذين ذكرهما الله في قوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(100)، فسرها الكليني فيما يزعم عن عليّ رضي الله عنه قال: ((الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر هما اللذان ولدا العلم وورثا الحكم وأمر الناس بطاعتهما)) (101).
وعن الظاهر والباطن في النصوص يقول الكليني: ((إن القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرّم الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل الله تعالى في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الحق)) (102).
وللطوسي في كتابه ((الغيبة)) مثل هذا التأسيس الباطني(103)، بل وبالغ الطوسي، وافترى –كما يبدو- على جعفر بن محمد أنه قال: ((حقيق على الله أن يدخل الضلال الجنة، فقال زرارة: كيف ذلك جُعلت فداك؟ قال: يموت الناطق، ولا ينطق الصامت، فيموت المرء بينهما فيدخله الله الجنة)) (104).
وإذا كان على حسب هذه الرواية كل من مات بين موت الناطق وسكوت الصامت (أي بين موت الرسول صلى الله عليه وسلم وسكوت علي) فكان ينبغي على الشيعة أن يقولوا بدخول الصحابة جميعهم الجنة وهم لا يقولون بذلك، وهذا جزء من تناقضهم، وهو من الأدلة على رغبتهم في تأسيس المذاهب الهدامة التي تخرج المسلم عن دينه.
ولقد انتفع الباطنيون كثيراً بمثل هذه الاعتقادات التي كوَّنوا منها ومن غيرها مذهبهم الرديء الذي خرج بسببه الآلاف المؤلفة من الناس عن دينهم.
* * * * * * * * * * * * * ** **
الباب السادس
النصيرية
الفصل الأول
تمهيد في بيان خطر النصيرية
النصيرية هي إحدى الفرق الباطنية الغلاة، ظهرت في القرن الثالث للهجرة انشقت عن فرقة الإمامية الاثني عشرية.(45/39)
والنصيريون كغيرهم من أعداء العقيدة الإسلامية الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر، إذ لم تمر بهم فرصة دون أن يهتبلوها في إيقاع أكبر الأذى بالمسلمين، والنصيريون حينما يوقعون الأذى بالمسلمين دون هوادة أو رحمة، يعتقدون في نفس الوقت أنهم يثابون على ذلك، فكلما أوغل الشخص منهم في إلحاق الأذى بالمسلمين كلما زاد ثوابه حسب اعتقادهم، وهذا ظاهر في غلظتهم ومعاملتهم للمسلمين.
وأقرب مثال على مواقف النصيريين في العصر الحاضر ما يجري في أماكن المسلمين في سوريا ولبنان من تقتيلهم الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، ثم وقوفهم كذلك في صف المارونيين والخمينيين. ولقد هيأ هؤلاء للتتار قديماً وللصليبيين الفرص لذبح المسلمين وإنزال أفدح المصائب بهم، مما لم يسمع بمثله باعتراف كتَّاب النصيرية أنفسهم.
وما من فتنة تثور ضد المسلمين من أهل السنة إلا وهؤلاء النصيريون في خندق واحد مع عدو المسلمين ضد المسلمين، وكم ذهبت من أنفس واستبيحت من أعراض بسبب دسائس النصيرية وتآمرهم في وقائع تقشعر منها الجلود، وبينهم وبين اليهود والنصارى مودة وبينهم تشابه في كثير من المعتقدات تجد مصداق هذا وقائع حرب الأيام الستة كما يسمونها فما حصل منهم فيها إنما هو دليل من الأدلة الكثيرة على مواقف النصيرية تجاه أهل السنة وعدائهم لهم ولأسلافهم الأخيار مثل أبي بكر وعمر وعثمان، وغيرهم من فضلاء الناس بعد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
ولا يزال القارئ الكريم يذكر ما قدمنا نقله عن علماء السنة وشهاداتهم بما فعله النصيريون والباطنيون عموماً بالمسلمين على مختلف العصور حين تمكنوا من إلحاق الأذى بأهل السنة، وكيف كانوا يتحولون إلى وحوش ضارية لا تدخل الرحمة إلى قلوبهم لا يرحمون صغيراً ولا يوقرون كبيراً.(45/40)
لقد انطوى هؤلاء على كفر وإلحاد وخرافات تجعل الإنسان ييأس تمام اليأس أن يعود هؤلاء إلى رشدهم، وإذا شئت الاطلاع على مصداق هذا فاقرأ كتابهم ((الهفت الشريف)) بتحقيق علمائهم في هذا العصر، الذي يزعمون أنهم تحرروا من كل الخرافات وأنهم أصحاب إنصاف وتحقيق، ونورد لك أخي القارئ دليلاً واحداً مما جاء في هذا الكتاب المفضل لديهم حيث قال:
((إن الحسين لما خرج إلى العراق وكان الله محتجباً به، وصار لا ينزل منزلاً صلوات الله عليه إلا ويأتيه جبريل فيحدثه، حتى إذا كان اليوم الذي اجتمعت فيه العساكر عليه، واصطفت الخيول لديه وقام الحرب(1)، حينئذ دعا مولانا الحسين جبريل وقال له: يا أخي –انظر الله يقول لجبريل يا أخي! – من أنا؟
قال: أنت الله الذي لا إله هو الحي القيوم والمميت والمحيي، أنت الذي تأمر السماء فتطيعك والأرض فتنتهي لأمرك والجبال فتجيبك والبحار فتسارع إلى طاعتك، وأنت الذي لا يصل إليك كيد كائد ولا ضرر ضار)) إلى أن قال عن جبريل وهو يخاطب عمر بن سعد القائد الأموي الموجه لحرب الحسين قائلاً له: ((ويحك تقتل رب العالمين وإله الأولين والآخرين وخالق السموات والأرض وما بينهما، فلما سمع عمر بن سعد ذلك أخذه الخوف))(2) إلى آخر ترهاتهم التي تدل على عمق جهلهم وبدائيتهم.
ويسب صاحب الهفت عمر رضي الله عنه وينسبه إلى أنه كان في زمن الحسين في صورة كبش عن طريق التناسخ فدى الله به الحسين من الذبح، وذُبح هو أي عمر الذي سماه ((دلامة)) أو أدلم، فقال عن الصادق عن المفضل أنه قال له: يا مفضل إن الكبش الذي فدي به الحسين كان الأدلم أدلم قريش وهو يومئذ شيخ في تركيب كبش)). ثم زعم أن قرني هذا الكبش معلقان في الكعبة.(45/41)
((أما رأيت يا مفضل قرنيه في البيت الحرام معلقين؟ قلت: نعم يا مولاي، قال: فذاك القرنان لذلك الكبش الذي فدي به الحسين. ثم ضحك الصادق حتى بدت نواجذه، قلت: يا مولاي ما الذي أضحكك؟ قال: يا مفضل إن الناس إذا اجتمعوا بالموسم بمكة المكرمة رغبوا أن ينظروا إلى قرني الكبش تعجباً لأنه من الجنة، ونحن نقوم بالنظر إليهما تعجباً أنهما قرنا دلامة، فالناس يتعجبون من شيء ونحن نتعجب من شيء خلافه)) (3).
وما أدري ما الذي يقصد هذا المجوسي بقرني الكبش المعلقين بالكعبة فما رأينا أي قرن ولا حكى أحد من الناس أنه رأي هذين القرنين. وفي هذا العصر خرجت مرة كتائب الباطنية النصيرية في حماة ((وهي تملأ أجواء الفضاء بذلك الهتاف الذي لن تنساه حماة)) ((هات سلاح وخذ سلاح دين محمد ولى وراح)) (4).
وهذه جريدة الثورة أحفاد الوثنية النصيرية تكتب ((الله والأنبياء والكتب المقدسة كلها محنطات ينبغي تحويلها إلى متاحف التاريخ))(5) وذاك النشيد وهذا التصريح وقع حينما اقتحم اليهود الصهاينة المسجد الأقصى وهم يرددون ((محمد مات خلف بنات فليسقط الإسلام))(6).
* * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الثاني
(زعيمهم) وسبب انفصاله عن الشيعة وموقفهم منه
تنتسب هذه الطائفة إلى زعيمهم محمد بن نصير النميري، وكنيته أبو شعيب، وكان من الشيعة الاثني عشرية، وأصله من فارس، ثم انفصل عنهم إثر نزاع بينه وبينهم على ثبوت صفة الباب له، حيث ادعى أنه الباب إلى المهدي المنتظر فلم تقرّ له الإمامية بذلك فانفصل عنهم وكوّن له طائفة وقد ظل زعيماً لطائفته إلى أن هلك سنة 260هـ، وبعضهم يذكر أنه في سنة 270هـ وقد كان فيما يقول علماء الفرق –مولى للحسن العسكري- الإمام الحادي عشر للشيعة الاثني عشرية- ولقد كان للحسن العسكري موقف شديد منه ومن آرائه الكفرية.(45/42)
لقد صار ابن نصير داخلاً في قسم كل نصيري، وهو قسم مملوء بالشرك والإلحاد، وهو يشير بكلمات موجزة إلى ديانتهم وما فيها من الاعتقادات، لا يعرفها إلا من توسع في دراسة هذه الطائفة ووقف على مخازيهم بمداخلته لهم، وهذا القسم هو كما يأتي: ((أني وحق العلي الأعلى وما أعتقده في المظهر الأسنى، وحق النور وما نشأ منه، والسحاب وساكنه، وإلا برئت من مولاي عليّ العلي العظيم وولائي له ومظاهر الحق.
وكشفت حجاب سلمان بغير إذن وبرئت من دعوة الحجة ابن نصير، وخضت مع الخائضين في لعن ابن ملجم، وكفرت بالخطاب - أي بالديانة والدعوة- وأذعت السر المصون وأنكرت دعوى أهل الحق، وإلا قلعت أصل شجرة العنب من الأرض بيدي حتى اجتثت أصولها وأمنع سبيلها، وكنت مع قابيل على هابيل، ومع النمرود على إبراهيم.
وهكذا مع كل فرعون قام على صاحبه إلى أن ألقى العلي العظيم وهو عليّ ساخط وأبرأ من قول قنبر وأقول إنه بالنار ما تطهر))(7). وستتضح معاني هذا القسم من خلال دراستنا لهذه الطائفة، وحين بنى ابن نصير ديانته على الالتصاق بالحسن العسكري، وإنه الباب إلى ابنه المزعوم محمد بن الحسن العسكري، كان الحسن العسكري شديد التحذير منه شديد السخط عليه حيث كتب إلى أحد أتباعه قائلاً له ومحذراً من أفكار ابن نصير وفجوره:
((إني أبرأ إلى الله من ابن نصير النميري، وابن بابا القمي فأبرأ منهما، وإني محذرك وجميع موالي ومخبرك أني ألعنهما عليهما لعنة الله فتانين مؤذيين، آذاهما الله وأرسلهما في اللعنة وأركسهما في الفتنة))(8).(45/43)
والسبب في لعنه إنما كان في دعوى ابن نصير النبوة ودعوى الألوهية لأهل البيت وغير ذلك من المبادئ والاعتقادات الوثنية المجوسية، وقد نقل عبد الحسين عن القمي وصفه لابن نصير بأنه كان فاحشاً وشاذا جنسياً بالتعبير الحديث، حيث أجاز اللواط وسائر المحرمات مدعياً أن ذلك من التواضع والتذلل في المفعول به...إلى آخر ما وصف به من صفات شنيعة(9) لا نحب ذكرها هنا.
ولكن في الهفت الشريف نفي هذا تماماً، وأنه لا يقع من مؤمن منهم، بل يقع على من أبغض علياً فقط كما يرويه المفضل(10) الجعفي، وقد أجمعت كتب الشيعة على ذكر دعوى ابن نصير أنه الباب ثم النبوة ثم القول بألوهية علي، وإباحية المحارم، والقول بالتناسخ كما استوعب عبد الحسين الشيعي أخباره في كتابه ((العلويون أو النصيرية)) نقلاً عن أهم مصادرهم مثل سعد القمي(11)، والنوبختي(12) ، وأبو عمر الكشي(13)، وأبو جعفر الطوسي(14) ، والحلي(15) والطبرسي(16)، والدكتور مصطفى الشيبي(17).
وبعد ذلك حاول جاهداً البراءة من النصيرية، ومن ابن نصير وجميع أفكاره ومعتقداته، حتى وإن كان له صلة الصحبة بالحسن العسكري ثابتة في كتب الشيعة، إلى أن مات الحسن العسكري ثم قيام ابن نصير بدعوى الباب إليه منكراً وكلاء الإمام محمد بن الحسن العسكري(18). وهذا أهم الأسباب في نقمة الرافضة على ابن نصير واتهامهم له بشتى الاتهامات.
ويؤكد أحد علماء الشيعة الاثني عشرية وهو محمد رضا شمس الدين الذي زار النصيرية سنة 1376هـ للتعرف على أحوالهم موفداً من أحد المراجع الدينية في النجف عبد الهادي الشيرازي؛ أن النصيرية لا يزالون إلى اليوم يتمسكون بأفكار زعيمهم محمد بن نصير، وذكر أنه حينما زارهم رحبوا به أجمل ترحيب، ولكنه لاحظ عدم اكتراثه بفرائض الدين من صلاة وحج وعدم وجود مساجد في منطقتهم، كما لاحظ أن فكرة تناسخ الأرواح لا تزال منتشرة بينهم وهم يسمونها تقمص الأرواح))(19).(45/44)
ولاشك في صحة شهادة محمد رضا فإنه أعلم بهم((وشهد شاهد من أهلها)) فأي إسلام لهم بعد تركهم الصلاة والحج ومحاربة بناء المساجد، ثم القول بالتناسخ الذي هو قول المجوس عباد الأوثان. ومع هذا فإن أهل السنة في غفلة تامة عنهم.
ومن الجدير بالذكر أن الاثني عشرية قد توجهت نحو جميع فرق الباطنية النصيرية وغيرهم من سائر الغلاة- وجهة جديدة وهي احتواء جميع تلك الفرق وصهرها في بوتقة المذهب الاثني عشري؛ فقد نادوا بأن النصيرية العلوية هم شيعة أهل البيت وهو ما أكده الشيرازي منهم(20) ووقوف العلويون إلى جانب الرافضة في عصرنا الحاضر أقوى شاهد.
* * * * * * * * * * * * * *
الفصل الثالث
أسماء هذه الطائفة والسبب في إطلاقها عليهم
أطلقت على هذه الطائفة أسماء بعضها يقبلونه وبعضها لا يقبلونه، ومنها:
النصيرية:
وهو الاسم الذي غلب على غيره من أسمائهم واشتهروا به، ومع هذا فإن النصيريين لا يحبون أن يسموا به ويتضايقون منه، ومن أسباب كراهيتهم له حسب تعليلاتهم:
1- أنه أطلق عليهم بسبب العصبية المذهبية، وبدافع من العداوة والمذهبية، حيث أطلقت هذه التسمية عليهم ذريعة لاضطهادهم كما يزعمون.
2- زعموا أن الأتراك حينما كانوا مسيطرين على بلادهم أطلقوا عليهم اسم النصيرية نسبة إلى الجبال التي يسكنونها نكاية بهم واحتقاراً لهم، حتى جاءت فرنسا واستعمرت بلادهم فأطلقوا عليهم التسمية التي يحبونها والتي سنذكرها فيما بعد، ولهذا نجد أن النصيرية تدين لفرنسا بالولاء والتقدير، حيث أصدر الفرنسيون قراراً يقضي بتسمية جبل النصيريين بأراضي العلويين المستقلة تعميقاً لانفصالهم .(45/45)
ويوجد تعليل آخر لسبب تسميتهم بالنصيريين: وهو لمستشرق يسمى –ريسو- فقد جعل تسميتهم النصيريين بهذا الاسم لوجود صلة بينه وبين تسمية نصارى أو نصراني ولعل الذي حمله على هذا القول هو ما رآه من المشابهة بين النصيريين والنصارى في كثير من التقاليد والطقوس الدينية، ومشاركة النصيريين للنصارى في كثير من أعيادهم، وتقديس كل منهم للخمر والوقوف إلى جانب بعضهم البعض في الأوقات الحرجة.
وما هو حاصل الآن في لبنان أقوى شاهد على هذا إلا أن هذا القول –وإن صدق في وجود التشابه- إلا أن الأقرب إلى الصواب أن هذه التسمية إنما أخذت من اسم مؤسس طائفتهم أبي شعيب محمد بن نصير البصري النميري(21) ، ولقد ذكر عبد الحسين تعليلاً آخر إضافة إلى ما تقدم وهو أن تسميتهم بالنصيرية قد علق بها تاريخياً ذم وتشنيع وتكفير ولهذا فهم يريدون أن يسدل عليها الستار(22).
وما ذكره ريسو في سبب تسميتهم بالنصيرية يؤيده ما ذكره أيضاً عنهم الدكتور حسن إبراهيم حسن بقوله:
((وثمة تفسير آخر لا يزال مألوفاً عند السنيين الذين يجاورونهم، وهو أن لاسمهم صلة بلفظ نصراني أو نصارى، ومما يزكي هذا التفسير أن النصيرية لا يزالون يمارسون بعض طقوس النصارى، كالاحتفال ببعض الأعياد النصرانية مثل عيد الميلاد وعيد الفصح، ويعتبرونها من الأعياد الكبرى، كما أن بعضهم يحمل أسماء نصرانية مثل متى ويوحنا وهيلانة.
وبالإضافة إلى المبادئ التي اقتبسها النصيرية من النصرانية فإن ديانتهم تحتفظ بقسط وافر من الأسرار، وما تزال تحتفظ بمعالم واضحة تنبئ عن معتقداتهم التي هي مزيج من عناصر غير متجانسة تماماً تقوم على أساس نظام ديني يتصل بعبادة النجوم والكواكب.(45/46)
وقد اقتبست هذه التعاليم في القرون الأولى للعصر المسيحي بعض المبادئ الروحية عند المسيحيين، ويقوم نظام النصيرية على التجسد، ويدور حول هذه الأسماء الثلاثة التي تكون التثليث الشبيه بتثليث النصارى، ويتمتع هؤلاء بالوحدانية والخلود.
وهذه الأسماء الثلاثة التي يرمزون إليها في قائمة مذهبهم هو التي تكون تثليثاً شبيهاً بالتثليث الكائن في النصرانية، ويرمز إلى هذا التثليث عند النصيرية بحروف (ع.م.س) ويقولون: إن الله حلَّ في ثلاثة هم علي ويرمزون إليه بالمعنى، ومحمد ويرمزون إليه بالاسم، وسلمان الفارسي ويرمزون إليه بالباب)) (23).
ومن الجدير بالذكر أن النصيريين وهم يكرهون إطلاق هذه التسمية عليهم إلا أنك تجد أن بعض علمائهم المتأخرين حينما رأى أن الناس لم يتركوا إطلاق هذه التسمية عليهم أحب فيما يبدو أن يجعل أصلاً مقبولاً لإطلاق تسمية النصيريين عليهم.
ومن ذلك ما ذكره النصيري محمد أمين غالب الطويل في تعليله لسبب إطلاق كلمة النصيرية عليهم؛ فهو يرى أن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه حينما كان يقاتل في الشام طلب المدد فأتاه من العراق خالد بن الوليد، ومن مصر عمرو بن العاص، وأتاه من المدينة جماعة من العلويين وهم ممن حضروا بيعة غدير خم، وهم من الأنصار وعددهم يزيد عن 450 مجاهداً.
ولما وصلت هذه النجدة والتحقت بالجيش نجح نجاحاً جزئياً فسميت هذه القوة نصيرة ثم سلمت لهم- بحكم قواعد الجهاد في تمليك الأراضي التي يفتحها الجيش إلى ذلك الجيش نفسه- فسلمت لهم الأراضي التي امتلكوها وهو جبل النصيرة، -وهو عبارة عن جهات جبل الحلو وبعض قضاء العمرانية المعروفة الآن، ثم أصبح هذا الاسم علماً خاصاً لكل جبل العلويين من جبال لبنان إلى الأنطاكية (24).(45/47)
وهذا التعليل غير سديد لأمور، من أهمها أن إطلاق هذه التسمية لم تعرف في عصر عمر رضي الله عنه، ثم ما كان المسلمون لينظروا إلى هذه الطائفة التي جاءت من المدينة وينسبوا النصر إليهم، ثم كيف تناسوا جهود بقية الجيش، ثم وكيف تطيب نفوس الصحابة بترك الجهاد وتسلق جبال النصيرية يمتلكونها.
أضف إلى هذا أنه ما كان في عهد الخلفاء الراشدين من يسمون بالعلويين كحزب، وإنما نشأ الخوارج والشيعة في عهد علي رضي الله عنه وبدأ التحزب في أواخر عهد علي رضي الله عنه ونشأت النصيرية في القرن الثالث.
وما زعمه بأنهم كلهم حضروا غدير خم يقال له: إن الصحابة ما كانوا ينظرون إلى من حضر غدير خم إلا كما ينظرون إلى سائر المسلمين فلم تعرف لهم مزية في زمن الخلفاء جميعهم ابتداءً بأبي بكر وانتهاءً بعلي رضي الله عنهم.
ويقال لهم أيضاً إنكم تكذبون بهذا القول بقية أسلافكم الشيعة الذين يحكمون على كل من حضر غدير خم بالردة إلا عدداً قليلاً استثنوهم حيث نشأ كفر أولئك من تركهم بيعة علي بالخلافة بعد ترشيح النبي صلى الله عليه وسلم له حسب معتقدهم.
2- ومن أسمائهم المحبوبة عندهم ((العلويون)):
وهم يحبون هذا الاسم ويتمنون أن يطلقه الناس عليهم وينسوا ما عداه من أسمائهم، وقد ذكر بعض العلماء أن هذه التسمية أخذت من عبادة هؤلاء لعلي رضي الله عنه وتأليههم له، وعلي بريء من إلحادهم مثل براءة جعفر بن محمد من مذهب الجعفرية.
ويقول عبد الحسين عن ارتياحهم لهذه التسمية، ((وقد ارتاحوا لها لأنها في الأقل تخلصهم مما علق تاريخياً باسم النصيرية من ذم وتشنيع وتكفير، كما أنها تفتح لهم آفاق أرحب للتقارب مع الشيعة)) إلى أن يقول: ((ولاشك في أن الانتساب إلى الإمام على أي نحو كان أفضل من الانتساب إلى ابن نصير))(25).
3- وقد أطلق عليهم الأتراك اسم ((سورة ك)):(45/48)
وبمرور الزمن صار الناس يلفظونها ((سوراك))، ومعناها عند الأتراك: المنفيون أو المساقون، ويوجد إلى هذه الأيام –كما يذكر الحلبي- بعض النصيريين في حلب وفي أقضية صهيون والعمرانية وصافيتا بهذا الاسم (26).
وقد سألت كثيراً من الأتراك عن هذا المفهوم ((لسوراك)) فلم يعرفوه، ولعلها لغة قديمة للأتراك ثم تركت.
4- ويطلق عليهم اسم (النميرية).
نسبة إلى محمد بن نصير النميري، ولهم أسماء أخرى محلية مثل ((التختجية)) ((الحطابون)) في غربي الأناضول والعلي إلهية في فارس وتركستان وكردستان)) (27).
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الرابع
نشأة النصيرية
تركت وفاة الحسن العسكري –الإمام الحادي عشر للاثني عشرية- دون عقب كما قدمنا أثراً ظاهراً وخلافاً حاداً بين الشيعة، فقد اختلفوا إلى 14 فرقة تقريباً بين مؤيد للقول بوجود ابن للحسن العسكري يسمى محمداً وناف لوجوده أصلاً.
