إهداء
إلى أمتي المسلمة .....خير الأمم
إلى العلماء الربانيين الذين يصدعون بالحق فلا يخافون في الله لومة لائم
إلى الدعاة العاملين الذين لا يكلّون ولا يملّون في إيصال رسالة الخير إلى الناس
إلى سادتنا المجاهدين
الذين يبذلون نفوسهم رخيصة في سبيل الله ،
يقارعون الباطل ويردّون الهجمة الصليبية المعاصرة بمهجهم وأرواحهم
إلى الأخيار الصالحين الذين لا يبخلون على إخوانهم بدعوة صادقة في جوف الليل
إلى من سلك طريق الحق ... طريق أهل السنّة والجماعة يبتغي رضا الله سبحانه
إلى كل من أحب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وأحب آل بيته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين
إلى العفيفات الطاهرات من نساء الأمة اللواتي يبذلن جهدهن في تربية الأجيال ليكونوا رجالا يدافعون عن أمتهم
إلى أمي الحبيبة التي علمتني معاني الخير والرحمة والوفاء
أهدي هذه الرسالة
جدول المحتويات
الموضوع
رقم الصفحة
المقدمة
5
الباب الأول : حقيقة الرافضة
8
الباب الثاني : من أقوال شيخ الإسلام في الرافضة
12
1- أصل الرافضة
12
2- أصول معتقدهم
12
3- عبادتهم
13
4- ضررهم على الدين
13
5- موالاتهم لأعداء الله
13
6- حكمهم في الإسلام
14
الباب الثالث: دور الرافضة قديما في التآمر على بلاد المسلمين
14
أولاً: دور الرافضة في إسقاط الدولة العباسية بالتعاون مع التاتار
14
ثانياً: دورهم في الحرب على الدولة العثمانية السنيّة
17
ثالثاً: دور الدولة الفاطمية العبيدية في محاربة المسلمين
21
الباب الرابع : دورهم الحالي في محاربة المسلمين
22
التحالف الرافضي الصليبي المعاصر
22
غزو أفغانستان
22
غزو العراق
23
وثائق خطيرة لما يسمى بفيلق بدر
25
التحالف الرافضي الروسي ( الارثوذوكسي )
27
التحالف الرافضي الهندوسي
29(1/1)
الباب الخامس : سعي أعداء الإسلام في نشر فكر التشيع
30
1- الترويج الإعلامي
30
2- التدخل لدى حكومات المنطقة
30
3- تغيير التركيبة السكانية
31
4- نشر المنظمات الشيعية في العالم
31
5- السكوت العالمي المريب
32
الباب السادس : من مصطلحات المرحلة الراهنة
33
1- الصليب الشيعي
33
2- مثلث الشر
33
3- تغيير المناهج
34
4- الحرب الطائفية
35
5-الأمن أولا
36
الباب السابع : أدوار ومواقف
38
1- دور الجهاد في إفشال مخططات الأعداء
39
2- دور الحكام
40
3- موقف علماء المسلمين
41
4- موقف الأكراد
43
5- دور ما يسمى ( بحزب الله )
44
الباب الثامن : دور المسلمين تجاه التحالف الرافضي الصليبي
46
* * *
أبعاد التحالف الرافضي الصليبي في العراق وآثاره على المنطقة
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين مولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ....(1/2)
ما يجري اليوم في أرض المسلمين وبخاصة في البلد الجريح ، بلد الخلافة ، العراق ، من أحداث جسام ومآس عظيمة ستظل تهز وجدان الأمة وتقض مضجعها وتدمي ضميرها وتنقلها إلى صراع مستديم وقاس مع قوى الباطل بكل أشكاله وألوانه كما أنها تضع الأمة والقائمين عليها أمام امتحان صعب واليم في مواجهة هذا الباطل المتجبر الذي لا يبالي بقيم أو مبادئ أو أعراف ، ولكن هذه الأحداث مع عظمها وشدة أهوالها إلا أنها بإذن الله ستكون نقطة البداية في انطلاق الأمة نحو هدفها المنشود وتكون حافزا قويا في استنهاض طاقاتها وشحذ هممها ودفعها إلى تجاوز الأزمات والمصاعب الجسام ، كما أنها ستساعد على الامتداد في أعماق ماضيها التليد لتستخرج من تاريخها صفحات مجدها المشرق ومن ثم توائم بين واقع تعيشه وماض تستذكره ومستقبل تستشرفه ، مستقبل مفعم بالأمل ويقين يرسخ في الصدور وحسن ظن بالله ليس له حدود ، وهكذا فالأمة تحتاج إلى مثل هذه الصدمات الموجعة لتنهض من رقدتها وتستيقظ من سباتها الذي دام طويلا ، بل وان من أهم الفوائد الذي ستجنيه الأمة من هذه الأحداث هو مضاء سنة الله تعالى فيها ، سنّة التصفية والتمييز والتمحيص ، التي تأتي لتميز النفوس وتعرفها بحقيقتها وتصفي ما علق بها من أدران الدنيا وآثار حطامها الزائل فتكون سببا لاختبار صدق الإيمان من عدمه فيثبت من يثبت ويسقط وينهزم من يتولى ويضعف مصداقا لقوله تعالى " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " ، وقوله تعالى " ألم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين " .(1/3)
وبذلك لن يستحق حمل راية هذا الدين والدفاع عنه إلا من كان أهلا له حقا ، ولن يثبت على الشدائد والملمات إلا من استنار قلبه بنور الإيمان وملأ فؤاده اليقين الراسخ ونظر إلى الدنيا فوجدها زائلة ورنا ببصره إلى الآخرة فوجدها هي الباقية فحزم أمره على المضي في دربه إلى ريه لا تؤخره جواذب الدنيا ولا تشده عوالقها غير ملتفت إلى أراجيف المنافقين وشبهات المضلين الغاوين ، وليس آبها بنكوص الناكصين وانهزام المنهزمين ، فهو بمعية خالقه رب العالمين ، عزم ألا يرجع عن غايته أو يحيد عن جادته ، ماض في سبيله ، مقتف أثر الصادقين من سلفه ، لا يثنيه عن بلوغ مرامه أي قوة في الأرض مهما بغت وطغت واستعلت وتجبرت ، فهو قوي بربه عزيز بدينه ، التقوى زاده والإخلاص شعاره والصدق سجيته والصبر ضياءه ، خالط الناس بجسده واشتاقت روحه إلى الجنة وهو يردد في نفسه :
فحيّ على جنّات عدن فإنها مرابعك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نردّ إلى أوطاننا ونسلّم
فهو مازال يسعى لها لا يدّخر وسعا للفوز بها ولا يبخل بشيء ولو كانت مهجته ثمنا لها كيف وهو يسمع نداء ربه سبحانه " إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بانّ لهم الجنّة " ، فمثل هذا لن يهدأ له بال أو تطيب له حياة حتى يبيع نفسه رخيصة لله وحتى يرى الجنّة عيانا فيتقلب في نعيمها ويطير بين أفنانها ويشرب من حوضها ويلقى الأحبة فيها وينظر إلى ربه فلا يجد سعادة تماثلها وعندئذ فقط يحط برحله ويسكن إلى الراحة بعد مسير شاق وعناء طويل وهو يقول فزت ورب الكعبة.
أليس بمثل هؤلاء تنتصر الأمة وترتفع رايتها ويعلو شأنها ويذل لها رقاب أعداءها ؟
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع(1/4)
ألا تستحق الجنّة كل هذا ، ألم يقل نبي الرحمة والملحمة " ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله هي الجنة "..... فمالنا أعرضنا عنها ورضينا بالحياة الدنيا واثاقلنا إلى الأرض .....فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ؟......
أما هذه الرسالة التي بين يدي القارئ فإنها تتحدث من خلال الأدلة والوقائع عن واحدة من اخطر أنواع التحالفات التي تهدد كيان الأمة المسلمة ووجودها وتلقي الضوء على الدور الخطير للرافضة فيها ، كتبتها لالفت أنظار من يهمه أمر هذه الأمة إلى ما يحاك ضدها ويكاد لها ، ولاميط اللثام عن حقائق تاريخية طالما غابت عن الكثير من المسلمين ، ولقد حرصت في البداية على بيان حقيقة الرافضة واستشهدت بأقوال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله حول هذا الموضوع ، وما سبب استعراضي لعقائد الرافضة وأفكارهم وبشكل موجز إلا نتيجة ما وجدته من خلط لدى البعض حول الشيعة وحقيقتهم وتمادي آخرين بالإفراط في حسن الظن بهم والانخداع بظاهرهم ويعزى ذلك إلى غياب العلم الشرعي وانتشار الجهل بين الناس مما أدى إلى عدم التعامل مع هذه المسألة تعاملا شرعيا قائما على الكتاب والسنّة وإنما جاء الفهم لديهم من منطلق سياسي أو عاطفي بعيد كل البعد عن دلائل الشرع وحقائق التاريخ ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فلقد نجح الشيعة في استقطاب البعض من المسلمين مستخدمين وسائل ماكرة وخبيثة نتيجة إتباعهم لمبدأ التقيّة فيبدون أشياء ويضمرون أخرى ، إضافة إلى وسائل الإغراء المعهودة التي يجيدون استخدامها بذكاء مع من يريدون الإيقاع به وجره إلى هوية أفكارهم ، ووجدت بان لما يسمى بحزب الله دورا ليس هيّنا في خلط الأوراق والتعمية على من تأثر بالشيعة بعد أن ركب هذا الحزب موجة المقاومة وادعى معاداة اليهود واستخدم إعلامه بشكل خبيث لتمرير أفكاره الشيعية مغلفة بلباس المقاومة المزعومة ، ثم عرجت في الرسالة على بعض الحقائق التاريخية من الماضي والحاضر(1/5)
التي تؤكد على حجم التعاون الرافضي مع أعداء الله ودروهم في الحرب المعلنة على الإسلام كما لم يفتني أن أتحدث عن مقدار الدعم المتزايد الذي يلقاه الشيعة من قبل أعداء الإسلام وحرص الدوائر المعادية على نشر فكر التشيع بين المسلمين بغية القضاء على الإسلام الحق ، ثم تكلمت عن الصمت المريب على الجرائم التي يقترفها الشيعة ضد أهل السنّة في مناطق كثيرة من العالم ثم وضحت حقيقة بعض المصطلحات الحديثة التي فرضها الواقع الراهن والتي ينبغي للمسلم أن يعي حقيقتها ومن ثم بيّنت مواقف وادوار عدد من الذين لهم تأثير مباشر أو غير مباشر على واقع الأحداث
واني لأعلم بان هذه الرسالة لم تغط تماما كل جوانب الموضوع ولكنها جهد المقلّ وبداية علّها تجد من يكملها ، والله تعالى اسأل أن يجعل هذا العمل خالصا له وحده ، والحمد لله رب العالمين .
الفقير إلى ربه
عبد المحسن الرافعي
غرة ذي الحجة من عام 1425 هـ
الباب الأول
حقيقة الرافضة(1/6)
لو أردنا استعراض واقعنا في هذه الحقبة من الزمن ، من زاوية الشخوص والأدوار لشد انتباهنا الدور الذي يلعبه الرافضة ( الشيعة ) على مسرح الأحداث ، والأصح أن نقول الدور المناط بهم ، وأحب أن أؤكد بان استعمال لفظ الرافضة أدق وانسب لشيعة هذا الزمان لان فكر الرافضة الذي ظهر فيما مضى هو ذاته الذي يحمله شيعة اليوم ويجاهرون به من غير مواربة ولذا تحتم ذكر القوم بما يناسبهم من تسمية عرفوا بها والتي جاءت من اصل عقدي منذ زمن الإمام زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه حينما رفضوه بسبب ترحمه على أبى بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين. ويتساءل البعض كيف لأولئك الذين يرفعون شعار محاربة من يسمونه الشيطان الأكبر هم في ذات الوقت من أوغل في العمالة للأجنبي حتى النخاع فتواطئوا معه وادخلوه عنوة إلى بلاد المسلمين ، ثم أنّى لمن يراقب تلك الأحداث أن يجمع بين هذا الموقف الشائن من الخيانة والعمالة وبين ما يدعيه إخوانهم ممن أسموا أنفسهم (حزب الله ) الذين رفعوا شعار المقاومة ضد المحتل وراحوا يصمون آذان الإعلام بالبطولات الوهمية التي لا تتعدى فقاعات هواء تنفجر بين الحين والآخر لاهداف وغايات باتت لا تنطلي على الذكي اللبيب. ولفهم ما يجري على وجه الدقة فلابد من الاستعانة بالتاريخ قليلا ، فالتاريخ يبقى شاهدا على الكثير من وقائع الأحداث التي تركت آثارها على حاضر الأمة ومستقبلها ولكي نستطيع أن نفهم حقيقة ما يجري الآن على ارض الإسلام من فتن وعظائم تشيب لها الولدان ، فالرافضة منذ نشأتهم وهم دائبون على الكيد للمسلمين المتمثلين بأهل السنّة والجماعة وذلك بتدبير المؤامرات وحياكة الدسائس من خلال انتحالهم لصفة أهل البيت رضوان الله عليهم الذين برءوا من ادعاءات هؤلاء الرافضة وزعمهم ، وهكذا نرى أن الرافضة على مدى التاريخ القديم والحديث لم يتركوا فرصة إلا وانتهزوها كي يمعنوا في إيذائهم للمسلمين واضعاف شوكتهم وإسقاط دولتهم(1/7)
متواطئين مع كل عدو من أعداء الإسلام غربيا كان أو شرقيا، وعلى مر هذا الزمان لم تمض فترة من الفترات إلا وكان للرافضة فيها دور في ضرب المسلمين والتآمر عليهم بما توفرت لهم من وسائل للمكر والغدر والخيانة ، فالرافضة فرقة باطنية متعددة الأفرع إلا أنها موحدة الجذور، تعمل بالخفاء لتنفيذ غاياتها ومآربها وما أن تتوفر لهم فرصة الظهور إلا ويغتنموها لإبداء ما تكنّ به صدورهم من حقد وكراهية لاهل السنّة والجماعة ، أما في باقي أوقاتهم فانهم يستترون تحت عباءة الدين ويتخفون خلف مبدأ(1/8)
( التقية ) الذي يعتبرونه تسعة أعشار دينهم فيظهرون شيئا ويضمرون شيئا آخر وما هو والله إلا كذبا ونفاقا اعتادوا عليه حتى صار دينا لهم ، وجبلة أورثها الله في قلوبهم عقوبة منه سبحانه لسلوكهم سبيل الغي والضلال مصداقا لقول الله تعالى في مثلهم وأمثالهم " فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به " ، ويظهر للعيان حقيقة دينهم بمعاداتهم لأشرف الخلق بعد الأنبياء عليهم السلام وهم حملة هذا الدين وناقليه للامة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ودأبهم المستمر على الطعن بأمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتركون مناسبة إلا وأقذعوا فيها القول لهنّ وعلى الأخص منهن المبرأة الصديقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأم المؤمنين حفصة رضي الله عنها ، ولقد بلغت كراهية الرافضة لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما منهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين أن جعلوا لعنهم دعاء يتلونه في صلواتهم بل انهم يحتفلون بيوم مقتل عمر الفاروق رضي الله عنه على يد أبى لؤلؤة الفيروزي المجوسي لعنه الله جاعلين ذلك اليوم عيدا حتى وصل الأمر بهم أن جعلوا لهذا اللعين مقاما وضريحا يزورونه في إيران ، فالرافضة غيروا دين الله الذي ارتضاه للناس ابتداء من قولهم بتحريف القرآن وما كتابهم المسمى " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " للمدعو حسين النوري الطبرسي لعنه الله إلا دليل على ذلك ، ومن آفاتهم وطاماتهم هو ابتداعهم لبدعة الإمامة والولاية والعصمة لآل البيت رافعين إياهم إلى منزلة تفوق منزلة الأنبياء فغالوا فيهم واعتقدوا بألوهيتهم ونسبوا إليهم الضر والنفع وأجازوا لانفسهم دعاءهم من دون الله والاستغاثة بهم والطواف بقبورهم فصاروا اشد في شركهم من المشركين في الجاهلية الذين كانوا يدعون الله في ضراءهم ويشركون به في سراءهم ، جاعلين زيارة قبر الحسين رضي الله(1/9)
عنه اعظم عندهم من الحج(1) ، وأرض كربلاء افضل من ارض مكة(2) ، ولهذا يقول الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية ، ص/ 52 ( وان من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل) ، ونتيجة لإيغالهم في عظائم هذه الكبائر راحوا يبيحون لانفسهم الحرام ، فعطلوا شريعة الزكاة وأبدلوها بالخمس (الخاص بغنائم الحرب) واحلوا الفاحشة باسم المتعة ، وأوجدوا لكل عبادة من العبادات هيئات وأشكال ما أنزل الله بها من سلطان لا يقصدون منها سوى مخالفة أهل الحق من أهل السنّة والجماعة فلا تكاد تجد شعيرة من شعائر هذا الدين إلا وغيّروها مفسرين القرآن حسب أهوائهم رادّين لأحاديث رسول الله الصحيحة بأحاديث من وضع أيديهم ، وحينما تنظر إلى الرافضة( متدينهم ) وعاصيهم فانهم لا يختلفون في شيء مما ذكرناه آنفا إلا في مسائل قد يجهلها العامة منهم كمسألة ( تحريف القرآن ) التي لا يطّلع عليها إلا الخواص من أتباعهم متبعين بذلك خطى أسيادهم بعرض أفكارهم الخاصة على فئة معينة خشية النفرة وعدم القبول في بادئ الأمر ثم يتوسعون في ذلك حسب ما تقتضيه مصلحتهم وتسمح به ظروفهم ، أما باقي عقائدهم الباطلة من سب للصحابة وتكفيرهم لهم وطعنهم بأمهات المؤمنين واستغاثتهم بالأموات وطوافهم بالقبور وباقي ما ذكرناه فهذا يجتمع عليه العام والخاص والعالم والجاهل عندهم لأنها أصول دينهم التي قام عليه فكر الرافضة والتشيع ولذا فانك ترى الرافضي وان كان فاسقا فانه شديد الحرص على هذه الأفكار والعقائد والعمل بها كما انه لا يأبه أن يكون طائعا لله أو عاصيا له فانه بزعمهم قد حصل على صك الغفران وبطاقة الدخول للجنان بغض النظر عما يقترفه من معاص أوٍٍ ذنوب وان عظمت وبلغت
__________
(1) عن أبي عبد الله قال " من أتى قبر الحسين عارفا بحقه كان كمن حج مائة حجة " / المزار المفيد / ص 47عليه .
(2) الفقه العقائد / ص37 ، الأرض والتربة الحسينية / ص 26 .(1/10)
العنان اتباعا لقولهم الباطل الشهير " من مات محبّا لعليّ دخل الجنة ولو كان فاسقا " ، وهكذا تجد عوامهم ليس لهم إلا العمل بما يمليه عليهم سادتهم وكبراؤهم فلا تجد لعقولهم مكانا للتمييز بين الخطأ والصواب ، وتلعب ما يسمى بالمرجعية الدينية الدور الأكبر في توجبه الشيعة والتي تشبه في طريقة عملها دور الكنيسة النصرانية أيام القرون الوسطى حيث تستخدم سلطتها الكهنوتية لفرض آراءها على جماهير الشيعة الذين ليس لهم سوى السمع والطاعة لهذه السلطة وان كان ذلك في معصية لله سبحانه ، ولقد داب من يسموهم علماؤهم على استخدام سلاح العاطفة لاستمالة شرائح المجتمع الشيعي ضاربين على وتر ظلم أهل البيت فأصبحت مجالسهم العامة والخاصة تدور حول هذا الأمر غاصّة بالبكاء والعويل والرثاء والتهويل ، أما كتاب الله فهم لا يهتمون به كما أمر به رب العزة والجلال ولا يفهمون منه إلا ذلك التفسير الباطني الذي أملاه عليهم علماؤهم ولذا فانك تجد أن بضاعتهم في كتاب الله مزجاة وفهمهم له قاصر ، وجلّ دينهم وغاية علمهم هو ما يحفظونه من أدعية وأذكار يتلونها في كل مناسبة من مناسباتهم ( وفاة كانت أو ميلاد ) لائمة أهل البيت أو من ينسبونه إليهم ، أو ما يرددونه في زياراتهم للقبور والأضرحة التي عكفوا عليها .(1/11)
ومع ذلك فانك قد تجد منهم أناسا ًحكّموا عقولهم وتحرروا من ربقة سادتهم وعلماءهم وانطلقوا في عالم الإسلام الرحيب مستجيبين لداعي الله ورسوله ضاربين بعرض الحائط كل الأباطيل والخرافات التي يزخر بها هذا الفكر الهدام معلنين توحيدهم وتمسكهم بسنّة المصطفى عليه الصلاة والسلام بعد أن ذاقوا طعم التوحيد واعتنقوا مذهب أهل السنة والجماعة واستقوا من منهله العذب الزلال ، ولكن مثل أولئك قلة قليلة مقارنة بغيرهم ، فبعضهم أعلن عن توبته ورجوعه إلى الإسلام الحق جهارا كآية الله البرقعي ود. مظفريان رحمهما الله ( في إيران ) إضافة إلى اتباعهم الذين ساروا على منهجهم وتحملوا الأذى والقتل في سبيل الله معلنين براءتهم من هذا المذهب المنحرف الضال ، ومازال هناك من يكابد مشقة التخفي والاستتار خشية الانتقام والبطش الذي ينتظره وخاصة في المناطق التي يكثر فيها الشيعة .(1/12)
هذه المراجعة الموجزة لأفكار القوم أردت أن أسوقها لمن لم يلمّ بعد بحقيقتهم وان بات عذر الجهل بهم غير مقبول ولاسيما في هذه الظروف التي انكشفت بها الحقائق وبانت فيها العورات ، أما من يحسن الظن بهم وما يزال يضرب على وتر التقريب معهم فهذا والله في خطر شديد وضلال بعيد إن لم يسارع إلى الإقلاع عن هذه الأوهام الزائفة ويقف إلى صف الأخيار من هذه الأمة من الذين انبروا لكشف حقيقة الشيعة وما هم عليه من أباطيل وما أنيط بهم من أدوار ، واللاهثون وراء الرافضة بغية تقريبهم ، كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ، فهم أي الشيعة اشد من كثير من أعداء الله حقدا وكراهية وأذى لباقي المسلمين ، والأحداث الراهنة كشفت للقاصي والداني حقيقتهم العارية وتمسحهم بالدين وما هم سوى شرذمة من صنيع الأعداء أريد لهم شق صف الأمة واضعافها وتسليمها لأعدائها ولكن هيهات ، فالأمة اليوم بفضل الله ، على درجة من الوعي واليقظة بمكان لقادرة على إدراك ما يخطط لها أعداءها بغض النظر عن أسماءهم ومسمياتهم وألوان عمائمهم وعباءاتهم والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
* * *
الباب الثاني
أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية " رحمه الله " في حقيقة هؤلاء القوم(1/13)
(1) اصل الرافضة : وقد ذكر أهل العلم إن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبدا لله بن سبأ فانه اظهر الإسلام وأبطن اليهودية وطلب أن يفسد الإسلام كما فعل بولص النصراني الذي كان يهوديا في إفساد دين النصارى (1)، وقال في موضع آخر ، ثم ظهر في زمن علي ( رضي الله عنه ) التكلم في الرفض ، لكن لم يجتمعوا ويصير لهم قوة إلا بعد مقتل الحسين رضي الله عنه ، بل لم يظهر اسم الرفض إلا حين خروج زيد بن علي بن الحسين بعد المائة الأولى لما أظهر الترحم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، رفضته الرافضة فسموا " رافضة "واعتقدوا أن أبا جعفر هو الإمام المعصوم ،اتبعه آخرون فسموا زيديه نسبة إليه(2).
(2) أصول معتقدهم : وهؤلاء أشد الناس حرصاً على تفريق جماعة المسلمين فانهم لا يقرون لولي أمر بطاعة سواء كان عدلا أو فاسقا ولا يطيعونه لا في طاعة ولا في غيرها ، بل اعظم أصولهم عندهم التكفير واللعن والسب لخيار ولاة الأمور ، كالخلفاء الراشدين ، والعلماء المسلمين ، ومشايخهم ، لاعتقادهم أن كل من لم يؤمن بالإمام المعصوم الذي لاوجود له فما آمن بالله ورسوله(3)، وقال في موضع آخر : وأكثر محققيهم ـ عندهم ـ يرون أن أبا بكر وعمر ، وأكثر المهاجرين والأنصار ، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل عائشة وحفصة وسائر أئمة المسلمين وعامتهم ، ما آمنوا بالله طرفة عين لان الإيمان الذي يتعقبه الكفر عندهم باطلا من أصله(4).
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه / ج 8 / ص 483
(2) المصدر نفسه / ص 490
(3) المصدر نفسه / ص 488
(4) المصدر نفسه / ص 481(1/14)
فالرافضة كفّرت أبا بكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وكفّروا جماهير أمة محمد صلّى الله عليه وسلم من المتقدمين والمتأخرين ، ولهذا فانهم يكفّرون أعلام الملة : مثل سعيد بن المسيب وأبي مسلم الخولاني ومثل مالك والاوزاعي وأبي حنيفة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والثوري والشافعي وأحمد بن حنبل والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وغير هؤلاء(1).
(3) عبادتهم : وهم مع هذا يعطلون المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فلا يقيمون فيها جمعة ولا جماعة ويبنون القبور المكذوبة وغير المكذوبة مساجد يتخذونها مشاهد وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخاذ المساجد على القبور ونهى أمته عن ذلك ، وقال قبل أن يموت بخمس :" إن من كان قبلكم يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فاني أنهاكم عن ذلك "، ويرون أن حج هذه المشاهد المكذوبة وغير المكذوبة من اعظم العبادات ، حتى إن من مشائخهم من يفضله على حج البيت(2).
__________
(1) المصدر السابق / ص 477
(2) المصدر نفسه / ص 482(1/15)
(4) ضررهم على الدين : فهم أشد ضررا على الدين وأهله وابعد عن شرائع الدين من الخوارج والحرورية ، ولهذا كانوا أكذب فرق الأمة ، فليس في الطوائف المنتسبة إلى القبلة اكثر كذبا ولا اكثر تصديقا للكذب وتكذيبا للصدق منهم ، وسيما النفاق فيهم اظهر منه في سائر الناس وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : " آية المنافق ثلاث .... الحديث " ، وكل من جرّبهم يعرف اشتمالهم على هذه الخصال ولهذا يستعملون التقية التي هي سيما المنافقين واليهود ، ويستعملونها مع المسلمين ، وقد أشبهوا اليهود في أمور كثيرة ، لاسيما السامرة من اليهود فانهم أشبه بهم من سائر الأصناف ، يشبهونهم في دعوى الإمامة في شخص أو بطن بعينه ، والتكذيب لكل من جاء بحق غيره يدعونه ، وفي اتباع الأهواء أو تحريف الكلم عن مواضعه ، وتأخير الفطر وصلاة المغرب وغير ذلك(1).
(5) موالاتهم لاعداء الله : وهم يوالون اليهود والنصارى والمشركين على المسلمين وهذه شيم المنافقين ، قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فانهم منهم " ، وليس لهم عقل ولا نقل ولا دين صحيح ولا دنيا منصورة ، وهم لا يصلون جمعة ولا جماعة ، وهم لا يرون جهاد الكفار مع أئمة المسلمين ، ولا الصلاة خلفهم ولا طاعتهم في طاعة الله ولا تنفيذ شيء من أحكامهم و لاعتقادهم أن ذلك لا يسوغ إلا خلف إمام معصوم ويرون أن المعصوم قد دخل السرداب من اكثر من أربعمائة وأربعين سنة وهو إلى ألان لم يخرج ولا رآه أحد (2).
__________
(1) المصدر نفسه / ص 479
(2) المصدر نفسه / ص 480(1/16)
(6) حكمهم في الإسلام : والصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر ، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار هي كفر أيضا ، لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه ، فانا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفسيق ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضي الذي لا معارض له(1).
* * *
الباب الثالث
دور الرافضة قديما في التآمر على بلاد المسلمين
وإليكم بعض الحقائق التاريخية أسوقها من الماضي والحاضر تبين الدور الخطير الذي يقوم به الرافضة على مدى هذا الزمان بالتواطؤ والتآمر مع أعداء الله لتكون حجة بالغة على من يدافع عنهم أو يحسن الظن بهم ، وبيانا لمن لم تصله الحقيقة كاملة من غير نقصان :
أولا : دور الرافضة في إسقاط الدولة العباسية بالتآمر مع التاتار .
لقد سعى الرافضة وكما أشرنا منذ نشاتهم إلى السعي لاضعاف الدولة الإسلامية وبشتى الطرق والوسائل وكانت للدولة العباسية نصيبا من هذا الدور توج بالتآمر السافر والتواطؤ مع أعداء الله هولاكو وأعوانه من التاتار باحتلال بلاد المسلمين والإمعان فيها قتلا وتدميرا وتجلى ذلك في احتلالهم لبغداد عاصمة الخلافة في سنة 656 هـ وإسقاط الخلافة العباسية وقتل آخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله ( رحمه الله ) ، وبنظرة سريعة إلى هذا الحدث العظيم الذي غير مجرى تأريخ الأمة المسلمة ودور الرافضة فيه يتضح لنا ومن غير أدنى شك مدى خطورة هؤلاء القوم على المسلمين في كل زمان ومكان .
__________
(1) المصدر نفسه / ص 500(1/17)
قام الرافضة بدورهم في هذا الحدث الجلل من خلال رجلين رافضيين خلد التاريخ ذكراهم بصفحات سوداء ملؤها الخبث والمكر والكراهية للمسلمين ، ( الأول ) هو ابن العلقمي الرافضي لعنه الله الذي كان وزيرا للخليفة العباسي الذي استوزره ووثق به ، وبدلا من الوفاء للأمانة المناطة به في حفظ الدولة والمنافحة عنها فانه راح يتآمر مع التاتار لاحتلال بغداد وإسقاط الخلافة ليبدي بعض ما يكن به صدره من حقد وكراهية كان يضمرها في نفسه لأهل السنة وينتظر الفرصة السانحة ليعبر عنها قولا وعملا ، ومع كل ما قام به هذا الخبيث من تآمر وخيانة لدولة المسلمين إلا أن الله تعالى لم يمهله طويلا فقد أذله الله على أيدي التاتار أنفسهم ومات في غيضه وكمده قبحه الله ، أما دوره في سقوط بغداد ، فابن العلقمي هذا هو الذي استقبل هولاكو وجيشه أثناء دخول بغداد وهو الذي أشار على الخليفة بالذهاب إلى هولاكو لغرض المصالحة بغية الإيقاع به وحين ذهب الخليفة مع سبعمائة راكب من القضاة والأمراء والأعيان حجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفسا وقتل الباقون عن آخرهم(1/18)
( والثاني ) هو نصير الدين الطوسي الرافضي لعنه الله الذي كان وزيرا ومستشارا لهولاكو فهو الذي أشار عليه في قتل الخليفة بعد ما تهيب هولاكو من قتله ، وقد قتل الخليفة ومعه ولده الأكبر أبو العباس احمد وولده الأوسط أبو الفضل عبد الرحمن واسر ولده الأصغر مبارك وأسرت بناته الثلاث فاطمة و خديجة ومريم وقتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين بن يوسف بن الشيخ أبى الفرج بن الجوزي وقتل أولاده الثلاثة كذلك إضافة إلى قتل أكابر الدولة وعلماءها وأمراءها وكانوا يذبحون كما تذبح الشاة ويؤسر من يختارون من بناتهم وجواريهم ، أما من قتل ببغداد من المسلمين وكما قال ابن كثير رحمه الله في إحدى الروايات فان عددهم بلغ ألفى الفي نفس ( أي مليونا إنسان ) من الرجال والشيوخ والنساء والولدان وكان الناس يختبئون في الخانات ويغلقون على أنفسهم الأبواب فيفتحها التاتار إما بالكسر واما بالنار ثم يدخلون عليهم فيهربون إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطح حتى تجري الميازيب من الدماء إلى الأزقة فانا لله وانا إليه راجعون، ومازال السيف يعمل فيهم أربعين يوما ولما انقضى الأمر وانقضت الأربعون يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها والقتلى في الطرقات وكأنها التلول وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم وتغير الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد حتى سرى وتعدى إلى الشام فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح ولما نودي ببغداد بالأمان خرج الناس من تحت الأرض ومن كان بالمطامير(1) والقنى والمقابر كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم وقد أنكر بعضهم بعضا فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه(2).
__________
(1) جمع مطمورة وهي مكان تحت الأرض يطمر فيه البُر أو الفول أو نحوهما وقيل هي السجن ( المعجم الوسيط 2/586)
(2) البداية والنهاية لابن كثير / ج 13 / ص226 بإيجاز(1/19)
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية الرافضة في هذا الأمر قائلا : ولهذا يعاونون الكفار على الجمهور من المسلمين فيعاونون التاتار على الجمهور وهم كانوا من أعظم الأسباب في خروج جنكزخان ملك الكفار إلى بلاد المسلمين وفي قدوم هولاكو إلى بلاد العراق وفي اخذ حلب ونهب الصالحية وغير ذلك بخبثهم ومكرهم لما دخل فيه من توزر منهم للمسلمين وغير من توزر منهم(1).
الخميني يثني على نصير الدين الطوسي الذي تسبب مع أخيه في دينه ابن العلقمي في سقوط بغداد ، يقول : وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحد منا بالدخول في ركب السلاطين، فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدى الامتناع إلى قتله إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين مثل دخول علي بن يقطين ونصير الدين الطوسي رحمهما الله(2) .
قال ابن الأثير في كامله : حادثة التتار من الحوادث العظمى والمصائب الكبرى التي عقمت الدهور عن مثلها ، عمّت الخلائق وخصت المسلمين ، فلو قال قائل إن العالم منذ أن خلقه الله تعالى إلى الان لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا ، فان التواريخ لم تتضمن ما يقاربها(3) .
* * *
ثانيا : دورهم في الحرب على الدولة العثمانية ( السنيّة) :
لقد كان دور الرافضة مؤثرا وخطيرا في عدائهم للدولة العثمانية ممثلا بالدولة الصفوية التي كانت تحكم إيران آنذاك واليكم مقتطفات عن هذا الدور الشائن والقذر على مدى سنين طويلة من عمر هذه الدولة :
تحالف الرافضة مع البرتغاليين ضد الدولة العثمانية أيام إسماعيل ا لصفوي :
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية / ج 8 / ص 478
(2) الحكومة الإسلامية ( للهالك الخميني ) / ص 142
(3) تاريخ الخلفاء للسيوطي / ص 376(1/20)
ابتداءً يعد نسب الصفويين إلى صفي الدين الأردبيلي ، (650- 735 هـ / 1252- 1343 م ) وهو الجد الأكبر للشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية . استطاع الشيخ صفي الدين عن طريق إحدى الفرق التي تزعمها أن يشق طريقه في المجتمع الإيراني وأشيع أن صفي الدين وأولاده ينتمون إلى علي بن أبى طالب ، وقد لجأ صفي الدين إلى التقيّة إذ كان يظهر بأنه سنّي الاتجاه ومن اتباع المذهب الشافعي ولما تمهدت السبل أمام هذه الدعوة
( الشيعية ) أعلن أحد أحفاده إسماعيل الصفوي هذه الدعوة بعد أن فرض المذهب الشيعي على أهل إيران الذين كانوا في غالبيتهم من أهل السنة وأعلن المذهب الشيعي مذهبا رسميا وذلك بالقوة والبطش وإرهاب الناس ولم يكتف بذلك بل نقل دعوته الشريرة الباطلة إلى الأقاليم المجاورة وافتتح ممالك العجم جميعها وكان يقتل من ظفر به وما نهبه من الأموال قسمه بين أصحابه ولا يأخذ منه شيئا ومن جملة ما ملك تبريز وأذربيجان وبغداد وعراق العجم وعراق العرب وخرا سان وكاد أن يدّعي الربوبية وكان يسجد له عسكره ويأتمرون بأمره ، قال قطب الدين الحنفي في الأعلام : انه قتل زيادة على ألف ألف نفس ، وقتل عدة من أعاظم العلماء بحيث لم يبق من أهل العلم أحد من بلاد العجم وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم وكان شديد الرفض ...(1) .
__________
(1) انظر : الإسلام في آسيا منذ الغزو المغولي ، د. محمد نصر ، ص /240 ،
وانظر : البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، لمحمد بن علي الشوكاني (1/271)(1/21)
ولقد تزعم الشاه إسماعيل المذهب الشيعي وحرص على نشره ووصلت دعوته إلى الأقاليم التابعة للدولة العثمانية وكانت الأفكار والعقائد التي تنشر في تلك الأقاليم يرفضها المجتمع العثماني السني حيث كان من عقائدهم الفاسدة تكفير الصحابة ، لعن العصر الأول ، تحريف القرآن الكريم ، وغير ذلك من الأفكار والعقائد فكان من الطبيعي أن يتصدى لتلك الدعوة السلطان سليم زعيم الدولة السنية فأعلن في اجتماع لكبار رجال الدولة والقضاة ورجال السياسة وهيئة العلماء في عام 920 هـ م 1514 م أن إيران بحكومتها الشيعية ومذهبها الشيعي يمثلان خطرا جسيما لا على الدولة العثمانية بل على العالم الإسلامي كله وانه لهذا يرى الجهاد المقدس ضد الدولة الصفوية وكان رأي السلطان سليم هو رأي علماء أهل السنة في الدولة ، لقد قام الشاه إسماعيل عندما دخل العراق بذبح المسلمين السنيين على نطاق واسع ودمر مساجدهم ودمر مقابرهم .....(1).
__________
(1) عوامل نهوض وسقوط الدولة العثمانية / د.علي محمد الصلابي(1/22)
واسمع معي أخي القارئ لهذا الكلام النفيس الذي صدر عن السلطان سليم في رسالته إلى الشاه إسماعيل يتوعده ويتهدده بكل عزة وإباء ( إن علماءنا ورجال القانون قد حكموا عليك بالقصاص يا إسماعيل بصفتك مرتدا ، وأوجبوا على كل مسلم حقيقي أن يدافع عن دينه وان يحطم الهراطقة في شخصك أنت وأتباعك البلهاء ولكن قبل أن تبدأ الحرب معكم فإننا ندعوكم لحضيرة الدين الصحيح قبل أن نشهر سيوفنا وزيادة على ذك فانه يجب عليك أن تتخلى عن الأقاليم التي اغتصبتها منا اغتصابا ونحن حينئذ على استعداد لتأمين سلامتك)(1) ، بل جاء في خطاب آخر مشابه بعد أن قدم للتعريف بنفسه ( أنا الملك الهمام السلطان سليم خان ابن السلطان الأعظم مراد خان ، أتنازل بتوجيه إليك أيها الأمير إسماعيل يا زعيم الجنود الفارسية ... وإذ أفتى العلماء والفقهاء الذين بين ظهرانينا بوجوب قتلك ومقاتلة قومك فقد حق علينا أن ننشط لحربك ونخلص الناس من شرك )(2).
وهكذا وبفضل الله تعالى انتصر المسلمون على الجيش الصفوي في معركة جالديران ودخل تبريز منتصرا ، وعاد سليم الأول بعد أن استولى على الكثير من الأقاليم التي كانت محتلة بأيدي الصفويين ، وهنا يجيء الدور الخياني للرافضة بعد أن ديست هيبتهم بالأقدام وخسروا معركتهم مع أهل الحق ، راحوا يتواطئون مع النصارى ضد المسلمين وأقاموا تحالفا مع البرتغاليين ضد الدولة العثمانية السنية وكانت الاتفاقية بينهم تنص على ( أن يقدم البرتغال أسطوله ليساعد الفرس في غزو البحرين والقطيف كما يقدم البرتغال المساعدة للشاه إسماعيل لقمع الثورة في مكران وبلوجستان وان يكون الشعبان البرتغالي والفارسي اتحادا ضد العثمانيين )(3).
__________
(1) جهود العثمانيين لإنقاذ الأندلس / د. نبيل عبد الحي رضوان ، ص 435
(2) فتح العثمانيين عدن / محمد عبد اللطيف البحراوى ، ص 113
(3) جهود العثمانيين لإنقاذ الأندلس ، ص 437(1/23)
ووصلت ثقة أعداء الإسلام بالرافضة أن وجه البوكيرك إلى الشاه إسماعيل الصفوي الرسالة التالية ( أنى اقدر لك احترامك للمسيحيين في بلادك ، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند وإذا أردت أن تنقضّ على بلاد العرب أو تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو القطيف أو البصرة وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي وسأنفذ له كل ما يريد )(1). وقد تضمن مشروع التحالف البرتغالي الصفوي تقسيم المشرق العربي إلى مناطق نفوذ بينهما حيث اقترح أن يحتل الصفويون مصر والبرتغاليون فلسطين(2) .
(بل إن الشاه لم يتوقف عن البحث عن حلفاء ضد الدولة العثمانية التي أصبحت القوة الكبرى التي تحول بينه وبين الوصول إلى البحر المتوسط وكان مستعدا لان يتحالف حتى مع البرتغاليين اشد القوى خطرا على العالم الإسلامي حينذاك ، وهكذا بينما كان البرتغاليون يخشون وجود جبهة إسلامية قوية ضدهم في المياه الإسلامية ، وجدوا أن هناك من يريد أن يتعاون معهم ، فلا غرو أن وافق الشاه أن تظل هرموز تحت السيطرة البرتغالية في مقابل حصوله على الاحساء )(3).
(2) تحالف الرافضة مع النصارى ضد الدولة العثمانية أيام عباس الصفوي :
__________
(1) قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين / د. زكريا سليمان بيومي ، ص63
(2) المصدر السابق ص 64
(3) الشعوب الإسلامية / د. عبد العزيز سليمان نوار / ص 226(1/24)
انتهز الشاه عباس الصفوي اضطراب الدولة العثمانية وباشر في تخليص عراق العجم واحتل تبريز ووان وغيرهما واستطاع أن يحتل بغداد ، وقد انزل الشاه عباس الصفوي أقصى العقوبات بأعداء الدولة من السنّة فأما أن يقتلوا أو تسمّل عيونهم ولم يكن يتسامح مع أي منهم إلا إذا تخلى عن مذهبه السني وأعلن ولاءه للمذهب الشيعي(1)، ولقد بالغ الشاه عباس الصفوي في عداءه للمذهب السني واتصل بملوك المسيحيين وإمعانا في ضرب الدولة العثمانية حامية المذهب السني فقد عقد اتفاقات تعاون مشترك معهم من اجل تقويض أركان الدولة العثمانية السنية وعامل الشاه عباس الصفوي المسيحيين في إيران معاملة حسنة على عكس معاملته للسنّة وقد كان لمعاملته المتميزة للمسيحيين أن نشطت الحركة التنصيرية في إيران وأصبحت إيران سوق رائجا للتجارة الأوربية ، لقد توج تسامحه مع المسيحيين بان أعلن في عام 1007هـ / 1598 م أوامره بعدم التعرض لهم والسماح لهم بحرية التجول في ربوع الدولة الصفوية(2).
ولقد جامل الشاه عباس الصفوي المسيحيين وشرب معهم الخمر احتفالا بأعيادهم كما انه سمح لم بالتبشير بالمسيحية في داخل إيران واعطاهم امتيازات ببناء الكنائس في كبرى المدن الإيرانية وهذه المعاملة للمسيحيين كانت نكاية في الدولة العثمانية السنية (3).
* * *
وقفات مهمة في هذه المرحلة من التاريخ :
كان للسلطان سليم الأول الفضل بعد الله في إضعاف النفوذ الشيعي في العراق وبلاد فارس وحقق على الصفويين الشيعة الروافض انتصاراً عظيما في معركة جالديران .
__________
(1) الإسلام في آسيا ، د. محمد نصر مهنا ، ص 249، 250
(2) عوامل نهوض وسقوط الدولة العثمانية / د.علي محمد الصلابي ، ص 361 ،362
(3) الإسلام في آسيا ، ص 253(1/25)
كان نتيجة الصراع بين الدولة العثمانية والصفوية ضم شمال العراق وديار بكر إلى الدولة العثمانية ، أمّن العثمانيون حدود دولتهم الشرقية ، سيطرة المذهب السنّي في آسيا الصغرى بعد أن قضى على أتباع وأعوان إسماعيل الصفوي .
كانت للعثمانيين نية أكيدة في استرداد الأندلس إلا أن الشيعة لعبوا دورا مهما في اشغال العثمانيين وبالتواطؤ مع الصليبيين في عدم تحقيق هذا الحلم الذي انتظره المسلمون كثيرا .
* * *
ثالثا : دور الدولة الفاطمية ( العبيدية ) في محاربة المسلمين :
في ما يلي نبذة مختصرة جدا عن هذه الفئة الخارجة من تحت عباءة الرافضة ولولا ضيق المقام لأسهبت في بيان حقيقتها بالتفصيل :(1/26)
دامت دولة الفاطميين 260سنة منها اثنتان وخمسون سنة بالمغرب ومائتان وثمان سنوات بمصر وعدد خلفائها أربع عشرة خليفة أولهم عبيد الله المهدي واخرهم العاضد الذي توفي بمصر يوم عاشوراء سنة 567هـ وبموته انقرضت دولة الفاطميين من المشرق والمغرب، وكانت نهايتهم على يد البطل صلاح الدين الأيوبي ، وكان أول خلفائهم هو عبيد الله المهدي الشيعي الرافضي ( 297ـ 322 هـ ) ، وذكر الإمام الذهبي في ترجمته : عبيد الله أبو محمد أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية الذين قلبوا الإسلام وأعلنوا بالرفض ، وابطنوا مذهب الإسماعيلية (1)، واما العاضد فيقول عنه ابن خلكان : كان شديد التشيع متغاليا في سب لصحابة وإذا رأى سنيا استحل دمه(2). وقد قتل أولئك العبيديون الكثير من علماء المسلمين على مدى حكمهم وتواطئوا مع أعداء الإسلام واستعانوا في حكمهم باليهود والنصارى وغلاة الشيعة ومن اشهر وزرائهم يعقوب بن كلس اليهودي الأصل وبدر الجمالي وابنه الأفضل الأرمني الشيعي(3). وعندما زحف الصليبيون باتجاه القدس وحاصروها وكان قائد حاميتها الأفضل الجمالي وزير المستعلي فتسلمها الفرنجة من دون مقاومة تذكر(4) ، وكان وزيرهم شاور يستنجد بالصليبين خوفا على منصبه من السلطان المجاهد نور الدين محمود وعندما تملك مصر السلطان صلاح الدين وانقطعت الدولة العبيدية اتفق بقايا العبيدية على إرجاع الدولة فراسلوا الفرنجة في صقلية يطلبون المساعدة ولكن المؤامرة كشفت وقتل من تولى كبرها(5).
( ومن أراد الاستزادة فيمكنه الرجوع إلى فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية م/ 28 ، ص 637 )
الباب الرابع
دورهم الحا لي في التآمر على بلاد المسلمين
__________
(1) سير أعلام النبلاء ( ج 15/141 )
(2) وفيات الأعيان 3/111
(3) أيعيد التاريخ نفسه لمحمد العبدة ص 56
(4) المصدر السابق ص 59
(5) الكامل 11/398(1/27)
ويتجلى دور الشيعة في محاربة دين الله في جملة حوادث ومواقف مشينة تبين مدى استعدادهم للمضي والتعاون مع أعداء الإسلام بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وقومياتهم ونلخصه بثلاثة أبواب:
التحالف الرافضي الصليبي المعاصر
التحالف الرافضي الروسي ( الارثودوكسي )
التحالف الرافضي الهندوسي
(1) التحالف الرافضي الصليبي المعاصر : الذي بانت حقيقته من خلال التواطؤ والتعاون بعيد المدى مع أعداء الإسلام في تنفيذ المخطط الصليبي لاحتلال بلاد المسلمين والقضاء على دين الله ( خابوا وخسروا ) :(1/28)
غزو أفغانستان : انكشف الشيعة على حقيقتهم من خلال الدور القذر الذي لعبته راعية الشيعة في العالم ( إيران ) المدعية للإسلام ظلما وجورا وذلك بما فعلته إبان الغزو الصليبي لدولة أفغانستان المسلمة ، حيث لم تأبه دولة الرافضة في إيران بأي شرع أو دين وراحت تقدم كل أنواع الدعم العسكري واللوجستي إضافة إلى فتح الحدود على مصاريعها لقوات الغزو الصليبي في أفغانستان بل وأرسلت جيشها ليقاتل جنبا إلى جنب القوات الغازية ولاسيما في مناطق تحالف الشمال داعمة بكل قوة طائفة الهزارة الشيعية وحزب الوحدة الشيعي وباقي أحزاب التحالف الشمالي العفن لإسقاط الدولة السنّية الفتية المتمثلة بحكومة طالبان ، ويذكر أن شيعة أفغانستان ومع ما يمثلونه من أقلية متركزة في ولاية باميان وسط البلاد كان لهم دور خياني و مشين معروف أثناء غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان فلقد دأبوا حينذاك على قطع الطرق على المجاهدين وابتزازهم والقيام بالتجسس لصالح الروس لكشف ظهور المجاهدين والكيد بهم ، ولما جاء الغزو الأمريكي لعبت هذه الطائفة نفس الدور بالتواطؤ مع الغزاة والقتال إلى جانبهم يدفعها حقدها وكراهيتها البغيضة لاهل السنّة في أفغانستان ، وقامت إيران باتخاذ ولاية هيرات الأفغانية المتاخمة لحدودها قاعدة لها لتمويل وامداد القوات المعادية لدولة طالبان وبالتنسيق مع القوات الصليبية ثم سارعت إيران ومنذ البداية لافتتاح سفارة لها في كابول لإضفاء طابع الشرعية على الحكم الجديد والقيام بمهمات التجسس والتعاون والتنسيق مع المحتل الصليبي ، ويكفي إيران الرافضة خزيا وعارا أن أعلن اكثر من مسؤول لهم متفاخرا ( لولا إيران لما سقطت أفغانستان ) .(1/29)
غزو العراق : من منّا بات لا يعرف حقيقة الدور النجس الذي قام به الشيعة في العراق والى جانبهم إخوانهم في إيران في إسقاط العراق واحتلاله من قبل القوات الصليبية ، فلقد حلم الشيعة منذ مئات السنين في السيطرة على العراق وبسط النفوذ الشيعي فيه وإرجاع أمجاد الدولة الصفوية والبويهية إليه وحيث انهم لا يعنيهم دين أو شرع فلقد هبوا للتعاون والتخطيط المسبق مع الصليبيين في احتلال العراق وبالتنسيق المباشر مع دولة الرافضة في إيران التي كانت تحتضن المعارضة الشيعية المتمثلة بعدد من الأحزاب وعلى رأسها ما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان يترأسه محمد باقر الحكيم الذي قضى قتلا في العراق بعد عودته إليها ، ولقد كانت الوفود الشيعية تروح وتغدو إلى قبلتها في أمريكا لاتمام المخطط المذكور انطلاقا من إيران حاملة لواء محاربة الشيطان الأكبر ( أمريكا ) كذبا وبهتانا ، وهكذا قدم الشيعة من إيران على ظهر الدبابات الأمريكية ليحققوا حلمهم القديم في حكم العراق بالاشتراك مع إخوانهم في الدين ( الصليبيين ) .
ويظهر جليا حقيقة التطابق التام في أهداف وغايات الصليبيين والرافضة في ما يلي :
فالصليبيون لا يهمهم سوى تحقيق الأهداف التالية :
# اتخاذ العراق قاعدة لهم والانطلاق منه للسيطرة المباشرة على العالم الإسلامي وتنفيذ باقي مخططاتهم السوداء منها القضاء على الإسلام ( زعموا أخزاهم الله ) .
# والهدف الآخر لهم هو السيطرة على ثروات المسلمين ابتداء من العراق لدعم اقتصادهم المنهار ولديمومة الغارة على العالم الإسلامي التي تحتاج إلى تمويل ضخم وكبير لا تستطيعه ميزانية أمريكا ولا اتباعها .
# إقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات .
# التعجيل بقدوم المسيح الدجال الذي يتفق عليه الطوائف الثلاثة ، اليهود والصليبيون والشيعة.(1/30)
أما الشيعة فلا يهمهم من يستولي على العراق يهودا كانوا أم نصارى فدينهم لا يتعارض مع مجمل ديانة هؤلاء وليس لهم سوى همّ واحد هو السيطرة على مقاليد الحكم الإداري في العراق لنشر فكر الروافض والقضاء على أهل السنّة فيه ويتركون للصليبيين تولى زمام السيطرة العسكرية والاقتصادية ثم يمضون سوية لاكمال باقي المخطط في باقي الدول الإسلامية ، ولعل بوادر هذا المخطط الأسود بدأت تلوح في السعودية البلد المرشح للسيناريو نفسه في تجنيد الشيعة في المنطقة الشرقية للقيام بدور المطالب لحقوقه وبالتالي ليكونوا راس الحربة في تنفيذ المخطط آنف الذكر لتقسيم السعودية وتحكيم الشيعة فيها وسيطرة الصليبيين على بلاد الحرمين كما فعلوا في العراق ، والأمر ذاته سيتم لا قدر الله مع باقي دول المنطقة ولاسيما منها القريبة من العراق لاستكمال الطوق الشيعي الرافضي الممتد من إيران مرورا بالعراق واجزاء من السعودية ودول الخليج العربي وسوريا ولبنان ليتم خنق المسلمين السنّة وإشغالهم بالشيعة ومن ثم تحقيق حلم اليهود لاقامة دولتهم من النيل إلى الفرات .(1/31)
التنسيق السياسي والعسكري : لقد تحول التنسيق الرافضي الصليبي في العراق إلى فعل مباشر بين القوات الغازية وبين الرجعيات الشيعية وباقي الأحزاب السياسية الشيعية كحزب الدعوة وما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان يقوده الهالك محمد باقر الحكيم ومن بعده أخوه عبد العزيز ، ويعتبر فيلق بدر الذراع العسكري لهذا المجلس ، وهي قوات تم تدريبها وتمويلها في إيران ، وتقوم هذه القوات بمصاحبة القوات الصليبية في اقتحام البيوت الآمنة للعراقيين السنّة وارشادهم لاعتقال من يرفض الاحتلال رجالا كانوا أم نساء كما يقومون بتلفيق التهم لأي كان من أهل السنّة وتحت أي ذريعة وخاصة الوهابية والسلفية ، وهي تهمة جاهزة لكل من يخالفهم ، فيوشون بكل سنّي لمجرد انه ملتزم بدينه أو إمام من أئمة المساجد أو طالب علم إضافة إلى المهام الأخرى من جمع للمعلومات والتجسس لصالحهم ، ولاخفاء هذا الدور القذر والمشين للشيعة فلقد قامت القوات الصليبية بإنشاء قوات الشرطة والأمن وما يسمى بالحرس الوطني من فيلق ( بدر) وبعض الأكراد ( البيشمركة ) إضافة إلى من باع دينه بدنياه ورضي بان يكون دليلا للمحتل وحاميا لمصالحه ، ويتضمن المخطط الخطير هذا تسليم المناطق التي تتركها القوات الصليبية إلى فيلق بدر ومن معهم وباسم قوات الشرطة والدفاع المدني ، ويمكننا أن نتوقع ماذا يمكن أن تحدثه هذه القوات من فساد وتخريب لتنفيذ المخطط الذي أشرنا إليه في هذه الرسالة ، ويشبه دور فيلق بدر الشيعي في العراق إلى حد كبير دور إخوانهم الدروز في فلسطين المحتلة الذين لا يترددون عن فعل أي شيء يمليه عليهم اليهود في اقتحام البيوت واعتقال المقاومين هناك من خلال انخراطهم في جيش الاحتلال وبقسوة تفوق قسوة اليهود أنفسهم ، وهكذا فكل أعداء الله من هذه الفرق الباطنية عندهم نفس الاستعداد بالقيام بذات الأدوار القذرة لأنهم يجتمعون على عقيدة واحدة بل ودين واحد ، والتاريخ(1/32)
يشهد على ما قامت به الحركات الباطنية من دور تخريبي وقتل لقادة وعلماء المسلمين . واليكم هاتين الوثيقتين ( الخطيرتين ) الصادرتين عن هذه القوات تبين لنا مدى الغل والحقد والكراهية التي يضمرها الشيعة لأهل السنّة وما هو طبيعة المخطط المعد من قبلهم للقضاء على أهل السنّة والجماعة في العراق :
الوثيقة الأولى :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد رسول الله وآله المعصومين
يا شيعة علي عليه السلام
وبعد سقوط النظام الصدّامي السني الكافر وإرجاع الحق لنا وما يمتلكه العراقيون من ثروات نفطية ومعدنية وزراعية ومائية فإنه عاد لنا الخمس واستلامه من قبل شيعة علي عليه السلام ومن قبل الحوزة العلمية ، وكما وعدتنا أمريكا وبريطانيا لاستلام الحكم بعد مرور سنة واستلامنا زمام الأمور في السنة المقبلة للأسف ظهر بعض الشيعة يتعاونون مع أبناء العامة ( السنّة ) على عدم السلب والنهب والحرق وعمل الفوضى وخصوصاً في بغداد من أجل استلامنا السلطة ومن قبل الحوزة . إن أهم عمل تقومون به حرق المكاتب العلمية وخصوصاً منها الدينية لأبناء العامة وأهم شيء حرق المطابع التي تطبع كتبهم لتعليم ما يسمى بتفسير القرآن والسنة والحديث الشريف والتاريخ الإسلامي حتى يتسنى لنا وضع كتب جديدة ودراسات جديدة لمعالم القرآن والسنة والحديث الشريف والتاريخ الإسلامي الشيعي وسنة أهل البيت المعصومين ومن خلالها تعليمهم رسالة الخميني قدس الله سره وترك ما جاء به أهل العامة والله يعصمنا منهم .
قيادة قوات بدر
الوثيقة الثانية :
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على محمد رسول الله وآله المعصومين
يا شيعة أبا الحسنين علي سلام الله عليه وعلى آل بيته(1/33)
بارك الله بكم وبما عملتموه من حرق وسلب وتهديم دور الكفرة يا أمة علي إن ورائكم قوة ضاربة. لا تخشوا أحد من أهل السنة ففيلق بدر بالإنذار ينتظرون الأمر بعد خروج دول التحالف واستلامنا السلطة فإن أهل الأنبار وتكريت والموصل قلة ونحن الأقوى وناصرنا علي فهو أمام أهل الأرض والسماء ولا تبدو العداوة لهم هذه الأيام ، لا نريد منكم سوى احتلال بغداد من قبل أهل العمارة خصوصاً والجنوب عامة وطبع الصور لسادتنا ونشر الكاسيت وأقراص الفيديو في أي مكان والشوارع والسيارات والمجلات وخصوصاً وقت رفع آذانهم أو خطبهم وقرب جوامعهم. إن كهرباء الجنوب لأهل الجنوب وليست لهم لا تجعلوها تصل إليهم. اشتروا كتبهم واحرقوها خصوصاُ ما يسمونه بالصحاح واندسوا في جوامعهم والتشويش على صلاتهم فلا صلاة لهم في ديارنا حتى ينصرنا الله عليهم وهذه الرسالة وصلتكم وهي وصية الأمام الحجة ( عج ) .
قيادة قوات فيلق بدر(1/34)
(2) التحالف الرافضي الروسي ( الارثودوكسي ) : مع إن الروس صليبيون مثل إخوانهم غير أن طائفتهم الدينية الارثودوكسية ودورهم في الحرب المعلنة على الإسلام في الشيشان الجريحة جعلنا نفرد لهم مكانا خاصا بهم ، ولا يخفى على أحد العلاقة الودية التي تجمع الحكومة الروسية والإيرانية ، وقد يتساءل من يجهل حقيقة الأمور ما سر هذا التقارب بين الدولتين فهذه دولة رافضية دينية وهذه دولة نصرانية علمانية تضمر العداء للمسلمين ويكفي ما تفعله لاهلنا في الشيشان من قتل وتدمير على مرأى ومسمع من العالم أجمع ، ولم نسمع يوما إيران تطالب برفع الضيم والظلم عن أهلنا هناك ، و الجواب على ذلك يسير فالشعب الشيشاني لا يعني شيئا بالنسبة للرافضة لأنهم من أهل السنّة والجماعة الذين يعتبرونهم أعداء لهم ، فهم أي الرافضة يقتلون ويضطهدون أهل السنّة في إيران فلا غرابة من قيام الطرفين ( الشيعي والروسي ) بالتنسيق والتآمر للقضاء على الجهاد في الشيشان ، ويظهر جليا مقدار التعاون بينهما من خلال النشاط الشيعي المتزايد في مناطق آسيا الوسطى من دول الاتحاد السوفيتي السابق والتي ما تزال تخضع للهيمنة الروسية بالرغم من حصولها على استقلالها ، حيث إننا نرى الحكومة الروسية وهي تغض الطرف عن هذه النشاطات التي تشرف عليها إيران مباشرة ولكنها في نفس الوقت تضيق على أي نشاط لاهل السنّة هناك وتعتبره نوعا من الإرهاب وان كان عملا خيريا يقصد به مساعدة المسليمن من تلك المناطق ، ويلاحظ أن حجم التعاون بين الدولة الصليبية الأرثوذكسية في روسيا وإيران الرافضة قد وصل حدا بات يدعو إلى القلق الشديد بعد أن قامت روسيا بإنشاء المفاعلات النووية لإيران ضاربة بعرض الحائط الاعتراضات التي أبدتها بعض الدول ، وقد يتساءل البعض أليس هذا غريبا في أن تقوم دولة كافرة مثل روسيا بتقوية دولة مثل إيران تدعي الإسلام ولو ظاهرا ؟ ولماذا تحرص روسيا راعية الكنيسة الارثودوكسية(1/35)
على مثل هذا الفعل ؟ ولماذا لا نجد من يقف ضد روسيا أو يوقفها عند حدها سوى ما نسمعه من اعتراضات خجولة تأتي من هنا وهناك ؟
ونختصر الإجابة على ذلك بالنقاط التالية :
1ـ إن الهدف من وراء ذلك لم يعد خافيا على من يعرف الرافضة ودورهم القديم والحديث في خدمة الأعداء وكذلك من يعرف روسيا وريثة الدولة القيصرية الصليبية ، فالغرب الصليبي سكت منذ البداية على إقامة المنشآت النووية في إيران بل وتستر عليها بطرق مختلفة لانه أوكل لروسيا مهمة تسليح الشيعة وتقويتهم على حساب المسلمين .
2ـ إيجاد حالة من التوازن بين السنّة والشيعة بعد أن تمكنت باكستان من تصنيع القنبلة النووية ، فالصليبيون ومن وراءهم اليهود لا يريدون لشوكة الشيعة أن تضعف حتى يبقوا قادرين على تنفيذ المخططات الموكلة بهم على اكمل وجه (مع إن باكستان يحكمها حاليا علماني موال للغرب وضالع في الحرب المعلنة على الإسلام إلا أن أعداء الله يخشون من أن يتمكن المسلمون يوما من السيطرة على مقاليد الحكم في هذا البلد المسلم فيشكلون تهديدا لهم ولاتباعهم من الهندوس والرافضة ).
3ـ مكافأة إيران الرافضة على الخدمات ( الجليلة ) التي قدمتها في إطار معاونة الصليبيين ومن وراءهم اليهود في حربهم على الإسلام .
4ـ خنق المسلمين واحاطتهم بطوق نووي يحاصرهم من الشرق والغرب يمنع تحركهم ويقضي على طموحهم في التحرر من ربقة أعداءهم وتطلعهم إلى إقامة دولتهم المسلمة فوجدوا ضالتهم في إيران الرافضة شرقا ودولة الكيان الصهيوني غربا .
5ـ أما اعتراضات أمريكا فليست سوى جزءا من سيناريو لعبة التظاهر بمعاداة إيران من جهة وللتغطية على العلاقة الحميمة التي تجمعهما من جهة أخرى .(1/36)
6ـ ستبقى قضية التسليح النووي الإيراني خاضعة لحسابات المصالح التي تجمع بين الأطراف المشاركة في حربها على الإسلام ولا يمنع من أجل إتمام اللعبة وتمريرها على السذج من الناس في أن تقوم أمريكا بعمل عسكري ما لضرب هذه المفاعلات من باب ذر الرماد في العيون والتظاهر أمام العالم برفضها لفكرة التسلح النووي الإيراني وهي في ذات الوقت تحرص كل الحرص على جعلها أقوى دولة في المنطقة بعد ( إسرائيل ) ، ومثل هذا السيناريو ليس مستبعدا على غرار الحرب الصورية القائمة بين ما يسمى بحزب الله وبين دولة الكيان الصهيوني حينما نسمع كل بضعة اشهر بحدوث بعض الاحتكاكات بين الطرفين على حدود ( شبعا ) كي يتم في الأذهان ترسيخ فكرة العداء بين هذا الحزب الرافضي وبين إخوانهم اليهود في الوقت الذي يقوم هذا الحزب بحماية الحدود الشمالية لدولة اليهود في ( إسرائيل ) ، وسنأتي إلى ذكر هذا الموضوع لاحقا .
* * *(1/37)
(3) التحالف الرافضي الهندوسي : وهذا التحالف بات جليا من خلال التنسيق المباشر الذي يتم بين الحكومة الهندوسية العنصرية في الهند والتي قادها حزب بهارتيا جاتيا الهندوسي الذي يسعى لاستئصال الإسلام من القارة الهندية وبين إيران الرافضة في كافة المجالات ومن خلفهم من حزب المؤتمر الهندي فكلهم سواء في حربهم على الإسلام ولكن الأول كان يظهر عداءه للإسلام والثاني يتبع سياسة خفية وخبيثة للقضاء عليه ، ومن ينظر إلى العلاقات الهندية الإيرانية يجدها في غاية التعاون والتنسيق مع كل ما يضمره الهندوس من كراهية للمسلمين لانهم أي الهندوس يعرفون تماما من هم الشيعة كما يعرفهم باقي أعداء الله ، أما كشمير الجريحة فلم تجد من إيران الرافضة سوى التآمر والخذلان كما فعلت مع باقي المسلمين من أهل السنّة في باقي أنحاء العالم ، ولو نظرنا إلى العلاقة الخاصة التي تربط الهند بإسرائيل والتقارب الظاهر بين الهند وإيران لأدركنا خطورة هذا التحالف الذي تتشابه أهدافه وتنتظم غاياته في حرب الإسلام واستئصال شأفته ، ولا ننسى أن نذكر الدور الذي يلعبه الشيعة في باكستان وبدعم مباشر من إيران في إثارة الفتنة الطائفية والسعي لنشر أفكار التشيع فيها بل أن النشاط الشيعي لا يقتصر على الطريقة السلمية التي دأب على استخدامها الشيعة لمناوئة المسلمين في بلادهم ( ظاهرا ) ، بل أن هذا الدور قد تعدى إلى النشاط العسكري في قتل رموز أهل السنة كما فعلوا مع الشيخ إحسان الهي ظهير رحمه الله الذي كان له الدور الرائد في كشف عقائد الشيعة وأباطيلهم من خلال سلسلة كتبه المعروفة وباللغات العربية والأردية ، وهذه هي طبيعة الشيعة المعروفة بالتخفي والتلون أخذا بالتقية واتباعا لمنهجهم الباطني فإذا كانوا قلة وغير قادرين على إظهار عقائدهم الباطلة اكتفوا بإبطان ما يعتقدونه إلا لمن يثقون به فان تمكنوا اظهروا عقائدهم وأسفروا عن وجوههم الكالحة واستخدموا كل طريقة(1/38)
للقضاء على خصومهم وهم لا يتوانون لتنفيذ مآربهم وتحقيق غاياتهم الشريرة في التعاون مع كل عدو من أعداء الله من شياطين الإنس والجن .
* * *
الباب الخامس
سعي أعداء الإسلام لنشر فكر التشيع في بلاد المسلمين
بغية تحقيق الأعداء لأهدافهم الشريرة وسعيهم لإيجاد البديل للإسلام فانهم لم يجدوا افضل من فكر التشيع لهذه المهمة الفاشلة بإذن الله ، فلقد علم أعداء الإسلام وأيقنوا تماما بان من يقف بوجه تحقيق مخططاتهم السوداء وأحلامهم المريضة هم ا المسلمون ونقصد بهم أهل السنّة والجماعة ، ولذا فنحن نرى تسابق هؤلاء الأعداء إلى دعم الشيعة وبكل وسيلة والسعي إلى تمكينهم في بلاد المسلمين لانهم خير من يخدمهم ويحقق أهدافهم ، ومن هذه الوسائل :
1ـ الترويج الإعلامي : لم يعد مستغربا أن نرى دأب أجهزة الإعلام الماسونية والصليبية ومن وراءها الإعلام العربي الإسلامي المدجن إلى إظهار الشيعة بمظهر المظلوم والمضطهد ، مسلطة الضوء على كل شاردة وواردة متعلقة بهم فلا يتركون تصريحا ولو كان تافها من أدنى رجالاتهم إلا ونشروه بل إن هذه الأجهزة المأجورة سارعت منذ البداية إلى ترديد الأكاذيب التي يطلقها الشيعة بأنهم الأغلبية في العراق وان أهل السنّة أقلية فيه لكي يوجدوا مبرر التدخل في العراق بحجة الدفاع عنهم ومن ثم تسليمهم الحكم هناك ، أما أخبار أهل السنّة في العراق أو في باقي العالم الإسلامي وما يقع عليهم من ظلم وجور فلا تكاد تجد من ينقلها في الإعلام ، فهذه الفلوجة الباسلة ذبحت ذبحا وهدمت على رؤوس أهلها فلا تسمع للإعلام إلا صوتا خافتا أو خجولا لا يكاد يفصح عن عشر الحقيقة الدامية التي ألمّت بمدينة المساجد ، أما أخبار المجاهدين وبطولاتهم في العراق وباقي بلاد المسلمين فلا تجد سوى التشويه والتحريف قضلا عن التقليل من أهمية الانتصارات الباهرة التي يحققونها على القوات الصليبية الغازية .(1/39)
2ـ التدخل لدى حكومات المنطقة : وصل الحال بأعداء الإسلام إلى حد إثارة موضوع الشيعة في البلدان التي يتواجدون فيها تحت ما يسمى بحقوق الاقليات وهي محاولة أخرى لابراز الشيعة ودعمهم وتمكينهم ، ويذكر بأن الشيعة على قلتهم يتمتعون بنفس حقوق باقي أهل البلاد إن لم يكن اكثر ويكفي دليلا انهم يسيطرون على الكثير من مفاصل الاقتصاد والتجارة في كثير منها ولا سيما بلاد الخليج العربي ، ولقد ساعدت المواقف الضعيفة لحكومات هذه البلاد في قبول املاءات الغرب وأعوانهم في هذا المجال ، بل إن سفارات الدول الغربية فتحت أبوابها للشيعة لتلتقي بهم علانية بما يشبه اللقاءات الرسمية ليتحدثوا عن احتياجات الشيعة ومطالبهم وعلى مرأى ومسمع من حكومات تلك البلدان ، ونتيجة لذلك كله بدأت عقيرة الشيعة في هذه البلدان بالارتفاع مطالبين بحقوق أكثر( ويقصدون بها السيطرة على مقاليد الحكم فيها ) ، وبدأت حكومات هذه الدول بالسماح للشيعة ببث سمومهم علانية من خلال الظهور بالإعلام ونشر كتبهم المليئة بالشركيات وسب الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وصرنا نرى الحسينيات تبنى في بلاد كان يوما التوحيد شعارها .(1/40)
3ـ تغيير التركيبة السكانية : ولقد تمادت الدوائر المعادية في دعمها للرافضة في واحدة من اكبر عمليات التزوير حيث يجري تغيير التركيبة السكانية للعراق على اثر قدوم الآلاف من شيعة إيران إلى مناطق مختلفة من بلاد الرافدين وخاصة مناطق الجنوب وبغداد بغية زيادة النسبة العددية للشيعة الذين يمثلون الأقلية في البلاد ، كما يتم تهجير أهل السنّة من مناطق الجنوب التي يكثر فيها الرافضة تحت وقع التهديد والقتل ، كل هذا يحصل والصمت مطبق على الجميع من أجل تمرير المخطط المذكور وتمكين الشيعة في بلد الخلافة والقضاء على أهل السنّة فيه ، علما بان استخدام الشيعة ( الإيرانيين خاصة ) في مخطط تغيير التركيبة السكانية في كثير من بلاد المنطقة يجري منذ فترة طويلة إلا إن وتيرته زادت بشكل ملحوظ بعد مجيء الخميني الهالك وكانت أكثر هذه الدول استهدافا هي بلدان الخليج العربي إضافة إلى العراق .(1/41)
4ـ نشر المنظمات الشيعية في العالم : ويدخل ضمن مخطط دعم الرافضة على مستوى العالم ما يجري من انتشار للمنظمات الشيعية في مناطق كثيرة وتحت أسماء وشعارات مختلفة تارة باسم المراكز الثقافية وأخرى باسم المؤسسات الخيرية وغيرها ، وتبذل حكومة الرافضة في إيران أموالا طائلة لدعم هذه النشاطات بغية نشر التشيّع في كثبر من البلاد عربية كانت أم غير عربية وبدراية تامة من الدوائر الغربية وبغفلة أو سكوت مقصود من القائمين على هذه البلاد واذكر هنا الانتشار الخطير للفكر الشيعي في بعض بلدان أفريقيا حيث تستخدم الحكومة الإيرانية الطريقة نفسها التي تستخدمها المنظمات التنصيرية في استغلال حاجات الناس وفقرهم وبرزت وللأسف السودان كواحدة من الدول التي نجح فيها الرافضة في تأسيس موطأ قدم لهم هناك عن طريق ما يسمى بالمراكز الثقافية وغزو الجامعات بطرق مختلفة والصرف بسخاء على من يرغب بالالتحاق بالجامعات الإيرانية ليرجع بعد فترة وقد امتلأ بالفكر الرافضي الذي يطفح بغضا وحقدا على أهل السنّة والجماعة ، وقد ساعدت الأفكار ( الثورية) التجميعية والمختلطة التي تحملها حكومة الإنقاذ في تسهيل مهمة الرافضة إضافة إلى انتشار الفكر الصوفي في السودان وهو بدوره كان جسرا لدخول الرافضة من باب الجهل المنتشر في صفوف الصوفية وضرب الرافضة على وتر حب أهل البيت الذي يلقى صدى لدى أهل السنّة عموما ، أما الدول الإسلامية في ما يسمى بالاتحاد السوفيتي السابق فلقد كانت وما تزال هدفا لسهام الرافضة المسمومة ولجملة أسباب منها قرب هذه الدول من إيران وخروجها الحديث من تحت ربقة الحكم الشيوعي الذي دام أكثر من سبعين سنة الذي أشاع فيهم الجهل والبعد عن الدين فلم يتأخر الرافضة في استغلالهم ونشر التشيع بين الكثير منهم وبذات الطرق المعهودة عندهم .(1/42)
5ـ السكوت العالمي المريب : وفي ظل هذا المخطط الأثيم فإننا لا نسمع من يثير أمر النشاط الشيعي المنظم والمتزايد وعلى كل الصعد في كثير من البلاد ولا سيما في الدول العربية وبأشراف من السفارات الإيرانية هناك ، ولم يرد إلى مسامعنا اعتبار نشاطات إيران في هذا المجال ضربا من التدخل في الشؤون الداخلية لتلك البلاد يهدف إلى زعزعة أنظمة الحكم فيها ! ، كما لم يبلغنا اهتمام وزراء الداخلية العرب المولعين بمكافحة الإرهاب قي درج النفوذ الشيعي الطائفي على جدول أعماله ! ، ولا ندري لماذا لم يصدر ولو قرار دولي واحد يدين إيران ويعتبرها دولة إرهابية تستحق العقوبات كما يحصل لباقي الدول ؟ ، ولماذا تسارع أوربا وعلى رأسها بريطانيا في كل مرة إلى احتواء أي خلاف يزعم بين إيران وأمريكا ؟ ، ثم أين أولئك الذين ملئوا الفضاء صراخا وهم يدعون إلى تجفيف ينابيع المؤسسات الخيرية الإسلامية ، مالنا لا نسمعهم يدعون إلى تجفيف ينابيع المؤسسات الشيعية في العالم التي تدعو جهارا إلى الطائفية والفرقة وإثارة العنف ؟ ، وهل ترى قد عميت أبصار حاملي لواء مكافحة الإرهاب عن النشاطات العسكرية للمليشيات الشيعية المسلحة في مناطق عديدة من العالم ؟ ففي العراق مثلا تجد لكل حزب شيعي ميليشيا عسكرية مدربة ومدعومة من قبل إيران وعلى رأسها ما يسمى بفيلق بدر الذي أشرنا إليه آنفا ! ، أما في لبنان فان لما يسمى بحزب الله ( الشيعي ) ميليشيا يتم تسليحها ودعمها من قبل إيران وبإشراف وتدريب ما يسمى بالحرس الثوري الإيراني في الوقت الذي يضيق على أهل السنّة في ذلك البلد ويمنعون من حمل السلاح ولو دفاعا عن أنفسهم فضلا عن منعهم من ممارسة الكثير من حرياتهم مع انهم أهل البلاد الأصليون ، أما أتباع هذا الحزب الشيعي فان الكثير منهم ذوو أصول إيرانية قدموا ضمن مخطط تشييع لبنان المدعوم من قبل دولة الرافضة في إيران . أما باكستان فإنها تعج بالمليشيات الشيعية(1/43)
المسلحة على قلة عدد الشيعة هناك وهي مدعومة أيضا من قبل إيران ولا اعتقد بان أحدا لم يسمع عن الجرائم التي يرتكبها شيعة باكستان في حق أهل السنّة ورموزهم وعلماءهم هناك على نفس الطريقة التي يتبعها إخوانهم الشيعة في العراق ؟ فلماذا يسكت على كل هذه الحقائق الدامغة ويغض الطرف عنها ؟ ولماذا لا نسمع لها صدى في الإعلام العالمي أو في أروقة ما يسمى بالأمم المتحدة إلا نتفا من أخبار مبتورة ؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها !! ، واترك للقارئ اللبيب الإجابة على هذه التساؤلات ليعرف حجم المؤامرة التي تدار على المسلمين .
* * *
الباب السادس
من مصطلحات المرحلة الراهنة
(1) الصليب الشيعي : لقد أطلق البعض على المخطط الرافضي للسيطرة على بلاد المنطقة بالهلال الشيعي وهذه التسمية ليست دقيقة فالهلال هو شعار المسلمين والرافضة هم اشد الطوائف المنتسبة للإسلام بعدا عنه وعداء له ولهذا فان من الصواب بمكان أن نسمي هذا المخطط بالصليب الشيعي لانه يظهر حقيقة التحالف الصليبي الرافضي ويلقي الضوء على حالة التشابه بل والتطابق التام في مصالح الروافض مع إخوانهم الصليبين لاحكام السيطرة على المنطقة كما أشرنا آنفا ابتداء من لبنان ومرورا بسوريا وأجزاء من السعودية والعراق إلى إيران وأفغانستان ، وهذا لايعني بان باقي الدول القريبة ليست ضمن مخطط الصليب الشيعي المأفون بل إن الشيعة وبمساعدة أسيادهم سوف لن يألو جهدا في السيطرة على باقي بلدان المنطقة ولا سيما منها دول الخليج العربي الأقرب إلى إيران والأضعف أمام الإرادة الصليبية ولوجود نسبة لا بأس بها من الشيعة في بعضها .(1/44)
(2) مثلث الشر : يفصح المخطط آنف الذكر وبشكل لا يقبل الجدل مقدار التعاون الوثيق بين الرافضة وباقي أعداء الله كما بينته سلسلة الأحداث المتوالية التي عصفت بالمنطقة والتي أثبتت وبشكل لا يخفى إلا على من أعمى الله بصيرته بان أعداء الإسلام وعلى رأسهم الصليبيون ومن وراءهم اليهود يمثلون ما يصح أن نطلق عليه مثلث الشر المعادي للإسلام أما باقي أعداء الإسلام على اختلاف دياناتهم وعقائدهم فهم يدورون في فلك هذا المثلث الأسود ويخدمون مخططاته ، وقد يفضل البعض أن تكون رؤوس هذا المثلث مكونة من الصليبيين والرافضة والهندوس ويتوسط هذا المثلث نجمة داود شعار اليهود ، ونتيجة لالتقاء مصالح هذا المثلث الآثم فهم يسعون إلى القضاء على الإسلام وتدمير بلاد المسلمين والسيطرة على خيراتهم .(1/45)
(3) تغيير المناهج : ما نسمع به هذه الأيام عن ما يسمى بتغيير المناهج أو الأصح تسمية تغيير العقائد يصب هو الآخر في ذات المخطط الساعي إلى تغيير معالم الإسلام ومن ثم القضاء عليه من خلال مناهج دراسية وتثقيفية واجتماعية متميعة لا تتحدث عن ثوابت الدين وانما تحاول أن تساوي الإسلام بباقي الأديان ، وهذه المناهج المشوهة والمنحرفة ستسعى إلى نشر العقائد الهدامة والأخلاق الفاسدة وتهدف إلى إبعاد المسلمين عن دينهم فلا يبقى منه إلا الاسم ، ويشرف على هذا المخطط منظمات ومؤسسات دولية تقوم ينشر أفكارها في مناهج التدريس و في الإعلام وفي باقي مناحي الحياة العامة وتحت شعارات براقة كالدعوة إلى الإسلام المعتدل ، والوسطية في الإسلام ، والدعوة إلى التسامح ونبذ العنف ، وحرية الرأي والتعبير ، وكلها كلمات حق يراد بها باطل يقصد بها إلغاء عقيدة الولاء والبراء لدى المسلمين وترويضهم وجعلهم تبعا لغيرهم ، ولتحقيق ذلك سيكون من حق أي إنسان أن يقول في الإسلام ما يشاء ! أليس الإسلام دين الرحمة والتسامح ؟ ومن ثم لا بد للمسلم أن يتسع صدره لسهام الطعن في دينه وفي رموز أمته لان المطلوب منه أن يكون مسلما متحررا منفتحا لا مسلما منغلقا متزمتا ، وستحمل أفكار التغيير هذه في ثناياها الدعوة إلى الاختلاط والسفور مغلفة بشعارات حرية المرأة والدفاع عن حقوقها ، وبدأت مظاهر هذا المخطط تأخذ طريقها في الظهور فيما نراه فعلا من تغيير لمناهج التدريس في كثير من الدول العربية والإسلامية ، وللشيعة في هذه الصفقة نصيب في حرية نشر أباطيلهم وعقائدهم الفاسدة ولهم أن يقولوا ما يشاءون في أهل السنّة سواء طعنا أو سبّا بل ولهم الحق في أن يمعنوا في أهل السنّة تشريدا وتقتيلا ، أما أهل السنّة والجماعة فليس لهم الحق في الرد على غيرهم والدفاع عن أنفسهم وإلا اتهموا بالطائفية ، وصار الشيعية يستخدمون تهمة الطائفية لرمي من يحاول كشف حقيقتهم واظهار(1/46)
باطلهم على غرار ما يفعله اليهود بخصومهم واتهام من يخالفهم بمعاداة السامية.
(4) الحرب الطائفية : لا يعتبر مصطلح الحرب الطائفية جديدا على مسامع الناس ولا سيما من عاش فترة الحرب الأهلية اللبنانية ، ولكننا بدأنا نسمع هذه ( النغمة ) مؤخرا في ظل ما يجري في العراق من حرب صليبية رافضية مشتركة تشن على المسلمين ، ولقد دأب هؤلاء الأعداء على التهديد بهذه الحرب كلما ضاقت بهم الأمور ووجدوا أنفسهم في حال لا يحسد عليها نتيجة الضربات التي يتلقونها على أيدي المجاهدين ، وكالعادة يحاول الرافضة خلط الأوراق والتظاهر بالظلم والمسالمة واتهام أهل السنّة بمحاولة إشعال نار الحرب الطائفية وهذا بالتأكيد أمر مجاف للحقيقة لان أهل السنّة وهم أهل البلد والأغلبية فيه لم ولن يكونوا يوما حريصين على البدء بمثل هذه الحرب لأنها وببساطة تتعارض مع قيمهم ومبادئهم من جهة وتشغلهم عن مهمتهم الكبرى في مواجهة المحتل وأعوانه وإخراجهم من بلد الخلافة من جهة أخرى ، وعلى العكس من ذلك وجدنا الشيعة من خلال أحزابهم وبتوجيه من أسيادهم ومرجعياتهم يمارسون هذه الحرب وان لم يكن على نطاق واسع في قتل أهل السنّة وتشريدهم كما يحصل بشكل علني في مناطق الجنوب وفي البصرة على الوجه الأخص أما في بغداد فإنهم يتبعون أسلوب الغدر والخديعة في قتل رموز أهل السنّة كلما سنحت لهم الفرصة ، وبفضل الله فان أهل السنّة وعلى رأسهم السادة المجاهدون قد فطنوا لحيل الرافضة ومن يخطط لهم من الصليبين فبذلوا قصارى جهدهم لتجنب مثل هذه الحرب كي لا يتهموا بالطائفية كما يتمنى أعداء الإسلام فيشوهوا صورة جهادهم ومقاومتهم ولكي يتفرغوا لمناجزة الأعداء على اختلاف أشكالهم ، وكما قلنا فان قيام هذه الحرب ليس مستبعدا إذا وجد أعداء الإسلام أنفسهم في وضع لا يستطيعون من خلاله الاستمرار في المنازلة فإنهم سيلجئون إلى عبيدهم وخدمهم من الرافضة لزجهم حطبا في أتون هذه الحرب ، وعندئذ(1/47)
فان أهل السنّة لن يجدوا مناصا من خوضها دفاعا عن دينهم ووجودهم وسيكونون لهم ولأسيادهم بالمرصاد .
وقد ضاق ذرعا مصطلوها بحرّها وعادت جحيما نارها تتسعّر
وكلمة إنصاف نقولها فليس كل مرجعياتهم عندها الاستعداد للدخول في مثل هذه الحرب ولا سيما التي لا تتلقى أوامرها مباشرة من إيران وهي قليلة ، وذلك لأنهم يعرفون بان هذه الحرب لا قبل لهم بها بعد ما خبروا أهل السنّة وشجاعتهم بوقوفهم أمام اعتى قوة في الأرض ، فحرب خاسرة سوف لن تحقق لهم طموحاتهم في السيطرة على العراق التي يسعى إليها جميعهم من دون استثناء . ولابد من التحذير إلى أن الشيعة المتواجدين في البلاد المحيطة بالعراق وكذلك في بلدان الخليج العربي التي يشكل الشيعة فيها نسبة لا بأس بها من عدد السكان ، فإنهم لن يتأخروا في الوقوف إلى جانب إخوانهم في العراق أي أن المنطقة كلها ستصطلي بنار هذه الحرب ( لا قدر الله ) .(1/48)
(5) الأمن أولا : كلمة حق يراد بها باطل هي الأخرى بتنا نسمعها في كثير من المناسبات وخاصة على ألسنة من باعوا بلادهم للأجنبي بغية خلط الأوراق والتلبيس على الآخرين ليوهموا الناس بان احتلال بلاد المسلمين ليس فقدانا للأمن كما انه ليس من الأولويات التي يجب أن يضعها الناس في حسبانهم ، بل أنهم جعلوا وجود الأعداء في بلدانهم سببا لاستتباب الأمن وبقاءه حسب زعمهم ، وهم يريدون من الناس أن لا يفكروا سوى بأمنهم ( الشخصي ) ولو أدى ذلك إلى ضياع البلاد والعباد والتنازل عن دينهم ومبادئهم ، وهذا يعني أن المسلمين عليهم أن لا يلقوا بالا لما يحصل لهم من أهوال ونكبات على أيدي الكفار والطامعين ، وأن لا يكترثوا إن احتل الكفار أرضهم وبنوا فيها قواعدهم فالمهم عندهم هو التفكير بمأكلهم ومشربهم وعيشهم ( الآمن ) ! ، هذا هو ببساطة ما ترمي إليه هذه العبارة ، أما العبث بأمن الدين ومحاولات القضاء عليه وتضييع الأجيال الناشئة وتغييبهم والمضي في خطط تغريبهم وطمس هويتهم ونشر الفساد والرذائل بينهم فهذا كله لا يشكل أي ضرر على الأمن (حسب الوصفة الغربية ) ، وإنما سيكون الأمن في خطر حسب زعمهم متى ما طالب المسلمون بحقوقهم وأرادوا أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم والتحرر من قبضة أعداءهم وإخراج المحتل من أرضهم وتحكيم شرع الله فيهم ، وحينئذ سوف تنهال عليهم كل أنواع الأوصاف ( المجافية للأمن ) ابتداء من التطرف وانتهاء بالإرهاب مرورا بالتكفير والخروج على ولي الأمر ، وكالعادة لن يتأخر سدنة السلطان من شيوخ سوء عن إصدار الفتاوى المتباكية على الأمن المزعوم ، ولكنهم يغمضون أبصارهم عما يفعله أعداء الأمة من تدمير لأمن المسلمين يوم أن فتحت أبواب بلادهم مشرعة أمام الصليبيين وأعوانهم من اليهود والباطنيين أما ما يجري من إفساد منظم للمجتمعات المسلمة على أيدي من باع دينه بدنياه فهذا حسب اعتقادهم لا يشكل إخلالا بالأمن ، فالصحيح شرعا وعقلا أن(1/49)
نقول الإسلام أولا وليس الأمن أولا ، فلا أمن من غير إيمان ، فما فائدة أن يكون الإنسان آمنا في بيته وبلده محتل من قبل الأجنبي ؟ وما الطائل من أمنه الشخصي ودينه مهدد بالزوال على أيدي أعداءه المهيمنين على مقدرات حياته ؟ وهل الأمن بمفهومه الضيق الذي يروجون له هو موجود فعلا ؟ أم أنها أكذوبة كباقي الأكاذيب التي انطلت على السذج من المسلمين ! فالأمن الحقيقي هو ما كان في ظل الإسلام وفي طاعة الله وترك معاصيه ، ولا بقاء لأمن أي كان نوعه إذا الناس ابتعدوا عن ربهم وقابلوا نعمه بالكفر والمعصية ، فكثرة المعاصي وعلى رأسها الشرك بالله وما يندرج تحته من تحكيم للقوانين الوضعية هو إيذان بذهاب الأمن وزواله وحلول الخوف محله ، وما البلايا والمصائب إلا صورة من صور العذاب الذي ينزله الله في الناس إذا أوغلوا في الذنوب والمعاصي وأمنوا مكر الله ، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، فمن ذا الذي يمنّ بالنعم على الناس ومنها نعمة الأمن أليس هو الله تعالى ؟ ألم يقل الرب سبحانه في كتابه الكريم " الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " ، أليس هو المعطي وهو المانع ، فلماذا إذن لا يطلب الأمن من معطيه وهو الله ولماذا نطلبه من غيره ؟ ولماذا نجعله مقصورا على الأمور الشخصية ونتغاضى عن الأمن الأكبر الذي هو أمن الدين ؟ إن مفهوم الأمن الحقيقي في الإسلام يتضمن أمنين ، أمن دنيوي وأمن أخروي ، ففي الدنيا جاء الإسلام ليحفظ للمسلم عليه دمه وماله وعرضه وعقله وقبل هذا وذاك دينه ، أما في الآخرة فالأمن من النار والفوز بالجنة هو غاية ما يتمناه العبد المؤمن ، وكلا الأمنيين مرتبطان بأعظم حقيقة في هذا الوجود وهي توحيد الله سبحانه الذي هو مدار دعوة رسل الله كافة ، وهو إفراد لله بالعبادة ونبذ الشرك بكل صوره وأشكاله ، ومن غير التوحيد فلا أمن للناس ولن يجنوا من حياتهم سوى الخوف والقلق وعدم الاطمئنان ، يقول تعالى " الذين آمنوا ولم(1/50)
يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " ، والظلم في الآية معناه الشرك ، أي إن من جاء بالتوحيد ولم يشرك بالله شيئا فان جزاؤه الهداية في الدنيا والأمن في الدنيا والآخرة ، ويقول تعالى " وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ، أما قوله تعالى " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " ، فهذه الآية الكريمة تبين وبوضوح بان الله وعد الناس بالاستخلاف والتمكين والأمن إذا جاؤوا بشروط الإيمان والعمل الصالح وعبدوه وحده لا يشركون به شيئا .
فالأمن الذي يتحدث عنه أعداء الله والسائرون في ركابهم هو أمن شكلي ولا يلبث حتى يزول لان عوامل بقاءه غير موجودة ، ويكفي أن ننظر إلى العد التنازلي للمفهوم الأمني بمعناه الضيق لدى كثير من الدول بسبب شيوع الفساد وانتشار الرذيلة والفواحش في مجتمعاتهم مع أنهم يبذلون أموالا طائلة لتامين أمنهم ولكن من غير نتيجة ، فكيف يستتب الأمن في بلد ما وهو محتل من فبل الأعداء ؟ وأنّى للأمن في بلد وقد نحيت شريعة الإسلام فيه جانبا ؟ وكيف يتأتى الأمن في بلد وقد أغرقت الخمور أسواقه والربا تعاملاته حتى صار الناس لا يعرفون أحلالا يأكلون أم حراما ؟ .
فمن أراد الأمن حقا فعليه أن يكون مؤمنا موحدا حقا ، وأما الحديث عن امن بلا إيمان واحتلال للأوطان في ظل عبدة الطاغوت والشيطان فإنما هو أمن زائف لا يحمل في ثناياه سوى الخوف وفقد الأمان وعذاب من الرب الديّان .
* * *
الباب السابع
أدوار ومواقف(1/51)
تتلخص نوايا الأعداء وأهدافهم بتسليم البلاد الإسلامية للشيعة أو ما شابههم من الطوائف والفرق الباطنية التي خرجت من تحت عباءتهم ، وبذلك يحكم أعداء الإسلام سيطرتهم على البلاد الإسلامية من خلال هذه المجموعات التي تبدي استعدادا متناهيا في خدمة الأعداء وتنفيذ مخططاتهم ، أما أهل السنّة والجماعة والذين يمثلون الأغلبية الساحقة في بلاد المسلمين فإنهم إن لم يرضخوا للأعداء ويشاركوا في مخطط احتلال بلاد المسلمين والقضاء على دينهم فإنهم سيبقون خارج دائرة الضوء ويلاقون بسبب موقفهم هذا أشد أنواع الاضطهاد والتهميش وبطرق مختلفة وسيحرمون من المشاركة في صناعة القرار حتى يكونوا طوع أمر أعداءهم وما يجري في العراق حاليا يوضح بجلاء حقيقة ما نشير إليه ، وفي حالة عدم وجود الرافضة والفرق المنبثقة عنها في بلد ما فان الاختيار حينها سيقع على ما يسمى بالاقليات الدينية أو العرقية ليلعبوا تفس الدور كما هو الحال بالنسبة للنصارى في مصر أو في السودان ، أما البلاد التي تخلو تماما من هذه الفرق والطوائف وهي قليلة نسبيا فان الرهان سيقع على العلمانيين ( أيتام الشيوعيين ) الذين لن يألو جهدا في تنفيذ هذه المخططات والتاريخ المعاصر شاهد على ما اقترفته أيديهم بحق الشعوب المسلمة .
ويبرز في هذا المجال جملة من المواقف والأدوار كان وسيكون لها تأثير بارز في تحريك عجلة الأحداث :
(1) دور الجهاد في إفشال مخططات الأعداء :(1/52)
جاءت الأحداث في العراق على غير ما توقعه أعداء الله فاهل هذا البلد ومن معهم من أخيار الأمة قاموا من تحت الركام وراحوا يواجهون واحدة من اخطر الحلقات في سلسلة الحروب الصليبية الحديثة بعد أن استحضروا معاني الإيمان في نفوسهم وادركوا بان العودة إلى الله والعمل بشريعته وسلوك طريق الجهاد هو السبيل الأوحد للفوز برضا الله سبحانه واخراج الأمة من محنتها ومواجهة مخططات الأعداء الرامية إلى القضاء على دينها واستعبادها ، ولقد منّى الصليبيون وأذنابهم الشيعة والمتحالفون معهم ، أنفسهم بالسيطرة التامة على العراق بعد سقوط نظام صدام ، ولكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن ، وما كان الله ليجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا ، فاهل السنّة في العراق وإخوانهم من باقي أراضى المسلمين هبوا للدفاع عن دينهم وضربوا أمثلة في التضحية والفداء يعجز القلم عن ذكرها وباتت ملاحمهم وبطولاتهم قصصا يرددها القاصي والداني ، فأتى هذا الجهاد على مخططات الشيعة وأسيادهم في احتلال بلد الخلافة واقامة حكم شيعي فيه وبإشراف صليبي ، فوالله الذي لا اله إلا هو ، فلولا هذا الجهاد لكان العراق واهله من السنّة فريسة سهلة ولقمة سائغة في فم أعداءهم ، ولكتب الله المهانة والذلة عليهم ، ولسلط عليهم أراذل القوم من الشيعة وأعوانهم ، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " ( صحيح الجامع ) ، وهذه هي سنّة الله تعالى في من يسلك هذا الطريق نصر من الله وتمكين في الأرض ورفعة بين الناس وخوف في قلوب الأعداء وجنات عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين .(1/53)
المجاهدون سادتنا : موضوع كثر الحديث حوله ولا بد من ذكره وهو من له الكلمة الأخيرة في صناعة القرار لأهل السنّة في العراق هل هي هذه الجهة السنيّة أو تلك ، فنحن لا نريد غمط حق احد منهم فالكل لهم الحق في المشاركة في الدفاع عن دينهم وحفظ بيضة أهل السنّة والجماعة ولكن حق اتخاذ القرارات المصيرية كانت وستبقى لسادتنا المجاهدين الذين هم أهل الثغور وفي مقدمة الجبهات وهم أدرى بالأحوال من غيرهم وليس لأي جهة أيا كان وجودها أو تأثيرها أو حرصها وإخلاصها ، مصادرة ذلك الحق الذي كفله لهم الدين والشرع الحنيف ، وهذا الحق جاء من الاعتبارات التي سبقت إضافة إلى ما يلي :
(1) فالمجاهدون هم أكمل الناس هداية لأنهم أعظمهم جهادا مصداقا لقول الله تعالى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين " ( راجع الفوائد لابن القيم ص 58 ) .
(2) الجهاد في سبيل الله يوجب الإمامة في الدين لأن المجاهد أحوج الناس إلى الصبر واليقين اللذين بهما تنال الإمامة في الدين مصداقا لقول الله تعالى " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " ( راجع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية م 28 / ص 442 ) .(1/54)
(3) أجمع الكثير من أهل العلم بأنه إذا اختلف الناس في شيء فلينظر ماذا عليه أهل الثغور فان الحق معهم كما نقل عن عبدالله بن المبارك واحمد بن حنبل استدلالا بآية الهداية ( المصدر السابق ) . فلا ينبغي إلا أن يكون الجميع إلى جانب المجاهدين الذين هم سادتنا بحق وهم الوحيدون الذين لهم كل الحق في قيادة الأمة بعدما أثبتت كل التجارب بأنهم هم من يهب دوما للدفاع عن مقدرات الأمة ووجودها وهم من يقدم التضحيات الجسام التي لا قبل للآخرين بها وهم من رفضوا منذ البداية أن يساوموا على مبادئهم في الوقت الذي راح من يحسب نفسه على أهل السنة في اللهث وراء المحتل تحت ذريعة أو أخرى ، ويبقى دور المخلصين من أبناء ألأمة هو إبداء المشورة وإسداء النصيحة لهم ونصرتهم وإعانتهم بكل غال ونفيس .(1/55)
(2) دور الحكام : أما حكومات دول المنطقة وان كانت محسوبة في غالبها على السنّة فإنها غير مكترثة بما يجري من مؤامرات ودسائس للقضاء على الإسلام حتى وان كان بصورة غزو عسكري يقصد منه احتلال بلاد المسلمين علانية ، لان الهمّ الوحيد لهذه الحكومات هو البقاء في الحكم والمحافظة عليه ، وهؤلاء الحكام الذين أعمتهم شهوة الحكم ينسون أو يتناسون بان أعداء الإسلام لن يتوقفوا عند حد ولن يكتفوا بأي تنازل حتى يتخلى المسلمون عن دينهم ، فهم الذين قال الله فيهم " ولا يزالون يقاتلونكم حنى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا " وقال تعالى " ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء " ، فالحكام بسكوتهم على هذه المخططات والرضى بما يجري سواء فيما يتعلق بالهجمة الصليبية المعاصرة التي تقودها أمريكا أو ما يقوم به الشيعة من دور تآمري بالتعاون مع الصليبيين للسيطرة على بلاد المسلمين ، يحمّلهم مسؤولية التخلي عن أماناتهم في الدفاع عن الأمة وحفظ بيضتها ، أما إن تحول السكوت إلى المشاركة الفعلية في الحرب الصليبية التي يشنها أعداؤها عليها بغض النظر عن نوع المشاركة فهذا يضعهم في مصاف الأعداء وللامة كل الحق في أن تعاملهم بما هم أهله ، وقولهم بأنهم غير قادرين على الوقوف تجاه هذه المخططات لن يعفيهم من المسؤولية بعد أن سلموا قيادهم للأجنبي وتركوه يسرح ويمرح في بلاد المسلمين ، وان التاريخ سيذكر لهم مواقفهم كما ذكرها لامثالهم ، فالأندلس ليست منا ببعيد وحكام دول الطوائف الذين باعوا أنفسهم للصليبيين بهدف البقاء في حكمهم لم ينس لهم التاريخ دورهم الخياني في التفريط بمقدرات الأمة وثوابتها وظلت اللعائن تلحق بهم بعد موتهم لتضييعهم لبلاد المسلمين ، و فلسطين الجريحة فهي الأخرى تشكو إلى الله ما جرى لها على أيدي حكام المسلمين يوم أن تخلوا عنها وباعوها بابخس الأثمان وليتهم وقفوا معشار ما وقفه عبدا لحميد الثاني آخر خلفاء الدولة العثمانية(1/56)
يوم أن رفض بيع فلسطين لليهود مع أن دولته كانت حينذاك بأمس الحاجة إلى المساعدة وهي تتهاوى تحت الضائقة الاقتصادية ومحاولات أعداء الإسلام لإسقاطها .
(3) موقف علماء المسلمين : أما علماء المسلمين فمسئوليتهم لا تقل عن مسؤولية الحكام تجاه ما يجري إن لم تكن اكثر ، فالعلماء هم ورثة الأنبياء وهم الدالون على الخير والدعاة إلى المعروف وهم عيون الأمة لتعرف من خلالها الحق من الباطل ومن غير أهل العلم فالأمة مصيرها التيه والضلال ، والمقصود بهم هنا هم العلماء الربانيون ممن أفنى حياته في طلب العلم والعمل به والدعوة إليه والصبر على الأذى في نشره وهم من آثروا الدنيا على الآخرة وأبوا أن يبيعوا أخراهم بنزر يسير من حطام الدنيا الزائل ، وهم من لا يرضون بالضيم وان يدنس أرضهم عدو وهم من تراهم في الصف الأول في حرب الأمة مع عدوها يشحذون همم الرجال وبقوون من عزائمهم ويشدون من عضدهم ويذكرونهم بفضل الجهاد وأجر الشهادة ، وفي ظل الظروف الحالكة التي تمر بها الأمة وتكالب أعداءها علبها يكون للعالم الدور الأهم في توجيهها وهدايتها إلى سبيل الهدى والرشاد ، وهذا ما كان عليه العلماء من سلف الأمة حينما قادوها في معاركها مع أعداءها ولم يجلسوا في حلقات العلم فحسب فضرورة الدفاع عن وجود الأمة ومصيرها يحتم عليهم التصدي لكل مشكلات الأمة ولا يخصونها بأمر دون آخر ، ويكون من الواجب عليهم أن لا يكتموا علما بيّنه الله للناس كي لا ينطبق عليهم قول الله تعالى " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" ويكون لزاما عليهم الجهر بالحق وعدم الخوف في الله لومة لائم كي يصدق فيهم قول الله تعالى " الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله " ، وأن يحذروا من أن يكونوا أداة لتضليل الأمة وخداعها كي لا يقعوا تحت طائلة قول الله تعالى " ليحملوا(1/57)
أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون " ، فمن التضليل تسويغ احتلال بلاد المسلمين وإيجاد الأعذار الواهية لتسليم الأمة لا عداءها بحجة عدم القدرة على مقاومة الأعداء وعدم وجود الراية الواضحة وعدم موافقة ولي الأمر ، ومن التضليل اشغال الأمة بمواضيع هي بعيدة كل البعد عن ما يجري لها ويتركون الحديث عن الأمر الجلل الذي ألمّ بها ، فأولوية الحديث يجب أن تكون عن الحرب الصليبية التي يشنها الأعداء عليها وبيان دور المتواطئين معهم ، وأي محاولة للتهوين من هذا الأمر وابعاد أنظار الناس عنه ليس سوى تضليل للامة وتلبيس للحقائق وبعد عن الحق المبين .(1/58)
وامثال من ينسب نفسه إلى العلم وهو يريد للامة أن تبقى مستعبدة لدى أعداءها ، كي يسومونها الذل والهوان فيسفكون دماء أبناءها ويستبيحون أعراض نساءها ويغتصبون خيراتها وثرواتها ، ليسوا سوى مشايخ سوء باعوا دينهم بثمن بخس وراحوا يتصدون لفتوى منع الجهاد والدفاع عن الأمة ومقدراتها واظهار الجهاد بأنه فتنة يجب الفرار منها ، ودوافع هؤلاء لم تختلف عن دوافع أقرانهم على مر العصور ، إمّا : موظف يعمل لدى الحاكم فهو يأتمر بأوامره ولو كانت مخالفة لشرع الله ومثل هؤلاء لا يهمهم أن يعرفوا الحق من عدمه لان الأمر عندهم سيان ، وإمّا : عالم بالحق ولكنه آثر السلامة والبقاء في وظيفته ومنصبه على أن يقول كلمة الحق بل راح يردد ذات الفتاوى الباطلة لينأى بنفسه عن طائلة المحاسبة والعقاب ، وثالث : أحمق جاهل جمع بعض العلم وترك بعضه فهو يتخبط في فتواه وهو يحسب انه يحسن صنعا ، ورابع : يحمل منهجا هدّاما ينسب به نفسه إلى منهج السلف الصالح وهو أبعد ما يكون عنه ومثل هذا تجده لا يهتم إلا بالأمور المظهرية وهو عادة لا يكترث بما يحدث للمسلمين من مصائب ونكبات على أيدي أعدائهم ويدعو المسلمين إلى التغاضي عما يجري لهم والاكتفاء بطلب العلم ، وليتهم طلبوه وعملوا به لكان خيرا لهم ، ودور هؤلاء لا يختلف عن دور الصوفية حينما كانت الأمة منشغلة برد الأعداء ومناجزتهم وهم منشغلون بما يسمونه ذكرا في حلقاتهم ، وهذه الفئة ليس لها تأثير سوى على الجهلة من الناس ومن يسيرون في ركاب منهجهم الأعوج الهزيل وهم اقل من أن يحجبوا عين الشمس بغربال .(1/59)
ولذا لابد للصادقين من علماء الأمة أن يقوموا بدورهم كما ينبغي ولا يتركون الساحة خالية لشذاذ الآفاق وأدعياء العلم من الضلال والأفاكين ولا بد أن يعوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم ويصدعوا بالحق المبين ويبينوا للامة ما لها وما عليها في الوقوف بوجه أعداءها الطامعين بها فهذا هو دورهم في كل زمان وهذا هو قدرهم الذي اختاره الله لهم فلا يتأخروا عن أداء رسالتهم في وقت باتت الأمة بأمس الحاجة إليهم .
(4) موقف الأكراد : كثر الجدل حول موقف الأكراد مما يجري العراق ، ولابد حين الحديث عن هذا الموضوع الاستعانة قليلا بالتاريخ لمعرفة حقيقة الأمر ، فالأكراد على مدى الزمان كانوا سندا لإخوانهم المسلمين ولا سيما العرب منهم فهم سنّة وعلى المذهب الشافعي ويكفي أن نذكر الأسرة الأيوبية ومواقف البطل صلاح الدين لنعرف من القوم ، ولكن الأكراد وطيلة الحقب الزمنية المتتالية تعرضوا لظلم شديد على يد الأعداء بعد أن وقفوا في خندق المسلمين وتوالت عليهم المؤامرات من قبل حكومات الدول التي تواجدوا فيها وتعرضوا إلى اضطهاد كبير ولّد عندهم الشعور بالظلم والغبن وحب الانتقام وفي هذه الأثناء بدأت بعض التيارات العلمانية والماركسية تجد لها مكانا في المجتمع الكردي ولا سيما إن هذه التيارات والأحزاب كانت ترفع الشعارات التحررية التي كانت سائدة آنذاك وحسب قاعدة الفعل ورد الفعل فان الأكراد لم يجدوا من يقف إلى جانبهم لينصرهم في محنتهم بل كانت الدول العربية تقف متفرجة لما يجري لهم على يد الحكومات التي تحكمهم ومنها حكومات العراق مما زاد عزلة هذا الشعب المسلم وتطلعه إلى الخروج من النفق المظلم الذي يسير فيه وكانت حكومة صدام من هذه الحكومات التي أوغلت في إيذائها للأكراد وقتلت الكثير منهم وقامت بحملات التعريب المشهورة فهجر الكثير منهم إلى مناطق الجنوب وجيء بالكثير من العرب إلى مناطقهم ، ودرج أعداء الإسلام عن طريق الأحزاب(1/60)
العلمانية المذكورة على تغذية الأفكار المعادية للإسلام وترسيخ المفاهيم القومية لديهم واتهام الإسلام بأنه وراء مصائبهم ونكباتهم وان العرب هم من جاءوا بالإسلام إليهم وهم من يذيقهم العذاب على يد الحكومات ( العربية ) ، فوضع الأكراد بين خيارين أحلاهما مر إما الاستمرار بالعيش تحت وطأة هذه الحكومات الظالمة واما الارتماء في أحضان من ينقذهم منها وان كان صليبيا كافرا ، فنجح المخطط ورضي الكثير منهم بالوقوف إلى جانب المحتل تحت حكم هذه الأحزاب علّهم يظفروا ولو إلى حين بالأمان والطمأنينة التي حرموا منها دهورا .(1/61)
موقفنا تجاه إخواننا الأكراد المسلمين : علينا أن لا ننسى بان الأكراد ليس كلهم في صف الأجنبي فما يسمى بالبشمركة ( وهي ميليشيات الأحزاب الكردية العلمانية المتمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود البرزاني وحزب الاتحاد الكردستاني الذي يرأسه جلال الطلباني ) هي من تقف الآن إلى جانب المحتل الصليبي وتشارك في تنفيذ مخططاته ، ولا بد من التفريق بينهم وبين الكثير من الأكراد الذين رفضوا أن يكونوا عونا للأجنبي ومن انخرط في مقاومة المحتل ، ومن ناحية أخرى فان الأحزاب المذكورة والمدعومة مباشرة من الصليبيين أضحت تلعب دورا بوليسيا قذرا في ملاحقة الأخيار منهم وإبداعهم السجون والمعتقلات كما دأبت هذه الأحزاب على نشر الرذيلة والفساد في ربوع المجتمع الكردي وقصر استخدام المدارس والمؤسسات الحكومية على اللغة الكردية في خطة خبيثة تهدف إلى إبعاد الأكراد عن الإسلام وإزالة هويتهم الإسلامية علما بان الكثير من الأكراد في العراق يتحدثون العربية بالإضافة إلى لغتهم الكردية ، ويكفي أن نعرف بان كردستان العراق صارت تكتظ بالكنائس والحسينيات بعد أن كانت تعج بالمساجد ، وما فتح الأبواب لليهود والنصارى والرافضة لنشر أفكارهم هناك إلا جزء من هذا المخطط الأسود ، فلا بد من الحذر والانتباه إلى المؤامرة الدنيئة التي تهدف إلى سلخ الأكراد عن مجتمعهم المسلم واستغلال ما مروا به من محن لغرض استعمالهم في تنفيذ مخططات الأعداء ومحاربة إخوانهم من المسلمين وهذا يتطلب منا الحكمة في التعامل معهم ، وعدم الانعزال عنهم ، واظهار فهمنا لقضيتهم ، وإبداء التعاطف معهم ، والاستمرار في نصحهم ، وتذكيرهم بأمجادهم ومواقفهم الإسلامية على مر التأريخ ، وبذلك نكون قد قطعنا الطريق على الأعداء واحبطنا ما يسعون إليه لتقسيم المسلمين وإثارة النزاعات بينهم وضربهم ببعض وجعل منطقة كردستان معقلا لليهود والصليبيين والرافضة .(1/62)
(5) دور ما يسمى ( بحزب الله ) : لعب هذا الحزب لشيعي دورا مميزا في خضم هذه الأحداث وعمد إلى خلط الأوراق واظهار الشيعة بمظهر المقارع للمحتل بعد ركوبه موجة ما يسمى بالمقاومة الإسلامية ولعبه بالورقة الفلسطينية التي كانت وما زالت من القضايا الحساسة لدى جماهير الأمة ومن هنا بدا هذا الحزب مشواره التضليلي واستقطابه لأنظار الجهلة من الناس ممن لا يعرقون حقيقة الشيعة وعداءهم لاهل الإسلام ودورهم الخبيث في خدمة مخططات الأعداء على مدار هذا الزمان ، ولا يخفى على المطلع بان هذا الحزب هو صنيعة إيرانية بمباركة يهودية وبدعم من دول الجوار اللبناني ، وتتلخص أهداف هذا الحزب بالتالي:
نشر التشيّع في ربوع مسلمي لبنان ابتداء من جنوبه والقضاء على الهوية السنيّة فيه .
كبح جماح أهل السنة في لبنان وتهميشهم وتجريدهم من أي سلطة عملية واناطة دور قيادة المجتمع للشيعة والنصارى .
لعب دور المعادي للمحتل ( الإسرائيلي ) ودفع تهمة الخيانة عن الشيعة وما اشتهروا به من تواطؤ مع أعداء الله .
استغلال عواطف العوام من أهل السنة بالتظاهر بنصرة القضية الفلسطينية والضرب على وتر المقاومة لكسبهم وإدخالهم في دين الرافضة من خلال توظيفهم للإعلام الموجه والمدعوم من قبل إيران .
جعل لبنان منطلقا لاتمام مخطط إنشاء الصليب الشيعي آنف الذكر .
من فمك أدينك : والدليل على صدق ما نقول هو جملة أشياء منها الموقف المخزي لهذا الحزب من جملة الأحداث التي مرت وتمر بها الأمة في الفترة الأخيرة ابتداء من احتلال أفغانستان ومرورا بالعراق ومناصرته للشيعة ومرجعياتهم المتواطئة مع المحتل الأجنبي ضاربا هو الآخر بشعارات المعاداة لأمريكا عرض الحائط وكاشفا عن وجهه الطائفي الكالح .(1/63)
وأما الدليل القاطع والذي لايبق لاحد أدنى شك في حقيقة عمالة هذا الحزب وتواطئه مع أعداء الله ، هي شهادة الأمين السابق لحزب الله صبحي الطفيلي والذي بين فيها عمالة هذا الحزب لإسرائيل ودوره في حماية حدوده الشمالية ، فاسمع معي إلى شهادته التي أجرتها مع قناتا الجزيرة والعربية ( وان كنت لا أريد أن انقل عن قناة العربية بالذات لكونها صنيعة الأعداء وبوقا من أبواقهم ولكنني عملت بقول النبي صلى الله عليه وسلم " صدقك وهو كذوب" فأخذت عنها ما ينفع الاستدلال به في هذا الموضوع ، أما الجزيرة فلها مالها وعليها ما عليها وليس هذا هو موضوعنا ) ، ففي برنامج زيارة خاصة في قناة الجزيرة وبتاريخ 23/7/2004 م قال فيما نصه :
مقدم البرنامج : وكأنك تتهم حزب الله وكأنه يحمي حدود إسرائيل؟
صبحي الطفيلي: نعم مش أتهم وهل هناك من يشك بذلك، الإسرائيليون من بعد ما انتزعوا ما عرف بتفاهم نيسان(1996م ) اللي اعترف حزب الله من جهته أنه بمنأى بالامتناع عن ضرب الأهداف الفلسطينية اليهودية في فلسطين إنه هو مقاومة لبنانية داخل الأرض اللبنانية إذا هناك جنود إسرائيليون في لبنان هو له حق أن يقاتلهم أما ليس له حق أن يقاتل داخل فلسطين يعني موضوع تحرير فلسطين وما شابه ذلك موضوع شطب من الخريطة وهنا كانت المصيبة يعني هنا كانت الكارثة .
وفي العربية ومن خلال برنامج نقطة نظام قال فيما نصه :
والموجود اليوم على الحدود ( يقصد حزب الله ) يحمل سلاحاً ليحمي العدو الإسرائيلي ومن لا يصدق ليذهب يحاول أن يقوم بعملية ضد العدو الإسرائيلي لنرى من يمنعه من يدخله إلى السجن من يعذبه من ينتقم منه؟ ا.ه. ومن أراد أن يستزيد ويطلع على تفاصيل هاتين المقابلتين فهي موجودة على مواقع هذه الفضائيات ولتكون حجة على من لا يزال يتوسم الخير بالرافضة وينسى حقيقة معتقدهم وتاريخهم .
* * *
الباب الثامن
دور المسلمين تجاه التحالف الرافضي الصليبي الغاشم(1/64)
لعل ما جاء في هذه الرسالة كاف لمعرفة حقيقة التحالف ولا أقول التقارب الرافضي الصليبي ودوره في إدارة الأحداث في المنطقة وآثار هذا التحالف عليها حاضرا ومستقبلا ، ولكن الأهم من كل هذا ما هو دورنا نحن المسلمين في مواجهة محور الشر المتمثل بهذين العدوين ومن وراءهما اليهود ومن معهما من الأعداء الآخرين الذين توافقت أهدافهم وغاياتهم ، وحول هذا الموضوع أود أن أوجز ما هو مطلوب من كل مسلم حريص على دينه ويهمه أمر المسلمين بالتالي :
1ـ معرفة الرافضة على وجه الحقيقة والاطلاع على أفكارهم وما فيها من انحراف وبعد عن الإسلام وعدم حسن الظن بهم أو إيجاد الأعذار لهم تحت أي ذريعة كانت حتى يرجعوا إلى الإسلام الحق ويقلعوا عن أباطيلهم .
2ـ النظر إلى التحالف الصليبي الرافضي بعين الجد والحذر كي لا تؤخذ الأمة على حين غرة في أماكن أخرى وكي تعد عدتها لمواجهة هذا التحالف الخطير ، كما يجب توقع ما هو أسوأ لان هذين العدوين لا يكترثان بدين أو عرف أو أخلاق .
3ـ التواصل مع المسلمين من أهل السنّة والجماعة من كافة القوميات وتقوية أواصر الصلة بهم كي ينمو كيانهم وبعلو شانهم ويكونوا قوة لا يستهان بها أمام أعداءهم .
4ـ تنبيه الغافلين ، ممن لا يزالون يتوسمون الخير في الرافضة ، إلى خطر هذه الفئة على الإسلام وما يضمرونه من أحقاد وأضغان واستعدادهم التام للتعاون مع أعداء الله لمحاربة هذا الدين .
5ـ متابعة خطط الأعداء التي تسعى إلى نشر فكر التشيّع في ربوع المسلمين وإجهاضها وذلك بفضح هذه المخططات من جهة ونشر مفاهيم الإسلام القائمة على الكتاب والسنة الصحيحة من جهة أخرى ، وفي هذا الصدد لابد من قطع الطريق على المحاولات الجارية لتغيير التركيبة السكانية لبعض الدول العربية والإسلامية عن طريق الهجرة المنظمة للشيعة إلى تلك البلاد ولا سيما منها العراق ودول الخليج العربي وتنبيه المخلصين فيها إلى خطورة هذا الموضوع.(1/65)
6ـ التأكيد على أهمية التوحيد عقيدة وأهل السنة والجماعة منهجا للوقوف أمام التيارات الضالة والمنحرفة وكشف زيفها ، حيث أن التوحيد هو الوسيلة المثلى لمواجهة الأفكار الهدامة التي يدعو إليها الرافضة ومن تلفع بعباءتهم من الفرق الباطنية الأخرى ، فبالتوحيد قامت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوات رسل الله عليهم السلام ، فإذا عرف الناس التوحيد وعملوا به فحينئذ تزول مظاهر الشرك التي تدعو إليها الفرق الباطنية من عبادة قبور والتجاء إلى غير الله وغير ذلك من الأفكار التي عادة ما يشجعها أعداء الله ويسعون إلى نشرها ، وبالتمسك بسنّة النبي صلى الله عليه وسلم يصفو الدين من ادران البدع ومحدثاته والتي طالما تجدها موجودة في طيات الفكر الباطني من رافضة وغيرهم ، وهذا كله يتطلب الاستزادة من العلم بدين الله لمعرفة الحق واهله ومجانبة الباطل واهله ، فالجهل كان وسيبقى السبب الرئيسي لانتشار الباطل وشيوعه بين الناس ومن غير العلم الشرعي سيكون من السهل على أعداءهم التغرير بهم ونشر أفكار الضلالة بينهم وما انتشار التشيّع في بعض بلاد المسلمين إلا دليل على ذلك .
7ـ الاهتمام بأمر المسلمين عامة والتفاعل مع ما يجري لهم والتخلص من صفة الأنانية وحب الذات ، والتذكر بان المسلم أخو المسلم ومن واجب الاخوة في الدين الاهتمام بأمر المسلمين ونصرهم بالغالي والنفيس وعدم البخل عليهم بدعوة أو نصيحة أو إعانة متذكرين حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته وما من أحد ينصر مسلما قي موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته " ( صحيح الجامع ).(1/66)
8ـ نفرة المسلمين لنصرة دينهم وعدم اعتبار ما يجري في بلد مسلم ليس بمرتبط ببلد آخر تكريسا لمفاهيم العصبية التي زرعت فيهم ، فالكل مستهدفون بدينهم وليس أحد بمنأى عن ما يخططه الأعداء ، والجميع تربطهم رابطة الإسلام الخالدة التي هي أقوى من كل علاقة وأمضى من كل وشيجة ، كما أن همومهم وآلامهم الواحدة تجعلهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، كل ذلك يجعل مسؤولية الدفاع عن دين الله فرض عين على جميع المسلمين بغض النظر عن ألوانهم أو أعراقهم أو أوطانهم .
9ـ وجوب العلم والإحاطة بما يخطط له أعداء الأمة مصداقا لقول الله تعالى " وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين " ، كما يجب على الأمة أن تعمل بقول ربها سبحانه " وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " ، فيعد المسلمون أنفسهم إيمانيا وبدنيا ولا ينتظرون حتى يدخل الأعداء عليهم ديارهم فيجدون أنفسهم من غير حول ولا قوة ليس لديهم سوى سلاح الحسرة وقضم الشفاه .
وفي الختام
فاني أدعو أمتي إلى البدار لطاعة الله والتمسك بدينه فانه المخرج من الفتن والمهرب من المحن ، ولابد أن تعي الأمة حجم المخاطر المحدقة بها وقد أحاط بها أعداءها من كل جانب ، وهنيثا لمن أقبل على آخرته واعرض عن دنياه فبذل نفسه رخيصة لله ويا لبؤس وشقاء من عاش لنفسه ورضي أن يكون عبدا لهواه فلم يكترث بما يحدث للمسلمين ولم يكن عونا لهم ، نسال الله سبحانه أن يحفظ المسلمين من كيد أعداءهم وينصرهم على عدوهم ويقيم لهم دولتهم انه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله وسلم على النبيّ المصطفى محمد وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار وسلم تسليما كثيرا .
والحمد لله رب العالمين(1/67)
وجاء دور المجوس
الجزء الثالث
أحوال أهل السنة
في إيران
عبد الله محمد الغريب
قامت شبكة الدفاع عن السنة بنشر هذه المادة العلمية على الانترنت
ونسأل الله تعالى أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه تعالى
2
المحتويات
مقدمة ....................................................... .... 5
ملحوظات ....................................................... 17
قضية أهل السنة في ايران ........................................ 21
مقدمة ........................................... ... 22
مجلس شورى أهل السنة ........................... 33
مبادئ مجلس الشورى ............................. 33
موقف الخميني من المجلس ......................... 38
رسالة زادة للخميني ............................... 41
رسالة زادة لبني صدر ............................. 50
المجموعة المقترحة بشأن إصلاح الدستور .......... 58
الفصل الأول : حول إزالة الظلم الطبقي ............ 59
الفصل الثاني : حول إزالة الظلم المذهبي .......... 63
الفصل الثالث : حول إزالة الظلم القومي ........... 65
البيان الأول . .......................................74
البيان الثاني ..................................... .. 77
البيان الثالث ...................................... 81
بيانات مكتب قرآن حول إجراءات الحكومة .................... 95
بيان 1 ............................................... 96
3
بيان 2 .............................................. 99
بيان 3 .............................................. 103
بيان 4 .............................................. 105
بيان 5 ............................................ 107(2/1)
بيان 6 .......................................... . 108
بيان 7 ........................................... 110
بيان 8 .......................................... 113
بيان 9 .......................................... 115
تعليقات على الرسالتين السابقتين ........................... 121
مقابلات ........................................... 137
خراسان ........................................... 140
بلوشستان ........................................... 147
حاشية الخليج ....................................... 150
عز الدين الحسيني ................................. 152
مقابلة مع الشيخ ضيائي .................................... 155
تعليق ...................................................... 165
أحوال أهل السنة بعد توقف الحرب ....................... .. 167
مقدمة ................................................ 169
منهج التربية الإسلامية ............................... 171
سياستهم العملية مع المدرسين و الطلاب ............. 172
تزويج من شاء من السنة بالشيعيات .................. 176
4
تغيير معالم المناطق السنية ........................... 177
كيف يعاملون المهاجرين السنة من الأفغان .......... 178
تطبيق مبدأ فرق تسد ................................ 179
اتهاماتهم لعلماء السنة ............................... 180
أسبوع الوحدة الإسلامية ............................ 182
جيش البسيج ...................................... 183
تكفيرهم للسنة ..................................... 184
بشائر خير ........................................ 185
مشاهدات علماء أهل السنة الذين زاروا ايران .............. 189(2/2)
تقرير الشيخ الزاهد الراشدي ....................... 191
تصريحات رئيس علماء باكستان .................. 200
تقرير الشيخ محمد سعيد بانو ........................ 203
* ماذا يجري في سجون الآيات ؟ ..............................206
شهادة أهل السنة .................................... 207
مقتطفات من تقرير لمنظمة العفو الدولية ....... 217
الرهائن ........................................ 220
شهادة قاض .................................... 224
المحاكمات الجائرة .............................. 225
التعذيب الجسدي ................................ 226
الاعتداءات الجنسية .......................... 229
التعذيب النفسي .............................. 230
الحبس الانفرادي ............................... 231
العناية الطبية ................................... 232
الخاتمة ........................................................ 235
5
المقدمة
... الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، وخليله وأمينه على وحيه ، أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله .
... أما بعد
فلقد اصطدم الخميني وعصبته - منذ بداية حكمهم لإيران وحتى كتابة هذه الأسطر - مع الله جل وعلا ، وكافة خلقه من ولد آدم كفاراً كانوا أو مسلمين:
... ففي داخل إيران اصطدموا مع مجاهدي خلق ، والشيوعيين - توده - ، والبهائيين ، وأنصار الشاه ، والقوميين في كردستان وغيرها .. ثم امتدت يد غدرهم وقهرهم إلى الرجال الذي قامت على أكتافهم الثورة ، وكان لهم فضل على الخميني لا ينساه صاحب مروءة ونخوة ، ومن هؤلاء الذين اصطدموا معهم :
6(2/3)
وزير الخارجية السابق صادق قطب زاده الذي حكموا عليه بالإعدام ونفذوا حكمهم فيه .
رئيس الجمهورية السابق أبو الحسن بني صدر الذي تمكن من الهروب والالتجاء إلى فرنسا .
رئيس الوزراء السابق مهدي بازر كان.
... ووصل الصدام إلى الآيات والمراجع أمثال شر يعتمداري ، ومنتظري وغيرهما .
... وفي الخارج اصطدموا مع الدول الآتية :
- الدول العربية كلها باستثناء سورية وليبيا واليمن الجنوبي .
- الدول الغربية كلها .
- الولايات المتحدة الأمريكية التي ساعدت على إخراج الشاه وتحييد الجيش وأيدت الثوار وناصرتهم ، ثم انقلب الود إلى عداوة.
- كانت العلاقات بينهم وبين السوفييت بين مد وجزر .
- تركيا .
... وخاضوا حرباً شرسة مع العراق استمرت حوالي ثمان سنين ، وكان من نتائجها اكثر من مليون قتيل وجريح مع دمار لاقتصاد البلد ين .
...
... واستغل أعداء إيران مشكلاتها الداخلية والخارجية ومن ذلك :
إقامة أحلاف بين هذه الدول والمعارضة الإيرانية ، فالعراق احتضنت مجاهدي خلق وغير مجاهدي خلق وقدمت إليهم : المال ، والسلاح ، ووسائل الإعلام .
والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا قدموا مساعدات كثيرة : للمنظمات المؤيدة للشاه ، ولشركاء الخميني الذين اختلفوا معه ، وحافظواعلى إبقاء جسور سرية مفتوحة عند الحاجة بينهم وبين إيران .
7
نشروا مئات من الكتب ، ومئات الآلاف من المقالات والبحوث والتحليلات التي تدين نظام الآيات .
كشفوا أسرارا أحرجت إيران وغيرها منها : التعاون اليهودي الإيراني الذي لم ينقطع طيلة الحرب العراقية ، وما سمي بفضيحة ( إيران غيت ) .(2/4)
ولما كنت من المهتمين بثورة إيران ، وكنت أراقب وارصد هذه الأحداث المتتابعة ، وقد قدر لي أن اطلع على كثير مما نشر سواء كان بالعربية أو بغيرها … فقد أذهلني أن أمرا واحداً تجاهله أعداء الآيات داخل إيران وخارجها مع انه من أقوى الأدلة على همجية النظام وتعصبه الطائفي المقيت .
... لم اسمع أن العراق خصصت ولو ساعة واحدة في أذاعتها أو في تلفازها لشرح قصية أهل السنة في إيران ، وبيان ما يلقون من اضطهاد وتضييق وكبت ، وإذا كانت العراق تخشى أن تتهم بالانحياز لفئة من المواطنين ضد فئة أخرى – رغم انحياز هذه الفئة الأخيرة التام لإيران – فما بال الدول إلى تزعم أنها ملاذ الحرية والأحرار … ما بال الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا؟!.
بل ما بال منظمة العفو الدولية ، ومنظمات حقوق الإنسان ، لقد تحدث هؤلاء عن المظالم التي لحقت بجميع الأحزاب والقوميات والأشخاص ، ودافعوا حتى عن تجار المخدرات ، والمجرمين الذين أقيمت عليهم الحدود الشرعية … أفلا يستحق ثلث الشعب الإيراني منهم أي مساعدة أو تأييد ؟!.
... لنترك هؤلاء وشأنهم ، فهم لا يتأثرون بمصائبنا ، وليسوا أمناء في عرضهم لمشكلاتنا ، وهذا هو عهدنا بهم ، ولربما لم يسمع بعضهم بقضية أهل السنة في إيران … لنتركهم ، ولنقوم الدور الذي أدته الصحف والمجلات الإسلامية .
8
... إن الذي نعلمه أن رسائل ونشرات أهل السنة في إيران وصلت القائمين على هذه الصحف والمجلات ، وقد اطلعوا عليها ، وكانت لهم منها مواقف متباينة وان كانت كلها دون المستوى المطلوب :
فبعضهم لم يشر إليها في صحيفته ولو مجرد إشارة وكأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد .(2/5)
وبعضهم اكتفى بنشر التعليق التالي : وصلتنا رسائل ونشرات من أهل السنة في إيران يتحدثون فيها عن مظالم لحقت بهم ، ونحن بدورنا نطالب المسؤولين في إيران أن يبينوا لنا وجهة نظرهم وما مدى صحة المعلومات التي وصلتنا ، وإلا وجدنا أنفسنا مضطرين إلى نشر ما وردنا من رسائل … ولا ندري هل وصلهم رد أم لا ، وكل الذي ندريه أن المظالم ازدادت وتنوعت .
... وآخرون منهم بقيت رسائل أهل السنة في أدراجهم دون أن يتحدثوا عنها ، ثم استجدت ظروف سياسية وطنية استشاطوا لها غضباً ، وتذكروا الرسائل فأخرجوها من دروجهم ونشروا شيئاً منها ، ثم توقفوا .
... ولو كانت المسألة من أولويات اهتماماتهم لكتبوا عنها بغير هذا الأسلوب وغير هذه الحرارة .
...
... وصنف رابع مازالوا يثقون بالثورة الإسلامية في إيران ، ويتهمون كل من يهاجمها دون أن يتبينوا الصحيح من غيره وهؤلاء قلة والحمد لله .
... والخلاصة : فإن الجماعات والصحف الإسلامية لم تقم بالواجب المطلوب منها ، ولم نسمع أن مؤتمراً إسلاميا عقدته هذه الجماعات لمناقشة قضية أهل السنة والجماعة في إيران .
... وإذا جلسنا مع إخواننا هؤلاء جميعاً – باسثناء الصنف الرابع- في غرف مغلقة نسمع منهم كلاماً
9
جيداً ، بل لا نجد أي خلاف بيننا وبينهم حول الرافضة والثورة الإيرانية ، ثم نسمع أو نقرا في صحفهم أقوالا مغايرة تماماً لما سمعناه منهم في الغرف المغلقة !!
... ونقول لهم : لماذا هذا التناقض .. ولماذا صليتم صلاة الغائب على الخميني وقرأتم الفاتحة على روحه في المساجد … ولماذا أرسلتم برقيات التعزية للآيات بمناسبة هلاك قائد الثورة ؟!(2/6)
... وهنا تسمع منهم أجوبة متناقضة متهافتة ، منها قولهم : مهما اختلفنا مع الرافضة فالخميني مسلم ، وقولهم أيضا دون حياء : نخشى على أنفسنا ومكاتبنا منهم ، ولهذا فقد نضطر إلى مجاملتهم . وسيطرت مثل هذه المشاعر على الدعاة في كل مكان ، فقبل أيام وصلتني رسالة من باكستان ، وخلاصة ما ورد فيها : أن الناس هناك يخافون من الرافضة ، ومعظم الذين كانوا يتحدثون عن فساد عقائدهم ، ويحذرون الناس من خطرهم قد صمتوا بعد مقتل ضياء الحق ، وغير واحد من علماء أهل السنة !!
يا للعار … يا للهيبة 98% يخشون من 2% … هل نحن في عهد اجتياح التتار للعالم الإسلامي ، أم نحن في العهد الذي كان فيه حفنة من الباطنيين الحشاشين يرهبون عشرات الملايين من المسلمين الذين كانوا كغثاء السيل ؟!.
...
... قال لي أحد المحبين : أما آن لك أن تترك الكتابة عن الرافضة وثورتهم ، ولماذا لا تكتب في أمور أخرى ؟!
... فقلت له : أنت تعلم أن دراستي وبحوثي ليست قاصرة على الرافضة ، وعلمك هذا جواب على سؤالك ، أما ما اكتبه عن الرافضة ، فأخبرني بالله عليك أن كنت قد قرأته : هل هو حق أم باطل ؟!
10
قال : لقد قرأته وهو حق أن شاء الله ، ولكني أخشى عليك منهم ، فهم مجرمون متعطشون إلى سفك الدماء ولا يزعجهم شيء كما يزعجهم ما تكتبه عنهم ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
قلت : لو نهض غيري بهذا العبء لشكرته على ذلك ، وانصرفت لسد ثغرة أخرى ، أما وإنى لم أجد من يقوم بهذا الواجب فأصبحت الكتابة عنهم فرضا ً على مثلى ، وأنا أعلم أنهم يتربصون بي الدوائر ، واعلم ما حلّ بغيري … ومع ذلك فلن أتراجع مهما كانت النتائج ، وأسال الله أن يرزقني الشهادة في سبيله ، ويجعل هذا الجهد في صحائف أعمالي يوم لا ينفع الإنسان إلا عمله … وإذا سقطت فحسبي أن شاء الله أنني عشت أذود عن منهج وأصول أهل السنة والجماعة ، وما كنت اكتب لأرضي هذه الجهة أو تلك .(2/7)
... ووصيتي لأبنائي وإخواني وغيرهم من العلماء والمفكرين أن يُعطوا هذا الخطر المحدق بأمتنا حقه ، ولا يظنون أن هلاك الخميني سيحد من تآمر عصبته . لقد كانوا قبل ولادته كذلك ، وهذا هو حالهم بعد موته .
... وليعلموا أن الموت والحياة بيد الله وليس بيد الرافضة . قال تعالى : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون } ( النحل / 61 ) .
وقال الشاعر :
... ... ... أيها المشتهي فناء قريش ... بيد الله عمرها والفناء
... والرافضة جبناء ، وعندما يجدون من يواجههم بحزم وقوة وعلم ، فسوف يأخذون معهم تقيتهم ويدخلون سرداباً من السرية ، والتاريخ حافل بالشواهد على ذلك .
... وهنا : سيواجهني سيل عارم من أسئلة القراء :
11
من أصحاب الصحف والمجلات الإسلامية الذين تقصدهم … ولماذا هذه الغضبة ؟!
... وأنا سأعيد هذا السؤال للقراء بشكل آخر :
استعرضوا الصحف والمجلات الإسلامية منذ بداية ثورة الرافضة وحتى هذا التاريخ ، واجمعوا ما كُتب فيها عن طغمة الخميني ، والانتصار لأهل السنة والجماعة ، وانظروا مدى موافقتها أو مخالفتها لهذا المنهج .
... ثمة سؤال مهم أرجو أن تبحثوا عن جواب له : كيف يحدد هؤلاء مواقفهم … وهل هناك موازين ثابتة يزنون بها الأمور ، أم أن الرأي ما يراه شيخ القبيلة ، وينسى هذا الشيخ ما كان قد كتبه قبل سنة أو عدة سنين … فتأتي مواقفه متناقضة ، وأفراد القبيلة معجبون مقتنعون ، ولكل تناقض تبرير عندهم .
... فإذا أديتم هذه المهمة على وجهها الصحيح فستعرفون من الذي اقصدهم ، ولا ينبغي لكم بعد ذلك أن تتجاهلوا هذه المشكلة وأسبابها ومسبباتها ، واقل ما يجب فعله : نصح القائمين على هذه الصحف والمجلات مشافهة أو كتابة ، وسيغير هؤلاء مسلكهم عندما يواجههم القراء بالأدلة و البراهين .(2/8)
... واعلموا بعد ذلك كله أنني لا اقصد شخصاً بعينه ، ولا صحيفة محددة بذاتها ، ولا انطلق فيما اكتبه من عداوة لأحد ، وكما قلت فيما مضى من هذه السلسة : إنني أحبهم في الله وأرجو لهم الهداية والسداد ، ولكن الحق أحب إلي منهم .
... وفي غياب قيادة حكيمة لأهل السنة في إيران : تجمع شتاتهم ، وتسهل ربطهم ببلدان العالم الإسلامي ، وترسم لهم الخطط الناجحة، وتُسمعُ صوتهم للعالم .
12
... وفي غياب الدور البناء الذي كان من الواجب أن تؤديه الجماعات الإسلامية دون خوف من إرهاب نظام الآيات .
في غياب هذا وذاك زعمت عصبة الخمينى أن وحدة الشيعة و السنة فى إيران قدوة لجميع مسلمي العالم … هذا ما قاله رئيس الوزراء المهندس حسين موسوي ( انظر كيهان العدد : 6/10/1986 ) ، وهكذا وجدوا الساحة فارغة فقلبوا الحقائق ، وضللوا العامة وروجوا الأكاذيب … ومن هذه الأكاذيب الكثيرة سأختار ما يلي :
1- أسبوع الوحدة الإسلامية ، ويمتد من 12 إلى 17 ربيع الأول من كل عام ، وفيه يجتمع علماء الشيعة والمنافقون ممن يسمون أنفسهم علماء من أهل السنة في مكان واحد ، ويتبادلون الخطب والمواعظ ، ويؤكدون في نهاية هذه الاحتفالات التزامهم بطاعة القيادة الإيرانية وولائهم التام لها … وتحاط هذه التظاهرة بدعا ية إعلامية متفوقة وتتنا قل أخبارها صحفهم و صحف عملائهم داخل إيران وخارجها .
... إ ن أسبوع الوحدة دعوة سافرة إلى التشيع لأن علماء الشيعة يتحدثون فيه عن عقائدهم ، والمنافقون من أهل السنة لا يتطرقون لعقائد أهل السنة وهم ليسوا أهلا لمثل هذا ، ومن ثم فالا حتفالات تجري في مناطق السنة وحدها ، والنتائج طاعة عمياء للآيات ، ولا يستطيع أحد من المجتمعين إثارة مظالم أهل السنة أو المطالبة بالإفراج عن المعتقلين منهم .
2- نشرت كيهان في عددها الصادر بتاريخ : 6/10/1986 خبراً نوجزه فيما يلي :(2/9)
( استقبل حجة الإسلام هاشمي الرفسنجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي في 30/9 مدرسي
13
ومسؤولي المدارس الدينية للأخوة السنة في محافظة هرمز ، وقد تحدث الشيخ محمد صا لح ضيائي إمام الجمعة للأخوة السنة في مدينة بندر عباس في البداية وأعرب عن شكره للدعم الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية للعلماء السنة والمدارس الدينية … وبعد ذلك قدم السيخ ضيائي شيكاً بمبلغ مليوني ريا ل لرئيس المجلس هدية الأخوة السنة إلى أبطا ل الإسلام .
... وأعرب حجة الإسلام هاشمي الرفسنجاني عن شكره للدعم الذي قدمه الاخوة السنة إلى أبطال الإسلام ، وأكد أنها قيمة جداً ، وأنها وثيقة جداً للتعاون والوحدة بين الشيعة والسنة .
... ووصف سماحته جهود الشباب السنة الذين يتولون التدريس في المدارس الدينية الخاصة بهم بأنه يبعث على الأمل والتفاؤل … ) . ا . هـ .
وسيجد القارئ الكريم في هذا الكتاب حديثا للشيخ ضيائي أجرته معه مجلة المجتمع ينقض في عمومة هذا الخبر الذي ذكرته صحيفة كيهان ، ويؤكد فيه انه لا لقاء بين الشيعة والسنة ، ومن ثم فالشيخ ضيائي رهين سجون الآيات الآن ، ولم يذكرو أسباب اعتقاله ، ولا قدموه إلى محاكمة … وعندما نشروا هذا الخبر كانت هناك حرب بينهم وبين العراق ، و كانوا يخشون السنة العرب في جنوب إيران ، ولهذا سعوا إلى هذا اللقاء ، ولا ندري مدى صحة ما نشرته كيهان ؟!.
3- رحبت صحف النظام الإيراني بمؤتمر عقده علماء أهل السنة في مدينة خاش بتاريخ 2/7/1401 هـ ومن يقرأ هذا الخبر في صحفهم يجزم بأن أهل السنة أحرار فى بلدهم و يمارسون أنشطتهم دون أي ضغوط أو إكراه . هذا إذا كان القارئ لا يعرف أساليب الرافضة ووسائلهم .
... غير أن موقفهم العملي من هذا المؤتمر يخالف موقفهم النظري الذي نشرته الصحف .
14(2/10)
لقد تولى الخميني بنفسه قيادة الحملة ضد مؤتمر ( خاش ) ، واتهم العلماء الأفاضل الذين شاركوا فيه بالعمالة للولايات المتحدة الأميركية ، واقدم النظام على اعتقال بعضهم ، ووضعوا بعضهم الآخر رهن الإقامة الجبرية .
ورغم بشاعة هذا الأسلوب وخسته ، فالناس في العالم الإسلامي قرأوا الخبر الذي نشرته الصحف لأن هناك مؤسسات إعلامية ضخمة تولت نشره على أوسع نطاق ، ولم يقرأوا أخبار المطاردة والاعتقالات التي تعرض لها علماء أهل السنة وأنصارهم بسبب عقد هذا المؤتمر .
هذه الأمثلة من الأخبار الكثيرة التي دأبت صحف النظام على نشرها … ولم اكتف بها رغم وضوح مدلولها ، فقد وجدت انه من المفيد استطلاع آراء نوعيات مختلفة من الرافضة ، ونفذت هذه المهمة الشاقة ، فقابلت عرباً وفرساً ومثقفين وعامة ، وناقشتهم أو طلبت من غيري أن يوجه إلى بعضهم أسئلة محددة ، وفيما يلي أهم النتائج التي توصلنا إليها :
س : كيف أحوال أهل السنة في إيران ؟!
ج : لا فرق في إيران بين سني وشيعي ن فهم جميعاً ملتفون حول قيادة الثورة .
س : هناك رسائل ونشرات تتحدث عن المظالم التي لحق بهم ، فما مبلغها من الصحة ؟!
ج : لا تصدق ذلك ، وهذه دعايات كاذبة يروجها عملاء أميركا وإسرائيل داخل إيران وخارجها .
س : لكنهم يذكرون أسماء علماء معروفين ، ويقولون : إن بعضهم قُتل ، وبعضهم يعيش في السجن ، ومن هذه الأسماء : بهمن شكوري ، وأحمد مفتي زادة ، و محمد صالح ضيائي …؟!
15
ج : لم اسمع بهذه الأسماء إطلاقا ، وأنصحك أن لا تصغي لهذه الأخبار . ألم تسمع عن أسبوع الوحدة الإسلامية بين الشيعة والسنة … ألم تسمع عن وجود ممثلين لهم في مجلس الشورى … ألم تقرأ أخبار تأييد علماء أهل السنة لإيران ، وذكروا أسماء كثيرة من البلدان العربية وغيرها طبعاً كان من بينها اسم سعيد شعبان .(2/11)
س : إذا كانوا لا يفرقون بين السنة والشيعة ، فلماذا لم يبرز سني واحد في قيادة الجيش أو في الحكومات المتعاقبة ؟!
ج : منهم وزراء وقادة في الجيش وهم موضع ثقة قيادة الثورة الإسلامية .
س : اذكر لنا اسماً واحداً ؟!
ج : أصر على رأيه ولم يستطع ذكر اسم واحد .
وغير مستغرب على الذين قالوا : إن ابن سبأ شخصية أسطورية لا وجود لها في عالم الواقع أن يقولوا : أن اضطهاد أهل السنة في إيران كذب وأسطورة أو إن مفتي زادة من الأساطير التي يروجها عملاء إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ، ثم يصرون على مواقفهم مهما ذكرت لهم من الأدلة والبراهين ، ولم يعترف واحد منهم أن السنة في إيران قد تعرضوا لشيء من الاضطهاد .
ينتابني الخجل ، ولا يفارقني الحزن عندما أجد أجوبة الرافضة – رغم اختلاف لغاتهم وثقافاتهم وجنسياتهم – واحدة ، ومواقفهم وأهدافهم واحدة كذلك ، أما علماء ودعاة أهل السنة فمواقفهم وأهدافهم ليست واحدة ولا هي متقاربة ، ولو تمسكوا بما كان عليه الرسول وأصحابه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم لما كانت بينهم هذه الفوارق الكبيرة في المواقف والأهداف .
فهل يتفهم أهل السنة أن مستقبل إخوانهم في إيران ينذر بكارثة. إنهم مواطنون من الدرجة الثالثة
16
، لأن الشيعة فيها مواطنون من الدرجة الأولى ، واليهود والنصارى مواطنون من الدرجة الثانية ، وأهل السنة مواطنون من الدرجة الثالثة … وان حالهم أسوأ من حال المسلمين في الاتحاد السوفييتي والصين الشيوعية ؟!
وهل يتفهمون أن دستور إيران وقوانينها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به ، ولهذا فقد جاءت جميع الإجراءات المتخذة ضد أهل السنة مخالفة لقوانين الآيات ؟!(2/12)
اللهم أنت القائل : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينك محرماً فلا تظالموا ) { رواه مسلم في صحيحه } . وهؤلاء الظلمة في إيران قد احلوا ما حرمت ، وأنت يا رب تعلم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبينك حجاب … اللهم كف أيدي الظالمين عن إخواننا في إيران يا أرحم الراحمين ، واجعل بأس الرافضة بينهم ، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
30 رمضان / 1410 هـ
عبد الله محمد الغريب
17
ملحوظات
1- لم تكن ترجمة الرسائل التي كتبها أهل السنة في إيران جيدة ، ولقد بذلت جهدا في تصحيحها مع المحافظة على المعنى الذي أراده الاخوة … ورغم ذلك فلا بد أن هناك أخطاء قد بقيت ، ويكفي أن يكون قصدهم مفهوما.
2- الرسالة الأولى : قضية أهل السنة في إيران كتبها جماعة _ مكتب قران _ قبل أن يدخل كثير منهم السجن وورد فيها حديث عن أحوال أهل السنة في إيران ، وعن مجلس الشورى المركزي للسنة ، لكن جلها كان حول مواقف الجماعة في كردستان .
والتعليقات التي في هامش الرسالة لي وليس للمترجم أو للاخوة جماعة مكتب قران .
3- بيانات مكتب قران صدرت منذ بداية اعتقالهم أي منذ يوم 28/10/1402 هـ حتى يوم
18
13/2/1403 ، ولم أنقل جميع البيانات التي أصدروها ن وإنما اكتفيت ببعضها وأعطيته رقماً متسلسلاً يختلف عن الرقم الوارد في رسائلهم . ...
و كانت لهجة البيانات اشد من لهجة الرسالة السابقة . وقصارى القول فإن مواقف الأخوة مر بالمراحل التالية :
... المرحلة الأولى : كان تأييدهم للخميني وطغمته مطلقاً ، وكانوا يعتقدون أن التسنن والتشيع لا يمثلان جوهر القرآن .(2/13)
... المرحلة الثانية : اخذوا ينقدون بعض قادة الثورة لأنهم كانوا يعتقدون انهم وراء توجهها الطائفي ، ومع ذلك فقد حافظوا على تأييدهم للخميني ونظامه .
المرحلة الثالثة : وقد القي القبض فيها على عدد كبير منهم وأودعوا السجن ، وفي هذه المرحلة اشتد نقدهم للخميني ومن حوله ، وبعضهم بقي محافظا على ولائه له ولثورته ، وكان الأستاذ زادة من الصنف الأخير .
... المرحلة الرابعة : ظهر فيها الحق من الباطل ، وأدرك جماعة مكتب قرآن أن التسنن ليس مذهباً ولا طائفة ، وإنما هو التزام لما كان عليه الرسول وأصحابه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم ، كما أدركوا أن الخميني اخبث رافضي على وجه الأرض ، وثورته لا تختلف عنه ، وان الأمر اكبر من انحراف بعض قادة الثورة .
ولو أن إخواننا انطلقوا في فهمهم لهذه الثورة وفي تحديد موقفهم منها من المنهج والأصول التي كان عليها سلف هذه الأمة لما وقعوا فيما وقعوا فيه من أخطاء ، و لا ينبغي أن تخضع هذه الأمور للتجارب .
4- جاء في بعض هذه الرسائل أن نسبة السنة في إيران 25% ، وفي بعضها الآخر 30%
19
، وفي موضع ثلث 35% وسبب هذا الاختلاف يعود إلى التعتيم الإعلامي الذي كانت – ولا تزال – تمارسه الحكومات المتعاقبة ابتداء بحكومات الشاه محمد رضا بهلوي وانتهاء خميني، ولهذا جاءت هذه الأرقام تقديرية .
5- بعد عرض رسالتين من رسائل جماعة مكتب قرآن ، وجدنا أنفسنا مضرين إلى ذكر بعض التعليقات التي اقتضتها الأمانة التاريخية ، والاخوة – أهل السنة في إيران – تجاوزوا هذه المرحلة والحمد لله ونضجت أفكارهم ، ومواقفهم الآن نسخت المواقف السلبية السابقة .
22
قضية أهل ا لسنة
في إ يران
مقدمة
الحمد الله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين وبعد .(2/14)
فلطالما ظل أهل السنة في إيران منقطعي الصلة بإخوتهم المسلمين في سائر أقطار العالم الإسلامي محصورين في الحدود المصطنعة التي أقامتها حولهم يد البغي منذ عهد الصفويين (1) ، وطول قرون سوداء مضت ، إلى أن شاء الله تعالى أن يزول ذلك الحصار الجائز وينتهي عهد الفراق الطويل ويأتي دور لقاء الاخوة بعضهم ببعض وان كان ذلك اللقاء من خلال صفحات المجلات الإسلامية فقط ، الناطقة بإسم أبناء الأمة الإسلامية ، ولولاها لظل الأمر خافيا عليهم ، ولكن بماذا يا ترى نبدأ الكلام خلال هذه اللقاءات الحبيبة في هذا العصر الجاهلية الجبارة التي أمست الأمة
23
الإسلامية تعاني الكثير من وطئتها الطاغية منذ أن ابتعدت من هداية ربها ؟
__________
(1) أسس هذه الدولة إسماعيل الصفوي عام 1500 م في أذربيجان ثم بسط نفوذه على شروان والعراق وفارس . وأعلن أن الشيعة دين الدولة ، كما أعلن حربا لاهوادة فيها على أهل السنة الذين كانوا يشكلون أغلبية السكان ، واتخذ من ( تبريز ) عاصمة لدولته.
وبلغت الدولة أوج قوتها في عهد الشاه عباس الصفوي [ 1588-1629] الذي عمل على تحويل الحجاج الإيرانيين من مكة إلى مشهد ، وبدا بنفسه فحج سيرا على الأقدام من اصفهان إلى مشهد ليكون في عمله هذا قدوة للإيرانيين .
وتمكن العثمانيون والأفغان من القضاء على هذه الدولة عام 1722 م … فهل الأحداث التي يصطنعها ثوار الخميني في مكة المكرمة مقدمات للأقدام على عمل شبيه بالعمل الذي صنعه الصفويون ، وهل يكون قبر الخميني هو كعبتهم الجديدة ؟!
(انظر الجزء الأول من هذه السلسلة ، ص 80 )(2/15)
هل يتأنى لبعضهم أن يتحدث في هذه اللقاءات عن قضايا غير فلسطين وكشمير وأريتريا و فيلبين و كردستان و بلوجستان و تركمن صحراء وغيرها من قضايا الأمة الإسلامية المهمة ؟ هل لبعضهم إذا لم يشأ التنكر للإسلام أن لايبالي بما يقاسيه أبناء أمته وان لا يتداعى بالسهر والحمى وان لا ينهض لتغيير المنكر بيده فان لم يستطيع فبلسانه ( وبقلمه ) فان لم يستطع فبقلبه ؟ اللهم ما دام هناك من يعدون أنفسهم مسلمين . إذن فاستمعوا يا أبناء الأمة لحديث اخوتكم أهل السنة في إيران حول قضيتهم المؤلمة عسى أن لا يخيب ظنهم فيكم .