ولما كان الزمان لا يخلو من وجود إمام معصوم يتولى تصريف شئون الناس، وإلا لتعطلت الحياة بزعمهم، وكان هذا الإمام غير ظاهر، فأوجدوا في أذهانهم فكرة ((الباب)) إليه، والباب شخص مخلص لآل البيت، يكون حلقة الاتصال بين الناس وبين الإمام المستور.
ويستدلون على هذه البابية الخرافية بما يزعمون من روايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم : ((من طلب العلم فعليه بالباب))، ((أنا مدينة العلم وعلي بابها))، ومن هنا وضعوا قائمة بالأبواب أولهم علي بن أبي طالب، وهو باب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وسلمان الفارسي، وهو باب لعلي، وهكذا إلى الإمام الحادي عشر –الحسن العسكري.(45/49)
ثم اختلفت كلمتهم، فادعى النصيريون أن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري لم يكن له باب، بل استمر الباب للإمام الحادي عشر- الحسن العسكري- أبو شعيب محمد بن نصير، ومن هنا وقع الخلاف بين النصيرية والإمامية الاثني عشرية، مما أدى إلى انفصاله وفرقته عن الاثني عشرية كما تقدم بيان ذلك.
ولقد أصبح مذهبه فيما بعد من أعمق المذاهب في الوثنية والغلو في البشر. قال عنه عبد الحسين العسكري: ((وقال ابن نصير بربوبية أبي الحسن العسكري، وزعم أنه نبي ورسول بعثه أبو الحسن)) (28).
وبعد وفاة ابن نصير تناوب على زعامة النصيرية عدة أشخاص أثروا المذهب النصيري بأفكارهم وتنوع المعتقدات وتعدد الطرق والآراء، كان من أبرزهم أبو محمد الجنبلاني، وتلميذه الحسين بن حمدان الخصيبي، ومحمد ابن علي الجلي، وعلي الجسري، والميمون –ابن سرور بن قاسم الطبراني، وحسن المكزون السنجاري، وهو آخر مظهر لقوة النصيرية، قال الدكتور سليمان الحلبي عن الحال النصيرية بعد وفاته:
((وبعد وفاة الحسن المكزون تفرق النصيريون إلى عدة مراكز دينية غير مرتبطة ببعضها البعض، يتبوأ كل منها لمرجع ديني يطلقون عليه لقب الشيخ، واستقل كل شيخ برئاسة مركز صغير إلى استطاعوا بالأمس القريب وفي غفلة المسلمين ((غفاة البشر)) في سوريا وغيرها- من السيطرة على نظام الحكم في سوريا، فعادت لهم سطوتهم وقوتهم مرة أخرى يتحكمون بها في رقاب المسلمين)) (29).
ولكنهم في هذا الظهور الجديد اتخذوا لهم أسماء براقة خادعة مثل حزب البعث الاشتراكي، ودعوى التقدمية والتحرر، وما إلى ذلك، وهم إنما غيروا الاسم لإبعاد الأنظار عن حقيقتهم قدر الإمكان ولجلب الساقطين إلى صفوفهم.
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الخامس
تكتم النصيرية على عقائدهم(45/50)
يعتبر النصيريون ديانتهم ومذهبهم سراً من الأسرار العميقة التي لا يجوز إفشاؤها لسواهم، وقرروا أن الذي يفشي شيئاً منها يكون جزاؤه القتل في أسوأ صورة له، لأنه أفشى سر العلي الأعلى، ومن أمثلة ذلك أن سليمان الأضني وهو من أبناء مشايخ النصيرية من ولاية أضنة تنصر بتأثير بعض المنصرين الأمريكيين وجاء إلى اللاذقية، وكتب كتباً سماه ((الباكورة السليمانية)) وكشف فيها الكثير من أسرار العقيدة النصيرية، وطبع المنصرون الأمريكيون الكتاب في بيروت سنة 1863.
وبعد أن قام باللاذقية مدة أخذ أقاربه يراسلونه ويحببون إليه العودة إليهم، مستعملين في ذلك كل وسائل التودد والمجاملة حتى آمن جانبهم وعاد إلى وطنه الأصلي، فكان جزاؤه أن أحرقوه حياً، ثم حاول النصيريون بكل جهد وعزم على احتواء الكتاب حتى اختفى تدريجياً، ولا توجد منه الآن نسخة واحدة (30).
وهكذا فإنهم يترصدون لكل من يذكر عنهم شيئاً أو يشير إلى عقائدهم الخبيثة التي تنضح شركاً ووثنية ولا يملكون من وسائل الدفاع والرد غير التصفية الجسدية، لعلمهم بأن مذهبهم عورات لا تحتمل النقاش وعرض الأدلة، فهي أقنعة واهية سرعان ما يظهر ما وراءها وينكشف، ومن هنا فإنهم ليسوا على استعداد لأي بحث ومناظرة.
وقد كتب محمد فريد وجدي خلاصة عن ما جاء في كتاب الباكورة السليمانية هي:
1- أن النصيرية علويون يعتقدون بألوهية الإمام علي، والشمالية منهم يقولون: إنه حالٌّ في القمر. والكلازية يذهبون إلى أنه حال في الشمس، ولهذا فهم يقدسون الشمس والقمر وسائر النجوم.
2- ويعتقدون بتناسخ الأرواح، فالأرواح الصالحة عندهم تحل في النجوم، ولهذا يسمون علياً أمير النحل أي أمير النجوم، والأرواح الشريرة تحل في أجسام الحيوانات التي هي في نظرهم نجسة كالخنازير والقرود وبنات آوى.
3- أن كلمة السر عندهم ثلاثة أحرف وهي: ع.م.س، أي علي، محمد، سلمان.(45/51)
4- أن للنصيرية كتاباً مقدساً يعتمدونه ويرجعون إليه وهو غير القرآن، ولا يحتل القرآن عندهم إلا مكاناً ثانوياً.
5- العقائد النصيرية غير متجانسة وثنية قديمة وإسلامية متطرفة (31).
وحين تزعم النصيري ((علي عيد)) التنظيم النصيري في طرابلس فأشار إلى هذا صحاب مجلة الحوادث اللبنانية فقتل بمؤامرة هؤلاء(32)، وأمثلة أخرى كثيرة تدل على أن هؤلاء ليسوا على يقين من صلاحية ديانتهم وصفائها، وأنهم يعلمون أنها قامت على شفا جرف هار مملوءة بالخداع والتضليل، وتبييت النية السيئة لغيرهم من البشر.
فإن من كانت نيته طيبة ومبادئه سليمة لا يتخوف من أحد أن يطلع عليها، بل يفرح بكثرة المطلعين، كما هو الحال عند أهل السنة والجماعة الذين يتمنون لو أن أهل الأرض كلهم يدرسون مبادئهم ويطلعون عليها، بل إنهم بالعكس يشعرون دائماً بالمرارة من محاربة علماء السوء والزعماء الضلال لأفكارهم التي هي تبع لأوامر الله ونواهيه في كتابه الكريم.
وسبب تلك العداوة من قبل أولئك الضلال المنتفعين أنهم يعلمون تماماً أن العقيدة الصحيحة حينما تصل إلى قلوب أتباعهم تحول فوراً بينهم وبين الخضوع والسجود لأولئك الطغاة. ومنا هنا كانت السرية هي أهم ما يطلب به الداخل في ملّتهم.
وقد جاء في الهفت الشريف من الحث على لزوم الكتمان ما رواه المفضل الجعفي عن رجل انتهى من تكرار التناسخ أنه قال له: ((وأوصيك يا أخي ونفسي بكتمان سر الله تعالى وباطني مكنونة إلا من إخوانك الموحدين المقربين بمعرفة العلي الأعلى، ثم غاب عني فقال الصادق: لقد أتاني في هذا الأسبوع ثلاث مرات فسلم علي وأنا فيكم ولا تعرفونهم))(33).
وقال الصادق للمفضل كما يرويه صاحب الهفت: ((يا مفضل لقد أعطيت فضلاً كثيراً وتعلمت علماً باطناً فعليك بكتمان سر الله ولا تطلع عليه إلا ولياً مخلصاً، فإن فشيته إلى أعدائنا فقد أعنت على قتل نفسك)) (34).(45/52)
ويسمى صاحب ((الهفت)) المسلمين كلهم بأنهم أنجاس ورعاع إلا من دخل في ضلالته وذلك في قوله: ((وأن هذا العلم يا مفضل سر الله ومكنون خزائنه الذي لم يطلع عليه أحد من عباده إلا الأولياء المختصون، وواجب سبحانه وتعالى أن لا يتطلع (هكذا) على هذا العلم الرعاع الأنجاس ثم قرأ: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً }(35) .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل السادس
طريقتهم في تعليم مذهبهم
تعليم المرأة :
المرأة النصيرية –إلا من خرجت عن تعاليمهم –تعتبر من أجهل نساء العالم؛ إذ إن التعاليم النصيرية تقضي بعدم جواز اطلاع المرأة على أي سر من أسرار المذهب؛ لأنها في نظرهم ضعيفة العقل والإرادة، ولأنها أكثر شراً من الرجل وأكثر احتيالاً ومكراً، وهن سبب كل شر- كما صرح بذلك الهفت الشريف المقدس عندهم-، والجهل بمذاهبهم هو العلم وإنما أقصد أنها أكثر النساء أمية.
فالمرأة النصيرية إذاً لا دين لها(36) وفي كتابهم المذكور وصايا عديدة حول الاحتراس من المرأة، وذكر المساوئ الكثيرة التي تصدر عنها وأن الرجل قد يجازى أيضاً بالتناسخ بأن يتحول إلى صورة امرأة عقاباً له إذا كان في حياته السابقة غير مؤمن –أي غير نصيري-، أو كانت عليه ذنوب كثيرة في حق إخوانه النصيريين، أو لم يحترم المشائخ ويقدم لهم الهدايا وأنواع المأكولات)) (37).(45/53)
وقد ذكر المفضل الجعفي عن الصادق – وهو من جملة أكاذيبهم عليه – أنه قال في وجوب الحفاظ على سرية المذهب: ((كذلك الكافرون ينحطون من درجة الرجال حتى يصيرون عامة نساء كافرات)) قال المفضل: يا مولاي روي عن أبيك أنه قال: النساء أشر من الرجال، وأكثر احتيالاً ومكراً، قال الصادق: يا مفضل إن أصل كل شر النساء، وحين أخرج أبونا آدم من الجنة(38) كان بسبب حواء حين أغواه ضده على أكل الحبة.
وكذلك قتل قابيل أخاه هابيل بسبب النساء، ألم تسمع كلام الله في كتابه الكريم عن امرأة نوح ولوط وكيف خانتاهما(39)، وكذلك قتل يحيى بن زكريا بسبب امرأة باغية،وقد قال النبي وأبلغ في القول وأزجر في المعنى حين نظر في النار فرأى أكثر أهلها نساء. ثم قال الصادق :
كيف لا يكون ذلك وهم(40) عايلة وأقوى كيداً من الرجال، وقال تعالى وقال منه السلام(41) والشياطين مَنْ إلا امرأة، وأن الإنسان إذا ارتقى في كفره وعتوه وتمرد وتناهى في ذلك صار إبليساً وردّ في صورة امرأة، قلت: سبحان الله يا مولاي! ما علمت ذلك ولا ظننت أنه يبكيني (42).
قال الصادق: ألم تقرأ في القرآن قوله تعالى: { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً }(43) وقال: { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }(44) إذ هم صور النساء، قلت صدق مولاي)) (45).
ومن هذه النظرة المتشائمة للنساء فإنه لا أمل في صلاحها ويجب إبعادها عن كل أمر مهم ومنه سر الديانة. أما في الإسلام فلا أحد يجهل مكانة المرأة العالية؛ حيث جعلها راعية ومسئولة، وأن الله لا يضيع عمل عامل سواء كان ذكراً أو أنثى، وأن المرأة مكلفة بنفس التكاليف التي أمر بها الرجل، إلا ما استثنى لضرورة المرأة، وجعل لها حق التملك وطلب منها إخراج زكاة مالها ورغبها في الصدقة وفعل الخير، بل وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات(46) وأوصى الله بطاعتها: وقرنها بطاعته.(45/54)
إلى غير ذلك مما هو معروف في الإسلام مما ينبغي أن يطأطئ له دعاة تحرير المرأة رؤوسهم حياءً وإكباراً له، وإجلالاً لمبادئه التي يجهلونها تمام الجهل، ثم يتهجمون عليه بأنه ظلم المرأة حقوقها، وما لهؤلاء السفهاء للخوض في ما لم يحيطوا بعلمه فليقرءوه أولاً وليقرءوا كلام العقلاء من منصفي سائر الملل ليروا أنفسهم المتطاولة وصغرها أمامه.
تعليم الرجل سر الديانة:
وبعد أن أوجزنا موقف النصيرية من تدين المرأة، نوجز فيما يلي كذلك موقفهم من تدين الرجل أو تعليمه للدين النصيري حين يظهرونه عليه بعد ذلك التكتم الشديد. ولما كانت العقيدة النصيرية من أردأ المذاهب وأشدها توغلاً في الباطل، لم يأنسوا من إظهار مذهبهم صراحة حتى من بعضهم لبعض إلا بعد تعقيدات واختبارات شديدة يذلل من خلالها ويتجرع أشد أنواع الإذلال والإهانة.
إذ يتم دخوله في المذهب بطريقة فاحشة يتم من خلالها القضاء على كل عرق ينبض بالرجولة والشهامة فيه، وتداس كرامته وينتهك عرضه.
فحينما يحضر التلميذ يختار الشيخ الذي سيلازمه من بين مجموعة المشائخ الموجودين ويسمونه الوالد الروحي أو الوالد الديني، ثم يغرسون في نفس التلميذ تقديس شيخه والتواضع له تواضعاً مطلقاً أشبه ما يكون بالقاعدة الصوفية، ((كالميت بين يدي الغاسل)).
ومن الطرق التي يتوسلون بها إلى إذلال الشخص، أنه حينما يدخل يقف في ناحية وهو ساكت لا يتكلم بشيء وأحذية المشايخ مرفوعة فوق رأسه، ثم يتكلم شيخه لبقية المشايخ ويتوسل إليهم أن يقبلوا هذا الشخص الماثل أمامهم ويدخلوه في زمرتهم، فإذا قبله المشائخ أنزلت الأحذية من فوق رأسه، ثم يأخذ في تقبيل أيدي وأرجل الحاضرين من المشايخ.(45/55)
ثم يقف في مكانه ويوضع على رأسه خرقة بيضاء، ثم يأخذ الشيخ في قراءة العقد الذي سيتم بين التلميذ وبين المشايخ، وهو أشبه ما يكون بعقد الزواج، ويعتبرون هذا بمثابة الخطبة، ويعتبرون الكلام الذي يسمعه بمثابة النكاح، وما يتحمله من العلم عنهم بمثابة الحمل، فإذا علم وأراد التعليم فإن ذلك يكون بمثابة الوضع.
وبعد أن تتم هذه المرحلة يقال للتلميذ: يجب عليك أن تكرر في اليوم خمسمائة مرة بحق ع. م. س لمدة يحددونها، ثم بعد ذلك يأتي إليهم ليتم تعليمه المذهب بعد اختبارات قاسية يرضى فيها بكل شيء حتى ولو بإهدار رجولته (47).
وفيما يلي نشير إلى أهم الشروط في تعليم المذهب النصيري:
1- يشترطون في من يلقى إليه تعليم المذهب أن يجتاز سن التاسعة عشرة (48).
2- أن يمر بالمراحل الآتية على التدريج:
المرحلة الأولى : وتسمى مرحلة الجهل. وفيها يهيئون من يقع عليه الاختيار من أبناء الطائفة لقبول وحمل أسرار المذهب.
مرحلة التعليق : وفي هذه المرحلة يلقنونه شيئاً من تعاليم المذهب، ويبقى مدة سنة إلى سنتين تحت إشراف شيخ من شيوخ الطائفة ليطلعه على شيء من أسرار المذهب بالتدريج، فإذا توسموا فيه القبول والنجابة نقلوه إلى المرحلة الثالثة الآتية وإلا طردوه.
مرحلة السماع : وهي الدرجة العليا، ويطلعونه فيها على أكثر أصول المذهب النصيري، ثم يعقد الرؤساء الروحيون للطائفة مجمعاً خاصاً لتلقينه بقية أسرار المذهب، ثم ينقلونه إلى درجة أعلى يطلقون عليه درجة الشيخ أو صاحب العهد.
ويتم ذلك بحضور الكفلاء، والشهود يشهدون باستعداد الرجل لقبول السر ومحافظته عليه، ثم يحلف اليمين المقررة عندهم أن يحافظ على السر ولو أريق دمه. وبعد حصوله على هذه الدرجة يصبح شيخاً من شيوخ الطائفة(49).(45/56)
ومما يجدر التنبيه إليه أن التلميذ دائماً وهو بين أيدي المشايخ لا يلقى إليه شيء من تعاليم المذهب الملتوية إلا في غياب عقله وتفكيره عنه؛ ليقبل تلك العقائد التي تشمئز منها النفس ويمجها العقل وتأنف منها الفطرة السليمة، فعبد النور تسمية الخمر عندهم في يد الساقي وهالة من الموقف، وتهديدات من هنا ومن هناك، وكل هذه الأهوال يعيشها الشخص حتى تستكمل إجراءات تفهيمه المذهب في جو غير طبيعي.
وقد وصف أحد الداخلين في العقيدة النصيرية الموقف والحال المتبع عند دخول الشخص الذي يرتضونه لتحمل سر الديانة واسمه مخلوف، فقال مخبراً عن ذلك كما يصوغه محمد حسين :
((وفي اليوم المحدد اجتمع من المشائخ وأهل القرية والقرى المجاورة جمهور كثير، واستدعوني إليهم وناولني قدح خمر(50) ، ثم وقف أحد المشائخ وهو برتبة النقيب في الديانة النصيرية ووقف بجانبي وقال لي: قل: بسرّ إحسانك يا عمي وسيدي وتاج رأسي أنا لك تلميذ وحذاؤك على رأسي، ولم أجد بداً من شرب الخمر لأول مرة في حياتي، فلما شربت الكأس التفت إلى الإمام قائلاً: هل ترضى أن ترفع أحذية هؤلاء الحاضرين على رأسك إكراماً لسيدك؟ فقلت: كلا، بل حذاء سيدي فقط، فضحك الحاضرون لعدم قبولي القانون، ثم أمروا الخادم فأتى بحذاء السيد المذكور فكشفوا رأسي ووضعوه عليه، وجعلوا على الحذاء خرقة بيضاء.
ثم أخذ النقيب يصلي على رأسي وأوصوني بالكتمان وانصرفوا إلى أن يقول: ثم بعد أربعين يوماً اجتمع جمهور آخر واستدعوني إليهم ووقف الشيخ الكبير بجانبي وبيده كأس خمر فسقاني الكأس وأمرني بأن أقول سر ع. م. س، ثم بعد ذلك قال لي الإمام: إنه فرض عليك أن تتلو هذه اللفظة وهي سر ع.م.س كل يوم خمسمائة مرة، ثم أوصوني بالكتمان وانصرفوا.(45/57)
ثم بعد سبعة أشهر- والمدة للعامة تسعة أشهر0 اجتمع جمهور(51) آخر أيضاً واستدعوني حسب عادتهم وأوقفوني بعيداً عنهم –ثم قام هؤلاء بمهازل أمامه وطقوس، ثم قام وكيل من بين الجماعة وقال للإمام: نعم نعم نعم يا سيدي الإمام. فقال له الإمام: ما مرادك وماذا تريد؟ فأجابه أنه تراءى لي شخص بالطريق- إلى أن قال: هذا الشخص اسمه مخلوف، وقد أتى ليتأدب أمامكم.
فقال: من دله علينا؟ فأجاب: المعنى المعنى والاسم العظيم والباب الكريم وهي لفظة ع.م.س، فقال الإمام: ائت به لنراه، فأخذ المرشد بيدي وذهب بي إلى الإمام، فلما دنوت منه مدَّ لي رجليه فقبلتهما، ويديه أيضاً، وقال لي: ما حاجتك وماذا تريد أيها الغلام؟ ثم نهض النقيب ووقف بجانبي وعلمني أن أقول: ((بسر الذي فيه أنتم يا معاشر المؤمنين)).
ثم نظر إليّ بعبوسة وقال: ما الذي حملك أن تطلب منا السر المكلل باللؤلؤ والدر ولم يحمله إلا كل ملاك مقرب أو نبي مرسل؟ اعلم يا ولدي أن الملائكة كثيرون ولا يحمل هذا السر إلا المقربون، والأنبياء كثيرون وليس منهم من يحمل هذا السر إلا الممتحنون، أتقبل قطع الرأس واليدين والرجلين ولا تبيح بهذا السر العظيم؟ فقلت له: نعم. فقال لي: أريد منك مائة كفيل، فقال الحاضرون: القانون يا سيدنا الإمام –فقال: إكراماً لكم ليكن اثنا عشر كفيلاً. ثم قام المرشد الثاني وقبل أيدي الاثني عشر كفيلاً وأنا أيضاً قبلت أيديهم.
ثم نهض الكفلاء وقالوا: نعم نعم نعم يا سيدي الإمام. فقال الإمام: ما حاجتكم أيها الشرفاء؟ قالوا: أتينا لنكفل مخلوفاً. فقال: إذا باح بهذا السر أتأتوني به نقطعه تقطيعاً ونشرب دمه؟ فقالوا: نعم. فأجاب وقال: لست أكتفي بكفالتكم فقط؛ بل أريد اثنين معتبرين يكفلانكم.(45/58)
فجرى واحد من الكفلاء وأنا وراءه، وقبَّل أيدي الكفيلين المطلوبين، وقبلتهما أنا أيضاً، ثم نهضا قائمين وأيديهما موضوعة على صدريهما، فالتفت إليهما الإمام وقال: الله ممسيكما بالخير أيها الكفيلان المعتبران الطاهران أهل البرش والكرش، فماذا تريدان؟ فأجابا أننا قد أتينا لنكفل الاثني عشر كفيلاً وهذا الشخص أيضاً، فقال: إذا هرب قبل أن يكمل حفظ الصلوات أو باح بهذا السر هل تأتياني به لتعدم حياته، فقالا: نعم، قال الإمام: إن الكفلاء يفنون وكفلاء الكفلاء يفنون، وأنا أريد منه شيئاً لا يفنى. فقالا له: افعل ما شئت فالتفت إليّ وقال:
ادن يا مخلوف فدنوت منه، وحينئذ استحلفني بجميع الأجرام السماوية بأني لا أبوح بهذا السر، ثم ناولني كتاب المجموع في يدي اليمنى وعلمني النقيب الواقف بجانبي أن أقول: تفضل حلفني، يا سيدي الإمام على هذا السر العظيم، وأنت بريء من خطيئتي. فأخذ كتاب المجموع مني وهو مكتوب بالخط اليدوي...إلى أن يقول: ثم قال الإمام: اعلم يا ولدي أن الأرض لا تقبلك فيها مدفوناً إن أبحت بهذا السر، ولا تعود تدخل القمصان البشرية، بل حين وفاتك تدخل قمصان المسوخية، وليس لك منها نجاة أبداً.
ثم أجلسوني بينهم وكشفوا رأسي ووضعوا عليه غطاءً. ثم إن الكفلاء وضعوا أيديهم على رأسي وأخذوا يصلون فقرءوا أولاً سورة الفتح والسجود والعين ثم شربوا الخمر وقرءوا سورة السلام، ورفعوا أيديهم عن رأسي (52).