في إيران : هذا البلد ذي الطابع الخاص من بين سائر البلاد الإسلامية … هذا البلد الذي لم يزل من حين فتحه المسلمون الأوائل رضوانا الله تعالى عليهم ودخل أهله الإسلام بعد الإطاحة بالنظام الملكي ا لساساني وإنزال الجبابرة عن عروشهم المستكبرة الباغية وتفريق شملهم ، ومن حين صار هذا البلد جزءا من العالم الإسلامي الكبير وفقد شخصيته ومكانته الاستعمارية في العالم كأكبر قوة على الأرض إذ ذاك … هذا البلد الذي لم يزل من ذلك العهد موطن مؤامرات ومثار فتن من قبل بقايا أهل بيت الملك الباغي وأياديهم ومن هم على وتيرتهم ، الذين ما كان بوسعهم أن يروا بلدهم يحكمه على رغم أنفسهم أجانب جاءوا من صحراء جزيرة العرب كأخوة للشعب المستضعف الذي نجا من استبعاد الملوك ، وان يروا إيوان كسراهم موطأ أقدام العرب الذين لم يكن لهم قبل أن يحييهم الإسلام شان يذكر ( كما يشكو شاعرهم فردوسي في منظومته شاهنامه من ذلك ويتفل في وجه الفلك الدوار و يلومه
24(2/16)
اجل أن العرب الآكلين للضب الشاربين لألبان الإبل داسوا بأرجلهم عرش ملكهم وإيوان كسراهم في المدائن و … ) ولهذا فلقد انبعث أشقاهم فيروز اللعين فاغتال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مما ادخل على الإسلام ثغرة لم تسد بعد وجعل المسلمين يسلكون طريق الانحطاط خلال هذه القرون كما لا يخفى .
نعم لم تكن تلك الشر ذمة تستطيع ذلك ولم تكن تهدأ لها بال ما دامت ترى حكم الله مسيطراً على بلدها كما كان في أول عهد الفتح الإسلامي … ولكن ما الحيلة وقد أسلم أغلبية الشعب ولم يكونوا ليعودوا إلى ظلام النظام الكسروي بعد ما رأوا نور الإسلام وذاقوا حلاوة ثمرات حكم الله ؟ وليس هناك طريق لإثارة الفتنة لاستعادة المجد الذاهب والشواكة القاهرة الاستعمارية المستعبدة للشعب الإيران وسائر الشعوب إلا التذرع بالخداع والمكر والتعتيم على المسلمين بان يصور لهم الخلفاء الثلاثة من الراشدين وكذلك اكثر المهاجرين والأنصار أو قل : المتقدمين السابقين الأولين في الإسلام بصورة غاصبي حقوق أهل بيت النبوة وأعدائهم ؟ وان يعلن بين الناس أن هؤلاء الشرذمة يريدون إعادة الحقوق إلى ذويها .(2/17)
... ومن هذا المنطلق بدأت الفتنة الكبيرة وبدا المفسدون يثورون هنا وهناك ، ويصل بعضهم إلى عرش الحكم في قطر أو آخر … ودام هذا الوضع خلال بضع قرون إلى أن أدى الأمر إلى ظهور الصفويين الذين أسسوا دولة شيعية – منتسبة إلى أهل البيت بزعمهم ، والله يعلم أن أهل البيت بريئون منهم – مستقلة غير منقادة للحكم العباسي ، أو العثماني إذ ذاك الذي كان على علاته نقطة التقاء المسلمين واتحادهم . وبوصول أولئك إلى عرش الحكم حصل لإيران من جديد بعد عهد طويل شخصية مستقلة (1) كما كانت لها في عهد ا لساسانيين ، وصا ر المذهب الرسمي لأهلها هو المذهب
25
الجعفري الاثني عشري كما كان للساسانيين الدين الزردشتي ( وهذا صرح به بكل اعتزاز في كتاب التاريخ الذي قرر كمادة دراسية لسنة من سني التحصيل في المدارس الحكومية ولا يزال بأيد الشباب ) .
__________
(1) كلمة ( مستقلة ) ليست دقيقة ، فاصفويون كانوا عملاء للبرتغاليين والإنجليز ، وكان بلاط الشاه عباس يغص بالقسيسين والمبشرين النصارى ، وليس من دولة رافضية إلا ولها ارتباطات وثيقة بأعداء الإسلام سواء كانوا صليبين أو يهود أو شيوعيين .
وأعتقد أن الذى أراده مؤلفوا الكتاب من قولهم" مستقلة " أى لم يعد لهم ارتباط بالدولة العثمانية .
( انظر المصدر السابق ) .(2/18)
ودعما لحكمهم الباغي قام الصفويون بحركة جادة عامة لنقل أهل السنة _ وكانوا يشكلون أغلبية المسلمين في إيران في ذلك الحين _ إلى التشيع بأي وسيلة حتى ولو احتاج الأمر إلى شتى صور التعذيب وسفك الدماء الآلاف ( كما يحكي التاريخ عن الشاه إسماعيل الصفوي ) . وكانت نتيجة ماراموا ، إلا في بعض نواحي كردستان التي تقع في غربي إيران من مدينة قصر شيرين إلى حدود تركيا وبلوجستان التي تقع في شرقي إيران من عند خراسان إلى بحر عمان وتركمن صحراء التي تقع في شمال إيران من بحر قزوين ( خزر) إلى الحدود الشرقية وكالمناطق التي تصل بلوجستان بتركمن صحراء من خراسان ومنطقة طوالش في غربي بحر قزوين وبعض سواحل الخليج وبحر عمان .
وبالجملة بقيت لأهل السنة الذين يبلغ عددهم الآن ثمانية ملايين تقريبا ( لم يتيسر لأهل السنة حتى الآن أن يعرفوا عددهم بالضبط لأسباب ليست خافية ) المناطق التي تقع على الحدود الملتصقة بالبلاد المجاورة لإيران منطقة خوزستان وقليلا من غيرها.
وبعد استيلاء الصفويين وخلال القرون الأخيرة ذاق أهل السنة على أيدي الحكام الطاغين الذين
26
كانوا ينتسبون – كذباً وزراً – إلى أهل البيت ما لا يعلمه إلا الله . كما كانت عمليات التعتيم والتضليل والأبعاد عن تعاليم الدين الصحيحة ومحاولات قلب الحقائق تقوى يوماً بعد يوم بين اخوتنا المسلمين من أهل التشيع الأمر الذي أدى إلى صنع أحقاد وعداوة بين هاتين الفئتين العظيمتين من المسلمين .
وطبيعي بعد هذا أن يحرم أهل السنة على أيدي الحكام الباغين من حقوقهم الإنسانية ويعاملون من قبل الحكام ومن قبل إخوانهم المسلمين من أهل التشيع أيضاً معاملة لا يعامل بها اليهود وغيرهم من غير المسلمين . وحتى أنه ما كان يجني ثمار هذا الغرس إلا الحكام وصنائعهم وليس أهل التشيع .(2/19)
... وهكذا انفصل هذا البلد عن العالم الإسلامي وصار قاعدة محكمة الأعداء الإسلام من أهل الغرب الذين طالما بحثوا عن قاعدة يرمون منها العالم الإسلامي . وليست الحروب الصفوية وما بعدها مع العثمانيين ببعيدة عن أذاهاننا .
... ومضى الزمان وجاء دور السلالة البهلوية وبلغ الأمر ما قدر له أن يبلغ وتهيأ المجال لاجتراء الأخير الاشقى الشاه محمد رضا(1) على إلغاء التاريخ الهجري وإبداله بالتاريخ الشاهنشاهي كمحاولة لطمس بقايا الآثار الإسلامية وإزالتها من هذا البلد .
و … في إيران … هذا البلد المنكوب أهله شيعيهم و سنيهم قامت – كما تعلمون
27
__________
(1) الشاه محمد رضا بهلوي : فرضه الإنجليز ملكاً لإيران عام 1941 ، فاعترف بإسرائيل عام 1948 ، ومكنّ البهائيين من أهم الوزارات ، وعمل على إحياء أمجاد الفرس ، ولهذا فقد ألغى التاريخ الهجري ، ووضع بدلاً عنه التاريخ الشاهنشهي . وكان والده رضا خان أسوأ من ابنه ومما فعله إلغاء الحجاب الشرعي ، وإلغاء أحكام الشريعة الإسلامية .. وكان صديقاً حميماً للطاغية كمال أتاتورك .(2/20)
– ثورة إسلامية اشترك فيها الشعب بكلتا فئتيه بحماس ديني وعاطفة إسلامية – وإن كانت المرحلة الأولى للثورة أي كسب الفهم الصحيح والوعي الشامل لتعاليم الإسلام بحماس وعاطفة صار كل ما كان بين الفريقين من التنكر العداوة والجفاء كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، واقترب الأخوة من بعضهم البعض وحل التعارف محل التناكر ، والمحبة محل العداوة ، والرحمة محل الجفوة ، وتغيرت الانظار من بعض إلى بعض واحتضن الأخ أخاه ودوى في فضاء إيران : ( لا تشيع … لا تسنن بل الإسلام ) (1) وامتلأت القلوب بالأمل في أن يعود إلى المسلمين في كل العالم الإسلامي الوئام والوحدة بعد ما حل بهم مما لهم يكن ليحل لو كانوا محتفظين بوحدتهم .
وكذلك كان قادة الثورة وصنائعهم يعيشون ذلك الحماس وتلك العاطفة أو على الأقل كانوا يشعرون بسيطرتهم على المسلمين حتى أن إحدى القضايا الثلاث التي كان قائد الثورة الخميني يعيرها الاهتمام بجد وعرفت فيما بعد بعنوان( خط الإمام ) كانت أن لا تشيع ولا تسنن وإنما هو الإسلام وحسب.
قامت ثورة إسلامية وكان المسلمون في تلك الأيام في خير أيامهم أملين في مستقبل مشرق قد ترك وراءه ذلك الليل المظلم إلى الأبد. ولكن تلك الأيام خلت ولم يبق الآن غير ذكريات في أذهاننا، ذكريات هي بحق خير ذكريات يعيشها المرء المسلم، ذكريات تثير الأحزان وتهيج العبرات . نعم ما إن وصل السادة إلى كراسي الحكم حتى تبدل الأمر وذهبت كل الآمال أدراج الرياح وبدا منهم مالم نكن نحتسب وتغيرت الوجوه مرة أخرى وتناكرت القلوب وعاد بل أعيد ذلك الليل الحالك بل عاد أحلك مما كان وساءت حال أهل السنة أكثر مما كان وجاءت وطأة الظلم و البغي أشد من ذي قبل و
28
__________
(1) شعار خطير : " لا تسنن .. لا تشيع " وسيأتى التعليق على أهداف و غايات الذين يرفعون هذا الشعار .(2/21)
واخترعت أساليب تضليل وافتتان جديدة أشد خبثا وأبعد عن المروءة. ولعمري لم يبق لدينا شك في أن هؤلاء الحكام لا يسلكون إلا نفس الطريق التي سلكها الحكام الطواغيت من قبلهم وان ادعوا – وما أسهل الادعاء – أنهم شيعة علويون وليسوا صفويين .
ولو كانت الثورة شيعية وباسم التشيع من أول يوم ، وليست باسم الإسلام ولم يضرب فيها أهل السنة بسهم … لو كانت كذلك لم يكن هناك سبب كبير لكل هذا الأسى والضجر من أهل السنة ، ولكن الثورة كانت إسلامية وباسم الإسلام وكان لأهل السنة فيها ما كان من المساهمة والمساندة . فقد كان رجال الفكر والرأي من أهل السنة وعامة الناس يشاركون إخوانهم من أهل التشيع بنفس الجهد والحماسة والعاطفة . وإذا كان يوجد فيهم من لم يستجب لإرادة الشعب المسلم ، فقد كان في أهلا التشيع أكثر وأخطر ، نعم ساهم رجال الفكر وعامة الناس في الثورة وعلى رأسهم الشيخ المجاهد الذي نذر نفسه لإعلاء كلمة الله ولخدمة الثورة والذب عنها الأستاذ أحمد مفتي زاده .فلقد قام قبل الآخرين وأخذ مع بوادر الثورة يصدر البيانات ويلقي الخطب ويعقد الاجتماعات ويدير التدبيرات لايقاظ الناس وتعريفهم بواجبهم تجاه ربهم وتجاه الأمة وتعبئتهم للسير في طريق الثورة حرصا على سعادتهم وخوفا من أن يتخذهم عملاء الشاه وسائر الشياطين أداة طيعة لتحقيق أهوائهم ولتعويق الثورة ، وحاول بكل ما أمكن من الوسائل لقطع الطريق على الشياطين الذين يحاولون الاستفادة من الاختلاف المذهبي .
وكذلك بعد انتصار الثورة مع كل العوائق التي كان السلطة الجديدة تلقيها في طريقه لم يزل يدافع عن الثورة ويتعب نفسه بدون فتور لنصر الإسلام وإعلاء كلمة الله . وبعد الانتصار أيضا علاوة على
29(2/22)
إصدار البيانات والقاء ا لخطب وتشكيل الاجتماعات اتصل هو وغيره من ذوي الفكر والرأي برجال السلطة وقدم اقتراحات عدة وعمل بكل ما أوتي من الإمكانيات وخاصة حين كان الدستور يدون ( وسنعرض على الاخوة المسلمين فيما يأتي بعض لقطات من بيانات وخطبه وغير ذلك أن شاء الله حتى يتبين ما ذكرناه آنفا ) ولكنكان جزاء كل ذلك أن اضطر بعد مدة ومنذ بضعة عشر شهرا حقنا للدماء التي كانت السلطة تريد اراقتها بإثارة الحرب بينه وبين الأحزاب الضالة … اضطر إلى ترك مسقط رأسه مدينة سنندج عاصمة كردستان ، وهو الآن يعيش منعزلا عن الناس(1) ببدنه وان كانت روحه معهم وبياناته الموجهة إليهم غير متوقفة .
وإذا كان قد جرنا الحديث إلى ذكر كردستان فلنقل عنها كلمة خاصة بها من بين المناطق السنية . قد يقال : ألم تكن هذه المنطقة قبل وبعد انتصار الثورة وحتى الآن قاعدة لأعداء الثورة والإسلام يديرون منها المؤامرات ويشنون الحروب على الجمهورية الإسلامية ويسببون المآسي للشعوب الإيرانية الكردية والفارسية وغيرهم . نقول: بلى ، هذا مما لا يمارى فيه ، ولكن هذا الظاهر ليس كل الأمر ، فمما لا يخفى على من له اطلاع يسير على أمر كردستان أن أهلها المنكوبين المحرومين من الحقوق الإنسانية على أيدي الحكام الظالمين قد وقفوا مواقف في وجه الظلم والبخس طوال القرون الماضية وكمحاولات في هذا المجال قد أنشئت فيما مضى منظمات وأحزاب وبرزت إلى الساحة قيادات .
وطبيعي أن يعلق هذا الشعب المظلوم أماله بتلك المنظمات والقيادات وكذلك طبيعي انه كما يكون من بين تلك وتلك منظمات وقيادات قد قامت بحق لتحقيق أماله الشعب فقد كانت هناك جهات
30
__________
(1) كان ذلك قبل اعتقاله وهو الآن لا يعرف بأي سجن يقيم .(2/23)
لا تريد الخير لهذا ا لشعب وحينما قامت الثورة كان في كردستان بعض ما ذكرنا . ولكنها في ذلك لم تكن أتت بشيء لم تأ ت به المناطق الأخرى ، ولو لم تقم السلطة بعد الثورة بدفع أولئك إلى الأمام وإغرائهم على الشعب الكردي المسلم لما تجاوز الأمر هناك الحدود التي لم يجاوزها في سائر المناطق ولكن السلطة قد قامت بهذا الأمر وأنزلت على هذه المنطقة بلآء ودمارا وعذابا لا يزال أهلها المساكين يعانون من ويلاته الشيء الكثير ، فكم من امرأة فقدت زوجها الحبيب ، وكم من ولد قصم ظهره بقتل أبيه من مدنها لدهشت من كثرة مشاهدة الثياب السود على النساء .
ولا تظن أنا نظلم السلطة الحاكمة بهذا الاتهام ، فلقد شهد بهذا شاهد من أهلها ألا وهو الطالقاني – وغيره أيضاً – حيث ذكر قبل وفاته بفترة للأستاذ مفتي زادة أن مجلس قيادة الثورة قد اتخذ قراراً مبنياً على أن يضغط على المخالفين للجمهورية الإسلامية في كل أنحاء البلاد كي يرتحلوا إلى كرستان لئلا تضطر السلطة إلى الاشتباك مع المخالفين في جبهات كثيرة ، ولأنها تعوق بهذا الإجراء تقدم مسيرة الحركة الإسلامية التي أخذت تنمو وتزدهر في ظل قيادة الأستاذ مفتي زادة إذ أن أخطر ما يستطيع أن يقف في وجههم ويفضح دعواهم حركة إسلامية بمعنى الكلمة ، ومسلم لا يقبل المساومة والمداهن كالأستاذ ( وهم الذين وصفوه بهذه الصفة وليس ذلك تزكية منا ) .
نعم هذه الحقيقة ، وإلا فكيف كان يرضى الشعب الكردي المسلم الذي التف أول الأمر حول ذلك الرجل المسلم الذي وعده قائد الثورة الخميني قبل أن يعود إلى إيران بوضع اقتراحاته موضع الإنجاز سواء فيما يتعلق بحقوق الشعب الكردي أو بغيرهم … كيف يرضى أن ينفض من حوله ويجري وراء منظمات وقيادات شيطانية .
31(2/24)
ما كان له أن يفعل ذلك لولا دعم السلطة لها ، ولكن هذا الشعب المنكوب يتشبث بأتفه الطحالب لينجو من الغرق ، وليس أمامه إلا أن يلبي دعوة كل من يدعوه واعداً إياه اخذ حقوق له وان كانت الدعوة كذباً وزوراً في حقيقتها كما قد وقعت فعلاً بتدبير الحكومة ضد الحركة الإسلامية ، كل ما يحتاج إليه الشعب المسكين من مواد غذائية وغيرها التي كانت توزع في المدن والقرى من قبل الحكومة رأساً وتستعين أحياناً بقادة هذه المنظمات .
ولقد نجحت السلطة في تنفيذ قرار مجلس قيادة الثورة وشددت ضغطها على المخالفين من سائر الأنحاء فإذا الشياطين من كل حدب ينسلون إلى الميدان المهيأ في كردستان وهؤلاء بمجرد وصولهم بدأوا ينفخون في إخوانهم الذين تبوأوا الدار والكفر من قبلهم ، وروح الافسادو التدمير وجعلوا هم الآخرون يذكرون القادة العملاء والجهلاء من أول أيام الثورة إلى اشهر بعدها ، بكل إكبار وتبجيل علاوة على ما كانت تفعله السلطة حيث كانت أجهزة الإعلام لا تفتر عن تعريف الشعب الكردي بزعمائهم هؤلاء مضيفة إلى ذلك مكراً أكبر وهو أنها كانت تلقي في روع هذا الشعب فكرة فصل الدين عن السياسة حيث كانت تسمي واحداً بالزعيم المذهبي و آخر بالزعيم السياسي(1)
__________
(1) الزعيم السياسي الأكراد في إيران عبد الرحمن قاسملوا ، وكان ممثلاً للأكراد في المجلس الدستوري ، ثم طرده الآيات بتهمة الإفساد في الأرض ، وعقوبة هذه التهمة الإعدام . ونصب الآيات له ( كميناً ) في النمسا – كان ذلك في 13/7/1989 – عندما أقنعوه بأنهم يرغبون في التفاوض معه ، وإعطاء الأكراد في إيران حكماً ذاتياً ن واقتحم مسلحون الشقة التي كان يقيم بها فأردوه قتيلاً ، وقُتل معه مساعده عبد الله القادري نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ، وفاضل ملا رسول – أحد قادة أكراد العراق - .
أما الزعيم الديني لأكراد إيران فهو الشيخ عز الدين الحسيني ، ويعيش الآن في المنفى ، بعد أن تعذر إمكانية تعاونه مع الآيات ، ولعل هذا الرجل وغيره يعيدون النظر بسياستهم ومواقفهم القديمة ، ففي المحنة يشعر الإنسان بقربه من الله .(2/25)
مع أنها
32
كانت في غير هذا المجال المعتم ترفض بشدة تلك الفكرة وتعكس على قائلها صفو الحياة . وكذلك شكلت السلطة لجنة للمفاوضات مع القادة المصطنعة لأولئك المساكين ، لعباً بهم وخداعاً للشعب حيث ساد عليه الجزم بأن هؤلاء هم الذين يعملون بجد لرد الحقوق إلى ذويها ، وخطوة أخرى خطتها السلطة هي أن سمحت لهذه الأحزاب ( اللادينية ) أن تسلب بعض المعكسرات وتنشر الأسلحة ووسائل التخريب والتدمير بين الناس لتهيأ بذلك أنسب مجال للاشتباكات والصراعات ولتتدخل السلطة بعدها بالقهر والتدمير الأكثر بحجة إغاثة الناس ، وبذلك تستطيع أن تضع برامجها الموضوعة من قبل بشأن نقل الناس من التسنن إلى التشيع موضع التنفيذ ! وهذا هو ما يجري الآن وخاصة بين الشباب وبوجه أخص في المدارس .
وحين أتى على كردستان ما أتى ( فبلوجستان ) ( تركمن صحراء ) وغيرهما بل عليهم أن يعتبروا ولا يرفعوا رؤوسهم ولا يقفوا في وجه السلطة وما تريد من تنفيذ برامجها في تلك المناطق أيضاً وإلا فلينتظروا عاقبة مثل عاقبة إخوانهم الأكراد ، كما أشار إلى هذا قائد الثورة وهدد به المولوي عبد العزيز زعيم بلوجستان حين التقى هو والأستاذ مفتي زاده وعشرات من علماء المناطق السنية به في داره في مدينة قم بعد إقرار المادة الثنية عشر من الدستور (1) ، لإقناعه بتغييرها الذي وعد به ، ولكن جعل ذلك فيما بعد نسياً منسياً .
33
مجلس شورى أهل السنة
__________
(1) جاء ذكرها عند الحديث عن المبدأ الأول من مبادئ مجلس شورى أهل السنة .(2/26)
وأخيراً بعد ما حصل اليأس من كل المحاولات التي أشرنا إليها إجمالاً اجتمع في أوائل فصل الربيع من هذه السنة عدد من ذوي الفكر والرأي من أهل السنة في طهران بدعوة من الأستاذ لتشكيل شورى كان المولوي عبد العزيز معاوناً للأستاذ في التمهيد لها وتيسير أمرها إلى حد محدود . وبعد المناقشة والبحث حول قضايا أهل السنة وحول كيفية تشكيل الشورى وإسناد أمر القيام بالدفاع عن حقوقهم إليهم خلال يومين انتخب عدد من الحاضرين كأعضاء للشورى وسميت بالاسم الذي اقترحه لها الأستاذ من قبل وهو ( شوراي مركزي سنت ) وعبر عنها بكلمة ( شمس ) المركبة من الأحرف الأولى من الكلمات الثلاث بإشارة من الأستاذ أيضاً .
مبادئ مجلس الشورى :
وكان خلاصة نظرات الحاضرين ست عشر مادة رتبت وقررت كمبادئ تنطلق منها الشورى وتسعى لتنفيذها ، وسنعرضها عليكم عن شاء الله تعالى ، ولكن ما إن انتشر الخبر حتى بادر رجال السلطة وعلى رأسهم قائد الثورة لشن الهجمات عليها وبث الدعايات المسمومة حولها واتهامها بأنها أمريكية وعملية و … ووقفت في وجهها وألقت العوائق أمامها ولا تزال تفعل ذلك بكل استطاعتها وتحاول التغطية على الحقيقة من أمرها ، علماً منها بأنها هذه الشورى إذا قامت على ساقها عرقلت مساعي السلطة لبلوغ مقاصدها المشؤمة وخيبت آمالها إن شاء الله تعالى .
34
ولنستعرض الآن تلك المواد المقررة :(2/27)
1- ( السعي في سبيل إحياء ووحدة الأمة المسلمة وإزالة مظاهر التفرق عن وجهها ) وقبل أن اذكر الثانية أرى أن اذكر المادة الثانية عشر من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأضعها بجانب هذه المادة واترك للإخوة الحكم بينهما وأيتهما الأمريكية ؟ ( الدين الرسمي لإيران هو الإسلام و المذهب الجعفري الإثنىي عشري وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد ،والمذاهب الإسلامية الأخرى ن سواء الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي تتمتع بالاحترام الكامل ، واتباع هذه المذاهب أحرار فى أداء مراسيمهم المذهبية حسب فقههم و تتمتع هذه المذاهب برسمية في التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية ( الزواج ، الطلاق ، الارث ، والوصية ) والدعاوى المرتبطة بها في المحاكم ، وكل منطقة يتمتع فيها أتباع أحد هذه المذهب بالأكثرية فإن المقررات المحلية لتلك المنطقة تكون وفق ذلك المذهب في نطاق صلاحيات مجالس الشورى المحلية مع حفظ حقوق اتباع سائر المذاهب ) .
ولنذكر المادة الثالثة عشرة أيضاً لنرى بأم العين أن ما عومل به أهل السنة في الدستور هو عين ما عومل به اليهود وغيرهم ، اللهم إلا أن هناك فرقاً في مجال التنفيذ وهو أن ما كتب لأهل السنة لا يتجاوز القرطاس : وهذه هي المادة : ( الإيرانيون الزرادشت واليهود والمسيحيون هم الأقليات الدينية الوحيدة المعروفة التي تتمتع بالحرية في أداء مراسيمها الدينية ، والعمل وفق مبادئهم في الأحوال الشخصية والتعاليم الدينية ) .
2-( السعي من اجل توحيد وتنظيم قوى وإمكانيات أهل السنة في إيران كإحدى الخطوات اللازمة للوصول إلى الوحدة الإسلامية).
35
3-( تشكيل مجالس الشورى الفرعية التابعة للشورى المركزية في كل المناطق السنية من ذوي الصلاحيات لتكون وسائل لربط الناس بالشورى المركزية ) .(2/28)
4-( العمل الدائب والجاد لإزالة المظالم المذهبية والقومية والطبقية في كل إيران عن أهل السنة عن طريق إصلاح مواد عديدة من الدستور وخاصة المادة الثانية عشرة ) .
( والمراد بالمظالم الطبقية وجود الفرق الشاسع بين المناطق الغنية كبعض المناطق الفارسية الشيعية وبين المناطق الفقيرة كالمناطق السنية بأسرها تقريباً ) .
5-( السعي لإنشاء مسجد ومركز في طهران للتجمعات وإداء المراسيم والخدمات الدينية كالجمعة والجماعات وإلقاء الكلمات ) . يجدر بنا أن نذكر هنا أنه تنفيذاً لهذه المادة طلبت الشورى بعد تشكيلها بقليل من السلطة الحاكمة ومن نفس الخميني إعطاء قطعة أرض لهذا الغرض ولكنهم لم يحركوا ساكناً حتى الآن .
6-( السعي لانشاء وتقوية المدارس الدينية في كل المناطق السنية الرسمية ) .
7-( إيجاد الجمعيات المتعددة من ذوي الإيمان والوعي والشعور بالمسؤولية للتبليغ في كل المناطق السنية ) .
8-( تعيين جماعة ذات صلاحية لكتابة التعاليم الدينية للمدارس الرسمية في كل المناطق السنية ) .
9-( السعي لتمهيد الطريق لإصدار مجلة تعكس مقاصد وآمال أهل السنة بصورة دائمة ) .
10-(العمل على سد الباب في وجه سب وإهانة عظماء الإسلام ودرجه في الدستور )(1) .
36
11-( السعي لتخصيص ساعات من البرامج اليومية للراديو والتلفزيون المركزيتين بالتبليغات المذهبية لأهل السنة تحت رقابة الشورى ) .
12-( نصب أئمة الجمعة و حكام الشرع في كل المناطق السنية برضى الناس وبتأييد من الشورى ) .
__________
(1) عظماء الإسلام : أبو بكر ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، والعشرة المبشرين بالجنة وسائر الصحابة باستثناء علي بن أبي طالب ومعه عدد من الصحابة لا يتجاوز أصابع اليد رضي الله عنهم جميعاً .
ومن عقيدة الآيات تكفير هؤلاء الصحابة ورميهم بالنفاق والشرك وغيرذلك ، وذكرنا بإيجاز الأدلة على ذلك في الجزء الأول من هذه السلسلة .(2/29)
13-( السعي لتنظيم رؤوس أموال أهل السنة ووضعها في مسير الانتاج والبلوغ إلى الاكتفاء الذاتي خدمة للإسلام وسيراً بمبادئه في مسيرة التقدم ) .
14-( السعي لإيجاد الرابطة بين أهل السنة في إيران ربين سائر المسلمين في إيران وسائر العالم إحكاماً لأسس الوحدة والأخوة الإسلامية وخاصة للاستفادة من مساندة الراغبين في برنامج عمل الشورى المركزية للسنة ) (1) .
15-( تيسير الأمر لإرسال الأفراد ذوي الاستعداد إلى المراكز الإسلامية في العالم لتعلم المعارف والعلوم الإسلامية ) (2) .
16-( بناء على اقتراح وتأييد كل الحاضرين للسنة تحت رقابة العلامة مفتى زاده والمولوي عبد العزيز قائدي أهل السنة في إيران ومؤسسي الشورى المركزية للسنة وباقرار منهما ) .
37
وبعد ، فنحن ندعو كل ذي عقل وإنصاف لينظر في هذه المواد ويقول لنا رأيه بصراحه فيما إذا كانت مادة منها مخالفة لمبادئ الإسلام ، أو إذا كانت هذه المواد تخدم المخططات الأمريكية ، وإلا فليعرف حكام إيران أن هذه المقولة الكاذبة لا تفضح إلا أنفسهم ( ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً ) ، وإذا كانت هذه المواد أمريكية – كما يزعمون – فماذا يكون شكل
__________
(1) يستغرب من يقرأ المادة ( 14 ) من مبادئ مجلس الشورى ، وقد يتساءل بسذاجة : ومن يمنع السنة في إيران من الاتصال بإخوانهم خارج إيران ؟!
وجوابنا على ذلك أن الآيات يحولون بينهم وبين هذه الاتصالات ، ومن يفعل لك يرمونه بالخيانة وما اسهل مثل هذا الاتهام عندهم … وهكذا كانت الأنظمة التي سبقت نظام الآيات في طهران .
(2) أي الأزهر في مصر ، والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة .(2/30)
دستورهم المشؤوم الذي ما وضع إلا لتمزيق صفوف المسلمين الذي ألفت بينهم الثورة الإسلامية (1) ؟ أم يخشى السادة أن يذكرهم عبد من عباد الله بسؤ عملهم فيبادرون لإلصاق سيئاتهم عبد هو بعيد عنها بعدهم عن الحق ؟ وجدير بالذكر أنه بعد ما حاولت السلطة تغطية الحقيقة وبثت الدعايات حول الشورى ، أصدرت شورى أهل السنة بياناً تحدت فيه السلطة أن تسمح بعقد اجتماع بين ممثليها وبعض أعضاء الشورى كي يناقشوا القضية على مسمع من الناس ومرأى عن طريق التلفزيون حتى يتميز الخبيث من الطيب و يعلم الناس الصادقين والكاذبين ، ولكن الخائفين من الافتضاح عموا وصموا ولم يحركوا ساكناً .
وأما الاتهامات وإلقاء العقبات في سبيل الشورى فليسوا بمقلعين عنه ماداموا يشعرون بأنه لا يعترض سبيلهم ولا يمنعهم عن بلوغ أمانيهم أي قوة قي داخل إيران إلا هذه الشورى , وأما إذا قضي عليها فهم يستطيعون بهدوء بال أن يتموا ما لم يتمه الصفويون من قبلهم .
38
فنحن نضرع إلى الله تعالى ونطلب منه أن يوقظ في صدور إخواننا المسلمين في العالم عاطفة الإخوة نحونا(2) و يستخدموا كل وسيلة ممكنة نظيفة للضغط على هؤلاء الشرذمة المتحكمة في رقاب المسلمين سنيهم بل وشيعيهم أيضاً ويرغموهم على تغيير سيرتهم ن والله على كل شيء قدير .
مواقف الخميني من المجلس :
__________
(1) تحدثنا في الجزء الأول من هذه السلسة عن ارتباط ثورة الخميني بما يسمونه الشيطان الأكبر – أي الولايات المتحدة الأمريكية – ولنا عودة إلى هذا الموضوع في جزء قادم إنشاء الله حيث نشرت وثائق ومذكرات كثرة بعد صدور كتابنا الأول منها ( إيران جيت ) .
(2) مع اعترافنا بالتقصير ، فإننا نؤكد أننا معكم بقلوبنا ومشاعرنا وأموالنا ، لا سيما وقد اتضح الحق من الباطل ، وفضح الله آيات الرافضة ، وأيقن جمهور المغلفين أنهم قد خدعوا بالخميني كما خدعتم أنتم .(2/31)
وبعد عقد الاجتماع بشأن تشكيل ( الشورى المركزية للسنة ) بأحد عشر يوماً أدلى قائد الثورة الخميني بكلمات في لقاء بعض الزائرين من مدينة كركان وغيرها معه هاجم فيها الشورى والمشتركين في الاجتماع وخاصة الأستاذ مفتى زاده بما لا يمكن أن يصدر من قلب – إذا كان هناك قلب – فيه مثقال ذرة من خشية الله تعالى ، فقال :
( إن هناك مؤامرات في داخل إيران يجب إما أن نقضي عليها أو لا نعيرها اهتماماً ، يعقد اجتماعات تحت عنوان مسألة التشيع والتسنن لإثارة الشقاق بين الأخوة ، كما أن المرتبطين بسلطة أمريكا الكبيرة طرحوا هذه المسألة لصالح أمريكا ثم لصالح روسيا ، وهناك أيضاً سلك نفس الطريق من بعدهم زمرة غافلين عن أنه إن رجعت هذه القوى الكبيرة لم تبق لا الإسلام ولا أهل السنة ولا أهل التشيع ، إن رجع هؤلاء – لا سمح الله – أبادوا الإسلام من أساسه علماً بأنه هو الذي ألف بين الأخوة ، فلينتبه الأخوة الذين يعملون لإثارة الشقاق إن كانوا مرتبطين بأمريكا وروسيا فلعلهم لا يقبلون
39
النصيحة ، وإن لم يكونوا كذلك ولكنهم يريدون العمل لصالح الإسلام في هذا البلد الإسلامي فليعلموا أن الطريق إلى ذلك ليس بإثارة الشقاق بل إيقاع الصلح بين الفرق ، وليحفظوا هذا التآلف والوحدة بين كل الطبقات ، ما أبعد القائل عن الواقع ؟ المترجم ) .(2/32)
نحن نستطيع أن نبلغ بهذا البلد مقاصد الإسلام العالية في ظل الأمن والوحدة ، وبذلك فقد نستطيع أن ننجي المستضعفين من المظالم التي نكبوا بها طوال التاريخ إن لم يكن أمن فلا زراعة ، ولا صنعة ، ولا القدرة على العمل لصالح المستضعفين ، ألا ترون أنه لما أثاروا الفتنة في كردستان وهوزستان باسم الإسلام لم تستطع الدولة حتى الآن أن تعمل هناك عملاً إيجابياً ذا واقع ، لأنه ليس هناك أمن والظروف غير مساعدة . كيف تكون الزراعة حين يحرق الحصاد ؟ كيف تكون الصناعة حين يدعي العمال إلى الإضراب الاشتغال بأعمال غير إنسانية ؟
يا أخوتي يا أهل التسنن ويا أهل التشيع اعلموا أن أسس الفساد قد ذهبوا ويذهبون الآن ، يريدون أن يثيروا بينكم الفتنة تحت عناوين شتى ويفوزوا هم بالربح . يوجد الآن في المناطق المختلفة من يريدون أن يلقوا بهذا البلد إلى حلقوم أمريكا وروسيا ، في مناطقكم ، وفي الشمال ، وفي نفس طهران يعقدون اجتماعات . في نفس طهران رفعوا رؤوسهم مشتغلين بالشيطنة يوجد سجل أعمال بعض هذه الزمرة المنحرفة عند رجال السلطة . يا هؤلاء أي ضر أصابكم من الأمن ؟ (1) أي ضر أصابكم من الإسلام والجمهورية الإسلامية والقرآن الكريم حين شددتم المئزر لمحوه واشتغلتم بالمؤامرة بحجة العمل
40
__________
(1) أليس الاعتداء على عقيدة أهل السنة وشتم أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم ، من الأضرار التي تعرض لها أهل السنة ؟ألا يعلم الخميني بما فعله زبانيته بكردستان وبلوشستان وغيرهما من مناطق أهل السنة ؟إن رسائل الأخوة تؤكد انه يعلم وهو كبيرهم الذي علمهم المكر والمراوغة والتضليل .(2/33)
للإسلام غير شاعرين أو شاعرين – لا سمح الله – بالحقيقة . أنتم تظنون أن مؤامراتكم خافية لا ، فإن سجلات أعمالكم في أيدينا ، فأقلعوا عن هذه المقالات والاجتماعات والمؤامرات . لا يستطيع الشعب المسلم الذي أعطى الدماء في سبيل الإسلام أن يرى حفنة من الذين كانوا مكبرات صوت النظام السابق (1)
__________
(1) لقد تحدى الأستاذ زاده الخميني وزمرته أن يقبلوا الحوار ، فأين أدلة إمام الكاذبين على أن قادة أهل السنة كانوا مكبرات صوت النظام السابق ، ولو أنهم قدموا هذه الأدلة لحققوا نجاحاً كبيراً ، لكنهم قتلوا من قتلوا وسجنوا وشردوا من شردوا دون محاكم ولا وثائق .(2/34)
يبدأون بأفاعيلهم من جديد ظانين أن الفرصة مواتية . لا سمح الله بأن يأتي يوم يعرف فيه شعبنا هؤلاء الذين هم كما ذكرنا سواء من يوجهون ضرباتهم تحت عنوان العمل للإسلام أو عناوين أخرى كمسألة التسنن والتشيع . ( عفواً من إيراد هذا المقال الركيك فإنى ناقل … المترجم ) لا تظنوا أن الشعب الذي تحمل كل هذه المشقات حتى بلغ بالجمهورية الإسلامية هذا المبلغ أن يدعوكم تفعلون ما تشاءون وتخربون بناءها بمؤامرات تستقي مما هو خارج إيران ( ويا للبهتان والزور ويا للجرأة !! المترجم ) أنا أنذر إنذارً ، وأريد ممن يطلبون الفساد – ونحن نعرفهم – أن يلتفتوا هم بأنفسهم إلى الإسلام ولا يخونوه بحجة أنا نريد استرداد حقوقنا . فإن حقوق كل الأفراد سواء الاخوة من أهل التسنن والأخوة من أهل التشيع والأقليات الدينية الرسمية مسجلة في الدستور ومعترف بها في الإسلام كذلك ، ويعاملون بالعدل الإسلامي . ( نعوذ بالله من ذلك العدل . المترجم ) واقلعوا عن القاء بذور الفتنة ، وعقد الاجتماعات المثيرة للفتن ، التفتوا إلى الإسلام والقرآن الكريم ، فإنه يذهب عن أيديكم سيطرة الأجنبيين عليكم ، أعداء الإسلام والقرآن ، والذين لا يستطيعون أن يروا الإسلام قائماً والذين أصابتهم اللطمة من الإسلام ، وإن أردتم أنتم هنا أن تثيروا – لا سمح الله – الاختلاف تحت عنوان التشيع والتسنن إذن فنحن نحس بواجبنا ، وجلي أنا نعرف أولئك الطالبين
41
للفساد والذين يريدون أن يثيروا الشقاق بافسادهم ، ولا يبعد – ولا سمح الله – أن نبين حقيقتهم للأخوة أهل التسنن وأهل التشيع وكل الشعب .(2/35)
يجب ونحن في حالة الحرب والقوى الكبيرة وراء الأعداء الأجنبيين ويسعى صدام بكل قواه أن يبيد أساس الجمهورية الإسلامية وهو يعمل ضد الإسلام باسم الإسلام … يجب أن لا يصبح الاخوة العوبة في أيدي الأشخاص الطالبين للفساد الذين هم مشتغلون بالافساد حيناً في سنندج ، وحيناً في كرمانشاه ، وحيناً في طهران ، نحن ننذرهم كي يتلفتوا من جانب إلى مصالح الإسلام والمسلمين ومن جانب آخر إلى المؤامرات الخارجية ولا توسعوا دائرة الشقاق لأن هذا العمل اليوم معصية غير مغفورة ، وإن بدا لنا – ولا سمح الله – وجوب اتخاذ القرار نحوهم احتمل أن ينتهي الأمر بخسارة أولئك . إنني راغب في أن نستطيع أن نبلغ بهذا البلد ساحل النجاة في ظل الأخوة والتعايش السلمي والأمن ) .
وبعد مقالة الخميني بعشرة أيام كتب له الأستاذ مفتي زاده رسالة ونشرها بين الناس ، وهذه هي ترجمتها :
رسالة زاده للخميني
{ قل أعوذ برب الناس . ملك الناس إله الناس . من شر الوسواس الخناس . الذي يوسوس في صدور الناس . من الجنة والناس } .
قائد الثورة الإمام الخميني ! صورة إلى : شعب إيران المؤمن المؤثر على نفسه ! سمعت عن طريق الراديو يوم (24/1/1360-13/4/1981 )
42(2/36)
كلماتكم في لقاء الزائرين الكركانيين معكم ، التي كانت فيها – كما يبدو – إشارات إلي وإ لى الشورى المركزية للسنة . وكذلك رأيت قبل ذلك وبعده مراراً نفس تلك الكلمات أو عبارات شبيهة بها في الجرائد ، وسمعتها من الراديو والتلفزيون ، ومن ألسنة زمرة يستغلون الراديو والتلفزيون لنشر المطالب الخادعة للناس ، ويخافون من وصول قول الحق إلى أسماع الشعب ن منهم رئيس ما يسمى ( بالمحكمة العليا ) ورئيس مجلس الشورى ورئيس الوزراء ، وكذلك إمام ( يوم الجمعة طهران ) ( كره أن يسميه إمام الجمعة – ج ) في كلماته التي أدلى بها في المجلس وكلماته التي تسمى خطب صلاة الجمعة ! وأذاع الراديو مرات أخرى أيضاً كلمات منكم كانت تشير إلى ( عملية التفريق ) .
حقاً لولا كلماتكم التي من شأنها – نظراً لوضعكم القيادي للثورة – أن يكون لها أثر خطير في التحقيق رغبة السادة المولعين بالسلطة لحد عبادتها ، في إيقاد نار الحرب ، لما كنت راغباً – بعد إمضاء سنتين في الكتابة والتكلم بلا جدوى – أن أتلف وقتي بالمناقشة حول أكاذيب وافتراءات السادة ، لأن كل إناء يترشح بما فيه ، وكنت قد اطلعت من أوائل الثورة على رغائب هؤلاء الذين هم إخوان حالة الضعف وأعداء حالة القوة . وقد سمعت من افتراءاتهم وبهتانهم على كل من لا يخدم رغائبهم الاستكبارية بالدين وبالناس ، ما لم يبق معه أمل في أن يكون للجواب جدوى . بل جواب كل ذلك الكذب والبهتان والتزوير ، الذي يشغل الأوقات كلها وصحائف الجرائد وأجهزة الإعلام العامة تقريباً ، والذي لوث جو إيران السياسي والخلقي و الاعتقادي بسم الكفر والشرك ، لا هو جائز ولا مقدور .
وأود أن تطمئنوا قبل كل شيء إلى أن كتابة هذه الرسالة ليست دفاعاً عن نفسي خوفاً من الافتضاح الذي أشرتم إليه . لأنه لا يوجد – بحمد الله – في - سابقتي السياسية منذ أن انعم الله عليَّ بنعمة
43(2/37)
الإسلام ما يفيد أي احترام لطاغوت من الطواغيت إلى ما قبل نهضتكم في 15/3/1342 قبل ثمانية عشر عاماً – ج . من جميع رجال الدين الكبار حتى آية الله البروجردي الذي يقال أنكم تدعونه استاذاً لكم . وكذلك ليس خوفاً على النفس والمال . لأن المسلم لا يكون من الغباوة وعدم الفهم بحيث لا يقبل على التجارة الكثيرة الربح التي دعا إليها قوله تعالى { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } . ولا يليق بنا وقد كنا أخذنا في الطريق المؤدي إلى هذه التجارة في زمن النظام السابق في سبيل الإسلام والمسلمين ، أن هذا النظام إنما قدم بتلك الثورة الرفيعة العظيمة الثمينة ، ولكن عُبّاد السلطة الظافرين بها ضررهم للإسلام والمسلمين ونفس الثورة كذلك أكثر بكثير من النظام السابق . وكذلك أود أن تطمئنوا إلى أن سبب كتابة هذه الرسالة ليس عن بواعث تشكيل الشورى وأهدافها الذي هو مطلب خاص . لأن نظرة عابرة في سابقة أمري في السنوات قبل انتصار الثورة وبعده ، وفي طريق عمل السادة من يوم ظفروا بالسلطة ، تكشف بسهولة عن هذه الحقائق وهي : من الذين يعملون لإثارة الشقاق ويدبرون المؤامرات ويسببون سقوط الثورة ، ومن الذي يسعى لإزالة مظاهر التفرق والتفرقة ويقوم في وجه المؤامرة والمؤامرين الخائنين للثورة ؟ وعلاوة على هذا فإن إلقاء نظرة على قرار الاجتماع الأول المنعقد بشأن تشكيل الشورى يوضح جيداً أنها تسعى من الآن كذلك لإزالة الألوان المختلقة للأثرة والتفرقة بين أجزاء الأمة الإسلامية ولإحياء تلك الوحدة والأخوة التي أوجدناها قبل انتصار الثورة بين الأخوة السنيين والشيعيين ، ولكن – ويا للأسف – أماتها السادة المولعون بالقوة بدستورهم وبأعمالهم . ومن البديهي أن الأثرة والظلم يجتمعان مع الأخوة و الوحدة ، و حين
44(2/38)
يوجد بين أخوين أثرة ( وبخس ) ، فالتكلم عن الوحدة والخلة ليس إلا أمنية كاذبة أو خداعاً ساذجاً . وهذا هو السبب لقيام أولئك العباد للسلطة الذين يرون بقاء سلطتهم في الفتنة والحرب ، ودعماً لسلطتهم يسرقون ويبذرون كل هذا الاسرف والتبذير في أموال وانفس هذا الشعب ( إذ يرون الأمن والفراغ والوحدة والأخوة بينهم باعثاً لطغيان الشعب وسقوطهم هم ) . هذا هو السبب لمناصبتهم إيانا العداء ومع كل المخلصين للثورة في كل إيران حتى مع علماء الشيعة أيضاً فإنه لسنا نحن فحسب هدف سهام البهتان والافتراء من السادة . انظروا كيف يتهم أخلص المخلصين الخادمين للثورة الذين هم في مقدمة زحفها من الأفراد ذوي العزم الشيعين أيضاً بنفس الأوصاف التي إنما تليق بالمسلطين على رقبة الثورة وأياديهم المعروفين ، لمجرد انهم لا يميلون إلى المدهنة مع المسلطين عليها . وهذا ليس بمستطاع حقاً أن يعرف أن هؤلاء الوارثين للثورة بلا حق ، وكل أولئك المعارضين ، أي فريق منهما هو صادق وأي هو كاذب ؟ وأي هو مخلص للثورة . وهل ليس بمستطاع أن يعرف أن كل هذه الأكاذيب والافتراءات المصاحبة للاستئثار بأجهزة الإعلام ووضع الرقابة عليها والإرهاب والأخذ والأسر ضد أشهر الوجوه المخلصة للثورة ونظام الجمهورية الإسلامية ، لا يمكن أن يكون لها سبب إلا خوف الخائنين من اكتشاف الحقائق وبلوغ وصايا وكلمات الرجال الصادقين إلى آذن الناس ؟
إن الباعث لكتابة هذه الرسالة بعد كل ما قلته وكتبته شيئان اثنان : الأول : إني قد سمعت ممن يوثق بهم أشياء عن معيشتكم الساذجة والبعيدة عن الترف (1)
__________
(1) أما آن لصاحبنا أن يعرف الخميني على حقيقته بعد هذه المعاناة الطويلة ، وبعد أن اطلع بنفسه أو اخبره اخوانه عما ورد في كتب الخميني من كفر وضلال … ويضاف إلى هذا وذاك البيانات المذهبية التي كان يصدرها قبل الثورة وبعدها ، وهل يكون تقياً وراعاً من فسد دينه وسقط في مستنقع الشرك ؟! .(2/39)
وعن تقواكم بل وتهجدكم ، وكذلك
45
قد سمعت من أولئك ومنكم أيضاً عبارات كثيرة صريحة أو غير صريحة عن قلقكم العميق من تسلط المستأثرين بالثورة بغير حق عليها . ونحن جميعاً مطلعون على جهودكم ضد نظام الظلم والاستبداد السابق أيضاً طوال سنين . ومن المؤسف وأنتم تتمتعون بهذه الصفات الطيبة أن تدافعوا عن الخائنين وتعلنوا حرباً على المخلصين ( في الرسالة التي كتبتها إليكم قبيل الحرب الأخيرة توضيح كاف في هذا الشأن ) .
والثاني : أن شعب إيران البطل ، ظفر بهذه الثورة وهذا النظام بعد أن دفع الثمن باهظاً ، وأملاً في قيام دولة إسلامية بمعني الكلمة . وعدا عن أمل كان للعالم الإسلامي في هذه الثورة ، فإنه مؤسف جداً أن تكون نتيجة بذل الأنفس من هذا الشعب المؤمن ، اسماً بلا مسمى وشكلاً بلا محتوى .
لهذين السببين كررت الفعل الذي كررته بغير جدوى فيما مضى ، مرة أخرى بهذه الطريقة وإن كان الظاهر أن شروط التكليف { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } قد انعدمت بعد كل ما قد قلته وكتبته ( وكذلك قاله وكتبه الآخرون ) . ومع هذين السببين نكتتان مهمتان أخريان أيضاً توجبان إصراري على إدامة طريقة ( طريقة الدعوة إلى الخير ) .
النكتة الأولى : أن قدر هذه الثورة يبلغ من العلو درجة ، وخطر سلوك الوارثين بغير حق لها يبلغ من العظمة حداً ، يجعلان التوسل بأي عمل يرجى منه ولو أقل رجاء أن يكون ذا تأثير في انقاذ الثورة من شر المستأثرين بها بلا استحقاق واجباً .
النكتة الثانية : أن العواطف الناشة من الاشتباكات والاختلافات المذهبية بين المسلمين بعضهم مع بعض ، كما أنها كانت دائماً في أيدي المستكبرين لبقائهم هم واستضعاف الناس ، فهي الآن أيضاً
46(2/40)
وسيلة في أيدي هؤلاء المستكبرين المستأثرين بالثورة بغير حق ، يستفيدون منها لتبرير استمرار سلطتهم وتحميلها على الناس . ( قد أشرت قبل هذا في رسالة أخرى أيضاً إلى مقالة الشباب المخدوع (1) حول برنامج ( تقتيل أهل السنة) الذي هو حلم البائعين للدين القدماء منهم والجدد ( كان أحد الذين يسمونه حراس الثورة قد لقي حين دخولهم كردستان بعض من رآهم حول المساجد وكان قبل ذلك ألقي في قلبه أن كل مسلم فهو شيعي فعلى هذا ظنه شيعياً وقال له نحن جئنا لأخذ ثأر الدماء التي أراقها الأمويون ، المترجم ) وكذلك قد سمعنا من الراديو قول أحد حجج الإسلام بنفس المعنى في تبرير إدامة الحرب مع العراق إلى أن تصدر الثورة إليها وتقوم هناك حكومة شيعية ) .
__________
(1) هذا الشباب ليس مخدوعاً ، وهذه هي عقيدة الرافضة ، فالسنة عندهم نواصب كفار ، وقتلهم مشروع في دين الخميني ، وإذا كان أهل السنة في البلدان التي لا يوجد فيها شيعة معذورين بجهلهم لهذه المسألة فلا يحق لإخواننا السنة في إيران تجاوز هذه الحقيقة .(2/41)
وعلماً بهذه النية المولعة بإيقاد نار الحرب التي ينطوي عليها ذوو الإثارة الأعداء للناس والتي قد كشفت عنها جيداً – علاوة على ما قد أشرنا إليه إلى الآن من الشواهد – سجل تدوينهم الدستور وأعمالهم طوال هاتين السنتين ، أشعر بواجبي العظيم في الحزم و الاحتياط ، والذي أراه هو الانتقال من مواجهة هذه السلطة باعتبارها دولة إسلامية إلى مواجهتها باعتبارها دولة غير إسلامية ، لأن موقفاً كهذا يعطي السادة الحجة الكاملة في إيقاذ نار الحرب بين الأخوة . وقد رأينا في السنتين الماضيتين وفي كل التاريخ أن الذين يتحملون خسارات هذه الحروب هم عامة الناس ، لا الموقدون لنار الحرب المترفون . وحين يريد أحد الطرفين إيقادها وإبادة أنفس الشعب وأمواله ، يضطر الطرف الآخر إلى أن يكون في جهوده محتاطاً أكثر ما يمكن . وحقاً لولا ذلك لما وجد سبب شرعي لإدامة طريقة ( الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )
47
في مواجهة هذه الحكومة التي تسلط على عمرها مستكبرون مراؤون .
قد تكلمت وكتبت كثيراً قبل هذا بشأن أسباب إيقاد المستأثرين بالثورة نار الحرب ، وكذلك بشأن كون ضرر هؤلاء أكثر من النظام السابق لهذا أكرر مرة أخرى – بدل هذا العمل الذي له قصة لا متناهية – تلك المقولة السابقة وهي : إنني راغب تماماً ومستعد للاشتراك في بحث ومناقشة مباشرة وعلى مرأى من الناس لإثبات كون ماقلته إلى الآن حقاً واثبات أن المستأثرين بالثورة كاذبون وغير مسلمين . وبوجه خاص أؤكد بشدة على شيئين :
الأول : بشأن ( الشورى المركزية للسنة ) وزعمكم أنها مرتبطة بجهات خارجية هنا وهناك ( حقاً أن الكافر يظن الكل على ملته ) .
والثاني : بشأن الدستور ، حتى يظهر أن هذا المعجون لا يتفق ولا مع الفقه الجعفري أيضاً !(2/42)
فإن كان السادة المستأثرون بالثورة صادقين في أنهم مسلمون وأن دستورهم وأعمالهم إسلامية ، وصادقين في أننا أهل المؤامرة والاغتيال وعملاء البعث والروس والأمريكان ومكبرات صوت النظام البهلوي و … فبديهي أنه لا ينبغي أن يساورهم خوف من المناقشة والمحاسبة . لأن الحق والصدق والصواب لا يغشى أبداً من مواجهة الباطل والانحراف والفساد والذي يفر من المناقشة العلنية على مرأى من الناس وهو حتماً لا يثق بأنه هو على الصواب والحق . فإن خشي هؤلاء من تلك المناقشة { فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين } [ آل عمران / 63 ] … وهب إنهم بالفرار من المناقشة والاستئثار بأجهزة الإعلام ، أخروا افتضاحهم عند الخاصة والعامة أياماً معدودات أخر ، فهذه محاولة غير مجدية لأمرين :
48
أولاً : إن هذا الشعب البطل الذي أظهر حماسه الإيماني في هذه السنين الأخيرة لا أظن أن يكون غير آبه بمصيره . وعلى أي حال – ولو أثيرت الحرب والفتنة لصرف الأنظار عن الحقيقة – سيعرف ماهية أعداء الثورة المسلطين عليها .
وثانياً : قريب جداً يوم الفصل الذي يصرح فيه الخائنون المبهوتون من رؤية أعمالهم قائلين : { ما لهذا الكتاب لا يغدر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها }
وأؤكد مرة أخرى على أنه إن كان السادة يخافون من المناقشة العلنية ، فكلفوهم أنتم بهذا الأمر بما أنكم تتمتعون بقيادة الثورة لكي يظهر لكم ولكل الناس الصدق والكذب والخدعة والخيانة . وحقاً ، إن القضية خطيرة جداً وعدم المبالاة بها هو عين الرضا بسقوط الثورة .
في انتظار اتخاذكم القرار الحاسم .
أحمد مفتي زادة
طهران 3 / 2 / 1360 – 23 / 4/ 1981(2/43)
وبعد فهل تحسبون يا إخواننا المسلمين أن قائد الثورة بل قائد السلطة فعل ما طلبه منه الأستاذ ؟ لا والله ولا شيئاً تافهاً ! فإن ذلك يفتقر إلى خشية من الله وأين هو منها ؟ وكيف تنفع الذكرى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ؟ وحقاً ، إن أستاذنا الحبيب قد بلغ من حسن الظن بهؤلاء حداً بعيداً ! إن الرجل تبدل غير الرجل يوم أن أخذ بزمام الحكم ، وهو الذي يدفع أولئك السفاكين المفسدين إلى الأمام ويصر بأنة هو رباهم ، فكيف يستجيب لذلك التحدي ويرضى بافتضاح نفسه ؟ وصدق الله العظيم حيث يقول : { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام .
49
وإذا تولى سعي في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد . وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد } .
ثم إننا ندعوا إخوتنا أن يقفوا عند كل جملة من هذه الرسالة ويمعنوا انظر فيها فإنها تنطوي على حقائق قلما يعلمها الأخوة المسلمون خارج إيران . إن هذه الرسالة قصة إجمالية لقضية أهل السنة في إيران ، وقد تضمنت أسرار إراقة الدماء البريئة في كردستان ، وياليت اخوتنا من سائر البلاد زاروا بلادنا ، ورأوا بأمّ العين تفصيل ذلك المجمل ، وعرفوا ما تريد تصديره إلى العالم تلك الشرذمة الباغية ، لتقشعر جلودهم من قلة الحياء ويسكبوا الدموع على مصائب أخوتهم المسلمين في إيران على أيدي أولئك الذين ليس لهم من المروءة ما يمنعهم بعد كل ذلك من أن يزورا بعض البلاد الإسلامية ويدعوا على رؤوس الأشهاد أن أهل السنة يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها الشيعة بل و يجرؤون على اكثر من ذلك فيقول شيطان منهم بعد رجوعه من سوريا إن رجال الدين (1)
__________
(1) رجال الدين الرسميون في النظام الباطني البعثي في سورية غير مستغرب عليهم هذا الموقف ، ويكفي أن تعلموا أنه جزء من هذا النظام الذي لا يختلف عن نظام الآيات .(2/44)
هناك قالوا لنا إنكم انتم تابعوا سنة رسول الله صلى الله علية وسلم أو أشد منا اتباعاً لها ( لا أذكر قوله بالضبط ) ونحن أشد منكم تشيعاً ( أو كما قال ) !! ويا ليت شعري متى يأتي ذلك اليوم الذي يشعر فيه المسلمون بواجبهم نحوه بعضهم البعض ويتذكرون قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ؟ { ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في امرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكفرين } . آمين يا رب العالمين .
50
رسالة زادة لبني صدر :(2/45)
وفي أواخر فصل الربيع من السنة الماضية أرسل الأستاذ مفتى زادة رسالة إلى بني صدر رئيس الجمهورية آنذاك بالحاح من ثلة من الإخوان المسلمين جاؤوا من خارج إيران وطلبوا منها أن يوضح رأيه حول ما يجرى في كردستان وليرشد الرئيس إلى الطريق لحل معضلاتها . وقدم إليه معها مجموعة من الاقتراحات بشأن إصلاح الدستور . وهانحن نذكر بعض ما جاء في الرسالة أولاً ونترجم المجموعة بعد ذلك بأجمعها إنشاء الله ، فإن فيها طائفة هامة من الأسرار والحقائق يجب إطلاع الاخوة عليها . وسنرى فيهما – وفي كل ما كتبه وقاله الأستاذ مواجهاً به الطاغوت السابق أو اللاحق – كيف يستنكف المؤمن من خفض الرأس أمام قوى البغي والطغيان ولو كانت بعضها لبعض ظهيرة ! ولقد كانت تلبية أهل السنة لزعيمهم المؤمن ضربة قاصمة في ظهر النظام السابق الذي طالما طمع أن يجعل منهم وسيلة لضرب الثورة ومنعها من التقدم . وما أحلها من دعوة وما أروعها من تلبية ! إنهما كانتا تنبثقان من أمل كبير في عودة حكم الله بعد ذلك الفراق الطويل ليظلل مرة أخرى هذه البقعة من أرض الله بظله الظليل وليمتد منها إلى الأقطار المعمورة . ولكن إبليس بدأ شوطاً آخر في الإفساد بإغواء إخوانه المسيطرين على الثورة بغير حق ، فذهبت الآمال لتستقبل القلوب من جديد هموماً ومآسي كانت يسيرة عليها لو لم تكن بأسم الدين ، ولو لم تكن آتية من أيدي أعداء يظهرون بمظهر الأخوة الناصحين ، فإنها لم يخل يوم من أيامها من هم ومأساة .
ذكر له أولاً أنه بعد هجرته من سنندج امتنع بالمرة من الاتصال برجال السلطة وما كان ليتصل من جديد ولا بإرسال هذه الرسالة لولا إلحاح أولئك النفر ووثوق كان له برئيس الجمهورية من أجل ما
51
شاهد من موقفة فيما يسمي بمجلس الخبراء . وحذره من أن يكون كمساوم في سوق الساسة ويظن أن هذا العمل إنما هو لكسب الجاه .(2/46)
ثم ذكر انه كان يؤكد في أكثر رسالاته وخطاباته إلى بضعة أشهر بعد انتصار الثورة ، على الشيئين :
أحدهما : إن أكثر الحكومات تسير نحو الاستبداد تدريجياً ، فإنها تخطئ وتخطيء ولكن انانيتها لا تدعها تعترف بأخاطئها وتسعى لإصلاح ما أفسدت بل تجعلها تجتهد لإسكات الناس بوسائل مختلفة وينجر الأمر شيئاً فشيئاً إلى سفك دماء المعترضين في طريقها ، كما شاهدناه في كردستان .
والثاني : إن الاستئثار بالسلطة ومحاولة إخضاع الغير لسلطان النفس أكبر باعث للشقاق و التفرقة و أخطره كما تراه اليوم حيث يزداد التحزب والتفرق يوما ً بعد يوم من جراء استئثار هؤلاء بالسلطة . ثم أمل قادة الثورة في صيرورة هذه الثورة عالمية ، وبين كيف ساهم هو أيضاً في دعماها بما أوتي من الامكانيات بآمال كثيرة ، وإن كان يرى أن تحقيقها بعيد لأسباب كثيرة أهمها عدم اجتياز الثورة المرحلة الأولى لأي ثورة إسلامية وهي التوعية والتربية والفردية .
وبعد ذلك ذكّره بما فعله طوال عام وبضعة أشهر قبل وبعد انتصار الثورة جرياً وراء تلك الآمال وذكره بما يلي :
1-نشر عشرات البيانات في المناطق السنية وغيرها ، وأحياناً في بعض البلاد الإسلامية وغيرها البعيدة والقريبة ، لعموم الناس ، ولقادة الثورة وتعريفها لهم بالمنهج الذي عليهم أن يسلكوه .
2-إصدار البيانات إلى كل منطقة من المناطق السنية كان النظام السابق وأياديه يريدون إثارة الفتن الدامية فيها .
52
3-عقد اجتماعات للبحث حول المؤامرات التي يدبرها المثيرون للشقاق المتربصون الفرص المناسبة ، ولإلقاء الأضواء على جوانبها .
4-المناقشات مع علماء الشيعة وشخصياتهم الذين كانوا يزورون كردستان في مسألتين :
أولاً – توجيه قادة الثورة إلى أن الانتصار الحق لهذه الثورة بحاجة إلى زمن طويل وعمل دائب ووضع للبرامج الدقيقة وتنظيم للقوى .
ثانياً : ترسيخ معاني العواطف والأخوة الإسلامية أكثر ما يمكن .(2/47)
5-الاتصالات المباشرة وغير المباشرة مع قادة الثورة لإطلاعهم على مشاكل الناس وآمالهم في كل المناطق ، وتنبيههم إلى أن المتربصين الفرص يستفيدون من هذه الظروف ضد الثورة الإسلامية . فيجب التصدي لتلك المشاكل برفعها والعمل على تحقيق تلك الآمال .
6-السعي بعد الانتصار لإطلاع المسؤولين على أخطائهم وتفريطهم وعدم تمتعهم بالكفاءة اللازمة ، كي يقوموا بواجباتهم في هذه المجالات .
7-إرسال رسائل إنذارية وباعثة للهمم في بعض الأحيان إذ كنا نرى أن التذكير لا أثر له والانخرافات عمدية مما يسير بالثورة في غير طريقها .
8-وأخيراً فقد كان الوقت يفوت ونحن نجتنب أن نجابهم بما يوهن الثورة وهم على ما هم عليه ، وكانت الثورة تصاب بضربات قاصمة وكان المخالفون للثورة والإسلام يجدون يوماً بعد يوم حججاً عاضدة لهم ، عندئذ رأينا أن التذكير المباشر بدون أن يعلم الناس لا يكفي . فنهضنا للطعن في حرمة هؤلاء المجاهرين بالمعاصي وألقينا خطابات معارضة .
ذكره (1) بأصول المشاكل والمعضلات القاصمة لظهر الشعب، والتي كان قد بين قبل انتصار الثورة أنها ترجح إلى مظالم ثلاث :
53
1- الظلم القومي .
2- الظلم المذهبي .
3-الظلم الطبقي .
__________
(1) أى بنى صدر .(2/48)
وأضاف أن غير الفرق الإسلامية ما كانوا يستطيعون إيراد هذه الاعتراضات وكان الحياء يمنعهم من ذلك ، وأما الحكومة فقد كانت مع كل هذا بمناًى من الوفاق وقبول الحق ، ومع سهولة المطلب فقد شرحه مرات بالمقابلة وإلقاء الخطابات وإرسال البرقية والتوصية والرسالة دفعاً لأي خطأ في فهمه . وذكر أنه بعد انتشار مسودة الدستور ، نبههم على أنها غير كافية في رفع هذه المظالم وكذلك قبل دعوة مجلس الخبراء للتعاون مع اللجنة السابعة التي عقدة للبحث في المسائل الاقتصادية . قبل دعوتهم رجاء أن يقوم بخدمة للناس في تلك الفترة المصيرية ، وبحث حول كل المسائل والمشكلات لشعب إيران والتي ترجع كلها إلى هذه المظالم الثلاث . وبذل ما في وسعه لأن يكون الدستور موافقاً للقرآن وذلك بأن يكون حاسماً وكافياً بشأن رفع هذه المظالم . وفي إحدى الاجتماعات العامة لكل اللجان شرح آثار هذه المظالم شرحاً أبكى (1) بعض الحاضرين .
[ وقد نشر مؤسسة ( نشر مساوات ) هذه الرسالة مع المجموعة الاقتراحية بشأن إصلاح الدستور وإضافات وتعليقات هامة ، ومعه حواشي من قبل المؤسسة شرحت فيها بعض آثار حرب كردستان التي هيأت الحكومة المجال لها بتحريض الأحزاب اللادينية هناك عليها كما نقلنا عن الطالقاني الاقرار وا لشهادة بما كان من دور في مسائل كردستان و مآسيها مما أدى إ لى استشهاد عدد
54
كبير جداً من الشباب المؤمن بأيدي سفاكي الفرق المسيطرة على الشعب الكردي المنكوب . وأشار إلى بعض أساليب الاضطهاد والتعذيب والتقتيل التي اتخذها أولئك الشياطين نحو المؤمنين وهي :
1- ربط الأرجل بالحبال وضربها بالأسلاك
__________
(1) هل تصدقون أن بعض الآيات يبكون بسبب المظالم التى لحقت بأهل السنة ؟!(2/49)
2- ربط الأيدي من وراء ووضع المسجون في زاوية من السجن وصب الماء أو النفط تحته ، فعلوا هذا مع عدة منهم الاخ شهاب آروند الذي كان في الثامنة عشرة من عمره في بيت الخلاء إلى أن أحرق النفط ظهره . وقد اعتقل هذا الأخ إحدى عشرة مرة وفي المرة الاخيرة ذهبوا به ولم ندرِ بعد ماذا فعل به كآخرين من المؤمنين .
3- ربط المسجون وضربه في المواضع المختلفة من جسده فإن مات فذلك وإلا استمروا على هذا الحال مدة خمسة عشر يوماً ، من عشرة إلى مائة وخمسين ضربة ، ومن المضطهدين بهذه الطريقة الأخ الشهيد حسن مرادي .
4-يضعون المسجون في الاصطبل ويتركونه إلى أن يموت ، واستشهد بهذه الطريقة الأخ بديع رادفر في الثامنة عشر من عمره.
5-ومن أشد أنواع التعذيب إيراد اللكمات المتوالية الكثيرة على جسد المسجون واستشهد بهذه الطريقة شباب أزكياء منهم الأخ ناصر ريح آوري وهو في العشرين من عمره . ولقد أبدى هذا الشاب المؤمن موقفاً غريباً فلقد جرحوا رجلاه بالسكين ووضعوا الملح في الجرح وجعل الجلادون يضربونه بالأسلاك وهو يقول : أحد ، أحد ، الله أكبر !!! وأخيراً ربطوه وجعلوا يوردون عليه اللكمات إلى أن استشهد . ومن أنواع التعذيب : سلخ جلد الرأس وثقبها وثقب العين بالمثقب وإحراق الأسير حياً – واستشهد بهذه الطريقة الأخوة مهدي شبلي وحميد إيزاد – وتقطيع الأعضاء- واستشهد بهذا الأسلوب الأخوة شهرام نمكي وشهريار نمكي ورحمت نمكي وكانوا أخوة من جهة النسب أيضاً وقلع الأظافر والكي و …] .
55(2/50)
ثم ذكر علة هجرته من سنندج وبين انه لم يجد أمامه إلا طريقتين : إما أن يبقى هناك ويضطر آخر الأمر لدخول الحرب مع الأحزاب والفرق ( اللادينية ) وفيهم كثر من الذين خدعهم أولئك الشياطين بالوعود الكاذبة ، وذلك ما لم يكن ليرتكبه . إذ الكثيرون منهم كانوا طالبين لحقوقهم المشروعة ولكنهم لم يصيبوا في الأخذ بالوسيلة ، وبعضهم كانوا ينفرون من الإسلام بالمعنى الذي كان بعض رجال الدين العملاء لهذا النظام الطاغي ، والذي قبله يعرضونه على الناس ، والذي لم يكن قط إلا تبرير لاستمرار المستكبرين والمترفين في استكبارهم واترافهم واستضعافهم الشعب المنكوب . ولم يجر أولئك وراء التيارات المضادة للإسلام إلا لأنهم كانوا يحسبون أن الإسلام ليس إلا هذا ويبقى قليل يستحقون المواجهة العنيفة الغليظة ولكنهم بمنجى غالباً من البطش والنكاية ، إذن كيف يرضى من في قلبه إيمان أن يدخل حرباً لا يصاب فيها إلا الذين يجب الدفاع عنهم بدل محاربتهم ؟ فلم يبق إلا الطريق الآخر وهو ترك مسقط الرأس والهجرة إلى الله ، ولو فرض أن تلك الحرب كانت مشروعة لما كنا ندخلها في تلك الحالة أيضاً لأننا لم يكن لدينا قدرة مالية لشراء الأسلحة وتحمل مصارف الحرب إلا باستجداء القوى الطاغية العالمية ، وذلك ما لا يرضى به ذو مروءة فضلاً عن مسلم يخشى الله تعالى .
وفي الختام ذكر محاولة الحكومة لتوحيد الفرق كلها ضد الحركة الإسلامية في كردستان ولإبادتها من أساسها ، وقد شهد الطالقاني وغيره بذلك كما مر .
وبعد ذلك عرض على رئيس الجمهورية أربع مسائل طلب منه انخاذ القرار الحاسم بشأنها إذا كان هناك قدرة على اتخاذ القرار ، فإن ذلك هو الطريق الوحيد لانقاذ الشعب من الدمار والثورة من السقوط :
56(2/51)
1-إصلاح الدستور بحيث يصبح صريحاً وحاسماً وكافياً في رفع المظالم الثلاث ، بأن يوكل إدارة أمور المناطق إلى مجالس الشورى المحلية حسب موازين الشريعة الإسلامية ، ويزال عن وجه المجتمع مظاهر الاستكبار والاتراف من جانب ، والاستضعاف من جانب آخر ، ويُمحى آثار الاختلافات والتمييزات الظالمة بين أتباع المذاهب . ( ويأتي بعد قليل إن شاء الله مجموعة الاقتراحات بشأن إصلاح الدستور ) .
2-أعطت الحكومة بعض الملاك الاقطاعيين الأسلحة لمواجهة الفرق والأحزاب التي إنما بلغت ذلك الحد بتمهيد الحكومة نفسها لها ، مما أدى إلى ارتكابها ذنباً كبيراً وهو تسليح أولئك الاقطاعيين المستكبرين الذين لم تأخذ أيديهم السلاح حتى رفعوا رؤوسهم منذرين الزارعين وغيرهم من المستضعفين بالنكال والاضطهاد بدل مواجهة الأحزاب المفسدة .
3-كانت الحكومة قد علقت آمالها بالفرق غير الإسلامية وشبه الإسلامية لابادتنا أو لتوهين أمرنا على الأقل ، حتى أننا سمعنا أنها – علاوة على المواساة النقدية وغير النقدية وتمهيد الطريق أمامها للاستفادة من كل الامكانيات الحكومية و … - أعطتها – كما يقال – في أول الأمر أسلحة . ولكنها بعد ما علم أن أولئك لا يجعلون زمام أمرهم في يد الحكومة ولو خدمتها بأكثر من ذلك لأنهم مرتبطون بالقوى الشيطانية الأخرى ، ورجعت عن الاعتماد عليهم ولجأت لأمرين آخرين : الأول / إعطاء الامكانيات والأسلحة لجماعتنا . والثاني : إثارة الفرقة بين جماعات المشايخ ورجال الدين المرتبطين بحزب ( رزكاري ) وبين غيرهم من سائر الفرق المتحالفة معهم ، وتحريضهم للتعاون مع السلطة .
فأما الأمر الأول فكان ينقصه حسن النية وكان يتم غالباً بأسلوب مريب فمثلاً لم تكن لتعطي أي راتب
57(2/52)
لأفراد يوالون جماعتنا ، الذين كانوا في أيام الثورة يبذلون مساعيهم للدفاع عن الثورة وحراسة البلاد من الفتن ، وكان ذلك قاصراً على حراسها . ولقد صرح أحد المسئولين في اجتماع مع بعض اخواتنا انه ليست الحكومة مستعدة لإعطائكم الأسلحة التي تستطيعون أن تواجهوا وتقابلوا بها الأحزاب اللادينية . وجلي أن هذا يعني بلا شك أن الحكومة كانت تريد إبادتنا بإثارة الحرب بيننا وبينهم ثم تتركنا بلا دعم إلى أن نفنى عن آخرنا .
وأما الشيء الثاني فأرادت منه جعل تلك الحرب حربة في يدها تضرب بها الفرق من جانب وتجعلها عقبة في طريقنا من جانب آخر ، إذ هم ( رجال الدين ) فيستطيعون تضليل الناس باسم الدين كما كانوا يفعلون لصالح الطاغوت السابق . ولكن ذلك الحزب لم يخضع لأرادتنا لأسباب . وشاهِدنا على ما قلنا أمران :
الأول : أن اثنين من رجال الدين من أهل التشيع وهما حجة الإسلام ! الجنتي ! وحجة الإسلام ! الكرماني – وكان الأخير قد قضى أياماً في كردستان قبل انتصار الثورة ويعرف ما بيني وبين أولئك العملاء من رجال الدين – عقد اجتماعاً سرياً مع بعض من أولئك وبشرهم بأنه انتهى أمر فلان . فلا يقوم له بعد هذا قائمة . وقد روى هذا عنهما وأقّر به أحد الحاضرين في الاجتماع .
والثاني : إن وزارة الأوقاف أصدرت إلى دائرة الأوقاف في سنندج أمراً بشأن تعيين بعض من أهل العمامة والعباءة من الذين يتمتعون بحسن الصيت كي تصدر لهم الوزارة ألقاب ( آية الله وحجة الإسلام ) وتكل إليهم أمور كردستان المذهبية .
4-أن كردستان متأخرة جداً من الوجهة العمرانية فعليكم أن تبدأوا بأعمال عمرانية و إقتصادية فيها باستعانة الميزانية المقررة لها وإن كان الواقع أن ذلك المبلغ اقل مما يجب أن ينفق فيها ، وباستعانة
58
الخبراء المحليين… ولنستعرض الآن مجموعة الاقتراحات التي قدمها الأستاذ لرئيس الجمهورية حول اصلاح الدستور :(2/53)
المجموعة الاقتراحية بشأن إصلاح الدستور :
يقول الأستاذ : وأما في شأن الدستور والاعتراضات الواردة عليه والمعضلات التي فيه ، فالكلام كثير : فما أكثر ما فيه من الإجمال والتعميم والإطلاق غير المفيد التي يجب أن يكون بعيداً عنها أي مجموعة قانونية مدونة ! – في مقابل ذلك – ما أكثر مافية من التكرار بل والحشو المخل والتطويل الممل مما زاد حجم المدون ! وما أكثر ما فيه من النقائض الفنية التي جاءت في ترتيب الفصول و تقسيم المطالب عليها وغيرت موضوعيتها ! و … فأما في أيام تدوين الدستور فإن الاشتغال بالاعتراضات الأساسية والخطيرة جداً ، الذي لم يثمر ثمراً كان يجعلنا نعد البحث حول هذه المسائل وما هو من قبيلها الذي لم يثمر ثمراً كان يجعلنا نعد البحث حول هذه المسائل وما هو من قبيلها تلهياً ومن قبيل الاهتمام بالكماليات .
والآن أيضاً مادامت تلك الاعتراضات الأساسية المنافية لذات الثورة وتقدمها موجودة فإن المناقشة حول الاعتراضات الأخرى ( وإن كانت في نفسها مهمة حقاً ) يكون أيضاً كجدال على لا شيء . ولا يحسن استعراض تلك الاعتراضات إلا إذا أذعن قادة الثورة بخطأهم في ظنهم أن حصيلة جهدهم غير قابل للتغيير إلى الأبد كنظام الكون الخالق ، وإلا إذا دخلوا في صف عباد الله الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، متواضعين خاشعين منشرحي الصدور شأن المؤمنين الصادقين ولو أدى ذلك – فرضاً – إلى تغيير حصيلتهم بالمرة ( وحقاً إن المتمتع بهذا الإيمان صعب جداً).
59(2/54)
على أي حال فالذي أنا بصدده الآن هو تقديم مقترح يمنح الدستور الأحقية في إزالة المظالم الثلاث القومية والمذهبية والطبقية . وبعد أن دون الدستور وتفرقت المطالب في الفصول والمواد المختلفة ، فتقديم مقترح يحصل ذلك ولا يزيد معضلات الدستور الصورية والمعنوية ولا الحجم الظاهري للعمل كذلك صعب حقاً . لكني مع هذا اجتهد ما أمكن كي يقدم مقترح ينتج المقصود إلى حد ما ولا يلغي هذه المحظورات والمحذورات أيضاً. وهذا المقترح يقدم في ثلاثة فصول :
الفصل الأول: حول إزالة الظلم الطبقي (مادياً كان أو غير مادي):
1- بند (ج) من الفقرة السادسة من المادة الثانية ( وهو هكذا ( إزالة أي لون من الظالمية والمظلومية والقاهرية والمقهورية ) – ج ) يكمل بما يلي : ( إزالة أي لون من الظالمية والمظلومية والقاهرية والمقهورية والاتراف والاستكبار ) أو يختصر هذا البند في إزالة الاتراف والاستكبار . ولهذا الإصلاح أدلة كثيرة منها أن القرآن قد عبر عن كل المظاهر المختلفة للمظالم المادية وغير المادية التي هي موضوع هذا البند بكلمتي ( الاتراف والاستكبار ) الذين تفابلهما كلمة الاستضعاف بمعنى المستضعفية ، لا بعبارات كالظلمية والمظلومية والقهرية والمقهورية . ونعلم أن مدلولي القرآن ( منضبطان ) ومصداقهما أيضاً ظاهر جداً بل ومحسوس وملموس . في حين أن التعبيرات الأخرى ( منها تعبيرات الدستور) لا تتمتع بهذا الانضباط وذلك الوضوح ، بل فوق ذلك فهي مبهمة ومائعة وخيالية جداً وقابلة للتأويل بالمعاني المخالفة للمراد إلى درجة نفيه ، وشبيهة في الواقع بالمجاملات
60(2/55)
والعبارات العرضية التي تفتقد الجدية التي لاتنشىء التزاماً ولا مسئولية . على نفس إحياء التعبير القرآني خطوة في طريق إحياء الثقافة الإسلامية التي هي حجر الأساس لإيجاد مجتمع توحيدي بمعنى الكلمة . ولولا أن في الأمر تهاوناً أو – لا سمح الله – بعضاً من الملاحظات الاحتياطية ، لما كان هناك داع لتبديل هذين التعبيرين الحاسمين القاطعين للحجة ، بتعبيرات هينة لينة وخطابية ! إذن فليبدل تعبيرات الدستور المختلفة في هذه المقولة أين كانت ، بهذين التعبيرين .
2- ليبدل آخر المادة الثانية والعشرين الذي هو هكذا ( إلا حسب تجويز القانون ) بهذه العبارة : ( إلا حسب اقتضاء موازين الشريعة الإسلامية ) كي يحترز عن احتمال وضع قانون مخالف لموازين الشرعية الإسلامية ، وكذلك يكون فيها إلزام الأجهزة التشريعية بوضع القوانين الموافقة لتلك الموازين كلما تصدت للوضع . وأما الاكتفاء بوجود مجلس المحافظة على الدستور وبمفاد المادة الرابعة في المنع من الاحتمال المذكور فهو خلاف الاحتياط ، على أن ذكر موازين الشريعة الإسلامية مكان القانون أوجه وبالآمال المعلقة بالثورة أوفق . وكذلك الاكتفاء بهذين بأول المادة التاسعة والأربعين في الالزام المذكور غير مناسب . لأن هذين – بفرض تحقق مصداقهما – إنما ينفعان في المانعية ( أي المنع من وضع قانون غير إسلامي ) . وكذلك المادة التاسعة والأربعون وإن كانت متمتعة بالجامعية في شأن الثروات غير المشروعة ولكنها لا تشمل المصالح المرسلة ( وهذا أيضاً من الملاحظات الاحتياطية لصالح المترفين ) .
3- ليصلح صدر المادة الثالثة والأربعين : الذي هو هكذا ( من أجل ضمان الاستقلال الاقتصادي للمجتمع واجتثاث جذور الفقر والحرمان وتوفير كافة متطلبات الإنسان في طريق النمو مع حفظ حريته يقوم اقتصاد جمهورية إيران الإسلامية على أساس القواعد التالية ) بهذه الطريقة :
61(2/56)
( يقوم اقتصاد جمهورية إيران الإسلامية على أساس الاستقلال الاقتصادي للمجتمع واجتثاث جذور الاتراف و … ! ويجب على الدولة القيام بالأعمال التالية كمبادئ للسير في طريق الوصول إلى الاقتصاد الإسلامي ( لم أجرؤ أن أقول : ( الاقتصاد التوحيدي ) خشية أن يتهمني السادة بالماركسية ! ) وحقاً إن إهمال ذكر هذا الميزان ( الاتراف) والاتيان بكلمات ( كالفقر والحرمان ) الذي يغير مجرى النضال . مع علمنا بأن القرآن يعتبر الاتراف مظهر من مظاهر الاقتصاد الجاهلى ، إما تقليد لمنطق الإقتصاد الطبقى الرأسمالى و الإ شتراكى غافلا ً عن أن الفرق بين الاقتصاد التوحيدي وبينهما شاسع، وإما نوع من التعمية والصرف عن الحقيقة تم بمهارة للمداهنة ، كي يبقى للاتراف ( الذي هو الظهر الملموس لوجود الطبقات وكذلك النتيجة والحصيلة الآتية منه ) ( قيل ) ووجه للتأويل . وإلا فإن القرآن إنما تكلم في أي موضع تصدى لهذا الموضوع عن اجتثاث جذور الاتراف ولم يتكلم ولا مرة واحدة عن اجتثاث الفقر . نعم يمكن أن يلتقي معني هاتين العبارتين في بعض الأحيان إلا انه يمكن في بعض الأحيان أيضاً بتحقيق المعنى العرفي ( لإحتثاث جذور الفقر ) أن يغمض ويسامح بتفضل بالنسبة للمترفين الذين هم الأعداء الرئيسيون للبشر والذين أكثر القرآن من لعنهم ، كما أن بقية هذه المادة نفسها هي مظهر هذه المساحة ( وحقاً ، إنما يستطيع تنفيذ الموازين القرآنية ، الذين ليست معيشتهم بعيدة عن أي لون من ألوان الاتراف فحسب بل يلمسون بضمائرهم تلك النفرة التي يبديها القرآن في وجه المترفين ) . ومشهود وبين بنفسه أن تبديل ( ميزان القرآن الثوري ) اعني اجتثاث جذور الاتراف ، بأي ميزان آخر من موازين الأنظمة الاقتصادية الشرقية والغربية ، يبدل العزم الثوري الحاسم أيضاً … وما أحسن أن يصرح للناس السادة الذين هم أنفسهم من المترفين وليس باستطاعتهم الاقلاع عن الاتراف والعيش الكمالي والمائدة(2/57)
الملونة و … بأنهم يفتقدون الأهلية و
62
الاستطاعة اللازمتين لتنفيذ الموازين الإسلامية ، بدل أن يضحوا بالإسلام ومقاصد الاقتصاد الإسلامي في سبيل تحقيق آمالهم ! كي لا ينفروا الناس من الإسلام ولا يزيدوا على أوزارهم فإنه قريب جداً ذلك اليوم الذي يقول عنه الله تعالى : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } { وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ؟ في سموم وحميم ، وظل من يحموم ، لا برد ولا كريم .. إنهم كانوا قبل ذلك مترفين … } .
4- ليؤت في المادة الرابعة والأربعين مكان كلمة ( العامة ) في الكلام عن القطاع الحكومي ( من القطاعات الثلاثة التي هي أسس النظام الاقتصادي ) بعبارة ( المشتركة بين القدرة العاملة والشعب حسب اسهام المصنع والعمل في الانتاج ) أو بعبارة شبيهة به تؤدي مفهوم قاعدة الملكية المشتركة – التي تصدق على المصانع وفق أصول الشريعة الإسلامية - . وإن عين في نفس هذه المادة ضابطة للصنائع الثقيلة أيضاً ( وهذا الأمر سهل كذلك ) ، رفع الابهام عن العبارة ( قد قدمت اقتراحاً لمجلس قيادة الثورة في أواخر السنة السابعة والخمسين ( قبل إرسال هذه إلى رئيس الجمهورية بسنة وبضعة أشهر – ج ) بشأن ترميم المصانع تكلمت فيه عن هذه الضابطة ) .
5-ليكتب في المادة التاسعة والأربعين ( وهي هكذا : ( الحكومة مسئولة عن أخذ الثروات الناشئة عن الربا والنصب والرشوة والاختلاس والسرقة والقمار وسوء الاستفادة من الموقوفات وسوء الاستفادة من المقاولات والمعاملات الحكومية وبين الأراضي الموات والمباحات الأصلية و … ) هذه العبارة : ( أو أي نوع من المعاوضات والاستفادات غير الموافقة للموازين الإسلامية منها ) لأنه يمكن أن يستفاد من الأراضي العامة بغير طريق البيع أيضاً .
6- ليُضف في الفصل الرابع مادة بشأن الأراضي المزروعة تحقق بصورة قاطعة مفاد ( الزرع
63(2/58)
للزارع ) . وتبيد من الأساس الاقطاعية واستغلال الدين الذين يعملون على الأرض تحت أي عنوان . فإن التأكيد الشديد في قاعدة ( الزرع للزارع ) الإسلامية على إعطاء الأصالة للقدرة العاملة وكذلك على منع أي فرد غير العامل – ما عدا المجتمع – من الاشتراك في نتيجة العمل قد فصل الأمر بحيث : لو زرع رجل أرضاً لآخر بعد الاستيلاء عليها غصباً وعدواناً لكانت النتيجة حقاً للزارع ، ولم يكن فيها نصيب لمالك الأرض – وإن كانت ملكيته لها إنما حصلت عن طريق الاحياء التي هي طريق شرعي – ومع هذا فلا أدري بماذا يبرر هذا الموقف المداهن تجاه الاقطاعيين الذين يشاهد من بعض إلى درجة عدم الرضا بمقترح رضا أصفهاني ! ( والمصانع أيضاً – التي هي ملك للمجتمع – في كونها مشتركة بين الشعب والعامل كالأرض من حيث أن المجتمع يشارك العامل في نتيجتها – بحسب الانتاج – وأما إن لم يصل انتاج مصنع من غير تفريط العامل إلى درجة الأغناء ( بمعني إن لم يصل العامل في المعيشة إلى ما فوق المستوى الأوسط لمعيشة المجتمع من الوجهة المادية ) فليس للمجتمع في النتيجة نصيب بل ويجب أحياناً أن يعطي المجتمع العامل ما يجبر به فقره – الذي له مفهوم نسبي ويكون المراد منه ما دون المستوى الأوسط لمعيشة المجتمع كما يجب أن يعامل العامل على الأرض الزراعية نفس المعاملة ) .
الفصل الثاني : حول إزالة الظلم المذهبي :
لتصلح المادة الثانية عشرة بالطريف التي اقترحت في ما يسمى بمجلس الخبراء أو يعمل بأي طريق أخرى ( لأن المقصود صحة المعنى ولا حمية بنا للكلمات والعبارات فإنها اعجاب
64(2/59)
بالنفس) على إزالة أي لون من التمييز من حيث الرسمية والاعتبار بين المذاهب الإسلامية ( وخاصة التسنن والتشيع ) . إن هذه المادة المكتوبة الآن معارضة ولا ريب للأهداف الرئيسية لثورة إيران وللفقرة الخامسة عشر من المادة الثالثة ( وهي : ( توسعة وتحكيم الأخوة الإسلامية والتعاون الجماعي بين كافة الناس ) ) وكذلك معارضة مع المادة الحاية عشرة التي جيء بها كمقدمة وتمهيد وتبرير للمادة التالية . ( والمادة الحدية عشرة هي هذه : ( بحكم الآية الكريمة { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } فإن المسلمين هم أمة واحدة ، وعلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية إقامة سياستها العامة على قاعدة ائتلاف واتحاد الشعوب الإسلامية وأن تواصل جهودها من أجل تحقيق وحدة العالم الإسلامي السياسية والاقتصادية والثقافية – مترجم ) . وحقاً ، إن الإتيان بعبارات كالتي جاءت في تلك الفقرة وتلك المادة ثم إخراج مادة كالمادة الثانية عشرة يوهم أن أكثر السادة قد كان نظرهم فى تدوين الدستور أقرب للمجاملة من نظرهم إلى تدوين سجل جاد تجسم فيه آمال شهداء الإسلام الذين بذلوا دماءهم في سبيل تحقيقها ، أو برنامج جاد لمواصلة السر في الطريق التي اتخذها شعب إيران في ثورتهم !(2/60)
2- ليصلح صدر المادة الثانية والسبعين ( التي هي هكذا : ( لا يستطيع مجلس الشورى الشعبي أن يسن القوانين المغايرة لقواعد وأحكام المذهب الرسمي للدولة أو الدستور … )) هكذا : ( لا يستطيع مجلس الشورى الشعبي وكذلك مجالس الشورى في اللواءات ( والمناطق ) ( أو لا حق لها في .. أولا يجوز لها ) أن يضع قوانين تنافي القواعد والموازين الإسلامية . )( وذكر ( الدستور ) هنا أو (القوانين ) في المادة الخامسة بعد المائة وفي أمثالهما ) إن لم يكن ( حشواً مخلاً ) ( لايها مها المنافاة ) فهو غير لازم . ولهذا فالأحسن في كل ما هو من القبيل عدم الذكر ) 0 وهذا الايهام أسقط المادة الرابعة التي تقول يجب أن تكون كافة القوانين و … قائمة على أساي الموازين الإسلامية عن درجة الاعتبار اسقاطاً غريباً .
65
3- ليذكر في يمين رئيس الجمهورية ( المادة الحادية والعشرين بعد المائة ) مكان ( المذهب الرسمي ) كلمة ( الإسلام ) .
4- ليصلح آخر المادة الخامسة عشر بعد المائة ( التي هي هكذا: ( يجب أن ينتخب رئيس الجمهورية من بين الرجال المذهبيين والسياسيين الذين تتوفر فيهم الشروط التالية : أن يكون إيراني الأصل ( وإن كان من سلالة يزد جرد فهو أحسن … ! المترجم ) ويحمل الجنسية الإيرانية ، مديراً مدبراً ذا ماض مشرق تتوفر فيه الأمانة والتقوى مؤمناً ومعتقاً بمبادئ الجمهورية الإسلامية والمذهب الرسمي ) ) هكذا : ( مؤمناً ملتزماً بالإسلام وخادماً لجمهورية إيران الإسلامية ) .
الفصل الثالث : حول إزالة الظلم القومي :(2/61)
1- ليحذف على الأقل من المادة الخامسة عشر قيد ( أدب ) التي بعد كلمة تدريس ، وليضف أيضاً في آخر المادة عبارة هكذا : ( لكن كتب وبرامج المدارس الابتدائية إلى نهاية السنة الثالثة ستكون باللغة المحلية ) . ( والمادة هي هذه : اللغة والخط الرسميان للشعب الإيراني هما الفارسية ويجب أن تكون الوثائق والمكاتبات والمتون الرسمية والكتب الدراسية بهذه اللغة وهذا الخط ولكن يسمح الاستفادة من اللغات المحلية والقومية في الصحافة ووسائل الإعلام العامة وكذلك تدريس أدبها في المدارس إلى جنب اللغة الفارسية ) . وجلي أنه إن لم تكن المادة التاسعة عشرة عبارات عرضية ومجاملة فإن بين المادة الخامسة عشرة مع صلاحها أيضاً بالطريق التي أشرنا إليها وبين مفاد
66
تلك المادة بوناً بعيداً بعد . في حين يجب أن يراعى في مجتمع إسلامي مقام المادة التاسعة عشرة بكل جوانبها : ( والمادة في هذه ( أفراد الشعب الإيراني متساوون في الحقوق من أية قومية أو عشيرة كانوا وأن اللون والعنصر واللغة وما شابه ذلك لا تكون سبباً للتفاضل ) ) .
2- ليضف في المادة الرابعة والخمسين بعد ( مجلس الشورى الشعبي ) عبارة هكذا : ( وتنشأ شعب له في كل لواء تكون تحت إشراف ( مجلس شورى اللواء ) مباشرة .
3- ليضف في المادة الخامسة والخمسين بعد ( مجلس الشورى الشعبي ) عبارة هكذا : ( وكل شعبة منه إلى مجلس شورى اللواء وديوان المحاسبة في المركز ) .
4- ليضف في الفصل السادس مادة بشأن مجالس الشورى المحلية بعبارة هكذا : ( سيضع مجلس شورى كل لواء قوانين خاصة بالمنطقة متناسباً مع ظروف وحوائج المنطقة مراعياً في ذلك الموازين الإسلامية سواء ما ذكر منها في الدستور أو في سائر القوانين العامة أو لم يذكر ) .(2/62)
تكون هذه القوانين رسمية وبالنسبة لتلك المنطقة ، وكل الأجهزة والوحدات القضائية والتنفيذية مكلفة برعايتها وتنفيذها ، وكلها ( ما عدا الجيش ، الذي هو تابع للحكومة المركزية ) مسئولة بين يدي مجلس شورى لوائها مباشرة . ويعين حدود اختيار مجالس الشورى وتكاليفها الموازين الإسلامية
5-لا يوجد إلزام لمجلس الشورى الشعبي تجاه المشروعات التي يقدمها المجالس العليا لشورى اللواءات إلى ذلك المجلس مع أنه يجب أن يكون ملزماً بمصادقتها بقيود منطقية .
67
وكما وضع حدود وقيود بشأن العلاقات والتكاليف التي بين الدولة والمجلس ومجلس محافظة الدستور و … كذلك يجب وضع مقررات بشأن العلاقات التي بين المجالس العليا لشورى اللواءات والمجلس الشعبي .
6- ليضف في المادة الخامسة بعد المائة في صدرها ( قوانين ) و بعد كلمة ( الدولة ) قيد
( العامة ) .
ثم إن مطالب الفصول الثلاثة السابقة وإن لم تكن في نفسها أهم المطالب في أمر إصلاح الدستور بجنب مسائل أخرى ، ولكنها – ولا ريب – من الأعمال الأساسية لإنهاء كثير من الفتن والتنافرات ولرفع قدر هذا الدستور نسبياً إلى درجة يكون مقبولاً للمسلمين في غير إيران أيضاً . وإن إصلاحات في هذه الحدود وإن لم تحقق المفهوم الإسلامي لتساوي الحقوق ( للشعوب والقبائل ) ولكنها تحققه على الأقل إلى درجة يكون اليوم بلوغها أمنية عميقة لكثير من الناس ، أمنية يعبر عنها ( بالحكم الذاتي ) .
وأما بشأن ( الحكم الذاتي ) فيبدو أن الإشارة السريعة إلى مطلبين قد بيناهما أكثر من مرة ضرورية :(2/63)
1-أن الحرمان من العدل والقسط بالمفهوم الإسلامي صار سبباً لأن تطلب القوميات المسلمة ( بعض حقوقها الشرعية ) فقط تحت عنوان ( الحكم الذاتي ) . وإلا فإن ما تتمتع به القوميات المسلمة في المجتمع الإسلامي هي مساواة كاملة في جميع الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية و … تكون حقيقتها ( لا شكلها الفاقد للمحتوى ) أعلى من أي نوع من أنواع الحكم الذاتي المعروفة في العالم . فنظراً إلى هذه الحقيقة يكون طلب حقوقي في قالب الحكام الذاتي دون شأن قومية مسلمة . لأن هذه الحقوق يعترف بها الإسلام للأقليات الاعتقادية غير المسلمة . فاقتناع الناس بعنوان الحكم الذاتي إنما هو ليأسهم من الوصول إلى حقوق أكثر يتمتعون بها في ظلال الإسلام .
68
2- في هذه الظروف القائمة ليس لدينا وقت كاف وكذلك ليس مطلوباً أن ندخل في الأبحاث الدقيقة ونحاول أن نرشد الناس إلى كون ( المساواة الإسلامية ) أعلى من ( الحكم الذاتي ) ( وحقاً إنما تستطيع تفهيم هذه الحقيقة حكومة إسلامية بمعنى الكلمة تنفذ مبادئ العدل والقسط الحقيقي ) . فالأحسن الآن بدل الجدل على إصلاح صار من أجزاء ثقافة الناس وسيطر على عواطفهم أن تقّره ، ولا يساورن رجال السلطة خوف من إقراره ! فإن الإسلام يقر بأي قالب ثقافي رائج في مكان من الأمكنة ، ولكنه يعطيه محتوى يضمن للناس الحقوق ويوفر لهم السعادة .
هناك إضافة على مطالب الفصول الثلاثة السابقة مطالب أخرى أيضاً بشأن إصلاح الدستور خارجة عن حدود الاقتراحات الضرورية الخاصة بالظروف الراهنة . ولكنها مع هذا ليست من التدقيقات التي لا تأثير أساسياً لها في شؤون المجتمع الشتَّى . فلا يجوز إهمالها . وهذه المطالب هي :(2/64)
1- ليؤت في الفقرة السابعة من المادة الثالثة ( وهى هذه : (تأمين الحريات السياسية والاجتماعية في حدود القانون ) ) ( وكذلك في أي موضع آخر ) مكان كلمة ( قانون ) بالموازين الإسلامية كي لا يحدث اللغز الذي يتعذر حله والدور الباطل اللذان يحدثان إذا وضعنا هذه الفقرة بجنب آخر المادة التاسعة ( وهو هذا … كما ليس لأي سلطة مسؤولة الحق في سلب الحريات المشروعة حتى لو كان بوضع القوانين والمقررات تحت غطاء الحفاظ على الاستقلال الوطني و … ) .
2- ليضف إلى الأقليات الدينية في المادة الثالثة ( الصابئون ) .
69
وهذا ألاقتراح يذكرنا بحادثة غريبة :(2/65)
كان أحد الأصدقاء من الممثلين فيما يسمى بمجلس الخبراء يناقش ( فقيهاً ) ( المراد بالفقيه في هذا المطلب المفهوم المحدود الصغير الاصطلاحي ) بشأن هذه المسألة . وكان استدلاله جلياً وقاطعاً ، إذ كان يقول … جاء في القرآن ذكر الصابئين ثلاث مرات مع سائر الأقليات الدينية ، في حين أن الزردشتيين ( المجوس ) لم يأت ذكرهم إلا مرة واحدة . ولكن الآخر ( الفقيه ) كان يرد عليه بكل صراحة أنه : لم يذكر الصابئون في كتب الفقه ، وهذا يعني أن ذكرهم ليس مهماً وإلا لم يكن الفقهاء ليتركوه !!! وأنا كنت أستمع وقلبي يحترق رحمة بذلك الصديق ( الذي كان متمتعاً بعلم الفقه وبعلوم أخر أيضاً ، وحقاً كان في مأزق هو تفهيم ذلك الفقيه : أن القرآن أعلى من كتب الفقه ) وبمخاطبة وجميع الذين يتمتعون بعلم من العلوم فقط ولا يتقنون إلا ذلك العلم ، وكذلك كنت أضحك وأقول في نفسي : ضرر كون الإنسان فقيهاً فقط ! وحقاً ، إن التمتع بجانب من العلوم مع الحرمان من غيره، أضر من الأمية المحضة ولا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك العالم فقيهاً أو فيلسوفاً أو رياضياً أو ميكانيكياً أو كيمياوياً أو نحوياً أو … ! إن استدلال ذلك الفقيه ما كان ليتوقف في حد ( من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ) . لأنه كان يسقط القرآن عن الاعتبار بكل جرأة لأجل رأيه ( أعني : رأي مذهبه المتبع هو له ) وما كان يؤوله ( وإننا كثيراً ما رأينا من المواقف الجرئية تجاه القرآن في الكتب المذهبية شراً منن هذا ولكن التصريح بكل الحقائق المريرة التي في المذاهب ليس جائزاً في كل الحالات ) . ويكون هذا النوع من مقابلة القرآن مشمولاً – ولا ريب – للغة المذكورة في { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ، فنبذوه وراء ظهورهم … و … } والشكاية المذكورة في { وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } .
70(2/66)
وما أسوأ حظ مجتمع يأخذ بزمام أمره زمرة هذا هو علمهم وتلك هي آثارهم في هذا الزمان الذي يعج بالمعضلات والمسائل المختلفة وخاصة في بلاد العالم الثالث وفي إيران بثرواتها ومواقعيتها الممتازة وبالاستعدادات التي توجد للتحزب إلى مالا يحصى من الحزاب – زمرة هذه رؤيتهم وما أضيقها ! وهذا أسلوب تفكيرهم وما أبعده عن التعمق ! وما اشد مخالفته للإسلام ! وما أبعدنا عن الواقع إن طمعنا في أن يجعل المجتمع إسلامياً زمرة هذه معرفتهم وتقديرهم للقرآن ( التي لا فرق بينها وبين نظرة أعداء الإسلام للقرآن ) !!!(2/67)
3- توجد في المادة الخامسة عشر بعد المائة هذه العبارة : ( … الرجال المذهبيين والسياسيين ) . كما أن الجميع يستعملونها كل حين ، ويوحون بقولهم هذا فصل المذهب عن السياسة ، ولو كان إعلام هذه الأيثنية مع العلم بالفرق بين الدين والمذهب لما كان هناك بأس لأن الحق أن أكثر الرجال المذهبيين أجنبيون عن السياسة . لكنهم – ويا للأسف – يستعملون كلمة المذهب بمعنى الدين ( كما يرى في المادة الثانية عشرة ، حيث أنهم لم يضعوا بين كلمتي المذهب والجعفري فاصلة ( ، ) وكذلك حين أذاعوا قراءة متن الدستور من الراديو والتلفزيون قرأوا هاتين الكلمتين كمركب وصفي أو مركب إضافي ) ! ( يعني كان ينبغي أن يكتبوا المادة هكذا : ( الدين الرسمي لإيران هو الإسلام ، والمذهب الجعفري الأثنا عشري ) حتى يكون الذهب عطفاً على الدين ويكون الجعفري خبراً عنه ولكنهم كتبوا ( والمذهب الجعفري . فصار عطفاً على الإسلام وصار المعنة أن الدين الرسمي هو شيء يعبر عنه بكل من هاتين الكلمتين أي الإسلام والذهب الجعفري وهذا يعني وحدة الدين والمذهب بل ويحصر الإسلام في الذهب الجعفري !!! المترجم ) وبهذا المعنى لا يصح ذكر المذهب والسياسة ( أو المذهبي والسياسي ) كقسيمين . لأن السياسة ( من سياسة البيت إلى سياسة المدن ) جزء من الدين ليس إلا ، ولا يستحق أحد أن يسمي عالماً دينياً إلا إذا كان سياسياً أيضاً .
71(2/68)
ولو كان تثبيت مبدأ فصل الدين عن الساسة مقتصراً على هذه المادة التي في الدستور لكان الأمر هيناً ! ولكن – ويا للأسف – لم يتوقف الأمر عند هذا الحد … ومع أن قادة ثورة إيران كانوا مطلعين على خطر السياسة الخائنة القائمة على فصل الدين عن السياسة الحاكمة طوال القرون ، ولأن المراجع لتدوين الدستور وكانت هذ القوانين المدونة الموجودة – لا القرآن – ( ولكنهم حاولوا أن يمزجوا به شيئاً من القرآن ) نرى أن هذه السياسة ( فصل الدين عن الساسة ) مسيطرة على هذا الدستور في كل موضع . ( قبل هذا وحين لم يدون الدستور بعد قد تكلمنا في هذا الأمر وشرحناه شرحاً وافياً ) فمثلاً في المواد المتعلقة ( بولاية الفقيه ) و ( القيادة ) و ( مجلس المحافظة على الدستور ) و … مع انهم قد بذلوا السعي لان يسيطر ويشرف رجال الدين على الأجهزة القضائية والتنفيذية و التشريعية ، لكن الفصل مشهود بوضوح حيث لم يقرر قعود هؤلاء على صلب المناصب الحكومية ومنزلة كل موجوديته فى الاجهزة مشخصة ، كما أن انفصال المراكز التعليمية الدينية عن المدارس الرسمية والجامعات ، وكما أن الملابس الخاصة والألقاب الرسيمة والمرجعية التقليدية والأشراف على … أهم وسيلة وكذلك أخطرها للاعتراف بهذا الفصل ، ولكن – ويا للأسف – لم يهتم أصلاً بهذه المسائل البديهية بسبب اتباع تلك السياسة الحاكمة طوال القرون ! وحقاً لا تستطيع السياسة الإسلامية مادام الحال هكذا أن تسيطر على المجتمع أصلاً ، ولا يكون فارغاً وسعياً عبثاً مادامت هذه المسائل والفواصل قائمة بدون حل ورفع .
4- ليؤت بمادة في الفصل المتعلق بالسلطة القضائية مكان المادة التسعين– التي جعلت في الجملة
72(2/69)
القاضي والمدعي والمدعى عليه واحداً – والمادة الأربعين بعد المائة وكل ما هو متعلق بالشكايات والدعوى مما يكون أحد الطرفين فيه من رجال السلطة . ليؤت بمادة تكل التحقيق في أنواع التهم المحققة والمفروضة لكل ذوي المناصب من القائد إلى نواب المجلس والوزراء و … إلى المحاكم العامة كسائر الناس ، كي تضمن المساواة الإسلامية بين كل أفراد الشعب وفق موازين ( القضاء ) في الإسلام ووحدة الجهاز القضائي كذلك ، ويمنع من التمييز بين الناس وإيجاد التشتت في ا لجهاز القضائي .
5- ليضف في نفس الفصل المتعلق بالسلطة القضائية مادة تؤكد السيطرة على ما عدا الجيش من كل وجه ، لوزارة العدل كما تقتضيه الموازين الإسلامية ، وبذلك يتقوى استقلال السلطة القضائية .
6- قد تضمنت المادة السابعة والستين بعد المائة إلزام القاضي بإصدار الحكم بدون العلم بل وبدون الظن ! نعم إن القاضي ( لا يمكن أن يتذرع بسكوت أو نقص أو إجمال أو تعارض القوانين في عدم النظر في الدعوى وإصدار الحكم فيها ) . ولكن كيف يميز بين أن يكون عدم إصدار الحكم ناشئاً من التذرع وسوء النية وبين أن يكون بدون ذلك ومن أجل عدم التبين ؟ وعلى أي حال ، كيف يلزم القاضي بإصدار الحكم بدون علم ( التصديق بلا تصور ) والحال أن هذا الأمر من أكبر المعاصي ! وأ ن الاعتراف الصادق بالجهل من الأخلاق الإسلامية المهمة ؟ وبهذا نمت المجموعة .
ومن الجهود المتتابعة التي بذلها الأستاذ مفتى زاده لرد الثورة إلى مجرها القويم بعد انحرافها على أيدي المشترين بآيات الله ثمناً قليلاً ، أن قدم قبل تقديم هذه المجموعة إلى بني صدر بثمانية أشهر
73
تقريباً مقترحاً مشتملاً على مادتين ،قدمه إلى السلطة الحاكمة ولكن ما لأولئك وللنصيحة ؟ والمادتان هكذا :(2/70)
1- إنشاء لجنة من رجال الثورة الإسلامية ذوي الاتجاهات المختلفة لجمع وتأليف الشخصيات والفرق الإسلامية العلمية والسياسية وتنظيم جهودهم ، للأشراف على أعمال الأجهزة المسؤولة والآخذين بزمام الأمور في كل البلاد ، ولبعث مجلس الثورة من سياستها .
2- دعوة جميع الذين قد ابدوا آراءا حول الدستور ( من غير أعضاء الحزب الحاكم ، كي يعقدوا اجتماعا وينتخبوا من بين أنفسهم أفرادا بعدد ممثلي مجلس الخبراء وليتعاون هؤلاء مع الممثلين الموجودين في المجلس في تدوين الدستور .
وللنقل الآن إلى اخوتنا المسلمين نموذجا من البيانات التي كان الأستاذ مفتي زاده يصدرها قبل انتصار الثورة دعما لها ودفاعا عنها وأعلاء لكلمة الله . وسترون فيه مدى الآمال التي كان ينطوي عليها الرجل والتي كانت تدفع به إلى الدخول في غمار المعركة مع الطاغوت مستهينا بالمال والنفس! وكذلك ما كان يملاْ أولئك الشباب الذين لم يكونوا يبالون بالموت في سبيل الله تعالى فكانوا يقومون بنشر تلك البيانات في المدن والقرى ! وبالله قولوا لنا : هل كانت الثورة تنتصر على الطاغوت الذي كثيرا ما حاول أن يتخذ من الاختلاف المذهبي وسيلة لضربها لولا تلكم الجهود من جانب ، وتلبية أهل السنة لنداء زعيمهم من جانب اخر ؟ وفي البيان الثالث الموجه إلى المسيطرين على الشعب بعد الانتصار تشاهدون جانبا من الواقع المر الذي آل إليه الأمر فيما بعد . فيالله لأهل السنة الذين يسامون سوء العذاب على أيدي من ملأوا أرجاء الأرض بدعوى إقامة دولة الإسلام ! وواعجبا من حال المسلمين في سائر البلاد الإسلامية حيث صرفهم حسن الظن بأولئك الخونة من التبين أنساهم ذكر اخوتهم !!
74
البيان الأول
هذا البيان صدر في أواخر فصل الخريف من السنة السابعة والخمسين الهجرية الشمسية ( أي قبل تاريخ كتابة هذه الدراسة بثلاثة سنوات ) وكان موجها لأزهاري الذي الشاه قبل شاهبور بختيار رئيسا اللوزراء :(2/71)
البيان رقم 37
26 /9/1357
السيد اللواء الركن أزهاري !
ما أشقى شعبا ً يتولى أمره من ليس متمتعا بأدنى أهلية وصلاحية !
كان موضوع البيان السابق انه قد وكل إليكم - جهلا بالسياسة – مسؤولية لعب اكبر دور سياسي ، وغير خافية نتيجة هذا الأمر من البدء ، وتزداد ظهورا يوما بعد يوم ! كان ينتظر في هذه الأيام أن يمنعكم أربابكم من اتخاذ أسلوب الإرهاب والمكر ، إذ هم اختبروا هذه الأساليب مراراً عديدة فى هذه المدة التي قد بلغ الأوج فيها أمر نضال شعب إيران المسلم ضد النظام العميل المعادي للإسلام ، ولكنهم لم يزدادوا إلا قربا ً من الانهيار والسقوط الكامل . ومع هذا فقد اشتد في زمن سيطرتكم الإرهاب والمكر في مجالات شتى وأشكال مختلفة !
75(2/72)
لقد كان أول مظهر أريتموه الشعب بعد الأيمان المعقدة والتضرعات ، تقتيل المسلمين العزل في اكثر المدن ، ذلك المسعى الذي لا تزالون تبدونه في كل مكان . وقد اتسعت في زمن توليكم الأمور وشملت سائر برامج الحكومة بأسلوب مخجل . منها محاولة البوليس المستمرة في بعض القرى والمدن اكثر من ذي قبل مع أقزام عملاء معروفين ، ليسيروا في الشوارع بصحبة أفراد البوليس المبدلين ثيابهم تحت حماية آخرين منهم مسلحين وليهتفوا بذلك الهتاف المملوء بالعار الباعث للموت ( عاش) ؛ ويخربوا البيوت والدكاكين والمراكز الإرشادية ! ومنها ذهاب عدد من بائعي الوطن الجواسيس وبعض أفراد البوليس المبدلين ثيابهم باناس غافلين لتحديد قطع من أراضي الناس وتقسيمها بينهم ، أو ذهابهم لتقطيع الأراضي العامة التي هي ملك للشعب ولم يسبق أن كانت تحت يد أحد . بالتعاون مع زمرة غير مؤمنين دأبهم العيش عن طريق الاستيلاء على الأراضي بغير استحقاق ثم بيعها للمساكين بأثمان كبيرة ! ومنها اعتداء أولئك الموظفين الخونة على الدكاكين والبيوت ليلا وإحراقها بعد النهب أحيانا ! ومنها تحريضهم بعض التجار الذين لا يخشون الله على رفع الأثمان ليجعلوا الناس ساخطين على مواصلة السير في طريق النضال الذي يستحيل الانصراف عنه . ومنها نشر أيادي النظام الخونة بين الناس اوراقا فيها رؤى مزعومة تنبىء عن سوء مصير المناضلين من أهل سنندج إذا استمروا في مجاهدة الطاغوت ! ومنها إعداد أشرطة حول الجدال المذهبي ثم نشرها تباعا بين الناس ، وكذلك كتابة كلمات السب والإهانة بعظماء الإسلام كسيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهما على الجدران . ومنها إشاعتهم بين أهل التشيع أن الجند من أهل السنة ! يريدون بذلك المكر أحياء الصراع بين الأمة شان الأعداء السابقين ، ولكن هذه الأمة التي فرقتها خيانة الذين سبقوا قد تنبهت اليوم لهذه الحقيقة وتريد أن تحيي من جديد مصداقية القانون(2/73)
الإلهي المبين في قوله تعالى :
{ وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } فلا تسمح بما يريدون من ادامة حكمهم الأسود
76
الشيطاني ليالي أخرى معدودة في ظلام الجدال المذهبي بين الأخوة ، إن هذه الأمة المظلومة التي فرقتها ذئاب الاستغلال قد قامت من نومها ولبت أمر ربها : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } إن هذه الأمة التي كانت قد عانت القوة المطلقة طوال قرون ثم تفرقت بسبب أهواء الحكام الخائنين المفرقين ووقعت في هذه الذلة قد تذكرت مرة أخرى قول إمامها الكريم رسول الله الإسلام صلوات الله وسلامه عليه الذي معناه أنه أقبلت الشقاوة على ………… الجوانب العملية والاجتماعية من الدين وأقاموا …… ولا يرجعون إلى السعادة إلا إذا أقلعوا عن الجدال …… على العمل والاجتهاد فيه . ومن هذا آل … … تركت الجدال المذهبي وأخذت تجاهد ال …… المعدية اللإسلام، ولا يردها بإذن الله إلى ذلك …… وتلك الشقاوة هيانة الجواسي ومكرهم (1) .
أيها السيد أزهار …… يكفي تجاهل هذه الحقائق البينة ومواصلة عمليات التقتيل والإرهاب والمكر لوصولكم إلى ما تريدون . انتم اليوم تهددون بقطع رواتب المضربين عن العمل ، وفوق ذلك تأمرون الوزراء أن يسلبوهم وظائفهم ، وترجون أن يلبس البرلمان هذا القرار ثوب القانونية !! إن أنتم لا تعرفون قانون العمل ( كما أنكم اعترفتم بأنكم غير عالمين بالسياسة ) فالبرلمان – مع انه آلة طيعة في يد الحكومة – لا يستطيع أن يستسلم إلى هذه الفضيحة ، ويجعل نفسه منبوذاً أكثر مما هو اليوم ، بالمصادقة على قانون يخالف القوانين الدولية للعمل – التي قد قبلتها ووقعت عليها إيران – ويحرم الموظفين من حقهم القانوني في الإضراب ، ولم يتوقف استكباركم عند هذا الحد بل صرتم تهددون رجال الدين القادة أيضاً الذين يدعون الناس إلى الإضراب كأسلوب من أساليب النضال وتنذرونهم بالعواقب السيئة لأعمالهم !
77
__________
(1) غير واضح فى الاصل .(2/74)
وأنا الآن كرد فعل لكل هذه الغفلة و الاستكبار ، أدعوا المسلمين عن طريق هذا البيان أن يضربوا عن العمل يوم الاثنين 27/9/57 إضرابا عاماً ، ليفضح مرة أخرى هذا الأسلوب التهديدي عند الخاصة والعامة ، وتدركون انتم وأربابكم أنه لا يغير مجرى النضال الإسلامي الذي بدأه الشعب الإيراني أية وسيلة وأية سياسة .
وسلام الله الأبدي على سالكي طريق الإسلام الصادقين واللعنة الدائمة على أعداء دين الله .
سنندج
أحمد مفتي زاده
26 /9/57
البيان الثاني
8/11/57 – رقم 62
هذا البيان صدر بعد البيان الأول بشهر ونصف على شكل خطاب لمنطقة ( تربت جام ) الواقعة قرب الحدود الشرقية لإيران ولسائر المناطق تحذيرا للناس من الجري وراء محاولات النظام الملكي لإثارة الصراع بينهم الذي لا يستفيد منه إلا المستكبرون .
{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } مسلمي منطقة تربت جام وسائر المناطق من إيران ، اخوتي أخواني الشيعيين والسنيين.
78(2/75)
بعد أن أنقذ الله تعالى البشرية من الشقاوة والجهل بإنزال القران ، أمر أن يوكل تصريف جميع الأمور ( التي يؤدي ابداء الرأي فيها من غير المشاورة إلى تفرق الأمة الواحدة – ج ) سواء كانت مما يتعلق بالمجتمع أو بالعلاقات الدولية إلى العلماء بالدين وبالمشاكل الاجتماعية الأمناء الناصحين يتشاورون بينهم فيستنبطون احسن الأراء ليطيعها الناس وتنفذها السلطة التنفيذية ، كما قال تعالى { وامرهم شورى بينهم } وعندما ابتعد المسلمون عن الشورى تفرقوا واختلفوا ، وهذه نتيجة حتمية لأنه إذا يكن حل الأمور وعقدها شورى بين أهلها فلا مناص من أن ينظر كل عالم في الأمور على حدة وكثيرا ما يحدث أن يكون لاحدهم رأي فى أمر من الامور يخالف راى غيره . و طبيعى أن بعض الناس يختار رأى هذا وبعضهم رأي ذاك ، ومن هنا يبدأ التفرق وتحدث المذاهب . وإذا بلغ الأمر هذا الحد تهيأ المجال لمريدي الشر والفتنة ليحاولوا أن يبعدوا الفرق بعضهم من بعض اكثر ما يمكن . وهذا هو ما حصل بالفعل وأدي الأمر إلى أن هذا المجتمع الإسلامي الذي كان أول الأمر مصداق قوله تعالى : { واذكروا إذ انتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس … } ثم بلغ في ضوء هدي القران وقيادة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أن أطاح بغدد سرطانية كملك إيران والروم ، وصل تدريجيا وخلال أربعة عشر قرنا بسبب التفرق إلى هذا الذي هو مبتلى به اليوم من الذل والهوان : فقد تقطعت أرض الأسلام إربا ً إربا ً و غزت القوى المعادية للإسلام الشرقية والغربية بلاد المسلمين وسلمت زمام الحكم في كل قطعة منها إلى عميل من عملائها . ونحن نرى اليوم – وواحسرتاه – أن هذه المناطق والدول قد بلغت من الهوان حيث أنها قد سلمت منطقة تعد من أعز بقاع العالم الإسلامي بعد مكة والمدينة – القدس وفلسطين – إلى اخبث أعداء الإسلام أعني الصهاينة . وقد سيطرت الماركسية – ولا تزال –(2/76)
على مناطق واسعة
79
وتاريخية من أرض الإسلام كتركمنستان وقوقاز وأذربيجان و … ) والأمبريالية مسيطرة على إيران وغيرها من أكثر هذه القطعات . وهؤلاء الأعداء الثلاثة يقتلون اليوم المسلمين في كل مكان . وقد تنبه المسلمون في بعض الأمكنة كفلسطين وإيران وفيلبين والحبشة وأفغانستان قبل غيرهم ؛ ويريدون أن يخرجوا أعداء الإسلام من هذه الأراضي الإسلامية . أما الأعداء فيلجأون إلى القتل أو شراء العملاء بالمال أو بإصدار البلاغات المليئة بالمكر المثيرة للشقاق بين المسلمين إبقاء لهم في أغلال العبودية والأسر .
أخواني وأخواتي ! إنكم ما نسيتم محاولات حكومة إيران لأبعاد المسلمين عن الإسلام ، ما نسيتم ما كانوا ينشرون في البلاد من البرامج والصور الخليعة عن طريق السينما والمشاهد والإذاعات والتلفزيون والجرائد والمجلات ! إنكم تعملون أن تلك المحاولات إنما كانت لقلع جذور الأخلاق والذاتية الإسلامية من قلوب الأطفال والناشئة ! وما نسيتم أن ( فرح ) ( زوج الشاه ) افتتحت برنامج اشاعة الفحشاء في صور شتى يستحي الإنسان لا من رؤية مثلها بل من استماع حكايتها أيضا وحدث هذا المهرجان العالمي في مدينة شيراز ! وما نسيتم انهم نسخوا تاريخ هجرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم العظيمة ، واحيوا مكانه تاريخ قعود قورش على عرش الملك ! وما نسيتم أن الشاه قال : لا حق لعلماء الدين في التدخل في شؤون البلاد !
أعزائي ، أخواتي ، أولادي ، إنما كانت كل تلك البرامج والجهود لجعل إيران بلدا غير إسلامي بالمرة ، لينهب الأرباب والأجانب وعملاؤهم ثروات البلاد هادئي البال غير خائفين من جهاد الناس ، أعزائي ، إننا استيقظنا بحمد الله وعرفنا نية العدو السيئة وقمنا في وجهه ، ولكن العدو لا يريد أن يتركنا بسهولة و اخطر وسيلة يتوسل بها في هذه المرحلة من نضالنا هي إثارة الجدا ل
80(2/77)
المذهبي . لأنه يأمن بطش الشعب إذا كان الأخوة مشتغلين بالخصام والجدال ، أعزائي الداعين إلى (لا إله إلا الله ) وخاصة ، يا قادة دين التوحيد والوحدة إن الخصام والجدال بين الفرق الإسلامية هو الذي هبط بنا من سماء العزة إلى أرض المذلة ، حيث يئن كل فرقة من فرقنا المختلفة تحت ضغط واستبداد واحد من أعداء ( لا إله إلا الله ) . ارحموا أنفسكم وارحموا أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي أخذت ترفع رأسها ، إن تفرقنا نتيجة خيانة أو خطأ الذين سبقوا ، فلا تجادلوا أنتم ولا تختصموا على خيانة من سبق . اجعلوا قوتكم التي تستعملونها للجدال بينكم وسيلة لهزم أعداء الإسلام ولتوحيد المسلمين ولتحرير الأراضي الإسلامية .
أعزائي ، إن الإطاحة بالشورى هي التي أوقعتنا في كل هذه الشقاوات والمآسي . إذن ، فلا طريق لإنقاذ هذه الأمة إلا بأن نحيي نظام الحكم المبني على الشورى ، وأنا اليوم أحاول كأحد قادة أهل السنة والجماعة مع الأخوة قادة أهل التشيع لإ نشاء مجلس أعلى إسلامي للشورى ، لنبحث معاً في المسائل التي نختلف فيها واحدة بعد أخرى ونعرضها على الكتاب والسنة ، ونقبل ما هو حق ونرد ما هو باطل .
وإن نوفق نحن في هذا الأمر ، يكن هذا العمل أسوة لجميع المسلمين ، وعندئذ نستطيع أن ننشئ مجلساً للشورى من علماء العالم الإسلامي كله ونرفع هذه الأمة المتفرقة الذليلة مرة أخرى إلى أوج الوحدة والعزة . واعلموا أن من يعمل بأي حجة في الوضع الراهن عملاً يوقف هذا البرنامج المثمر للوحدة عن السير إلى الأمام ، ويهين عقائد ومقدسات أي من الفريقين ، يكون مسؤولاً أمام حاضر هذه الأمة المسكينة ومستقبلها ، وسيقف ناكس الرأس بين يدي ربه . أعزائي ، إننا نعد أنفسنا في هذه المرحلة من الانتصار لننصر الأخوة المسلمين في فلسطين وأفغانستان وفيلبين والحبشة .
81(2/78)
ولكن موقفكم السلبي تجاه نضالنا سيسد باب الأمل الذي أخذ ينفتح في وجه المسلمين . أعزائي ، ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء ) . إننا نحن جميعاً اليوم قد ابتلينا بطاعة وعبادة أعداء الله بدل طاعة وعبادة الله تعالى . فيجب علينا جميعاً أن نحاول لنخرج من تحت إصر هذا الشرك الخطير . أنشدكم الله ، أن لا تتنازعوا ، ولا نتخدعوا بداعايات العملاء واحذروا من الفتن التي يريدون أن يثيروها { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } .
أرجو أن تسمعوا موعظة أخيكم ، ولا تعلموا عملاً تشفى به هذه الأمة المسكينة أكثر من هذا .
أحمد مفتي زادة
8/11/57
البيان الثالث
هذا البيان صدر بعد البيان الثاني بشهر خط للسلطة الجديدة و تنديد ! بمواقفها المنافية لروح الثورة و إنذارا ً بالقيام في وجهها لو دام ذلك الوضع .
من الثورة إلى الانقلاب العسكري
الفرق بين مصداقية الثورة و مصداقية الانقلاب العسكري نلخصه بعبارة بينّة أن الثورة تغير كل
82
ما ينبغي أن يغير ، و أما الانقلاب العسكري فلا يغير إلا النظام الحاكم إن الشعب الإيراني قام من ابتداء حركته العامة في وجه كل الأسس الفاسدة الاجتماعية و بدل ما بذل من النفوس لإقامة حكومة إسلامية بالأنظمة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية الاسلامية ! لا أن يطيح بنظام الشاه و يؤسس النظام الجمهوري و لو بلقب " الاسلامي " .(2/79)
صحيح أن الثورة لم تكن ناضجة و كان السبب الأكبر لسقوط النظام مظالمه ، و في حالة كهذه لا تربى القوات المهذبة المستعدة لتصريف الشؤون المختلفة للبلاد بقدر يكفي ( و حين كان السيد حجتي كرماني في سنندج أرسلت هذه الوصية الى الإمام مع نفر من رجال الدين كانوا يذهبون الى النجف لزيارته و كان كرماني حاضرا ً عندنا و أكدت فيها على أنه يجب تعيين كل الأركان اللازمة لتصريف الأمور من الآن ) ؛ و صحيح أنه يمكن أن يتسلم في هذه الحالة بعض التكاليف من يضعف عن أدائها ؛ لكن ما لا يجوز صرف النظر عنه بأي وجه هي الآمال التي كان للناس و التي كانوا يجتهدون في سبيل تحقيقها ببذل أنفسهم .
و أختصر هذه الآمال و الأمنيات في ثلاث عبارات :
استواء جميع الشعوب المسلمة الإيرانية في الحقوق القومية و الثقافية والسياسية والاجتماعية .
استواء التسنن و التشيع سياسياً وقانونياً .
استواء جميع الأفراد في الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية .
وإني بعد زيارتي الأولى ولقائي بالإمام الخميني اتصلت بجميع المعتصمين في وزارة الخارجية بناء ً على دعوتهم إياي من قبل . و في أواخر بحث طويل أشرت أواصل مجاهدتي الى أن تتحقق الآمال الإسلامية تحققا ً كاملا ً .
83
و منذ أيام و أنا غي طهران أفاوض بلا فتور ولاة أمر الحكومة . و لكن _ و يا للأسف _ ليس الأمر أني أرى انبعاثا ًثوريا ً فحسب بل ان نخالات النظام السابق بل و أعرف الوجوه المعادية للثورة يدخلون شيئا ً فشيئا ً بلطائف الحيل في الحظيرة الثورة !! و لا يخفي مصير ثورة تبتلى بأمثال أولئك .
إن الشيء الوحيد الذي لا يمكن جحده هو أن النظام السابق قد أطيح به . و كذلك لا يمكن جحد أن البديل يسمى باسم آخر ! حقا ً إن أصل الحركة كان ثوريا ً من البدء الى النهاية ؛ و لكن إذا دام هذا الوضع لم يكن مولود الثورة شيئا ً غير الانقلاب العسكري !
و أنذر مرة أخرى مجاهدتي ستستمر بفرض وقوع ذلك أيضا ً .(2/80)
... ... احمد مفتي زادة
و السلام _طهران 7 / 12/ 57
و الآن و قد أشرنا فيما مر إشارة موجزة الى جوانب من الآمال الكبيرة التي كانت قلوب أهل السنة تنطوي عليها و التي كانت تدفعهم الى دخول المعركة مع الطاغوت جنبا ً الى جنب مع أهل التشيع ، و إلى ما آل إليه الأمر بعد الإطاحة بالنظام الملكي و سيطرت زمرة العدوة للثورة عليها ، يجدر بنا أن نلفت الأنظار الى بعض أفاعيل السلطة المفسدة التي قد حازت قصب السبق في ميدان البغي و تدعي بعد كل ذلك أنها هي القائمة بالقسط و لا نجاة للبشرية في الدارين إلا بأن تقبل شاكرة ما تصدرها هي إليها مما تسميه بالثورة الإسلامية و هي في الحقيقة ثورة على الإسلام ! و يجب التنبيه على أن تلك الأفاعيل ليست متناقضة مع ما كان لأهل السنة من آمال فحسب بل متنافية تماماً مع ما كان يبعث أهل التشيع للقيام في وجه البغي أيضا ً !
84(2/81)
و ما كان أروع ذلك الهتاف المدوي في فضاء طهران " خميني , كاك أحمد , صل على محمد " إعلاما ً بانتهاء عهد الشقاق بين الأخوة و تأليف الله بينهم من جديد الذي يتمثل في تآلف القائدين الخميني وأحمد مفتي زاده !! وما أعظم تلك المسيرة التي قام بها عشرات الآلاف من أخوتنا الشيعيين مشيا ً على الأرجل من طهران إلى سنندج اللتين بينهما مسافة أكثر من ستمائة كيلومتر هزا ً للمشاعر أكثر من ذي قبل ودعوة إلى نسيان ذلك العهد الأسود إلى الأبد وإدانة لأي تمييز بين الفريقين سياسيا ً و قانونيا ً !! سقيا ً لتلك الصدور , ما كان أشد حبها لله و لرسوله !! و سحقا ًوبعداً للظلمة الخونة لله و رسوله باسم الإسلام !! .. و من أفاعيل هؤلاء الظلمة :
منع تدريس التعاليم الدينية على مذهب السنة و الجماعة في المدارس الحكومية في المناطق السنية ، إلا ما يتعلق بالعبادات كالصلاة و الوضوء و ... ! و شباب أهل السنة و أطفالهم مكلفون بتعلم التعاليم الشيعية .
منع المعلمين و المعلمات العالمين بالتعاليم الدينية الناصحين الأمناء من تدريس ما يتعلق بالعبادات أيضا ً خوفا ً من أن يعلموا الشباب والاطفال شيئا ً غير ما يرتضونه هم و من ثم فلا يسمح بذلك إلا لمعلم شيعى أو لمن لا يتمتع بالعلم أو بالنصح و الأمانة من أهل السنة أو لشيوعي أو ...!
الضغط على المعلمين الواعين الناصحين و من كانوا على شاكلتهم من سائر الموظفين أو نفيهم الى بلاد أهل التشيع أو إخراجهم من الدوائر بتهم ملفقة .
محاولة إغلاق أبواب المدارس القرآنية التي لا تحمل ترخيصا ً من الحكومة التي يتولى أمرها شباب مؤمنون يعلمون الناشئة القرآن ! وكذلك المكتبات التى يقوم على أمرها أولئك
85(2/82)
الشباب . و لا يتحرجون في سبيل ذلك عن تلفيق أي تهمة . و قد أصدر من يسمى بحاكم الشرع ! في مدينة سنندج ( عاصمة كردستان ) قبل بضعة عشر شهرا ً حكما ً مبينا ً على إغلاق باب مكتبة مسجد الجامع التي لم تستطع الأحزاب اللادينية حين سيطرتها على كردستان إغلاق بابها .
تأسيسهم في المدن التي يسيطرون عليها معاهد دينية ! و مدارس قرآنية ! يولون أمرها من لا يأنف عن العمالة و يشرفون هم أنفسهم عليها لتربية بعض الناشئة كما يريدون هم .
بذل ا لجهود لنقل الناس و خاصة الشباب و الأطفال من التسنن الى التشيع بنشر الكتب في كل مكان تصل اليه ايديهم و بالقاء البحوث في المدارس و أجهزة الأعلام وخاصة التلفزيون . من ذلك بحث طويل ألقاه أحد رجال الدين تذاع كل دروسه من التلفزيون . و كان البحث حول عبادة بني اسرائيل العجل فقال فيه بصراحة ان الموحدين في زماننا في ايران هم المتبعون " خط الإمام " و من ليس منهم فهم من عبدة العجل .
حرمان من يتمتع بالوعي الإسلامي و الأمانة من شباب أهل السنة من العمل في الدوائر و خاصة دائرة التعليم و التربية وإعلامهم احياناً بأن قبول " ولاية الفقه " لا بد منها لذلك .
وضع أهل السنة أمام أمرين لا ثالث لهما : إما أن يقبلوا ولاية الفقيه النائب للمهدي الغائب المنتظر ، (و نظراً الى أن أهل السنة إنما يعتقدون بولاية أهل الحل و العقد فقبول ولاية الفقيه ترك للتسنن بل و انتقال الى التشيع ) . و إما ان ينصبوا أنفسهم أهدافاً لسهام الاتهام بالخيانة و العمالة و ...! و ما أخبثه مكراً ! لقد كان الصفويون غافلين عن مكر كهذا و إلا فما كانوا ليرضوا لبقاء
86
التسنن في ايران فتضطر هذه السلطة الأشد مكراً الى بذل الجهود لإبادة أهله عن بكرة أبيهم إلا أن يقبلوا التشيع .(2/83)
نصبهم بعض العملاء من رجال الدين من أهل التسنن أئمة لصلاة الجمعة في أكثر المدن السنية و عدم سماحهم بإقامة الجمعة إلا بطريقة يرضونها هم ، و من ثم ترك الناس في كثير من المدن صلاة الجمعة و إنما يحضرها قلة من الحراس و الموظفين و ... !
عدم إجابتهم لطلبنا منهم قطعة أرض في طهران لبناء مسجد ومركز ديني لأهل السنة مع أن في طهران أيضا ً كثيرا ً من أهل التسنن , مع أن أهل التشيع لهم مساجدهم الخاصة في البلاد السنية .
تقوية سوء الظن بأهل السنة في الشيعيين بحيث إن الحراس لما دخلوا كردستان كان بعضهم يظن قتال أهلها جهادا ً و " أخذا ً لثأر الدماء التي أراقها بنو أمية " حسب تعبير ذلك البعض .
نشر كتب حول أن من لم يؤمن بوجود المهدي المنتظر الغائب فهو جاهلي .
اقتضاء نص الدستور على مساواة أهل السنة و اليهود والنصارى و الزردشتيين في الحقوق .
التميز بين السني والشيعي من اللاجئين الى إيران من البلاد المجاورة الى حد أن بعض اللاجئين من أهل السنة لا تعطيهم الحكومة ريالا ً واحدا ً .
عدم السماح لأهل السنة بالاستفادة من أجهزة الإعلام لنشر تعاليمهم الدينية إلا كما يردون هم , في حين يذاع من التلفزيون البرامج الدينية للأقليات التي لا تدين بالإسلام .
87
حرمان أهل السنة من إنشاء العلاقات الثقافية مع المراكز العلمية الدينية خارج إيران .
اقتحام الحراس بيت الأستاذ مفتي زاده في مدينة كرما نشاه بعد أن هاجر إليها من سنندج ونهب كتبه ومخطوطاته واعتقال بعض تلاميذه لا لشيء إلا لأنه زعيم أهل السنة .
إعتقال كثير من الشباب الذين كانت تكاليف دعم الثورة قبل انتصارهم على الطاغوت السابق على عواتقهم بقيامهم بتوعية الناس ونشر البيانات التي كان الأستاذ مفتي زاده يصدرها . ومن لم يعتقل منهم فهو مهدد بالاعتقال والاضطهاد والإعدام إذا قام أي عمل لا يرضونه هم ولو كان تعليم القرآن .(2/84)
اضطرار كثير من الناس إلى إلصاق صورة الخميني بجدار بيته أو دكانه أو غير ذلك خوفاً من اتهامه بالعداوة للإسلام و البطش به.
الذهاب بفرقة بعد أخرى من الناشئة إلى البلاد الشيعية لزيارة الخميني و الأماكن المقدسة عند الشيعيين والسعي لترسيخ عقائد الشيعة في قلوبهم
سب و إهانة عظماء الإسلام السابقين و خاصة المهاجرين و الأنصار و بوجه أخص العشرة المبشرين بالجنة في أجهزة الإعلام العامة أكثر من الطاغوت السابق بعشرات المرات !!!
نشر الكتب المليئة بالسب و إهانة و التكفير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء ما كتب منها طوال القرون الماضية الى ابتداء الثورة و من جملتها " كشف الأسرار " للخميني نفسه الذي فيه من السب و الإهانة ما لا يصدر إلا من مثله ، أو ما
88
كتب بعد الانتصار . و من الكتب الجديدة الانتشار كتاب باسم " منافق و منافقين " أي النفاق و المنافقون لمن سمى نفسه " ع _ هاشمي " صدر من مطبعة " بيام آزادي " و طبع منه في الطبعة الأولى خمسة آلاف نسخة في أواخر فصل الصيف من السنة الماضية .
يقول المؤلف في المقدمة : و شاء الله أن يعرف المنافق .... و كان إعداد هذا الكتاب قد تم قبل سنة و نصف من الآن ، و لكن لم يكن بإمكاننا نشره في ذلك الحين نظرا ً الى استبداد النظام و إلقاءه الرقابة الشديدة على المؤلفات و .... و يقول في الصفحة الثالثة : الإهداء الى إمام الأمة قائد الأمة الإسلامية في زماننا !!!!(2/85)
و على ظاهر جلد الكتاب صور ثلاثة من الوجوه المنافقة الرائدة في النفاق و يعني بها سادتنا أبا بكر الصديق و عمر الفاروق و عثمان ذي النورين رضي الله عنهم كما يتضح مما يأتي . و يذكر في الصفحة السابعة طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و في الثالثة و التسعين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم في عداد قادة المنافقين . و في الصفحة الرابعة و التسعين يذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أمر برفع نعش طلحة من الأرض بعد ما قتل ثم قال : ويل لك لقد كان لك سبق في الإسلام و لكن لم تحتفظ به و غرك الشيطان و أسرع بك إلى جهنم !!!!
و في الصفحة الرابعة و السبعين يذكر تحت عنوان " الفرق المخالفة " أن المنافقين في المدينة كانوا فرقتين : فرقة بين المسلمين و فرقة بين اليهود . و يذكر من الفرقة الأولى عبد الله بن عمرو بن العاص ؟؟؟؟ ثم يقول : كان من هذه الفرقة زمرة غصبوا مقام الخلافة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه و سلم _ ج ) و سلطوا ذوي قرباهم و غيرهم من مشاهير المنافقين كعمرو بن العاص على أنفس و أموال الناس !!!
89
و يبدأ الصفحتين الثامنة و الستين و التاسعة و الستين بهذا العنوان " وجوه المنافقين في عصر النبي " (صلى الله عليه و سلم _ ج ) ثم يقول : كان المنافقون مختفين في حياة النبي ( صلى الله عليه و سلم _ ج ) لعدم تمكنهم من الأعمال المعادية للإسلام ....(2/86)
و خاصة بعد هدم مسجد الضرار . و لكن المجال تهيأ لهم بعد وفاة النبي (صلى الله عليه و سلم _ ج ) فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة و أنشأوا مجلسا ً للشورى مصطنعا ً مجلسا لم يكن بإمكان الوجوه المسلمة الأصلية الدخول فيه لان مجلسا ً ً يكون المجتمعون فيه عبد الرحمن بن عوف و عمر بن الخطاب و أبا بكر بن أبي قحافة و عثمان بن عفان لا يستطيع أن يشرك في اجتماعاته علي و أبو ذر و سلمان و عمار .... وكل ما نحن فيه اليوم من الشقاء من ذلك اليوم _ يوم الاثنين نشأ _ .
ثم يقول : وبعد موت أول وجه من الوجوه المنافقة أخذ بزمام الحكم المنافق الثانى الغاصب و .... ثم يقول : و بعد موت الخليفة الثانى أخذ بزمام الحكم عثمان . و هو كان منافقا ً أحمق ، لأنه لم يستطع ستر نفاقه و ... و في الصفحة السابعة و التسعين يقول : يكفي لمن يدعون التشيع هذا الذي ذكر ليفتحوا عيونهم و لا ينخدعوا بنفاق المنافقين ، و لتكن أبصارهم حادة و لا يكتفوا برؤية الظاهر ، لأن المجتمع الشيعي اليوم مبتلى بهذين الداءين ( المنافقين الأذكياء و المنافقين الحمقى ) ابتلاء ً شديدا ً.
تقتيل الأبرياء و تشريدهم . من ذلك ما أقامه خلخالي من المجازر في مدن كردستان ، و كذلك تقتيل الرجال في قرية من قرى خرا سان ، و مما قام به الحراس قتل و ذبح سبعة عشر رجلا ً في إحدى مناطق كردستان تسمى جوانرود , و غير ذلك مما يطول ذكره .
90
نعم يا اخوتنا المسلمين هذه نماذج مما أتى و يأتي على أهل السنة في ايران من المآسي و البلايا ، و لا يكتفي ( الإمام ) !! الخميني و أعوانه بذلك بل و يحاولون بكل ما أوتوا من الإمكانيات تصديره إليكم أيضا ً ، وقاكم الله شر ذلك و نجاكم من سوء أعمالهم.(2/87)
و في ختام هذه الفقرة ننقل لكم ثلاث جمل سمعناها من الخميني نفسه حين اجتمع به في داره في مدينة قم عشرات من ذوي الفكر و الرأي من أهل السنة و على رأسهم الأستاذ مفتي زادة زعيم أهل السنة و مولوي عبد العزيز (1)
__________
(1) الشيخ عبد العزيز من أشهر علماء السنة في ايران ، و قد توفاه الله في إحدى ليالي ذي الحجة عام 1407 هـ ، و لأهمية الخدمات التي قدمها لأهل بلده نذكر فيما يلي نبذة عن حياته :
ولد الشيخ عبد العزيز ملا زاده في ولاية بلوشستان الإيرانية في شهر مارس 1916 في أسرة معروفة بالتدين و العلم و الوجاهة بين سكان المنطقة حين كان والده الشيخ عبد الله الربازي في منصب القضاء و كان ذا نفوذ و كلمة مسموعة بين الأهالي .
و قد تلقى الشيخ عبد العزيز التعليم في طفولته على يد والده ثم سافر الى مدينة كرا تشي و التحق بأحد المعاهد الدينية المرموقة هناك حيث درس العلوم الشرعية الإسلامية إلى جانب العلوم الأخرى ، و نظرا ً لشغفه بالعلم وحبه له فقد واصل دراسته العلمية في مدينة دلهي بالهند و أخذ العلم عن المشايخ الكبار من منسوبي دار العلوم بدينوبتد .
كما عاصر الفقيد أثناء إقامته بالهند الحركات السياسية التحريرية وتابع ما تكتبه الصحافة والأعلام عن ذلك ومشاركة مشايخ ديوبند المسلمين فيها .
وحالما عاد الشيخ إلى بلاده بلوشستان أدرك بوضوح ما يعانيه هذا الإقليم من العزلة و الجهل و المعاناة ,فشرع بقوة وحماسة لنشر النور والعلم بين الأهالي وقام بحملة كبيرة ناجحة في بناء المساجد انتهت بإقامة ( 150 ) مسجدا ً في مدينة ( زاهدان ) وأنحاء الإقليم ومنها انتشر نور القرآن ورسالة الإسلام والعلم .
ثم عرض على الشيخ عبد العزيز أن يكون أستاذا ً في الكلية الحكومية بمدينة ( زاهدان ) فعمل في الكلية فترة واتصل بجيل الشباب ووجد الفرصة مواتية لغرس العقيدة الإسلامية الصافية في قلبه وتلقينه تعاليم الكتاب و السنة ... لكن الجو العام في الكلية كان يسير في غير اتجاه الشيخ فما لبث أن ترك العمل في الكلية . ونجح الشيخ فى افتتاح معهد شرعى فى المدينة ليحقق هدفه فى التعليم و التربية و الدعوة وكان يعرف باسم "المدرسة العزيزية " ولا تزال هذه المدرسة تؤدى دورها إلى اليوم فى تخريج إهل العلم وبعض خريجيها استمر فى دراسة العلم الشرعى فىباكستان وبعض البلاد الإسلامية العربية ولم تقتصر جهود الفقيد على التدريس فقد كان رحمه الله كثير التنقل فى القرى و المدن فى الإقليم
للوعظ والقاء الدروس وعندما بدأ دروسه وخطبة فى أول الأمر كان عدد الحضور لا يزيد على اثنى عشر شخصا ً ولكن لم تمض فترة قصيرة حتى أصبح عددهم بالآلاف لما كان يتمتع به من موهبة فى الخطابة وبراعة فى الإلقاء .
ورفع الشيخ عبد العزيز ملا زادة لواء إحياء السنة الشريفة فى العبادات والمعاملات .... بعد أن ماتت السنة واختلط الحابل بالنابل ، فعلم الناس الطريقة الصحيحة فى أداء الصلاة والصيام ، كذلك عودهم على أداء الزكاة بعد ان نسيت وحث الاغنياء منهم على أداء فريضة الحج ، وكان هو بنفسه يذهب كل عام إلى الحج و يستغل مناسبة الحج فى الأتصال بالحجاج من البلوش و غيرهم و تربيتهم التربية الروحية .
و قد وفق الله الشيخ رحمه الله فلى القضاء على الكثير من البدع و الخزعبلات التى تعمقت جذورها بين الناس إما لجهلهم الشديد بشؤون الدين أو بتأثرهم بالمذاهب المنحرفة المجاورة لهم فى تلك البلاد ... و بهذا الجهاد الكبير المصحوب بالعلم الغزير والحكمة البالغة تحولت بلوشستان إلى إقليم يخلو إلى حد كبير من العادات و التقاليد المنافية للشريعة و التى نراها فى كثير من البلاد الإسلامية .
مواقف للشيخ فى عهد الشاه :
وللشيخ عبد العزيز مواقف من الحكومة المركزية فى طهران تدل على صلابته فى الحق والتزامه الدقيق بالآداب الإسلامية و أحكام الشريعة ولو على حساب غضب الحكام و المسؤليين .
و يروى عنه أن قبائل فى منطقة شيراز الإيرانية قامت بتمرد كبير على الحكومة أيام الشاه ..و اقترح شخص اسمه
( خزيمة ) وهو من المقربين من الشاه من الشاه تجنيد أعداد كبيرة من شباب ورجال بلو شستان للا ستعانة بهم فى قمع التمرد فوافق الشاه على الفكرة ، و تم تعيين ( خزيمة ) حاكما ًلإقليم بلوشستان... وطفق هذا الرجل فى جمع المقاتلين من البلوش وتوزيع الأموال استعداداص للتوجه لإلى المتمردين ...وكان ذلك قبيل عيد الأضحى .
وعلم الشيخ بامر هذه الفتنة الدامية وغرور ( خزيمة ) الذى يريد التقرب من الشاه بدماء أبناء بلوشستان وقال : " لسنا بقوم يستغلنا عبد من عبيد الشاه .. ولسنا متاعاً موروثا و يأتى شخص و يأخذ رجالنا و يذبحهم كالأغنام " .
وحينما كان الشيخ استاذا فى الكلية الحكومية فى زهدان ، جاءت وزيرة التعليم والتربية – آنذاك – بروين اعتصامى لزيارة الكلية ، فتقدم جميع الأساتذة فى الكلية نحو الوزيرة يصافحونها غير أن الشيخ امتنع من وضع يده فى يدها فاحمر وجهها غيظا إلا أن الشيخ قال لها : لا يجوز فى شرع الله أن يصافح الرجل المرأة ةأنا على استعداد لأن أترك العمل فى الكلية و لكننى لست على استعداد أن أعصى الله ورسوله فلم يسع الوزيرة إلا أن سكتت على مضض .
مواقف فى عهد الخمينى :
ولم تكن مواقف الشيخ عبد العزيز الجريئة فى عهد الشاه فحسب بل وفى عهد الثورة الحالية كانت له مواقف جريئة جدا فقد عارض الشيخ و بشدة المادةالدستورية الثانية عشر و التلى تنص على كون المذهب " الاثنا عشرى " فى ايران مذهبا رسميا فى كافة شؤون ومجالات الحياة ( إلا فى الأحوال الشخصية التى يلتزم بها كل طائفة على مذهببها و فقهها ) وطالب بأن يكون الإسلام ( لا المذهب ) هو الدين الرسمى للدولة .
و تبرئة لذمته امام الله ثم امام الشعب قام الشيخ عبد العزيز بمقابلة الرئيس الإيرانى الجديد ( خامنئى ) و أبدى جميع ملاحظاته على ممارسات النظام الإيرانى الجديد التعسفية وقرأ خلال حديثه مع – خامنئى – الآية الكريمة ( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون ) ... و علق قائلا ً لا أظنك بحاجة إلى أن أفسر لك الآية التى تعلم أنت مضمونها .. إنك أيها الرئيس فى اختبار شديد عند الله وعليك أن تجعل اهتمامك بالإسلام لا بالقضايا المذهبية .
و قابل الشيخ عبد العزيز كذلك الإمام الخمينى وقال له بجرأة " أود أن أتكلم معك فيما لا يتكلم معك فيه حتى أقرب الناس إليك إن فئة من الإيرانيين كانوا يجاملون الشاه فى عهده خوفا من بطشه ولما قامت الثورة تحولوا منه إليها وقدموا تضحيات جسيمة ولكنهم اليوم يقتلون ويذبحون بحجة أنهم كانوا فيما مضى من رجال الشاه ... ألم يكن من الأفضل أن تقبل تضحياتهم وينسى ماضيهم " ... سمع الخمينى ما قاله الشيخ فلم يرد عليه بشيء!
رحم الله الشيخ رحمة واسعة و أسكنه فسيح جناته .
المجتمع 26/4/1988 م(2/88)
زعيم بلوجستان لاقناعه بتغيير المادة الثانية عشرة من الدستور التي
92
صودق عليها بيوم أو يومين قبل ذلك الاجتماع والتي ساوت بين أهل السنة والأقليات غير المسلمة في الحقوق . فبعدما كلمه الأستاذ في ذلك بكلام طويل مصرحا ًله بأن هذه الحكومة ليست جمهورية إسلامية بل هي جمهورية جعفرية و .. , أجاب الخميني بأشياء عجيبة أحفظ منها ثلاث جمل لها قيمتها في تعريف اخوتنا المسلمين بما ينطوي عليه الرجل من التصورات والأفكار ! وهي كما يلي :
93
1- أنا حينما استدللت على بطلان النظام السابق في "بهشت زهرا " عقب رجوعي من " فرنسا " إنما استدللت بالقانون لا بالشريعة !!! ( قال هذا حينما طلب منه الأستاذ أن يُلزم " مجلس الخبراء " !! بجعل الشريعة ميزانا ً في تدوين الدستور ) .
إن مجلس الخبراء يعمل على أساس الديموقراطية و لا اعتراض عليه !! ( قال هذا بكل اعتزاز نابذا ً وراء ظهره قوله تعالى : (( قل لا يستوي الخبيث و الطيب و لو أعجبك كثرة الخبيث )) الذي يبين أن أكثرية الآراء لا يجعل الباطل حقا ًً ) .
إن الدستور السابق كان حسنا ً و لكن الشاه نفسه كان شرا ً حيث لم يكن يعمل به !! ( و ليتأمل الأخوة فإن هذه القولة فيها عجائب ) نعم هذا هو الخميني الذي قال عنه فخر الدين حجازي أحد ممثلي أهل طهران في المجلس الشعبي في خطاب ألقاه في مدينة "كرمانشاه " : إنه أفضل من غير أولي العزم من الأنبياء ( صلوات الله و سلامه عليهم ) ... (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد )) .
96
بيانات مكتب قرآن
حول إجراءات الحكومة
بيان 1
(( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق )) .(2/89)
أيها المسلمون : اعلموا أن عبدة السلطان الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة يعيشون في فزع دائم من صيحة الحق العالية , والجهاد من أجل تبليغ رسالة الله الواحد القهار , ومن نداء القرآن الذي يحيي القلوب . وتتقطع قلوبهم فرقا ً عندما يرون المسلمين وقد ازدادوا معرفة بدينهم ,ووعيا ً وبصيرة بما فرضه الله عليهم .
إ ن أصحاب البغي والطغيان إنما يجترئون على الفساد والمكر والخداع , وإهلاك الحرب والنسل , في غيبة صيحة الحق , وهداية البصير , وقيادة أهل الرشد ... وما هو إلا أن يشرق النور , فتتواري الظلمة و تنكشف الغمة . والقلوب العامرة بالإيمان لا يصرفها شيء عن اجتناب الطاغوت وكرهه .
إن الحق في بناء النفوس أصيل ((فطرة الله التي فطر الناس عليها ))وهذه حقيقة قرآنية يعيشها من
97
يعيش في ظلال القرآن لتبليغ دين الله بتعليم القرآن في المدارس القرآنية والساجد , وحمل الناس على تأييد الثورة في السنوات التي سبقت انتصارها , وبعد انتصارها متحملين في ذلك المشاق وضغوط أعداء الدين على مختلف أصنافهم .
نعم !! هكذا يواجه أصحاب السلطان الذين يدعون بأنهم يحكمون شرع الله المعلمين والتلامذة الخادمين لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم !!
فيا أيها القائمون على الأمور , الذين يزعمون بأنهم ملتزمون بالدستور الذي وضعوه : هل شهر أهل السنة في وجوهكم السلاح ؟!
_ وهل هذا هو الاحترام الذي أثبتموه للمذاهب في الدستور ؟!
_وهل هذه هي حرية الاعتقاد التي وعدتم بأنكم ستدافعون عنها ؟!
حقا ً لا نتوقع غير هذا من الذين (( يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم )) .(2/90)
وأنتم يا إخواننا الذين جاهدتم مع إخوانكم الشهداء الذين زينوا محارب المساجد والجبال بدمائهم الزكية , لإقرار حكم الله في الأرض ... اجعلوا من السجن مدرسة لتعليم كتاب الله , امتثالا ً لأمر ربكم : (( فاصدع بما تؤمر )) , و أقيموا الصلاة صفا ً كأنكم بنيان مرصوص ، لتبينوا لهم أنهم لا يعادونكم و تاريخ البشرية شاهد عدل على أن المترفين و المستكبرين إنما نالوا ما نالوا بالمكر و الخداع و الإغراء ، و الظهور بمظهر الراشدين الناصحين المصلحين : (( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم و أشد قوة و آثارا ً في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون )).
نعم أيها المسلمين الغيارى !! لقد داهم البارحة ] ليلة 28 من شهر شوال [ ، في جوف الليل _ كدأب كل متكبر جبار ، في الاستعانة بظلام الليل على ما يقترفه من جنايات و خيانات _ زبانية السلطة بيوت عشرات من المسلمين في مدينة " سنندج " بعد أن اعتقلوا عددا ً من المعلمين
98
و التلامذة التابعين لـ " مكتب القرآن " في " كرمانشاه ، و كامياران ، و بوكان " . و من جملة البيوت التي هجموا عليها ، بيت الأخ الأستاذ مفتي زاده ، الذي يسكنه الآن حاكم الشرع الشعبي لمدينة سنندج أميني ، و الذي نهبوا منه جميع المسجلات و المكتوبات و خاتم محكمة الشرع ، و كثيرا ً من الكتب الموجودة هناك و بعض الأثاث .
و من الذين يفعلون بهم هذه الأفاعيل ؟! إنهم المسلمون الملتزمون الذين جاهدوا بكل قواهم و إنما يعادون الله العلي العزيز ، و رسوله الكريم ، و خلفاءه و صحابته المكرمين صلى الله عليه و سلم و عليهم أجمعين .
أيها المسلمون !! إن الهجوم على البيوت في جوف الليل و نهبها ، و ترويع النساء و الأطفال هي ردهم الوحيد على الدعوات المتكررة للمناظرة و المباهلة التي دعاهم إليها الأستاذ مفتي زادة وفق الشروط التي وردت في بيانه الأخير :(2/91)
و في الختام نعلن نحن أهل السنة _ مكتب قرآن _ بصراحة و شجاعة كاملة لجميع المسلمين أننا لم و لن نهاب هذه السياسة الباغية الماكرة ، و سنواجه كل أنواع الأذى و الاضطهاد ، و لن نتوقف عن واجب تبليغ كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ، و نسأل الله تعالى أن يثبت أقدامنا : (( ربنا عليك توكلنا و إليك أنبنا و إليك المصير )) .
سنندج _ مكتب قرآن : 28 / 10 / 1402 هـ
99
بيان 2
(( و يقولون آمنا بالله و بالرسول و أطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك و ما أولئك بالمؤمنين ، و إذا دعوا الى الله و رسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون )) .
إن مسؤولي الحكومة يخططون لإجراءات أخرى غير الاعتقالات التي شملت أكثر مدن كردستان ، و من أجل هذا يروجون الإشاعات ، و يستغلون الأحداث .لذا فإن مكتب قرآن يعلن موقفه مما يشاع ، و التزاما ً منه بقوله تعالى : ((و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )) و قوله : (( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعملوا أن الله عز حكيم )) و قوله : (( ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة )) و نسأله تعالى أن يجعل نوايانا و أحوالنا و أقوالنا و أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .
و يجب أن نبين في البداية أن الرسول الأمين الذي أرسله الله رحمة للعالمين مر في مجاهدته أعداء الله طوال عشرين عاما ً بمراحل قد أوضحت للمسلمين استراتيجية الحركة الإسلامية .كان صلى الله عليه و سلم في مكة يقوم بتبليغ ما أنزل إليه من ربه ، و كان يواجه الاضطهاد و الأذى بالبيان ، و إنذار المشركين و تبشير المؤمنين ، و قد كان يمر بآل ياسر رضي الله عنهم و هم يعذبون فما يزيد إلا أن يبتسم في وجوههم و يبشرهم بما وعدهم به ربهم قائلا ً :" يا آل ياسر اصبروا فإن موعدكم الجنة " .
و ليعلم الذين يريدون أن يضطرونا الى الاشتباك المسلح معهم بطريقة أو بأخرى أنهم
100(2/92)
كمن يحاول الاصطياد في عرين الأسد ، فإننا اليوم في لمرحلة الأولى من مراحل الجهاد ، أي تعلم الكتاب و تبليغه للناس ، و إنا لا نحيد لحظة عن الصراط المستقيم و اتباع الكتاب و السنة ، و جوابنا على الأنباء المختلفة و الإشاعات الكاذبة نحدده في النقاط التالية :
يشاع في هذه الأيام أن أتباع " مكتب قرآن " في مدن كردستان قد أخذوا السلاح ، و مصدر هذه الإشاعة ليس مجهولا ً عندنا ، و قد تمنى المسؤولون من حرس الثورة و غيرهم ذلك و طالما قالوا لإخواننا و أخواتنا : " ليتكم شهرتم السلاح في وجهنا " .
وقد ساعد على إشاعة هذا الإفك آخرون عن غفلة منهم أو ربما كانت لهم أهداف أخرى ، و موقفنا أعلنه الأخ مفتي زادة في رسالته الأخيرة و لا زلنا متمسكين به و هو أوضح من الشمس في رابعة النهار ، فالجهاد المسلح لا نعتبره واجبا ً علينا في هذه المرحلة ، و نرفض ذلك رفضا ًباتا ً.
2- كشر حراس الثورة الإسلامية في مدينة " سنندج " عن أنيابهم , فبعد اعتقال المسلمين ونهب أموالهم من بيوتهم أصدروا بيانا ً في غرة ذي القعدة جاء فيه أن أتباع " مكتب قرآن " و الأحزاب العلمانية سوا بسواء .. ويا للعجب كيف يحكمون على المسلمين الذين خاضوا معارك مع هذه الأحزاب الجاهلية , وقدموا فيها عشرات الشهداء بأنهم وإياهم سواء ؟! .
ثم يتوعدون المسلمين المجاهد ين بالهلاك و الموت !! ، ألا فليعلموا بأنهم في هذا التهديد و الوعيد كمن رجع بخفي حنين ، فهؤلاء الذين يتوعدون نالهم الكثير ، قبل قيام الثورة و بعدها فما وهنوا و لا استكانوا .
أيها السادة : هل البندقية هي جوابكم الوحيد على مطالبنا العادلة التي تقدمنا بها ؟! أم كيف تجمعون بين ادعائكم الإيمان بالله و اليوم الآخر و هذه الاتهامات الباطلة ؟ ألا تسمعون صيحة القرآن :
101(2/93)
(( ويل لكل أفاك أثيم )) ، ألا تتعظون بقوله تعالى : (( و في الآخرة عذاب شديد و مغفرة من الله و رضوان ، و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) ؟!
3- لم يقف " المركز الإسلامي الكبير " مكتوف الأيدي ، بل أخذ _ كدأب كل مفتر كذاب _ في إعداد الاتهامات و الافتراءات التي سيقذف بها الأخ الداعية مفتي زادة ، و يعرف شعب ايران و لا سيما شعب كردستان جهاده ضد نظام الشاه و التزامه بالكتاب و السنة .
و قال القائمون على هذا المركز بأن الأخ مفتي زادة منافق و عميل للأجانب .. وردنا على ذلك دعوة هؤلاء العلماء أن يتدبروا كتاب الله تعالى ، و يتذكروا قوله عز و جل : (( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و رأوا العذاب و تقطعت بهم الأسباب )) ، و ليحذر من هذا النذير الذي يزلزل القلوب : (( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب و يشترون به ثمنا ً قليلا ً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ، و لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم )) .
و يضاف الى ذلك كله أن هناك همسات و تحركات غريبة تدل على أن الظلمة يستعدون لفرض قيادة دينية و عالم ديني _ كما كان الماضي _ على شعب كردستان المحروم ، إمعانا ً في ازدراء أهل السنة و استغلالهم من أجل تحقيق أهداف غير مشروعة ، و ليعلموا أن الله لهم بالمرصاد (( ومكروا و مكر الله و الله خير الماكرين )) .
أشاعوا بأن أتباع " مكتب القرآن " قد شكلوا جبهة مع الأحزاب العلمانية و أن هذه الجبهة أخذت تستخدم السلاح ضد الحكومة . و نحن نقول : إن أساس اتحاد أية فرقة أو حزب ضد الآخر هو التصور و العقيدة ، وهذا يعني استحالة اتفاقنا مع الأحزاب العلمانية .
102
5- قامت السلطة باعتقال أفراد لا يمتون بأية صلة إلى مكتب قرآن ، و الهدف من وراء ذلك خدمة الإشاعات التي يروجونها ، و حرصهم على تلويث سمعة المنتسبين الى مكتب قرآن .(2/94)
لعلنا فيما ذكرناه نكون قد كشفنا أبعاد المؤامرة و المتآمرين ، و معاذ الله أن تكون هذه الدسائس سببا ً للخروج على قيم الثورة : (( و لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ، اعدلوا ، هو أقرب للتقوى )) . و نرجو أن نكون اليوم أشد دفاعا ً عن الثورة _ التي يزداد ظلمها لنا يوما ً بعد يوم _ منا فيما مضى .
و إليكم أيها الحراس !! الذين لا يألون جهدا ً في الدفاع عن الثورة ... أيها الأصدقاء الذين يبذلون دماءهم هنا و هناك ... يا أبناء الثورة ... فكروا ... انظروا من الذين يستغلون مشاعركم الحارة الطيبة ؟!
هل بذلتم و تبذلون الدماء ليداس القرآن الكريم بأقدام حراس الثورة أنفسهم ؟ .. هل كانت تضحياتكم من أجل أن يجلد المصلي جلدا ً يفقده الوعي فلا يفيق إلا بعد ساعات ؟ ]إشارة الى ما حدث في مدينة كامياران و قد أعلن تفصيل ذلك في بيان أصدره مكتب قرآن _ فرع كامياران _ [.
أيها الأصدقاء : إن جريمتنا التي ارتكبناها مطالبة السلطة باحترام جميع المذاهب ، و تحكيم كتاب الله فيما لا بد أن يقع بيننا من خلافات استجابة لقوله تعالى (( و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى الله )) فكيف يجوز التردد في ذلك و إهماله ، وأنتم تعلمون أن كتاب الله قد تعهد سبحانه و تعالى بحفظه من التغيير و التبديل و التحريف .
103
أيها الأصدقاء : إن الحرب بين أتباع المذاهب أعمق الحروب جذورا ً ، و قد أشرنا إلى ذلك مرارا ً حذراً من الوقوع فيه .. فحذار أن نبوء بآثام الذين يأتون من بعدنا و لنؤد بدل ذلك واجبنا من أجل إحياء القيم التي من أجلها كانت الثورة ، و لنفضح سوية المستأثرين بالثورة الذين اعتدوا علينا و تجاوزوا حدود الله .(2/95)
و في الختام : ندعو المسلمين جميعا ً أن يعرفوا حقيقة الموقف الذي اتخذناه إزاء إجراءات الحكومة ، و ليعلم الجميع أن الأخ مفتي زادة و مكتب قرآن قد دعوا القائمين على الأمور الذي يزعمون أنهم ينشدون الحق ، و أنهم وحدهم الذين ينصرون دين الله ...
لقد دعاهم الأخ زادة لفض النزاع بأي طريقة يشاءون ، و عرض عليهم المناظرة من خلال " التلفاز " و الناس يحكمون ، أو المناظرة أمام أية جماعة منهم ... و أخيرا ً دعاهم الى المباهلة ... و اسألوا أيها الناس رجال السلطة إن لم تكن هناك مؤامرة معدة فلماذا يخشون من المناظرة أو المباهلة ؟ ... و هل اعتقال و اضطهاد لأبرياء المسلمين هو جوابهم الوحيد على كل ما طلبناه منهم ؟ ... إن لنا وقفة مع هؤلاء (( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ً و الأمر يومئذ لله )) .
و السلام على من استمع القول فاتبع أحسنه .
سنندج _ مكتب قرآن : 4 / 11 / 1402هـ
بيان 3
(( ولا تقف ما ليس لك به علم ، إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ً)) . أيها المسلمون في كردستان :
104(2/96)
صدر باسم هيئة رجال الدين في كردستان _ يوم الثلاثاء 4 / 11/ 1402 _ بيانا ً نقلته الإذاعة و التلفاز و صفوا فيه المسلمين الدعاة _ مكتب قرآن _ بالنفاق و العمالة لأمريكا و للأحزاب العلمانية ، و قالوا أيضا ً إنهم لا ينتسبون الى مذهب من المذاهب ، فلا هم من الشيعة و لا من أهل السنة , و إنما ديدنهم إثارة الشقاق و خدمة أسيادهم الأجانب و ما كنا نظن أن رجال الدين في كردستان بلغوا من رقة الدين ما جعلهم يصدرون هذا البيان الذي يغص بالافتراءات و الأكاذيب ، و ما نسينا أن مثل هذا البيان قد صدر باسمهم قبل هذه المرة أصدره ما يسمى " بالمركز الإسلامي الكبير !!!" ..و ينبغي أن لا يصمت المسلمون عن هذا المنكر ، و كيف يصمت الأحرار عن اتهام إخوانه الملتزمين بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل هذه الاتهامات و الافتراءات إن مثل هذه الاتهامات لا يلتفظ بها مؤمن يخشى الله و يرغب في جنته .
لا يليق بالمركز الكبير أن يذر قرن الفتنة بين المسلمين ، و يتبع سياسة " فرق تسد " ، و ليتفضل هؤلاء بالإجابة على السؤال التالي :
هل وافق رجال الدين في كردستان على نشر تلك الافتراءات ؟ ، و إن كان الأمر كذلك فلماذا لم يذكر في ختام البيان اسم واحد منهم ؟ .. و إن كانوا صادقين فليعلنوا أولئك الذين يؤيدون هذه الأكاذيب ليعرف الناس . و ليعلم المسلمون أن رجال السلطة سيضاعفون من كيدهم ، و سوف يستعينون بضعاف النفوس ، و لن يقف أمرهم عند هذا الحد ، و ليعلم الغافلون عن ذكر ربهم أننا موقنون بقوله تعالى (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولالنا و على الله فليتوكل المؤمنون )) و السلام علينا و على عباد الله الصالحين .
سندج – مكتب قرآن : 5/11/1402
105
بيان 4
(( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ..))(2/97)
داهم بيوتنا قبل أيام زبانية السلطة ، و اقتادوا أرباب البيوت و أولادهم في جوف الليل المظلم إلى السجون ، و قد راجعنا المسؤولين عن هذه المعتقلات لنعرف أسباب الاعتقال و نطمئن على سلامة ذوينا ، فكانت أجوبتهم محيرة متناقصة ، مرة قالوا : " لا ندري " ، و مرة قالوا : " جرائمهم غير معلومة لدينا " ، و في الثالثة قالوا " بينّا لهم أسباب اعتقلهم و كفى ...
و من حقنا _ أسر المعتقلين _ أن نوجه للمسؤولين السؤال التالي :
_ أيها السادة :
إن دستوركم الذي تزعمون بأنكم ملتزمون به يقول : " لا يجوز حبس المتهم أكثر من أربع و عشرين ساعة بغير أسباب قانونية ، و يجب إعلامه بتهمته قبل مضي المدة المذكورة "
و ها قد مضت أضعاف هذه المدة و لم تتفضلوا بذكر الأسباب .. هل تخشون من الخزي و الفضيحة لأنكم تؤكدون بأنكم دعاة ثم تعتقلون الدعاة الطاهرين الأبرياء الذين يشهد على صدقهم و استقامتهم شعب كردستان المسلم .
و هل فكرتم لحظة واحدة بأن الذين يجعجعون بالعدل و المساواة لا يجوز لهم إرهاب و اعتقال المسلمين الآمنين الملتزمين بكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم؟.. وكيف تجمعون بين أمرين متناقضين : ادعاء الدنيوية لله و الدفاع عن الدين ، و سجن و إيذاء المؤمنين ... أم تحسبون أن الناس لا يعلمون ؟
اسألوا أنفسكم : كيف تتكلمون عن المستضعفين في العالم ، و تدعون الدفاع عن حقوقهم ، و أنتم تستضعفون أهل السنة في ايران ، و تعتدون على حقوقهم ؟
106
ماذا تقولون إذا انتشر نفر من أهل السنة في أرض الله الواسعة ، و حدثوا إخوانهم عن ظلمكم و سجونكم و بطشكم ... ماذا تقولون و أنتم تخشون هذه المسألة أشد خشية ... بماذا تجيبون يا من تزعم أجهزة إعلامكم بأنكم لا تفرقون بين السنة و الشيعة ؟!
أين أنتم يوم يعلم المسلمون الشيعة الذين يتبعونكم _ في العالم _ بفضائحكم و مكائدكم ، فيتبرءون منكم ، و يضعون حدا ً لجرائمكم !!(2/98)
أولا ً تنظرون المصير السيء الذي انتهى إليه من كان قبلكم فتعتبرون و تتعظون ...و ما مصير النظام البغيض السابق منكم ببعيد ..
و أخيرا ً ، ألا تذكرون الله و اليوم الآخر ، و قد ملأتم السجون بالدعاة إلى الله ؟.. و ما هو جوابكم يوم تقفون بين يدي الله أحكم الحاكمين ؟
ألا هبوا من غفلتكم لحظة ، و انظروا ما آل إليه الطغاة الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ، و اخشوا يوما ً ليس للمجرمين فيه من عاصم :(( إن جهنم كانت مرصادا ، للطاغيين مآبا ، لابثين فيها أحقابا ً )) .
و في الختام : نحن أسر المعتقلين المتبعين لكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ، نطلب من المسؤولين أن يفرجوا عن أعزائنا المعتقلين ، و يكفوا عن هذه الدسائس و الافتراءات . و السلام على من اتبع الهدى .
سنندج _ أسر المسجونين : 7 / 11 / 1402 هـ
107
بيان 5
ايها المسلمون :
إنكم _ من غير شك _ تذكرون جهود الأخ مفتي زادة الدائبة , و دعواته المتكررة لمناظرة المسؤولين عن طريق رسائله و بياناته ، و دعوته إياهم إلى المباهلة ، و كان ذلك آخر خطوة يخطوها مع المراوغين الذين يجحدون الحق مع علمهم به ... و كان الأخ زادة شديد الحرص على حل مشكلة النظام مع أهل السنة ، و من أجل هذا طالبهم أن يكون الدستور مطابقا ً للموازين الشرعية خاليا ً من المظالم المذهبية و القومية و الطبقية ، و كان يسعى أيضا ً إلى تأسيس " مجلس شورى أولي الأمر " .
و تعلمون كذلك المصائب و الابتلاءات التي نالته و من معه ، و لهذا فقد اختار الهجرة من مسقط رأسه ليضع حداً لاتهامات و أكاذيب السلطة و الأحزاب الجاهلية .(2/99)
و لا يظن أنكم نسيتم خطط و مؤامرات جهاز المخابرات السابق _ السافاك _ ضده و ضد أهل السنة و إصرارهم على ظلمهم ، و كلكم تذكرون قضية إلقاء القنبلة على منزله ... و خلاصة القول : فقد كانت حياة الأخ مفتي زادة مليئة بالأحداث حافلة بالمؤامرات ، و من فضل الله عليه و علينا أنه حفظه من كل شر و رزقه جل و علا القدرة على مواصلة الجهاد في سبيل الله ...
و أخبرناكم في بيناتنا السابقة أن رجال السلطة اعتقلوا منذ أسبوعين عشرات من اخواننا في كثير من مدن كردستان ، و أصروا على عدم توجيه تهمة إليهم أو تقديمهم الى المحاكمة , و منعوا
108
أسرهم من زيارتهم و هذا كله يخالف نصوص دستورهم ، و من ذلك النص القائل : " يجب أن تعلن تهمة المتهم قبل مضي أربع و عشرين ساعة ...." .
و فضلا ً عن ذلك فقد قامت السلطة على اعتقال الأخ مفتي زادة ، و اقتادته من منزله في طهران أصيل يوم الاثنين العاشر من شهر ذي القعدة الى جهة مجهولة ، و لم تعلن عن هذا الاعتقال و أسبابه .
أيها الاخوة و الأخوات : حافظوا على الهدوء ، و لا تقدموا على عمل يتعارض مع الغايات الاستراتيجية لحركتنا ، و استعينوا بالله و اصبروا ، و تواصوا به في رد كيد أعداء الدين الظاهرين بكل مظهر . (( و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )) . و نستودعكم الله ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
سنندج _ مكتب قرآن : 11 / 11 / 1402 هـ
بيان 6
(( بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم ، فمن يهدي من أضل الله ، و ما لهم من ناصرين )) (( إن وعد الله حق ، فلا تغرّنكم الحياة الدنيا و لا يغرنكم بالله الغرور )).
109
زار ثلاثة من وزراء الحكومة مدينتنا ، و ظن الناس أن القائمين على الأمور قد تنبهوا لخطأهم في عدم الاهتمام بالأحداث التي تجري في المنطقة ، و تقصيرهم في محاسبة المسؤولين على مواقفهم المؤسفة و اضطهادهم لدعاة الإسلام من أهل السنة .(2/100)
و اغتنم المضطهدون المستضعفون هذه المناسبة فتجمعت أسر المعتقلين و أتباع مكتب القرآن ، و ساروا بهدوء كامل نحو مركز المحافظة ، كي يبينوا للزائرين المظالم التي ترتكب بحق أهل السنة ، فاعترض جند المحافظة هذا الجمع و طلبوا منهم الانصراف ، و اضطر المحافظ الى الالتقاء بممثلي هذه المسيرة عندما رفض الجمع الانصراف و أصروا على مقابلة الوزراء , و يجب الانتباه إلى أن المحافظ هو الذي قابل ممثلي المسيرة و ليس الوزراء ، و هكذا يصبح الخصم هو القاضي .
وواجه المحافظ هذا الجمع من النساء و الرجال باستكبار و ازدراء ، و اعتقل ثلاثة من ممثلي هذه المسيرة ، أما الأخت الرابعة فاكتفى بإهانتها ، مخالفا ً بذلك كل الموازين الشرعية بل و الجاهلية أيضا ً .إن هذه الإجراءات المضادة للإسلام ما هي إلا تكرار لمواقف الطغاة المتجبرين طوال مراحل تاريخ البشرية و لن تزيدنا إلا إيمانا ً بعدالة مطالبنا ، و و إصراراً على وجوب الدفاع عن الإسلام بأقوالنا و أفعالنا ... و لهذا فقد اخترنا يوم الأحد 15 / 12 / 1402 هـ لنجتمع فيه عند مركز المحافظة و نسأل المحافظ _ الذي ينبغي أن يكون خادماً للناس _ عن المعتقلين الذين مضى على اعتقالهم قرابة شهرين ، و نسجل اعتراضنا على موقفه من المسيرة و اعتقاله ممثليها و نطالب بالإفراج عنهم .
و لكن حادث انفجار القنبلة في شارع ناصر خسرو في طهران ليلة 13 / 12 / 1402 ]و ذهب ضحيته عشرات من المسلمين الأبرياء [ جعلنا نؤجل هذه المسيرة على موعد آخر مشاركة
110
منا لشعب الايراني المسلم بهذه المصيبة . و احترازا ً منا من مكر رجال السلطة و غيرهم و تربصهم بنا الدوائر ، و سنواصل طريقنا ، طريق الدعوة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ابتغاء مرضاة الله تعالى . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
سنندج _ مكتب قرآن : 15 / 12 / 1402 هـ
بيان 7
السيد موسوي ممثل قائد الثورة في كردستان !!(2/101)
السيد أصغرنيا محافظ كردستان !! نخاطبكم بصفتكما المسؤولين عن كل ما يحدث في كردستان ونذكر كما بما يلي :
_ اذكروا اليوم الذي قتل فيه قابيل أخاه هابيل ، أي اليوم الذي بدأ فيه البغي والظلم على وجه الأرض ، وكان التعذيب من الوسائل التي استخدمها المجرمون أعداء الله ضد عباده المؤمنين الموحدين : (( لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسكم منا عذاب أليم )) .
_ واذكرو اليوم الذي حفر فيه الظالمون اخدودا ً للمؤمنين ، وأحرقوهم بالنار : (( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) .
_ واذكروا اليوم الذي آمن فيه سحرة فرعون ، أولئك الذين استأجرهم للإفساد والتضليل ، فآمنوا بالله العزيز الحكيم ، وآثروا الآخرة على الدنيا ... فهددهم فرعون قائلاً _ كما أخبرنا جل وعلا _ : (( لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين )) .
111
- واذكروا اليوم الذي شعر فيه أصحاب الكهف بالخوف من الظالمين المعتدين: (( إنهم أن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيديكم في ملتهم ولن تفلحوا إذن أبداً )) .
_ واذكروا اليوم الذي وضع فيه كفار قريش الأحجار الكبيرة على الصدر الطاهر ، صدر بلال رضى الله تعالى عنه حتى لايسمعوا صيحته الداوية : أحد ...أحد .
_ واذكروا اليوم الذي ... واذكروا اليوم ... ومن يمعن النظر في هذه الأحداث المتشابه يعلم أن التعذيب كان سلاح أعداء الله ضد عباده المؤمنين الموحدين ... وهكذا ففي هذه الأيام , وفي ظل حكومة تدعي أنها كحكومة الصدر الأول , ولا يقبل القائمون عليها أن يشبهوا حكومتهم بحكومة الصحابة رضي الله عنهم لأنهم أفضل منهم وأعلى درجة ... في ظل هذه الحكومة يسمع الناس أصوات المعذبين في سجون هؤلاء الطغاة من مسافات بعيدة ، و يسمع أيضا ً صيحات تكبير الأبطال المعتقلين و اختلاطها بكلمات الزبانية المجرمين .(2/102)
أتدرون من هؤلاء السجناء المعذبين : إنهم أعضاء مكتب قرآن المتمسكون بكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم الذين طالما شهد لهم رموز النظام بالصدق و الإخلاص ، و إذا كان هذا هو موقفكم مع الذين تشهدون لهم بالصدق و التقوى ، فكيف يكون موقفكم مع الذين تشهدون لهم بغير ذلك ؟!
_ و لا ندري ماذا سيقول موسوي و أصغر و غيرهما للأم الرؤوم و هي تتسلم ملابس ولدها المؤمن الملطخ بالدم ؟!
_ و لا ندري ماذا سيقولون و قد بلغ التعذيب حدا ً بحيث لا يستطيع حراس الثورة إنكاره ؟
112
_ لا ندري بماذا يبرران مخالفتهما الصريحة للدستور الذي نص في مادته (38) على ما يلي :" لا يجوز التعذيب لأخذ الاعتراف أو كسب المعلومات أو إكراه شخص على الشهادة ، و الإقرار أو الحلف ، و لا يعتد بشهادة أو إقرار أو حلف يحصل عليه بهذه الطريقة ، و المخالف لهذه المادة يعاقب حسب القانون " .
حقا ً إن أمر هؤلاء يدعو الى العجب !!
فهلا تحسون بالمسؤولية ولو لمرة واحدة ... و هلا تحترمون أقوالكم و لو مرة واحدة ... ها نحن نصدر البيان تلو البيان نشكو فيه استكبار المحافظ الذي أقدم على اعتقال ممثلي أسر المعتقلين لأنهم قالوا له أين أرباب أسرنا و لماذا اعتقلتموهم و ماذا فعلوا ؟ . يقول المثل السائر في اللغة الفارسية : إذا أكل الملك من جنة رعيته تفاحة فإن غلمانه يستأصلون الأشجار !!. فهل تظنون أن هذه الحياة ستدوم لكم ... فسيروا في الأرض ثم انظروا عاقبة المكذبين الضالين ... انظروا الى أفعالكم و مواقفكم ثم أخبرونا ما هو الفرق بينكم و بين أعداء الله .
و ختاما ً إذا كنتم تشكون بكلامنا فأعرضوا أمامنا إخواننا المعتقلين ، و اجمعوا الناس ليروا آثار التعذيب على أجسادهم... و إذا رفضتم الاستجابة لطلبنا فاعلموا أنكم تخشون الفضيحة ... و تخافون أن تسود وجوهكم .
و السلام على عباد الله الصالحين .(2/103)
قرآن سنندج : 14 / 1 / 1403هـ
113
بيان 8
أيها المسؤولون :
اعلموا أن مراجعتنا المتتابعة و رسائلنا المتكررة لا تعبر عن خشيتنا من أقدامكم على أمر يضر بنا ، أو طمعنا بمغنم تقدموه لنا ... لا : ليس الأمر كذلك ، فنحن لا نخشى إلا الله سبحانه وتعالى ، و لا نسأل أحدا ً سواه ... و فضلا ً عن هذا و ذاك فرؤوسنا الشامخة لا تنخفض و لا تسجد إلا لله الواحد القهار ، و هذا هو العهد الذي عاهدنا الله عليه ... و هذا هو سر اتباعنا لرسول الله و أصحابه الغر الميامين صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم . قال تعالى : (( و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار ، و الذين اتبعوهم بإحسان ،رضي الله عنهم و رضوا عنه ، و أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ً ، ذلك الفوز العظيم )).
و نشيرفي هذا البيان الى إجراءات ثلاثة اتخذتموها ضدنا :
اعتقال العلامة مفتي زادة قائد أهل السنة في ايران ، و لم تذكروا الأسباب التي دعتكم الى اتخاذ هذا الإجراء ... حدث هذا في وقت أعلنتم فيه أن السيد "شريعتمداري" دعم مؤامرة كانت تهدف الى إسقاط النظام ، و قتل قائد الثورة و مع ذلك لم يعتقل و لم يتخذ ضده أي إجراء صارم ، والأستاذ مفتي زادة لم يكن شريكا ً في أي مؤامرة ، و لا هم بقتل قائد الثورة
114
بل و لم يأذن بإهانته ..فما هي أسباب التفريق بين موقفكم من مفتي زادة و شريعتمداري أليس هذا نابعا ً من موقفكم الخاطئ البغيض من أهل سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فالأول اعتقلتموه وهو بريء لأنه من أهل السنة ، و الآخر لم تتخذوا ضده أي موقف رغم إدانتكم له لأنه شيعي !!
و من الذي اعتقلتموه ؟!
_ أو ليس هو الذي دعا أهل السنة الى الوقوف معكم و تأييد ثورتكم ، و استجاب لندائه هذا أكثر من نصف أهل السنة في ايران ؟!(2/104)
_ أو ليس هو الذي أعلن مرارا ً أنه استعد لمناظرتكم _ عندما تنكرتم لوعودكم و قلبتم له و لغيره من أهل السنة ظهر المجن _ ليثبت أمام الملأ موقفه ، و شرعية المطالب التي ينادي بها ؟!
_ أو ليس هو الذي أعلن استعداده لمباهلتكم ، و كانت هذه آخر وسيلة يواجهكم بها ، و تجاهلتم دعوته لأنكم تخشون سوء العاقبة .
2. اعتقال حاكم الشرع الشعبي لمدينة سنندج ، و كثير من معلمي القرآن و تلاميذهم من أعضاء _ مكتب قرآن _ في جميع أنحاء ايران ، و نعت زبانيتكم أولئك الأعزاء الكرام بأقبح النعوت ، و أفتوا بكفرهم ناهيكم عن مختلف أنواع التعذيب و الاضطهاد التي مارسوها ضدهم داخل السجون ... و مثل هذه المعاملة لا يمكن أن تصدر عن قلب فيه مثقال ذرة من الإيمان ، و مع ذلك يدعون _ أي رجال السلطة _ أنهم مؤمنون مجاهدون ، و يسمون نظامهم : نظام الحكم بما أنزل الله .
3 . لم يأل الزانية و المسؤولون في المنطقة جهدا ً في الإساءة إلى أسر المعتقلين الذين يعانون الويلات من اعتقال فلذات أكبادهم .. و من ذلك إقدام المحافظ بكل بطر و استكبار على اعتقال ثلاثة من ممثلي أسر المعتقلين ، و استخدام حراس الثورة السيارات العسكرية لتشق صفوف
115
ا لمسيرة الصامتة ، و أجروا الماء بغزارة ،و منعوا أسر المعتقلين من زيارتهم ، ولم يكن موقف ممثل قائد الثورة أفضل من موقف غيره .
فبالله عليكم أخبرونا ماذا تريدون و لماذا تستخدمون هذه الأساليب الشائنة ؟! ألا تعلمون أن الحياة الدنيا تعقبها ساعة : (( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها )) و التي يصفها سيدنا علي رضي الله عنه بقوله : " ما أصف من دار أولها عناء و آخرها فناء ، في حلالها حساب ، و في حرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ، و من افتقر فيها حزن ، و من ساعاها فاتته ، و من قعد عنها واتته ، و من أبصر إليها أعمته " . و هل يليق بهذه الدار أن يرتكب لاكتسابها كل تلك المعاصي و المظالم ؟!(2/105)
و تذكروا قوله تعالى : (( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ، حتى اذا جاءتهم الساعة بغتة ، قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها ، و هم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون )) و لكن أنى لهم الذكرى ؟!
و الحمد لله ، و سلام على عباده الذين اصطفى .
سنندج _ مكتب قرآن :13 / 2 /1403هـ
بيان 9
(( و لا يجرمنكم شنآن قوم على أن تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، و اتقوا الله ، إن الله خبير بما تعملون )) .
116
السيد المدعي العام :
إن قاعدة " الضرورات تبيح المحظورا ت " المستقاة من نصوص الكتاب و السنة ، تجيز لنا أن نكتب إليكم لأننا أصبحنا سجناء نظامكم و كانت جريمتنا التي سجنتمونا من أجلها اعتراضنا على بعض مواد بعض مواد دستوركم التي خيبت الآمال ، و كرست الطائفية ،و أحدثت شرخا ً واسعا ً بين أبناء الأمة الواحدة .
و في اعتراضنا على دستوركم ما كنا نريد منكم مغنما ً و لا جاهاً ، و لا أردنا الإساءة الى الثورة ، و إنما قمنا بما قمنا به التزاما ً منا بسنة رسول لله صلى الله عليه و سلم المطهرة ، و أنتم لا تجهلون بريق سجل مواقفنا ، و لا تستطيعون إنكار نضالنا ، ضد النظام الطاغوتي السابق ، (( و كفى بالله شهيدا ً)) ,ولا تستطيعون تجاهل موقفنا الصامد من الأعداء الذين سعوا إلى نشر الفتنة , وإشاعة الشبهات , وكان رد المسؤولين _كما تعلم _ الاتهام و الإهانة و الفصل من الدوائر و المؤسسات الحكومية ، والنفي و السجن .
لنذكر لك قصة وقعت زمن الخلافة الراشدة ، و إياك أن تظن أننا نعتبر نظامكم إسلامياً ، و أننا نتوقع منكم أن تفعلوا أفعالاً مشابهة لأفعال الخلفاء الراشدين .. إن مثل هذا الاعتبار ظلم و كبيرة من الكبائر ، و لكن نريد من وراء ذكر هذه القصة بيان بعدكم عن الحق...(2/106)
و من يبتغي مرضاة الله سبحانه و تعالى يجب أن لا تأخذه العزة بالإثم ، و يصر على الباطل إذا دعي الى خير . و هاك القصة :
خطب أمير المؤمنين الطاهر العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال :
" لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية من فضة ، فمن زاد أوقية جعلت ا لزيادة في بيت المال " . فقالت امرأة : ما ذاك لك . قال : لم ؟ فقالت : لأن الله تعالى يقول : (( و آتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً )) فقال عمر : أصابت امرأة و أخطأ عمر .
117
و ماذا قلنا نحن أو عملنا يا ترى حتى قمتم باعتقالنا و تركتمونا نقضي أعمارنا في زوايا سجونكم ؟!
و كيف تعاقبون من يعترض على دستور يدعو الى تفرق الأمة ، و لا تعاقبوا الذين وضعوا هذا الدستور ؟! حقاً إننا لا نعلم ما هي الموازين التي تزنون بها أفكاركم و أعمالكم ؟!.. أهي موازين الكتاب و السنة .. أم نهج البلاغة ... أم الدستور ... أم أقوال قائد الثورة .. أم أهواءكم و رغباتكم ؟!!
إننا مستعدون أن نثبت من المصادر المتفق عليها عند المسلمين أن موقفكم منا _نحن أهل السنة _ لا يتفق مع الكتاب و السنة ، بل إن بعض إجراءاتكم تخالف موازين المذهب الجعفري ، و من ذلك أن أحد المحققين مع أحد الأخوة السجناء فسر شدته بأنه يطبق معه معاني قوله تعالى : (( أشداء على الكفار رحماء بينهم )) ، و زعم هذا المحقق بوضوح بأننا _ أهل السنة _ كفار ، و هو و أمثاله من الذين ينطبق عليهم قوله تعالى : (( محمد رسول الله والذين آمنوا معه )) . و يا ليت الذي يسمينا كفارا ًعنده أدنى علم بحقيقة الإسلام و الكفر ، و ليس ببغاء يرد ما يقال له ... و هذا هو موقف الذين يدعون بأنهم يحكمون بما أنزل .
يقولون : إن مفتي زادة أهان كبار المسؤولين . و الجواب :(2/107)
أولاً:إن الأخ مفتي زادة أعلن طوال سنتين من خلال رسائله و مقالاته استعداده لمناظرة المسؤولين و إقامة الحجة عليهم أمام الناس ... ثم دعاهم أخيرا ً الى المباهلة و هو الذي رزقه الله ابنا ً واحدا ً ، و كان الجواب : التشهير و السجن .
118
و ثانيا ً : و اذا كانت جريمة زادة إهانته للمسؤولين _كما تدعون _ , فأنتم توجهون إليه وإلى من حوله إهانات جائرة ظالمة , وتستخدمون أجهزة إعلامكم وهو الذي لا يملك أجهزة إعلام أما يكفيكم ذلك خلال سنتين , وأنتم تقرأون في كتاب الله ((وجزاء سيئة مثلها )) .
وإذن : لماذا السجن طالما أنكم تردون على ما تزعمون بأنها إساءة بعشرات أمثالها ؟!
السيد المدعي العام :هب أنك ستكون يوم القيامة مدعياً أجبنا :
_ بماذا سوف تدعي على الذين رموا رجال الطبقة الأولى من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و على آله و صحبه و سلم بالردة و الكذب و النفاق ...
_ بماذا سوف تدعي على الذين يلعنون شيوخ السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار الذين رضي الله عنهم و أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ؟!
_ بماذا سوف تدعي على الذين رموا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالإفك الذي ردده المنافقون في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و هي زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم نابذين وراء ظهورهم الآيات التي أنزلها الله تعالى _ سورة النور _ في براءتها ؟!
السيد المدعي العام :
إذا كان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر جريمة فإننا مجرمون ، ومستعدون لقبول أي عقاب يرضي الله جلا و علا ... و إن لم يكن الأمر بالمعروف جريمة فلماذا تصرون على اعتقالنا الذي جرى في 28 / 10 / 1402 هـ ، و لماذا سلبتم حريتنا و اضطهدتم أسرنا ؟!.
119(2/108)
و نختم هذه الرسالة بنصحكم و تذكيركم بتقوى الله سبحانه و تعالى ، و ما أحوجنا جميعاً الى محاسبة أنفسنا قبل أن يحاسبنا رب العزة ، و ليسأل كل منا نفسه من أي الفريقين سيكون : أمن ذوي الوجوه الضاحكة المستبشرة الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم ، أم من ذوي الوجوه الباسرة التي تظن أن يفعل بها فاقرة .
قال تعالى :(( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه و يقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها )).
أيها السيد المدعي العام : و الله إن الغلبة و السلطان الدنيوي إن لم يكن في خدمة الحكم بما أنزل الله فسيكون و بالاً على أصحابه .
أيها السيد المدعي العام :!: (( كل نفس ذائقة الموت )) و (( ما يدريك لعل الساعة تكون قريباً )) .
و السلام علينا و على عباد الله الصالحين .
توقيعات أربعة عشر مسلماً من المعتقلين في بند دال محكمة الثورة .
121
تعليقات
على الرسالتين السابقتين(2/109)
كان الأستاذ أحمد مفتي زادة في بداية حياته عضواً في حزب كردستان الديمقراطي ، و مكث في السجن عدة أشهر بسب نشاطه السياسي ، و بعد خروجه من السجن أصبح مقتنعاً أنه لا بد من إحياء الدين الحق ... الدين الذي جاء به القرآن الكريم ... كان يرى أن الدين كما ابتدأ بالقرآن يجب أن يعود بالقرآن ، و ليس بالمذاهب و آراء العلماء ، و كان يسمي المرحلة الأولى من حياته مرحلة المراهقة ،و يقول عن المرحلة التي تلتها : و بهذا الاعتقاد تقريباً بدأت اجتهادي ، و عملت في هذا المجال مع قلة الوعي و بطريقة انفعالية ... و قام الأستاذ بتأسيس " مكتب قرآن " و يسمي هذه المرحلة مرحلة النضوج ، و توسع نشاطه في منطقة كردستان و كثر أتباعه ، و كان هذا النوع من النشاط جديداً على كردستان ، لأن شبابها موزعون بين الأحزاب الشيوعية و العلمانية القوية و بين الشيوخ التقليدين و الصوفيين ، و أتباع هؤلاء قليلون جداً ، أما جمهور الشباب فقد انتزعهم الأحزاب الكافرة ، و إذن فغير مستغرب أن يكون أتباع " مكتب قرآن "
122
محارَبين من هؤلاء و أولئك ، و الكل يتربص بهم الدوائر ... و كان زادة مهتماً بتعليم أتباعه و تربيتهم مستبعداً أن تقع مواجهات بينه وبين السلطة في مثل هذه المرحلة .(2/110)
و طرأت أحداث في ايران جعلته يعيد النظر في مخططاته ، فمعارضة أتباع الخميني للشاه قويت و استقطبت الشارع الشيعي ، فقرر هو و أتباعه تأييد ثورة الخميني لأنها إسلامية ، و لا ينبغي له أن يعارضها أو أن يقف منها موقف الحياد ، و توثقت علاقاته بقادة هذه الثورة عندما اجتمع بستة من رجال الدين الشيعة قدموا الى مدينة" سنندج " لزيارة السيد " جواد حجتي كرماني " الذي كان الشاه قد نفاه الى سنندج ، و تحدثت معهم عن الأوضاع في ايران ، و تابعوا طريقهم لزيارة الخميني في النجف متظاهرين بأنهم ذاهبون لزيارة عتباتهم في العراق ، و سلمهم زادة رسالة للخميني ينصحه بما يجب فعله لإسقاط الشاه و إقامة حكومة إسلامية بقيادة الخميني .
واهتم أحمد مفتي زاده بإقناع أهل كردستان في وجوب تأييد هذه الثورة , ونجح في هذه المهمة , واستطاع _ على حد قولة _ أن يطفيء نيران الحروب المذهبية في كردستان وغيرها .
ويتحدث عن أفكاره فيقول :
بين الدين والمذهب فروق كثيرة , فالدين وهو المنهج الذي جاء به القرآن مع بعض تنبيهات (1) رسول الله صلى الله عليه و سلم كالبحر، و على العلماء المسلمين في كل عصر أن يستخرجوا منه درر أحكام قضايا ذلك العصربالتشاورفيما بينهم وأما المذاهب فهي بمنزلة الجداول و القنوات, والمذهب كهذه الحبة أو تلك الإبرة .
123
ومن المدهش أن المذهبية عند زاده ليست أحد المذاهب الأربعة المعروفة عند أهل السنة . انظر إلى قوله :
__________
(1) لماذا مع بعض تنبيهات رسول الله (ص) و لماذا سماها تنبيهات ، و ماذا نفعل ببضعها الآخر إذا كان صحيحاً وورد منه (ص) بصيغة الأمر . و الخلاصة : إن في أقوال زادة أخطاء كثيرة ما كان ينبغي لمثله أن يقع فيها !!(2/111)
" وإنما أشرت هذه الإشارة السريعة كي نتنبه إلى المذاهب سواء المذهب الشيعي والسني وغيرهما من المذاهب الإسلامية لا تملك صلاحية البقاء كائنة ما كانت في الرقي , وفي النقاء من أنواع الصبغات الأموية في السنن , والصبغات الصوفية في التشيع ... ويقول في الهامش : قد بينت هذه المسألة في كتيب باسم "الدين والمذهب" ؛ وأكتفي هنا بهذه الإشارة السريعة , إبقاء على تماسك أجزاء الحديث "
وقال ما خلاصته : واجتهدت كثيرا ً في تهيئة المجال لاستنكار نفسية العصبية المذهبية بأصولها الخاصة في إيران , وموقفي هذا ليس قاصرا ً على مواجهة التشيع وإنما واجهت التسنن الذي هو سائد في كردستان .
وفي البيانات التي كان يصدرها أمثلة كثيرة على ذلك . جاء في البيان رقم ] 33 [ :
وكان هذا الشعب المسلم قد بلغ من البعد عن سبيل الله بحيث لو سئل عن هويته لأجاب بالتسنن أو التشيع , وقلما كان من يجيب بالإسلام ! وكانت كلمة المذهب التي لم يعرفنا بها كتاب الله ولا مرة واحدة قد حلت محل مصطلح الدين العظيم الرباني ... وكان يجري دائما ً بدل لفظ الإسلام المشقة لفظتا " التشيع و التسنن " ثم يسترسل في البيان بمثل هذا الكلام .
وفي البيان ]45[ يعود فيحذ ر الناس من المذهبية _ أي التسنن والتشيع _ وهي دعوة إلى الفرقة يحاول النظام الشاهنشاهي إثارتها بيننا .
124
وفي البيان ]59 [ يهاجم الأمويين الذين بنوا القصور في بلاد الشام , ويشيد بالأمة التي تتخذ من جمال الدين الأفغاني وسيد قطب والطالقاني وعلى شريعتي (1) نماذج تقتدي بها , وينادي بتأييد الحركة التي يقودها المجاهد العظيم الشأن الإمام الخميني , ويحذر من التشيع و التسنن .
__________
(1) وضع سيد قطب رحمه الله ين الماسوني الرافضي جمال الدين الأفغاني وبين أكبر أقطاب الرافضة : الطالقاني وعلى شريعتي .(2/112)
ويرى أن السلاطين العباسيين هم الذين اصطنعوا المذاهب , وهم الذين روجوا أسطورة " إغلاق باب الاجتهاد " .. ثم يهاجم العباسيين والأمويين في مواضع كثيرة من بياناته ورسائله , وكان يعلم أنصاره أن يهتفوا في مظاهراتهم : " نه شيعي نه سني , رهبر فقط خميني " أي : لا تشيع ولا تشنن , ولا قائد إلا الخميني ... وكانوا يهتفون أيضا ً : " لا سنية لا شيعية إسلامية إسلامية " و " خميني كاك أحمد صلي على محمد " , وأحمد هو زاده , وهذا الهتاف كان في كردستان , و " كاك " يعني في اللغة الكردية أخ .
وفي أكثر من موضع هاجم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان . جاء في البيان رقم ]35[ :
" فآباء جهل واليزيديون يسعون دائما ً لصد الناس عن دين الله " , وفي البيان نفسه يمتدح " صفدري " و " روحاني " من آيات الشيعة لأنهم بعيدون عن اليزيدية , والمشكلة هنا أنه قرن يزيد رحمه الله بأبي جهل , وفضل صفدري على يزيد , وتراه في الجزء الثاني من كتابه " قضايا أهل السنة " يتحدث عن سوء نوايا صفدري التي اكتشفها بعد نجاح الثورة .
وكان الرافضة في تلك المرحلة ينشرون بيانات زاده لأنه من علماء السنة , ويهمهم إقناع الناس بأن السنة معهم , جاء في كتاب أهل السنة _
125(2/113)
الجزء الأول _ أن ما يسمى بآية الله عبد الله الشيرازي أمر ابنه أحمد أن يتصل بالأستاذ أحمد زاده ويقول له : قد سمعت أن أزهادي قد أصيب من شدة الغيظ الذي اعتراه بعد قراءة بيانك الأول بشلل , فأرجو أن تصدر في أسرع وقت البيان الثاني , كي يموت وننجو منه (1) ... وأن خامنئي إمام جمعه طهران الحالي (2) _ ورئيس الجمهورية فيما بعد _ قام بنفسه بتصوير هذه البيانات و نشرها في طهران ، و هذا محمد بن منتظري يعترف بأن هذه البيانات و أمثالها كانت تترجم بلغات مختلفة و تنشر على مستوى أوروبا ، كما كان طلبة حوزة قم العملية يقومون بنشرها على مستوى ايران ليعلم الجميع دور السنة في تأييد هذه الثورة .
و من خلال تتبعي لبيانات و رسائل الأستاذ زادة أدركت أنه لم يكن مطلعاً على عقائد الشيعة و تاريخهم و مخططاتهم ، و الأساليب التي يتعاملون بها غيرهم ، و رغم ذلك فالمعلومات توفرت عنده على أن الخميني رافضي جلد .
انظر قوله :
و من أجل توحيد الصف بين السنة و الشيعة كنا نراقب بيانات الإمام التي تصلنا قبل انتصار الثورة و نحذف منها ما يشم منه رائحة التفرق ، و كل ما فيه صبغة مذهبية . و يدافع زادة عن صنيعه فيقول : حقاً كنا نراقب بيانات الإمام و الرقابة ليست سلبية دائماً وهذا على عكس مراقبة المستبدين . و ذكر _ أي _ زادة _ أن أحد علماء الشيعة _ لم يذكر اسمه _ نشر بياناً جاء فيه : يجب أن يكون رئيس الجمهورية شيعياً ، و مسؤول المقام الفلاني شيعياً ... و خشينا أن يستغل السافاك مثل هذا البيان فأصدرنا بياناً قلنا فيه : إن كاتب هذا البيان ليس قائد الثورة فليكتب ما يشاء ، و يضيف _ أي زادة _ إن كاتب البيان شجاعاً مناضلاً ثورياً جدا ً و لا يزال على قيد الحياة .
126
و قال أتباع زادة :
__________
(1) هذا من أساليب الآيات ومبالغاتهم .
(2) الحالى أى فى الوقت الذى صدر فيه كتاب " قضايا أهل السنة " .(2/114)
كان دعاة الفرق المعادية للإسلام يصورون في الأيام التي سبقت انتصار الثورة مواضع من كتاب الخميني : توضيح المسائل ، وكشف الأسرار ، و فيها إهانة للخلفاء الراشدين و لأهل السنة و يوزعونها بين الناس ، و يلصقونها على الجدران ... و كان الناس يقولون أتباعاً للشيخ مفتي زادة : هذه الأمور صدرت عن السيد الخميني فيما مضى ، و لا بد أن عهد الثورة قد غيّر فكره و مشاعره تجاه المسلمين أهل السنة .
و قال أيضاً طلاب زادة :
و في عام الثورة كان يصدر أحياناً حتى أن من الإمام نفسه بيانات فيها انحياز الى التشيع ، و كان يستغلها أعداء الثورة في كردستان و سائر مناطق أهل السنة لضرب وحدة الشعب التي ما كان لها نظير في عصور التفرق ، و في كل مرة كان الشيخ يهب لمحو آثار التفرقة فيلقي خطاباً أو يرسل رسالة أو يصدر بياناً .
و اذا كان الأخوة يجهلون شخصية الخميني و أفكاره و موقفه قبل انتصار الثورة فلقد أصبحت الأمور مكشوفة بعد أن أصبح شاهاً جديداً لإيران ، فعندما قال له مفتي زادة : أيها السيد الخميني أنت وعدتني بالجمهورية إسلامية و ها هي جمهورية شيعية صفوية ، و كنت تقول بأنك لا تفرق بين شيعة و سنة و لهذا فأنا مخالف لك في ميدان السياسة و التبليغ و لكن لا أشهر السلاح في وجهك .
فأجابه الخميني : بأن الجبال التي ذهب إليها غيرك موجودة و اعتذر عن استمرار الجلسة ... و يقول ناصر الدين الهاشمي : و العجب أنه لما دخل لم يصافح أحداً بل جلس فوراً ، و ربما كان الناس يظننا من الأنجاس ، و كذلك يظهر من كتبه ، و ليس هذاللمبالغة .
127
و مما يلفت النظر أن الخميني لم يقل لزادة و أنا الآن لا أفرق بين شيعي و سني ، و لم يلجأ الى التقية و إنما أجابه بكل صلف و عنجهية : إن الجبال التي ذهب إليها غيرك موجودة ، و الجبال هنا تعني القتال ، و زادة قال له : لن أشهر السلاح في وجهك ، و هذا يجيب أتحداك ، أشهر السلاح و سوف ترى ما لا يسرك .(2/115)
رغم ذلك كله فقد بقي مفتي زادة يثني على الخميني ، و يشيد بتقواه وزهده و ورعه ، و يلتمس الأعذار له كقوله : إن من حوله يحجبون عنه المظالم لذلك فهو لا يعرف الانحرافات و فساد الآيات .
و لا أعتقد أن أحداً يوافق مفتي زادة في رأيه ، فالخميني قوي الشخصية ، يعرف من حوله أكثر من معرفة زادة لهم ، و رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يرد له أمراً .
يقول الأخ الذي ترجم نشرات و رسائل زادة الى العربية ، و هو الذي يعرف زادة جيداً :
" نعم إنه _ أي مفتي زادة _ لم يزل يحسن الظن بالخميني ، و يرى أنه لا يعرف ما يجري ، و ظل كذلك الى أن دخل السجن ، و لا ندري هل تبين له _ و خاصة بعد اعتراف الخميني بأنه مسؤول عما قد جرى و يجري _ أنه ليس عنده شيء يسمى إخلاصاً أو صدقاً "
و بعد : هذه هي أفكار الأستاذ مفتي زادة و تصوراته منذ بداية الثورة ، و لم أتحدث عن علاقته بالثورة بعد انتصارها لأنه تحدث عنها في رسالته التي وردت في هذا الكتاب ، و تحدث عنها طلابه في رسائلهم التي أرسلوها من السجن أو كتبها أهلهم و هم في السجن ... و لا ينبغي لنا أن
128
نتجاوز هذه التصورات و المواقف دون أن نبين موقفنا منها :
1 _ تطوع أستاذ مفتي زادة فأيد ثورة الخميني ، و تطوع في دعوة الناس الى تأيدهم ، و في إصدار البيانات و الرسائل المناهضة لنظام الشاه .... واستفاد الرافضة كما أشرت سابقاً من هذا الموقف ، و هم الذين يعرفون كيف يتعاملون مع الناس ، و كيف يستفيدون من كل عمل يخدمهم .
و إذن لم يكن مفتي زادة من الذين صنعوا الثورة الرافضة ، و لم يكن أحد قادتها ، بل و لم يكن قائداً لمنطقة من المناطق فيها ، و لن يسمحوا له و لا لغيره من أهل السنة بذلك .(2/116)
و بعد نجاح الثورة كذلك فأمر جماعته بحراسة الأمن في المنطقة ، فأوقعت الأحزاب بهم مذبحة عظيمة ، و رفضت حكومة الآيات منحهم أسلحة ليدافعوا عن أنفسهم ، و قال زادة فيما بعد : كان النظام حريصاً على وقوع هذه المذبحة ... و رفض نظام الآيات إعطاء جماعة زادة رواتب ، و أوكلوا لجماعته الإشراف على برنامج في الإذاعة خاص بأهل السنة ،ثم إستبدلوا بهم الذين ينافقون للرافضة و يشوهون صورة أهل السنة في أذهان الناس .
2 _ ما كان موقف مفتي زادة و جماعته في تأييدهم لثورة الخميني ليختلف عن موقف كثير من جماعات أهل السنة الذين تحدثت عنهم في الجزء الأول من هذه السلسلة .
و خلاصة هذا الموقف : الرافضة أفضل من الشاه و ينادون بالإسلام إذن يجب أن نأيدهم و نصفق لهم ، و إذا جاز لدعاة لم يخالطوا الرافضة أن يقفوا مثل هذا الموقف فلا يجوز لجماعة تعيش في ايران ، و تعرف تاريخ هذا البلد أن تقف هذا الموقف ... ، و صحيح أن الأستاذ زادة لم يكن عنده
129
اطلاع على عقائد الشيعة ، و لكن جاءه من يقدم هذه المعلومات فلماذا كان يحذف من بيانات هذا المجرم ما يؤكد شيعية ثورته ، و لماذا كان يقول : إن هجوم الخميني على الصحابة كان قديماً و قد تراجع عنه .
إن أبسط الأمور كانت تتطلب أن يقول زادة للآيات :
فليصدر خمينيكم بياناً يؤكد فيه أن موقفه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم قد تغير ، و أنه لا يكفرهم و لا يفسقهم ... و لا يقول منكراً في الشيخين و ذي النورين و عائشة رضي الله عنهم أجمعين .
3 _ لا أدري كيف التبست الأمور عليه و ظن أن أهل السنة مذهب من المذاهب و فرقة من الفرق ، و هم كالتشيع ، و أن الإصلاح الذي يدعو إليه يجب أن يكون نقياً من التشيع أو التسنن .(2/117)
و الأدهى من هذا و ذاك اعتقاده انه ليس في الإسلام دليل يعتد به يدعو الى التمسك بالسنة . فالله جل و علا أمرنا بطاعة رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال جل قائل (( و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )) ] النساء / 64 [ . و قال : (( و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا و اتقوا الله إن الله شديد العقاب )) ] الحشر / 7 [ .
و قال صلى الله عليه و سلم : " عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين" ]رواه أحمد : 4 / 126 ، و أبو داو ود : 4583 ، و الترمذي وقال : حيث حسن صحيح [ . و قال صلى الله عليه و سلم : " من رغب عن سنتي فليس مني ".و هو جز من حديث رواه البخاري ، باب الترغيب في النكاح .
130
فأهل السنة يتمسكون بما كان عليه الرسول و أصحابه صلى الله عليه و سلم و على آله و صحبه و سلم ، و ما كان عليه الرسول و أصحابه صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم لا يتغير و لا يتبدل لأنه الدين الحق الذي تكفل الله بحفظه ، وهو الأساس الذي يلتقي عليه المسلمون ... و أهل السنة يحبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و يحبون أهل بيته ، أما الشيعة فيكرهون الصحابة رضوان الله عليهم و يكفرون بعضهم ، و يزعمون أن في القرآن زيادة و نقصان ، و لا أريد الاسترسال في بيان انحرافاتهم و ضلالاتهم لأنني قد تحدثت عنها في الجزء الأول من هذه السلسلة .
فمن الظلم المساواة بين السنة والشيعة ، و من أراد الخير للإسلام و المسلمين فعليه أن يطالب الشيعة بالكف عن شتم الصحابة و تكفيرهم ، و التمسك بما كان عليه الرسول و أصحابه صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم ، و لا ينبغي أن نطالب أهل السنة بالعودة عن أصولهم و منهجهم لأن هذا معناه أننا نطالبهم بالانسلاخ عن دينهم.(2/118)
لقد انتبه الأستاذ زادة _ فرّج الله كربه _ الى خطأه بعد أن تكشف له نوايا قادة الثورة ، و سارع الى تأسيس مجلس شورى أهل السنة و هذا يعني أنه راح يرفع شعار أهل السنة و قد كان يرى أنه شعار طائفي ، و كثر الحديث عن السنة في بيانات أعضاء مكتب قرآن .
و من المؤسف أن عودة زادة و أنصاره الى الحق جاء بعد ضياع استغله شيعة الخميني أبشع استغلال و استخدموه في زعزعة ضعف أهل السنة ، و لو دعا الأخوة _ أعضاء مكتب قرآن _ الى الله على بصيرة و فهم دقيق لأصول أهل السنة لما استطاع ثوار الخميني فتح ثغرات كثيرة بين عمموم أهل السنة في ايران .
4 _ لا نوافق الأستاذ زادة في موقفه من بني أمية و لا في تشبيهه إياهم بالصفويين .... و لا نقول أين الثرى من الثريا و لكننا نقول : أين الأوحال و المستنقعات من الثريا ؟!
131
_ فلقد كان من بني أمية أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، كعمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان و غيرهما رضي الله عنهم .
_ و لقد كان من بينهم المجدد عمر بن عبد العزيز ، الذي لا ينكر فضله و تقواه و زهده منصف ، و لهذا فقد اعتبره بعض المؤرخين خامس الخلفاء الراشدين .
_ و كان من بينهم عبد الملك بن مروان و أبناؤه الذين نشروا الإسلام في الخافقين ، و أسسوا جيشاً إسلامياً لم يكن له مثيل .
_ و من آثار هذا العهد ظهور قواد عظام : أمثال محمد بن قاسم الثقفي ، و طارق بن زياد و غيرهما من عظماء القادة العسكريين الذين تعتز بهم امتنا الاسلامية ، فكيف قبل الأستاذ زادة على نفسه أن يساوي ما بين الأمويين و الصفويين ؟!
5 _ و لا نوافق الأخ زادة فيما قاله في لبيان رقم ( 35 ) و خلاصته :
"فآباء جهل واليزيديون يسعون دائماً لصد الناس عن دين الله ... " .(2/119)
فأبو جهل علم من أعلام الكفر ، و يزيد بن معاوية مسلم لم يأمر بقتل الحسين رضي الله عنه ، و نحن لا نقول إنه كان من أصلح و أتقى أهل عصره ، و لكننا نقول ما نسبه الشيعة إليه كذب و محض افتراء ، و لا ينبغي المساواة بين أبي جهل و يزيد ، و ليس هناك أحد من المسلمين ينتسب الى يزيد بن معاوية ... وهنا قد يقول قائل : إن اليزيديين لا تعني الانتساب الى يزيد بن معاوية ... و الجواب على ذلك : إنه يقصد يزيد بن معاوية . فلقد جاء في بيان زادة رقم ( 40 ) :
" أيها الأخوة ! اليوم ، و صيحة التوحيد تمزق قلوب الطواغيت و الطاغوتيين يليق بكم _ و أنتم تلقبون بالحسنيين _ أن تغيروا على يزيد و اليزيديين المفرقين الناحتين الأصنام " .
132
و إذا أضفنا لهذا مشاركة زادة و إخوانهم للشيعة في مراسم التعزية بقتل الحسين رضي الله عنه في شهر محرم نعلم كيف استدرجوا لمواقف لا ينبغي لهم الاعتقاد بها ، و لو كان ذلك من باب المجاملة .
6 _ أسهب الأستاذ في رسالته التي أرسلها الى رئيس الجمهورية _ آنذاك _ بني صدر في الحديث عن الإصلاحات التي يطالب بها ، و كانت كثير من الفقرات شكلية بل وردت عبارات ما ينبغي أن تصدر عنه كوصفة للقرآن بأنه ثوري ، و ذلك لأن هذه الكلمة لم يستعملها علماء هذه الأمة من قبل ، و فضلاً عن ذلك فالشيوعيون هم الذين يكثرون من تردادها ، و رددها وراءهم الاشتراكيون و الفوضويون .
والأستاذ بالتأكيد ليس متأثراً بهذه الأصناف ، و هي منه اجتهاد خاطئ . _ 7 _ طالب زادة و إخوانه المسلمين فى خارج ايران بالقيام بواجبهم نحو اخوانهم أهل السنة في ايران ، و أن لا ينخدعوا بأقوال الآيات و أكاذبيهم .(2/120)
و ذكر " ناصر الدين هاشمي " شيئاً من معاناة أهل السنة في ايران ، و عتبهم على علماء و دعاة أهل السنة الذين يزورون إيران فقال : اذا نجحنا في الاتصال بهم نجدهم فرحين لأنهم لا يرون الخمر و لا السفور في شوارع ايران ، و يتهموننا بالتعصب عندما نحدثهم عن مشكلاتنا أو يخبرون السلطة عنا فيُزجُ بنا في السجن ، و نتعرض للتعذيب و الإذلال . و أشار الهاشمي الى لقاء لهم بالشيخ سعيد شعبان ، و عندما أقنعوه بزيارة المناطق السنية حالت السلطة بينه و بين هذه الزيارة ... و نعت الهاشمي شعبان بالإخلاص تارة ، تارة أخرى بالفضل ، و مما قاله : " ... لأن الدولة عرفت أنه لو زار هذه المناطق و أهلها سيثبت له كذب كل ما قالته الدولة الإيرانية ، و لأنه رجل مخلص لذا سيتغير موقفه " (1) .
133
و المشكلة هنا أن اخواننا أهل السنة في ايران كانوا يجهلون أحوال الشيعة في بلدهم ، كما كانوا يجهلون أحوال العلماء و الدعاة خارج ايران .
والهاشمي عندما يشهد لسعيد شعبان بالفضل و الإخلاص ، و تنتشر مثل هذه الشهادة عنه في أوساط أهل السنة ، و يستغل آيات قم و طهران هذه المسألة فسوف يسارعون الى تنظيم زيارات للمنافق الكبير سعيد شعبان ، و سيقف خطيباً في مدن أهل السنة و يطنب في الثناء على الخميني و ثواره ... و ستحدث هذه الزيارة بلبلة في أوساط أهل السنة ، و سوف يتشيع بعضهم و يقولون للهاشمي و غيره : هذا عالم كبير من علماء أهل السنة و قد قلتم في وصفه : إنه فاضل و مخلص . و هذا الذي نقوله يا اخواننا أهل السنة في ايران ليس رجماً بالغيب ، و إليكم ما نشرته كيهان في عددها الصادر 8 / 7 / 1979 :
__________
(1) - رسالة صغيرة كتبها الهاشمي و عنوانها " موقف أهل السنة فى إيران " و الهاشمي من كردستان الإيرانية .(2/121)
" أشاد الشيخ سعيد شعبان أمير حركة التوحيد الإسلامي في لبنان المجود حالياً في الجمهورية الإسلامية بدور الإمام الخميني قدس سره في إحياء الإسلام الأصيل مؤكداً أن نهضته هزت أركان الظلم و الفساد في المنطقة .
و أضاف في كلمة ألقاها في صلاة الجمعة بمدينة أرومية شمال غرب ايران بأن الشعوب الإسلامية في العالم أدركت ببركة جهاد الأمام الخميني قوة و عظمة الإسلام .
و تحدث فضيلة الشيخ سعيد شعبان أمير حركة التوحيد الإسلامي في لبنان خلال زيارته لمحافظة أذربيجان الغربية ، تحدث قبل ظهر أمس الى جمع حاشد من الاخوة السنة في مسجد الإمام الشافعي بمدينة أرومية .
و أكد فضيلته في جانب من حديثه حول الأمة الواحدة : إن الفكر و العقيدة الإسلامية قائمة على أساس التوحيد ، و متى ما كانت الأخوة الإسلامية و الوحدة الإسلامية تحكم في مكان ما فإن الإسلام هناك كانوا منتصرين .
134
و أشار فضيلته الى رحيل قائد الثورة الإسلامية العظيم سماحة الشيخ الإمام الخميني قدس سره الشريف ثم طالب الأخوة السنة بأن يجعلوا الأحكام الإسلامية أساس أعمالهم دائماً ، أعاد الى لأذهان أن سماحة الإمام الراحل " طاب ثراه " إنما استطاع أن يعيد للإسلام حياته من جديد عبر الجهاد و الكفاح المستمر الذي مارسه من أجل هذا الهدف .
و كان فضيلة الشيخ شعبان أمير حركة التوحيد الإسلامي بلبنان الذي يزور الجمهورية الإسلامية على رأس وفد من علماء فلسطين و لبنان قد زار عدة مدن حدودية و أخرى تقع في جنوب محافظة أذربيجان "
و مضى يقول في هذيانه الذي نشرته كيهان في العدد الآنف الذكر : "و كما دخل المسلمون الى مكة منتصرين بعد صلح الحديبية فإن الإسلام الأصيل الذي أحياه الأمام الخميني سيدخل مكة ظافراً ".(2/122)
ليس لقوله هذا إلا تفسير واحد : الإسلام الصحيح الأصيل هو الذي جاء به الخميني و شيعته ، و ما عداه فإسلام مشوه ، و حال أهل مكة الآن كحال أهل الجاهلية ... ويله من مشهد عظيم ، و يكفيه قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت " ] رواه البخاري في صحيحه [ .
يا اخواننا : استفيدوا من الخطأ الذي وقعتم به عندما أيدتم ثورة الخميني و نعتموهم بما لا يستحقون ، فلا تنعتوا غيره بما لا يستحق ، و لا تتسرعوا في الثناء على من لا تعرفون من الخلق .
135
عندما بدأ المدعو سعيد شعبان نشاطه المشبوه في طرابلس الشام ، اجتمع بنفر من الدعاة بعد عودته من زيارته الى طهران و قال لهم : لقد تعهد الإمام الخميني بتقديم كل ما نحتاجه من أموال ، و أنت يا فلان اترك عملك و سندفع لك أي راتب تطلبه ، فتخلى عنه معظمهم منذ بداية الطريق و أيقنوا أن الرجل باع دينه بدنياه ... و هؤلاء أحياء يرزقون ، و يقومون بواجب الدعوة الى الله بعد أن اضطروا الى ترك مدينتهم في ظل تحالف أهل المدينة السابق _ شعبان _ مع ايران و حلفائها من الناصريين .
و إذا كان قد بقي من يشكك في تصريح شعبان الذي نشرته كيهان ، فليتابع ما تنشره صحف و أجهزة إعلام نظام الآيات منذ حوالي عشر سنين ، و ليتصل بالذين يعرفون هذا الضال المضل أو ليجتمع به إن شاء ، و سيسمعون منه أخطر مما نقلناه عنه .
8 _ في رسالة نشرها أبناء المعتقلين و زوجاتهم مؤرخة في : 7 / 11 / 1402 هـ ، وقد جاء فيها :
" أين أنتم يوم يعلم المسلمون الشيعة الذين يتبعونكم في العالم بقضائكم ، و مكائدكم ، فيتبرءون منكم ، و يضعون حداً لجرائمكم " .(2/123)
و مما يجدر ذكره أنهم يقصدون في قولهم ( أين أنتم ) نظام الآيات ، و أن هذه جاءت بعد وقوع المحنة ، و هذا يعني أن اخواننا ما زالوا لا يعرفون العقلية التي يفكر بها الرافضة ، و يتصورون من سذاجتهم أن الذي يفعله حكام ايران بأهل السنة لن يلقى قبولاً و لا استحسانا ًعند الشيعة في العالم .
يا اخواننا : آن لكم أن تفهموا أننا كفار في موازيين و مقاييس آيات و مراجع الشيعة سواء كان هؤلاء من أهل ايران أو أهل أي بلد في العالم ...
136
و آن لكم أن تفهموا أن القول فينا جميعاً ما يقوله آيات قم و طهران ... و ها قد مضى على محنتكم حوالي تسع سنين فماذا فعل شيعة العالم ؟ هل تبرءوا من أصحابكم أم هل وضعوا حداً لجرائمكم كما كنتم تتوقعون ؟! كفى غفلة و سذاجة !!(1) .
9 _ استفز جند الآيات الأخوة ، و كان ينتظرون أن يضطر _ مكتب قرآن _ الى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم و عندئذ يسهل على جند الآيات القضاء عليهم ، و إبادتهم عن بكرة أبيهم ، و استطاع الأخوة بوعيهم إفشال هذه الخطة الخبيثة ، و آثروا السجن و الهجرة على حمل السلاح ، و هذا درس للدعاة في كل مكان ، إذ أن عليهم أن ينتبهوا لمكائد أعدائهم ، و بينوا أمورهم على حسابات جادة ، و إذا أرادوا خوض معركة فهم الذين يجب عليهم أن يحددوا وقتها و مكانها .
__________
(1) مثل هذه البيانات يكتبها قادة مكتب قرآن ، و إن أصدرت باسم أسر المسجونين ، و من المفترض أن يكون الإخوة قد أحاطوا _ بعد السجن _ بأهداف الشيعة و غاياتهم .(2/124)
10 _ أنشأ الآيات _ كما ذكر الأخوة في رسائلهم _ مسجداً ضراراً في كردستان أسموه " المركز الإسلامي الكبير " ، و أعضاء المركز ممن يسمون ( رجال الدين ) ، و يعرف أهل كردستان أنهم من أهل السنة ، و تولى هؤلاء نشر الاتهامات الباطلة عن _ مكتب قرآن _ كقولهم : إنهم ملاحدة ، ووهابيون ، و عملاء للشيطان الأكبر ... و كانت هذه الاتهامات الباطلة تنشر في صحف الآيات و بعض وسائل إعلامهم ، و كان بعض الناس من أهل السنة يسمعون أقوال علمائهم !! و لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن منطقة كردستان الايرانية متخلفة يسود فيها الجهل و تفتقد الوعي .
و أقام الآيات مراكز أخرى بين أهل السنة في غير كردستان ، و في كتابنا هذا أمثلة على ذلك ، و هؤلاء الآيات من المنسوبين لأهل السنة كانوا ينافقون للشاه ، و سينافقون لمن يأتي بعد الآيات ، و لهم أخوان في مختلف بلدان العالم الإسلامي يتقنون تأدية مثل هذا الدور ... و يجب على الدعاة المخلصين أن يختاروا الأسلوب الأمثل في مواجهة المنافقين .
138
مقابلات
المعلومات الواردة في هذا المبحث هي خلاصة مقابلات تم أجراؤها مع عدد غير قليل من أهل السنة في ايران ، وبشكل أخص مع أهل خراسان ، بلوشستان ،وحاشية الخليج ... أما كردستان الايرانية ، فقد اكتفينا بالمعلومات الواردة في هذا الكتاب ، لأن ما قاله الاخوة من أهل هذه المنطقة لا يختلف عن المعلومات التي وردت في رسالة (( قضايا أهل السنة في إيران )) .
وكانت الحاجة إلى مثل هذه المقابلات ملحة ، وذلك لأننا لو اكتفينا بما ذكرناه عن أهل كردستان لقال قائل : ما يعانيه أهل كردستان في إيران لا يختلف عما يعانيه هذا الشعب في غير إيران ، فلي ماذا جعلتم مشكلتهم في إيران مشكلة أهل سنة .(2/125)
لهذا أجرينا هذه المقابلات ليعلم القراء أن المشكلة عامة لا تخص منطقة دون أخرى ، ولا فرق في ذلك بين أهل خراسان وكردستان ، أو بين بلوشستان وحاشية الخليج ,ولم يسلم من هذا الاضطهاد أحد صوفياً كان أو سلفياً ، وأكدنا أن انتماء الناس لأهل السنة هو سبب محنتهم على يد الآيات .
139
واشترط الأخوة الذين أجريت معهم هذه المقابلات أن لا نذكر أسماءهم ، وقد التزمنا بهذا الشرط لأننا نعلم الأذى الذي قد يتعرضون إليه أو قد يتعرض أهلهم إليه على يد عصاه سفاحين لا يرقبون في مؤمن إلا و لا ذمة .
و غني عن البيان أن هؤلاء الأخوة ثقاة أمناء ، و قد تخالف أقوالهم أقوال دعاة آخرين وردت أسماؤهم في كتابنا هذا و ربما كان الجميع من منطقة واحدة أمن مدينة واحدة . و هذا لا يضر لأن الجميع قد اتفقوا على فظاعة الجرائم التي يرتكبها أهل الرفض و اختلاف الاجتهادات طبيعي الدعاة ، فهذا يتحدث عن أمر شاهده و قد يكون الآخر شاهد غيره .
و أحياناً كان الشباب يتجاوزون الحديث عن الإقليم أو المدينة ، و يذكرون أوضاعا ًحدثت في إقليم أخرى ، و كانوا في كل ما يذكرون ينقلون عن شهود عيان شاهدوا هذه المآسي .
140
خراسان
_ العاصمة : مشهد ، و نسبة السنة 25% من مجموع عدد السكان ، و تزيد هذه النسبة من القرى ، و تقل في المدن . و لغة أهل السنة الفارسية .
_ السنة في هذه المنطقة فقراء يعملون في الزراعة ، أما الشيعة و البهائيون فأغنياء .
_ مدارس أهل السنة ضعيفة , و غير معترف بها من قبل الحكومة ، و التعليم فيها قاصر على العبادات ، و مذهب أهل السنة " الحنفي " .
_ و في مداري الحكومة يُدرسون فقه الشيعة و عقائدهم للسنة و الشيعة ، و لأهل السنة كتيبات صغيرة في العقيدة تمت صياغتها وفق ما يريد الشيعة .(2/126)
_ نسبة السنة قليلة جداً في مدارس الحكومة ، و هم على قلتهم موالون للحكومة ، و اذا كان بينهم متمسكون بمنهج السنة فلا يستطيعون أن يربوا الطلبة عليه ، و لو فعلوا فستكون عاقبتهم السجن أو الطرد من عملهم .
_ كبار المسؤولين في وزارة التعليم من أهل السنة تم فصلهم من وظائفهم بعد الثورة أو جرى نقلهم الى مناطق شيعية ليس فيه سنة .
_ أسندت الحكومة قيادة أهل السنة الى علماء السوء من المنافقين الذين يسبحون بحمد كل حاكم .
_ عندما يطالب أهل السنة بحقوقهم يقولون لهم : أنتم قلة و نحن الأكثرية ، و الحكم للأكثرية ، و من جهة أخرى يشنون حملة ضد المخلصين من علماء أهل السنة و يتهمونهم بالوهابية و الكفر و الزندقة , و الوهابية في ايران أخطر من البهائية و المجوسية ، و هي عندهم أشد أنواع الكفر .
141
_ في عام 1985 م جرت انتخابات ، و رغب بعض شباب أهل السنة دخول هذه الانتخابات ، فلم تسمح لهم السلطة لأن لهم صلة بالشيخ _ محي الدين _ و رغم ذلك تمكن الشباب من خوض الانتخابات ، و أقدمت السلطة على منعهم من دخول البرلمان .
_ الشيخ " مولوي محي الدين " مدير مدرسة دينية في " صالح آباد " كتب مقالات يحذر فيها الشباب فيها من عقائد الشيعة ، فاعتقلوه و زعموا أنه وهابي ، و بعد عام أخرجوه من السجن و نفوه من بلده في خراسان الى " نجف آباد " التي لا يوجد فيها سني واحد ، و سجنوا عدداً من العلماء و الدعاة ، و نفوا بعضهم لأنهم دافعوا عن الشيخ محي الدين في خطبهم .(2/127)
_ كل أيراني في سن معين يؤخذ للتجنيد الإجباري ، لا فرق في ذلك سني و شيعي ، أما الفرق ففي الرتب العسكرية ، فالسني يبقى جندياً و ممنوعاً من تولي القيادة في الجيش ، و كذلك فالسني الذي يقتل في الحرب الايرانية العراقية لا يحصل على تعويض لأنه كافر و قد قتله الكفار ، أما الشيعي فيعطون أهله التعويض المادي ، و قد تحدث أحد الدعاة _ نور الدين _ فيما أسموه أسبوع الوحدة عن أمثال هذه الظواهر ، و كان نصيبه السجن .
_ من المواد المقررة في المدارس و المعاهد السنية : نهج البلاغة ، و الفقه الأكبر ، و كتاب آخر لأحد علمائهم _ مطهري _ ، و الشيعة هم الذين يمتحنون السنة بهذه الكتب ، و النجاح و الرسوب متوقف على قناعتهم بأن الطالب متفهم لهذه الكتب و لا يرفضها .
_ في مدينة مشهد لا يوجد سوى خمسة مساجد لأهل السنة فقط و هي ( التوحيد ، الشيخ فيض ، النور ،رضائيان ، و مسجد آخر لا يذكر الأخ اسمه ) و أراد السنة أهل هذه المدينة بناء مسجد عام 1983 في شارع 17 شهر يور ، و جاءت السلطة ليلاً و هدمت ما بني منه " بالبلدوزر " .
142(2/128)
_ تشيع بعض السنة في إقليم خراسان ، و من هذا العدد القليل " غلام يحي " ، و كان معروفاً بفساد خلقه و سوء طويته ، و من الأدلة على سوء خلقه أنه كان يشرب " الحشيش " ، و بعد تشيعه لبس لباس علمائهم ، و أغدقوا عليه المال ، و سلطوا عليه الأضواء و مقابل ذلك فلقد نبذ عقائد الشيعة و انحرافاتهم عدد من علمائهم و أصبحوا من أهل السنة ، و من هؤلاء " رضائي " الذي كان من علمائهم البارزين في مشهد ، و العلامة " البرقعي" الذي كان من زملاء الخميني ، و درس في العراق _ النجف _ و بعد أن هداه الله في وقت لهم فيه تمام الهيمنة ، أخرجوه من بيته ، و من مدينة " تبريز " و أرسلوه الى خراسان ، ثم زجوا به في السجن ، و حاولوا اغتياله قبل سجنه فأطلقوا عليه النار ، و نجاه الله بعد أن مكث أياماً في مستشفى من مستشفيات طهران ، و أنكر الشيعة أنهم حاولوا اغتيالهم _ كما هو شأنهم _ يكذبون _ ، و سبب اغتياله خوفهم من نشاطه ، فكان يدرس مجموعة من طلبة الجامعة عقائد أهل السنة و يطلب منهم أن ينكروا أمام الشيعة أنهم سنة ، و كانوا يسمون أنفسهم " أهل القرآن و الرأي " و لجأوا الى مثل هذه التسمية ليتخلصوا من بطش الحكومة بهم ... و مما يجدر ذكره أن " رضائي " من طلاب " البرقعي " .
_ ليس في خراسان أحزاب أو جماعات سنية و غير مسموح بنشوء مثل هذه التكتلات , و لا بطباعة و توزيع مؤلفات و منشورات سنية .
_ القضاء و المحاكمات كلها على المذهب الشيعي ، و اذا كان هنا موظفين في هذه المحاكم من أهل السنة ، فهم منافقون للنظام .
_ أصبح أهل السنة في خراسان شديدو التمسك بعقيدتهم ، و يشعرون بتميزهم عن الشيعة بعد الثورة ، و ذلك لأن منابذة الشيعة لهم بالعداء تركت في نفوسهم أثراً إيجابياً ، و أصبحوا يدركون أنهم يدفعون ضريبة التمسك بالدين الحق .
143(2/129)
_ الطلبة السنة الذين يدرسون في الخارج قلة ، و لا تعطى لهم جوازات سفر ، و لهذا يضطرون الى مغادرة ايران بدون جواز ، و في الخارج تصادف الطلبة صعوبات في دراستهم
لأن مستواهم العلمي أقل من مستوى زملائهم من أهل البلدان الأخرى ... و عندما يعود هؤلاء الطلبة الى ايران تلقي السلطة القبض عليهم لأنهم لا يحملون جوازات سفر .
_ كان في خراسان جمعية اسمها " جوانان توحيد " و بعد الثورة الخمينية تم حلها ، و اتهمت من قبل الحكومة بالشرعية _ تودة _ ، و مرة أخرى قالوا إنها من مجاهدي خلق ، و هي ليست من هؤلاء و لا من هؤلاء ، و أعضاؤها يشعرون بما يشعر به أهل السنة ، و بعد الثورة نشط " شمس " أي شورى أهل السنة بزعامة مولوي عبد العزيز ، غير أن الثورة حلت هذه الحركة التي استقطبت علماء أهل السنة فترة من الوقت .
_ علماء أهل السنة ثلاثة أقسام : قسم يقول الحق و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و هؤلاء بعضهم في السجن و بعضهم تم نفيه ، و قسم يعرف الحق و يؤثر الصمت ، و قسم يوالي السلطة و يتعاون معها .
_ ليس أمام ضعاف النفوس من أهل السنة إلا التشيع لأنهم يحرصون على الوظيفة ، و التشيع هو الطريق الوحيد إليها ، و الشباب الطيب قد يتهم و يحاكم لأنه من تجار المخدرات ، و هو الذي لا يعرف المخدرات و لا تجارتها .
_ هناك عدد محدود من الطلبة يدرسون في مدارس الحكومة ، و يدخل بعض هؤلاء الجامعات الإيرانية ، و بعضهم الآخر يحاولون إرساله الى جامعة قم لإفساد عقيدته .(2/130)
_ العمران في مدن السنة قديم و رديء و الطريق المعبدة قليلة ، و الخدمات _ كالكهرباء و الماء و غير ذلك _ سيئة و البترول بالبطاقة ، و ليس الشيعي كالسني في الحصول على هذه البطاقة ، و من الأمثلة على ذلك بلدتي " خرم آباد " و " نصر آباد " و سكانهما من الشيعة و لهذا فكل الخدمات متوفرة بحالة جيدة ، أما قرية " محمود آباد " التي بجوارها فوضعها سيئ لأن سكانها من السنة ، و مثال آخر 144
فهناك قرار منذ أيام الشاه لتعبيد شارع من مشهد الى قرية درازاب السفلي و العليا و الى الآن لم ينفذ هذا القرار.
_ كتب الشيعة التي تهاجم السنة توزع بشكل يلفت الأنظار ، وتنفق عليه مبالغ طائلة ، أما الكتب التي تفضح عقائد الشيعة فيجري التحقيق فوراً مع حاملها ، و جريمته أشد من جريمة الذين يروجون المخدرات .
_ و لأن السلاح ممنوع في خراسان فلم تجر مصادمات مسلحة بين السنة و الشيعة .
و عندما سئل الأخ ما الذي يحتاجه أهل السنة في خراسان أجاب :
ماذا عند أهل السنة في ايران كلها ، و ليس في خراسان وحدها ... فمثل هذا السؤال يصح أن يوجه لقوم ينقصهم شيء بسيط ، أما نحن فينقصنا كل شيء ، و لكن من الذي يساعدنا و من الذي يعيش معنا في محنتنا ؟!.
فأُجيب : هون عليك يا أخي !! الله معكم فكونوا معه ، والمسلمون في كل مكان قد انتبهوا الى مصيبتكم ، ويقفون معكم في مشاعرهم و عواطفهم ، و قد آن الأوان لينجم عن هذه المشاعر تعاون صادق يقتلع جذور هؤلاء المجوس .
و أجريت مقابلة أخرى مع دعاة آخرين من أهل خراسان فزودونا بمعلومات عن مدن أخرى من الإقليم ، و بينوا أحوال الناس فيها ، و من هذه المدن :(2/131)
_ " تربة خام " على حدود ايران مع أفغانستان و يبلغ عدد سكانها 23 ألف نسمة ، و 55 % منهم سنة ، و من أبرز شيوخ السنة في المدينة " شيخ حاجي " يمدح الخميني في خطبه ، و هذا الشيخ هو قاضي البلدة ، و له أحكام يتحدث عنها الناس باشمئزاز ، و لهذا فالجهلة من الشباب ينفرون من الدين لأجله ويذهبون الى مجاهدي خلق أو الى الشيوعية في كابل فيبقون هناك
145
هرباً من الحكومة و التجنيد أو يعملون في تجارة المخدرات و يجلبونها من أفغانستان . و كما قلت فهذا الموقف من بعض الشباب سببه الجهل و الهوى و إلا ففي " تربة جام " علماء جيدون ، و منهم الشيخ " مصطفى أربابي " و هو من الدعاة العاملين الى الله و غير موال للحكومة .
_ مدينة " تايباد " : عدد سكانها 25 ألف نسمة , و 60% منهم من أهل السنة , وفيها مدارس دينية ومساجد يسكن فيها الطلبة ويدرسون على نفقة المحسنين من أهل المدينة .
ومن الطرائف التي حدثت في هذه المدينة أن أحد جنود السنة أقسم بأنه سيقتل من يشتم الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم , ونفذ قسمه فقتل ستة من الشيعة , وعندما قدموه إلى الحكمة قال : أنتم قلتم لا فرق بين الشيعة و السنة , وهؤلاء شتموا أئمتنا وأنا ثأرت لهم , فحكموا له البراءة , وخرج من السجن بعد فترة قصيرة لأنهم أرادوا حماية الشيعة وهم قلة في المدينة من غضبة السنة .
ومن وسائلهم في تشييع السنة مدارس الحكومة وخاصة الحضانه والإبتدائية , والطلبة يسكنون في هذه المدارس _ داخلي _ وهم من أبناء السنة , والذين يتولون تربيتهم _ من الرجال والنساء _ شيعة , فيعلمونهم عقائد الشيعة وقد تحول بعض هؤلاء الطلبة في مدينة " تايباد " وغيرها من المدن من السنة إلى الشيعة .(2/132)
_ في صلاة الجمعة يأتي حرس الثورة إلى المساجد ، ويستمعون إلى خطبة الجمعة ،فإن قال الخطيب شيئاً يخالف عقيدتهم ، أو يخالف مواقفهم السياسية ، اقتادوه إلى التحقيق ، هناك يقدمون
146
له " شريط كاسيت " بخطبته إن أنكر ، ومن الذين حققوا معهم واتخذوا ضدهم إجراء " مولوي عرب " و " مولوي محي الدين " في تربة جام . ومن أجل إفساد أخلاق أهل السنة يكلفونهم بالتجسس على إخوانهم ، ويغدقون عليهم المال ، والناس هناك بحاجة إلى المال لأنهم يعيشون على الكفاف لذلك يجدون من يستجيب لهم .
ومن الأمور التي ترعب الناس في " تايباد " وما حولها : كثيرة قطاع الطرق لأن المنطقة على الحدود مع أفغانستان ، وقطاع الطرق كثر من جهة أفغانستان ، والمستهدفون أهل السنة وحدهم ، وجيش الشيعة لا يحافظ على الحدود ، والشرطة لا ترعى الأمن ، ولهذا فقطاع الطرق يسرقون الأغنام والسيارات وكل ما يقع عليه أيديهم من مال ومتاع ، وفي عام 1987 سرقوا سيارة وسائقها وحتى كتابة هذه الأسطر لا يعرف مصيره ... وكذلك يأخذون الحلي والذهب من النساء ، وأخيراً أقدم قطاع الطرق على خطف بنات و نساء أهل السنة ... وهذا يحدث في مدن أهل السنة وقراهم ، أمامدن الشيعة فلا يستطيع قطاع الطرق الوصول إليها بله أن يرعبوا سكانها .
والسلطة تقول : إن قطاع الطرق هم من السنة الأفغان ، والصحيح أنه إذا فقد الأمن ، وانتشرت المخدرات والمفاسد كثر قطاع الطرق ، وهؤلاء بعضهم من الشيعة وبعضهم من السنة وبعضهم من إيران وبعضهم من أفغانستان والمشكلة ليست في وجودهم وإنما المشكلة ناجمة عن فقدان الأمن ... وهي سياسة تتبعها السلطة ، وبدلاً من حمايتها للحدود ، فهي تسخر أجهزة الأمن في مراقبة المواطنين والتضييق عليهم ، وكبت أنفاسهم وفضلاً عن ذلك فيأخذون شباب أهل السنة للقتال ضد العراق ويضعونهم في مقدمة الجيش ليموتوا .(2/133)
ويعيش أهل السنة في " تايباد " وما حولها على رعاية الأغنام والزراعة وغير ذلك من الحرف البدائية .
147
_ وهم _ أي السلطة _ لا يتساهلون مع الطلبة الذين يدرسون في الخارج ، ويجدون من المنافق ين من يقدم لهم اسم كل طلب يدرس في الخارج ، ويقومون بإلقاء القبض عليه لأنه وهابي ، وفي سجونهم نماذج كثيرة ... وهكذا أغلقوا بوجهنا الجامعات في الداخل ، وأرادوا منعنا من الدراسة في الخارج .
_ يعيش أهل السنة _ وهم الأكثرية _ حياة ً بدائية , ويعتمدون على الرعي , والتجارة البسيطة لا سيما و أن المنطقة تقع على حدود إيران مع باكستان ... وللنظام القبلي سلطان في بلوشستان , وتستغل حكومة الآيات مساوئ القبيلة , وتشعل بينهم نار الفتنه , ففي عام 1988 نشب قتال بين قبيلة " بار محمد " و " قبيلة الريجي " , ووقعت خسائر فادحة بين القبيلتين .
_ الجهل متفشي لأن المنطقة مهملة منذ أيام الشاه , وأوضاع الشباب مزرية تنتشر بينهم المخدرات , وتسهل الحكومة انتشار هذا البلاء الذي يفتك بعقول الشباب ويدمر قلوبهم وأجسادهم ثم تصفهم فيما بعد بأنه لهم إلا تجارة المخدرات ... وفي السنوات الأخيرة خرجت أعداد كبيرة من الشباب البلوش إلى خارج إيران و استوطنوا في دول أوربا الغربية وبشكل خاص في السويد
148
وكثر عدد النساء في المنطقة , وأصبحن يخرجن إلى الأسواق من بيوتهن ولا يعرفن التجوال في الشوارع والوقوف أمام البقالات والأفران وغير ذلك .
_علماؤنا في بلوشستان لا يستطيعون تأليف كتاب يخالف عقائد الشريعة التي تمس ديننا وعقيدتنا , وبالتالي فهم عاجزون عن الدفاع عن السنة , وأكثر من ذلك فهم مجبرون (1)
__________
(1) هناك علماء أفاضل فى بلوشستان لم يستجيبوا للحكومة ولهم مواقف طيبة وقد تحدثنا عنهم فى مواضع مختلفة من هذا الكتاب .(2/134)
على الذهاب إلى جبهات القتال , ومن يرفض الذهاب يغلقون مدرسته ... كما أنهم مجبرون على أن يبنوا للناس من فوق منابرهم يوم الجمعة أن القتال ضد العراق فرض عين على كل مسلم سنيا ً كان أو شيعيا ً .
_ لا يوجد خلاف مذهبي بين أهل السنة فكلهم على مذهب أبي حنيفة النعمان رحمه الله وبدأت السلطة تتحدث عن الوهابية والوهابيين , واستفتت المنافقين ممن تسميهم علماء فأفتوا بكفر كل من ينتسب إلى الوهابية , واتخذت من هذه الفتوى ذريعة لسجن بعض الدعاة في منطقة نجوار وغيرها .
_ ومن العلماء العاملين الذين اعتقلتهم السلطة " صوفي دوست محمد " , وهو كاتب , وله مؤلفات تحدث فيها عن بطلان عقائد الشيعة , وكان منتبها ً لخطرهم منذ أيام الشاه , وهو من مدينة سروان في بلوشستان , وعاقبوه في السجن لمدة سنتين ثم نفوه إلى أصفهان , ومؤلفاته كتبها باللغة الفارسية .
_ ويحاول نظام الآيات تشييع أهل السنة , ويسلكون طرق مختلفة من أجل تحقيق هذا الهدف :
منها إفساد الذمم والضمائر بالتجسس , وصرف رواتب ومكافآت لمن يقومون بهذه المهمة
149
وتجمع السلطة هؤلاء الذين فسدت ضمائرهم في حلقات خاصة يدرسونهم فيها عقائد الشيعة .ومنها : نشاط الطلبة في المدارس الحكومية , ففي العطلة الصيفية يقيمون المخيمات التربوية خارج الإقليم , ولا تجد في هذه المخيمات على كثرتها موجها ً سنيا ً واحدا ً فالموجهون والمربون و الأساتذة الشيعة يدرسون أبناء أهل السنة ... يدرسونهم مثالب الصحابة كما يشاءون ويفترون ... ويدرسونهم عقائد الشيعة ... ويدرسونهم سياسة نظام الآيات ، ولقد تشيع بعض شباب أهل السنة في مدينة " إيران شهر " (1) .
__________
(1) وسائل الشيعة متشابهة ومما يجدر ذكره أن الإ خوة الذين أجريت معهم هذه المقابلات من مناطق مختلفة ولم تتم المقابلات فى جلسة واحدة أو فى مدينة واحدة .(2/135)
- يقوم بعض أفراد القبائل بقطع طرق الشيعة لأسباب مختلفة منها فقرهم المدقع وحاجتهم إلى المال وشعورهم أن هؤلاء هم سبب فقرهم ... ومنها : اعتقاد هؤلاء بوجوب قتال الشيعة , وليست لهم أهداف مادية ... ومنها : أنهم قد لا يكونوا فقراء , ولكن هذه هي مهنتهم .
_ يعيش الناس في بلوشستان في ضيق وشدة ، فكل شيء مراقب ، وكل شيء يتجسسون عليه : صناديق البريد ، الهواتف , الشوارع , المدارس الأهلية , ورغم ذلك يقول الرافضة في أجهزة إعلامهم أنه لا فرق عندهم بين سني وشيعي .
_ في الإذاعة خصصوا ساعة واحدة في الأسبوع لأهل السنة , ويشغلها المنافقون في النفاق للحكومة والدفاع عنها .
_ البلوش يملكون السلاح ، ولو كانت لهم قيادة تجمع شتاتهم لانتزعوا حقوقهم من الرافضة ، والدولة تعرف ذلك ، وتعرف خطرهم وخطر الأكراد عليها .
150
حاشية الخليج
تبلغ نسبة السنة في إقليم هرمز حوالي 50%أما في بندر عباس _العاصمة _فتبلغ 30%
وفي الأصل فأن سكان بندر عباس معظمهم من السنة ,والشيعة وفدوا إليها من الخارج ,ويكثر السنة في القرى .
ولا يوجد في الإقليم كله أكثر من ثمان مدارس أهلية ,ومنها "مدرسة العلوم الإسلامية لأهل السنة " يديرها الشيخ محمد علي ضيائي ,وهو من خريجي الجامعة الإسلامية _ المدنية المنورة _ , ويعتبر قدوة لشباب أهل السنة في الإقليم ,ويتجمع حوله الشباب لكنه لم يحاول أن يؤسس حزبا ً أو جماعة إسلامية , وفي عهد الشاه كان يلقي درسا ً سريا ً (1) لصفوة مختارة من الشباب , وكان له نشاط اجتماعي في " بندر عباس " و
" انجمن " , وكان يطبع الكتب ويوزعها ,, وتقلص نشاطه بعد الثورة الخمينية , واقتصر على رعاية مساجد أهل السنة ، وانقطع عن الدرس الخاص .
__________
(1) وهذه حال أهل السنة فى إيران فى عهد الشاه وعهد الآيات فموقفهم من السنة وأهلها واحد .(2/136)
و كان له مكتبة اسمها مكتبة التوحيد ، و لكن مجاهدي خلق تمكنوا من السيطرة على هذه المكتبة مستغلة مجموعة من الشباب السنة المغفلين ,فلجأت الحكومة الى إغلاق هذه المكتبة و اعتقال الشباب بحجة أنهم من مجاهدي خلق .
_ تحسنت أحوال أهل السنة في بندر عباس بسبب هجرة مجموعة من العراقيين إليها أثناء الحرب العراقية الايرانية ، و كان أحدهم إماماً و خطيباً لمسجد عمر بن الخطاب في " بندر
151
خمير " ، و انتبه نظام الآيات الى الخطر الوافد عليهم فاعتقلوا الشباب العراقيين ، والتهمة جاهزة لا تحتاج الى إعداد أو الى طول التفكير :إنهم وهابيون و كفى.
_ في " بندر خمير " مدرسة للعلوم ا لدينية و اسمها " صدر الإسلام " و الناس في هذه المدينة سنة أما الشيعة فقلة قليلة ، و مع ذلك فالمدرسة الحكومية و الإدارات بأيدهم و ليس بينهم أحد من أهل السنة حتى المسؤول عن المدينة فهو أحد الوافدين إليها ، و قد بنى مسجداً كبيراً للشيعة ، مع أن عدد المصلين الشيعة لا يتجاوز أصابع اليد .
_ حصل صدام مسلح في عام 1980 ميلادي بين السنة و الشيعة في مدينة "بند لنكة " بسبب خطبة ألقاها الدكتور " اسماعيلي " و هجم الشيعة على المسجد لقتل الشيخ د . اسماعيلي و أستاذه " الشيخ محمد علي خالدي " المشهور " بسلطان العلماء " و بدأ القتال بعد صلاة الجمعة ، واستمر حوالي ساعة ، و أطلقوا النار على المصلين ، و لكن لم يقتل أحد من الطرفين .(2/137)
و خرج شباب أهل السنة بعد ذلك في مظاهرة احتجاجاً على هجوم الشيعة على مساجده ، و جاءت قوات الجيش فأحاطت بالمتظاهرين و قتلت عدداً منهم ، و تمكن أحد شباب السنة من اعتلاء منارة المسجد الجامع و هو يحمل " كلاشنكوف و ستة مخازن " ، و قتل من الشيعة في اليوم الأول عشرين قتيل ... ثم توسعت دائرة القتال ، و حاصر الجيش المدينة لمدة أسبوع ، و جاءت قوات شيعية مدنية من خارج المدينة لنجدة اخوانهم ، و كانوا يلبسون الثياب التي أعتاد أهل السنة لبسها، و بلغ عدد القتلى من الشيعة سبعين ، و من السنة سبعة عشرة و كان أكثرهم من النساء .
أما الشيخ د . اسماعيلي فاستطاع أن يغادر " بندر لنكة " و التجأ الى
152
إتحاد الإمارات ، ثم توقف الذي كان يقوده ما يسمى بآية الله " ركني " و غادر سلطان العلماء مدينة " بندر لنكة " و استقر أيضاً في اتحاد الإمارات ، و حاولت السلطة إقناع الشيخ محمد علي الخالدي بالعودة الى ايران لأن وجوده خارجها يحرجهم أمام الرأي العام في الخارج لكن الشيخ رفض و أعلن بأنه لا يأمن على نفسه اذا عاد .
تشيع في" بندر خمير " ستة أشخاص من عائلة الجيلاني ، ومن الذين أصبحوا سنة الدكتور " مظفريان " و هو الآن خطيب و داعية في " شيراز " و يعاني ضغوطاً شديدة .
وسئُل الأخوة عن المشكلات التي تواجه أهل السنة في " حاشية الخليج " فأجابوا كلاماً مشابهاً للكلام الذي سبق ذكره عن مشكلات بلوشستان و خراسان و غيرهما ، و من هذه المشكلات : البطالة ، و الفقر ، و الجهل ، و منعهم من مغادرة ايران سواء كان ذلك من أجل العمل أم أجل الدراسة ، و ثالثة الأثافي المخدرات التي يستوردونها من بلوشستان و أفغانستان .
عز الدين الحسيني(2/138)
الشيخ عز الدين الحسيني قائد ديني تقليدي للأكراد الإيرانيين ، و قد أيد الخميني ضد نظام الشاه ، و عندما نكث الخميني بوعوده للأكراد قاد عز الدين المقاومة المسلحة عام 1979 م ضد نظام الآيات ، و في عام 1980 أخلى المدن و صعد الى الجبال و استمر يقاتل معتصماً بجبال كردستان حتى عام 1985 م فاضطر الى مغادرة ايران و التجأ الى العراق .
153
و يقول في عدد من المقابلات التي أجريت معه :
إن الخميني أعلن الجهاد ضد الشعب الكردي لأنه يعتقد كفره ، و يقول أيضاً : إن الخميني لم يعترف بأي مرجع ديني في كردستان الايرانية على اعتبار أن هؤلاء من السنة . لقد كانوا و لا يزالون يعتمدون على بعض رجال الدين الشيعة الذي تم إحضارهم من خارج المنطقة .
و أضاف قائلا ً الكل يعرف أن هناك إهانة يومية للخلفاء الراشدين رضي الله عليهم ، و هناك استفزاز دائم لمشاعر أهل السنة ، و علاوة على ذلك فقد قاموا بإغلاق جميع المدارس الدينية السنية في " مهاباد " .
انظر مجلة " المجلة " 20 /2 / 1990 ومقابلة أخرى أجرتها جريدة " العرب " اللندنية في 15 / 10 / 1986 مع أخيه الشيخ جلال الدين الحسيني زعيم النضال القومي الإسلامي " خبات " .
و هناك شيوخ صوفيون لا شأن لهم بالساسة ، وكانوا يظنون أن العلاقات الودية سوف تستمر بينهم و بين نظام الخميني ، و لكن الأخير بعد أن انتهى من العلماء و الدعاة الطيبين التفت الى الصوفيين و غيرهم و بدأ يستفزهم و ينشر التشيع بينهم فاضطر الشيخ عثمان نقشبندي الى مغادرة ايران و الإقامة في فرنسا ، ثم غادر الى تركيا و أقام فيها بين " مريديه " ، و راح يعمل من أجل توحيد صفوف المعارضة ... و هكذا لم يترك نظام الآيات أحداً من السنة ... و كانوا يتحالفون مع هذه الجهة ضد تلك ، ثم يغدرون بحلفائهم ، و في كل مرة يجدون من يتعاون معهم .
155
مقابلة مع الشيخ ضيائي(2/139)
هذه المقابلة محاولة لكشف حقيقة أهل السنة العرب في جنوب ايران في العهد الشاهنشاهي و عهد الثورة الايرانية ، و من هنا جاء الحوار مع أحد علماء السنة في ايران الشيخ محمد بن محمد صالح ضيائي ... خطيب الجمعة في مدينة " بندر عباس " بإيران ، مدرس العلوم العربية في احدى المدارس الثانوية منذ ( 13 ) سنة ... تلقى علومه الدينية الابتدائية في مدرسة دينية بمدينة " عوض " السنية على يد الشيخ " أحمد فقيهي " أول أستاذته على حد قوله ثم انتقل الى المدينة المنورة عام 1960 لاكمال الدراسة الدينية فدخل الجامعة الإسلامية عندما افتتحت عام 1963 و تخرج منها عام 1970 ليرجع الى ايران و يخدم أهل السنة فيها الى اليوم
و جرى هذا الحوار في بيت متواضع مبني من الطين بمدينة " عوض " و هي إحدى المدن السنية المتوزعة في جنوب ايران حيث يتوزع المسلمون السنة في ايران على الجهات الأربع فهم سنة عرب في الجنوب الايراني ، و السنة البلوش في منطقة بلوشستان على حدود باكستان ، و الأكراد في منطقة كردستان في الشمال الغربي من ايران . و الخراسانيون على حدود أفغانستان و روسيا ، و التركمان في شمال ايران ، فالسنة خمسة أقسام موزعون على الجهات الأربع من ايران .
156
و قد حاولت " المجتمع " من خلال هذه المقابلة مع الشيخ ضيائي أن تستكشف أحوال أهل السنة في جنوب ايران المشتهر بجنوب فارس فكان هذا الحوار :
المجتمع : نود أن تحدثنا عن أحوال المسلمين من أهل السنة و الجماعة في ايران في عهد الشاه ؟(2/140)
الشيخ ضيائي : في الحقيقة قبل الثورة الإسلامية كان أهل السنة يعيشون عيشة علمانية فأسباب الفساد متوفرة للجميع سواء كان الإنسان سنياً أم شيعياً ، لم يكن الشاه يخدم الشيعة أو السنة و إنما كان يؤيد الفرقة البهائية و قد تتضرر أهل السنة كثيراً في الخمسين سنة الماضية خصوصاً في عهد _ رضا شاه _ كما في مسألة رفع الحجاب مما دفع العديد من العائلات السنية الى الهجرة نحو بلدان الخليج و لم يكن لأهل السنة في عهد الشاهنشاهية أية حقوق اجتماعية فمدارس أهل السنة كانت ضئيلة أذكر في مدينة " بندر لنجة " وهي مدنية كبيرة 99 % من أهلها من السنة كانت فيها مدرسة دينية واحدة يتخرج منها أئمة المساجد وغيرهم ولم تكن للمدرسة صفة رسمية , وفي مدينة " عوض " أيضا ً مدرسة دينية واحدة تمول من قبل الحسنين المقيمين في الكويت وغيرها من الدول العربية والدولة الشاهنشاهية لم تمول مسجدا ً واحدا ً لنا من مجموع ألف مسجد لأهل السنة في جنوب إيران .
157
كما تضررنا قبل الثورة من جهة التربية والتعليم فالجامعات كانت قائمة في المدن الإيرانية الكبيرة التي يغلب عليها الطابع الشيعي . فالطالب الشيعي ينسجم مع هذا الوضع أما الطالب السني فهو مخير بين اتجاهين إما اتجاه ديني شيعي معاد للخلفاء وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها وهذا مرفوض بالنسبة له , وإما اتجاه سياسي مادي شيوعي فمن الطبيعي والحالة هكذا أن يتجه إلى الشيوعية فلو وجدت في كل جامعة مكتبة صغيرة تخص أهل السنة لما اتجه الطالب الجامعي السني إلى الشيوعية ، لذلك كان أكثر الطلاب الذين تخرجوا من الجامعات الايرانية يحملون أفكارا ً شيوعية وهذا من أكبر الأضرار التي تحملناها قبل الثورة وبدأت نتائجها السيئة بعد الثورة ...
المجتمع : هل تغير أحوال أهل السنة بعد الثورة ؟(2/141)
الشيخ ضيائي : لقد تغيرت من بعض النواحي فقد فمن ناحية الأمور الاجتماعية والأخلاقية أزيلت جميع آثار الفساد من المدن السنية مما أنتفع أهل السنة كثيرا ً لكن بما أن مذهب الدولة الرسمي هو المذهب الشيعي فمن الطبيعي أن رجال الدولة لا يعملون على تقوية مذهب أهل السنة والجماعة مع أن من المفروض أن يظهر كل من الفريقين على أنهما شعب واحد لا اختلاف بينهما ولكن الحقيقة غير ذلك . نحن نقول بأن أبا بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم من أعظم رجال الإسلام وأخلصهم وأنهم يدخلون الجنة مع الرسول الله والشيعة تكذب ذلك وتقول أنهم في النار " معاذ الله " والسنة تعتقد أن علماء الإسلام عليهم أن يرشدوا الحكام والشيعة تعتقد أن علماء الدين بمنزلة الأنبياء وطاعتهم مطلقة كطاعة الله ورسوله وهناك اختلاف في الأحكام بين السنة والشيعة فكيف يكون هناك انسجام ؟
المجتمع : هل تقوم حكومة الثورة بنفسها بفتح المدارس الشرعية وإنشاء المساجد لأهل السنة وتسمح لأهل السنة بنشر وطبع الكتب السنية الشرعية ؟
158
الشيخ ضيائي : لم تفتح الحكومة لأهل السنة مدارس دينية ، نحن أسسنا في ( بندر عباس ) مدرسة دينية غير رسمية والحكومة لم تمانع كما علمنا أن مدارس دينية عديدة أنشئت في بلوشستان وحكومة الثورة لم تمانع ذلك أيضا ً ونظرا ً لانشغال الدولة في حروبها الداخلية والخارجية فحتى الآن لم نعلم نواياها الحقيقية اتجاه موضوع المدارس . أما بشأن الكتب الشرعية فالدولة لا تشجع كتب أهل السنة بينما تؤيد بقوة نشر الكتب الشيعية التي تطعن في أنساب الخلفاء والصحابة ومهاجمة أهل السنة مما يشجعنا على القول بأن الدولة لا تريد خدمة السنة .
المجتمع : يقال أن السنة يلاقون اضطهادا ً من بعض الشيعة المتعصبين كانتهاك مساجد أهل السنة وسب الصحابة فما حقيقة ذلك ؟(2/142)
الشيخ ضيائي : نصف الخبر صحيح والنصف الآخر كذب فمهاجمة الشيعة لأهل السنة ولمساجدهم غير صحيح وكذب خالص عدا تلك المشكلة الداخلية التي حصلت في مدينة ( لنجة ) بين السنة والشيعة أبان الثورة والتي أثارها اليساريون لاشغال الثورة بأمور داخلية وقتل فيها ( 17 ) شخصا ًمن الشيعة و (27 )من السنة وإلى الآن لا نعلم السبب الصحيح لها وانتهت بسيطرة الدولة على الأمور والمصالحة بين الطرفين هذا في جنوب ايران ، أما في " كردستان " فنحن لم نذهب إلى هناك على كل لم نسمع أن مسجدا ً من مساجد السنة أغلق .
أما صحة نصف السؤال المطروح فتتعلق في أن الحكومة تؤيد سب الصحابة والنيل منهم كائنا ً من كان في أيام وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا عدا على علي بن أبي
159
طالب رضي الله عنة وولديه الحسن والحسين رضي الله عنهم وأئمة الشيعة . وقد وزع الحراس الثورة في بعض القرى رسائل تهين الصحابة ولما بلغ المسؤولون بالأمر منعوا توزيع الرسائل في منطقة السنة فقط ! ولاتزال الشيعة تسمي الصحابة المذكورين بالخونة والفسقة والمرتدين وأهل النار... وهذا شيء لا يستطيع أحد إنكاره ، وعلى سبيل المثال : قال الخميني قبل رمضان في تلفزيون إيران بالحرف الواحد : " أن شعار الفرقة الناجية وعلامتهم الخاصة من أول الإسلام إلى يومنا هذا إقامة المأتم " معنى هذا أن الذين لا يقيمون المأتم ولا يلبسون الأسود ولا يقيمون مجالس النيابة غير ناجين من النار إشارة إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تفرق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة واحدة منها ناجية والباقي في النار " وهذا حكم واضح من الخميني على أهل السنة بأنهم من أهل النار وكتب الشيعة تؤيد ذلك وتشجع طبع ذلك الكتب .(2/143)
المجتمع : فضيلة الشيخ نود لو حدثتنا عن شعور أهل السنة تجاه الدستور الإيراني الحديث الذي يعامل أهل السنة معاملة أهل الذمة ويحرمهم من تسلم المناصب القيادية في الدولة كرئيس الجمهورية والوزراء والمجلس الذي يخلف الخميني وقيادة الجيش وغيرها !!
الشيخ ضيائي : أكثرية أهل السنة يشعرون بأنهم محتقرون لحرمانهم بعض الحقوق بموجب الدستور وهناك أقلية وأنا منها تعتقد الذي حصل في الدستور حول هذه المسألة أمر طبيعي فالأكثرية لم تعط الحق المعلوم للأقلية وأنا أرى بأن من الأفضل والأنسب لمستقبل المسلمين السنة في إيران أن ينص الدستور الإيراني على مذهب الشيعة وعندها يكون كل ما يجرى في إيران من سب ولعن ومأتم وشق للجيوب على مذهب الشيعة لا باسم الإسلام فلو كان
160
باسم الإسلام فقط دون النص على مذهب الشيعة لكان الموضوع أخطر بكثير وهذا الرأي ربما بعض العلماء يؤيدني فيه .
المجتمع : ما مدى تكاتف وتعاون أهل السنة من عرب وأكراد وتركمان وبلوش وبعض السنة من الفرس في توحيد مطالبهم ؟(2/144)
الشيخ ضيائي : للأسف ليس بين أهل السنة تكاتف معنوي يجمعهم ويحدد مشاكلهم ويوحد مطالبهم وذلك عائد لأسباب عديدة منها أن السنة موزعون جغرافياً على أربع جهات إيرانية تبعد كل جهة عن الأخرى آلاف الكيلومترات مما يجعل الاتصال فيما بينهم صعبا ً وهناك سبب أخر يتمثل في تنوع الأهداف واللغات لكل مجموعة من مجموعات السنة , فكردستان تطالب بالاستقلال الذاتي منذ خمسين سنة , بينما أهل السنة في الجنوب لا يدعون إلى الاستقلال أبدا ً . بلوشستان لها لغة خاصة أقرب إلى الأوردية والتركمان لهم لغة خاصة أقرب إلى التركية ، والسنة في الجنوب يتكلمون لغة فارسية خاصة ، كما أن الحرمان من التأييد لمذهب السنة في إيران منذ نصف قرن أدى إلى جهل بالعلوم الشرعية و ان وجدت الكتب الشريعة فهي قديمة لا تتماشى مع الزمن وأهل السنة يشعرون بتأخر عن ركب الحضارة الإيرانية ، مثلا ً في مدينتي " جهرم " و " لار " وهما مدينتان شيعيتان وقريبتان من مدينة " عوض " السنية
في منطقتنا ، الأهالي يرسلون أبنائهم إلى " قم " و " مشهد " من أجل الدراسات الدينية فيرجعون باسم حجة الإسلام ويبينون حقائق الشيعة !! أما نحن فلا نملك مدارس دينية ولا مراكز علمية وقد قمنا مؤخرا ً بإرسال طالبين من " عوض " إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة . كل هذا يمنع وحدة أهل السنة والدولة نفسها لا تحبذ هذه الوحدة ، مثال ذلك أن علماء السنة في
161(2/145)
جميع أنحاء إيران دعوا إلى عقد مؤتمر علمي سني في طهران أيام كان " محمد على رجائي " رئيسا ً للوزراء و "بنى صدر " رئيسا ً للجمهورية , واصدر المؤتمر قرارا ً يطالب الحكومة بتعيين مجلس خاص لعلماء السنة يتولى شؤون دينهم في جميع وزارات الدولة ويكون مرجعا ً لأهل السنة ، فكان جواب رجائي : " لا يمكن أن يكون ذلك ! هذا المجلس يعتبر دولة داخل دولة ! " حتى أن القرار الذي أصدره المؤتمر منع من التوزيع لأنه يدعو إلى الفرقة حسب قول رجائي !
المجتمع : فضيلة الشيخ ... لماذا يرفض سلطان العلماء الشيخ محمد على العودة من دبي إلى طهران وما هي قصته ؟
الشيخ ضيائي : أنا أرى بأنه كان على سلطان العلماء أن لا يتدخل في بعض الأمور السياسية وألا يصدق ما وعيده الشباب اليساريون فقد نقل عن الشيخ أنه حرم التصويت على الدستور الإيراني تأيدا ً لشيخ عز الدين الكردي الذي يحارب الدولة وما كان ينبغي له أن يخرج من إيران ولو عاد الآن فلن يغتالوه وسيخدم أهل السنة كما كان يخدمهم في السابق .
لقد خرج الشيخ بمفرده في زيارة دبي ثم دعى عائلته دون أي سبب عندما حصلت الفتنه " لنجه " وخوفه الناس من العودة ولكنني طمأنته فعاد إلى " لنجه " وعاش فيها خمس شهور هدأة فيها الأمور ثم ارتأى الشيخ أن يخرج ثانية من إيران لأنه سئم من الأوضاع وأحب أن يستريح في دبي , ويستطيع الشيخ العودة إلى إيران وأنا شاهدت بنفسي رسالة بخط رئيس الجمهورية الحالي " علي خامنئي " كتبها للشيخ يدعوه للعودة
إلى إيران ليخدم شعبة ومذهبه والمسؤولون الإيرانيون يقولون بأنه مادام الشيخ سلطان العلماء قد خرج بنفسه وبإرادته فليس من المصلحة أن ترسل له وفدا ً يدعوه للعودة وذلك لأن
162(2/146)
قضية الوفد طرحها مؤيدو الشيخ وأنصاره وأنا ناقشت المشكلة مع مؤيدي الشيخ من أجل عودة الشيخ إلى " لنجة "دون الحاجة إلى وفد وليس هناك أي خطر فيما أعتقد ولنفرض أن هناك خطر فهل نهرب من الموت ونتخلى عن مسؤولياتنا هذا أمر خطير ألا نعود خوفا ً من الموت والله تعالى يقول : ((وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً )) أما كون الشيخ يخاف من القتل والاغتيال ولا يعود إلى إيران فهذا عيب في الشيخ هداه الله .
المجتمع : يا ترى ما هو دور السنة في الثورة الإيرانية التي أطاحت بحكم الشاه ؟
الشيخ ضيائي : لم يكن للسنة أي دور في الإطاحة الشاه والذين قادوا الثورة هم علماء الشيعة وإهانة علماء الشيعة للصحابة في خطبهم تجعل أهل السنة تشمئز منهم وشباب السنة الذين أيدوا الثورة قبل خروج الشاه وبعد خروج الشاه هم يساريون شيوعيون ولا يعني هذا أن أهل السنة كانوا يؤيدون الشاه ، فالشاه نفسه كان مروجاً لمذهب الشيعة فكيف يؤيدونه ؟ وإنما جبروت الشاه وسيطرته جعل أهل السنة كأقلية في إيران تخاف منه وتخاف في حال عدم نجاح الثورة أن يبطش بها كأقلية . هذا الظن جعل أهل السنة يعيشون على شيء من المحافظة وحتى الآن هنالك الكثير من الشيعة والسنة تخاف من عدم دوام الحكم وسيطرة الشيوعيين . ومعظم أهل السنة يعتقدون أن علماء الشيعة لا يخدمون السنة اطلاقا ً وخدمتهم للسنة في الحجاب ومنع الفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما تم لإشتراك السنة والشيعة في هذه السائل والخميني لم يقم بهذه الأمور تأييدا ً للستة وإنما أزال المنكرات لأن مذهب الشيعة يؤيد إزالة المنكرات .
المجتمع : هل تفرق الحكومة في توزيع الخدمات بين المناطق السنية والشيعية ؟
163(2/147)
الشيخ ضيائي : ما نعلمه أن الحكومة لا تفرق بين توزيع الخدمات لكن بعض المسؤولين في المناطق يسيئون التصرف لغرض في أنفسهم كما هو حاصل الآن في جزيرة " قشم " وبعض الجزر السنية حيث بدأت الدولة حصارا ً اقتصاديا ً لرجال السنة بقطع جميع الروابط التجارية بين جنوب الخليج وشمالها علما ً بأن 90% من التجار في هذه الجزر من أهل السنة وبعضهم الآن يحكم على عمل عملوه قبل عشرين سنة بنقل أشخاص من السنة من دبي إلى بندر عباس ولكن يبدو لي أن هذا الأمر لسوء غرض المسؤولين في المنطقة وليس بأمر من طهران .
المجتمع : ما دور علماء المسلمين السنة في محاربة البدع و الخرافات و مزارات الأولين و الصالحين و بناء القبب على القبور المنتشرة في مدن المسلمين و قراهم من أهل السنة ؟
الشيخ ضيائي : علماء السنة لا يمكنهم القيام بمحاربة البدع و الخرافات لأن المذهب الشيعة تأسس على تعظيم القبور و عبادتها فكيف يمكن لسني أن يحارب أموراً تؤيدها الشيعة ؟ هذه محاربة لمذهب الشيعة باعتباره مذهب الدولة , بالمقابل من الذين يهدمون القباب ؟ و من الذين يطبقون الحدود ؟ طبعاً الحكومة لذلك أرى بأن علماء السنة لا يمكنهم بأي حال من الأحوال أن يقوموا في جنوب فارس بمحاربة الخرافات و هدم القباب و الدولة وحدها قادرة على ذلك و التوعية يمكن أن تلعب دوراً في هذا الموضوع لكن للأسف عدد العلماء قليل .
المجتمع : هل تقوم بين السنة دعوة إسلامية تدعوهم الى نبذ الاتجاهات الغربية و الشيوعية و الالتزام بالاسلام ؟
164(2/148)
الشيخ ضيائي : لا يوجد بين الشباب اتجاه غربي اطلاقاً و الاتجاه السائد بين الشباب هو الاتجاه الديني العادي ، أو الاتجاه اليساري الشيوعي المكتسب من الجامعات الايرانية في عهد الشاه ، و للأسف لا يوجد دعاة مخلصين ليشكلوا جبهة تقاوم الاتجاه اليساري و من العار على السنة أن يكون بينهم شباب ينتمون للشيوعية الحمراء و يؤيدون البلشفية الروسية فيما ترتكب من جنايات في أفغانستان . المجتمع : فضيلة الشيخ ... ما هو دوركم في ذلك ؟
الشيخ ضيائي : أنا لي مدرسة دينية في " بندر عباس " فيها ( 30 ) طالبا ً كما أعمل مدرساً للعلوم العربية في مدرسة ثانوية ، و أخطب يوم الجمعة في بندر عباس بالعربية و الفارسية مبيناً أحكام الدين و المسائل التي تهم المسلمين و الواقع ، و إمكانياتي محدودة مما يجعلني لا أقوم بالواجب على الوجه الأكمل ...
المجتمع : يقال أن الحكومة الايرانية تضيق عليك و أنها منعتك من الذهاب الى الحج سنتين متتاليتين ... فما حقيقة ذلك ؟
الشيخ ضيائي : هذا غير صحيح و الدولة لا تضطهدني بدليل أن ايران تؤيد حافظ الأسد وأنا ما ذكرت حاكما ً بسوء إلا وقرنت به الأسد و الدولة لم تعترض مطلقاً لماذا تسب حافظ الأسد ؟ بل ان الحكومة حاولت تقديم مساعدة شهرية لطلابي بما يعادل ألف تومان لكل طالب . لكنني رفضت المساعدة خشية الوقوع في عواقب غير محمودة كأن تكون بعدها أوامر رغم أن الدولة قدمت المساعدة دون قيد أو شرط .
المجتمع 5 / 10 / 1990 م
165
تعليق
كان الشيخ ضيائي جريئاً فيما ذكر عن تصورا الشيعة و عقائدهم و مواقفهم من أهل السنة ، و آ كد فيما قاله أنه لا لقاء بين الشيع و السنة ، و قوله هذا لا يجادل في صحته كل مطلع على تاريخ الرافضة عقائدهم .
و رغم أهمية المقابلة فلنا عليها الملحوظات التالية :(2/149)
1 _ قال الشيخ : إن الشاه لم يخدم الشيعة أو السنة . و في قوله هذا نظر لأن الشاه كان يقدم مساعدات للشيعة داخل ايران و خارجها ، و كان عدد غير قليل من الآيات يؤيدونه و يستفيدون من المساعدات التي يقدمها لهم ، و يجيد الآيات لعب مثل هذه الأدوار . و قد شهدت جامعات الرافضة و معاهدهم و حوزتهم ازدهاراً منقطع النظير في عهد الشاه .
و صحيح أن الشاه كان علمانياً فاسداً لكن علمانيته لا تتعارض مع اهتمامه بالشيعة ، فالشيعة متعصبون لقيادتهم الفارسية ، و هذه القيادة تكره العرب .... و هذا الذي كان يريدوه الشاه .و قد انتبه الشيخ الى خطأه في موضع آخر من المقابلة فقال : " فالشاه نفسه كان مروجاً لمذهب الشيعة "
2 _ قال الشيخ : إن إخبار مهاجمة الشيعة لأهل السنة و لمساجدهم غير صحيح و كذب خالص ، و استثنى من ذلك القتال الذي نشب بين السنة و الشيعة في مدينة " لنجة " .
166
و قال أيضاً : إن قيادة الثورة لا يفرقون بين الشيعة و السنة في توزيع الخدمات ، و اذا حصل هذا التفريق ، فالخطأ يتحمله المسؤولون في المنطقة ، و ليست القيادة في طهران ... و في مواضع أخرى من المقابلة نجده يميل الى حسن الظن بهم .
و الصحيح أنه كان هناك تفريق في توزيع الخدمات ن و كان الشيعة يهاجمون السنة و يطاردونهم بل من المسلمات أن الاعتداء على العقيدة أهم من الاعتداء على الأجساد ، و الشيخ اعترف بعدوانهم على العقيدة ... و لا ندري كيف وقع بهذا الخطأ ؟! ربما أنه ما كان يدري بجرائم الشيعة التي ترتكب في المناطق الأخرى من ايران ، و تراه يشير لهذه المسائل فيقول : أما في كردستان فنحن لم نذهب الى هناك ، لكنه يضيف : على كل لم نسمع أن مسجداً من مساجد السنة أغلق !!
و ربما كان الشيخ يظن أنه قادر على الاستمرار بعمله و دعوته دون أن يبطش به الرافضة .(2/150)
3 _ هناك أخطاء في تقويم الشيخ للأمور ، و من الأدلة على أن الدولة لا تضطهد أهل السنة _ كما يرى الشيخ _ قوله إنه لا يهاجم حافظ الأسد صديق نظام الآيات و مع ذلك فإنهم لم يتعرضوا له بإذى .
و كان عليه أن يقوم الأمور بغير هذه الطريق : فليس مهماً عند الآيات مهاجمة ضيائي لحافظ الأسد و إنما المهم أنه لا يهاجمهم ، و ربما كان السبب في تركه أنهم مشغولون بغير من أهل السنة ، و أن دور محاسبته و اضطهاده لما يأتي بعد .
و عندما جاء دوره ألقوا القبض عليه و أودعوه إحدى معتقلاتهم ، و لعله أدرك وهو في السجن كما أدرك من قبله مفتي زادة و غيرهما أن الأمر ليس كما كانوا يظنون و يتوقعون ، و من المؤسف أن كثيراً من طلاب العلم من أهل السنة يفتقدون القدرة على معرفة الواقع المعاصر و حسن التعامل معه ، و في ذلك خسارة كبيرة .
168
أحوال أهل السنة
بعد توقف الحرب
هذه دراسة عن أحوال أهل السنة في ايران ، و أعدها احد الإخوة الدعاة الى الله بعد توقف الحرب العراقية الايرانية ، و الهزيمة التي منيت بها القوات الخمينية .
و الكاتب هنا يتحدث عما يجري لأهل السنة في كافة المناطق في ايران ، و ليس في منطقة معينة وحدها و لهذا فقد جاءت شاملة وافية .
و من جهة أخرى فإن هذه الدراسة جاءت بعد تنقل كاتبها في مناطق مختلفة ، و مراقبته للأحداث و دخوله في حوار مع السنة و الشيعة حول تفسيرهم لما يجري ... و هذا ما يميز هذه الرسالة عن الرسائل السابقة . لقد وُفق كاتبها في فضح أساليب و مخططات الرافضة الحديثة , و تميز أسلوبه بالعمق و النضوج .
169
مقدمة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبارك وسلم أما بعد : فهذه نبذه مختصره عن أحوال أهل السنة والجماعة في إيران في ظل الحكومة الخمينية التي التي لم تقم إلا لنشر عقائد الرافضة وتصدير ثورتهم إلى سا ئر بلدان العالم الإسلامي .(2/151)
وهذه الحرب الطويلة الأمد التي خاضتها مع العراق لم تقم إلا لتحقيق أحلامهم والوصول إلى تطلعاتهم في إقامة دولة عظمى شيعية تسيطر على العالم الإسلامي بأسره بأسرع وقت ممكن عن طريق القتال .
ولكن الله عز وجل حال بينهم وبين نواياهم بعد هزائمهم المتلاحقة في هجومهم على العراق وعلموا علم اليقين بعد هذه الخسائر وخاصة بعد استراداد شبه الجزيرة الفاو أنهم لن يستطيعوا السيطرة على العراق أو قلب نظام حكمة بعد أن أبدى العراقيون شجاعة باسلة في قتالهم مع الإيرانيين فلذا خضعوا للصلح الذي طلبته الامم المتحدة .
ولكن بعد هذا الصلح الموقع بين البلدين فما هي نوايا الحكومة الإيرانية وأين تنفق هذه الأموال العظيمة التي كانت تستنزفها المعركة , وبعد أن علموا أنهم لايستطيعون السيطرة على العالم الإسلامي عسكريا ً بعد أن خاضوا تجربتهم العسكرية مع العراق .
فيتطلع حكام إيران الآن إلى نشر عقائد وترويج مذهبهم في ثوب جديد يسمونه الدعوة ونشر الإسلام وتخصيص ميزانية لذلك في إفريقيا وجنوب شرق آسيا وبلاد المسلمين عامة .
170(2/152)
ولكن بالأخص أهل السنة في إيران وكما يقول بعض أئمتهم في إيران أن سبب هزيمتهم أو عدم تمكنهم من فتح العراق والقضاء على نظامه لأنهم لم يقوموا بالإصلاح الداخلي لإيران وكان الواجب عليهم ان يصلحوا هذه الحفنة الضالة كما يسموهم أي اهل السنة والجماعة ثم يقوموا بنشر عقائدهم في ارجاء المعمورة وبمجرد انتهاء المعركة فقد تأسس في مناطق اهل السنة والجماعة في إيران جماعة التبليغ والإرشاد الشيعة وذلك لنشر معتقداتهمم في هذة المناطق عن طريق الوعظ والإرشاد الشيعية وذلك عن طريق الوعظ والإرشاد وتقديم بعض المعونات إذا دعت الحاجة لذلك , وهم في خطتهم المدروسة والمبرمجة في القضاء على عقائد اهل السنة في إيران قد اتخذوا سبلا ً ووسائل كثيرة في ذلك و قد اعدوا لهذا الغرض برامج طويلة الأمد محكمة البنيان في نظرهم لينشأ الجيل الجديد من اهل السنة على عقائدهم ويحيو ا في مستنقعاتهم وسخروا لأجل ذلك كل طاقاتهم وإمكاناتهم .
وإن كان البعض منهم يرى أن لابد من إبادة أهل السنة جسديا ً يتقربون بهم إلى الله الا ان اغلب أئمتهم لايرون ذلك إبتداءً لما استفادوه في معركتهم مع العراق التي قلبت بعض تصوراتهم .
وأيضا ً في خوضهم المعارك الدامية مع أهل السنة في إيران افتضاح لأمرهم لاسيما وهم الذين ينادون في المجامع والندوات العالمية بالتقارب والأتحاد وذلك لكسب رأي العامة وجمهور المسلمين .
ومن خلال الفترة التي عشتها في إيران اطلعت على بعض مؤامراتهم ضد المسلمين وما صاحبها من تدمير عقائدهم و نذويب شخصيتهم الإسلامية ، ولقد أولوا اهتماما ً كبيرا ً بالنشأ والجيل الصاعد حتى يشبوا على ما يغذونهم به من أفكار وينسلخوا عن عقائدهم ودينهم . فبدأوا أولا ً بفصل مدرسي التربية الإسلامية السنة من مدارسهم وتعيين مدرسين مكانهم من الشيعة في كافة مناطق أهل السنة .
171 ...
منهج التربية الإسلامية :(2/153)
وكان منهج التربية الإسلامية مستقلا ً لأهل السنة والجماعة كتبه بعض علماء أهل السنة المعروفون والمشهود لهم بالخير فعملت الحكومة على توحيد المنهج بحيث يدرس الجميع منهاجا ً دراسيا ً واحدا ً يدرس فيه عقائد الشيعة ولما رأوا عدم إقبال الطلاب على دراسة المنهاج الموحد اعادوا لأهل السنة كتابا ًخاصا ًبهم بأسم ( ويثره أهلسنت ) أي خاص بأهل السنة وقد كتبه بعض الشيعة ولكن كتب على غلاف الكتاب " وقد اطلع على الكتاب مولوي محمد اسحاق مدني مستشار وزير التربية لشئون أهل السنة والجماعة " .
وقد كتب وألف الكتاب بطريقة تنفر أهل السنة عن مذهبهم وفيه دعوة غير مباشرة إلى التشيع فغالب الكتب على اختلاف المراحل الدراسية لاتتحدث إلاعن الأئمة الأربعة ومقارنة هؤلاء الأئمة بأئمة الاثنا عشرية من آل البيت ثم إن طبيعة إيران عامة ومناطق أهل السنة خاصة قرى متناثرة على ضفاف بعض الأنهار أو العيون أو مجاري الأدوية وكل قرية تحتوي على مدرسة ابتدائية وان كان عدد سكان القرية لا يتجاوز الأربعين وبعض وبعض القرى تحتوي على مدارس إعدادية وهذه المدارس يدرس فيها من يتخرج من المدارس الإبتدائية من القرى القريبة المتجاورة ثم ان المدينة تحتوي على المدارس الثانوية أو الجامعة في بعض المدن الرئيسية والمدرسة الثانوية في المدينة يتبعها مئات القرى التابعة لهذه المدينة حسب التوزيع السياسي للمدن والقرى فمثل ً المدينة التي عرفتها عن كثب يبلغ يبلغ عدد طلاب الثانوية العامة فيها أربعة عشر ألف طالبا ً كما أخبرني أحد المدرسين والعامل لدى سجلات المدرسة وعدد الطلاب في المدينة ألف طالب تقريبا ً والبقية قدموا من القرى التابعة لهذه المدينة .
فأسست الحكومة الحالية لهؤلاء الطلاب سكنا ً خاصا ً لهم تحت إشراف علمائهم ، وهؤلاء يقومون بإلقاء المحاضرات الدروس المنتظمة للطلبة .
172
سياستهم العملية مع المدرسين والطلاب :(2/154)
وأيضا ً قاموا بشراء بعض علماء السنة إما بإعطائهم بعض المناصب أو بناء سكن لهم أو بإجراء راتب شهري لهم _ وما أكثرهم _ لدعوة أهل السنة ( وخاصة هؤلاء الطلاب ) الى المذهب الشيعي ، وعند زيارتي لهذه المدينة كانت هناك محاضرة لأحد علماء المسلمين السنة لهؤلاء الطلاب ( بعنوان وإعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا ) فيبن أن الخلاف بين السنة والشيعة خلاف سطحي وإننا نؤمن أن ما يقولونه حق وإن القول بولاية الفقيه قول حق يجب علينا اتباعه وان الخلاف الوحيد بيننا وبين اخواننا الشيعة في إرسال اليد وقبضه وهذا خلاف قد وقع بين أهل السنة أيضا ً كما هو رأي المالكية .
ثم للعجب لقد علمت أن الشيخ قدم إلى دولة خليجية لجمع التبرعات .
وحتى لايبقى للمسلمين صبغة إسلامية حتى أسماء المدارس التي كانت تحمل طابعا ً إسلاميا ً فقد غيروها إلى اسماء اخرى فمثلا ً مدرسة ثانوية أبو بكر الصديق رضي الله عنه أصبحت الآن مدرسة آية الله بهشتي ، ومدرسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصبحت الآن مدرسة قمبر .
وأما المدارس والمساجد التي بناها المسلمون في مناطق السنة بعد الإنقلاب فقد قاموا بتسميتها على حسب مايرون من الأسماء كآية الله طالقاني وخميني ورجائي ... وأحيانا ً يسمون ببعض أسماء الصحابة وهم فقط أبو ذر الغفاري وسلمان الفرسي والمقداد وعلى بن أبي طالب والحسن والحسين رضوان الله عليهم أجمعين بل إنهم يغيرون أسماء كثير من المدن والقرى إلى اسماء شيعية بحته . وأما أسماء أئمتهم الاثني عشرية فقد كتبت تقريبا ً على جدار كل مدرسة سنية وعلى جدران بيوتهم ومحلاتهم بل على الأوراق الحكومية الحديثة كشهادات الميلاد , وصكوك الأراضي والمستندات الرسمية ورخص القيادة وفهرسة الهواتف ... ألخ .
173(2/155)
وقد كتبت مع أسماء الأئمة بعض المأثور من كلام الإمام الخميني والدعوة الى الإعتقاد بولاية الفقيه وكتب هذا أيضا ً على أغلفة الكتب المقررة في جميع مراحل السنوات الدراسية .
ولقد سألت أحد السنة الدارسين في مدارس الحكومة الإيرانية أذكر لي إسم نبي من الأنبياء فقال لي : علي ، فقلت له :لا ليس على بنبي رضي الله عنه ، ثم أصبح يذكر لي أسماء الأئمة الإمام تلو الإمام وأنا أجيبه بالنفي ، وهكذا إستقر في رأي وأذهان الناس لكثرة سماعهم لهذه الأسماء بأنهم أنبياء .
ثم إن الشيعة نظموا رحلات بالعطلة الصيفية لنابغين من طلاب أهل السنة والجماعة الى منطقة مازندران أو الى أماكن أخرى تحت اشراف علماء الشيعة يقومون بتلقينهم وتدريسهم طيلة هذه الفترة ثم يرجعون مصطحبين معهم بعض الكتب والهدايا .
ثم إنهم انشأوا مدارس دينية شيعية لاتدرس فيها العلوم العصرية في مناطق السنة لتدريس أبناء المسلين السنة في هذه المدارس مع وضع بعض المغريات لهم التي تجعل الطلاب يلتحقون بها كجوائز تشجيعية ، ومن هذه الجوائز الإعفاء من الخدمة العسكرية وتأمين العمل لهم بعد الدراسة .
وبالمقابل فإن لأهل السنة والجماعة مدارس إسلامية خاصة بهم انشئت من عهد الشاه تقوم بتدريس عقائد السنة وفق الدراسات الشرعية في البلاد الإسلامية فقد وضعت الحكومة الخمينية كثيرا ً من العراقيل لتحد من عمل ونشاط هذه المدارس ، ومن هذه العراقيل التدخل في منهج الدراسة ووضع شروط لقبول الطلاب في المدارس الإسلامية واقفال بعض المدارس كليا ً كما حدث لإحدى المدارس
174
الإسلامية في منطقة سنية ( باهو ) حيث أصدرت الحكومة أوامرها بهدم المدرسة فقامت الجرافات ليلا ً فهدمت المدرسة ومافيها من كتب ومصاحف , وفي الصباح قام بعض أهالي القرية بمظاهرات وسرعان ما أخمدت تظاهراتهم .(2/156)
كما أن طلاب المدارس الإسلامية السنية لايعفون من الخدمة العسكرية ومدتها سنتان إلى أن الحكومة وقبل شهر أعلنت أن ستعفي من الخدمة العسكرية جميع طلاب المدارس الإسلامية والسنية بشرط أن يجتازوا الإختبارات التي تضعها الحكومة لهم ، وقد قرروا على الطلاب بعض الكتب لدراستها والآن لست أدري ماهي نواياهم الجديدة .
كما أنه صدر أمر بعدم السماح في بناء مدارس جديدة لأهل السنة والجماعة في المدن السنية مع إقرار العمل في المدارس الإسلامية القديمة ،كما أن ( الكميته ) (1) يقومون دائما ً بزيارات الى المدارس الإسلامية السنية للإطلاع على أحوال الدراسة والمنهج الدراسة فهم يحاولون إدخال بعض كتبهم ضمن مناهج المدارس الإسلامية السنية كما صرح لي مدير أحد المدارس الإسلامية عندما سألته عن سبب زيارة ( الكميته ) له وأشار أحد الحاضرين على مدير المدرسة قائلا ً : إن كان لابد من أخذ كتبهم فقبلوا ذلك وضعوها في المستودعات من غير تدريسها ، فأجاب الشيخ مبتسما ً : إن هؤلاء لايرضون بهذا ولو فتحنا الباب لهم سيأتوا لنا تكرارا ً ومرارا ً بدعوى أنهم يختبرون الطلاب في كتبهم المقرره على الطلاب لكنني إن شاء اللة اخرج من هذة الورطة عن طريق حل آخر عسى الله عز وجل ان يوفقني لذلك.
175
__________
(1) الكميته : جيش جديد أنشىء فى الآونة الأخيرة و مؤسسها رفسنجانى .(2/157)
وكذلك كثيرا ًما يقومون بزيارة المدارس الكبيرة و يطلبون منهم بعض الفتاوى التي توافق مذاهبهم و على ألسنة المدرسين و مديري المدارس فإن كانت الفتاوى مما يوافق أهواءهم نشروها بين الناس باسم علماء السنة ، و كما أنهم أحياناً يختلقون بعض التهم ثم يأتون الى المدارس الاسلامية و يقولون لقد بلغنا أنكم تعملون لصالح دولة أجنبية و تتلقون الدعم المادي منهم ، أو بلغنا أنكم تعتنقون المذهب الوهابي (1)حتى يكونوا في اضطراب نفسي مستمر لكي يغلق علماء السنة أبواب مدارسهم بأنفسهم خوفاً من الاتهامات .
كما أن للباسدار(2)و جهاز سازنكي (3)رحلات للقرى يقومون خلالها بجمع شباب هذه القرى في مكان معين و يحضرون لهم جهازا الفيديو و التلفاز مع " مكينة " للكهرباء ليطلعوهم على بعض الأفلام المسلية ثم يلقون عليهم محاضرة دينية ثم يقومون بتوزيع البسكويت و الحلوى على الحاضرين و هكذا يتنلقون من قرية الى قرية وفق برنامج لكل قرية يوم معلوم ينتظره شباب القرية بفارغ الصبر لكي يشاهدوا هذه المسلسلات .
__________
(1) الوهابى : نسبة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رخمه الله الحنبلى قاهر أهل البدع و الضلال .
(2) الباسدار : و الذى يسمى بحرس الخمينى .
(3) جهاز سازندكى أسس فى الحكومة الحالية و يقوم بالتعمير و البناء .(2/158)
كما يقومون بفتح المكاتب العامة للمطالعة و التي تحتوي على كتب الشيعية و المجلات الشيعية و هي قليلة التأثير في أهل السنة و الجماعة لأن أغلب السنة لا يجيد القراءة و الكتابة ، و في هذه المكاتب أيضاً يقومون بتوزيع بعض الشعارات مجاناً حيث تلصق على الجدران و السيارات منها مثلاً : يا مهدي أدركني ، يا قائم أهل البيت و أسماء الأئمة و بعض الأدعية للخميني ، و بعض أقوال الخميني ، و أسماء الأئمة و صورهم من علي الى الحسن العسكري ، و صور الخميني و غيرهم و بعض الأحاديث المخرجة من كتب أهل السنة(1) .
176
تزويج من شاء من السنة بالشيعيات :
و اتخذت الحكومة وسائل أخرى للقضاء على أهل السنة و الجماعة في ايران ، منها تزويج السنة بالنساء الشيعيات و اللاتي تصدرهن الحكومة بعد اعطائهن دروساً مكثفة ، و اقناعهم بأنهن داعيات الى التشيع و عليهن دعوة الأزواج و أهل بيوتهم و ذريتهم الى التشيع ، و إظهار حسن الأخلاق و المعاملة الحسنة مع الزوج و أن تساير الزوج في طبيعته ...
فتعلن الحكومة في احدى المدن الاسلامية السنية مثلاً عن وصول مائة امرأة فمن يرغب في الزواج فليبادر قبل فوات الفرصة ، فيبادر أهل السنة الى الزواج و ذلك بقصد الشهوة و قضاء الوطر في البيض الحسان . و بهذا التزاوج كثيراً ما يتأثر به الأزواج و أهلهم فيميلون الى معتقداتهم ، و أما الذرية من هذه الشيعية فيتشيعون حتماً إلا النادر اليسير ، و صح عن النبي صلى الله عليه و سلم : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه " .
__________
(1) الأحاديث التى فيها ذكر فضائل آل البيت .(2/159)
ثم إن الأزواج يتأثرون كثيراً من هذه الزوجات و يتركون لهم تسمية أولادهم ، و في سفري من مدينة الى مدينة أخرى في ايران كان يجلس أمامي شاب معه طفل و بجواره زوجته فرأيته ينادي ابنه فيروز فسألته عن سبب تسمية ابنه بهذا الاسم ؟ فقال لي : إن زوجتي طلبت مني أن أترك لها تسمية أبنائي فاستجبت لها .
و أخبرني شيخ من علماء السنة بأن في قريتهم أيضاً تزوج أحد أهل السنة بشيعية إلا أنها كانت تظهر محبتها للسنة و أنها غير متعصبة و ذلك لأن هذه القرية كانت محافظة و متأثرة بآراء هذا الشيخ ، ثم حملت المرأة و أنجبت طفلاً فأمر الشيخ الرجل أن يسمي ابنه عمراً ، فذهب الرجل الى المرأة و هي مريضة بسبب متاعب الحمل و قال لها : إنني أريد تسمية ابني ، فقالت المرأة بأدب : أنت أبو الولد و الأمر إليك , فقال : إنني سميته عمراً ، فيقول الزوج : يا عجب ما رأيت لقد نهضت
177
المرأة بسرعة مذهلة من الفراش و صاحت بصوت مرتفع : لم تجد من الأسماء غير عمر . فياعجباً يتسمون بفيروز ( لعنه الله ) قاتل عمر ، و لا يتسمون بعمر بن الخطاب رضي الله عنه . و هذه القصة ذكرتني بما رأيت أثناء تأديتي لمناسك الحج ، ففي المدينةالمنورة كان مجموعة من الشيعة يريدون الدخول الى المسجد النبوي من باب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، و سمعت رجلاً من بعيد ينادي عليهم بصوت مرتفع : لا تدخلوا ، لا تدخلوا ، فالتفتوا إليه و التفت معهم ، ثم قال لهم : هذا باب عمر فغير الجماعة طريقهم الى باب آخر , و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث قال : " ايه يا ابن الخطاب ما سلكت فجاً وإلا و سلك الشيطان فجاً آخر " ، و لا أراهم إلا شياطين .
تغيير معالم المناطق السنية :(2/160)
و قاموا أيضاً بإنشاء مستوطنات في مناطق السنة و بناء بيوت حكومية في المدن السنية و توزيعها على الشيعة القاطنين في أماكن بعيدة من بلاد السنة ، و جلب الأيدي العاملة الشيعية الى مناطق السنة و ذلك لتكثيف عدد سكان الشيعة ، فمن زار مناطق السنة في ايران يلاحظ نشاطهم الرهيب في اقامة المستوطنات و خاصة في كردستان و تركمان و بلوشستان ، فمثلاً كانت زاهدان قبل خمسة عشر عاماً لا يسكنها شيعي واحد ، فكلهم سنة كقبائل شاهوزئي و شاه بيك ، و سرحدي ، و بعض العوائل السنية التي قدمت من مشهد و تربت و كان لا يوجد لهم إلا مسجد واحد صغير للشيعة عند مقر الجيش جاندار مرى(1) كما أخبرني أهل زاهدان ، والآن و قبل سنتين كان عدد الفائزين في الانتخابات لتمثيل مدينة زاهدان نصف من السنة و نصف من الشيعة ، و في انتخابات هذه السنة الحالية لم يفز إلا الشيعة ، و ذلك لتشجيع الحكومة في الهجرة الى هذه المناطق ، هذا و مع ما يحدث
178
من تزوير الانتخابات لصلاح الشيعة إلا أنه لم يبلغ بهذه المناطق بعد فيما أرى بأن لا يفوز السنة و لا حتى بمقعد واحد مع اعتبار زاهدان من أهم مراكز أهل السنة في ايران .
كيف يعاملون المهاجرين السنة من الأفغان ؟:
__________
(1) جاندار مرى : الجيش الايراني الذي أسسه شاه ايران و لا يزال موجوداً إلا أنه مقهور على أمره ، ربما جندي من كميتة أو الباسدار ينهر و يزجر عقيد في جاندار مرى .(2/161)
و مع تشجيعهم للشيعة في سكنى المناطق السنية ففي المقابل يمنعون السنة القادمين من خارج ايران من الإقامة و الاستيطان في أماكن السنة و خاصة مهاجري الأفغان المجاورة بلادهم لأهل السنة في ايران ، فأهل السنة كانوا يرحبون بإخوانه الأفغان في بداية هربهم من الروس لما يرونه من وجوب نصرتهم و الوقوف معهم و خاصة لأنه يجمع بينهم الدين الموحد و العقيدة المشتركة و العادات و التقاليد الواحدة ، و أحياناً تجمعهم لغة محلية مشتركة ، و لقد عرفت الحكومة الكائدة لأهل السنة و الجماعة خطورة نزول المهاجرين في مناطق السنة فأخذت تكيد لهم حتى ينفر أهل السنة من الأفغان المهاجرين ، و المهاجرون من أهل السنة إنها خطط خبيثة خفيت على عامة أهل السنة فأذاعت الحكومة و نشرت عن كثير من الحوادث الإجرامية الشنيعة و قالت إن أصحاب هذه الجرائم هم من الأفغان الذين قدموا الى هذه البلاد . و من الأمثلة على ذلك أن أهالي إحدى القرى يتحدثون عن أن أفغانياً قدم الى احدى المناطق المجاورة لهم و سكن لدى احدى العوائل السنية فأكرموه و أنزلوه في أحسن منزل إلا أنه اغتنم فرصة ذهاب رب الأسرة الى العمل فهجم على المرأة فقطع أذنيها لأجل القرط و معصمها لأجل الخاتم و الأساور ثم فعل ما فعل و بقر بطن المرأة و خرج هارباً ، و في الطريق تمكن حرس الخميني من القبض عليه بعد أن رأوا الدم يسيل من " شنطته " ففتحوا " الشنطة " فإذا بهم يجدون أذني امرأة و بعض الذهب ، و نفس هذه القصة تسمعها عندما تنتقل الى مسافة سبعمائة كيلومتر من مدينة أو قرية أخرى سنية لأن هذه الشائعات مصدرها واحد ، و أيضاً من باب زيادة التنفير منهم يعلنون و يذيعون بين الناس أنهم مصابون بأمراض خطيرة معدية حتى أنهم أحرقوا
179(2/162)
ستة من الأفغان في احدى المدن الإيرانية السنية ليظهروا للناس أن بهم من الأمراض الخطيرة المعدية ، و بحرقهم تموت " الميكروبات" و الجراثيم التي يحملونها ، و التي لا يمكن القضاء عليها إلا بحرقهم .
و مع كثرة هذه الدعايات أصبح السنة ينفرون من الأفغان السنة نفراً شديداً و يبلغون عنهم اذا رأوهم في قراهم و مدنهم أو يحاولون طردهم من بلادهم ، و بالقابل نجد أن شيعة الأفغان من قبيلة هزاري يربعون في ايران و يصولون و يجولون في المدن الشيعية دون أية مضايقات بل إن أكثر أماكن المتعة في المدن الايرانية يتزاحم عليها شيعة الأفغان ، كما أخبرني بعض من شاهد هذه الأماكن .
و لم يكتفوا بتنفير أهل السنة من الأفغان بل نفروا الأفغان أيضاً من أهل السنة ، و أشاعوا بينهم أموراً كاذبة نعف عن ذكرها ، و قبل شهر تقريباً هجم الجيش الايراني على موقع المهاجرين الأفغان في احدى المدن السنية ليلاً و أجلوهم عن هذه البلدة و لقد اطلعت بنفسي على بيوتهم بعد أن أجلوهم عنها و فيها آثار هدم للأسوار و الأبواب فالله سبحانه و تعالى المستعان .
ثم إن غالب السنة في ايران يقطنون في الأماكن الحدودية من ايران على حدود تركيا و العراق و أفغانستان و باكستان و روسيا فهم لا يجدون صعوبة في الخروج من ايران ، و أما الدخول فالصعوبة شديدة جداً فتجد أفراد القبائل الحدودية يسلكون طرقاً وعرة في الدخول الى أماكنهم و قراهم و ذلك لأن الحكومة تحرص على تشجيع السنة على الهجرة و الخروج من ايران .
تطبيق مبدأ " فرق تسد ":
و من ضمن خطط الحكومة الحالية في إحكام سيطرتها و تمكين قبضتها على الأقاليم السنية في ايران ما نوجزه فيما يلي في أحد أكبر أقاليم السنة في ايران وجدت الحكومة أن هناك ثلاث
180(2/163)
فئات لها نفوذ قوي في الشعب و هم : طبقة الحكام ، و الشباب المثقف ، و طبقة العلماء ، فعمدت الى إثارة مسألة ظلم الحكام و اغتصابهم لحقوق الشعب و الأهالي و أنهم سرقوا أموالاً طائلة في زمن الشاه و بهذه الكلمات و الدعايات أثاروا الشعب على الحكام حتى أنهم ثاروا على حكامهم السابقين و استولوا على ممتلكاتهم و استطاع معظم الحكام من الهروب الى الدول الأوروبية أو الى دول أخرى ثم بعد فترة غير طويلة أعادت الحكومة معظم ممتلكات الحكام السابقين الى حوزتها .