وأخذني عم الدخول وسلمني إلى مرشدي الأول، ثم أخذ بيده كأس الخمر وسقاني وعلمني أن أقول: ((بسم الله – يسمي الله على شرب الخمر!!- وبالله وسر السيد أبي عبد الله العارف بمعرفة الله سر تذكار والصالح سره أسعده الله)).(45/59)
ثم انصرفت الجماعة وأخذني الشيخ صالح الجبلي شيخ الخياطين إلى بيته وابتدأ يعلمني أولاً التبري – وهو الشتائم- وحينئذ أطلعني على صلاة النصيرية وفيها عبادة علي بن أبي طالب، وهي ست عشرة سورة)) (53).
وقد دعاني ترابط الكلام سرد ما جري لمخلوف مع محاولتي الاختصار وترك ذكر بعض الأمور، خصوصاً وأن المخبر كشاهد عيان كما يقال في المثل.
ومن الواضح جداً أن القائمين على تعاليم المذهب مجموعة أو شركة من اللصوص سراق عقول البشر، همهم الزعامة وجمع الأموال بأي وجه كان، ووجدوا في أشباه البشر من يصدقهم في ترهاتهم وأباطيلهم التي تبدأ بترداد ع.م.س وتنتهي بعبادة غير الله عز وجل، إنها مهازل يندى لها الجبين قام بها عتاة المجوسية عباد الأوثان، واقتطعوا أمماً بتلك المسالك الشيطانية وأخرجوهم عن دينهم.
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل السابع
أهم عقائد النصيرية
للنصيرية عقائد كثيرة بعضها ظاهر وبعضها –وهو الأكثر- لا يزال في طي الكتمان، وقد اتضح أن أهم عقائدهم وأبرزها:
1- تأليه علي رضي الله عنه.
ولا تستبعد وقوع هذا فإن هؤلاء من أساسهم كانوا عباد أوثان وعباد بقر وفروج، وبعد أن دخلوا في الإسلام أو على الأصح تظاهروا به كان من أبرز عقائدهم: تأليه الإمام علي رضي الله عنه، زاعمين أنه إمام في الظاهر وإله في الباطن لم يلد ولم يولد، ولم يمت ولم يقتل، ولا يأكل ولا يشرب.
وبحسب اعتقادهم أن الله تجلى في علي فقد اتخذ علي محمداً وبالغوا في كفرهم فقالوا: إن علياً خلق محمداً، ومحمد خلق سلمان الفارسي، وسلمان خلق الأيتام الخمسة الذين بيدهم مقاليد السموات والأرض وهم:
1. المقداد: رب الناس وخالقهم الموكل بالرعود والصواعق، والزلازل.
2. أبو الدر: (أبو ذر الغفاري) الموكل بدوران الكواكب، والنجوم.
3. عبد الله بن رواحة الأنصاري: الموكل بالرياح وقبض أرواح البشر.(45/60)
4. عثمان بن مظعون: الموكل بالمعدة وحرارة الجسد وأمراض الإنسان.
5. قنبر بن كادان: الموكل بنفخ الأرواح في الأجسام (54).
والمجوسية ظاهرة في هذه الأفكار لم يتغير فيها إلا الأسماء فقط .
وهذه الأقوال يكفي واحد منها لدحض ما يزعمونه من إسلام، فهي نهاية الكفر والخروج عن منهج الله عز وجل.
ويحتج النصيريون لهذه العقيدة بقولهم: إن الله معبود مقدس يحل في الأجسام متى يشاء، وله التصرف، وإليه ترجع الأمور.
وعلي رضي الله عنه- وحاشاه عن كفرهم – حين زعموا أنه إمام في الظاهر وإله في الباطن قسموا طبيعته إلى قسمين: الظاهر وهو القسم البشري منه قسم الناسوت الذي يأكل ويشرب ويلد ويولد ويتقرب إلى عباده ليعرفوه عن كثب.
وأما الباطن منه فهو قسم اللاهوت: الذي لا يأكل ولا يشرب.
ومن حماقتهم أنهم يستدلون على ألوهية علي بما حصل له من كرامات كقلع باب خيبر، وشجاعته الحربية، وزعموا أن كان يكلم الجن، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أسند إليه قتال الكفار الظاهرين، وعلي أسند إليه قتال المنافقين، لأنه يعرف البواطن.
وقد اختلفوا في مكان حلوله بعد أن ترك ثوبه الآدمي أي صورته البشرية.
* فمنهم من يتجه إلى القمر في عبادته لاعتقاد أنه حل فيه، بل القمر نفسه هو علي، وهؤلاء يسمون الشمالية.
* ومنهم من يتجه إلى الشمس في عبادته لاعتقادهم أنه حل فيها، بل الشمس نفسها هي علي، وهؤلاء يسمون الكلازية (55)، ومن هنا قال مدير مدرسة نصيري حينما سمع بوصول رواد الفضاء من الأمريكان وغيرهم إلى سطح القمر –بزعمهم- ((إن كان ما ذكروه حقاً أن القمر مكون من جمادات فعلى الدين السلام، وغضب لربه وقال في ذمه لهذه الكشوفات عن القمر: ((الآن ينتهي مفعول الدين إذا أثبتت هذه الكشوف كونه مجموعة من التلفيقات))(56).(45/61)
بينما المسلم الحق لا يتأثر في دينه ولو دخل الناس النجوم الواحد تلو الآخر؛ بل يقول: هذا من تمكين الله لهم لا بقدرتهم، ولا يغضب؛ لأنه يعلم أن ربه هو خالق الكون وما فيه، وأنه هو الذي يمكن عباده من كل ما يشاءه تعالى.
ويؤكد صاحب الهفت الشريف أنه ((ما من مؤمن يموت إلا وتحمل روحه إلى الإمام علي فينظر فيها، فإذا كان مؤمناً ممتحناً صافياً صعدت الملائكة بروحه إلى السماء فتغمسها في عين على باب الجنة اسمها عين الحياة))الخ (57).
ويقول عن الأئمة:
((نحن الأئمة أولياء الله لا يفتر علينا من علمه شيء لا في الأرض ولا في السماء، نحن يد الله وجنبه، ونحن وجه الله وعينه، وأينما نظر المؤمن يرانا. إن شئنا شاء الله –ولا تلقه إلا إلى أهله- والحمد لله الذي اصطفانا من طينة نور قدرته، ووهبنا سر علم مشيئته ...إلخ)) (58).
ويتجلى تأليههم للإمام علي رضي الله عنه في تلك الأدعية الركيكة الخالية عن العقل وعن أدنى المعرفة، والتي تسمى ((سوراً)) عندهم.
جاء في السورة الثالثة: ((اللهم إني أسألك يا مولاي يا أمير النحل، يا علياً يا عظيم يا أزل يا فرد يا قديم، يا علي يا كبير يا أكبر من كل كبير، يا خالق الشمس والقمر المنير، يا علي يا قدوة الدين يا عالم يا خبير، يا راحم الشيخ الكبير يا منشئ الطفل الصغير، يا جابر العظم الكسير يا محل كل يسير من غير عسير الذي يعرف المعرفة وينكرها عليه وعلى أبو دهية(59) ما يستحق من الله، وعلى أبو سعيد السلام ورحمة الله))(60).
وفي سورة السجود: ((يا علي سجد لك وجهي الفاني البالي إلى نور وجهك العزيز الحي الدائم...يا علي لك الإلهية يا علي لك الملكوتية...إياك مولاي علي نعبد))(61) إلخ ذلك الهراء الطويل.
وفي سورة الإشارة:(45/62)
((لله ارتفاع القصد والعزة والإشارة لك يا مولاي يا أمير المؤمنين يا علي يا أنزع يا بطين(62) يا محيي العظام الدوارس وهي رميم اللهم إني أسألك يا مولاي يا أمير المؤمنين أن تجعلنا في عبادتك كاسبين غانمين مؤيدين منصورين، ولا تجلعنا في عبادتك لا خاسرين ولا نادمين))(63) وما أحراهم بنهاية الخسارة والندامة، ولو كانت لهم عقول لما جمعوا لعلي رضي الله عنه بين الألوهية والإمارة.
وجاء في السور الكبيرة:
((أول معرفتي بالله أشهد شهادة تقية نقية مشعشعة نورانية بيضية علوية حجابية محمدية، أشهد شهادة الحق في منهج الصدق، أشهد شهادة بأن لا إله إلا مولاي ومولاك أمير النحل علي، ولا حجاب إلا السيد محمد ولا باب إلا السيد سلمان...وأشهد أن الله علي ربي يحييني ويميتني، وهو الحي الذي لا يموت(64) بيده الخير وهو على كل شيء قدير وإليه المصير))(65).
ويظهر الأثر اليهودي واضحاً في السورة السادسة عشرة المسماة سورة النقباء، وفيها: ((سر اثني عشر نقيباً، سر ثمانية وعشرين نجيباً، سر أربعين قطباً أولهم عبد الله بن سبأ، وآخرهم محمد بن سنان الزاهري...سر عبد الله بن سبأ نقيب النقباء، سر محمد بن سنان الزاهري نجيب النجباء، سرهم أسعدهم الله أجمعين في أربع أقاليم الدنيا والدين بحق الحمد لله رب العالمين))(66).
إلى آخر هذه الخزعبلات والسور التي تحوي مثل ذلك الكفر والإجرام والتعابير الركيكة التي لا تمت إلى العقل والمعرفة بأدنى صلة، لقد فاق هؤلاء بلادة الحمير وكل المخلوقات، وكانوا أضل من الأنعام.
وهناك نصوص أخرى تركتها خشية الإطالة، تنضح مجوسية وإلحاداً، مما يدل دلالة قاطعة على أن الذين وضعوا الديانة النصيرية كانوا متشبعين بالمجوسية، ولهم اطلاع على كل الديانات من يهودية ونصرانية وهندوسية وغير ذلك.(45/63)
وقد أضافوا إلى ألوهية علي وحلول الإله فيه أن الإله حل أيضاً في سائر الأئمة من بعد علي، ومن ذلك ما قالوه في مقتل الحسين مما نقلناه سابقاً عن الهفت الشريف وزعمهم فيه أن الحسين هو الله رب العالمين، بل إنهم يعتقدون جازمين أن الأئمة أفضل من كل الأنبياء، لأن الأئمة بزعمهم يكلمون الله بدون واسطة والأنبياء بواسطة.
وقد اقتبسوا هذه الأفكار الخاطئة عن الشيعة الاثني عشرية، وهؤلاء أخذوها عن ابن سبأ اليهودي، ومن العجب أنهم مرة يجعلون الإمام علياً إلهاً، ومرة أخرى يجعلونه نبياً، ومرة أخرى يستدلون على فضائله بكلام الله في القرآن يحرفونه بأقوال مكذوبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا خرج الكثير من شبابهم بسبب هذا الخلط والاضطراب الفكري إلى الإلحاد الماركسي (67).
وبعد أن استوثق هؤلاء الفجار من قبول الطغام الذين هم على شاكلتهم بكل ما جاءوهم به من الكفر والإلحاد دون اعتراض طمع هؤلاء في دعوى الألوهية بعد أن استهانوا بأمرها لكثرة المتألهين في مبادئهم، بحجة أن الله –تعالى عن جهلهم- يحل في من يشاء من عباده.
وقد ادعى رجل منهم الألوهية في هذا الزمن(68) حين كانت فرنسا مستعمرة للشام وتخطط لإحياء الجهل وطمس الدين بأي وسيلة كانت؛ لتبقى أطول مدة تحكم فيها بلاد المسلمين فوقع اختيارهم على دمية نصيري من سوريا يسمى سلمان المرشد، فأوصل نفسه إلى رتبة الألوهية- لأن الله تقمص به- وآمن به واتبعه كثير من النصيريين.
وقد مثل المهزلة تمثيلاً جيداً فكان كما يذكر في تاريخه يلبس ثياباً فيها أزرار كهربائية، ويحمل في جيبه بطارية صغيرة متصلة بالأزرار، فإذا أوصل التيار شعت الأنوار من الأزرار فيخر له أنصاره ساجدين حين يرون طلعته الشقية.(45/64)
ومن الطريف أن المستشار الفرنسي الذي كان وراء هذه الألوهية المزيفة كان يسجد مع الساجدين ويخاطب سلمان المرشد بقوله: يا إلهي، وبعد أن ادعى الألوهية كان عليه أن يرسل الرسل، وهذا ما حصل بالفعل فقد اتخذ سلمان المرشد رسولاً اسمه سلمان الميده، وكان يشتغل جمَّالاً عند أحد المزارعين في حمص، في حين كان سلمان المرشد مدعي الألوهية راعي أبقار، وهكذا يكون الإله راعياً والرسول جمَّالاً كما يذكر الحلبي.
قال أبو الهيثم: ((لقد جاء يوم على المرشدية كانت فيه سيفَ الفرنسيين المصلت على رقبة كل وطني في هذه المحافظة –يقصد اللاذقية-، وكان ذلك عام 1938م، إذا أقام ربها سلمان نفسه دولة ضمن دولة يفرض الإتاوات ويجبي الضرائب وينصت المحاكم وينفذ أحكام الإعدام ويقطع طرق المواصلات إلخ(69).
وحين رحل الفرنسيون عن سوريا في مواكب العار- كما سماها أبو الهيثم- وذلك سنة 1938م- ترك له هؤلاء من أسلحتهم ما أغراه بالعصيان، فجردت الحكومة السورية آنذاك قوة بقيادة محمد علي عزمة فتكت ببعض أتباعه واعتقلته مع آخرين ثم أعدم شنقاً في دمشق عام 1946م.
وقد سئل مرة قبل هلاكه فقيل له: أنت إله وأغاخان إله فكيف تتسع الأرض لإلهين؟ فأجاب بقوله: ((إن الخالق يبث روحه فيمن يشاء، وقد يبثها في مائة من مخلوقاته فيصيبون أرباباً مثلي))(70).
وقال عنه أبو الهيثم: ((العجيب في أمر سلمان أنه لم يكن ليصرح بمزاعمه الإلهية خارج حدود نفوذه قط، وقد مثل منطقته في البرلمان السوري كأي نائب –من غير الناطقين، فلم يسمع منه أي تصريح أو تلميح لما يقول فيه أتباعه، وأذكر أنني اجتمعت به وسألته عن هذه الدعوى التي تشيع عنه فأنكرها أشد الإنكار، وشهد على نفسه بالإسلام.(45/65)
وقد قال لي يومئذ: إن كل مهمته في جماعته هي أن يحاول تنظيم أمورهم على أساس الإسلام، وعدّد بعض أعماله الإصلاحية هناك مما لا غبار عليه..غير أن الواقع أن الرجل كان أذكى من أن يصرح بغير هذا أمام أي عاقل خارج جماعته))(71).
وبعد هلاك هذا المتأله ألّه أتباعه ابنه مجيب الأكبر بن سلمان المرشد، وقد قتل هذا أيضاً، ولكن استمر أتباعه على تأليهه، ومن حماقاتهم وخبثهم على المسلمين وزعمائهم أنهم يقولون عند ذبح أحدهم ذبيحته: باسم مجيب الأكبر من يدي لرقبة أبي بكر وعمر(72) ، ومن هنا فإنه لا يجوز لأي مسلم إذا مر بديارهم أن يأكل من ذبائحهم.
ومن العلماء من يذكر أنهم الآن يريدون تأليه أحد أخوة مجيب الذين لا يزال لهم نفوذ عند جهلاء النصيرية(73)؛ بل ويصرحون بتمسكهم بالمرشدية، يقول أبو الهيثم: فالمرشدي لا يكتم عقيدته في تأليه سلمان وأبناءه الذين أعدهم ذلك الأب (البار) لمنصب الألوهية منذ أن اختار لهم بعض أسماء الله الحسنى (فاتح، سميع، مجيب)(74).
وقد أصبح من المألوف أن تسمع هذا المرشدي يدافع عن عقيدته باسم حرية الفكر، ولهم صلاة يسمونها الصلاة المرشدية وينسبونها إلى مجيب الأكبر، يقولون فيها: تسبيح إلى مولانا مجيب بن سلمان المرشد الرب العظيم.
مولانا لك العزة والمجد والتهليل والتكبير، سبحانك ربنا إنك كريم رحيم، يا مولانا يا مجيب المرشد، سبحانك أنت الرب العظيم، إلى آخر الدعاء الذي اشتمل على صدق اللجوء إلى هذا الرب المخترع، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وينص النصيريون في دعائهم ويلحون على أن الله تعالى يرزقهم بجنود غرباء عنهم وعن وطنهم، يأتون إليهم من جهة الغرب لينقذوهم من حكامهم المسلمين.(45/66)
وقد وصف الأستاذ الشكعة هذه الإشارات في دعائهم إلى أنها دعوة لفرنسا المستعمرة لتثبت أقدامهم في بلادهم(75). يقول أبو الهيثم: ((ثبت بصورة قاطعة أن المرشدية على صلة وثيقة بالإرسالية البروتستانية الأمريكية في اللاذقية، وهل صلة مريبة لا شك أن وراءها أصابع السياسة الأمريكية وبكلمة أوضح أصابع الصهيونية العالمية)) (76).
2- القول بالتناسخ :
هذه أهم قضية في عقائد النصيرية، ويعود سبب تعلقهم بالتناسخ إلى أنهم لا يؤمنون بيوم القيامة ولا بالحساب ولا الجزاء في الآخرة، وقد بين النوبختي فكرة التناسخ عند القائلين بها فقال: ((هم أهل القول بالدور في هذه الدار وإبطال القيامة والبعث والحساب، وزعموا أن لا دار إلا الدنيا، وأن القيامة إنما هي خروج الروح من بدن ودخوله في بدن آخر غيره إن خيراً فخير وإن شراً فشراً.
وأنهم مسرورون في هذه الأبدان أو معذبون فيها، والأبدان هي الجنان هي النار، وأنهم منقولون في الجسام الحسنة الإنسية المنعمة في حياتهم ومعذبون في الأجسام الرديئة المشوهة من كلاب وخنازير وحيات وعقارب وخنافس وجعلان محولون من بدن إلى بدن معذبون فيها، هكذا أبد الأبد فهي جنتهم ونارهم لا قيامة ولا بعث، ولا جنة ولا نار غير هذا ، على قدر أعمالهم وذنوبهم وإنكارهم لأئمتهم ومعصيتهم لهم )) إلخ (77).
والتناسخ حسب معتقد النصيرية في أربع صور حسب قرب الشخص أو بعده عن الإيمان وطاعة الأئمة أو عصيانهم، وهي كما يلي: نسخ، مسخ، فسخ، رسخ.
أما النسخ: فهو انتقال الروح من جسم آدمي إلى جسم آدمي آخر.
وأما المسخ: فهو انتقال الروح من جسم آدمي إلى جسم حيوان.
وأما الفسخ: فهو خروج الروح من جسم آدمي إلى جسد حشرة من حشرات الأرض وهوامها.
وأما الرسخ: فهو انتقال الروح من جسم آدمي إلى الشجر والنبات والجماد (78) .(45/67)
ومن الجدير بالذكر أن بعض الروايات تذكر أن المسخ والفسخ والرسخ لا تصيب النصيري بل هي خاصة بمن عداهم من الناس، الذين يطلقون عليهم الكفرة والذين يمرون في تكرار مولدهم بألوان العقاب والجزاء في هذه الدنيا.
وفي الهفت الشريف نصوص لا يتسع المقام لذكرها كلها هنا في بيان كيفيات التناسخ، وكيفيات العذاب الذي يحل بالكفار عند انتقال أرواحهم من جسم إلى جسم.
يقول في الهفت الشريف: ((وأنه ليلقاك الرجل في بدنه وأنت تظن أنه آدمي، وإنما هو قرد أو خنزير أو كلب أودب (79)، أي في صورته المسوخية المستقبلة.
قال المفضل: ((سألت مولانا الصادق هل يذل الأعداء من دون الأولياء والأولياء من دون الأعداء في اصطناع الخير والشر فيما كان من أحدهما إلى الآخر، فقال: أما علمت أن المؤمن يكون في الناسوتية والكافر في المسوخية وفي تراكيب شتى حتى يصنع كل واحد منهما إلى الآخر من الخير والشر، مثلما كان يصنع إليه إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر)) (80).
وقال عن سبب إيذاء الكلب للإنسان: ((وإن الرجل حينما يمر بالكلب لا يعرفه ولا يكون قد رآه قبل ذلك اليوم، أو ربما يكون الرجل متزوجاً امرأة هذا الكلب، لأنه كان مركباً في الإنسانية وكان مجراه في بادي الأمر مجرى الإنسان؛ فأهلكه الله بعذاب ذبح أو قتل بما وصل إليه من شقاوته في حالة الدنيا، والرجل يكون قد تزوج امرأته وسكن داره ولبس ثيابه يعرفه الكلب في مسوخيته، فإذا نظر إليه نبح ووثب عليه أو عضه في وجهه)) (81).
وقال عن انقضاء كل آدم وذريته في مراحل وجودهم: ((إنه حينما ينتهي عمْر أي آدم وذريته يصبحون طوائف طائفة هم أهل المسخ وهم أهل العقاب، وطائفة هم أهل النسخ، وهؤلاء أهل الثواب)) (82).(45/68)
ثم يصير المسخ والنسخ في الجمع الأكبر والدور الآخر ((أي آخر دور كل آدم وذريته ومنه أبونا آدم الثامن وذريته، كما يعتقدون في سخافاتهم))، وعن محمد بن سنان قال: (( ما من طائر يطير إلا له أم وأب وعم وخال، ثم التفت أبو الحسن إلى نجار ينجر بداره فقال: هذا النجار كان في الدور الأول ديكاً وهو اليوم نجاراً)) (83).
وهناك عشرات النصوص لا تخرج عن هذا الفكر الآسن والسخافات والحماقة التي أنتجتها عقول المجوس وعباد الأوثان.
3- ومن أهم عقائدهم أيضاً: تقديس الخمر؛ حيث زعموا أن الله تعالى يتجلى فيها وأنها تسمى عبد النور تشريفاً لها، وجعلوا من أكبر الإجرام قلع شجرة العنب.
* * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الثامن
عبادات النصيرية
يختلف النصيريون عن المسلمين في العبادات، بل وفي كل شيء، وهذا طبيعي؛ إذ إن تعاليم الإسلام لا يمكن أن تتفق مع التعاليم الوثنية مهما أظهروها بالمظهر الإسلامي، مثل استعمالهم الأسماء الإسلامية، كما قد يتسمون بالأسماء المسيحية أيضاً؛ لكنهم لا يسمحون لأحد منهم أن يتسمى بأفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر.
ولأن مذهبهم خليط من شتى الأفكار والديانات كما تقدم، فإن ما ورد في عقيدتهم وكتبهم من كلمات الصلاة والحج والزكاة والصيام لا يريدون بها المقصود منها في الشريعة الإسلامية، بل أولوها إلى معان أخرى باطنية.
ويذكر بعض العلماء أن النصيريين يفرقون في التزام التكاليف بين المشايخ وبين الجهال فيرون أن جبرية التكاليف تسري على المشايخ وتسقط عن الجهال.
ولعل في هذا الكلام نظراً فإن الشيوخ أو أصحاب العهد وهم يعرفون الباطن يكونون في حرية تسقط معها التكاليف كما هو المعروف عن المذهب الباطني عموماً، فهم يزعمون أن الشخص إذا عرف بواطن النصوص سقطت عنه ما تدل عليه ظواهرها من التكاليف، والحلال والحرام.(45/69)
نعم قد يكلف الشخص الداخل في المذهب بالقيام بالتكاليف لحثه على طلب العلم الذي يسقط عنه في النهاية جميع ما حظر على غيره ممن لم يصل إلى درجته على حد ما صرح به الهفت الشريف، حيث ذكر وهو يعدد الدرجات أن الاصطفاء درجة فوق درجة النبيين، وفوق هذه أيضاً درجة أعلى منها وهي درجة الحجاب، ثم قال المفضل الجعفي:
((قلت يا مولاي هل علينا نحن معرفة هذه الدرجات)) قال الصادق: نعم، من عرف هذا الباطن فقد سقط عنه عمل الظاهر، ومادام لا يعرف هذه الدرجات ولا يبلغها بمعرفته، فإذا بلغها وعرفها منزلة منزلة، ودرجة درجة فهو حينئذ حر قد سقطت عنه العبودية، وخرج من حد المملوكية إلى حد الحرية باشتهائه ومعرفته.
قلت: يا مولاي فهل ذلك في كتاب الله؟ قال: نعم، أما سمعت قوله تعالى: { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى }(84) فإذا عرف الرجل ربه فقد انتهى للمطلوب، ولا شيء أبلغ إلى الله من الوحدانية والمعرفة، وإنما وضعت الأصفاد والأغلال على المقصرين، وأما من قد بلغ وعرف هذه الدرجات التي قرأتها لك فقد أعتقه من الرق، ورفعت عنه الأغلال والأصفاد وإقامة الظاهر.
ثم تلا قوله تعالى: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (85) وقرأ مولاي: { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } (86)، قلت: ما تعني هذه يا مولاي؟ قال: يعني رفعة في المعرفة وارتفاعاً في الدرجات (87).
وذكر الدكتور مصطفى الشكعة(88) أن النصيريين يصلون في خمس أوقات، إلا أنها تختلف في الأداء وفي عدد الركعات عن بقية المذاهب الإسلامية، وصلاتهم لا سجود فيها، وفيها بعض الركوع أحياناً.(45/70)
ولا يصلون الجمعة ولا يعترفون بها كفرض، ولا يتطهرون قبل آداء صلواتهم، ولا يصلون في المساجد، بل يحاربون بناء المساجد ولا يرضون بإقامتها، بل يجتمعون في بيوت معلومة وأوقات معينة، ويسمون هذا الاجتماع عيداً يقوم الشيوخ بتلاوة بعض القصص والأخبار والمعجزات الخرافية لأئمتهم، ويختلط الحابل بالنابل في هذه الاجتماعات رجالاً ونساءً.
ثم يقومون بأداء بعض الطقوس والصلوات المشابهة لقداسات وطقوس المسيحيين، ومن قداساتهم الكثيرة قداس الطيب لكل أخ وحبيب، وقداس البخور في روح ما يدور في محل الفرح والسرور، وقداس الأذان وبالله المستعان، وكل قداس له ذكر خاص به وأدعية يتوسلون فيها بالإله علي والخمسة الأيتام وكبار مشائخهم –الذين جعلوهم أرباباً من دون الله؛ كالخصيبي وغيره- أن تحل في ديارهم البركة وأن ينصروا على أعدائهم.
ومن أمثلة هذه القداسات: قداس الأذان وهو: ((الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً، الحمد لله كثيراً وجهت وجهي إلى محمد المحمود طالباً سره المقصود، المتقرب بتجلي الصفات وعيني الذات، وفاطر الفطر ذو الجلال، والحسن ذو الكمال، اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم الخليل، هو الذي سماكم مسلمين حنيفاً مسلماً ولا أنا من المشركين (هكذا).
ديني سلسل طاعة إلى القديم الأزل، أقر كما أقر السيد سلمان حين أذن المؤذن في أذنه وهو يقول: شهدت أن لا إله إلا هو العلي المعبود، ولا حجاب إلا السيد محمد المحمود، ولا باب إلا السيد سلمان الفارسي، ولا ملائكة إلا الملائكة الخمسة الأيتام الكرام.
ولا رب إلا ربي شيخنا وهو شيخنا وسيدنا الحسين حمدان الخصيبي، سفينة النجاة وعين الحياة، حي على الصلاة حي على الفلاح تفلحوا يا مؤمنون، حي على خير العمل بعينه الأجل الله أكبر والله أكبر، قد قامت الصلاة على أربابها وثبتت الحجة على أصحابها.(45/71)
الله مولاي يا علي أسألك أن تقيمها وتديمها ما دامت السموات والأرض، وتجعل السيد محمد خاتمها، والسيد سلمان زكاتها، والمقداد يمينها، وأبا ذر شمالها، نحمد الله بحمد الحامدين، ونشكر الله بشكر الشاكرين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أسألك اللهم مولاي بحق هذا قداس الأذان، وبحق متَّى وسمعان(89)، والتواريخ والأعوام، بحق يوسف بن من كان، بحق الأحد عشر كوكباً(90) الذين رآهم يوسف بالمنام تحل في دياركم البركة بالتمام، يا مولاي يا علي يا عظيم)) (91).
وهناك قداسات كثيرة كل قداس فيه مثل هذا الكلام السخيف.
ويقول في الهفت الشريف في بيان معنى الصلاة والزكاة: إن جعفر الصادق قال للمفضل: ((أتدري ما معنى قوله تعالى: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ }(92)؟ قلت: يعني أهله المؤمنين من شيعته الذين يخفون إيمانهم وهي الدرجة العالية والمعرفة والإقرار بالتوحيد وأنه العلي الأعلى، فأما معنى قوله تعالى: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ } فالصلاة أمير المؤمنين، والزكاة معرفته، وأما إقامة الصلاة فهي معرفتنا وإقامتنا))(93).
والصيام عند النصيرية ليس هو عن الأكل والشرب وجميع المفطرات في نهار رمضان؛ بل هو الامتناع عن معاشرة النساء طوال شهر رمضان.
والحج إلى بيت الله الحرام يعتبرونه كفراً وعبادة للأصنام (94).
وقد ذكر الدكتور عبد الرحمن بدوي أنه توجد خلاصة وافية لتعاليم النصيرية وعقائدها في كتيب صغير بعنوان ((كتاب تعليم ديانة النصيرية))، وهو مخطوط في المكتبة الأهلية بباريس برقم 6182، وهو على طريقة السؤال والجواب، ويتألف من (101) سؤال وجواب، نذكر منها على سبيل المثال ما يأتي:
س: من الذي خلقنا؟
ج: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين.
س: من أين نعلم أن علياً إله؟(45/72)
ج: مما قاله هو عن نفسه في خطبة البيان وهو واقف على المنبر إذ قال: ((أنا سر الأسرار أنا شجرة الأنوار...أنا الأول والآخر، أنا الباطن والظاهر))..إلى آخر كذبهم عليه.
س: ما أسماء مولانا أمير المؤمنين في مختلف اللغات؟
ج: سماه العرب باسم علي، وهو سمى نفسه أرسطوطاليس، وفي الإنجيل اسمه إيليا ((إلياس))، ومعناه علي، والهنود يسمونه ابن كنكرة...إلى آخر ما ذكره.
س: لماذا نسمي مولانا باسم أمير النحل؟
ج: لأن المؤمنين الصادقين هم مثل النحل الذين يشتارون من أحسن الأزهار، ولهذا سمي أمير النحل.
س: ما أسماء النجباء في العالم الصغير الأرض؟
ج: يورد 25 اسماً أولها أبو أيوب، وآخرها عبد الله بن سبأ.
س: ما القرآن؟
ج: هو المبشر بظهور مولانا في صورة بشرية.
س: ما علامة إخواننا المؤمنين الصادقين؟
ج: ع.م.س.
س: ما دعاء النيروز؟
ج: تقديس الخمر في الكأس.
س: ما اسم الخمر المقدس الذي يشربه المؤمنون؟
ج: عبد النور.
س: لماذا؟
ج: لأن الله ظهر فيها.
س: لماذا يولي المؤمن وجهه في الصلاة قبل الشمس؟
ج: اعلم أن الشمس نور الأنوار.
إلى آخر 101 سؤال وجواب، ذكرها كلها عبد الحسين العسكري في كتابه ((العلويون))(95) تشتمل في مجملها على تأليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، واعتقاد التناسخ والحلول، وتعظيم الخمر التي سموها عبد النور؛ لأن الله حل فيها، وتعظيم الأعياد النصرانية والمجوسية، وتقديس النجوم والاعتماد عليها، وعبادة الشمس، وفيها كذلك الحث على التزام السرية والكتمان لتعاليمهم الوثنية المجوسية.
* * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل التاسع
أعياد النصيرية(45/73)
للنصيرية أعياد كثيرة في أوقات كثيرة مثل عيد الغدير، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد عاشوراء، وعيد الغدير الثاني يوم المباهلة، وعيد النوروز، وعيد المهرجان، وعيد الصليب، وعيد الغطاس، وعيد السعف، وعيد العنصرة، وعيد القديسة بربارة، وعيد الميلاد إلى آخر، أعيادهم الكثيرة التي وافقوا فيها المسلمين والنصارى والوثنيين (96).
وعن احتفالاتهم بعيد النوروز يقول عبد الحسين العسكري: ((احتفال النصيرية بعيد النوروز –وهو العيد الديني والقومي للفرس- يدل على الأثر الفارسي في النصيرية، ويشير إلى تمجيدهم للفرس بدعوى حلول الإله وشخصوه في ملوكهم، حتى إنهم جعلوا منهم ثالوثاً نظير ثالوثهم، وهم يدعون الإسلام.
حيث زعموا أن ثلاثة منهم توارثوا الحكمة وتجلى الإله فيهم وهم شروين وكروين ، وكسرى ، ويقابلهم في الإسلام النصيري المعنى والاسم والباب ؛ علي محمد سلمان (ع.م.س)(97).
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل العاشر
موقف النصيرية من الصحابة
النصيرية شأنهم شأن غيرهم من أعداء الإسلام في عدائهم للإسلام وزعمائه، فلقد بالغ هؤلاء في بغض الصحابة رضوان الله عليهم، بل واعتقدوا أن من الصحابة من لم يكن مؤمناً حقيقة، بل كان يتظاهر بالإسلام ويبطن النفاق خشية من سطوة علي، ومن هؤلاء بافترائهم أبو سفيان وابنه معاوية رضي الله عنهما.
وقد خصوا الصحابي الجليل وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يليه عمر الفاروق رضي الله عنهما بالبغض الشديد، فلم يجيزوا حتى مجرد التسمية بأبي بكر وعمر، بل بلغ بهم السفه والحقد عليهما أن عمدوا إلى الحيوانات البريئة وتفننوا في تعذيبها؛ لأن روح أبا بكر وعمر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم حلت فيهم عن طريق التناسخ.(45/74)
ومن هنا فهم يأخذون بغلاً أو حماراً ليذيقوه سوء العذاب، لأنه تقمص روح أبي بكر أو عمر، كما أنهم يأخذون غنمة ويعذبونها كذلك تنكيلاً بأم المؤمنين عائشة وتنفيساً عن أحقادهم المجوسية، إلا أن المشكل هو كيف يقع اختيارهم على إحدى هذه البهائم بعينها للتنكيل بها.
ولهم عليهم غضب الله أفعال وأقوال في ذم الصحابة وخصوصاً ما قالوه عن عمر رضي الله عنه الذي يرمزون إلى اسمه بـ ((أدلم)) يتنزه من له أدنى مسكة من عقل أو حياء من ذكرها.
والسبب في بغضهم هؤلاء الأخيار من الصحابة واضح، وهو أن هؤلاء هم الذين أطفئوا نار المجوسية ونشروا راية الإسلام خفاقة بين جحافل المجوسية والوثنية، فكيف يرضى عنهم هؤلاء وهم قد وتروهم في ديانتهم وفي حكمهم واستعلائهم؟!.
* * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الحادي عشر
فرق النصيرية
تفرق النصيريون إلى فرق وطوائف كثيرة، ومن أهم تلك الطوائف:
الجرانة: نسبة إلى قريتهم جرانة، ثم سميت بعد ظهور محمد يونس كلازو من زعمائهم ((الكلازية))، ويقال لهم القمرية لأنهم يعتقدون أن علياً حل في القمر(98)، ويرون أن الإنسان إذا شرب الخمر الصافية يقترب من القمر.
الغيبية: أي الذين رضوا بما قدر لهم في الغيب فتركوا التوسل –كما يذكر الحلبي- أو هم الذين قالوا: إن الله تجلى في علي ثم غاب عن البشر واختفى، والزمان الحالي هو زمان الغيبة، ويقررون أن الغائب هو الله الذي هو علي –كما يذكر صابر طعيمة- ثم سميت بعد ظهور زعيم منهم سمي علي حيدر ((الحيدرية)).
الماخوسية: نسبة إلى زعيمهم علي الماخوس المنشق عن الكلازية.
النياصفة: نسبة إلى زعيمهم ناصر الحاصوري من بلدة نيصاف بلبنان (99).
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
الفصل الثاني عشر
أماكن النصيرية(45/75)
يذكر عبد الحسين العسكري أماكنهم بقوله: ((وأكثرهم يعيش اليوم في الجنوب والشمال من القطر العربي السوري، ولهم وجود في جنوب تركيا وأطراف لبنان الشمالي وفارس وتركستان الروسية وكردستان)) (100).
الفصل الثالث عشر
محاولات لم تثمر
حاول كثير من الزعماء المسلمين إرجاع النصيرية إلى الإسلام، وقاموا بمجهودات كثيرة بالترهيب تارة وبالترغيب تارة متوالية، وكما هو شأن هذه الطائفة إذا أحسوا بقوة تضغط عليهم وخافوا سطوتها أظهروا الموافقة والتمسك بشرائع الإسلام الظاهرة.
فإذا ضعفت هذه القوة ظهر النصيريون على حقيقتهم وأعلنوا الحرب على تلك الشعائر الإسلامية التي ألزموا بها كبناء المساجد والصلاة جماعة فيها والتمسك بصوم شهر رمضان، وغير ذلك من الإصلاحات والتي كان ينجح فيها النصيريون بخداع الناس بأنهم متمسكون بسائر شعائر الإسلام، وأنه لا فرق بينهم وبين بقية المسلمين، ومن هؤلاء الزعماء الذين حاولوا إصلاح النصيرية:
صلاح الدين الأيوبي فبعد دحره للصليبيين بنى المساجد، وأمر جميع النصيريين بالصلاة فيها وبالصوم، وغيرهما من بقية شعائر الإسلام، فأطاعوه إلى أن توفي فتركوا ذلك، وجعلوا المساجد زرائب للحيوانات.
الظاهر بيبرس: بعد أن دحر التتار ألزمهم ببناء المساجد بقراهم وإقامة الصلاة فيها فبنوها بعيدة عن القرى وهجروها، وربما كان يمر الغريب في المسجد فيؤذن فيه فيقولون له: لا تنهق يأتيك علفك بعد قليل، كما حكى ذلك الرحالة ابن بطوطة.
السلطان العثماني ((سليم)): بنى المساجد وقام بكثير من الإصلاحات، ولكنهم رجعوا بعده إلى ما كانوا عليه.
إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا والى مصر: كذلك قام بإصلاحات كثيرة من أجل تركهم عقائدهم الفاسدة إلا أنهم حينما أنسوا من أنفسهم قوة رجعوا عن ذلك كله.(45/76)
السلطان العثماني عبد الحميد: كرر المحاولات بإرساله رجلاً من خاصته اسمه ضياء باشا، وجعله متصرفاً على لواء اللاذقية، فأنشأ لهم المساجد والمدارس، فأخذوا يتعلمون ويصلون ويصومون، وأقنع الدولة بأنهم مسلمون إذ لم يعصوا له أمراً، ولكنه بعد أن ترك هذا المتصرف منصبه خربت المدارس وحرقت الجوامع ودنست (101).
ولقد كان لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صولات وجولات مع هؤلاء فقد غزا رحمه الله النصيرية في جبل كسروان بمن معه من المسلمين وفتح بلادهم، وكاتب السلطان فيهم بحسم مادة شيوخهم الذين يضلونهم، والأمر بإقامة شعائر الإسلام ونشر السنة ببلادهم (102).
وهكذا انتهت تلك المحاولات بلا جدوى، وربما يعود السر في محاربتهم لبناء المساجد إلى عقيدة عندهم؛ إذ يزعمون أن من عرف ربه وعرف معنى التكاليف صار حراً غير مكلف، وبقاء المساجد في نظرهم دليل على الجهل والتقصير وعدم معرفة الرب ومعرفة أوامره ظاهراً وباطناً، (وليس فيه أجهل منهم بربهم).
وهذا هو المفهوم عند غلاة الباطنية تجاه إسقاط دلالات النصوص، وعند غلاة الصوفية الذين يزعمون أنه يصل أحدهم إلى درجة اليقين ثم ينفلت عن جميع التكاليف.
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الباب السابع
الدروز
الفصل الأول
تمهيد: في بيان خطر هذه الفرقة
هذه الطائفة هي إحدى فرق الباطنية الإسماعيلية العبيدية(1) الغلاة الذين ألهوا الحاكم بأمر الله، وجحدوا كل ما أخبر الله به؛ من يوم القيامة والثواب والعقاب، وقالوا بالتناسخ الذي يسمونه التقمص مخالفة للنصيرية، ظهرت في بداية القرن الخامس الهجري في مصر(2)، ولقد حذر علماء المسلمين من هذه الطائفة أشد تحذير.(45/77)
يقول عنهم العلامة السفاريني وعن كتبهم ووجوب إتلافها هي وجميع كتب أهل الكفر: ((وكتب أهل الكفر لا سيما كتب الدروز عليهم لعنة الله، فقد نظرت في بعضها فرأيت العجب العجاب، فلا يهود ولا نصارى ولا مجوس مثلهم؛ بل هم أشد من علمنا كفراً لإسقاطهم الأحكام وإنكارهم القيامة وزعمهم أن الحاكم العبيدي الخبيث رب الأنام))(3).
وهم يتكتمون على عقائدهم أشد التكتم، ولهذا خفي أمرهم على كثير من علماء الفرق والتاريخ، وهم لا يسمحون لأحد أن يدخل في مذهبهم ولا يعترفون بخروج أحد منه، ولهم في هذا فلسفة يبررون بها موقفهم قائمة على مفهوم التناسخ الذي يسمونه التقمص، ومن الجدير بالذكر أن بينهم وبين النصيرية اتفاقاً في كثير من الآراء الاعتقادية، واختلافاً أيضاً في بعضها، وبينهم عداوة شديدة بسبب تأليه النصيرية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وعدم تأليههم للحاكم بأمره، وكراهية النصيرية لهم لتأليههم الحاكم دون علي رضي الله عنه. {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} .
والدروز في إسرائيل من أخلص الناس لليهود، وتعاملهم إسرائيل أيضاً بالمثل لمعرفتهم بعمالتهم التامة لهم(4).
ولإسرائيل مشاريع كثيرة في قراهم وفي مدنهم- حسبما سمعته من إذاعة إسرائيل باللغة العربية في هذه السنة 1407هـ –وقد سلمتهم السلاح وألَّفت منهم دوريات على حدودها مع لبنان لثقتهم بهم.
غير أن محمد علي الزعبي بالغ كثيراً في الثناء على الدروز وعلى تمسكهم بالإسلام وتعاليمه كلها تمسكاً صحيحاً، وذكر أن الدروز يتمنون أن لو أتيحت لهم الفرصة للانقضاض على إسرائيل وسحقها وإعادة الوجه الإسلامي لفلسطين(5)...إلى آخر مدحه لهم.
ومن هنا قال أحمد الفوزان في رده عليه: ((وكأني به لم يسمع أبداً عن الدروز العاملين في الجيش الصهيوني وعن بلائهم الذي كان على العرب شر بلاء وكانوا للعرب شر أعداء))(6).
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل الثاني(45/78)
التعريف بالدروز
قبل ذكر هذه الطائفة وبيان عقائدهم نذكر تعريفاً موجزاً بهم فيما يلي:
1- التعريف بهم في اللغة:
تطلق كلمة الدروز على معان عديدة في اللغة، منها: أنها تطلق على الأولاد غير الشرعيين الذين لا يعرف لهم آباء، وتطلق كذلك على السفلة والسقاط من الناس فيقال لهم أولاد درزة.
قال الأزهري نقلاً عن ابن الأعرابي: ((والعرب تقول للدّعي: هو ابن درزة وابن ترني، وذلك إذا كان ابن أمة تساعي فجاءت به من المساعاة ولا يعرف له أب)).
قال: ((ويقال: هؤلاء أولاد درزة، وأولاد فرتني للسفلة والسقاط 0قاله المبرد)) (7).
وتطلق هذه اللفظة أيضاً على القمل والصئبان، فيقال: بنات الدروز؛ كما يذكر الفيروز آبادي(8).
وتدل هذه المعاني على الرداءة والانحطاط، ومن هنا نجد أن الدروز لا يحبون أن تطلق عليهم هذه التسمية لأسباب سنذكرها، وربما يكون منها سوء مفهوم هذه التسمية عند الناس، مضافاً إليها وجود الأسباب الأخرى.
2- التعريف بهم في اصطلاح علماء الفرق:
يطلق علماء الفرق تسمية الدروز على طائفة ذات أفكار وآراء اعتقادية، هم من غلاة الباطنية يعتقدون ألوهية الحاكم بأمره، انشقوا عن الإسماعيلية في الظاهر وإن كانوا متفقين معهم في جوهر عقائدهم، ونسبوا إلى أحد دعاة الضلال المجوس نشتكين الدرزي، وإن كانوا لا يحبون هذه النسبة كما سيأتي بيانه (9).
بيان أصل الدروز:
اختلف الناس في أصل الدروز على أقوال كثيرة نوجزها فيما يلي:
أنهم سلالة قبائل عربية، وهو ما يزعمونه لأنفسهم، وقد أكده الأستاذ محمد حمزة، وأنهم من لخم وتنوخ، وأثنى عليهم ثناءً كثيراً (10).
أنهم من سلالة السامريين القدماء.
أنهم من بقايا الحيثيين القدماء.
أنهم مزيج من عناصر مختلفة من عرب وفرس وهنود.
أنهم سلالة الجنود الفرنسيين الصليبيين.
أنهم من أصل إنجليزي.(45/79)
وتبدو تلك الأقوال كلها –غير القول الأول- بعيدة، وتهدف كذلك إلى أغراض سياسية فيما يرى محمد كامل حسين (11).
والواقع أن هذا الاختلاف فيهم يضفي عليهم ظلالاً من الشكوك والارتياب في أصلهم.
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل الثالث
زعيمهم
تنسب هذه الطائفة إلى أحد دعاة الباطنية الذين قالوا بألوهية الحاكم العبيدي، ويسمى هذا الداعي محمد بن إسماعيل، ويقال له: درزي، من أصل فارسي ويعرف بـ ((نشتكين))(12) ، قدم إلى مصر ودخل في خدمة الحاكم ثم كان أول من أعلن ألوهية ذلك الحاكم المفتون، ولم يكن نشتكين في هذا الميدان وحده، بل كان معه ضال آخر فارسي أيضاً يسمى ((حمزة بن علي الزوزني)) من أهالي زوزن بإيران، وكان له الأثر البارز في تاريخ الدروز فيما بعد، بل هو زعيم المذهب الدرزي ومؤسسه(13) .