ثم أثاروا علماء السنة ضد الطبقة المثقفة و أثاروا الشعب معهم زاعمين بأنهم شيوعيون و أصبحت الحكومة توزع بعض المنشورات بأسماء هؤلاء فيها سب صريح للدين و الإسلام و لعلماء المنطقة ثم أصبح الجيش الايراني يكتب على الجدران في المدن السنية الموت للإسلام و تحيا الشيوعية باسم هؤلاء الشباب حتى ثار الشعب و علماء السنة ضد هؤلاء الشباب و مكنوا الدولة من القبض على بعضهم حيث نفذ حكم الإعدام فيهم بل أعدم بعضهم في المدن " دهساً " بالسيارات كما " دهسوا " مهندس آمشكاني ، و بهذه الدعوة طاردت الحكومة و تتبعت كل من يحمل شهادة الليسانس من السنة و كثير ممن يحمل شهادات الثانوية العامة ثم انفردوا الآن بطبقة العلماء و بعد الأحداث التي افتعلوها في الحج شنت الحكومة حرباً شعواء على الوهابية في خطتها لضرب علماء السنة ثم طلبت من علماء السنة إصدار فتوى في حكم الوهابية فوقّع الحاضرون بالإجماع خوفاً من غضبة الحكومة بأنه مذهب مبتدع و للحكومة الحق في تأديب من اعتنق هذا المذهب و البعض وقع جهلاً منه في شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى و في دعوته الإصلاحية.
181
اتهامهم لعلماء السنة:
و كم قبضت الحكومة على علماء أفاضل بدعوى أنهم وهابيون و كم أغلقت مدارس بدعوى أن مؤسسيها وهابيون ، و بلغ الحد بهم أن هدموا إحدى المدارس بالجرافات ليلاً بدعوى أن مؤسسها وهابي .(2/164)
بل إنه بلغ بهم الأمر أنهم قبضوا على مولوي نذير أحمد و هو عضو في مجلس الشورى الايراني سابقاً ، و من العلماء الصالحين و ذلك لأنه تكلم عن فضل الصحابة رضوان الله عليهم ، و حكم من سبهم أو لعنهم ثم ظهر الشيخ على شاشة التلفاز بعد القبض عليه و لمدة سبعة دقائق يتحدث بأنه كان عميلاً للرئيس صدام حسين ، و أنه من الاستخبارات العراقية ، ثم لم يكتف بهذا الأمر ، و أخيراً حكمت عليه المحكمة الايراني بالرجم بتهمة الزنا ( و العياذ بالله ) هكذا يعاملون علماء المسلمين .
بل إن الأمر أدهى من ذلك و أمر , و ذلك بأنهم قبضوا على أحد علماء السنة في احدى المناطق السنية لأنه يتكلم في خطبته يوم الجمعة عن ولاية الفقيه ، و قال : لا يجوز لنا الاعتقاد في العصمة لأحد من الناس بعد نبينا كائناً من كان ، ثم لم يلبث الشيخ في السجن أقل من أسبوع حتى أعلن توبته في المذياع و أمر بولاية الفقيه على الملأ ، ثم بعد أن سأله أحد كبار العلماء عن سبب رجوعه عن رأييه ( ليتني لم أسمع ما قاله ) فقال : و الله ما رجعت عن اعتقادي و لكنني اضطررت لذلك عندما أدخلوا السجن عشرة شبان من الحرس الخميني و معهم من يرتدي العمامة السوداء و هو يحثهم على اللواطة بي أو أن أرجع عن رأيي على الملأ و هو يقول لهؤلاء الشبان أنتم في فعلكم هذا مثابون عند الله عز وجل و ليس عليكم غسل بعد اللواطة (1) ، هكذا أعداء الله يفعلون .
182
__________
(1) تعجب فإنهم يرون بجواز إتيان المرأة في الدبر و خاصة عندما تكون المرأة حائض و نفساء استدلالاً بقول الله عز وجل : (( فأتوا حرثكم أنى شئتم )) الحمد لله على نعمة حسن الاعتقاد و حسن الأعمال .(2/165)
ثم التقيت بأحد العلماء الغيورين ( جزاه الله خيراً و أثابه ) و قد تكلم في بعض الأشرطة عن معتقدات أهل السنة و الجماعة في كثير من الأمور و قال هذا الذي نعتقده و ندين الله عز وجل به يوم القيامة و هذا قولنا و رأينا فإن غيّرنا بعد ذلك أو تكلمنا بغيره ربما استكراهاً أو تحذيراً فلا تأخذوا عنا إلا هذا الذي سمعتموه منا في هذه الأشرطة .
أسبوع الوحدة الإسلامية :
و من مخططاتهم في تشييع أهل السنة و الجماعة إقامة أسبوع في كل سنة يسمى بأسبوع الوحدة ، و يبتدئ من 12 / ربيع الأول إلى 17 / ربيع الأول حيث يجتمع علماء السنة و الشيعة في مكان واحد و يتبادلون الخطب و المواعظ يتحدث علماء السنة عن الوحدة و حكم الفرقة ، و يتحدث علماء الشيعة عن معتقداتهم و يجب على الجميع اتباع الخميني ، و القول بولاية الفقيه ثم يرددون جميعاً ( جه شيعه جه سنه رهبر فقط خميني ) (1) .
ثم يصلون جميعاً خلف أئمة الشيعة على الملأ من السنة و الشيعة و في إحدى احتفالات أسبوع واحد في منطقة سنية و كان نسبة السنية أكثر من تسعين بالمائة من مجموع الحاضرين فطلب العلماء أن يتقدمهم في الصلاة أحد علماء السنة فرفض الشيعة هذا الطلب و اتهموهم بأنهم يخالفون أسبوع الوحدة و بالتالي فإنهم يخالفون الحكومة الإسلامية .
و كذلك تحاول الحكومة إثارة النزعات القبلية السنية لإيقاع الحروب بينهم و تسعى في إشعال هذه الحروب و تأجيجها فمثلاً عندما يذهب أحد أفراد القبائل الى الحكومة ليشتكي على قبيلة ما أوعلى شخص ما بأنه قتل أخاه أو ابنه يجيبه بأنني أعطيك السلاح و انتقم لنفسك،هكذا كثير من القبائل تتطاحن فيما بينها بتشجيع من الحكومة .
183
جيش البسيج:
__________
(1) أي كل السنة و كل الشيعة قائد هم و قدوتهم فقط الخميني .(2/166)
ثم إن الحكومة الآن شكلت جيشاً جديداً يسمى البسيج في عموم مناطق ايران ، و يتألف من السنة في مناطق السنة من غير أن تصرف لهم رواتب و يقولون لهم أخرجوا رواتبكم بأنفسكم بعد أن تعطيهم الأسلحة كالرشاشات ، و من أجل الحصول على رواتبهم يضعون الحواجز على الطرق ثم يوقفون السيارات و المارين و يطلبون من أصحاب السيارات غرامات مالية و يخلقون لهم بعض التهم و المخالفات و بسبب هذا البسيج كم من حوادث قتل حدثت بل إن البسيج أصبحوا يتقاتلون فيما بينهم على مرأى من الحكومة و عند إحدى محطات البنزين التقى بسيج قرية مع بسيج قرية أخرى و بسبب خلاف وقع بينهما لم ينته هذا الخلاف إلا و في المحطة اثني عشر قتيلاً .
و بعد هذه الحادثة قام بعض أهل العلم و الحكمة في توضيح الأمر للناس ، و بينوا قصد الحكومة من إنشاء هذا البسيج في مناطق السنة فتخلى كثير ممن يعمل في البسيج عن وظيفته و أعادوا الأسلحة إلى الحكومة .
و أيضاً فإن الحكومة وضعت إغراءات لمن يعتنق التشيع و يظهر ذلك ، و خاصة لعلماء السنة في إجراء الرواتب لهم ، و إعطائهم بعض الامتيازات ، و يا للأسف كم من رجل باع دينه بعرض من الدنيا قليل فإن إحدى القبائل تشيع نصف رجالها تقريباً ، بل إن هناك منطقة تشيع أكثر من 80% من عدد سكانها و قامت الحكومة بعد ذلك بإعطائهم بعض الأراضي الزراعية مع مكائن الماء و تسو ير هذه الأراضي ، و كذلك فإن أحد علماء السنة كان يعمل إماماً لأحد مساجد السنة و يتقاضى خمسمائة تومان راتب شهري من أهالي القرية كما هو حال جميع أئمة المساجد السنية ، و المدرسون يتقاضون رواتبهم من الأهالي و لا يوجد إمام واحد و لا مدرس واحد يتقاضى راتب من الحكومة
184(2/167)
الايرانية أو من وزارة الأوقاف التي أنشئت لهذا الغرض اللهم إلا من يتعاون مع الحكومة ، و الآن تشيع هذا الرجل و يعمل إمام مسجد للشيعة في أحد المناطق السنية و يتقاضى راتباً شهرياً من وزارة الأوقاف قيمته ثلاثون ألف تومان غير ما يحصله من الهدايا و التحف .
تكفيرهم للسنة :
بل أعلن الكميته في جريتهم الرسمية و في أثناء الحرب العراقية الايرانية و انشغالهم في المعركة بأنهم استطاعوا إدخال عشرة من السنة في الإسلام و ذلك عن اقتناع منهم من غبر رهبة و لا رغبة ثم علقت الجريدة على هذا النبأ قائلة بأن ذلك من أجل الأعمال التي استطاعت كميته أن تفعله في هذه المنطقة ، و بعد نشر الخبر قام بعض علماء السنة بالاحتجاج على هذا الخبر و خشيت الحكومة وقت ذاك لانشغالها في المعركة فأعلنت أن هذا الخبر رأي مجرد للصحفي و أن الحكومة ترى أن السنة مسلمون .
فيا أخي المسلم الغيور على دينك اذا كانوا يعلنون ذلك بالأمس و هم أذلة في معركتهم مع العراق فما تظنهم فاعلون اليوم . و تجد الحكومة في قضايا يسيرة تقع لأهل السنة تعاقب أصحابها أشد أنواع العقوبة و على سبيل المثال قام صاحب مطعم سني ببيع حمار كما ادعت الحكومة لبعض زبائنه فلما قبض عليه حكم عليه بالإعدام و نفذ الحكم ، فهل هذا حكمه شرعاً على فرض صحة التهمة ؟
و رجل آخر ارتدى زي الباسدار ( الحرس الخميني ) و هو مدرس في الثانوية العامة فحكم عليه بالإعدام و نفذ الحكم ، فهل هذا حكمه شرعاً ؟
و ثلاثة من السنة وقعوا في أسر ثوار السنة بعد معركة قتل أحدهم و كانوا أربعة و جرح أحد الثلاثة ، و اكتفى الثوار بأخذ أسلحتهم و تركهم مقيدين ، بعد علم الحكومة بذلك حكمت الحكومة
185
عليهم بالإعدام و نفذ الحكم ، و لو كانوا في دولة منصفة رشيدة لنالوا من حكومتهم أوسمة الشجاعة و الشرف و البطولة . و كانت التهمة في هذه القضية التواطؤ مع الثوار .(2/168)
و لذلك كثير من أسرى الحرب يتمنى الموت دون الرجوع الى ايران لأنه ربما يحكمون عليهم بالتواطؤ مع الجيش العراقي .
و مع هذه العقوبات الصارمة التي تصدر في حق أهل السنة مقابل مخالفات يسيرة نجد أن الحكومة تشجع المخدرات و تروجها في مناطق أهل السنة بل إن الباسدار بأنفسهم يقومون ببيع الهيروين على أهل السنة ، و لقد تكلمت بنفسي مع رئيس الباسدار في أحد المناطق السنية عن انتشار الهيروين في المنطقة و لمحت له بتقصيرهم عن هذه المهمة فأجابني : إننا على استعداد لتأديب أي مدمن أو تاجر بشرط أن نتأكد من صحة الخبر ، و قبضت الحكومة على بعض تجار مخدرات الهيروين ثم أطلقت سراحهم بعد ثبوت القضية عليهم و اكتفت بأخذ بعض الغرامات المالية عليهم .
بشائر خير :
و ليس معنى هذا الكلام أن ايران انتهت و تحولت الى دولة شيعية بحتة و إن كانوا يكيدون كيداً و يريدون ليطفئوا نور الله إلا أن الله عز و جل ناصر دينه و معلي كلمته و إن كره المشركون من غير حول منا و لا قوة فنجد و لله الحمد و المنة من علمائهم و من هم في رتبة آية الله يعلنون عن رجوعهم الى عقيدة أهل السنة و الجماعة من غير تقية و لا رغبة و لا رهبة كآية الله برقعي في طهران ، و في قم نفسها و في شيراز و أصفهان .
بل تأسس في أصفهان جمعية سرية تطلق على نفسها الباحثون عن الحقيقة و أصدروا كتاباً سموه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يقولون فيه كيف أننا عشنا على بغض هذه الشخصية
186(2/169)
الفذة العملاقة ، و كيف يعقل أن هذه الشخصية تغتصب الخلافة من أصحابها ثم يأبى أن تكون الخلافة من بعده لابنه مع إلحاح من الصحابة رضوان الله عليهم كحذيفة بن اليمان رضي الله عنه ليجعلها في ابنه عبد الله و يذكره بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن عبد الله رجل صالح " فيأبى ذلك مع تمكنه من ذلك و لو فعل لنفذ و لكن يجعله في ستة مات الرسول صلى الله عليه و سلم و هو عنهم راض و هم أولى من ابنه و ليس فيهم أحد من عدي بن كعب .
و أيضاً بعد حملة ايران الشرسة على الوهابية و بعد افتضاح أمرهم في الحرم المكي الشريف أصبح الإيرانيون الشيعة و خاصة الطبقة المثقفة يأتوننا ليسألوا عن الوهابية ما هي الوهابية ، لأن الكثير منهم أصبح لا يطمئن لآراء الحكومة و لحسن الحظ كان لدي عدة نسخ من كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الهاب ، مترجم باللغة الفارسية بجوار الكتابة العربية ، و لله الحمد ما قرأه أحد الشيعة إلا و تأثر بل إن أحد الشيعة أقسم أن يطبع هذا الكتاب على نفقته الخاصة . و ظهرت الآن جماعة من الشيعة يسمون أنفسهم بالموحدين و خاصة في شيراز و ينفرون مما كانوا هم عليه في السابق من الإشراك بالله عز و جل .
و فعلاً يا أخي المسلم لو أنك أخذت جولة في ايران لا تشعر بأنك في دولة إسلامية ، أصنام و أشخاص تعبد من دون الله عز و جل ، و الله الذي لا إله إلا غيره ما كان مشركو مكة أكثر غلواً بأصنامهم من هؤلاء بأئمتهم من دون الله عز و جل ، و لو أنهم قرءوا القرآن بصدق لنبذوا ما هم عليه من الإشراك بالله عز و جل ، بل تجد الجيش الايراني و معهم أعلام كتبت عليها لبيك يا خميني ، حتى الماء الذي يضعونه في سبيل الله عز و جل في الطريق و الشوارع كتب على ثلاجات الماء (بنو شيد بنام حسين ) أي اشرب باسم الحسين و العياذ بالله عز و جل .
187(2/170)
فنسأل الله عز و جل أن يجنبنا و أبناءنا و المسلمين الإشراك به و نسأل الله عز و جل بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يهديهم للإسلام و التوحيد فإنه مقلب القلوب و الأبصار .
و أيضاً و لله الحمد و المنة فإن في ايران علماء مخلصين و رجالاً صالحين يقومون بالتبليغ و نشر الدين و قد أخذوا على عواتقهم هذه المسؤولية يبتغون بذلك وجه الله و الدار الآخرة ، و قد أسسوا المدارس الإسلامية في القرى و المدن و في الأماكن الوعرة الجبلية لمن يقطنها من المسلمين و قد التف حولهم كثير من الناس و هم على استعداد ليفتدوا بأرواحهم في سبيل الله عز و جل ، و لا يزال المسلمون و العلماء يأخذون جانب الحكمة و التأني و الدعوة بالموعظة الحسنة دون أن يعلنوا الجهاد في سبيل الله عز و جل حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .
و لو رفع المسلمون علم الجهاد في ايران لن يضعوا الراية حتى يؤذن الأذان المشروع في طهران و قم ، و انظروا الى مدى تعصب هذه الحكومة الشيعية التي رفضت أن تبني للمسلمين السنة مسجداً سنياً واحداً مع أن عدد السنة في طهران حوالي خمسمائة ألف (1) مع وجود السفارات الإسلامية كلها في العاصمة و قام أهل السنة بجمع التبرعات لإنشاء مسجد سني واحد في طهران ثم أخذ الأموال الشيخ الجليل مفتي زادة فك الله أسره حتى يلتقي بالإمام الخميني لأجل هذا المشروع فماذا حدث ، اغتصبت الحكومة أموال المسلمين و ألقي الشيخ في السجن و لا يزال في سجنه منذ سنوات .
و قد ناشد كثير من المسلمين و الجمعيات الإسلامية في خارج ايران الحكومة الايرانية في إطلاق سراح الشيخ مفتي زادة لما له من جهاد كبير ضد الحكومة السابقة شاه إيران و لكن دون أية استجابة من الحكومة .
190
__________
(1) الأصح أن عدد السنة في طهران هو أكثر من خمسمائة ألف نسمة . ( غ ) .(2/171)
مشاهدات علماء أهل السنة
الذين زاروا ايران
بعد أن أستعرضنا أقوال أهل السنة في إيران ، وبينا الظلم الذي لحق بهم ، والأساليب الشيطانية التي يمارسها آيات طهران ضدهم ... ضدهم جميعا ً كأهل السنة ، وليس ضد الأكراد وحدهم أو ضد البلوش وحدهم .
ننتقل في هذا المبحث إلى عرض أقوال نفر من علماء أهل السنة الذين زاروا إيران استجابة لدعوات رسمية من قادة الثورة الخمينية ... وهؤلاء جميعاً كانوا من الذين أيدوا ثورة الخمينية عند قيامها ، وظنوا إنها ثورة إسلامية وليست رافضية ، فصدمتهم الحقائق عندما شاركوا في مؤتمرات طهران العالمية ،ومن بين نشرات وتقارير كثيرة وقع اختيارنا على التقارير الثلاثة التالية :
_ تقرير لنائب الأمين العام لجمعية علماء الإسلام في باكستان الشيخ زاهد الراشدي ، وقد نشرته مجلة البلاغ الباكستانية ،وهو اجود هذه التقارير وأكثرها رصانة .
_ تصريحات لشيخ محمد عبد القادر آزاد رئيس مجلس علماء باكستان أدلى بها لأكثر من صحيفة ، ونشرها في رسالة مطبوعة عنوانها " ماذا يجري لأهل السنة في إيران " .
_ تقرير كتبه " محمد سعيد بانو " من جنوب إفريقيا ، ونشره في كتاب عنوانه " تسعة أيام في إيران " .
191
تقرير الشيخ زاهد الراشدي
هذه ترجمة لما كتبه نائب الأمين العام لجمعية علماء الإسلام في باكستان الشيخ زاهد الراشدي بلغة " أردو " وذلك بعد عودته من إيران في زيارة رسمية لها بدعوة من قبل بعض المسؤولين الإيرانيين ، وقد كشف في بيانه ما شاهده هو وأعضاء الوفد المرافق له من المضايقات على أهل السنة في إيران
.(2/172)
وقد نشرت هذه المقالة عدة مجلات شهرية بلغة الأوردية ، ومنها مجلة "البلاغ " التي تصدر شهريا ً من " دار العلوم " كراتشي ، في مجلدها الحادي والعشرين تحت رقم 6 بتاريخ 1/6/1407ه الموافق 1/2/1987م وهذا نص الترجمة :
" قمت بزيارة بعض الأماكن والمدن الإيرانية بمرافقة عدد من العلماء والمفكرين بتاريخ 1/1/1987م إلى 12/1/1987م بدعوة من مسئولين إيرانيين ، وكان الوفد مكونا ً من :
1_ الشيخ منظور أحمد جنيوتي عضو مجلس البنجياب .
2_ شودري صفدر علي من لاهور .
3_السيد محمد أحسن خاكواني من ملتان .
4_ راجه رب نواز من كويته .
192
5_ د . اعجاز شفيع من إسلام آباد .
6_ السيد مختار حسن من راو لبندي .
7_ المفتي دائم الدين من سكهي .
8_ السيد أسد الله بوتو من سكهي .
9_السيد حسين احمد من كويته .
10_السيد عبد الرحمن من كويته .
11_د.عطاء الرحمن من كويته .
12-د.عبدا لواسع من لورلائي .
13_السيد شاهد حسين من كويته .
14_ ميرزا رشيد بيك من كويته .
وكنا في ضيافة الحكومة الإيرانية_ إدارة شئون الدعوة الإسلامية _ ويرأس الإدارة في الخارج السيد حجة الإسلام محمد علي تسخيري ورفقائه السيد مسعود علي رضوي ،
والسيد خالد حسين وهم الذين كانوا يتولون امور الضيافة وقد احسنوا ضيافتنا ونحن نشكرهم على حسن الضيافة .
وقد تيسر لنا زيارة عدة مدن إيرانية منها : زاهدان ،طهران ، مشهد ،قم .
كما تيسرلنا اللقاء مع كبار زعماء الثورة الإيرانية والتحدث معهم ومن بينهم السيد آية الله المنتظري " نائب الخميني "،السيد آية الله جنتي ، والسيد آية الله خز علي ،(2/173)
والسيد آية الله طبسي ، وغيرهم من أعضاء البرلمان الإيراني " مجلس الشورى " كما قمنا بزيارة المدارس الدينية " الشيعية " في مدينة قم وبالخصوص : المدرسة الفيضية للسيد آية الله الخميني ، وزيارة جامعة الإمام جعفر الصادق بطهران، وجامعة الإمام رضا بمشهد ،وجامعة زاهدان "بلوشستان "،
193
وقد تبين لنا مستوى النظام التعليمي في إيران ، وقد كان من أهداف زيارتنا لإيران :
أولاً: الإطلاع على مخلفات الثورة الإيرانية .
ثانيا ً: مشاهدة تحول المجتمع الإيراني بعد الثورة .
ثالثا ً: معرفة طرق الجهود والمساعي المبذولة للثورة الإيرانية .
رابعا ً وأخيرا ً: معرفة أحوال أهل السنة ومدى ما يتمتعون به من الحقوق المدنية والاستحقاقات الأخرى .(2/174)
وكانت مساعينا موجه بقدر الإمكان تجاه الاستفادة وحصول العلم عن تلك المقاصد المذكورة "أعني بعد إظهار انطباعاتي وتأثيراتي نحو أحوال أهل السنة وحقوقهم في إيران وليس بلازم ان تكون هذه الانطباعات لجميع أعضاء الوفد " إلا أن أساس هذه التأثرات مبني على الوقائع التي قد شاهدها الجميع . وكان طريق معرفتنا بأهل السنة في إيران من قبل المضيفين لنا حيث إنهم اختارونا لنا اليوم الذي حدد لنا لمشاهدنا البرلمان الإيراني ، وفي نفس اليوم خصصوا لنا جلسة مع ثمانية أعضاء في البرلمان الإيراني من أهل السنة ، وأخبرنا بأن مجموع الأعضاء في البرلمان الإيراني مائتان وسبعون عضوا ً _ من بينهم أربعة عشر عضوا ً من أهل السنة ، ومنهم ثمانية الذين شاركناهم في الجلسة _ وكان الشيخ محمد إسحاق المدني والشيخ محمد حامد دامني والشيخ السيد حسين يرأسون أعضاء أهل السنة في البرلمان ، والأولان من بلوشستان الإيرانية والثالث من كردستان ، وقد توفرت لنا هذه الجلسة معلومات كثيرة مفيدة جدا ً نحو عمل البرلمان الإيراني ونحو تعامل الثورة الإيرانية مع أهل السنة وانطباع أهل السنة تجاه الثورة الإيرانية ،واتضحت لنا القضايا العديدة من خلال الاستفسارات ولكننا لاحظنا ان الشيخ محمد حامد و الشيخ محمد إسحاق المدني (1) مع أجادتهما اللغة
194
__________
(1) عضوان في البرلمان الإيراني : الشيخ محمد إسحاق المدني والشيخ محمد حامد دامني وهما من أهل السنة ولا يستطيعان الحديث مع الوفد الزائر بلغة الأوردو مع اتقانهما لهذا اللغة ، وأصرا على الحديث بالفارسية ليكون الحديث واضحا ًأمام جواسيس السلطة !! أي كبت وأي إرهاب هذا الإرهاب وأين الحصانة لأعضاء البرلمان ؟!.(2/175)
الأردية تجنيا المحادثة بها وتحدثا معنا باللغة الفارسية وأصرا باستمرار المحادثة بالفارسية وأدركنا سبب امتناعهما عن المحادثة بالأردية ولم يكن من المقرر من قبل المضيفين أن نزور علماء أهل السنة أو الطوائف الأخرى منهم بل لاحظنا أحيانا ً أنهم يكرهون ذلك ، إلا أننا حاولنا زيارة بعض علماء أهل السنة بتغيير جدول الزيارات المنسق من قبل المسئولين والانصراف عن بعض البرامج المقررة من قبلهم ، وعند زيارة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله سربازي وقعت لنا مع الإيرانيين مسألة مهمة ، فالشيخ المذكور خطيب الجامع المركزي بزاهدان " بلوشستان " وهو من كبار علماء أهل السنة في إيران وكان على صلة وثيقة بزعماء الثورة الإيرانية في بدء الأمر ، وبعد الثورة كان عضوا ً في برلمان تصويب القانون الأساسي في إيران من قبل بلوشستان ، ولما وصلنا إلى زاهدان علمنا أن الشيخ عبد العزيز مريض وهو في مستشفى بطهران ، فحاولنا بعد عودتنا إلى طهران أن يسجل في برامج زيارتنا عيادة الشيخ عبد العزيز ولكننا مع الأسف لم ننجح في تحقيق هذه الأمنية على رغم مساعينا المتتابعة ، وذلك حينما أظهر المسؤولون من خلال فعلهم هذا أنهم لا يرتاحون لذلك ، وعلى كل حال لما قرب أوان مغادرتنا طهران إلى مشهد عزمت أنا والسيد منظور أحمد جنيوني ، و السيد حسين أحمد ، والقارئ عبد الرحمن ، و د. عطاء الرحمن ، وشودري صفد علي على أن نتشرف بزيارة الشيخ عبد العزيز فوصلنا إلى مقره في المستشفى وتشرفنا بعيادته والمحادثة معهم في شتى المجالات ولاحظنا من شكواه من زعماء الثورة , أن عدم شمول لقائه وعدم وضع عيادته في برنامجهم لم يكن بلا سبب ، وعند عودتنا إلى زاهدان حصل لنا عين ما حصل في طهران ، حيث
195(2/176)
زرنا نحن ( ثلاثة أو أربعة من الزملاء ) دار العلوم _ زاهدان ، وتركنا بقية زملائنا في الاستراحة والتقينا هناك بالشيخ نذير أحمد والشيخ محمد قاسم وهما من خريجي دار العلوم كراتشي بباكستان ويُدرسان حاليا ً في دار العلوم زاهدان ، وقد أعلن في برنامج الوفد أن صلاة العصر ستكون في المسجد المركزي , ولكنهم اشغلوا الوفد من بعد الظهر حتى ذهب وقت العصر ووقت المغرب في حين قرروا السفر الى باكستان صباحا ً واضطررنا أن نؤدي صلاة العصر والمغرب في جامعة زاهدان وبعد الإصرار والإلحاح الشديدين ومرارة الكلام وفق الوفد بالوصول الى المسجد المركزي لأداء صلاة العشاء وفعلا ًصلينا العشاء في المسجد المذكور ولقينا عدد من المصلين وعدداً من طلبة دار العلوم زاهدان ، وبحثنا معهم بعض المشاكل والمسائل واستفدنا من بعض المعلومات الجديدة وكنا نود أن نزور الشيخ محمد يوسف التلميذ الخاص للعلامة السيد محمد يوسف البندري رحمه الله تعالى حيث أنه في سرادان يدير المدرسة الدينية الكبيرة وفيها عدد كبير من طلبة العلوم الدينية في جميع المراحل حتى المرحلة النهائية أعني درجة الفراغ من الكلية ، والشيخ محمد يوسف من زملاء الشيخ منظور أحمد جنيوني حيث درسا معا ً _ وسرادان تبعد عن زاهدان حوالي مئتي كيلو متر _ وقد أخبر الشيخ محمد يوسف هاتفيا ً برغبتنا هذه فوصل إلى زاهدان الليلة التي كنا نريد أن نغادر زاهدان وحينما وصل إلى مقرنا كان الوفد على استعداد للذهاب لزيارة أمير بلوشستان وأمرني الوفد بأن أبقى مع الشيخ محمد يوسف بعد تشاور فيما بينهم ويذهب بقية أعضاء الوفد لزيارة الأمير إلى أن المسئولين منعوا الشيخ محمد يوسف (1)
__________
(1) ما جاء في تقرير نائب الأمين العام لجمعية علماء باكستان يغني عن التعليق : " كنا نتحدث في حدود ساعة أو أكثر كأننا في السجن ، و كما يعامل زعيم سياسي في السجن عند لقائه بزواره " ... و هذه المعاملة لأهل السنة في ايران ، و لأهل السنة الذين يزورون ايران بدعوات رسمية .(2/177)
و زميليه من الدخول الى غرفتنا و أمرونا بالجلوس في غرفةا لضيافة
196
التابعة لقسم الاستعلامات تحت حراسة عدد من الأفراد وكنا نتحدث في حدود ساعة أو أكثر كأننا في السجن وكما يعامل زعيم سياسي في السجن عند لقائه بزواره ، ولقد تيقنا أن أهل السنة والجماعة يعانون المشاكل والمصائب في إيران ، ولعلنا ما كنا (1) نصدق هذه الأمور إلا أن المسئولين والمبرمجين لزيارتنا قد أثبتوا لنا هذه المشاكل المذكورة والشكاوى الواردة بمعاملتهم وسلوكهم ، ولم يتركوا لنا مجالا ًللبحث عن مزيد ولم يبق لنا إلا اليقين والتصديق بما سمعناه من الشكاوى والمشاكل وعلمنا بأنها محققة ، وبعد هذا العرض الموجز أذكر تلك المصائب والمشاكل التي تواجه أهل السنة في إيران ويظهر على ضوء ما يعامل زعماء الثورة الإيرانية أهل السنة أنه لا منقذ لحل هذه المشاكل حاليا ً .
1_ الإحصائيات في إيران لم تتم من حيث الشيعة والسنة ومن ثم فمعرفة نسبة عدد أهل السنة على وجه الدقة واليقين صعب جدا ً إلا أنه حسب تقريرات بعض زعماء أهل السنة يبلغ عدد أهل السنة بالنسبة إلى مجموع سكان إيران خمسا وعشرين في المائة ويقطن معظم أهل السنة في محافظتي بلوشستان و كردستان (2) إلا أن نظام الحكم نظام محدد مركزي لا دخل لأمراء المحافظات لأن أمير المحافظة مندوب عن الحكومة المركزية فحسب ، ولذلك لا أثر لأكثرية أهل السنة سياسيا ً ولا وزن لهم في المحافظين المذكورين إلا إذا طبقت الحكومة النظام الأقليمي فعندئذ يحصل لأهل السنة من بين الشيعة في بلوشستان كردستان وزن ووقار .
__________
(1) هؤلاء صدقوا بعد أن رأوا بأعينهم , مع أن الرؤية ليست السبيل الوحيد لتصديق الخبر .
(2) لا أدري لماذا لما يذكروا بقية مناطق أهل السنة رغم أهميتها ؟! .(2/178)
2_ ولا يوجد لأهل السنة مسجد واحد في عاصمة إيران مع وجود عدد كبير لأهل السنة فيها وذلك لعدم سماح الحكومة الإيرانية ببناء مسجد لهم .
197
3_ ونسبة أهل السنة في الوظائف الحكومية المهمة والمناصب الحساسة ضئيلة جدا ً ، ولا تستحق الذكر .
4_ المناصب التي أكثرية سكانها من أهل السنة يتولى المناصب العليا فيها الشيعة ومن غير سكانها ولا سيما بلوشستان فجميع من يتولى المناصب الهامة فيها من غير أهل السنة ومن غير المقيمين بها .
5_ وتسعى الحكومة الإيرانية في إبعاد أهل السنة من الوظائف بشتى الطرق .
6_ تخطيط توسعة إسكان غير أهل السنة في المناطق التي أغلبية سكانها من أهل السنة وذلك تدريجيا ً وقد أفادنا بذلك كبار زعماء أهل السنة وأبدوا تخوفهم الشديد من الخطة التي يطبقونها في مقاطعتي بلوشستان وكردستان بأنه لو استمرت الأحوال هكذا سوف تحول المنطقتان المذكورتان من أكثرية إلى أقلية خلال عشر سنوات .
7 _ منحت السلطة الأقليات في إيران حق تشكيل منظمات حسب القانون الأساسي إلا أهل السنة فإنهم محرومون من هذا الحق , وذلك أن أحد كبار زعماء أهل السنة أحمد مفتي زادة حاول تشكيل منظمة تربط أهل السنة فيما ( باسم مجلس الشورى المركزية لأهل السنة )إلا إنه فوجئ بعده مباشرة بإلقاء القبض عليه وما زال يعاني في السجن ما يعانيه السجناء من اللآلام الشديدة .
8 _ وقد ألقي القبض على دوست محمد البلوشي من مدينة سراوان وهو من كبار علماء أهل السنة بجرمية رفعه مطالب حقوق أهل السنة والدفاع عن عقيدته الغالية , وقد أصيب بمرض شديد
198
في السجن فأخرج منه وحكم بتغريبه لمدة خمس سنوات إلى قرية نجف آباد إحدى قرى الشيعة قرب أصفان وذلك بعد قضائه في السجن سنة كاملة .(2/179)
9_ وهكذا ألقي القبض على أحد كبار العلماء من أهل السنة الشيخ محي الدين البلوشي مدير مدرسة دار التوحيد الإسلامي في مدينة سرخس بجريمة رفعه مطالب حقوق أهل السنة والدفاع عن عقيدته الغالية . وقدأصدر قرار في حقه بتغريب سبع سنوات إلى بلد أخر بعدما قضى سنة كاملة في السجن .
10_ وقد ألقى القبض على الشيخ نظر محمد البلوشي العضو السابق في البرلمان الإيراني المنتخب من قبل سكان مدينة إيرانشهر بلوشستان بجريمة احتجاجه على محاضرة ألقيت في موضوع أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ومعركة الجمل التي أذيعت من إذاعة طهران وقال المحاضر فيها : أن المرافقين لعائشة في معركة الجمل أئمة الكفر فجاشت غيرة الشيخ المذكور الدينية ورد على هذه المحاضرة وذمها وقدم احتجاجه بخصوصها .
11_ ولعدم وجود التعليم الديني في إيران على مستوى لائق , وعدم تيسره في أكثر مناطق إيران يرحل طلاب أهل السنة الإيرانية إلى باكستان لتحصيل العلوم الدينية إلا أن حصول الجوازات لهم أمر صعب وأي طالب يسافر الى باكستان لتحصيل العلوم بدون الجواز يقبض عليه بعد عودته في حين أن الوضع على عكس ذلك بخصوص الشيعة حيث يدرس ألف طالب باكستاني في مدارس قم وحسب الأنباء الواردة إلينا فإن بعض الطلبة من أهل السنة طلبوا جوازات السفر لكنهم حُرموا منها وهذه العراقيل تقلل همم الطلاب وتفلح رغباتهم في تحصيل العلوم الدينية في المدارس والجامعات الإسلامية في باكستان .
199
12_ كما أن أهل السنة كانو يشكون عدم قبول طلابهم في الجامعات الإيرانية ولا سيما الطلاب الذين عندهم خلفيات مذهبية معينة وعندهم حماس ديني وغيره إيمانية .(2/180)
13_ وأفادنا شخصية كبيرة من علماء أهل السنة وأبدى تأسفه على ما يصدر من قبل الشخصيات البارزة من الشيعة في الحفلات المشتركة بيننا وبينهم نحو مساسهم بعقائد أهل السنة من إهانة أكابر الصحابة ومن دونهم ، وأضاف هذا العالم الكبير أننا نتحمل كل شيء حتى أننا مستعدون لنفقد حرية العيش إلا أننا لا نطيق أن نتحمل إهانة الأكابر وكيف يتحمل ذلك وهو فوق التحمل والموت عندئذ أحلى بكثير من هذه الحياة المريرة .
14_ الموظف السني الذي له شعور وإدراك بحقوق أهل السنة ومسائلهم ينحى ويبعد من مقر عمله إلى مكان شاسع كي يجبر على ترك وظيفته و بهذه الحيلة تتخلص الحكومة من الموظفين السنيين وبهذه الحيلة بعينها أبعد الشيخ عبد الحكيم سربازي عن وظيفته .
ومن الجدير بالذكر أن هذه الشكاوي من قبل أهل السنة من فئات لها جهود جبارة في دعم الثورة الإيرانية في بدئها وأساسها ، وهؤلاء أصحاب الشكاوى يعترفون علناً {مع هذه الشكاوى} بأن المجتمع الإيراني أحسن معيشياً (1)ومذهبياً بعد الثورة من الحال السابق في عهد الشاه ، ويعترفون أيضاً بأن سلوك زعماء الثورة مع أهل السنة في البداية كان مشجعاً إلا أنه كلما ازدادت الثورة الإيرانية سيطرة واستحكاماً تغيرت الأوضاع من حسن المعاملة إلى سيئها ومن ومن سيئها الى أسوأ .
200
واستمرار الشكوى من أهل السنة الذين يشكون 25% من مجموع سكان ايران يعبر عن قلة ثقتهم بزعماء الثورة الإيرانية وينتج خلللا ً كبيرا ً ليس في صالح الدولة الإيرانية .
__________
(1) كفى مجاملة ....لقد أضرت هذه الأساليب بنا كثيراً ، والصحيح أن الشاه كان طاغية ومجرماً ، لكن هؤلاء طغيانا وإجراما وظلماً .(2/181)
وإني أرى من الواجب علي أن ألفت أنظار العالم الإسلامي منظمات وجمعيات ومفكرين نحو اخوانهم الأشقاء أهل السنة في ايران ، وأختم مقالتي هذه راجيا ً من كرم الله عز وجل وفضله أن يتخذ العالم الإسلامي رأيا ً موحدا ً بصوت واحد نحو اخوانهم أهل السنة في ايران الذين حرموا من حقوقهم ، ويجب أن ترتفع أصوات العالم الإسلامي مناشدة زعماء الثورة الإيرانية منح أهل السنة حقوقهم المشروعة حتى يعيشون معززين مكرمين " .
تصريحات رئيس علماء باكستان
زار الشيخ محمد عبد القادر آزار _ رئيس مجلس علماء باكستان _ إيران مرتين : المرة الأولى كانت في فبراير 1980 م بمناسبة ما أسموه عيد الثورة الإيرانية الثالث .
والمرة الثانية في عام 1982م بمناسبة انعقاد المؤتمر العالمي لأئمة الجمعة و الجماعات .
201(2/182)
وتمت الزيارتان بدعوة رسمية من قيادة الثورة الإيرانية ، وكان الشيخ محمد عبد القادر آزار يرأس وفداً يتألف من ثمانية عشر عالماً من علماء باكستان، وقابل الشيخ " الخميني " وسأله واستمع الى أجوبته ,وناقشه في أمور مهمة ، كما قابل بقية قادة الثورة الإيرانية ... واستاء مما رأى وسمع , واضطر ذات مرة إلى الانسحاب والعودة الى الفندق برفقة علماء باكستان ، وواجه وزير الخارجية الإيرانية ]علي أكبر ولايتي [ بالأسباب التي دعته الى الانسحاب ... وبعد عودة الشيخ من إيران تحدث وحاضر ونشر ملحوظاته عن الثورة الإيرانية ونجتزيء فيما يلي ما قاله عن أهل السنة في إيران (1) :
" _ تم تصفية جميع الموظفين من أهل السنة بتهمة تعاونهم مع شاه إيران .
_ وبالرغم من أنهم يمثلون 33 % من السكان فليس لأحد منهم الحق أن يتولى منصب الرئيس أو رئيس الوزراء أو قيادة الجيش أو غير ذلك من الوظائف العليا .
_ وأهل السنة في إيران يعيشون مثل الأسرى ، وفي مدينة طهران التي يسكنها سبعة ملايين نسمة لا يوجد بها مسجد واحد لأهل السنة بالرغم من وجود اثني عشر معبدا ً للنصارى , وأربعة لليهود ، بخلاف معابد المجوس فكيف يكون ذلك مع أن الإمام الخميني هو الذي يدعو لوحدة الأمة ؟!!
__________
(1) في الجزء الرابع من هذه السلسلة " وجاء دور المجوس " سنذكر أن شاء الله القسم الثاني من كلام " آزاد " ويتعلق بتصدير الثورة الإيرانية(2/183)
وبعد انتخاب الشيخ محمد عبد القادر آزار نائبا ً لرئيس لجنة الاقتراحات في المؤتمر العالمي لأئمة الجمعة والجماعات _ أي في زيارته الثاني _ قام بتقديم اقتراحات مهمة كان منها ما يلي :
202
_ من الأدلة على سعيكم لتفتيت وحدة الأمة الإسلامية اعتقال جميع علماء السنة مثل العلامة " ضيائي " و " مفتي زاده " .
_ وجهت الحكومة الإيرانية إلى الجنود الإيرانيين من أهل السنة تهمة الخيانة واعتبرتهم بغاة وعصاه ومن أعوان الشاه وحكمت عليهم بالإعدام ، وهذا أمر خطير يعوق وحدة الأمة الإسلامية ويفرق كلمتها ويزيد من تمزقها .
_ ومنذ ثلاث سنوات وعد الخميني في لقاء مع وفد أهل السنة برئاسة الأستاذ الشيخ عبد العزيز رئيس خطباء أهل السنة في " زاهدان " بإعطاء قطعة أرض يشاد عليها مسجد لأهل السنة في طهران , ورغم دفع ثمنها فقد أصدر أمرا ً باغتصاب الثمن المدفوع والسجن لمن سدد هذا الثمن ، ورغم مطالبتي للخميني في العام الماضي بإنجاز وعده لأهل السنة فوجئت في المؤتمر الذي حضرته هذا العام بقول بعض أنصاره : لو أعطينا قطعة الأرض ليقام عليها مسجدا ً لأهل السنة فإنه سيصبح " مسجدا ً ضرارا ً " .
_ اعتاد أهل السنة منذ عشر سنوات إقامة صلاة العيدين في ميدان عام في طهران ، ولكن هذا العام بعد أن منحوا التصريح الرسمي بالصلاة في عيد الفطر ، وتجمع المصلون حضرت قوات الشرطة وفرقت المصلين باستخدام الهراوات والعصي .
_ إذا كان الخميني مخلصا ً في دعوته لوحدة الأمة الإسلامية فعليه أن يعلن على رؤوس الأشهاد أن أبا بكر وعمر وعثمان رضوان الله تعالى عليهم أجمعين كانوا مسلمين ، وأن على كل مسلم _ سني أو شيعي _ أن يحترمهم احتراما ً كاملا ً لا يقل عن احترام علي بن أبي طالب رضى الله عنه وبذلك تضيق الفجوة بين السنة والشيعة " .1هـ .
هذه أهم الاقتراحات التي قدمها الشيخ رئيس جمعية علماء باكستان
203(2/184)
إلى المؤتمر ، وقد قوبلت بالرفض ، ويقول الشيخ أن النزاع اشتد بينه وبينهم وانتبه علماء أهل السنة وكان عددهم لا يقل عن مائه إلى أهداف الإيرانيين , ولم يوقعوا على البيان الذي أراده أتباع الخميني .
تقرير الشيخ محمد سعيد بانو ...
الشيخ محمد سعيد بانو عالم وداعية من جنوب أفريقيا شارك في مؤتمر 1982 م الذي شارك فيه الشيخ آزاد _ أي المؤتمر العالمي لأئمة الجمعة والجماعات _ , وكتب تقريرا ً تحت عنوان " تسعة أيام في إيران " , وأول شيء لفت نظره أن العديد ممن شارك في هذا المؤتمر يقال لهم أئمة وليسوا أئمة , ولقد جاءوا عن طريق الوساطة أو لأنهم يحملون توصية خاصة ... وعن أوضاع أهل السنة يلخص مشكلاتهم فيما يلي :
قلة ممثليهم في البرلمان فلهم أربعة عشر مقعدا ً من مائتين وسبعين مقعدا ً أي نسبة 5 %مع أنهم يمثلون 25 % , وليس من بينهم وزراء أو نواب وزراء .
العمل بالمذهب الشيعي في القضاء .
الكبت , فأبرز علمائهم _ ومنهم أحد مفتي زادة _ مع حوالي ألفين مفكر سني يعيشون داخل السجون .
عدم وجود مساجد للسنة في طهران مع السماح ببناء معابد لأتباع الأديان الأخرى .
الدعوة ضد المذهب السني في وسائل الإعلام ، فالشيعة يكرهون الصحابة وخاصة الخلفاء الثلاثة الأول .
204
لنظام التعليمي متحيز للمذهب الشيعي .
التميز في التعامل حيث يجد السنة صعوبة في الحصول على عمل بعكس الشيعة .
ويدعو الكتاب ]محمد سعيد بانو [ إلى بحث مشاكل السنة في إيران وخاصة في السجون ... وقد لاحظ ]الشيخ خلال المؤتمر [ أنه عندما يصلون جماعة لم يحدث أن دعوا شخصا ً
سنيا ً ليؤمهم في الصلاة .(2/185)
ويذكر أن هناك طلابا ً قدموا من بلاد إسلامية تتبع المذهب السني ليدرسوا في إيران ,و وتحولوا إلى المذاهب الشيعي , ويتساءل عن مستقبل هؤلاء عند عودتهم إلى بلادهم ورفض مجتمعهم لهم !!
ثم يتحدث عن التناقض بين الدعوة والتطبيق في إيران فهم يدعمون النظام السوري البعثي الذي قتل الإخوان المسلمين ويحاربون نظام الحكم البعثي في العراق , ومثل دعمهم للقذافي _رغم مواقفه الإسلامية المؤسفة _ إلى غير ذلك "
206
ماذا يجري في سجون الآيات ؟!
في هذا المبحث شهادة المضطهدين من أهل السنة ، وهم عدول ثقات بمجموعهم ، وليست هذه الشهادة قاصرة على فرد أو على فردين أو منطقة أو منطقتين ، ومن نجا من الشهود يستطيع الباحث عن الحق الاتصال بهم في تركيا والخليج وباكستان والسماع من أفواههم ، وإذن فشهادة أهل السنة لا يشك منصف بأنها بلغت حد التوتر .
ونقلنا كذلك في هذا المبحث مقتطفات من تقرير منظمة العفو الدولية ولا تخرج هذه المقتطفات في مضمونها عما ذكره أهل السنة ... وحرصنا على ذكر هذه المقتطفات لتعلم الخلائق براءتنا من الظلم والظالمين الذين يلبسون لباس الإسلام , وحزننا على الضحايا المنكوبين مهما كانت اتجاهاتهم , فللمرتد حد ... و للزانى حد ... وهكذا , أما هذه الصور من التعذيب فهي مجوسية بربرية يأباها دين الله الذي ارتضاه لعباده ...
ومن لا يقنعه شهادة أهل السنة , ولا تقارير منظمة العفو الدولية , ولا الأقوال التي بلغت حد التوتر ؛ فقد أطفأ مصباح عقله , وتبلدت أحاسيسه , وأسره هواه .
207
شهادة أهل السنة(2/186)
كنا _ ولا نزال _ نسمع بين حين وآخر , من بعض الذين كانوا قد أفرج عنهم من سجون الحكومة الإيرانية , عن طريق الإذاعات الأجنبية , التي تتفرج على مآسي المستضعفين ولا سيما المسلمين منهم , والتي يجب (1) إتهامها فيما تنشر من الأنباء عن حكومة من الحكومات الصغيرة , نظرا ً إلى أنها لا تتأتى منها إلا خدمة مصالح القوى الاستعمارية الكبرى , كنا نسمع أنباء عن سوء معاملة النظام للمسجونين السياسيين .
ولكن كون كثير من المعارضين الحكومة إنما يعارضونها لأن عليها صبغة ضعيفة من الإسلام , مع كون تلك الإذاعات كما ذكرنا , كان يجعل الذين يتبنون _ إن جاءهم فاسبق بنبأ _ يحتاطون فلا يسارعون في تصديق تلك الأنباء , وإن كانوا لا يستطيعون أن ينفوا الصحة عنها نظرا ً لأن الحكومة العدوانية خارج السجون , التي لا تبقى معها شك في أن الحرمات والأعراض لا قيمة لها عندها .
ثم كان أن ألقت الحكومة في العام الماضي القبض على عشرات من
208
خيرة شباب أهل السنة , وعلى رأسهم قائد أهل السنة في إيران الشيخ أحمد مفتي زادة , و أودعتهم سجون مدن سنندج تبريز وسمنان كرماشان وزاهدان , ولكنها أفرجت بعد أشهر عن زهاء ثلاثين منهم كانوا في سجون كرماشستان ( مركز محافظة من المحافظات الغربية ) وزاهدان ( مركز محافظة بلوجستان ) , كي لا يشعر الناس بأن الأمر أمر أهل السنة جميعهم , وتظهر عمليات الاضطهاد والقمع في محافظة كردستان ( محافظة كردستان التي مركزها سنندج جزء من كردستان بمعناها العام الشامل لعدة محافظات ) بمظهر مخالف لحقيقة الأمر التي هي إرادة إبادة أهل السنة أو إكراههم على التشيع .
__________
(1) ليس ما تقوله أجهزة الإعلام مختلفا ً , ولو سلمنا بهذه المقولة لطمست الحقائق , ولم يعد للمعرفة أية قيمة ... بل إن الأخبار المتواترة صحيحة وإن كان رواتها كفارا ً .(2/187)
وبخروج هؤلاء الأخوة المؤمنين _ الذين يجب الوقوف عند شهاداتهم _ من السجون , تيسر لنا أن نقف على قليل مما يجري في تلك السجون التي تسميها الحكومة الجامعات الصانعة للإنسان . وليعلم أن ما شاهده وعلم به أخوتنا إن هو إلا نزر يسير من الإجراءات المعتدية على الإنسانية . وذلك لأنه لم يعلم تتهيأ حتى اليوم الظروف المساعدة للحكومة على اتخاذ قرار حاسم بشأن المتبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ألقت وتلقي عليهم القبض , وتخشى أن يأتي المستقبل بأحداث ترغمها على إخلاء سبيلهم أو ترى أن الإفراج عن بعض منهم في ظروف خاصة يكون في صالحها , فإنها تتحرز عن أن تعاملهم بمثل ما يعامل به الآخرون , وتحاول أن تبعدهم بقدر الإمكان عن السجون التي تقوم فيها المجازر الإرهبية .
ولنستمع لأخ من أولئك الأخوة الذين قضوا ستة أشهر في السجون ثم أفرج عنهم , يقص علينا مشاهداته من حين داهم الحراس بيت الشيخ مفتي زادة في مدينة كرماشان بعد أيام من عقد الاجتماع الذي انعقد بدعوة منه بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس مجلس الشورى المركزية للسنة ,
209
فألقوا القبض على الأخ وعلى ابن الشيخ وآخرين جاءوا ضيوفا ً , ( كان الشيخ نفسه قد ترك كرمانشان قبل الحادث وذهب إلى طهران حيث ألقى عليه القبض هناك ) , إلى أن أفرج عنه _ أي عن الأخ _ بعد الأشهر الستة . يقول الأخ :(2/188)
كنت في البيت أنا وابن الشيخ وآخرين , وذلك في السادسة والعشرين من شهر شوال بعد انعقاد الاجتماع بعشرة أيام , أشارت الساعة إلى التاسعة والنصف وإذا يدق الباب . فلما فتحنا الباب فوجئنا بالحراس يدخلون علينا البيت بوحشية وعنف . كنا في تلك الساعة نشرب الشاي , فدعوناهم ليشربوا معنا ولكنهم ردوا علينا بالشتم والإهانة وضرب أحد الضيوف . وأخذوا ينثرون الأثاث والأمتعة ثم خرج بنا بعض منهم من البيت وأذا بأسطح بيوت الجيران والشارع مملوء بالحراس المسلحين وأذا بهم قد جمعوا أهل تلك البيوت في الشارع وأركبوهم السيارات . وكل ذلك فعلوه من أجل إلقاء القبض على بضعة أشخاص عزل كانوا يتوقعون أن تقدم الحكومة في تلك الأيام على اعتقال المؤمنين الملتزمين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتبعين للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار , فلم يكن هناك ما يقتضي تطويق البيت بتلك الكتيبة , ولا ما يقتضي مجيء المسلحين , فإن الحركة الإسلامية كانت قد أعلنت قبل ذلك أنها في مرحلة التزكية , والتعليم فلذلك ترفض المقاومة المسلحة رفضا ًباتا ً .
وعلمنا بعد ذلك أن الذين بقوا منهم في البيت كانوا قد نثروا كتب الشيخ في ساحة البيت وسرقوا ما وقعت عليه أيديهم من العملة والثياب والأشرطة وغيرها , كما أنهم أخذوا منها ما كان معنا من العملة .
ثم إنهم ذهبوا بنا إلى مقر الحراس , وقبل أن يدخلوا عصبوا على أعيننا بعصابات , ثم فرقوا بعضنا عن بعض وأخذوا في إيذائنا بالشتم والضرب , ثم أدخلوا مكانا ً وأخذوا يلقون علي أسئلة مختلفة , وكلما رددت عليهم بجواب غير معجب لهم واجهوني بالوكز والرفس .
210(2/189)
ودام هذا الوضع يومين وليلتين وأنا مشدود اليدين والرجلين ثم نقلوني إلى حيث وجدت أخوين آخرين ألقي عليهما القبض بعد اعتقالنا . وبعد أيام جيء بأخوة آخرين من سائر مدن المحافظة . ثم ذهبوا بالجميع بعد إجراء تحقيقات معهم في السجن (( ديزل أباد )) وبقيت أنا وابن الشيخ نتلقى التعذيب النفسي طوال أسبوع , حيث كانوا يهددوننا بالضرب ويسمعوننا أنباء كاذبة عن سائر الأخوة , ثم نقلونا أيضا ً إلى ذلك السجن .
وفي ذلك السجن كنا نقضي الوقت في تلاوة ودراسة القرآن واللغة العربية ونقيم الصلوات جماعة , مما أثر في سائر المسجونين تأثيرا ً كبيرا ً , وكان الحراس يجتمعون بنا كل بضعة أيام يجادلوننا ليصرفونا عن اتجاهنا , وكانوا يتوسلون بإغرائنا بمتاع الحياة الدنيا , فلما استيأسوا منا انتهوا عن ذلك .ومن جملة ما كانوا يجادلونا به قولهم : إنه ما دام الإمام حيا ً فلا معنى للشورى ولا حاجة إليها , وقولهم : إن كلمة الشورى التي جاءت في القرآن لا تعني أن يكون هناك تشاور , وإنها بمعنى آخر , وأن الذين كانوا يحلون ويعقدون بالشورى في عهد الخلافة ما كانوا يريدون بذلك إلا الإمارة , وكقول مدير ما يسمى بدائرة التعليم والتربية وكانوا قد جاءوا به للبحث مع أخوتنا المدرسين والمعلمين : دعونا من التذكير بآيات القرآن , تكلموا بصواب من القول , واعلموا أنا نعتبر حكم حاكم الشرع أعلى من حكم الله !!! (( سبحانه وتعالى عما يقولون علوا ً كبيرا ً )) . ولما رأوا أن كنا نفعل من إقامة الصلوات جماعة وتلاوة القرآن وتفسيره يؤثر في سائر السجناء , وأن عدد المشاركين معنا في أداء الصلوات جماعة يزداد كل يوم , نهونا عن ذلك ولكننا لم ننته .
وفي هذه الأيام أذن لأقاربنا بزيارتنا , وقدم جميع الأخوة إلا أنا وآخر للمحاكمة . وأما أنا فدعوني إلى مكتبهم فظننت أنهم سيقدمونني أنا أيضا ً
211(2/190)
للمحاكمة , ولكنى فوجئت بهم يقولون : إنا نأذن لك بالزيارة مرة أخرى لأننا سنعدمك . هدني هذا الخبر نفسياً ولنك حاولت أن لا أظهر بمظهر يشمتهم . وحاولت أن أكون عند زيارة أقاربي أبعد ما أكون عن الحزن والأسى .
كماأن سلوكي في السجن لم يسمح بانتشار الخبر ، فلم يعلم به إلا أحد الأخوة ، و كان تبرمهم من برامج التلاوة و التفسير و إقامة الجماعة بحيث أخذوا في اصطناع الحجج لإخراجنا من بين سائر المسجونين الى الزنازين ، فكانوا يطلبون منا أن نحضر مراسيم الندبة و دعاء كميل ، فلما رفضنا ذلك نقلونا الى زنزانة قضينا فيها أربعة شهور . و الزنازين المجاورة لنا كانت مساكن للرجال و النساء المنتسبين الى الأحزاب المعارضة للحكومة . فأما الرجال فكان بعضهم في الانفرادية . و أما النساء فلم يكن في كل زنزانة إلا واحدة منهن . و في هذه الزنازين كانت تقع الجرائم و الاعتداءات الإنسانية و سأذكر نماذج منها :
كانت الزنازين لحداثة بنائها و لبرودة الهواء كثيرة الروائح ، بحيث كان أكثر المسجونين قد أصيبوا بالمرض . و ما كان يؤذن برؤية الشمس فضلاً عن التمتع بحرارتها ، حيث كانوا يعصبون الأعين حيث الخروج لقضاء الحاجة و لم يكونوا يسمحون بالخروج لقضاء الحاجة و التوضؤ إلا أربع مرات في اليوم و الليلة . و كانوا هم الذين يعينون الأوقات لذلك ، فمثلاً كانت إحدى المرات في الساعة الرابعة صباحاً و المرة الثانية بعد الظهر . و كانت المدة المقررة لقضاء الحاجة دقيقتين فقط . و أما الاغتسال و غسل الثياب فلم يكونوا يسمحون بذلك إلا مرتين في الشهر ، و لم تكن المدة المقررة له لتجاوز خمس عشرة دقيقة ، و مع ذلك كان الماء بارداً و برد الشتاء قارصاً . و مما كانوا يؤذون به المسجونين إذاعة الأناشيد و مراسين الندبة في صالة الزنازين عن طريق مكبرات الصوت من الصباح الى نصف الليل .
212(2/191)
و من الأساليب التي كانوا يستخدمونها للتعذيب النفسي الإتيان بالأخبار الكاذبة المحزنة ، و إخراج بعضنا من الزنزانة ليلاً ، و معنى ذلك في عرف السجون الإسلامية أنه قد صدر حكم الإعدام (1) على ذلك البعض و حان وقت تنفيذه عليه . و منها سب السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار و افتراء البهتان العظيم على أم المؤمنين عائشة الطيبة رضي الله عنهم أجمعين . ففي إحدى المناقشات التي جرت بيننا و بينهم قال لنا واحد من رجال الدين !!! و كان يسمى " إمامي " : الحقيقة أننا لسنا مخالفين لكم فحسب بل نخالف أيضاً حكومة الشورى التي كانت بعد عهد النبي و نعتبرها و نعتبر أبا بكر و عمر و عثمان غاصبين ، و نعتبر عائشة بغياً (( سبحانك هذا بهتان عظيم )) ثم قال : إننا قد منعنا مائتين و ثلاث و ثمانين كلمة أن يتلفظ بها في الإذاعة و التلفزيون كلها في سب الخلفاء الراشدين و غيرهم من الصحابة و في سب عائشة ، و أما في المجلس المختصة بأهل التشيع فنسبهم بجميعها .
__________
(1) بمثل هذه الطريقة الخمينية ينم الإعدام ، فبمجرد أن يستدعي المسجون ليلاً يفهم أنه سيقتل ، و قد يكون بريئاً ، و أو قد تكون التهمة المنسوبة إليه لا تستحق السجن ابتداء ... و الأشد إيذاء و إجراماً أنهم يخبرون السجين أنه قد حكم عليه بالإعدام ، و يؤتى به ، و يوضع في المكان المعد لهذا الغرض ، و ويطلقون النار ثم يتبين للمسكين أنهم يحاربونه حربا ً نفسية ثم يعودون به إلى زنزانته .(2/192)
و من أشد العذاب النفسي لإنسان لم تنطمس إنسانيته أن يرى أخاه الإنسان _ أياً كان تصوره و عقيدته _ يقتل ظلماً ، أو يرى أختاً يعتدي على عرضها و تهتك حرمتها ثم تقتل مظلومة ، وهو لا يملك أن يدافع عنه أو عنها ، أمر الذي كنا نقاسيه ليل نهار . فلم تكن تمضي ليلة واحدة بغير إعدام (1) .
و كان التعذيب النفسي يبلغ أقصاه حينما كانت تختلط صرخات امرأة بضربات البنادق و هتافات الحراس " الله أكبر خميني رهبر " ، و تشق سكون الليل الساجي .
213
و في إحدى الليالي انطفأت المصابيح حوالي الساعة العاشرة و النصف , فقال الأخوة نفضي الوقت بإنشاد الأشعار الدينية الى أن يعود الكهرباء . و مضت ساعتان و لم يعد ، و فجأة علت صرخات نساء من الزنازين المجاورة ، فلم يملك الأخوة أنفسهم من البكاء لأنهم لم يكونوا يستطيعون إنقاذ أولئك المسكينات من أيدي أولئك الذئاب المفترسة . فلما أصبحنا سألنا رجلاً كان يأتينا بالطعام و هو من النادمين الذين تسميهم الحكومة بالتوابين عن سبب الحادث ، فتأوه ثم قال لقد رأيت أسوأ من هذا بكثير ، و السبب أن الشيعة يعتقدون أنه لا يجوز إعدام الأبكار ، فإذا أريد أن تعدم بكر عقد عليها لأحد الحراس عقد متعة و بعد الاعتداء عليها يعدمونها"كان النادم نفسه أيضاً شيعياً "(2)
__________
(1) هكذا يقول الأخ بل الأخوة الذين اعتقلوا: " فلم تكن تمضي ليلة واحدة بغير إعدام " ، و هذا يحدث في سجن من سجون كردستان في سجون طهران و غبرها من المدن . ... ...
(2) إضافة الى ما ذكره الأخوة من اغتصاب البكر قبل إعدامها ، فقد تحدثت منظمة العفو الدولية عن هذه الجريمة النكراء ، و تواتر ذكرها على ألسنة من فروا من ايران .
و هؤلاء الذين كتبوا الكثير عن ظلم الشاه تناسوا هذه المظالم عندما أصبح الحكم بأيديهم ، و فعلوا ما عجزت عنه " السافاك " و غيرها . فسينتقم الله منهم لا محالة ، و ستنتهك أعراضهم كما يهتكون أعراض الناس .(2/193)
.
كان الرجال أحسن حالاً من النساء ، فما كانت تستطيع واحدة منهن أن تستريح في زنزانتها أو تسرح شعرها مثلاً ، لأن الحراس ما كانوا ليغضوا أبصارهم عنهن ساعة . بل رأيت مرة واحدة منهم واقفاً عند نافذة الحمام ينظر الى نسوة كن يغتسلن فيه ، فلما رآني أخذ يشتم أولئك المسكينات و يقول لم دخلتن الحمام عاريات ؟!! و عليكن بثيابكن فالبسنها . و أما مواجهتهن بالكلمات النابية التي لا تصدر عن رجل له نصيب من الإنسانية(1) كانت شيئاً هيناً عليهم .
و قبل أن يفرقوا بيننا و بين سائر المسجونين كان معنا رجل في حوالى الستين سنة تقريبا ً
214
كانوا قد ضربوه بالأسلاك ( 1800 ) ضربة على ظهره و قدميه ، و كان يحمل معه في خرقة قطعات من لحم أقدامه تناثرت من ضربات الأسلاك . و مع ذلك فإن الرجل كان يقول أشد ما يؤلمني أنهم دعوني مرة و قالوا إما أن تعترف و إما أن نعذب امرأتك ، فقد أتينا بها و هي الآن في الغرفة المجاورة . و عند ذلك سمعت صراخ امرأة من تلك الغرف ، فاستسلمت لهم خوفاً على امرأتي و قلت لهم اكتبوا ما تشاءون لأوقع عليه على أن تخلوا سبيل امرأتي . و لكني بعد ذلك سألت امرأتي عن الأمر عند مجيئها لزيارتي فنفت ذلك فعلمت أن المرأة لم تكن امرأتي و عملهم كان احتيالاً لأخذ الاعتراف مني . ثم إنه بلغ التعذيب من الرجل أن عمد إلى كمية من النورة فبلعها محاولة الانتحار و لكن لم يشأ الله أن يموت .
__________
(1) أكثر إخواننا من الحديث عن الإنسانية ... كقولهم لا يصدر هذا الفعل عن رجل له نصيب من الإنسانية ، و كانوا من قبل يتحدثون عن أتباع الآيات من خلال مخالفة أعمالهم للإسلام ... و لعلهم فهموا من تجربة السجن أن الذين يشتمون السابقين الأولين و يتهمون أم المؤمنين بما برأها الله منها بصريح القرآن لا يمكن أن يكونوا مسلمين فراحوا يخاطبونهم بالإنسانية . و لكن أين الإنسانية منهم !!(2/194)
و كان معنا آخران كانا قبل ذلك في بناية اللجنة المركزية ، فكانا يقصان علينا أنه كان هناك رجل كانوا قد ضربوه بالأسلاك خمس و أربعين يوماً متتابعة كل يوم مائتين الى ثلاثمائة ضربة . و في احدى الليالي استيقظنا من النوم حوالي الساعة الثانية و النصف فإذا بحريق وقع في غرفتنا و إذا بهذا الرجل قد لف نفسه في بطانية و صب عليها النفط و أحرق نفسه ، و إذا به يلفظ أنفاسه الأخيرة ,و يقول بصوت هامس طوبى لي ، نجوت منهم . فحاولنا أن نطفأ الحريق فلم نستطع ، و اضطررنا أن نلقي بأنفسنا من النافذة ، فبادر الحراس بإطلاق النار علينا ظانين أنا نريد الفرار ، فلما علموا الأمر هرعوا من الغرفة ، و كان الرجل قد مات فألقوه من النافذة و أخذوا يشتمونه و يهينوه ، و أصدروا الأمر بحجز أمواله لأنه كان قد اعتدى على مال بيت المال بإحراقه للبطانية ، ثم سمعنا أنهم ألقوا القبض على امرأته أيضاً .
215
و هذان الرجلان ضربوا واحداً منهما ستمائة ضربة بالأسلاك ، و كانوايطلبون منه أن يدلهم على المعارضين و هو ينكر أنه يعرف أحداً ، و لكنه اضطر أخيراً أن يسمي لهم عدة أشخاص ، فلما جاءوا بهم و جمعوهم به أقسم أنه لا يعلم عليهم من سوء ، فأفرجوا عن هؤلاء و طلبوا منه أن يعترف بآخرين ، و هكذا كلما جاءوا بفريق أقسم على براءتهم فأفرجوا عنهم بعد الإيذاء و التعذيب الذي بلغ أن ذهبوا بفريق الى مكان الإعدام و أطلقوا على رؤوسهم النار إيهاماً لهم أنهم يعدمونهم .
و أما نحن المدافعين عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم و عن السابقين الأولين ، فمع أن معاملتهم لنا كانت تختلف عن معاملتهم للآخرين ، لم ينجُ كثير منا من اعتداءاتهم ، فمنا من كسرت يده ، و منا من كسرت سنه ، ومنا من كسرت ضلعه ، و منا من ...! فلعنة الله على الظالمين .(2/195)
و بعد فإنما اكتفينا في الكلام عن السجون الخمينية بما حكى لنا هذا الأخ مما رآه بعينيه لنكون قد اجتنبنا الحديث بما قد يصدر عن الظن ، فإن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً . و لا يظن أحد أننا نريد أن نصور بهذه الكلمات المعدودة واقع تلك السجون ، فعلم ذلك عند الله الذي يعلم الجهر و ما يخفى ، و نعوذ بالله من أن نظلم بذلك الإنسانية المهانة تحت أقدام البغي و الطغيان ، فلها الله الواحد القهار الذي سينتقم لها من الفجار ، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
مكتب قرآن
3 / 9 / 1403
216
و ليس ما جاء في الرسالة السابقة الصادرة عن " مكتب قرآن " هو كل ما ذكره الأخوة _ أهل السنة _ عن سجون الآيات ، ففي رسالتهم " قضية أهل السنة في ايران " ص 54 أشار الأستاذ مفتي زادة الى بعض أساليب الاضطهاد و التعذيب التي أدت الى استشهاد عدد من الأخوة ، و من استعراض وسائل التعذيب التي استخدموها نلاحظ أنها مرحلة كانت أشد همجية ووحشية من المرحلة السابقة ، لأنها كانت الأولى ، و كانوا يرجون عودة شباب أهل السنة عن آرائهم .
و في الصفحة ( 82 ) ذكروا الشيخ السني الذي نقد ولاية الفقيه ، و بعد أسبوع أعلن توبته في الإذاعة ، و عندما سأله أصحابه عن هذا التناقض أجاب : و الله ما رجعت عن اعتقادي و لكنني اضطررت لذلك عندما أدخلوا علي في السجن عشرة شبان من الحرس الخميني ، و معهم من يرتدي العمامة السوداء و هو يحثهم على اللواطة بي أو أن أرجع عن رأيي على الملأ ، و هو يقول لهؤلاء الشبان أنتم في فعلكم هذا مثابون عند الله عز و جل ، و ليس عليكم غسل بعد اللواطة .(2/196)
و حكموا على مولوي نذير أحمد _ و هو عضو في مجلس الشورى الايراني السابق _ بالرجم بتهمة الزنا لأنه تحدث عن فضل الصحابة و بين حكم من يسبهم ، و أجبروه من شدة التعذيب على الاعتراف أمام الجمهور من خلال التلفاز بأنه عميل للمخابرات العراقية ، و هو رجل طيب و عالم عامل بعيد عن الشبهات ، و لم يكن له ذنب سوى دفاعه عن الصحابة رضوان الله عليهم ...
و سنذكر أمثلة أخرى في موضع آخر من هذا الكتاب عن جرائم الآيات ضد أهل السنة إضافة لما ذكرناه سابقاً .
217
مقتطفات من تقرير لمنظمة العفو الدولية
1_ أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع سجناء سابقين و من بين هؤلاء عضو في منظمة مجاهدي خلق كان في سجن تبريز من شباط / فبراير 1981 الى أيلول / 1983 . قال السجين السابق :
" عندما نتقاسم مع سجناء سياسيين زنزانة واحدة تربطك بهم علاقة حميمة و خاصة ... و مرور الوقت بدأت أتعرف على زملائي و بدأت أحبهم ، و كانوا هؤلاء يعدمون ثم يأتي سجنا جدد الى زنزانتي فأبدأ بالتعرف عليهم بنفس الطريقة كما كنت أتعرف على من سبقهم ، و قد تكرر نفس الشيء مرات عديدة ، و في النهاية صرت أتمنى لو أنهم يأخذونني للإعدام في المرة التالية و زيادة على التعذيب البدني فهناك التعذيب النفسي ... كانوا يجبروننا على تحميل شاحنة بالأجساد التي قد ينقص بعضها يداً أو رجلاً . أجبروني على القيام بذلك ثلاث مرات ، فكنت أجمع الأجساد في أكياس ثم أُحمل الشاحنة .
أحياناً كانوا يعدمون الأقارب دفعة واحدة ، و أحياناً أخرى كانوا يعدمون واحداً منهم فقط و قبل ذلك كانوا يسمحون للأقارب بالاجتماع لفترة
218
قصيرة، كانت زنزانتي تقع قرب ساحة الإعدام ، فكنت أسمع ما يجري في هذه الاجتماعات و النحيب الذي كان يعقب الاعدامات .(2/197)
_ وصفت طالبة قضت الفترة ما بين أيلول / سبتمبر 1981 و آذار / مارس 1982 في سجني إيفين و غزال هصار ، لمنظمة العفو الدولية تجربة عشيها في زنزانة ضمت مائة و عشرين امرأة تراوحت أعمارهن من الطالبة الى العجوز ، و بعضهن تم إعدامهن . قالت الطالبة :
" ذات ليلة جاءوا بفتاة صغيرة السن اسمها طاهرة من قاعة المحكمة الى زنزانتها مباشرة . كانت المحكمة قد حكمت عليها بالإعدام ، فكانت مرتبكة متهيجة ، تبدو و كأنها لا تعرف سبب وجودها هناك . و بعد فترة استقرت للنوم الى جانبي ، لكنها كانت تستيقظ فجأة من حين لآخر مذعورة ، فتتعلق بي سائلة : هل سيعدمونها حقاً . كنت أحيطها بذراعي لأهدئ من روعها و لأطمئنها بأنهم لن يعدموها , لكنهم أتوا في الساعة الرابعة صباحاً و أخذوها لإعدامها كان عمرها ستة عشر عاماً " .
3 _ و قد شهد سجناء سابقون بأن السلطة كانت تكرههم على النظر الى جثث ضحايا الإعدام ، كما جاء في قول أحدهم :
" كان الجو ملئاً بالبكاء و العويل ، قال لي أحد الحراس : سنزيح عنك عصابة عينيك . يجب أن تنظر حولك . انظر الى الأمام فقط . و لما فتحت عيني رأيت فتى يتدلى من شجرة ، كانت ذراعاه مضمدتين حتى المرفقين ، و ساقاه حتى الركبتين ، و كان نحيفاً جداً و اسمه مكتوب على بطاقة معلقة في عنقه ، ووقف حارس الى جانب جثة الفتى ينخسها بعصا جعلتها تدور مراراً ، أثناء ذلك كان الحراس يراقبون السجناء لمعرفة ردود فعلهم " ( سجن إيفين ، عام 1981 / 1982 ).
219
4_ و قد امتدت الاعتقالات منذ بداية الثورة عام 1979 ، لتشمل المجال السياسي كله : و هناك العديد من مناصري المجموعات المعارضة ، فقد اعتقلت السلطات عدداً كبيراً من أعضاء الأقليات العرقية ، كالأكراد الذين يناضلون من أجل استقلالية أكبر.(2/198)
إن العديد من السجناء في ايران هم سجناء رأي يعانون الاحتجاز لمجرد التمسك بمعتقدات عبروا عنها بطرق خالية من العنف ، و لا تستطيع منظمات العفو الدولية تقدير عدد سجناء الرأي المحتجزين حالياً ، بسبب الصعوبات التي تواجهها في الحصول على المعلومات حول الحالات الفردية ، و في التحقق منها .
لقد شملت الاعتقالات الكتاب و الصحفيين و الأطباء و الأساتذة المحاضرين و المدرسيين و الطلبة و ربات البيوت و عمال المصانع و العمال اليدويين .
و بعض السجناء متقدمون في السن ، ككتاب يبلغ عمره أربع و سبعين عاماً هو رهين السجن رغم كونه مريضاً جداً ، و كان قد ألقب القبض عليه للمرة الأولى في آذار / مارس 1981 ، و تمكن من الهرب في نفس السنة ، إنما أعادت السلطات اعتقاله في كانون الأول / ديسمبر 1981 ، و قد ورد أن السلطات قامت بتعذيبه خلال فترة اعتقاله للمرة الأولى ، و في أوائل عام 1987 ، أطلق سراحه بصفة مؤقتة ، و سمح له بالرجوع الى منزله تحت الرقابة ، إلا أنه أعيد للسجن رغم كونه بحاجة لعلاج طبي نظراً لمرض خطير أصاب معدته و كليتيه ، و هو كذلك مصاب بالشلل في رجليه و يكاد يفقد بصره . كما أن العديد من السجناء هم أحداث و مراهقون كانوا في مدارسهم عند اعتقالهم .
220
الرهائن
5_ يتعرض أقارب السياسيين المعارضين للاعتقال ، أما كرهائن الى حين إلقاء القبض على المطلوبين ، و إما للضغط على الأفراد الذين تم إلقاء القبض عليهم بهذه الطريقة اعتقلت زوجات المشتبه بنشاطاتهم السياسية الذي تفادوا السجن ، و قد قالت إحداهن لمنظمة العفو الدولية :(2/199)
" أتى رجال الحرس الثوري الى بيتنا في أصفهان في تشرين الثاني / نوفمبر 1983 بحثاً عن زوجي دون أن يكون لديهم مذكرة توقيف . كان زوجي قد تمكن من مغادرة البلاد ، و لما فشلوا في العثور عليه ، قالوا إنهم عازمون على أخذي لمجرد ساعتين لالقاء بعض الأسئلة عليّ كما أخذ الحرس الثوري أبي و أختي الأصغر مني و عمرها تسعة عشر عاماً ، و لكنهم أطلقوا سراحهما بعد ست ساعات ، و أما أنا فقد مكثت في السجن لمدة أربعة عشر شهراً … " .
مثل هذه الاعتقالات التي تم وصفها ما تزال مستمرة في ايران حتى الآن , ففي عام 1985 احتجزت السلطات امرأة في طهران بعد أن فشلت في العثور على زوجها ، فحكم عليها بالسجن لمدة سبع سنوات ، و قد أخبرتها السلطات ، على ما يبدو بأنه سيطلق سراحها إذا تم العثور على زوجها ، و يعتقد أن هذه المرأة موجودة حالياً في سجن غزال هصار .
و قد اعتقلت السلطات عائلات بأجمعها :
" جرى اعتقالي في أيلول / سبتمبر 1980أتى بيتنا رجال الحرس الثوري و فتشوه كان أبي و أمي و أختي و أخي الأصغر مني موجودين في البيت ، فحسبهم رجال الحرس الثوري جميعاً في غرفة واحدة ، و لما عدت بعد ذلك الى البيت كان أخي قد وصل قبلي بمدة وجيزة , و لم يكن لنا
221
علم بما يجري ، كان بيتنا قبو أخذنا إليه رجال الحرس الثوري و قاموا بضربنا : كان عددهم حوالي عشرة أو اثني عشرة رجلاً ، و بعد ذلك أخذونا الى مقر قيادة الحرس الثوري في أرومية ، و لحسن الحظ أفلحنا في إقناعهم بالإفراج عن والدينا بعد أيام من احتجازنا " .(2/200)
إن لكل فرد الحق في أن يعلم أسباب احتجازه فور توقيفه ، و في أن يُخبر فوراً عن أية تهمة موجهة ضده و هذا الحق الأساسي يقره الدستور الايراني صراحة ، إلا أنه في الواقع لا يجري إبلاغ المحتجزين السياسيين بسبب توقيفهم لأسابيع أو لأشهر بأكملها ، كما يظهر أنه ألقي القبض على العديد من الأفراد لأن أصدقائهم أو زملاءهم ذكروا أسماءهم و هم تحت التعذيب .
كما تعلم منظمة العفو الدولية بأمر أشخاص اعتقلوا خطأ لتشابه أسمائهم و أسماء مناضلين سياسيين مطلوبين من طرف قوات الأمن .
فقد أخبر سجين سابق منظمة العفو الدولية عن رجل عمره حوالي ستين عاماً أدخلته السلطات السجن رغم كونه يتلقى علاجاً طبياً في المستشفى لمرض قلبي ، و قد حمل الى السجن في نقالة ، و مكث هناك مدة يومين قبل أن تدرك سلطات السجن أن اسمه يشابه اسم مناضل سياسي معروف ، و انه ليس الشخص المطلوب .
و كثيراً ما تحتجز السلطات أشخاصاً تأخذهم من منازلهم و كل ما تقوله لهم هو أنهم مطلوبون للإجابة عن بعض الأسئلة ، و أن ذلك يستلزم حضورهم لبضع ساعات ، إلا أنها قد تحتجزهم لعدة أشهر و ربما لعدة سنوات ، كما تقوم السلطات بإهانة أقارب المحتجزين و بتحذيرهم من الاستفهام عن مصيرهم ، و بتهديدهم بالسجن إذا فعلوا ذلك.
222
أما الأشخاص الذين يعتقلون خارج منازلهم ، فهم لا يستطيعون إخبار عائلاتهم بما وقع لهم أو بمكان وجودهم ، و عندما يلتمس أحد من السلطات المختصة معرفة ما وقع لفرد ما ، فإن هذه تنكر احياناً وجوده في عهدتها ، لذلك ليس من غير المألوف أن تقضي عائلات أشهراً كاملة باحثة عن قريب "مفقود " سائلة كل سجن و كل مركز للحرس الثوري و كل كوميتيه في المنطقة .
إن منع الاتصال بين المحتجزين و أقاربهم يزيد الى حد كبير في خطر ممارسة التعذيب و المعاملة السيئة ، و يطيل الكرب دون داع على المحتجز و أقاربه أجمعين .(2/201)
6_ فقد وصفت امرأة تعتبر شهادتها نموذجاً للعديد من الشهادات في حوزة المنظمة ، ما حدث لما أتى رجال الحرس الثوري بيتها في طهران في تشرين الثاني / نوفمبر 1983 بحثاً عن زوجها المشتبه بنشاطه في منظمات المعارضة :
" وقف ببابنا أربعة حراس مسلحين ، و سألوني عما إذا كان هذا هو بيت زوجي , فلما أجبت بالإيجاب ، اندفعوا داخلين ، كان كل منهم يحمل معه بطاقة تعريف خاصة بسلك الحرس الثوري الإسلامي ، كنت في البيت مع أطفالي الثلاثة ، الذي يبلغ عمر أكبرهم أحد عشر عاماً و أوسطهم ثمانية أعوام و أصغرهم ستة أشهر ، و أخت زوجي و طفليها الاثنين ، و بعد أن حبسنا الحرس جميعاً في غرفة واحدة ، و أغلقوا الباب ، قاموا بتفتيش البيت ، و بعد انتهائهم سمحوا لي بالخروج من الغرفة لاستنطاقي ، فسألوني عن عمر زوجي و ثقافته و مهنته أخبرتهم بأن زوجي غائب بسبب عمله ، عند ذلك أخذوا صوره الفوتوغرافية ، و نقلوا وصفاً له الى مقر قيادتهم عبر الهاتف ، كان الأطفال يبكون طوال الوقت لكنهم لم يسمحوا لي بأخذ ولدي الأصغر الى الطبيب رغم أن أحد أسنانه كان قد اقتلع صباح ذلك اليوم ، و ما زال الدم يسيل من فمه ، و كلما قرع أحد باب
223
بيتي ( و كثيراً ما حدث ذلك لطيبة جيراني ) ربض كل حارس في ركن من الغرفة مصوباً سلاحه الى الباب و أنا أفتحه ، و كانوا يستبدلون الحراس كل ساعتين ، ولما جاء أخي أخذوه الى غرفة أخرى لاستنطاقه ، و من ثم الى مكان آخر ، و أرجعوه في الساعة الواحدة من ظهر اليوم التالي ، و لما قام الحرس بتفتيش المنزل ، و أخذوا كل ما استهوته أنفسهم من آلات حاسبة و كتب و أقلام و حتى كتب الأطفال ، و لما أرجعوا أخي كان ذلك لأخذي أنا محله ، كان أطفالي يبكون و يتعلقون بي لمنعي من الذهاب ، و لكن الحراس دفعوهم جانباً ، و أمروني بأخذ رضيعي معي ، و عندما وصلنا الى سجن إيفين ، عصبوا عيني ، و أخذوا رضيعي مني "(2/202)
7_ و تعتبر المعاملة الموصوفة في الشهادة التالية نموذجاً للكثير مما حدث في أوائل الثمانينات :
"حوالي الساعة الثانية و النصف من صباح أحد أيام أيلول / سبتمبر1981 أتى باب بيتي شاب يرتدي لباساً مدنياً ، و طلب التحدث الى ابني ، عندما طلبت منه أن يعود في الصباح ، أصر في طلبه ، و فجأة أخرج جهازاً لاسلكياً من جيبه ، فسمعت أحدهم يقول : من الأفضل أن تدخل . حينئذ برز رجال الحرس الثوري من جميع الجهات ، حتى من فوق السطح ، كان بداخل البيت أحد عشر حارساً مسلحاً ، و بخارجه عدد أكبر لم أستطع حصره ."
انهالوا عليّ ضرباً لأنني لم أسمح لهم بالدخول ، و اندفعوا داخلين غرفة نوم زوجتي ، فطلبت منهم إن كانوا مسلمين حقاً أن ينتظروا خارج الغرفة الى أن تتستر بملابسها ، و لكنهم انهالوا عليّ بالشتم و الإهانة ، و عيروني باللوطي ، و طرحوا زوجتي من السرير ، و جروا ابني من شعره و ضربوه ، و بعد ذلك نقلوه فوراً الى سجن إيفين .
224
أما باقي أفراد الأسرة ، فقد نقلوا الى مكتب للحرس الثوري في غلبي طهران ، و أطلق سراح زوجتي و ابنتي في اليوم التالي ، إلا أنهم احتجزوني لمدة أسبوع ضربوني خلاله يومياً ، كما حرموني من الطعام للأيام الثلاثة الأولى ، و ما يزال ابني في سجن حتى الآن " .
شهادة قاض
8- أخبر قاض ثوري إسلامي سابق العفو الدولية : " أن سلك الحرس الثوري هو صاحب سلطة مطلقة في إيران ، فمن الوجهة النظرية هم يتلقون الأوامر من مكتب المدعي العام فيما يخص قضايا الأمن والمخابرات ، أما من الوجهة العملية ، فهم قادرون حتى على تسبيب نقل أو فصل حاكم الشرع ( القاضي الشرعي ) أو أمام صلاة الجمعة ، لقد خلق أفراد الحرس الثوري جوا ً جعل القضاة أنفسهم حذرين في التعامل معهم , فهم يستشيرون الحرس عند إصدار القرار في قضية , وحتى عند النطق بالحكم … " .(2/203)
تستخدم مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء إيران , والعديد من هذه المراكز غير معترف بها رسميا ً ، فبعضها بنايات ومكاتب كانت تستعمل من طرف أفراد الشرطة السرية ( السافاك ) في عهد الشاه السابق ، هذا زيادة على مدارس ومنازل ومكاتب وحتى مسارح تم تحويلها إلى مراكز احتجاز .
إن الحق الأساسي في محاكمة عادلة خلال فترة معقولة من الاحتجاز لا يكترث به على الإطلاق في القضايا السياسية . ونظرا ً لعدم وجود حد قانوني لمدة السجن الانعزالي ، فإن الأفراد يحبسون في معزل دون محاكمة لعدة أسابيع أو أشهر ، وجاء في أقوال محتجزين سابقين أن السلطات كانت
225
تأمل بأن " يعترف " بعض المحتجزين بجرائمهم تحت تأثير التعذيب ، أو بأن يزودوها بمعلومات حول زملائهم الساسين ، أو بأن يفشي غيرهم من المحتجزين أسرار نشاطاتهم السياسية ، ويؤكد هؤلاء أن هناك أشخاصا ً يوجدون رهن الاحتجاز أملا ً في بروز معلومات يمكن على ضوئها توجيه التهم ضدهم .
أحيانا ً يجري استنطاق المحتجزين فور وصولهم إلى مكان الاحتجاز ، وأحيانا ً أخرى يودعون في زنزانات معزولة ويزودون بقلم وورقة ، ويؤمرون بتدوين " مشاكلهم " أو سرد قصص حياتهم ، إضافة إلى اسماء كل مناضل سياسي يعرفونه , وقد تتخذ هذه البيانات في وقت لاحق أساسا ً لاستجوابهم .
وقد قضى بعض السجناء السابقين أشهرا ً كاملة دون استنطاقهم ، وأفادوا أنهم عانوا الكرب الشديد بسبب الترقب وعدم معرفة مصيرهم .
وقد يفرج عن بعض المحتجزين أحيانا ً بعد قضاء عدة أشهر رهن السجن , بدون أي اتهام أو محاكمة . ويتعين على اقارب المحتجزين إيداع أموال أو أملاك كضمانات , أو إعطاء تعهدات شخصية بعدم تورط المفرج عنه في نشاطات سياسية , أو عدم مغادرته للبلاد .(2/204)
وفيما يخص الفترة المحكوم بقضائها في السجن , فإن المدة التي يقضيها محتجز رهن الاعتقال لاتؤخذ بعين الاعتبار , إذ تبدأ مدة السجن من وقت صدور الحكم وإن كان المحتجز قد قضى سنوات كاملة في السجن ، كما أن بعض الأفراد يبقون في السجن بعد انقضاء مدة حكمهم بفترة طويلة
المحاكمات الجائرة
9_ "أخذوني إلى بناية تسمى بالمحكمة , كان فيها قاض " مُلا ّ "في حوالي العشرين من عمره , يجلس خلف مكتب ، كما كان هناك أربع كراس مصطفة إلى جانب من الغرفة ، جلست على
226
احداها الى جانب ثلاث أخريات ، لم يكن هناك شيء يجمع بيننا سياسيا ً ، فقد اعتقلت كل منا لأسباب مختلفة عن الأخرى ، وبعد أن أدلينا بأسمائنا ، سئُلت كل من بصدد أية منظمة جرى اعتقالها ، وعن ماهية نشاطاتها السياسية ، أجبت بأنه جرى اعتقالي لأن السلطات لم تعثر على زوجي , وقالت امرأة أخرى أنها كانت في حفل عند اعتقالها وأنها ليست لها أية انتماءات سياسية ، لم تدم الجلسة لأكثر من خمس دقائق ، توقفت الأسئلة , وأمرنا بمغادرة القاعدة " ] من شهادة امرأة احتجزت في سجن إيفين وجوهر دشت من تشرين الثاني نوفمبر 1983 , حتى أوائل عام 1984 [ .(2/205)
" في قاعدة المحكمة قرأ المُلا ّ قائمة من خمس وعشرين تهمة موجهة إلي ّ ، وقال إنني قد اعترفت بها كلها ، وكان من بين التهم انتمائي إلى منظمة بيكار ومعارضة الإمام الخميني ومحاولتي غسل أدمغة طلبتي . ولما سألني المُلا ّ عما إذا كان هناك شيء أريد أن أقوله دفاعاً عن نفسي . أنكرت جميع التهم المسندة إلي لأنها تهم ملفقة ، حينئذ قال أنه يعرف أن جميع أعضاء عائلتي ينتمون الى بيكار ، و أنني أستحق الحكم بالإعدام ، و أنه سيحكم علي بالسجن المؤبد بدلاً من ذلك حتى أدرك بأن الإسلام دين الرأفة ، كما أخبرني بوجود شهود ضدي ، و لما طلبت رؤيتهم ، أمر بردي الى زنزانتي ، و عندما استلمت بعد ذلك الإشعار الرسمي بعقوبتي ، وجدت أنني قد حكمت بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً " ( من شهادة رجل اعتقل عام 1981 ) .
التعذيب الجسدي
10 _ أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مفصلة مع عدد كبير من ضحايا التعذيب الذين غادروا ايران ليعيشوا كلاجئين في بلدان أخرى ، و قد تم فحص بعضهم من طرف أطباء بناء على طلب
227
منظمة العفو الدولية . و قد استنتج الأطباء في جميع الحالات بأن الندوب الجسدية و الأعراض الموصوفة تدعم ادعاءات التعذيب من حيث الطرق و التوقيت معاً .
يتعرض المعتقلون للتعذيب بعد توقيفهم مباشرة ، و ذلك خلال احتجازهم معزولين في مراكز الاعتقال المستعملة من طرق الكوميتية أو الباسدران ( أي الحرس الثوري ) و بعد ذلك في السجن حيث يقوم أفراد الباسدران مقام الحرس الثوري كذلك .
و قد يتعرض المحتجزون للتعذيب فور وصولهم الى هذه المراكز ، و رغم أن بعضهم يكون قد تعرض للضرب قبل ذلك في عربات النقل . و حالما يدخلون مراكز الاحتجاز ، فهم تحت رحمة سجانيهم ، دون أي اتصال بالعالم الخارجي ، و قد يدوم ذلك لعدة أشهر .(2/206)
تنزل السلطات التعذيب بالسجناء لانتزاع الاعترافات بنشاطاتهم السياسية ، و للحصول على أسماء و عناوين المناضلون السياسيين و عنوان المنازل الآمنة .
و الدافع الآخر لاستعمال التعذيب هو حث السجناء على التخلي عن آرائهم أو الارتداد عن عقائده الدينية ، و على الظهور أحياناً على شاشة التلفزيون لشجب آرائهم السابقة .
_ و قالت فتاة كان عمرها لا يتجاوز ستة عشر عاماً عند اعتقالها في تشرين الثاني / نوفمبر 1983 ، و التي استمر احتجازها حتى نيسان / إبريل 1985 ، أنه عندما أخذتها السلطات الى سجن إيفين لاستنطاقها : " عصبوا عيني و لفوا بطانية حول رأسي حتى أنني لم أعد قادرة على رؤية شيء و بدأت الجلدات تمزق لحم أخمص قدمي ، فأغمي علي عدة مرات " .
228
_ ووصفت طالبة عمرها ستة و عشرون عاماً ، احتجزت في سجن افين ما بين أيلول / سبتمبر 1981 و آذار / مارس 1982 ، أول مرة تعرضت فيها للضرب : فقالت :
" عندما رفضت الاعتراف ، عصبوا عيني و أمروني بالاستلقاء على الأرض ، و شرع أحدهم يضرب أخمص قدمي بسلك ثقيل ، و كنت ألبس جوراباً ، و لكن الضربة الأولى كانت من الألم بحيث أنني قفزت واقفة و بدأت أجري حول الغرفة ، و بعد ذلك قيدوا يدي خلف ظهري و ربطوا رجلي بعد إزالة جواربي ، و غطوا رأسي ببطانية ، ثم انهالوا علي بالضرب على ظهري و أقدامي آمرين أن اعترف باسم المنظمة السياسية التي أنتمي إليها و بأسماء رفاقي السياسيين ".
" لا أدري الى متى استمر الضرب ، إلا أنني تظاهرت بالإغماء من شدة الألم ، فما كان منهم إلا أن زادوا ضربي قسوة متهمينني بمحاولة خداعهم ، و عندما كفوا عن ضربي في النهاية ، كان الدم يسيل من قدمي بغزارة ، و خاصة حول الأظافر " .(2/207)
" قالوا بأنهم ذاهبون لتناول الغذاء و تركوني جالسة على كرسي ، لكنني لم أكن قادرة على الاستقرار عليه من شدة ارتجافي ، و لما ذهبت الى المرحاض ، كان هناك دم مختلط ببولي ، و بعد عودتهم استأذنتهم بالاستلقاء على الأرض من شدة ألمي ، و لكنهم لم يسمحوا لي بذلك " .
بعد وصولهم الى مراكز الاحتجاز ، غالباً ما يتعرض المعتقلون للضرب على أجسامهم دون تمييز ، و قد يرافق الضرب أسلوب " كرة القدم " و هي طريقة تستعمل لارباك المتحجز و للحط من معنوياته ، إذ يدفع المحتجز المقيد و المعصوب العينين من حارس الى آخر بعنف بينما ينهالون عليه ضرياً و لكماً و رفساً .
229
و قد قال رجل كان قد اعتقل في طهران في آب / أغسطس 1982 م لمنظمة العفو الدولية:
" قيدني رجال الحرس الثوري بأصفاد كانت تنقبض كلما حركت يدي ، و ربطوا يدي الى الخلف بحيث شكل ذراعي قطرين متقاطعين يمتد أحدهما فوق الكتف و الآخر تحته ... و نتيجة لذلك تحس و كأن أكتافك ستقتلع و بأن ضلوعك ستنكسر ... و بعد ذلك علقوني من الأصفاد من خطاف مثبت في الحائط ، فكانت رؤوس أصابع رجلي فقط تلمس الأرض ، في البداية طبعاً حمّلت أصابع رجلي بعض ثقل جسمي ، و ذلك لتخفيف الألم عن كتفي ، و لكن قدمي كانتا قد تعرضتا للضرب قبل فترة فكانتا متورمتين و جد مؤلمتين ، وبعد مدة ، بدأ التعب ينال من ساقي تدريجياً ، فاسترخى جسمي و هبط ، و بدأ الثقل يضغط على كتفي " .
الاعتداءات الجنسية
كما أدلى ضحايا سابقون لمنظمة العفو الدولية بتقارير عن مختلف أنواع الاعتداء الجنسي ، بما فيه اغتصاب السجناء رجالاً و نساءً ، و منذ عام 1980 و خلال استجوابهم من طرف منظمة العفو الدولية ، أصيب بعض السجناء السابقين بالكرب الشديد عندما سألتهم المنظمة عما تعرضوا له من اعتداء جنسي الى حد أنهم انهاروا و لم يقدروا على وصف معاناتهم .(2/208)
و هناك تقارير لقيت دعاية واسعة عن سجينات صغيرات السن أرغمن على الدخول في عقود زواج مؤقتة مع رجال الحرس الثوري ، ثم اغتصبن ليلة إعدامهن ، و قال بعض السجناء السابقين لمنظمة العفو الدولية أن رجال الحرس يتبجحون بمثل هذه الأفعال أمام السجناء ، و يهددونهم بعقد زواج من ذواتهم من النساء ، السجناء السابقين كانوا خلال مكوثهم في السجن يعيشون في خوف دائم من مثل هذه الاعتداءات .
230
التعذيب النفسي
12 _ غالباً ما كان يرافق التعذيب الجسدي التهديد بالإعدام أو حتى تنفيذ عمليات إعدام صورية فيؤمر المعتقلون بكتابة وصاياهم ، ثم تعصب أعينهم و يهيئون للإعدام و بعد ذلك يؤمر الحرس بإطلاق النار ، فيطلق الرصاص حول الضحية .
وقد جاء في وصف سجين سابق لمعاناته ما يلي :
" أخذني الحرس الى ساحة ثبتت فيها أربعة أعمدة خشبية على شكل نصف دائرة ، ثم ربطوا كلاً منا الى عمود ، كان أولنا فتى في الرابعة أو الخامسة عشر من عمره ، ينتمي الى جماعة مجاهدي خلق ، أما الثاني ، فكان ضابطاً في الجيش ، و كان الثالث و عمره ثلاثة و عشرين عاماً تقريباً ، عضواً في بيكار ، و كنت أنا رابعهم ، و كان الحرس قد سألوني سابقاً عما إذا كانت لدي أمنية أخيرة ، فسألتهم أن يزيحوا العصابة عن عيني ، لهذا لم يعصبوا عيني هذه المرة فرأيت الرصاصة تصيب الفتى ، كما أصيب الضابط في بطنه ، ربما كان عضو بيكار قد مات من قبل ، لأن جسده لم يتأثر بوقع الرصاصة ، و كان الفتى يرتجف بعنف من أثر الرصاصة في جسمه ، كانت يداه مكبلتين ، و كان يحاول بكل قواه أن يخلص نفسه ، و كان الدم يسيل بغزارة من جرحه ، فصحت بهم : " ماذا تنتظرون ؟ لماذا لا تطلقوا النار علي ؟ فبدءوا يضحكون ، و لم يكن بوسعي أن أفعل شيئاً ، ومات الفتى أخيراً ، و تلاه الضابط ، بينما وقفت أنا أشاهدهم يتعذبون ... إني أحاول جاهداً أن أمحو هذه الذكرى " .
231(2/209)
و قد أدلى سجناء سابقون آخرون بشهادات عن طول مدى الآثار النفسية الناتجة عن إكراههم على مشاهدة إعدام زملائهم السجناء ، و حتى على تحميل جثثهم على الشاحنات .
كما قال عدد من السجناء السابقين أنهم هددوا باحتجاز أقاربهم ، و اغتصابهم و إعدامهم ، ما لم يدلوا بمعلومات .و أخبر شاهد آخر كان قد اعتقل في شيراز في أوائل عام 1983 ، منظمة العفو الدولية عن سجينة صغيرة السن كانت معه في السجن خلال نفس الفترة أخبرها الحرس بأن زوجها عُذب بقسوة ، و بأنهم سيكفون عن تعذيبه إذا ما تخلت هي عن عقيدتها فلما أبت ، أخذوها لرؤية زوجها فصعقت لحالته ، كان الزوج قد فقد أكثر وزنه ، و علت القروح المقيحة الدامية ظهره ، كما اقتلعت أظافر رجليه ، و قد أعدمتها السلطات في وقت لاحق .إن الاضطراب العقلي الشديد لا يستغرب نتوجه عن المعاملة السيئة ، وجاء في أقوال بعض السجناء أن سجناء مضطربين عقلياً وضعوا عمداً في زنزاناتهم لكي يزيدوا من كربتهم .
الحبس الانفرادي
_ و كثيراً ما يحبس المحتجزون بمعزل لفترات طويلة ، فلا يعرفون شيئاً عن مصيرهم ، و يمنعون من الاتصال بسجناء آخرين أو بالعالم الخارجي ، و يصف الكثيرين منهم إحساسهم بفقد صلتهم بالواقع ، فقد كانت أعينهم تعصب لمدد طويلة ، مما يزيد من حدة شعورهم بعدم الاستقرار و وعرضة للخطر ، بينما كانوا يسمعون صراخ السجناء الآخرين و هم يعذبون ، هذا و يشيع الإحساس بالذل و الاشمئزاز من النفس بين السجناء في معظم التقارير .
232
و قالت امرأة عمرها حوالي عشرين عاماً ، كانت قد قضت أربعة عشر شهراً في سجن إيفين و في سجن جوهر دشت ، بعد أن فشلت السلطات في إلقاء القبض على زوجها :(2/210)
" في سجن جوهر دشت لا تمر دقيقة واحدة دون سماع صراخ بعض السجناء و هم يعذبون يمكنك الإحساس بوقوع التعذيب ، كما يمكنك الإحساس بالشخص في الزنزانة المجاورة و هو يجر خارجها،و ليس للضرب أية علاقة بالاستنطاق ، و هذا ما يجعل جوهر دشت مرعباً الى هذا الحد ، فليس التعذيب إلا جزء من حياة السجن " .
" من الأشهر الأربعة عشر التي قضيتها في السجن ، قضيت تسعة في حبس انفرادي إما بالمعنى الحقيقي للكلمة ، و إما في زنزانات خصصت لفرد واحد ، إنما أودع بها شخصان أو ثلاثة ، إلا أنه خلال تلك الأشهر لم يتح لي أي اتصال بالعالم الخارجي ، أو أية مواد للقراءة أو أي شيء آخر ، خلال تلك الفترة كنت أحاول أن أهتم بنفسي و أن أحتفظ برباطة جأشي ، لأنني كنت أشعر أنني تحت الضغط و أنني بدأت أفقد توازني العقلي تدريجياً ... كنت طوال الوقت أتخيل أشياء غريبة كأنها صور في ذهني كنت أشعر بأن كل من حولي مخبرون ، كما تخيل لي أنني رأيت زوجي ، و أنه كان مستنطقاً ، تصور! فحتى ابني الصغير ظننته مستنطقاً كذلك " .
العناية الطبية
14 _ يحرم ضحايا التعذيب من تلقي العلاج الطبي لإصابتهم و جاء في بيان نموذجي لسجين سابق :" لم يكن هناك عادة أي علاج طبي بعد التعذيب ، فكل ما في الأمر هو أنهم يرجعونك
233(2/211)
الى زنزانتك و يتركونك لمصيرك ، و قد يعتني بك السجناء الآخرون ، إذ قد يكون لدى بعضهم معرفة بالإسعاف الأولي ، كما أن بعض السجناء يدخرون الدواء سراً من أجل الحالات الطارئة . و حسب معلومات منظمة العفو الدولية ، فإن السجناء لا يخضعون لفحص طبي عند وصولهم الى السجن ، كما أنه في أغلب الأوقات تنعدم حتى وسائل العناية الطبية الأساسية ، و لا يتوفر في بعض السجون طبيب مؤهل خاص بها ، فيقوم بتقديم العلاج طلبة الطب أو الأطباء الذين هم أنفسهم سجناء أو الحراس الذين تم تدريبهم على الإسعاف الأولي فقط ، و في بعض الحالات ، يرفض أخذ السجناء الى المستشفى للحصول على العلاج التخصصي اللازم أو يؤخر مدة طويلة .و قد أدت قلة النظافة و عدم كفاية المرافق الصحية في السجون متضافرة في بعض الأحيان مع الازدحام الشديد ، الى انتشار الأمراض الجلدية ، كما اشتكى العديد من السجناء السابقين من آلام في الكلى أصيبوا بها نتيجة للضرب و لم يتلقوا العلاج من أجلها ، و كثيراً ما أصبحت جروح التعذيب ملوثة و مؤلمة و كريهة الرائحة ، نتيجة للظروف غير الصحية و عدم توفر العناية الطبية .
235
الخاتمة
أخي القارئ: إذا كنت قد قرأت هذا الكتاب بتدبر وإمعان , فقد أدركت ما يفعله أحفاد : هرمز , وابن سبأ , وفيروز , والطوسي , والعلقي , والصفويين بإخوانك أهل السنة في إيران .
وحرصنا على أن نعرض بين يديك أقوال علماء ودعاة أهل السنة من مختلف مناطق إيران , وأقوال العلماء الذين زاروا إيران استجابة لدعوات تلقوها من أركان المنظمة ورأوا بأعينهم أمورا ً لا ينبغي كتمانها ... ولعلك لم تنسى أن كبار علماء باكستان منعوا من زيارة علماء أهل السنة , وعندما أصروا على مقابلة أحدهم جاء رجال أمن الآيات به وجلسوا بينه وبين علماء باكستان حتى يسمعوا كل شاردة و واردة , وقال العلماء الأفاضل : كنا نشعر أننا في سجن , ولسنا ضيوفا ً على الحكومة ..(2/212)
ولا ينبغي لك أخانا أن تنسى أيضا ًلقاء هذا الوفد مع عضوين من مجلس الشورى
( البرلمان ) وهما يمثلان أهل السنة , لقد أصروا على أن يتحدثا مع الوفد الزائر بالفارسية
236
مع أنهما يتقنان لغة (الأوردو ) , وكانت المقابلة تحت سمع وبصر جواسيس الآيات ... فتأمل كيف يعيش أعضاء _ البرلمان _ من أهل السنة ... فأين الحرية وأين الحصانة الدبلوماسية ؟!
ومر بك مشاهد مروعة مما يحدث في سجون الآيات : فالبنت العذراء يغتصبها الأوباش _ حراس الثورة _ قبل إعدامها لأن دين الخميني يحرم موتها وهي بكر !!
وعندما سئل عالم جليل من علماء أهل السنة : لماذا تراجعت عن موقفك وعن الفتاوى التي كنت تفتي به ؟! أجاب الرجل وقلبه يعتصر ألما ً :
لقد دخل زنزانتي مرجع من مراجع الشيعة ومعه مجموعة من حراس الثورة , وأمرهم أن يلوطوا بي , وزعم _قائله الله _ أنهم مأجورون على ما سيفعلون , وليس عليهم أن يغتسلوا من الجنابة ... وخيرني الخبيث بين أمرين أحلاهما مر : الاعتراف بما يريدون , أو أن ينفذ الحراس بي ما أمرهم به شيخهم , فاخترت الأمر الأول , وأفتيت لهم بما يريدون , واعترفت بأنني عميل للعراق وللولايات المتحدة الأمريكية , ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا ً منسيا ً .
لقد سود المجرمون آلف الصفحات في الحديث عما كانوا يلقون في سجون الشاه وسجون بعث العراق ... فانظروا ماذا يفعلون في سجونهم !!
وليست جرائمهم قاصرة على إقليم دون إقليم آخر , ولا على قوم دون قوم ... فإيران كلها في ظلهم أصبحت سجنا ً , ولم يسلم من بطشهم حتى الآيات وأقطاب الثورة .. وانظروا إن شئتم ماذا فعلوا بشريعتمداري واتباعه , وبالمنتظري وأعوانه , وبرئيس جمهوريتهم السابق بني صدر الذي كان فضل على الخميني , وبوزير خارجية الثورة السابق قطب زادة ... فمن ذا الذي يأمن على نفسه في إيران ؟!
237(2/213)
أيها المسلمون العرب : إخوانكم في إيران يعتبون عليكم أشد العتب ويقولون لكم :
_ إن الوضع جدا ً خطير , وتزداد هذه الخطورة يوما ًبعد آخر لأن طغمة الخميني يعملون دون كلل من أجل أن لا يبقى في إيران سني واحد , فماذا أعددتم لمواجهة هذا الخطر ... وهل تظنون أن أطماعهم لن تتجاوز حدود إيران .. من منكم لم يسمع أخبار تصدير الثورة .. ومن منكم من لم يعلم أو يسمع عن العمليات التي نفذوها في عدد من بلدان العالم الإسلامي ؟!
_ نحن و إياكم في خندق واحد , بل نحن جزء منكم نفرح لفرحكم ونحزن لحزنكم فلماذا لا تبادلونا هذه المشاعر بمثلها ... أو لستم تقرأون في كتاب الله قوله تعالى : (( إنما المؤمنون أخوة )) . وقوله : (( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) ( التوبة / 71 ) .
أين أنتم من قوله صلى الله عليه وسلم : (وترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا أشتكى منه عضوا ً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ]رواه الشيخان و اللفظ للبخاري [ : و قوله : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " ] رواه الشيخان [ . و قوله : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "
] رواه الشيخان [.
_ منذ مئات السنين _ و ليس في عهد الخميني كما يشاع _ وآيات قم يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن كل شيعي في العالم ... يبنون لهم الجامعات ، و المعاهد ، و المدارس ، و الجوازات ، و المساجد ، و يتبنون مشكلاتهم ، و يتم ذلك كله على شكل تنظيم جماعي دقيق و مستقيل .
أما أنتم أيها المسلمون العرب : فلا تسألون عنا ، و لا تزرون مناطقنا و تتفقدون أحوالنا ، و إن حدث شيء من هذا فيكاد لا يذكر لندرته ... فكيف ترضون أن يكون الرافضة _ أهل الباطل _ مثل الجسد الواحد أو مثل البنيان المرصوص ، و لا يكون أهل الحق كذلك ؟!
238(2/214)
هذا ما سمعه الذين التقوا بإخواننا ، حتى أن بعضهم رفض أن يزودنا بمعلومات عن أحوال أهل السنة في بلده ، لأنهم لا يثقون بجدوى تقديم مثل هذه المعلومات أو يخشون أن تصل مع أسمائهم الى جهاز مخابرات نظام حكام طهران ... و لهذه الخشية ما يبررها ، لقد أحسنوا الظن بمن يسمون أنفسهم علماء و دعاة من المسلمين العرب الذين لهم علاقات متينة مع الآيات ، فاجتمعوا بهم في طهران و حدثوهم عما يلقون من اضطهاد و قهر ... و هؤلاء بدلاً من تقديم العون و المساعدة لهم و شوا بهم عند أصدقاء فتعرضوا للتحقيق و التهديد و الاعتقال .
من حق إخواننا أن يعتبوا علينا ، و يتبرموا من إهمالهم لقضيتهم ، و إن كان هذا الإهمال ليس عاماً ، و لا يشمل قومنا كلهم ... و لعل هذا الكتاب يكون سبباً إن شاء الله في تنبيه الغافلين ، و إيقاظ النائمين ، و إقناع المخدوعين الذين لا يزالون يحسنون الظن بثوار الخميني و يلتمسون الأعذار .
و الذين أرجوه من القارئ بعد أن يفرغ من قراءته أن يفكر طويلاً بما يجب أن يقدمه نحو إخوانه أهل السنة في ايران ، و لا ينبغي أن يسيطر عليه الحزن و هو يقلب صفحاته ، ثم تمر الأيام فينسى هذه القضية كما نسي أو تناسى غيرها من القضايا .
و إذا كانت المشكلة أكبر من فرد أو أفراد ، و لا يستطيع إخواننا الإيرانيين _ أهل السنة _ وحدهم النهوض بهذا العبء الثقيل ، فلا بد إذن من الرجال الذين يشعرون و يعتقدون بأنهم جسد واحد ، و في طليعة هؤلاء يأتي دور الجماعات الإسلامية المتمسكة بما كان عليه الرسول و أصحابه صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه و سلم ، كما يأتي دور المحسنين أصحاب العقيدة السليمة الذين
239
يعرفون خبث الرافضة و كيدهم ، و الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله و يعرفون كيف ينفقونها ، و من الذين يستحقونها ، فعملية الإنقاذ تحتاج الى أهل العلم و الفكر و السياسة كما تحتاج الى المال .(2/215)
و الخطوة الأولى في عملية الإنقاذ تحتاج الى تعبئة الرأي العام الإسلامي و توعيته ، و من أجل إنجاح هذه الخطوة فإنني أنصح بما يلي :
1 _ أرجو ممن يقرأ هذا الكتاب ، أن ينقل ما فيه من معلومات مثيرة الى أصدقائه و أقاربه الذين يجالسهم كثيراً ، و إن كان مدرساً فليلخص أهم ما فيه لطلبته بأسلوب شيق و مؤثر .
ليقرأ كل من يحصل على نسخة من هذا الكتاب فقرات من أساليب الرافضة و مخططاتهم ، و سوف يواجهه سيل من الأسئلة ، فليستعد للإجابة عليها ، و تفنيد شبهات المبطلين ، و ليعلم أن الذين فطروا على الخير و حسن الظن لن يقبلوا مضمون هذا الكتاب بسهولة إذا كانوا يجهلون مخططات الرافضة و عقائدهم و أساليبهم .
و لتكن موضوعات هذا الكتاب مادة للحوار مع الذين لا يزالون يتعاطفون مع ما يسمونها " الثورة الإسلامية في ايران " ، بل و مع الرافضة أنفسهم لأن مثل هذا الضغط يحرج آيات قم و طهران ، ويحتم عليهم إعادة النظر بخططهم و مواقفهم من أهل السنة ، لأن أتباعهم يعيشون في بحر متلاطم من أهل السنة ، و سياسة المعاملة بالمثل تهز أركان نظامهم .
_ أناشد الوعاظ و خطباء الجمعة أن يكون هذا الموضوع مادة لعدد من خطب الجمعة ، و من المفيد أن يتوسع الخطباء فيتحدثوا عما يفعله و يفعله الرافضة في القديم و الحديث ، ليذكروا :
240
_ وقوفهم الى جانب التتار عند اجتياحهم لبغداد .
_ تعاون الصفويين مع الإنجليز و البرتغال ضد العثمانيين السنة .
_ تعاونهم اليوم مع اليهود ضد العرب ، و مع السوفييت ضد الأفغان ، و مع الهندوس ضد المسلمين في الهند و باكستان .(2/216)
و أرجو أن لا يغفل خطباؤنا عن أهمية الأدلة لأن العواطف الهوجاء تنفر الجمهور و تخدم العدو . و من الوسائل الإعلامية الفعالة أن يخاطب أهل السنة في ايران الجمهور من خلال ندوات تعقد لهذا الغرض ، و قديماً قيل : أهل مكة أدرى بشعابها ، و الذي أظنه أن أهل السنة مستعدون لتأدية هذا الدور إذا تهيأت لهم الأسباب اللازمة لذلك . و إذا نجح خطباء الجمعة في تعبئة المصلين ، و دفعهم الى إرسال برقيات احتجاج ، و استنكار لما يحدث أمام سفراء ايران في الخارج ، فيكونون بذلك قد قاموا بجزء مهم من الواجب المترتب عليهم نحو إخوانهم أهل السنة في ايران .
أن تفتح الصحف و المجلات الإسلامية ملف أهل السنة و الجماعة في ايران ، و تتحدث فيه عن تاريخ محنتهم ، و تجري لقاءات صحفية مع دعاتهم الشباب الذين ألجأهم استبداد الآيات الى مغادرة أرضهم و ديارهم و الانتشار في أرض الله الواسعة ، و ترسل مندوبيها الى مناطق أهل السنة في ايران ليجروا استطلاعات صحفية شاملة عن أحوالهم و مساجدهم و مدارسهم ، و هل الخدمات التي تقدمها الدولة مشابهة للخدمات التي تقدمها الشيعية . و إذا رفضت ايران السماح للصحفيين بدخول أرضها و زيارة مناطق أهل السنة فليثيروا هذه المشكلة على نطاق واسع .
241
و ينبغي أن يطرح الصحفيون قضايا محددة من أبرزها :
_ أين السجن الذي يقيم به مفتي زادة و لماذا لا يسمحون بزيارته ، و كم عدد المعتقلين من أنصاره ؟!
_ ما هو سبب اعتقال الشيخ ضيائي مع أنه كان يتبع سياسة عدم الاصطدام بالسلطة ؟!
_ لماذا قتلوا الشيخ بهمن شكوري ، و كم عدد الذين قتلوهم من أهل السنة ، و كم عدد المعتقلين من مختلف المناطق ، و لماذا لا يطبق عليهم أحكام الدستور ؟!
_ ما الفائدة من الاحتفال بأسبوع الوحدة الإسلامية كل عام و هذه هي أحوال أهل السنة ، و هل هذه الوحدة تعني أن يتشيع أهل السنة كلهم ؟!(2/217)
و هنا يبرز سؤال : من هي الصحف و المجلات التي تطلب منها فتح ملف أهل السنة ؟!
و الجواب على ذلك : إن الصحف و المجلات الإسلامية في البلاد العربية و غيرها لا ينبغي أن تقف على الحياد ، و يجب عليها أن تسارع الى فتح هذا الملف ، و هناك صحف و مجلات غير إسلامية يهمها إثارة مثل هذه المشكلة ، و لا يعنينا نوايا و أهداف القائمين عليها ، أما إخواننا أهل السنة في ايران سواء الذين فروا من جحيم الآيات أم الذين لا يزالون يقيمون داخل السجن الكبير و الصغير فهذه نصائحي لهم :
1_ أن يقوموا أخطائهم السابقة ، و من هذه الأخطاء : مسارعتهم الى تأييد ثوار الخميني ، و هتافاتهم المؤسفة : لا سنية ... لا شيعية ، و حذفهم العبارات _ من البيانات التي كان يصدرها الخميني _ التي تكشف تعصبه للشيعة ، و أهم هذه الأخطاء : اعتقاد كثير منهم أن أهل السنة فرقة من الفرق الكثيرة و هي لا تمثل صفاء الإسلام و نقاءه.
و إذا قال قائل : لماذا إثارة هذه المسألة و قد مضى وقتها ، و بينات الأخوة تؤكد التزامهم بأصول أهل السنة ؟! .
242
و الجواب : إن الرافضة قوم لا خلاق لهم ، فقد يضطرون الى الإفراج عن المعتقلين ، و السماح لهم بممارسة شيء من نشاطهم الدعوي ، ثم يقولون لهم : إنه لا فرق عندنا بين الشيعة و السنة ، و الأخطاء السابقة يتحمل مسؤولياتها فلان و فلان ، و نحن جميعاً مسلمون و قائدنا " خامنئي " ، و يجب أن يكون الرد عليهم في هذه الحالة :
كذبتم فهناك فرق كبير بيننا و بينكم ، و الخامنئي تلميذ الخميني ، و لن نثق بكم بعد الآن ، و منهج أهل السنة هو المنهج الحق .(2/218)
2_ كان توحيد صفوف أهل السنة يُعد ضرباً من الخيال ، فهناك اختلاف بينهم في اللغة ، و الجنس ، و هناك مسافات واسعة بين كل منطقة و أخرى ، و يضاف الى هذا كله الفقر و الجهل و فقدان المفكرين الأفذاذ و المحسنين الذين يمولون مثل هذا المشروع . أما اليوم فقد جمعت بينهم المحنة ، و شاء الله سبحانه و تعالى أن يلتقي في ديار الغربة الكردي مع البلوشي و العربي و التركماني ، كما شاء جل و علا أن يتوحد صفهم و تتآلف قلوبهم ... و كذلك حال أهل السنة في سجون الآيات ، فاحرصوا يا أخوة على تعميق مفاهيم و أصول هذه الوحدة ، و احذروا من مداخل الشيطان ، و من إعجاب كل ذي رأي برأيه .
3_ استقلالية القرار : إن الذين يربطون أنفسهم بدولة أجنبية يخسرون خسارة فادحة ، لأن هذه الدولة تساعدهم ما دامت تحقق فائدة من وراء هذه المساعدة ، فإذا انقطعت الفائدة انقطعت المساعدة .
و من الأمثلة على ذلك أنه عندما تتصالح دولتان متخاصمتان يكون من بنود هذه المصالحة التزام كل دولة بوقف المساعدة التي كانت تقدمها للذين يعارضون النظام الآخر ، لا بل قد تقدم إحدى الدولتين على تسليم رموز المعارضة أو أسرارها للدولة الأخرى .
243
و إخواننا الآن لا يملكون ما تستفيد منه الدول المعادية لإيران ، و من جهة اخرى فليس هناك من يتبنى قضية أهل السنة ، و لكن من يسير في طريق لا بد أن يعرف كيف يصل و كيف يتجنب المزالق .
4_ رب ضارة نافعة ، فلولا هذا الضرر الذي لحق بأهل السنة لما خرج عدد كبير من شبابهم من ايران و حطم قيود العزلة التي كانت و لا تزال مفروضة عليهم .
و قد أتاح لهم هذا الخروج فرصة الاختلاط بالدعاة و الجماعات الإسلامية من بلدان مختلفة ، فاستفادوا من تجاربهم ، و توسعت مداركهم ، و أصبحت العالمية عندهم حقيقة ملموسة ، و ليست شعاراً تردده الألسنة دون أن يكون له وجود في عالم الواقع.(2/219)
و أسأل الله جل و علا أن يجمع قلوب إخواننا على ما يحبه و يرضاه ، و يهديهم سواء السبيل ، و أن تعود ايران بهم قلعة من قلاع أهل السنة ، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الفهرس
مقدمة ....................................................... .... 5
ملحوظات ....................................................... 17
قضية أهل السنة في ايران ........................................ 21
مقدمة ........................................... ... 22
مجلس شورى أهل السنة ........................... 33
مبادئ مجلس الشورى ............................. 33
موقف الخميني من المجلس ......................... 38
رسالة زادة للخميني ............................... 41
رسالة زادة لبني صدر ............................. 50
المجموعة المقترحة بشأن إصلاح الدستور .......... 58
الفصل الأول : حول إزالة الظلم الطبقي ............ 59
الفصل الثاني : حول إزالة الظلم المذهبي .......... 63
الفصل الثالث : حول إزالة الظلم القومي ........... 65
البيان الأول . .......................................74
البيان الثاني ..................................... .. 77
البيان الثالث ...................................... 81
بيانات مكتب قرآن حول إجراءات الحكومة .................... 95
بيان 1 ............................................... 96
بيان 2 .............................................. 99
بيان 3 .............................................. 103
بيان 4 .............................................. 105
بيان 5 ............................................ 107
بيان 6 .......................................... . 108(2/220)
بيان 7 ........................................... 110
بيان 8 .......................................... 113
بيان 9 .......................................... 115
تعليقات على الرسالتين السابقتين ........................... 121
مقابلات ........................................... 137
خراسان ........................................... 140
بلوشستان ........................................... 147
حاشية الخليج ....................................... 150
عز الدين الحسيني ................................. 152
مقابلة مع الشيخ ضيائي .................................... 155
تعليق ...................................................... 165
أحوال أهل السنة بعد توقف الحرب ....................... .. 167
مقدمة ................................................ 169
منهج التربية الإسلامية ............................... 171
سياستهم العملية مع المدرسين و الطلاب ............. 172
تزويج من شاء من السنة بالشيعيات .................. 176
تغيير معالم المناطق السنية ........................... 177
كيف يعاملون المهاجرين السنة من الأفغان .......... 178
تطبيق مبدأ فرق تسد ................................ 179
اتهاماتهم لعلماء السنة ............................... 180
أسبوع الوحدة الإسلامية ............................ 182
جيش البسيج ...................................... 183
تكفيرهم للسنة ..................................... 184
بشائر خير ........................................ 185
مشاهدات علماء أهل السنة الذين زاروا ايران .............. 189
تقرير الشيخ الزاهد الراشدي ....................... 191(2/221)
تصريحات رئيس علماء باكستان .................. 200
تقرير الشيخ محمد سعيد بانو ........................ 203
* ماذا يجري في سجون الآيات ؟ ................................206
شهادة أهل السنة .................................... 207
مقتطفات من تقرير لمنظمة العفو الدولية ....... 217
الرهائن ........................................ 220
شهادة قاض .................................... 224
المحاكمات الجائرة .............................. 225
التعذيب الجسدي ................................ 226
الاعتداءات الجنسية .......................... 229
التعذيب النفسي .............................. 230
الحبس الانفرادي ............................... 231
العناية الطبية ................................... 232
الخاتمة ........................................................ 235(2/222)
أسئلة
قادت شباب الشيعة
إلى الحق
إعداد وجمع
سليمان بن صالح الخراشي
1426هـ
http://www.almjos.com
http://www.saaid.net/
http://www.alkashf.net/
مكتبة الرضوان
حقوق الطبع محفوظه
1426 هـ – 2005م
رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق القومية المصرية
10942 - 2005
مكتبة الرضوان
5شارع الفقى – كوم حماده – البحيرة
الرمز البريدى 22821
مصر
هاتف :0020103932810 فاكس :0020453681553
البريد الإلكترونى :ccnasser@hotmail.com
مقدمة
الحمد لله القائل: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153]، والصلاة والسلام على رسوله خاتم الأنبياء القائل «إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة؛ كلها في النار إلا واحدة»، فقيل: يا رسول الله، ما الواحدة؟ قال: «ما أنا عليه اليوم وأصحابي»( ).
أما بعد:
فقد أراد الله ـ بإرادته الكونية القدرية ـ أن يتفرق المسلمون إلى شيع وأحزاب ومذاهب شتى، يعادي بعضهم بعضاً، ويكيد بعضهم لبعض؛ مخالفين بذلك أمر الله لهم حال الاختلاف بالرد إلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ في قوله: { إِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء: 59].
ولهذا: كان من الواجب على كل ناصح لأمته، محب لوحدتها واجتماعها أن يسعى ـ ما استطاع ـ في لم شملها «على الحق»، وإعادتها كما كانت في عهده صلى الله عليه وسلم (عقيدة وشريعة وأخلاقاً)؛ اتباعاً لقوله تعالى: { َاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [آل عمران: 103].(3/1)
ومن أهم ما يعجل بهذا الأمر: تنوير أبناء الفِرَق المخالفة لدعوة الكتاب والسنة بما هم عليه من تجاوزات وانحرافات تحول بينهم وبين الهدى ولزوم جماعة المسلمين.
ومن هنا جاء التفكير في جمع هذه الأسئلة والإلزامات الموجهة إلى شباب طائفة الشيعة الاثني عشرية لعلها تساهم في رد العقلاء منهم إلى الحق؛ إذا ما تفكروا في هذه الأسئلة والإلزامات التي لا مجال لدفعها والتخلص منها إلا بلزوم دعوة الكتاب والسنة الخالية من مثل هذه التناقضات.
وقد أعجبني ـ حقًّا ـ ما قام به أحد الإخوة الشيعة المهتدين إلى الحق( ) عندما تحدث عن تجربته في الانتقال من الضلال إلى الهدى في كتاب اختار له اسماً مناسباً هو:
«ربحتُ الصحابة.. ولم أخسر آل البيت»!
وقد وُفِّق ـ ثبَّته الله ـ في هذا الاختيار؛ لأن المسلم الحق لا يجد حرجاً في الجمع بين محبة آل البيت ومحبة الصحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ.
وهو يذكرني بذاك النصراني الذي أسلم؛ فألَّف كتاباً بعنوان: «ربحتُ محمداً.. ولم أخسر عيسى» ـ عليهما السلام ـ.
وليُعلم ـ بعد هذا ـ أنني انتقيت معظم هذه الأسئلة والإلزامات من منتديات الشبكة العنكبوتية ـ لاسيما منتدى الدفاع عن السنة ـ، وأضفتُ عليها مجموعة كبيرة من الإلزامات التي اطلعتُ عليها في الكتب التي حاورت الشيعة، ثم قمت بتهذيب ذلك كله، وسبكه في قالب متحد، وبنَفَسٍ واحد؛ فليس لي من هذا العمل إلا الجمع والتهذيب، سائلاً الله أن ينفع به الموفقين من شباب الشيعة، وأن يجعله مفتاح خير لهم، مذكرهم أخيراً بأن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، وأن الواحد منهم في حال لزومه السنة، والفرح بها، ونصرتها؛ قد يفوق في أجره ومكانته آلافاً من أهل السنة البطالين، المعرضين عن دينهم، اللاهين في الشهوات، أو الواقعين في الشبهات، والله يقول: { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } [الروم: 44].(3/2)
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه/ أبو مصعب
Alkarashi1@maktoob.com
الإلزامات
1 يعتقد الشيعة أن عليًا رضي الله عنه إمام معصوم، ثم نجده ـ باعترافهم ـ يزوج ابنته أم كلثوم «شقيقة الحسن والحسين» من عمر بن الخطاب رضي الله عنه!!( ) فيلزم الشيعة أحد أمرين أحلاهما مر :
الأول: أن عليًّا رضي الله عنه غير معصوم؛ لأنه زوج ابنته من كافر!، وهذا ما يناقض أساسات المذهب، بل يترتب عليه أن غيره من الأئمة غير معصومين.
والثاني: أن عمر رضي الله عنه مسلمٌ! قد ارتضى علي رضي الله عنه مصاهرته. وهذان جوابان محيّران.
2 يزعم الشيعة أن أبابكر وعمر رضي الله عنهم كانا كافرين، ثم نجد أن عليًا رضي الله عنه وهو الإمام المعصوم عند الشيعة قد رضي بخلافتهما وبايعهما الواحد تلو الآخر ولم يخرج عليهما، وهذا يلزم منه أن عليًا غير معصوم، حيث أنه بايع كافرين ناصبَيْن ظالمَيْن إقراراً منه لهما، وهذا خارم للعصمة وعون للظالم على ظلمه، وهذا لا يقع من معصومٍ قط، أو أن فعله هو عين الصواب!! لأنهما خليفتان مؤمنان صادقان عادلان، فيكون الشيعة قد خالفوا إمامهم في تكفيرهما وسبهما ولعنهما وعدم الرضى بخلافتهما! فنقع في حيرة من أمرنا: إما أن نسلك سبيل أبي الحسن رضوان الله عليه أو نسلك سبيل شيعته العاصين؟!
3 لقد تزوج علي رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها عدة نساء، أنجبن له عدداً من الأبناء، منهم : عباس بن علي بن أبي طالب، عبدالله بن علي بن أبي طالب، جعفر بن علي ابن أبي طالب، عثمان بن علي بن أبي طالب.
أمهم هي: «أم البنين بنت حزام بن دارم»( ).
وأيضاً: عبيد الله بن علي بن أبي طالب، أبوبكر بن علي بن أبي طالب.
أمهم هي: «ليلى بنت مسعود الدارمية»( ).
وأيضاً: يحيى بن علي بن أبي طالب، محمد الأصغر بن علي ابن أبي طالب، عون بن علي بن أبي طالب.(3/3)
أمهم هي: «أسماء بنت عميس»( ).
وأيضاً: رقية بنت علي بن أبي طالب، عمر بن علي بن أبي طالب ـ الذي توفي في الخامسة والثلاثين من عمره ـ.
وأمهما هي: «أم حبيب بنت ربيعة»( ).
وأيضاً: أم الحسن بنت علي بن أبي طالب، رملة الكبرى بنت علي بن أبي طالب.
وأمهما هي: «أم مسعود بنت عروة بن مسعود الثقفى»( ).
والسؤال : هل يسمي أبٌ فلذة كبده بأعدى أعدائه؟ فكيف إذا كان هذا الأب هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فكيف يسمي علي رضي الله عنه أبناءه بأسماء من تزعمون أنهم كانوا أعداء له؟!
وهل يسمي الإنسان العاقل أحبابه بأسماء أعدائه؟!
وهل تعلمون أن عليًا أول قرشي يسمي أبا بكر وعمر وعثمان؟
4 يروي صاحب كتاب ( نهج البلاغة ) ـ وهو كتاب معتمد عند الشيعة ـ أن عليًا رضي الله عنه استعفى من الخلافة وقال: «دعوني والتمسوا غيري»!( ) وهذا يدل على بطلان مذهب الشيعة، إذ كيف يستعفي منها، وتنصيبه إمامًا وخليفة أمر فرض من الله لازم ـ عندكم ـ كان يطالب به أبابكر ـ كما تزعمون ـ؟!
5 يزعم الشيعة أن فاطمة رضي الله عنها بَضْعة المصطفى صلى الله عليه وسلم قد أهينت في زمن أبي بكر رضي الله عنه وكسر ضلعها، وهمّ بحرق بيتها وإسقاط جنينها الذي أسموه المحسن!
والسؤال : أين علي رضي الله عنه عن هذا كله؟! ولماذا لم يأخذ بحقها، وهو الشجاع الكرار؟!
6 لقد وجدنا كثيراً من سادة الصحابة أصهروا إلى أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام وتزوجوا منهم، والعكس بالعكس، لا سيما الشيخين منهم، كما هو متفقٌ عليه بين أهل التواريخ ونقلة الأخبار سُنة منهم أو شيعة.
فإنَّ النبي عليه الصلاة والسلام:
- تزوج عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنه.
- وتزوج حفصة بنت عمر رضي الله عنه.
- وزوج ابنتيه ( رقية ثم أم كلثوم ) لثالث الخلفاء الراشدين الجواد الحيِي عثمان بن عفان رضي الله عنهما، ولذلك لقِّب بذي النورين.(3/4)
- ثم ابنه أبان بن عثمان تزوج من أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر بن أبي طالب.
- ومروان بن أبان بن عثمان كان متزوجاً من أم القاسم ابنة الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
- ثم زيد بن عمرو بن عثمان كان متزوجاً من سكينة بنت الحسين.
- وعبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان كان متزوجاً من فاطمة بنت الحسين بن علي.
ونكتفي بذكر الخلفاء الثلاثة من الصحابة، دون غيرهم من الصحابة الكرام الذين كانوا أيضاً مصاهرين لأهل البيت؛ لبيان أن أهل اليبت كانوا محبين لهم، ولذلك كانت هذه المصاهرات والوشائج( ).
وكذلك وجدنا أن أهل البيت كانوا يسمون أبناءهم بأسماء أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كما هو متفق عليه بين أهل التواريخ ونقلة الأخبار سُنة منهم أو شيعة.
فهذا علي رضي الله عنه كما في المصادر الشيعية يسمِّي أحد أبنائه من زوجته ليلى بنت مسعود الحنظلية باسم أبي بكر، وعلي رضي الله عنه أول من سمَّى ابنه بأبي بكر في بني هاشم( ).
وكذلك الحسن بن علي سمَّى أبناءه : أبابكر وعبدالرحمن وطلحة وعبيدالله( ).
و كذلك الحسن بن الحسن بن علي( ).
وموسى الكاظم سمى ابنته عائشة( ).
وهناك من كان يكنى بأبي بكر من أهل البيت وليس له بإسم، مثل زين العابدين بن علي( )، وعلي بن موسى (الرضا )( ).
أمَّا من سمَّى ابنه باسم عمر رضي الله عنه؛ فمنهم علي رضي الله عنه، سمَّى ابنه عمرَ الأكبر وأمه أم حبيب بنت ربيعة، وقد قتل بالطف مع أخيه الحسين رضي الله عنهم، والآخر عمر الأصغر وأمه الصهباء التغلبية، وهذا الأخير عُمِّرَ بعد إخوته فورثهم( ).
وكذلك الحسن بن علي سمَّى ابنه أبا بكر وعمر( ).
وكذلك علي بن الحسين بن علي ( ).
و كذلك علي زين العابدين
وكذلك موسى الكاظم
وكذلك الحسين بن زيد بن علي.
و كذلك إسحاق بن الحسن بن علي بن الحسين.
وكذلك الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين بن الحسن.(3/5)
وغيرهم كثير، لكن نكتفي بهذا القدر من المتقدمين من أهل البيت خشية الإطالة ( ).
أمَّا من سمَّى ابنته بعائشة فمنهم : موسى الكاظم( )، وعلي الهادي( ).
و نكتفي بالشيخين رحمهم الله وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
7 ذكر الكليني في كتاب الكافي: «أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم» ( ). ثم يذكر المجلسي في كتابه (بحار الأنوار) حديثاً يقول: «لم يكن إمام إلا مات مقتولاً أو مسموماً» ( ). فإذا كان الإمام يعلم الغيب كما ذكر الكليني والحر العاملي، فسيعلم ما يقدم له من طعام وشراب، فإن كان مسموماً علم ما فيه من سم وتجنبه، فإن لم يتجنبه مات منتحراً؛ لأنه يعلم أن الطعام مسموم! فيكون قاتلا لنفسه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن قاتل نفسه في النار! فهل يرضى الشيعة هذا للأئمة؟!
8 لقد تنازل الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ وسالمه، في وقت كان يجتمع عنده من الأنصار والجيوش ما يمكنه من مواصلة القتال. وفي المقابل خرج أخوه الحسين ـ رضي الله عنه ـ على يزيد في قلة من أصحابه، في وقت كان يمكنه فيه الموادعة والمسالمة.
فلا يخلو أن يكون أحدهما على حق، والآخر على باطل؛ لأنه إن كان تنازل الحسن مع تمكنه من الحرب (حقاً) كان خروج الحسين مجرداً من القوة مع تمكنه من المسالمة (باطلاً)، وإن كان خروج الحسين مع ضعفه (حقاً) كان تنازل الحسن مع ( قوته) باطلاً!
وهذا يضع الشيعة في موقف لا يحسدون عليه؛ لأنهم إن قالوا : إنهما جميعا على حق، جمعوا بين النقيضين، وهذا القول يهدم أصولهم. وإن قالوا ببطلان فعل الحسن لزمهم أن يقولوا ببطلان إمامته، وبطلان إمامته يبطل إمامة أبيه وعصمته؛ لأنه أوصى إليه، والإمام المعصوم لا يوصي إلا إلى إمام معصوم مثله حسب مذهبهم.(3/6)
وإن قالوا ببطلان فعل الحسين لزمهم أن يقولوا ببطلان إمامته وعصمته، وبطلان إمامته وعصمته يبطل إمامة وعصمة جميع أبنائه وذريته؛ لأنه أصل إمامتهم وعن طريقه تسلسلت الإمامة، وإذا بطل الأصل بطل ما يتفرع عنه!
9 ذكر الكليني في كتابه الكافي( ) : «حدثنا عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّالِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ هَاهُنَا أَحَدٌ يَسْمَعُ كَلَامِي، قَالَ فَرَفَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّه) (عليه السلام ) سِتْراً بَيْنَهُ وبَيْنَ بَيْتٍ آخَرَ فَاطَّلَعَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ : قلْتُ :جُعِلْتُ فداك ..... ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : وإِنَّ عِنْدَنَا لَمُصْحَفَ فَاطِمَةَ ( عليها السلام ) ومَا يُدْرِيهِمْ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ( عليها السلام )، قَالَ: قُلْتُ: ومَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ( عليها السلام )؟ قَالَ :مُصْحَفٌ فِيهِ مِثْلُ قُرْآنِكُمْ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، واللَّهِ مَا فِيهِ مِنْ قُرْآنِكُمْ حَرْفٌ وَاحِدٌ، قَالَ: قُلْتُ :هَذَا واللَّهِ الْعِلْمُ، قَالَ :إِنَّهُ لَعِلْمٌ ومَا هُوَ بِذَاكَ». انتهى.
فهل كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يعرف مصحف فاطمة؟! إن كان لا يعرفه، فكيف عرفه آل البيت من دونه وهو رسول الله؟! وإن كان يعرفه فلماذا أخفاه عن الأمة؟! والله يقول: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }ـ [المائدة:67-77].(3/7)
10 في الجزء الأول من كتاب الكافي للكليني أسماء الرجال الذين نقلوا للشيعة أحاديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ونقلوا أقوال أهل البيت، ومنها الأسماء التالية :
مُفَضَّلِ بْنِ عُمَر، أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ، عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، عُمَرَ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ابْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ، عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ، مُوسَى بْنِ عُمَرَ، الْعَبَّاسِ بْنِ عُمَرَ والجامع بين هذه الأسماء هو اسم عمر! سواء كان اسم الراوي أو اسم أبيه.
فلماذا تسمى هؤلاء باسم عمر؟!
11 يقول سبحانه وتعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }ـ [البقرة:155-157].
ويقول-عز وجل-: { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ } [البقرة:177].
وذكر في «نهج البلاغة»: «وقال علي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا إياه صلى الله عليه وسلم: لولا أنك نهيت عن الجزع وأمرت بالصبر لأنفدنا عليك ماء الشؤون»( ).
وذكر أيضا : «أن علياً عليه السلام قال: من ضرب يده عند مصيبة على فخذه فقد حبط عمله»( ).
وقد قال الحسين لأخته زينب في كربلاء كما نقله صاحب «منتهى الآمال» بالفارسية وترجمته بالعربية( ) :
«يا أختي، أحلفك بالله عليك أن تحافظي على هذا الحلف، إذا قتلت فلا تشقي عليّ الجيب، ولا تخمشي وجهك بأظفارك، ولا تنادي بالويل والثبور على شهادتي».
ونقل أبو جعفر القمي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال فيما علم به أصحابه: «لا تلبسوا سوادا فإنه لباس فرعون» ( ).(3/8)
وقد ورد في «تفسير الصافي» في تفسير آية {ـ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ }ـ [الممتحنة:12] أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء على أن لا يسوِّدْن ثوباً ولا يشققن جيباً وأن لا ينادين بالويل.
وفي «فروع الكافي» للكليني أنه صلى الله عليه وسلم وصى فاطمة ـ رضي الله عنها ـ فقال: « إذا أنا مت فلا تخمشي وجهاً ولا ترخي عليّ شعراً ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليَّ نائحة»( ).
وهذا شيخ الشيعة محمد بن الحسين بن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق يقول: «من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي لم يسبق إليها:
« النياحة من عمل الجاهلية»( ).
كما يروي علماؤهم المجلسي والنوري والبروجردي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:«صوتان ملعونان يبغضهما الله:إعوال عند مصيبة، وصوت عند نغمة؛ يعني النوح والغناء»( )
والسؤال بعد كل هذه الروايات :
لماذا يخالف الشيعة ما جاء فيها من حق؟! ومن نصدق: الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل البيت أم الملالي؟!
12 إذا كان التطبير( ) والنواح وضرب الصدور له أجر عظيم كما يدعون( )، فلماذا لا يطبر الملالي؟
13 إذا كانت الشيعة تزعم أن الذين حضروا غدير خم آلاف الصحابة قد سمعوا جميعاً الوصية بالخلافة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة؛ فلماذا لم يأت واحد من آلاف الصحابة ويغضب لعلي ابن أبي طالب ولا حتى عمار بن ياسر ولا المقداد بن عمرو ولا سلمان الفارسي رضي الله عنهم فيقول : يا أبا بكر لماذا تغصب الخلافة من علي وأنت تعرف ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في غدير خم؟!
14 لماذا لم يتكلم علي رضي الله عنه عندما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، وهو الشجاع الذي لا يخشى إلا الله؟! وهو يعلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس!!(3/9)
15 أليست الشيعة تقول بأن معظم روايات الكافي ضعيفة؟! وليس لدينا صحيح إلا القرآن.
فكيف يدعون بعد هذا ـ كذباً وزوراً ـ أن التفسير الإلهي للقرآن موجود في كتاب معظم رواياته ضعيفة باعترافهم؟!
16 العبودية لا تكون إلا لله وحده؛ يقول سبحانه وتعالى : { بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ } [الزمر:66]، فلماذا يتسمى الشيعة بعبد الحسين، وعبد علي، وعبد الزهراء، وعبد الإمام؟! ولماذا لم يسم الأئمة أبناءهم بعبد علي وعبدالزهراء؟ وهل يصح أن يكون معنى عبدالحسين (خادم الحسين) بعد استشهاد الحسين رضوان الله عليه؟ وهل يعقل أنه يقدم له الطعام والشراب ويصب له ماء الوضوء في قبره!!! حتى يصير خادماً له..؟؟
17 إذا كان علي رضي الله عنه يعلم أنه خليفة من الله منصوص عليه، فلماذا بايع أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؟!
فان قلتم : إنه كان عاجزًا، فالعاجز لايصلح للإمامة؛ لأنها لا تكون إلا للقادر على أعبائها.
وإن قلتم : كان مستطيعًا ولكنه لم يفعل، فهذه خيانة.
والخائن لايصلح إماما! ولا يؤتمن على الرعية.
ـ وحاشاه من كل ذلك ـ
فما جوابكم إن كان لكم جواب صحيح..؟
18 عندما تولى علي رضي الله عنه لم نجده خالف الخلفاء الراشدين قبله؛ فلم يخرج للناس قرآناً غير الذي عندهم، ولم ينكر على أحد منهم شيئاً، بل تواتر قوله على المنبر: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر» ولم يشرع المتعة، ولم يرد فدك، ولم يوجب المتعة في الحج على الناس، ولا عمم قول «حي على خير العمل» في الأذان، ولا حذف «الصلاة خير من النوم».
فلو كان أبوبكر وعمر رضي الله عنهما كافرين، قد غصبا الخلافة منه ـ كما تزعمون ـ فلماذا لم يبين ذلك، والسُلطة كانت بيده؟! بل نجده عكس ذلك، امتدحهما وأثنى عليهما.
فليسعكم ما وسعه، أو يلزمكم أن تقولوا بأنه خان الأمة ولم يبين لهم الأمر. وحاشاه من ذلك.(3/10)
19 يزعم الشيعة أن الخلفاء الراشدين كانوا كفاراً، فكيف أيدهم الله وفتح على أيديهم البلاد، وكان الإسلام عزيزاً مرهوبَ الجانب في عهدهم، حيث لم ير المسلمون عهدًا أعز الله فيه الإسلام أكثر من عهدهم.
فهل يتوافق هذا مع سنن الله القاضية بخذلان الكفرة والمنافقين؟!
وفي المقابل:رأينا أنه في عهد المعصوم الذي جعل الله ولايته رحمة للناس ـ كما تقولون ـ تفرقت الأمة وتقاتلت، حتى طمع الأعداء بالإسلام وأهله، فأي رحمة حصلت للأمة من ولاية المعصوم؟! إن كنتم تعقلون..؟!
20 يزعم الشيعة أن معاوية ـ رضي الله عنه ـ كان كافرًا، ثم نجد أن الحسن بن علي رضي الله عنه قد تنازل له عن الخلافة ـ وهو الإمام المعصوم ـ، فيلزمهم أن يكون الحسن قد تنازل عن الخلافة لكافر، وهذا مخالف لعصمته! أو أن يكون معاوية مسلمًا!
21 هل سجد الرسول صلى الله عليه وسلم على التربة الحسينية التي يسجد عليها الشيعة؟!
إن قالوا: نعم، قلنا: هذا كذب ورب الكعبة.
وإن قالوا: لم يسجد، قلنا: إذا كان كذلك، فهل أنتم أهدى من الرسول صلى الله عليه وسلم سبيلا؟
مع العلم أن مروياتهم تذكر أن جبريل أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحفنة من تراب كربلاء.
22 يدعي الشيعة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدوا بعد موته صلى الله عليه وسلم، وانقلبوا عليه.
والسؤال: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قبل موته ـ «شيعة اثني عشريّة»، ثم انقلبوا بعد موته صلى الله عليه وسلم إلى «أهل سنّة»؟
أم أنهم كانوا ـ قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم ـ «أهل سنّة»، ثم «انقلبوا شيعة اثني عشريّة»؟
لأن الانقلاب انتقالٌ من حالٍ إلى حال..؟!!(3/11)
23 من المعلوم أن الحسن رضي الله عنه هو ابن علي، وأمه فاطمة رضي الله عنهما، وهو من أهل الكساء عند الشيعة( )، ومن الأئمة المعصومين، شأنه في ذلك شأن أخيه الحسين رضي الله عنه، فلماذا انقطعت الإمامة عن أولاده واستمرت في أولاد الحسين؟!! فأبوهما واحد وأمهما واحدة وكلاهما سيدان، ويزيد الحسن على الحسين بواحدة هي أنه قبله وأكبر منه سناً وهو بكر أبيه؟
هل من جواب مقنع؟!
24 لماذا لم يُصل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بالناس صلاة واحدة في أيام مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه، مادام هو الإمام من بعده ـ كما تزعمون ـ؟! فالإمامة الصغرى دليل على الإمامة الكُبْرى..؟
25 أنتم تقولون : إن سبب غيبة إمامكم الثاني عشر في السرداب هو الخوف من الظَلَمة، فلماذا استمرت هذه الغيبة رغم زوال هذا الخطر بقيام بعض الدول الشيعية على مر التاريخ؛ كالعبيديين والبويهيين والصفويين، ومن آخر ذلك دولة إيران المعاصرة؟!
فلماذا لا يخرج الآن، والشيعة يستطيعون نصره وحمايته في دولتهم؟! وأعدادهم بالملايين وهم يفْدونه بأرواحهم صباح مساء..!!
26 اصطحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديق أبا بكر في هجرته واستبقاه حياً وبالمقابل عرّض علي بن أبي طالب رضي الله عنه للموت والهلاك على فراشه... فلو كان علي إماماً وصياً وخليفة منصوباً فهل يُعَرض للهلاك ويُسْتبقى أبو بكر وهو لو مات فلا ضرر على الإمامة ولا سلسلة الإمامة من موته... وهنا السؤال: أيهما أولى أن يبقى حياً لا تمسه شوكة أو يطرح على فراش الموت والهلاك...؟
وإن قلتم إنه ـ أي علي ـ يعلم الغيب، فأي فضل له في المبيت؟!.
27 إن التقية لا تكون إلا بسبب الخوف.
والخوف قسمان :
الأول : الخوف على النفس.
والثاني : خوف المشقة والإيذاء البدني والسب والشتم وهتك الحرمة.
أما الخوف على النفس فهو منتف في حق الأئمة لوجهين :(3/12)
أحدهما: أن موت الأئمة الاثني عشر الطبيعي يكون باختيارهم ـ حسب زعمكم ـ.
وثانيهما: أن الأئمة يكون لهم علم بما كان ويكون، فهم يعلمون آجالهم وكيفيات موتهم وأوقاته بالتخصيص ـ كما تزعمون ـ
فقبل وقت الموت لن يخافوا على أنفسهم، ولا حاجة بهم إلى أن ينافقوا في دينهم ويغروا عوام المؤمنين.
أما القسم الثاني من الخوف؛ وهو خوف المشقة والإيذاء البدني والسب والشتم وهتك الحرمة فلاشك أن تحمل هذه الأمور والصبر عليها وظيفة العلماء، وأهل البيت النبوي أولى بتحمل ذلك في نصرة دين جدهم صلى الله عليه وسلم.
فلماذا التقية إذاً؟!
28 إنما وجب نصب الإمام المعصوم ـ عند الشيعة ـ لغرض أن يزيل الظلم والشر عن جميع المدن والقرى، ويقيم العدل والقسط.
والسؤال : هل تقولون : إنه لم يزل في كل مدينة وقرية خلقها الله تعالى معصوم يدفع ظلم الناس أم لا؟!
إن قلتم : لم يزل في كل مدينة وقرية خلقها الله تعالى معصوم.
قيل لكم :
هذه مكابرة ظاهرة، فهل في بلاد الكفار من المشركين وأهل الكتاب معصوم؟ وهل كان في الشام عند معاوية رضي الله عنه معصوم؟
وإن قلتم : بل نقول هو واحد، وله نواب في سائر المدائن والقرى. قيل لكم : له نواب في جميع مدائن الأرض أم في بعضها؟
إن قلتم : في جميع مدائن الأرض وقراها.
قيل لكم: هذه مكابرة مثل الأولى!
وإن قلتم : بل له نواب في بعض المدن والقرى.
قيل لكم: جميع المدن والقرى حاجتهم إلى المعصوم واحدة، فلماذا فرقتم بينهم؟!
29 بوّب الكليني باباً مستقلاً في الكافي بعنوان (إنّ النساء لا يرثن من العقار شيئا)، روى فيه عن أبي جعفر قوله: «النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً»( ).(3/13)
وروى الطوسي في التهذيب( ) عن ميسر قوله: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النساء ما لهن من الميراث؟ فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما» وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً» وعن عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال: «ليس للنساء من الدور والعقار شيئًا». وليس في هذه الروايات تخصيص أو تقييد لا لفاطمة رضي الله عنها ولا غيرها.
وعلى هذا فإنه لا حق لفاطمة رضي الله عنها أن تطالب بميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (حسب روايات المذهب الشيعي). وأيضاً كل ما كان للرسول صلى الله عليه وسلم فهو للإمام، فعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد رفعه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم (ع ) فلرسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان لرسول الله فهو للأئمة من آل محمد» ( ) والإمام الأول بعد رسول الله حسب معتقد الشيعة هو علي رضي الله عنه، ولذا فالأحق بالمطالبة بأرض فدك هو علي رضي الله عنه، وليس فاطمة رضي الله عنها، ولم نره فعل ذلك، بل هو القائل: «ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي وأن يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز واليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع»( ).(3/14)
30 لماذا قاتل أبو بكر رضي الله عنه المرتدين، وقال: لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه، بينما يقول الشيعة بأن عليًا رضي الله عنه، لم يخرج المصحف الذي كتبه عن الرسول صلى الله عليه وسلم خوفاً من أن يرتد الناس!! وقد كان هو الخليفة، وله من الصفات والتأييد الإلهي كما يدعي الشيعة، ومع هذا يرفض أن يُخرج المصحف خوفاً من ارتداد الناس، ويرضى أن يدع الناس في الضلال، وأبو بكر يقاتل المرتدين على عقال بعير!!
31 لقد أجمع أهل السنة والجماعة، والشيعة بجميع فرقهم على أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه شجاع لايشق له غبار، وأنه لايخاف في الله لومة لائم. وهذه الشجاعة لم تنقطع لحظة واحدة من بداية حياته حتى قتل على يد ابن ملجم. والشيعة كما هو معلوم يعلنون أن علي بن أبي طالب هو الوصي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل.
فهل توقفت شجاعة علي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى بايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه؟!
ثم بايع بعده مباشرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟!
ثم بايع بعده مباشرة ذا النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه؟!
فهل عجز رضي الله عنه ـ وحاشاه من ذلك ـ أن يصعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة في خلافة أحد الثلاثة ويعلنها مدوية بأن الخلافة قد اغتصبت منه؟! وأنه هو الأحق بها لأنه الوصي؟!
لماذا لم يفعل هذا ويطالب بحقه وهو من هو شجاعة وإقدامًا؟! ومعه كثير من الناصرين المحبين؟!
32 حديث الكساء شمل أربعة أنفس من بيت « علي » ـ رضي الله عنه ـ بالتطهير ( ).
فما هو الدليل على إدخال غيرهم في التطهير والعصمة؟!