وقد بدأ درزي في إعلان مذهبه الهدام بتأليف كتاب أعلن فيه ألوهية الحاكم، ثم جاء به إلى أشهر مكان في القاهرة؛ الجامع الأزهر وبدأ يقرأه على الناس فأحدث ضجة يبن الناس. وثارت غيرتهم الإسلامية وأرادوا قتله فهرب- أو هربه الحاكم- من مصر إلى جبال لبنان، حيث أخذ ينشر مذهبه إلى أن هلك سنة 410هـ مقتولاً (14).
وقد أصبح درزي هو الزعيم الذي يعترف به الدروز ويقدسونه في ذلك الوقت وخصوصاً أهل بلاد تيم الذي انتشر مذهب درزي بينهم، ولكن في الوقت الحاضر، نجد الدروز يلعنون درزي مع أن نسبتهم إليه، ويقدمون حمزة ويقدسونه، وسبب خلافهم على درزي وسبهم له هو موقف حمزة منه، فقد أراد درزي أن يستقل بالإمامة.
... ثم كذلك تسرعه في إظهار العقيدة الدرزية التي تنادي بألوهية الحاكم قبل أن يرضى حمزة عن ذلك التوقيت لإعلانها، فقد أظهر درزي ألوهية الحاكم سنة 407هـ، بينما أحب حمزة إظهارها سنة 408هـ، وهي السنة التي كان يعتبرها الدروز أولى سني تقويمهم (15).(45/80)
إلا أن الأستاذ محمد حمزة يذكر أن الدروز يجلون درزي إلى اليوم (16).
وينبغي ملاحظة أن الدعوة إلى تأليه الحاكم بدأت في حدود سنة 400هـ سرية، فلما أنس أشرار الدعوة من قوتهم أظهروها، وكان أول من أظهرها محمد بن إسماعيل الدرزي ((نشتكين)) ليحظى بسبق التقدم بها إلى الحاكم وتجاهل زميليه في الخيانة وهما حمزة بن علي الزوزني والحسن بن حيدرة الفرغاني كبار شياطين الدعوة الإسماعيلية، الذين استولوا على عقل الحاكم وحولوه إلى عقائدهم المجوسية الوثنية التي تجعل من الحكام آلهة.
وقد صار حمزة فيما بعد صاحب الميدان وله الكلمة النافذة والطاعة التامة، حيث صارت الدولة رهن إشارته بعد أن طابت أفكاره في نظر الحاكم الذي وقف من ورائه بكل ثقله لتتم دعوى الإلوهية والتقمص الإلهي في شخصه.
ولم ينس حمزة أن يخص نفسه بعدة ألقاب وصفات لم يسبغها حتى الأنبياء على أنفسهم، فهو ((الآية الكبرى، وآية التوحيد، وآية الكشف، والعقل الكلي، والإرادة، وعلة العلل، وذو(17) معه))(18).
كما أنه ((هادي المستجيبين، وإمام الزمان، وقائم الزمان، والمنتقم من المشركين لسيف مولانا))(19) ، ثم ادعى أنه هو نفسه سلمان الفارسي في عصر الحاكم عن طريق التناسخ(20)، وأنه هو الذي أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم حينما كان في دور سلمان. إلى آخر ما جاد به من أوصاف عالية لشخصه الذي سيلاقي من الله ما يستحقه من الجزاء العادل في يوم القيامة، اليوم الذي لا يؤمن به حمزة ومن هم على شاكلته ممن طبع على قلوبهم.(45/81)
وقد جاء في كتاب لحمزة بعث به إلى قاضي القضاة في زمنه، ويسمى أحمد بن محمد بن العوام جاء في أول الكتاب: ((توكلت على أمير المؤمنين جل ذكره، وبه أستعين في جميع الأمور، معل علة العلل صفات بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد أمير المؤمنين ومملوكه حمزة بن علي بن أحمد هادي المستجيبين المنتقم من المشركين بسيف أمير المؤمنين وشدة سلطانه ولا معبود سواه إلى أحمد بن محمد بن العوام الملقب قاضي القضاة))(21) إلخ الكتاب الذي ملأه بالسب والشتم والاستهزاء بهذا القاضي؛ بسبب امتناعه عن الدخول تحت عبادة الحاكم. ثم بين حمزة نتيجة امتناع هذا القاضي بقوله:
((وقد أرسلت إلى القاضي عشرين رجلاً ومعهم رسالة رفعت نسختها إلى الحضرة اللاهوتية(22) فأبى القاضي واستكبر وكان من الكافرين، واجتمعت على غلماني ورسلي الموحدين لمولانا جل ذكره زهاء مائتين من العسكرية والرعية، وما منهم رجل إلا ومعه شيء من السلاح، فلم يقتل من أصحابي إلا ثلاثة نفر وسبعة، رجلاً من الموحدين في وسط مائتين من الكافرين(23) فلم يكن لهم إليهم سبيل حتى رجعوا إلى عندي(24) سالمين))(25).
ويبدو من رسالته هذه ضحالة فكره وجهله المشين بالدين الإسلامي وباللغة العربية، وقد كانت آخر حياته أن اختفى بعد موت الحاكم وظل مختفياً إلى أن مات سنة 430هـ.
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل الرابع
أسماء الدروز
1- الدروز:
هذا هو الاسم المشهور عنهم والمتداول على ألسنة الناس، وهو نسبة إلى نشتكين الدرزي، وقد رأينا أنه مع شهرة هذا الاسم عنهم إلا أنهم لا يحبون أن يطلق عليهم؛ لأنه ينسبهم إلى درزي المذكور وهم قد انحرفوا عن موالاته بعد أن اختلف هو وحمزة بن علي، وصاروا بعد ذلك يلعنونه ويحكمون عليه بالضلال والكفر بمبادئهم لما سبق ذكره.
2- الموحدين:
هذا هو الاسم الذي يحبونه ويطلقونه على أنفسهم في كتبهم التي يقدسونها (26).(45/82)
ويجب ملاحظة أن هذه التسمية لا تعني توحيد الله عز وجل الذي يعبده المؤمنون، ولكن معناها الإخلاص في توحيد الحاكم بأمره حيث يذكر حمزة ابن علي الزوزني ذلك بقوله: ((التوحيد لمولانا عوض الشهادتين)) (27).
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل الخامس
كيف انتشرت العقيدة الدرزية
حينما فرَّ درزي من مصر توجه إلى بلاد تيم في لبنان، وكانت تقيم فيه قبائل عربية في الجاهلية ثم اعتنقوا الإسلام.
وفي أيام الدولة العبيدية انتشر بينهم المذهب الإسماعيلي بتأثير هذا الداعي وفراغهم عن معرفة الدين الإسلامي.
وهذه العقيدة على تفاهتها وجدت من يستمع لها ويدين بها إلى وقتنا الحاضر مع شدة حرصهم على كتمانها، الأمر الذي جعل المعلومات حولهم ناقصة جداً ومتضاربة في كثير منها حول ديانة هؤلاء الدروز، وهي في مجملها تتألف من أفكار شتى ونظريات مختلفة فلسفية وهندية ويونانية وفارسية وفرعونية، ثم أحاطوها بالسرية الكاملة لا يبيحون لأحد أن يطَّلع عليها غيرهم، كما لا يبيحون لأحد منهم أن يفشي سراً من أسرارها.
وقد جاء في كلام لحمزة بن علي قوله في الترهيب من إفشاء أسرارهم: ((إن أكبر الآثام وأعظمها إظهار سر الديانة وإظهار كتب الحكمة –يعني كتبهم- والذي يظهر شيئاً من ذلك يقتل حالاً تجاه الموحدين ولا أحد يرحمه)).
ويقول: ((عليكم أيها الإخوان الموحدون في دفن هذه الأسرار، ولا يقرأها إلا الإمام على الموحدين في مكان خفي، ولا يجوز أن تظهر كتب الحكمة الذي كلها رسم ناسوت مولانا سبحانه، وإن وجد شيء من هذه الأسرار في يد كافر فيقطع إرباً إرباً)) (28).(45/83)
على أنه لا مانع مع الحفاظ على هذا التكتم أن يتظاهر الدرزي –كما أوصاه علماؤه- بإنكار هذه المبادئ أمام الآخرين إذا لم تكن له قوة أمامهم مستعملا في ذلك ما بوسعه من النفاق والكذب والخداع، وأن يظهر لكل أهل مذهب الرضى عن مذهبهم والسلوك في سبيلهم على طريقة الباطنية.
وقد ذهب الغلو بمحمد كامل حسين أن يقول: ((وللدروز قضاة منهم يحكمون دائماً حسب الشريعة والتقاليد الإسلامية، إلا أنهم في بعض المسائل الخاصة يحكمون حسب التقاليد الدرزية)) (29).
ثم مثَّل بعدة أمثلة هي ضد الإسلام، ومما ينبغي التنبيه له أن الدروز لا يزالون على اعتقاد تأليه الحاكم إلى وقتنا الحاضر يقرونه في مجالسهم الخاصة وخلواتهم، ولكنهم قد يتظاهرون أمام الناس بعدم تأليه الحاكم وهم يعلمون أنهم لو تركوا هذه الفكرة لأصبحوا بلا دين.
وقد كشف هذا الستار أحد علماء الدروز وهو عبد الله النجار الذي قتلوه بعد ذلك في أحداث لبنان فهو يقول: ((وإني لأذكر عتاب كبير الأشياخ الثقات؛ لأني ذكرت في أحد الكتب المطبوعة أن أم الحاكم كانت صقلية؛ إذ قال لي: إن الحاكم لا أم له مردداً ما جاء في الرسالة 26: حاشا مولانا جل ذكره من الابن والعم والخال ((لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)) )) (30).
فهذه شهادة شاهد من أهلها، والباطل لا بد وأن يكشفه الله مهما حاول أهله التستر عليه. وقد كان لهذه الفكرة الإجرامية نتائجها على الحاكم فيما بعد؛ فإنه أنكر ولم يوص بالخلافة لولده ((الظاهر بالله)) وإنما أوصى بها إلى شخص آخر للإيحاء بأن الأمر لا يزال بيده حتى وإن غاب عنهم يعطيه من يشاء ويمنعه عن من يشاء. ومن هنا فقد انتقم الظاهر من هؤلاء بعد توليه الخلافة أشد انتقام.
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل السادس
معاملة الدروز لمن يكشف شيئاً من عقائدهم(45/84)
ومن هذا الموقف فإن من أفشى شيئاً من عقائد الدروز فإنهم لا يقابلونه بالمناقشة والحجة كما يفعل سائر الناس الذين يثقون بمبادئهم، وإنما يقوم هؤلاء الدروز وهم يعرفون تفاهة مذهبهم بسبّ الشخص وإلصاق التهم به وإثارة الضجة حوله إذا لم يستطيعوا قتله.
ويذكر الدكتور الخطيب أن الشيخ زيد بن عبد العزيز الفياض كتب في مجلتي المنهل وراية الإسلام اللتين كانتا تصدران في جدة والرياض عنهم بعض الحقائق، ورد على من يسميهم مسلمين فقامت قيامة الدروز على الفياض وسبوه بأقذع السباب، وأصدر شيخ العقل في لبنان فتوى ضده ونشروا ذلك في عدة صحف.
وقد قام أحد علماء الدروز ويسمى عبد الله النجار بإصدار كتابه مذهب الدروز والتوحيد، وبيَّن حقيقة هذا المذهب، فقامت ضجة حوله وحول كتابه، وحاكمه مشائخ الدروز لفضحه أسرار المذهب، وجمعوا نسخ الكتاب من الأسواق وأحرقوها وقد استغلوا أحداث لبنان واغتالوا النجار(31) .
ولا شك أن قيامهم بمثل هذا الإجرام يعتبر دليلاً واضحاً على معرفتهم برداءة مذهبهم وبطلانه؛ إذ الحق لا يخاف صاحبه من إظهاره؛ بل يحب ويتودد إلى الناس لنشره وانتفاع الناس به.
ويقول محمد أحمد الخطيب عن موقف الدروز منه حين طبع كتابه ((عقيدة الدروز)) وما لاقاه من مضايقات وتهديدات بسبب ما دونه من حقائق لا يستطيعون دفعها بأي حال لاستناده فيما كتبه عنهم إلى مصادرهم، يقول: ((وللحقيقة أذكر أن هذه الأمور مجتمعة قد حدثت معي شخصياً حينما تم طبع ونشر كتاب عقيدة الدروز عرض ونقض، وهي رسالة ماجستير نوقشت في جامعة الإمام محمد بن سعود عام 1400هـ؛ حيث ظهر، وبشكل واضح طريقة التعامل القذر الذي يتم مع كل من يحاول أن يبحث عن حقيقتهم.(45/85)
فقد توالت عليّ المكالمات الهاتفية التي تهدد بالقتل، وجاء على أثرها الكثير من الرسائل والتي تتوعدني بالويل والثبور إن لم أعتذر عن كتابي وما ورد فيه، ولم يكتفوا بذلك بل عملوا على جمع ما يستطيعون من نسخ الكتاب المذكور وإحراقه(32)، وكذلك عملوا على مطالبة المسئولين في كثير من البلاد العربية بمنع الكتاب، فكان أن منع في عدد من البلاد العربية))(33).
ومما لا يخفى أن هذه الدول التي منعت انتشار الكتاب والانتفاع بما فيه إنما تمثل الانهزام التام والتودد إلى هؤلاء الأشرار هذا إن أحسنا بهم الظن، وإلا فإن هؤلاء مما يترجح لدى كل فاهم لأوضاع الدول العربية أنهم ممن يبيتون النية السيئة لشعوبهم ولدينهم، وأنهم أقرب إلى أعداء الإسلام وأشد على المسلمين من كثير ممن يتظاهر بعدم الإسلام.والله المستعان.
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل السابع
أماكن الدروز
استوطن الدروز أماكن كثيرة متفرقة، وأهم أماكن تجمعاتهم- كما يذكر عنهم العلماء الذين اطلعوا على تلك الأماكن- هي:
في سوريا: ويسكنون في محافظة السويداء، جبل حوران أو جبل الدروز أو جبل العرب كما يقال له، ويعيش منهم في هذه المنطقة أكثر من ثلاث وسبعين قرية.
في لبنان: ويسكنون في عدة مناطق منه؛ في الغرب الأسفل، وفي الغرب الأعلى، وفي الشحار والمناصف، وفي الجرد، وفي العرقوب والباروك والجرد الشمالي، وفي الشوف.
في فلسطين: عند جبل الكرمل وصفد.
في بلاد المغرب بالقرب من مدينة تلمسان قبيلة تعرف ببني عبس تدين بالعقيدة الدرزية دون أن يعرف جيرانهم حقيقة مذهبهم.
قال محمد كامل حسين بعد أن ذكر تلك الأماكن: ((ومن يدري لعل الباحثين يكتشفون طوائف أخرى تعتنق مذهب الدروز في الأقاليم العربية))(34) .(45/86)
هكذا قال، ونسأل الله ألا يوجد ذلك، وقد ذكر الأستاذ محمد حمزة كثيراً من أماكنهم وأثنى على شجاعتهم وبسالتهم ومقاومتهم –حسبما يذكر- لإسرائيل في الوقت الحاضر في هضبة الجولان وغيرها(35) ؛ رغم أن المعروف عنهم لدى كافة الناس هو تفانيهم في خدمة إسرائيل!!.
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل الثامن
طريقة الدروز في تعليم ديانتهم
علماء الدروز من أشد الناس تستراً على مبادئهم حتى من الموالين لهم، فلا يطلعون أحداً على أسرار المذهب إلا بعد أن يجتاز امتحانات كثيرة من قبل هؤلاء المشائخ الذين هم بمنزلة السلطة العليا.
وقد وصف محمد كامل حسين ذلك بقوله: ((وهم من الناحية الدينية ينقسمون إلى عقال أو أجاويد أي الذين لهم الحق في معرفة شيء من العقيدة السرية، وبين جهال أي الذين ليس لهم الحق في معرفة أسرار الدين.
والعقال ينقسمون بدورهم إلى درجات ثلاث؛ ففي مساء كل يوم جمعة يجتمع العقال في أماكن العبادة التي تعرف بالخلوات (جمع خلوة) بسماع ما يتلى عليهم من الكتاب المقدس، وبعد تلاوة المقدمات يخرج من الخلوة الطبقة الدنيا من العقال، ثم بعد تلاوة بعض الرسائل البسيطة التي ليس بها تأويلات تخرج الطبقة الثانية بحيث لا يبقى إلا رجال الدرجة الأولى الذين لهم وحدهم الحق في سماع الأسرار العليا للعقيدة.
أما الجهال فلا يسمح لهم بحضور هذه الخلوات أو بسماع شيء من الكتب المقدسة إلا في يوم عيدهم، وهو يوافق عيد الأضحى عند المسلمين، على أن طبقة الجهال يسمح لهم بأن ينتقلوا إلى طبقة العقال بعد امتحان عسير شاق يقوم على ترويض النفس وإخضاع شهواتها مدة طويلة؛ إذ لا يقبل في طبقة العقال من يدمن التدخين مثلاً، وقد يستمر الامتحان أكثر من سنة بأكملها حتى يثق الشيوخ بأحقية الطالب أن ينتقل من طبقة الجهال إلى طبقة العقال)).(45/87)
وقال عن صفات العقال: ((والعقال في المجتمع الدرزي يعرفون بعمائمهم ولبس القباء الأزرق الغامق ويطلقون لحاهم، على أن الذين يسند إليهم وظائف حكومية يباح لهم ترك هذه الملابس وارتداء الزي الذي يتطلبه منصبه الرسمي)).
وقال عن مكانة المرأة في المذهب الدرزي: ((والنساء في المجتمع الدرزي ينقسمن أيضاً إلى عاقلات وجاهلات مثل الرجال تماماً، لا فرق بين المرأة والرجل، والنساء العاقلات يلبسن النقاب وثوباً اسمه صاية)).
وعن التنظيم الاجتماعي السائد في المجتمع الدرزي يقول: ((وللدروز رؤساء دينيون في كل مكان، على رأسهم شيخ يلقب بشيخ العقل ويتولى منصبه بالانتخاب أو بالاتفاق بين الزعماء وكبار رجال الطائفة، ولشيخ العصر أعوان في كل قرية أو بلد هم شيوخ عقل محليون.
وشيوخ العقل في لبنان ينقسمون إلى حزبين سياسيين هما الشيوخ الجانبلاطية (36) والشيوخ اليزبكية(37) ، بينما ينقسم الدروز عامة في لبنان مدنياً إلى أمراء ومشائخ وعامة، فالأمراء هم آل أرسلان(38) والمشائخ هم الجانبلاطية واليزبكية))(39) .
ويذكر محمد حمزة أن أغلب الأحكام الفقهية التي ليس للدروز فيها تشريع خاص يتبعون فيها مذهب أبي حنيفة النعمان، وأن ذلك كان بتأثير العثمانيين الذين فرضوا المذهب الحنفي في سوريا ولبنان (40) .
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل التاسع
من هو الحاكم بأمر الله الذي ألهه الدروز؟
هذا الشخص هو أبو علي المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي لقب بالحاكم بأمر الله، ولد سنة 375هـ وتولى الملك بعد موت أبيه في رمضان سنة 386هـ، وكان سادس الملوك العبيديين تولى الملك وعمره إحدى عشرة سنة.
ادعى الألوهية على يد حمزة بن علي، وغيره من ملاحدة الإسماعيلية سنة 408هـ، إلى أن قتل سنة 411هـ، ويذكر المؤرخون لهذا الحاكم أنه كان أسطورة في سفك الدماء وإرهاب الناس وكانت له مواقف متناقضة عجيبة وله غرائب كثيرة.(45/88)
ومن غرائبه أنه كان دائماً يفتك بوزرائه ويقتلهم شر قتلة، يعين أحدهم في منصبه ثم يقتله ويعين آخر، فلا تمضي فترة بسيطة إلا وهو يتشحط في دمه، وقد قتل من العلماء والكتاب ووجوه الناس ما لا يحصى.
لقد كان الحاكم نفسه مثال الشذوذ، فقد كانت له تصرفات غريبة غير مفهومة فقد لبس الصوف سبع سنين وامتنع من دخول الحمام وأقام سنين يجلس في ضوء الشمع ليلاً ونهاراً. ثم عنَّ له أن يجلس في الظلمة فجلس فيها مدة .
ومن تناقضاته أنه مرة يأمر بسب الصحابة وبكتابة ذلك في المساجد، ثم يعود فيأمر به أن يمحى. وقد بنى المساجد الكثيرة ثم منع من صلاة التراويح عشر سنين ثم أباحها وأراق خمسة آلاف جرة من العسل في البحر خوفاً أن تعمل نبيذاً، ومنع النساء من الخروج من بيوتهن ليلاً ونهاراً. ثم أمر بقتل الكلاب كلها ثم عاد فمنع من ذلك، وهكذا كانت حياته مليئة بالمتناقضات والشذوذ وقد أثبت حمزة كثيراً من تناقضات الحاكم وتصرفاته المجانبة للعقل ثم أجاب عن كل ذلك تأويلات باطنية(41) .
ويقول السيوطي: ((إن الحاكم أمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفاً إعظاماً لذكره واحتراماً لاسمه، فكان يفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين.
وكان أهل مصر على الخصوص إذا قاموا خروا سجداً حتى إنه يسجد بسجودهم في الأسواق وغيرها، وكان جباراً عنيداً وشيطاناً مريداً كثير التلون في أقواله وأفعاله)) (42) .
وقد كان يعمل الحسبة بنفسه فكان يدور بنفسه في الأسواق على حمار له وكان لا يركب إلا حماراً –فمن وجده قد غش في معيشة أمر عبداً له يقال له مسعود أن يفعل به الفاحشة العظمى (43) وهو منكر لم يسبقه إليه أحد، وأما القتلى فقد قدر بعض العلماء ضحايا الحاكم بثمانية عشر ألف شخص من مختلف الطبقات.(45/89)
ومما يروى في إرهابه للناس: أنه أمر في سنة 395هـ بعمل شونة كبيرة مما يلي الجبل وملئت بالسنط والبوص والحلفاء؛ فارتاع الناس وظن كل من له صلة بخدمة الحاكم من رجال القصر أو الدواوين أنها أعدت لإعدامه بها وسرت في ذلك إشاعات مخيفة.
فاجتمع سائر الكتاب وأصحاب الدواوين والمتصوفون من المسلمين والنصارى في أحد ميادين القاهرة ولم يزالوا يقبلون الأرض حتى وصلوا إلى القصر، فوقفوا على بابه يضجون ويتضرعون ويسألون العفو عنهم ثم دخلوا القصر ورفعوا إلى الحاكم بواسطة قائد القواد –الحسين بن جوهر- ورقة يلتمسون فيها العفو. فأجابهم الحاكم على لسان الحسين إلى ما طلبوا وأمروا بالانصراف والبكور لتلقي سجل العفو.
ثم اشتد الذعر بالغلمان والخاصة على اختلاف طوائفهم فضجوا واستغاثوا وطلبوا العفو والأمان فأجيبوا إلى ما طلبوا وتبعهم في الاستغاثة التجار وأرباب المهن والحرف. وتوالى صدور الأمانات لمختلف الطبقات(44) .
وهذه حالة واحدة من أحوال الحاكم العديدة. وواضح من تلك السجلات العجيبة مدى بطشه بالناس واستهانته بسفك الدماء حتى صار الناس يطلبون العفو من غير جرم فعلوه. وكل ذلك كان تمهيداً لدعوى الألوهية.
وصورة كتاب الأمان هي: ((هذا كتاب عبد الله ووليه المنصور أبي علي الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، إنكم من الآمنين بأمان الله الملك الحق المبين، وأمان جدنا محمد خاتم النبيين وأبينا علي خير الوصيين، وآبائنا الذرية النبوية المهديين صلى الله على الرسول ووصيه وعليهم أجمعين، وأمان أمير المؤمنين على النفس والحال والدم والمال، لا خوف عليكم ولا تمد يَدٌ بسوء إليكم إلا في حد يقام بواجبه وحق يؤخذ بمستوجبه فيوثق بذلك وليعول إن شاء الله)) (45) .(45/90)
ولقد حيرت العلماء مواقف الحاكم واختلفت كلمتهم حول الحكم عليه ((فقد رفعه قوم إلى درجة الألوهية وهم الدروز، واعتقد فيه قوم أنه إمام المسلمين وخليفة رب العالمين وهم الإسماعيلية الفاطميون، وذهب أكثر المؤرخين إلى أنه كان شاذ الطباع مريضاً بالعقل يأتي بأعمال تضحك الثكلى تدل على الجنون، وهؤلاء هم مؤرخو العرب والمؤرخون المسيحيون)) (46) .
ولكن بالنظر إلى أن مدة الحاكم كانت من سنة 386 إلى سنة 411هـ يظهر أن الاعتذار عنه بأنه كان مجنوناً؛ كلام لا يلتفت إليه؛ لأنه من المحال أن يبقى في الحكم شخص مجنون مدة تصل إلى خمس وعشرين سنة.
بل كان سلوك الحاكم على تلك الصور إنما نشأ عن تأثير فكرة الألوهية، وأن كل ما صدر عنه من أعمال وأقوال إنما كان بدافع واحد وهو تأليهه، خصوصاً أنه تولى الحكم وهو صغير السن، وقد أحيط بهالة من التعظيم مما أسبغته العقيدة الإسماعيلية على أئمتها، فكان يطمح إلى أكثر من الملك.
إضافة إلى ما زينه له بعض زعماء المجوسية من الجرأة على تلك الدعوى بعد أن قربهم إليه وصاروا خاصته حتى أنسوه الدين والعقل، وبعد أن رأى كذلك دعوى ألوهية بعض أهل البيت عند السبئية وألوهية جعفر عند الخطابية وغيرهم ممن ادعى الألوهية(47) أو ادعيت له.
ومن الجدير بالذكر أنه يوجد من بين الكتاب المعاصرين من يحاول الدفاع عن الحاكم وعن تصرفاته متهماً المؤرخين بالتحامل على تاريخ الحاكم، وأنه ما كان إلا مفكراً مخلصاً لوطنه وحاكماً بارعاً (48) ...إلخ.
وهذا الدفاع عن الحاكم يعتبر شذوذاً وزوراً ويكفي لرد سخافته ما أجمع عليه العلماء من تاريخ ذلك الحاكم الضال.
هلاك الحاكم :
لقد شغف الحاكم بالطواف بالليل؛ خصوصاً في جنبات جبل المقطم بالقاهرة ينظر في النجوم ويخلو بنفسه.(45/91)
وفي ليلة الاثنين 27 شوال سنة 411هـ خرج كعادته للطواف في هذا الجبل وليس معه إلا رجل وصبي، ولكنه لم يرجع إلى بيته، ومن هنا وقع الخلاف بين الناس في شأنه.
فقيل : إن أخته ست الملك قد دبرت اغتياله لأمرين:
- إنها خافت على نفسها من بطشه؛ إذ اتهمها بسوء سلوكها مع الرحال فآثرت أن تقضي عليه قبل أن يقضي عليها ودفنته في مجلس دارها.
- والأمر الثاني: هو إنكارها لما أقدم عليه الحاكم، وخوفها أن تزول الخلافة بسبب دعواه الألوهية(49) . وبعض العلماء ينكر أن تكون أخته قتلته.
وقد ذهب الدكتور محمد كامل حسين إلى القول: إن الحاكم قتل نتيجة مؤامرة يهودية لاضطهاد الحاكم لهم، ويرى أن هذا هو القول الصواب وما عداه لا صحة له (50) .
بينما يذهب الدكتور محمد أحمد الخطيب إلى أن الحاكم قتل بسبب مؤامرة باطنية بسبب ما أفشاه من مذهبهم السري(51) ، وقد رد على المقريزي الذي ذكر هو الآخر أن الحاكم قتله شخص ثم اعترف بذلك(52) ، فهو يرى ((أن قتل الحاكم كان مؤامرة معدة بإحكام من قبل سلطات الدولة الرسمية وبمباركة دعاة الإسماعيليين )) .
ومهما قيل فقد كان لاختفاء الحاكم على هذا الوجه فرصة لإذكاء دعوى الدروز أن الحاكم اختفى وسيعود قريباً مرة أخرى ويملك الأرض وينشر العدل إلى آخر خرافاتهم فيه، وإذا كان ما ذكره الخطيب صواباً فلا أستبعد أن يكون هناك تواطؤ أيضاً على إخفاء موته وجثته عن الناس ليتم تنفيذ بقية المخطط الذي يريدونه.
ومن الجدير بالذكر أن القول بانتظار الحاكم ليظهر مرة أخرى كان هو نفس معتقد الشيعة الاثني عشرية في المهدي المنتظر، ولقد جرى على الدروز ما جرى الشيعة من ظهور بعض الأشخاص المغامرين يدعون أنهم:
- المهدي عند الشيعة أو الحاكم عند الدروز.(45/92)
- فقد ظهر رجل اسمه ((سكين)) كان رئيس الدعوة الدرزية في سوريا ادعى أنه الإله الحاكم بأمر الله قد رجع من غيبته في سنة 418هـ خصوصاً وأنه كان يشبه ملامح الحاكم، وقد وصل مصر ودعا الناس إلى هذه الفكرة بل ووصل إلى قصر الحكم ووقف على بابه ينادي أصحابه بأنه الحاكم فارتاع حرس القصر برهة ثم عادوا إلى رشدهم، وهجموا على سكين وأصحابه وقتلوهم، وأخذ سكين وصلب.
ثم ظهر رجل آخر في صعيد مصر قبطي اسمه ((شروط)) ادعى أنه الإله الحاكم بأمر الله، وأعيا الدولة في القبض عليه وسمى نفسه أبا العرب.
ثم ظهر شخص آخر يعرف بابن الكردي وادعى نفس الدعوة السابقة؛ إذ أنها صارت دعوى سهلة لا تتطلب أكثر من الجرأة والإقدام والاستهانة بعقول الناس واستحلال الكذب بكل أشكاله.
قال محمد كامل حسين: ((وهكذا كانت عقيدة غيبة الحاكم وقرب عودته مثاراً لظهور عدة أشخاص يدعون بأنهم الحاكم بأمر الله، مما يذكرنا بعقيدة المهدي المنتظر فكم من رجال ادعوا بأنهم المهدي هذا ))(53) .
والواقع أن هذه المهازل هي الترجمة الصحيحة لتطبيق المذهب وإبراز مبادئه واضحة للعيان : ? وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ? (54) .
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل العاشر
أهم عقائد الدروز
للدروز عقائد كثيرة وخرافات عديدة ملفقة من عدة ديانات وأساطير، وقد ذكر الدكتور محمد أحمد الخطيب أنه عثر على مخطوطة للدروز بعنوان ((رسالة في معرفة سر ديانة الدروز)). ويرى من وجهة نظره أنها كتبت في فترة ليست بالطويلة مستنداً إلى ما يبدو عليها من اللهجة اللبنانية، وهي 43 سؤال وجواب نأخذ على سبيل المثال منها الأسئلة الآتية:
س : أدرزي أنت؟
ج: نعم بنعمة مولانا الحاكم سبحانه.
س: لماذا إنكار كتب سوى القرآن؟
ج: اعلم أنه من حيث لزمنا الاستتار بدين الإسلام(55) وجب علينا الإقرار بكتاب محمد.(45/93)
س: ما هو دين التوحيد الذي عليه الدروز والعقال مستدلون؟
ج: هو الكفر بكل الملل والطوائف.
س: فإذا عرف أحد دين مولانا وصدق به وانقاد إلى دين التوحيد وعمل بحسبه فهل له خلاص؟
ج: كلا، لأنه غلق الباب وثم الكلام، وإذا مات يرجع إلى ملته ودينه القديم. وهذا هو السر في أن الدروز لا يريدون أحداً يدخل في دينهم ولا يعترفون بأحد يخرج منه.
س: كيف نعرف أخانا الموحد إذا رأيناه في الطريق ومرَّ بنا يقول: إنه فينا؟
ج: بعد اجتماعنا فيه والسلام نقول له: في بلدكم فلاحون يزرعون الإهليلج؟ فإن قال: نعم، مزروع في قلوب المؤمنين فتسأله عن معرفة الحدود، فإن أجاب وإلا فهو الغريب.
س: ما هي الحدود؟
ج: هم أنبياء الحاكم الخمسة: حمزة، وإسماعيل، ومحمد الكلمة، وأبو الخير،وبهاء الدين
س: وكيف ترجع النفوس إلى أجسادها؟
ج: كلما مات إنسان ولد آخر والدنيا هكذا.
إلى آخر الأسئلة التي تبين معتقداتهم، والتي تمثل الأمور الآتية الهامة:
ألوهية الحاكم :
حيث أسبغ الدروز –كما قرره زعيمهم حمزة بن علي ومن اشترك معه في تثبيت هذه الجريمة –على شخصية الحاكم أوصافاً لا تكون إلا لله عز وجل، مدَّعين أن الحاكم له حقيقة لاهوتية وظهر بناسوته ليقيم الحجة على عباده، وأن أفعاله المتناقضة له فيها حكمة .
مع أن الدروز كغيرهم من فرق الضلال، أحياناً يتظاهرون أمام خصومهم بالموافقة لهم ويتواصون بكتمان تأليه الحاكم عندما لا يقدرون على إظهار ذلك –كما تقدم- وللداخل في هذا المذهب عهد لابد أن يقوله ويردده.
وفيه التصريح ببيع الشخص الداخل نفسه للحاكم، وأن يخلص في عبادته وأن يتبرأ من جميع الأديان غير هذا الدين –الدرزي- وأول العهد يقول: ((آمنت بالله ربي الحاكم العلي الأعلى رب المشرقين ورب المغربين(56) إلخ)).
ولهم تأويلات للقرآن تدل على مدى حقدهم على الإسلام ونبيه، وتدل كذلك على ضحالة وتفاهة عقولهم وأفهامهم مما لا نرى التطويل بذكره.(45/94)
ورسائل حمزة كثيرة يثبت فيها ألوهية الحاكم أخذ جميع صفات الله عز وجل وأحكامه وما يليق به وما لا يليق به وجعلها للحاكم، وادعى أن الشرك معناه عدم توحيد الحاكم.
جاء في ((رسالة السيرة المستقيمة)) وهي من الكتب المقدسة عند الدروز قوله: ((والآن فقد دارت الأدوار وبطل ما كان في جميع الأمصار، ولم يبق من نار الشريعة الشركية غير لهيبها والشرار، وسوف يخمد حرها ويضمحل العوار، فقد بدأت ظهور نقطة البيكار؛ (أي ظهور حمزة بن علي) بتوحيد مولانا البار الملك الجبار العزيز الغفار المعز القهار، الحاكم الأحد الفرد الصمد المنزه عن الصاحبة والولد، فلمولانا الحمد والشكر على ظهور نور الأنوار وخروج ما كان مدفوناً تحت الجدار؛ فقد أنعم علينا وعليكم بمباشرته في البشرية، وظهوره لكم في الصورة المرئية كيما تدركون بعض ناسوته الإنسية))(57) .
وقد علل حمزة لسبب تسمية الحاكم بالإمام أو الخليفة بقوله:
((ولو كان في العالمين شيء أفضل من الإمامة لكان المولى جل ذكره في ظاهر الأمر تسمى به. فلما لم يظهر في الناسوت إلا باسم الإمامة علمنا أنه أجل أسماء المولى جلت قدرته))(58) .
ومن عقائد الدروز أن الحاكم يتشكل في كل عصر ودور بصور أناس من أجل مصلحة الناس ومراعاة لحالهم، وليس المشاهير في تلك العصور أناس غير الحاكم؛ بل هم الحاكم تصور بصور واتخذ له تلك الأسماء الإنسية ليتعرف خلقه إليه تفضلاً ورحمة منه على عباده (59) .
ولقد ذكر الدكتور محمد كامل حسين كثيراً من أقوالهم في إثباتهم ألوهية الحاكم من كتبهم –مطبوعة ومخطوطة- رغم تحرزهم على إخفائها عن أعين الناس، ومن تلك النصوص :
جاء في رسالة البلاغ والنهاية في التوحيد: ((ومولانا سبحانه معل علة العلل جل ذكره وعز اسمه ولا معبود سواه، ليس له شبه في الجسمانيين، ولا ضد في الجرمانيين، ولا كفء في الروحانيين، ولا نظير في النفسانيين، ولا مقام له في النورانيين))(60) .(45/95)
وفي رسالة سبب الأسباب لحمزة الزوزني: ((فقولي: توكلت على مولانا جل ذكره أردت به لاهوت مولانا الذي لا يدرك بوهم ولا يدخل في الخواطر والفهم، ما من العالمين أحد إلا هو معهم وهم لا يبصرون، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو جل ذكره أعظم من أن يوصف أو يدرك، ومن اتكل عليه فهو يكفيه جميع مهماته)) (61) .
ونصوص أخرى كثيرة كلها تدور حول وصف الحاكم بكل صفات الله تعالى لأنهم يعتبرونه ((رب العالمين)) تصور في صورة الحاكم في دوره الجديد تأنيساً لخلقه؛ حيث ظهر في الصورة البشرية ليجدد الناس العهد به ولولا ذلك لكان الناس يعبدون العدم كما يرى هؤلاء الكفرة .
وفي رسالة الغيبة: ((أظهر لنا ناسوت صورته تأنيساً للصور فحار فيها الفكر حين فكر، وعجزت العقول عن إدراك أفعالها واعترفت بالعجز والتقصير في معلومها فبتقدير أحكامه منّ على خلقه بوجود صورته من جنس صورهم)) (62) .
ولا يقصر الدروز الألوهية على الحاكم فقط؛ بل أطلقوها على كثير من آبائه ومن كبار رؤسائهم على مقتضى اعتقادهم أن الله يظهر للناس بين فترة وأخرى في صور بشرية، ولا ضرورة لذكر أولئك الأشخاص الذين يعتبرونهم ظهوراً إلهياً في أوقات وجودهم، وليس أمامنا تجاه هذه الآراء الإلحادية والتي تفتقر أيضاً إلى العقل إلا أن نقول: ? رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ?(63) .
2- القول بالتناسخ :
يعتقد الدروز بالتناسخ أو التقمص كما يسمونه، ومعناه عندهم: انتقال النفس من جسم بشري إلى جسم بشري آخر. والجسم قميص للروح التي لا تموت أبداً بل تتقمص أجساماً أخرى في كل نقلة، فنفس الموحد تنتقل إلى موحد ونفس المشرك إلى مشرك، ومن هنا زعموا أن عدد سكان العالم غير قابل للزيادة ولا النقصان منذ بدء الخليقة، ويبقى على هذه الحال إلى الأبد فهم لا يزيدون ولا ينقصون وكل من مات انتقلت روحه إلى جسد جديد دائماً (64) .(45/96)
ومفهوم التناسخ عند الدروز يختلف عن مفهومه عند الآخرين من القائلين بالتناسخ كالنصيرية مثلاً.
فالدروز يقصرون التناسخ بين الأجسام البشرية فقط، بينما هو عند النصيرية لا ينحصر فقط بين البشر، بل وقد يكون أحياناً بينهم وبين البهائم، حيث تنتقل الأرواح فتحل في أي جسم، جسم بهيمة أو غيرها.
والدروز يكرهون لفظ التناسخ ويستبدلونه بلفظ التقمص.
ويعود السبب في قصر الدروز التناسخ في الأجسام البشرية لما يأتي:
قالوا: إن انتقال النفس إلى جسم حيوان غير بشري ظلم لها لعدم تعلق الثواب والعقاب على غير النفس العاقلة.
أن وقوع العقاب على النفس لا يصح إلا بعد مرورها في أجسام بشرية على مدى دهر طويل، بحيث يمنحها الدهر الطويل فرصة الاكتساب والتطور والامتحان والتبدل، لكي تحاسب حساباً عادلاً على مجموع ما اكتسبت.
وحقيقة العذاب عند الدروز معناه أن الإنسان يعذب بنقله من درجة عالية إلى درجة دونها، ثم يستمر في هذا الهبوط إلى أقل الدرجات ويعذب في كل دور بأنواع العذاب التي هي عذاب الضمير وعذاب الندم على ما فات، لأنها لم تنتفع من أدوارها الماضية.
ومن خرافاتهم أنهم يشبهون الروح بسائل يحتاج إلى إناء يضبطه، فإذا كسر فلابد من تلقي السائل في إناء غيره لئلا يضيع، وعلى هذا فإن روح أحدهم إذا فارقت الجسم انتقلت فوراً إلى جسم آخر تحفظ فيه. وفي نقلتها الجديدة ترجع على نفس المذهب الذي كانت عليه أياً كان المذهب.
ومن هنا تعرف السر في عدم قبول الدروز لغيرهم أن يدخلوا في مذهبهم، وعدم اعترافهم بأحد منهم يخرج عنه حتى ولو تركه وهو حي طائعاً مختاراً؛ لأن روحه في نقلتها أو تقمصها الجديد ستعود على نفس المذهب الدرزي فلا فائدة إذاً من دخول الآخرين في مذهبهم؛ لأن أرواحهم سترجع إلى مذاهبهم القديمة ثانية إذا ماتوا.(45/97)
ومما لا يجهله أي مسلم أن عقيدة التناسخ عقيدة بدائية وثنية تتعارض مع كل الأديان التي أنزلها الله تعالى؛ إذ كلها تقرر أن الإنسان إذا مات انتقلت روحه إلى خالقها سواء كانت منعمة أو معذبة، ولها اتصال بالجسد في صورة لا يعلمها إلا الله، إلى أن يأتي يوم القيامة وتعود الأرواح إلى أجسادها للحساب، ثم للمصير النهائي إما الجنة أو النار.
3- إنكار القيامة :
لا يؤمن الدروز بيوم القيامة فلا حساب ولا جزاء ولا ثواب ولا عقاب في الحياة الآخرة، وإنما يتم ذلك كله في الدنيا عن طريق التقمص وما تلاقيه الروح في تقمصها من النعيم أو العقاب، إلا أنهم ينتظرون يوماً يجيء الحاكم في صورة ناسوتية مرة أخرى، ويدين له كل أهل الأديان بالتوحيد والطاعة كما يزعمون، يخرج من بلاد مصر –كما يرى حمزة- أو من بلاد الصين من سد الصين العظيم، وحوله قوم يأجوج ومأجوج القوم الكرام أو المؤمنين بالحاكم كما يسمونهم.
ويتضح حقد هؤلاء على الإسلام والمسلمين في زعمهم أن الحاكم إذا جاء يأتي إلى الكعبة ويهدمها ويفتك بالمسلمين والنصارى في جميع الأرض حيث يحاسبهم حمزة حساباً شديداً (65) .
وأما متى يكون هذا اليوم فيذكر محمد كامل حسين أنه لم تحدد كتب الدروز ذلك، ولكنها تذكر أنه سيكون في شهر جمادى أو رجب ويسبق مجيئه علامات منها :
عندما يرى الملوك يملكون حسب مآربهم وأهوائهم الشخصية ولا يعدلون بين الرعية.
عندما يتسلط اليهود والنصارى على البلاد.
وعندما يستسلم الناس إلى الآثام والفساد ويأخذون بالآراء الفاسدة.
وعندما يتملك شخص من ذرية الإمامة ويعمل ضد شعبه وأمته ويضع نفسه تحت سلطان المخادعين.
ثم ظهور ملك آخر في مصر يحارب المصريين ويحاربونه.
ويأتي المسيخ الدجال في صورة رومي يجتمع الروم حوله ويخرب حلب.
ثم يظهر المسيح بن يوسف في أرض مصر(66) .(45/98)
ويملك اليهود بيت المقدس ثم ينتقمون من سكان القدس وعكا، ثم يقوم المسيح بن يوسف، ثم يطرد اليهود من بيت المقدس، إلى غير ذلك من العلامات المزعومة(67) ، ولهذا فهم يفرحون باستيلاء اليهود على بيت المقدس وبتسلط النصارى على المسلمين بل وظهور الفواحش كلها ليظهر ربهم الحاكم ويكون المجازي للعباد في هذا اليوم هو حمزة يأخذ مال المخالفين ويعطيه لأتباعه الموحدين(68) .
ومن الطرائف المضحكة أن أحد مشائخ الدروز ويسمى داود أبو شقراء أعلن أن يوم القيامة سيكون في 16 آب عام 1952م؛ معتمداً في ذلك على حساب الحروف والجمل، وبالفعل فقد اقتنع بذلك بعض شيوخ لبنان وحوران وشاع الخبر؛ وجاء الوقت وظهر افتراء الكذابين ولم يحصل ما توقعوه (69) .
وحساب الجمل والحروف والمنامات وما يقع فيها من إخبار بيوم القيامة، وما يزعمه بعض الناس من مشاهدة الدابة ومخاطبتها له (70) ، وغير ذلك من أخبار القيامة –كلها تلفيقات وهي مطايا الكذابين.
4- عداوتهم للأنبياء :
يحقد الدروز على الأنبياء حقداً شديداً وينكرون فضائلهم، بل ونسبوهم إلى الجهل، لأنهم يدعون الناس بزعمهم إلى توحيد المعدوم –تعالى الله عن قولهم- وما عرفوا المولى الموجود –أي الحاكم بأمر الله-.
وقد أوجب داعيتهم الأول حمزة محاربة دعوة الأنبياء، وأوجب البراءة من جميع أديانهم، ويحقدون على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كثيراً لأنه أوجب الجهاد، بينما إلههم الحاكم قد أبطله، وسبوا الصحابة وخصوصاً من أطفأ نار المجوسية منهم كأبي بكر، وعمر، وغيرهما من خيار الصحابة.
والدروز لا يؤمنون بالكيفية التي أخبر الله بها عن بدء الخلق، فأنكروا أن يكون آدم هو أبو البشر وحواء أمهم مدعين أن آدم وحواء من نسل بشر أيضاً لا أن آدم مخلوق من تراب؛ إذ التراب لا يخلق منه إلا العقارب والحيات والخنافس ولم يستندوا في هذا الافتراء والهوس إلا إلى عقولهم وأفهامهم السقيمة (71) .(45/99)
5- إنكارهم التكاليف :
لا يؤمن الدروز بوجوب القيام بتلك التكاليف التي جاء بها الشرع في القرآن الكريم وفي السنة النبوية. وقد جعلوا للمكلف طريقة يستطيع أن يتخلص بها من كل تكليف أو عمل، وهي ما بيّنها عنهم الدكتور محمد كامل حسين بقوله:
((واتخذوا لهم فرائض أطلقوا عليها الفرائض التوحيدية وهي معرفة الباري (72) وتنزيهه عن جميع الصفات والأسماء ...ثم معرفة الإمام قائم الزمان وهو حمزة بن علي بن أحمد وتمييزه عن سائر الحدود(73) ووجوب طاعته طاعة تامة، ثم معرفة الحدود بأسمائهم وألقابهم ومراتبهم ووجوب طاعتهم. فإذا اعترف الإنسان بهذه الفرائض التوحيدية الثلاثة أصبح موحداً، وليس عليه أن يقوم بتكاليف أي فريضة من الفرائض)) (74) .