33 يروى الشيعة عن الإمام جعفر الصادق ـ مؤسس المذهب الجعفري حسب اعتقادهم ـ قوله مفتخراً ( أولدني أبو بكر مرتين) ( ) لأن نسبه ينتهي إلى أبي بكر من طريقين :
الأول : عن طريق والدته فاطمة بنت قاسم بن أبي بكر.(3/15)
والثاني : عن طريق جدته لأمه أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر التي هي أم فاطمة بنت قاسم بن محمد بن أبي بكر.
ثم نجد الشيعة يروون عن الصادق روايات كاذبة في ذم جده أبي بكر رضي الله عنه!
والسؤال: كيف يفتخر الصادق بجده من جهة ثم يطعن فيه من جهة أخرى؟! إن هذا الكلام قد يصدر من السوقي الجاهل، ولكن ليس من إمام يعتبره الشيعة أفقه وأتقى أهل عصره وزمانه. ولم يُلزمه أحد قط لا بمدحٍ ولا بقدحٍ.
34 تم تحرير المسجد الأقصى في زمن عمر رضي الله عنه، ثم في زمن القائد السني صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.
فما هي انجازات الشيعة على مدار التاريخ؟!
وهل فتحوا شبراً من الأرض أو نكأوا عدواً للإسلام والمسلمين؟
35 يدعي الشيعة أن عمر ـ رضي الله عنه ـ يبغض عليًا ـ رضي الله عنه ـ ثم نجد عمر يولي عليًا على المدينة عندما خرج لاستلام مفاتيح بيت المقدس؟! علما بأن عليًا رضي الله عنه كان سيصبح خليفة على المسلمين في حال تعرض ـ عمر رضي الله عنه ـ لأية مكروه!
فأي بغض هذا؟!
36 يرى علماء الشيعة أن أعضاء السجود في الصلاة ثمانية ( الجبهة والأنف والكفين والركبتين والقدمين) وهذه الأعضاء يجب أن تلامس الأرض في حال السجود( ).
ثم يقولون بوجوب السجود على ما لا يؤكل ولا يلبس، ولذا يضعون التربة تحت جباههم( ).
فلماذا لا يضع الشيعة تربة تحت كل عضو من أعضاء السجود؟!
37 يزعم الشيعة أن مهديهم إذا ظهر فإنه سيحكم بحكم آل داود!
فأين شريعة محمد صلى الله عليه وسلم الناسخه للشرائع السابقة؟!
38 لماذا إذا خرج مهدي الشيعة صالح اليهود والنصارى وقتل العرب وقريش؟!! أليس محمد صلى الله عليه وسلم من قريش ومن العرب، وكذا الأئمة حسب قولكم؟!
39 يعتقد الشيعة أن الأئمة تحملهم أمهاتهم في الجنب، ويولدون من الفخذ الأيمن!!( ) أليس محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وأشرف البشر حمل في بطن أمه وخرج من رحمها؟!(3/16)
40 يروي الشيعة عن أبي عبد الله ـ جعفر الصادق ـ أنه قال : «صاحب هذا الأمر رجل لا يسميه باسمه إلا كافر..»( ).
ويروون عن أبي محمد الحسن العسكري أنه قال لأم المهدي : «ستحملين ذكرًا واسمه محمد وهو القائم من بعدي....» ( ).
أليس هذا من التناقض؟! مرة تقولون : من ناداه باسمه فهو كافر، ومرة تقولون بأن الحسن العسكري سماه محمدًا!
41 لقد كان عبد الله بن جعفر الصادق شقيقاً لإسماعيل ابن جعفر الصادق، وأمهما هي : فاطمة بنت الحسين بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
فهما ـ حسب مفهومكم ـ سيدان حسينيان من الطرفين.
فلماذا حُرم السيد عبد الله بن جعفر الإمامة بعد شقيقه إسماعيل الذي مات في حياة والده؟!
42 روى الكليني في الكافي عن أحمد بن محمد رفعه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «يكره السواد إلا في ثلاث الخف والعمامة والكساء» ( ).
وعنه أيضاً في كتاب الزي مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره السواد إلا في ثلاثة الخف والكساء والعمامة»( ).
وروى الحر العاملي في وسائله عن الصدوق عن محمد بن سليمان مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ـ قلت له : «أصلى في القلنسوة السوداء؟ قال : لا تصل فيها فانها لباس أهل النار»( ).
وروى أيضاً عن الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام مرسلا وفي العلل والخصال كما في الوسائل عنه ( ع ) مسنداً أنه قال لأصحابه: لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون. وروى أيضاً بإسناده كما في الوسائل عن حذيفة بن منصور قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام بالحيرة فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه فدعى بممطرة، والممطرة ثوب من صوف يلبس في المطر يتوقي به من المطر كما في اللسان( ).
بل وردت بعض الأخبار عندهم تبين أن السواد من زي بني العباس أعدائهم :(3/17)
مثل ما روي عن الصدوق في الفقيه مرسلا أنه قال : روي أن جبريل عليه السلام أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه قباء أسود ومنطقة فيها خنجر، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرائيل ما هذا الزي؟ فقال : زي ولد عمك العباس، فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى العباس فقال : ياعم ويل لولدي من ولدك، فقال: يا رسول الله أفاجب نفسي؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : جرى القلم بما فيه. والظاهر أن المراد بأهل النار في بعض مامر من الأخبار هم المعذبون بها المخلدون فيها يوم القيامة، وهم فرعون ومن حذا حذوه واحتذى مثاله ونحوه من الفرق الطاغية الباغية من أشباه الخلفاء العباسية وغيرهم من كفرة هذه الأمة المرحومة والأمم السابقة الذين اتخذوا السواد ملابس لهم( ).
ومن ذلك ما روي عن الصدوق في الفقيه بإسناده عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق عليه السلام أنه قال : أوحى الله إلى نبي من أنبيائه عليهم السلام : قل للمؤمنين لا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي ولا تسلكوا مسالك أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي( ).
وقال في كتاب عيون الأخبار على ما في الحدائق بعد نقل الخبر بسند آخر عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقلا عن المصنف رضي الله عنه : أن لباس الأعداء هو السواد، ومطاعم الأعداء النبيذ والمسكر والفقاع والطين والجرى من السمك والمار الماهي والزمير والطافي وكل ما لم يكن له فلس من السمك والأرنب.. إلى أن قال : ومسالك الأعداء مواضع التهمة ومجالس شرب الخمر والمجالس التي فيها الملاهي والمجالس التي تعاب فيها الأئمة عليهم السلام والمؤمنون، ومجالس أهل المعاصي والظلم والفساد. انتهى ملخصاً( ).
وبعد هذه الأخبار الكثيرة في ذم الأئمة للسواد، وأنه لباس أعداء الشيعة : لماذا يلبس الشيعة السواد ويعظمونه، ويجعلونه لباس الأسياد...؟!!(3/18)
43 لو أراد إنسان أن يتشيع، فما هو المذهب الذي يسلكه من جملة مذاهب الشيعة الكثيره المختلفة؟! مابين إمامية، وإسماعيلية، ونصيرية، وزيدية، ودروز...إلخ، وكلهم يزعم الانتساب لآل البيت، ويقر بالإمامة، ويعادي الصحابة؟! ويعتقدون جميعاً إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنها ركنٌ وأنه الخليفة بلا فصل، ومعهم أصل الدين...!!
44 عندما يريد الشيعة إثبات إمامة الاثني عشر فإنهم يستدلون بحديث: الكساء.
والسؤال: لقد ذكرت فاطمة رضي الله عنها في حديث الكساء بنص نقلي فلماذا تستبعد عن الإمامة، ولا تذكر ضمن أئمة الشيعة؟!
45 يزعم الشيعة أن من شروط الإمام: التكليف وهو البلوغ والعقل، والثابت أن إمامهم الغائب المسمى محمد العسكري ثبتت إمامته وهو ابن خمس أو ثلاث سنين من خلال توقيعاته، فلماذا استبعد هذا الشرط وقيل بإمامته؟!
46 هل أنزلت كتب أخرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم غير القرآن واختص بها علي رضي الله عنه؟!
إن قلتم : لا، فبماذا تجيبون عن رواياتكم التالية :
1- الجامعة:
عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال : أنا محمد، وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟!
قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟.
قال: صحيفة طولها سبعون ذارعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإملائه من فلق فيه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش.. إلخ( ).
تأمل :« وفيها كل ما يحتاجه الناس».
فلماذا أخفيت إذن، وحُرمنا منها ومما فيها؟!
ثم : أليس هذا من كتمان العلم؟!
2- صحيفة الناموس:
عن الرضا رضي الله عنه في حديث علامات الإمام قال :
«وتكون صحيفة عنده فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة»( ).
نقول : أية صحيفة هذه التي تتسع لأسماء الشيعة إلى يوم القيامة؟!(3/19)
ولو سجل فيها أسماء الشيعة في ايران مثلا في يومنا هذا لاحتجنا إلى مائة مجلدعلى أقل تقدير!!
3- صحيفة العبيطة:
عن أمير المؤمنين رضى الله عنه قال: وأيم الله إن عندي لصحفاً كثيرة قطائع رسول الله صلى الله عليه وآله، وأهل بيته وإن فيها لصحيفة يقال لها العبيطة، وما ورد على العرب أشد منها، وإن فيها لستين قبيلة من العرب بهرجة، مالها في دين الله من نصيب( ).
نقول : إن هذه الرواية ليست مقبولة ولا معقولة، فإذا كان هذا العدد من القبائل ليس لها نصيب في دين الله، فمعنى هذا أنه لا يوجد مسلم واحد له في دين الله نصيب!
ثم لاحظوا تخصيص القبائل العربية بهذا الحكم القاسي الذي يشم منه رائحة الشعوبية.
4 - صحيفة ذؤابة السيف:
عن أبي بصير عن أبي عبد الله رضى الله عنه أنه كان في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة صغيرة فيها الأحرف التي يفتح كل حرف منها ألف حرف.
قال أبو بصير: قال أبو عبد الله: فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة( ).
نقول : وأين الأحرف الأخرى؟!
ألا يفترض أن تخرج حتى يستفيد منها شيعة أهل البيت؟!
أم أنها ستبقى مكتومة حتى يقوم القائم؟؟! وتهلك الأجيال تلو الأجيال والدين محبوس في السرداب..؟!
5 - صحيفة علي :
وهي صحيفة أخرى وجدت في ذؤابة السيف:
عن أبي عبد الله رضى الله عنه قال:
وُجِدَ في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة فإذا فيها مكتوب :
بسم الله الرحمن الرحيم، إن أعتى الناس على الله يوم القيامة من قتل غير قاتله، ومن ضرب غير ضاربه، ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه وآله، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً( ).
6- الجفر:
وهو نوعان: الجفر الأبيض، والجفر الأحمر:
عن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله رضى الله عنه يقول: إن عندي الجفر الأبيض.
قال: فقلت: أي شيء فيه؟(3/20)
قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام..، وعندي الجفر الأحمر.
قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟
قال: السلاح، وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل.
فقال له عبد الله بن أبي اليعفور: أصلحك الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟
فقال: أي والله كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار، ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم( ).
نقول : تأمل : زبور داود وتوراة موسى وانجيل عيسى وصحف إبراهيم عليهم الله والحلال والحرام، كلها في هذا الجفر!
فلماذا تكتمونه؟!
7- مصحف فاطمة :
أ- عن علي بن سعيد عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال :
وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله، وإنه لإملاء رسول الله صلوات الله عليه وآله بخط علي رضي الله عنه بيده( ).
ب- وعن محمد بن مسلم عن أحدهما رضى الله عنه:
(وخلفت فاطمة مصحفاً، ما هو قرآن، ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي رضي الله عنه) ( ).
جـ- عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله رضى الله عنه:
(وعندنا مصحف فاطمة عليها السلام، أما والله ما فيه حرف من القرآن، ولكنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي) ( )
فإذا كان الكتاب من إملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وخط علي، فلماذا كتمه عن الأمة؟!
والله تعالى قد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ كل ما أنزل إليه، قال الله تعالى: { أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [المائدة:67-77].
فكيف يمكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا أن يكتم عن المسلمين جميعاً هذا القرآن؟! وكيف يليق بعلي رضى الله عنه والأئمة من بعده أن يكتموه عن شيعتهم؟!
أليس هذا من خيانة الأمانة؟!(3/21)
8 - التوراة والإنجيل والزبور:
عن أبي عبد الله رضى الله عنه أنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة والزبور بالسريانية( ).
نقول : وماذا يفعل أمير المؤمنين والأئمة من بعده بالزبور والتوراة والإنجيل يتداولونها فيما بينهم ويقرؤونها في سرهم، ونصوص الشيعة تدعي أن عليًا وحده حاز القرآن كاملاً وحاز كل تلك الكتب والصحائف الأخرى على حد زعمكم, فما حاجته إلى الزبور والتوراة والإنجيل؟! وبخاصة إذا علمنا أن هذه الكتب قد نسخت بنزول القرآن؟
بعد كل هذا نقول : نحن نعلم أن الإسلام ليس له إلا كتاب واحد هو القرآن الكريم،وأما تعدد الكتب فهذا من خصائص اليهود والنصارى كما هو واضح في كتبهم المتعددة.
47 لماذا لم يلطم النبي صلى الله عليه وسلم عندما مات ابنه إبراهيم؟!
ولماذا لم يلطم علي رضي الله عنه عندما توفيت فاطمة رضي الله عنها؟!
48 كثير من علماء الشيعة وخصوصاً في إيران لا يعرفون اللغة العربية, فهم عُجُم الألسنة. فكيف يستنبطون الأحكام من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟! مع العلم أن المعرفة بالعربية هي أحد ضرورات العالم.
49 يعتقد الشيعة أن أغلب الصحابة كانوا منافقين وكفارًا إلا قلة قليلة جداً, فإذا كان الأمر كذلك : لماذا لم ينقض هؤلاء الكفار على القلة القليلة التي كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم؟! إن قالوا : بأنهم إنما ارتدوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلا سبعة، فلماذا لم ينقضوا على المسلمين القلة ويرجعوا الأمر كما كان عليه آباءهم وأجدادهم؟!
50 هل يعقل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فشل في اختيار أصحابه، في مقابل نجاح الخميني في ذلك؟!(3/22)
51 يقول شيخ الشيعة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مقدمة كتابه «تهذيب الأحكام»( ) وهو أحد كتبهم الأربعة: «الحمد لله ولي الحق ومستحقه وصلواته على خيرته من خلقه محمد صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً، ذاكرني بعض الأصدقاء أبره الله ممن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلة ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا..», ويقول السيد دلدار علي اللكهنوي الشيعي الاثنا عشري في أساس الأصول ( ): إن «الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه، ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، حتى صار ذلك سبباً لرجوع بعض الناقصين ...». ويقول عالمهم ومحققهم وحكيمهم ومدققهم وشيخهم حسين بن شهاب الدين الكركي في كتابه «هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار»( ): «فذلك الغرض الذي ذكره في أول التهذيب من أنه ألفه لدفع التناقض بين أخبارنا لما بلغه أن بعض الشيعة رجع عن المذهب لأجل ذلك».
نقول : لقد اعترف علماء الشيعة بتناقض مذهبهم( )، والله يقول عن الباطل { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراًـ}ـ [النساء:82].
52 يقول الشيعة : إن البكاء على الحسين مستحب! فهل هذا الاستحباب مبني علي دليل أم على هوى؟! وإذا كان على دليل فأين هو؟!
ولماذا لم يفعل ذلك أحد من أئمة أهل البيت الذين تزعمون أنكم أتباعهم؟!
53 يعتقد الشيعة أن علي بن أبي طالب أفضل من ابنه الحسين, فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تبكون عليه في ذكرى مقتله كبكائكم على ابنه؟! ثم ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منهما؟ فلماذا لا تبكون عليه أشد من بكائكم السابق؟!(3/23)
54 إذا كانت ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وولاية أبنائه من بعده ركناً لا يتحقق الإيمان إلا به ومن لم يؤمن بذلك فقد كفر واستحق جهنم ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج بيت الله الحرام ـ كما يعتقد الشيعة ـ؛
فلماذا لا نجد التصريح بهذا الركن العظيم في القرآن الكريم؟!
إنما نجد القرآن قد صرح بغيره من الأركان والواجبات التي هي دونه؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج، بل صرح القرآن الكريم ببعض المباحات كالصيد مثلاً... فأين الركن الأكبر من الثقل الأكبر...؟!.
55 لو كان مجتمع الصحابة كما يصفه الشيعة مجتمعًا متباغضًا يحسد بعضه بعضًا، ويحاول كلٌ من أفراده الفوز بالخلافة، مجتمعًا لم يبق على الإيمان من أهله إلا نفر قليل، لم نجد الإسلام قد وصل إلى ما وصل إليه من حيث الفتوحات الكثيرة، واعتناق آلاف البشر له في زمن الصحابة رضي الله عنهم.
56 لماذا يعطّل كثير من الشيعة صلاة الجمعة التي ورد الأمر الصريح بإقامتها في في سورة الجمعة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }ـ [الجمعة:9].
إن قالوا : نحن نعطلها حتى يخرج المهدي المنتظر!
نقول : وهل هذا الانتظار يسوّغ تعطيل هذا الأمر العظيم؟! حيث مات مئات الألوف من الشيعة إن لم يكن أكثر وهم لم يؤدوا هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام، بسبب هذا العذر الشيطاني الواهي.
57 يعتقد الشيعة أن القرآن حذفت منه وغيرت آيات من قِبَل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما!
ويروون عن أبي جعفر أنه قيل له : لماذا سمي ـ علي ـ أمير المؤمنين؟(3/24)
قال: الله سماه، وهكذا أنزل في كتابه : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمدًا رسولي وأن عليًا أمير المؤمنين)( )!
ويقول الكليني في تفسير الآية: { فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ } (يعني بالإمام) { وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }ـ [الأعراف:157].
يعني: الذين اجتنبوا الجبت والطاغوت أن يعبدوها. والجبت والطاغوت: فلان وفلان( )!
قال المجلسي ( المراد بفلان وفلان أبو بكر وعمر ) ( )!
ولهذا يعتبرهما الشيعة شيطانين ـ والعياذ بالله ـ .
فقد جاء في تفسيرهم لقوله تعالى: { لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } [النور:21]، قالوا:خطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان( ).
ويروون عن أبي عبد الله قال :{ ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده فقد فاز فوزا عظيما } قال: هكذا نزلت ( ).
وعن أبي جعفر قال نزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغيا}( ).
وعن جابر قال : نزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في علي فأتوا بسورة من مثله}( ).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبرائيل على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا { يا أيها الذين أوتوا الكتب آمنوا بما نزلنا في علي نورا مبينا }( ).
وعن محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام قال :{ كبر على المشركين بولاية علي ما تدعوهم إليه يا محمد من ولاية علي}. هكذا في الكتاب مخطوطة( ).
وعن أبي عبد الله قال: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع} قال: هكذا والله نزل بها جبرائيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله( ).(3/25)
وعن أبي جعفر أنه قال : نزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا : { فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزًا من السماء بما كانوا يفسقون}( ).
وعن أبي جعفر قال : نزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية هكذا {إن الذين ظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم} ثم قال {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم في ولاية علي فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا بولاية علي فإن لله ما في السماوات وما في الأرض}( ).
فهذه الآيات يزعم الشيعة أنها تدل صراحة على إمامة علي رضي الله عنه، ولكن أبابكر وعمر رضي الله عنهما حرفوها كما تزعم الشيعة.
وهاهنا سؤالان محرجان للشيعة :
الأول :مادام أن أبابكر وعمر قد حرفا هذه الآيات فلماذا لم يقم علي بعد أن صار خليفة للمسلمين بتوضيح هذا الأمر؟! أو على الأقل إعادة هذه الآيات في القرآن كما أنزلت؟!
لم نجده رضي الله عنه فعل هذا، بل بقي القرآن في عهده كما كان في عهد الخلفاء من قبله، وكما كان زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه محفوظ بحفظ الله القائل: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }ـ [الحجر:9]، ولكن الشيعة لا يعلمون.
السؤال الثاني: أن بعض هذه الآيات التي حرفوها لكي يثبتوا لعلي ولايته وإمامته وخلافته تخبرنا صراحة بأن هذا لن يكون!!
فتأملوا في الآية التي حرفوها وهي تتكلم عن اليهود ونسبوها للمسلمين! :
{فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون}.
فحسب تحريفهم هذه الآية تتكلم عن أمر سيحدث مستقبلاً، وأن عليًا يعرف ذلك.(3/26)
و بأي حق يطالب علي وأهل البيت بحقهم الذي اغتصب منهم والقرآن يخبرهم بأن ذلك سيقع؟ وأنه لن يقبل المسلمون من علي ولاية ولا وصاية ولن يكون الخليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؟!
ثم متى وقع الرجز الذي أنزله الله على الذين ظلموا آل محمد حقهم في الخلافة؟!
الكل يعلم بأن هذا لم يحدث أبدًا، ولكنه التحريف الساذج المكشوف.
58 يروي الشيعة عن أبي الحسن في قوله تعالى: { يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ }ـ «يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين»، { وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ }ـ [الصف: 8] يقول: «والله متم الإمامة، والإمامة هي النور»، وذلك قول الله عز وجل: { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا }ـ [التغابن:8] قال: «النور والله: الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة»( ).
والسؤال : هل أتم الله نوره بنشر الإسلام أم بإعطاء الولاية والوصاية والخلافة لأهل البيت؟!
59 لقد وجدنا اثنين فقط من الأئمة ـ حسب مفهومكم ـ توليا الخلافة :علي وابنه الحسن رضي الله عنهما! فأين إتمام النور ببقية العشرة؟!
60 تروي بعض كتب الشيعة عن جعفر الصادق أنه قال لامرأة سألته عن أبي بكر وعمر: أأتولاهما؟! قال : توليهما. فقالت : فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما؟! قال لها : نعم ( ).
وتروي أن رجلا من أصحاب الباقر تعجب حين سمع وصف الباقر لأبي بكر رضي الله عنه بأنه الصديق، فقال الرجل : أتصفه بذلك؟! فقال الباقر: نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا في الآخرة( ).
فما رأي الشيعة بأبي بكر الصديق رضي الله عنه؟(3/27)
61 لقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين( ) والأربلي في كشف الغمة( ), والمجلسي في جلاء العيون( ) أن أبا بكر بن علي بن أبي طالب كان ممن قتل في كربلاء مع أخيه الحسين رضي الله عنهما، وكذا قتل معهم ابن الحسين واسمه أبو بكر! (ومحمد الأصغر المكنى أبا بكر).
فلماذا تخفي الشيعة هذا الأمر؟! وتركز فقط على مقتل الحسين؟!
السبب هو أن اسم أخ الحسين، واسم ابنه كذلك : (أبوبكر)!!
وهذا ما لا تريد الشيعة أن يعلمه المسلمون، ولا أتباعهم الغافلون؛ لأنه يفضح كذبهم في ادعاء العداوة بين آل البيت وكبار الصحابة وعلى رأسهم أبوبكر رضي الله عنه. لأنه لو كان كافرًا مرتدًا، قد اغتصب حق علي وآله ـ كما يزعم الشيعة ـ لما رأينا آل البيت يتسمون باسمه!
بل هذا دليل محبة لمن تأمل.
ثم: لماذا لا يقتدي الشيعة بعلي والحسين رضي الله عنهما ويسمون أبناءهم ( بأبي بكر)؟!(3/28)
62 إنّ الإيمان بِكوْن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين يحصل به مقصود الإمامة في حياته وبعد مماته، فمن ثبت عنده أنّ محمدًا عليه الصلاة والسلام رسول الله، وأنّ طاعته واجبة، واجتهد في طاعته بحسب الإمكان، إن قيل بأنه يدخل الجنة استغنى عن مسألة الإمامة ولم يلزمه طاعة سوى الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن قيل لا يدخل الجنة إلا باتباعه الإمام كان هذا خلاف نصوص القرآن الكريم، فإنه سبحانه وتعالى أوجب الجنة لمن أطاع الله ورسوله في غير موضع من القرآن، ولم يعلق دخول الجنة بطاعة إمام أو إيمان به أصلاً؛ كمثل قوله تعالى: { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً } [النساء:69]، وقوله تعالى: { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }ـ [النساء:13].(3/29)
فلو كانت الإمامة أصلاً للإيمان أو الكفر، أو هي أعظم أركان الدين التي لا يقبل الله عمل العبد إلا بها كما تقول الشيعة، لذكر الله عز وجل الإمامة في تلك الآيات وأكّد عليها؛ لعلمه بحصول الخلاف فيها بعد ذلك، ولا أظن أحداً سيأتي ليقول لنا بأنّ الإمامة في الآيات مذكورة ضمناً تحت طاعة الله وطاعة الرسول؛ لأنّ في هذا تعسفاً في التفسير، بل يكفي بياناً لبطلان ذلك أن نقول بأنّ طاعة الرسول في حد ذاتها هي طاعة للرب الذي أرسله، غير أنّ الله عز وجل لم يذكر طاعته وحده سبحانه ويجعل طاعة الرسول مندرجة تحت طاعته بل أفردها لكي يؤكد على ركنين مهمين في عقيدة الإسلام (طاعة الله، وطاعة الرسول)، وإنما وجب ذكر طاعة الرسول بعد طاعة الله كشرط لدخول الجنة لأنّ الرسول مبلّغ عن الله ولأن طاعته طاعة لمن أرسله أيضاً، ولمّا لم يثبت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جانب التبليغ عن الله، فإنّ الله عز وجل علّق الفلاح والفوز بالجنان بطاعة رسوله والتزام أمره دون أمر الآخرين.
63 كان فى عهد النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أناس يرونه مرة واحدة ثم يذهبون لديارهم، فلم يسمعوا ـ بلا شك ـ عن ولاية علي بن أبي طالب وأبنائه وأحفاده رضي الله عنهم جميعاً.
فهل إسلامهم ناقص؟!
إن قلتم: نعم. نقول : لو كان كذلك لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتصحيح إسلامهم وتبيين أمر الإمامة لهم. ولم نجده فعل ذلك صلى الله عليه وسلم.
64 ورد في كتاب ( نهج البلاغة ) الذي تقدره الشيعة ما يلي :
( ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية :(3/30)
إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسمَّوه إماماً كان ذلك لله رضاً فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك والسلام)( ).
ففي هذا دليل على :
1- أن الإمام يختار من قبل المهاجرين والأنصار، فليس له أي علاقة بركن الإمامة عند الشيعة!
2- أن عليا قد بويع بنفس الطريقة التي بويع بها أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.
3- أن الشورى للمهاجرين والأنصار، وهذ يدل على فضلهم ودرجتهم العالية عند الله، ويعارض ويخالف الصورة التي يعكسها الشيعة عنهم.
4- أن قبول المهاجرين والأنصار ورضاهم ومبايعتهم لإمام لهم يكون من رضا الله، فليس هناك اغتصاب لحق الإمامة كما يدعي الشيعة، وإلا فكيف يرضى الله عن ذلك الأمر؟!
5- أن الشيعة يلعنون معاوية رضي الله عنه، ولم نجد عليًا رضي الله عنه يلعنه في رسائله!
65 لا يستطيع الشيعة أن ينكروا أن أبابكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين قد بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأن الله أخبر بأنه قد رضي عنهم وعلم ما في قلوبهم( )، فكيف يليق بالشيعة بعد هذا أن يكفروا بخبر الله تعالى، ويزعموا خلافه؟! فكأنهم يقولون
( أنت يا رب لا تعلم عنهم ما نعلم( ! ـ والعياذ بالله ـ.
66 بينما نجد الشيعة يتقربون إلى الله بسب كبار الصحابة، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الثلاثة : أبوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، لا نجد سنيًا واحدًا يسب واحدًا من آل البيت! بل يتقربون إلى الله بحبهم.
وهذا ما لم يستطع الشيعة إنكاره، ولو بالكذب.(3/31)
67 طالما ردد الشيعة في كتبهم عن مقتل الحسين رضي الله عنه أنه مات عطشانا في المعركة، ولذلك تراهم يكتبون على مخازن المياه العبارة التالية ( اشرب الماء وتذكر عطش الحسين)!
والسؤال : مادام الأئمة حسب مفهوم الشيعة يعلمون الغيب :
ألم يكن باستطاعة الحسين أن يعلم حاجته إلى الماء أثناء القتال، وأنه سوف يموت عطشاً، وبهذا يستطيع أن يجمع كمية من الماء كافية للمعركة؟!
ثم : أليس توفير المياه أثناء القتال يدخل في باب الأخذ بالأسباب؟! والله يقول : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [الأنفال:60].
68 لقد اكتمل دين الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة: 3]، ومذهب الشيعةإنما ظهر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؟!
69 لقد أنزل الله عز وجل براءة عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك الشهيرة، وطهرها من هذا السوء، ثم نجد بعض الشيعة لا زالوا يرمونها بالخيانة( )!! ـ والعياذ بالله ـ. وهذا كما أن فيه طعنًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه طعن بالله عز وجل الذي يعلم الغيب، ولم يخبر نبيه بأن زوجته خائنة؟! ـ حاشاها من ذلك ـ.
وبئس المذهب مذهبًا يطعن في زوجات خير البشر وأمهات المؤمنين.
70 إذا كان لعلي وولديه رضوان الله عليهم كل تلك الخوارق التي ترويها كتب الشيعة، وهم ينفعونهم الآن وهم أموات ـ كما يزعمون ـ فلماذا لم ينفعوا أنفسهم وهم أحياء؟!
فقد وجدنا عليًا رضي الله عنه لم يستقر له أمر الخلافة، ثم مات مقتولاً، ووجدنا الحسن كذلك يضطر للتنازل عن الخلافة لمعاوية، ووجدنا الحسين يتعرض للتضييق ثم للقتل ولم يحصل له مبتغاه.. وهكذا من بعدهم!
فأين تلك الخوارق التي كانت عندهم؟!(3/32)
71 يزعم الشيعة أن فضائل علي متواترة عن طريق الشيعة، وكذا النص على إمامته. فيقال : أما الشيعة الذين ليسوا من الصحابة فإنهم لم يروا النبى صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوا كلامه، فنقلهم هو نقل مرسل منقطع إن لم يسندوه إلى الصحابة لم يكن صحيحا، والصحابة الذين تواليهم االشيعة نفر قليل بضعة عشر أو نحو ذلك، وهؤلاء لا يثبت التواتر بنقلهم! والجمهور الأعظم من الصحابة الذين نقلوا فضائله تقدح الشيعة فيهم وتتهمهم بالكفر!
ثم يلزمهم إذا جوزوا على الجمهور الذين أثنى عليهم القرآن الكذب والكتمان فتجويز ذلك على نفر قليل أولى وأجوز!
72 يدعي الشيعة : أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان قصدهم الرياسة والملك فظلموا غيرهم بالولاية، فيقال لهم : هؤلاء لم يقاتلوا مسلما على الولاية، وإنما قاتلوا المرتدين والكفار، وهم الذين كسروا كسرى وقيصر وفتحوا بلاد فارس وأقاموا الإسلام، وأعزوا الايمان وأهله وأذلوا الكفر وأهله، وعثمان وهو دون أبي بكر وعمر فى المنزلة طلب الثوار قتله وهو في ولايته فلم يقاتل المسلمين ولا قتل مسلما على ولايته وخلافته.
فإذا جوّز الشيعة على هؤلاء أنهم كانوا ظالمين فى ولايتهم أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، لزمهم أن يقولو مثل ذلك في علي رضي الله عنه!!
73 لقد كفرت القاديانية بادعائها النبوة لزعيمها، فما الفرق بينها وبين الشيعة الذين يزعمون لأئمتهم خصائص الأنبياء وزيادة؟!
أليس هذا مدعاة للكفر؟! أو يذكرون لنا الفروق الجوهرية بين الإمام والرسول؟! وهل جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبشرنا باثني عشر ـ إماماً ـ أقوالهم كأقواله وأفعالهم كأفعاله معصومون مثله تماماً...؟
74 كيف يُدفن رسول الله صلى الله علية وسلم في حجرة عائشة رضي الله عنها؟! وأنتم تتهمونها بالكفر والنفاق والعياذ بالله؟! أليس هذا دليلاً على حبها ورضاه عنها؟!(3/33)
75 مثله : كيف يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر، وهما ـ في نظركم ـ كافران؟! والمسلم لا يدفن بين الكفار، فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم؟! لم يحفظه الله من مجاورة الكافرين في مماتة ـ حسب زعمكم ـ.
ثم أين علي رضي الله عنه من ذلك كله؟! لماذا لم يعارض هذا الأمر الخطير؟!
يلزمكم : أن أبابكر وعمر رضي الله عنهما مسلمان، وقد أنالهم الله هذا الشرف لشرفهم عنده وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ـ وهذا هو الحق ـ، أو أن يكون عليًا رضي الله عنه قد داهن في دينه!! وحاشاه عن ذلك. وإلا فكيف لنبي مختار أن يدفن معه كفره فجار كما تزعمون؟
76 يدعي الشيعة أن النص على إمامة علي رضي الله عنه، واستحقاقه الخلافة ثابت في القرآن ولكن الصحابة كتموه.
وهذه دعوى باطلة؛ لأننا وجدنا الصحابة رضي الله عنهم لم يكتموا الأحاديث التي يستشهد بها الشيعة على إمامة علي؛ مثل حديث «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» وغيره من الأحاديث المشابهة، فلماذا لم يكتموها أيضًا؟!
77 لقد كان الخليفة الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق؛ والدليل على هذا :
1- اتفاق الصحابة وإجماعهم على طاعته وانقيادهم لأوامره ونواهيه وتركهم الإنكار عليه، ولو لم يكن خليفة حقا لما تركوا ذلك، ولما أطاعوه، وهم من هم زهدًا وورعًا وديانة، وكانت لا تأخذهم في الله لومة لائم.
2- أن عليًا رضي الله عنه ما خالفه ولا قاتله، ولا يخلو : إما أن يكون تركه لقتاله خوفًا من الفتنة والشر، أو لعجز، أو لعلمه أن الحق مع أبي بكر.
ولا يمكن أن يكون تركه لأجل اتقاء الفتنة وخوف الشر؛ لأنه قاتل معاوية رضي الله عنه، وقتل في الحرب الخلق الكثير، وقاتل طلحة والزبير رضي الله عنهما وقاتل عائشة رضي الله عنها حين علم أن الحق له ولم يترك ذلك خوفًا من الفتنة!(3/34)
ولا يمكن أن يكون عاجزًا؛ لأن الذين نصروه في زمن معاوية كانوا على الإيمان يوم السقيفة ويوم استخلاف عمر ويوم الشورى، فلو علموا أن الحق له لنصروه أمام أبي بكر رضوان الله عليه؛ لأنه أولى من معاوية رضي الله عنه بالمحاربة والقتال.
فثبت أنه ترك ذلك لعلمه أن الحق مع أبي بكر رضي الله عنهما!
78 يدعي الشيعة أن معاوية رضي الله عنه كان كافرًا مرتدًا!، ويلزمهم لو كان الأمر كما يقولون : القدح في علي وابنه الحسن رضي الله عنهما، وتوضيح هذا :
أن يكون عليٌّ مغلوبًا من المرتدين، وأن الحسن قد سلم أمر المسلمين إلى المرتدين. بينما نجد أن خالد بن الوليد قد حارب المرتدين زمن أبي بكر وقهرهم، فيكون نصر الله لخالد على الكفار أعظم من نصره لعلي! والله سبحانه وتعالى عدل لا يظلم واحدًا منهما، فيكون أفضل عند الله منه، بل إن جيوش أبي بكر وعمر وعثمان ونوابهم كانوا منصورين على الكفار، بينما علي عاجز عن مقاومة المرتدين!
أيضا : فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}ـ [آل عمران:139]، ويقول: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}ـ [محمد:35]، وعلي رضي الله عنه دعا معاوية إلى السلم في آخر الأمر لما عجز عن دفعه عن بلاده، وطلب منه أن يبقى كل واحد منهما على ما هو عليه، فإن كان أصحابه مؤمنين وأولئك مرتدين ـ كما تزعم الشيعة ـ وجب أن يكون أصحابه هم الأعلون، وهو خلاف الواقع!(3/35)
79 إن الشيعة تعجز عن إثبات إيمان علي وعدالته، ولا يمكنهم ذلك إلا إذا صاروا من أهل السنة؛ لأنه إذا قالت لهم الخوارج وغيرهم ممن يكفرون عليًا أو يفسقونه : لا نسلم أنه كان مؤمنًا، بل كان كافرا أو ظالما ـ كما يقول الشيعة في أبي بكر وعمرـ لم يكن لهم دليل على إيمانه وعدالته إلا وذلك الدليل على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان أدل.
فإن احتجوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده، فقد تواتر ذلك عن هؤلاء، بل تواتر إسلام معاوية وخلفاء بني أمية وبني العباس وصلاتهم وصيامهم وجهادهم للكفار!
فإن ادعوا في واحد من هؤلاء النفاق أمكن الخارجي أن يدعي في علي النفاق!
وإن ذكروا شبهة ذكر ما هو أعظم منها!
وإن قالوا ما تقوله أهل الفرية من أن أبا بكر وعمر كانا منافقين في الباطن عدوين للنبي صلى الله عليه وسلم أفسدا دينه بحسب الإمكان، أمكن الخارجي أن يقول ذلك في علي، ويوجه ذلك بأن يقول كان يحسد ابن عمه ـ والعداوة في الأهل ـ وكان يريد فساد دينه، فلم يتمكن من ذلك في حياته وحياة الخلفاء الثلاثة حتى سعى في قتل الخليفة الثالث وأوقد الفتنة، حتى تمكن من قتل أصحاب محمد وأمته بغضا له وعداوة، وكان مباطناً للمنافقين الذين ادعوا فيه الإلهية والنبوة، وكان يظهر خلاف ما يبطن لأن دينه التقية، ولهذا كانت الباطنية من أتباعه وعندهم سره وهم ينقلون عنه الباطن الذين ينتحلونه!
وإن أرادوا إثبات إيمانه وعدالته بنص القرآن عليه، قيل لهم : القرآن عام وتناوله له ليس بأعظم من تناوله لغيره، وما من آية يدعون اختصاصها به إلا أمكن أن يدعى اختصاصها واختصاص مثلها أو أعظم منها بأبي بكر وعمر، فباب الدعوى بلا حجة ممكنة، والدعوى في فضل الشيخين أمكن منها في فضل غيرهما.
وإن قالوا: ثبت ذلك بالنقل والرواية، فالنقل والرواية في أولئك أشهر وأكثر، فإن ادعوا تواترا فالتواتر هناك أصح، وإن اعتمدوا على نقل الصحابة فنقلهم لفضائل أبي بكر وعمر أكثر!(3/36)
80 يزعم الشيعة أن عليًا كان أحق الناس بالإمامة لثبوت فضله على جميع الصحابة ـ كما يدعون ـ ولكثرة فضائله دونهم، فنقول: هبكم وجدتم لعلي رضي الله عنه فضائل معلومة؛ كالسبق إلى الإسلام والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعة العلم والزهد، فهل وجدتم مثل ذلك للحسن والحسين رضي الله عنهما في مقابل سعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وغيرهم من المهاجرين والأنصار؟!
هذا ما لا يقدر أحد على أن يدعيه لهما، فلم يبق إلا دعوى النص عليهما، وهذا مالا يعجز عن مثله أحد، ولو استحلت الأموية ـ مثلا ـ أن تجاهر بالكذب في دعوى النص على معاوية لكان أمرهم في ذلك أقوى من أمر الشيعة؛ لقوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}ـ [الإسراء:33]
فسيقولون : المظلوم هو عثمان بن عفان، وقد نصر الله معاوية لتوليه دم عثمان!
81 تزعم الشيعة أن أبابكر وعمر اغتصبا الخلافة من علي وتآمرا عليه لكي يمنعوه منها..الخ افترائهم.
نقول : لو كان ما ذكرتموه حقا فما الذي دعا عمر إلى إدخاله في الشورى مع من أدخله فيها؟ ولو أخرجه منها كما أخرج سعيد بن زيد أو قصد إلى رجل غيره فولاه ما اعترض عليه أحد في ذلك بكلمة؟!
فصح ضرورة بما ذكرنا أن القوم أنزلوه منزلته غير غالين ولا مقصرين، رضي الله عنهم أجمعين، وأنهم قدموا الأحق فالأحق والأفضل فالأفضل، وساووه بنظرائه منهم.
ويؤكد هذا : البرهان التالي؛ وهو : أن علياً رضي الله عنه لما تولى بعد قتل عثمان رضي الله عنه سارعت طوائف المهاجرين والأنصار إلى بيعته، فهل ذكر أحد من الناس أن أحدا منهم اعتذر إليه مما سلف من بيعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان؟! أو هل تاب أحد منهم من جحده للنص على إمامته؟! أو قال أحد منهم: لقد ذكرت هذا النص الذي كنت أنسيته في أمر علي؟!(3/37)
82 لقد نازع الأنصار رضي الله عنهم أبا بكر رضي الله عنه ودعوا إلى بيعة سعد بن عبادة رضي الله عنه، وقعد علي رضي الله عنه في بيته لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فلا يخلو رجوع الأنصار كلهم إلى بيعة أبي بكر من أن يكون بسبب من هذه الأسباب :
1- أن يكون بالقوة.
2- أو أن يكون عن ظهور حق أبي بكر بالخلافة؛ فأوجب ذلك الانقياد لبيعته.
3- أو فعلوا ذلك لغير معنى. ولا سبيل إلى قسم رابع بوجه من الوجوه.
فإن قال الشيعة : إنما بايعوه بالقوة، فهذا كذب؛ لأنه لم يكن هنالك قتال ولا تضارب ولا سباب ولا تهديد ولا سلاح، ومحال أن يرهب الأنصار وهم أزيد من ألفي فارس أبطال كلهم عشيرة واحدة قد ظهر من شجاعتهم ما لا مرمى وراءه وهو أنهم بقوا ثمانية أعوام متصلة محاربين لجميع العرب في أقطار بلادهم، موطنين على الموت متعرضين مع ذلك للحرب مع قيصر الروم بمؤتة وغيرها، محال أن يرهبوا أبا بكر ورجلين أتيا معه فقط لا يرجع إلى عشيرة كثيرة ولا إلى موال ولا إلى عصبة ولا مال، فيرجعوا إليه وهو عندهم مبطل! بل بايعوه بلا تردد ولا تطويل.
وكذلك يبطل أن يرجعوا عن قولهم وما كانوا قد رأوه من أن الحق حقهم وعن بيعة ابن عمهم، فمن المحال اتفاق أهواء هذا العدد العظيم على ما يعرفون أنه باطل دون خوف يضطرهم إلى ذلك، ودون طمع يتعجلونه من مال أو جاه، ثم يسلمون كل ذلك إلى رجل لا عشيرة له ولا منعة ولا حاجب ولا حرس على بابه ولا قصر ممتنع فيه ولا موالي ولا مال.
وإذ قد بطل كل هذا فلم يبق إلا أن الأنصار رضي الله عنهم إنما رجعوا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنهم لبرهان حق صح عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا لاجتهاد كاجتهادهم ولا لظن كظنونهم.(3/38)
فإذا بطل أن يكون الأمر في الأنصار وزالت الرياسة عنهم، فما الذي حملهم كلهم أولهم عن آخرهم على أن يتفقوا على جحد نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلافة علي؟! ومن المحال أن تتفق آراؤهم كلهم على معونة من ظلمهم وغصبهم حقهم!!
83 بما أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد نجحا في تنحية علي رضي الله عنه عن الخلافة ـ كما تزعم الشيعة ـ، فما هي المكاسب التي حققوها لأنفسهم؟!
ولماذا لم يخلف أبو بكر أحد أولاده على الحكم، كما فعل علي؟!
ولماذا لم يخلف عمر أحد أولاده على الحكم كما فعل علي؟!
84 لقد وجدنا أن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ابن عفان رضي الله عنهم، أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عنهم، فجدته هي فاطمة رضي الله عنها، وجده عثمان بن عفان رضي الله عنه!
وهنا سؤال محرج للشيعة : هل يصح عندهم أن يكون لفاطمة رضي الله عنها حفيدٌ ملعونٌ؟! لأن بني أمية عند الشيعة ـ ومنهم محمد الذي ذكرناه سابقًا ـ هم (الشجرة الملعونة في القرآن)! ( )
85 لقد جمع الشيعة لأئمتهم بين العصمة والتقية، وهما ضدان لا يجتمعان. لأنه ما الفائدة من عصمة أئمتكم إذا كنتم لا تدرون صحة ما يقولونه ويعملونه، طالما أن تسعة أعشار دينكم التقية؟!
وبما أنكم تجعلون التقية ثوابها ومرتبتها بمرتبة الصلاة، بحيث أن «تارك التقية كتارك الصلاة»( ) وأن «تسعة أعشار الدين هو التقية»( )، فلا شك أن أئمتكم قد عملوا بكل الأعشار التسعة! وهذا يضاد عصمتهم المزعومة!
86 يتناقض الشيعة عندما يستدلون على إمامة أئمتهم بحديث الثقلين( )، ثم نجدهم يكفرون من طعن في الثقل الأصغر؛ وهم أهل البيت، بخلاف من طعن في الثقل الأكبر وهو القرآن، بل يقولون إنه مجتهد مخطئ فقط، ولا يكفرونه.
87 يزعم الشيعة أن الصحابة ارتدوا كلهم إلا عددا قليلاً، لا يتجاوز سبعة (على أكثر تقدير).(3/39)
والسؤال: أين بقية أهل البيت؛ كأولاد جعفر وأولاد علي..وغيرهم، هل ارتدوا مع من ارتد؟!
88 جاء في حديث المهدي : «لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي»( )، والرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم اسمه: محمد بن عبد الله صلى الله علية وسلم، والمهدي عند الشيعة اسمه محمد ابن الحسن! هذه إشكالية عظيمة!
ولهذا حل أحد شيوخ الشيعة هذه الإشكالية بجواب طريف! حيث قال: ( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبطان أبو محمد الحسن وأبو عبد الله الحسين، ولما كان الحجة ـ أي المنتظرـ من ولد الحسين أبي عبد الله، وكانت كنية الحسين أبا عبد الله، فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم على الكنية لفظ الاسم، لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه، وأطلق على الجد لفظة الأب )!! ( ).
89 تناقضات في حياة مهدي الشيعة المنتظر :
1- من هي أم المهدي؟
هل هي جارية اسمها نرجس، أم جارية اسمها صقيل، أم جارية اسمها مليكة، أم جارية اسمها خمط، أم جارية اسمها حكيمة، أم جارية اسمها ريحانة، أم سوسن، أم هي حرة اسمها مريم؟!
2- ومتى ولد ؟
هل ولد بعد وفاة أبيه بثمانية أشهر، أم ولد قبل وفاة أبيه سنة 252، أم ولد سنة255،أم ولد سنة 256، أم ولد سنة 257، أم ولد سنة 258، أم ولد في 8 من ذي القعدة، أم ولد في 8 من شعبان، أم ولد في 15 من شعبان، أم ولد في 15 من رمضان؟!
3- كيف حملت به أمه؟
هل حملت به في بطنها كما يحمل سائر النساء؟ أم حملته في جنبها ليس كسائر النساء؟!
4- كيف ولدته أمه؟
هل ولدته من فرجها كسائر النساء؟ أم من فخذها على غير عادة النساء؟
5- كيف نشأ؟
رووا عن أبي الحسن : ( إنا معاشر الأوصياء ننشأ في اليوم مثلما ينشأ غيرنا في الجمعة)!.
وعن أبي الحسن قال : ( إن الصبي منا إذا أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة)!.(3/40)
وعن أبي الحسن أنه قال : ( إنا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في السنة)( )!.
6- أين يقيم؟
قالوا : في طيبة، ثم قالوا : بل في جبل رضوى بالروحاء، ثم قالوا: بل في مكة بذي طوى، ثم قالوا : بل هو في سامراء!
حتى قال بعضهم :
(ليت شعري أين استقرت بك النوى … بل أي أرض تقلك أو ثرى، أبرضوى أم بغيرها أم بذي طوى… أم في اليمن بوادي شمروخ أم في الجزيرة الخضراء ) ( ).
7- هل يعود شاباً أو يعود شيخاً كبيراً؟
عن المفضل قال سألت الصادق : يا سيدي يعود شابا أو يظهر في شيبه؟ قال : (سبحان الله، وهل يعرف ذلك، يظهر كيف شاء وبأي صورة شاء )( ).
و في رواية أخرى (يظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين وثلاثين سنة)( ).
و في وراية أخرى : (يخرج وهو ابن إحدى وخمسين سنة)( ).
و في رواية أخرى ( يظهر في صورة شاب موفق ابن ثلاثين سنة )( ).
8- كم مدة ملكه؟
قال محمد الصدر : ( وهي أخبار كثيرة ولكنها متضاربة في المضمون إلى حد كبير حتى أوقع كثيراً من المؤلفين في الحيرة والذهول )( ).
وقيل : ( ملك القائم منا 19سنة ) وفي رواية : ( سبع سنين، يطول الله له في الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مكان عشر سنين فيكون سني ملكه 70 سنة من سنيكم )( ).
وفي رواية أخرى أن القائم يملك 309 سنة كما لبث أهل الكهف في كهفهم.
9- كم مدة غيبته؟
رووا عن على بن أبي طالب أنه قال : ( تكون له ـ أي للمهدي ـ غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام ويهتدي آخرون، فلما سئل : كم تكون الحيرة؟ قال : ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين )( ).
وعن أبي عبد الله أنه قال : ( ليس بين خروج القائم وقتل النفس الزكية إلا خمس عشرة ليلة )، يعني 140 للهجرة!
قال محمد الصدر عن هذا الخبر : خبر موثوق قابل للإثبات التاريخي ـ بحسب منهج هذا الكتاب ـ فقد رواه المفيد في الإرشاد عن ثعلبة بن ميمون عن شعيب الحداد عن صالح بن ميتم الجمال، وكل هؤلاء الرجال موثقون أجلاء ( )!(3/41)
فلما لم يظهر كما حددت الرواية السابقة! جاءت رواية أخرى عنه أنه قال : ( يا ثابت إن الله كان وقت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة: فحدثناكم أنه سيخرج سنة 140، فأذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر، فلم يجعل الله له بعد ذلك عندنا وقتا ) ( )!!
ثم جاءت رواية تكذب كل ما سبق عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال : (كذب الوقاتون إنا أهل البيت لا نوقّت)( ).
و(ما وقتنا فيما مضى، ولا نوقت فيما يُستقبل)( ).
90 يروي الشيعة عن علي رضي الله عنه أنه لما خرج على أصحابه محزونا يتنفس، قال:(كيف أنتم وزمان قد أظلكم تعطل فيه الحدود ويتخذ المال فيه دولا , ويعادى فيه أولياء اللّه , ويوالى فيه أعداء اللّه)؟ قالوا : يا أمير المؤمنين فإن أدركنا ذلك الزمان فكيف نصنع؟ قال : (كونوا كأصحاب عيسى (ع ) : نشروا بالمناشير , وصلبوا على الخشب، موت في طاعة اللّه عز وجل خير من حياة في معصية اللّه) ( ).
فأين هذا من تقية الشيعة؟!
91 ما الذي أجبر أبا بكر رضي الله عنه على مرافقة النبي عليه الصلاة والسلام في هجرته؟!
فلو كان منافقًا ـ كما يقول الشيعة ـ فلماذا يهرب من قومه الكفار وهم المسيطرون ولهم العزة في مكة؟! وإن كان نفاقه لمصلحة دنيوية، فأي مصلحة كان يرجوها مع النبي تلك الساعة، والنبي صلى الله عليه وسلم وحيد طريد؟! مع أنه قد يتعرض للقتل من الكفار الذين لن يصدقوه!(3/42)
92 لقد أثنى الله عزو جل على الصحابة في أكثر من موضع في كتابه الكريم، فقال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الأعراف:156-157].
وقال تعالى : { الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ{172} الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }ـ [آل عمران:172، 173].
وقال تعالى : { هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ{62} وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }ـ [الأنفال:62، 63]
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }ـ الأنفال:64]
قال تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }ـ [آل عمران:110].
وآيات أخرى كثيرة جدًا.(3/43)
والشيعة يقرُّون بإيمان الصحابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنهم يزعمون أنهم ارتدُّوا بعد ذلك! فيا لله العجب، كيف اتفق أن يُجمعَ كل صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم على الارتداد بعد موته؟ ولماذا؟
كيف ينصرون النبي صلى الله عليه وسلم وقت الشدَّة واللأواء، ويفدونه بالنفس والنفيس، ثمَّ يرتدون بعد موته دون سبب؟!
إلاَّ أن تقولوا إنَّ ارتدادهم كان بتوليتهم أبي بكر رضي الله عنه عليهم، فيقال لكم :
لماذا يُجمِعُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة أبي بكر، وماذا كانوا يخشون من أبي بكر؟ وهل كان أبو بكر رضي الله عنه ذا سطوة وسلطان عليهم فيجبرهم على مبايعته قسراً؟ ثمَّ إنَّ أبا بكر رضي الله عنه من بني تيم من قريش، وقد كانوا من أقل قريش عددا، وإنما كان الشأن والعدد في قريش لبني هاشم وبني عبدالدار وبني مخزوم.
فإذا لم يكن قادراً على قسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مبايعته، فلماذا يضحي الصحابة رضوان الله عليهم بجهادهم وإيمانهم ونصرتهم وسابقتهم ودنياهم وأُخراهم لحظِّ غيرهم، وهو أبو بكر رضي الله عنه؟!
93 إذا كان الصحابة ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ـ كما تزعمون ـ فكيف قاتلوا المرتدين من أصحاب مسيلمة وأصحاب طليحة بن خويلد وأصحاب الأسود العنسي، وأصحاب سجاح وغيرهم وأرجعوهم إلى الإسلام؟! فهلا كانوا مناصرين لهم،أو تاركين، ماداموا مثلهم مرتدين ـ كما تدعون ـ؟!
94 السنن الكونية والشرعيَّة تشهد بأن أصحاب لأنبياء هم أفضل أهل دينهم، فإنَّه لو سئل أهل كل دين عن خير أهل ملتهم لقالوا : أصحاب الرسل.(3/44)
فلو سئل أهل التوراة عن خير أهل ملتهم لقالوا أصحاب موسى ـ عليه السلام ـ، ولو سئل أهل الإنجيل عن خير أهل ملتهم لقالوا : أصحاب عيسى ـ عليه السلام ـ وكذلك أصحاب سائر الأنبياء، لأنَّ عهد أصحاب الرسل بالوحي أقرب وأعمق، ومعرفتهم بالنبوة والأنبياء عليهم السلام أقوى وأوثق.
فإذن ما بالُ نبينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي اختصَّه الله بالرسالة الخالدة الشاملة، والشريعة السمحة الكاملة، والذي وطَّأ لظهوره الرسل والأنبياء من قبله، وبشَّرت به الكتب السماويَّة السابقة، يَكفُرُ به ـ في زعمكم ـ أصحابُه الذين آمنوا به ونصروه، وعزروه ووقروه؟! فأيُّ معنىً أبقيتم لهذه الرسالة المحمديَّة، وأيُّ وزنٍ أقمتم لهذه الشريعة الربانية، بعد أن تخلَّى عنها في زعمكم خواصُّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وارتدُّوا على أعقابهم؟! فمن جاء بعدهم أولى بالكفر والارتداد والخسران، ممَّن فارقوا لنصرة الرسول الأهل والأوطان، وقاتلوا دونه الآباء والإخوان، وافتتحوا من بعد وفاته الأقطار والبلدان، بالعلم والقرآن والتبيان، ثمَّ بالسيف والسنان.
95 لقد وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل بالتقية في مواقف عصيبة، والشيعة تدعي ـ كما سبق ـ أن هذه التقية تسعة أعشار الدين! وأن أئمتهم استعملوها كثيرًا. فما بالهم لم يكونوا كجدهم صلى الله عليه وسلم؟!
96 لقد وجدنا عليًا رضي الله عنه لم يكفر خصومه، حتى الخوارج الذين حاربوه وآذوه وكفروه. فما بال الشيعة لا يقتدون به؟! وهم الذين يكفرون خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل وزوجاته أمهات المؤمنين؟!
97 الإجماع عند الشيعة ليس بحجة بذاته، بل بسبب وجود المعصوم -كما يقولون - ( )، وهذا فضول من القول؛ لأنه لا داعي للإجماع إذن.(3/45)
98 لقد وجدنا الشيعة يكفرون الزيدية، مع أن الزيدية موالون لآل البيت، فعلمنا أن العمدة عندهم هي بغض الصحابة والسلف الصالح لا محبة آل البيت كما يدعون( ).
99 لقد وجدنا الشيعة يردون إجماع الأمة في قضايا عديدة بدعوى أنه ليس فيها قول المعصوم، ثم نجدهم يقبلون قول امرأة يسمونها حكيمة ـ الله أعلم بها وبحالها ـ في قضية وجود مهديهم المنتظر!
100 يزعم الشيعة أن عليًا يستحق الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»( ). ثم نجد أن هارون لم يخلف موسى ـ عليهما السلام ـ! بل خلفه يوشع بن نون!
101 لقد جرأ الشيعة أتباعهم على ارتكاب الآثام والموبقات بدعواهم أن (حب علي حسنة لا تضر معها معصية)، وهذه دعوى يكذبها القرآن الذي يحذر في معظم آياته من المخالفات والنواهي تحت أي دعوى، ويقرر أنه { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [النساء: 123].
102 يعتقد الشيعة عقيدة ( البداء )، ثم يدعون أن أئمتهم يعلمون الغيب! فهل الأئمة أعظم من الله؟!
103 يحدثنا التاريخ أن الشيعة كانوا مناصرين لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين في حوادث كثيرة؛ من أبرزها : سقوط بغداد بيد المغول، وسقوط القدس بيد النصارى..، فهل يفعل المسلم الصادق ما فعلوه، ويخالف الآيات الناهية عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء؟! وهل فعل علي أو أحد من أبنائه وأحفاده رضي الله عنهم فعلهم؟!
104 لقد وجدنا كثيرًا من الشيعة يقعون في الحسن بن علي رضي الله عنهما ويذمونه وذريته، رغم أنه أحد أئمتهم، ومن أهل البيت( ).(3/46)
105 من يتأمل الشيعة يجد كثرة الانقسامات في مذهبهم، وكثرة تنازعهم وتكفير بعضهم بعضًا في وقت متقارب، ومن أوضح الأمثلة على ذلك : أن شيخهم أحمد الأحسائي أنشأ فرقة عرفت فيما بعد بالشيخيَّة، ثم جاء تلميذة كاظم الرشتي فأنشأ فرقة الكشفية، ثم أنشأ تلميذه محمد كريم خان فرقة الكريمخانية، وأنشأت تلميذته الأخرى قرة العين فرقة عرفت باسم القرتية، وأنشأ ميرزا علي الشيرازي فرقة البابية، وأنشأ ميرزا حسين علي فرقة البهائية.
فانظر كيف نبغت كل هذه الفرق من الشيعة في عصر واحد، وفي وقتٍ متقارب، وصدق الله العظيم القائل : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام:153-163].
106 لقد وجدنا أهل الفتنة البغاة لمَّا حاصروا دار عثمان ابن عفان رضي الله عنه دافع عنه علي رضي الله عنه وطرد الناس عنه، وأنفذ إليه ولديه الحسن والحسين وابن أخيه عبدالله بن جعفر( ) لولا أن عثمان رضي الله عنه عزم على الناس أن يدعوا أسلحتهم ويلزموا بيوتهم. وهذا يدل على بطلان ماتزعمه الشيعة من التباغض والعداوة بينهما.
107 لقد كان عمر رضي الله عنه باتفاق السنة والشيعة يشاور عليًا رضي الله عنه في أمور كثيرة ( )، ولو كان ظالمًا ـ كما تدعون ـ لما شاور أهل الحق؛ لأن الظالم لا يطلب الحق!
108 ثبت بالاتفاق أن سلمان الفارسي رضي الله عنه قد تأمر على المدائن زمن خلافة عمر( )، وأن عمار بن ياسر قد تأمر على الكوفة( )، وهما ممن يدعي الشيعة أنهما كانا مناصرين لعلي رضي الله عنه ومن شيعته. فلو كان عمر عندهم مرتدًا أو ظالمًا باغيًا على علي لما قبلا بذلك، إذ كيف يعينان الظلمة والمرتدين؟! والله يقول { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ }ـ [هود:113].(3/47)
109 يزعم الشيعة أن أئمتهم معصومون، وأن مهديهم موجود، يتصل به بعض علماء مذهبهم، قيل إنهم ثلاثون رجلاً، فكيف بعد هذا الزعم يسوغ الاختلاف والخلاف في مذهبهم، الذي لا يكاد يوجد له نظيرٌ في جميع الفرق والطوائف، حتى إنَّه يكاد أن يكون لكل مجتهدٍ أو مرجعٍ من علمائهم مذهب خاص به؟! مع أنَّهم يدعون وجوب وجود إمام تقوم به الحجة على الناس، وهو المهدي المنتظر، فما بالهم أكثر أهل الأرض اختلافًا مع وجود إمامهم وقائمهم واتصالهم به؟!، ثم تقولون إن المجلسي ذكر حديث أن الإمام الغائب لا يُرى ومن ادعى أنه قد رأى الإمام المهدي فقد كذب ثم نقرأ أن علماءكم قد رأو الإمام المهدي مرات كثيرة.
110 يقال للشيعة : أنتم تقولون بأنَّه لا يصح خلو الزمان من قائم لله بالحجَّة وهو الإمام، فإذا كانت التقية ـ عندكم ـ تسعة أعشار الدين، وهي له سائغة، بل مندوبة، بل منقبة وفضيلة، إذ إنه أتقى الناس، فكيف تتمُّ الحجة به على الخلق؟!
111 يزعم الشيعة أن معرفة الأئمة شرط لصحة الإيمان، فما قولهم فيمن مات قبل اكتمال الأئمة الإثني عشر؟! وما الجواب إذا كان الميت إماماً؟
وبعض أئمتكم لم يكن يعرف من هو الإمام بعده! فكيف جعلتم ذلك شرطًا للإيمان؟!
112 يروي صاحب «نهج البلاغة» أن علياً لما بلغه ادعاء الأنصار أن الإمامة فيهم قال: «فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم؟ قالوا: وما في هذا من الحجة عليهم؟ قال: لو كانت الإمامة فيهم لم تكن الوصية بهم»( ). فيقال للشيعة: وأيضاً فقد أوصى صلى الله عليه وسلم بأهل البيت في قوله: «أذكركم الله في أهل بيتي» فلو كانت الإمامة حقاً خاصاً لهم دون غيرهم لم تكن الوصية بهم؟!(3/48)
113 لو قيل لك بأن رجلا قيادياً مؤمناً صالحاً تقياً يتولى أناساً بعضهم مؤمن وبعضهم منافق، وأنه لفضل الله عليه يعرف أهل النفاق بلحن قولهم، ومع هذا قام هذا الرجل بتجنب أهل الصلاح، ثم اختار أهل النفاق وأعطاهم المناصب القيادية وسودهم على الناس في حياته، بل تقرب إليهم وصاهر بعضهم ومات وهو راض عنهم. فما أنت قائل في هذا الرجل؟!
هذا ما يعتقده الشيعة في رسول الله صلى الله عليه وسلم!
114 روى عالم الشيعة الحر العاملي عن أبي جعفر في تفسير قوله تعالى {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}ـ [الممتحنة:10] قال: «من كانت عنده امرأة كافرة يعني على غير ملة الإسلام، وهو على ملة الإسلام، فليعرض عليها الإسلام، فإن قبلت فهي امرأته وإلا فهي بريئة منه، فنهى الله أن يستمسك بعصمتها»( ).
فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لو كانت كما يقول الشيعة كافرة مرتدة ـ والعياذ بالله ـ لكان الواجب تطليقها بكتاب الله. إلا إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم نفاقها وردتها، وعلم الشيعة ذلك!
115 ذهبت فرقة «الخطابية» من الشيعة إلى أن الإمام بعد جعفر الصادق هو ابنه إسماعيل، فرد عليهم علماء الشيعة بأن «إسماعيل مات قبل أبي عبد الله عليه السلام، والميت لا يكون خليفة الحي..» ( ) الخ.
فيقال للشيعة: أنتم تحتجون على ولاية علي بقوله صلى الله عليه وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ومعلوم أن هارون توفي قبل موسى ـ عليهما السلام ـ، والميت لا يكون خليفة للحي باعترافكم!
116 يحتج الشيعة على ثبوت الإمامة لأئمتهم الاثني عشر بحديث: «لا يزال الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش» وفي رواية «يكون اثنا عشر أميراً» وفي رواية «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا»( ).(3/49)
فيقال: الحديث برواياته صريح في أن هؤلاء الاثني عشر يكونون «خلفاء» و«أمراء» على الناس، ومعلوم أن أئمة الشيعة لم يتول منهم الخلافة والإمارة سوى علي وابنه الحسن. فالحديث في وادٍ والشيعة في وادٍ آخر! ولم تُسمِّ الروايات هؤلاء الخلفاء ولا واحداً منهم...!
117 يدعي الشيعة ـ كما هو معلوم ـ أن الصحابة ارتدوا إلا بضعة نفر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. فيقال لهم: المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة.
ومعلوم أن الشبهات في أوائل الإسلام كانت أقوى، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام، كيف يكون إيمانهم بعد ظهور راياته وانتشار أعلامه؟!
وأما الشهوات: فمن خرجوا من ديارهم وأموالهم، وتركوا ما كانوا عليه من عز وشرف حباً لله ولرسوله، طوعاً غير إكراه، كيف يظن بهم أنهم ارتدوا لأجل الشهوات التي تركوها؟!
118 يعتقد الشيعة عدم عدالة الصحابة رضي الله عنهم. ولكننا نجد في كتب الشيعة روايات تدل على هذه العدالة بلا ريب! فمن ذلك ما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب في حجة الوداع قائلاً: «نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، ثم بلغها إلى من لم يسمعها..» ( ). فإذا لم يكن الصحابة عدولاً فكيف يأتمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً منهم على تبليغ كلامه إلى من لم يسمعه؟!
119 قيل لأحد الشيعة: ألم يدعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اختيار الزوجة الصالحة، وإلى مصاهرة الكرام من الناس؟
قال: نعم؛ بلا شك.
قيل له: هل ترتضي لنفسك أن تصاهر ابن زنا؟!
قال : معاذ الله!
قيل له: ها أنتم تدعون ـ كذباً ـ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ابن زانية اسمها (صهاك) ( )! ويدعي عالمكم نعمة الله الجزائري بكل وقاحة أن عمر كان لا يهدأ إلا بماء الرجال ـ والعياذ بالله ـ( )، وتدعون أن ابنته حفصة كانت منافقة خبيثة كأبيها، بل كافرة!
أترى رسول الله يصاهر أبناء الزنا؟!(3/50)
أو يرتضي لنفسه امرأة فاسدة منافقة؟!
والله إنكم لتفترون على رسول الله وعلى الصحابة وترتضون لهم ما لا ترتضونه لأنفسكم.
120 إذا كان أهل النفاق والردة في الصحابة بهذه الكثرة والعدة التي يدعيها الشيعة، فكيف انتشر الإسلام؟! وكيف سقطت فارس والروم وفتح بيت المقدس؟!
121 يقول عالم الشيعة محمد كاشف آل الغطاء عن علي رضي الله عنه: «وحين رأى أن الخليفتين قبله ـ أي أبا بكر وعمر ـ بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد، وتجهيز الجيوش، وتوسيع الفتوح، ولم يستأثرا ولم يستبدا، بايع وسالم»( ).
إذاً فهما: نشرا كلمة التوحيد، وجهزا الجيوش في سبيل الله، وفتحا الفتوح ـ باعتراف أحد كبار علماء الشيعة ـ، إذاً فلماذا اتهامهما بأنهما رأسا الكفر والنفاق والردة؟! ما هذا التناقض؟!
122 يستدل الشيعة على ردة الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بحديث: «يرد علي رجال أعرفهم ويعرفونني، فيذادون عن الحوض، فأقول: أصحابي، أصحابي!، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»( ).
فيقال للشيعة: الحديث عام لم يسمِّ أحداً دون أحد، ولا يستثني عمار بن ياسر ولا المقداد بن الأسود ولا أبا ذر ولا سلمان الفارسي ممن لم يرتدوا في نظر الشيعة! بل لا يستثني علي ابن أبي طالب نفسه! فلماذا خصصتموه ببعضٍ دون بعض؟! إن كل من في قلبه غل على أحد من الصحابة يستطيع أن يدعي بأن هذا الحديث يخبر عنه!(3/51)
123 يقول مالك بن الأشتر أحد كبار أصحاب علي رضي الله عنه، وهو ممن تعظمهم الشيعة: «أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى بعث فيكم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً، وأنزل عليه الكتاب فيه الحلال والحرام والفرائض والسنن، ثم قبضه إليه وقد أدى ما كان عليه، ثم استخلف على الناس أبا بكر فسار بسيرته واستن بسنته، واستخلف أبو بكر عمر فاستن بمثل تلك السنّة»( ) فهو يثني على أبي بكر وعمر بما هما أهل له، ومع هذا يتعامى الشيعة عن هذا الثناء ولا يذكرونه في مجالسهم وحسينياتهم التي لا تخلو من الطعن في الشيخين! هداهم الله. فلماذا؟!
124 يقول ابن حزم عن علي رضي الله عنه ـ ملزماً الشيعة ـ بأنه «بايع أبا بكر بعد ستة شهور تأخر فيها عن بيعته (وهذا) لا يخلو ضرره من أحد وجهين: إما أن يكون مصيباً في تأخره، فقد أخطأ إذ بايع. أو يكون مصيباً في بيعته، فقد أخطأ إذ تأخر عنها»( )!
125 لماذا يعطي الشيعة العصمة لفاطمة رضي الله عنها ويمنعونها أختيها: رقية وأم كلثوم، وهما بَضْعتان من رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاطمة؟!
126 إذا قيل للشيعة: لماذا سكت علي رضي الله عنه عن المنازعة في أمر الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو كما يدعون منصوص عليه ـ، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه أن لا يوقع بعده فتنة ولا يسل سيفاً! فيقال لهم: فلماذا سلّ السيف إذاً على أهل الجمل وصفين؟! وقد مات في تلك المعارك ألوف من المسلمين؟! ومن الأحق بالسيف: أول ظالم أو رابع ظالم أو عاشر ظالم... إلخ..؟!
127 لا يذكر الشيعة فرقاً كبيراً بين الأنبياء والأئمة، حتى قال شيخهم المجلسي عن الأئمة: «ولا نعرف جهة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية خاتم الأنبياء. ولا يصل إلى عقولنا فرق بين النبوة والإمامة»( ).(3/52)
والسؤال: ما أهمية عقيدة ختم النبوة إذاً؟! إذا كانت الوظائف والخصائص التي اختص بها الأنبياء دون الناس من عصمة وتبليغ عن الله ومعجزات وغيرها لم تتوقف بوفاة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، بل امتدت من بعده متمثلة باثني عشر رجلاً؟!
128 يزعم الشيعة أن من الأدلة على وجوب خلافة علي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة في غزوة تبوك وقال له: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»( ). ولو كان زعمهم صحيحاً لعهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم في جميع الغزوات التي تخلف فيها بدلاً من إسنادها إلى غيره. فقد ثبت أنه استخلف عثمان ابن عفان رضي الله عنه و... فلماذا خُصَّ علي دون غيره؟
129 يزعم الشيعة أن وجوب نصب الأئمة يرجع لقاعدة «اللطف». والعجيب أن إمامهم الثاني عشر اختفى وهو صبي ولم يخرج إلى اليوم! فأي «لطف» لحقَ المسلمين من جراء نصبه إماماً؟!
130 يقول الشيعة بأن إرسال الرسل ونصب الأئمة واجبان على الله عز وجل لقاعدة «اللطف». وقد رأينا أن الله تعالى أرسل رسله وأيدهم بالمعجزات، وأهلك من كذبوهم. وسؤالنا للشيعة: ما هي أدلة تأييد الله لأئمتكم وأدلة غضبه على من كذبوهم وقاتلوهم؟!
131 يدعي الشيعة أن أئمتهم معصومون، وقد ورد بالاتفاق ما يناقض هذا، فخذ على سبيل المثال :
أ ـ كان الحسن بن علي يخالف أباه علياً في خروجه لمحاربة المطالبين بدم عثمان رضي الله عنهم. فلا شك أن أحدهما مصيب والآخر مخطئ. وكلاهما إمامان معصومان عند الشيعة!
ب ـ خالف الحسين بن علي أخاه الحسن في قضية الصلح مع معاوية رضي الله عنهم. ولا شك أن أحدهما مصيب والآخر مخطئ. وكلاهما إمامان معصومان عند الشيعة!
ج ـ بل روت بعض كتب الشيعة عن علي قوله: «لا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدل، فإني لست آمن أن أخطئ»( ).(3/53)
132 شنع الشيعة في هذا الزمان على علماء أهل السنة في بلاد الحرمين لفتواهم بجواز الاستعانة بالكفار «للضرورة» في مواجهة البعثيين المرتدين. ثم وجدنا شيخهم الشهير ابن المطهر الحلي ينقل في كتابه «منتهى الطلب في تحقيق المذهب»( ) إجماع الشيعة ـ ما عدا شيخهم الطوسي ـ على جواز الاستعانة «بأهل الذمة على حرب أهل البغي»!! فما هذا التناقض؟!
133 من قواعد الشيعة أن الإمامة تثبت لمن ادعاها من أهل البيت وأظهر خوارق العادة الدالة على صدقه، ثم لم يثبتوا إمامة زيد بن علي مع أنه ادعاها، وبالمقابل أثبتوا الإمامة لمهديهم الغائب الذي لم يدعها ولا أظهر ذلك لغيبته صغيراً ـ كما يعتقدون ـ.
134 لما نزل قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}ـ [النساء:58] دعا صلى الله عليه وسلم بني شيبة وأعطاهم مفتاح الكعبة وقال: «خذوها يا بني طلحة خالدة مخلدة فيكم إلى يوم القيامة، لا ينزعها منكم إلا ظالم»( ) يقول هذا صلى الله عليه وسلم في شأن أمر لا يخص إلا سدنة الكعبة.
فلماذا لم يقل مثله في أمر خلافة علي، وهو أمرٌ يهم جميع المسلمين ويتوقف عليه مصالح كثيرة؟!
135 اختلق الشيعة حديثاً يقول: «لعن الله من تخلف عن جيش أسامة»( ) يهدفون من ورائه إلى لعن عمر ـ رضي الله عنه ـ! وفاتهم أنه يلزمهم أمران:
أ ـ أن يكون علي لم يتخلف، وهذا اعتراف منه بإمامة أبي بكر؛ لأنه رضي أن يكون مأموراً لأمير نَصّبه أبوبكر!
ب ـ أو يقولوا بأنه تخلف عن الجيش، فيلحقه ما كذبوه!
136 يزعم الشيعة أن علياً رضي الله عنه عنده نسخة من القرآن مرتبة حسب ترتيب النزول! فيقال: قد تولى علي رضي الله عنه الخلافة بعد عثمان رضي الله عنه فلماذا لم يخرج هذا المصحف الكامل السليم؟! يلزمكم أمران:
1- إما أن يكون هذا المصحف لا وجود له، وأنكم تكذبون على علي.(3/54)
2- أو أن يكون علي رضي الله عنه قد أخفى الحق وكتمه وغش المسلمين طوال مدة خلافته! ـ وحاشاه من ذلك ـ.
137 يدعي الشيعة محبة آل البيت وعترة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكننا نجد عندهم ما يناقض هذه المحبة؛ حيث أنكروا نسب بعض العترة؛ كرقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم!، وأخرجوا العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أولاده، والزبير ابن صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم يبغضون كثيراً من أولاد فاطمة رضي الله عنها بل يسبونهم؛ كزيد بن علي، وابنه يحيى، وإبراهيم وجعفر ابنا موسى الكاظم، وجعفر بن علي أخي إمامهم الحسن العسكري. ويعتقدون أن الحسن بن الحسن «المثنى»، وابنه عبدالله «المحض»، وابنه محمد «النفس الزكية» ارتدوا! وهكذا اعتقدوا في إبراهيم بن عبدالله، وزكريا بن محمد الباقر، ومحمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن، ومحمد ابن القاسم بن الحسين، ويحيى بن عمر.. الخ. فأين ادعاء محبة آل البيت؟! ويشهد لذلك مقولة أحدهم: «إن سائر بني الحسن بن علي كانت لهم أفعال شنيعة ولا تحمل على التقية»( )! بل أعظم من هذا وأدهى:
138 أن الشيعة يكفرون جميع أهل البيت في القرن الأول!! حيث جاء في أخبارهم ومصادرهم المعتمدة: أن الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدوا إلا ثلاثة (سلمان وأبو ذر والمقداد، وبعضهم يوصلهم إلى 7، وليس فيهم واحد من أهل البيت) ( ). فقد حكموا على الجميع بالكفر والردة ـ والعياذ بالله ـ.(3/55)
139 لقد قام الحسن رضي الله عنه ـ رغم كثرة أنصاره ـ بالتنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه، بينما قام أخوه الحسين رضي الله عنه ـ مع قلة أنصاره ـ بمنازعة يزيد بن معاوية والخروج عليه. وكلاهما ـ أي الحسن والحسين ـ إمام معصوم عند الشيعة!، فإن كان فعل الحسن حقاً وصواباً، ففعل الحسين باطل. والعكس بالعكس! بل إنهم صرّحوا بتكفير بعض أعيان أهل البيت! كالعباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ادعوا أنه نزل فيه قوله تعالى {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}ـ [الإسراء:72]!( )، وكابنه ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، فقد جاء في الكافي ما يتضمن تكفيره وأنه جاهل سخيف العقل! ( ) وفي رجال الكشي: «اللهم العن ابني فلان وأعم أبصارهما، كما عميت قلوبهما..»! ( ) وعلق على هذا شيخهم حسن المصطفوي فقال: «هما عبد الله بن عباس وعبيد الله بن عباس»( ).
بل بنات النبي صلى الله عليه وسلم ـ غير فاطمة ـ شملهن حقد الشيعة، بل نفى بعضهم أن يكن بنات للنبي صلى الله عليه وسلم! ( )
فأين محبة أهل البيت المزعومة؟!
140 لقد شارك علي رضي الله عنه في زمن خلافة أبي بكر رضي الله عنه في حرب المرتدين، وأخذ جارية من سبي (بني حنيفة)، أنجبت له فيما بعد ولده المسمى (محمد بن الحنفية). ويلزم من هذا أن علياً يرى صحة خلافة أبي بكر، وإلا لما ارتضى أن يشاركه في هذا الأمر.(3/56)
141 تتضارب الأقوال المنقولة عن جعفر الصادق في مسائل عديدة؛ فلا تكاد تجد مسألة فقهيه ـ مثلاً ـ إلا وله فيها قولان أو أكثر متناقضة. فمثلاً: البئر التي وقعت فيها نجاسة، قال مرة: هي بحر لا ينجسه شيء، وقال مرة: إنها تنزح كلها، وقال مرة: ينزح منها 7 دلاء أو 6. ولما سئل أحد علماء الشيعة عن كيفية المخرج في مثل هذا التناقض والتضارب قال: يجتهد المجتهد بين هذه الأقوال ويرجح واحداً أما الأقوال الأخرى فيحملها على أنها «تقية»! فقيل له: ولو اجتهد مجتهد آخر ورجح قولاً غير الذي رجحه المجتهد الأول فماذا يقول في الأقوال الأخرى؟ قال: نفس الشيء يقول بأنها تقية! فقيل له: إذاً ضاع مذهب جعفر الصادق!! لأنه ما من مسألة تنسب له إلا ويحتمل أن تكون تقية؛ إذ لا علاقة تميز بين ما هو للتقية وما هو لغيره!
142 الكتب المعتمدة عند الشيعة في الحديث هي: «الوسائل» للحر العاملي المتوفى سنة 1104هـ و«البحار» للمجلسي المتوفى سنة 1111هـ و«مستدرك الوسائل» للطبرسي المتوفى سنة 1320هـ، فجميعها متأخرة! فإن كانوا قد جمعوا تلك الأحاديث عن طريق السند والرواية فكيف يثق عاقل برواية لم تسجل طيلة أحد عشر قرناً أو ثلاثة عشر قرناً؟! وإن كانت مدونة في كتب، فلمَ لم يُعثر على هذه الكتب إلا في القرون المتأخرة؟! ولِمَ لم يجمع تلك الروايات متقدموهم؟! ولِمَ لم تذكر تلك الكتب وتسجل في كتبهم القديمة؟!
143 هناك مجموعة كبيرة من الروايات والأحاديث التي في كتب الشيعة عن آل البيت توافق ما عند أهل السنة؛ سواء في العقيدة وإنكار البدع أو غير ذلك، ولكن الشيعة يصرفونها عن ظاهرها لأنها لا توافق أهواءهم بدعوى أنها من التقية!(3/57)
144 ينقل صاحب كتاب «نهج البلاغة» ـ وهو من الكتب المعتمدة عند الشيعة ـ مدح علي رضي الله عنه لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ كقوله عن أبي بكر «ذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه»( ). فيحتار الشيعة بمثل هذا المدح الذي يخالف عقيدتهم في الطعن بالصحابة؛ فيحملونه على «التقية»!! وأن علياً إنما قال مثل هذا من أجل استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين واستجلاب قلوبهم، أي أنه أراد خداع الصحابة! فيلزمهم أن علياً كان منافقاً جباناً يظهر ما لا يبطن، وهذا يخالف ما يروونه عنه من الشجاعة وقول الحق.. الخ.
145 يدعي الشيعة عصمة أئمتهم ـ كما هو معلوم ـ، وهذا أحرجهم كثيراً أمام الروايات العديدة التي فيها أن الأئمة كغيرهم من البشر يجوز عليهم صدور السهو والخطأ..، حتى أقر عالم الشيعة المجلسي بأن: «المسألة في غاية الإشكال؛ لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو عنهم..»( ).
146 لقد مات إمام الشيعة الحادي عشر: الحسن العسكري ولم يخلف ولداً، ولكي لا تسقط دعائم المذهب الإمامي زعم رجل اسمه «عثمان بن سعيد» أن للعسكري ولداً اختفى وعمره أربع سنوات، وأنه وكيله.
فعجباً للشيعة! تزعم أنها لا تقبل إلا قول المعصوم، وها هي تقبل في أهم عقائدها دعوى رجل واحد غير معصوم!!
147 يهاجم الشيعة مروان بن الحكم ويعلقون به كل شنيعة، ثم يتناقضون فيروون في كتبهم: أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يصليان خلفه! ( ).
والعجيب أن معاوية بن مروان هذا قد تزوج رملة ابنة علي رضي الله عنه!! كما ذكر ذلك النسابون( ). وكذلك زينب بنت الحسن «المثنى» كانت متزوجة من حفيد مروان: الوليد ابن عبد الملك( ). وكذلك تزوج الوليد: نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي( ).(3/58)
148 يزعم الشيعة أن الإمام لا يكون إلا بالغاً( ). ثم تناقضوا فادعوا إمامة محمد بن علي الملقب «بالجواد» حيث لم يبلغ الحلم عند وفاة والده علي «الرضا».
149 يدعي الشيعة ـ في قصصهم الكثيرة عن مهديهم الغائب ـ أنه لما ولد «نزلت عليه طيور من السماء تمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثم تطير! فلما قيل لأبيه ضحك وقال: تلك ملائكة السماء نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج»( )! والسؤال: مادامت الملائكة أنصاره؛ فلماذا الخوف والدخول في السرداب؟!
150 وضع الشيعة عدة شروط للإمام: منها أن يكون أكبر أبناء أبيه، وأن لا يغسله إلا الإمام، وأن درع الرسول صلى الله عليه وسلم يستوي عليه، وأن يكون أعلم الناس، وأن لا تصيبه جنابة ولا يحتلم، وأنه يعلم الغيب!…الخ
ولكنهم وقعوا في حرج ـ فيما بعد ـ بهذه الشروط!! لأننا وجدنا أن بعض الأئمة لم يكن أكبر إخوته؛ كموسى الكاظم والحسن العسكري، وبعضهم لم يغسله إمام، كعلي الرضا الذي لم يغسله ابنه محمد الجواد حيث لم يكن يتجاوز الثامنة من عمره آنذاك، وكذلك موسى الكاظم لم يغسله ابنه علي الرضا لغيابه عنه آنذاك، بل الحسين بن علي لم يغسله ابنه علي زين العابدين لملازمته الفراش ولحيلولة عساكر ابن زياد دون ذلك.
وبعضهم لا يستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مثل محمد الجواد الذي لم يتجاوز الثامنة عند وفاة أبيه، وكذلك ابنه علي بن محمد مات عنه وهو صغير.
وبعضهم لم يكن أعلم الناس؛ كمن كان صبياً، وبعضهم جاء النص ـ في أخبار الشيعة ـ بأنه يحتلم وتصيبه الجنابة؛ كعلي وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم، حيث رووا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد إلا أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين»( ).
وأما علم الغيب فهذا كذبة لا تستحق الرد وإلا لما وجدنا أن بعضهم يموت مسموماً ـ كما يقولون ـ، فأين علم الغيب؟!(3/59)
151 يدعي الشيعة أن الإمام يجب أن يكون «منصوصاً» عليه. ولو كان الأمر كذلك ما وجدنا كثرة الاختلافات بين فرقهم في أمر الإمامة، فكل فرقة تدعي «النص» في إمامها! فما الذي يجعل هذه الفرقة أولى من تلك؟! فالكيسانية مثلاً تدعي أن الإمام بعد علي رضي الله عنه هو ابنه «محمد بن الحنفية»، وهكذا.
152 يفتري بعض الشيعة على عائشة رضي الله عنها ويتهمونها بما اتهمها به أهل الإفك ـ والعياذ بالله ـ كما سبق ـ ، فيقال لهم: إذا كان الأمر كما تفترون؛ فلماذا لم يُقم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الحد وهو القائل «والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها»( )؟! ولماذا لم يقم علي عليها الحد، وهو الذي لا يخاف في الله لومة لائم؟! ولماذا لم يقم عليها الحد الحسن لما تولى؟!
153 يعتقد الشيعة أن العلم مخزون عند أئمتهم، وأنهم ورثوا كتباً وعلماً لم يرثه غيرهم؛ فعندهم: «صحيفة الجامعة» و«كتاب علي» و« العبيطة» و«ديوان الشيعة» و«الجفر»، وهذه الصحف الوهمية فيها كل ما يحتاجه الناس.
والعجيب أن هذه الصحف التي تزعمها الشيعة لو كان شيء منها موجوداً لتغير وجه التاريخ، ولما عجز أئمتهم عن الوصول للحكم، ولما عصفت بهم المحن ومات كل واحد منهم مقتولاً أو مسموماً ـ كما يزعمون ـ، ولما غاب غائبهم في سردابه وظل مختفياً قابعاً في مكمنه خوف القتل!
154 ويقال أيضاً: أين هذه «المصادر» اليوم؟ وماذا ينتظر «منتظرهم» حتى يخرج بها إلى الناس؟ وهل الناس بحاجة إليها في دينهم؟ فإن كانوا بحاجة؛ فلماذا تبقى الأمة منذ اختفاء الإمام المزعوم منذ أكثر من 11 قرناً بعيدة عن مصدر هدايتها؟ وما ذنب كل هذه الأجيال لتحرم من هذه الكنوز؟ وإن لم تكن الأمة في حاجة إليها؛ فلماذا كل هذه الدعاوى؟ ولماذا يُصْرَف الشيعة عن مصدر هدايتهم الحقيقي، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟!(3/60)
155 يذكر الشيعة في كتبهم أن مسير الحسين إلى أهل الكوفة ثم خذلانهم له وقتله كان سبباً في ردة الناس إلا ثلاثة. إذاً لو كان يعلم المستقبل ـ كما يزعمون ـ لما سار إليهم.
156 تدعي الشيعة أن سبب اختفاء إمامهم الثاني عشر هو خوف القتل. فيقال: ولماذا لم يُقتل من قبله من الأئمة؟! وهم يعيشون في دولة الخلافة، وهم كبار، فكيف يُقتل وهو طفل صغير؟!
157 يدعي الشيعة أنهم يعتمدون في الأحاديث «على ما صح من طريق أهل البيت»( ). وهذا فيه تمويه وخداع؛ لأنهم يعدون الواحد من أئمتهم الاثني عشر كالرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وقوله كقول الله ورسوله، ولذلك يندر وجود أقوال الرسول في مدوناتهم؛ لأنهم اكتفوا بما جاء عن أئمتهم. أيضاً: ليس بصحيح أنهم يعتمدون على ما جاء عن طريق أهل البيت (كلهم)؛ إنما عن طريق أئمتهم فقط، فهم لا يعتدون بذرية «الحسن» مثلاً.
158 ويقال أيضاً: أنتم تعتدون بما جاء عن طريق «أئمتكم من أهل البيت» كما تزعمون، ومعلوم أنه لم يدرك أحدهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مميز سوى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهل سيتمكن من نقل كل سنة الرسول صلى الله عليه وسلم للأجيال من بعده؟! كيف ذلك: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلفه في بعض الأحيان أو يبعثه ـ باعترافكم ـ؟! فهو لم يكن مرافقاً للرسول صلى الله عليه وسلم طوال وقته.
أيضاً: كيف سيستطيع علي رضي الله عنه نقل أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، التي اختص بنقلها أزواجه؟!
إذاً فعلي لوحده لن يستطيع نقل جميع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم!(3/61)
159 يقال ـ أيضاً ـ: لقد وجدنا أن جل بلاد الإسلام بلغهم العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير طريق علي رضي الله عنه، وعامة من بلغ عنه صلى الله عليه وسلم من غير أهل بيته! فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد ابن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام، ويعلم الأنصار القرآن، ويفقههم في الدين، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك، وبعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن، وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة. فأين دعوى الشيعة أنه لا يبلغ عنه صلى الله عليه وسلم إلا رجل من أهل بيته؟!
160 أيضاً: يعترف الشيعة في كتبهم أنهم لم يبلغهم علم الحلال والحرام ومناسك الحج إلا عن طريق أبي جعفر الباقر. وهذا يعني أنه لم يبلغهم عن علي شيء في هذا! وأن أسلافهم كانوا يتعبدون بما جاء عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم! تقول كتب الشيعة: «كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى صار الناس يحتاجون إليه من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس»( ).
161 يتناقض الشيعة فيحكمون لمن زعم أنه رأى مهديهم المنتظر بأنه عدل وصادق. يقول الممقاني شيخهم : «تشرف الرجل برؤية الحجة ـ عجل الله فرجه وجعلنا من كل مكروه فداه!ـ بعد غيبته، فنستشهد بذلك على كونه في مرتبة أعلى من مرتبة العدالة ضرورة»( ).
فيقال: ولماذا لا تجرون هذا الحكم على من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهو أعظمُ وأولى من حجتكم؟!(3/62)
162 يتناقض الشيعة فيردون رواية من أنكر إمام من أئمتهم، فردوا روايات الصحابة لأجل هذا، ثم نجدهم لا يفعلون ذلك مع من أنكر بعض أئمتهم من أسلافهم الشيعة! فقد أكد شيخهم الحر العاملي على أن الإمامية عملت بأخبار «الفطحية»( ) وأخبار «الواقفية»( ) وأخبار «الناووسية»( )، وكل هذه الطوائف الثلاث تنكر بعض أئمة الشيعة الاثني عشرية، ومع ذلك يعدون جملة من رجالها ثقات( ). ولا يفعلون هذا مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم!
163 يعتقد فريق كبير من علماء الشيعة بأن كتابهم «الكافي» للكيلني فيه الصحيح والضعيف والموضوع، ومن المقرر بين الشيعة أن هذا الكتاب قد عرض على مهديهم الغائب ـ كما يزعمون ـ فقال بأنه «كافٍ لشيعتنا»( )، والسؤال: لماذا لم يعترض على ما فيه من الموضوعات؟!
164 يقول شيخ الشيعة الهمداني في مصباح الفقيه: «إن المدار على حجية الإجماع على ما استقر عليه رأي المتأخرين ليس على اتفاق الكل، بل ولا على اتفاقهم في عصر واحد، بل على استكشاف رأي المعصوم بطريق الحدس..» ( ) فهم يعرفون رأي غائبهم المؤيد للإجماع بالحدس! فانظر لهذا التناقض! يجعلون حدسهم وظنهم هو العمدة، وإجماع السلف ليس بعمدة؟!
165 يعترف الشيعة بأن أحد أبرز علمائهم وهو ابن بابويه القمي صاحب «من لا يحضره الفقيه» أحد الكتب الأربعة التي عليها العمل عندهم، يعترفون بأنه «يدعي الإجماع في مسألة ويدعي إجماعاً آخر على خلافها»( ) حتى قال أحد علمائهم «ومن هذه طريقته في دعوى الإجماع كيف يتم الاعتماد عليه والوثوق بنقله»( ).(3/63)
166 من عجائب الشيعة أنه إذا اختلفوا في مسألة وكان أحد القولين يُعرف قائله والآخر لا يُعرف قائله، فالصواب عندهم هو القول الذي لا يُعرف قائله! لأنهم يزعمون أنه قد يكون قول الإمام المعصوم! حتى انتقدهم شيخهم الحر العاملي وتعجب قائلاً: «وقولهم باشتراط دخول مجهول النسب فيهم أعجب وأغرب، وأي دليل عليه؟ وكيف يحصل مع ذلك العلم بكونه هو المعصوم أو الظن به»( ).
167 يقول شيخ الشيعة المجلسي: «إن استقبال القبر أمر لازم وإن لم يكن موافقاً للقبلة»( ) وذلك عند أداء ركعتي زيارة أضرحتهم!!
والعجيب أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد وقبلة قد ورد في كتبهم عن أئمتهم من آل البيت، ولكنهم يحملون ذلك على التقية ـ كعادتهم في كل ما لا يوافق أهواءهم ـ!
168 يردد الشيعة كثيراً حديث «الغدير» وقوله صلى الله عليه وسلم فيه «أذكركم الله في أهل بيتي» وينسون أنهم أول من خالف هذه الوصية النبوية؛ حيث عادَوْا جمهوراً كبيراً من أهل البيت!
169 يقال للشيعة: لو كتم الصحابة مسألة النص على علي رضي الله عنه لكتموا فضائله ومناقبه فلم ينقلوا منها شيئاً، وهذا خلاف الواقع، فعلم أنه لو كان شيء من ذلك لنُقل؛ لأن النص على الخلافة واقعة عظيمة، والوقائع العظيمة يجب اشتهارها جداً، فلو حصلت هذه الشهرة لعلمها المخالف والموافق.
170 يروي الشيعة أن الحسن العسكري والد إمامهم المنتظر قد أمر بحجب خبر «المنتظر» إلا عن الثقات، ثم يتناقضون فيزعمون أن من لم يعرف الإمام فإنما يعرف ويعبد غير الله! وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق( )!
171 يقال للشيعة الذين يزعمون أن الله قد أمد في عمر «مهديهم المنتظر» مئات السنين، لحاجة الخلق بل والكون كله إليه!: لو كان الله يمد في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه لمد في أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.(3/64)
172 لا يقبل الشيعة قول جعفر أخي الحسن العسكري والد «إمامهم الغائب» في أن أخاه الحسن لم يخلف ولداً؛ لأنه –كما يقولون- غير معصوم( )، ثم يقبلون دعوى عثمان بن سعيد في إثبات الولد للحسن، وهو غير معصوم ـ أيضاً ـ! فما هذا التناقض؟!
173 من عقائد الشيعة المشهورة: عقيدة «الطينة»، ـ كما سبق في المقدمة ـ، وملخصها أن الله عز وجل قد خلق الشيعة من طينة خاصة وخلق السنة من طينة خاصة! وجرى المزج بين الطينتين بوجه معين؛ فما في الشيعي من معاصٍ وجرائم هو من تأثره بطينة السني! وما في السني من صلاح وأمانة هو بسبب تأثره بطينة الشيعي!، فإذا كان يوم القيامة جمعت موبقات وسيئات الشيعة ووضعت على السنة! وجمعت حسنات السنة وأعطيت للشيعة!
وفات الشيعة أن هذه العقيدة المخترعة تناقض مذهبهم في القضاء والقدر وأفعال العباد؛ لأن مقتضى هذه العقيدة أن يكون العبد مجبوراً على فعله وليس له اختيار؛ إذ أفعاله بمقتضى «الطينة»، مع أن مذهبهم أن العبد يخلق فعله كما هو مذهب المعتزلة!
174 يذكر علماء الشيعة الاثني عشرية كثيراً حب الأنصار لعلي بن أبي طالب وأنهم كانوا كثرة في جنده في موقعة صفين. فيقال لهم: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يسلّموا الخلافة إليه وسلّموها لأبي بكر؟! لن تجد إجابة مقنعة تسلّي بها نفسك.
إن نظرة الأنصار ومن قبلهم المهاجرين أبعد وأصوب منا جميعاً، لقد كانت هذه الفئة المؤمنة تُفرّق بين الخلافة وبين الارتباط العاطفي مع قرابة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولذا رأينا الكتب الشيعية التي تمتدح هؤلاء الأنصار ووقوفهم جنباً إلى جنب مع علي في موقعة صفين هي الكتب نفسها التي تنعتهم بالردة والانقلاب على الأعقاب في حادثة السقيفة!(3/65)
ميزان عجيب يُكال به أصحاب رسول الله: إن كانوا مع علي في أمر من الأمور صاروا خير الناس، وإن كان موقفهم مع من خالف علياً أو قُل في غير الاتجاه الذي أراده علي صاروا أهل ردة ومصلحة ونفاق!
فإن قالوا حكمنا عليهم بالردة والانقلاب على أعقابهم لأنهم أنكروا النص على علي بن أبي طالب، قيل لهؤلاء المستنكرين: أو ليس الشيعة الاثني عشرية يذكرون أن حديث الغدير متواتر وأن مئات من الصحابة قد رووه؟ فأين الإنكار؟
عندما أقول بلساني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي (من كنت مولاه فعلي مولاه) فأين إنكاري للنص؟!
فإن قيل: أنكروا المعنى، قيل لهؤلاء: ومن ذا الذي قال بأن ما ذهبتم إليه في تفسير الحديث هو الحق؟! هل أنتم أفهم وأعقل من صحابة رسول الله الذين عاشوا تلك اللحظات وسمعوا الحديث بآذانهم؟! أم أنكم أفهم بالعربية منهم حتى صرتم تعقلون من الحديث ما لم يعقلوه هم( )؟!
175 أمامنا فريقان: فريق طعن في كتاب الله مدعياً وقوع التحريف والتبديل فيه، على رأسه النوري الطبرسي ـ مؤلف كتاب المستدرك أحد الأصول الحديثية الثمانية لدى الشيعة الاثني عشرية ـ والذي ألفّ كتاباً باسم (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) يقول فيه عن القرآن وعن وقوع التحريف فيه ما نصه: (ومن الأدلة على تحريفه فصاحته في بعض الفقرات البالغة حد الإعجاز وسخافة بعضها الآخر)( )!
وسيد عدنان البحراني القائل: (الأخبار التي لا تحصى كثرة وقد تجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين، وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين بل وإجماع الفرقة المحقة وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم)( ).(3/66)
ويوسف البحراني القائل: (لا يخفى ما في هذه الأخبار من الدلالة الصريحة والمقالة الفصيحة على ما اخترناه ووضوح ما قلنا، ولو تطرق الطعن إلى هذه الأخبار على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كلها، كما لا يخفى؛ إذ الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة، ولعمري إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج من حسن الظن بأئمة الجور وأنهم لم يخونوا في الإمامة الكبرى مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى التي هي أشد ضرراً على الدين)( ).
طعن هذا الفريق بالقرآن بكل وضوح قائلاً بوقوع التحريف فيه!
وفريق آخر (وهم صحابة رسول الله) خطيئته التي لا يغفرها له الشيعة الاثنا عشرية هي أنه سلّم الخلافة لأبي بكر بدلاً من علي!
الفريق الأول الذي طعن في كتاب الله يعتذر له علماء الشيعة الاثني عشرية وغاية ما يقولون فيه كلمة (أخطأوا)، (اجتهدوا وتأولوا ولا نوافقهم على ما ذهبوا إليه)، وليت شعري متى صارت مسألة حفظ كتاب الله أو تحريفه مناطاً للاجتهاد؟! وأي اجتهاد في قول هذا المجرم إن (في القرآن آيات سخيفة)! والله إنها لطامة كبرى.
ولنأخذ مثالاً على نظرة علماء الشيعة الاثني عشرية إلى القائلين بالتحريف:
السيد علي الميلاني ـ من كبار علماء الشيعة الاثني عشرية اليوم ـ يقول في كتابه (عدم تحريف القرآن ص 34) مدافعاً عن (الميرزا نوري الطبرسي): (الميرزا نوري من كبار المحدثين، إننا نحترم الميرزا النوري، الميرزا نوري رجل من كبار علمائنا، ولا نتمكن من الاعتداء عليه بأقل شيء، ولا يجوز، وهذا حرام، إنه محدّث كبير من علمائنا)!!( ) فتأمل هذا التناقض.(3/67)
176 قال الله عز وجل: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء}ـ [الأعراف:3] فهذا نص في إبطال اتباع أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الحاجة إلى فرض الإمامة لينفذ الإمام عهود الله تعالى الواردة إلينا على من عبد فقط، لا لأن يأتي الناس بما لا يشاؤنه في معرفته من الدين الذي أتاهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجدنا علياً رضي الله عنه إذ دعي إلى التحاكم إلى القرآن أجاب، وأخبر بأن التحاكم إلى القرآن حق. فإن كان عليّ أصاب في ذلك فهو قولنا، وإن كان أجاب إلى الباطل فهذه غير صفته رضي الله عنه، ولو كان التحاكم إلى القرآن لا يجوز بحضرة الإمام لقال علي حينئذ: كيف تطلبون تحكيم القرآن، وأنا الإمام المبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فإن قالوا: إذ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فلابد من إمام يبلغ الدين.
قلنا: هذا باطل ودعوى بلا برهان، وقول لا دليل على صحته، وإنما الذي يحتاج إليه أهل الأرض من رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانه وتبليغه فقط، سواء في ذلك من كان بحضرته، ومن غاب عنه، ومن جاء بعده؛ إذ ليس في شخصه صلى الله عليه وسلم إذا لم يتكلم بيان عن شيء من الدين فالمراد منه عليه السلام كلام باق أبداً مبلغ إلى كل من في الأرض،
وأيضاً، فلو كان ما قالوا من الحاجة إلى إمام موجود إلى الأبد لكان منتقضاً ذلك عليهم بمن كان غائباً عن حضرة الإمام في أقطار الأرض، إذ لا سبيل إلى أن يشاهد الإمام جميع أهل الأرض الذين في المشرق والمغرب من فقير وضعيف وامرأة ومريض ومشغول بمعاشه الذي يضيع إن أغفله، فلابد من التبليغ.
فإذ لابد من التبليغ عن الإمام، فالتبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع من التبليغ عمن هو دونه، وهذا ما لا انفكاك لهم منه( ).(3/68)
177 لقد جاءت روايات بأسانيد ثابتة وصحيحة لدى الشيعة تذم وتلعن مجموعة من الكذابين الذين قام الدين الشيعي على رواياتهم، تذمهم بأعيانهم، فلم يقبل شيوخ الشيعة الذم الوارد فيهم (لأنهم لو قبلوا ذلك لأصبحوا من أهل السنة وتخلوا عن شذوذهم) وقد فزعوا إلى التقية لمواجهة هذا الذم، وهذا ليس له تفسير إلا رد قول الإمام من وجه خفي، وإذا كان منكر نص الإمام كافراً في المذهب الشيعي فهم خرجوا بهذا عن الدين رأساً!
وقد اعترف محمد رضا المظفر ـ وهو من شيوخهم وآياتهم المعاصرين ـ اعترف بأن جل رواتهم قد ورد فيهم الذم من الأئمة ونقلت ذلك كتب الشيعة نفسها، قال وهو يتحدث عما جاء في هشام بن سالم الجواليقي من ذم قال: «وجاءت فيه مطاعن، كما جاءت في غيره من أجلة أنصار أهل البيت وأصحابهم الثقات والجواب عنها عامة مفهوم»( ) (أي العلة المعروفة السائرة عندهم وهي التقية) ثم قال: «وكيف يصح في أمثال هؤلاء الأعاظم قدح؟ وهل قام دين الحق وظهر أمر أهل البيت إلا بصوارم حججهم»( ).
لاحظ ماذا يصنع التعصب بأهله: فهم يدافعون عن هؤلاء الذين جاء ذمهم عن أئمة أهل البيت، ويردون النصوص المروية عن علماء أهل البيت في الطعن فيهم والتحذير منهم، التي تنقلها كتب الشيعة نفسها، فكأنهم بهذا يُكذبون أهل البيت، بل يصدقون ما يقوله هؤلاء الأفاكون؛ حيث زعموا أن ذم الأئمة لهم جاء على سبيل التقية، فهم لا يتبعون أهل البيت في أقوالهم التي تتفق مع نقل الأمة، بل يقتفون أثر أعدائهم ويأخذون بأقوالهم، ويفزعون إلى التقية في رد أقوال الأئمة.(3/69)
178 قد عرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم اختصاص عظيم وكانوا من أعظم الناس صحبة له وقرباً إليه، وقد صاهرهم كلهم، وكان يحبهم ويثني عليهم، وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهراً وباطناً في حياته وبعد موته، وإما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته أو بعد موته، فإن كانوا على غير الاستقامة مع هذا القرب فأحد الأمرين لازم: إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم، وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم كما قيل:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته، وأكابر أصحابه، ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الشيعة في الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما قال أبوزرعة الرازي: إنما أراد هؤلاء الطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين.
179 إن مذهب الشيعة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير علي رضي الله عنه؛ لتخليه عن القيام بأمر الله. ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة، بل بطلانها ما دام نقلتها مرتدين، ويؤدي إلى القدح في القرآن العظيم، لأنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم، وهذا هو هدف واضع هذه المقالة.(3/70)
180 يقول الشيعة بأن «الإمامة واجبة لأن الإمام نائب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حفظ الشرع الإسلامي وتيسير المسلمين على طريقه القويم، وفي حفظ وحراسة الأحكام عن الزيادة والنقصان»( ) ويقولون بأنه «لابد من إمام منصوب من الله تعالى وحاجة العالم داعية إليه، ولا مفسدة فيه، فيجب نصبه...»( )، وأن الإمامة «إنما وجبت لأنها لطف.. وإنما كانت لطفاً؛ لأن الناس إذا كان لهم رئيس مطاع مرشد يردع الظالم عن ظلمه، ويحملهم على الخير، ويردعهم عن الشر، كانوا أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وهو اللطف»( ).
فيقال لهم: إن أئمتكم الاثني عشر ـ غير علي رضي الله عنه ـ لم يملكوا الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا، ولم يملكوا ردع الظالم عن ظلمه، وحمل الناس على الخير وردعهم عن الشر! فكيف تدعون لهم الدعاوى الخيالية التي لم تكن واقعاً أبداً؟! وهذا لو تأملتم ينقض كونهم أئمة ـ حسب مفهومكم ـ؛ لأنه لم يحصل منهم اللطف الذي تزعمون.
181 ورد في كتاب نهج البلاغة أن علياً رضي الله عنه كان يناجي ربه بهذا الدعاء: «اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة، اللهم اغفر لي ما وأيت( ) من نفسي ولم تجد له وفاء عندي، اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم ألفه قلبي، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ، وسهوات الجنان وهفوات اللسان»( ).
فهو رضي الله عنه يدعو الله بأن يغفر له ذنوبه من السهو وغيره، وهذا ينافي ما تزعمونه له من العصمة!
182 يزعم الشيعة أنه ما من نبي من الأنبياء إلا ودعا إلى ولاية علي( )! وأن الله قد أخذ ميثاق النبيين بولاية علي( )! بل وصلت بهم المبالغة والغلو إلى أن زعم شيخهم الطهراني أن ولاية علي «عُرضت على جميع الأشياء، فما قبل صلح، وما لم يقبل فسد»( )!(3/71)
ويقال للشيعة: لقد كانت دعوة الأنبياء عليهم السلام إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله، لا إلى ولاية علي كما تدعون. قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ }ـ [الأنبياء:25]. وإذا كانت ولاية علي كما تدعون مكتوبة في جميع صحف الأنبياء؛ فلماذا ينفرد بنقلها الشيعة ولا يعلم بها أحد غيرهم؟! ولماذا لم يعلم بذلك أصحاب الديانات؟! وكثير منهم أسلم ولم يذكر هذه الولاية. بل لماذا لم تُسجل في القرآن وهو المهيمن على جميع الكتب؟!.
183 هل تمتع الأئمة؟!
ومن هم أبناؤهم من المتعة؟!
184 يقول الشيعة: إن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء، وإن علي بن أبي طالب باب العلم ـ فكيف يجهل علي حكم المذي ويُرسل للنبي صلى الله عليه وسلم من يعلمه الأحكام المتعلقة بذلك؟!
185 إن الجريمة التي اقترفها الصحابة عند الشيعة هي انحرافهم عن ولاية علي ـ رضي الله عنه ـ كما يدَّعون، وعدم التسليم له بالخلافة، فتصرفهم هذا أسقط عدالتهم عند الشيعة. فما بالهم لم يفعلوا مثل ذلك مع الفِرَق الشيعية الأخرى الذين أنكروا بعض أئمتهم كـ«الفطحية» و«الواقفة» وغيرهم؟! بل تجدهم يحتجون برجالهم ويعدلونهم( )! فلماذا هذا التناقض؟!
186 تتفق مصادر الشيعة على العمل بالتقية للأئمة وغيرهم ـ كما سبق ـ وهي أن يُظهر الإمام غير ما يُبطن، وقد يقول غير الحق. ومن يستعمل التقية لا يكون معصوماً؛ لأنه حتماً سيكذب، والكذب معصية!
187 ينقل الكليني أن بعض أنصار الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ طالبه بإصلاح ما أفسده الخلفاء الذين سبقوه، فرفض محتجًّا بأنه يخشى أن يتفرق عنه جنده( ) مع أن التهم التي وجهوها للخلفاء قبله (أبي بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله
عنهم ـ) تشمل مخالفة القرآن والسنة. فهل ترك علي لتلك المخالفات كما هي يُناسب «العصمة» التي يدَّعونها له؟!(3/72)
188 لقد اختار عمر ـ رضي الله عنه ـ ستة أشخاص للشورى بعد وفاته، ثم تنازل ثلاثة منهم، ثم تنازل عبدالرحمن ابن عوف، فبقي عثمان وعلي ـ رضي الله عنهم ـ، فلماذا لم يذكر عليٌّ منذ البداية أنه موصىً له بالخلافة؟! فهل كان يخاف أحداً بعد وفاة عمر؟!
* * *(3/73)
الجذور اليهودية للشيعة
في كتاب علل الشرايع للصدوق الشيعي
... ... ... ... ... دراسة نقدية
تأليف
أ. د. / محمد عبد المنعم البري
عميد مركز الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر
رئيس جبهة علماء الأزهر الشريف سابقا
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ {85} وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ {86} وَأَلْقَوْا إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {87} )
[ سورة النحل، الآيات : 85-87] .
( وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ) [ الأنفال : 60 ]
صدق الله العظيم
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبك المصطفى وصفيك المجتبى نبينا محمد وآله العترة الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى ، إلى يوم الدين ، عدد من دخلوا في رحمتك بسببه يا أرحم الراحمين وبعد.(4/1)
فقد تعارف العلماء على أن الإنسان المثقف هو الذي يأخذ من كل فن بطرف ، أو من يعي شيئا من كل شيء، ولا شك أن العلوم والمعارف الإسلامية ، وما يخدمها أو يتصل بها من قريب أو بعيد ، وكذا الفرق المنشقة أو الدخيلة أو المناوئة للدين القيم ، أولى بالاهتمام والاستيعاب وأخذ الصورة الصادقة عنها من وثائقها الثابتة ، ومصادرها الأصيلة ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ، لوضع حد لمزايداتهم المؤسفة ، لتشويه وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، بدعوى فشله في اختيار الصف الأول من الأصحاب والزوجات رضوان الله عليهم أجمعين.
ولفضح خصوم الإسلام ، من أدعيائه الذين يتعبدون بالكذب على الله تعالى ورسوله وآل بيته ، ويمثلون الصورة الكئيبة القبيحة للإسلام ، كصنائع المنافق اللعين واليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ الذين دعمهم وأبرزهم على الساحة، الاحتلال الفرنسي للشام ، كالنصيرية في سورية رهط حافظ الأسد ، وكذلك الدروز في لبنان ، أصحاب الحزب التقدمي ، الذي يتزعمه آل جنبلاط .
وألعن الفرق المقاتلة في الجيش الصهيوني ، وأشدها تنكيلاً بالمستضعفين من المسلمين والعرب ( اللواء الدرزي ). ولم تكن المخيمات الفلسطينية للعزل والأبرياء من الأطفال والنساء بلبنان كصابرا وشاتيلا وغيرهما بأحسن حظًا منها بين مخالب المعتدين عليهم من حركة أمل الشيعية وحزب الله اليد الطولى لإيران والشيعة الإمامية الجعفرية الاثنى عشرية، بما يفسر في الواقع المحسوس قول الحق سبحانه :
( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوَا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82}) [ سورة المائدة الآية : 82].
عوامل التشجيع على وضع الفكر الشيعي تحت المجهر(4/2)
من أهم العوامل التي شدت العزيمة للخوض في هذه المستنقعات الأسنة ما يأتي :
1- النتائج المشرفة للحوار الهادئ مع أحد أعلام الشيعة بأمريكا 1985م بأحد المراكز الإسلامية الكبرى خلال شهر رمضان المبارك ، أوردها فيما بعد .
2- ورود كثير من النصوص التي توصي الأتباع باعتبار عقائدهم أسرارا تحت الأرض لا يصح كشفها إلا للشيعة وتهديد من يخالف هذه الوصية بأوخم العواقب في الدنيا والآخرة ، وأقرب هذه الوصايا المؤكدة لذلك ما أورده رئيس المحدثين الشيعة في السطرين الأخيرين ص 610 من كتابه الذي بين أيدينا علل الشرايع يقول : [ وانصرف ولا تطلع على سرنا أحدا ، إلا مؤمنا مستبصرا ، فإنك إن أذعت سرنا بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك ] .
وبهذا الحظر الحاسم ندرك سر جهل الكثيرين من أهل العلم والفضل بخفايا عقائد هؤلاء ، وغرائب فكرهم ، وعجائب تأويلاتهم بما يضحك الثكلى .(4/3)
3- شهادة الإمام الشعبي (1) شيخ التابعين وإمامهم في شأن الشيعة الروافض أنهم صنائع اليهود ، وأنهما وجهان لعملة واحدة ، بما تفيض به المراجع العريقة للأعلام ، مثل الفقيه : أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي ، في كتابه العقد الفريد ، ج 2 ص 122 و123 ، ما أورده مالك بن معاوية قال : قال لي الشعبي : ( وذكرنا الرافضة ) [ يا مالك ، لو أردتَ أن يُعطوني رقابَهم عبيداً وأن يملؤوا بيتي ذهبا على أن أَكْذبِهُم عَلَى عَلي كذبة واحدة لفعلوا ، ولكني والله لا أكذب عليه أبدا ، يا مالك ، إني درست (2) الأهواء كلها ، فلم أر قوما أحمق من الرافضة ، فلو كانوا من الدواب لكانوا حميرا ، أو كانوا من الطير لكانوا رخما ، ثم قال : أحذرك الأهواء المضلة ، شرها الرافضة ، فإنها يهود هذه الأمة ، يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانية ، ولم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة من الله ، ولكن مقتا لأهل الإسلام وبغيا عليهم ، وقد حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار ، ونفاهم إلى البلدان ، منهم عبد الله بن سبأ ، نفاه إلى ساباط ، وعبد الله بن سباب ، نفاه إلى الجازر (3) ، وأبو الكروس ، وذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود ، قالت اليهود : لا يكون الملك إلا في آل داود ، وقالت الرافضة : لا يكون الملك إلا في آل علي بن أبي طالب ، وقالت اليهود : لا يكون جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح المنتظر، وينادي مناد من السماء ، وقالت الرافضة : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينزل سبب من السماء ، واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم ، وكذلك الرافضة ، واليهود لا ترى الطلاق الثلاث شيئا ، وكذا الرافضة ، واليهود لا ترى على النساء عدة ، وكذلك الرافضة ، واليهود تستحل دم كل مسلم ، وكذلك الرافضة ، واليهود حرفوا التوراة ، وكذلك الرافضة حرفت القرآن، واليهود تبغض جبريل وتقول : هو عدونا من الملائكة ، وكذلك الرافضة تقول : غلط جبريل في(4/4)
الوحي إلى محمد بترك علي بن أبي طالب ، واليهود لا تأكل لحم الجزور ، وكذلك الرافضة ، ولليهود والنصارى فضيلة على الرافضة في خصلتين : سئل اليهود : من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب موسى ، وسئلت النصارى ، فقالوا : أصحاب عيسى ، وسئلت الرافضة : من شر أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب محمد، أمرهم بالاستغفار لهم فشتموهم ، فالسيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة، لا تثبت لهم قدم ، ولا تقوم لهم راية ، ولا تجتمع لهم كلمة ، دعوتهم مدحورة ، وكلمتهم مختلفة ، وجمعهم مفرق ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله].
وذكرت الرافضة يوما عند الشعبي فقال : لقد بغضوا إلينا حديث علي بن أبي طالب.
وقال الشعبي : ما شبهت تأويل الروافض في القرآن إلا بتأويل رجل مضعوف من بني مخزوم من أهل مكة ، وجدته قاعدا بفناء الكعبة . فقال : يا شعبي ما عندك في تأويل هذا البيت ؟ فإن بني تميم يغلطون فيه ، يزعمون أنه مما قيل في رجل منهم ، وهو قول الشاعر :
بيتا زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
فقلت له : وما عندك أنت فيه ؟ قال : البيت هو هذا البيت ـ وأشار بيده إلى الكعبة ـ وزرارة الحجر ، زرر حول البيت ، فقلت : فمجاشع ؟ قال : زمزم ... إلى آخر خرافاتهم المضحكة ، لا سيما في تأويل القرآن الكريم.(4/5)
4- توفر الوسائل المتاحة للبحث والدراسة المتأنية في أمهات كتبهم ، وأهم مراجعهم الدينية ، من الكتب الأربعة التي يقوم عليها دينهم ، مثل: "من لا يحضره الفقيه"، لأبي جعفر الصدوق ، رئيس المحدثين الشيعة (أربع مجلدات) والذي نحن بصدد دراسة تحليلية نقدية ، لنماذج من عقائد الشيعة ومفاهيمهم ، من خلال كتابه " علل الشرايع " ( جزآن ) ، و"الاستبصار" للطوسي (أربع مجلدات) ، وكذا "التهذيب" له ، و"الكافي" للكليني ، وعشرات المجلدات الأخرى ، بما يشكل مكتبة شيعية خاصة، حصلت عليها مجانا ، إثر قرار الخميني بتصدير الفكر للخارج ، خلال عملي كأستاذ معار لإحدى جامعات الخليج .
5- الأمل والرجاء في عفو الله ورحمته ، أن يرد بعض ذوي العقل والنظر فيهم ، من التردي في مهاوي ألعن كبيرة في الإسلام ، وهي الشرك بالله ، بمثل جعل علي رضي الله عنه شريكا منفذا له حق الإدارة والأمر في الجنة والنار ، ومالك ورضوان يأتمران بأمره ، ووصفه بصفات الألوهية ، كعدم النسيان ، وعلم ما كان ويكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، بعد حكم الله سبحانه في قرآنه الخالد (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بت وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {48} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً {49} انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا ) [ سورة النساء : الآيات من 48 ـ 50 ] .(4/6)
6- الفرار من سخط الله ولعنته وأليم عذابه ، لا سيما والفقير شيخ على مشارف اللقاء والعرض على مولاه، وقد انبلج الصبح لذي عينين، والله سبحانه وتعالى يتوعد كل شيطان أخرس ، يعرف الحق ويكتمه ، بالطرد والحرمان ، والإبعاد من رحمة الله التي وسعت كل شيء ، في قوله سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [ سورة البقرة : الآيات من 159 ـ 160 ] .
وأقوم بمشيئة الله وعونه ـ بعرض ونقد علمي ، لنماذج مما وردت في هذا الكتاب ، من تعليلات فاسدة تضحك الثكلى ، ثم أقوم بنقدها وتفنيدها والرد عليها ، وقد قسمت هذه النماذج إلى عدة موضوعات عامة تجمع تحتها الكثير من المسائل والقضايا ، ويلاحظ على الكتاب في ترتيبه الموضوعي والعددي أنه لم يبذر سمومه مع بدايته، ليخدع القارئ ويعمّي عليه الأمر ، ثم يجمع خبائثه مع نهاية الكتاب ، وبالتالي سنجد هنا معظم الأفكار الضالة والتعليلات الساقطة في منتصف الكتاب وما بعده إلى نهايته .
وفي الفصل الأول أبين صورة عامة عن المؤلف وكتابه، ثم الفصل الثاني : وقد قسمت هذا الفصل إلى عدة مباحث هي :
المبحث الأول : ما يتعلق بالأنبياء عليهم السلام.
المبحث الثاني : ما يتعلق بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
المبحث الثالث : ما يتعلق بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
المبحث الرابع : ما يتعلق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم .
الفصل الثالث : العبادات .
الفصل الرابع : المعاملات والعلاقات الإنسانية والاجتماعية مع مثل النبط ، الأكراد ، الأعراب ، الطينة .
الفصل الخامس : علل متفرقات .(4/7)
وتحت كل مبحث من هذه المباحث مسائل تدرس وتعرض للنقد والتفنيد، إبراءً للذمة ونصحاً للأمة : (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) [ سورة هود الآية : 88] .
ثم ألحق بذلك صورة موجزة ، عن الحوار الذي دار مع الأديب الشيعي بأمريكا ونتائجه ، وإشارة لتقرير علمي عن كتاب شيعي معاصر كتبته بناء على طلب من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بمنع تداوله ، لاتساع زوايا الانحرافات والتخريب الفكري فيه ، مدعما بأدلة مما حواه الكتاب.
أسأل الله سبحانه أن يتقبل جهد الضعيف خالصا لوجهه الكريم ، يبيض به وجهه ووالديه وذريته وأحبابه في الله تعالى جميعا ، إن ربي سميع مجيب وما ذلك على الله بعزيز .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حدائق الزيتون بالقاهرة.
كتبه
أ. د. / محمد عبد المنعم البري
رئيس جبهة علماء الأزهر الشريف
الفصل الأول
تعريف بالمؤلف وكتابه
سرد لجانب من مكانته المرموقة عند الشيعة
أولاً : حياة المؤلف (4) 306 : 381 هـ
نسبه :
هو الشيخ رئيس المحدثين ، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، الصدوق القمي ، ولد بقم حدود سنة 306 هجرية ، ولم يُر في القميين من يضاهيه في سمو مكانته ورفيع مقامه العلمي عند الشيعة .
ونشأ في أسرة علمية من البيوتات التي ذاع صيتها بالعلم .
وكان أبو الحسن علي بن الحسين ، والد الصدوق فقيه الشيعة ، مرموق المكان لدى عامة أهل قُم ، وإليه يرجعون في الأحكام ، مع كثرة من فيها من أكابر القوم.
تُوفي والده سنة 329 هـ، وقيل إن الإمام الحادي عشر أبا محمد الحسن بن علي العسكري ، دعا له أن يرزق ذرية صالحة ، فقيل له : ستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين ، وقد رزق منها بالإمام الصدوق ، وأخيه أبي الحسن .(4/8)
ونشأ الصدوق في هذه البيئة العلمية ، وأصابته دعوة الإمام فكان من الحفاظ.
نشأته :
نشأ الصدوق بين أحضان العلم ، يغذيه أبوه لبان المعارف ، ويغدق عليه من فيض آدابه ، ما زاد في تكامله العلمي في الفكر الشيعي.
نشأ برعاية أبيه ، الذي كان يجمع بين العلم والعمل ، وكان ركناً من أركان الشيعة ، ترجع إليه في كثير من الفتيا ، يعمل تاجراً ، وكانت نشأة الصدوق الأولى في بلدة قم من بلاد إيران ، ساعدته على النبوغ والذكاء إذ كان يسمع الشيوخ ويروي عنهم ، وهو صغير حدث ، ولعل السر في نشاط الحركة العلمية يومئذ ، هو فضل ولاة الأمور الشيعة ، في الحكومات الإيرانية ، فإن الناس على دين ملوكهم ، وكانت السلطة في إيران للديالمة آل زبار وآل بويه ، وفاق عصر آل بويه من سبقهم ، بحسن خدمتهم لأهل العلم ، وتأييدهم لهم ، وكثرة من كان منهم في بلاطهم من وزراء ، وكتاب ، وقضاة ، كالصاحب ابن عباد ، وكانوا يلقون الرعاية من الأمراء ، خاصة ركن الدولة البويهي الذي حظي بصحبة كثير من علمائهم ، واستفاد منهم ، وفي طليعتهم الشيخ الصدوق ، إذ استدعاه وشاركه أهالي بلدة الري في تلك الرغبة ، وطلبوا من الشيخ سكنى الري ، فلبى طلبهم وأقام هناك.
أسفاره :
وللصدوق أسفارٌ متعددة ، لكثير من البلدان ، لطلب العلم والزيارة للمشهد المقدس ، أو البلد الحرام ، ومن البلاد التي سافر إليها:
1- خراسان: إذ سافر إليها في رجب سنة 352هـ لزيارة المشهد المبارك بها وهو مشهد الإمام الرضا ، وهذه الزيارة الأولى ، كما زاره ثانية في سنة 367هـ والسنة التي تليها ، وفي ذلك كله يُعلِّم الناس ، ويملي عليهم من معارفه.
2- جرجان: سمع بها من أبي الحسن محمد بن القاسم ، تفسير الإمام العسكري عليه السلام وأبي محمد عبدوس بن علي بن العباس الجرجاني .
3- نيسابور: وهي بلدة واقعة بين الري وسرخس في طريق خراسان ، أقام بها مدة وعلم أهلها.(4/9)
4- مرو الرود: وهي مدينة من مدن خراسان ، وكذلك سافر إلى سرخس ، وسمع بها من أبي النصر محمد بن أحمد بن إبراهيم السرخسي.
5- سمرقند : وردها في سنة 368هـ وسمع بها أبا أسد عبد الصمد بن عبد الشهيد ، كما سافر إلى ( بلخ ) ودخلها أيضا سنة 368هـ وأجازه فيها أبو القاسم عبد الله بن أحمد الفقيه الشيعي .
6- إيلاف : من بلاد ما وراء النهر، سمع بها الحديث من أبي نصر محمد وابن الحسن بن إبراهيم الكرخي، واجتمع فيها ببعض أعلامها، وطُلب منه فيها تأليف كتابه الشهير "من لا يحضره الفقيه" ( سنتكلم عنه فيما بعد ) وذهب إلى فراغانة وهمدان ، وبغداد ، وتعلم من شيوخها ، وعلم أهلها.
7- مكة والمدينة: تشرف بحج بيت الله سنة 354 هـ وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور أهل بيته، وفي عودته مر بالكوفة، وسمع فيها من جماعة كمحمد بن بكران النقاش .
وهذه جملة أسفاره يظهر من خلالها تحرك الشيخ في كثير من البلدان ، ولكنها على كل حال زيارات خاطفة ، لم تستغرق الكثير بل كانت إقامته الدائمة بقم والري.
شيوخه :(4/10)
تتلمذ الصدوق على كثير من علماء عصره، يظهر ذلك عند مطالعة كتابه "من لا يحضره الفقيه" ثاني الأصول عند الشيعة ، وقد أخذ الرواية عن كثير من الخاصة والعامة ، وتحمل عنهم الحديث في مختلف الفنون ، ومعظمهم من العلماء الكبار في الحواضر العلمية في القرن الرابع الهجري ، كبغداد والكوفة والري وبخارى ، تلك البلاد التي سافر إليها الشيخ ، وحَدَّث وحُدِّث بها ، وقد أحصى أحد علماء الشيعة ، وهو محمد الحسين النوري في خاتمة كتابه " مستدرك الوسائل " كثيراً منهم ، وذكر السيد حسن الموسوي في تقديمه لكتاب "من لا يحضره الفقيه" قائمة بأسماء معظمهم ، حتى ذكر أن عددهم 211 ، وهو لا شك عدد مبالغ فيه مبالغة واضحة ، وفيه تناقض بين ما سبق ذكره من حسن فهمه ونبوغه المبكر، ونشأته العلمية العالية إلخ ، وبين هذا العدد الجم ، فربما التقى بأحدهم مرة أو مرات سمع قليلاً أو كثيراً، فاعتبروه من شيوخه لإصباغ هالة من التفخيم لحفظه أو الرفعة لشأنهم ، وعلى كل حال فهي علوم ، ونقول يغشاها الضلال والخداع للبسطاء من باب إلباس الباطل ثوب الحق ، قال الله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا {5} ) [ الكهف آية : 5 ].
تلاميذه :(4/11)
ذكر السيد بحر العلوم في مقدمته لعلل الشرائع قوله : " لو أردنا أن نستقصي على التحقيق والاستقراء جميع من روى عن الصدوق وأخذ عنه العلم لطال بنا البحث ، ولاحتجنا إلى زمن كثير ، خصوصاً بعد أن نقف على ما ذكره أصحاب المعاجم ، من أن شيوخ الأصحاب سمعوا منه ، وأخذوا عنه في حداثة سنه" ، وقد ذكر كبار الشيعة أسماء التلاميذ الذين أخذوا عنه في معاجمهم ، وقد بلغ عددهم حوالي عشرين يقولون إنهم من كبار العلماء فيما بعد، ويقولون أيضاً إنه لم يتيسر لهم الوقوف إلا على هذا العدد الضئيل، ولم يعثروا على بقية أسماء تلاميذه، وربما لا يكون له تلاميذ سوى هؤلاء، خاصة إذا ما عرفنا عن الشيعة رغبتهم في الكتمان والتقية والانزواء ، وعدم الإفضاء بما لديهم إلى أي أحد ، بل يتخيرون خلفاءهم اختياراً دقيقاً ، لضمان السرية والاستمرارية ، ولا أقول هذا تقليلاً من شأنه ، وإنما من واقع قراءاتي المتعددة ، وغوصي في أعماق الشخصية الشيعية.
آثاره العلمية :
سنفاجأ هنا بمبالغات ضخمة ومزايدات مفتعلة في تقييم تركته العلمية ، فيقول السيد الموسوي في تقدمته لكتاب "من لا يحضره الفقيه":(4/12)
"غير خفي ما كان عليه شيخنا الصدوق ، من ثراء علمي ضخم ، وأنا في غنى عن سرد كلمات المترجمين فيه فلا حاجة إلى الإطناب في البيان ، بعد أن قرأنا ونقرأ أنه صنف أكثر من ثلاثمائة مصنف ، في شتى فنون العلم وأنواعه ، وبعد أن نعرف أنه كانت بجانبه مكتبة الصاحب بن عباد، الغنية بالنفائس والآثار ، وبعد أن عرفنا في شيخنا قوة الذكاء وشدة الحفظ ، فهو الذي يحفظ ما لا يحفظ غيره ، وهو الذي كانت مدرسته العلمية سيارة قائمة بشخصه الكريم ، وإلى القارئ أسماء مصنفاته منها حسب حروف الهجاء ، مع ذكر موضوعاتها والتنبيه على المطبوع منها كما ننبه على ما عكف عليه العلماء بالشرح والترجمة" ، ثم ذكر قائمة بعدد 219 كتابًا لا أرى ذكرها هنا ، لعدم الإطالة ، وعدم الحاجة ، ثم قال: هذا ما تيسر لنا العثور عليه من أسماء مصنفاته ، وقد بخل الزمان بأسماء الباقي منها كما بخل بحفظ جلها من الضياع" .
ويلاحظ التهويل في ذكر هذه الكتب ، فنرى الموضوع الواحد يقسمه إلى عدة موضوعات ، ويجعل لكل منها كتاباً مستقلاً ، في حين أنه قد تكون جميعها أبواباً ، وفصولا لكتاب واحد ، ومع هذا فأرى الإشارة إلى أبرز كتبه ، التي عليها قوام دين الشيعة وعقيدتهم .(4/13)
فمرة يذكرون أن دينهم وعقيدتهم قوامها على أربعة كتب أولها الكافي للكليني ، وبعده من لا يحضره الفقيه للصدوق، وبعده التهذيب ، ثم الاستبصار وكلاهما للطوسي ، وهذه الكتب الأربعة هي الصحاح عند الطائفة الحقة التي عليها المعول وإليها المرجع ، ومرة أخُرى يذكرون أن أصولهم الفكرية خمسة كتب ، كما صرح به علماؤهم الكبار ، إذ قالوا: أصولنا الخمسة هي الكافي للكليني ومدينة العلم ، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ، والتهذيب والاستبصار للطوسي، فمن هذين القولين ترى الاختلاف ، وإن كان القول الأول هو السائد عند جمهورهم ، لكنا ذكرنا القول الثاني لنأخذ بالزائد فيه ، وهو كتاب مدينة العلم ، إذ قال عنه أحد مشايخهم: "هو خامس الأصول الأربعة ، وهو من عشرة أجزاء فالأسف على ضياع هذه النعمة العظمى من بين أظهرنا وأيدينا ، من لدن عصر والد البهائي إلى يومنا هذا" .
2- من لا يحضره الفقيه :
وهو ثاني الأصول الأربعة، التي عليها مدار الشيعة، ومرجع علمائهم في أخذ الأحكام، وقد مرت على تلك الأصول الأربعة، أكثر من تسعة قرون والفقهاء وغيرهم يتلقونها بالقبول ، والاعتناء ، بحيث لا يطعن فيها طاعن رغم بعض الطعون التي وجهت إلى غيرها من المؤلفات الأخرى يجمل الإشارة إليها فيما بعد.(4/14)
أما السبب الذي دعا الصدوق إلى تأليف هذا الكتاب ، فقد قال : " لما ساقني القضاء إلى بلاد الغربة وحصلني القدر منها بأرض " بلخ " وردها أبو عبد الله المعروف : " بنعمة " وهو محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فجالسني وانشرح صدري بمذاكرته ، فذاكرني بكتاب صنفه محمد بن زكريا الرازي الطبيب ، وترجمه لكتاب من لا يحضره الطبيب وذكر أنه شاق في معناه وسألني أن أصنف له كتابا في الفقه والحلال والحرام والشرائع ، والأحكام موفياً على جميع ما صنفت في معناه ، وأترجمه بكتاب من لا يحضره الفقيه ، ومعناه فقيه من لا يحضره الفقيه .(4/15)
ليكون إليه مرجعه وعليه معتمده وبه أخذه ويشترك في أجره من ينظر فيه ، وينسخه ، ويعمل بمودعه ، هذا مع نسخه لأكثر ما صحبني من مصنفات فأجبته إلى ذلك ، لأني وجدته أهلاً له ، وصنفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لكي لا تكثر طرقه وإن كثرت فوائده ، ولم أقصد فيه قصد الصنفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته ، وأعتقد فيه أنه حجه فيما بيني وبين ربي ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، وهذا الكتاب لقي ثناءً كبيراً من علماء الشيعة ، كما لقي طعوناً منهم فالأولون يجعلونه أحد الكتب الأربعة الأصول ، بل منهم من ذهب إلى ترجيح أحاديثه على غيره من الكتب الأربعة، نظراً إلى زيادة حفظ الصدوق ، وحسن ضبطه وتأخر كتابه عن الكافي ، وضمانه فيه لصحة ما يورده ، وأنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، وأما الآخرون فيرون فيه كثرة المراسيل ، التي يرون تفرد الصدوق بها ، واعتداده بحفظه ، وفهمه ، ومن ثم فقد اشتمل على فتاوى غريبة لم يتابعه عليها أعلام الطائفة ، وإن ذهب إلى قوله بعضهم ، وكانت مخالفة للإجماع أو متروكة عند المتقدمين والمتأخرين أفرد لها الشيخ مفلح بن الحسن الصيمري مؤلفاً أسماه : " التنبيه على غرائب من لا يحضره الفقيه " .(4/16)
وقد أحصى أحد علماء الشيعة في أول شرحه لكتاب من لا يحضره الفقيه المسمى " بالتعليقة السجادية " أحاديث الكتاب ، فكانت " 5963" حديثاً منها " 2050 " حديثاً مرسلاً ، ونسب ذلك إلى بعض مشايخه ، وقيل إن عدد الأحاديث أقل من ذلك ، يقول بعض المحققين في النجف ممن ترجم للصدوق في مقدمة كتابه من لا يحضره الفقيه ما لفظه " إن شيخنا الصدوق قد انفرد بآراء وفتاوى لم يسبقه فيها أحد ، كما لم يتابعه في جلها أحد من الفقهاء ، وإنه كان يعتمد على طائفة من الأخبار ، لم يعتمدها غيره ، فأفتى بمضمونها معتقداً صحتها والعمل عليها ، ولذا خالف في بعض تلك الآراء إجماع الطائفة ، وربما حاول قصر الأذهان على قبول رأيه ، وفرض حكمه ، إلا أنه بشر يخطئ ويصيب ، ثم ذكر هذا المحقق بعض ما عثر عليه استطراداً في الجزء الأول فقط من الكتاب من فتاواه الغريبة وآرائه الخاصة كما يلي :
1 ـ جواز الاغتسال والوضوء بماء الورد .
2 ـ المرأة الحائض تقضي الركعة التالية من المغرب بعد أن تطهر وتغتسل إذا حاضت بعد ما صلت ركعتين منها.
3 ـ لا تجوز صلاة من صلى بعمامة لا حنك بها .
4 ـ أول المغرب استتار القرص " أي قرص الشمس " ، لموافقته أهل السنة والجماعة.
5 ـ وجوب القنوت في الصلوات الخمس اليومية وتركه يبطل الصلاة .
6 ـ عدم جزئية الصلاة على النبي في التشهد ، فإنه ذكر التشهد خالياً منها.
7 ـ جواز السهو على النبي ، وسماه إسهاء من الله تعالى اتبع في رأيه ذلك أحد شيوخه ، وهو محمد بن الحسن بن الوليد ، وتبعه عليه الطبرسي ، وغيره ، هذا هو كلام الشيعة ، عن شيخهم ، ورئيس محدثيهم ، وما خفي كان أعظم .
يحقرون أعلامهم ، ويكذبون صدوقهم
وحول هذه المسألة نقل عن البهائي أنه قال : " الحمد لله الذي قطع عمره ، ولم يوفقه لكتابة مثل ذلك ، كما نقل عن الشيخ أحمد الإحسائي زعيم مدرسة الشيخية الشيعية ، أنه قال : [ الصدوق في هذه المسألة كذوب ] .(4/17)
هذا هو رئيس محدثي الشيعة الذي يكفرون الأئمة الأعلام أصحاب الكتب الستة ضمن النُّصَّاب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي في نظرهم وتقييمهم الأمة الملعونة قاتلة الحسين سيد شباب أهل الجنة .
3 ـ علل الشرايع :
هو هذا الكتاب الذي تدور حوله الدراسة وسيأتي بعد ذلك تعريف بالكتاب ومحتوياته ، ولعل هذا الكتاب خاصة ، ومعه الكتاب الثاني من لا يحضره الفقيه هي أشهر كتب الصدوق ، ومن أشهر كتب الشيعة عامة.
والعدد الضخم الهائل الذي سبق ادعاؤه إن صح ذلك ، كانت نعمة الله فيه على عباده المسلمين عظيمة ، إذ أهلكه بقدرته ، وأمات سمومه بواسع رحمته ، فكيف كان يصير الحال الآن مع بقاء كل هذه الضلالات التي خرجت مع رجل استطاع أن يبهر كثيراً من العامة ، فيلتفون حوله ويصدقون خرافاته ، وحتى لا نستغرق في الذم ، نعطي القارئ مهلة ، ليرى بنفسه كثيراً من هذه الأفكار النكراء في ثنايا هذه الدراسة الموجزة إلى جوار ذلك يرى ما يثير الدهشة والعجب ، ويضحك الثكلى ، وشر البلية ما يضحك .
ثناء العلماء عليه :
أذكر هذه الإشارة ، لأبين للقارئ مدى مكانة الرجل عند علماء طائفته ، ومقدار تصديقهم له ، ثم نترك للقارئ الحكم على الرجل ، وعلى من أثنوا عليه ، من خلال أفكاره في هذا الكتاب ، وكما يقال : الطيور على أشكالها تقع ، ومن أحب قوماً حشر معهم ، وهو منهم وعلى منوالهم ينسج .
جاء في مقدمة كتابه ( من لا يحضره الفقيه ) للسيد الموسوي ، جملة من ثناء العلماء عليه أقتطع منها هذه الفقرة :
الصدوق هو العالم الجليل ، والمحدث النبيل ، نقاد الأخبار ، وناشر آثار الأئمة الأطهار عليهم السلام ، عماد الملة ، والمذهب والدين ، شيخ القميين وملاذ المحدثين ، شيخ من مشايخ الشيعة، وركن من أركان الشريعة ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المتحفظة .(4/18)
وهذا الكلام يذكرني بموقف دار بين عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين ، وأحد الخوارج ، ظل عبد الملك يدعوه إلى الجماعة والسمع والطاعة ، ثم أخذ يكرر عليه ذلك فقال الخارجي: لتغنك الأولى عن الثانية قلتَ فسمعتُ ، فاسمع مني أقل لك. فقال : تكلم. فأخذ يتكلم عن الجهاد ومحاربة الكافرين ، وأعمال القربات ، وجزاء المستمسكين بها ، والجنَّة وما فيها من نعيم ، والنار وما تحوي من عذاب ، يقول عبد الملك حتى وقع في خاطري أن الجنة خلقت لهؤلاء فقط ، وأنهم أولى بالأمر ، وأنهم على الصواب ، حتى كاد يقنعني بمذهبه ، فأخرج معه لأنال الجنة، فالحمد لله الذي ثبت قلبي على الحق .
الفارغ الذهن غير الخبير بخباياهم
ووجه الشبه ، أن القارئ إذا ما قرأ الثناء الحار ، والذكر الخلاب ، قد يقع الصدوق في نفسه كل موقع ، ويتمنى لو رآه ليحظى بلحظة فيض من إلهامه وعلمه ، أو بنظرة رضا وتقدير من شخصه النبيل ، كما كاد أن يحدث لعبد الملك مع الخارجي ، فنسأل الله التثبيت والحفظ والعون على كشف زيف هؤلاء ، وبطلان أفكارهم وعقائدهم، وفضح أكاذيبهم وأحقادهم على الإسلام والمسلمين ، إن ربي سميع مجيب .
وفاته :
توفي الصدوق في سنة 381 هـ ببلدة الري من بلاد إيران ، ودفن بها عند بستان طغرليه الذي أضحى مزاراً يلجأ إليه العوام والخواص منهم ، ويتبركون كعادتهم ويحيطون قبره حتى الآن باحترام وتقدير واهتمام بشؤونه من قبل ولاة الأمور وعامة ذوي الجهالات الشركية المؤسفة ، والله من ورائهم محيط .
ثانيا : تعريف بالكتاب(4/19)
كتاب علل الشرايع للصدوق ، يبحث في فروع دين الجعفرية الإمامية الاثني عشرية ، وحكم شرائعه ، ويتضمن أبوباً عدة ، وفصولاً جمة ، من كل لون وعلى كل هيئة ، بدء من الفرائض حتى النوادر وما دونها ، فيبحث لكل شيء عن علة ، مستدلاً بالصحيح عندهم تارة ، وبالسقيم تارات أو مُحكما عقله فيما لا دليل عليه ، بوصفه أهلاً للمراجعة الخلاقة عند الطائفة ، إذ أصول الشرائع عندهم :
(1) القرآن الكريم :
ويعني عند أكثرية مفكريهم وشيوخهم ( مصحف فاطمة ) ، وهو المحفوظ لدى الإمام الغائب في سرداب سامراء من مئات السنين ( الوهم المنتظر ) ( عج ) أي عجل الله فرجه وعقيدتهم في المصحف السائد في العالم الإسلامي المنقول إلينا بالتواتر والمتعبد بتلاوته والذي تكلف الله بحفظه في الصدور والسطور إلى ما شاء الله لا يساوي ثلث مصحفهم المختفي .
(2) السنة المطهرة :
ويعنون بها أحاديث الأئمة المعصومين من أولاد علي ـ رضي الله عنهم ـ بشرط كونهم عن طريق رواتهم ومحدثيهم وعلى رأسهم الكليني والصدوق رئيس المحدثين الشيعية ، ومن سار على دربهم ممن يطلقون على أنفسهم الرواة عن القرة آل البيت.
(3) الإجماع :
ويقصد به إجماع شيوخ الطائفة دون سواهم .
(4) العقل:
ويهتدون به ويحتكمون إليه ، حيث لم يرد نص ثابت في قضية أو أمر ، في المصادر الثلاثة سابقة الذكر.
وبهذا تحرر قلم الصدوق ، وانطلق يسجل ما يمليه عليه عقله الرجيم ، إذا أعياه الدليل والحيلة ، اعتماداً على علو شأنه عندهم ، وحصانته من التهجم أو القدح فيه من صغارهم وكبارهم.
والكتاب يقع في جزأين بمجلد واحد يضم حوالي ستمائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط .
يقول السيد صادق بحر العلوم في وصفه للكتاب :(4/20)
[ ومن مؤلفات شيخنا ـ الصدوق ـ رحمه الله ـ هذا الكتاب " علل الشرايع " والأحكام والأسباب " يتضمن 262 بابا في الجزء الأول ، و 385 بابا في الجزء الثاني ، أول الأبواب [ العلة التي من أجلها سميت السماء سماء والدنيا دنيا، والآخرة آخرة ، والعلة التي من أجلها سمي آدم آدم ، وحواء حواء ، والدرهم درهما، والدينار ديناراً ، والعلة التي من أجلها قيل للفَرسَ أجر وللبغلة عد والعلة التي من أجلها قيل للحمار حر ] ، وإلى آخر الأبواب فهو في نوادر العلل.
ولم نعلم سبب تأليفه للكتاب ، ولا تاريخ تأليفه ، وقد طبع الكتاب مرةً في سنة 1289 هـ ، وثانية 1361 هـ ، وألحق به معاني الأخبار للصدوق أيضاً كما أُلحق به كتاب الروضة في الفضائل لم يعرف مؤلفه .
وثالثةً 1378 هـ وكل هذه الطبعات الثلاث بمطابع إيران ، وهي غير خالية من الأخطاء المطبعية وغيرها، وبعض النقصان في بعض طبعاتها ، وقد لخص هذا الكتاب الشيخ شرف الدين بن عز الدين بن الحسين بن ناصر البحراني نزيل ( يزد ) من بلاد إيران ، ونائب أستاذه المحقق علي الكركي المتوفى 940 هـ ، كما ذكره الميرزا عبد الله أفندي في كتاب ( رياض العلماء ) وله أيضاً ملخص لهذا التلخيص ، ويضيف في هامش المقدمة أن كتاب ( علل الشرايع ) فيه بعض الأحاديث التي تلائم مقام الأئمة المعصومين ، ولعلها مدسوسة في أخبارهم من بعض المناوئين ، فلا بد أن تؤول تأويلاً معقولاً (1) بحيث تلائم مقامهم ، ولعها لا تخفى على الناقد البصير .(4/21)
وللكتاب مكانة عالية في قلوب وعقول الشيعة خاصتهم وعامتهم، لما تضمن من أبواب ومسائل كثيرة ، فتكلم عن بدء الخلق ، وعلة مسمياته والمكان والزمان ، ثم تحدث عن الأنبياء ، وبعض أحوالهم مع أقوامهم ، وما حدث لبعض معارضيهم ، كما تحدث في أمور علمية ، بكلام عشوائي لا دليل عليه ، من عقل ناضج أو شرع قويم ، ثم تناول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، وتحدث عن بعض أفعاله ، وبحث لها عن علل ، وكما انتقل إلى الحديث عن الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ ، وأخذ يعلل أعماله بعلل واهية ، يرفضها العقل والعرف ، بل هي كذب صريح وتقول واضح مفتعل على أمير المؤمنين شأن الشيعة دائماً . وانتقل للحديث عن السيدة فاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ ودلَّس عليها في مواقفها مع أبي بكر وعمر ـ رضوان الله عليهما ـ فيما أطلق عليه الشيعة : ميراثها عن أبيها في فدك ، ثم تعرض للحديث عن بقية أهل البيت ، وعلل أعمالهم ، وما تعرضوا له من مخالفيهم بتعليلات ساقطة.
ثم انتقل في الباب رقم 182 وعنوانه علل الشرايع وأصول الإسلام ، فبدأ بالحديث عن الغائط ونتنه وعلة الوضوء وأركانه ، وعلة كل ركن والسواك وعلته والحيض والنفاس وبول الجارية ، وعلة غسل الثوب من لبن الجارية وبولها دون الولد ، ثم صلاة الجنازة وعدد تكبيراتها وعلة ذلك ، وانتهى الجزء الأول من الكتاب بالباب رقم 262 ، وعنوانه العلة التي من أجلها يكون عذاب القبر ، وبدأ الجزء الثاني بالباب رقم 1 وعنوانه علل الوضوء والآذان والصلاة ، وتكلم عن القصر والجمع ، والرخص في ذلك وعلتها وعلة صلاة الجماعة ، وختم علله بنوادر الصلاة. ثم تحدث عن الزكاة وعلتها ، والعلة التي من أجلها صارت الزكاة في كل ألف درهم خمسةً وعشرين درهماً .(4/22)
والعلة التي من أجلها لا تجب الزكاة على السبايك والحلي ، حتى ختم بنوادر علل الزكاة ، ثم انتقل إلى الحديث عن علل الصيام وعلة العيد في الفطر والأضحى ، والعلة التي من أجلها يتجدد لآل محمد صلى الله عليه وسلم في كل عيد حزن جديد ، وعلة إخراج زكاة الفطر ، ثم تحدث عن مكة والبيت الحرام ، وعلة تسميتها والحج وأركانه ، وعلة كل ركن .
وجاء بكلام كثير لا أصل له ، وتعليلات لا يقبلها العقل فضلاً عن عدم ورودها في الشرع الشريف ، ثم علة الأضحية ، والعلة التي من أجلها لا يكتب على الحاج ذنبُ أربعة أشهر ، وختم بباب نوادر علل الحج .
كما شرع يتكلم عن الكبائر وعلل تحريمها ، كشرب الخمر ، وقتل النفس وعقوق الوالدين ، وعلة تحريم الزنا والربا ، ثم تكلم عن الزواج والمهر ، وعلته ، وتكلم عن المرأة كلاماً ساقطا مستفظعا ، كحديثه عن العلة التي من أجلها يجوز للرجل أن ينظر إلى امرأة يريد الزواج منها وأن عليها أن ترقق له الثياب ، لأنه يريد أن يشتريها بأغلى ثمن ، وعلة تفضيل الرجال على النساء ، ثم ختم بالحديث عن نوادر علل النكاح ، وتكلم عن الجنة والنار وأصحابهما وكذلك الوصية والميراث ، ومن غرائب ذلك العلة التي من أجلها لا ترث المرأة في العقار شيئاً .
وعلة نجاسة الناصب ( أي أهل السنة والجماعة ) حتى ختم الكتاب بباب نوادر العلل وهو الباب رقم 385 .
وبعد : فهذا تصور عام لما اشتمل عليه الكتاب ، من سخافات العلل التي يؤمن بها الشيعة ، ويرونها من الأمور الرئيسية في فكرهم وتراثهم ، وكيف لا وقائلها إمامهم الصدوق ، ورئيس محدثيهم الأجل ، الذي لا يضارع ، والذي قال عنه بعض شيوخهم بأنه الكذوب قطع الله عمره .(4/23)
وبما أن المقام لا يتسع لعرض هذه العلل كلها ونقدها والرد عليها ، فأحاول بمشيئة الله وعونه ، أن أتخير للقارئ الكريم ، والمسلم بوجه خاص ، نماذج مختلفة ، من هذه العلل ، في مختلف النواحي الفكرية ، التي تطرق إليها المؤلف ونقدها ، لأكشف من خلالها زيف معتقداتهم التي لا تنطلي إلاَّ على السذج والبلهاء ، أو أصحاب المغانم والمصالح ، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويصدون عن سبيل الله .
وأقدم هذا الجهد المتواضع ، حسبة لوجه الله تعالى ، ونصحا للأمة الإسلامية ، وتحصيناً لها من هذه المهالك ، التي لا عاصم ولا حافظ من ويلاتها إلا الله سبحانه وتعالى ، ثم جهود المخلصين من العلماء ، وذوي الغيرة الإسلامية ، الذين يبرزون الصورة الأصيلة لتعاليم الإسلام التي نزل في شأنها قول الحق جل وعلا في يوم عرفة في حجة الوداع عصر الجمعة عند الموقف أمام الصخرات على أمير الأنبياء قول الحق سبحانه ... (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) [ سورة المائدة الآية : 3 ]
كما يبرزون خسة ووضاعة ما عداها من دس الأعداء والخصوم إقامة للحجة عليهم (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) [ سورة الأنفال الآية : 42 ] ، والله سبحانه وتعالى من وراء القصد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بوابة التاريخ الإسلامي
لا حراس عليها(4/24)
هبط الإسلام إلى العالمين كوليد في المهد ، وكسرى يزأر في الدنيا : أملاكي لا تغيب عنها الشمس بعد أن دحر الرومان بجيوشه ، وهرقل يلم شعثه ويجمع شتات جيوشه للثأر ويجيب وأنا كذلك، وتتنزل المعجزة الكبرى على المستضعفين في مكة في كلمات من القرآن الحكيم تصور المستقبل القريب بانتصار الرومان على الفرس في بضع سنين ثم أفُول نجمهما إلى الأبد تحت نعال شباب الإسلام ورجاله ، وفي ومضة من عمر الزمن لم تتجاوز ربع قرن تحولت المعجزة الكبرى من كلمات قرآنية في مطلع سورة الروم إلى واقع أعجب من الخيال صوره أمير الشعراء شوقي رحمه الله بقيثارته الشعرية الرشيقة مناجيا نور رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وعلمت أمة بالقفر نازلة رَعْيَ القياصر بعد الشاء والغنم
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم إلا على صنم قد هام في صنم
ولم يكن في كلماته تلك ، مجاملا أو مستغرقاً في خيال الشعراء ، بل يحكي واقعا سجله التاريخ بمداد المجد والفخار ، إذ يذكر أحدهم أمير المؤمنين عمر في مجلسه بالأدب النبوي الشريف " أكرموا عزيز قوم ذل " حينما شاهدوا من بين سبايا فارس بنات كسرى الثلاث إثر وصول الغنائم والسبي من القادسية وأشاروا بتسليم الفتاة الأولى إلى الحسين حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرزقه الله سبحانه منها علي زين العابدين الذي نجا من مذبحة كربلاء وحفظ الله به سلالة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والفتاة الثانية لعبد الله بن عمر فرزقه الله منها بسالم شيخ المحدثين والفقهاء في عصره والثالثة لمحمد بن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنهم أجمعين . فأفقدت صدمة انتصار الإسلام الساحق في هذا الزمن الوجيز العقول والألباب لأعدائه ، فبدؤوا يضربونه في كل الاتجاهات وتكفل الحق جل وعلا بحفظ كتابه من سهام حقدهم : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [ سورة الحجر الآية : 9 ].(4/25)
وكذلك حفظ الله سنة حبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم باعتبارها المبينة لمراد الله في قرآنه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [ سورة النحل الآية : 44] . وتفرغت طلائع رجال الإسلام حينذاك ، للفتوحات ونقل اللغة والدين ، وآداب الإسلام إلى البلاد المفتوحة والشعوب الجديدة ، وتفرغ الأعداء المتربصون لإفراغ سموم حقدهم على من قهروهم في عقر دارهم ، من خلال التاريخ الإسلامي والتفسير والأدب وغيره ، معتمدين في عملهم المشين على أمل كبير ، اقتنصوه من القرآن الكريم ، بما يفيد أن أكثر الناس لا يعقلون ولا يفقهون ولا يعلمون ولا يؤمنون ، وهكذا تحولت هذه الساحات العلمية إلى سلاح ذي حدين للبناء والهدم في آن واحد ، بالبناء على أيدي المنصفين من المؤرخين وعلماء الإسلام وحراس ثُغُوره ، والهدم على يد المتسللين من أهل الكتاب والزنادقة والمأجورين وهم بكل أسى وأسف ، الأكثرية الساحقة ، مما حدا المخلصين لاستنفار ذوي الغيرة ، لتطهير الساحات المقدسة ، من الخلايا السرطانية ، التي تخرب عقول البسطاء ، وتشوه صورة أشرف الرجال ، لأعظم أمة أخرجت للناس ، يقول الحق سبحانه : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {186}) [ سورة آل عمران الآية : 186] .
ـــــــــــــــــــــــــ
هوامش المقدمة والفصل الأول:(4/26)
(1) الإمام الشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي بن عبد الله ذي كبار ( قيل من أقيال اليمن بطن ) علاََّمة العصر أبو عمرو الهمداني ثم الشعبي ، كانت أمه من سبي جلولاء، مولده في إمرة عمر بن الخطاب لست سنين خلت منها. وكانت جلولاء في سنة 17 هـ ، رأى عليا رضي الله عنه وصلى خلفه ، وسمع من عدة من كبراء الصحابة ، حدث عن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم وأسامة بن زيد وأبي سعود البدري وأبي هريرة وأبي سعيد وعائشة (ر) وجابر بن سمرة وسمرة بن جندب والنعمان بن بشير والبراء بن عازب وزيد بن أرقم والحسن بن علي وأم سلمة وأسماء بنت عميس وأم هانئ وأنس بن مالك، وغير هؤلاء ، سمع من أكثر من خمسين من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، كان حافظا وما كتب شيئا قط ، عن مكحول قال: ما رأيت أحدا أعلم من الشعبي ، وعن أبي مجلح قال : ما رأيت أحدا أفقه من الشعبي لا سعيد بن المسيب ولا طاووس ولا عطاء ولا الحسن ولا ابن سيرين فقد رأيت كلهم . وعن أبي بكر الهذلي قال لابن سيرين: الزم الشعبي فلقد رأيته يُستفتى وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون. تُوفي (ر) سنة 105 عن خمس وسبعين سنة.
المراجع : الطبقات الكبرى 6/246 ، تاريخ البخاري الكبير 6/450 ، حلية الأولياء لأبي نعيم 4/310 ، سير أعلام النبلاء للذهبي ج4/294.
(2) في بعض الأصول : " دست ".
(3) الجازر : قرية من نواحي النهروان . وفي بعض الأصول : " الحازر ".
(4) انظر مقدمة كتابيه : " علل الشرايع "، " من لا يحضره الفقيه".(4/27)
(5) من التأويلات المعقولة لدى شيوخهم قولهم في تفسير الآية الشريفة (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) [ من سورة البقرة آية : 67 ] أي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة ـ رضي الله عنها ـ وفي تفسيرهم لقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) [ من سورة النساء آية : 51 ] هم أهل السنة والجماعة لا اليهود لأن مصحفهم لا يتجاوز ثلث مصحف الوهم المنتظر وأنَّ الآية تفيد التبعيض ، أما كل الكتاب فمحفوظ في السرداب ، ومعنى الجبت والطاغوت هما الشيخان أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ إلخ وهكذا نجح اليهود مبكراً بزعامة الحاخام اليمني عبد الله بن سبأ مؤسس الشيعة في تحويل آيات السخط والغضب واللعنة الخاصة بقومه إلى أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الأئمة الراشدون الخلفاء ، وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان ـ رضي الله عنهم ورضوا عنه ـ حتى تحول المسلم السني في نظر تلاميذه الشيعة إلى رمز للنجاسة واللعنة ، مصافحته أو لمسه من نواقض الوضوء عندهم ، والكارثة المزدوجة أن يبتلى المرءُ بعدو جاهل ، لأنه يجمع الخستين ، وقد قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
الفصل الثاني
نماذج لعرض ونقد الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث الأول
ما يتعلق بالأنبياء عليهم السلام
يلاحظ أن هذه الجزئية أخذت بداية الكتاب ولم تكن تعليلاتها ذات أثر بل معظمها من قبيل الإسرائيليات التي أخذت عن أحبار اليهود ولهذا سيكون هذا المبحث قليل المسائل بالنسبة لغيره ، خاصة ما يتعلق بآل البيت و أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
العلة التي من أجلها توقد النصارى النار
ليلة الميلاد وتلعب بالجوز(1)(4/28)
قال الصدوق أخبرنا أبو عبد الله محمد بن شاذان ، عن وهب بن منبه اليماني ، قال لما ألجأ المخاض مريم عليها السلام إلى جذع النخلة أشتد عليها البرد فعمد يوسف النجار إلى حطب فجمعه حولها كالطيرة ثم أشعل فيه النار فأصابتها سخونة الوقود من كل ناحية حتى دفئت وكسر لها سبع جوزات وجدهن في خرجه فأطعمها فمن أجل ذلك توقد النصارى النار ليلة الميلاد وتلعب بالجوز.
وأقول :
ذاك من الإسرائيليات التي دسوها في بعض الكتب على حين غفلة لتهيئة النفوس لسماع ما قالوه بطعن مريم في شرفها ، وأنها حملت سفاحا ، وأصابع الاتهام اليهودية لا تشير بهذه التهمة النكراء ، إلا إلى يوسف النجار ، فهل هذه المستنقعات الأسنة يقرب رائحتها إنسان عنده مسحة من عقل أو دين ، نزه الله ساحة من اصطفاها ربها وطهرها على نساء العالمين ، في عصور الظلام المدلهم ، وتذكرنا دائما نوادر الصدوق وأمثاله بالحكمة القائلة ( لكل ساقطة في الحي لاقطة ) .
علة المشوهين في خلقهم (2)
قال الصدوق : حدثني أبي عن ابن عذافر قال جعفر الصادق : ترى هؤلاء المشوهين في خلقهم ؟ قال : قلت نعم ، قال : هم الذين يأتي آباؤهم نساءهم في الطمث .
وأقول :
وبين هذا الحديث المنسوب إلى المعصوم عندهم أن المرأة إذا أتاها زوجها خلال أيام الحيض فعلقت بجنين جاء المولود مشوها بالحول أو العمى أو التخلف العقلي إلخ .
وتلك المفاهيم من ألوان الجهل المركب ، التي اجتثها العلم الحديث الذي أثبت في أولياته ، أن البويضة لا وجود لها في الرحم خلال المحيض ، لأنه أذى يدمرها ، ولا تنزل إلا خلال أيام الطهر ، فمن أين يأتي الولد أصلاً خلال الطمث ، وذلك من دلائل الكذب والجهالات التي تجد رواجا عجيبا بينهم ، أليس فيهم رشيد.
العلة في خروج المؤمن من الكافر
وخروج الكافر من المؤمن (3)(4/29)
قال الصدوق : حدثني أبي عن بعض أصحابنا عن جعفر الصادق قال إن الله عز وجل خلق ماء عذبا خلق منه أهل طاعته ، وجعل ماء مرا خلق منه أهل معصيته ، ثم أمرهما فاختلطا ، فلولا ذلك ما ولد للمؤمن إلا مؤمنا ، ولا ولد للكافر إلا كافراً .
أقول :
هذا النص المقدس عندهم مما يؤكد عنصرية شعب الله المختار الثاني ، فهم من الطينة الحلوة والماء العذب السلسبيل ، دون سواهم من سائر البشر ، وتاريخ البشرية القديم في كل الملل والنحل ، يسجل فناء البشرية في عهد شمول الطوفان ، ويرجع البشر إلى الأصول الجديدة من أبناء نوح عليه السلام سام وحام ويافث وهم أبناء رجل واحد هو نوح عليه السلام .
ثم ألم يكن في الشعار القرآني الخالد : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) غنية عن التشبث بالماديات الفانية ، دون الباقيات الصالحات ، فهي عند ربك خير ثوابا وخير أملا .
وقد ورد في معنى الأثر الخالد : يسمع جميع الخلائق يوم الحسرة هاتفا من قبل ملك الملوك سبحانه [ أيها الناس وضعت نسبا ووضعتم نسبا ، قلت إن أكرمكم عند الله أتقاكم وأبيتم إلا أن تقولوا فلانا ابن فلان ، فاليوم أرفع نسبي ، وأضع نسبكم ] يؤكد هذا المعنى قول الحق سبحانه : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ {101} فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {102} وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ {103} ) [ سورة المؤمنون الآيات : 101 : 103]
ما زالوا يعلقون آمالهم على السراب أو ما يشبهه :(4/30)
قال تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) [ سورة العنكبوت : الآية 41] ولن يفيقوا من غرورهم الأحمق إلا يوم الحسرة والصدمة الكبرى التي يصورها قول الحق سبحانه : ( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ {23} انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {24} ) [ سورة الأنعام : الآيتان 23: 24] والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
العلة التي من أجلها تكون في المؤمنين حدة
ولا تكون في مخالفيهم
قال الصدوق حدثني أبي ، عن جعفر الصادق ، كنا عنده فذكرنا رجلا من أصحابنا فيه حدة فقال: من علامة المؤمن أن يكون فيه حدة قال فقلنا له ( جعفر ) إن عامة أصحابنا فيهم حدة ، فقال إن الله تبارك وتعالى في وقت ما ذرأهم أمر أصحاب اليمين وأنتم هم أن يدخلوا النار فدخلوها فأصابهم وهج فالحدة من ذلك الوهج وأمر أصحاب الشمال وهم مخالفوه أن يدخلوا النار فلم يفعلوا فمن ثم فلهم سمت ووقار .
وأقول :
1 ـ من معاني الحدة : سرعة الانفعال والتهور ، والغضب السريع دون رَوية أو تثبت ، وهو لون من ألوان الحماقة التي قال فيها أحد الحكماء :
لكل داء دواء يستطب به ... ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
2 ـ صدقوا مع أنفسهم في هذا الحديث خلال مقارنتهم بين المخالفين لهم أهل السنة والجماعة وبين الشيعة فأما المخالفون لهم وهم :
أهل السنة والجماعة : فلهم سمت ووقار دون حدة ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ) [ من سورة الفتح الآية : 29](4/31)
والشيعة : على النقيض من ذلك أهل حدة دون ما امتاز به خصومهم ومخالفوهم فلا سمت ولا وقار فيهم وسر ذلك رحلة سعيدة وهم في عالم الذر إلى جهنم لعلهم يثوبوا إلى رشدهم ويقلعوا عن ضلالاتهم وعمايتهم . وفي معنى الحديث الشريف : " إن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلها وهم في أصلاب آباءهم ، وخلق النار وخلق لها أهلها وهم في أصلاب آباءهم ، قالوا أفنركن إلى ذلك يا رسول الله فقال : أعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم تلا قوله تعالى ( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى {8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى {9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [ سورة الليل الآيات من 5: 10] .
علة حسن الخلق (4)
قال الصدوق عن أبي جعفر قال : إن الله عز وجل أنزل حوراء من الجنة إلى آدم فزوجها أحد ابنيه وتزوج الآخر من الجن فولدتا جميعا فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء خلق فمن بنت الجان وأنكر أن يكون زوج بنيه من بناته.
وأقول :
يكذب هذا قول الحق سبحانه في أول آية من سورة النساء ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) [ سورة النساء الآية 1]
ومن الحقائق الثابتة في أذهان الناس جميعا، وأشارت إليها كتب التاريخ القديم ، كالبداية والنهاية وغيرها ، وكتب التفسير أيضاً ، أن أمنا حواء كانت تلد توائم ذكورا وإناثا ويتزوج الابن أخته من بطن ثانية وتلك شريعة لا حرج فيها حينذاك أما القول بالحور والجان فخيالات تضحك الثكلى ، ومن باب الطرف والفكاهة : لو أن ابنا تزوج على حد قولهم جني’ أنجبت أولادا ، لصار خال ابنه : إبليس اللعين . والله المستعان .
العلة التي من أجلها أمر الله بطاعة الرسل(4/32)
والأئمة صلوات الله عليهم (5)
قال الصدوق : عن سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول إنما الطاعة لله عز وجل ولرسول الله ولولاة الأمر ، وإنما أمر بطاعة أولى الأمر لأنهم معصومون مطهرون ، ولا يأمرون بمعصية .
وأقول :
يقول العليم الخبير بعباده ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} ) . [ سورة النساء الآية: 59].
قال أفاضل العلماء : على ضوء قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " في الآية أكثر من دليل على عدم طاعة ولي الأمر إذا أمر بمعصية.
الأول : لو رفض ولي الأمر طاعة الله في حكمه وأمره ، فكأنما محا من الآية فعل الأمر الأول أطيعوا المقرون بلفظ الجلالة ، وبالتالي إذا رفض طاعة الرسول ، فكأنما محا من الآية فعل الأمر الثاني أطيعوا المقرون بالرسول ، ولا يبقى في الآية فعل أمر مستقل بطاعة ولي الأمر إذا حاد عن طاعة الله ورسوله .
الثاني : تصدرت الآية بنداء للصفوة من عباد الله ( وهم المؤمنون ) بطاعة ولي الأمر بشرط أن يكون ( منكم ) كما نصت الآية الشريفة أي من الصفوة المؤمنة ، التي لا تخرج في كل شؤونها عن طاعة الله ورسوله ، ولا شأن لهذه الآية الشريفة بمن خرجوا عن دائرة المؤمنين فلا تشملهم .
2 ـ لو كان ولي الأمر معصوما بعد رسول الله لكان له فعل أمر مستقل بطاعته في الآية الشريفة والله تعالى يقول : ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا {71}) [ سورة الأحزاب الآية 71 ] .
ويقول عز شأنه :(4/33)
( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً {49} انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا {50} ) [ سورة النساء الآيتان 49 : 50 ] .
العلة التي من أجلها سمي
النبي صلى الله عليه وسلم الأمي (6)
قال الصدوق : حدثني أبي عن جعفر بن محمد الصوفي ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الرضا ، فقلت يا ابن رسول الله لم سمي النبي الأمي؟ فقال: ما يقول الناس ؟ قلت: يزعمون أنه إنما سمي الأمي لأنه لم يحسن أن يكتب ، فقال : كذبوا عليهم لعنة الله ، أنَى ذلك والله يقول في كتابه العزيز ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن ، والله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ويكتب باثنتين أو بثلاث وسبعين لسانا ، وإنما سمي الأمي ، لأنه كان من أهل مكة ، ومكة من أمهات القرى وذلك قوله تعالى : ( لتنذر أم القرى ومن حولها ) .
وأقول :
1 ـ نزل القرآن العزيز بلسان عربي مبين غير ذي عوج وكان من مطاعن المشركين على سبيل التكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم والطعن في القرآن ببشريته ما سجله الحق سبحانه في كتابه ( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) [ سورة الفرقان الآية : 5] . فرد الله السهم في نحور المكذبين المبطلين بقوله سبحانه ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ {48} بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ {49} ) [ سورة العنكبوت الآيات من 48 : 49 ] .(4/34)
وبذلك نسفت الآية الشريفة أساس طعنهم في الرسالة والقرآن بقولهم ( اكتتبها ) وقطعت ألسنتهم بمحو الكتابة بقول تعالى : ( ولا تخطه بيمينك ) ومحو القراءة بقوله سبحانه ( وما كنت تتلو ).
2 ـ علم الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إفحام الخصم بالأسلوب العلمي الحكيم ( اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) [ سورة الأحقاف الآية : 4]
أما الشيعة فأهم أسلحتهم ، في مجال المكابرة ، الفُجر في الخصومة ، واللعن للصحب الكرام ، ومن على دربهم من شرفاء الأمة وأعلامها من أهل السنة والجماعة.
كما نلحظ في حديثهم هذا ، حجة داحضة متهافتة ، تسترها اللعنات على أمة ، محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، الذي علمنا أن لعن المؤمن كقتله ، وانه إذا لعن مسلم أخاه فقد باء بها أحدهما.
وما ضر الورود وما عليها .. ... إذا المزكوم لم يطعم شذاها
المبحث الثاني
ما يتعلق بآل بيت النبي (7)(4/35)
آل البيت وهم على الأخص علي وفاطمة وأولاده منها، وفق الحصر الشيعي ، وقد تسترت الشيعة بادعاء حبهم وموالاتهم ، وأنهم وحدهم الجديرون بذلك ، والمحافظون عليه في حياتهم وبعد مماتهم ، وسائر المسلمين في زعمهم السفيه يعادون آل البيت ويكرهونهم ، وبالغوا في ذلك مبالغات واسعة ، كان لها أثرها في القديم والحديث وربوا أولادهم على ذلك، ومن ثم غالوا في حب علي وآل بيته ، كما غالوا في كراهية من سواهم ، والحق الذي لا يشك فيه أي مسلم ، عنده بصيص من النور والعقل ، أن الشيعة أكثر الناس كراهة واستغلالا لمكانة آل البيت ، والمتاجرة بهم أحياء وأمواتا ، ويتسترون وراء ذلك، لهدم الإسلام ، والنيل من القرآن ، والطعن بالتكفير لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ذلكم الجيل الفريد الذي لن يجود الزمان بمثلهم ، ويكفرون كذلك سائر مخالفيهم ، وهذه موجة حاقدة ، وراءها الكثير من الأسباب والدوافع ، ومن خلال ما أذكره من علل واهية في هذا الكتاب ، سيدرك القارئ حقيقة الأمر ، ويرى ومضة نور جديدة في قول الحق سبحانه ( وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ) بعد قوله تعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) . [ سورة الأنفال الآية : 60] .
العلة التي من أجلها ترك
أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ مجاهدة أهل الخلاف (8)(4/36)
قال الصدوق : حدثني أبي ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر يقول : إنما سار علي بالكف عن عدوه من أجل شيعتنا ، لأنه كان يعلم أنه سيظهر عليهم بعده ، فأحب أن يقتدي به من جاء بعده ، فيسير فيهم بسيرته ، وفي موضع آخر من نفس الباب ، سئل علي بن موسى الرضا ، لَمْ يُجاهد علي أعداءه خمسا وعشرين سنة ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جاهد في أيام ولايته ؟ فقال لأنه اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاد المشركين بمكة ثلاث عشرة سنة بعد النبوة ، وبالمدينة تسعة عشر شهراً ، وذلك لقلة أعوانه عليهم ، فلما لم تبطل نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع تركه الجهاد ثلاث عشرة سنة وتسعة عشر شهراً ، كذلك لم تبطل إمامه علي رضي الله عنه ، مع تركه الجهاد خمسا وعشرين سنة ، إذ كانت العلة المانعة لهما من الجهاد واحدة.
وقد سئل جعفر الصادق عن ذلك فقال مخافة أن يرجعوا كفارا.
وأقول :(4/37)
أدعى النبوة مسيلمة الكذاب ورسول الله حي يرزق وبلغ من حماقته وفجره أن أرسل كتابا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه لذلك ممَّا كان له وقع مرير على قلوب الجميع ، وتولى خليفة رسول الله زمام الأمر ، وهيأ الجيوش لكسر أنف المرتدين ، في مشارق الجزيرة ومغاربها ، باستثناء ثلاثة بلدان : مكة والمدينة والطائف ، وكان علي رضوان الله عليه ، على رأس المجاهدين الأشاوس ، في مختلف الجبهات والمواقع ، كأشد ما يكون الرجال ، عزما وشجاعة وصبرا وما كان أبداً من المخلفين عن ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله ، كما يتهمه أعداؤه الأغبياء من الشيعة ، ومن السبع الموبقات المخزيات دنيا وأخرى : التولي يوم الزحف ، وما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد عم الإسلام الجزيرة العربية كلها ، وها هو ذا ينقشع ضياؤه ويتقهقر متقوقعا في البلدان الثلاث على يد المرتدين ، ومانعي الزكاة ، وأبو الحسن ينام في بيته لا يجاهد خمسا وعشرين سنة وهو يحفظ الوعيد النبوي الشريف [ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا ]. ألا سحقا ولعنة وخزيا على الكذابين المسيئين إلى العترة الطاهرة أبلغ الإساءات مما يذكرنا بالحكمة القائلة [ عدو عاقل خير من صديق جاهل ] .
وهم ورب الكعبة عدو جاهل جمع الخستين ، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً .
العلة التي من أجلها صار
علي بن أبي طالب قسيم الله في الجنة والنار (9)(4/38)
قال الصدوق : سئل جعفر الصادق لم صار علي بن أبي طالب قسيم الجنة والنار ، قال : لأن حبه إيمان وبغضه كفر ، وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان وخلقت النار لأهل الكفر فهو قسيم الجنة والنار لهذه العلة ، فالجنة لا يدخلها إلا أهل محبته ، والنار لا يدخلها إلا أهل بغضه ، قال المفضل فالأنبياء والأوصياء كانوا يحبونه ، وأعداؤهم كانوا يبغضونه ، وقد ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله ، وجميع المؤمنين ، كانوا لعلي محبين ، وثبت أن أعداءهم والمخالفين لهم ، كانوا لهم ولجميع أهل محبتهم مبغضين ، قلت نعم ، قال : فلا يدخل الجنة إلا من أحبه ، من الأولين والآخرين ولا يدخل النار إلا من أبغضه من الأولين والآخرين ، فهو إذاً قسيم الجنة والنار ، ورضوان ومالك صادران عن أمره ، بأمر الله تعالى ، أي ( شريك مفوض بالإدارة ) يا مفضل خذ هذا فإنه مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إلا إلى أهله ، وفي موضع آخر من نفس الباب قال : أبو عبد الله جعفر الصادق : إذا كان يوم القيامة ، وضع منبر يراه جميع الخلائق ، يقف عليه رجل ، يقوم ملك عن يمينه ، وملك عن يساره ، فينادي الذي عن يمينه ، يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب ، صاحب الجنة ، يدخل الجنة من شاء ، وينادي عن يساره ، يا معشر الخلائق ، هذا علي يدخل النار من يشاء .
وأقول :(4/39)
هذا كفر محض ، من ألوان الشرك الجلي الأكبر ، الذي لا يحتاج إلى برهان ، ولا عجب أن قال شيخ الإسلام ابن تيمية " من عرف حقيقتهم ولم يحكم بكفرهم فقد كفر " وحرم السلف الصالح من أعلام الأمة ذبائحهم ومناكحتهم ، لاكتشاف خبايا عقائدهم السرية ، وهذا الحديث من الدرر الثمينة ، التي تتوارثها الأجيال ، عن عبد الله بن سبأ اليهودي ، يجترونها أبد الدهر ، وهو من مرجحات مكانة عَلِي عندهم على محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال له ربه ( ليس لك من الأمر شيء ) ومن المرجحات أيضا المقارنات ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعقب ، وعلى أبو الريحانتين الحسن والحسين ، وزوج الزهراء وهي سيدة الأكوان عندهم لا ترقى أمها خديجة لمنزلتها ، وكيف لا وقد كان زفافها في الجنة وجبريل على اليمين ، وميكائيل على اليسار ، إلى آخر ما نقرأ من هراء المجوس المخبولين ، وما تميز إسلامنا الحنيف ، على سائر الملل والمعتقدات السائدة ، في دروب البشر ، إلا بشرف التوحيد الخالص للحق وحده ، القائل لحبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [ سورة الأعراف الآية : 188 ] .
طرفة حول هذا
ومن طرائف الذكرى ، مع هذا الحديث ، أن كلفت طالبا عندي بقراءة نصه وكان شيعيا ( وذلك خلال إعارتي لإحدى جامعات الخليج ) فصاح زميل له في ذهول وإنكار " إذن فأين الله " فأجبته بصوت عال "في عطلة بالمصيف " فجلس القوم يستغفرون الله جميعا، مخافة أن تنزل بنا صاعقة ، وذلك لإثارتهم نحو إنكار الخبل المجنون.
العلة التي من أجلها صار علي أول من يدخل الجنة (10)(4/40)
قال الصدوق: عن محمد بن الحسين بن علي بن الحسين ، عن أبيه عن جده ، عن الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنت أول من يدخل الجنة ، فقلت : يا رسول الله أدخلها قبلك ؟ قال : نعم ، إنك صاحب لوائي في الآخرة ، كما أنك صاحب لوائي في الدنيا ، وحامل اللواء هو المتقدم ، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا علي كأني بك وقد دخلت الجنة وبيدك لوائي هو لواء الحمد تحته آدم فمن دونه.
وأقول:
(1) يكذبون بعدد أنفاسهم، ومما يدفعهم في هذا المقام أن الرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، ومن صفاته الحياء الفريد ، لما نزل عليه قول الحق سبحانه ( وأما بنعمة ربك فحدث ) وقف يقطر حياء وتواضعاً وفضلاً ، ويقول : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا سيد الأولين والآخرين ولا فخر وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر وأنا أول من تفتح له أبواب الجنة ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم الدين ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع " ، مقرا ببعض ما شرفه الله به على سائر الخلائق .(4/41)
هذه المقامات التي امتن الله بها على عبده وحبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم ، تتعارض مع بضاعة الشيعة ، مثل نسبة علم الغيب للعبد ، ما كان ويكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وإذا قرؤوا قول الحق سبحانه في سورة طه ( وما كان ربك نسيا ) قالوا : وهذه أيضاً من صفات علي وبنيه لا يسهون ولا ينسون وبالتالي لا يوجد عندهم أو لا يحتاجون إلى سجود السهو في الصلاة ، مع ثبوت السهو للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإقرار أعلام شيوخهم بذلك كالصدوق الذي رد عليه بعض شيوخهم من ذوي الحوزة العلمية عندهم بقولهم ( الصدوق في هذه المسألة كذوب ) وذلك طعن في دينه عندهم ، ومن مواريثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إن الإيمان والكذب لا يجتمعان في قلب عبد أبداً ، لا سيما وقد قال الحق جل وعلا، في شأن أصل الخليقة في البشر آدم عليه السلام (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا )[ سورة طه الآية 115] .
(3) ذكر العلماء أن مركز الذاكرة في المخ ، وبه أكثر من خمسة عشر مليار خلية حية وهي الخلايا الوحيدة في الجسم الذي إذا ماتت لا تتجدد مرة أخرى ويبدأ موت بعضها من عمر عشرين سنة قال تعالى (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) [ سورة الحج الآية : 5]
(4) فهل علي وبنوه وحدهم ، كما يقول المتفكهون : من ( الجنس السوبر ) الذي لا يأخذ من الصفات البشرية إلا الصورة والجسم ، ثم يستكمل بمواصيف إلهية ، كالمسيح ابن مريم عليهما السلام ، بين النصارى أخزاهم الله ، إذ قال لهم رب العزة (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ ) [سورة المائدة الآية : 75] .(4/42)
فمن له مدخل لا بد له من مخرج ، وفيه إشارة مهذبة إلى ما لا يليق بذات الحق سبحانه، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) [سورة يونس الآية : 32]. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
العلة التي من أجلها
كان رسول الله يكثر من تقبيل فاطمة (11)
بعد ذكر السند ، قيل يا رسول الله إنك تلثم فاطمة ، وتلتجمها وتدنيها منك ، وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك ؟ فقال : إن جبريل أتاني بتفاحة من تفاح الجنة ، فأكلتها فتحولت ماء في صلبي ، ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فأنا أشم منها رائحة الجنة .
وفي موضع آخر من نفس الباب ، أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقبل فاطمة ، فقالت له : أتحبها يا رسول الله ؟ قال: أما والله لو علمت حبي لها لازددت لها حبا إنه لما عرج بي ، أخذ جبريل بيدي فأدخلني الجنة ، فإذا أنا بشجرة من نور ، أصلها ملكان يطويان الحلل والحلي ، فقلت: لمن هذه الشجرة يا جبريل ؟ فقال : هذه لأخيك علي ، وهذان الملكان يطويان له الحلل والحلي إلى يوم القيامة ، ثم تقدمت فإذا أنا برطب ألين من الزبد ، وأطيب رائحة من المسك ، وأحلى من العسل ، فأخذت رطبة فأكلها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي ، فلما أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، ففاطمة حوراء إنسية ، فإذا اشتقت إلى الجنة شممت رائحة فاطمة.
وأقول :(4/43)
كذبة جديدة للصدوق رئيس المحدثين الشيعة ، تلك وأيم الله قاصمة الظهر ، فقد قال أهل الحكمة : إذا كنت كذوبا فكن ذكورا. ومن المعلوم لدى أطفال المدارس والكتاتيب ، أن رحلة الإسراء والمعراج الربانية العجيبة ، التي شاهد فيها رسول الله الجنة وأهلها والنار وأهلها ، ورأى خلال ذلك من آيات ربه الكبرى ، كل هذا كان توقيته بعد عام الحزن وفيه ماتت الأم ـ رضي الله عنها ـ وقد ولدت فاطمة قبل الرسالة ، وبين الزواج بخديجة وعام الحزن ما يزيد على ربع قرن من الزمان، والأنثى لا تلد بعد سن اليأس إلا بمعجزة ربانية ، كما ثبت ذلك لسارة زوج الخليل إبراهيم التي كانت عجوزا عقيما بخلاف خديجة ـ رضي الله عنها ـ ولدي مجلدات شيعية كثيرة خاصة ، تعج بمثل هذه البلاهات ، التي لا تنطلي إلا على من غيب الله عقولهم ، وأعمى بصائرهم ، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
العلة التي من أجلها أمر خالد بن الوليد
بقتل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما (12)(4/44)
عن جعفر الصادق قال : لما منع أبو بكر فاطمة ـ رضي الله عنهما ـ فدكَ ، وناقشه علي في ذلك حتى بكى أبو بكر ، فلما رجع إلى منزله بعث إلى عمر بن الخطاب فقال: ويحك يا ابن الخطاب ، أما رأيت عليا وما فعل بنا ، والله لئن قعد مقعدا آخر ليفسدن هذا الأمر علينا ، ولا نهنأ بشيء منه ما دام حيَّا ، قال عمر : ما له إلا خالد بن الوليد ، فبعثوا إليه قال أبو بكر : نريد أن نحملك على أمر عظيم ، قال : احملني على ما شئت ولو على قتل علي ، قال: فهو قتل علي ، قال: فَصِرْ بجنبه ، فإذا أنا سلمت فاضرب عنقه ، فلما أراد أن يسلم لم يسلم وقال: يا خالد لا تفعل ما أمرتك به ، ثم سلم فقال علي : ما هذا الذي أمرك به ، قال : أمرني بضرب عنقك ، وإنما أمرني بعد التسليم ، فقال أوكنت فاعلاً ؟ قال: إني والله لو لم ينهني لفعلت ، قال : فقام علي ، وأخذ بمجامع ثوب خالد، ثم ضرب بها الحائط ، وقال لعمر : والله لولا عهد من رسول الله وكتاب من الله سبق ، لعلمت أينا أضعف جندا أو أقل عدداً (13)
مع بالغ العجب لاعتقاد الشيعة بإيمان أبي طالب وكفر أبي بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم .
وأقول :
(1) إساءة بالغة في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم ، تنبئ عن فشله في تربية تلاميذه ونسائه ، كما يبذل شيوخ الشيعة قصارى جهدهم ، لترسيخ هذه المقولة في أدمغة المغفلين من ضحاياهم ، وبموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، ارتدت الجزيرة العربية كلها إلا ثلاث بلاد ، مكة والمدينة والطائف ، فمن الذي قاتل مسيلمة وأضرابه ، وحارب المرتدين ، وثبت قواعد الدين ، ورفع ألويته في مشارق الأرض ومغاربها ، في صورة لم تر الإنسانية لها مثيلاً أو نظيرا ، إلا في خيال الشعراء والفلاسفة ، حول مدينتهم الفاضلة .(4/45)
(2) هل كان الأبطال الصناديد خلال ذلك فرسان قمم ومشهد أكلة الخمس من الزكاة في دينهم ، ذوو العمائم السوداء ، والبطون الضخمة ، أم قام بهذا الجهاد الخالد ، الملائكة ؟! أم الصحابة الذين نجح النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أشرف نجاح ، في حسن تربيتهم وصقلهم ؟ حتى كانوا بحق نعم التلاميذ ، والأبناء البررة الأوفياء ، والجنود الصامدون ، لنعم المعلم ، والأب الأجل ، والمربي الناجح ، والقائد العظيم ، وخير نموذج تعتز به الأمة ، إلى يوم القيامة ، خالد وعلي وأمثالهما ـ رضي الله عنهم ـ أجمعين .
استعلام عن حقيقة ثابتة
ولمتسائل أن يقول : من النائب عنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة حين المرض أبو بكر أم علي ؟
قال الصدوق :
العلة التي من أجلها سد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأبواب كلها التي في المسجد وترك باب علي ( 14)
ويوضح الصدوق : لما سد رسول الله الأبواب الشارعة إلى المسجد ، إلا باب علي ، ضد أصحابه من ذلك ، وقالوا يا رسول الله ، لم سددت أبوابنا وتركت باب هذا الغلام (15) فقال : إن الله تبارك وتعالى أمرني بسد أبوابكم ، فإنما أنا متبع لما يوحى إلي من ربي ، وجاء فيه أن رسول الله خطب الناس فقال : إن الله عز وجل ، أمر موسى وهارون أن يبنيا لقومهما بمصر بيوتا ، وأمرهما ألا يبيت في مسجدهما جنب ، ولا يقرب فيه النساء إلا هارون وذريته ، وإن عليا منى بمنزلة هارون من موسى فلا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجدي ولا يبيت فيه إلا علي وذريته ، فمن ساءه ذلك فهاهنا ، وضرب بيده نحو الشام .
وأقول :(4/46)
لعل هناك رباط مستتر في أعماق الشيعة بين علي وهارون وموسى دون سائر الأنبياء والمرسلين وكان قومه من ألعن البشر وقد مات في عصر التيه ولم يعلم له قبر أو مدفن كما تنص على ذلك كتبهم ، ولم تثبت الآثار أن لهما مسجدا في مصر ، أو في صحراء التيه ، ولعل هذا من بصمات الحاخام المؤسس ، عبد الله بن سبأ ، وهم لا ينكرون أن الرسول بنفسه قدم أبا بكر لينوب عنه في الدين ، ويؤم الأمة في الصلاة ، أفلا يكون تقديمه في الدنيا أدنى درجة وأولى ، قد لا يعدمون مخرجا من هذا المأزق ، بطعن فاحش في رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، أنه ميال لعائشة ، وألعوبة في يدها تسيره كيف تشاء ، وليس هذا من شيم الرجل الكامل ، فضلاً عن سيد الخلق صلى الله تعالى عليه وسلم وآله وصحبه ، والفُجر في الخصومة ، والكذب على الله تعالى ورسوله ، من ثوابت أخلاقهم ، معتمدين في ذلك على الإفادة القرآنية ، بأن أكثر الناس لا يعقلون وأكثرهم لا يفقهون ولا يعلمون ولا يؤمنون (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) [سورة يوسف الآية 106] .
فإذا صادفوا سوقا رائجة مع بُلَهاء الأعاجم ، بفضل إغراقهم في الشهوات ، بنكاح المتعة وأدبار النساء إلخ، ثم ينعم كبراؤهم بالنفط والأخماس وولاية الفقيه الجديدة في دينهم ، فبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ، وللحق جنوده من صفوة الرجال الصادقين إلى يوم القيامة ، يقول الحق سبحانه (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) [ من سورة الأنعام الآية : 89 ] . فأنعم بمن وكل وزكى واختار ، وأنعم بمن وكلهم وشرفهم ، للذود عن شرف الإسلام ، ووحدة الأمة والدين ، ولله در أمير الشعراء في قوله :
الحق عرض الله كلُّ أبية ... بين النفوس حمًى له وفداء.
العلة التي من أجلها سار أمير المؤمنين علي
بالمن والكف ويسير القائم بالبسط والسير (16)(4/47)
سئل جعفر الصادق : أيسير القائم بخلاف سيرة أمير المؤمنين ؟ فقال : نعم ، وذلك أن عليا سار فيهم بالمن والكف ، لأنه علم أن شيعته سيظهر عليهم عدوهم من بعده ، وأن القائم إذا قام ، سار فيهم بالبسط والسير ، وذلك أنه يعلم أن شيعته لن يظهر عليهم من بعده أبداً .
وأقول :
تكشف هذه الأحاديث ، عما في بواطن القوم من حقد على المسلمين ، وعداوة ، لا يرقى إليها إلا اليهود ، الذين ابتكر كبيرهم ابن سبأ هذا الدين الجديد ليزرعه كخلية سرطانية ، في جسد خير أمة أُخرجت للناس ، تأكل نار الغيظ قلوبهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وجمهرة الأمة من أهل السنة والجماعة ، حملت عصابة منهم بعض المتفجرات إلى الحرم الشريف بمكة ، تحت ستار أدائهم الحج ، منذ بضع سنين، وتم لهم ما أرادوا ، فضربت أعناقهم جميعاً ، وفضحهم الله على رؤوس الخلائق ، ولا زالوا يجترون الأمل في خروج الوهم المنتظر ، ليضرب أعناق مائة من الصحابة الأماجد كل صباح كوجبة إفطار له يوميا ، بعد أن يحييهم الله له ، ليطفئ نار حقدهم ونحيبهم ، على حائط مبكاهم ( استشهاد سيد شباب أهل الجنة ) فاللهم لطفك بأمة حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم من نعيقهم ودسائسهم وكيدهم الذي لا يرده في نحورهم سواك ، إنك نعم المولى ونعم النصير .
العلة التي من أجلها يقتل القائم (17) ذراري
قتلة الحسين بفعال آبائهم (18)(4/48)
سئل موسى الرضا : يا ابن رسول الله ، ما تقول في حديث روي عن جعفر الصادق أنه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين ، بفعال أبائهم ، فقال الرضا هو كذلك ، فقلت فقوله تعالى (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [ سورة فاطر : الآية : 18] . ما معناه فقال صدق الله في جميع أقواله ، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم ، ويفتخرون بها ، ومن رضي شيئا كان كمن أتاه ، ولو أن رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب ، لكان الراضي عند الله شريك القاتل ، وإنما يقتلهم القائم إذا خرج ، لرضاهم بفعل أبائهم ، قال فقلت : له أي شيء يبدأ القائم فيهم إذا قام ؟ قال : يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ، لأنهم سراق بيت الله .
وأقول :(4/49)
من الأحكام الشرعية الغريبة ، الخاصة بالشيعة واليهود دون سائر أجناس البشر ، وسائر الملل والعقائد ( حل قتل أطفال المسلمين من أهل السنة والجماعة ) ولو في أيامهم الأولى ، ولا تعوزهم الحيلة في استخراج دليل من القرآن ، يزكي فضائحهم ، ويجعلها حلال زلالا فقد قال تعالى على لسان نوح عليه السلام (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا {26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا {27}) [ سورة نوح الآيتان 26، 27] متجاهلين أن ذلك كان بعد أن لبث فيهم دهورا طويلة ، وأخبره الله بقوله سبحانه (لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [ سورة هود الآية : 36] . ولعل الجديد هنا ، يتمثل في ثأر ابن سبأ اليهودي ، من قتل أطفال بني إسرائيل صغاراً بمصر ، على يد فرعون ، فشرع لأتباعه هذا الحكم الشاذ ، المناقض للعقل والدين ، وسائر الملل والقيم الإنسانية ، وبنو شيبة هم الذين سلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه مفاتيح الكعبة بيده الشريفة وبين أنه لا يسلبهم حقهم هذا إلا ظالم جائر.
العلة التي من أجلها
سمي أبو عبد الله جعفر بن محمد بالصادق (19)
في السند عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسموه الصادق فإنه سيكون في ولده سمي له يدعي الإمامة بغير حقها وسمى كذابا.
وأقول :(4/50)
هذا الحديث الثابت عندهم ، يؤكد حقيقة شرعية ثابتة ، لدى العلماء من أهل السنة والجماعة ، أن الولاية والحكمة ، والمنح الربانية ، ليست كسَقط المتاع ، حكرا على عنصر أو أعراق ، أو بيوت بعينها تتوارثها ، بل ذاك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وإلا لما خرج أمثال جعفر الكذاب من هذا البيت ، وأمثاله اليوم كثيرون من الأدعياء ، وقد حطم رسول الله هذه الفرية ، مقدما في لقائه الشريف مع أقرب الأقرباء ، ومما يفهم من ذلك ( يا فاطمة ابنة محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا، يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، لا يأتيني الناس بالأفعال وتأتوني بالأنساب ) لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى أو عمل صالح.
علة الغيبة (20)
عن جعفر الصادق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بد للغلام من غيبة فقيل له: ولم يا رسول الله ؟ قال : يخاف القتل ( وفي الباب أيضاً ) قال : جعفر الصادق إن في القائم سنة من يوسف ، قيل كأنك تذكر خبره أو غيبه ، قال وما تنكر من هذه الأمة ، أشباه الخنازير ، أن إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء ، تاجروا بيوسف وباعوه ، وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم ، فلم يعرفوه حتى قال لهم أنا يوسف ، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يكون الله عز وجل في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجته ، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله قد فعل بحجته ما فعل بيوسف ، وأن يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم ، وهم لا يعرفونه، حتى يأذن الله أن يعرفهم بنفسه كما أذن ليوسف .
وأقول :(4/51)
صدق الله في قوله سبحانه : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشَْرَكُوا ) [ سورة المائدة الآية : 82 ] يفضحون في هذا الحديث ما يكنونه في قلوبهم نحو خير أمة أخرجت للناس فيصفونها قبح الله وجهم في الدارين بقولهم مرة : ( هذه الأمة أشباه الخنازير ) ومرة أخرى ( هذه الأمة الملعونة ) وقد فضحهم الله عز وجل وعشيرتهم وأمثالهم ، من الأدعياء الكذابين بقوله سبحانه : (هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) [ سورة آل عمران الآية : 119] . وليس في القرآن الكريم كله ، ولا في الصحيحين جميعا كلمة واحدة تؤارز أكاذيبهم وخيالاتهم السقيمة في الوهم المنتظر وغيره.
دفاع الله عن أهل المعاصي (21)
عن جعفر الصادق ، عن أبيه الباقر ، عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عز وجل ، إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي ، وفيها ثلاث نفر من المؤمنين ، ناداهم جل جلاله ، يا أهل معصيتي ، لولا فيكم من المؤمنين المتحابين بجلالي ، العامرين بصلاتهم أرضي ومساجدي ، المستغفرين بالأسحار خوفا مني ، لأنزلت بكم عذابي ثم لا أبالي ) ينسى ما قاله بالأمس ، والهوى لا يعرف التوسط في الأمور ، حيث لا ثوابت قاطعة، فهم على طرفي نقيض ، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [ سورة القصص الآية : 50 ] ، " يتعارض مع ما جاء في ص 492 باب 242 ، 243 من كتاب علل الشرايع للصدوق .
ـــــــــــ
هوامش الفصل الثاني(4/52)
(1) من علل الشرائع للشيخ الصدوق ـ تأليف / الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، المتوفى سنة 381 هـ . ( ص 79 ).
(2) المرجع السابق ص (82)
(3) المرجع السابق (ص 82)
(4) من علل الشرائع للشيخ الصدوق ـ تأليف / الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، المتوفى سنة 381 هـ . ( ص 103)
(5) المرجع السابق ( ص 123 ).
(6) المرجع السابق ( ص: 124 ).
(7) المرجع السابق ( ص: 145).
(8) المرجع السابق ( ص : 146 ).
(9) المرجع السابق ( ص : 146 ).
(10) المرجع السابق ( ص : 172 ).
(11) المرجع السابق ( ص : 183 ).
(12) المرجع السابق ( ص : 190 ).
(13) ما يدعيه الروافض أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بتفاحة من الجنة فأكلها فجاءت السيدة فاطمة ـ رضي الله عنها ـ من تلك التفاحة . كذب لا أصل له ؛ لأن مدة الوحي ثلاث وعشرون سنة ، والسيدة فاطمة توفيت بعده صلى الله عليه وسلم بستة أشهر ، وعمرها ثلاثون سنة ، وقد ولدت قبل البعثة بسبعة سنين ، وما عرف حينذاك جبريل ، وما كان يدري ما الكتاب ، ولا الإيمان ، فقصة التفاحة أكذوبة شيعية غبية ، لا يعرف واضعوها عن الحساب والتواريخ شيئاً . " أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب للبيروني ص 286".
(14) المرجع السابق:( ص : 210).
(15) يطلق لفظ الغلام عادة عند العرب على من دون العاشرة ، هو أقل من الفتى والشاب ، وكان الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ يمتطيان ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم جدهما ، وهو ساجد وأبوهما صهر رسول الله ، ولا يقبل كريم أن يهان صهره بإطلاق لفظ غلام التي تفيد التصغير للتحقير ، فضلاً عن أشرف خلق الله ، وهذه الأكذوبة العمياء سهمها اليهودي مصوب بطريق غير مباشر لينال من شرف وقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(16) المرجع السابق ( ص : 210 )
(17) المرجع السابق ( ص : 229 ).
(18) القائم أي المهدي المنتظر عندهم.(4/53)
(19) المرجع السابق (ص: 234 ).
(20) المرجع السابق (ص: 243 ).
(21) المرجع السابق (ص:246 ).
الفصل الثالث
ما يتعلق بالعبادات
المبحث الأول : قسم الطهارة
علة الغائط ونتنه (1)
عن جعفر الصادق ، عن أبية الباقر ، قال: سئل أبي عن الغائط ، فقال : تصغير لابن آدم ، لكي لا يتكبر وهو يحمل غائطه ، ( وفي الباب ) سئل أبو جعفر محمد بن علي بن موسى، عن الغائط ونتنه ، قال : إن الله عز وجل خلق آدم وكان جسده طيبا ، وبقي أربعين سنة ملقيا ، تمر به الملائكة فتقول : لأمر ما خلقت وكان إبليس يدخل من فيه ويخرج من دبره ، فلذلك صار ما في جوف آدم منتنا ، خبيثا غير طيب.
وأقول :(4/54)
مجددا ومذكرا بالصبغة الغالبة على الشيعة ، الكذب الصريح الدائم على الجميع ، ويضعون الحديث كذبا وزورا على آل البيت، الذين طهر الله ساحتهم من سفاسف الأمور وأخسها ، لا سيما الكذب الذي لا يرضاه إنسان عاقل لنفسه ، أيا كان مذهبه ، والغائط هو حاجة بيولوجية طبيعية زائدة عن جسم الإنسان ، لو حبست فيه أكثر من المعتاد أودت بحياته وخروجها نعمة من نعم الله يشكر المسلم عليها ربه بعد الفراغ منها ، فيقول كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خرج من الغائط قال : الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ، غفرانك ، وهل انتهى التكبر من البشر ، وهم جميعاً يتغطون ؟ لا !! ولكن الذي يذهب الكبر هو الإيمان الحق بالله تعالى وبرسوله ، وإدراك الأشياء على طبيعتها، ثم ما علاقة قبح رائحة الغائط بما قالوه من أن إبليس دخل من فم آدم ثم خرج من دبره ، وهل خلق الله آدم ليعبث به إبليس وآدم نبي مكلم معصوم ، اصطفاه مولاه ، قال تعالى : (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) [ سورة آل عمران الآية : 33] . إن مرد الأمر إلى الوظائف العامة للجهاز الهضمي في جسم الإنسان ، وامتصاص الجسم فوائد الطعام وحاجته ، ثم يلفظ الباقي عن طريق الجهاز البولي والأمعاء ، وصدق القائل :
وكم من عائب قولا صحيحا ... ... وآفته من الفهم السقيم(4/55)
لا سيما وقد قال الحق جل وعلا ، للملعون الأكبر إبليس ، بعد أن قال لمولاه سبحانه : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {82} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ {83} ) [ سورة ص الآيتان 82، 83 ] . فأجابه الحق (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ {41} إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ {42}) [ سورة الحجر الآيتان 41، 42 ] وهل ينسجم مثل هذا العبث الشيطاني بأبي البشر عليه السلام مع قول الحق سبحانه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) [ سورة المؤمنون الآية : 115] و قوله (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى {36} ) [ سورة القيامة الآية : 36].
العلة التي من أجلها لا يجوز للحائض أن تختضب (2)
عن أبي عبد الله جعفر الصادق سئل عن الحائض هل تختضب ؟ قال لا لأنه يخاف عليها من الشيطان ـ فصل العبادات ـ قسم الطهارة وجاء في ص 292 باب 220.
آداب الحمام
عن جعفر الصادق قال إياك والسواك في الحمام فإنه يورث وباء الأسنان ، وإياك أن تغسل رأسك بالطيب ، فإنه يسمج الوجه ، وإياك أن تغتسل من غسالة الحمام ففيها يجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي ، والناصب لنا آل البيت وهو شرهم ، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وإن الناصب لنا أهل البيت أنجس منه .
وأقول :
(1) من بصمات اليهودي ابن السوداء ما أشار إليه الحق سبحانه بقوله عز شأنه : (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا {160}) [ سورة النساء الآية 160 ] .(4/56)
والبراهين على الحرمان من الطيبات لدى الشيعة كثيرة ، منها مثلاً في هذا الحديث الخضاب للحائض ، والسواك في الحمام ، والطيب في غسل الرأس ، ونجاسة حوض السباحة الكبير لنزول السني فيه ، لأنه ألعن شيء نجس على وجه الأرض ، ومنها تحريم الأرنب ، والأسماك التي لا قشر عليها ، مثل الحوت والثعبان البحري وغيره ، وكذلك ذبائح أهل السنة والجماعة غير حلال عندهم ، وذبائحهم عندنا أيضا غير حلال لشركهم .
(2) من ظواهر الحماقة العمياء ، المصادمة للهدي النبوي الأصيل في السواك ، وتأكيد الوصايا به ، لا سيما عند الوضوء ، وعند الصلاة والقرآن والعلم ، وأنه مطهرة للفم مرضاة للرب ، ولم يزل جبريل يوصيه بالسواك حتى ظن أنه يحفي فمه ، ويأتي شيخ الروافض فينسب إلى حفيد رسول الله جعفر الصادق ، أنه حذر من السواك في الحمام ، لأنه يورث الشيعة وباء الأسنان ، وقد متعني الله شيخا بأسنان كاملة نظيفة قوية ، ببركة الالتزام بالسنة في المواظبة على السواك ، وتخليل الأسنان ، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله.
العلة التي من أجلها لا يجوز الكلام على الخلاء(3)
قال جعفر الصادق : لا تتكلم على الخلاء فإن من تكلم على الخلاء لم يقض له حاجة ، وعن الحسن الرضا ، أنه قال : نهى رسول الله أن يجيب الرجل أحدا وهو على الغائط ويكلمه حتى يفرغ . وفي باب ( 202) العلة التي من أجلها يجوز أن يقول المتغوط وهو على الخلاء كما يقول المؤذن ويذكر الله . قال جعفر الصادق إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثلما يقول المؤذن ، ولا تدع ذكر الله في تلك الحالة ، لأن ذكر الله حسن على كل حال ، ثم قال لما ناجى الله تعالى موسى ، قال موسى: يا رب ، أبعيد أنت مني فأناديك ، أم قريب فأناجيك ؟ فأوحى الله إليه: يا موسى أنا جليس من ذكرني ، فقال موسى: يا رب إني أكون في حال أجلك أن أذكرك فيها، فقال يا موسى اذكرني على كل حال.
أقول :(4/57)
إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التكلم على الخلاء ، ولكن المراد بالكلام المنهي عنه ذكر الله ، أو قراءة شيء ولو يسير من القرآن ، أما باقي الكلام خاصة إجابة المنادي أو الرد اليسير فلا بأس به ، لكنهم هنا يقولون عجبا أنه إذا تكلم لم تقض حاجته ، يحبسها الكلام عقوبة له ونكاية فيه . والأعجب من ذلك أنهم أباحوا الكلام حتى ولو كان ذكر الله في الحالة التي لا يليق بالإنسان أن يذكر ربه فيها جهرا كالمتغوط وغيره وقد جاء عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل حال ـ رواه مسلم ، ويقول الإمام الصنعاني في سبل السلام ص 71 إن الحديث مقرر للأصل والغالب ، والمراد بكل أحيانه معظمها ، إذ جاءت أحاديث أخرى تخصص هذا الحديث ، بالنهي عن الذكر في حالات الغائط والبول والجماع، وذلك لعظمة الله وقداسته التي لا يليق أن تذكر في هذه الأوضاع إلا في القلب أو في حدود المأثور مثل ( اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ) وهكذا نجد التناقض والتضارب في فكرهم ومعتقداتهم ، يمنعون الأمر ويبيحونه في آن واحد ، [ إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ] .
العلة التي من أجلها يغسل الثوب
من لبن الجارية وبولها ولا يغسل من لبن الغلام وبوله(4)
عن جعفر الصادق عن أبيه الباقر أن عليا قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم لأن لبنها يخرج من مثانة أمها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم ، لأن لبن الغلام يخرج من المنكبين والعضدين.
وأقول :(4/58)
هذا هراء يضحك الثكلى ، ويستخف بعقول الأغبياء ، من المقتنيات العلمية لصدوقهم الأوحد ، رئيس المحدثين الشيعة ، ويحوي بكل أسى وأسف ، إساءة بالغة إلى اسم أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ وهو من علمهم وفكرهم براء ومن طريف المصادفة ، أن رزقني الله بطفلين توأم ذكر وأنثى ، ترضعهما أمهما معا ، أو بالتناوب من ثدي واحد ، فهل تتغير مصادر اللبن للطفلة من مثانة أمها ومجرى البول ، وللطفل من المنكبين والعضدين عند كل رضعة تلقائيا ( إلكترونيا ) ، أم بمقتضى التطور العلمي الحديث ، قد تحتاج إلى محول مساعد ، يعمل بما يعرف باسم ( الريموت كنترول ) ، فهل تستطيع الثكلى أن تكتم ضحكها ، من هذه العلوم اللدنية ، وشر البلية ما يضحك.
المبحث الثاني : قسم الصلاة
العلة التي من أجلها
يكبر على الميت خمس تكبيرات (5)
عن جعفر الصادق قال لأحد أصحابه أتدري كم الصلاة على الميت ؟ قال : لا ، قال : خمس تكبيرات ، قال : أفتدري من أين أخذت ؟ قلت : لا ، قال : أخذت الخمس من الخمس صلوات من كل صلاة تكبيرة .
العلة التي من أجلها يكبر المخالفون على الميت أربع تكبيرات .
سئل جعفر الصادق ؟ لأي علة يكبر على الميت خمس تكبيرات ويكبر مخالفونا بأربع تكبيرات، قال : لأن الدعائم التي بني عليها الإسلام خمس ، الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية لنا أهل البيت ، فجعل الله عز وجل للميت من كل دعامة تكبيرة، وأنكم أقررتم بالخمس كلها ، وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة ، فمن ذاك يكبرون على موتاهم أربع تكبيرات ، وتكبرون خمسا.
وأقول :(4/59)
لقد جاؤوا بتفانين وأفكار غريبة في كل شيء ، حتى الموت ، فيرون ألاَّ يغسل الكافر وتوسعوا في مفهوم الكفار ، حتى حكموا بكفر كثير من المسلمين غير الإمامية ، وفي تلقين الميت مع تلقين الشهادتين يضيفون الإقرار بالأئمة ، ومن تعصبهم وضلالهم ، تفضيلهم بقعة بالعراق والدفن فيها ، على غيرها من بقاع الأرض وقد كتب أحد كبار علمائهم وهو الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء رسالة بعنوان الأرض والتربة الحسينية جاء فيها " لا يبعد أن تكون تربة العراق على الإجمالي من أطيب بقاع الأرض ، في دماثة طينتها وسعة سهولها ، وكثرة أشجارها ونخيلها وجريان الرافدين عليها" ومن حديث كربلاء والكعبة : لكربلاء ذات علو الرتبة ، وفي هذا تفضيل لأرض العراق لدفن الحسين فيها ، على أرض الحجاز التي وارت جثمان النبي الكريم ، وتفضيل كربلاء على الكعبة المشرفة، كما أنهم فضلوا الحسين على النبي صلى الله عليه وسلم . وبلغ بهم التعصب مداه في مثل هذا الموطن ، إذ إنهم فرقوا بين المسلمين ، بأن جعلوا منهم كفاراً أخطر ممن عداهم ، يحتقرونهم في كل شيء ، حتى في صلاة الجنازة ، بأن جعلوا التكبير عليهم أربعاً ، وأنهم هم المسلمون لا بد وأن يكبروا على موتاهم خمسا ، لكمال إيمانهم بأركان الدين كاملة ، ومنها الركن الأعظم وهو الولاية الذي أنكره الجميع غيرهم والثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على الميت أربعاً ، وختم حياته على ذلك إذ قد اختلف الصحابة ذات مرة في عدد التكبيرات، فقال لهم عمر ـ رضي الله عنه ـ انظروا آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوا بذلك فوجدوه صلى على امرأة فكبر عليها أربعاً ، فاتفقوا على ذلك، وكأن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة من سائر الصلوات إذ ليس في المكتوبات خمس ركعات قط.
العلة التي من أجلها يكره المشي أمام جنازة المخالف(6)(4/60)
سئل جعفر الصادق كيف أصنع إذا خرجت مع الجنازة أمشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها ؟ قال : إن كان مخالفا فلا تمش أمامه فإن ملائكة العذاب يستقبلونه بألوان العذاب.
وأقول :
يقصد بالمخالفين أهل السنة والجماعة الذين يلاحقونهم بالحقد وروح التشفي حتى وهم أموات، ولا نجد هذه الحساسية في نفوسهم نحو اليهود والنصارى ، وإذكاء نار البغض بهذه الدرجة ، يذكرنا بقبس من معجزات الدستور الخالد ، القرآن الكريم في قول الحق سبحانه ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ) [ سورة المائدة : الآية 82 ] . وهم يؤلهون ابن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وكيف لا وهو قسيم الله في الجنة والنار ومالك ورضوان يأتمران بأمره ، أو بعد هذا من شرك محض صريح ، وذلك قدرنا معهم ، أبعدهم الله تعالى ، يقول الحق جل وعلا : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [ سورة الزمر الآية : 67 ] .
علل الوضوء والأذان والصلاة (7)(4/61)
عن عمر بن أذينة عن جعفر الصادق أنه حضروه فقال: يا عمر ما ترى هذه الناصبة في أذانهم وصلاتهم فقلت : جعلت فداك إنهم يقولون إن أُبَيَّ بن كعب الأنصاري رآه في النوم ، فقال: كذبوا والله ، إن الله أعز من أن يرى في النوم ، قال جعفر : إن الله عرج بنبيه إلى سمائه ، وفي الرابعة سمع دويا كأنه في الصدور واجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء وخرجت إليه معانقين فقال جبريل حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حلي على الفلاح فقالت الملائكة صوتين مقرونين ، بمحمد تقوم الصلاة، وبعلي الفلاح ، فقال جبريل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقالت الملائكة : هي لشيعته أقاموها إلى يوم القيامة ، ثم اجتمعت الملائكة فقالوا للنبي : أين تركت أخاك وكيف هو ، فقال لهم : أتعرفونه فقالوا نعم نعرفه وشيعته ، وهو نور حول عرش الله ، وإن في البيت المعمور لرقا من نور فيه كتاب من نور فيه اسم محمد وعلي والحسن والحسين والأئمة وشيعتهم لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص فيهم رجل ، إنه لميثاقنا الذي أخذ علينا ، وإنه ليُقرأ علينا في كل يوم جمعة إلخ ( 312 : 316 )
وأقول :(4/62)
الناصبة في عرف الشيعة كل من رضي ببيعة أبي بكر وصاحبيه ، قبل علي رضوان الله عليهم أجمعين ، والناصبة ألعن الكفار على الإطلاق ، لبغضهم للشيعة اللعانين للصحابة الأطهار ، والشيعة يتعبدون بالكذب ، ويسمونه التَّقِِيَّة ، واستشهاد سيد شباب أهل الجنة الحسين رضوان الله عليه يَرْكُلُ تَقِيتهم ، فهم الذين سعوا إليه وعاهدوه ، ثم خذلوه وأسلموه ، ويطلقون على خير أمة أخرجت للناس ، كما سماها الله ووصفها في قرآنه الخالد ( الأمة الملعونة ) وقد ألزموا أنفسهم بقاعدة شرعية ، أصيلة في دينهم تقول : ( الرشد في خلافهم ) أي في خلاف الأمة الملعونة أهل السنة والجماعة ، اختلفوا عن جماعة المسلمين في كل شيء بدءا من القرآن والسنة وأركان الإسلام والإيمان حتى يوم عرفة فهم دوما يسبقون أو يتأخرون يوما عن إجماع الأمة وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمته لا تجتمع على ضلالة. وأن من خرج على الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.
وقد أسمعت إذ ناديت حيا ... ... ولكن لا حياة لمن تنادي(4/63)
لأن الحق سبحانه يقول (وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {41} سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) [ سورة المائدة الآيتان 41، 42 ] . وقضية الأذان حسمها مجلس يرؤسه المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد رأى أكثر من واحد من الصحابة ، أصوات الأذان يرددها أحد الرجال في المنام ، فاختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بتلقينها بلالا وابن أم مكتوم ، وعليها سارت قافلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، وشياطين الإنس والجن يتغيظون من كلمات الأذان خمس مرات ، فشياطين الجن يولون ولهم ضراط لتغطية أصوات المؤذنين ، وشياطين الإنس قال لنا الحق جل وعلا في شأنهم ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ) [ سورة المائدة الآية : 58] . فإلى أي الطائفتين ينتمي هؤلاء الخبثاء المكابرون ، أبعدهم الله تعالى ، وبأي حديث بعده يؤمنون .
العلة التي من أجلها فرض الله الصلاة(8)
قال هشام بن الحكم سألت جعفر الصادق عن علة الصلاة، فإن فيها مشغلةًً للناس عن حوائجهم ، ومتعبة لهم في أبدانهم قال : فيها علل وذلك أن الناس لو تركوا بغير تنبيه وتذكر للنبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من الخبر الأول وبقاء الكتاب في أيديهم فقط ، لكانوا على ما كان عليه الأولون ، فإنهم قد كانوا اتخذوا دينا ووضعوا كتابا ودعوا أناسا إلى ما هم عليه وقاتلوهم على ذلك ، فدرس أمرهم وذهب حيث ذهبوا ، وأراد الله ألا ينسيهم أمر محمد ، ففرض عليهم الصلاة ، يذكرونه في كل يوم خمس مرات ، ينادونه باسمه ، وتعبدوا بالصلاة وذكر الله لكي لا يغفلوا عنه ، وينسوه فيندرس ذكره.
وأقول :(4/64)
نزه الله ساحة جعفر بن محمد ـ رضي الله عنه ـ عما يقوله الأفاكون ، وإذا كانت العلة في الصلاة لتذكر النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه فقد قال له مولاه عز وجل : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [ سورة طه الآية : 14 ] .
( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [ سورة الذاريات الآيات : 56: 58 ] ، وقد فرض الله على رسوله خاصة قيام الليل وصلاتي الضحى والأضحى ، وثبت أنه كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ليحظى بشرف كمال العبودية والشكر أما أن يمثل المؤمن بين يدي مولاه ليتذكر من دونه ولو كان حبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم فتلك وايم الله كارثة الشرك الأكبر وقد وصف الله عباده السعداء بقوله سبحانه ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ) [ سورة الفرقان الآية : 64 ] . ، وقد علمنا المصطفى أن من دعاء الاستفتاح للصلاة عقب تكبيرة الإحرام أن يقول المؤمن وهو يوجه قلبه لبارئه : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
( مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {74}) [ سورة الحج الآية : 74 ] .
وقد ذكرتني عمليات اللئام وشر البلية ما يضحك بقول شاعر عربيد خلال نوبة سكره في شأن خليلته مدعيا الصلاة في محرابها:
أصلي فأبكي في الصلاة لذكرها ... ... لي الويل مما يكتب الملكان
حلفت لها ألا أهيم بغيرها ... ... وقد وثقَت مني بغيرِ ضمان
علة مد العنق في الركوع(4/65)
قال رجل لأمير المؤمنين : يا ابن عم خير خلق الله ما معنى رفع يديك في التكبيرة الأولى ؟ فقال : الله أكبر يعني الواحد الأحد ، قال الرجل : ما معنى مد عنقك في الركوع قال : تأويله آمنت بوحدانيتك ولو ضربت عنقي .
الرخصة في الجمع بين الصلاتين(9)
عن جعفر الصادق قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علة ولا سبب ، فقال له عمر ، وكان أجرأ القوم عليه ، أحدث في الصلاة شيء ، قال لا ولكن أردت أن أوسع على أمتي ، وعنه قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس ، في جماعة من غير علة ، وصلى بهم المغرب والعشاء ، بعد سقوط الشفق ، من غير علة في جماعة ، وإنما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته ) وذلك لتبرير أن أوقات الصلاة عند الشيعة ثلاثة لا خمسة كأهل السنة والجماعة ، وما ورد من الأحاديث في هذا الشأن يفيد جواز الجمع بين صلاتي النهار وصلاتي الليل إذا خَيف الوقوع في الحرج وليس كما يفعل الشيعة.
العلة التي من أجلها لا تقصير
في صلاة المغرب ونوافلها في السفر والحضر(10)
أسند أبو محمد العلوي الدينوري إلى جعفر الصادق قال: قلت له: لم صارت المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها ليس فيها تقصير في حضر ولا سفر ؟ فقال إن الله عز وجل أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم لكل صلاة ركعتين في الحضر فأضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل صلاة ركعتين في الحضر وقصر فيها في السفر إلا المغرب والغداة فلما صلى المغرب بلغه مولد فاطمة رضي الله عنه فأضاف إليها ركعة شكراً لله فلما أن ولد الحسن أضاف إليها ركعتين شكراً لله فلما أن ولد الحسين أضاف إليها ركعتين شكراً لله فقال للذكر مثل حظ الأنثيين فتركها على حالها في السفر والحضر.
وأقول :(4/66)
يقول الناصحون على سبيل السخرية من الكذابين الذين يتولى الله فضحهم في الدنيا قبل الآخرة : ( إذا كنت كذوبا فكن ذكورا ) حتى لا يناقض أحدهم حجته ويدفع نفسه للتورط في الجريمة ولا يجتمع الكذب والإيمان في قلب أبداً .
ومن البدهيات المعلومة أن الله عز وجل رزق محمداً صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه كل أولاده من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قبل بعثته الشريفة ، التي كان عمره فيها أربعين عاما وخديجة تزيده بخمسة عشر عاما أي عمرها حينذاك خمس وخمسون ، وقد تجاوزت عمر الحمل والرضاع بزمن وحين البعثة كانت فاطمة صبية تدافع عن أبيها لا سيما يوم رفعت سلا الجزور عن ظهر أبيها وهو ساجد ، وقد طرحه عليه عقبةُ بن أبي معيط والمستهزئون ، ثم دارت عجلة الزمان وجاء عام الحزن بعد أن تجاوز عمره صلى الله عليه وسلم الخمسين حيث ماتت أم المؤمنين الأولى خديجة وعمه أبو طالب فسرى الله عنه ، ووضع عنه وزره الذي أنقض ظهره وشرفه برحلة الإسراء والمعراج وفيها فرضت الصلاة قبيل الهجرة النبوية الشريفة. وتزوج علي بفاطمة في السنة الثانية للهجرة بعد غزوة بدر. فأين ميلاد فاطمة من فرض الصلاة . ثم الخزعبلات التي تنم عن جهل مركب وأكاذيب شاردة الذهن عن الارتباط بالضوابط التاريخية الثابتة لدى أنصاف المثقفين فضلاً عمن قال لنا الله سبحانه وتعالى في شأنهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ {119}) [ سورة التوبة الآية : 119 ] .
العلة التي من أجلها لا تجوز الصلاة في سواد
سئل أبو عبد الله جعفر الصادق عن الصلاة في قلنسوة سوداء فقال: لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار وعن علي أنه علم أصحابه لا يلبسون السواد فإنه لباس فرعون ودعي جعفر الصادق إلى الخليفة أبي العباس السفاح فدعا بثوب له أحد وجهيه أسود والآخر أبيض ثم قال أما إني ألبسه وأنا أعلم أنه من لباس أهل النار قال الصدوق لبسه للتقية.(4/67)
علة الإقبال على الصلاة وعلة النهي عن التكفير(11)
عن أبي جعفر قال عليك بالإقبال على صلاتك ولا تعبث فيها بيدك ولا بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثاءب ، ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس ، ولا تقولن إذا فرغت من قراءتك آمين فإن شئت قلت الحمد لله رب العالمين .
وأقول :
من أثمن الهدايا لهذه الأمة في درر قرآنها الخالد السبع المثاني أم الكتاب وقد توج الله خاتمتها بدعاء علوي قدسي رباني يحوي سعادة الدارين ( اهدنا الصراط المستقيم ..... ) يقول المؤمنون والمؤمنات في ختامها آمين : وهي اسم فعل دعاء بمعنى استجب يا كريم كما كان شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بَشَّر أنه من صادف تأمينهم تأمين الملائكة غفر لهم ، ولا يكون على النقيض في ذلك إلا الروافض ، فإنهم يشددون النكير على من يقولها ، ولحرصهم على الاختلاف دون الأمة كلها حكموا على من يقول آمين في نهاية الفاتحة ببطلان الصلاة.
واستبدلوا بها قولهم الحمد لله رب العالمين ، ضاربين عرض الحائط بتعليمات المعلم الأول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) .
المبحث الثاني : قسم الزكاة والصيام
العلة التي من أجلها لا تجب الزكاة على السبايك (12)
عن أبي إبراهيم قال : لا تجب الزكاة فيما سبك ، قيل فإن كان سبكه فرارا من الزكاة ؟ فقال : ألا تدري أن المنفعة قد ذهبت منه ، لذلك لا تجب عليه الزكاة ، وعن أبي الحسن موسى قال : لا تجب الزكاة فيما سبك فرارا من الزكاة ، أترى أن المنفعة قد ذهبت، فلذلك لا تجب الزكاة.
وفي فقه الزكاة ـ ( القرض ص 436 ) ما ينقض ذلك عن علي نفسه ـ رضي الله عنه ـ .
العلة التي من أجلها يعطى المؤمن من الزكاة
ثلاثة آلاف وعشرة آلاف ويعطى الفاجر بقدر (13)(4/68)
عن بشار بن بشر قال : قلت للرجل يعني أبا الحسن ما حد المؤمن الذي يعطى الزكاة ؟ قال يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ثم قال أو عشرة آلاف ، ويعطى الفاجر بقدر ، لأن المؤمن ينفقها في طاعة الله عز وجل والفاجر في معصية الله تعالى ، ومعلوم أن المؤمن عندهم هو الشيعي دون غيره.
علة أخذ الخمس
عن جعفر الصادق قال : إني لآخذ من أحدكم الدرهم وإني لمن أكثر أهل المدينة مالا ما أريد بذلك إلا أن تطهروا.
وأقول :
الزكاة أوزار الناس وأوضارهم يطهرهم الله بها ويزكيهم وهي محرم أكلها على النبي صلى الله عليه وسلم وأيضاً على آله وبني هاشم وبني المطلب تشريفا لهم وتكريما به صلى الله عليه وسلم ، والله سبحانه وتعالى يقول في شأنها : ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) ، وإذا أكلها غير مستحقيها فإنما يأكلون في بطونهم ناراً وكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به وقال سبحانه : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [ سورة الأعراف : الآية : 157 ] .
وقد فرض الله الزكاة على التجارات والأموال التي حال عليها الحول وبلغت النصاب الشرعي أن يدفع عنها صاحبها اثنين ونصف في المائة أي ربع العشر إلى مصارفها الشرعية الثمانية بعيدا عن ساحة آل البيت الأطهار ، وعلى النقيض تماما من مفاهيم الحيتان ذوي البطون الواسعة التي لا تشبع من الحرام وأكل أموال المغفلين بالباطل ، وقد حذرنا من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم من تفشي أدواء الأمم السابقة ومحاكاتهم كالقردة بما يفهم من معنى الحديث الشريف : ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال : فمن ؟ أي فمن غيرهم.(4/69)
وترى الواقع المخزي لقول الحق سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [ سورة التوبة الآية 34 ] . وقد تفشى بصورة مفزعة تبعث الأسى والحزن في قلب كل غيور على سمعة الإسلام وشماتة أعدائه ، وذلك عن طريق المشركين الشيعة أبعدهم الله تعالى الذين يصدق فيهم وصف القرآن لأبناء عمومتهم اليهود كوجهان لعملة واحدة ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) [ سورة المائدة الآية 42] ولحق بهم على درب السوء من لحق من أدعياء الصوفية الجهلاء عافانا الله من أكل السحت الذي يعمي البصيرة ويورث الندم والحسرة في الدارين إن ربي لطيف لما يشاء.
العلة في كراهة شم الرياحين للصائم (14)
عن جعفر الصادق أنه كان ينهى عن النرجس للصائم ويقول لأنه ريحان الأعاجم وذكر محمد بن يعقوب أن الأعاجم كانت تشمه إذا صاموا ويقولون إنه يمسك عن الجوع وعن الحسن بن راشد قال كان جعفر الصادق إذا صام لا يشم الريحان فسألته عن ذلك فقال : أكره أن أخلط صومي بلذة.
وأقول :
ورع وزهادة في غير موضعها ، كم يكون جميلاً لو كان ذلك في التنزه عن أكل الزكاة وهي عندهم الخمس وليس ربع العشر كأهل السنة والجماعة والأنفال وصفي المغنم الذي كان من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم دون سواه كشأن الهبة خالصة له من دون المؤمنين، بعيدا عن التصنع والتكلف بمجاهدة النفس في ميدان المباحات وتركها سائمة في الحرام من طعام وأعراض وحرمات لبئس ما كانوا يصنعون تحت ستار محبة آل البيت برأ الله ساحتهم عن ادعاءات المجوس من تلاميذ ابن السوداء اليهودي عبد الله بن سبأ لعنه الله.
العلة التي من أجلها(4/70)
كره الإمام الباقر أن يصوم يوم عرفة ـ لغير الحاج(15)
سئل محمد بن الباقر عن صوم يوم عرفة وأنهم يزعمون ـ أهل السنة ـ أنه يعدل صوم سنة قال : كان أبي علي زين العابدين لا يصومه قيل له ولم ؟ قال يوم عرفة يوم دعاء ومسألة فأتخوف أن يضعفني عن الدعاء وأكره أن أصومه وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى وليس بيوم صوم.
وأقول :
من درر هدي النبي صلى الله عليه وآله وصحبه، صيام يوم عرفة لغير الحاج ، ومن أصحاب الدعوات المستجابة ، الصائم حتى يفطر ، كما بشر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، لكن اليهود ما اختلقوا هذه الفرق ، إلا لشق وحدة الصف ، وإبعاد أحلام وحدة العقيدة والدولة الإسلامية ، فاستشهاد الحسين هو حائط المبكى لهم إلى يوم القيامة ، ونحن معشر أمة محمد صلى الله عليه وسلم يسموننا صنائع اليهود ، بالأمة الملعونة التي لا تهدى إلى أمر رشد أبدا ، ولذا ألزموا أنفسهم بقاعدتهم الشرعية الشيعية الأصلية التي تقول ( الرُّشد في خلافهم ) حتى يوم عرفة نفسه ، يعتقدون أننا لا نهدى له ، فهو عندهم قبلنا أو بعدنا بيوم ، وليس معنا قط ، ولذا عرفوا لدى سلفنا الصالح بالروافض المخالفين ، أبعدهم الله تعالى ، ووقى الأمة حقدهم اليهودي الدفين ، إن ربي سميع مجيب .
المبحث الرابع: قسم الحج
العلة التي من أجلها لا يستحب الهدي إلى الكعبة(4/71)
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : لو كان لي واديان يسيلان ذهبا وفضة ، ما أهديت إلى الكعبة شيئا ، لأنه يصير إلى الحجبة دون المساكين ، وفي الباب ، أن أبا جعفر أفتى رجلاً بتوزيع هديه على المحتاجين دون أن يعطيه لحجاب الكعبة من بني شيبة ، وقال : إنهم سراق الله ، وإن قائمنا لو قام لأخذهم وقطع أيديهم ، وفيه أيضاً ، أن امرأة أعطت رجلا غزلا وقالت : له ادفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة ، فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة وأنا أعرفهم ، فلما صرت إلى المدينة دخلت على أبي جعفر محمد الباقر وأخبرته الخبر ، فقال اشتر به عسلا وزعفرانا ، وخذ طين قبر أبي عبد الله ، واعجنه بماء السماء واجعل فيه شيئا من العسل والزعفران ، وفرقه على الشيعة ، لبُرء وباء مرضاهم .
وأقول :
(1) السر الخفي الذي يشين مكانة الكعبة في أعماق قلوبهم ، أنها في عز ومنعة وسلطان من أهل السنة والجماعة ، وبنو شيبة ليسوا إلا خدما للكعبة المشرفة ، وحجبا لبيت الله الحرام ، وهو حق متوارث منذ الجاهلية الأولى ، لم ينازعهم فيه أحد ، ولما فتح الله مكة ، وتسلم نبيه القائد المظفر صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة سلمها لأربابها الأول من بني شيبة ، وجعلها حقاً مؤكدا لهم ، خالدا تالدا لا ينزعه منهم إلا ظالم ، وهم في هذا المقام أمناء مسئولون أمام رب البيت جل جلاله ، وهو القائل عز شأنه ( فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {181} ) [ سورة البقرة : 181] .
وإذا سلمتُ إنسانا في موقع الأمانة والثقة ، زكاة أو صدقه للفقراء ، وأساء التصرف ، فلي الأجر بالنية ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، وعليه الوزر بسوء تصرفه ، وتفريطه في الأمانة ، ولا تزر وازرة وزر أخرى .(4/72)
(2) يفرغون ما يزيد ويفيض من سموم أحقادهم ، على عتبة السرداب المختفي فيه الوهم المنتظر عندهم ، ( عج ) أي عجل الله فرجه وخروجه ليقطع أيدي بني شيبة ، وهم المكلفون بهذا العمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمتوارثون له كابرا عن كابر ، ثم يحيي الله له كل يوم مائة من المنافقين الملاعين بدءا برؤوس الكفر والضلال والأئمة الراشدين الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وأهل بدر وبيعه الرضوان وأمهات المؤمنين وهو متأبط مصحف فاطمة الذي كان حبيسا معه في السرداب أكثر من ألف وثلاثمائة عام ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا إلى آخر ضلالهم وعقائدهم التي يدخلون بها القرن الحادي والعشرين لأعداء الإسلام في الغرب
(3) وأما عن العلاج بطينة القبر المعجونة ، فمن خبايا علومهم الدنيئة ، ولا عجب ، أن يتخذ المستشرقون والمنصرون وأعداء الإسلام ، من مثل هذا الهراء مجالا فسيحا لتشويه وجه الإسلام على المستوى العالمي ، ووصمه بكل نقيصة ، ولذا كان من دعوات الصالحين ما سجله القرآن العزيز في قوله سبحانه ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا) [ سورة الممتحنة الآية : 5] . لكنه قدر هذه الأمة كما أشار الحق سبحانه ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) [ سورة آل عمران الآية : 186 ] .
علة التلبية (16)
عن سليمان بن جعفر قال : سألت أبا الحسن عن التلبية وعلتها ؟ فقال إن الناس إذا أحرموا ناداهم الله تعالى فقال : عبادي وإمائي لأحرمنكم على النار ، كما أحرمتم لي ، فيقولون لبيك اللهم ، إجابة لله عز وجل على ندائه إياهم .(4/73)
وفي الباب نفسه : فقال موسى يا رب ، لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي ، فقال الله يا موسى أما علمت أن محمداً عندي أفضل من جميع ملائكتي ، وجميع خلقي ، قال موسى يا رب فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي ؟ قال الله يا موسى ، أما علمت أن فضل آل محمد على جميع الأنبياء ، كفضل محمد على جميع المرسلين ، قال موسى يا رب فإن كان آل محمد كذلك ، فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمتي ، فقال الله يا موسى ، أما علمت أن فضل أمة محمد على جميع الأمم ، كفضل محمد على جميع خلقي ، فقال موسى ، يا رب ليتني أراهم ، فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى ، إنك لن تراهم وليس هذا أوان ظهورهم ، ولكن سوف تراهم في الجنان ، بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون ، وفي خيراتها يتبحبحون ، أفتحب أن أسمعك كلامهم ؟ قال : نعم يا إلهي قال الله عز وجل ، قم بين يدي واشدد مئزرك ، قيام العبد الذليل ، بين يدي الملك الجليل ، ففعل موسى ذلك فنادى ربنا : يا أمة محمد : فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم ، وأرحام أماتهم ، ـ لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، قال فجعل الله تلك الإجابة شعار الحج.
ثم قال ربنا : من لقيني منكم بشهادة لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عليا أخوه ووصيه من بعده ووليه ملتزم طاعته ، كما يلزم طاعة محمد ، وأن أولياءه المصطفين المطهرين ، الميامين بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله ، من بعدهما ، وأن أولياءه، أدخلته جنتي وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر ، فلما بُعث محمد قال الله له ، وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة .
وأقول :(4/74)
تذكرنا جرأتهم في الكذب حتى على الله تعالى بقوله سبحانه (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {78}) [ سورة آل عمران الآية : 78] .
من ذلك اختلاف صدوقهم أن الله قال لموسى أما علمت أن فضل آل محمد على جميع الأنبياء كفضل محمد على جميع المرسلين ... إلخ .
ثم طلب الشهادة بأن عليا ولي العهد ، وطاعته من طاعة محمد، ثم لي عنق الآية الشريفة إلى غير موقعها التي نزلت فيه ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة ) (اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواعَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {9}) [ سورة التوبة الآية : 9] . وما كان المنادى في هذا المقام إلا موسى عليه السلام . إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى .
العلة التي من أجلها
لا يكتب على الحاج ذنب أربعة أشهر (17)
عن الحسين بن خالد قال : قلت لجعفر الصادق ، لأي شيء صار الحاج لا يكتب لهم ذنب أربعة أشهر ؟ قال لأن الله تبارك وتعالى أباح للمشركين أشهر الحرم أربعة أشهر إذ يقول : فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، فمن ثم وهب لمن حج من المؤمنين البيت ، الذنوب أربعة أشهر.
وأقول :
من أهم مميزات الحاج الشيعي " منحة الأربعة أشهر ، التي يغلق فيها سجل سيئاته ، ويوقف عمل ملك السيئات ، أسوة بإخوانهم المشركين قديما ، وبينهم أواصر قربى عقائدية ، مثل عقيدتهم في أن علي بن أبي طالب قسيم الله في الجنة والنار ، يعلم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، لا يجوز في حقهم السهو والخطأ والنسيان ، مثل الوصف القدسي ( لا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ) [ سورة طه الآية : 52].(4/75)
وتلك أول مرة تغيب عنهم أقنعة التضليل والتقية ، فتنكشف العورات ، وتبدو السوآت ، ويستفيدون بهدنة المشركين قديما ، ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) ، ومن خلال منع التسجيل ، يعود الحاج كالذئب الضاري ، لا تفلت منه شاردة ، ولا واردة من المعاصي الموبقات إلا اقتنصها ، وكله ثقة في عدم تسجيلها، ويتوارى القلم حياء عن تسجيل ما يقع من فظائع ، يكتوي بنارها ضحاياهم التعساء ، وقد قال الحق سبحانه في شأن الساعة والطامَّة الكبرى ( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ {46}) [ سورة القمر الآية : 44] ثم يحكي الله أحوال أمثالهم حينذاك في قوله سبحانه ( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ {23} انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [ سورة الأنعام الآيتان : 23، 34 ]. وبمقتضى ذلك لا يحل شرعا ذبائح الشيعة ولا مناكحتهم إلا إذا ثبت بيقين شفاؤهم من اللوثات الشركية اللعينة.
العلة التي من أجلها
لا يؤخذ الطير الأهلي إذا دخل الحرم (18)
سئل جعفر الصادق عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم قال : لا يمس لأن الله تعالى يقول : ( ومن دخله كان آمناً )
وأقول :
ما أعجب تصنع الزهادة والورع والخشية لله ، وفي أصول عقائدهم ما يمزق وحدة الأمة ، ويبيح القتل والسرقة ، لأهل السنة والجماعة في الحل والحرم من وراء التقية والمداراة ، وفي أحاديث الصدوق بين يدي القارئ الكريم خير شاهد على ذلك ، والله من ورائهم محيط.
نوادر على الحج (19)
كان الأمام جعفر الصادق في المسجد الحرام ، فقيل له إن سبعا من سباع الطير على الكعبة لا يمر به شيء من حمام الحرم إلا ضربه فقال انصبوا له واقتلوه فإنه ألحد في الحرم.
وأقول :(4/76)
يقرون في هذا بقداسة حرمة الحرم الشريف ، ويشهد العالم أجمع ، ويشمت أعداء الإسلام ، ويتنفسون الصعداء شماتة في الدماء الزكية ، التي مزقتها الانفجارات المتتالية ، نتيجة للشحنات شديدة الانفجار ، التي حملها إلى الحرم الشريف ، لتحية ضيوف الرحمن، والحجاج الكويتيون الشيعة ، في منتصف العقد الثاني الهجري ، منذ بضع سنوات ، وتم ضبطهم ، وإقرارهم على رؤوس الأشهاد ، وإعدامهم جميعاً في ميدان عام بالحجاز ، فحسم شرهم إلى حين ، وأسأل الله أن يرد الأمة إلى دينها رداً جميلاً ، وأن يوحد قلوبهم وصفوفهم ، حتى يستطيعوا تحقيق الواقع العملي لقول الحق سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {28}) [سورة التوبة الآية : 28] .
العلة التي من أجلها
وجبت زيارة النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بعد الحج (20)
عن جعفر الصادق قال : إذا حج أحدكم فليختم حجه بزيارتنا ، لأن ذلك من تمام الحج ، وعن محمد الباقر قال : تمام الحج لقاء الإمام .
وقال أبو الحسن الرضا : إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته ، وإن من تمام الوفاء بالعهد ، وحسن الأداء ، زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم ، وتصديقا بما رغبوا فيه ، كانوا أئمتهم وشفعاءهم يوم القيامة ، وعن أبي جعفر محمد الباقر قال : إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ، ثم يأتوا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم .
وأقول :
التزمت الأمة وهي على قلب رجل واحد ، بهدي من اختاره مولاه رحمة للعالمين ، وقال في شأنه (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) [ سورة النساء الآية : 80].(4/77)
أتم الله النعمة والدين على يديه ، يوم نزل قول الحق سبحانه (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [ سورة المائدة الآية : 3] .
وقد صاح أكثر من مرة في آذان الزمان ، ومسامع التاريخ ، في حجة الوداع ، ألا هل بلغت : فقالت الأمة اللهم نعم ، قال اللهم فاشهد ، وهو الذي علمهم يوم قال : صلوا كما رأيتموني أصلي .. خذوا عني مناسككم . ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم القول بوجوب زيارة الحرم النبوي الشريف ، وأن ذلك من تمام الحج ، رغم بيان فضله في قوله الشريف : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، ومسجد الأقصى " وإن الفرض في مكة بمائة ألف ، وفي المدينة بألف ، وفي رحاب الأقصى الأسير بنصف ألف ، ولا مكان لقوائم الدجالين دون ذلك . كتسويتهم الحرم المدني بالكوفة في الأجر وقُمْ المقدسة عندهم إلخ.
من حق شيوخهم أن يقدسوا قبور أئمتهم ، المقبورين فيها، بدعوى أنهم شفعاؤهم عند الله ، ويرفعونها إلى العلياء ، تفخيما وتوقيرا ، وفي المقابل يأتي الحديث الثالث في شأن الكعبة ، في غمز مهين ، عار عن الحياء والأدب ، وتعظيم شعائر الله في قوله ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [ سورة الحج الآية : 32] .
ومما يؤكد هذه النظرة الوضيعة الشاذة ، عقيدتهم في وجوب السجود في الصلاة على تربة الحسين ( وهي قطعة من الآجر ، المطبوخ في مصنع بلاط كربلاء ، طولها حوالي 5 سم وعرضها ثلاثة ) وهي عندهم أطهر وأشرف من الأحجار الرخامية البيضاء ، التي تغطي ساحة الحرمين الشريفين ، ولا يسجدون في داخل الحرمين الشريفين بجبهتهم إلا على التربة ، التي لا صلاة بدونها عندهم.
النوادر (21)(4/78)
عن علي بن الحسين العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه سئل ـ ما قولك في هذا السمك الذي يزعم إخواننا من أهل الكوفة أنه حرام ؟ فقال أبو سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الكوفة جمجمة العرب ، ورمح الله ، وكنز الإيمان ، فخذ عنهم . تبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا سعيد ادع بلالا ، فلما جاءه بلال ، قال يا بلال اصعد أبا قبيس فناد عليه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الجري ـ الفرس ـ والضب والحمر الأهلية، ألا فاتقوا الله ، ولا تأكلوا من السمك إلا ما كان له قشر ، ومع القشر فلوس ، إن الله تبارك وتعالى مسخ سبعمائة أمة عصوا الأوصياء بعد الرسل فأخذ أربعمائة أمة منهم برا، وثلاثمائة منهم بحرا ، ثم تلا هذه الآية : ( وجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ) .
وأقول :
في هذا الحديث شواهد ونقائض تخرج به عن دائرة المسلمات العقلية فضلاً عن الأمانة العلمية والدينية.
(1) فالكوفة ضمن مئات المدن والقرى ، التي كانت تعيش في كنف الإمبراطورية الفارسية الساسانية ، لم تخرج عن هذه الدائرة ، أو تتميز بشيء ، يستدعي التزكية النبوية الشريفة المدعاة.
(2) والشأن كذلك ، فيما لا يتمتع بقشر وفلوس ، من أسماك البحر، الطهور ماؤه الحل ميتته كالجري والحوت وثعابين البحر إلخ ، وهي من أشهى وأثمن ما يؤكل ، ولعل السر الذي لا يخفى على كثيرين ، من ذوي البصائر والنهى ، يكشفه قول الحق سبحانه : ( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا {160}) [ سورة النساء الآية : 160] .
(3) والشيعة صنائع عبد الله بن سبأ الحاخام الأكبر ليهود اليمن وجهان لعملة واحدة ، لا يستطيعون تغطية كل بصمات ابن سبأ ، في عقائدهم ومواريثهم.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفي على الناس تعلم(4/79)
فهم في ديار الإسلام كجار السوء ، ينصبون أنفسهم حكاما، لمحاكمة الصحابة ، رضوان الله عليهم أجمعين ، ويلعنون ويضعون من شرف آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، ويضعون الآية الشريفة محرفة مغلوطة في غير موضعها فقد نزلت هذه الآية في شأن سبأ ، حينما تنكروا لجميل الله عليهم ونعمه ( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ {19}) [ سورة سبأ الآية :19].
(4) جبل أبي قبيس بمكة ، التي تبعد عن البحر الأحمر بأكثر من سبعين كيلو مترا ، ولا شأن لهم حينذاك بأسماء السمك وأنواعه، وبيان الحلال والحرام ، كان في جموع الناس بالمسجد بالمدينة المنورة، وقد حرمت لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورسول الله على رأس الجيش في خيبر ، قبل فتح مكة في مناسبة واحدة ، وحديث واحد ، رفضه الشيعة الروافض وكذبوه ، وعليه فنكاح المتعة ولحوم الأهلية حلال عندهم دون جمع الأمة ، والضب أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم والحلال والحرام في الإسلام مصدره الوحي لا الهوى قال تعالى : (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) [ سورة النحل الآية : 116] .
النوادر(22)
قال الصدوق : حدثنا أبو سيعد محمد بن الفضل قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن محمود قال سمعت محمد بن أحمد بن يعقوب الجوزجاني قاضي هراة يقول سمعت محمد بن فورك الهروي يقول سمعت على بن فشرم يقول : كنت في مجلس أحمد بن حنبل ، فجرى ذكر على بن أبي طالب فقال أحمد : لا يكون الرجل مجرما حين يبغض عليا قليلاً .(4/80)
وبسندهم الكاذب إلى ابن عبادة بن الصامت قال حدثني أبي عن جدي قال إن رأيت رجلا من الأنصار يبغض علي بن أبي طالب فاعلم أن أصله يهودي.
وأقول :
يقول الله تعالى ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ {19} وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ) [ سورة البروج الآية : 19 ، 20 ].
(1) يشيدون هيلمانا كاذبا من ألعن وسائلهم ، وهي الكذب على الله تعالى، الذي يتولى وحده سبحانه فضحهم على ألسنة أعلامهم وشياطينهم ، ومن الوصايا الدارجة على سبيل السخرية ( إذا كنت كذوبا فكن ذكورا) ليتفادى التناقض مع نفسه ، فيتضح حاله أمام الناس ، وهذا شأنهم دائما بكل أسى وأسف .
(2 ) الإمام أحمد بن حنبل ، الفقيه الحجة ، كان رمزا للتواضع والزهادة ، والصبر على البلاء في سبيل الله ، وأقسم غير حانث أنه لا يتردد لمحة ، لو نال فرصة شرف غسل قدمي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه ، وكذا سائر أعلامنا وأئمتنا وفقهاؤنا ، رضوان الله عليهم أجمعين ، الذين ورثنا عنهم ، أن محبة آل البيت من الإيمان وبغضهم نفاق .
(3) يقول أحد الحكماء :
ألم تر أن السيف ينقص قدره ... ... إذ قيل هذا السيف خير من العصى
فهم المدعون للمحبة والولاء الكاذب ، المسيئون للقرة الطاهرة ، أبلغ إساءة ، ومن يتكفل بهذا فهو العدو الحقيقي للأمة قاطبة ، وعلى رأسها أهل بيت نبيها صلى الله عليه وسلم ، الذي يقوم بدور الصديق الكذوب ، وهم ورب الكعبة ألعن أعداء أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه ، من أحفاد الحاخام اليهودي اللعين عبد الله بن سبأ ، وإرادة الله غالبة ، فقد أجرى كلمة الحق على ألسنتهم إذ قالوا في حديثهم أعلاه أن من يبغض عليا فاعلم أن أصله يهودي ، وقد قال الحق سبحانه وتعالى في أجدادهم من بني النضير ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) [ سورة الحشر الآية : 2 ] .
المبحث الخامس : ما يتعلق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم(4/81)
العلة التي من أجلها لا توفق العامة لفطر ولا لأضحى (23)
عن محمد بن إسماعيل الرازي عن أبي جعفر الثاني قال : جعلت فداك ، ما تقول في العامة ، فإنه قد روي أنهم لا يوفقون لصوم ، قال إن الناس لما قتلوا الحسين بن علي ، أمر الله عز وجل ملكا ينادي ، أيتها الأمة الظالمة ، القاتلة عترة نبيها ، لا وفقكم الله لصوم ولا لفطر ، وفي حديث آخر لفطر ولا أضحى ، قال أبو عبد الله جعفر الصادق : فلا جرم والله ما وفقوا ولا يوفقوا، حتى يثور ثائر الحسين.
وأقول :
يطلق الشيعة على المخالفين لهم من سائر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالعامة أو النصاب ، ورغم العدل الإلهي الخالد ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) فهم يحملون لعنة قتل الحسين ، للأجيال المتعاقبة إلى يوم القيامة ، وهم على ضلال من الله ، ولا يهديهم لأمر رشد في الدين والدنيا، كيوم عرفة ، فهو عندهم قبله أو بعده حيث يقفون وحدهم على عرفات دون سائر الأمة الملعونة في عقيدتهم الخاسرة الضالة.
العلة التي من أجلها يتجدد
لآل محمد صلوات الله عليه في كل عيد حزن جديد
عن أبي جعفر الصادق ، قال : ما من عيد للمسلمين أضحى ولا فطر إلا وهو يجدد فيه لآل محمد حزنا قلت: فلم ؟ قال: لأنهم حقهم في يد غيرهم.
وأقول:
يرفض أحفاد ابن سبأ ، حاخام يهود اليمن، مؤسس عقائد الفرق الشيعية من الوصاية وولاية العهد، يرفضون حكم الله وعدله الخالد، وما خرج سيد شباب أهل الجنة أبو عبد الله الحسين إلا بإلحاح ومواثيق مؤكدة على نصرته والموت دونه من الشيعة رغم تحذيرات الصفوة من الصحابة وعلى رأسهم عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ألا ينخدع لعهودهم ومواثيقهم ، فلا عهد لهم ، ولا ذمة ولا دين ، وخرج على غير رضا ومشورة ، وواجه خصومه دون أن يجد من شيعته رجالا حوله ، فنفذ قدر الله الأزلي ، الذي لا مفر منه ، (وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) ختام سورة لقمان .(4/82)
فكان شيعته هم الناجون، وهم القتلة الحقيقيون ، ورثوا أحفادهم لعنة هذه الخيانة ، فأقاموا المآتم للبكاء والعويل ، على حائط المبكى ، وسيد الشهداء ينعم في ظلال الفردوس بأمر الله تعالى وفضله، وهم ما زالوا يجترون ماضيهم الكئيب، بلعن خير أمة أخرجت للناس أبد الدهر ، فهنيئا لليهود بما زرعوا وعلَّموا ، ولن يرثوا إلا الحسرة في الدارين قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ {36} لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[ سورة الأنفال الآيتان: 36، 37] .
العلة التي من أجلها
أوجب الله على أهل الكبائر النار (24)(4/83)
عن جعفر الصادق قال : إن الكبائر سبع فينا أنزلت ومنا استحلت فأولها الشرك بالله ، وقتل النفس وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين وقذف المحصنة والفرار من الزحف وإنكار حقنا ، فأما الشرك بالله فينا ما أنزل ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ما قال ، فكذبوا الله ورسوله وأشركوا بالله، وأما قتل النفس التي حرم الله ، فقد قتلوا الحسين وأصحابه ، وأما أكل مال اليتيم ، فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله الله لنا، وأعطوه غيرنا ، وأما عقوق الوالدين فقد أنزل الله ذلك في كتابه فقال ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) [ سورة الأحزاب الآية : 6] فعقوا رسول الله في ذريته ، وعقوا أمهم خديجة في ذريتها ، وأما قذف المحصنة ، فقد قذفوا فاطمة على منابرهم ، وأما الفرار من الزحف، فقد أعطوا أمير المؤمنين بيعتهم طائعين غير مكرهين، ففروا عنه وخذلوه ، وأما إنكار حقنا فهذا ما لا ينازعون فيه.
وأقول :
يذكر إفكهم المتواصل بالمثل القائل ( رمتني بدائها وانسلت ) ولا أدل على ذلك مما يأتي :
أَلََّهوا ابن أبي طالب وبنيه فهم يعلمون الغيب ما كان ويكون وما هو كائن إلى يوم القيامة لا يعتريهم السهو أو النسيان وعلي قسيم الله في الجنة والنار ، ومالك ورضوان يأتمران بأمر علي ، إلخ من الشرك الأكبر ، وتجري عليهم أحكام المشركين ، كالقديانية والبهائية وأمثالهم ، فلا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم ، ولا يقربون المسجد الحرام، إن مكن الله لدينه بالعزة والشوكة لأهل التوحيد تحت راية واحدة.
(2) تفسيرهم قتل النفس باستشهاد الحسين رضي الله عنه ، وهكذا مال اليتيم ، ضِيق أفق مع قواعد شرعية شاملة ، يصلح بها كل زمان ومكان.(4/84)
(3) نتفق معكم معاشر الشيعة فيما تلوحون به ، فأشرف أب وأم لهذه الأمة هو المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمنا خديجة وسائر أمهات المؤمنين اللائي نزل فيهم خاصة قول الحق سبحانه ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[ سورة الأحزاب الآية : 33] .
أليس من العقوق لأشرف والدين ، إنكار أبوتهما لسائر بنات النبي صلى الله عليه وسلم مع أفحش الإساءات لأزواجهم جميعا بلا استثناء ، وكانت أبشع إساءاتهم لمن ألهوه من دون الله ، أما البر وصلة الرحم بأحباب الوالد الممتدة بعد موته ، كرفيق عمره أبي بكر ، وحبيب قلبه الفاروق ، وابن أخته وصهره على فلذات كبده من دعا له بالرضوان يوم العسرة ذي النورين عثمان ، وسائر الصحب الكرام الذين ثبتوا كالشم الرواسي أمام مسيلمة وأضرابه ولولا هذه الجبال الشامخة ، لانزاح الإسلام وانقشع نوره من فوق ظهر الأرض، من أول يوم لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن أول وقفةٍ للأسد الأول ، حين أفاق المذهولون على زئيره ، ( من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله ، فإن الله حي لا يموت ....)
إن لعنكم لصفوة هذه الأمة ، على المسابح صباح مساء، يرفع الله به أجورهم ودرجاتهم ، ويرد سهم تغيظ الكفار في نحورهم، وعزاؤنا أن المعز المذل سبحانه، رفع أقدارهم في قرآنه الخالد، في أكثر من مقام، وقبح وجوه مبغضيهم بمثل قول الحق جل وعلا في آخر سورة الفتح ( ... ليغيظ بهم الكفار...).(4/85)
(4) لا شك أن الطعن في شرف الأم ينال الأب في مقتل ، لذا تعلمنا من الأدب القرآني الشريف، أن خيانة زوجة نوح ولوط عليهما السلام كانت في العقيدة، بعيدة عن الشرف المصون ، أما خصومة أحفاد اليهود ، فلم تقف عند حد حتى أنكروا تشريف القرآن الكريم لها وكذبوا قول الحق سبحانه في سورة النور (..وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) [ سورة النور الآية: 26 ] . فماذا بعد الحق إلا الضلال ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
علل المسوخ وأصنافها (25)
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسوخ فقال : هم ثلاثة عشر الفيل والدب والخنزير والقرد والجري والضب والوطواط والدعموص والعقرب والعنكبوت والأرنب والزهرة وسهيل فقيل يا رسول الله ما كان سبب مسخهم؟ قال : أما الفيل فكان رجلا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا ، وأما الدب فكان رجلا مخنثا يدعو الرجال إلى نفسه، وأما الخنزير فقوم نصارى سألوا ربهم أن ينزل المائدة عليهم فلما نزلت المائدة كانوا أشد كفرا وأشد تكذيبا وأما القردة فقوم اعتدوا في السبت ، وأما الجري ـ الفرس ـ فكان ديوثا يدعو الرجال إلى أهله ، وأما الضب فكان أعرابيا يسرق الحاج بمحجنه ، وأما الوطواط فكان يسرق الثمار من رؤوس النخل ، وأما الدعموص فكان نماما يفرق بين الأحبة، وأما العقرب فكان رجلا لذعا لا يسلم من لسانه أحد، أما العنكبوت فكانت امرأة سحرت زوجها ، وأما الأرنب فكانت امرأة لا تطهر من حيض ولا غيره، وأما سهيل فكان عشارا باليمن، وأما الزهرة فكانت امرأة نصرانية وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل وهي التي فتن بها هارون وماروت.
أقول :(4/86)
نزه الله ساحة أمير المؤمنين أبي الحسن عن هذا الهراء، الذي يذكرنا بخيالات الحشاشين في أوكارهم حينما يصابون بالخرافة والخبل تحت تأثير الحشيشة ، وتوثيق المعلومات من دلائل اليقين والصدق فيها، وذلك منهج القرآن الذي يقوم على الحجة البالغة والبرهان، لا على الخيالات والأوهام ، قال تعالى: ( اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [ سورة الأحقاف الآية : 4 ] فمن أي المصادر استقى مسيلمة هذه النفحات الشيعية قال تعالى ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ) [ سورة الزمر الآية : 60].
العلة التي من أجلها
قد يرتكب المؤمن المحارم ويعمل الكافر الحسنات (26)
قيل لأبي جعفر محمد الباقر أيزني المؤمن قال لا ؟ قيل فيلوط ؟ قال لا قيل فيشرب الخمر ؟ قال لا قيل فيذنب ؟ قال نعم ، قيل لا يزني ولا يلوط ولا يشرب السكر ولا يرتكب السيئات ، فأي شيء ذنبه فقال : قال الله تعالى ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) [ سورة النجم الآية : 32] وقد يلم المؤمن بالشيء الذي ليس فيه مراد ، قال السائل فاخبرني عن الناصب لكم : يطهر بشيء أبدًا ؟ قال لا ، قال قد أرى المؤمن الموحد الذي يقول بقولي ، ويدين بولايتكم، وليس بيني وبينه خلاف ، يفعل المنكرات والكبائر ، وقد أرى الناصب المخالف لما أنا عليه ، ويعرفني بذلك، فآتيه في حاجة ، فأجده طلق الوجه ، حسن البشر مسرعا في حاجتي ، فرحا بقضائها ، كثير الطاعات، يؤدي الزكاة ، ويحفظ الأمانة.(4/87)
قال: ذلك لأن الله أجرى الماء العذب على أرض طيبة طاهرة ، سبعة أيام بلياليها ، ثم نضب الماء عنها ، فقبض قبضة من صفوة ذلك الطين ، وهي طينة أهل البيت، ثم قبض قبضة من أسفل ذلك الطين ، وهي طينة شيعتنا، ثم اصطفانا لنفسه ، فلو أن طينة شيعتنا ، تركت كما تركت طينتنا ، لما اكتسب المؤمن شيئا مما ذكرت ، ولكن الله أجرى الماء المالح على أرض ملعونة سبعة أيام ولياليها ، ثم نضب الماء عنها ، ثم قبض قبضة وهي طينة ملعونة ، من حمأ مسنون ، وهي طينة خبال ، وهي طينة أعدائنا ، فلو أن الله عز وجل ترك طينتهم كما أخذها لم تروهم في خُلق الآدميين ، ولم تروا أحدا منهم بخُلق حسن، ولكن الله جمع الطينتين فخلطهما ومزجهما بالماءين ، فما رأيت من أخيك المؤمن من شر ، لفظ أو زنا أو شيء مما ذكرت ، فليس من جوهريته ولا من إيمانه ، إنما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات التي ذكرت، وما رأيت من الناصب من حُسن وجه وطاعة ، فليس من جوهريته إنما تلك الأفاعيل من مسحة الإيمان ، ثم ينزع الله يوم القيامة مسحة الإيمان عنهم ، ويردها إليكم ، وينزع مسحة العصيان ويردها عليهم.
وأقول :
هذا دليل أخر على وحدة الفكر وأصول العقيدة المتطابقة تماما ، بين الشيعة وشعب الله المختار آل كوهين، من حيث اختلاف الطينة والأصل والدم والأعراق ، فهم عنصر طاهر فريد ، اصطفاه الله على سائر البشر الخنازير، الذي خُلِقوا مطايا لشعب الله المختار ، الذي لهم ثأر قائم إلى يوم القيامة لقتل فرعون لأطفالهم في غابر التاريخ ، والناظر في التراث اليهودي المقدس كالأسفار والتلمود ، وبرتوكولات حمقاء صهيون، يرى وكأن العقيدتين خرجتا من مشكاة واحدة.
لقد نقل المنافق اليهودي اللعين ، كل شيء في عقيدته ، من العنصرية والطينة ومواريث الأحقاد ، والثأر القديم، وتوارث الأجيال ، جريرة الأقدمين ، والقول بالبداء على الله تعالى للخطأ أو الجهل والرجعة إلى ما هو أصوب .(4/88)
نقل لهم كل صغيرة وكبيرة من عقائد اليهود، إلا حائط المبكى لم يستطع نقله فاستبدله باستشهاد الحسين ـ رضي الله عنه ـ في أطهر الساحات فدخل بمشيئته تعالى في زمرة قوله تعالى سبحانه : ( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {170} يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ {171}) [ سورة آل عمران الآيات : 169 : 171 ] . والشيعة حزانى يولولون في الأعياد وعاشوراء ، إلى خروج الوهم المنتظر ، المختفي في سرداب سامراء ، متأبطاً مصحف فاطمة الأصيل غير المزيف المحرف كالقرآن الذي بين يدي الأمة ، وتولى الله حفظه إلى يوم القيامة .
تشهد نصوصهم المقدسة وأعلام شيوخهم ، بالبون الأخلاقي الشاسع، بين حثالاتهم ، والشواهد الإسلامية الثابتة لدى أهل السنة والجماعة ، لكن إبليس يكذب الشمس في رابعة النهار، ويرفض أن يرفع الحق رأسه في كتبهم ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ {19} وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ... ) [ سورة البروج الآيتان : 19 : 20] . ولو طوف مسلم عواصم الدول في العالم أجمع ، فإنه يجد في كل منها مسجدا لأهل السنة والجماعة ، تصلي فيه الجمعة، إلا عاصمتين اثنتين فقط هما : تل أبيب وطهران ، الوجهان لعملة واحدة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
العلة التي من أجلها أبى الله عز وجل
لصاحب الخلق السيئ بالتوبة.
عن جعفر الصادق، قال : أبى الله تعالى لصاحب الخلق السيئ بالتوبة قيل وكيف ذلك ؟ قال : لأنه لا يخرج من ذنب حتى يقع فيما هو أعظم منه.
العلة التي من أجلها
لا تقبل توبة صاحب البدعة.(4/89)
بسندهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أَبى الله لصاحب البدعة بالتوبة قيل وكيف ذلك؟ قال إنه قد أشرب قلبه حبها وكلاهما أي صاحب الخلق السيئ والبدعة يتعارض مع الباب 180 ص 246 .
وأقول :
(1) أبت رحمة الله التي وسعت كل شيء ، أن يغلق باب الرجاء والأمل في وجه العصاة من عباده ، إذا طرقوا بابه ، ولاذوا بجنابه، وعرفوا أن رحمة الله أكبر مما جنت أيديهم ، فبادروا إلى باب التوبة النصوح ، وهي ندم والتزام ، وعهد مع الله تعالى، ولا يغلق الله باب التوبة في وجه العصاة من عباده حتى تشرق الشمس من مغربها ، وتنعكس دورتها وقد قال في ذلك الحق سبحانه (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ) [ سورة الإنعام الآية : 158] . بشرط واحد : ألا يتجاوز الخطوط الحمراء في المعاصي ، وهي ألعن الكبائر على الطلاق ( الشرك ) ، بأن يجعل لله ندا وهو خالقه ، قال تعالى : (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [ سورة النحل الآية : 17] .
(2) ومما يزكي عدم القنوط من رحمة الله ، لغير أهل الشرك من العصاة ما عُلم من أن الله يدفع البلاء عن عباده ، بشفاعة الضعفاء ، فلولا أطفال رُضَّع وشيوخ رُكَّع وبهائم رُتَّع لصب الله علينا البلاء صبا.(4/90)
وقد أورد الصدوق ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : [ إن الله عز وجل إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي ، وفيها ثلاث نفر من المؤمنين ، ناداهم جل جلاله ، وتقدست أسماؤه : يا أهل معصيتي ، لولا فيكم من المؤمنين المتحابين بجلالي ، العامرين بصلاتهم أرضي ومساجدي ، والمستغفرين بالأسحار ، خوفًا مني ، لأنزلت بكم عذابي ، ثم لا أبالي ] ص 246 من العلل للصدوق ، مما يوحي بمعارضة الحديث الأول ومناقضته .
(3) البدعة : هي الاختراع في الدين ، باتباع غير سبيل المؤمنين ، على غير هُدَى من الكتاب والسنة ، بما اشتملت عليه الآية الشريفة ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [ سورة النساء الآية : 115 ] . وهي نوعان : مكفرة وغير مكفرة.(4/91)
أما المكفرة ، فبإنكار حرف من القرآن الكريم، لأن من كفر بحرف واحد منه، فقد كفر بالقرآن كله، أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة ، كالطاعن في شرف أم المؤمنين عائشة وإيمانها ، لا سيما وقد نزل فيها قرآن يتلى، تكفل الحق جل وعلا بحفظه إلى يوم القيامة من سورة النور ، آخره قول الحق سبحانه ( أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) [ سورة النور الآية : 26] يدخل في زمرتهم المؤلهون لابن أبي طالب رضي الله عنه ، كالشيعة في مثل قولهم : إنه قسيم الله في الجنة والنار ، ومالك ورضوان يأتمران بأمر علي ، أي له الحق في الإدارة ، ولعل الملكية بنسبة 51% لذلك. واللاعنون له ـ رضي الله عنه ـ كالخوارج رد الله سهمهم جميعا في نحورهم ، وأبعدهم عن أمة الاعتدال والوسط ، وليس للمشركين توبة مطلقا، بدليل قول الحق سبحانه (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) [ سورة النساء الآية : 116] إن الشرك لظلم عظيم ، والظلم مرتعه وخيم ، إلا بالإقلاع الكامل ، ونبذ هذه الشركيات وأهلها ، والعودة المخلصة إلى التوحيد الخالص ، والصراط السوي ، وجماعة المؤمنين.
ــــــــــــــــ
هوامش الفصل الثالث
(1) المرجع السابق ص : 275 .
(2) المرجع السابق ص : 291
(3) المرجع السابق ص : 291
(4) المرجع السابق ص : 293
(5) المرجع السابق ص : 294
(6) المرجع السابق ص : 302
(7) المرجع السابق ج 2 ص 312
(8) المرجع السابق ص : 317
(9) المرجع السابق ص : 321
(10) المرجع السابق ص : 324
(11) المرجع السابق ص : 358
(12) المرجع السابق ص : 370
(13) المرجع السابق ص : 372
(14) المرجع السابق ص : 385
(15) المرجع السابق ص : 389
(16) المرجع السابق ص : 416
(17) المرجع السابق ص : 443
(18) المرجع السابق ص : 451
(19) المرجع السابق ص : 453
(20) المرجع السابق ص : 459(4/92)
(21) المرجع السابق ص : 461
(22) المرجع السابق ص : 467
(23) المرجع السابق ص : 389
(24) المرجع السابق ص : 474
(25) المرجع السابق ص : 485
(26) المرجع السابق ص : 489
...
الفصل الرابع
ما يتعلق بالنكاح والمعاملات
والعلاقات الإنسانية والاجتماعية
الفصل الرابع
نكاح المحارم وما يتعلق بالنكاح والمعاملات
والعلاقات الإنسانية والاجتماعية
العلة التي من أجلها نهي عن تزويج المرأة
على عمتها وخالتها إلا بإذنها(1)
عن أبي جعفر محمد الباقر قال : إنما نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم عن تزويج المرأة على عمتها وخالتها إجلالا للعمة والخالة فإن أذنت فلا بأس في ذلك.
وعنه قال : لا تنكح ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على عمتها ولا على خالتها وتنكح العمة والخالة على ابنة الأخ ، والأخت بغير إذنهما.
وأقول :(4/93)
حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمع بين الزوجة وعمتها، وخالتها، حماية للرحم ، ومنعا من تقطيع أواصر القربى، قال تعالى في سورة محمد ، ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {22} أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {23}) [ سورة محمد الآيتان : 22، 23] . ومن الثابت في السنة المطهرة أن الخالة والدة، ومعلوم أن العمة صنو الوالد ، وقد تكون ووالد الزوجة توءم ، مثل أم حكيم البيضاء ، جدة عثمان لأمه ، فابنتها أروى بنت كريز أم عثمان بن عفان ، والرسول في درجة خاله ، كانت أم حكيم ووالد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد المطلب توءم في بطن واحدة ، وكذا بالنسبة للخالة مع الأم ، والضرائر في الغالب سوق رائجة لمكايد النساء ، والتنافس والتشفي والعداوة، فأي المنهجين تسكن إليه النفس الأوابة، ينسجم مع التخصص الدقيق بلغة العصر أو ما يسميه علماء البلاغة بالحصر والقصر ، في قول الحق سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) [ سورة الأنبياء الآية : 107] ولا شك إن إشعال نار العداوة بين الأرحام مما يتناقض مع الرحمة، التي يحرص الإسلام على توطيد أركانها.
علة المهر ووجوبه على الرجال(2)
سئل أبو الحسن الرضا عن علة المهر ووجوبه على الرجال ولا يجب على النساء أن يعطين أزواجهن ؟ قال لأن المرأة بائعة نفسها والرجل مشترٍ ولا يكون البيع بلا ثمن ولا شراء بغير إعطاء الثمن.
وأقول :(4/94)
شطر ديننا شرف وعفاف، وطهر، وفضيلة، وعقد الزواج في الإسلام من أشرف العقود، إن لم يكن أشرفها على الإطلاق ، فقد سماه رب العزة في قرآنه الخالد بالميثاق الغليظ، وهو مقام لم يرد الوصف به في القرآن إلا في مقامين: الأول البيعة والعهد الذي أخذه على الأنبياء بإمامة وقيادة حبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم : قال تعالى في سورة الأحزاب (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [ سورة الأحزاب الآية : 7] .(4/95)
المقام الثاني : عقد الزواج الإسلامي قال تعالى في سورة النساء ( وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً {20} وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [ سورة النساء : 20 : 21] وهو القائل سبحانه (وَآتُوا النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [ سورة النساء الآية: 4] أي عطية وهبة للتكريم والتحابب والوصال ، فالمقام أشرف من أن يكون عوضا عن جسد ، وبيعا له ، وإلا فميدانه سوق النخاسة والإماء والرقيق ، ويتناقض ذلك مع روح السنة النبوية الشريفة ، التي تؤثر التساهل والتيسير ، كما ورد في الأثر ( أيسرهن مهرا أكثرهن بركة) ( التمس ولو خاتما من حديد ) وقد زوج أحد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على أن يحفظها ما معه من القرآن ، لما لم يجد عرضا ماديا في أبسط صوره. ومن أشرف غاياته ولد صالح يدعو له ، يعز الله به الإسلام ، ويرفع شأن راية القرآن ، ويبيض الله به وجه والديه ، بعظيم الأجر والمنزلة ، وقرة العيون في الدارين قال تعالى ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) [ سورة الفرقان الآية : 74] .
العلة التي من أجلها يجوز أن يتزوج
في الشكاك ولا يجوز أن يزوجوهم(3)
عن جعفر الصادق قال : تزوجوا في الشكاك ولا تزوجوهم لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ، ويقهرها على دينه والمراد بالشكاك أهل السنة والجماعة أولا .
وأقول :
حرم الله على خير أمة أخرجت للناس ، تزويج المشرك ، وكذا الزواج من المشركة ، والشيعة مشركون ، بإجماع ذوي البصائر من أعلام الأئمة وأسلافنا الأماجد ، رضوان الله عليهم أجمعين.(4/96)
ونظرا لشيوع الفقر المادي والروحي ، لدى كثير من أقطار المسلمين، يفد بعض الشيعة من أرباب النفط ، ليشتروا بأموالهم أعراض المسلمات ، والزواج شرعا بالشيعة رجالا ونساء حرام ، لأنه ضرب من الزنا ، ويجب على العلماء والمسئولين في ديار الإسلام ، تبصير شعوبهم بهذه الكارثة ، وبيان حرمة التزاوج مع الخبثاء المشركين الشيعة ، لأنه زنا ، ولا يحل شرعا لمسلم أو مسلمة مناكحتهم ولا ذبائحهم ، ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد ، يقول الله تعالى : (وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)[ سورة البقرة الآية : 221] وقضايا العقيدة في الإسلام ، كتوحيد الحق سبحانه ، في ذاته وصفاته وأفعاله ، وأن الحق سبحانه لا يقبل طرفا ثالثا واسطا أو شفيعا بين العبد وربه، ولو كان حبيبه الأول محمدا صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، كل هذه القضايا ، لا مساومة فيها في الإسلام ، فإما إيمان خالص وإما شرك ، ورغم أننا من وجهة نظرهم ألعن الكفار ، المستباح فيهم الدم والمال إلخ ولَمْسنَا عندهم من نواقض الوضوء إلخ ومع كل هذا ، يسمحون لرجالهم بالزواج من نسائنا الموحدات، في البيئات الجاهلية ، والتي تجهل حقيقة أحوالهم وعقيدتهم ، على سبيل التلصص ، والقهر في الدين والعقيدة ، أخذا بمبدأ أخيهم اليهودي اللعين ميكيافيللي : ( الغاية تبرر الوسيلة).
العلة التي من أجلها إذا كان للرجل امرأتين
كان جائزا له أن يفضل إحداهما على الأخرى(4)(4/97)
سئل جعفر الصادق عن الرجل له امرأتان إحداهما أحب إليه من الأخرى أله أن يفضلها بشيء ؟ قال نعم له أن يأتيها ثلاث ليال والأخرى ليلة واحدة لأن له أن يتزوج أربع نسوة فليلته يجعلها حيث يشاء.
وأقول:
يقول الحق سبحانه : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ {26}) [ سورة ص الآية : 26] .(4/98)
ولا يصح شرعا أن تهتز موازين العدالة لمن يقضي بين المتساوين في الحقوق والواجبات ، ويعتذر بأن ذلك للميل والهوى نحو طرف دون آخر ، يرى المؤمن هذه المشاعر النبيلة متجسدة في قول مثلنا الأعلى صلى الله عليه وسلم اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ، أي الميل القلبي ، لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب رجل واحدد يقلبه كيف يشاء. وقد يحول إذا شاء بين المرء وقلبه، وفرقة الشيعة الإمامية الجعفرية الاثنى عشرية جبلت طبيعتهم على حب الشذوذ دائما في كل شيء ، كإتيان النساء الضحايا في الأدبار من طريق الغائط ، والطلاق تسع وكذا الزواج عند بعضهم تسع ، باستثناء نكاح المتعة المؤقت فحدث ولا حرج ، وقد أخرج الإمام القرطبي ، في تفسير الآية الثالثة من سورة النساء ، روى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة، حدثنا أنس بن مالك قال : أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تستعدي زوجها ( أي تشكوه ) . فقالت : ليس لي ما للنساء ، زوجي يصوم الدهر قال : ( لك يوم وله يوم ) . للعبادة يوم وللمرأة يوم ، ولعل الحكمة العليا في ذلك : الإبقاء على البقية الباقية من وشائج صلة الرحم والجوار والقربى بين الزوجات الضرائر، وبالتالي بين الإخوة والأخوات منهن ، نلمح هذا المعنى الإنساني النبيل، في نور الوصية بالعدل بين الأولاد أيضاً(5) ومن حقوق الإنسان التي كفلها الإسلام العزيز من أول يوم وأرسى قواعدها الثابتة مَنْ بَعَثَهُ مولاه رحمة للعالمين ، قال تعالى ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [ سورة الأنعام الآية : 152] .
العلة التي من أجلها لا تحل المرأة لزوجها بعد تسع
تطليقات والعلة التي من أجلها صار طلاق المملوك اثنتين(6)(4/99)
سئل أبو الحسن الرضا عن علة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل لزوجها أبدا ؟ قال عقوبة له لئلا يتلاعب بالطلاق وليكون ناظراً في أمره متيقظا معتبرا ويكون يائسا من الاجتماع بها بعد تسع تطليقات ، وعلة طلاق المملوك اثنتين لأن طلاق الأمة على النصف وجعله اثنتين احتياطا لكمال الفرائض.
وأقول :
من القواعد الثابتة لدى الأعلام والراسخين في العلم ، أنه لا اجتهاد مع النص ، وقد قال الحق سبحانه ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [ سورة البقرة الآية : 229] . ويلاحظ البون الشاسع ، والفارق البعيد ، بين الطلقات الشيعية التسع ، وبين مدلول الآية الشريفة، وصريح منطوقها، ولهم في مثل هذا الاختلاف عذر ، بل أعذار أقبح من الذنب نذكر منها:
(1) طعنهم في الصحابة بالكفر والنفاق والردة ، ولعنهم صباح مساء على المسابح ، بما يقدح في عدالتهم وأمانتهم ، باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة هم المقداد بن الأسود وعمار وسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله ، وهؤلاء القلة لا يرقى عددهم إلى شروط المتواتر ، فالطعن في القرآن عندهم بمقتضى ذلك وارد ، وعندهم البديل الأوثق ( قرآن فاطمة ) محفوظ في السرداب مع الوهم المنتظر عندهم ، وهو الذي سيملأ به الأرض عدلا ، عجل الله فرجه وخروجه ، ( كما يقولون في دعائهم كلما وردت الإشارة إليه).(4/100)
(2) التزامهم بقاعدة في أصول الفقه عندهم تقول : ( الرشد في خلافهم ) أي في خلاف السواد الأعظم ، من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أهل السنة والجماعة ، ومن البشائر النبوية الشريفة، ألا تجتمع هذه الأمة على ضلالة أبداً ، وحتى يوم عرفة في عقيدتهم ، مختلف دائما كل عام، فلا يهدي الله له الكفرة الملاعين أهل السنة والجماعة في خير أمة ، وإذا كان الخلاف بيننا وبينهم يبدأ من أركان الإسلام والإيمان ، التي يحفظها الأطفال عندنا ، فلا غرابة أن يحصل الخلاف في سائر الفروع والأصول ، بدءا من الكتاب والسنة ، وما أخذ منهما.
العلة التي من أجلها لا تقبل شهادة النساء
في الطلاق ورؤية الهلال(7)
كتب أبو الحسن الرضا في جواب ذلك فقال : علة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال، لضعفهن عن الرؤية ، ومحاباتهن النساء في الطلاق .
وأقول:(4/101)
هناك بعض الوقائع ، في قضايا النساء والطلاق ، لا يخبرها إلا النساء وشهادة العدول منهن من الأهمية بمكان ، وآية الدين في سورة البقرة أشارت إلى ذلك ، ومن المضحك فيما أورده شيخهم ، في تعليل منع النساء من الشهادة وتركها ، تعميم الغشاوة على عيونهن ، وضعفهن عن الرؤية ، بما يسمى علميا بقصر النظر الشديد . وشر البلية ما يضحك قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [ سورة البقرة الآية : 282 ] .
اختلاف الشهداء في الزنا والقتل
العلة التي من أجلها جعله في الزنا أربعة من الشهود
وفي القتل شاهدان (8)(4/102)
فقال : إن الله أحل لكم المتعة ، وعلم أنها ستنكر عليكم ، فجعل الأربعة الشهود احتياطا لكم لولا ذلك لأتى عليكم وقل ما يجتمع أربعة على شهادة بأمر واحد.
وأقول :
شاءت إرادة الحكيم الأعلى سبحانه ، أن يطهر أمة حبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم ، من أوضار الجاهلية وقبائحها ، لا سيما في العلاقات الإنسانية ، وانتهاك الأعراض والحرمات، مع التدرج في تطبيق الحكم الشرعي ، واستكمال جوانبه نحو الكمال الأعلى ، رحمة من الله بعباده ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ(4/103)
لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {143}) [ سورة البقرة الآية : 143 ] . ولمسنا هذه الحكمة العالية، في الموبقات الثلاث الكبرى ، كأم الخبائث الخمر والربا والزنا ، فقد استكملت دائرة بيان الحكم الشرعي ، الثابت لهذه الأمة، إلى يوم القيامة ، على مراحل ، كما هو مبين في منهج التشريع الإسلامي وأطواره المختلفة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، على رأس الجيش في غزوة خيبر ، في السنة السابعة من الهجرة، وذبح المسلمون ما تيسر لهم من الحمر الأهلية ، وكانت حلالا حتى هذه الساعة ، وغلت بها القدور لإطعام الجيش ، وإذ بالوحي الشريف يتنزل ، وينادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجيش ، بأن أكفئوا القدور ، ولا تأكلوا من الحوم الحمر الأهلية شيئا ، فإن الله عز وجل حرمها على الأمة، وحرم نكاح المتعة إلى يوم القيامة، ( انظر كتاب الصيد والذبائح في عمدة الأحكام وغيره ) فشذ الشيعة عن إجماع الأمة ، كشأنهم في معظم الأحوال، ومن البشائر النبوية الشريفة، ألا يجتمع أمر هذه الأمة على ضلالة أبدا ، وإلزام الروافض أنفسهم برفض منهج الله في هذا المقام، وظلت الحمر الأهلية ونكاح المتعة حلالا للشيعة الإمامية الجعفرية الاثني عشرية دون الأمة قاطبة، بل ودون سائر فرق الشيعة، التي تربو على المائة ، كما أشار إلى ذلك الإمامان ابن حزم في الفصل ، والشهرستاني في الملل والنحل.
وقد أكد العلم الحديث معجزة نبوية جديدة ، في تحريم لحوم الحمر الأهلية، بثبوت ارتفاع نسبة البولينا واليوريا بها، وصدق الحق سبحانه ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [ سورة الأعراف الآية : 157] , وليس ذلك بأقل خبثا، من استحلال نكاح المتعة ، واللوطية بالنساء ، إلى آخر المباحات الخاصة بالشيعة ، أبعدهم الله تعالى.
العلة التي من أجلها لا يحل طلاق الشيعة الثلاث
لمخالفيهم وطلاق مخالفيهم يحل لهم(9)(4/104)
سئل أبو الحسن الرضا، عن تزويج المطلقات ثلاثا . فقال : إن طلاقكم الثلاث لا يحل لغيركم، وطلاقهم يحل لكم ، لأنكم لا ترون الثلاث شيئا، وهم يوجبونها.
وأقول :
يقول الله تعالى في شأن خير الكتب ، المنزل على خير الأنبياء لخير الأمم ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) [ سورة الشعراء الآية : 159] لا التواء فيه ولا عوج، وأصول العقائد الشيعية ، نبتت على أرض الفرس الأعاجم ، بزراعة اليهود الذي نُفي زعيمهم إلى المدائن عاصمة فارس، على يد أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ بعد أن افتضح أمرهم في عهده ، وادعوا ألوهيته ، فأمر خادمه قنبر أن يؤجج النار وحرقهم فيها وقال :
لما رأيت الأمر أمرا منكرا ... ... أججت ناري ودعوت قنبرا(4/105)
وشفع عبد اله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لكبيرهم الحاخام عبد الله سبأ المنافق ، لعنة الله عليه ، الذي نقل عقائد اليهود ببصماتها الأصيلة تحت عباءة الإسلام المجوسي اليهودي ، ولهم فهم خاص لكل كلمة في القرآن ، لا يطاوعهم في ذلك عقل أو لغة، أو فهم إسلامي رشيد، إلا شياطين اليهود والمجوس ، فمثلا : الطلاق عندهم تسع ، مع أن الحق عز وجل يقول : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [ سورة البقرة الآية : 229 ] . وقد أخذ أهل السنة والجماعة بصريح الآية الواضح الجلي ، ورفض الروافض ، أخزاهم الله تعالى إلا أن يتبعوا غير سبيل المؤمنين ، والطلاق ، في الإسلام لا يلجأ إليه إلا كبديل للكفر أو القتل ، فلا بد أن تسبقه مراحل أربع ذات نفس طويل . (1) عظوهن فإن لم يجد كعلاج . (2) فالهجر في المضاجع ثم (3) اضربوهن ضربا غير مبرح ثم . (4) ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، (5) وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ، وذلك بإيقاع الطلقة الثالثة في طهر لم يجامعها فيه، وحينئذ لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ويموت عنها أو يطلقها قَدَرا دون ترتيب من العباد ، ونحن نرد على الشيعة : ( لكم دينكم ولي دين) ولا حرج فلديهم مصحف فاطمة، يختلف عما في أيدينا معشر أهل السنة والجماعة ، فضلا عن التفسيرات الخاصة ، المخالفة كما أسلفنا ، ويصدق فيهم قول الحق سبحانه (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {78}) [ سورة آل عمران الآية : 78 ] .(4/106)
يلوون أعناق الآيات القرآنية، بتفسيرات هميونية ، مناقضة للحق الذي نزلت به ، ويخرجون بها إلى ما يؤيد زيفهم وضلالهم ، فلا يعوزهم استخراج دليل ، لأي نقيصة فاجرة، مثل استحلال الدماء والأموال إلخ لأعدائهم ومخالفيهم ، من أهل السنة والجماعة ، بل واستحلال قتل أطفالهم دون الحلم ، وكل هذا الفكر هو الذي يعيد للأمة الإسلامية قوتها وعزتها بين أعدائها في عقيدتهم وحساباتهم ، تراه في مرجعهم الأصيل ، علل الشرائع للصدوق ، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
علل نوادر النكاح(10)
عن جعفر الصادق أنه قال : إنما صار الصداق على الرجل دون المرأة وإن كان فعلهما واحدا فإن الرجل إذا قضى حاجته منها قام عنها ولم ينتظر فراغها فصار الصداق عليه دونها لذلك.
أقول :
الرجل المسلم الكامل الرجولة ، لا يرضى لنفسه أن يكون تيسا أنانيا أرعن ، وما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط، والزوجة أمانة أمرنا الله بالإحسان إليها ، وأكد ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولفت أنظارنا إلى مقدمات اللقاء ، وأهميتها في التهيئة النفسية، حتى يأخذ بيدها إلى الذروة ويطفئ لهيب جذوتها، وإلا كان المسئول الأول ، عن جنوحها عن جادة الطريق الذي اختاره الله للمؤمنات الطاهرات، ولا يبرئ ذمة أشباه الرجال من التقصير في هذا الواجب ، أي صداق من الحطام الفاني ، مهما بلغ ، يمتهن به كرامتها وحقها، كشريكة عمر، ورفيقة حياة ، لا سيما والأدب الرفيع يهتف به قرآننا الخالد ، في قول الحق سبحانه ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) [ سورة النساء الآية : 4] أي عطية وهدية وهبة ، لأن العرض والشرف ، والكرامة الإنسانية للمؤمنة ، لا تقدر بكنوزها الدنيا وحطامها الفاني كله، ويحتاج ذلك إلى ذوق وأحاسيس مؤمنة، ومشاعر رفيعة عالية ( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً).[ سورة الإسراء الآية : 72] .(4/107)
لا سيما بعد قوله تعالى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) [من سورة البقرة الآية : 288] .
العلة التي من أجلها
يكره معاملة أصحاب العاهات(11)
قال الصدوق حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بإسناده رفعه قال : قال أبو عبد الله جعفر الصادق: احذروا معاملة أصحاب العاهات فإنهم أظلم شيء.
وأقول :
يتفق هذا مع ما تعارف عليه أهل الجهل والغلظة في قولهم ( كل ذي عاهة جبار) كالأعمى والأعرج ، مع أن حبيب رب العالمين محمدا صلى الله عليه وسلم آله وصحبه ، عاتبه ربه من فوق سبع سماوات ، من أجل امتعاض يسير في وجه أعمى لا يدري ( عَبَسَ وَتَوَلَّى {1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى {2} وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى {3} أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى {4}) [ سورة عبس الآيات : 1 : 4] وقد قال عز وجل في الحديث القدسي الشريف ( إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر لم أجد له جزاء إلا الجنة) وكذا الصابرون على البلاء ، من ذوي الابتلاءات والعاهات ، بشرهم ربهم بأعظم المثوبة والفضل ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [ سورة الزمر الآية : 10] . فهل من حق العبد أن يُهِين من أكرمه مولاه ، إنه حمق وجهالة وافتئات على الله تعالى ، لأنه وحده الرافع الخافض، والمعز المذل ، ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ، لكن الحكماء يقولون:
لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
اللهم أعذنا بفضلك من الحماقة والغباء ، والجهل وسائر الأدواء ، يا رب العالمين.
العلة التي من أجلها
يكره مخالطة الأكراد(12)
سأل رجل جعفر الصادق فقال له : إن عندنا أقواما من الأكراد ، يجيئونا بالبيع ونبايعهم ، فقال له : لا تخالطهم فإن الأكراد حي من الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطهم.
وأقول :(4/108)
جهالة تضحك الثكلى ، فآدم أبو البشر ، وإبليس أبو الجن ، وبمقتضى قولهم فالقائد المسلم الذي قلما يجود الدهر بمثله ، السلطان الناصر لدين الله ، صلاح الدين الأيوبي ، من أحفاد إبليس ، على حد تصنيفهم للخلائق، وعبارتهم أنهم أهل العلم اللدني ، لعلهم يصيبون ثأرا بهذه الفرية، من هذا القائد المغوار صلاح الدين الأيوبي ، الذي بيض الله به وجه أمة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم وطهر به أرض الكنانة من ضلالات الشيعة وشركهم ، وحَوَّل الأزهر على يديه من معمل لتفريخ العمائم الشيعية السوداء ، إلى الحصن الأول للعلوم الإسلامية ، والمنارة العلمية الأولى للعالم الإسلامي ، في مشارق الأرض ومغاربها ، [ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ] ، ولا عيب يرونه في الأكراد ، إلا أنهم جميعا من أهل السنة والجماعة ، وأحفاد قاهرهم صلاح الدين الأيوبي ـ رضي الله عنه.
العلة التي من أجلها يجب
الأخذ بخلاف ما تقول العامة(13)
قال أبو عبد الله جعفر الصادق ، أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة ، فقلت : لا ندري ، فقال : إن علياـ رضي الله عنه ـ لم يكن يدين لله بدين ، إلا خالف عليه الأمة إلى غيره ، وإرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون عليا عن الشيء الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ، ليلبسوا على الناس .
وعنه قال : إذا كنتم في أئمة الجور ، فامضوا في أحكامهم ، ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا ، وإن تعاملتم بأحكامهم كان خيرا لكم ، وسئل أبو الحسن الرضا ، حدث الأمر من أمري ، لا أجد بدا من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحدٌ أستفتيه من مواليك ؟ فقال إيت فقيه البلد فإذا كان ذلك فاستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ، فإن الحق فيه.
وأقول :(4/109)
(1) نجح ابن السوداء في استئصال خلاياهم عن جسد الأمة ، بوضع فتنة القاعدة الشيعية المتأصلة في دمهم والتي تقول : ( الرشد في خلافهم ) أي في خلاف إجماع السواد الأعظم لخير الأمم ، من أهل السنة والجماعة ، حتى يوم عرفة إذا صادف يوم جمعة مثلاً ، فيوم عرفة عند الشيعة الخميس أو السبت والسبت أولى لأنه يوم الرب لأجدادهم ، الوجه الآخر لعملة واحدة.
(2) قامت الحروب الطاحنة ، بين ملل الكفر بأوروبا وغيرها حتى بلغ الضحايا في الحرب العالمية الثانية، خمسين مليونا ، بين قتيل وجريح ومشوه ، واليوم تغيرت العقلية الأوربية الكافرة ، لترفع شعارات الوحدة الكاملة للولايات الأوربية ، في كل المجالات ، سواء الاقتصادية بتوحيد العملة والسوق الأوربية المشتركة ، والسياسية بالبرلمان الأوربي ، وإلغاء الحواجز والتأشيرات إلخ وكذا المجال العسكري، إلا الشيعة أبعدهم الله تعالى ، وشتت كيدهم، يرفضون كل حق وبرهان، سماهم السلف الصالح بالروافض لهذا، مما يشجع أعداء الإسلام على التفكير في إخماد جذوته ، واستئصال شأفته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
العلة التي من أجلها
يجلد ظل الذي يزعم أنه احتلم بأم غيره(14)(4/110)
بسندهم قال جعفر الصادق أن رجلا لقي رجلا على عهد أمير المؤمنين علي فقال له : إني احتلمت بأمك، فرفع إلى أمير المؤمنين فقال إن هذا افترى عليَّ . فقال : وما قال لك ؟ قال : زعم أنه احتلم بأمي. فقال: أمير المؤمنين في العدل إن شئت أقمته لك في الشمس وجلدت ظله ، فإن الحلم مثل الظل، ولكنا سنضربه إذا آذاك حتى لا يعود ويؤذي المسلمين ، وأقول : أنزه ساحة خير القرون ، من مثل هذه التفاهات الوضيعة ، وشأن أكرم القرون وأشرف الساحات ، علماء وعامة ، فضلاً عن أعلام القرة، الاشتغال بمعالي الأمور دون سفسافها ، ومن المعلوم في السنة : أن الرؤيا من الله والحلم من الشيطان ، ولا يحمل بضاعة الشيطان إلا شيطان ، ولكل ساقطة في الحي لاقطة.
وقد تعلمنا من الأدب النبوي الشريف، أن الحلم السيئ الشيطاني ، لا يقال ولا يحكى ، ويكتفى بالاستعاذة والتفل على اليسار ثلاثا، فإنها لا تضره .
هذا ما يعيه كل مؤمن ومؤمنة ، ويجهله شيوخ الشيعة جميعا.
ـــــــــــ
هوامش الفصل الرابع
(1) المرجع السابق ص : 499
(2) المرجع السابق ص : 500
(3) المرجع السابق ص : 502
(4) المرجع السابق ص : 503
(5) فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه ، عن النعمان بن بشير قال : تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عَمْرَة بنت رواحة ، لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي فقال له رسول الله : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال : لا . قال : اتقوا لله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي فرد تلك الصدقة.
(6) المرجع السابق ص : 506
(7) المرجع السابق ص : 508
(8) المرجع السابق ص : 509
(9) المرجع السابق ص : 511
(10) المرجع السابق ص : 513
(11) المرجع السابق ص : 526
(12) المرجع السابق ص : 527
(13) المرجع السابق ص : 531
(14) المرجع السابق ص : 544
الفصل الخامس
علل متفرقات
الفصل الخامس ـ علل متفرقات
علة المد والجزر (1)(4/111)
بسندهم إلى علي بن موسى الرضا ، عن آبائه عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن المد والجزر ما هما ؟ فقال: ملك موكل بالبحار يقال له رومان فإذا وضع قدمه في البحر فَاضَ وإذا أخرجها غاض .
وأقول :
نزه الله ساحة أمير المؤمنين أبي الحسن ، أن يقول شططا مناقضا للعقل ، ومبادئ العلم الحديث، من أطوال الجاذبية وآثارها وخواصها ، مما يتردد على ألسنة أطفالنا، بما لا يدع مجالا لزنديق ملحد يقول : الدين أفيون الشعوب ، ومبعث تخلفها وتعاستها، لأنه يعادي العلم، ويصادم العقل ، وينكر الحقائق العلمية الثابتة، مع أن مادة العلم دارت في القرآن الكريم أكثر من ثمانمائة مرة ، ولم تر البشرية كتابا يكرم العلم والعلماء أشرف من القرآن الكريم ، ولعل من مصحف فاطمة المحتبس في السرداب بسامراء مع الوهم المنتظر ما يحطم كل الأرقام ، ويلغي علوم البشرية وقرآنها إلى آخر خيالاتهم السقيمة التي تضحك الثكلى ولا عجب فقد قال الحق عز في علاه ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {41}) [ سورة المائدة : 41 ] .
علة الزلزلة (2)(4/112)
بسندهم عن جعفر الصادق قال : إن الله تعالى خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها ، فقالت حملتها بقوتي ، فبعث الله حوتا قَدْرَ شبر فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا ، فإذا أراد الله سبحانه أن يزلزل أرضا نزلت تلك الحوت الصغيرة فزلزلت الأرض فرقا.
أقول :
هذا لون الفكر والثقافة والعلم، لدى الرجل الثاني عندهم بعد الكليني ، من عصابة أصحاب الكتب الأربعة التي قوم عليها دين الشيعة الإمامية الجعفرية الاثني عشرية، أليس في ذلك أبلغ إساءة إلى عالم الحيتان ، فضلاً عن القرة الطاهرة من أحفاد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، أليس في هذا الهراء تشويه لاسم الإسلام الذي يتمسح به هؤلاء ، والذي قَدسَ العلم وأهله ، ورفعهم إلى أسمى المنازل ، وأرفع الدرجات ، يذكرني ما يسوقه رئيس المحدثين الشيعة في مجلداته الأربعة من كتابه من لا يحضره الفقيه وكذا علل الشرايع وغيرها بالدعاء النبوي الشريف ، الذي أجد فيه ملاذا من مرارة الأسى والحزن ، في قوله الشريف : ( اللهم إني أعوذ بك من عضال الداء ، وشماتة الأعداء ) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
العلة التي من أجلها صارت الغيبة أشد من الزنا (3)
بسندهم عن الحسن بن علي النعماني ، عن أسباط بن محمد ، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله : الغيبة أشد من الزنا فقيل يا رسول الله ولم ذاك ؟ قال صاحب الزنا يتوب فيتوب الله عليه ، وصاحب الغيبة يتوب فلا يتوب الله عليه ، حتى يكون صاحبه الذي اغتابه يحله.
وأقول :(4/113)
إذا كانت الغيبة طعن في عرض أخيك المسلم بالقول ، فإن الزنا طعن في عرض المسلم بالفعل ، على كل حال ، يستوي في ذلك الجاني وغيره ممن يلزمهم الحد والعقوبة الشرعية، وعقوبة الرمي بالزنا حدها ثمانون جلدة ، بخلاف الزنا فإنه أبشع وأعظم ، لكن عفو الله على التائبين أكبر ، ورحمته أوسع، قال تعالى في آيات وصف عباد الرحمن ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {69} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {70})[ سورة الفرقان الآيات : 68 : 70 ] .
وأهل التوبة النصوح في كنف مولاهم ، لا يبيض وجوههم بها في الدنيا ، ثم يبخل بستره عنهم يوم القيامة وهو الجواد الكريم ، الذي لا ييئس من رحمته إلا القوم الكافرون.
العلة التي من أجلها لا يجوز للرجل أن يتخذ
من النبط وليا ولا نصيراً
بسندهم عن جعفر الصادق قال : النبط ليس من العرب ولا من العجم فلا تتخذ منهم وليا ولا نصيرا ، فإن لهم أصولا تدعو إلى غير الوفاء ( النبط جيل من الناس يسكن سواد العراق : المصباح المنير مادة نبط ).
وأقول :(4/114)
تعلمنا من السنة الشريفة، أن كل مولود يولد على الفطرة ، وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، ولا يصح عقلاً وشرعا تعميم الحكم على طبائع الناس وأخلاقهم ، لاعتبارات الأعراق والبلدان ، لأنها من عطاء الله وفضله، وفق مشيئته العليا، وهو الذي يحكم ولا يُحكَم ، قال تعالى : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {32}) [ سورة الزخرف الآية : 32] . وها هي مكة أنجبت ألعن خلق الله عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي ( أبا جهل ) كما أنجبت أشرف خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم.
العلة التي من أجلها لا ترث المرأة مما ترك زوجها
من العقار شيئاً (4)
بسندهم عن ميسر قال : سألت جعفر الصادق عن النساء ، ما لهن من الميراث ؟ فقال : لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب ، فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما قلت: الثياب لهن ؟ قال: نصيبهن فيه قلت : كيف هذا ولهن الثمن والربع مسمى ؟ قال لأن المرأة ليس لها نسب ترث به وإنما هي دخلت عليهم ، وإنما صار هكذا لئلا تتزوج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحمون هؤلاء في عقارهم .
وأقول :(4/115)
كان المسلمون في صدر الإسلام يورثون المرأة من كل شيء تأخذ ما فرض الله لها في كتابه ، إلا عُدَّة الجهاد والغزو كالرماح والسيوف والدروع وغيرها، حتى نزل قول الحق جل وعلا ( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا {7}) [ سورة النساء الآية : 7] فأيقنت الأمة بمشروعية حق النساء في كل شيء ، من الميراث الشرعي بعد الوصية والدين، ولم يشذ عن إجماع الأمة تحت راية القرآن إلا الروافض اللعانين ، قبح الله وجوههم في الدارين ، فهم على طرفي نقيض . (1) عطاء لما لا تستحق إذا انفردت فلها كل التركة مع حرمان العصبة والأعمام ، كادعائهم الكاذب في فاطمة والعباس ، مع علم الجميع أن من خصوصيات الأنبياء لا يورثون فما تركوه صدقة. (2) أو حرمان من العقار والأرض ، كما في هذا الحديث المفترى، ومن مآثر البنات على أسرهن ، كما تقول العرب ، جَعْلُ الغرباء قرباء ، ولما كان العرض والشرف عندهم لا يقدر ، فساتره وحافظه بأمر الله ، وهو الصهر وزوج البنت ، في محل التجلة والتكريم ، لدى ذوي الأصالة والشرف والدين.
العلة التي من أجلها سميت قُمْ (5)(4/116)
بسندهم عن جعفر الصادق بن محمد الباقر قال : حدثني أبي عن جدي عن أبيه ـ رضي الله عنهم ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري بي إلى السماء حملني جبريل على كتفه الأيمن ، فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء ، أحسن لونا من الزعفران ، وأطيب ريحا من المسك ، فإذا فيها شيخ على رأسه برنس فقلت لجبريل : ما هذه البقعة الحمراء ؟ قال هذه بقعة شيعتك وشيعة وصيك علي. فقلت : من الشيخ صاحب البرنس ؟ قال : إبليس قلت : فما يريد منهم ؟ قال : يريد أن يصدهم عن ولاية أمير المؤمنين علي، ويدعوهم إلى الفسق والفجور فقلت : يا جبريل أهو بنا إليهم ، فأهوى بنا فقلت : قم يا ملعون فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم ، فإن شيعتي وشيعة علي ، ليس لك عليهم سلطان، فسميت قم لذلك.
وأقول :
(1) جريا على ما ألزموا أنفسهم به من الرفض والمخالفة لأهل السنة والجماعة ، ولو كان في ذلك إنكار ضوء الشمس في رابعة النهار ، أنكروا سيد الرسل بركوبه وإخوانه الأنبياء البراق في إسرائه ومعراجه ، واستبدلوها بالحمل على الكتف كما نصنع بالأطفال ، فأي الصورتين أليق بحبيب رب العالمين الأول محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه .(4/117)
(2) اقتباس مشوه ، من حديث بين الحق عز وجل واللعين إبليس ، حين رفض أمر الله بالسجود لآدم في [ سورة الإسراء من الآية 63 : 65] من قبل أن تخلق قم ، ومجوس فارس جميعا ، أبعدهم الله تعالى . وذلك في قوله سبحانه ( قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا {63} وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا {64} إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً {65}) فأين الإشارة إلى أوكار الكذابين بالوراثة من هذه الآية الشريفة ، والحكمة في هذا الشأن تقول : [ إذا كنت كذوبا فكن ذكوراً ] تفاديا لتناقض الأقوال وافتضاح الأحوال ، لكنه سهم القدر الذي لا مفر منه في قوله سبحانه ( وليخزي الفاسقين ) [ سورة الحشر الآية : 5].
علة صفرة لون المشمش
وحلاوة بعض نواها دون البعض (6)
بسندهم عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نبيا من أنبياء الله ، بعثه الله إلى قومه فبقي فيهم أربعين سنة فلم يؤمنوا به فكان لهم عيدٌ في كنيسة فاتبعهم ذلك النبي فقال لهم : آمنوا بالله قالوا له : إن كنت نبيا فادع لنا الله أن يجيئنا بطعام على لون ثيابنا، وكانت ثيابهم صفراء ، فجاء بخشبة يابسة ، فدعا الله تعالى عليها فاخضرت وأينعت ، وجاءت بالمشمش حملا، أكلوا ، فكل من أكل ونوى أن يسلم على يد ذلك النبي خرج ما في جوف النوى مِنْ فِيه حُلْوا ، ومن نوى أنه لا يسلم خرج ما في جوف النوى من فيه مُرا.
وأقول :(4/118)
يقول الحق سبحانه في حكمه العالية ( وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {4} ) [ سورة الرعد الآية : 4] . في الآية الشريفة إيقاظ الأذهان ، ولفت الأنظار ، إلى حكم الله المشاهدة صباح مساء ، حيث نرى الأرض متقاربة واحدة ، والشكل مختلف ، والماء واحد ، والطعون مختلفة تماما، وتلك إشارات حية، تتولى لذوي العقول ، لتذكرهم دائماً بآلاء الله ونعمه ، وعظيم قدرته ، وبالغ حكمته في بديع ما صنع وخلق فسوى ، فأين هذه اللمحات القدسية ، والإشارات الربانية ، لذوي العقول والبصائر ، من زفرات الحشاشين، وشطحات المعتوهين.
نواد العلل(7)
قال الصدوق : حدثني أبي عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبان بن الصلت قال : جاء قوم بخراسان إلى الرضا فقالوا : إن قوما من أهل بيتك يتعاطون أمورا منكرة فلو نهيتهم عنها، فقال: لا أفعل لأني سمعت أبي يقول النصيحة خشنة.
وأقول :
يقول الحق سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [ سورة المائدة الآية : 54 ] ، فلا إيمان بدون حب ، والنصيحة أولى ثمرات الحب الصادق لأنها لبابه ، فمن معانيها إرادة الخير للغير ، أو للمنصوح له كائنا من كان ، ومن الإشارات النبوية الشريفة في هذا المقام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) (8) ونلمح من بين الكلمات والأسطر في هذا الحديث أمورا عجيبة أهمها:(4/119)
(1) بصمات الديانة اليهودية المبنية على مباركة الفساد وتشجيعه ، ولو بالسكوت فلم ينجح ابن سبأ الذي صاغ عقائد الشيعة ، أن يخفي وجهه اليهودي القبيح ، في ثنايا ما صاغ وتفنن ، في حبك الفتن والدسائس والمؤامرات ، والمنهج اليهودي الأصيل ، الذي فضحه وأزال أقنعته الكاذبة مثل قول الحق سبحانه : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ {78} كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ {79}) [ سورة المائدة : الآيتان : 78، 79] .(4/120)
(2) برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ذمته بتحذير أمته ، من مغبة التقليد الأعمى لليهود والنصارى في طبائعهم وأخلاقهم ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال : فمن ؟ ) ولقد شاهدت بنفسي صورا واقعية مما ألفهُ القوم في أوروبا وأمريكا ، يخجل القلم عن تسطيره ، يأتون في ناديهم المنكر دون حياء أو خجل ، تحت شعار : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ، والأعجب من ذلك !! تحذير إخواننا المرافقين ، أن تبدو علينا ملامح الدهشة والغرابة والإنكار ، فنستعديهم في مستنقعات أنسهم !! أيليق أن يُرى مثل هذا على التراب الإسلامي تحت أي مسمى دون نكير ، ولقد وصم القرآن العزيز اليهود والنصارى بعار السكوت على المنكر على ألسنة أنبيائهم في قوله سبحانه (كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) [ من سورة المائدة الآية : 79 ] . والساكت عن الحق شيطان أخرس وشريك للمجرم والظالم في فجره وإثمه ، وقد ورد في الأثر ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب) وقد أخرج الإمام البخاري في كتاب الفتن من الجامع الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم مهموما على أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ وهو يقول : لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، ثم قالت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال : نعم إذا كثر الخبث وهو شيوع الفساد والفاحشة دون تقويم أو إنكار.(4/121)
(3) أشرف نسب يبيض الوجوه في الدارين ، هو تقوى الله عز وجل والاعتصام بحبله وأي نسب لا يتوج بها ، فإلى الجحيم ، فقد رفع الإسلام سلمان فارس ، وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب ، ومن الثوابت الأصيلة التي لا ينهض الإسلام بدونها ، النصيحة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه [ الدين النصيحة ] (9) وترك النصيحة ترك للدين ، وإهمالها إهمال له ، وتلك من أخلاق اليهود وما جبلوا عليه ، ونبرئ ساحة أهل البيت مما دسه الكاذبون الأدعياء ، الذين يتعبدون بالكذب على الله تعالى ، وأخزاهم الله في الدارين.