إلى أن يقول بعد ذكره شريعتهم التي نقضوا بها التكاليف(75) : ((ومعنى هذا أن شريعة الدروز تتلخص في إسقاط الفرائض الدينية التكليفية وعدم إقامة الفرائض الدينية الإسلامية)) (76) .
ويذكر أحمد الفوزان السبب في هذا المسلك للدروز فقال: ((ويعتقدون أيضاً أنهم موجودون منذ الأزل، واعتنقوا كثيراً من الديانات على مر الدهور كان آخرها الإسلام، ثم تحولوا عنه إلى دين مستقل هو الدين الدرزي الذي يجدده الأقطاب من زمن إلى زمن)) (77) .
ومن هنا فإن الدروز أخذوا في الدعوة إلى إسقاط التكاليف بتأويلاتهم الباطنية التي يستندون فيها إلى القرآن الكريم أكثر من كل الفرق، وهم لا يؤمنون به، فالصلاة والصوم والحج والجهاد لها معان عندهم غير المعاني التي فهمها المسلمون وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم، وغير التي فهمها الإسماعيليون أيضاً، لأن حمزة الزوزني أراد أن يأتي بشريعة جديدة تبطل كل ما قبلها من الشرائع، سواء كانت عقيدة الباطنية أو غيرها من العقائد والتي في أولها الإسلام، ولهذا فقد أوَّل النصوص على هواه مجانباً المفاهيم الإسلامية والباطنية أيضاً في كتابه النقض الخفي (78) .(45/100)
فالصلاة: معناها صلة قلوب الدروز بعبادة الحاكم على يد خمسة حدود هم أنبياء الحاكم الخمسة: حمزة وإسماعيل ومحمد الكلمة وأبو الخير وبهاء الدين علي بن أحمد السموقي، وهؤلاء هم أشهر دعاة الدروز، ومعرفة هؤلاء وحبهم هي الصلاة عند الدروز.
أما الصلاة المعروفة عند المسلمين فقد أبطلها حمزة، ومن هنا فإنهم لا يؤدونها بل وتظاهروا في هذا الزمن –كما يذكر عنهم العارفون بهم- بحرب إقامة المساجد ومنعوها ومنعوا المسلمين الموجودين بينهم من بنائها، وأقاموا عوضاً عنها الخلوات التي يجتمعون فيها لإقامة طقوسهم.
وهذا المفهوم للصلاة عند الدروز يخالف أيضاً مفهومها عند الباطنية الذين يزعمون أن معناها الدعاء إلى الإمام ومعرفة الأئمة (79) .
والزكاة معناها عبادة الحاكم وتزكية قلوبهم وتطهيرها وترك ما كانوا عليه قبل معرفة الحاكم في ظهوره الجديد. يقول عنهم محمد كامل حسين: ((الزكاة الحقيقية هي توحيد المولى وترك ما كان عليه الناس قديماً)) (80) ؛ أي من الأديان بما فيها الإسلام.
بينما الزكاة عند الباطنية معناها أخذ العلم عن الأئمة(81) .
والصوم معناه صيانة قلوبهم – التي هي من أردأ القلوب - بتوحيد مولاهم الحاكم، وقد ذكر محمد حسين أن الدروز يصومون في أيام خاصة وهي التسعة الأيام الأولى من شهر ذي الحجة (82).
بينما الصوم عند الباطنية معناه كتمان أسرار الأئمة (83) .
والحج معناه توحيد الحاكم لا المجيء إلى مكة والطواف والسعي والرمي والوقوف بعرفة إلى آخر مشاعر الحج.
بينما هو عند الباطنية طلب العلم والمجيء إلى مشائخهم (84) ،ولهم كلام في غاية الفحش والاستهزاء بهذه المشاعر التي فرض الله تعظيمها.
والجهاد: معناه السعي والاجتهاد في توحيد الحاكم ومعرفته وعدم الإشراك به لا الجهاد الذي فرضه الله؛ لأن الحاكم أبطله في الشرع الجديد.
بينما الجهاد عند النصيرية الباطنية كما يذكر سليمان الأضني نوعان:(45/101)
أولهما: الشتائم على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة، وعلى جميع الطوائف المعتقدين بأن علي بن أبي طالب أو الأنبياء أكلوا وشربوا وتزوجوا وولدوا من نساء؛ لأن النصيرية يعتقدون بأنهم نزلوا من السماء بدون أجسام، وأن الأجسام التي كانوا فيها إنما هي أشباه وليست هي بالحقيقة أجسام.
والنوع الثاني من الجهاد: إخفاء مذهبهم من غيرهم، ولا يظهرونه ولو أصبحوا في أعظم الخطر وهو خطر الموت(85) .
وهكذا فإنهم أرادوا بهذه الأفكار محاربة الإسلام والقضاء عليه بأي وسيلة يستطيعون من خلالها تحقيق أهدافهم الخبيثة وعودة الناس إلى المجوسية وهم ألد أعداء الإسلام والمسلمين قديماً وحديثاً.
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل الحادي عشر
الدروز في العصر الحاضر
كمال جنبلاط ودوره في تثبيت عقيدة الدروز
هذا الشخص من كبار الدروز، ومن أشد المتعصبين لمذهبه الدرزي، وقد أقدم على جريمة كبيرة في هذا العصر؛ حيث بدأ هو وشخص آخر اسمه عاطف العجمي بتأليف كلام يحاكيان به القرآن الكريم، زاعمين أنه كلام مقدس تحت اسم المصحف المنفرد بذاته، أو مصحف الدروز مملوء من شتى الأفكار ومن شتى السور من القرآن الكريم.
ومن حِكَمِ الهند –التي يميل إليها كمال جنبلاط كثيراً، بل هي قبلة حجهم إلى وقتنا الحاضر- ومن كلام زعمائهم، فأصبح خليطاً فاسداً يدور كله حول تأليه الحاكم، والثبات على العقيدة الدرزية، ومع أنه هذا المصحف –كما يسمونه – قد نسب إلى حمزة بن علي إلا أن الدكتور الخطيب يرى أنه من صنع كمال جنبلاط بدليل ما جاء فيه من ألفاظ وأسلوب عصري .
وقد أنكر جنبلاط في مصحفه هذا القرآن الكريم، واعتبره فرية، وشنع على الذين يلتزمون به. وقد نقل الدكتور الخطيب عن هذا المصحف –الذي لا يوجد إلا عند الدروز وقد تيسر له الاطلاع عليه –فنقل عنه هذه النصوص:(45/102)
((لقد ضل الذين جحدوا الحكمة (86) واتبعوا فرية صحف اكتتبوها فهي قبلة آبائهم يتلونها بكرة وعشياً (87) ، وقالوا: هذا من عند الله المعبود (88) . وقال الذين كفروا منكم: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وعليه وجدنا آباءنا، قل لو كنتم على الهدى لآمنتم به، ولكنكم لا تعلمون غير ما تهواه أنفسكم وأنتم تجهلون، نحن أعلم بما في أيديكم ونحن المنزلون، لقد ضل هؤلاء الذين يريدون أن يحكموا بالقرآن ويتخذوه سبيلاً ثم به يكفرون بعد أن تبين الحق، قل: أليس الحق أحق أن يتبع (89) )).
ويقسم هذا المصحف إلى أربعة وأربعين عرفاً ويقع في 269مائتين وتسع وستين صفحة، ويقول كاتبه في مقدمته: ((جرى تقسيم هذا المصحف المكرم وفق المواضيع لتسهيل الاطلاع عليه، ووضع لكل فصل تسمية تنطبق مع ما ورد فيه من معان، ولقد اخترنا اسم العرف تناسباً مع ما يطلق على أبناء التوحيد: كنيتم بالأعراف ووصفتم بالأشراف)) (90) .
جاء في عرف الأمر والتقديم من هذا المصحف قوله: ((أنتم وما تعبدون مكبكبون على وجوهكم يوم ينادي منادي مولاكم الحاكم من مكان بعيد: هذا يومكم الذي فيه توعدون تتلوها أيام العذاب أنكم لخالدون ولات محيص..إلى أن يقول: وإلا فقولوا لي أيها الضالون المعاندون فهل جاء لكم رب غيره مع جنوده، أروني إن كنتم صادقين))(91) .
وفي هذا المصحف ألفاظ كتبت بالعربية وهي غير معروفة يرونها من الأسرار التي لا يبوحون بها لأحد، ومن أمثلتها ((يود يلووهكا طران كنان وهقويكان سهى وهطمكل واطغظلوا أو هكز كان بطكه وعد ودلولذ وسلر)) (92) .
وقد ذكر الدكتور الخطيب (93) أمثلة كثيرة من ما جاء في هذا المصحف الذي يدور حول تثبيت ألوهية الحاكم والابتعاد عن كل الشرائع وعلى رأسها الإسلام الذي يتظاهرون به أمام الناس وهم ألد أعدائه.(45/103)
وقد ظن هذا الملحد أنه بمحاكاته للقرآن الكريم في أسلوبه جاء بشيء ينفع إلهه الحاكم الذي تكلم هو على لسانه بهذا الغثاء الذي يتمنى أن يهدم به الإسلام الذي أكل الحقد عليه قلوبهم وملأوا بالتشنيع عليه كتبهم ومقالاتهم، ولكنهم كانوا كما قال أحد الشعراء:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل الثاني عشر
الفرق بين النصيرية والدروز
يتفق النصيريون والدروز في أمور ويختلفون في أمور أخرى، وبين الطائفتين عداوة شديدة لتباين أفكارهم حول دعوى الألوهية لزعمائهم الذين ينتسبون إليهم، وقد اتضح من خلال دراستنا للطائفتين فيما سبق الأمور الآتية:
أن عقيدة الطائفتين باطنية – من الغلاة.
أنهم لا يطلعون أحداً على أسرار مذهبهم وكتبهم السرية.
لا يعترف الدروز لأحد بالدخول في مذهبهم أو الخروج عنه.
لا يأخذون بظواهر الألفاظ وإنما يؤولونها.
كلهم يقولون بالتناسخ ويختلفون في التسمية، فالنصيريون يسمونه ((تناسخ))، والدروز يسمونه ((تقمص))، والنصيرية يعممونه في كل شيء بينما الدروز يحصرونه بين البشر فقط.
عند النصيرية التناسخ يشمل المسخ(94) والنسخ (95) والفسخ (96) والرسخ (97) .
الجسد البشري في عقيدة الدروز ثوب أو قميص للروح تتقمص به الروح عند الولادة وتنتقل منه بالموت فوراً إلى جسد مولود إنساني آخر.
الجنة عند الدروز معرفة الدعوة الهادية- أي الدعوة الدرزية- والجحيم هو الكفر بها. والنصيريون يقولون بأن الجنة معرفة ألوهية علي بن أبي طالب، والجحيم هو الكفر بها أو الجهل بها.
يتفقون جميعاً في اعتبار الحج ظاهرة وثنية وأنه كفر وعبادة أصنام.
كل هذه الطوائف تتفق في التشديد على التقية والسرية التامة.
الشرك عند الدروز عدم الاعتراف بإفراد ألوهية الحاكم. وعند النصيرية عدم الاعتراف بإفراد ألوهية علي رضي الله عنه.(45/104)
يزعم الدروز أن الناس خلقوا دفعة واحدة، فهم لا يزيدون ولا ينقصون، كلما مات إنسان تحولت روحه إلى جسم جديد وهكذا.
ومن الجدير بالذكر أن النصيرية انشقت عن الشيعة الاثني عشرية، والدروز انشقوا عن الإسماعيلية. والنصيرية أقدم من الدروز في الظهور، وكل طائفة حاولت الابتعاد عن أصلها رغم وضوح تأثرهم في كثير من أفكارهم بأصولهم الشيعية أو الإسماعيلية إلى غير ذلك من وجوه الاتفاق والافتراق بينهم، وكل أفكار الجميع تنضح مجوسية ووثنية تستر أصحابها بالتشيع لأهل البيت وبالإسلام؛ لتحقيق ما يهدفون إليه من إعادة كلمة المجوسية وإظهار قوتها من جديد، وهم ألد أعداء أهل البيت وألد أعداء الإسلام والمسلمين. والله متم نوره ولو كره الكافرون .
* * * * * * * * * * * * * * * * **
مراجع فرقة الباطنية
أ-مراجع الباطنية عموماً :
فضائح الباطنية: للغزالي.
الحركات الباطنية في العالم الإسلامي: للدكتور الخطيب.
أسرار الباطنية والفرق الخفية: محمد عثمان الخشت.
الباطنيون والحركات الهدامة في التاريخ الإسلامي: للجبهان.
كشف أسرار الباطنية: لأبي الفضائل الحمادي.
أصول الإسماعيلية والفاطمية والقرمطية: لبرنارد لويس.
الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام: يحي بن حمزة العلوي.
الإسلام في مواجهة الباطنية: أبو الهيثم.
أعلام الإسماعيلية: مصطفى غالب.
الإسماعيلية تاريخ وعقائد: إحسان إلهي.
بيان مذهب الباطنية وبطلانه: الديلمي.
القرامطة: محمود شاكر.
الإمامة في الاسلام: عارف تامر.
ب-مراجع فرقة النصيرية:
طائفة النصيرية تاريخها وعقائدها: د.سليمان الحلبي.
الهفت الشريف تحقيق د.مصطفى غالب.
سقوط الجولان: خليل مصطفى.
الجيل التالي: محمد حسين.
العلويون أو النصيريون: عبد الحسين مهدي العسكري.
جـ-مراجع فرقة الدروز:
المراجع السابقة.
الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة: شيبة الحمد.
عقيدة الدروز: محمد أحمد الخطيب.(45/105)
التآلف بين الفرق الإسلامية: محمد حمزة.
أضواء على العقيدة الدرزية: أحمد الفوزان.
الدروز: محمد الزعبي.
طائفة الدروز: محمد كامل حسين.
ولا يكاد كتاب فيه بحث عن الفرق يخلو من ذكر هذه الفرق الباطنية.
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الباب الثامن
دراسة عن البهائية
الفصل الأول
نبذة عن أساس ظهور البهائية
وبيان صلتها بالبابية
البهائية إحدى الفرق الباطنية الخبيثة التي حاولت هدم الإسلام وإخراج أهله منه بأساليب وطرق شتى قديماً وحديثاً.
وقبل البدء بالكلام عن البهائية لابد من التطرق أولاً وبإيجاز إلى التعريف بالبابية وبيان الصلة ما بين البابية والبهائية التي هي موضوع هذه الدراسة:
والواقع أن البابية والبهائية والشيخية والرشتية حلقات متصلة بعضها بالبعض الآخر وتعتبر الشيخية والرشتية هي النواة الأولى للبابية، كما تعتبر البابية هي الدرجة الأولى للبهائية. ونبدأ الآن بذكر الشيخية: زعيمهم –تعاليمه- نهايته- زعامة الرشتي.
أما الشيخية: فهي الطائفة المنسوبة إلى زعيمها الضال أحد شيعة العراق ( ) ، ويسمى الشيخ أحمد الإحسائي، وهو أحمد بن زين الدين بن إبراهيم الإحسائي الذي ولد بالمطير من قرى الإحساء في شهر رجب سنة 1166هـ، وتوفي سنة 1241، ودفن بالبقيع ( ) .
وبعضهم يقول: إنه ولد سنة 1157 ( ) ، ويعتبر من كبار علماء الإمامية وهو باطني من الغلاة، وله أفكار خارجة عن الإسلام يظهر فيها الاعتقاد بالحلول –كما تقدم- وذلك في مثل قوله: إن الله تجلى في علي وأولاده الأحد عشر، ومثل قوله الآخر: إن علياً وأولاده مظاهر الله، وأنهم أصحاب الصفات الإلهية والنعوت الربانية –تعالى الله عن قوله.
كما يظهر فيها غلو الفلاسفة في قوله: إن الأئمة هم العلة المؤثرة في وجود المخلوقات، ولولاهم ما خلق الله شيئاً.(45/106)
كما يظهر فيها الإلحاد في قوله: إن اللوح المحفوظ هو قلب الإمام المحيط بكل السموات وكل الأرضين، وكان ينكر المعاد والبعث.
كما يظهر فيها كذلك القول بالتناسخ حينما كان يزعم للناس أن المهدي يحل في أي رجل كان فيكون له صفة الباب، وأن روح المهدي حلت فيه هو فصار هو الباب إلى المهدي. إلى آخر ما قاله من خرافات وإلحاد، وهذه الأفكار دليل على تضلعه من مشارب الباطنية الغلاة والفلاسفة الغواة.
إلا أن محمد حسين آل كاشف الغطاء يقول في ترجمته:
((كان العارف الشهير الشيخ أحمد الإحسائي في أوائل القرن الثالث عشر وحضر على السيد بحر العلوم وكاشف الغطاء، وله منهما إجازة تدل على مقامه عندهم وعند سائر علماء ذلك العصر، والحق أنه رجل من أكابر علماء الإمامية وعرفائهم. وكان على غاية الورع والزهد والاجتهاد في العبادة كما سمعناه ممن نثق به ممن عاصره ورآه، نعم له كلمات في مؤلفاته مجملة متشابهة)) ( ) .
وقد حاول محمد حسين هنا أن يثني على الإحسائي ويمجده، ولكن وقفت أفكار الإحسائي دون استرسال محمد حسين، ومن هنا أخذ يعتذر له بأن في مؤلفاته ألفاظاً مجملة متشابهة، وفاته أن هذا العذر غير مجدٍ للإحسائي؛ فإن الذي حمل الإحسائي على ذلك الإلغاز والإجمال، إنما هو معتقده المغالي، وإذا كان آل كاشف الغطاء يدافع عنه فإن كثيراً من علماء الشيعة غير راضين عنه.
فقد ذكر الدكتور محسن عبد الحميد أن جماعة من علماء الإمامية ذهبوا إلى أن الإحسائي كان فاسد العقيدة منحرفاً، أوجد طريقة في مذهب الشيعة الاثني عشر، والتي سميت فيما بعد بالشيخية، وقد ردوا عليه بكتب معروفة متداولة.
ثم ذكر بعد ذلك ثلاثة كتب لمشاهير الشيعة: وهي كتاب ظهور الحقيقة على فرقة الشيخية لمحمد مهدي الكاظمي، وكتاب هدية النملة للميرزا محمد رضا الهمدان، وكتاب رسالة الشيخية والبابية لمحمد مهدي الخالصي.(45/107)
وبعد دراسة قام بها الدكتور محسن عبد الحميد لأفكار الشيخية من كتبهم ظهر له أن الإحسائي يلجأ أحياناً إلى التفاسير الباطنية لتأييد وجهة نظره، وأنه غالى في الأئمة الاثني عشر الذين يزعمهم الشيعة، وغالى في الرسول صلى الله عليه وسلم وزعم أن العلة في وجود جميع المخلوقات هم أولئك، حيث خلقها الله من أجل الأئمة.
كما زعم أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور الله، وهذا النور عقل واحد يظهر في محمد ثم يظهر في علي ثم في الحسن ثم في الحسين، وأن الزمان لا يخلو من ناطق، وأن كلامه في المعاد غامض مع إيمانه بالرجعة وما يتبعها من الحوادث ( ) .
ولكن الشيخ عبد الرحمن الوكيل يبين أن هذه الرجعة التي يؤمن بها الإحسائي ليست هي الرجعة المفهومة عند الاثني عشرية، فإنه حكم بموت الإمام الثاني عشر، وبأن روحه طارت إلى الملأ الأعلى ولكنها ستعود لتحل مرة أخرى بجميع خصائصها في إنسان جديد، تولد ولادة حقيقية من أب وأم جديدين غير والدي الإمام الثاني عشر الغائب المزعوم، ولهذا ثار عليه شيعة إيران ( ).
وتتضح شخصية الإحسائي وأوهامه من خلال دراسة الرشتية والبابية؛ لأن هؤلاء صاروا على طريقته مع زيادة الغلو الذي استحسنوه لتقوية المذهب وتكامله، ولتتم كذلك المؤامرة الرهيبة التي خطط لها هؤلاء ومن وراءهم بهدف القضاء على الإسلام والأمة الإسلامية وتمزيق وحدتها وتشتيت كلمة أبناء الإسلام وضرب بعضهم ببعض، حتى تم لهم فعلاً الكثير من ما يريدونه ويعملون من أجله.
خصوصاً والمسلمون وزعماؤهم في جرى حثيث وراء التيارات المنحرفة إلا القليل منهم، فلم يتمكنوا من التقاط أنفاسهم ولم يتح أعداء الإسلام لهم الفرصة للنظر في الواقع الذي يعيشونه، فضلاً عن التفكير في رد المخططات الرهيبة التي تحاك ضدهم، وهم في قلق وصراع مرير وخصام عنيف بينهم، وصار القائل:
وأحياناً على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا(45/108)
صار هذا القائل ومن معه خيراً منهم؛ لأن الذين أخبر عنهم لم يجدوا عدواً يحاربونه فاشتغلوا بحرب بعضهم بعضاً، وهؤلاء تركوا العدو يتأهب ويعد العدة واشتغلوا عنه بالقتال والعداوة فيما بينهم.
وما أن انتهت أيام الإحسائي الذي ألهب مشاعر أتباعه من الشيعة بقرب مجيء المهدي وجعله في أذهانهم قاب قوسين أو أدنى، ما إن انتهت أيامه حتى تولى بعده أعظم تلاميذه وهو الرشتي الذي أسس بعد ذلك جماعة ينتسبون إلى اسمه وهم الرشتية، واسمه كاظم الرشتي ولد سنة 1205هـ في بلدة ((رشت في إيران)) ( ) .
وقد سار على نفس طريقة أستاذه الإحسائي وزاد عليه أقوالاً كفرية أخرى، كانت هي النواة الأولى لظهور البابية بفعل تأثير الرشتي في تلميذه علي محمد الشيرازي، الذي تزعم الدعوة البابية الهدامة التي ظهرت في إيران البلد المضياف لكثير من الدعوات المناوئة للإسلام( )
وقد قال بالتناسخ حيث ادعى أنه حل فيه روح الباب كما حل في الإحسائي، ولكنه عاف فكرة الأبواب هذه وقفز إلى التبشير بظهور المهدي نفسه، وقد روج الرشتي أفكار شيخه الإحسائي وأدخل الكثيرين في مذهبه ومذهب الإحسائي، وصارت الشيخية فرقة مستقلة ( ) في كثير من الأفكار، ويحترم البابيون والبهائيون الإحسائي والرشتي احتراماً عظيماً ويسمونهما –كما يقول محسن- بالنورين ( ) .
البابية
1- زعيم البابية :
زعيم البابية الأول هو علي بن محمد رضا الشيرازي ولد في سنة 1235هـ في بلدة شيراز جنوبي إيران، مات أبوه وهو طفل فكفله خاله ويلقب بالميرزا، وقد نسب بعضهم أسرته إلى آل البيت وهذا غير صحيح، والذين أطلقوا عليه هذه النسبة إنما أطلقوها لشيء يريدونه في أنفسهم، لكي يطبقوا الروايات التي تذكر أن المهدي يكون من آل البيت.(45/109)
أي ومحمد علي الشيرازي من أهل البيت وهو المهدي المنتظر حسب خرافاتهم، ولم يلتفتوا إلى أن اسم المهدي محمد بن عبد الله كما ثبت بالسنة المطهرة، ووالده الشيرازي يسمى محمد رضا، وأمه فاطمة بيكم، وقد توفي والده وهو صغير فقام بكفالته خاله ويسمى الميرزا علي .