باب النوادر (10)
قال الصدوق عن المفضل بن عمر قال : سألت جعفر الصادق بن محمد الباقر ـ رضي الله عنهما ـ عن الطفل يضحك من غير عجب ، ويبكي من غير ألم فقال : يا مفضل ما من طفل إلا وهو يرى الإمام ويناجيه ، فبكاؤه لغيبة الإمام عنه ، وضحكه إذا أقبل عليه.
وأقول :
من المفاهيم الشائعة بيننا أن الأطفال أحباب الله مرفوع عنهم قلم التكليف حتى أطفال الكفار إذا ماتوا دون الحلم لا يعذبون ، بل ولدان مخلدون في الجنة ، إن شاء الله تعالى ، وهذا الحديث يوقظ بعض المفاهيم الخاصة عند الشيعة ذكرها الصدوق هنا منها :(4/122)
(1) حل قتل أطفال المسلمين عند الشيعة ، وتلك الكارثة من الخبايا والأسرار الخاصة لدى الشيعة، لا يصح أن يطلع عليها عندهم إلا كل مؤمن مستبصر شيعي ، أما سائر أفراد الأمة الملعونة ، قتلة الحسين لا سيما المغفلين ، وغير المدركين لحقائق الأمور ، ممن سوى الشيعة فقد توعد الشيخ الصدوق رئيس المحدثين الشيعة، في آخر سطرين من هذا الكتاب ، من يكشف شيئا من خباياهم ، تجاه ألعن أعدائهم من محبي أبي بكر وعمر وعثمان ، الذين يدخلون بذلك في زمرة قتلة الحسين، ولا يعدمون بطريقتهم الخاصة في لي أعناق آي الذكر الحكيم، أن يستخرجوا دليلاً قرآنيا ، يشبع نهمهم في إراقة دماء أطفال أهل السنة ، حسب ما صاغهم عليه شياطين الحاخام اليهودي عبد الله بن سبأ مؤسس عقائد الشيعة ، وذلك بمثل قوله تعالى: على لسان نوح في شأن قومه ( رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا {26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا {27}) [ سورة نوح الآيتان : 26 ، 28] . ونسي الكذابون من ذوي الحماقة والجرأة على الله تعالى وقرآنه الحكيم ، أن نوحا عليه السلام، وهو أول أولي العزم من الرسل بعثا ، صبر على أذاهم ألف سنة إلا خمسين عاما حتى مقتهم الله، وأغلق باب الرجاء والأمل فيهم جميعا، بقوله لرسوله نوح (وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) [ سورة المؤمنون الآية : 27] . وقوله سبحانه ( أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ) [ سورة هود من الآية : 36 ] والله سبحانه له الخلق والأمر ، لا يُسأل عما يفعل ، حينئذ طلب نوح تطهير أرض الله باستئصال شأفتهم.(4/123)
(2) وبمقتضى ما سبق ، يمكن القول بأن الحديث أعلاه ، خاص بأطفال الشيعة، فهم دون سواهم ، إن صح التعبير بلغة العصر ، مبرمجون على الضحك، لرؤية الإمام والبكاء لغيبته، إذ لو كان هذا الحال عاما يشمل أطفال أهل السنة والجماعة، لطالبنا الشيعةَ بحقن دمائهم ، وإلغاء الأحاديث التي تزكي حل قتلهم ، لدى كبار أعلامهم مثل الكليني والصدوق إلخ ، ولا رجاء في زحزحة هذا الفكر أو تغييره أو تعديله إلا بقدرة رب القوى والقدر وحده ، دون سواه ، لأن عقولهم يبست على هذه المشارب ، وتحجرت على منوالها.
(3) وإتماما للفائدة ، لنا أن نتساءل في دهشة ، إذا كانت رؤية الإمام أو عدمها خاصة بمن حقنت دماؤهم من أطفال الشيعة ، دون الأمة الإسلامية قاطبة، مع أن الظاهر والمشاهد توحد الظواهر الطبيعية مثل الضحك والبكاء لدى الأطفال عامة، فما الذي يضحك أطفالنا معشر أهل السنة والجماعة أو يبكيهم ، هل رؤية إبليس وحرمه أم ماذا ؟ حقا: إن شر البلية ما يضحك.
الشهوة مع الإحرام (11)
بسندهم عن أبي عبد الله جعفر الصادق قال : قلت له : مُحْرِمٌ نظر إلى ساق امرأة فأمنى قال : إن كان موسرا فعليه بدنة وإن كان بين ذلك فعليه بقرة، وإن كان فقيرا فعليه شاة ، أما إني لم أجعل عليه من أجل الماء ، ولكن من أجل أنه نظر إلى ما لا يحل له.
وأقول:(4/124)
غيرة محمودة على الشرف والأعراض والحرمات ، وعقوبة زاجرة من أجل أنه نظر إلى ما لا يحل له ، هذا في النظر فقط ، فما بالنا باستحلال أحد أنكحة الجاهلية ، تحت مسمى شرعي عندهم ، وهو نكاح المتعة ولا يحتاج إلى شهود قط ، ولا ولي ، بل يكتفي بالشريكين في الجريمة والأجر الذي تقبضه ، وثمرة الفاحشة المضيعة بلا أب في أحشائها، وأقل مدة لعقد الخزي والمهانة ، والكذب على الله ورسوله ، وطأة واحدة، وعليه أن يحول وجهه فور السحب ، دون إعادة النظر إلى الفرج ، لأنها تحرم عليه بالسحب ، والعقد شريعة المتعاقدين ، ولا يترتب على هذا التيس ، أي مسئوليات مادية ، إلا خزي الدارين إن شاء الله.
تكريم الحيوان دون الإنسان عندهم(12)
بسندهم عن أبي عبد الله جعفر الصادق قال أصاب بعير لنا علة ونحن في ماء لبني سليم فقال الغلام يا مولاي أنحره ؟ قال : لا تريث فلما سرنا أربعة أميال قال : يا غلام ، انزل فانحره ، ولأن تأكله السباع أحب إلي من أن تأكله الأعراب ، وأقول : منطق يجافي سماحة الإسلام وروح السنة النبوية الشريفة وصريح القرآن العزيز ، فقد تعلمنا من دروس النقاء والصفاء للفطرة الإسلامية ، الحكم بطهارة جسد أبي جهل بن هشام ، فرعون هذه الأمة الأول، حيا وميتا، لأن الله سبحانه وتعالى يقول (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {70}) [ سورة الإسراء الآية : 70] .(4/125)
وتعلمنا من دروس السنة الشريفة ، أنه ما من عبد يزرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة ، إلا كان له به صدقة، وهي من أبواب الصدقات الجارية بعد موته ، وأكرم الآكلين على الله، الإنسان ولو كان كافرا ، فلا ينقض الكفر طهارته حيا وميتا كما سلف، وحسابه على خالقه ورازقه سبحانه وتعالى، ولا أرى في الأحقاد المتوارثة، إلا بقايا الخلايا السرطانية، التي زرعها في النفوس المهيأة لذلك، الحاخام اليهودي عبد الله بن سبأ مؤسس فكر الوصي وولي العهد ، ومشوه وجه الطليعة الرائدة لأشرف الأمم.
حل دماء المسلمين وأموالهم (13)
بسندهم عن داود بن فرقد قال : قلت لجعفر الصادق ـ رضي الله عنه ـ ما تقول في قتل الناصب قال : حلال الدم لكني أتقي عليك ، فإن قدرت على أن تقلب عليه حائطا، أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل ، قلت : فما ترى في ماله ؟ قال تَوَّه ما قدرت عليه.
وأقول:(4/126)
من خبايا أسرارهم اليهودية، استباحة الدم والمال والعرض للمسلمين ، وقد صنع لهم بديلا لحائط المبكى اليهودي ، المجاور للمسجد الأقصى ، هو ذكرى استشهاد الحسين، حيث يلطخون وجوههم بالسواد في عاشوراء، ويضربون أجسادهم بالسلاسل، مولولين بصيحات الحدَاد والعويل ، أطفالا ورجالا ونساء ، وقد قامت المؤسسة الإعلامية البريطانية ( بي بي سي) بتصوير فيلم مدته ثلاث ساعات تحت عنوان ( عاد سهم الإسلام للانطلاق من جديد) واستثمروا مثل هذه الصور، والأحداث المخزية، لتشويه وجه الإسلام العزيز، في عيون أهل الغرب عامة، والقرآن العزيز يذكرنا بدعاء الصالحين ( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) [ سورة الممتحنة الآية : 5] أي وجها مشينا قبيحا ، لأشرف منهج وأكرم رسالة على الله تعالى، ومن صور الثأر لدم الحسين، قتل المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم ، إلى يوم القيامة، حتى يتولى الوهم المنتظر قتل الأئمة الخلفاء ، وأعلام الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من سائر أهل السنة والجماعة، يقتل كل يوم مائة ممن يحييهم الله تعالى له ، للمجزرة البشرية اليومية على يديه، فهل يرجى للأمة أمان ، مع هذا الفكر السرطاني المدمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الناصب كل مبغض للشيعة (14)
بسندهم عن عبد الله بن سنان ، عن جعفر الصادق ـ رضي الله عنه ـ قال : ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ، لأنك لا تجد رجلا يقول : أنا أبغض محمداً أو آل محمد ، ولكن الناصب من نصب لكم، وهو يعلم أنكم تتولوننا ، وأنكم من شيعتنا ، وفيه بسندهم عن علي بن أبي طالب قال: إن لله في وقت كل صلاة يصليها هذا الخلق لعنة، قيل له ولم ذلك؟ قال: لجحودهم حقنا وتكذيبهم إيانا.
وأقول :(4/127)
أقرَّ الخبثاء أبعدهم الله تعالى، أن أهل السنة المعروفون عندهم بالنصَّاب ، يعتبرون محبة آل البيت وتوقيرهم من الإيمان ، وبغضهم من النفاق البعيد عن ساحة الإيمان ، ويعتبرون الشيعة وآل البيت على طرفي نقيض، لأنه من أحب في الله، وأبغض في الله ، وأعطى لله ، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان، والشيعة مرضى بداء الشرك الصريح الأكبر، إذ ينسبون الكثير من صفات الرب سبحانه ، لابن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وأولاده تأليها له ، إما بطريق مباشر صريح أو غير مباشر مستتر فإذا قرأت من صفات الحق سبحانه أنه لا ينسى ، خلافا لخلقه جميعا ، ومن آدمهم إلى محمد صلوات الله عليه، قال تعالى : ( لا يضل ربي ولا ينسى ) [ سورة طه الآية : 52] ، ( وما كان ربك نسيا) [ سورة مريم الآية : 64] قالت الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية ( علي لا ينسى ولا يسهو وكذا بنوه حتى الوهم المنتظر وإذا قال المؤمنون الله أكبر، تسمي الشيعة أولادها( علي أكبر ) وتلاحقهم دائما وصمة قول الحق سبحانه : ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {45} قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)[ سورة الزمر الآيتان : 45، 46 ] وتؤذي مشاعرهم جدا صيحات الآذان في كل وقت للصلاة ، كشأن سائر الخصوم والأعداء للإسلام ، فيردون عليها باللعنات للمؤمنين ، حتى انتظموا مع من وصفهم الحق بقوله عز شأنه ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ {58} ) [ سورة المائدة الآية : 58] .
البصمات اليهودية
لشعب الله المختار في وجهه الشيعي (15)(4/128)
قال الصدوق : عن أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن محمد السياري قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن مهران الكوفي قال : حدثني حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق الليثي قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يا ابن رسول الله أخبرني عن المؤمن المستبصر إذا بلغ في المعرفة وكمل هل يزني ؟ قال : اللهم لا ، قلت : فيلوط ؟ قال : اللهم لا ، قلت : فيسرق ؟ قال : لا ، قلت : فيشرب الخمر؟ قال : لا ، قلت : فيأتي بكبيرة من هذه الكبائر أو فاحشة من هذه الفواحش ؟ قال : لا ، قلت : فيذنب ذنباً ؟ قال : نعم هو مؤمن مذنب ملم ، قلت : ما معنى ملم قال : الملم بالذنب لا يلزمه ولا يصير عليه قال : فقلت سبحان الله ما أعجب هذا لا يزني ولا يلوط ولا يسرق ولا يشرب الخمر ولا يأتي بكبيرة من الكبائر ولا فاحشة ، فقال: لا عجب من أمر الله ، إن الله تعالى يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فمم عجبت يا إبراهيم ؟ سل ولا تستنكف ولا تستحي فإن هذا العلم لا يتعلمه مستكبر ولا مستحي ، قلت : يا ابن رسول الله إني أجد من شيعتكم من يشرب الخمر ويقطع الطريق ويخيف السبل ويزني ويلوط ويأكل الربا ويرتكب الفواحش ، ويتهاون بالصلاة والصيام والزكاة ، ويقطع الرحم، ويأتي الكبائر، فكيف هذا ولم ذلك؟ فقال: يا إبراهيم هل يختلج في صدرك شيء غير هذا ، قلت: نعم يا ابن رسول الله أخرى أعظم من ذلك ، فقال: وما هو يا أبا إسحاق ؟ قال : فقلت يا ابن رسول الله وأجد من أعدائكم ومناصبيكم من يكثر من الصلاة ومن الصيام ، يخرج الزكاة ، ويتابع بين الحج والعمرة ويحرص على الجهاد، ويأثر على البر وعلى صلة الأرحام ويقضي حقوق إخوانه ويواسيهم من ماله، ويتجنب شرب الخمر والزنا واللواط، وسائر الفواحش فمم ذاك؟ ولم ذاك؟ فسره لي يا ابن رسول الله وبرهنه وبينه ، فقد والله كثر فكري وأسهر ليلي، وضاق ذرعي ، قال: فتبسم الباقر(4/129)
صلوات الله عليه ، ثم قال: يا إبراهيم خذ إليك بياناً شافياً فيما سألت ، وعلماً مكنوناً من خزائن علم الله وسره، أخبرني يا إبراهيم كيف تجد اعتقادهما قلت: يا ابن رسول الله أجد محبيكم وشيعتكم على ما هم فيه مما وصفته من أفعالهم لو أعطي أحدهم ما بين المشرق والمغرب ذهباً وفضة أن يزول عن ولايتكم ومحبتكم إلى موالاة غيركم وإلى محبتهم ما زال ، ولو ضرب خياشيمه بالسيوف فيكم، ولو قتل فيكم ما ارتدع ولا رجع عن حبتكم وولايتكم ، وأرى الناصب على ما هو عليه مما وصفته من أفعالهم لو أعطي أحدهم ما بين المشرق والمغرب ذهباً وفضة أن يزول عن محبة الطواغيت وموالاتهم إلى موالاتكم ما فعل ولا زال ولو ضربت خياشيمه بالسيوف فيهم ولو قتل فيهم ما ارتدع ولا رجع وإذا سمع أحدهم منقبة لكم ، وفضلاً اشمأز من ذلك وتغير لونه ورئي كراهية ذلك في وجهه بغضاً لكم ومحبة لهم ، قال : فتبسم الباقر عليه السلام، ثم قال: يا إبراهيم هاهنا [ هلكت العاملة والناصبة تصلى ناراً حامية تسقى من عين آنية] ومن أجل ذلك قال تعالى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنثُورًا) [ سورة الفرقان الآية : 23] ويحك يا إبراهيم ، أتدري ما السبب والقصة في ذلك، وما الذي قد خفي على الناس منه ، قلت : يا ابن رسول الله فبينه لي واشرحه وبرهنه ، قال: يا إبراهيم إن الله تبارك وتعالى لم يزل عالماً قديماً ، خلق الأشياء لا من شيء ، ومن زعم أن الله تعالى خلق الأشياء من شيء فقد كفر، لأنه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الأشياء قديما معه في أزليته وهويته ، كان ذلك الشيء أزلياً ، بل خلق الله تعالى الأشياء كلها لا من شيء ، فكان مما خلق الله تعالى أرضاً طيبة، ثم فجر منها ماء عذباً زلالا، فعرض عليها ولايتنا أهل البيت، فقبلتها فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام طبقها وعمها، ثم أنضب ذلك الماء عنها، فأخذ من صفوة ذلك الطين طيناً فجعله طين الأئمة(4/130)
عليهم السلام ، ثم أخذ ثفل ذلك الطين، فخلق منه شيعتنا ، ولو ترك طينتكم ، يا إبراهيم على حالة كما ترك طينتنا لكنتم ونحن شيئاً واحداً، قلت : يا ابن رسول الله فما فعل بطينتنا ؟ قال أخبرك يا إبراهيم خلق الله تعالى بعد ذلك أرضاً سبخة خبيثة منتنة ، ثم فجر منها ماء أُجاجاً آسنا مالحاً فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فلم تقبلها فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام حتى طبقها وعمها ، ثم نضب ذلك الماء عنها، ثم أخذ من ذلك الطين فخلق منه الطغاة وأئمتهم ، ثم مزجه بثفل طينتكم، ولو ترك طينتهم عَلَى حالها ولم يمزج بطينتكم لم يشهدوا الشهادتين ، ولا صلوا ، ولا صاموا ، ولا زكوا ، ولا حجوا ، ولا أدوا الأمانة ، ولا أشبهوكم في الصور، وليس شيء أكبر على المؤمن من أن يرى صورة عدوه مثل صورته ، قلت: يا ابن رسول الله فما صنع بالطينتين ، قال : مزج بينهما بالماء الأول والماء الثاني، ثم عركها عرك الأديم ، ثم أخذ من ذلك قبضة، فقال: هذه إلى الجنة ولا أبالي، وأخذ قبضة أخرى، وقال: هذه إلى النار ولا أبالي ، ثم خلط بينهما فوقع من سنخ المؤمن وطينته على سنخ الكافر وطينته ، ووقع من سنخ الكافر وطينته على سنخ المؤمن وطينته ، فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط، أوترك صلاة أو صوم أو حج أو جهاد أو خيانة أو كبيرة من هذه الكبائر فهو من طينة الناصب وعنصره الذي قد مزج فيه ، لأن من سنخ الناصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والفواحش والكبائر، وما رأيت من الناصب من مواظبته على الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وأبواب البر، فهو من طينة المؤمن وسنخه الذي قد مزج فيه ، لأن من سنخ المؤمن وعنصره وطينته ، اكتساب الحسنات واستعمال الخير واجتناب المآثم ، فإذا عرضت هذه الأعمال كلها على الله تعالى قال : أنا عدل لا أجور ، ومنصف لا أظلم ، وحكم لا أحيف ولا أميل ولا أشطط ، ألحقوا الأعمال السيئة التي اجترحها المؤمن بسنخ الناصب وطينته ، وألحقوا(4/131)
الأعمال الحسنة التي اكتسبها الناصب بسنخ المؤمن وطينته، ردوها كلها إلى أصلها، فإني أنا الله لا إله إلا أنا عالم السر وأخفى ، وأنا المطلع على قلوب عبادي لا أحيف ولا أظلم ، ولا ألزم أحداً إلا ما عرفته منه قبل أن أخلقه ، ثم قال الباقر عليه السلام، اقرأ يا إبراهيم هذه الآية قلت : يا ابن رسول الله أية آية ، قال : قوله تعالى ( قال معاذ الله أن نأخذ (16) إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون ) وهو الظاهر ما يتفهمونه هو والله في الباطن هذا بعينه ، يا إبراهيم إن للقرآن ظاهراً وباطناً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وناسخاً ومنسوخاً ، ثم قال : أخبرني يا إبراهيم عن الشمس إذا طلعت وبدا شعاعها في البلدان ، أهو باين من القرص؟ قلت : في حال طلوعه باين، قال: أليس إذا غابت الشمس اتصل ذلك الشعاع بالقرص حتى يعود إليه ؟ قلت: نعم، قال : كذلك يعود كل شيء إلى سنخه وجوهره وأصله ، فإذا كان يوم القيامة نزع الله تعالى سنخ الناصب وطينته مع أثقاله وأوزاره من المؤمن فيلحقها كلها بالناصب، وينزع سنخ المؤمن وطينته مع حسناته وأبواب بره واجتهاده من الناصب فيلحقها كلها بالمؤمن ، أفترى هاهنا ظلماً أو عدواناً ؟ قلت : لا يا ابن رسول الله ، قال : هذا والله القضاء الفاضل ، والحكم القاطع ، والعدل البين، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، هذا يا إبراهيم الحق من ربك فلا تكن من الممترين ، هذا من حكم الملكوت ، قلت : يا ابن رسول الله وما حكم الملكوت ؟ قال : حكم الله حكم أنبيائه ، وقصة الخضر وموسى عليهما السلام حين استصحبه ، فقال : ( قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا {67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا {68} ) [ سورة الكهف الآيتان : 67 ، 68 ] افهم يا إبراهيم واعقل ، أنكر موسى على الخضر واستفظع أفعاله، حتى قال له الخضر يا موسى ما فعلته عن أمري ، إنما فعلته عن أمر الله تعالى ، من هذا ويحك يا إبراهيم ،(4/132)
قرآن يتلى وأخبار تؤثر عن الله تعالى، من رد منها حرفا فقد كفر ، وأشرك ورد على الله تعالى.
قال الليثي : فكأني لم أعقل الآيات ، وأنا أقرؤها أربعين سنة، إلا ذلك اليوم فقلت يا ابن رسول الله ما أعجب هذا ! تؤخذ حسنات أعدائكم فترد على شيعتكم وتؤخذ سيئات محبيكم فترد على مغبضيكم ؟ ! قال : أي والله الذي لا إله إلا هو ، فالق الحب والنوى ، وبارئ النسمة ، وفاطر الأرض والسماء ، ما أخبرتك إلا بالحق ، وما أنبأتك إلا الصدق ، وما ظلمهم الله، وما الله بظلام للعبيد ، وإن ما أخبرتك لموجود في القرآن كله ، قلت : هذا بعينه يوجد في القرآن ، قال: نعم يوجد في أكثر من ثلاثين موضعاً في القرآن ، أتحب أن أقرأ ذلك عليك؟ قلت بلى يا ابن رسول الله ، فقال: قال الله تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {12} وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ) [ سورة العنكبوت الآيتان : 12 ، 13 ] الآية ، أزيدك يا إبراهيم؟ قلت : بلي يا ابن رسول الله قال : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ {25}) [ سورة النحل الآية : 25] أتحب أن أزيدك ؟ قلت : بلى يا ابن رسول الله ، قال ( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {70}) [ سورة الفرقان الآية: 70] يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات، ويبدل الله حسنات أعدائنا سيئات ، وجلال الله إن هذا لمن عدله وإنصافه لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ، وهو السميع العليم، ألم أبين لك أمر المزاج والطينتين من القرآن ؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله ، قال: اقرأ يا إبراهيم : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ(4/133)
كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ) [ سورة النجم الآية : 32] . يعني من الأرض الطيبة والأرض المنتنة : ( فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) [ سورة النجم الآية : 32 ] يقول لا يفتخر أحدكم بكثرة صلاته وصيامه وزكاته ونسكه ، لأن الله تعالى أعلم بمن اتقى منكم فإن ذلك من قبل اللمم ـ وهو المزاج ـ أزيدك يا إبراهيم؟ ، قلت : بلى يا ابن رسول الله قال : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ {29} فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ ) [ سورة الأعراف الآيتان : 29 ، 30 ] يعني أئمة الجور دون أئمة الحق: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) [ سورة الأعراف الآية : 30] خذها إليك يا أبا إسحاق فوالله إنه لمن غرر أحاديثا وباطن سرايرنا ومكنون خزائننا، وانصرف ولا تطلع على سرنا أحداً إلا مؤمناً مستبصراً فإنك إن أذعت سرنا بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك .
تم الكتاب
التقية وتضليل المنكرين لضلالاتهم
يردون على من ينكر عقائدهم الشاذة ، ومعاداتهم للعلم والدين والعقل الرشيد، بأن المُحْدَثِين تحرروا من كثير من الأفكار القديمة التي لا تساير عقول المعاصرين وينكرها كل عاقل رشيد ، وأنها من خصوصيات غلاتهم دون سائر الطائفة ، وهذا لون من ألوان تضليل المغفلين، ومن يجهلون أحوالهم وخبايا عقائدهم السرية وثوابتهم ، بما يعرف في عقائدهم بالتقية، وهي الكذب والتعمية ، ولا يزداد إلا تشددا في الباطل عن أسلافهم ، والدليل الذي يدحض ادعاءاتهم التقرير المرفق عن كتاب حديث معاصر لأحد أعلامهم هو كتاب الجمعة للشيخ مرتضى الحائري المتوفى سنة 1406هـ وهو من الكتب التي يحاولون إدخالها لمصر ضمن خطتهم في الغزو الفكري لديار الإسلام الحق.(4/134)
تقرير علمي عن كتاب صلاة الجمعة
تأليف مرتضى الحائري المتوفى سنة 1406 هـ.
الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي قم إيران.
عدد الصفحات 333 من القطع الكبير
ملاحظة ومخالفة (ص 6) :
1 ـ تأذن الحق تبارك وتعالى ألا تجتمع أمة حبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم على ضلالة أبدًا قال تعالى: ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [ سورة النساء الآية: 115] .
ومن مآثر الفاروق رضوان الله عليه جمع الأمة على التاريخ الهجري بالأهلة ، وكشأن الشيعة دائماً رفضوا اتباع سبيل المؤمنين، وما أجمعت عليه الأمة ، وأنشؤوا ما أطلقوا عليه الهجري الشمسي المختلف وفق أعياد النيروز المجوسية ترى ذلك في كلمة التعازي للخوميني إلى الوهم المنتظر عندهم ص 6 .
2 ـ عدم وجوب الجمعة حتى يخرج المهدي من السرداب ( ص 72 ) [ إجماع الطائفة على أن الوجوب الحتمي في حال الغيبة ( أي غيبة الوهم المنتظر عندهم ) منتف بالنسبة للجمعة لأنها من شأن الإمام المعصوم المنصوب من قبله ، مستدلين في ذلك بقول أئمتهم [ لنا الخمس ولنا الأنفال ولنا الجمعة ولنا صفو المال ] ص 89 .
وأقول :(4/135)
هذه الخصوصيات تجاوزوا فيها حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفوقوا عليه ، لأنه كان يقسم وفق ما أمره مولاه وما نزل به جبريل في آيات الغنيمة من سورة الأنفال : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {41}) [ سورة الأنفال الآية : 41] . والفيء في سورة الحشر وبني النضير : ( مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {7} ) [ سورة الحشر الآية : 7] . كان صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنة وما بقي من حقه الشرعي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل أي يدعم به الجيش والمجاهدين في سبيل الله.(4/136)
3ـ ورد في (ص 88) روى الصدوق قال عن أبي ، عن أبي عبد الله قال : [ إني لأحب للمؤمن ( للرجل ) ألا يخرج من الدنيا حتى يتمتع ولو مرة وأن يصلي الجمعة في جماعة أي مع المعصوم ] نكاح المتعة من أنكحة الجاهلية نزل جبريل بتحريمه ولحوم الحمر الأهلية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على رأس الجيش في خيبر ورفض الشيعة الروافض هذا التشريع برمته، وتمسكوا بحل المتعة، ولحوم الحمر الأهلية إلى يوم القيامة والإمامية الجعفرية الاثنا عشرية هم الفرقة الوحيدة ( من الشيعة الذين تَرْبُو فرقهم على المائة ) القائلون وحدهم بحل نكاح المتعة والحمير، وأقل مدة له وطأة واحدة ، وأركانه ثلاثة : زان وزانية والجعل ، ولا يحتاج أي نكاح لدى الشيعة إلى شهود إلخ ، وفيه أبشع جرأة على الله تعالى، وعلى رسوله ، وعلى الشريعة الإسلامية المبرأة من هذا التشويه المخزي ، أخزاهم الله تعالى.
ورد في ص 242 في شأن الخطبتين [ والأقرب عدم اشتراط الطهارة كما أفتى به في الشرائع أيضاً ونقله في الجواهر عن النافع .. ] ثم قال : [ لم أقف على قائل بوجوبها على المأموم ] " الجواهر ج 11 ص 237" وهذا مخالف تماما للعقل والنقل وإجماع الأمة .
4 ـ قال في ص 95 [ الإسلام والتشيع حق بلا شبهة ولا ريب وسبب الانحراف عن علي وولده عليهم السلام واضح جدا . !!!] .
فإن سببه هو العدَّة ( العصابة ) التي كانوا بصدد قتل النبي صلى الله عليه وسلم في القصة ، وهم كانوا مصممين على رئاسة المملكة الإسلامية ، واجترؤوا عليها، بملاحظة الأحقاد الكامنة في نفوس جمع ، وبغضهم لعلي عليه السلام من جهة كثرة نصرته للإسلام وقتله لأقربائهم ، فالمقدس المنزه منهم من كان ساكتا عن هذا الأمر ... إلخ ] .(4/137)
أي فالمنزه والمقدس من الصحابة شيطان أخرس وشريك لأهل الإثم ، بمقتضى الحكم النبوي الجلي في شأن الإغضاء عن تغيير المنكر بوسائله الشرعية ونصرة الحق ، وتلك جريمة في الإسلام ، ألحق الله عارها باليهود إلى يوم القيامة [ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ] .
حكمهم بكفر أهل السنة والجماعة وعدم قبول عبادتهم
جاء في ص 322 [ أنه لا يقبل الله تعالى شيئا ، ما لم يؤمن به وبرسوله وأوصيائه ( ثم أورد على الأول ) بإمكان حصول قصد التقرب من بعض الكفار المعتقدين بالله تعالى خصوصا من منتحلي الإسلام الذين أنكروا بعض ضروريات كالخوارج والنواصب] ومعنى النواصب ( كل من يحب أبا بكر وعمر وعثمان ورضي بهم خلفاء قبل علي ) . ( وهم مستباحو الدم والمال والعرض وقتل أطفالهم بالأدلة الشرعية الثابتة عند الشيعة) .
وأقول :
هل بهذه المعتقدات العفنة التي يحملون لواءها إلى القرن الجديد يمكن مواجهة تداعي أمم الكفر على بيضة الإسلام من الصليبيين واليهود ، أليس ذلك الفكر المنحرف إلى الحضيض ، من أخطر وسائل تشويه صورة الإسلام في وجوه أعدائه ، مما يذكرنا بدعاء المؤمنين في القرآن العزيز ، ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {5} ) [ سورة الممتحنة الآية : 5] أي صورة منفرة كريهة لأشرف دين وأقوم منهج ، والكتاب بهذا ينقل آفات خبيثة تضلل الشباب ، ويلزم منعه من التداول حماية للأمة وشبابها من فكره المدمر الخبيث.
راجعه
أ . د / محمد عبد المنعم البري
عميد مركز الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر
رئيس جبهة علماء الأزهر الشريف سابقاًً
ــــــــــ
هوامش الفصل الخامس
(1) المرجع السابق : ص 554.
(2) المرجع السابق : ص 554
(3) المرجع السابق : ص 557
(4) المرجع السابق : ص 571
(5) المرجع السابق : ص 573
(6) المرجع السابق : ص 573(4/138)
(7) المرجع السابق : ص 581
(8) رواه البخاري.
(9) رواه البخاري عن أبي رقية تميم بن أوس الداري ـ رضي الله عنه ـ أول من نور مسجدا في الإسلام .
(10) المرجع السابق ص : 584.
(11) المرجع السابق ص : 590
(12) المرجع السابق ص : 599
(13) المرجع السابق ص : 610
(14) المرجع السابق ص : 602
(15) آخر موضوعات كتاب علل الشرائع للصدوق ـ نقلا بالنص الحرفي دون تصرف أو تعليق كنموذج متكامل لألوان التفكير في الثوابت والعقائد عند الشيعة، وتميز أعراقهم على سائر البشر من صفحة 606 حتى ختمت بوصية الصدوق بإخفاء أسرارهم عن خصومهم المسلمين، وبها انتهى الكتاب في صفحة 610.
(16) صحة الآية [ نأخذ] وموقعها الحقيقي في الكيد ليوسف من إخوته بوضع المكيال ( صواع الملك ) في رحل أخيه بنامين لاحتجازه معه.
حوار هادئ مع أديب شيعي بأمريكا
تمهيد
ساقتني الأقدار للتشرف برحلة عمل في خدمة الدعوى الإسلامية خلال شعبان ورمضان وشوال سنة 1405 هـ " 1985 م " بَدْءًا بأوروبا وانتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية.
خرجت بانطباعات خاصة في القلب ، وبصمات ثابتة لا ينمحي أثرها من أعماق النفس منها السلبي ، ومنها الإيجابي ، فمن الإيجابي : ما يسود المسلمين في الغربة من روح التآزر والتقارب والالتفاف ، من خلال المراكز الإسلامية النشطة ، حول الدين وآداب الإسلام ، والقرآن العزيز ، ولغته الخالدة والاهتمام بإيجاد المدارس الخاصة بهذا المناخ ، لحماية النشء المسلم من التيارات الجارفة، واقتناص الفرص ، بين آونة وأخرى ، لتنشيط هذه الروح بين المسلمين والمسلمات ، والنشء الطاهر في صورة مشرفة من الإخاء الإسلامي ، الذي يشعر ذوي الغيرة، بأنها فرصة للإسلام أن يجدد شبابه في الغربة، بعيدا عن التضييق والقيود والأغلال في عقر داره ، وعلى أرضه مما يذكرنا بقول أمير الشعراء رحمة الله عليه مناجيا روح رسول الله صلى الله عليه وسلم :(4/139)
شعوبك في شرق البلاد وغربها ... ... أصحاب كهف في عميق سبات
بأيمانهم نوران ذكرٌ وسنّةٌ ... ... فما بالهم في حالك الظلمات
ولا ينقصهم إلا المؤازرة ، لضيق ذات اليد بسبب ارتفاع التكاليف ، لا سيما أثمان المقار، وتجهيزاتها بما يواكب الحياة هناك.
ومن السلبيات : ما ينشر من سموم مناوئة للإسلام ، ومعوقة لنشر الدعوة الإسلامية بما يليق بعظمتها ، وذلك بالتشويه المزري لوجه الإسلام الحق بما تبذله أمثال المراكز القديانية والبهائية، والشيعة على اختلاف ألوانها ، وورثة الهالك رشاد خليفة بتُوسَان ، وذلك من خلال النشرات والكتب المجانية، التي نالني منها نصيب لا بأس به ، والأفلام والبث الإعلامي بمختلف الوسائل الحديثة ، ومن جوانب هجومهم الشرس على الإسلام ما يصدقون به ويؤازرون مفتريات أعدائه من أهل الكتاب وذلك لاستكمال حلقات الإعجاز القرآني الخالد في مثل قول الحق سبحانه : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {186} ) [ سورة آل عمران الآية : 186] ، ولو لَمْ تطعن هذه الطوائف المأجورة في الإسلام لأصبح مدلول الآية غير مكتمل وحاشا الله من ذلك ، فهم رؤوس الشرك وُحق لهم أن يخوضوا في شرف شيوخ الصحابة من قمم الصف الأول والأئمة الراشدين الخلفاء وأمهات المؤمنين ، ومن دونهم من سائر المؤمنين، والله من ورائهم محيط.
ما لا خلاف فيه بين أهل السنة والشيعة
من المسلمات التي لا خلاف فيها بين الفريقين ، ويُقر بها أصحاب الكتب والمراجع الشيعية الأربعة ، لنا معشر أهل السنة والجماعة ، أو كما يطلقون علينا ( النُّصَّاب ) .(4/140)
(1) بعظيم حبنا لحبيب رب العالمين الأول محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ولآل بيته الأطهار ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ بلا استثناء فلا يحبهم لدنيا إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا فاجر خاسر لا وفاء ولا دين له . وكذا أولياء الله الصالحين الذين آمنوا وكانوا يتقون ، فهم برضوان مولاهم في حوزة العطف والكرامة ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ولا ينكر الضياء إلا محروم أعمى ، ولا يكابر إلا محجوب.
(2) التكذيب بالمصادر الأصلية بين الفريقين :
فالشيعة مثلا يكفرون أئمتنا كالبخاري ومسلم وسائر أقطاب المحدثين والأئمة الأربعة ، وسائر أعلام أمة محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه إلى يوم القيامة بل قالوا بتحريف القرآن الكريم، ولم يتبرأ من هذه المقولة إلا أربعة من شيوخهم على سبيل التقية هم الشريف المرتضى ، وأبو جعفر الطوسي ، وأبو علي الطبرسي ، والشيخ الصدوق ، الذي نحن بصدد نقد كتابه علل الشرائع .
أما السواد الأعظم من أعلامهم ، وأئمتهم فقد أقروا بتحريف القرآن الذي بين أيدينا.
والأدلة الدامغة على ذلك ما يأتي :
1ـ ما أقر به شيخهم الحسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه المعروف " فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب " يقول في مقدمة كتابة ما نصه " هذا كتاب لطيف ، وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان ، نسميه فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب " ثم يعدد الكتب التي صنفت في هذا الموضوع في الصفحة التاسعة والعشرين من نفس كتابه المذكور فذكر منها:
1 ـ كتاب التحريف .
2 ـ كتاب التنزيل والتغيير .
3 ـ كتاب التنزيل من القرآن والتحريف.
4 ـ كتاب التحريف والتنزيل .
5 ـ التنزيل والتحريف .(4/141)
وهذه الردة الكبرى هي التي فتحت باب طعن اليهود والنصارى وأضرابهم في القرآن الكريم، وردوا أيدي المسلمين في أفواههم حين قالوا بتحريف وتعدد الكتب السابقة، ونسخ رسالاتها بخاتمة الكتب والرسالات ، فما أعظَمَ جُرْم من يكذبون الحق جل وعلا وينكرون قدرته ووعده الحق في قوله سبحانه : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9}) [ سورة الحجر الآية : 9] .
فليس أمامنا من مخرج إلا هداية الله بالقلب السليم، الخالي من المؤثرات الخارجية ، والعقل الصافي ، والتأمل الواعي الحصيف، قال تعالى ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ {46} ) [ سورة سبأ الآية : 46] ، فالفكر الناجح الخلاق يحتاج لخلوة مع الروح والضمير ، حيث يكون العبد وحده في رعاية مولاه ، أو على الأكثر اثنان ، والفكر الهادي هو السبيل إلى الفقه للحماية من الفتنة والضلال ، وقد ورد لفظ الفكر في القرآن تسع عشرة مرة، والفقه عشرون ، والفتنة ستون . والنفائس في الدنيا قليلة.
ولا بد أن نضع نصب أعْيُنَنَا قول الحق جل وعلا : ( الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ {60} فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ {61} ) [ سورة آل عمران الآيتان : 60 ، 61 ]
وهذه الآية الشريفة معروفة بآية المباهلة التي نبذ النصارى بشديد وعيدها والمكابرة والجدل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .(4/142)
هيأت الأقدار الفرصة لي دون ترتيب سابق حيث لفت نظري الشباب المسلم، مع أول أمسية رمضانية فيه في رحاب أحد المراكز الإسلامية الكبرى بأقصى غرب الولايات المتحدة إلى أنه قد يتقدم من بين المتطوعين للترجمة الفورية خلال المحاضرة أديب شيعي ذو مقدرة أدبية ، ويخشون أن يحرف الكلم عن مواضعه وفق أهوائهم وعقائدهم المخالفة تماما في كل شيء، فيسيء إلى مشاعر المسلمين الأمريكيين ، أو يشوه الصورة الناصعة في قلوبهم عن الصحب الكرام والأئمة الراشدين الخلفاء ، وسلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم أجمعين . فاخترت غيره لهذا .
وفي نهاية الأمسية ، تلاقى الإخوة فيما بينهم مهنئين معانقين ، وكذا الأخوات فيما بينهن فرحا بمقدم رمضان ، إلا هذا الشيعي رأيته وحيدا، فتقدمت نحوه مصافحا مهنئا ، ورجوته أن يجيبني على بعض الأسئلة التي توقعني في حيرة بين أهل السنة والشيعة ، بالرجوع إلى العقل الحصيف والضمير الحي ، ولا تصادم بينهما مع النص الإلهي الصادق على ألا يشهر في وجهي سلاح التَّقَّية ، وهي استحلال الكذب طلبا للنجاة من الخصوم أو تضليل من يجهلون أسرار عقائدهم ، فبر بوعده معي ووافق مشكوراً.
طرح الأسئلة الأربعة المحيرة
قلت لصاحبي : إن من ينشد الحق لوجه الحق وحده ، لا يعرف التعصب أو التحجر في الفكر ، يُذَكرني ذلك بما أُثر عن الإمام الأعظم أبي حنيفة في قوله : رأينا صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب ، ومن توجيه الأدب القرآني الرفيع في هذا المقام قول الحق سبحانه : ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {24}) [ سورة سبأ الآية : 24 ] .(4/143)
والآن أُحسُّ بتهيؤ النفوس لطرح أسئلتي الأربعة التي حيرتني بين السنة والشيعة ، لمعرفة المبطل من الُمحِق في الفريقين من خلال ذلك على سبيل المثال لا الحصر، فالمحيرات لا حصر لها ، ولا أطلب الإجابة الآن ، بل أدع الفرصة لك للرجوع إلى بعض المصادر ، ثم عرضها على مرآة عقلك وقلبك وضميرك ، والله يهديني وإياك سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
السؤال الأول حول الميراث النبوي الشريف :
يقول الحق سبحانه : ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا {46}) [ الكهف الآية : 46 ]
اختص الله سبحانه من اصطفاهم على العالمين من أنبيائه ورسله بسمات ونوادر وأمور خاصة يعيها جيدا كل من طوف في رياض السنة النبوية الشريفة ، ومما طرق مسامعنا على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ [ الأنبياء يدفنون حيث يموتون ] وكان لهذه الخصوصية الشريفة معجزة طريفة ، فقد أقر بصحة هذا الحديث لأتباعه : الغلام القدياني وهو متنبئ كذاب انفض عنه جمهور كبير من ضحاياه بعد أن فضحه الله تعالى بينهم بموته في المرحاض على الغائط وأيقنوا بأنه كذاب ببركة هذا الحديث الشريف وسوء خاتمته.
2 ـ [ إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء] .
والدليل على حفظ أجسادهم أمواتا ، قول الحق سبحانه في شأن يونس عليه السلام بعد أن التقمه الحوت ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) وفيه إشعار بالحفظ إلى يوم البعث .
3 ـ [ نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة](4/144)
فالميراث النبوي : الدين والعلم والحكمة، لا الطين والعقار والحطام الفاني ، هذا بعض ما وعته الأمة من دروس نبيها وتوجيهاته صلى الله عليه وسلم ، ما شذ عن ذلك إلا الشيعة ، إذ ادَّعوْا بأن الزهراء رضي الله عنها فور الفراغ من إيداع الجسد الشريف في قبره ، ذهبت إلى حبيب عُمْر أبيها أبي بكر الصديق ، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مطالبة بميراثها في فدك ، فانتهرها على رؤوس الأشهاد ، وَرَكَلَها عمر ، وصفعها عثمان ، وهدد بحرق بيتها ، وهي ريحانة قلب رسول الله وعرضه ، وشرف علي رضي الله عنه ، وهو فارس مقدام ، من أوائل الشجعان في تاريخ الجهاد الإسلامي ، ولا شك أن لكل فعل ردُّ فعل . فهل لا قدر الله استنوق الجمل ، فلم يُؤْثَر له موقف في هذا الشأن ، حتى في كتب الكذابين من الشيعة ، والسكوت علامة الرضا كما يقولون ، وهو ضرب من الدياثة التي يترفع عنها حثالة الناس وأوباش الرجال ، ناهيك عن رجل من أشرف الشجعان ، بما لا يدع مجالا لمتقول.
ولا شك أن حرمة الأعراض في الإسلام ، تبذل في سبيلها المهج والأرواح ، فمن مات دون عرضه فهو شهيد ، وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ، واليهودي المنافق عبد الله بن سبأ يجيد الضرب في كل الاتجاهات ، للرموز المقدسة في الإسلام قبل غيرها، بطريق غير مباشر ، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، فأبسط الدلائل تقول بإساءة اختيار الأصدقاء ، لا سيما حبيب العْمُر كأبي بكر ، ثم الفشل الذريع في تهذيبهم وتربيتهم ، وتقويم سلوكهم وفي الأمثلة: قل لي من تصاحب ، أقل لك من أنت ، ومن ربى لم يمت .(4/145)
وتلك سجيه قديمة في اليهود ، اشتهروا بها ، فقد طعنوا مريم العذراء البتول الطاهرة في شرفها بأسلوب ظاهره المدح والثناء، فهارون أخو موسى من أوائل العابدين الربانيين في بني إسرائيل وهو ما اتخذوه درعا في مقولتهم التي سجلها الحق سبحانه ( يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ) فغايتهم بالطعن في أقرب الأحبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، تسديد السهم الفاجر في سويداء فؤاده صلى الله عليه وسلم ، ولعل سر افتضاح أمرهم أولا بأول ، لمن في رأسه مسحة من عقل ونور ، ومرجعه إلى عظمة قول الله عز وجل :( والله يَعْصِمُكَ من الناس ) من الآية الشريفة (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {67}) [ سورة المائدة الآية 67] .
وأظن أن العقل المتزن يرفض التسليم بمعركة الميراث النبوي المزعومة مع فاطمة لأمور منها:
(1) غياب موقف علي وهو الشجاع الغيور الشديد في الحق.
(2) قطع الرجاء في استمرار الحياة، واليأس من طول الأمل في الدنيا لفاطمة، بعد أن بشرها أبوها حينما دخلت عليه وهو يحشرج فصرخت ـ واكرباه يا أبتاه ، فالتقطت مسامعه ذلك، فأشار إليها , وأعلمها أن لقاءه بالحبيب الأعلى لا يعد يوم كرب ثم قال لها . لا كرب على أبيك بعد اليوم، فرفعت رأسها واجمة، ثم أشار إليها مرة أخرى أن ادن مني يا بنية . فمالت برأسها إليه فبشرها بأنها أول من يلحق به من أهل بيته، فتهلل وجهها، ثم ودع الدنيا ، ولحق بالرفيق الأعلى ، فملأ الله بهذه البشارة قلبها سكينة ورضاء، وطمأنينة واستسلاما لقضاء الله وحكمه.(4/146)
وجرت العادة أن المريض مثلا ، إذا أخبره الأطباء بدنو أجله ، انقطع رجاؤه في الدنيا ، وصرف نظره تماما عن حطامها الفاني ، والصراع حول متاعها الزائل ( قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً {77}) [ سورة النساء الآية : 77] .
فهل يطمئن العقل الكامل إلى صحة وقائع معركة الميراث بين فاطمة ورؤوس أصحاب أبيها من الأئمة الخلفاء الراشدين فور توديعه صلى الله عليه وسلم إلى دار الحق . وفق ما يدعي الشيعة ، ويرفض ذلك بالكلية أهل السنة والجماعة وتلك القضية من أبرز أوجه الخلاف بين الشيعة والأمة.
السؤال الثاني حول : ( الإحداد على الحسين )
من المسلم به لدى الجميع أن أبا عبد الله الحسين سيد شباب أهل الجنة كما بشره جده صلى الله عليه وسلم وقد نال منازل الشهداء ، وهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله، وإنما أذن الشرع الشريف بالإحداد للنساء دون الرجال ، على الأموات لا على الأحياء ، وكما ورد في السنة أنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج فأربعة أشهر وعشرا، وليس منا من لطم الخدود شق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية، وقد شاهدت إبان عملي كأستاذ بإحدى جامعات الخليج في الثمانينات الميلادية برنامجا حاشدا في عاشوراء تحت شعار ( الإحداد على الحسين ) وعلى رأس الجميع قائدهم الخميني وقد جلل وجهه بالسواد ينوح ويلطم وجهه ويضربون أجسادهم بالسلاسل الحديدية ، ويصرخون الرجال قبل النساء والأطفال ، في مشهد درامي ملتهب فظيع ، والمصورون الأجانب ووكالات الأنباء العالمية تصور للعالم كله هذه المآسي ، وتبثها عير الأثير بالصوت والصورة ، على أنها الوجه الأصيل الذي جاء به محمد للدنيا ، باسم الإسلام كمنقذ للبشرية ورحمة مهداة للعالمين.(4/147)
وقد اقتنصت هذه الفرصة إحدى أكبر دور البث والإعلام في إنجلترا ( بي بي سي ) لتصوير فيلم كامل مدته ثلاث ساعات يحوي فظائع هذه الأحداث يوزع عالميا تحت اسم ( عاد سهم الإسلام للانطلاق من جديد) بعد قيام ما عرف بثورة الخميني في إيران ، لتشويه وجه الإسلام ولترويع وتنفير البشر عن رائحته ، فرفع الصوت على الميت مهما كان شأنه أو لطم الخدود من الكبائر لدى أهل السنة والجماعة. وهى عند الشيعة من مكفرات الذنوب .
فإلى أي الرأيين يجنح ذو العقل الكامل الحصيف.
السؤال الثالث : حول نكاح المتعة
من المعلوم لدى أهل السنة والجماعة عن أركان النكاح الشرعي في كتاب الله والسنة المطهرة ثبوت ( الصداق ) والإيجاب والقبول والولي والشاهدين والتأبيد، وهو البديل الإسلامي الجديد، لأنكحة الجاهلية، كالاستبضاع والمتعة التي كانت سائدة ، لم يعلم لها حرمة إلا في السنة السابعة من الهجرة ، إبان فتح خيبر ، إذ نزل جبريل بتحريمها ولحوم الحمر الأهلية على الأمة إلى يوم القيامة ، من حديث علي رضي الله عنه، ولم يأخذ به الشيعة، وبذا بقي نكاح المتعة ولحوم الحمر الأهلية حلالا زلالا إلى ما شاء الله والإمامية الجعفرية الاثنا عشرية هي الطائفة الوحيدة في الشيعة الذين قالوا بحله دون سائر الطوائف التي تربو على المائة بل جعلوه من أبرز معالم دينهم دون سائر الملل.
والنكاح الدائم والمتعة ليس من أركانه لديهم وجود شاهدين وأقل مدة لعقد المتعة عندهم ، ما يفي وطأة واحدة، دون أدنى كلفة على الفحل، فلا طلاق ولا نفقة ولا حضانة ولا عدة إن كانت ممن لا يحملن ، لأن أركان المتعة عندهم الطرفان والمدة بعد دفع الإيجار لا غير.(4/148)
وقد أثبت القرآن أن أكثر الناس لا يعقلون ، والتقط شياطين الإنس لهم شراك الصيد من قول الحكيم الخبير سبحانه : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14}) [ سورة آل عمران الآية : 14]
فأغدقوا عليهم الكثير من المحظورات في شرع الله لدى أهل السنة والجماعة ، كقضاء الليالي الحمراء والنزوات الجنسية مع أي عدد من النساء ، بلا حد أعلى لأرقام من يعقد عليهم نكاح متعة ، ولا أدنى تحمل لمسؤولية الرجال في الحضانة والتربية ، مع اعتبار ابن المتعة أشرف عندهم من ابن النكاح الشرعي الدائم, ويطلق عليه ميرزا أي سيد أو شريف.
يقول أهل السنة والجماعة بحرمة ذلك كله، وقداسة الأعراض والنشء المسلم وحرمات المسلمين .
ويرفض الشيعة الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية هذا الحظر الشرعي، ويفتحون الباب على مصراعيه ، في سوق رائجة لإيجار الفروج ، دون أدنى مسئولية أو تفريق ، بين النظرة الإسلامية للغايات والأهداف ثم الوسائل ، فإلى أي الرأيين يطمئن القلب ويستقر العقل والضمير.
ومن أدلة الشيعة الإمامية الجعفرية الاثني عشرية على حل نكاح المتعة دون سائر الملل والديانات والفِرقَ ما ذكره فتح الله الكاشاني في تفسيره ( منهج الصادقين ) ص 356 ما نصه [ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين عليه السلام، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن عليه السلام ، ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي ] وأورد دليلا آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ومن خرج من الدنيا ولم يتمتع جاء يوم القيامة وهو أجدع " .(4/149)
وهل بيوت الدعارة وعصابات تجارة الرقيق الأبيض ، وأسواق النخاسة لاستباحة الأعراض والحرمات، التي تقبض عليها أجهزة الشرطة، لحماية المجتمع من جرائم الآداب العامة، وانتشار الأمراض السرية الخبيثة ، وعلى رأسها الإيدز، الذي أطل على الإنسانية بوجهه المدمر الكئيب ، والذي يعتبر بمثابة معجزة للوعيد النبوي الشريف أنه ما شاعت الفاحشة في قوم يعمل بها علانية إلا ضربهم الله بالعلل والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ومع كل ما سبق ، فهو أمر له أداء شرعي مقدس في دين الشيعة ومن أجَلِّ القربات عندهم ، لاستيفائه أهم الشروط والأركان ، وهي الرأسان والأجرة والمدة، ولو وطأة واحدة، دون أي التزامات أخرى.
سر كون دينهم أسرارا
أورد الكليني عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام [ إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله] أصول الكافي ص 485 يناقض هذا النص صريح القرآن الكريم في الأمر بإظهار الدين ونشره في مثل قوله تعالى ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا {28} ) [ سورة الفتح الآية : 28](4/150)
وتوعد من يكتم شرع الله ودينه ، دون بيانه للناس شديد السخط وأليم العذاب في قوله جل شأنه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {160}) [ سورة البقرة الآيتان : 159 ، 160 ] ، ولهم العذر في شديد حرصهم على كتمان عقائدهم وخباياهم ، واعتبارها أسرارا تحت الأرض ، لا تكشف إلا لمن رُوِّضُوا على استساغتها وقبولها ، من ذوي العقول الممسوخة والقلوب الميتة، لأنها تتعارض مع أبسط قواعد العقل والمنطق ، والفكر الصائب الرشيد ، فهي عورات يجب سترها ، تفاديا لإنكار الشرفاء ورفض كل حر ذي عقل ناضج ورأي سديد.
السؤال الرابع
حول الحق الشرعي للرجال عندهم
في الشذوذ الجنسي مع الزوجات(4/151)
وهو من الحقوق المسلمة في دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية، وكما هي عادتهم لا تعوزهم الحيلة في لي أعناق آي الذكر الحكيم، لتأييد مدعاهم في أي كارثة أو حكم شرعي خاص ، واختلاق دليل قرآني يدعم نزواتهم ، ومن أدلتهم في هذا الشأن التي وردت في الكتب الأربعة ، قول لوط عليه السلام لقومه فيما حكاه القرآن العزيز في قوله تعالى : ( وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ {78}) [ سورة هود الآية 78 ] . ومن الثوابت في رسالة كل رسول إلى قومه ، أن يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث ، فقالت الشيعة : أشار إلى بناته، وهو يعلم أنهم إنما يريدون الأدبار، وذلك دليلهم على حل جرمهم، وتعاموا عما في الآية الشريفة من شواهد تدحض فريتهم ، وتفضح عمايتهم مثل : يعملون السيئات ، أطهر لكم ، اتقوا الله حتى آخر الآية.
أجل أشد الناس بلاءً الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى المرء على قََدْرِ دينه.(4/152)
ولم يكن حظ لوط عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم في التفسير المجوسي للقرآن ، بأقل جرما وبشاعة من إفك اليهود، المسجل في أسفارهم إلى يومنا هذا ، أن بناته تسلطوا على أبيهم رسول الله ، ومصطفاه وسقوه خمرًا حتى الثمالة ، ولما فقد وعليه تماما، مَارَسْن معه الفاحشة ، وحملن منه ، لغرض تحسين النسل في بني إسرائيل ، مع التأكيد العلمي أن الإنسان إذا فقد الوعي أو غاب عقله ، استحال أن يمارس الجنس أو أن ينتشر له قضيب ، كمن يُهَيَّأ للجراحة بالبنج، ونحن معشر أهل السنة والجماعة ، نؤمن بأن الله عز وجل عصم أنبياءه، من الصغائر والكبائر ، وحباهم بالكمالات كلها، وحماهم من كل شين، أو عيب خلْقي أو خُلقي ، أليس الله بكاف عبده فأين الثرى من الثريا؟.
تشدد الشيوخ في هذا الحق المزعوم :
يرى كبار شيوخهم في الفقه الشيعي أنَّ من حق الرجل أن يأتيها في مخرج الغائِط ، حتى قال أحد شيوخهم آية الله الشريف الطباطبائي في كتابه " العروة الوثقى في الفقه الجعفري" حول هذا الموضوع : [ بأن المرأة إذا تمنعت أن تؤتي دُبراً حل طلاقها ناشزا] .
ومعنى الحكم بالنشوز إسقاط كافة حقوقها الشرعية مثل مؤخر الصداق والنفقة إلخ.(4/153)
ولعل ذلك سرُّ ما تنشره وكالات الأنباء العالمية من أن أعلى نسبة لانتحار النساء في العالم في هذه المجتمعات الشيعية ، كما ذكرت جريدة الأهرام القاهرية وغيرها ، ورواج الكذب تحت شعار التقية سر نكبة الإنسانية بهم، والكذب من ألعن الكبائر في الإسلام لا يلتقي مع الإيمان في قلب عبد مطلقا ، وإن من أفحش الذنوب أن تحدث إنسانا بحديث هو لك مصدق ، وأنت عليه كاذب ، ولا يقبل حر شريف أن ينتصر لدينه وعقيدته بمثل هذه الأساليب الوضيعة التي تروج بين الشيعة كافتراء أحد صعاليكهم من لبنان على الإمام شيخ الإسلام الشيخ البشري شيخ الأزهر الأسبق في كتاب تحت اسم " المراجعات " حوى هراء يضحك الثكلى ، وحفيده علمٌ ملء العين والقلب، ولا نزكي على الله أحدًا المستشار طارق البشري النائب الأول لرئيس مجلس الدولة المصري، وتراث جده الإسلامي ـ رحمه الله عليه ـ خير شاهد يدحض مفتريات الشيعة الأفاكين ، ويلقي بها في مزبلة تاريخهم المشين. يقول الحق سبحانه : ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ {18}) [ سورة الأنبياء الآية : 18] .
الرأي العلمي
حول خطورة الشذوذ الجنسي على كلا الطرفين يؤكد على الآتي:
1 ـ مَخَاطرُهُ على الجاني : نظرا لأن أضعف جزء في البشرة التي تغطي الجسم هو ما يحيط بالقضيب، وذلك لرقتها الشديدة وحساسيتها لا سيما عند الانتشار ، وتفتح المسام الجلدية ، وحينئذ تصبح نقطة الضعف الأولى في جسم الإنسان أمام الغزو الميكروبي للأمراض السرية الخطيرة كالهربس ، والزهري ، والسيلان إلخ ، وزعيمهم الأكبر الإيدز ، لا سيما بدسه في مجمع النجاسة والقاذورات النتنة، والطفيليات المختلفة التي يرى بعضها بالعين المجردة.(4/154)
والمؤمن الطاهر النزيه المصون ، الذي يترفع بنفسه عن هذه الدنايا والخبائث ، لا يسمع طوال حياته عن هذه الأمراض والعلل الخبيثة ، كما نشاهد ذلك في الساحة الإسلامية الرفيعة الطاهرة.
2 ـ مخاطرهُ على المجني عليه ، من المعلوم أن مخرج الغائط فتحته من أسفل كالهرم المقلوب ، أو الركوة ( القربة ) المقلوبة وقد زودها الله عز وجل بوكاء يتكون من عضلتين كل منهما بمثابة رباط دقيق يشد حول عنق المخرج ليحكم الغلق ويحول دون تسرب الغازات أو الريح ، فضلاً عما وراء ذلك ، واقتضت حكمة الله عز وجل تصميم الفتحة للدفع إلى الخارج من أسفل وفق الرغبة والإرادة عند الحاجة ، ولذا سميت ": قضاء الحاجة" لما يخرج من موضع الفرث.
أما موضع الحرث ، فهو في الأصل الأرض الصالحة المهيأة لوضع البذور لأرزاق الأحياء.
وأُطلق في كتاب الله متوجا بالحياء القرآني ، بعبارة سامية شريفة مهذبة، تُبَلِّغُ العباد مرادَ مولاهم بحياءٍ جم وترفع بليغ، لا يُدْرِكُ جَوْهَرَهُ إلا ذوو البصائر والذوق الرفيع.
قال تعالى في آية المحيض : ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {222} ) [ سورة البقرة من الآية : 222] . وفي الآية ضمنا من حيث نهاكم.(4/155)
فلو كان هناك طريق آخر مسموح به شرعا ، لما نزل أمر مالك الملوك في قرآنه الخالد بالاعتزال ، وعدم القرب منهن خلال ذلك، بقوله سبحانه : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) [ سورة البقرة من الآية 222] ، ثم يقول سبحانه في الآية التالية مبينا وموضحا : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ {223}) [ سورة البقرة الآية : 223] .
أي بالولد الصالح الذي يؤجر به والداه أحياء وأمواتا.
فأين موقع إتيان النساء في الأدبار ، من شرع الله القويم، ودينه الحكيم، ودستوره الخالد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد.
وقد أثبت علماء الطب الحديث والجراحة، أنه بالاستعمال الشاذ المتكرر تنتهك الأغشية ، وتتمزق أصول العضلتين القابضتين، ويعجز الطب والجراحة عن إعادتها إلى وظيفتها وأدائها الطبيعي في الضبط والتحكم بأكثر ممن ستين في المائة، بحيث لا تخلو سراويل المصابين والضحايا من التلوث بفضلات الغائط الذي يتسلل قَسْراً لعدم تمام الضبط والتحكم في السوائل والرطوبات ، فضلا عن الريح.
وحينما أقرأ أو أسمع عن هذه الكوارث أتذكر أمرين :
1 ـ ترفع الحيوانات جميعها عن هذا الداء ، وانحدار الإنسان، وهو من أشرف المخلوقات عند الله إلى الدركات الوضيعة التي يُرَدُّ بها إلى أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات .
2 ـ كثيرا ما ألوذ خلال ذلك بدعاء رسول الله لوط عليه السلام أردده بين يدي مولاي وأنا ساجد ( رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ) [ سورة الشعراء الآية : 169 ].
خلاصة الأسئلة الأربعة(4/156)
قلت لصاحبي : يتناقض تماما الحكم في هذه القضايا الأربعة بيننا ، ولديكم قاعدة أصولية في الفقه الشيعي تقول: ( الرشد في خلافهم ) أي المخالفة الدائمة لأهل السنة والجماعة ، حتى في إجماع الأمة على يوم عرفة ، فهو عند الشيعة يتأخر يوما أو يسبق يوماً ، كما هو مدون في الكتب الأربعة، وغيرها بما لا مجال لإنكاره. بالنسبة لخلافنا حول الأسئلة الأربعة المطلوب فيها الرأي السديد المنصف للعقل والحكمة، والمنطق الرشيد المجرد عن العواطف العمياء، والمؤثرات الحمقاء.
1 ـ بالنسبة للسؤال حول الميراث النبوي وتعرض فاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ لأبشع الإهانات من الأئمة الراشدين الخلفاء الثلاثة في قولكم، مع اتفاقنا بأنها تلقت البشارة في اللحظات الأخيرة من وداعه صلى الله عليه وسلم بأنها أول من يلحق به من أهل بيته، دون تحديد كم بقي لها من أنفاس في الدنيا.
وهل إذا تأكد الإنسان قرب موته ، وتعجل طلبه يدخل الحطام الفاني في دائرة اهتماماته، هذا إذا جهلت أن من خصوصيات الأنبياء ما تركوه صدقة. وأين غيرةُ أبي الحسن ، ورد الفعل إزاء هذا المنكر، هل استنوق الجمل حاشا لله.
فإلى أي الرأيين يرتاح قلبك وضميرك؟
2 ـ بالنسبة للإحداد شاهدت من خلال التلفاز الإيراني في عهد الخميني، مأتم عاشوراء في ذكرى استشهاد الحسين، التي مضى عليها أربعة عشر قرنا من الزمان تقريبا، حيث الألوف المؤلفة حول الإمام الخميني يضربون صدورهم وظهورهم بالسلاسل الحديدية، وقد جللوا وجوههم بالسواد في صورة فظيعة، يعجز القلم عن تصويرها ، خلال عملي كأستاذ بإحدى جامعات الخليج، يشهدها العالم كله في لحظة واحدة، عبر الأقمار الصناعية، فهل ترى فيها حسن عرض لرسالة الإسلام ، بوجه مشرف له في عيون الأعداء ولما جاء به خاتم الأنبياء رحمة للعالمين.(4/157)
والإحداد عندنا معشر أهل السنة والجماعة للنساء دون الرجال وعلى الأموات لا الأحياء ، ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فأربعة أشهر وعشرا، وقد حرَّمَ الله الموت على الشهداء ، فهم أحياء عند ربهم يرزقون.
فإلى أي الرأيين يطيب خاطرك ، ويطمئن قلبك؟
3 ـ وأما الوطء في الأدبار فهو جرم فظيع عندنا قد تصل فيه عقوبة الرجل بعد التعزير إلى الطلاق.
أما عندكم فحلال زلال ، وأدلتكم تطفح بها كتبكم ومراجعكم ، [ وكان الإنسان أكثر شيء جدلا] .
ولم يجد الإيدز مفرخا براحا واسعا إلا في هذه المحاضن ، فإلى أي الاتجاهين تطمئن النفس ، ويسكن الفؤاد؟
وسأصبر حتى تختمر الأفكار في الذهن ، وأنتظر الإجابة غدا إن شاء الله تعالى. ولا يصح لمثلك وقد قطع شوطا كبيراً في الثقافة والمعرفة ، وبلغ شأوا في العلم والأدب لا يستهان به ، أن يكون مقلداً محاكياً ، مجاملاً للقطعان، تفاديا لحماقات الأكثرية الجاهلة التي ذبحت والد الدكتور موسى الموسوي في المسجد ( الحسينية ) ، لأن ولده ( أي الدكتور موسى ) الذي يعيش في الغرب الآن ، كان من كبار شيوخ الشيعة، وتجرأ على التصريح بإنكار ما ينكره العقل والعلم، من الجهالات المتوارثة التي تضحك الثكلى ، انتقاماً من الجد ليكف عما شرع فيه ، لا سيما والحق سبحانه وتعالى يقول: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {179} ) [ سورة الأعراف الآية : 179] ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [ سورة الطلاق من الآية : 2، 3] .
وكانت المفاجأة المثيرة(4/158)
إذْ أقبل في اليوم التالي مهموماً يلقي السلام تعلوه مسحة بؤس ومرارة ، يقول بصوت متهدج خفيض : لقد فتحت الأسئلة في نفسي منافذ شتى، وتسرعت في مناقشة من حولي من الشباب المشاركين في العقيدة فيما أهمني ، فهاجوا وماجوا، أو كما يقال حاصوا حيصة حمر الوحش، فهجرت مجلسهم ورفقتهم إلى حين ، وأنا في خشية من أمري بسبب ذلك ، وقد أرحل عن أمريكا ، قلت: نحن في بلادنا نعيش دون المستوى بكثير ، ونُصبرُ أنفسنا بمثل الحديث القائل ( الدنيا جنةُ الكافر وسجن المؤمن ) ، ولو قدر الله لجوءا إلى مصر سأقبل معك سماحة شيخ الأزهر ، لتكون رفيقنا في خدمة العلم بجامعة الأزهر ، كأستاذ للغات وآدابها ، وتكابد معنا في سبيل الله ما نعانيه من عقبات المناوئين لنور الإسلام في الداخل والخارج والمعوقين، وخفقت عنه ببعض الملاطفة والمزاح ، ثم ختمت تهنئتي بهدايته بقول الحق سبحانه : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {83}) [ سورة القصص الآية: 83] .
الخاتمة(4/159)
بعد هذه الجولة السريعة مع كتاب من أهم الكتب والمراجع لرئيس المحدثين الشيعة ، نلمح روح العناد والاستعلاء ، والحرص على المخالفة في كل فريضة أو شعيرة أو حكم شرعي بما لا يستطيعون منه فكاكاً ، والتباغض متبادل بيننا وبينهم ، ولا سبيل لحسم أدوائهم إلا أن يروا في المسلمين عزة وقوة ومنعة، وصلابة عود في الحق ، واتحاد كلمة، وأراهم من الآخرين الذين تعنيهم الآية الشريفة: ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ... ) [ الأنفال الآية: 60 ] ولا سبيل لهدايتهم إلى الحق إلا بإرادة الله العليا، ولا نجاح للجهود الشخصية إلا بأمر الله تعالى القائل : ( وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {41} ) [ سورة المائدة الآية : 41 ].
والله الموفق والمستعان ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ـــــــــــ
من أهم المراجع
1ـ القرآن الكريم
2 ـ كتب السنة الستة .
3 ـ سبل السلام للصنعاني .
4 ـ سير أعلام النبلاء للذهبي .
5 ـ فقه الزكاة للقرضاوي .
6 ـ المصباح المنير.
7 ـ كتب الشيعة
الكافي للكليني
الاستبصار للطوسي
التهذيب للطوسي
من لا يحضره الفقيه للصدوق.(4/160)
الجذور اليهودية للشيعة
في كتاب علل الشرايع للصدوق الشيعي
... ... ... ... ... دراسة نقدية
تأليف
أ. د. / محمد عبد المنعم البري
عميد مركز الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر
رئيس جبهة علماء الأزهر الشريف سابقا
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ {85} وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ {86} وَأَلْقَوْا إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {87} )
[ سورة النحل، الآيات : 85-87] .
( وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ) [ الأنفال : 60 ]
صدق الله العظيم
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبك المصطفى وصفيك المجتبى نبينا محمد وآله العترة الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى ، إلى يوم الدين ، عدد من دخلوا في رحمتك بسببه يا أرحم الراحمين وبعد.
فقد تعارف العلماء على أن الإنسان المثقف هو الذي يأخذ من كل فن بطرف ، أو من يعي شيئا من كل شيء، ولا شك أن العلوم والمعارف الإسلامية ، وما يخدمها أو يتصل بها من قريب أو بعيد ، وكذا الفرق المنشقة أو الدخيلة أو المناوئة للدين القيم ، أولى بالاهتمام والاستيعاب وأخذ الصورة الصادقة عنها من وثائقها الثابتة ، ومصادرها الأصيلة ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ، لوضع حد لمزايداتهم المؤسفة ، لتشويه وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، بدعوى فشله في اختيار الصف الأول من الأصحاب والزوجات رضوان الله عليهم أجمعين.(5/1)
ولفضح خصوم الإسلام ، من أدعيائه الذين يتعبدون بالكذب على الله تعالى ورسوله وآل بيته ، ويمثلون الصورة الكئيبة القبيحة للإسلام ، كصنائع المنافق اللعين واليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ الذين دعمهم وأبرزهم على الساحة، الاحتلال الفرنسي للشام ، كالنصيرية في سورية رهط حافظ الأسد ، وكذلك الدروز في لبنان ، أصحاب الحزب التقدمي ، الذي يتزعمه آل جنبلاط .
وألعن الفرق المقاتلة في الجيش الصهيوني ، وأشدها تنكيلاً بالمستضعفين من المسلمين والعرب ( اللواء الدرزي ). ولم تكن المخيمات الفلسطينية للعزل والأبرياء من الأطفال والنساء بلبنان كصابرا وشاتيلا وغيرهما بأحسن حظًا منها بين مخالب المعتدين عليهم من حركة أمل الشيعية وحزب الله اليد الطولى لإيران والشيعة الإمامية الجعفرية الاثنى عشرية، بما يفسر في الواقع المحسوس قول الحق سبحانه :
( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوَا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82}) [ سورة المائدة الآية : 82].
عوامل التشجيع على وضع الفكر الشيعي تحت المجهر
من أهم العوامل التي شدت العزيمة للخوض في هذه المستنقعات الأسنة ما يأتي :
1- النتائج المشرفة للحوار الهادئ مع أحد أعلام الشيعة بأمريكا 1985م بأحد المراكز الإسلامية الكبرى خلال شهر رمضان المبارك ، أوردها فيما بعد .(5/2)
2- ورود كثير من النصوص التي توصي الأتباع باعتبار عقائدهم أسرارا تحت الأرض لا يصح كشفها إلا للشيعة وتهديد من يخالف هذه الوصية بأوخم العواقب في الدنيا والآخرة ، وأقرب هذه الوصايا المؤكدة لذلك ما أورده رئيس المحدثين الشيعة في السطرين الأخيرين ص 610 من كتابه الذي بين أيدينا علل الشرايع يقول : [ وانصرف ولا تطلع على سرنا أحدا ، إلا مؤمنا مستبصرا ، فإنك إن أذعت سرنا بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك ] .
وبهذا الحظر الحاسم ندرك سر جهل الكثيرين من أهل العلم والفضل بخفايا عقائد هؤلاء ، وغرائب فكرهم ، وعجائب تأويلاتهم بما يضحك الثكلى .(5/3)
3- شهادة الإمام الشعبي (1) شيخ التابعين وإمامهم في شأن الشيعة الروافض أنهم صنائع اليهود ، وأنهما وجهان لعملة واحدة ، بما تفيض به المراجع العريقة للأعلام ، مثل الفقيه : أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي ، في كتابه العقد الفريد ، ج 2 ص 122 و123 ، ما أورده مالك بن معاوية قال : قال لي الشعبي : ( وذكرنا الرافضة ) [ يا مالك ، لو أردتَ أن يُعطوني رقابَهم عبيداً وأن يملؤوا بيتي ذهبا على أن أَكْذبِهُم عَلَى عَلي كذبة واحدة لفعلوا ، ولكني والله لا أكذب عليه أبدا ، يا مالك ، إني درست (2) الأهواء كلها ، فلم أر قوما أحمق من الرافضة ، فلو كانوا من الدواب لكانوا حميرا ، أو كانوا من الطير لكانوا رخما ، ثم قال : أحذرك الأهواء المضلة ، شرها الرافضة ، فإنها يهود هذه الأمة ، يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانية ، ولم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة من الله ، ولكن مقتا لأهل الإسلام وبغيا عليهم ، وقد حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار ، ونفاهم إلى البلدان ، منهم عبد الله بن سبأ ، نفاه إلى ساباط ، وعبد الله بن سباب ، نفاه إلى الجازر (3) ، وأبو الكروس ، وذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود ، قالت اليهود : لا يكون الملك إلا في آل داود ، وقالت الرافضة : لا يكون الملك إلا في آل علي بن أبي طالب ، وقالت اليهود : لا يكون جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح المنتظر، وينادي مناد من السماء ، وقالت الرافضة : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينزل سبب من السماء ، واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم ، وكذلك الرافضة ، واليهود لا ترى الطلاق الثلاث شيئا ، وكذا الرافضة ، واليهود لا ترى على النساء عدة ، وكذلك الرافضة ، واليهود تستحل دم كل مسلم ، وكذلك الرافضة ، واليهود حرفوا التوراة ، وكذلك الرافضة حرفت القرآن، واليهود تبغض جبريل وتقول : هو عدونا من الملائكة ، وكذلك الرافضة تقول : غلط جبريل في(5/4)
الوحي إلى محمد بترك علي بن أبي طالب ، واليهود لا تأكل لحم الجزور ، وكذلك الرافضة ، ولليهود والنصارى فضيلة على الرافضة في خصلتين : سئل اليهود : من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب موسى ، وسئلت النصارى ، فقالوا : أصحاب عيسى ، وسئلت الرافضة : من شر أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب محمد، أمرهم بالاستغفار لهم فشتموهم ، فالسيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة، لا تثبت لهم قدم ، ولا تقوم لهم راية ، ولا تجتمع لهم كلمة ، دعوتهم مدحورة ، وكلمتهم مختلفة ، وجمعهم مفرق ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله].
وذكرت الرافضة يوما عند الشعبي فقال : لقد بغضوا إلينا حديث علي بن أبي طالب.
وقال الشعبي : ما شبهت تأويل الروافض في القرآن إلا بتأويل رجل مضعوف من بني مخزوم من أهل مكة ، وجدته قاعدا بفناء الكعبة . فقال : يا شعبي ما عندك في تأويل هذا البيت ؟ فإن بني تميم يغلطون فيه ، يزعمون أنه مما قيل في رجل منهم ، وهو قول الشاعر :
بيتا زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
فقلت له : وما عندك أنت فيه ؟ قال : البيت هو هذا البيت ـ وأشار بيده إلى الكعبة ـ وزرارة الحجر ، زرر حول البيت ، فقلت : فمجاشع ؟ قال : زمزم ... إلى آخر خرافاتهم المضحكة ، لا سيما في تأويل القرآن الكريم.(5/5)
4- توفر الوسائل المتاحة للبحث والدراسة المتأنية في أمهات كتبهم ، وأهم مراجعهم الدينية ، من الكتب الأربعة التي يقوم عليها دينهم ، مثل: "من لا يحضره الفقيه"، لأبي جعفر الصدوق ، رئيس المحدثين الشيعة (أربع مجلدات) والذي نحن بصدد دراسة تحليلية نقدية ، لنماذج من عقائد الشيعة ومفاهيمهم ، من خلال كتابه " علل الشرايع " ( جزآن ) ، و"الاستبصار" للطوسي (أربع مجلدات) ، وكذا "التهذيب" له ، و"الكافي" للكليني ، وعشرات المجلدات الأخرى ، بما يشكل مكتبة شيعية خاصة، حصلت عليها مجانا ، إثر قرار الخميني بتصدير الفكر للخارج ، خلال عملي كأستاذ معار لإحدى جامعات الخليج .
5- الأمل والرجاء في عفو الله ورحمته ، أن يرد بعض ذوي العقل والنظر فيهم ، من التردي في مهاوي ألعن كبيرة في الإسلام ، وهي الشرك بالله ، بمثل جعل علي رضي الله عنه شريكا منفذا له حق الإدارة والأمر في الجنة والنار ، ومالك ورضوان يأتمران بأمره ، ووصفه بصفات الألوهية ، كعدم النسيان ، وعلم ما كان ويكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، بعد حكم الله سبحانه في قرآنه الخالد (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بت وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {48} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً {49} انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا ) [ سورة النساء : الآيات من 48 ـ 50 ] .(5/6)
6- الفرار من سخط الله ولعنته وأليم عذابه ، لا سيما والفقير شيخ على مشارف اللقاء والعرض على مولاه، وقد انبلج الصبح لذي عينين، والله سبحانه وتعالى يتوعد كل شيطان أخرس ، يعرف الحق ويكتمه ، بالطرد والحرمان ، والإبعاد من رحمة الله التي وسعت كل شيء ، في قوله سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [ سورة البقرة : الآيات من 159 ـ 160 ] .
وأقوم بمشيئة الله وعونه ـ بعرض ونقد علمي ، لنماذج مما وردت في هذا الكتاب ، من تعليلات فاسدة تضحك الثكلى ، ثم أقوم بنقدها وتفنيدها والرد عليها ، وقد قسمت هذه النماذج إلى عدة موضوعات عامة تجمع تحتها الكثير من المسائل والقضايا ، ويلاحظ على الكتاب في ترتيبه الموضوعي والعددي أنه لم يبذر سمومه مع بدايته، ليخدع القارئ ويعمّي عليه الأمر ، ثم يجمع خبائثه مع نهاية الكتاب ، وبالتالي سنجد هنا معظم الأفكار الضالة والتعليلات الساقطة في منتصف الكتاب وما بعده إلى نهايته .
وفي الفصل الأول أبين صورة عامة عن المؤلف وكتابه، ثم الفصل الثاني : وقد قسمت هذا الفصل إلى عدة مباحث هي :
المبحث الأول : ما يتعلق بالأنبياء عليهم السلام.
المبحث الثاني : ما يتعلق بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
المبحث الثالث : ما يتعلق بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
المبحث الرابع : ما يتعلق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم .
الفصل الثالث : العبادات .
الفصل الرابع : المعاملات والعلاقات الإنسانية والاجتماعية مع مثل النبط ، الأكراد ، الأعراب ، الطينة .
الفصل الخامس : علل متفرقات .(5/7)
وتحت كل مبحث من هذه المباحث مسائل تدرس وتعرض للنقد والتفنيد، إبراءً للذمة ونصحاً للأمة : (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) [ سورة هود الآية : 88] .
ثم ألحق بذلك صورة موجزة ، عن الحوار الذي دار مع الأديب الشيعي بأمريكا ونتائجه ، وإشارة لتقرير علمي عن كتاب شيعي معاصر كتبته بناء على طلب من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بمنع تداوله ، لاتساع زوايا الانحرافات والتخريب الفكري فيه ، مدعما بأدلة مما حواه الكتاب.
أسأل الله سبحانه أن يتقبل جهد الضعيف خالصا لوجهه الكريم ، يبيض به وجهه ووالديه وذريته وأحبابه في الله تعالى جميعا ، إن ربي سميع مجيب وما ذلك على الله بعزيز .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حدائق الزيتون بالقاهرة.
كتبه
أ. د. / محمد عبد المنعم البري
رئيس جبهة علماء الأزهر الشريف
الفصل الأول
تعريف بالمؤلف وكتابه
سرد لجانب من مكانته المرموقة عند الشيعة
أولاً : حياة المؤلف (4) 306 : 381 هـ
نسبه :
هو الشيخ رئيس المحدثين ، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، الصدوق القمي ، ولد بقم حدود سنة 306 هجرية ، ولم يُر في القميين من يضاهيه في سمو مكانته ورفيع مقامه العلمي عند الشيعة .
ونشأ في أسرة علمية من البيوتات التي ذاع صيتها بالعلم .
وكان أبو الحسن علي بن الحسين ، والد الصدوق فقيه الشيعة ، مرموق المكان لدى عامة أهل قُم ، وإليه يرجعون في الأحكام ، مع كثرة من فيها من أكابر القوم.
تُوفي والده سنة 329 هـ، وقيل إن الإمام الحادي عشر أبا محمد الحسن بن علي العسكري ، دعا له أن يرزق ذرية صالحة ، فقيل له : ستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين ، وقد رزق منها بالإمام الصدوق ، وأخيه أبي الحسن .(5/8)
ونشأ الصدوق في هذه البيئة العلمية ، وأصابته دعوة الإمام فكان من الحفاظ.
نشأته :
نشأ الصدوق بين أحضان العلم ، يغذيه أبوه لبان المعارف ، ويغدق عليه من فيض آدابه ، ما زاد في تكامله العلمي في الفكر الشيعي.
نشأ برعاية أبيه ، الذي كان يجمع بين العلم والعمل ، وكان ركناً من أركان الشيعة ، ترجع إليه في كثير من الفتيا ، يعمل تاجراً ، وكانت نشأة الصدوق الأولى في بلدة قم من بلاد إيران ، ساعدته على النبوغ والذكاء إذ كان يسمع الشيوخ ويروي عنهم ، وهو صغير حدث ، ولعل السر في نشاط الحركة العلمية يومئذ ، هو فضل ولاة الأمور الشيعة ، في الحكومات الإيرانية ، فإن الناس على دين ملوكهم ، وكانت السلطة في إيران للديالمة آل زبار وآل بويه ، وفاق عصر آل بويه من سبقهم ، بحسن خدمتهم لأهل العلم ، وتأييدهم لهم ، وكثرة من كان منهم في بلاطهم من وزراء ، وكتاب ، وقضاة ، كالصاحب ابن عباد ، وكانوا يلقون الرعاية من الأمراء ، خاصة ركن الدولة البويهي الذي حظي بصحبة كثير من علمائهم ، واستفاد منهم ، وفي طليعتهم الشيخ الصدوق ، إذ استدعاه وشاركه أهالي بلدة الري في تلك الرغبة ، وطلبوا من الشيخ سكنى الري ، فلبى طلبهم وأقام هناك.
أسفاره :
وللصدوق أسفارٌ متعددة ، لكثير من البلدان ، لطلب العلم والزيارة للمشهد المقدس ، أو البلد الحرام ، ومن البلاد التي سافر إليها:
1- خراسان: إذ سافر إليها في رجب سنة 352هـ لزيارة المشهد المبارك بها وهو مشهد الإمام الرضا ، وهذه الزيارة الأولى ، كما زاره ثانية في سنة 367هـ والسنة التي تليها ، وفي ذلك كله يُعلِّم الناس ، ويملي عليهم من معارفه.
2- جرجان: سمع بها من أبي الحسن محمد بن القاسم ، تفسير الإمام العسكري عليه السلام وأبي محمد عبدوس بن علي بن العباس الجرجاني .
3- نيسابور: وهي بلدة واقعة بين الري وسرخس في طريق خراسان ، أقام بها مدة وعلم أهلها.(5/9)
4- مرو الرود: وهي مدينة من مدن خراسان ، وكذلك سافر إلى سرخس ، وسمع بها من أبي النصر محمد بن أحمد بن إبراهيم السرخسي.
5- سمرقند : وردها في سنة 368هـ وسمع بها أبا أسد عبد الصمد بن عبد الشهيد ، كما سافر إلى ( بلخ ) ودخلها أيضا سنة 368هـ وأجازه فيها أبو القاسم عبد الله بن أحمد الفقيه الشيعي .
6- إيلاف : من بلاد ما وراء النهر، سمع بها الحديث من أبي نصر محمد وابن الحسن بن إبراهيم الكرخي، واجتمع فيها ببعض أعلامها، وطُلب منه فيها تأليف كتابه الشهير "من لا يحضره الفقيه" ( سنتكلم عنه فيما بعد ) وذهب إلى فراغانة وهمدان ، وبغداد ، وتعلم من شيوخها ، وعلم أهلها.
7- مكة والمدينة: تشرف بحج بيت الله سنة 354 هـ وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور أهل بيته، وفي عودته مر بالكوفة، وسمع فيها من جماعة كمحمد بن بكران النقاش .
وهذه جملة أسفاره يظهر من خلالها تحرك الشيخ في كثير من البلدان ، ولكنها على كل حال زيارات خاطفة ، لم تستغرق الكثير بل كانت إقامته الدائمة بقم والري.
شيوخه :(5/10)
تتلمذ الصدوق على كثير من علماء عصره، يظهر ذلك عند مطالعة كتابه "من لا يحضره الفقيه" ثاني الأصول عند الشيعة ، وقد أخذ الرواية عن كثير من الخاصة والعامة ، وتحمل عنهم الحديث في مختلف الفنون ، ومعظمهم من العلماء الكبار في الحواضر العلمية في القرن الرابع الهجري ، كبغداد والكوفة والري وبخارى ، تلك البلاد التي سافر إليها الشيخ ، وحَدَّث وحُدِّث بها ، وقد أحصى أحد علماء الشيعة ، وهو محمد الحسين النوري في خاتمة كتابه " مستدرك الوسائل " كثيراً منهم ، وذكر السيد حسن الموسوي في تقديمه لكتاب "من لا يحضره الفقيه" قائمة بأسماء معظمهم ، حتى ذكر أن عددهم 211 ، وهو لا شك عدد مبالغ فيه مبالغة واضحة ، وفيه تناقض بين ما سبق ذكره من حسن فهمه ونبوغه المبكر، ونشأته العلمية العالية إلخ ، وبين هذا العدد الجم ، فربما التقى بأحدهم مرة أو مرات سمع قليلاً أو كثيراً، فاعتبروه من شيوخه لإصباغ هالة من التفخيم لحفظه أو الرفعة لشأنهم ، وعلى كل حال فهي علوم ، ونقول يغشاها الضلال والخداع للبسطاء من باب إلباس الباطل ثوب الحق ، قال الله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا {5} ) [ الكهف آية : 5 ].
تلاميذه :(5/11)
ذكر السيد بحر العلوم في مقدمته لعلل الشرائع قوله : " لو أردنا أن نستقصي على التحقيق والاستقراء جميع من روى عن الصدوق وأخذ عنه العلم لطال بنا البحث ، ولاحتجنا إلى زمن كثير ، خصوصاً بعد أن نقف على ما ذكره أصحاب المعاجم ، من أن شيوخ الأصحاب سمعوا منه ، وأخذوا عنه في حداثة سنه" ، وقد ذكر كبار الشيعة أسماء التلاميذ الذين أخذوا عنه في معاجمهم ، وقد بلغ عددهم حوالي عشرين يقولون إنهم من كبار العلماء فيما بعد، ويقولون أيضاً إنه لم يتيسر لهم الوقوف إلا على هذا العدد الضئيل، ولم يعثروا على بقية أسماء تلاميذه، وربما لا يكون له تلاميذ سوى هؤلاء، خاصة إذا ما عرفنا عن الشيعة رغبتهم في الكتمان والتقية والانزواء ، وعدم الإفضاء بما لديهم إلى أي أحد ، بل يتخيرون خلفاءهم اختياراً دقيقاً ، لضمان السرية والاستمرارية ، ولا أقول هذا تقليلاً من شأنه ، وإنما من واقع قراءاتي المتعددة ، وغوصي في أعماق الشخصية الشيعية.
آثاره العلمية :
سنفاجأ هنا بمبالغات ضخمة ومزايدات مفتعلة في تقييم تركته العلمية ، فيقول السيد الموسوي في تقدمته لكتاب "من لا يحضره الفقيه":(5/12)
"غير خفي ما كان عليه شيخنا الصدوق ، من ثراء علمي ضخم ، وأنا في غنى عن سرد كلمات المترجمين فيه فلا حاجة إلى الإطناب في البيان ، بعد أن قرأنا ونقرأ أنه صنف أكثر من ثلاثمائة مصنف ، في شتى فنون العلم وأنواعه ، وبعد أن نعرف أنه كانت بجانبه مكتبة الصاحب بن عباد، الغنية بالنفائس والآثار ، وبعد أن عرفنا في شيخنا قوة الذكاء وشدة الحفظ ، فهو الذي يحفظ ما لا يحفظ غيره ، وهو الذي كانت مدرسته العلمية سيارة قائمة بشخصه الكريم ، وإلى القارئ أسماء مصنفاته منها حسب حروف الهجاء ، مع ذكر موضوعاتها والتنبيه على المطبوع منها كما ننبه على ما عكف عليه العلماء بالشرح والترجمة" ، ثم ذكر قائمة بعدد 219 كتابًا لا أرى ذكرها هنا ، لعدم الإطالة ، وعدم الحاجة ، ثم قال: هذا ما تيسر لنا العثور عليه من أسماء مصنفاته ، وقد بخل الزمان بأسماء الباقي منها كما بخل بحفظ جلها من الضياع" .
ويلاحظ التهويل في ذكر هذه الكتب ، فنرى الموضوع الواحد يقسمه إلى عدة موضوعات ، ويجعل لكل منها كتاباً مستقلاً ، في حين أنه قد تكون جميعها أبواباً ، وفصولا لكتاب واحد ، ومع هذا فأرى الإشارة إلى أبرز كتبه ، التي عليها قوام دين الشيعة وعقيدتهم .(5/13)
فمرة يذكرون أن دينهم وعقيدتهم قوامها على أربعة كتب أولها الكافي للكليني ، وبعده من لا يحضره الفقيه للصدوق، وبعده التهذيب ، ثم الاستبصار وكلاهما للطوسي ، وهذه الكتب الأربعة هي الصحاح عند الطائفة الحقة التي عليها المعول وإليها المرجع ، ومرة أخُرى يذكرون أن أصولهم الفكرية خمسة كتب ، كما صرح به علماؤهم الكبار ، إذ قالوا: أصولنا الخمسة هي الكافي للكليني ومدينة العلم ، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ، والتهذيب والاستبصار للطوسي، فمن هذين القولين ترى الاختلاف ، وإن كان القول الأول هو السائد عند جمهورهم ، لكنا ذكرنا القول الثاني لنأخذ بالزائد فيه ، وهو كتاب مدينة العلم ، إذ قال عنه أحد مشايخهم: "هو خامس الأصول الأربعة ، وهو من عشرة أجزاء فالأسف على ضياع هذه النعمة العظمى من بين أظهرنا وأيدينا ، من لدن عصر والد البهائي إلى يومنا هذا" .
2- من لا يحضره الفقيه :
وهو ثاني الأصول الأربعة، التي عليها مدار الشيعة، ومرجع علمائهم في أخذ الأحكام، وقد مرت على تلك الأصول الأربعة، أكثر من تسعة قرون والفقهاء وغيرهم يتلقونها بالقبول ، والاعتناء ، بحيث لا يطعن فيها طاعن رغم بعض الطعون التي وجهت إلى غيرها من المؤلفات الأخرى يجمل الإشارة إليها فيما بعد.(5/14)
أما السبب الذي دعا الصدوق إلى تأليف هذا الكتاب ، فقد قال : " لما ساقني القضاء إلى بلاد الغربة وحصلني القدر منها بأرض " بلخ " وردها أبو عبد الله المعروف : " بنعمة " وهو محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فجالسني وانشرح صدري بمذاكرته ، فذاكرني بكتاب صنفه محمد بن زكريا الرازي الطبيب ، وترجمه لكتاب من لا يحضره الطبيب وذكر أنه شاق في معناه وسألني أن أصنف له كتابا في الفقه والحلال والحرام والشرائع ، والأحكام موفياً على جميع ما صنفت في معناه ، وأترجمه بكتاب من لا يحضره الفقيه ، ومعناه فقيه من لا يحضره الفقيه .(5/15)
ليكون إليه مرجعه وعليه معتمده وبه أخذه ويشترك في أجره من ينظر فيه ، وينسخه ، ويعمل بمودعه ، هذا مع نسخه لأكثر ما صحبني من مصنفات فأجبته إلى ذلك ، لأني وجدته أهلاً له ، وصنفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لكي لا تكثر طرقه وإن كثرت فوائده ، ولم أقصد فيه قصد الصنفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته ، وأعتقد فيه أنه حجه فيما بيني وبين ربي ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، وهذا الكتاب لقي ثناءً كبيراً من علماء الشيعة ، كما لقي طعوناً منهم فالأولون يجعلونه أحد الكتب الأربعة الأصول ، بل منهم من ذهب إلى ترجيح أحاديثه على غيره من الكتب الأربعة، نظراً إلى زيادة حفظ الصدوق ، وحسن ضبطه وتأخر كتابه عن الكافي ، وضمانه فيه لصحة ما يورده ، وأنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، وأما الآخرون فيرون فيه كثرة المراسيل ، التي يرون تفرد الصدوق بها ، واعتداده بحفظه ، وفهمه ، ومن ثم فقد اشتمل على فتاوى غريبة لم يتابعه عليها أعلام الطائفة ، وإن ذهب إلى قوله بعضهم ، وكانت مخالفة للإجماع أو متروكة عند المتقدمين والمتأخرين أفرد لها الشيخ مفلح بن الحسن الصيمري مؤلفاً أسماه : " التنبيه على غرائب من لا يحضره الفقيه " .(5/16)
وقد أحصى أحد علماء الشيعة في أول شرحه لكتاب من لا يحضره الفقيه المسمى " بالتعليقة السجادية " أحاديث الكتاب ، فكانت " 5963" حديثاً منها " 2050 " حديثاً مرسلاً ، ونسب ذلك إلى بعض مشايخه ، وقيل إن عدد الأحاديث أقل من ذلك ، يقول بعض المحققين في النجف ممن ترجم للصدوق في مقدمة كتابه من لا يحضره الفقيه ما لفظه " إن شيخنا الصدوق قد انفرد بآراء وفتاوى لم يسبقه فيها أحد ، كما لم يتابعه في جلها أحد من الفقهاء ، وإنه كان يعتمد على طائفة من الأخبار ، لم يعتمدها غيره ، فأفتى بمضمونها معتقداً صحتها والعمل عليها ، ولذا خالف في بعض تلك الآراء إجماع الطائفة ، وربما حاول قصر الأذهان على قبول رأيه ، وفرض حكمه ، إلا أنه بشر يخطئ ويصيب ، ثم ذكر هذا المحقق بعض ما عثر عليه استطراداً في الجزء الأول فقط من الكتاب من فتاواه الغريبة وآرائه الخاصة كما يلي :
1 ـ جواز الاغتسال والوضوء بماء الورد .
2 ـ المرأة الحائض تقضي الركعة التالية من المغرب بعد أن تطهر وتغتسل إذا حاضت بعد ما صلت ركعتين منها.
3 ـ لا تجوز صلاة من صلى بعمامة لا حنك بها .
4 ـ أول المغرب استتار القرص " أي قرص الشمس " ، لموافقته أهل السنة والجماعة.
5 ـ وجوب القنوت في الصلوات الخمس اليومية وتركه يبطل الصلاة .
6 ـ عدم جزئية الصلاة على النبي في التشهد ، فإنه ذكر التشهد خالياً منها.
7 ـ جواز السهو على النبي ، وسماه إسهاء من الله تعالى اتبع في رأيه ذلك أحد شيوخه ، وهو محمد بن الحسن بن الوليد ، وتبعه عليه الطبرسي ، وغيره ، هذا هو كلام الشيعة ، عن شيخهم ، ورئيس محدثيهم ، وما خفي كان أعظم .
يحقرون أعلامهم ، ويكذبون صدوقهم
وحول هذه المسألة نقل عن البهائي أنه قال : " الحمد لله الذي قطع عمره ، ولم يوفقه لكتابة مثل ذلك ، كما نقل عن الشيخ أحمد الإحسائي زعيم مدرسة الشيخية الشيعية ، أنه قال : [ الصدوق في هذه المسألة كذوب ] .(5/17)
هذا هو رئيس محدثي الشيعة الذي يكفرون الأئمة الأعلام أصحاب الكتب الستة ضمن النُّصَّاب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي في نظرهم وتقييمهم الأمة الملعونة قاتلة الحسين سيد شباب أهل الجنة .
3 ـ علل الشرايع :
هو هذا الكتاب الذي تدور حوله الدراسة وسيأتي بعد ذلك تعريف بالكتاب ومحتوياته ، ولعل هذا الكتاب خاصة ، ومعه الكتاب الثاني من لا يحضره الفقيه هي أشهر كتب الصدوق ، ومن أشهر كتب الشيعة عامة.
والعدد الضخم الهائل الذي سبق ادعاؤه إن صح ذلك ، كانت نعمة الله فيه على عباده المسلمين عظيمة ، إذ أهلكه بقدرته ، وأمات سمومه بواسع رحمته ، فكيف كان يصير الحال الآن مع بقاء كل هذه الضلالات التي خرجت مع رجل استطاع أن يبهر كثيراً من العامة ، فيلتفون حوله ويصدقون خرافاته ، وحتى لا نستغرق في الذم ، نعطي القارئ مهلة ، ليرى بنفسه كثيراً من هذه الأفكار النكراء في ثنايا هذه الدراسة الموجزة إلى جوار ذلك يرى ما يثير الدهشة والعجب ، ويضحك الثكلى ، وشر البلية ما يضحك .
ثناء العلماء عليه :
أذكر هذه الإشارة ، لأبين للقارئ مدى مكانة الرجل عند علماء طائفته ، ومقدار تصديقهم له ، ثم نترك للقارئ الحكم على الرجل ، وعلى من أثنوا عليه ، من خلال أفكاره في هذا الكتاب ، وكما يقال : الطيور على أشكالها تقع ، ومن أحب قوماً حشر معهم ، وهو منهم وعلى منوالهم ينسج .
جاء في مقدمة كتابه ( من لا يحضره الفقيه ) للسيد الموسوي ، جملة من ثناء العلماء عليه أقتطع منها هذه الفقرة :
الصدوق هو العالم الجليل ، والمحدث النبيل ، نقاد الأخبار ، وناشر آثار الأئمة الأطهار عليهم السلام ، عماد الملة ، والمذهب والدين ، شيخ القميين وملاذ المحدثين ، شيخ من مشايخ الشيعة، وركن من أركان الشريعة ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المتحفظة .(5/18)
وهذا الكلام يذكرني بموقف دار بين عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين ، وأحد الخوارج ، ظل عبد الملك يدعوه إلى الجماعة والسمع والطاعة ، ثم أخذ يكرر عليه ذلك فقال الخارجي: لتغنك الأولى عن الثانية قلتَ فسمعتُ ، فاسمع مني أقل لك. فقال : تكلم. فأخذ يتكلم عن الجهاد ومحاربة الكافرين ، وأعمال القربات ، وجزاء المستمسكين بها ، والجنَّة وما فيها من نعيم ، والنار وما تحوي من عذاب ، يقول عبد الملك حتى وقع في خاطري أن الجنة خلقت لهؤلاء فقط ، وأنهم أولى بالأمر ، وأنهم على الصواب ، حتى كاد يقنعني بمذهبه ، فأخرج معه لأنال الجنة، فالحمد لله الذي ثبت قلبي على الحق .
الفارغ الذهن غير الخبير بخباياهم
ووجه الشبه ، أن القارئ إذا ما قرأ الثناء الحار ، والذكر الخلاب ، قد يقع الصدوق في نفسه كل موقع ، ويتمنى لو رآه ليحظى بلحظة فيض من إلهامه وعلمه ، أو بنظرة رضا وتقدير من شخصه النبيل ، كما كاد أن يحدث لعبد الملك مع الخارجي ، فنسأل الله التثبيت والحفظ والعون على كشف زيف هؤلاء ، وبطلان أفكارهم وعقائدهم، وفضح أكاذيبهم وأحقادهم على الإسلام والمسلمين ، إن ربي سميع مجيب .
وفاته :
توفي الصدوق في سنة 381 هـ ببلدة الري من بلاد إيران ، ودفن بها عند بستان طغرليه الذي أضحى مزاراً يلجأ إليه العوام والخواص منهم ، ويتبركون كعادتهم ويحيطون قبره حتى الآن باحترام وتقدير واهتمام بشؤونه من قبل ولاة الأمور وعامة ذوي الجهالات الشركية المؤسفة ، والله من ورائهم محيط .
ثانيا : تعريف بالكتاب(5/19)
كتاب علل الشرايع للصدوق ، يبحث في فروع دين الجعفرية الإمامية الاثني عشرية ، وحكم شرائعه ، ويتضمن أبوباً عدة ، وفصولاً جمة ، من كل لون وعلى كل هيئة ، بدء من الفرائض حتى النوادر وما دونها ، فيبحث لكل شيء عن علة ، مستدلاً بالصحيح عندهم تارة ، وبالسقيم تارات أو مُحكما عقله فيما لا دليل عليه ، بوصفه أهلاً للمراجعة الخلاقة عند الطائفة ، إذ أصول الشرائع عندهم :
(1) القرآن الكريم :
ويعني عند أكثرية مفكريهم وشيوخهم ( مصحف فاطمة ) ، وهو المحفوظ لدى الإمام الغائب في سرداب سامراء من مئات السنين ( الوهم المنتظر ) ( عج ) أي عجل الله فرجه وعقيدتهم في المصحف السائد في العالم الإسلامي المنقول إلينا بالتواتر والمتعبد بتلاوته والذي تكلف الله بحفظه في الصدور والسطور إلى ما شاء الله لا يساوي ثلث مصحفهم المختفي .
(2) السنة المطهرة :
ويعنون بها أحاديث الأئمة المعصومين من أولاد علي ـ رضي الله عنهم ـ بشرط كونهم عن طريق رواتهم ومحدثيهم وعلى رأسهم الكليني والصدوق رئيس المحدثين الشيعية ، ومن سار على دربهم ممن يطلقون على أنفسهم الرواة عن القرة آل البيت.
(3) الإجماع :
ويقصد به إجماع شيوخ الطائفة دون سواهم .
(4) العقل:
ويهتدون به ويحتكمون إليه ، حيث لم يرد نص ثابت في قضية أو أمر ، في المصادر الثلاثة سابقة الذكر.
وبهذا تحرر قلم الصدوق ، وانطلق يسجل ما يمليه عليه عقله الرجيم ، إذا أعياه الدليل والحيلة ، اعتماداً على علو شأنه عندهم ، وحصانته من التهجم أو القدح فيه من صغارهم وكبارهم.
والكتاب يقع في جزأين بمجلد واحد يضم حوالي ستمائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط .
يقول السيد صادق بحر العلوم في وصفه للكتاب :(5/20)
[ ومن مؤلفات شيخنا ـ الصدوق ـ رحمه الله ـ هذا الكتاب " علل الشرايع " والأحكام والأسباب " يتضمن 262 بابا في الجزء الأول ، و 385 بابا في الجزء الثاني ، أول الأبواب [ العلة التي من أجلها سميت السماء سماء والدنيا دنيا، والآخرة آخرة ، والعلة التي من أجلها سمي آدم آدم ، وحواء حواء ، والدرهم درهما، والدينار ديناراً ، والعلة التي من أجلها قيل للفَرسَ أجر وللبغلة عد والعلة التي من أجلها قيل للحمار حر ] ، وإلى آخر الأبواب فهو في نوادر العلل.
ولم نعلم سبب تأليفه للكتاب ، ولا تاريخ تأليفه ، وقد طبع الكتاب مرةً في سنة 1289 هـ ، وثانية 1361 هـ ، وألحق به معاني الأخبار للصدوق أيضاً كما أُلحق به كتاب الروضة في الفضائل لم يعرف مؤلفه .
وثالثةً 1378 هـ وكل هذه الطبعات الثلاث بمطابع إيران ، وهي غير خالية من الأخطاء المطبعية وغيرها، وبعض النقصان في بعض طبعاتها ، وقد لخص هذا الكتاب الشيخ شرف الدين بن عز الدين بن الحسين بن ناصر البحراني نزيل ( يزد ) من بلاد إيران ، ونائب أستاذه المحقق علي الكركي المتوفى 940 هـ ، كما ذكره الميرزا عبد الله أفندي في كتاب ( رياض العلماء ) وله أيضاً ملخص لهذا التلخيص ، ويضيف في هامش المقدمة أن كتاب ( علل الشرايع ) فيه بعض الأحاديث التي تلائم مقام الأئمة المعصومين ، ولعلها مدسوسة في أخبارهم من بعض المناوئين ، فلا بد أن تؤول تأويلاً معقولاً (1) بحيث تلائم مقامهم ، ولعها لا تخفى على الناقد البصير .(5/21)
وللكتاب مكانة عالية في قلوب وعقول الشيعة خاصتهم وعامتهم، لما تضمن من أبواب ومسائل كثيرة ، فتكلم عن بدء الخلق ، وعلة مسمياته والمكان والزمان ، ثم تحدث عن الأنبياء ، وبعض أحوالهم مع أقوامهم ، وما حدث لبعض معارضيهم ، كما تحدث في أمور علمية ، بكلام عشوائي لا دليل عليه ، من عقل ناضج أو شرع قويم ، ثم تناول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، وتحدث عن بعض أفعاله ، وبحث لها عن علل ، وكما انتقل إلى الحديث عن الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ ، وأخذ يعلل أعماله بعلل واهية ، يرفضها العقل والعرف ، بل هي كذب صريح وتقول واضح مفتعل على أمير المؤمنين شأن الشيعة دائماً . وانتقل للحديث عن السيدة فاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ ودلَّس عليها في مواقفها مع أبي بكر وعمر ـ رضوان الله عليهما ـ فيما أطلق عليه الشيعة : ميراثها عن أبيها في فدك ، ثم تعرض للحديث عن بقية أهل البيت ، وعلل أعمالهم ، وما تعرضوا له من مخالفيهم بتعليلات ساقطة.
ثم انتقل في الباب رقم 182 وعنوانه علل الشرايع وأصول الإسلام ، فبدأ بالحديث عن الغائط ونتنه وعلة الوضوء وأركانه ، وعلة كل ركن والسواك وعلته والحيض والنفاس وبول الجارية ، وعلة غسل الثوب من لبن الجارية وبولها دون الولد ، ثم صلاة الجنازة وعدد تكبيراتها وعلة ذلك ، وانتهى الجزء الأول من الكتاب بالباب رقم 262 ، وعنوانه العلة التي من أجلها يكون عذاب القبر ، وبدأ الجزء الثاني بالباب رقم 1 وعنوانه علل الوضوء والآذان والصلاة ، وتكلم عن القصر والجمع ، والرخص في ذلك وعلتها وعلة صلاة الجماعة ، وختم علله بنوادر الصلاة. ثم تحدث عن الزكاة وعلتها ، والعلة التي من أجلها صارت الزكاة في كل ألف درهم خمسةً وعشرين درهماً .(5/22)
والعلة التي من أجلها لا تجب الزكاة على السبايك والحلي ، حتى ختم بنوادر علل الزكاة ، ثم انتقل إلى الحديث عن علل الصيام وعلة العيد في الفطر والأضحى ، والعلة التي من أجلها يتجدد لآل محمد صلى الله عليه وسلم في كل عيد حزن جديد ، وعلة إخراج زكاة الفطر ، ثم تحدث عن مكة والبيت الحرام ، وعلة تسميتها والحج وأركانه ، وعلة كل ركن .
وجاء بكلام كثير لا أصل له ، وتعليلات لا يقبلها العقل فضلاً عن عدم ورودها في الشرع الشريف ، ثم علة الأضحية ، والعلة التي من أجلها لا يكتب على الحاج ذنبُ أربعة أشهر ، وختم بباب نوادر علل الحج .
كما شرع يتكلم عن الكبائر وعلل تحريمها ، كشرب الخمر ، وقتل النفس وعقوق الوالدين ، وعلة تحريم الزنا والربا ، ثم تكلم عن الزواج والمهر ، وعلته ، وتكلم عن المرأة كلاماً ساقطا مستفظعا ، كحديثه عن العلة التي من أجلها يجوز للرجل أن ينظر إلى امرأة يريد الزواج منها وأن عليها أن ترقق له الثياب ، لأنه يريد أن يشتريها بأغلى ثمن ، وعلة تفضيل الرجال على النساء ، ثم ختم بالحديث عن نوادر علل النكاح ، وتكلم عن الجنة والنار وأصحابهما وكذلك الوصية والميراث ، ومن غرائب ذلك العلة التي من أجلها لا ترث المرأة في العقار شيئاً .
وعلة نجاسة الناصب ( أي أهل السنة والجماعة ) حتى ختم الكتاب بباب نوادر العلل وهو الباب رقم 385 .
وبعد : فهذا تصور عام لما اشتمل عليه الكتاب ، من سخافات العلل التي يؤمن بها الشيعة ، ويرونها من الأمور الرئيسية في فكرهم وتراثهم ، وكيف لا وقائلها إمامهم الصدوق ، ورئيس محدثيهم الأجل ، الذي لا يضارع ، والذي قال عنه بعض شيوخهم بأنه الكذوب قطع الله عمره .(5/23)
وبما أن المقام لا يتسع لعرض هذه العلل كلها ونقدها والرد عليها ، فأحاول بمشيئة الله وعونه ، أن أتخير للقارئ الكريم ، والمسلم بوجه خاص ، نماذج مختلفة ، من هذه العلل ، في مختلف النواحي الفكرية ، التي تطرق إليها المؤلف ونقدها ، لأكشف من خلالها زيف معتقداتهم التي لا تنطلي إلاَّ على السذج والبلهاء ، أو أصحاب المغانم والمصالح ، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويصدون عن سبيل الله .
وأقدم هذا الجهد المتواضع ، حسبة لوجه الله تعالى ، ونصحا للأمة الإسلامية ، وتحصيناً لها من هذه المهالك ، التي لا عاصم ولا حافظ من ويلاتها إلا الله سبحانه وتعالى ، ثم جهود المخلصين من العلماء ، وذوي الغيرة الإسلامية ، الذين يبرزون الصورة الأصيلة لتعاليم الإسلام التي نزل في شأنها قول الحق جل وعلا في يوم عرفة في حجة الوداع عصر الجمعة عند الموقف أمام الصخرات على أمير الأنبياء قول الحق سبحانه ... (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) [ سورة المائدة الآية : 3 ]
كما يبرزون خسة ووضاعة ما عداها من دس الأعداء والخصوم إقامة للحجة عليهم (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) [ سورة الأنفال الآية : 42 ] ، والله سبحانه وتعالى من وراء القصد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بوابة التاريخ الإسلامي
لا حراس عليها(5/24)
هبط الإسلام إلى العالمين كوليد في المهد ، وكسرى يزأر في الدنيا : أملاكي لا تغيب عنها الشمس بعد أن دحر الرومان بجيوشه ، وهرقل يلم شعثه ويجمع شتات جيوشه للثأر ويجيب وأنا كذلك، وتتنزل المعجزة الكبرى على المستضعفين في مكة في كلمات من القرآن الحكيم تصور المستقبل القريب بانتصار الرومان على الفرس في بضع سنين ثم أفُول نجمهما إلى الأبد تحت نعال شباب الإسلام ورجاله ، وفي ومضة من عمر الزمن لم تتجاوز ربع قرن تحولت المعجزة الكبرى من كلمات قرآنية في مطلع سورة الروم إلى واقع أعجب من الخيال صوره أمير الشعراء شوقي رحمه الله بقيثارته الشعرية الرشيقة مناجيا نور رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وعلمت أمة بالقفر نازلة رَعْيَ القياصر بعد الشاء والغنم
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم إلا على صنم قد هام في صنم
ولم يكن في كلماته تلك ، مجاملا أو مستغرقاً في خيال الشعراء ، بل يحكي واقعا سجله التاريخ بمداد المجد والفخار ، إذ يذكر أحدهم أمير المؤمنين عمر في مجلسه بالأدب النبوي الشريف " أكرموا عزيز قوم ذل " حينما شاهدوا من بين سبايا فارس بنات كسرى الثلاث إثر وصول الغنائم والسبي من القادسية وأشاروا بتسليم الفتاة الأولى إلى الحسين حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرزقه الله سبحانه منها علي زين العابدين الذي نجا من مذبحة كربلاء وحفظ الله به سلالة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والفتاة الثانية لعبد الله بن عمر فرزقه الله منها بسالم شيخ المحدثين والفقهاء في عصره والثالثة لمحمد بن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنهم أجمعين . فأفقدت صدمة انتصار الإسلام الساحق في هذا الزمن الوجيز العقول والألباب لأعدائه ، فبدؤوا يضربونه في كل الاتجاهات وتكفل الحق جل وعلا بحفظ كتابه من سهام حقدهم : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [ سورة الحجر الآية : 9 ].(5/25)
وكذلك حفظ الله سنة حبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم باعتبارها المبينة لمراد الله في قرآنه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [ سورة النحل الآية : 44] . وتفرغت طلائع رجال الإسلام حينذاك ، للفتوحات ونقل اللغة والدين ، وآداب الإسلام إلى البلاد المفتوحة والشعوب الجديدة ، وتفرغ الأعداء المتربصون لإفراغ سموم حقدهم على من قهروهم في عقر دارهم ، من خلال التاريخ الإسلامي والتفسير والأدب وغيره ، معتمدين في عملهم المشين على أمل كبير ، اقتنصوه من القرآن الكريم ، بما يفيد أن أكثر الناس لا يعقلون ولا يفقهون ولا يعلمون ولا يؤمنون ، وهكذا تحولت هذه الساحات العلمية إلى سلاح ذي حدين للبناء والهدم في آن واحد ، بالبناء على أيدي المنصفين من المؤرخين وعلماء الإسلام وحراس ثُغُوره ، والهدم على يد المتسللين من أهل الكتاب والزنادقة والمأجورين وهم بكل أسى وأسف ، الأكثرية الساحقة ، مما حدا المخلصين لاستنفار ذوي الغيرة ، لتطهير الساحات المقدسة ، من الخلايا السرطانية ، التي تخرب عقول البسطاء ، وتشوه صورة أشرف الرجال ، لأعظم أمة أخرجت للناس ، يقول الحق سبحانه : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {186}) [ سورة آل عمران الآية : 186] .
ـــــــــــــــــــــــــ
هوامش المقدمة والفصل الأول:(5/26)
(1) الإمام الشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي بن عبد الله ذي كبار ( قيل من أقيال اليمن بطن ) علاََّمة العصر أبو عمرو الهمداني ثم الشعبي ، كانت أمه من سبي جلولاء، مولده في إمرة عمر بن الخطاب لست سنين خلت منها. وكانت جلولاء في سنة 17 هـ ، رأى عليا رضي الله عنه وصلى خلفه ، وسمع من عدة من كبراء الصحابة ، حدث عن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم وأسامة بن زيد وأبي سعود البدري وأبي هريرة وأبي سعيد وعائشة (ر) وجابر بن سمرة وسمرة بن جندب والنعمان بن بشير والبراء بن عازب وزيد بن أرقم والحسن بن علي وأم سلمة وأسماء بنت عميس وأم هانئ وأنس بن مالك، وغير هؤلاء ، سمع من أكثر من خمسين من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، كان حافظا وما كتب شيئا قط ، عن مكحول قال: ما رأيت أحدا أعلم من الشعبي ، وعن أبي مجلح قال : ما رأيت أحدا أفقه من الشعبي لا سعيد بن المسيب ولا طاووس ولا عطاء ولا الحسن ولا ابن سيرين فقد رأيت كلهم . وعن أبي بكر الهذلي قال لابن سيرين: الزم الشعبي فلقد رأيته يُستفتى وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون. تُوفي (ر) سنة 105 عن خمس وسبعين سنة.
المراجع : الطبقات الكبرى 6/246 ، تاريخ البخاري الكبير 6/450 ، حلية الأولياء لأبي نعيم 4/310 ، سير أعلام النبلاء للذهبي ج4/294.
(2) في بعض الأصول : " دست ".
(3) الجازر : قرية من نواحي النهروان . وفي بعض الأصول : " الحازر ".
(4) انظر مقدمة كتابيه : " علل الشرايع "، " من لا يحضره الفقيه".(5/27)
(5) من التأويلات المعقولة لدى شيوخهم قولهم في تفسير الآية الشريفة (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) [ من سورة البقرة آية : 67 ] أي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة ـ رضي الله عنها ـ وفي تفسيرهم لقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) [ من سورة النساء آية : 51 ] هم أهل السنة والجماعة لا اليهود لأن مصحفهم لا يتجاوز ثلث مصحف الوهم المنتظر وأنَّ الآية تفيد التبعيض ، أما كل الكتاب فمحفوظ في السرداب ، ومعنى الجبت والطاغوت هما الشيخان أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ إلخ وهكذا نجح اليهود مبكراً بزعامة الحاخام اليمني عبد الله بن سبأ مؤسس الشيعة في تحويل آيات السخط والغضب واللعنة الخاصة بقومه إلى أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الأئمة الراشدون الخلفاء ، وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان ـ رضي الله عنهم ورضوا عنه ـ حتى تحول المسلم السني في نظر تلاميذه الشيعة إلى رمز للنجاسة واللعنة ، مصافحته أو لمسه من نواقض الوضوء عندهم ، والكارثة المزدوجة أن يبتلى المرءُ بعدو جاهل ، لأنه يجمع الخستين ، وقد قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
الفصل الثاني
نماذج لعرض ونقد الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث الأول
ما يتعلق بالأنبياء عليهم السلام
يلاحظ أن هذه الجزئية أخذت بداية الكتاب ولم تكن تعليلاتها ذات أثر بل معظمها من قبيل الإسرائيليات التي أخذت عن أحبار اليهود ولهذا سيكون هذا المبحث قليل المسائل بالنسبة لغيره ، خاصة ما يتعلق بآل البيت و أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
العلة التي من أجلها توقد النصارى النار
ليلة الميلاد وتلعب بالجوز(1)(5/28)
قال الصدوق أخبرنا أبو عبد الله محمد بن شاذان ، عن وهب بن منبه اليماني ، قال لما ألجأ المخاض مريم عليها السلام إلى جذع النخلة أشتد عليها البرد فعمد يوسف النجار إلى حطب فجمعه حولها كالطيرة ثم أشعل فيه النار فأصابتها سخونة الوقود من كل ناحية حتى دفئت وكسر لها سبع جوزات وجدهن في خرجه فأطعمها فمن أجل ذلك توقد النصارى النار ليلة الميلاد وتلعب بالجوز.
وأقول :
ذاك من الإسرائيليات التي دسوها في بعض الكتب على حين غفلة لتهيئة النفوس لسماع ما قالوه بطعن مريم في شرفها ، وأنها حملت سفاحا ، وأصابع الاتهام اليهودية لا تشير بهذه التهمة النكراء ، إلا إلى يوسف النجار ، فهل هذه المستنقعات الأسنة يقرب رائحتها إنسان عنده مسحة من عقل أو دين ، نزه الله ساحة من اصطفاها ربها وطهرها على نساء العالمين ، في عصور الظلام المدلهم ، وتذكرنا دائما نوادر الصدوق وأمثاله بالحكمة القائلة ( لكل ساقطة في الحي لاقطة ) .
علة المشوهين في خلقهم (2)
قال الصدوق : حدثني أبي عن ابن عذافر قال جعفر الصادق : ترى هؤلاء المشوهين في خلقهم ؟ قال : قلت نعم ، قال : هم الذين يأتي آباؤهم نساءهم في الطمث .
وأقول :
وبين هذا الحديث المنسوب إلى المعصوم عندهم أن المرأة إذا أتاها زوجها خلال أيام الحيض فعلقت بجنين جاء المولود مشوها بالحول أو العمى أو التخلف العقلي إلخ .
وتلك المفاهيم من ألوان الجهل المركب ، التي اجتثها العلم الحديث الذي أثبت في أولياته ، أن البويضة لا وجود لها في الرحم خلال المحيض ، لأنه أذى يدمرها ، ولا تنزل إلا خلال أيام الطهر ، فمن أين يأتي الولد أصلاً خلال الطمث ، وذلك من دلائل الكذب والجهالات التي تجد رواجا عجيبا بينهم ، أليس فيهم رشيد.
العلة في خروج المؤمن من الكافر
وخروج الكافر من المؤمن (3)(5/29)
قال الصدوق : حدثني أبي عن بعض أصحابنا عن جعفر الصادق قال إن الله عز وجل خلق ماء عذبا خلق منه أهل طاعته ، وجعل ماء مرا خلق منه أهل معصيته ، ثم أمرهما فاختلطا ، فلولا ذلك ما ولد للمؤمن إلا مؤمنا ، ولا ولد للكافر إلا كافراً .
أقول :
هذا النص المقدس عندهم مما يؤكد عنصرية شعب الله المختار الثاني ، فهم من الطينة الحلوة والماء العذب السلسبيل ، دون سواهم من سائر البشر ، وتاريخ البشرية القديم في كل الملل والنحل ، يسجل فناء البشرية في عهد شمول الطوفان ، ويرجع البشر إلى الأصول الجديدة من أبناء نوح عليه السلام سام وحام ويافث وهم أبناء رجل واحد هو نوح عليه السلام .
ثم ألم يكن في الشعار القرآني الخالد : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) غنية عن التشبث بالماديات الفانية ، دون الباقيات الصالحات ، فهي عند ربك خير ثوابا وخير أملا .
وقد ورد في معنى الأثر الخالد : يسمع جميع الخلائق يوم الحسرة هاتفا من قبل ملك الملوك سبحانه [ أيها الناس وضعت نسبا ووضعتم نسبا ، قلت إن أكرمكم عند الله أتقاكم وأبيتم إلا أن تقولوا فلانا ابن فلان ، فاليوم أرفع نسبي ، وأضع نسبكم ] يؤكد هذا المعنى قول الحق سبحانه : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ {101} فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {102} وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ {103} ) [ سورة المؤمنون الآيات : 101 : 103]
ما زالوا يعلقون آمالهم على السراب أو ما يشبهه :(5/30)
قال تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) [ سورة العنكبوت : الآية 41] ولن يفيقوا من غرورهم الأحمق إلا يوم الحسرة والصدمة الكبرى التي يصورها قول الحق سبحانه : ( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ {23} انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {24} ) [ سورة الأنعام : الآيتان 23: 24] والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
العلة التي من أجلها تكون في المؤمنين حدة
ولا تكون في مخالفيهم
قال الصدوق حدثني أبي ، عن جعفر الصادق ، كنا عنده فذكرنا رجلا من أصحابنا فيه حدة فقال: من علامة المؤمن أن يكون فيه حدة قال فقلنا له ( جعفر ) إن عامة أصحابنا فيهم حدة ، فقال إن الله تبارك وتعالى في وقت ما ذرأهم أمر أصحاب اليمين وأنتم هم أن يدخلوا النار فدخلوها فأصابهم وهج فالحدة من ذلك الوهج وأمر أصحاب الشمال وهم مخالفوه أن يدخلوا النار فلم يفعلوا فمن ثم فلهم سمت ووقار .
وأقول :
1 ـ من معاني الحدة : سرعة الانفعال والتهور ، والغضب السريع دون رَوية أو تثبت ، وهو لون من ألوان الحماقة التي قال فيها أحد الحكماء :
لكل داء دواء يستطب به ... ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
2 ـ صدقوا مع أنفسهم في هذا الحديث خلال مقارنتهم بين المخالفين لهم أهل السنة والجماعة وبين الشيعة فأما المخالفون لهم وهم :
أهل السنة والجماعة : فلهم سمت ووقار دون حدة ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ) [ من سورة الفتح الآية : 29](5/31)
والشيعة : على النقيض من ذلك أهل حدة دون ما امتاز به خصومهم ومخالفوهم فلا سمت ولا وقار فيهم وسر ذلك رحلة سعيدة وهم في عالم الذر إلى جهنم لعلهم يثوبوا إلى رشدهم ويقلعوا عن ضلالاتهم وعمايتهم . وفي معنى الحديث الشريف : " إن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلها وهم في أصلاب آباءهم ، وخلق النار وخلق لها أهلها وهم في أصلاب آباءهم ، قالوا أفنركن إلى ذلك يا رسول الله فقال : أعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم تلا قوله تعالى ( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى {8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى {9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [ سورة الليل الآيات من 5: 10] .
علة حسن الخلق (4)
قال الصدوق عن أبي جعفر قال : إن الله عز وجل أنزل حوراء من الجنة إلى آدم فزوجها أحد ابنيه وتزوج الآخر من الجن فولدتا جميعا فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء خلق فمن بنت الجان وأنكر أن يكون زوج بنيه من بناته.
وأقول :
يكذب هذا قول الحق سبحانه في أول آية من سورة النساء ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) [ سورة النساء الآية 1]
ومن الحقائق الثابتة في أذهان الناس جميعا، وأشارت إليها كتب التاريخ القديم ، كالبداية والنهاية وغيرها ، وكتب التفسير أيضاً ، أن أمنا حواء كانت تلد توائم ذكورا وإناثا ويتزوج الابن أخته من بطن ثانية وتلك شريعة لا حرج فيها حينذاك أما القول بالحور والجان فخيالات تضحك الثكلى ، ومن باب الطرف والفكاهة : لو أن ابنا تزوج على حد قولهم جني’ أنجبت أولادا ، لصار خال ابنه : إبليس اللعين . والله المستعان .
العلة التي من أجلها أمر الله بطاعة الرسل(5/32)
والأئمة صلوات الله عليهم (5)
قال الصدوق : عن سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول إنما الطاعة لله عز وجل ولرسول الله ولولاة الأمر ، وإنما أمر بطاعة أولى الأمر لأنهم معصومون مطهرون ، ولا يأمرون بمعصية .
وأقول :
يقول العليم الخبير بعباده ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} ) . [ سورة النساء الآية: 59].
قال أفاضل العلماء : على ضوء قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " في الآية أكثر من دليل على عدم طاعة ولي الأمر إذا أمر بمعصية.
الأول : لو رفض ولي الأمر طاعة الله في حكمه وأمره ، فكأنما محا من الآية فعل الأمر الأول أطيعوا المقرون بلفظ الجلالة ، وبالتالي إذا رفض طاعة الرسول ، فكأنما محا من الآية فعل الأمر الثاني أطيعوا المقرون بالرسول ، ولا يبقى في الآية فعل أمر مستقل بطاعة ولي الأمر إذا حاد عن طاعة الله ورسوله .
الثاني : تصدرت الآية بنداء للصفوة من عباد الله ( وهم المؤمنون ) بطاعة ولي الأمر بشرط أن يكون ( منكم ) كما نصت الآية الشريفة أي من الصفوة المؤمنة ، التي لا تخرج في كل شؤونها عن طاعة الله ورسوله ، ولا شأن لهذه الآية الشريفة بمن خرجوا عن دائرة المؤمنين فلا تشملهم .
2 ـ لو كان ولي الأمر معصوما بعد رسول الله لكان له فعل أمر مستقل بطاعته في الآية الشريفة والله تعالى يقول : ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا {71}) [ سورة الأحزاب الآية 71 ] .
ويقول عز شأنه :(5/33)
( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً {49} انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا {50} ) [ سورة النساء الآيتان 49 : 50 ] .
العلة التي من أجلها سمي
النبي صلى الله عليه وسلم الأمي (6)
قال الصدوق : حدثني أبي عن جعفر بن محمد الصوفي ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الرضا ، فقلت يا ابن رسول الله لم سمي النبي الأمي؟ فقال: ما يقول الناس ؟ قلت: يزعمون أنه إنما سمي الأمي لأنه لم يحسن أن يكتب ، فقال : كذبوا عليهم لعنة الله ، أنَى ذلك والله يقول في كتابه العزيز ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن ، والله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ويكتب باثنتين أو بثلاث وسبعين لسانا ، وإنما سمي الأمي ، لأنه كان من أهل مكة ، ومكة من أمهات القرى وذلك قوله تعالى : ( لتنذر أم القرى ومن حولها ) .
وأقول :
1 ـ نزل القرآن العزيز بلسان عربي مبين غير ذي عوج وكان من مطاعن المشركين على سبيل التكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم والطعن في القرآن ببشريته ما سجله الحق سبحانه في كتابه ( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) [ سورة الفرقان الآية : 5] . فرد الله السهم في نحور المكذبين المبطلين بقوله سبحانه ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ {48} بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ {49} ) [ سورة العنكبوت الآيات من 48 : 49 ] .(5/34)
وبذلك نسفت الآية الشريفة أساس طعنهم في الرسالة والقرآن بقولهم ( اكتتبها ) وقطعت ألسنتهم بمحو الكتابة بقول تعالى : ( ولا تخطه بيمينك ) ومحو القراءة بقوله سبحانه ( وما كنت تتلو ).
2 ـ علم الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إفحام الخصم بالأسلوب العلمي الحكيم ( اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) [ سورة الأحقاف الآية : 4]
أما الشيعة فأهم أسلحتهم ، في مجال المكابرة ، الفُجر في الخصومة ، واللعن للصحب الكرام ، ومن على دربهم من شرفاء الأمة وأعلامها من أهل السنة والجماعة.
كما نلحظ في حديثهم هذا ، حجة داحضة متهافتة ، تسترها اللعنات على أمة ، محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، الذي علمنا أن لعن المؤمن كقتله ، وانه إذا لعن مسلم أخاه فقد باء بها أحدهما.
وما ضر الورود وما عليها .. ... إذا المزكوم لم يطعم شذاها
المبحث الثاني
ما يتعلق بآل بيت النبي (7)(5/35)
آل البيت وهم على الأخص علي وفاطمة وأولاده منها، وفق الحصر الشيعي ، وقد تسترت الشيعة بادعاء حبهم وموالاتهم ، وأنهم وحدهم الجديرون بذلك ، والمحافظون عليه في حياتهم وبعد مماتهم ، وسائر المسلمين في زعمهم السفيه يعادون آل البيت ويكرهونهم ، وبالغوا في ذلك مبالغات واسعة ، كان لها أثرها في القديم والحديث وربوا أولادهم على ذلك، ومن ثم غالوا في حب علي وآل بيته ، كما غالوا في كراهية من سواهم ، والحق الذي لا يشك فيه أي مسلم ، عنده بصيص من النور والعقل ، أن الشيعة أكثر الناس كراهة واستغلالا لمكانة آل البيت ، والمتاجرة بهم أحياء وأمواتا ، ويتسترون وراء ذلك، لهدم الإسلام ، والنيل من القرآن ، والطعن بالتكفير لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ذلكم الجيل الفريد الذي لن يجود الزمان بمثلهم ، ويكفرون كذلك سائر مخالفيهم ، وهذه موجة حاقدة ، وراءها الكثير من الأسباب والدوافع ، ومن خلال ما أذكره من علل واهية في هذا الكتاب ، سيدرك القارئ حقيقة الأمر ، ويرى ومضة نور جديدة في قول الحق سبحانه ( وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ) بعد قوله تعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) . [ سورة الأنفال الآية : 60] .
العلة التي من أجلها ترك
أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ مجاهدة أهل الخلاف (8)(5/36)
قال الصدوق : حدثني أبي ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر يقول : إنما سار علي بالكف عن عدوه من أجل شيعتنا ، لأنه كان يعلم أنه سيظهر عليهم بعده ، فأحب أن يقتدي به من جاء بعده ، فيسير فيهم بسيرته ، وفي موضع آخر من نفس الباب ، سئل علي بن موسى الرضا ، لَمْ يُجاهد علي أعداءه خمسا وعشرين سنة ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جاهد في أيام ولايته ؟ فقال لأنه اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاد المشركين بمكة ثلاث عشرة سنة بعد النبوة ، وبالمدينة تسعة عشر شهراً ، وذلك لقلة أعوانه عليهم ، فلما لم تبطل نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع تركه الجهاد ثلاث عشرة سنة وتسعة عشر شهراً ، كذلك لم تبطل إمامه علي رضي الله عنه ، مع تركه الجهاد خمسا وعشرين سنة ، إذ كانت العلة المانعة لهما من الجهاد واحدة.
وقد سئل جعفر الصادق عن ذلك فقال مخافة أن يرجعوا كفارا.
وأقول :(5/37)
أدعى النبوة مسيلمة الكذاب ورسول الله حي يرزق وبلغ من حماقته وفجره أن أرسل كتابا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه لذلك ممَّا كان له وقع مرير على قلوب الجميع ، وتولى خليفة رسول الله زمام الأمر ، وهيأ الجيوش لكسر أنف المرتدين ، في مشارق الجزيرة ومغاربها ، باستثناء ثلاثة بلدان : مكة والمدينة والطائف ، وكان علي رضوان الله عليه ، على رأس المجاهدين الأشاوس ، في مختلف الجبهات والمواقع ، كأشد ما يكون الرجال ، عزما وشجاعة وصبرا وما كان أبداً من المخلفين عن ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله ، كما يتهمه أعداؤه الأغبياء من الشيعة ، ومن السبع الموبقات المخزيات دنيا وأخرى : التولي يوم الزحف ، وما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد عم الإسلام الجزيرة العربية كلها ، وها هو ذا ينقشع ضياؤه ويتقهقر متقوقعا في البلدان الثلاث على يد المرتدين ، ومانعي الزكاة ، وأبو الحسن ينام في بيته لا يجاهد خمسا وعشرين سنة وهو يحفظ الوعيد النبوي الشريف [ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا ]. ألا سحقا ولعنة وخزيا على الكذابين المسيئين إلى العترة الطاهرة أبلغ الإساءات مما يذكرنا بالحكمة القائلة [ عدو عاقل خير من صديق جاهل ] .
وهم ورب الكعبة عدو جاهل جمع الخستين ، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً .
العلة التي من أجلها صار
علي بن أبي طالب قسيم الله في الجنة والنار (9)(5/38)
قال الصدوق : سئل جعفر الصادق لم صار علي بن أبي طالب قسيم الجنة والنار ، قال : لأن حبه إيمان وبغضه كفر ، وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان وخلقت النار لأهل الكفر فهو قسيم الجنة والنار لهذه العلة ، فالجنة لا يدخلها إلا أهل محبته ، والنار لا يدخلها إلا أهل بغضه ، قال المفضل فالأنبياء والأوصياء كانوا يحبونه ، وأعداؤهم كانوا يبغضونه ، وقد ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله ، وجميع المؤمنين ، كانوا لعلي محبين ، وثبت أن أعداءهم والمخالفين لهم ، كانوا لهم ولجميع أهل محبتهم مبغضين ، قلت نعم ، قال : فلا يدخل الجنة إلا من أحبه ، من الأولين والآخرين ولا يدخل النار إلا من أبغضه من الأولين والآخرين ، فهو إذاً قسيم الجنة والنار ، ورضوان ومالك صادران عن أمره ، بأمر الله تعالى ، أي ( شريك مفوض بالإدارة ) يا مفضل خذ هذا فإنه مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إلا إلى أهله ، وفي موضع آخر من نفس الباب قال : أبو عبد الله جعفر الصادق : إذا كان يوم القيامة ، وضع منبر يراه جميع الخلائق ، يقف عليه رجل ، يقوم ملك عن يمينه ، وملك عن يساره ، فينادي الذي عن يمينه ، يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب ، صاحب الجنة ، يدخل الجنة من شاء ، وينادي عن يساره ، يا معشر الخلائق ، هذا علي يدخل النار من يشاء .
وأقول :(5/39)
هذا كفر محض ، من ألوان الشرك الجلي الأكبر ، الذي لا يحتاج إلى برهان ، ولا عجب أن قال شيخ الإسلام ابن تيمية " من عرف حقيقتهم ولم يحكم بكفرهم فقد كفر " وحرم السلف الصالح من أعلام الأمة ذبائحهم ومناكحتهم ، لاكتشاف خبايا عقائدهم السرية ، وهذا الحديث من الدرر الثمينة ، التي تتوارثها الأجيال ، عن عبد الله بن سبأ اليهودي ، يجترونها أبد الدهر ، وهو من مرجحات مكانة عَلِي عندهم على محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال له ربه ( ليس لك من الأمر شيء ) ومن المرجحات أيضا المقارنات ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعقب ، وعلى أبو الريحانتين الحسن والحسين ، وزوج الزهراء وهي سيدة الأكوان عندهم لا ترقى أمها خديجة لمنزلتها ، وكيف لا وقد كان زفافها في الجنة وجبريل على اليمين ، وميكائيل على اليسار ، إلى آخر ما نقرأ من هراء المجوس المخبولين ، وما تميز إسلامنا الحنيف ، على سائر الملل والمعتقدات السائدة ، في دروب البشر ، إلا بشرف التوحيد الخالص للحق وحده ، القائل لحبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [ سورة الأعراف الآية : 188 ] .
طرفة حول هذا
ومن طرائف الذكرى ، مع هذا الحديث ، أن كلفت طالبا عندي بقراءة نصه وكان شيعيا ( وذلك خلال إعارتي لإحدى جامعات الخليج ) فصاح زميل له في ذهول وإنكار " إذن فأين الله " فأجبته بصوت عال "في عطلة بالمصيف " فجلس القوم يستغفرون الله جميعا، مخافة أن تنزل بنا صاعقة ، وذلك لإثارتهم نحو إنكار الخبل المجنون.
العلة التي من أجلها صار علي أول من يدخل الجنة (10)(5/40)
قال الصدوق: عن محمد بن الحسين بن علي بن الحسين ، عن أبيه عن جده ، عن الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنت أول من يدخل الجنة ، فقلت : يا رسول الله أدخلها قبلك ؟ قال : نعم ، إنك صاحب لوائي في الآخرة ، كما أنك صاحب لوائي في الدنيا ، وحامل اللواء هو المتقدم ، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا علي كأني بك وقد دخلت الجنة وبيدك لوائي هو لواء الحمد تحته آدم فمن دونه.
وأقول:
(1) يكذبون بعدد أنفاسهم، ومما يدفعهم في هذا المقام أن الرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، ومن صفاته الحياء الفريد ، لما نزل عليه قول الحق سبحانه ( وأما بنعمة ربك فحدث ) وقف يقطر حياء وتواضعاً وفضلاً ، ويقول : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا سيد الأولين والآخرين ولا فخر وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر وأنا أول من تفتح له أبواب الجنة ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم الدين ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع " ، مقرا ببعض ما شرفه الله به على سائر الخلائق .(5/41)
هذه المقامات التي امتن الله بها على عبده وحبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم ، تتعارض مع بضاعة الشيعة ، مثل نسبة علم الغيب للعبد ، ما كان ويكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وإذا قرؤوا قول الحق سبحانه في سورة طه ( وما كان ربك نسيا ) قالوا : وهذه أيضاً من صفات علي وبنيه لا يسهون ولا ينسون وبالتالي لا يوجد عندهم أو لا يحتاجون إلى سجود السهو في الصلاة ، مع ثبوت السهو للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإقرار أعلام شيوخهم بذلك كالصدوق الذي رد عليه بعض شيوخهم من ذوي الحوزة العلمية عندهم بقولهم ( الصدوق في هذه المسألة كذوب ) وذلك طعن في دينه عندهم ، ومن مواريثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إن الإيمان والكذب لا يجتمعان في قلب عبد أبداً ، لا سيما وقد قال الحق جل وعلا، في شأن أصل الخليقة في البشر آدم عليه السلام (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا )[ سورة طه الآية 115] .
(3) ذكر العلماء أن مركز الذاكرة في المخ ، وبه أكثر من خمسة عشر مليار خلية حية وهي الخلايا الوحيدة في الجسم الذي إذا ماتت لا تتجدد مرة أخرى ويبدأ موت بعضها من عمر عشرين سنة قال تعالى (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) [ سورة الحج الآية : 5]
(4) فهل علي وبنوه وحدهم ، كما يقول المتفكهون : من ( الجنس السوبر ) الذي لا يأخذ من الصفات البشرية إلا الصورة والجسم ، ثم يستكمل بمواصيف إلهية ، كالمسيح ابن مريم عليهما السلام ، بين النصارى أخزاهم الله ، إذ قال لهم رب العزة (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ ) [سورة المائدة الآية : 75] .(5/42)
فمن له مدخل لا بد له من مخرج ، وفيه إشارة مهذبة إلى ما لا يليق بذات الحق سبحانه، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) [سورة يونس الآية : 32]. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
العلة التي من أجلها
كان رسول الله يكثر من تقبيل فاطمة (11)
بعد ذكر السند ، قيل يا رسول الله إنك تلثم فاطمة ، وتلتجمها وتدنيها منك ، وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك ؟ فقال : إن جبريل أتاني بتفاحة من تفاح الجنة ، فأكلتها فتحولت ماء في صلبي ، ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فأنا أشم منها رائحة الجنة .
وفي موضع آخر من نفس الباب ، أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقبل فاطمة ، فقالت له : أتحبها يا رسول الله ؟ قال: أما والله لو علمت حبي لها لازددت لها حبا إنه لما عرج بي ، أخذ جبريل بيدي فأدخلني الجنة ، فإذا أنا بشجرة من نور ، أصلها ملكان يطويان الحلل والحلي ، فقلت: لمن هذه الشجرة يا جبريل ؟ فقال : هذه لأخيك علي ، وهذان الملكان يطويان له الحلل والحلي إلى يوم القيامة ، ثم تقدمت فإذا أنا برطب ألين من الزبد ، وأطيب رائحة من المسك ، وأحلى من العسل ، فأخذت رطبة فأكلها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي ، فلما أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، ففاطمة حوراء إنسية ، فإذا اشتقت إلى الجنة شممت رائحة فاطمة.
وأقول :(5/43)
كذبة جديدة للصدوق رئيس المحدثين الشيعة ، تلك وأيم الله قاصمة الظهر ، فقد قال أهل الحكمة : إذا كنت كذوبا فكن ذكورا. ومن المعلوم لدى أطفال المدارس والكتاتيب ، أن رحلة الإسراء والمعراج الربانية العجيبة ، التي شاهد فيها رسول الله الجنة وأهلها والنار وأهلها ، ورأى خلال ذلك من آيات ربه الكبرى ، كل هذا كان توقيته بعد عام الحزن وفيه ماتت الأم ـ رضي الله عنها ـ وقد ولدت فاطمة قبل الرسالة ، وبين الزواج بخديجة وعام الحزن ما يزيد على ربع قرن من الزمان، والأنثى لا تلد بعد سن اليأس إلا بمعجزة ربانية ، كما ثبت ذلك لسارة زوج الخليل إبراهيم التي كانت عجوزا عقيما بخلاف خديجة ـ رضي الله عنها ـ ولدي مجلدات شيعية كثيرة خاصة ، تعج بمثل هذه البلاهات ، التي لا تنطلي إلا على من غيب الله عقولهم ، وأعمى بصائرهم ، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
العلة التي من أجلها أمر خالد بن الوليد
بقتل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما (12)(5/44)
عن جعفر الصادق قال : لما منع أبو بكر فاطمة ـ رضي الله عنهما ـ فدكَ ، وناقشه علي في ذلك حتى بكى أبو بكر ، فلما رجع إلى منزله بعث إلى عمر بن الخطاب فقال: ويحك يا ابن الخطاب ، أما رأيت عليا وما فعل بنا ، والله لئن قعد مقعدا آخر ليفسدن هذا الأمر علينا ، ولا نهنأ بشيء منه ما دام حيَّا ، قال عمر : ما له إلا خالد بن الوليد ، فبعثوا إليه قال أبو بكر : نريد أن نحملك على أمر عظيم ، قال : احملني على ما شئت ولو على قتل علي ، قال: فهو قتل علي ، قال: فَصِرْ بجنبه ، فإذا أنا سلمت فاضرب عنقه ، فلما أراد أن يسلم لم يسلم وقال: يا خالد لا تفعل ما أمرتك به ، ثم سلم فقال علي : ما هذا الذي أمرك به ، قال : أمرني بضرب عنقك ، وإنما أمرني بعد التسليم ، فقال أوكنت فاعلاً ؟ قال: إني والله لو لم ينهني لفعلت ، قال : فقام علي ، وأخذ بمجامع ثوب خالد، ثم ضرب بها الحائط ، وقال لعمر : والله لولا عهد من رسول الله وكتاب من الله سبق ، لعلمت أينا أضعف جندا أو أقل عدداً (13)
مع بالغ العجب لاعتقاد الشيعة بإيمان أبي طالب وكفر أبي بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم .
وأقول :
(1) إساءة بالغة في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم ، تنبئ عن فشله في تربية تلاميذه ونسائه ، كما يبذل شيوخ الشيعة قصارى جهدهم ، لترسيخ هذه المقولة في أدمغة المغفلين من ضحاياهم ، وبموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، ارتدت الجزيرة العربية كلها إلا ثلاث بلاد ، مكة والمدينة والطائف ، فمن الذي قاتل مسيلمة وأضرابه ، وحارب المرتدين ، وثبت قواعد الدين ، ورفع ألويته في مشارق الأرض ومغاربها ، في صورة لم تر الإنسانية لها مثيلاً أو نظيرا ، إلا في خيال الشعراء والفلاسفة ، حول مدينتهم الفاضلة .(5/45)
(2) هل كان الأبطال الصناديد خلال ذلك فرسان قمم ومشهد أكلة الخمس من الزكاة في دينهم ، ذوو العمائم السوداء ، والبطون الضخمة ، أم قام بهذا الجهاد الخالد ، الملائكة ؟! أم الصحابة الذين نجح النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أشرف نجاح ، في حسن تربيتهم وصقلهم ؟ حتى كانوا بحق نعم التلاميذ ، والأبناء البررة الأوفياء ، والجنود الصامدون ، لنعم المعلم ، والأب الأجل ، والمربي الناجح ، والقائد العظيم ، وخير نموذج تعتز به الأمة ، إلى يوم القيامة ، خالد وعلي وأمثالهما ـ رضي الله عنهم ـ أجمعين .
استعلام عن حقيقة ثابتة
ولمتسائل أن يقول : من النائب عنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة حين المرض أبو بكر أم علي ؟
قال الصدوق :
العلة التي من أجلها سد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأبواب كلها التي في المسجد وترك باب علي ( 14)
ويوضح الصدوق : لما سد رسول الله الأبواب الشارعة إلى المسجد ، إلا باب علي ، ضد أصحابه من ذلك ، وقالوا يا رسول الله ، لم سددت أبوابنا وتركت باب هذا الغلام (15) فقال : إن الله تبارك وتعالى أمرني بسد أبوابكم ، فإنما أنا متبع لما يوحى إلي من ربي ، وجاء فيه أن رسول الله خطب الناس فقال : إن الله عز وجل ، أمر موسى وهارون أن يبنيا لقومهما بمصر بيوتا ، وأمرهما ألا يبيت في مسجدهما جنب ، ولا يقرب فيه النساء إلا هارون وذريته ، وإن عليا منى بمنزلة هارون من موسى فلا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجدي ولا يبيت فيه إلا علي وذريته ، فمن ساءه ذلك فهاهنا ، وضرب بيده نحو الشام .
وأقول :(5/46)
لعل هناك رباط مستتر في أعماق الشيعة بين علي وهارون وموسى دون سائر الأنبياء والمرسلين وكان قومه من ألعن البشر وقد مات في عصر التيه ولم يعلم له قبر أو مدفن كما تنص على ذلك كتبهم ، ولم تثبت الآثار أن لهما مسجدا في مصر ، أو في صحراء التيه ، ولعل هذا من بصمات الحاخام المؤسس ، عبد الله بن سبأ ، وهم لا ينكرون أن الرسول بنفسه قدم أبا بكر لينوب عنه في الدين ، ويؤم الأمة في الصلاة ، أفلا يكون تقديمه في الدنيا أدنى درجة وأولى ، قد لا يعدمون مخرجا من هذا المأزق ، بطعن فاحش في رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، أنه ميال لعائشة ، وألعوبة في يدها تسيره كيف تشاء ، وليس هذا من شيم الرجل الكامل ، فضلاً عن سيد الخلق صلى الله تعالى عليه وسلم وآله وصحبه ، والفُجر في الخصومة ، والكذب على الله تعالى ورسوله ، من ثوابت أخلاقهم ، معتمدين في ذلك على الإفادة القرآنية ، بأن أكثر الناس لا يعقلون وأكثرهم لا يفقهون ولا يعلمون ولا يؤمنون (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) [سورة يوسف الآية 106] .
فإذا صادفوا سوقا رائجة مع بُلَهاء الأعاجم ، بفضل إغراقهم في الشهوات ، بنكاح المتعة وأدبار النساء إلخ، ثم ينعم كبراؤهم بالنفط والأخماس وولاية الفقيه الجديدة في دينهم ، فبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ، وللحق جنوده من صفوة الرجال الصادقين إلى يوم القيامة ، يقول الحق سبحانه (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) [ من سورة الأنعام الآية : 89 ] . فأنعم بمن وكل وزكى واختار ، وأنعم بمن وكلهم وشرفهم ، للذود عن شرف الإسلام ، ووحدة الأمة والدين ، ولله در أمير الشعراء في قوله :
الحق عرض الله كلُّ أبية ... بين النفوس حمًى له وفداء.
العلة التي من أجلها سار أمير المؤمنين علي
بالمن والكف ويسير القائم بالبسط والسير (16)(5/47)
سئل جعفر الصادق : أيسير القائم بخلاف سيرة أمير المؤمنين ؟ فقال : نعم ، وذلك أن عليا سار فيهم بالمن والكف ، لأنه علم أن شيعته سيظهر عليهم عدوهم من بعده ، وأن القائم إذا قام ، سار فيهم بالبسط والسير ، وذلك أنه يعلم أن شيعته لن يظهر عليهم من بعده أبداً .
وأقول :
تكشف هذه الأحاديث ، عما في بواطن القوم من حقد على المسلمين ، وعداوة ، لا يرقى إليها إلا اليهود ، الذين ابتكر كبيرهم ابن سبأ هذا الدين الجديد ليزرعه كخلية سرطانية ، في جسد خير أمة أُخرجت للناس ، تأكل نار الغيظ قلوبهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وجمهرة الأمة من أهل السنة والجماعة ، حملت عصابة منهم بعض المتفجرات إلى الحرم الشريف بمكة ، تحت ستار أدائهم الحج ، منذ بضع سنين، وتم لهم ما أرادوا ، فضربت أعناقهم جميعاً ، وفضحهم الله على رؤوس الخلائق ، ولا زالوا يجترون الأمل في خروج الوهم المنتظر ، ليضرب أعناق مائة من الصحابة الأماجد كل صباح كوجبة إفطار له يوميا ، بعد أن يحييهم الله له ، ليطفئ نار حقدهم ونحيبهم ، على حائط مبكاهم ( استشهاد سيد شباب أهل الجنة ) فاللهم لطفك بأمة حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم من نعيقهم ودسائسهم وكيدهم الذي لا يرده في نحورهم سواك ، إنك نعم المولى ونعم النصير .
العلة التي من أجلها يقتل القائم (17) ذراري
قتلة الحسين بفعال آبائهم (18)(5/48)
سئل موسى الرضا : يا ابن رسول الله ، ما تقول في حديث روي عن جعفر الصادق أنه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين ، بفعال أبائهم ، فقال الرضا هو كذلك ، فقلت فقوله تعالى (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [ سورة فاطر : الآية : 18] . ما معناه فقال صدق الله في جميع أقواله ، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم ، ويفتخرون بها ، ومن رضي شيئا كان كمن أتاه ، ولو أن رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب ، لكان الراضي عند الله شريك القاتل ، وإنما يقتلهم القائم إذا خرج ، لرضاهم بفعل أبائهم ، قال فقلت : له أي شيء يبدأ القائم فيهم إذا قام ؟ قال : يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ، لأنهم سراق بيت الله .
وأقول :(5/49)
من الأحكام الشرعية الغريبة ، الخاصة بالشيعة واليهود دون سائر أجناس البشر ، وسائر الملل والعقائد ( حل قتل أطفال المسلمين من أهل السنة والجماعة ) ولو في أيامهم الأولى ، ولا تعوزهم الحيلة في استخراج دليل من القرآن ، يزكي فضائحهم ، ويجعلها حلال زلالا فقد قال تعالى على لسان نوح عليه السلام (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا {26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا {27}) [ سورة نوح الآيتان 26، 27] متجاهلين أن ذلك كان بعد أن لبث فيهم دهورا طويلة ، وأخبره الله بقوله سبحانه (لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [ سورة هود الآية : 36] . ولعل الجديد هنا ، يتمثل في ثأر ابن سبأ اليهودي ، من قتل أطفال بني إسرائيل صغاراً بمصر ، على يد فرعون ، فشرع لأتباعه هذا الحكم الشاذ ، المناقض للعقل والدين ، وسائر الملل والقيم الإنسانية ، وبنو شيبة هم الذين سلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه مفاتيح الكعبة بيده الشريفة وبين أنه لا يسلبهم حقهم هذا إلا ظالم جائر.
العلة التي من أجلها
سمي أبو عبد الله جعفر بن محمد بالصادق (19)
في السند عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسموه الصادق فإنه سيكون في ولده سمي له يدعي الإمامة بغير حقها وسمى كذابا.
وأقول :(5/50)
هذا الحديث الثابت عندهم ، يؤكد حقيقة شرعية ثابتة ، لدى العلماء من أهل السنة والجماعة ، أن الولاية والحكمة ، والمنح الربانية ، ليست كسَقط المتاع ، حكرا على عنصر أو أعراق ، أو بيوت بعينها تتوارثها ، بل ذاك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وإلا لما خرج أمثال جعفر الكذاب من هذا البيت ، وأمثاله اليوم كثيرون من الأدعياء ، وقد حطم رسول الله هذه الفرية ، مقدما في لقائه الشريف مع أقرب الأقرباء ، ومما يفهم من ذلك ( يا فاطمة ابنة محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا، يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، لا يأتيني الناس بالأفعال وتأتوني بالأنساب ) لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى أو عمل صالح.