وحين بلغ السادسة من عمره عهد به خاله إلى رجل يسمى الشيخ عابد- وهو أحد تلامذة الرشتي- لتعليمه في مدرسته التي سماها ((قهوة الأنبياء والأولياء))، وبعد أن حصل على قسط قليل من التعلم عزف عن مواصلة التعليم، فأشركه خاله في التجارة ببيع الأقمشة، وتفنن فيها مع خاله الآخر الميرزا محمد.
وكان قد بلغ السابعة عشر من عمره فاتصل به أحد دعاة الرشتية ويسمى جواد الكربلائي الطباطبائي، وبدأ يلقي في مسامعه أفكار الشيخية عن المهدي المنتظر ويوهمه بأنه ربما يكون هو نفسه-أي علي محمد الشيرازي- المهدي المنتظر لظهور علامات تدل على ذلك- حسب زعمه- فوقع الشيرازي في فخه وترك التجارة ومال إلى قراءة كتب الصوفية التي زادته هوساً، ومارس شتى الرياضات، حتى إنه كان- كما قيل عنه- يقف في حر الظهيرة المحرقة تحت أشعة الشمس على سطح البيت مكشوف الرأس عاري البدن مستقبلاً قرص الشمس، حتى كان يعتريه الذهول والوجوم، وتأثر عقله، وكان الكربلائي ملازماً له يحرضه على هذا المسلك.
فأشفق عليه خاله وأرسله إلى النجف وكربلاء للاستشفاء بزيارة المشاهد التي يقدسونها هناك، إلا أنه في كربلاء بدأ يتردد على مجالس كاظم الرشتي ويدرس أفكاره وآراء الشيخية، وكان الرشتي أيضاً قد وقع اختياره على الميرزا ليجعل منه المهدي المنتظر، فكان يبشر أتباعه ومريديه وتلاميذه باقتراب الأوان لظهور المهدي ودنو قيام القائم المنتظر، ويشير إلى الميرزا علي محمد ويبالغ في إكرامه، وكثيراً ما يردد شعراً:
يا صغير السن يا رطب البدن يا قريب العهد من شرب اللبن(45/110)
وبعد أن أحكمت الخطة بينه وبين مشائخ الرشتية وسفير روسيا في ذلك الوقت والمترجم بها دالجوركي أعلن في سنة 1260هـ أنه هو الباب الأصل إلى الإمام الغائب المنتظر عند الشيعة، وأن صديقه الملا حسين البشروئي هو باب الباب، وهو أول من آمن به.
وكان عمر الباب الشيرازي آنذاك خمساً وعشرين سنة، واعتبر ذلك اليوم عيد المبعث لظهور الباب ودعوته جهراً، وآمن بدعوته كثير من زعماء الشيخية وأهمهم ثمانية عشر شخصاً جمعهم في حروف ((حي))؛ لأن الحاء والياء يعادلها ثمانية عشر بحساب الحروف الأبجدية.
ثم وزع هؤلاء في أقاليم مختلفة من إيران وتركستان والعراق، وكان لهؤلاء نشاط في الدعوة إلى البابية؛ خصوصاً زرين تاج بنت الملا صالح القزويني، والملا حسين البشروئي، والملا محمد علي الزنجاني، والملا حسين اليزدي، والملا البارفروشي ( ) .
2- صلتهم بالمستعمرين في ذلك الوقت :
لقد واتت الفرصة الذهبية جميع الحاقدين على الإسلام حينما اصطنعوا فكرة الباب لعلي محمد، وقفوا بكل عزم في نشر دعوته الهدامة، فقد سارع زعماء الإنجليز والروس إلى حماية هذه الطائفة بل وإلى مدها بالأسلحة الخفيفة والثقيلة والهجوم على حكومتهم في أماكن كثيرة لإرهاب الناس وتوجيههم إلى قبول هذه الدعوة، وفتحت الحكومة الروسية أبواب بلادها للبابية ليعيشوا فيها بكل حرية وراحة ويدبروا المؤامرات من مكان مصون.
وكان للمترجم الروسي ((كنيازد الجوركي)) بالسفارة الروسية نشاط قوي في دفع الميرزا على محمد إلى زعامة البابية وادعاء المهدية، ثم دفع البها أيضاً إلى زعامة البهائية ومناصرته أمام الشاة، كما صرح بذلك في مذكرته ( ) ، وقد قوي أمر الشيرازي وانتشرت دعوته وخافت الحكومة والعلماء من انتشارها حتى ألقي القبض على الشيرازي وحوكم وقتل.
3- نهاية الشيرازي :(45/111)
لقد كان للحاكم حسين خان –حاكم شيراز- مواقف حازمة ضد الباب الشيرازي ورفقته؛ حيث استدرج الشيرازي وألان له القول، واعتذر عما صدر منه من إهانة له ولأتباعه سابقاً، وأوهمه أنه قد تابعه أيضاً على فكرة البابية وسائر الدعاوى التي جاء بها الباب.
ثم استدعى الحاكم العلماء ليقيم عليهم الحجة في صدق الباب كما أوهمه، وكان قد عهد إليهم بأن يصبروا في مخاتلة الرجل وأخذ الاعتراف منه بخط يده في سائر عقائده الباطلة، وأوهمه بأن كل من سيجرأ على إظهار الكفر به فسيكون القتل مصيره؛ فاطمأن الباب وحضر مجلس العلماء ثابت الجنان طافي الجرأة ثم بادأ الجميع بقوله: ((إن نبيكم لم يخلف لكم بعده غير القرآن فهاكم كتابي البيان فاتلوه واقرءوه تجدوه أفصح عبارة من القرآن)).
وكظم العلماء ثورتهم، ثم طلب الحاكم إلى الباب أن يسجل ما يدعوه إليه كتابة ففعل ذلك، ثم نظر العلماء في ما كتبه الشيرازي فإذا به ينضح كفراً وخروجاً عن الإسلام، فما كان من الحاكم إلا أن صب جام غضبه على الشيرازي قائلا له: ((فلأعذبنك لعلك ترجع عن غيك)) ثم ضربه ضرباً شديداً وأمر أن يطاف به في الأسواق على دابة شوهاء، وأن يعلن التوبة من كفره على منبر المسجد الكبير.
ثم ارتقى المنبر وأعلن رجوعه من كل ما ادعاه وأنه على دين الاثني عشرية؛ لأنه الحق اليقين ( ) ، ثم ألقي به في غيابة السجن ( ) ، ولكن أتباعه ظلوا ينشرون فكرة المهدية والبابية وسائر الأفكار الشريرة، وعوام الناس يتناقلونها بكل لهفة لموافقتها هوى في نفوسهم.
ولما تجاوز الأمر الحدَّ وأدرك عامة الشعب الإيراني واستيقظت الحكومة في إيران على مدافع هؤلاء وبنادقهم يقتلون المسلمين ويستبيحون منهم كل ما يشاءون في معارك دامية واغتيالات متنوعة، ويدعون إلى ظهور المهدي وإلى كتابه المقدس –اجتمع عدد كبير من العلماء والفقهاء وكفروا الباب وأعلنوا مروقه عن الإسلام ووجوب قتله بالأدلة الدامغة.(45/112)
إلا أن حاكم ولاية أصبهان الذي تظاهر بالإسلام ويسمى منوجهر خان الأرمني وهو صليبي العقيدة والهوى –استطاع- إخفاءه في قصره معززاً مكرماً ليطعن به الإسلام والمسلمين من الخلف.
وكان الشيرازي يصدر توجيهاته إلى أتباعه من هذا المخبأ إلى أن توفي هذا الحاكم وخلفه جورجين خان، فكتب هذا إلى الحكومة في طهران يخبرهم عن وجود الشيرازي فألقي عليه القبض وأمر الميرزا أقاس رئيس الوزراء أن يعتقل الشيرازي في قلعة ماه كو، ومكث معتقلاً حوالي ثلاث سنوات.
4- مؤتمر بدشت ( ) وما تم فيه من خطط :
وحينما أحسَّ البابيون من أنفسهم القوة وكان زعيمهم الباب معتقلاً قرروا عقد مؤتمر لهم ليبحثوا فيه:
أمر الباب وكيفية خلاصه من السجن حتى ولو بالقوة.
نسخ شريعة الإسلام وإظهار شرائعهم، وهذا أهم ما عقد له المؤتمر.
وقد تم بالفعل عقد هذا المؤتمر في صحراء (( بدشت)) حضر فيه جميع زعماء البابية، وكان من بينهم غانية البابيين الخليعة أم سلمى زرين تاج التي كانت تلقب بقرة العين وبالطاهرة، وهي ذات جمال فائق وأنوثة ثائرة تستميل بجمالها أغمار الناس، وكانت هي القوة الحقيقة في الظاهر في هذا المؤتمر، ولها أخبار طويلة لا يتسع المقام لذكرها هنا.
وفي هذا المؤتمر الخليط من الرجال والنساء لا تسأل عما جرى فيه من الإباحية والخمر والفرح والمرح والأفعال القبيحة والتي أقلها إباحة الزنى وجميع ما يشتهيه الشخص، ثم أضافوا إلى هذا أيضاً إقرار نسخ الشريعة الإسلامية بمجيء الباب الشيرازي باعتبار أنه المهدي الذي ينسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
ودعوى البابية هذه إنما هي ستار لاستجلاب الناس إلى البابية، ولأنهم يعتقدون أن الشيرازي ليس باباً فقط أو مهدياً، بل هو رسول مثل سائر الرسل وله شريعة خاصة به، وأقر في المؤتمر أحكام الخطط لتنفيذ مآربهم بالنسبة لنسخ الشريعة الإسلامية بتحريض شديد من تلك الغانية الملقبة بقرة العين ( ) .(45/113)
وانفتحت على حكومة طهران مصائب كثيرة من البابيين وحروب مشتعلة، فرأت الحكومة وعلى رأسها ناصر الدين شاه القاجاري قتل الشيرازي رأس الفتنة فجيء به وأظهر تراجعه، ولكن لم يكن لينفعه الاستمرار على خداعه ومراوغته فتقرر قتله وقتل كبار أتباعه المسجونين معه في صبيحة يوم الاثنين 27 من شعبان سنة 1265هـ –1849م.
ولما علم الشيرازي بهذا الحكم ضده انهارت قواه وأسقط في يده وصار يبكي وينوح وغمره الذهول العميق والشرود حتى فهم أصحابه في السجن أن هناك أمراً قد قرر، ولكنهم ما أرادوا أن يسألوه فاستفاق بعد منتصف الليل وبدأ يردد أبياتاً شعرية منها ( ) :
تروم الخلد في دار المنايا *** فكم قد رام مثلك ما تروم
تنام ولم تنم عنك المنايا *** تنبه للمنية يا نؤوم
لهوت عن الفناء وأنت تفنى *** فما شيء من الدنيا يدوم
ويروى عنه أنه طلب من يقتله في السجن في تلك الليلة حتى لا يرى المهانة والذل ثم القتل في صبيحة هذه الليلة، وقال لأصحابه: لو فعل أحد من الأحباء هذا لكان ما فعله عين الصواب ( ) .
ولما استعد لذلك الملا محمد علي الزوزني ارتعد الشيرازي وتراجع حينما رأى سيفه مسلولاً وبدأ هو وأصحابه في النحيب والبكاء، وفي الصباح اقتيد هو والزوزني وكان يوماً مشهوداً فقد احتشد الناس رجالاً ونساءً وأطفالاً من كل مكان ليروا تنفيذ حكم الإعدام.
ثم جيء بمجموعة من الجنود وصوبوا بنادقهم إليه فوقع أشلاء ممزقة فيه أكثر من بضعة وعشرين رصاصة لم تخطئ منها واحدة.
ولقد كان لهذه الحادثة ألم شديد في نفس قنصل الروس الذي حاول بكل جهده أن ينقذه ليتم به تنفيذ مآرب الحاقدين على الإسلام، ولقد سر المسلمون بقتله ونهاية فتنته، ثم امتد القتل بعد ذلك إلى جميع زعماء البابية مثل قرة العين والكاشاني وغيرهم ( ) .(45/114)
وكان قد استمر في ضلالته متدرجاً من كونه الباب للمهدي إلى أنه هو المهدي إلى النبوة وأخيراً إلى الألوهية، وكان أتباعه ينادونه بالرب وبالإله ( ) ، وقد أذله الله في أماكن كثيرة أمام الناس بعد مناظراته ويضرب ضرباً مهيناً ثم يبدي التوبة ( ) ، إلا أن المتآمرين على إثارة التفرقة بين المسلمين والراغبين في الإباحية ونسخ الشريعة الإسلامية كانوا يدفعونه دفعاً ويهيئون له الجو الملائم لمثل هذه الدعاوى الكاذبة.
وقد أسفرت الديانة البابية عن إنكار القيامة وما جاء في وصفها في القرآن الكريم وزعم أنها قيام الروح الإلهية في مظهر بشري جديد، وأن البعث هو الإيمان بألوهية هذا المظهر، وعن لقاء الله يوم القيامة بأنه لقاء الباب لأنه هو الله، وعن الجنة بأنها الفرح الذي يجده الشخص عندما يؤمن بالباب وعن النار بأنها الحرمان من معرفة الله في تجلياته في مظاهره البشرية، وزعم أنه البرزخ المذكور في القرآن، لأنه كان بين موسى وعيسى.
كما أنه خرج عن تعاليم الإمامية الاثني عشرة –حول مفهوم الرجعة؛ حيث بينها بأنها رجوع الصفات الإلهية وتجليها مع آثارها في مظهر جديد للحقيقة الإلهية، ثم ألغى الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة الجماعة إلا في الجنازة، وقرر أن الطهر من الجنابة غير واجب، وأن القبلة هي البيت الذي ولد فيه بشيرازا، ومكان سجنه والبيوت التي عاش فيها هو وأتباعه، وهي نفس الأماكن التي فرض على أتباعه الحج إليها.
وأما الصوم فهو تسعة عشر يوماً، يصوم الشخص فيه من شروق الشمس إلى غروبها، والزكاة خمس العقار تؤخذ في آخر العام من رأس المال ويدفع للمجلس البابي المكون من تسعة عشر عضواً.(45/115)
وأما الزواج فهو إجباري بعد بلوغ الحادية عشر، ويكفي رضا الطرفين ويجوز وقوع الطلاق تسع عشرة مرة، وعدة المطلق تسعة عشر يوماً، وعدة المطلقة خمسة وتسعون يوماً، وإذا تزوجت الأرملة فيجب دفع الدية كاملة على من يتزوج بها، وليس في دين البابية نجاسة لشيء لأن اعتناق البابية يطهر من كل شيء، ويجب دفن الميت في قبر من البلور والمرمر المصقول، ووضع خاتم في يمناه منقوش فقرة من كتاب البيان.
والميراث يكون لسبعة أشخاص من القرابة هم الولد والزوج والزوجة والأب والأم والأخ والأخت، والمعلم.
والعيد الرئيس عند البابية هو عيد النيروز ومدته تسعة عشر يوماً، كما أنه يجب على البابي أن يستقبل الشمس بالسلام في صباح كل يوم جمعة.
وقد حرم الباب على أتباعه قراءة القرآن ووجوب إحراقه وسائر الكتب المخالفة، ومن هنا قاموا بإحراقها كما اعتبروا كل من لم يدخل في دينهم كافراً حلال الدم ( ) .
5- الكتاب المقدس للبابية :
كتب علي محمد الشيرازي كتابه الذي سماه البيان وهو كتاب ((البيان العربي)) الذي زعم فيه أنه منزل من عند الله وأنه ناسخ للقرآن وأنه أفضل الكتب المنزلة على الإطلاق، بل وتحدى الجن والإنس أن يأتوا بمثله على حد زعم الشيرازي ( ) .
قال الشيرازي في بيانه المزعوم في اللوح الأول من آيات الوحي ((شئون الحمراء)):
إنا قد جعلناك جليلاً للجاللين وإنا قد جعلناك به عظيماً عظيماناً للعاظمين، وإنا قد جعلناك نوراً نوراناً للنورين، قد جعلناك رحماناً رحيماً للراحمين، وإنا قد جعلناك تميماً للتامين. إلى أن يقول: قل: إنا قد جعلناك مليكاناً مليكاً للمالكين، قل: إنا قد جعلناك علياناً علياً للعالين، قل: إنا قد جعلناك بشراناً بشيراً للباشرين ( ) .(45/116)
ومن قوله: ((تبارك الله من شمخ مشمخ شميخ، تبارك الله من بذخ مبذخ بذيخ، تبارك الله من بدء مبتدأ بديء، تبارك الله من فخر مفتخر فخير، تبارك الله من قهر مقهر قهير، تبارك الله من غلب مغتلب غليب. إلى أن يقول: وتبارك الله من وجود موجود جويد)) ( ) .
وقال متحدياً الإنس والجن على أن يأتوا بحرف من مثل ما في بيانه المنزل من الله بزعمه: ((يوم نكشف الساق عن ساقهم ينظرون إلى الرحمن، وذكره في الأرض المحشر قريباً فيقولون: يا ليتنا اتخذنا مع الباب سبيلاً إمامكم هذا كتابي قد كان من عند الله في أم الكتاب بالحق على الحق مشهود، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا الكتاب بالحق على أن يستطيعوا.
ولو كان أهل الأرض ومثلهم معهم على الحق ظهيراً، فوربك الحق لن يقدروا بمثل بعض من حروفه ولا على تأويلاته من بعض السر قطميراً ( ) ))، إلى آخر هذا الهذيان التافه الذي فضله على كتاب الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وليس هذا فقط؛ بل تحدى الجن والإنس ومثلهم معهم أن يأتوا ببعض الحروف التي وردت فيه. وحينما يقارن الإنسان بين كلام الله عز وجل وكلام مثل هؤلاء السخفاء الدجاجلة يتبين له نور الحق، وبضدها تتميز الأشياء.
وبعد أن انتهى أمر الباب الشيرازي قام صراع حاد جداً على تولي الزعامة البابية وما بعدها بين حسين علي المازندراني وزعماء البابية، متمثلة في أخيه صبح الأزل، وقد أخذ حسين علي المازندراني منها نصيب الأسد، وهزمت البابية على يديه شر هزيمة في أحداث طويلة قد لا يكون من الضروري سردها هنا كاملة؛ بل نشير إلى أهم ما وقع فيها فيما يأتي.
6- هزيمة البابية :
لقد خاض البهائيون بزعامة حسين المازندراني مواجهات عنيفة وجدال كبير وسفك دماء وتآمر، وأحياناً خداع ومراوغة البابية.(45/117)
وكان من حظ البهائية العميلة أن وقفت معها اليهودية العالمية بالتأييد وتهيئة الظروف لانتشارها وإماتة البابية الأزلية أتباع يحيى صبح الأزل الذي أخذ الزعامة بعد الباب الشيرازي بوصية من الشيرازي له، فاختطفها منه أخوه حسين المازندراني، ولقد هاجم المازندراني أخاه صبح الأزل وأتباعه بكلام طويل زاعماً أنه من وحي الله وكلامه، وأنه هو المظهر الإلهي وصاحب نسخ الديانات كلها.
وزعم أن البيان الذي ألّفه الشيرازي وأكمله صبح الأزل إنما كان من وحيه هو. ((فاعتبروا يا أولي الألباب)).
وفسر هو وأتباعه وصية الشيرازي بالبابية إلى يحيى صبح الأزل بأنها خطة لتحويل أنظار الناس عن المازندراني لخوفهم عليه في ذلك الوقت، ونشطوا في بث الدعايات السيئة ضد البابية الأزلية.
وقد ظل صبح الأزل يواصل بث الدعاية ضد البهائية بكل وسيلة وهو في منفاه في جزيرة فاما جوستا بقبرص، وألف المؤلفات الكثيرة في بيان كذب المازندراني ونشر الدعايات ضده، إلا أن الأمور كانت تسير في غير صالحه إلى أن هلك في سنة 1912م عن اثنين وثمانين سنة.
بعد أن أوصى بالأمر من بعده لابنه الميرزا محمد هادي، مع أنه ما كان له ما يوصي به( ) ، وقد تفرق بقية أتباعه بعد ذلك وانتهت البابية التي لاحقتها مطاردة البهائية في كل مكان وصلت إليه البهائية.
ولم يفد البابية شيئاً ذلك الوحي الذي لفقه زعيمهم الشيرازي حين قال في كتابه البيان: ((لا إله إلا أنت لك الأمر والحكم، وأن البيان هدية مني إليك))، حيث فسر البابيون هذا الكلام على أنه موجه إلى يحيى صبح الأزل، بينما العجل حسين كما سماه أخوه صبح الأزل جاء في حقه قول يحيى: ((خذوا ما أظهرنا بقوة وأعرضوا عن الإثم لعلكم ترحمون إن الذين يتخذون العجل من بعد نور الله أولئك هم المشركون)) على أن الإثم والعجل المقصود بهما حسين المازندراني ( ) .(45/118)
لقد أفنى حسين المازندراني أتباع يحيى صبح الأزل بحد السلاح، ولم يأخذه فيهم أي إحساس بالرحمة أو اللين؛ لأنه في عجل شديد للوصول إلى ما يهدف إليه من آماله العريضة، ولما كان الغرض يتعلق بدراسة البهائية وآرائها وبيان ما وصلت إليه من نفوذ وانعكاسات في العالم الإسلامي –فإننا نكتفي بذكر الإشارات السابقة في بيان نشأة البهائية التي قامت على أنقاض البابية التي قامت هي الأخرى على أكتاف الرشتية بتأسيس من الشيخية الضالة.
فمن هي البهائية وكيف قامت؟
* * * * * * * * * * * * * * * * **
الفصل الثاني
خطر البهائية
قبل الدخول في تفاصيل أمور البهائية ينبغي أن أذكر بما أجمع عليه العلماء العارفون حقيقة هذه الطائفة من شدة خطرها على المسلمين وما تبيته لهم من نية السوء.
ذلك أن البهائية هي إحدى الحركات الهدامة التي احتضنتها الصهيونية العالمية لهدم الأديان، وخصوصاً الدين الإسلامي، وقد عرفنا فيما سبق أنها وريثة البابية بعد هلاك الشيرازي، بعد أن احتدمت بين البابية والبهائية تلك الخلافات على السلطة والزعامة الدينية، حيث خرجت البهائية منها هي المنتصرة في النهاية.
وقد تسربت البهائية إلى أذهان كثير من الناس في أثواب براقة وأساليب مختلفة، ولقد كان لهم دور بارز في مصر ونشاط أقلق الرأي العام في سنة 1972م، وكتب عنها حينذاك رجال الفكر في الصحف والمجلات.
وتمت محاكمة البهائيين واتضح أنهم فئة خارجة على جميع الأديان السماوية، وتحت زعامة نبيهم المزعوم أو ربهم بهاء الله الذي حول الحج إلى المزارات البهائية في إسرائيل، واخترع له شريعة من أفكاره، وحوّل الكعبة إلى المكان الذي هو فيه، ولهم نشاط ظاهر في محاربة جميع الأديان وأهمها الإسلام، كما أن لهم نشاطاً خفياً ومنشورات تدعو إلى نبذ الإسلام في البلدان التي يخافون فيها من بطش المسلمين بهم.(45/119)