علة الغيبة (20)
عن جعفر الصادق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بد للغلام من غيبة فقيل له: ولم يا رسول الله ؟ قال : يخاف القتل ( وفي الباب أيضاً ) قال : جعفر الصادق إن في القائم سنة من يوسف ، قيل كأنك تذكر خبره أو غيبه ، قال وما تنكر من هذه الأمة ، أشباه الخنازير ، أن إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء ، تاجروا بيوسف وباعوه ، وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم ، فلم يعرفوه حتى قال لهم أنا يوسف ، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يكون الله عز وجل في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجته ، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله قد فعل بحجته ما فعل بيوسف ، وأن يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم ، وهم لا يعرفونه، حتى يأذن الله أن يعرفهم بنفسه كما أذن ليوسف .
وأقول :(5/51)
صدق الله في قوله سبحانه : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشَْرَكُوا ) [ سورة المائدة الآية : 82 ] يفضحون في هذا الحديث ما يكنونه في قلوبهم نحو خير أمة أخرجت للناس فيصفونها قبح الله وجهم في الدارين بقولهم مرة : ( هذه الأمة أشباه الخنازير ) ومرة أخرى ( هذه الأمة الملعونة ) وقد فضحهم الله عز وجل وعشيرتهم وأمثالهم ، من الأدعياء الكذابين بقوله سبحانه : (هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) [ سورة آل عمران الآية : 119] . وليس في القرآن الكريم كله ، ولا في الصحيحين جميعا كلمة واحدة تؤارز أكاذيبهم وخيالاتهم السقيمة في الوهم المنتظر وغيره.
دفاع الله عن أهل المعاصي (21)
عن جعفر الصادق ، عن أبيه الباقر ، عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عز وجل ، إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي ، وفيها ثلاث نفر من المؤمنين ، ناداهم جل جلاله ، يا أهل معصيتي ، لولا فيكم من المؤمنين المتحابين بجلالي ، العامرين بصلاتهم أرضي ومساجدي ، المستغفرين بالأسحار خوفا مني ، لأنزلت بكم عذابي ثم لا أبالي ) ينسى ما قاله بالأمس ، والهوى لا يعرف التوسط في الأمور ، حيث لا ثوابت قاطعة، فهم على طرفي نقيض ، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [ سورة القصص الآية : 50 ] ، " يتعارض مع ما جاء في ص 492 باب 242 ، 243 من كتاب علل الشرايع للصدوق .
ـــــــــــ
هوامش الفصل الثاني(5/52)
(1) من علل الشرائع للشيخ الصدوق ـ تأليف / الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، المتوفى سنة 381 هـ . ( ص 79 ).
(2) المرجع السابق ص (82)
(3) المرجع السابق (ص 82)
(4) من علل الشرائع للشيخ الصدوق ـ تأليف / الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، المتوفى سنة 381 هـ . ( ص 103)
(5) المرجع السابق ( ص 123 ).
(6) المرجع السابق ( ص: 124 ).
(7) المرجع السابق ( ص: 145).
(8) المرجع السابق ( ص : 146 ).
(9) المرجع السابق ( ص : 146 ).
(10) المرجع السابق ( ص : 172 ).
(11) المرجع السابق ( ص : 183 ).
(12) المرجع السابق ( ص : 190 ).
(13) ما يدعيه الروافض أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بتفاحة من الجنة فأكلها فجاءت السيدة فاطمة ـ رضي الله عنها ـ من تلك التفاحة . كذب لا أصل له ؛ لأن مدة الوحي ثلاث وعشرون سنة ، والسيدة فاطمة توفيت بعده صلى الله عليه وسلم بستة أشهر ، وعمرها ثلاثون سنة ، وقد ولدت قبل البعثة بسبعة سنين ، وما عرف حينذاك جبريل ، وما كان يدري ما الكتاب ، ولا الإيمان ، فقصة التفاحة أكذوبة شيعية غبية ، لا يعرف واضعوها عن الحساب والتواريخ شيئاً . " أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب للبيروني ص 286".
(14) المرجع السابق:( ص : 210).
(15) يطلق لفظ الغلام عادة عند العرب على من دون العاشرة ، هو أقل من الفتى والشاب ، وكان الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ يمتطيان ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم جدهما ، وهو ساجد وأبوهما صهر رسول الله ، ولا يقبل كريم أن يهان صهره بإطلاق لفظ غلام التي تفيد التصغير للتحقير ، فضلاً عن أشرف خلق الله ، وهذه الأكذوبة العمياء سهمها اليهودي مصوب بطريق غير مباشر لينال من شرف وقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(16) المرجع السابق ( ص : 210 )
(17) المرجع السابق ( ص : 229 ).
(18) القائم أي المهدي المنتظر عندهم.(5/53)
(19) المرجع السابق (ص: 234 ).
(20) المرجع السابق (ص: 243 ).
(21) المرجع السابق (ص:246 ).
الفصل الثالث
ما يتعلق بالعبادات
المبحث الأول : قسم الطهارة
علة الغائط ونتنه (1)
عن جعفر الصادق ، عن أبية الباقر ، قال: سئل أبي عن الغائط ، فقال : تصغير لابن آدم ، لكي لا يتكبر وهو يحمل غائطه ، ( وفي الباب ) سئل أبو جعفر محمد بن علي بن موسى، عن الغائط ونتنه ، قال : إن الله عز وجل خلق آدم وكان جسده طيبا ، وبقي أربعين سنة ملقيا ، تمر به الملائكة فتقول : لأمر ما خلقت وكان إبليس يدخل من فيه ويخرج من دبره ، فلذلك صار ما في جوف آدم منتنا ، خبيثا غير طيب.
وأقول :(5/54)
مجددا ومذكرا بالصبغة الغالبة على الشيعة ، الكذب الصريح الدائم على الجميع ، ويضعون الحديث كذبا وزورا على آل البيت، الذين طهر الله ساحتهم من سفاسف الأمور وأخسها ، لا سيما الكذب الذي لا يرضاه إنسان عاقل لنفسه ، أيا كان مذهبه ، والغائط هو حاجة بيولوجية طبيعية زائدة عن جسم الإنسان ، لو حبست فيه أكثر من المعتاد أودت بحياته وخروجها نعمة من نعم الله يشكر المسلم عليها ربه بعد الفراغ منها ، فيقول كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خرج من الغائط قال : الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ، غفرانك ، وهل انتهى التكبر من البشر ، وهم جميعاً يتغطون ؟ لا !! ولكن الذي يذهب الكبر هو الإيمان الحق بالله تعالى وبرسوله ، وإدراك الأشياء على طبيعتها، ثم ما علاقة قبح رائحة الغائط بما قالوه من أن إبليس دخل من فم آدم ثم خرج من دبره ، وهل خلق الله آدم ليعبث به إبليس وآدم نبي مكلم معصوم ، اصطفاه مولاه ، قال تعالى : (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) [ سورة آل عمران الآية : 33] . إن مرد الأمر إلى الوظائف العامة للجهاز الهضمي في جسم الإنسان ، وامتصاص الجسم فوائد الطعام وحاجته ، ثم يلفظ الباقي عن طريق الجهاز البولي والأمعاء ، وصدق القائل :
وكم من عائب قولا صحيحا ... ... وآفته من الفهم السقيم(5/55)
لا سيما وقد قال الحق جل وعلا ، للملعون الأكبر إبليس ، بعد أن قال لمولاه سبحانه : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {82} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ {83} ) [ سورة ص الآيتان 82، 83 ] . فأجابه الحق (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ {41} إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ {42}) [ سورة الحجر الآيتان 41، 42 ] وهل ينسجم مثل هذا العبث الشيطاني بأبي البشر عليه السلام مع قول الحق سبحانه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) [ سورة المؤمنون الآية : 115] و قوله (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى {36} ) [ سورة القيامة الآية : 36].
العلة التي من أجلها لا يجوز للحائض أن تختضب (2)
عن أبي عبد الله جعفر الصادق سئل عن الحائض هل تختضب ؟ قال لا لأنه يخاف عليها من الشيطان ـ فصل العبادات ـ قسم الطهارة وجاء في ص 292 باب 220.
آداب الحمام
عن جعفر الصادق قال إياك والسواك في الحمام فإنه يورث وباء الأسنان ، وإياك أن تغسل رأسك بالطيب ، فإنه يسمج الوجه ، وإياك أن تغتسل من غسالة الحمام ففيها يجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي ، والناصب لنا آل البيت وهو شرهم ، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وإن الناصب لنا أهل البيت أنجس منه .
وأقول :
(1) من بصمات اليهودي ابن السوداء ما أشار إليه الحق سبحانه بقوله عز شأنه : (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا {160}) [ سورة النساء الآية 160 ] .(5/56)
والبراهين على الحرمان من الطيبات لدى الشيعة كثيرة ، منها مثلاً في هذا الحديث الخضاب للحائض ، والسواك في الحمام ، والطيب في غسل الرأس ، ونجاسة حوض السباحة الكبير لنزول السني فيه ، لأنه ألعن شيء نجس على وجه الأرض ، ومنها تحريم الأرنب ، والأسماك التي لا قشر عليها ، مثل الحوت والثعبان البحري وغيره ، وكذلك ذبائح أهل السنة والجماعة غير حلال عندهم ، وذبائحهم عندنا أيضا غير حلال لشركهم .
(2) من ظواهر الحماقة العمياء ، المصادمة للهدي النبوي الأصيل في السواك ، وتأكيد الوصايا به ، لا سيما عند الوضوء ، وعند الصلاة والقرآن والعلم ، وأنه مطهرة للفم مرضاة للرب ، ولم يزل جبريل يوصيه بالسواك حتى ظن أنه يحفي فمه ، ويأتي شيخ الروافض فينسب إلى حفيد رسول الله جعفر الصادق ، أنه حذر من السواك في الحمام ، لأنه يورث الشيعة وباء الأسنان ، وقد متعني الله شيخا بأسنان كاملة نظيفة قوية ، ببركة الالتزام بالسنة في المواظبة على السواك ، وتخليل الأسنان ، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله.
العلة التي من أجلها لا يجوز الكلام على الخلاء(3)
قال جعفر الصادق : لا تتكلم على الخلاء فإن من تكلم على الخلاء لم يقض له حاجة ، وعن الحسن الرضا ، أنه قال : نهى رسول الله أن يجيب الرجل أحدا وهو على الغائط ويكلمه حتى يفرغ . وفي باب ( 202) العلة التي من أجلها يجوز أن يقول المتغوط وهو على الخلاء كما يقول المؤذن ويذكر الله . قال جعفر الصادق إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثلما يقول المؤذن ، ولا تدع ذكر الله في تلك الحالة ، لأن ذكر الله حسن على كل حال ، ثم قال لما ناجى الله تعالى موسى ، قال موسى: يا رب ، أبعيد أنت مني فأناديك ، أم قريب فأناجيك ؟ فأوحى الله إليه: يا موسى أنا جليس من ذكرني ، فقال موسى: يا رب إني أكون في حال أجلك أن أذكرك فيها، فقال يا موسى اذكرني على كل حال.
أقول :(5/57)
إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التكلم على الخلاء ، ولكن المراد بالكلام المنهي عنه ذكر الله ، أو قراءة شيء ولو يسير من القرآن ، أما باقي الكلام خاصة إجابة المنادي أو الرد اليسير فلا بأس به ، لكنهم هنا يقولون عجبا أنه إذا تكلم لم تقض حاجته ، يحبسها الكلام عقوبة له ونكاية فيه . والأعجب من ذلك أنهم أباحوا الكلام حتى ولو كان ذكر الله في الحالة التي لا يليق بالإنسان أن يذكر ربه فيها جهرا كالمتغوط وغيره وقد جاء عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل حال ـ رواه مسلم ، ويقول الإمام الصنعاني في سبل السلام ص 71 إن الحديث مقرر للأصل والغالب ، والمراد بكل أحيانه معظمها ، إذ جاءت أحاديث أخرى تخصص هذا الحديث ، بالنهي عن الذكر في حالات الغائط والبول والجماع، وذلك لعظمة الله وقداسته التي لا يليق أن تذكر في هذه الأوضاع إلا في القلب أو في حدود المأثور مثل ( اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ) وهكذا نجد التناقض والتضارب في فكرهم ومعتقداتهم ، يمنعون الأمر ويبيحونه في آن واحد ، [ إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ] .
العلة التي من أجلها يغسل الثوب
من لبن الجارية وبولها ولا يغسل من لبن الغلام وبوله(4)
عن جعفر الصادق عن أبيه الباقر أن عليا قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم لأن لبنها يخرج من مثانة أمها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم ، لأن لبن الغلام يخرج من المنكبين والعضدين.
وأقول :(5/58)
هذا هراء يضحك الثكلى ، ويستخف بعقول الأغبياء ، من المقتنيات العلمية لصدوقهم الأوحد ، رئيس المحدثين الشيعة ، ويحوي بكل أسى وأسف ، إساءة بالغة إلى اسم أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ وهو من علمهم وفكرهم براء ومن طريف المصادفة ، أن رزقني الله بطفلين توأم ذكر وأنثى ، ترضعهما أمهما معا ، أو بالتناوب من ثدي واحد ، فهل تتغير مصادر اللبن للطفلة من مثانة أمها ومجرى البول ، وللطفل من المنكبين والعضدين عند كل رضعة تلقائيا ( إلكترونيا ) ، أم بمقتضى التطور العلمي الحديث ، قد تحتاج إلى محول مساعد ، يعمل بما يعرف باسم ( الريموت كنترول ) ، فهل تستطيع الثكلى أن تكتم ضحكها ، من هذه العلوم اللدنية ، وشر البلية ما يضحك.
المبحث الثاني : قسم الصلاة
العلة التي من أجلها
يكبر على الميت خمس تكبيرات (5)
عن جعفر الصادق قال لأحد أصحابه أتدري كم الصلاة على الميت ؟ قال : لا ، قال : خمس تكبيرات ، قال : أفتدري من أين أخذت ؟ قلت : لا ، قال : أخذت الخمس من الخمس صلوات من كل صلاة تكبيرة .
العلة التي من أجلها يكبر المخالفون على الميت أربع تكبيرات .
سئل جعفر الصادق ؟ لأي علة يكبر على الميت خمس تكبيرات ويكبر مخالفونا بأربع تكبيرات، قال : لأن الدعائم التي بني عليها الإسلام خمس ، الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية لنا أهل البيت ، فجعل الله عز وجل للميت من كل دعامة تكبيرة، وأنكم أقررتم بالخمس كلها ، وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة ، فمن ذاك يكبرون على موتاهم أربع تكبيرات ، وتكبرون خمسا.
وأقول :(5/59)
لقد جاؤوا بتفانين وأفكار غريبة في كل شيء ، حتى الموت ، فيرون ألاَّ يغسل الكافر وتوسعوا في مفهوم الكفار ، حتى حكموا بكفر كثير من المسلمين غير الإمامية ، وفي تلقين الميت مع تلقين الشهادتين يضيفون الإقرار بالأئمة ، ومن تعصبهم وضلالهم ، تفضيلهم بقعة بالعراق والدفن فيها ، على غيرها من بقاع الأرض وقد كتب أحد كبار علمائهم وهو الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء رسالة بعنوان الأرض والتربة الحسينية جاء فيها " لا يبعد أن تكون تربة العراق على الإجمالي من أطيب بقاع الأرض ، في دماثة طينتها وسعة سهولها ، وكثرة أشجارها ونخيلها وجريان الرافدين عليها" ومن حديث كربلاء والكعبة : لكربلاء ذات علو الرتبة ، وفي هذا تفضيل لأرض العراق لدفن الحسين فيها ، على أرض الحجاز التي وارت جثمان النبي الكريم ، وتفضيل كربلاء على الكعبة المشرفة، كما أنهم فضلوا الحسين على النبي صلى الله عليه وسلم . وبلغ بهم التعصب مداه في مثل هذا الموطن ، إذ إنهم فرقوا بين المسلمين ، بأن جعلوا منهم كفاراً أخطر ممن عداهم ، يحتقرونهم في كل شيء ، حتى في صلاة الجنازة ، بأن جعلوا التكبير عليهم أربعاً ، وأنهم هم المسلمون لا بد وأن يكبروا على موتاهم خمسا ، لكمال إيمانهم بأركان الدين كاملة ، ومنها الركن الأعظم وهو الولاية الذي أنكره الجميع غيرهم والثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على الميت أربعاً ، وختم حياته على ذلك إذ قد اختلف الصحابة ذات مرة في عدد التكبيرات، فقال لهم عمر ـ رضي الله عنه ـ انظروا آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوا بذلك فوجدوه صلى على امرأة فكبر عليها أربعاً ، فاتفقوا على ذلك، وكأن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة من سائر الصلوات إذ ليس في المكتوبات خمس ركعات قط.
العلة التي من أجلها يكره المشي أمام جنازة المخالف(6)(5/60)
سئل جعفر الصادق كيف أصنع إذا خرجت مع الجنازة أمشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها ؟ قال : إن كان مخالفا فلا تمش أمامه فإن ملائكة العذاب يستقبلونه بألوان العذاب.
وأقول :
يقصد بالمخالفين أهل السنة والجماعة الذين يلاحقونهم بالحقد وروح التشفي حتى وهم أموات، ولا نجد هذه الحساسية في نفوسهم نحو اليهود والنصارى ، وإذكاء نار البغض بهذه الدرجة ، يذكرنا بقبس من معجزات الدستور الخالد ، القرآن الكريم في قول الحق سبحانه ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ) [ سورة المائدة : الآية 82 ] . وهم يؤلهون ابن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وكيف لا وهو قسيم الله في الجنة والنار ومالك ورضوان يأتمران بأمره ، أو بعد هذا من شرك محض صريح ، وذلك قدرنا معهم ، أبعدهم الله تعالى ، يقول الحق جل وعلا : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [ سورة الزمر الآية : 67 ] .
علل الوضوء والأذان والصلاة (7)(5/61)
عن عمر بن أذينة عن جعفر الصادق أنه حضروه فقال: يا عمر ما ترى هذه الناصبة في أذانهم وصلاتهم فقلت : جعلت فداك إنهم يقولون إن أُبَيَّ بن كعب الأنصاري رآه في النوم ، فقال: كذبوا والله ، إن الله أعز من أن يرى في النوم ، قال جعفر : إن الله عرج بنبيه إلى سمائه ، وفي الرابعة سمع دويا كأنه في الصدور واجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء وخرجت إليه معانقين فقال جبريل حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حلي على الفلاح فقالت الملائكة صوتين مقرونين ، بمحمد تقوم الصلاة، وبعلي الفلاح ، فقال جبريل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقالت الملائكة : هي لشيعته أقاموها إلى يوم القيامة ، ثم اجتمعت الملائكة فقالوا للنبي : أين تركت أخاك وكيف هو ، فقال لهم : أتعرفونه فقالوا نعم نعرفه وشيعته ، وهو نور حول عرش الله ، وإن في البيت المعمور لرقا من نور فيه كتاب من نور فيه اسم محمد وعلي والحسن والحسين والأئمة وشيعتهم لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص فيهم رجل ، إنه لميثاقنا الذي أخذ علينا ، وإنه ليُقرأ علينا في كل يوم جمعة إلخ ( 312 : 316 )
وأقول :(5/62)
الناصبة في عرف الشيعة كل من رضي ببيعة أبي بكر وصاحبيه ، قبل علي رضوان الله عليهم أجمعين ، والناصبة ألعن الكفار على الإطلاق ، لبغضهم للشيعة اللعانين للصحابة الأطهار ، والشيعة يتعبدون بالكذب ، ويسمونه التَّقِِيَّة ، واستشهاد سيد شباب أهل الجنة الحسين رضوان الله عليه يَرْكُلُ تَقِيتهم ، فهم الذين سعوا إليه وعاهدوه ، ثم خذلوه وأسلموه ، ويطلقون على خير أمة أخرجت للناس ، كما سماها الله ووصفها في قرآنه الخالد ( الأمة الملعونة ) وقد ألزموا أنفسهم بقاعدة شرعية ، أصيلة في دينهم تقول : ( الرشد في خلافهم ) أي في خلاف الأمة الملعونة أهل السنة والجماعة ، اختلفوا عن جماعة المسلمين في كل شيء بدءا من القرآن والسنة وأركان الإسلام والإيمان حتى يوم عرفة فهم دوما يسبقون أو يتأخرون يوما عن إجماع الأمة وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمته لا تجتمع على ضلالة. وأن من خرج على الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.
وقد أسمعت إذ ناديت حيا ... ... ولكن لا حياة لمن تنادي(5/63)
لأن الحق سبحانه يقول (وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {41} سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) [ سورة المائدة الآيتان 41، 42 ] . وقضية الأذان حسمها مجلس يرؤسه المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد رأى أكثر من واحد من الصحابة ، أصوات الأذان يرددها أحد الرجال في المنام ، فاختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بتلقينها بلالا وابن أم مكتوم ، وعليها سارت قافلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، وشياطين الإنس والجن يتغيظون من كلمات الأذان خمس مرات ، فشياطين الجن يولون ولهم ضراط لتغطية أصوات المؤذنين ، وشياطين الإنس قال لنا الحق جل وعلا في شأنهم ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ) [ سورة المائدة الآية : 58] . فإلى أي الطائفتين ينتمي هؤلاء الخبثاء المكابرون ، أبعدهم الله تعالى ، وبأي حديث بعده يؤمنون .
العلة التي من أجلها فرض الله الصلاة(8)
قال هشام بن الحكم سألت جعفر الصادق عن علة الصلاة، فإن فيها مشغلةًً للناس عن حوائجهم ، ومتعبة لهم في أبدانهم قال : فيها علل وذلك أن الناس لو تركوا بغير تنبيه وتذكر للنبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من الخبر الأول وبقاء الكتاب في أيديهم فقط ، لكانوا على ما كان عليه الأولون ، فإنهم قد كانوا اتخذوا دينا ووضعوا كتابا ودعوا أناسا إلى ما هم عليه وقاتلوهم على ذلك ، فدرس أمرهم وذهب حيث ذهبوا ، وأراد الله ألا ينسيهم أمر محمد ، ففرض عليهم الصلاة ، يذكرونه في كل يوم خمس مرات ، ينادونه باسمه ، وتعبدوا بالصلاة وذكر الله لكي لا يغفلوا عنه ، وينسوه فيندرس ذكره.
وأقول :(5/64)
نزه الله ساحة جعفر بن محمد ـ رضي الله عنه ـ عما يقوله الأفاكون ، وإذا كانت العلة في الصلاة لتذكر النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه فقد قال له مولاه عز وجل : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [ سورة طه الآية : 14 ] .
( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [ سورة الذاريات الآيات : 56: 58 ] ، وقد فرض الله على رسوله خاصة قيام الليل وصلاتي الضحى والأضحى ، وثبت أنه كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ليحظى بشرف كمال العبودية والشكر أما أن يمثل المؤمن بين يدي مولاه ليتذكر من دونه ولو كان حبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم فتلك وايم الله كارثة الشرك الأكبر وقد وصف الله عباده السعداء بقوله سبحانه ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ) [ سورة الفرقان الآية : 64 ] . ، وقد علمنا المصطفى أن من دعاء الاستفتاح للصلاة عقب تكبيرة الإحرام أن يقول المؤمن وهو يوجه قلبه لبارئه : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
( مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {74}) [ سورة الحج الآية : 74 ] .
وقد ذكرتني عمليات اللئام وشر البلية ما يضحك بقول شاعر عربيد خلال نوبة سكره في شأن خليلته مدعيا الصلاة في محرابها:
أصلي فأبكي في الصلاة لذكرها ... ... لي الويل مما يكتب الملكان
حلفت لها ألا أهيم بغيرها ... ... وقد وثقَت مني بغيرِ ضمان
علة مد العنق في الركوع(5/65)
قال رجل لأمير المؤمنين : يا ابن عم خير خلق الله ما معنى رفع يديك في التكبيرة الأولى ؟ فقال : الله أكبر يعني الواحد الأحد ، قال الرجل : ما معنى مد عنقك في الركوع قال : تأويله آمنت بوحدانيتك ولو ضربت عنقي .
الرخصة في الجمع بين الصلاتين(9)
عن جعفر الصادق قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علة ولا سبب ، فقال له عمر ، وكان أجرأ القوم عليه ، أحدث في الصلاة شيء ، قال لا ولكن أردت أن أوسع على أمتي ، وعنه قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس ، في جماعة من غير علة ، وصلى بهم المغرب والعشاء ، بعد سقوط الشفق ، من غير علة في جماعة ، وإنما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته ) وذلك لتبرير أن أوقات الصلاة عند الشيعة ثلاثة لا خمسة كأهل السنة والجماعة ، وما ورد من الأحاديث في هذا الشأن يفيد جواز الجمع بين صلاتي النهار وصلاتي الليل إذا خَيف الوقوع في الحرج وليس كما يفعل الشيعة.
العلة التي من أجلها لا تقصير
في صلاة المغرب ونوافلها في السفر والحضر(10)
أسند أبو محمد العلوي الدينوري إلى جعفر الصادق قال: قلت له: لم صارت المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها ليس فيها تقصير في حضر ولا سفر ؟ فقال إن الله عز وجل أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم لكل صلاة ركعتين في الحضر فأضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل صلاة ركعتين في الحضر وقصر فيها في السفر إلا المغرب والغداة فلما صلى المغرب بلغه مولد فاطمة رضي الله عنه فأضاف إليها ركعة شكراً لله فلما أن ولد الحسن أضاف إليها ركعتين شكراً لله فلما أن ولد الحسين أضاف إليها ركعتين شكراً لله فقال للذكر مثل حظ الأنثيين فتركها على حالها في السفر والحضر.
وأقول :(5/66)
يقول الناصحون على سبيل السخرية من الكذابين الذين يتولى الله فضحهم في الدنيا قبل الآخرة : ( إذا كنت كذوبا فكن ذكورا ) حتى لا يناقض أحدهم حجته ويدفع نفسه للتورط في الجريمة ولا يجتمع الكذب والإيمان في قلب أبداً .
ومن البدهيات المعلومة أن الله عز وجل رزق محمداً صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه كل أولاده من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قبل بعثته الشريفة ، التي كان عمره فيها أربعين عاما وخديجة تزيده بخمسة عشر عاما أي عمرها حينذاك خمس وخمسون ، وقد تجاوزت عمر الحمل والرضاع بزمن وحين البعثة كانت فاطمة صبية تدافع عن أبيها لا سيما يوم رفعت سلا الجزور عن ظهر أبيها وهو ساجد ، وقد طرحه عليه عقبةُ بن أبي معيط والمستهزئون ، ثم دارت عجلة الزمان وجاء عام الحزن بعد أن تجاوز عمره صلى الله عليه وسلم الخمسين حيث ماتت أم المؤمنين الأولى خديجة وعمه أبو طالب فسرى الله عنه ، ووضع عنه وزره الذي أنقض ظهره وشرفه برحلة الإسراء والمعراج وفيها فرضت الصلاة قبيل الهجرة النبوية الشريفة. وتزوج علي بفاطمة في السنة الثانية للهجرة بعد غزوة بدر. فأين ميلاد فاطمة من فرض الصلاة . ثم الخزعبلات التي تنم عن جهل مركب وأكاذيب شاردة الذهن عن الارتباط بالضوابط التاريخية الثابتة لدى أنصاف المثقفين فضلاً عمن قال لنا الله سبحانه وتعالى في شأنهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ {119}) [ سورة التوبة الآية : 119 ] .
العلة التي من أجلها لا تجوز الصلاة في سواد
سئل أبو عبد الله جعفر الصادق عن الصلاة في قلنسوة سوداء فقال: لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار وعن علي أنه علم أصحابه لا يلبسون السواد فإنه لباس فرعون ودعي جعفر الصادق إلى الخليفة أبي العباس السفاح فدعا بثوب له أحد وجهيه أسود والآخر أبيض ثم قال أما إني ألبسه وأنا أعلم أنه من لباس أهل النار قال الصدوق لبسه للتقية.(5/67)
علة الإقبال على الصلاة وعلة النهي عن التكفير(11)
عن أبي جعفر قال عليك بالإقبال على صلاتك ولا تعبث فيها بيدك ولا بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثاءب ، ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس ، ولا تقولن إذا فرغت من قراءتك آمين فإن شئت قلت الحمد لله رب العالمين .
وأقول :
من أثمن الهدايا لهذه الأمة في درر قرآنها الخالد السبع المثاني أم الكتاب وقد توج الله خاتمتها بدعاء علوي قدسي رباني يحوي سعادة الدارين ( اهدنا الصراط المستقيم ..... ) يقول المؤمنون والمؤمنات في ختامها آمين : وهي اسم فعل دعاء بمعنى استجب يا كريم كما كان شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بَشَّر أنه من صادف تأمينهم تأمين الملائكة غفر لهم ، ولا يكون على النقيض في ذلك إلا الروافض ، فإنهم يشددون النكير على من يقولها ، ولحرصهم على الاختلاف دون الأمة كلها حكموا على من يقول آمين في نهاية الفاتحة ببطلان الصلاة.
واستبدلوا بها قولهم الحمد لله رب العالمين ، ضاربين عرض الحائط بتعليمات المعلم الأول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) .
المبحث الثاني : قسم الزكاة والصيام
العلة التي من أجلها لا تجب الزكاة على السبايك (12)
عن أبي إبراهيم قال : لا تجب الزكاة فيما سبك ، قيل فإن كان سبكه فرارا من الزكاة ؟ فقال : ألا تدري أن المنفعة قد ذهبت منه ، لذلك لا تجب عليه الزكاة ، وعن أبي الحسن موسى قال : لا تجب الزكاة فيما سبك فرارا من الزكاة ، أترى أن المنفعة قد ذهبت، فلذلك لا تجب الزكاة.
وفي فقه الزكاة ـ ( القرض ص 436 ) ما ينقض ذلك عن علي نفسه ـ رضي الله عنه ـ .
العلة التي من أجلها يعطى المؤمن من الزكاة
ثلاثة آلاف وعشرة آلاف ويعطى الفاجر بقدر (13)(5/68)
عن بشار بن بشر قال : قلت للرجل يعني أبا الحسن ما حد المؤمن الذي يعطى الزكاة ؟ قال يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ثم قال أو عشرة آلاف ، ويعطى الفاجر بقدر ، لأن المؤمن ينفقها في طاعة الله عز وجل والفاجر في معصية الله تعالى ، ومعلوم أن المؤمن عندهم هو الشيعي دون غيره.
علة أخذ الخمس
عن جعفر الصادق قال : إني لآخذ من أحدكم الدرهم وإني لمن أكثر أهل المدينة مالا ما أريد بذلك إلا أن تطهروا.
وأقول :
الزكاة أوزار الناس وأوضارهم يطهرهم الله بها ويزكيهم وهي محرم أكلها على النبي صلى الله عليه وسلم وأيضاً على آله وبني هاشم وبني المطلب تشريفا لهم وتكريما به صلى الله عليه وسلم ، والله سبحانه وتعالى يقول في شأنها : ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) ، وإذا أكلها غير مستحقيها فإنما يأكلون في بطونهم ناراً وكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به وقال سبحانه : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [ سورة الأعراف : الآية : 157 ] .
وقد فرض الله الزكاة على التجارات والأموال التي حال عليها الحول وبلغت النصاب الشرعي أن يدفع عنها صاحبها اثنين ونصف في المائة أي ربع العشر إلى مصارفها الشرعية الثمانية بعيدا عن ساحة آل البيت الأطهار ، وعلى النقيض تماما من مفاهيم الحيتان ذوي البطون الواسعة التي لا تشبع من الحرام وأكل أموال المغفلين بالباطل ، وقد حذرنا من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم من تفشي أدواء الأمم السابقة ومحاكاتهم كالقردة بما يفهم من معنى الحديث الشريف : ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال : فمن ؟ أي فمن غيرهم.(5/69)
وترى الواقع المخزي لقول الحق سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [ سورة التوبة الآية 34 ] . وقد تفشى بصورة مفزعة تبعث الأسى والحزن في قلب كل غيور على سمعة الإسلام وشماتة أعدائه ، وذلك عن طريق المشركين الشيعة أبعدهم الله تعالى الذين يصدق فيهم وصف القرآن لأبناء عمومتهم اليهود كوجهان لعملة واحدة ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) [ سورة المائدة الآية 42] ولحق بهم على درب السوء من لحق من أدعياء الصوفية الجهلاء عافانا الله من أكل السحت الذي يعمي البصيرة ويورث الندم والحسرة في الدارين إن ربي لطيف لما يشاء.
العلة في كراهة شم الرياحين للصائم (14)
عن جعفر الصادق أنه كان ينهى عن النرجس للصائم ويقول لأنه ريحان الأعاجم وذكر محمد بن يعقوب أن الأعاجم كانت تشمه إذا صاموا ويقولون إنه يمسك عن الجوع وعن الحسن بن راشد قال كان جعفر الصادق إذا صام لا يشم الريحان فسألته عن ذلك فقال : أكره أن أخلط صومي بلذة.
وأقول :
ورع وزهادة في غير موضعها ، كم يكون جميلاً لو كان ذلك في التنزه عن أكل الزكاة وهي عندهم الخمس وليس ربع العشر كأهل السنة والجماعة والأنفال وصفي المغنم الذي كان من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم دون سواه كشأن الهبة خالصة له من دون المؤمنين، بعيدا عن التصنع والتكلف بمجاهدة النفس في ميدان المباحات وتركها سائمة في الحرام من طعام وأعراض وحرمات لبئس ما كانوا يصنعون تحت ستار محبة آل البيت برأ الله ساحتهم عن ادعاءات المجوس من تلاميذ ابن السوداء اليهودي عبد الله بن سبأ لعنه الله.
العلة التي من أجلها(5/70)
كره الإمام الباقر أن يصوم يوم عرفة ـ لغير الحاج(15)
سئل محمد بن الباقر عن صوم يوم عرفة وأنهم يزعمون ـ أهل السنة ـ أنه يعدل صوم سنة قال : كان أبي علي زين العابدين لا يصومه قيل له ولم ؟ قال يوم عرفة يوم دعاء ومسألة فأتخوف أن يضعفني عن الدعاء وأكره أن أصومه وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى وليس بيوم صوم.
وأقول :
من درر هدي النبي صلى الله عليه وآله وصحبه، صيام يوم عرفة لغير الحاج ، ومن أصحاب الدعوات المستجابة ، الصائم حتى يفطر ، كما بشر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، لكن اليهود ما اختلقوا هذه الفرق ، إلا لشق وحدة الصف ، وإبعاد أحلام وحدة العقيدة والدولة الإسلامية ، فاستشهاد الحسين هو حائط المبكى لهم إلى يوم القيامة ، ونحن معشر أمة محمد صلى الله عليه وسلم يسموننا صنائع اليهود ، بالأمة الملعونة التي لا تهدى إلى أمر رشد أبدا ، ولذا ألزموا أنفسهم بقاعدتهم الشرعية الشيعية الأصلية التي تقول ( الرُّشد في خلافهم ) حتى يوم عرفة نفسه ، يعتقدون أننا لا نهدى له ، فهو عندهم قبلنا أو بعدنا بيوم ، وليس معنا قط ، ولذا عرفوا لدى سلفنا الصالح بالروافض المخالفين ، أبعدهم الله تعالى ، ووقى الأمة حقدهم اليهودي الدفين ، إن ربي سميع مجيب .
المبحث الرابع: قسم الحج
العلة التي من أجلها لا يستحب الهدي إلى الكعبة(5/71)
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : لو كان لي واديان يسيلان ذهبا وفضة ، ما أهديت إلى الكعبة شيئا ، لأنه يصير إلى الحجبة دون المساكين ، وفي الباب ، أن أبا جعفر أفتى رجلاً بتوزيع هديه على المحتاجين دون أن يعطيه لحجاب الكعبة من بني شيبة ، وقال : إنهم سراق الله ، وإن قائمنا لو قام لأخذهم وقطع أيديهم ، وفيه أيضاً ، أن امرأة أعطت رجلا غزلا وقالت : له ادفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة ، فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة وأنا أعرفهم ، فلما صرت إلى المدينة دخلت على أبي جعفر محمد الباقر وأخبرته الخبر ، فقال اشتر به عسلا وزعفرانا ، وخذ طين قبر أبي عبد الله ، واعجنه بماء السماء واجعل فيه شيئا من العسل والزعفران ، وفرقه على الشيعة ، لبُرء وباء مرضاهم .
وأقول :
(1) السر الخفي الذي يشين مكانة الكعبة في أعماق قلوبهم ، أنها في عز ومنعة وسلطان من أهل السنة والجماعة ، وبنو شيبة ليسوا إلا خدما للكعبة المشرفة ، وحجبا لبيت الله الحرام ، وهو حق متوارث منذ الجاهلية الأولى ، لم ينازعهم فيه أحد ، ولما فتح الله مكة ، وتسلم نبيه القائد المظفر صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة سلمها لأربابها الأول من بني شيبة ، وجعلها حقاً مؤكدا لهم ، خالدا تالدا لا ينزعه منهم إلا ظالم ، وهم في هذا المقام أمناء مسئولون أمام رب البيت جل جلاله ، وهو القائل عز شأنه ( فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {181} ) [ سورة البقرة : 181] .
وإذا سلمتُ إنسانا في موقع الأمانة والثقة ، زكاة أو صدقه للفقراء ، وأساء التصرف ، فلي الأجر بالنية ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، وعليه الوزر بسوء تصرفه ، وتفريطه في الأمانة ، ولا تزر وازرة وزر أخرى .(5/72)
(2) يفرغون ما يزيد ويفيض من سموم أحقادهم ، على عتبة السرداب المختفي فيه الوهم المنتظر عندهم ، ( عج ) أي عجل الله فرجه وخروجه ليقطع أيدي بني شيبة ، وهم المكلفون بهذا العمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمتوارثون له كابرا عن كابر ، ثم يحيي الله له كل يوم مائة من المنافقين الملاعين بدءا برؤوس الكفر والضلال والأئمة الراشدين الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وأهل بدر وبيعه الرضوان وأمهات المؤمنين وهو متأبط مصحف فاطمة الذي كان حبيسا معه في السرداب أكثر من ألف وثلاثمائة عام ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا إلى آخر ضلالهم وعقائدهم التي يدخلون بها القرن الحادي والعشرين لأعداء الإسلام في الغرب
(3) وأما عن العلاج بطينة القبر المعجونة ، فمن خبايا علومهم الدنيئة ، ولا عجب ، أن يتخذ المستشرقون والمنصرون وأعداء الإسلام ، من مثل هذا الهراء مجالا فسيحا لتشويه وجه الإسلام على المستوى العالمي ، ووصمه بكل نقيصة ، ولذا كان من دعوات الصالحين ما سجله القرآن العزيز في قوله سبحانه ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا) [ سورة الممتحنة الآية : 5] . لكنه قدر هذه الأمة كما أشار الحق سبحانه ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) [ سورة آل عمران الآية : 186 ] .
علة التلبية (16)
عن سليمان بن جعفر قال : سألت أبا الحسن عن التلبية وعلتها ؟ فقال إن الناس إذا أحرموا ناداهم الله تعالى فقال : عبادي وإمائي لأحرمنكم على النار ، كما أحرمتم لي ، فيقولون لبيك اللهم ، إجابة لله عز وجل على ندائه إياهم .(5/73)
وفي الباب نفسه : فقال موسى يا رب ، لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي ، فقال الله يا موسى أما علمت أن محمداً عندي أفضل من جميع ملائكتي ، وجميع خلقي ، قال موسى يا رب فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي ؟ قال الله يا موسى ، أما علمت أن فضل آل محمد على جميع الأنبياء ، كفضل محمد على جميع المرسلين ، قال موسى يا رب فإن كان آل محمد كذلك ، فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمتي ، فقال الله يا موسى ، أما علمت أن فضل أمة محمد على جميع الأمم ، كفضل محمد على جميع خلقي ، فقال موسى ، يا رب ليتني أراهم ، فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى ، إنك لن تراهم وليس هذا أوان ظهورهم ، ولكن سوف تراهم في الجنان ، بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون ، وفي خيراتها يتبحبحون ، أفتحب أن أسمعك كلامهم ؟ قال : نعم يا إلهي قال الله عز وجل ، قم بين يدي واشدد مئزرك ، قيام العبد الذليل ، بين يدي الملك الجليل ، ففعل موسى ذلك فنادى ربنا : يا أمة محمد : فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم ، وأرحام أماتهم ، ـ لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، قال فجعل الله تلك الإجابة شعار الحج.
ثم قال ربنا : من لقيني منكم بشهادة لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عليا أخوه ووصيه من بعده ووليه ملتزم طاعته ، كما يلزم طاعة محمد ، وأن أولياءه المصطفين المطهرين ، الميامين بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله ، من بعدهما ، وأن أولياءه، أدخلته جنتي وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر ، فلما بُعث محمد قال الله له ، وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة .
وأقول :(5/74)
تذكرنا جرأتهم في الكذب حتى على الله تعالى بقوله سبحانه (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {78}) [ سورة آل عمران الآية : 78] .
من ذلك اختلاف صدوقهم أن الله قال لموسى أما علمت أن فضل آل محمد على جميع الأنبياء كفضل محمد على جميع المرسلين ... إلخ .
ثم طلب الشهادة بأن عليا ولي العهد ، وطاعته من طاعة محمد، ثم لي عنق الآية الشريفة إلى غير موقعها التي نزلت فيه ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة ) (اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواعَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {9}) [ سورة التوبة الآية : 9] . وما كان المنادى في هذا المقام إلا موسى عليه السلام . إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى .
العلة التي من أجلها
لا يكتب على الحاج ذنب أربعة أشهر (17)
عن الحسين بن خالد قال : قلت لجعفر الصادق ، لأي شيء صار الحاج لا يكتب لهم ذنب أربعة أشهر ؟ قال لأن الله تبارك وتعالى أباح للمشركين أشهر الحرم أربعة أشهر إذ يقول : فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، فمن ثم وهب لمن حج من المؤمنين البيت ، الذنوب أربعة أشهر.
وأقول :
من أهم مميزات الحاج الشيعي " منحة الأربعة أشهر ، التي يغلق فيها سجل سيئاته ، ويوقف عمل ملك السيئات ، أسوة بإخوانهم المشركين قديما ، وبينهم أواصر قربى عقائدية ، مثل عقيدتهم في أن علي بن أبي طالب قسيم الله في الجنة والنار ، يعلم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، لا يجوز في حقهم السهو والخطأ والنسيان ، مثل الوصف القدسي ( لا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ) [ سورة طه الآية : 52].(5/75)
وتلك أول مرة تغيب عنهم أقنعة التضليل والتقية ، فتنكشف العورات ، وتبدو السوآت ، ويستفيدون بهدنة المشركين قديما ، ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) ، ومن خلال منع التسجيل ، يعود الحاج كالذئب الضاري ، لا تفلت منه شاردة ، ولا واردة من المعاصي الموبقات إلا اقتنصها ، وكله ثقة في عدم تسجيلها، ويتوارى القلم حياء عن تسجيل ما يقع من فظائع ، يكتوي بنارها ضحاياهم التعساء ، وقد قال الحق سبحانه في شأن الساعة والطامَّة الكبرى ( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ {46}) [ سورة القمر الآية : 44] ثم يحكي الله أحوال أمثالهم حينذاك في قوله سبحانه ( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ {23} انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [ سورة الأنعام الآيتان : 23، 34 ]. وبمقتضى ذلك لا يحل شرعا ذبائح الشيعة ولا مناكحتهم إلا إذا ثبت بيقين شفاؤهم من اللوثات الشركية اللعينة.
العلة التي من أجلها
لا يؤخذ الطير الأهلي إذا دخل الحرم (18)
سئل جعفر الصادق عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم قال : لا يمس لأن الله تعالى يقول : ( ومن دخله كان آمناً )
وأقول :
ما أعجب تصنع الزهادة والورع والخشية لله ، وفي أصول عقائدهم ما يمزق وحدة الأمة ، ويبيح القتل والسرقة ، لأهل السنة والجماعة في الحل والحرم من وراء التقية والمداراة ، وفي أحاديث الصدوق بين يدي القارئ الكريم خير شاهد على ذلك ، والله من ورائهم محيط.
نوادر على الحج (19)
كان الأمام جعفر الصادق في المسجد الحرام ، فقيل له إن سبعا من سباع الطير على الكعبة لا يمر به شيء من حمام الحرم إلا ضربه فقال انصبوا له واقتلوه فإنه ألحد في الحرم.
وأقول :(5/76)
يقرون في هذا بقداسة حرمة الحرم الشريف ، ويشهد العالم أجمع ، ويشمت أعداء الإسلام ، ويتنفسون الصعداء شماتة في الدماء الزكية ، التي مزقتها الانفجارات المتتالية ، نتيجة للشحنات شديدة الانفجار ، التي حملها إلى الحرم الشريف ، لتحية ضيوف الرحمن، والحجاج الكويتيون الشيعة ، في منتصف العقد الثاني الهجري ، منذ بضع سنوات ، وتم ضبطهم ، وإقرارهم على رؤوس الأشهاد ، وإعدامهم جميعاً في ميدان عام بالحجاز ، فحسم شرهم إلى حين ، وأسأل الله أن يرد الأمة إلى دينها رداً جميلاً ، وأن يوحد قلوبهم وصفوفهم ، حتى يستطيعوا تحقيق الواقع العملي لقول الحق سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {28}) [سورة التوبة الآية : 28] .
العلة التي من أجلها
وجبت زيارة النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بعد الحج (20)
عن جعفر الصادق قال : إذا حج أحدكم فليختم حجه بزيارتنا ، لأن ذلك من تمام الحج ، وعن محمد الباقر قال : تمام الحج لقاء الإمام .
وقال أبو الحسن الرضا : إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته ، وإن من تمام الوفاء بالعهد ، وحسن الأداء ، زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم ، وتصديقا بما رغبوا فيه ، كانوا أئمتهم وشفعاءهم يوم القيامة ، وعن أبي جعفر محمد الباقر قال : إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ، ثم يأتوا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم .
وأقول :
التزمت الأمة وهي على قلب رجل واحد ، بهدي من اختاره مولاه رحمة للعالمين ، وقال في شأنه (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) [ سورة النساء الآية : 80].(5/77)
أتم الله النعمة والدين على يديه ، يوم نزل قول الحق سبحانه (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [ سورة المائدة الآية : 3] .
وقد صاح أكثر من مرة في آذان الزمان ، ومسامع التاريخ ، في حجة الوداع ، ألا هل بلغت : فقالت الأمة اللهم نعم ، قال اللهم فاشهد ، وهو الذي علمهم يوم قال : صلوا كما رأيتموني أصلي .. خذوا عني مناسككم . ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم القول بوجوب زيارة الحرم النبوي الشريف ، وأن ذلك من تمام الحج ، رغم بيان فضله في قوله الشريف : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، ومسجد الأقصى " وإن الفرض في مكة بمائة ألف ، وفي المدينة بألف ، وفي رحاب الأقصى الأسير بنصف ألف ، ولا مكان لقوائم الدجالين دون ذلك . كتسويتهم الحرم المدني بالكوفة في الأجر وقُمْ المقدسة عندهم إلخ.
من حق شيوخهم أن يقدسوا قبور أئمتهم ، المقبورين فيها، بدعوى أنهم شفعاؤهم عند الله ، ويرفعونها إلى العلياء ، تفخيما وتوقيرا ، وفي المقابل يأتي الحديث الثالث في شأن الكعبة ، في غمز مهين ، عار عن الحياء والأدب ، وتعظيم شعائر الله في قوله ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [ سورة الحج الآية : 32] .
ومما يؤكد هذه النظرة الوضيعة الشاذة ، عقيدتهم في وجوب السجود في الصلاة على تربة الحسين ( وهي قطعة من الآجر ، المطبوخ في مصنع بلاط كربلاء ، طولها حوالي 5 سم وعرضها ثلاثة ) وهي عندهم أطهر وأشرف من الأحجار الرخامية البيضاء ، التي تغطي ساحة الحرمين الشريفين ، ولا يسجدون في داخل الحرمين الشريفين بجبهتهم إلا على التربة ، التي لا صلاة بدونها عندهم.
النوادر (21)(5/78)
عن علي بن الحسين العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه سئل ـ ما قولك في هذا السمك الذي يزعم إخواننا من أهل الكوفة أنه حرام ؟ فقال أبو سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الكوفة جمجمة العرب ، ورمح الله ، وكنز الإيمان ، فخذ عنهم . تبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا سعيد ادع بلالا ، فلما جاءه بلال ، قال يا بلال اصعد أبا قبيس فناد عليه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الجري ـ الفرس ـ والضب والحمر الأهلية، ألا فاتقوا الله ، ولا تأكلوا من السمك إلا ما كان له قشر ، ومع القشر فلوس ، إن الله تبارك وتعالى مسخ سبعمائة أمة عصوا الأوصياء بعد الرسل فأخذ أربعمائة أمة منهم برا، وثلاثمائة منهم بحرا ، ثم تلا هذه الآية : ( وجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ) .
وأقول :
في هذا الحديث شواهد ونقائض تخرج به عن دائرة المسلمات العقلية فضلاً عن الأمانة العلمية والدينية.
(1) فالكوفة ضمن مئات المدن والقرى ، التي كانت تعيش في كنف الإمبراطورية الفارسية الساسانية ، لم تخرج عن هذه الدائرة ، أو تتميز بشيء ، يستدعي التزكية النبوية الشريفة المدعاة.
(2) والشأن كذلك ، فيما لا يتمتع بقشر وفلوس ، من أسماك البحر، الطهور ماؤه الحل ميتته كالجري والحوت وثعابين البحر إلخ ، وهي من أشهى وأثمن ما يؤكل ، ولعل السر الذي لا يخفى على كثيرين ، من ذوي البصائر والنهى ، يكشفه قول الحق سبحانه : ( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا {160}) [ سورة النساء الآية : 160] .
(3) والشيعة صنائع عبد الله بن سبأ الحاخام الأكبر ليهود اليمن وجهان لعملة واحدة ، لا يستطيعون تغطية كل بصمات ابن سبأ ، في عقائدهم ومواريثهم.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفي على الناس تعلم(5/79)
فهم في ديار الإسلام كجار السوء ، ينصبون أنفسهم حكاما، لمحاكمة الصحابة ، رضوان الله عليهم أجمعين ، ويلعنون ويضعون من شرف آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، ويضعون الآية الشريفة محرفة مغلوطة في غير موضعها فقد نزلت هذه الآية في شأن سبأ ، حينما تنكروا لجميل الله عليهم ونعمه ( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ {19}) [ سورة سبأ الآية :19].
(4) جبل أبي قبيس بمكة ، التي تبعد عن البحر الأحمر بأكثر من سبعين كيلو مترا ، ولا شأن لهم حينذاك بأسماء السمك وأنواعه، وبيان الحلال والحرام ، كان في جموع الناس بالمسجد بالمدينة المنورة، وقد حرمت لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورسول الله على رأس الجيش في خيبر ، قبل فتح مكة في مناسبة واحدة ، وحديث واحد ، رفضه الشيعة الروافض وكذبوه ، وعليه فنكاح المتعة ولحوم الأهلية حلال عندهم دون جمع الأمة ، والضب أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم والحلال والحرام في الإسلام مصدره الوحي لا الهوى قال تعالى : (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) [ سورة النحل الآية : 116] .
النوادر(22)
قال الصدوق : حدثنا أبو سيعد محمد بن الفضل قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن محمود قال سمعت محمد بن أحمد بن يعقوب الجوزجاني قاضي هراة يقول سمعت محمد بن فورك الهروي يقول سمعت على بن فشرم يقول : كنت في مجلس أحمد بن حنبل ، فجرى ذكر على بن أبي طالب فقال أحمد : لا يكون الرجل مجرما حين يبغض عليا قليلاً .(5/80)
وبسندهم الكاذب إلى ابن عبادة بن الصامت قال حدثني أبي عن جدي قال إن رأيت رجلا من الأنصار يبغض علي بن أبي طالب فاعلم أن أصله يهودي.
وأقول :
يقول الله تعالى ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ {19} وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ) [ سورة البروج الآية : 19 ، 20 ].
(1) يشيدون هيلمانا كاذبا من ألعن وسائلهم ، وهي الكذب على الله تعالى، الذي يتولى وحده سبحانه فضحهم على ألسنة أعلامهم وشياطينهم ، ومن الوصايا الدارجة على سبيل السخرية ( إذا كنت كذوبا فكن ذكورا) ليتفادى التناقض مع نفسه ، فيتضح حاله أمام الناس ، وهذا شأنهم دائما بكل أسى وأسف .
(2 ) الإمام أحمد بن حنبل ، الفقيه الحجة ، كان رمزا للتواضع والزهادة ، والصبر على البلاء في سبيل الله ، وأقسم غير حانث أنه لا يتردد لمحة ، لو نال فرصة شرف غسل قدمي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه ، وكذا سائر أعلامنا وأئمتنا وفقهاؤنا ، رضوان الله عليهم أجمعين ، الذين ورثنا عنهم ، أن محبة آل البيت من الإيمان وبغضهم نفاق .
(3) يقول أحد الحكماء :
ألم تر أن السيف ينقص قدره ... ... إذ قيل هذا السيف خير من العصى
فهم المدعون للمحبة والولاء الكاذب ، المسيئون للقرة الطاهرة ، أبلغ إساءة ، ومن يتكفل بهذا فهو العدو الحقيقي للأمة قاطبة ، وعلى رأسها أهل بيت نبيها صلى الله عليه وسلم ، الذي يقوم بدور الصديق الكذوب ، وهم ورب الكعبة ألعن أعداء أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه ، من أحفاد الحاخام اليهودي اللعين عبد الله بن سبأ ، وإرادة الله غالبة ، فقد أجرى كلمة الحق على ألسنتهم إذ قالوا في حديثهم أعلاه أن من يبغض عليا فاعلم أن أصله يهودي ، وقد قال الحق سبحانه وتعالى في أجدادهم من بني النضير ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) [ سورة الحشر الآية : 2 ] .
المبحث الخامس : ما يتعلق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم(5/81)
العلة التي من أجلها لا توفق العامة لفطر ولا لأضحى (23)
عن محمد بن إسماعيل الرازي عن أبي جعفر الثاني قال : جعلت فداك ، ما تقول في العامة ، فإنه قد روي أنهم لا يوفقون لصوم ، قال إن الناس لما قتلوا الحسين بن علي ، أمر الله عز وجل ملكا ينادي ، أيتها الأمة الظالمة ، القاتلة عترة نبيها ، لا وفقكم الله لصوم ولا لفطر ، وفي حديث آخر لفطر ولا أضحى ، قال أبو عبد الله جعفر الصادق : فلا جرم والله ما وفقوا ولا يوفقوا، حتى يثور ثائر الحسين.
وأقول :
يطلق الشيعة على المخالفين لهم من سائر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالعامة أو النصاب ، ورغم العدل الإلهي الخالد ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) فهم يحملون لعنة قتل الحسين ، للأجيال المتعاقبة إلى يوم القيامة ، وهم على ضلال من الله ، ولا يهديهم لأمر رشد في الدين والدنيا، كيوم عرفة ، فهو عندهم قبله أو بعده حيث يقفون وحدهم على عرفات دون سائر الأمة الملعونة في عقيدتهم الخاسرة الضالة.
العلة التي من أجلها يتجدد
لآل محمد صلوات الله عليه في كل عيد حزن جديد
عن أبي جعفر الصادق ، قال : ما من عيد للمسلمين أضحى ولا فطر إلا وهو يجدد فيه لآل محمد حزنا قلت: فلم ؟ قال: لأنهم حقهم في يد غيرهم.
وأقول:
يرفض أحفاد ابن سبأ ، حاخام يهود اليمن، مؤسس عقائد الفرق الشيعية من الوصاية وولاية العهد، يرفضون حكم الله وعدله الخالد، وما خرج سيد شباب أهل الجنة أبو عبد الله الحسين إلا بإلحاح ومواثيق مؤكدة على نصرته والموت دونه من الشيعة رغم تحذيرات الصفوة من الصحابة وعلى رأسهم عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ألا ينخدع لعهودهم ومواثيقهم ، فلا عهد لهم ، ولا ذمة ولا دين ، وخرج على غير رضا ومشورة ، وواجه خصومه دون أن يجد من شيعته رجالا حوله ، فنفذ قدر الله الأزلي ، الذي لا مفر منه ، (وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) ختام سورة لقمان .(5/82)
فكان شيعته هم الناجون، وهم القتلة الحقيقيون ، ورثوا أحفادهم لعنة هذه الخيانة ، فأقاموا المآتم للبكاء والعويل ، على حائط المبكى ، وسيد الشهداء ينعم في ظلال الفردوس بأمر الله تعالى وفضله، وهم ما زالوا يجترون ماضيهم الكئيب، بلعن خير أمة أخرجت للناس أبد الدهر ، فهنيئا لليهود بما زرعوا وعلَّموا ، ولن يرثوا إلا الحسرة في الدارين قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ {36} لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[ سورة الأنفال الآيتان: 36، 37] .
العلة التي من أجلها
أوجب الله على أهل الكبائر النار (24)(5/83)
عن جعفر الصادق قال : إن الكبائر سبع فينا أنزلت ومنا استحلت فأولها الشرك بالله ، وقتل النفس وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين وقذف المحصنة والفرار من الزحف وإنكار حقنا ، فأما الشرك بالله فينا ما أنزل ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ما قال ، فكذبوا الله ورسوله وأشركوا بالله، وأما قتل النفس التي حرم الله ، فقد قتلوا الحسين وأصحابه ، وأما أكل مال اليتيم ، فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله الله لنا، وأعطوه غيرنا ، وأما عقوق الوالدين فقد أنزل الله ذلك في كتابه فقال ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) [ سورة الأحزاب الآية : 6] فعقوا رسول الله في ذريته ، وعقوا أمهم خديجة في ذريتها ، وأما قذف المحصنة ، فقد قذفوا فاطمة على منابرهم ، وأما الفرار من الزحف، فقد أعطوا أمير المؤمنين بيعتهم طائعين غير مكرهين، ففروا عنه وخذلوه ، وأما إنكار حقنا فهذا ما لا ينازعون فيه.
وأقول :
يذكر إفكهم المتواصل بالمثل القائل ( رمتني بدائها وانسلت ) ولا أدل على ذلك مما يأتي :
أَلََّهوا ابن أبي طالب وبنيه فهم يعلمون الغيب ما كان ويكون وما هو كائن إلى يوم القيامة لا يعتريهم السهو أو النسيان وعلي قسيم الله في الجنة والنار ، ومالك ورضوان يأتمران بأمر علي ، إلخ من الشرك الأكبر ، وتجري عليهم أحكام المشركين ، كالقديانية والبهائية وأمثالهم ، فلا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم ، ولا يقربون المسجد الحرام، إن مكن الله لدينه بالعزة والشوكة لأهل التوحيد تحت راية واحدة.
(2) تفسيرهم قتل النفس باستشهاد الحسين رضي الله عنه ، وهكذا مال اليتيم ، ضِيق أفق مع قواعد شرعية شاملة ، يصلح بها كل زمان ومكان.(5/84)
(3) نتفق معكم معاشر الشيعة فيما تلوحون به ، فأشرف أب وأم لهذه الأمة هو المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمنا خديجة وسائر أمهات المؤمنين اللائي نزل فيهم خاصة قول الحق سبحانه ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[ سورة الأحزاب الآية : 33] .
أليس من العقوق لأشرف والدين ، إنكار أبوتهما لسائر بنات النبي صلى الله عليه وسلم مع أفحش الإساءات لأزواجهم جميعا بلا استثناء ، وكانت أبشع إساءاتهم لمن ألهوه من دون الله ، أما البر وصلة الرحم بأحباب الوالد الممتدة بعد موته ، كرفيق عمره أبي بكر ، وحبيب قلبه الفاروق ، وابن أخته وصهره على فلذات كبده من دعا له بالرضوان يوم العسرة ذي النورين عثمان ، وسائر الصحب الكرام الذين ثبتوا كالشم الرواسي أمام مسيلمة وأضرابه ولولا هذه الجبال الشامخة ، لانزاح الإسلام وانقشع نوره من فوق ظهر الأرض، من أول يوم لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن أول وقفةٍ للأسد الأول ، حين أفاق المذهولون على زئيره ، ( من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله ، فإن الله حي لا يموت ....)
إن لعنكم لصفوة هذه الأمة ، على المسابح صباح مساء، يرفع الله به أجورهم ودرجاتهم ، ويرد سهم تغيظ الكفار في نحورهم، وعزاؤنا أن المعز المذل سبحانه، رفع أقدارهم في قرآنه الخالد، في أكثر من مقام، وقبح وجوه مبغضيهم بمثل قول الحق جل وعلا في آخر سورة الفتح ( ... ليغيظ بهم الكفار...).(5/85)
(4) لا شك أن الطعن في شرف الأم ينال الأب في مقتل ، لذا تعلمنا من الأدب القرآني الشريف، أن خيانة زوجة نوح ولوط عليهما السلام كانت في العقيدة، بعيدة عن الشرف المصون ، أما خصومة أحفاد اليهود ، فلم تقف عند حد حتى أنكروا تشريف القرآن الكريم لها وكذبوا قول الحق سبحانه في سورة النور (..وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) [ سورة النور الآية: 26 ] . فماذا بعد الحق إلا الضلال ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
علل المسوخ وأصنافها (25)
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسوخ فقال : هم ثلاثة عشر الفيل والدب والخنزير والقرد والجري والضب والوطواط والدعموص والعقرب والعنكبوت والأرنب والزهرة وسهيل فقيل يا رسول الله ما كان سبب مسخهم؟ قال : أما الفيل فكان رجلا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا ، وأما الدب فكان رجلا مخنثا يدعو الرجال إلى نفسه، وأما الخنزير فقوم نصارى سألوا ربهم أن ينزل المائدة عليهم فلما نزلت المائدة كانوا أشد كفرا وأشد تكذيبا وأما القردة فقوم اعتدوا في السبت ، وأما الجري ـ الفرس ـ فكان ديوثا يدعو الرجال إلى أهله ، وأما الضب فكان أعرابيا يسرق الحاج بمحجنه ، وأما الوطواط فكان يسرق الثمار من رؤوس النخل ، وأما الدعموص فكان نماما يفرق بين الأحبة، وأما العقرب فكان رجلا لذعا لا يسلم من لسانه أحد، أما العنكبوت فكانت امرأة سحرت زوجها ، وأما الأرنب فكانت امرأة لا تطهر من حيض ولا غيره، وأما سهيل فكان عشارا باليمن، وأما الزهرة فكانت امرأة نصرانية وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل وهي التي فتن بها هارون وماروت.
أقول :(5/86)
نزه الله ساحة أمير المؤمنين أبي الحسن عن هذا الهراء، الذي يذكرنا بخيالات الحشاشين في أوكارهم حينما يصابون بالخرافة والخبل تحت تأثير الحشيشة ، وتوثيق المعلومات من دلائل اليقين والصدق فيها، وذلك منهج القرآن الذي يقوم على الحجة البالغة والبرهان، لا على الخيالات والأوهام ، قال تعالى: ( اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [ سورة الأحقاف الآية : 4 ] فمن أي المصادر استقى مسيلمة هذه النفحات الشيعية قال تعالى ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ) [ سورة الزمر الآية : 60].
العلة التي من أجلها
قد يرتكب المؤمن المحارم ويعمل الكافر الحسنات (26)
قيل لأبي جعفر محمد الباقر أيزني المؤمن قال لا ؟ قيل فيلوط ؟ قال لا قيل فيشرب الخمر ؟ قال لا قيل فيذنب ؟ قال نعم ، قيل لا يزني ولا يلوط ولا يشرب السكر ولا يرتكب السيئات ، فأي شيء ذنبه فقال : قال الله تعالى ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) [ سورة النجم الآية : 32] وقد يلم المؤمن بالشيء الذي ليس فيه مراد ، قال السائل فاخبرني عن الناصب لكم : يطهر بشيء أبدًا ؟ قال لا ، قال قد أرى المؤمن الموحد الذي يقول بقولي ، ويدين بولايتكم، وليس بيني وبينه خلاف ، يفعل المنكرات والكبائر ، وقد أرى الناصب المخالف لما أنا عليه ، ويعرفني بذلك، فآتيه في حاجة ، فأجده طلق الوجه ، حسن البشر مسرعا في حاجتي ، فرحا بقضائها ، كثير الطاعات، يؤدي الزكاة ، ويحفظ الأمانة.(5/87)
قال: ذلك لأن الله أجرى الماء العذب على أرض طيبة طاهرة ، سبعة أيام بلياليها ، ثم نضب الماء عنها ، فقبض قبضة من صفوة ذلك الطين ، وهي طينة أهل البيت، ثم قبض قبضة من أسفل ذلك الطين ، وهي طينة شيعتنا، ثم اصطفانا لنفسه ، فلو أن طينة شيعتنا ، تركت كما تركت طينتنا ، لما اكتسب المؤمن شيئا مما ذكرت ، ولكن الله أجرى الماء المالح على أرض ملعونة سبعة أيام ولياليها ، ثم نضب الماء عنها ، ثم قبض قبضة وهي طينة ملعونة ، من حمأ مسنون ، وهي طينة خبال ، وهي طينة أعدائنا ، فلو أن الله عز وجل ترك طينتهم كما أخذها لم تروهم في خُلق الآدميين ، ولم تروا أحدا منهم بخُلق حسن، ولكن الله جمع الطينتين فخلطهما ومزجهما بالماءين ، فما رأيت من أخيك المؤمن من شر ، لفظ أو زنا أو شيء مما ذكرت ، فليس من جوهريته ولا من إيمانه ، إنما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات التي ذكرت، وما رأيت من الناصب من حُسن وجه وطاعة ، فليس من جوهريته إنما تلك الأفاعيل من مسحة الإيمان ، ثم ينزع الله يوم القيامة مسحة الإيمان عنهم ، ويردها إليكم ، وينزع مسحة العصيان ويردها عليهم.
وأقول :
هذا دليل أخر على وحدة الفكر وأصول العقيدة المتطابقة تماما ، بين الشيعة وشعب الله المختار آل كوهين، من حيث اختلاف الطينة والأصل والدم والأعراق ، فهم عنصر طاهر فريد ، اصطفاه الله على سائر البشر الخنازير، الذي خُلِقوا مطايا لشعب الله المختار ، الذي لهم ثأر قائم إلى يوم القيامة لقتل فرعون لأطفالهم في غابر التاريخ ، والناظر في التراث اليهودي المقدس كالأسفار والتلمود ، وبرتوكولات حمقاء صهيون، يرى وكأن العقيدتين خرجتا من مشكاة واحدة.
لقد نقل المنافق اليهودي اللعين ، كل شيء في عقيدته ، من العنصرية والطينة ومواريث الأحقاد ، والثأر القديم، وتوارث الأجيال ، جريرة الأقدمين ، والقول بالبداء على الله تعالى للخطأ أو الجهل والرجعة إلى ما هو أصوب .(5/88)
نقل لهم كل صغيرة وكبيرة من عقائد اليهود، إلا حائط المبكى لم يستطع نقله فاستبدله باستشهاد الحسين ـ رضي الله عنه ـ في أطهر الساحات فدخل بمشيئته تعالى في زمرة قوله تعالى سبحانه : ( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {170} يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ {171}) [ سورة آل عمران الآيات : 169 : 171 ] . والشيعة حزانى يولولون في الأعياد وعاشوراء ، إلى خروج الوهم المنتظر ، المختفي في سرداب سامراء ، متأبطاً مصحف فاطمة الأصيل غير المزيف المحرف كالقرآن الذي بين يدي الأمة ، وتولى الله حفظه إلى يوم القيامة .
تشهد نصوصهم المقدسة وأعلام شيوخهم ، بالبون الأخلاقي الشاسع، بين حثالاتهم ، والشواهد الإسلامية الثابتة لدى أهل السنة والجماعة ، لكن إبليس يكذب الشمس في رابعة النهار، ويرفض أن يرفع الحق رأسه في كتبهم ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ {19} وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ... ) [ سورة البروج الآيتان : 19 : 20] . ولو طوف مسلم عواصم الدول في العالم أجمع ، فإنه يجد في كل منها مسجدا لأهل السنة والجماعة ، تصلي فيه الجمعة، إلا عاصمتين اثنتين فقط هما : تل أبيب وطهران ، الوجهان لعملة واحدة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
العلة التي من أجلها أبى الله عز وجل
لصاحب الخلق السيئ بالتوبة.
عن جعفر الصادق، قال : أبى الله تعالى لصاحب الخلق السيئ بالتوبة قيل وكيف ذلك ؟ قال : لأنه لا يخرج من ذنب حتى يقع فيما هو أعظم منه.
العلة التي من أجلها
لا تقبل توبة صاحب البدعة.(5/89)
بسندهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أَبى الله لصاحب البدعة بالتوبة قيل وكيف ذلك؟ قال إنه قد أشرب قلبه حبها وكلاهما أي صاحب الخلق السيئ والبدعة يتعارض مع الباب 180 ص 246 .
وأقول :
(1) أبت رحمة الله التي وسعت كل شيء ، أن يغلق باب الرجاء والأمل في وجه العصاة من عباده ، إذا طرقوا بابه ، ولاذوا بجنابه، وعرفوا أن رحمة الله أكبر مما جنت أيديهم ، فبادروا إلى باب التوبة النصوح ، وهي ندم والتزام ، وعهد مع الله تعالى، ولا يغلق الله باب التوبة في وجه العصاة من عباده حتى تشرق الشمس من مغربها ، وتنعكس دورتها وقد قال في ذلك الحق سبحانه (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ) [ سورة الإنعام الآية : 158] . بشرط واحد : ألا يتجاوز الخطوط الحمراء في المعاصي ، وهي ألعن الكبائر على الطلاق ( الشرك ) ، بأن يجعل لله ندا وهو خالقه ، قال تعالى : (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [ سورة النحل الآية : 17] .
(2) ومما يزكي عدم القنوط من رحمة الله ، لغير أهل الشرك من العصاة ما عُلم من أن الله يدفع البلاء عن عباده ، بشفاعة الضعفاء ، فلولا أطفال رُضَّع وشيوخ رُكَّع وبهائم رُتَّع لصب الله علينا البلاء صبا.(5/90)
وقد أورد الصدوق ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : [ إن الله عز وجل إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي ، وفيها ثلاث نفر من المؤمنين ، ناداهم جل جلاله ، وتقدست أسماؤه : يا أهل معصيتي ، لولا فيكم من المؤمنين المتحابين بجلالي ، العامرين بصلاتهم أرضي ومساجدي ، والمستغفرين بالأسحار ، خوفًا مني ، لأنزلت بكم عذابي ، ثم لا أبالي ] ص 246 من العلل للصدوق ، مما يوحي بمعارضة الحديث الأول ومناقضته .
(3) البدعة : هي الاختراع في الدين ، باتباع غير سبيل المؤمنين ، على غير هُدَى من الكتاب والسنة ، بما اشتملت عليه الآية الشريفة ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [ سورة النساء الآية : 115 ] . وهي نوعان : مكفرة وغير مكفرة.(5/91)
أما المكفرة ، فبإنكار حرف من القرآن الكريم، لأن من كفر بحرف واحد منه، فقد كفر بالقرآن كله، أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة ، كالطاعن في شرف أم المؤمنين عائشة وإيمانها ، لا سيما وقد نزل فيها قرآن يتلى، تكفل الحق جل وعلا بحفظه إلى يوم القيامة من سورة النور ، آخره قول الحق سبحانه ( أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) [ سورة النور الآية : 26] يدخل في زمرتهم المؤلهون لابن أبي طالب رضي الله عنه ، كالشيعة في مثل قولهم : إنه قسيم الله في الجنة والنار ، ومالك ورضوان يأتمران بأمر علي ، أي له الحق في الإدارة ، ولعل الملكية بنسبة 51% لذلك. واللاعنون له ـ رضي الله عنه ـ كالخوارج رد الله سهمهم جميعا في نحورهم ، وأبعدهم عن أمة الاعتدال والوسط ، وليس للمشركين توبة مطلقا، بدليل قول الحق سبحانه (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) [ سورة النساء الآية : 116] إن الشرك لظلم عظيم ، والظلم مرتعه وخيم ، إلا بالإقلاع الكامل ، ونبذ هذه الشركيات وأهلها ، والعودة المخلصة إلى التوحيد الخالص ، والصراط السوي ، وجماعة المؤمنين.
ــــــــــــــــ
هوامش الفصل الثالث
(1) المرجع السابق ص : 275 .
(2) المرجع السابق ص : 291
(3) المرجع السابق ص : 291
(4) المرجع السابق ص : 293
(5) المرجع السابق ص : 294
(6) المرجع السابق ص : 302
(7) المرجع السابق ج 2 ص 312
(8) المرجع السابق ص : 317
(9) المرجع السابق ص : 321
(10) المرجع السابق ص : 324
(11) المرجع السابق ص : 358
(12) المرجع السابق ص : 370
(13) المرجع السابق ص : 372
(14) المرجع السابق ص : 385
(15) المرجع السابق ص : 389
(16) المرجع السابق ص : 416
(17) المرجع السابق ص : 443
(18) المرجع السابق ص : 451
(19) المرجع السابق ص : 453
(20) المرجع السابق ص : 459(5/92)
(21) المرجع السابق ص : 461
(22) المرجع السابق ص : 467
(23) المرجع السابق ص : 389
(24) المرجع السابق ص : 474
(25) المرجع السابق ص : 485
(26) المرجع السابق ص : 489
...
الفصل الرابع
ما يتعلق بالنكاح والمعاملات
والعلاقات الإنسانية والاجتماعية
الفصل الرابع
نكاح المحارم وما يتعلق بالنكاح والمعاملات
والعلاقات الإنسانية والاجتماعية
العلة التي من أجلها نهي عن تزويج المرأة
على عمتها وخالتها إلا بإذنها(1)
عن أبي جعفر محمد الباقر قال : إنما نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم عن تزويج المرأة على عمتها وخالتها إجلالا للعمة والخالة فإن أذنت فلا بأس في ذلك.
وعنه قال : لا تنكح ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على عمتها ولا على خالتها وتنكح العمة والخالة على ابنة الأخ ، والأخت بغير إذنهما.
وأقول :(5/93)
حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمع بين الزوجة وعمتها، وخالتها، حماية للرحم ، ومنعا من تقطيع أواصر القربى، قال تعالى في سورة محمد ، ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {22} أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {23}) [ سورة محمد الآيتان : 22، 23] . ومن الثابت في السنة المطهرة أن الخالة والدة، ومعلوم أن العمة صنو الوالد ، وقد تكون ووالد الزوجة توءم ، مثل أم حكيم البيضاء ، جدة عثمان لأمه ، فابنتها أروى بنت كريز أم عثمان بن عفان ، والرسول في درجة خاله ، كانت أم حكيم ووالد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد المطلب توءم في بطن واحدة ، وكذا بالنسبة للخالة مع الأم ، والضرائر في الغالب سوق رائجة لمكايد النساء ، والتنافس والتشفي والعداوة، فأي المنهجين تسكن إليه النفس الأوابة، ينسجم مع التخصص الدقيق بلغة العصر أو ما يسميه علماء البلاغة بالحصر والقصر ، في قول الحق سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) [ سورة الأنبياء الآية : 107] ولا شك إن إشعال نار العداوة بين الأرحام مما يتناقض مع الرحمة، التي يحرص الإسلام على توطيد أركانها.
علة المهر ووجوبه على الرجال(2)
سئل أبو الحسن الرضا عن علة المهر ووجوبه على الرجال ولا يجب على النساء أن يعطين أزواجهن ؟ قال لأن المرأة بائعة نفسها والرجل مشترٍ ولا يكون البيع بلا ثمن ولا شراء بغير إعطاء الثمن.
وأقول :(5/94)
شطر ديننا شرف وعفاف، وطهر، وفضيلة، وعقد الزواج في الإسلام من أشرف العقود، إن لم يكن أشرفها على الإطلاق ، فقد سماه رب العزة في قرآنه الخالد بالميثاق الغليظ، وهو مقام لم يرد الوصف به في القرآن إلا في مقامين: الأول البيعة والعهد الذي أخذه على الأنبياء بإمامة وقيادة حبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم : قال تعالى في سورة الأحزاب (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [ سورة الأحزاب الآية : 7] .(5/95)
المقام الثاني : عقد الزواج الإسلامي قال تعالى في سورة النساء ( وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً {20} وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [ سورة النساء : 20 : 21] وهو القائل سبحانه (وَآتُوا النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [ سورة النساء الآية: 4] أي عطية وهبة للتكريم والتحابب والوصال ، فالمقام أشرف من أن يكون عوضا عن جسد ، وبيعا له ، وإلا فميدانه سوق النخاسة والإماء والرقيق ، ويتناقض ذلك مع روح السنة النبوية الشريفة ، التي تؤثر التساهل والتيسير ، كما ورد في الأثر ( أيسرهن مهرا أكثرهن بركة) ( التمس ولو خاتما من حديد ) وقد زوج أحد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على أن يحفظها ما معه من القرآن ، لما لم يجد عرضا ماديا في أبسط صوره. ومن أشرف غاياته ولد صالح يدعو له ، يعز الله به الإسلام ، ويرفع شأن راية القرآن ، ويبيض الله به وجه والديه ، بعظيم الأجر والمنزلة ، وقرة العيون في الدارين قال تعالى ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) [ سورة الفرقان الآية : 74] .
العلة التي من أجلها يجوز أن يتزوج
في الشكاك ولا يجوز أن يزوجوهم(3)
عن جعفر الصادق قال : تزوجوا في الشكاك ولا تزوجوهم لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ، ويقهرها على دينه والمراد بالشكاك أهل السنة والجماعة أولا .
وأقول :
حرم الله على خير أمة أخرجت للناس ، تزويج المشرك ، وكذا الزواج من المشركة ، والشيعة مشركون ، بإجماع ذوي البصائر من أعلام الأئمة وأسلافنا الأماجد ، رضوان الله عليهم أجمعين.(5/96)
ونظرا لشيوع الفقر المادي والروحي ، لدى كثير من أقطار المسلمين، يفد بعض الشيعة من أرباب النفط ، ليشتروا بأموالهم أعراض المسلمات ، والزواج شرعا بالشيعة رجالا ونساء حرام ، لأنه ضرب من الزنا ، ويجب على العلماء والمسئولين في ديار الإسلام ، تبصير شعوبهم بهذه الكارثة ، وبيان حرمة التزاوج مع الخبثاء المشركين الشيعة ، لأنه زنا ، ولا يحل شرعا لمسلم أو مسلمة مناكحتهم ولا ذبائحهم ، ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد ، يقول الله تعالى : (وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)[ سورة البقرة الآية : 221] وقضايا العقيدة في الإسلام ، كتوحيد الحق سبحانه ، في ذاته وصفاته وأفعاله ، وأن الحق سبحانه لا يقبل طرفا ثالثا واسطا أو شفيعا بين العبد وربه، ولو كان حبيبه الأول محمدا صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، كل هذه القضايا ، لا مساومة فيها في الإسلام ، فإما إيمان خالص وإما شرك ، ورغم أننا من وجهة نظرهم ألعن الكفار ، المستباح فيهم الدم والمال إلخ ولَمْسنَا عندهم من نواقض الوضوء إلخ ومع كل هذا ، يسمحون لرجالهم بالزواج من نسائنا الموحدات، في البيئات الجاهلية ، والتي تجهل حقيقة أحوالهم وعقيدتهم ، على سبيل التلصص ، والقهر في الدين والعقيدة ، أخذا بمبدأ أخيهم اليهودي اللعين ميكيافيللي : ( الغاية تبرر الوسيلة).
العلة التي من أجلها إذا كان للرجل امرأتين
كان جائزا له أن يفضل إحداهما على الأخرى(4)(5/97)
سئل جعفر الصادق عن الرجل له امرأتان إحداهما أحب إليه من الأخرى أله أن يفضلها بشيء ؟ قال نعم له أن يأتيها ثلاث ليال والأخرى ليلة واحدة لأن له أن يتزوج أربع نسوة فليلته يجعلها حيث يشاء.
وأقول:
يقول الحق سبحانه : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ {26}) [ سورة ص الآية : 26] .(5/98)
ولا يصح شرعا أن تهتز موازين العدالة لمن يقضي بين المتساوين في الحقوق والواجبات ، ويعتذر بأن ذلك للميل والهوى نحو طرف دون آخر ، يرى المؤمن هذه المشاعر النبيلة متجسدة في قول مثلنا الأعلى صلى الله عليه وسلم اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ، أي الميل القلبي ، لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب رجل واحدد يقلبه كيف يشاء. وقد يحول إذا شاء بين المرء وقلبه، وفرقة الشيعة الإمامية الجعفرية الاثنى عشرية جبلت طبيعتهم على حب الشذوذ دائما في كل شيء ، كإتيان النساء الضحايا في الأدبار من طريق الغائط ، والطلاق تسع وكذا الزواج عند بعضهم تسع ، باستثناء نكاح المتعة المؤقت فحدث ولا حرج ، وقد أخرج الإمام القرطبي ، في تفسير الآية الثالثة من سورة النساء ، روى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة، حدثنا أنس بن مالك قال : أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تستعدي زوجها ( أي تشكوه ) . فقالت : ليس لي ما للنساء ، زوجي يصوم الدهر قال : ( لك يوم وله يوم ) . للعبادة يوم وللمرأة يوم ، ولعل الحكمة العليا في ذلك : الإبقاء على البقية الباقية من وشائج صلة الرحم والجوار والقربى بين الزوجات الضرائر، وبالتالي بين الإخوة والأخوات منهن ، نلمح هذا المعنى الإنساني النبيل، في نور الوصية بالعدل بين الأولاد أيضاً(5) ومن حقوق الإنسان التي كفلها الإسلام العزيز من أول يوم وأرسى قواعدها الثابتة مَنْ بَعَثَهُ مولاه رحمة للعالمين ، قال تعالى ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [ سورة الأنعام الآية : 152] .
العلة التي من أجلها لا تحل المرأة لزوجها بعد تسع
تطليقات والعلة التي من أجلها صار طلاق المملوك اثنتين(6)(5/99)
سئل أبو الحسن الرضا عن علة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل لزوجها أبدا ؟ قال عقوبة له لئلا يتلاعب بالطلاق وليكون ناظراً في أمره متيقظا معتبرا ويكون يائسا من الاجتماع بها بعد تسع تطليقات ، وعلة طلاق المملوك اثنتين لأن طلاق الأمة على النصف وجعله اثنتين احتياطا لكمال الفرائض.
وأقول :
من القواعد الثابتة لدى الأعلام والراسخين في العلم ، أنه لا اجتهاد مع النص ، وقد قال الحق سبحانه ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [ سورة البقرة الآية : 229] . ويلاحظ البون الشاسع ، والفارق البعيد ، بين الطلقات الشيعية التسع ، وبين مدلول الآية الشريفة، وصريح منطوقها، ولهم في مثل هذا الاختلاف عذر ، بل أعذار أقبح من الذنب نذكر منها:
(1) طعنهم في الصحابة بالكفر والنفاق والردة ، ولعنهم صباح مساء على المسابح ، بما يقدح في عدالتهم وأمانتهم ، باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة هم المقداد بن الأسود وعمار وسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله ، وهؤلاء القلة لا يرقى عددهم إلى شروط المتواتر ، فالطعن في القرآن عندهم بمقتضى ذلك وارد ، وعندهم البديل الأوثق ( قرآن فاطمة ) محفوظ في السرداب مع الوهم المنتظر عندهم ، وهو الذي سيملأ به الأرض عدلا ، عجل الله فرجه وخروجه ، ( كما يقولون في دعائهم كلما وردت الإشارة إليه).(5/100)
(2) التزامهم بقاعدة في أصول الفقه عندهم تقول : ( الرشد في خلافهم ) أي في خلاف السواد الأعظم ، من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أهل السنة والجماعة ، ومن البشائر النبوية الشريفة، ألا تجتمع هذه الأمة على ضلالة أبداً ، وحتى يوم عرفة في عقيدتهم ، مختلف دائما كل عام، فلا يهدي الله له الكفرة الملاعين أهل السنة والجماعة في خير أمة ، وإذا كان الخلاف بيننا وبينهم يبدأ من أركان الإسلام والإيمان ، التي يحفظها الأطفال عندنا ، فلا غرابة أن يحصل الخلاف في سائر الفروع والأصول ، بدءا من الكتاب والسنة ، وما أخذ منهما.
العلة التي من أجلها لا تقبل شهادة النساء
في الطلاق ورؤية الهلال(7)
كتب أبو الحسن الرضا في جواب ذلك فقال : علة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال، لضعفهن عن الرؤية ، ومحاباتهن النساء في الطلاق .
وأقول:(5/101)
هناك بعض الوقائع ، في قضايا النساء والطلاق ، لا يخبرها إلا النساء وشهادة العدول منهن من الأهمية بمكان ، وآية الدين في سورة البقرة أشارت إلى ذلك ، ومن المضحك فيما أورده شيخهم ، في تعليل منع النساء من الشهادة وتركها ، تعميم الغشاوة على عيونهن ، وضعفهن عن الرؤية ، بما يسمى علميا بقصر النظر الشديد . وشر البلية ما يضحك قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [ سورة البقرة الآية : 282 ] .
اختلاف الشهداء في الزنا والقتل
العلة التي من أجلها جعله في الزنا أربعة من الشهود
وفي القتل شاهدان (8)(5/102)
فقال : إن الله أحل لكم المتعة ، وعلم أنها ستنكر عليكم ، فجعل الأربعة الشهود احتياطا لكم لولا ذلك لأتى عليكم وقل ما يجتمع أربعة على شهادة بأمر واحد.
وأقول :
شاءت إرادة الحكيم الأعلى سبحانه ، أن يطهر أمة حبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم ، من أوضار الجاهلية وقبائحها ، لا سيما في العلاقات الإنسانية ، وانتهاك الأعراض والحرمات، مع التدرج في تطبيق الحكم الشرعي ، واستكمال جوانبه نحو الكمال الأعلى ، رحمة من الله بعباده ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ(5/103)
لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {143}) [ سورة البقرة الآية : 143 ] . ولمسنا هذه الحكمة العالية، في الموبقات الثلاث الكبرى ، كأم الخبائث الخمر والربا والزنا ، فقد استكملت دائرة بيان الحكم الشرعي ، الثابت لهذه الأمة، إلى يوم القيامة ، على مراحل ، كما هو مبين في منهج التشريع الإسلامي وأطواره المختلفة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، على رأس الجيش في غزوة خيبر ، في السنة السابعة من الهجرة، وذبح المسلمون ما تيسر لهم من الحمر الأهلية ، وكانت حلالا حتى هذه الساعة ، وغلت بها القدور لإطعام الجيش ، وإذ بالوحي الشريف يتنزل ، وينادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجيش ، بأن أكفئوا القدور ، ولا تأكلوا من الحوم الحمر الأهلية شيئا ، فإن الله عز وجل حرمها على الأمة، وحرم نكاح المتعة إلى يوم القيامة، ( انظر كتاب الصيد والذبائح في عمدة الأحكام وغيره ) فشذ الشيعة عن إجماع الأمة ، كشأنهم في معظم الأحوال، ومن البشائر النبوية الشريفة، ألا يجتمع أمر هذه الأمة على ضلالة أبدا ، وإلزام الروافض أنفسهم برفض منهج الله في هذا المقام، وظلت الحمر الأهلية ونكاح المتعة حلالا للشيعة الإمامية الجعفرية الاثني عشرية دون الأمة قاطبة، بل ودون سائر فرق الشيعة، التي تربو على المائة ، كما أشار إلى ذلك الإمامان ابن حزم في الفصل ، والشهرستاني في الملل والنحل.
وقد أكد العلم الحديث معجزة نبوية جديدة ، في تحريم لحوم الحمر الأهلية، بثبوت ارتفاع نسبة البولينا واليوريا بها، وصدق الحق سبحانه ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [ سورة الأعراف الآية : 157] , وليس ذلك بأقل خبثا، من استحلال نكاح المتعة ، واللوطية بالنساء ، إلى آخر المباحات الخاصة بالشيعة ، أبعدهم الله تعالى.
العلة التي من أجلها لا يحل طلاق الشيعة الثلاث
لمخالفيهم وطلاق مخالفيهم يحل لهم(9)(5/104)
سئل أبو الحسن الرضا، عن تزويج المطلقات ثلاثا . فقال : إن طلاقكم الثلاث لا يحل لغيركم، وطلاقهم يحل لكم ، لأنكم لا ترون الثلاث شيئا، وهم يوجبونها.
وأقول :
يقول الله تعالى في شأن خير الكتب ، المنزل على خير الأنبياء لخير الأمم ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) [ سورة الشعراء الآية : 159] لا التواء فيه ولا عوج، وأصول العقائد الشيعية ، نبتت على أرض الفرس الأعاجم ، بزراعة اليهود الذي نُفي زعيمهم إلى المدائن عاصمة فارس، على يد أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ بعد أن افتضح أمرهم في عهده ، وادعوا ألوهيته ، فأمر خادمه قنبر أن يؤجج النار وحرقهم فيها وقال :
لما رأيت الأمر أمرا منكرا ... ... أججت ناري ودعوت قنبرا(5/105)
وشفع عبد اله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لكبيرهم الحاخام عبد الله سبأ المنافق ، لعنة الله عليه ، الذي نقل عقائد اليهود ببصماتها الأصيلة تحت عباءة الإسلام المجوسي اليهودي ، ولهم فهم خاص لكل كلمة في القرآن ، لا يطاوعهم في ذلك عقل أو لغة، أو فهم إسلامي رشيد، إلا شياطين اليهود والمجوس ، فمثلا : الطلاق عندهم تسع ، مع أن الحق عز وجل يقول : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [ سورة البقرة الآية : 229 ] . وقد أخذ أهل السنة والجماعة بصريح الآية الواضح الجلي ، ورفض الروافض ، أخزاهم الله تعالى إلا أن يتبعوا غير سبيل المؤمنين ، والطلاق ، في الإسلام لا يلجأ إليه إلا كبديل للكفر أو القتل ، فلا بد أن تسبقه مراحل أربع ذات نفس طويل . (1) عظوهن فإن لم يجد كعلاج . (2) فالهجر في المضاجع ثم (3) اضربوهن ضربا غير مبرح ثم . (4) ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، (5) وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ، وذلك بإيقاع الطلقة الثالثة في طهر لم يجامعها فيه، وحينئذ لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ويموت عنها أو يطلقها قَدَرا دون ترتيب من العباد ، ونحن نرد على الشيعة : ( لكم دينكم ولي دين) ولا حرج فلديهم مصحف فاطمة، يختلف عما في أيدينا معشر أهل السنة والجماعة ، فضلا عن التفسيرات الخاصة ، المخالفة كما أسلفنا ، ويصدق فيهم قول الحق سبحانه (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {78}) [ سورة آل عمران الآية : 78 ] .(5/106)
يلوون أعناق الآيات القرآنية، بتفسيرات هميونية ، مناقضة للحق الذي نزلت به ، ويخرجون بها إلى ما يؤيد زيفهم وضلالهم ، فلا يعوزهم استخراج دليل ، لأي نقيصة فاجرة، مثل استحلال الدماء والأموال إلخ لأعدائهم ومخالفيهم ، من أهل السنة والجماعة ، بل واستحلال قتل أطفالهم دون الحلم ، وكل هذا الفكر هو الذي يعيد للأمة الإسلامية قوتها وعزتها بين أعدائها في عقيدتهم وحساباتهم ، تراه في مرجعهم الأصيل ، علل الشرائع للصدوق ، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
علل نوادر النكاح(10)
عن جعفر الصادق أنه قال : إنما صار الصداق على الرجل دون المرأة وإن كان فعلهما واحدا فإن الرجل إذا قضى حاجته منها قام عنها ولم ينتظر فراغها فصار الصداق عليه دونها لذلك.
أقول :
الرجل المسلم الكامل الرجولة ، لا يرضى لنفسه أن يكون تيسا أنانيا أرعن ، وما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط، والزوجة أمانة أمرنا الله بالإحسان إليها ، وأكد ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولفت أنظارنا إلى مقدمات اللقاء ، وأهميتها في التهيئة النفسية، حتى يأخذ بيدها إلى الذروة ويطفئ لهيب جذوتها، وإلا كان المسئول الأول ، عن جنوحها عن جادة الطريق الذي اختاره الله للمؤمنات الطاهرات، ولا يبرئ ذمة أشباه الرجال من التقصير في هذا الواجب ، أي صداق من الحطام الفاني ، مهما بلغ ، يمتهن به كرامتها وحقها، كشريكة عمر، ورفيقة حياة ، لا سيما والأدب الرفيع يهتف به قرآننا الخالد ، في قول الحق سبحانه ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) [ سورة النساء الآية : 4] أي عطية وهدية وهبة ، لأن العرض والشرف ، والكرامة الإنسانية للمؤمنة ، لا تقدر بكنوزها الدنيا وحطامها الفاني كله، ويحتاج ذلك إلى ذوق وأحاسيس مؤمنة، ومشاعر رفيعة عالية ( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً).[ سورة الإسراء الآية : 72] .(5/107)
لا سيما بعد قوله تعالى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) [من سورة البقرة الآية : 288] .
العلة التي من أجلها
يكره معاملة أصحاب العاهات(11)
قال الصدوق حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بإسناده رفعه قال : قال أبو عبد الله جعفر الصادق: احذروا معاملة أصحاب العاهات فإنهم أظلم شيء.
وأقول :
يتفق هذا مع ما تعارف عليه أهل الجهل والغلظة في قولهم ( كل ذي عاهة جبار) كالأعمى والأعرج ، مع أن حبيب رب العالمين محمدا صلى الله عليه وسلم آله وصحبه ، عاتبه ربه من فوق سبع سماوات ، من أجل امتعاض يسير في وجه أعمى لا يدري ( عَبَسَ وَتَوَلَّى {1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى {2} وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى {3} أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى {4}) [ سورة عبس الآيات : 1 : 4] وقد قال عز وجل في الحديث القدسي الشريف ( إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر لم أجد له جزاء إلا الجنة) وكذا الصابرون على البلاء ، من ذوي الابتلاءات والعاهات ، بشرهم ربهم بأعظم المثوبة والفضل ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [ سورة الزمر الآية : 10] . فهل من حق العبد أن يُهِين من أكرمه مولاه ، إنه حمق وجهالة وافتئات على الله تعالى ، لأنه وحده الرافع الخافض، والمعز المذل ، ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ، لكن الحكماء يقولون:
لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
اللهم أعذنا بفضلك من الحماقة والغباء ، والجهل وسائر الأدواء ، يا رب العالمين.
العلة التي من أجلها
يكره مخالطة الأكراد(12)
سأل رجل جعفر الصادق فقال له : إن عندنا أقواما من الأكراد ، يجيئونا بالبيع ونبايعهم ، فقال له : لا تخالطهم فإن الأكراد حي من الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطهم.
وأقول :(5/108)
جهالة تضحك الثكلى ، فآدم أبو البشر ، وإبليس أبو الجن ، وبمقتضى قولهم فالقائد المسلم الذي قلما يجود الدهر بمثله ، السلطان الناصر لدين الله ، صلاح الدين الأيوبي ، من أحفاد إبليس ، على حد تصنيفهم للخلائق، وعبارتهم أنهم أهل العلم اللدني ، لعلهم يصيبون ثأرا بهذه الفرية، من هذا القائد المغوار صلاح الدين الأيوبي ، الذي بيض الله به وجه أمة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم وطهر به أرض الكنانة من ضلالات الشيعة وشركهم ، وحَوَّل الأزهر على يديه من معمل لتفريخ العمائم الشيعية السوداء ، إلى الحصن الأول للعلوم الإسلامية ، والمنارة العلمية الأولى للعالم الإسلامي ، في مشارق الأرض ومغاربها ، [ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ] ، ولا عيب يرونه في الأكراد ، إلا أنهم جميعا من أهل السنة والجماعة ، وأحفاد قاهرهم صلاح الدين الأيوبي ـ رضي الله عنه.
العلة التي من أجلها يجب
الأخذ بخلاف ما تقول العامة(13)
قال أبو عبد الله جعفر الصادق ، أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة ، فقلت : لا ندري ، فقال : إن علياـ رضي الله عنه ـ لم يكن يدين لله بدين ، إلا خالف عليه الأمة إلى غيره ، وإرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون عليا عن الشيء الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ، ليلبسوا على الناس .
وعنه قال : إذا كنتم في أئمة الجور ، فامضوا في أحكامهم ، ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا ، وإن تعاملتم بأحكامهم كان خيرا لكم ، وسئل أبو الحسن الرضا ، حدث الأمر من أمري ، لا أجد بدا من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحدٌ أستفتيه من مواليك ؟ فقال إيت فقيه البلد فإذا كان ذلك فاستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ، فإن الحق فيه.
وأقول :(5/109)
(1) نجح ابن السوداء في استئصال خلاياهم عن جسد الأمة ، بوضع فتنة القاعدة الشيعية المتأصلة في دمهم والتي تقول : ( الرشد في خلافهم ) أي في خلاف إجماع السواد الأعظم لخير الأمم ، من أهل السنة والجماعة ، حتى يوم عرفة إذا صادف يوم جمعة مثلاً ، فيوم عرفة عند الشيعة الخميس أو السبت والسبت أولى لأنه يوم الرب لأجدادهم ، الوجه الآخر لعملة واحدة.
(2) قامت الحروب الطاحنة ، بين ملل الكفر بأوروبا وغيرها حتى بلغ الضحايا في الحرب العالمية الثانية، خمسين مليونا ، بين قتيل وجريح ومشوه ، واليوم تغيرت العقلية الأوربية الكافرة ، لترفع شعارات الوحدة الكاملة للولايات الأوربية ، في كل المجالات ، سواء الاقتصادية بتوحيد العملة والسوق الأوربية المشتركة ، والسياسية بالبرلمان الأوربي ، وإلغاء الحواجز والتأشيرات إلخ وكذا المجال العسكري، إلا الشيعة أبعدهم الله تعالى ، وشتت كيدهم، يرفضون كل حق وبرهان، سماهم السلف الصالح بالروافض لهذا، مما يشجع أعداء الإسلام على التفكير في إخماد جذوته ، واستئصال شأفته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
العلة التي من أجلها
يجلد ظل الذي يزعم أنه احتلم بأم غيره(14)(5/110)
بسندهم قال جعفر الصادق أن رجلا لقي رجلا على عهد أمير المؤمنين علي فقال له : إني احتلمت بأمك، فرفع إلى أمير المؤمنين فقال إن هذا افترى عليَّ . فقال : وما قال لك ؟ قال : زعم أنه احتلم بأمي. فقال: أمير المؤمنين في العدل إن شئت أقمته لك في الشمس وجلدت ظله ، فإن الحلم مثل الظل، ولكنا سنضربه إذا آذاك حتى لا يعود ويؤذي المسلمين ، وأقول : أنزه ساحة خير القرون ، من مثل هذه التفاهات الوضيعة ، وشأن أكرم القرون وأشرف الساحات ، علماء وعامة ، فضلاً عن أعلام القرة، الاشتغال بمعالي الأمور دون سفسافها ، ومن المعلوم في السنة : أن الرؤيا من الله والحلم من الشيطان ، ولا يحمل بضاعة الشيطان إلا شيطان ، ولكل ساقطة في الحي لاقطة.
وقد تعلمنا من الأدب النبوي الشريف، أن الحلم السيئ الشيطاني ، لا يقال ولا يحكى ، ويكتفى بالاستعاذة والتفل على اليسار ثلاثا، فإنها لا تضره .
هذا ما يعيه كل مؤمن ومؤمنة ، ويجهله شيوخ الشيعة جميعا.
ـــــــــــ
هوامش الفصل الرابع
(1) المرجع السابق ص : 499
(2) المرجع السابق ص : 500
(3) المرجع السابق ص : 502
(4) المرجع السابق ص : 503
(5) فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه ، عن النعمان بن بشير قال : تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عَمْرَة بنت رواحة ، لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي فقال له رسول الله : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال : لا . قال : اتقوا لله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي فرد تلك الصدقة.
(6) المرجع السابق ص : 506
(7) المرجع السابق ص : 508
(8) المرجع السابق ص : 509
(9) المرجع السابق ص : 511
(10) المرجع السابق ص : 513
(11) المرجع السابق ص : 526
(12) المرجع السابق ص : 527
(13) المرجع السابق ص : 531
(14) المرجع السابق ص : 544
الفصل الخامس
علل متفرقات
الفصل الخامس ـ علل متفرقات
علة المد والجزر (1)(5/111)
بسندهم إلى علي بن موسى الرضا ، عن آبائه عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن المد والجزر ما هما ؟ فقال: ملك موكل بالبحار يقال له رومان فإذا وضع قدمه في البحر فَاضَ وإذا أخرجها غاض .
وأقول :
نزه الله ساحة أمير المؤمنين أبي الحسن ، أن يقول شططا مناقضا للعقل ، ومبادئ العلم الحديث، من أطوال الجاذبية وآثارها وخواصها ، مما يتردد على ألسنة أطفالنا، بما لا يدع مجالا لزنديق ملحد يقول : الدين أفيون الشعوب ، ومبعث تخلفها وتعاستها، لأنه يعادي العلم، ويصادم العقل ، وينكر الحقائق العلمية الثابتة، مع أن مادة العلم دارت في القرآن الكريم أكثر من ثمانمائة مرة ، ولم تر البشرية كتابا يكرم العلم والعلماء أشرف من القرآن الكريم ، ولعل من مصحف فاطمة المحتبس في السرداب بسامراء مع الوهم المنتظر ما يحطم كل الأرقام ، ويلغي علوم البشرية وقرآنها إلى آخر خيالاتهم السقيمة التي تضحك الثكلى ولا عجب فقد قال الحق عز في علاه ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {41}) [ سورة المائدة : 41 ] .
علة الزلزلة (2)(5/112)
بسندهم عن جعفر الصادق قال : إن الله تعالى خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها ، فقالت حملتها بقوتي ، فبعث الله حوتا قَدْرَ شبر فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا ، فإذا أراد الله سبحانه أن يزلزل أرضا نزلت تلك الحوت الصغيرة فزلزلت الأرض فرقا.
أقول :
هذا لون الفكر والثقافة والعلم، لدى الرجل الثاني عندهم بعد الكليني ، من عصابة أصحاب الكتب الأربعة التي قوم عليها دين الشيعة الإمامية الجعفرية الاثني عشرية، أليس في ذلك أبلغ إساءة إلى عالم الحيتان ، فضلاً عن القرة الطاهرة من أحفاد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، أليس في هذا الهراء تشويه لاسم الإسلام الذي يتمسح به هؤلاء ، والذي قَدسَ العلم وأهله ، ورفعهم إلى أسمى المنازل ، وأرفع الدرجات ، يذكرني ما يسوقه رئيس المحدثين الشيعة في مجلداته الأربعة من كتابه من لا يحضره الفقيه وكذا علل الشرايع وغيرها بالدعاء النبوي الشريف ، الذي أجد فيه ملاذا من مرارة الأسى والحزن ، في قوله الشريف : ( اللهم إني أعوذ بك من عضال الداء ، وشماتة الأعداء ) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
العلة التي من أجلها صارت الغيبة أشد من الزنا (3)
بسندهم عن الحسن بن علي النعماني ، عن أسباط بن محمد ، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله : الغيبة أشد من الزنا فقيل يا رسول الله ولم ذاك ؟ قال صاحب الزنا يتوب فيتوب الله عليه ، وصاحب الغيبة يتوب فلا يتوب الله عليه ، حتى يكون صاحبه الذي اغتابه يحله.
وأقول :(5/113)
إذا كانت الغيبة طعن في عرض أخيك المسلم بالقول ، فإن الزنا طعن في عرض المسلم بالفعل ، على كل حال ، يستوي في ذلك الجاني وغيره ممن يلزمهم الحد والعقوبة الشرعية، وعقوبة الرمي بالزنا حدها ثمانون جلدة ، بخلاف الزنا فإنه أبشع وأعظم ، لكن عفو الله على التائبين أكبر ، ورحمته أوسع، قال تعالى في آيات وصف عباد الرحمن ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {69} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {70})[ سورة الفرقان الآيات : 68 : 70 ] .
وأهل التوبة النصوح في كنف مولاهم ، لا يبيض وجوههم بها في الدنيا ، ثم يبخل بستره عنهم يوم القيامة وهو الجواد الكريم ، الذي لا ييئس من رحمته إلا القوم الكافرون.
العلة التي من أجلها لا يجوز للرجل أن يتخذ
من النبط وليا ولا نصيراً
بسندهم عن جعفر الصادق قال : النبط ليس من العرب ولا من العجم فلا تتخذ منهم وليا ولا نصيرا ، فإن لهم أصولا تدعو إلى غير الوفاء ( النبط جيل من الناس يسكن سواد العراق : المصباح المنير مادة نبط ).
وأقول :(5/114)
تعلمنا من السنة الشريفة، أن كل مولود يولد على الفطرة ، وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، ولا يصح عقلاً وشرعا تعميم الحكم على طبائع الناس وأخلاقهم ، لاعتبارات الأعراق والبلدان ، لأنها من عطاء الله وفضله، وفق مشيئته العليا، وهو الذي يحكم ولا يُحكَم ، قال تعالى : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {32}) [ سورة الزخرف الآية : 32] . وها هي مكة أنجبت ألعن خلق الله عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي ( أبا جهل ) كما أنجبت أشرف خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم.
العلة التي من أجلها لا ترث المرأة مما ترك زوجها
من العقار شيئاً (4)
بسندهم عن ميسر قال : سألت جعفر الصادق عن النساء ، ما لهن من الميراث ؟ فقال : لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب ، فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما قلت: الثياب لهن ؟ قال: نصيبهن فيه قلت : كيف هذا ولهن الثمن والربع مسمى ؟ قال لأن المرأة ليس لها نسب ترث به وإنما هي دخلت عليهم ، وإنما صار هكذا لئلا تتزوج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحمون هؤلاء في عقارهم .
وأقول :(5/115)
كان المسلمون في صدر الإسلام يورثون المرأة من كل شيء تأخذ ما فرض الله لها في كتابه ، إلا عُدَّة الجهاد والغزو كالرماح والسيوف والدروع وغيرها، حتى نزل قول الحق جل وعلا ( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا {7}) [ سورة النساء الآية : 7] فأيقنت الأمة بمشروعية حق النساء في كل شيء ، من الميراث الشرعي بعد الوصية والدين، ولم يشذ عن إجماع الأمة تحت راية القرآن إلا الروافض اللعانين ، قبح الله وجوههم في الدارين ، فهم على طرفي نقيض . (1) عطاء لما لا تستحق إذا انفردت فلها كل التركة مع حرمان العصبة والأعمام ، كادعائهم الكاذب في فاطمة والعباس ، مع علم الجميع أن من خصوصيات الأنبياء لا يورثون فما تركوه صدقة. (2) أو حرمان من العقار والأرض ، كما في هذا الحديث المفترى، ومن مآثر البنات على أسرهن ، كما تقول العرب ، جَعْلُ الغرباء قرباء ، ولما كان العرض والشرف عندهم لا يقدر ، فساتره وحافظه بأمر الله ، وهو الصهر وزوج البنت ، في محل التجلة والتكريم ، لدى ذوي الأصالة والشرف والدين.
العلة التي من أجلها سميت قُمْ (5)(5/116)
بسندهم عن جعفر الصادق بن محمد الباقر قال : حدثني أبي عن جدي عن أبيه ـ رضي الله عنهم ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري بي إلى السماء حملني جبريل على كتفه الأيمن ، فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء ، أحسن لونا من الزعفران ، وأطيب ريحا من المسك ، فإذا فيها شيخ على رأسه برنس فقلت لجبريل : ما هذه البقعة الحمراء ؟ قال هذه بقعة شيعتك وشيعة وصيك علي. فقلت : من الشيخ صاحب البرنس ؟ قال : إبليس قلت : فما يريد منهم ؟ قال : يريد أن يصدهم عن ولاية أمير المؤمنين علي، ويدعوهم إلى الفسق والفجور فقلت : يا جبريل أهو بنا إليهم ، فأهوى بنا فقلت : قم يا ملعون فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم ، فإن شيعتي وشيعة علي ، ليس لك عليهم سلطان، فسميت قم لذلك.
وأقول :
(1) جريا على ما ألزموا أنفسهم به من الرفض والمخالفة لأهل السنة والجماعة ، ولو كان في ذلك إنكار ضوء الشمس في رابعة النهار ، أنكروا سيد الرسل بركوبه وإخوانه الأنبياء البراق في إسرائه ومعراجه ، واستبدلوها بالحمل على الكتف كما نصنع بالأطفال ، فأي الصورتين أليق بحبيب رب العالمين الأول محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه .(5/117)
(2) اقتباس مشوه ، من حديث بين الحق عز وجل واللعين إبليس ، حين رفض أمر الله بالسجود لآدم في [ سورة الإسراء من الآية 63 : 65] من قبل أن تخلق قم ، ومجوس فارس جميعا ، أبعدهم الله تعالى . وذلك في قوله سبحانه ( قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا {63} وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا {64} إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً {65}) فأين الإشارة إلى أوكار الكذابين بالوراثة من هذه الآية الشريفة ، والحكمة في هذا الشأن تقول : [ إذا كنت كذوبا فكن ذكوراً ] تفاديا لتناقض الأقوال وافتضاح الأحوال ، لكنه سهم القدر الذي لا مفر منه في قوله سبحانه ( وليخزي الفاسقين ) [ سورة الحشر الآية : 5].
علة صفرة لون المشمش
وحلاوة بعض نواها دون البعض (6)
بسندهم عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نبيا من أنبياء الله ، بعثه الله إلى قومه فبقي فيهم أربعين سنة فلم يؤمنوا به فكان لهم عيدٌ في كنيسة فاتبعهم ذلك النبي فقال لهم : آمنوا بالله قالوا له : إن كنت نبيا فادع لنا الله أن يجيئنا بطعام على لون ثيابنا، وكانت ثيابهم صفراء ، فجاء بخشبة يابسة ، فدعا الله تعالى عليها فاخضرت وأينعت ، وجاءت بالمشمش حملا، أكلوا ، فكل من أكل ونوى أن يسلم على يد ذلك النبي خرج ما في جوف النوى مِنْ فِيه حُلْوا ، ومن نوى أنه لا يسلم خرج ما في جوف النوى من فيه مُرا.
وأقول :(5/118)
يقول الحق سبحانه في حكمه العالية ( وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {4} ) [ سورة الرعد الآية : 4] . في الآية الشريفة إيقاظ الأذهان ، ولفت الأنظار ، إلى حكم الله المشاهدة صباح مساء ، حيث نرى الأرض متقاربة واحدة ، والشكل مختلف ، والماء واحد ، والطعون مختلفة تماما، وتلك إشارات حية، تتولى لذوي العقول ، لتذكرهم دائماً بآلاء الله ونعمه ، وعظيم قدرته ، وبالغ حكمته في بديع ما صنع وخلق فسوى ، فأين هذه اللمحات القدسية ، والإشارات الربانية ، لذوي العقول والبصائر ، من زفرات الحشاشين، وشطحات المعتوهين.
نواد العلل(7)
قال الصدوق : حدثني أبي عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبان بن الصلت قال : جاء قوم بخراسان إلى الرضا فقالوا : إن قوما من أهل بيتك يتعاطون أمورا منكرة فلو نهيتهم عنها، فقال: لا أفعل لأني سمعت أبي يقول النصيحة خشنة.
وأقول :
يقول الحق سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [ سورة المائدة الآية : 54 ] ، فلا إيمان بدون حب ، والنصيحة أولى ثمرات الحب الصادق لأنها لبابه ، فمن معانيها إرادة الخير للغير ، أو للمنصوح له كائنا من كان ، ومن الإشارات النبوية الشريفة في هذا المقام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) (8) ونلمح من بين الكلمات والأسطر في هذا الحديث أمورا عجيبة أهمها:(5/119)
(1) بصمات الديانة اليهودية المبنية على مباركة الفساد وتشجيعه ، ولو بالسكوت فلم ينجح ابن سبأ الذي صاغ عقائد الشيعة ، أن يخفي وجهه اليهودي القبيح ، في ثنايا ما صاغ وتفنن ، في حبك الفتن والدسائس والمؤامرات ، والمنهج اليهودي الأصيل ، الذي فضحه وأزال أقنعته الكاذبة مثل قول الحق سبحانه : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ {78} كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ {79}) [ سورة المائدة : الآيتان : 78، 79] .(5/120)
(2) برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ذمته بتحذير أمته ، من مغبة التقليد الأعمى لليهود والنصارى في طبائعهم وأخلاقهم ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال : فمن ؟ ) ولقد شاهدت بنفسي صورا واقعية مما ألفهُ القوم في أوروبا وأمريكا ، يخجل القلم عن تسطيره ، يأتون في ناديهم المنكر دون حياء أو خجل ، تحت شعار : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ، والأعجب من ذلك !! تحذير إخواننا المرافقين ، أن تبدو علينا ملامح الدهشة والغرابة والإنكار ، فنستعديهم في مستنقعات أنسهم !! أيليق أن يُرى مثل هذا على التراب الإسلامي تحت أي مسمى دون نكير ، ولقد وصم القرآن العزيز اليهود والنصارى بعار السكوت على المنكر على ألسنة أنبيائهم في قوله سبحانه (كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) [ من سورة المائدة الآية : 79 ] . والساكت عن الحق شيطان أخرس وشريك للمجرم والظالم في فجره وإثمه ، وقد ورد في الأثر ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب) وقد أخرج الإمام البخاري في كتاب الفتن من الجامع الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم مهموما على أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ وهو يقول : لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، ثم قالت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال : نعم إذا كثر الخبث وهو شيوع الفساد والفاحشة دون تقويم أو إنكار.(5/121)
(3) أشرف نسب يبيض الوجوه في الدارين ، هو تقوى الله عز وجل والاعتصام بحبله وأي نسب لا يتوج بها ، فإلى الجحيم ، فقد رفع الإسلام سلمان فارس ، وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب ، ومن الثوابت الأصيلة التي لا ينهض الإسلام بدونها ، النصيحة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه [ الدين النصيحة ] (9) وترك النصيحة ترك للدين ، وإهمالها إهمال له ، وتلك من أخلاق اليهود وما جبلوا عليه ، ونبرئ ساحة أهل البيت مما دسه الكاذبون الأدعياء ، الذين يتعبدون بالكذب على الله تعالى ، وأخزاهم الله في الدارين.
باب النوادر (10)
قال الصدوق عن المفضل بن عمر قال : سألت جعفر الصادق بن محمد الباقر ـ رضي الله عنهما ـ عن الطفل يضحك من غير عجب ، ويبكي من غير ألم فقال : يا مفضل ما من طفل إلا وهو يرى الإمام ويناجيه ، فبكاؤه لغيبة الإمام عنه ، وضحكه إذا أقبل عليه.
وأقول :
من المفاهيم الشائعة بيننا أن الأطفال أحباب الله مرفوع عنهم قلم التكليف حتى أطفال الكفار إذا ماتوا دون الحلم لا يعذبون ، بل ولدان مخلدون في الجنة ، إن شاء الله تعالى ، وهذا الحديث يوقظ بعض المفاهيم الخاصة عند الشيعة ذكرها الصدوق هنا منها :(5/122)
(1) حل قتل أطفال المسلمين عند الشيعة ، وتلك الكارثة من الخبايا والأسرار الخاصة لدى الشيعة، لا يصح أن يطلع عليها عندهم إلا كل مؤمن مستبصر شيعي ، أما سائر أفراد الأمة الملعونة ، قتلة الحسين لا سيما المغفلين ، وغير المدركين لحقائق الأمور ، ممن سوى الشيعة فقد توعد الشيخ الصدوق رئيس المحدثين الشيعة، في آخر سطرين من هذا الكتاب ، من يكشف شيئا من خباياهم ، تجاه ألعن أعدائهم من محبي أبي بكر وعمر وعثمان ، الذين يدخلون بذلك في زمرة قتلة الحسين، ولا يعدمون بطريقتهم الخاصة في لي أعناق آي الذكر الحكيم، أن يستخرجوا دليلاً قرآنيا ، يشبع نهمهم في إراقة دماء أطفال أهل السنة ، حسب ما صاغهم عليه شياطين الحاخام اليهودي عبد الله بن سبأ مؤسس عقائد الشيعة ، وذلك بمثل قوله تعالى: على لسان نوح في شأن قومه ( رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا {26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا {27}) [ سورة نوح الآيتان : 26 ، 28] . ونسي الكذابون من ذوي الحماقة والجرأة على الله تعالى وقرآنه الحكيم ، أن نوحا عليه السلام، وهو أول أولي العزم من الرسل بعثا ، صبر على أذاهم ألف سنة إلا خمسين عاما حتى مقتهم الله، وأغلق باب الرجاء والأمل فيهم جميعا، بقوله لرسوله نوح (وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) [ سورة المؤمنون الآية : 27] . وقوله سبحانه ( أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ) [ سورة هود من الآية : 36 ] والله سبحانه له الخلق والأمر ، لا يُسأل عما يفعل ، حينئذ طلب نوح تطهير أرض الله باستئصال شأفتهم.(5/123)
(2) وبمقتضى ما سبق ، يمكن القول بأن الحديث أعلاه ، خاص بأطفال الشيعة، فهم دون سواهم ، إن صح التعبير بلغة العصر ، مبرمجون على الضحك، لرؤية الإمام والبكاء لغيبته، إذ لو كان هذا الحال عاما يشمل أطفال أهل السنة والجماعة، لطالبنا الشيعةَ بحقن دمائهم ، وإلغاء الأحاديث التي تزكي حل قتلهم ، لدى كبار أعلامهم مثل الكليني والصدوق إلخ ، ولا رجاء في زحزحة هذا الفكر أو تغييره أو تعديله إلا بقدرة رب القوى والقدر وحده ، دون سواه ، لأن عقولهم يبست على هذه المشارب ، وتحجرت على منوالها.
(3) وإتماما للفائدة ، لنا أن نتساءل في دهشة ، إذا كانت رؤية الإمام أو عدمها خاصة بمن حقنت دماؤهم من أطفال الشيعة ، دون الأمة الإسلامية قاطبة، مع أن الظاهر والمشاهد توحد الظواهر الطبيعية مثل الضحك والبكاء لدى الأطفال عامة، فما الذي يضحك أطفالنا معشر أهل السنة والجماعة أو يبكيهم ، هل رؤية إبليس وحرمه أم ماذا ؟ حقا: إن شر البلية ما يضحك.
الشهوة مع الإحرام (11)
بسندهم عن أبي عبد الله جعفر الصادق قال : قلت له : مُحْرِمٌ نظر إلى ساق امرأة فأمنى قال : إن كان موسرا فعليه بدنة وإن كان بين ذلك فعليه بقرة، وإن كان فقيرا فعليه شاة ، أما إني لم أجعل عليه من أجل الماء ، ولكن من أجل أنه نظر إلى ما لا يحل له.
وأقول:(5/124)
غيرة محمودة على الشرف والأعراض والحرمات ، وعقوبة زاجرة من أجل أنه نظر إلى ما لا يحل له ، هذا في النظر فقط ، فما بالنا باستحلال أحد أنكحة الجاهلية ، تحت مسمى شرعي عندهم ، وهو نكاح المتعة ولا يحتاج إلى شهود قط ، ولا ولي ، بل يكتفي بالشريكين في الجريمة والأجر الذي تقبضه ، وثمرة الفاحشة المضيعة بلا أب في أحشائها، وأقل مدة لعقد الخزي والمهانة ، والكذب على الله ورسوله ، وطأة واحدة، وعليه أن يحول وجهه فور السحب ، دون إعادة النظر إلى الفرج ، لأنها تحرم عليه بالسحب ، والعقد شريعة المتعاقدين ، ولا يترتب على هذا التيس ، أي مسئوليات مادية ، إلا خزي الدارين إن شاء الله.
تكريم الحيوان دون الإنسان عندهم(12)
بسندهم عن أبي عبد الله جعفر الصادق قال أصاب بعير لنا علة ونحن في ماء لبني سليم فقال الغلام يا مولاي أنحره ؟ قال : لا تريث فلما سرنا أربعة أميال قال : يا غلام ، انزل فانحره ، ولأن تأكله السباع أحب إلي من أن تأكله الأعراب ، وأقول : منطق يجافي سماحة الإسلام وروح السنة النبوية الشريفة وصريح القرآن العزيز ، فقد تعلمنا من دروس النقاء والصفاء للفطرة الإسلامية ، الحكم بطهارة جسد أبي جهل بن هشام ، فرعون هذه الأمة الأول، حيا وميتا، لأن الله سبحانه وتعالى يقول (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {70}) [ سورة الإسراء الآية : 70] .(5/125)
وتعلمنا من دروس السنة الشريفة ، أنه ما من عبد يزرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة ، إلا كان له به صدقة، وهي من أبواب الصدقات الجارية بعد موته ، وأكرم الآكلين على الله، الإنسان ولو كان كافرا ، فلا ينقض الكفر طهارته حيا وميتا كما سلف، وحسابه على خالقه ورازقه سبحانه وتعالى، ولا أرى في الأحقاد المتوارثة، إلا بقايا الخلايا السرطانية، التي زرعها في النفوس المهيأة لذلك، الحاخام اليهودي عبد الله بن سبأ مؤسس فكر الوصي وولي العهد ، ومشوه وجه الطليعة الرائدة لأشرف الأمم.
حل دماء المسلمين وأموالهم (13)
بسندهم عن داود بن فرقد قال : قلت لجعفر الصادق ـ رضي الله عنه ـ ما تقول في قتل الناصب قال : حلال الدم لكني أتقي عليك ، فإن قدرت على أن تقلب عليه حائطا، أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل ، قلت : فما ترى في ماله ؟ قال تَوَّه ما قدرت عليه.
وأقول:(5/126)
من خبايا أسرارهم اليهودية، استباحة الدم والمال والعرض للمسلمين ، وقد صنع لهم بديلا لحائط المبكى اليهودي ، المجاور للمسجد الأقصى ، هو ذكرى استشهاد الحسين، حيث يلطخون وجوههم بالسواد في عاشوراء، ويضربون أجسادهم بالسلاسل، مولولين بصيحات الحدَاد والعويل ، أطفالا ورجالا ونساء ، وقد قامت المؤسسة الإعلامية البريطانية ( بي بي سي) بتصوير فيلم مدته ثلاث ساعات تحت عنوان ( عاد سهم الإسلام للانطلاق من جديد) واستثمروا مثل هذه الصور، والأحداث المخزية، لتشويه وجه الإسلام العزيز، في عيون أهل الغرب عامة، والقرآن العزيز يذكرنا بدعاء الصالحين ( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) [ سورة الممتحنة الآية : 5] أي وجها مشينا قبيحا ، لأشرف منهج وأكرم رسالة على الله تعالى، ومن صور الثأر لدم الحسين، قتل المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم ، إلى يوم القيامة، حتى يتولى الوهم المنتظر قتل الأئمة الخلفاء ، وأعلام الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من سائر أهل السنة والجماعة، يقتل كل يوم مائة ممن يحييهم الله تعالى له ، للمجزرة البشرية اليومية على يديه، فهل يرجى للأمة أمان ، مع هذا الفكر السرطاني المدمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الناصب كل مبغض للشيعة (14)
بسندهم عن عبد الله بن سنان ، عن جعفر الصادق ـ رضي الله عنه ـ قال : ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ، لأنك لا تجد رجلا يقول : أنا أبغض محمداً أو آل محمد ، ولكن الناصب من نصب لكم، وهو يعلم أنكم تتولوننا ، وأنكم من شيعتنا ، وفيه بسندهم عن علي بن أبي طالب قال: إن لله في وقت كل صلاة يصليها هذا الخلق لعنة، قيل له ولم ذلك؟ قال: لجحودهم حقنا وتكذيبهم إيانا.
وأقول :(5/127)
أقرَّ الخبثاء أبعدهم الله تعالى، أن أهل السنة المعروفون عندهم بالنصَّاب ، يعتبرون محبة آل البيت وتوقيرهم من الإيمان ، وبغضهم من النفاق البعيد عن ساحة الإيمان ، ويعتبرون الشيعة وآل البيت على طرفي نقيض، لأنه من أحب في الله، وأبغض في الله ، وأعطى لله ، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان، والشيعة مرضى بداء الشرك الصريح الأكبر، إذ ينسبون الكثير من صفات الرب سبحانه ، لابن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وأولاده تأليها له ، إما بطريق مباشر صريح أو غير مباشر مستتر فإذا قرأت من صفات الحق سبحانه أنه لا ينسى ، خلافا لخلقه جميعا ، ومن آدمهم إلى محمد صلوات الله عليه، قال تعالى : ( لا يضل ربي ولا ينسى ) [ سورة طه الآية : 52] ، ( وما كان ربك نسيا) [ سورة مريم الآية : 64] قالت الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية ( علي لا ينسى ولا يسهو وكذا بنوه حتى الوهم المنتظر وإذا قال المؤمنون الله أكبر، تسمي الشيعة أولادها( علي أكبر ) وتلاحقهم دائما وصمة قول الحق سبحانه : ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {45} قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)[ سورة الزمر الآيتان : 45، 46 ] وتؤذي مشاعرهم جدا صيحات الآذان في كل وقت للصلاة ، كشأن سائر الخصوم والأعداء للإسلام ، فيردون عليها باللعنات للمؤمنين ، حتى انتظموا مع من وصفهم الحق بقوله عز شأنه ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ {58} ) [ سورة المائدة الآية : 58] .
البصمات اليهودية
لشعب الله المختار في وجهه الشيعي (15)(5/128)
قال الصدوق : عن أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن محمد السياري قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن مهران الكوفي قال : حدثني حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق الليثي قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يا ابن رسول الله أخبرني عن المؤمن المستبصر إذا بلغ في المعرفة وكمل هل يزني ؟ قال : اللهم لا ، قلت : فيلوط ؟ قال : اللهم لا ، قلت : فيسرق ؟ قال : لا ، قلت : فيشرب الخمر؟ قال : لا ، قلت : فيأتي بكبيرة من هذه الكبائر أو فاحشة من هذه الفواحش ؟ قال : لا ، قلت : فيذنب ذنباً ؟ قال : نعم هو مؤمن مذنب ملم ، قلت : ما معنى ملم قال : الملم بالذنب لا يلزمه ولا يصير عليه قال : فقلت سبحان الله ما أعجب هذا لا يزني ولا يلوط ولا يسرق ولا يشرب الخمر ولا يأتي بكبيرة من الكبائر ولا فاحشة ، فقال: لا عجب من أمر الله ، إن الله تعالى يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فمم عجبت يا إبراهيم ؟ سل ولا تستنكف ولا تستحي فإن هذا العلم لا يتعلمه مستكبر ولا مستحي ، قلت : يا ابن رسول الله إني أجد من شيعتكم من يشرب الخمر ويقطع الطريق ويخيف السبل ويزني ويلوط ويأكل الربا ويرتكب الفواحش ، ويتهاون بالصلاة والصيام والزكاة ، ويقطع الرحم، ويأتي الكبائر، فكيف هذا ولم ذلك؟ فقال: يا إبراهيم هل يختلج في صدرك شيء غير هذا ، قلت: نعم يا ابن رسول الله أخرى أعظم من ذلك ، فقال: وما هو يا أبا إسحاق ؟ قال : فقلت يا ابن رسول الله وأجد من أعدائكم ومناصبيكم من يكثر من الصلاة ومن الصيام ، يخرج الزكاة ، ويتابع بين الحج والعمرة ويحرص على الجهاد، ويأثر على البر وعلى صلة الأرحام ويقضي حقوق إخوانه ويواسيهم من ماله، ويتجنب شرب الخمر والزنا واللواط، وسائر الفواحش فمم ذاك؟ ولم ذاك؟ فسره لي يا ابن رسول الله وبرهنه وبينه ، فقد والله كثر فكري وأسهر ليلي، وضاق ذرعي ، قال: فتبسم الباقر(5/129)
صلوات الله عليه ، ثم قال: يا إبراهيم خذ إليك بياناً شافياً فيما سألت ، وعلماً مكنوناً من خزائن علم الله وسره، أخبرني يا إبراهيم كيف تجد اعتقادهما قلت: يا ابن رسول الله أجد محبيكم وشيعتكم على ما هم فيه مما وصفته من أفعالهم لو أعطي أحدهم ما بين المشرق والمغرب ذهباً وفضة أن يزول عن ولايتكم ومحبتكم إلى موالاة غيركم وإلى محبتهم ما زال ، ولو ضرب خياشيمه بالسيوف فيكم، ولو قتل فيكم ما ارتدع ولا رجع عن حبتكم وولايتكم ، وأرى الناصب على ما هو عليه مما وصفته من أفعالهم لو أعطي أحدهم ما بين المشرق والمغرب ذهباً وفضة أن يزول عن محبة الطواغيت وموالاتهم إلى موالاتكم ما فعل ولا زال ولو ضربت خياشيمه بالسيوف فيهم ولو قتل فيهم ما ارتدع ولا رجع وإذا سمع أحدهم منقبة لكم ، وفضلاً اشمأز من ذلك وتغير لونه ورئي كراهية ذلك في وجهه بغضاً لكم ومحبة لهم ، قال : فتبسم الباقر عليه السلام، ثم قال: يا إبراهيم هاهنا [ هلكت العاملة والناصبة تصلى ناراً حامية تسقى من عين آنية] ومن أجل ذلك قال تعالى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنثُورًا) [ سورة الفرقان الآية : 23] ويحك يا إبراهيم ، أتدري ما السبب والقصة في ذلك، وما الذي قد خفي على الناس منه ، قلت : يا ابن رسول الله فبينه لي واشرحه وبرهنه ، قال: يا إبراهيم إن الله تبارك وتعالى لم يزل عالماً قديماً ، خلق الأشياء لا من شيء ، ومن زعم أن الله تعالى خلق الأشياء من شيء فقد كفر، لأنه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الأشياء قديما معه في أزليته وهويته ، كان ذلك الشيء أزلياً ، بل خلق الله تعالى الأشياء كلها لا من شيء ، فكان مما خلق الله تعالى أرضاً طيبة، ثم فجر منها ماء عذباً زلالا، فعرض عليها ولايتنا أهل البيت، فقبلتها فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام طبقها وعمها، ثم أنضب ذلك الماء عنها، فأخذ من صفوة ذلك الطين طيناً فجعله طين الأئمة(5/130)
عليهم السلام ، ثم أخذ ثفل ذلك الطين، فخلق منه شيعتنا ، ولو ترك طينتكم ، يا إبراهيم على حالة كما ترك طينتنا لكنتم ونحن شيئاً واحداً، قلت : يا ابن رسول الله فما فعل بطينتنا ؟ قال أخبرك يا إبراهيم خلق الله تعالى بعد ذلك أرضاً سبخة خبيثة منتنة ، ثم فجر منها ماء أُجاجاً آسنا مالحاً فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فلم تقبلها فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام حتى طبقها وعمها ، ثم نضب ذلك الماء عنها، ثم أخذ من ذلك الطين فخلق منه الطغاة وأئمتهم ، ثم مزجه بثفل طينتكم، ولو ترك طينتهم عَلَى حالها ولم يمزج بطينتكم لم يشهدوا الشهادتين ، ولا صلوا ، ولا صاموا ، ولا زكوا ، ولا حجوا ، ولا أدوا الأمانة ، ولا أشبهوكم في الصور، وليس شيء أكبر على المؤمن من أن يرى صورة عدوه مثل صورته ، قلت: يا ابن رسول الله فما صنع بالطينتين ، قال : مزج بينهما بالماء الأول والماء الثاني، ثم عركها عرك الأديم ، ثم أخذ من ذلك قبضة، فقال: هذه إلى الجنة ولا أبالي، وأخذ قبضة أخرى، وقال: هذه إلى النار ولا أبالي ، ثم خلط بينهما فوقع من سنخ المؤمن وطينته على سنخ الكافر وطينته ، ووقع من سنخ الكافر وطينته على سنخ المؤمن وطينته ، فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط، أوترك صلاة أو صوم أو حج أو جهاد أو خيانة أو كبيرة من هذه الكبائر فهو من طينة الناصب وعنصره الذي قد مزج فيه ، لأن من سنخ الناصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والفواحش والكبائر، وما رأيت من الناصب من مواظبته على الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وأبواب البر، فهو من طينة المؤمن وسنخه الذي قد مزج فيه ، لأن من سنخ المؤمن وعنصره وطينته ، اكتساب الحسنات واستعمال الخير واجتناب المآثم ، فإذا عرضت هذه الأعمال كلها على الله تعالى قال : أنا عدل لا أجور ، ومنصف لا أظلم ، وحكم لا أحيف ولا أميل ولا أشطط ، ألحقوا الأعمال السيئة التي اجترحها المؤمن بسنخ الناصب وطينته ، وألحقوا(5/131)
الأعمال الحسنة التي اكتسبها الناصب بسنخ المؤمن وطينته، ردوها كلها إلى أصلها، فإني أنا الله لا إله إلا أنا عالم السر وأخفى ، وأنا المطلع على قلوب عبادي لا أحيف ولا أظلم ، ولا ألزم أحداً إلا ما عرفته منه قبل أن أخلقه ، ثم قال الباقر عليه السلام، اقرأ يا إبراهيم هذه الآية قلت : يا ابن رسول الله أية آية ، قال : قوله تعالى ( قال معاذ الله أن نأخذ (16) إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون ) وهو الظاهر ما يتفهمونه هو والله في الباطن هذا بعينه ، يا إبراهيم إن للقرآن ظاهراً وباطناً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وناسخاً ومنسوخاً ، ثم قال : أخبرني يا إبراهيم عن الشمس إذا طلعت وبدا شعاعها في البلدان ، أهو باين من القرص؟ قلت : في حال طلوعه باين، قال: أليس إذا غابت الشمس اتصل ذلك الشعاع بالقرص حتى يعود إليه ؟ قلت: نعم، قال : كذلك يعود كل شيء إلى سنخه وجوهره وأصله ، فإذا كان يوم القيامة نزع الله تعالى سنخ الناصب وطينته مع أثقاله وأوزاره من المؤمن فيلحقها كلها بالناصب، وينزع سنخ المؤمن وطينته مع حسناته وأبواب بره واجتهاده من الناصب فيلحقها كلها بالمؤمن ، أفترى هاهنا ظلماً أو عدواناً ؟ قلت : لا يا ابن رسول الله ، قال : هذا والله القضاء الفاضل ، والحكم القاطع ، والعدل البين، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، هذا يا إبراهيم الحق من ربك فلا تكن من الممترين ، هذا من حكم الملكوت ، قلت : يا ابن رسول الله وما حكم الملكوت ؟ قال : حكم الله حكم أنبيائه ، وقصة الخضر وموسى عليهما السلام حين استصحبه ، فقال : ( قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا {67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا {68} ) [ سورة الكهف الآيتان : 67 ، 68 ] افهم يا إبراهيم واعقل ، أنكر موسى على الخضر واستفظع أفعاله، حتى قال له الخضر يا موسى ما فعلته عن أمري ، إنما فعلته عن أمر الله تعالى ، من هذا ويحك يا إبراهيم ،(5/132)
قرآن يتلى وأخبار تؤثر عن الله تعالى، من رد منها حرفا فقد كفر ، وأشرك ورد على الله تعالى.
قال الليثي : فكأني لم أعقل الآيات ، وأنا أقرؤها أربعين سنة، إلا ذلك اليوم فقلت يا ابن رسول الله ما أعجب هذا ! تؤخذ حسنات أعدائكم فترد على شيعتكم وتؤخذ سيئات محبيكم فترد على مغبضيكم ؟ ! قال : أي والله الذي لا إله إلا هو ، فالق الحب والنوى ، وبارئ النسمة ، وفاطر الأرض والسماء ، ما أخبرتك إلا بالحق ، وما أنبأتك إلا الصدق ، وما ظلمهم الله، وما الله بظلام للعبيد ، وإن ما أخبرتك لموجود في القرآن كله ، قلت : هذا بعينه يوجد في القرآن ، قال: نعم يوجد في أكثر من ثلاثين موضعاً في القرآن ، أتحب أن أقرأ ذلك عليك؟ قلت بلى يا ابن رسول الله ، فقال: قال الله تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {12} وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ) [ سورة العنكبوت الآيتان : 12 ، 13 ] الآية ، أزيدك يا إبراهيم؟ قلت : بلي يا ابن رسول الله قال : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ {25}) [ سورة النحل الآية : 25] أتحب أن أزيدك ؟ قلت : بلى يا ابن رسول الله ، قال ( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {70}) [ سورة الفرقان الآية: 70] يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات، ويبدل الله حسنات أعدائنا سيئات ، وجلال الله إن هذا لمن عدله وإنصافه لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ، وهو السميع العليم، ألم أبين لك أمر المزاج والطينتين من القرآن ؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله ، قال: اقرأ يا إبراهيم : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ(5/133)
كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ) [ سورة النجم الآية : 32] . يعني من الأرض الطيبة والأرض المنتنة : ( فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) [ سورة النجم الآية : 32 ] يقول لا يفتخر أحدكم بكثرة صلاته وصيامه وزكاته ونسكه ، لأن الله تعالى أعلم بمن اتقى منكم فإن ذلك من قبل اللمم ـ وهو المزاج ـ أزيدك يا إبراهيم؟ ، قلت : بلى يا ابن رسول الله قال : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ {29} فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ ) [ سورة الأعراف الآيتان : 29 ، 30 ] يعني أئمة الجور دون أئمة الحق: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) [ سورة الأعراف الآية : 30] خذها إليك يا أبا إسحاق فوالله إنه لمن غرر أحاديثا وباطن سرايرنا ومكنون خزائننا، وانصرف ولا تطلع على سرنا أحداً إلا مؤمناً مستبصراً فإنك إن أذعت سرنا بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك .
تم الكتاب
التقية وتضليل المنكرين لضلالاتهم
يردون على من ينكر عقائدهم الشاذة ، ومعاداتهم للعلم والدين والعقل الرشيد، بأن المُحْدَثِين تحرروا من كثير من الأفكار القديمة التي لا تساير عقول المعاصرين وينكرها كل عاقل رشيد ، وأنها من خصوصيات غلاتهم دون سائر الطائفة ، وهذا لون من ألوان تضليل المغفلين، ومن يجهلون أحوالهم وخبايا عقائدهم السرية وثوابتهم ، بما يعرف في عقائدهم بالتقية، وهي الكذب والتعمية ، ولا يزداد إلا تشددا في الباطل عن أسلافهم ، والدليل الذي يدحض ادعاءاتهم التقرير المرفق عن كتاب حديث معاصر لأحد أعلامهم هو كتاب الجمعة للشيخ مرتضى الحائري المتوفى سنة 1406هـ وهو من الكتب التي يحاولون إدخالها لمصر ضمن خطتهم في الغزو الفكري لديار الإسلام الحق.(5/134)
تقرير علمي عن كتاب صلاة الجمعة
تأليف مرتضى الحائري المتوفى سنة 1406 هـ.
الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي قم إيران.
عدد الصفحات 333 من القطع الكبير
ملاحظة ومخالفة (ص 6) :
1 ـ تأذن الحق تبارك وتعالى ألا تجتمع أمة حبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم على ضلالة أبدًا قال تعالى: ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [ سورة النساء الآية: 115] .
ومن مآثر الفاروق رضوان الله عليه جمع الأمة على التاريخ الهجري بالأهلة ، وكشأن الشيعة دائماً رفضوا اتباع سبيل المؤمنين، وما أجمعت عليه الأمة ، وأنشؤوا ما أطلقوا عليه الهجري الشمسي المختلف وفق أعياد النيروز المجوسية ترى ذلك في كلمة التعازي للخوميني إلى الوهم المنتظر عندهم ص 6 .
2 ـ عدم وجوب الجمعة حتى يخرج المهدي من السرداب ( ص 72 ) [ إجماع الطائفة على أن الوجوب الحتمي في حال الغيبة ( أي غيبة الوهم المنتظر عندهم ) منتف بالنسبة للجمعة لأنها من شأن الإمام المعصوم المنصوب من قبله ، مستدلين في ذلك بقول أئمتهم [ لنا الخمس ولنا الأنفال ولنا الجمعة ولنا صفو المال ] ص 89 .
وأقول :(5/135)
هذه الخصوصيات تجاوزوا فيها حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفوقوا عليه ، لأنه كان يقسم وفق ما أمره مولاه وما نزل به جبريل في آيات الغنيمة من سورة الأنفال : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {41}) [ سورة الأنفال الآية : 41] . والفيء في سورة الحشر وبني النضير : ( مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {7} ) [ سورة الحشر الآية : 7] . كان صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنة وما بقي من حقه الشرعي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل أي يدعم به الجيش والمجاهدين في سبيل الله.(5/136)
3ـ ورد في (ص 88) روى الصدوق قال عن أبي ، عن أبي عبد الله قال : [ إني لأحب للمؤمن ( للرجل ) ألا يخرج من الدنيا حتى يتمتع ولو مرة وأن يصلي الجمعة في جماعة أي مع المعصوم ] نكاح المتعة من أنكحة الجاهلية نزل جبريل بتحريمه ولحوم الحمر الأهلية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على رأس الجيش في خيبر ورفض الشيعة الروافض هذا التشريع برمته، وتمسكوا بحل المتعة، ولحوم الحمر الأهلية إلى يوم القيامة والإمامية الجعفرية الاثنا عشرية هم الفرقة الوحيدة ( من الشيعة الذين تَرْبُو فرقهم على المائة ) القائلون وحدهم بحل نكاح المتعة والحمير، وأقل مدة له وطأة واحدة ، وأركانه ثلاثة : زان وزانية والجعل ، ولا يحتاج أي نكاح لدى الشيعة إلى شهود إلخ ، وفيه أبشع جرأة على الله تعالى، وعلى رسوله ، وعلى الشريعة الإسلامية المبرأة من هذا التشويه المخزي ، أخزاهم الله تعالى.
ورد في ص 242 في شأن الخطبتين [ والأقرب عدم اشتراط الطهارة كما أفتى به في الشرائع أيضاً ونقله في الجواهر عن النافع .. ] ثم قال : [ لم أقف على قائل بوجوبها على المأموم ] " الجواهر ج 11 ص 237" وهذا مخالف تماما للعقل والنقل وإجماع الأمة .
4 ـ قال في ص 95 [ الإسلام والتشيع حق بلا شبهة ولا ريب وسبب الانحراف عن علي وولده عليهم السلام واضح جدا . !!!] .
فإن سببه هو العدَّة ( العصابة ) التي كانوا بصدد قتل النبي صلى الله عليه وسلم في القصة ، وهم كانوا مصممين على رئاسة المملكة الإسلامية ، واجترؤوا عليها، بملاحظة الأحقاد الكامنة في نفوس جمع ، وبغضهم لعلي عليه السلام من جهة كثرة نصرته للإسلام وقتله لأقربائهم ، فالمقدس المنزه منهم من كان ساكتا عن هذا الأمر ... إلخ ] .(5/137)
أي فالمنزه والمقدس من الصحابة شيطان أخرس وشريك لأهل الإثم ، بمقتضى الحكم النبوي الجلي في شأن الإغضاء عن تغيير المنكر بوسائله الشرعية ونصرة الحق ، وتلك جريمة في الإسلام ، ألحق الله عارها باليهود إلى يوم القيامة [ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ] .
حكمهم بكفر أهل السنة والجماعة وعدم قبول عبادتهم
جاء في ص 322 [ أنه لا يقبل الله تعالى شيئا ، ما لم يؤمن به وبرسوله وأوصيائه ( ثم أورد على الأول ) بإمكان حصول قصد التقرب من بعض الكفار المعتقدين بالله تعالى خصوصا من منتحلي الإسلام الذين أنكروا بعض ضروريات كالخوارج والنواصب] ومعنى النواصب ( كل من يحب أبا بكر وعمر وعثمان ورضي بهم خلفاء قبل علي ) . ( وهم مستباحو الدم والمال والعرض وقتل أطفالهم بالأدلة الشرعية الثابتة عند الشيعة) .
وأقول :
هل بهذه المعتقدات العفنة التي يحملون لواءها إلى القرن الجديد يمكن مواجهة تداعي أمم الكفر على بيضة الإسلام من الصليبيين واليهود ، أليس ذلك الفكر المنحرف إلى الحضيض ، من أخطر وسائل تشويه صورة الإسلام في وجوه أعدائه ، مما يذكرنا بدعاء المؤمنين في القرآن العزيز ، ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {5} ) [ سورة الممتحنة الآية : 5] أي صورة منفرة كريهة لأشرف دين وأقوم منهج ، والكتاب بهذا ينقل آفات خبيثة تضلل الشباب ، ويلزم منعه من التداول حماية للأمة وشبابها من فكره المدمر الخبيث.
راجعه
أ . د / محمد عبد المنعم البري
عميد مركز الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر
رئيس جبهة علماء الأزهر الشريف سابقاًً
ــــــــــ
هوامش الفصل الخامس
(1) المرجع السابق : ص 554.
(2) المرجع السابق : ص 554
(3) المرجع السابق : ص 557
(4) المرجع السابق : ص 571
(5) المرجع السابق : ص 573
(6) المرجع السابق : ص 573(5/138)
(7) المرجع السابق : ص 581
(8) رواه البخاري.
(9) رواه البخاري عن أبي رقية تميم بن أوس الداري ـ رضي الله عنه ـ أول من نور مسجدا في الإسلام .
(10) المرجع السابق ص : 584.
(11) المرجع السابق ص : 590
(12) المرجع السابق ص : 599
(13) المرجع السابق ص : 610
(14) المرجع السابق ص : 602
(15) آخر موضوعات كتاب علل الشرائع للصدوق ـ نقلا بالنص الحرفي دون تصرف أو تعليق كنموذج متكامل لألوان التفكير في الثوابت والعقائد عند الشيعة، وتميز أعراقهم على سائر البشر من صفحة 606 حتى ختمت بوصية الصدوق بإخفاء أسرارهم عن خصومهم المسلمين، وبها انتهى الكتاب في صفحة 610.
(16) صحة الآية [ نأخذ] وموقعها الحقيقي في الكيد ليوسف من إخوته بوضع المكيال ( صواع الملك ) في رحل أخيه بنامين لاحتجازه معه.
حوار هادئ مع أديب شيعي بأمريكا
تمهيد
ساقتني الأقدار للتشرف برحلة عمل في خدمة الدعوى الإسلامية خلال شعبان ورمضان وشوال سنة 1405 هـ " 1985 م " بَدْءًا بأوروبا وانتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية.
خرجت بانطباعات خاصة في القلب ، وبصمات ثابتة لا ينمحي أثرها من أعماق النفس منها السلبي ، ومنها الإيجابي ، فمن الإيجابي : ما يسود المسلمين في الغربة من روح التآزر والتقارب والالتفاف ، من خلال المراكز الإسلامية النشطة ، حول الدين وآداب الإسلام ، والقرآن العزيز ، ولغته الخالدة والاهتمام بإيجاد المدارس الخاصة بهذا المناخ ، لحماية النشء المسلم من التيارات الجارفة، واقتناص الفرص ، بين آونة وأخرى ، لتنشيط هذه الروح بين المسلمين والمسلمات ، والنشء الطاهر في صورة مشرفة من الإخاء الإسلامي ، الذي يشعر ذوي الغيرة، بأنها فرصة للإسلام أن يجدد شبابه في الغربة، بعيدا عن التضييق والقيود والأغلال في عقر داره ، وعلى أرضه مما يذكرنا بقول أمير الشعراء رحمة الله عليه مناجيا روح رسول الله صلى الله عليه وسلم :(5/139)
شعوبك في شرق البلاد وغربها ... ... أصحاب كهف في عميق سبات
بأيمانهم نوران ذكرٌ وسنّةٌ ... ... فما بالهم في حالك الظلمات
ولا ينقصهم إلا المؤازرة ، لضيق ذات اليد بسبب ارتفاع التكاليف ، لا سيما أثمان المقار، وتجهيزاتها بما يواكب الحياة هناك.
ومن السلبيات : ما ينشر من سموم مناوئة للإسلام ، ومعوقة لنشر الدعوة الإسلامية بما يليق بعظمتها ، وذلك بالتشويه المزري لوجه الإسلام الحق بما تبذله أمثال المراكز القديانية والبهائية، والشيعة على اختلاف ألوانها ، وورثة الهالك رشاد خليفة بتُوسَان ، وذلك من خلال النشرات والكتب المجانية، التي نالني منها نصيب لا بأس به ، والأفلام والبث الإعلامي بمختلف الوسائل الحديثة ، ومن جوانب هجومهم الشرس على الإسلام ما يصدقون به ويؤازرون مفتريات أعدائه من أهل الكتاب وذلك لاستكمال حلقات الإعجاز القرآني الخالد في مثل قول الحق سبحانه : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {186} ) [ سورة آل عمران الآية : 186] ، ولو لَمْ تطعن هذه الطوائف المأجورة في الإسلام لأصبح مدلول الآية غير مكتمل وحاشا الله من ذلك ، فهم رؤوس الشرك وُحق لهم أن يخوضوا في شرف شيوخ الصحابة من قمم الصف الأول والأئمة الراشدين الخلفاء وأمهات المؤمنين ، ومن دونهم من سائر المؤمنين، والله من ورائهم محيط.
ما لا خلاف فيه بين أهل السنة والشيعة
من المسلمات التي لا خلاف فيها بين الفريقين ، ويُقر بها أصحاب الكتب والمراجع الشيعية الأربعة ، لنا معشر أهل السنة والجماعة ، أو كما يطلقون علينا ( النُّصَّاب ) .(5/140)
(1) بعظيم حبنا لحبيب رب العالمين الأول محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ولآل بيته الأطهار ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ بلا استثناء فلا يحبهم لدنيا إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا فاجر خاسر لا وفاء ولا دين له . وكذا أولياء الله الصالحين الذين آمنوا وكانوا يتقون ، فهم برضوان مولاهم في حوزة العطف والكرامة ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ولا ينكر الضياء إلا محروم أعمى ، ولا يكابر إلا محجوب.
(2) التكذيب بالمصادر الأصلية بين الفريقين :
فالشيعة مثلا يكفرون أئمتنا كالبخاري ومسلم وسائر أقطاب المحدثين والأئمة الأربعة ، وسائر أعلام أمة محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه إلى يوم القيامة بل قالوا بتحريف القرآن الكريم، ولم يتبرأ من هذه المقولة إلا أربعة من شيوخهم على سبيل التقية هم الشريف المرتضى ، وأبو جعفر الطوسي ، وأبو علي الطبرسي ، والشيخ الصدوق ، الذي نحن بصدد نقد كتابه علل الشرائع .
أما السواد الأعظم من أعلامهم ، وأئمتهم فقد أقروا بتحريف القرآن الذي بين أيدينا.
والأدلة الدامغة على ذلك ما يأتي :
1ـ ما أقر به شيخهم الحسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه المعروف " فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب " يقول في مقدمة كتابة ما نصه " هذا كتاب لطيف ، وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان ، نسميه فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب " ثم يعدد الكتب التي صنفت في هذا الموضوع في الصفحة التاسعة والعشرين من نفس كتابه المذكور فذكر منها:
1 ـ كتاب التحريف .
2 ـ كتاب التنزيل والتغيير .
3 ـ كتاب التنزيل من القرآن والتحريف.
4 ـ كتاب التحريف والتنزيل .
5 ـ التنزيل والتحريف .(5/141)
وهذه الردة الكبرى هي التي فتحت باب طعن اليهود والنصارى وأضرابهم في القرآن الكريم، وردوا أيدي المسلمين في أفواههم حين قالوا بتحريف وتعدد الكتب السابقة، ونسخ رسالاتها بخاتمة الكتب والرسالات ، فما أعظَمَ جُرْم من يكذبون الحق جل وعلا وينكرون قدرته ووعده الحق في قوله سبحانه : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9}) [ سورة الحجر الآية : 9] .
فليس أمامنا من مخرج إلا هداية الله بالقلب السليم، الخالي من المؤثرات الخارجية ، والعقل الصافي ، والتأمل الواعي الحصيف، قال تعالى ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ {46} ) [ سورة سبأ الآية : 46] ، فالفكر الناجح الخلاق يحتاج لخلوة مع الروح والضمير ، حيث يكون العبد وحده في رعاية مولاه ، أو على الأكثر اثنان ، والفكر الهادي هو السبيل إلى الفقه للحماية من الفتنة والضلال ، وقد ورد لفظ الفكر في القرآن تسع عشرة مرة، والفقه عشرون ، والفتنة ستون . والنفائس في الدنيا قليلة.
ولا بد أن نضع نصب أعْيُنَنَا قول الحق جل وعلا : ( الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ {60} فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ {61} ) [ سورة آل عمران الآيتان : 60 ، 61 ]
وهذه الآية الشريفة معروفة بآية المباهلة التي نبذ النصارى بشديد وعيدها والمكابرة والجدل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .(5/142)
هيأت الأقدار الفرصة لي دون ترتيب سابق حيث لفت نظري الشباب المسلم، مع أول أمسية رمضانية فيه في رحاب أحد المراكز الإسلامية الكبرى بأقصى غرب الولايات المتحدة إلى أنه قد يتقدم من بين المتطوعين للترجمة الفورية خلال المحاضرة أديب شيعي ذو مقدرة أدبية ، ويخشون أن يحرف الكلم عن مواضعه وفق أهوائهم وعقائدهم المخالفة تماما في كل شيء، فيسيء إلى مشاعر المسلمين الأمريكيين ، أو يشوه الصورة الناصعة في قلوبهم عن الصحب الكرام والأئمة الراشدين الخلفاء ، وسلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم أجمعين . فاخترت غيره لهذا .
وفي نهاية الأمسية ، تلاقى الإخوة فيما بينهم مهنئين معانقين ، وكذا الأخوات فيما بينهن فرحا بمقدم رمضان ، إلا هذا الشيعي رأيته وحيدا، فتقدمت نحوه مصافحا مهنئا ، ورجوته أن يجيبني على بعض الأسئلة التي توقعني في حيرة بين أهل السنة والشيعة ، بالرجوع إلى العقل الحصيف والضمير الحي ، ولا تصادم بينهما مع النص الإلهي الصادق على ألا يشهر في وجهي سلاح التَّقَّية ، وهي استحلال الكذب طلبا للنجاة من الخصوم أو تضليل من يجهلون أسرار عقائدهم ، فبر بوعده معي ووافق مشكوراً.
طرح الأسئلة الأربعة المحيرة
قلت لصاحبي : إن من ينشد الحق لوجه الحق وحده ، لا يعرف التعصب أو التحجر في الفكر ، يُذَكرني ذلك بما أُثر عن الإمام الأعظم أبي حنيفة في قوله : رأينا صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب ، ومن توجيه الأدب القرآني الرفيع في هذا المقام قول الحق سبحانه : ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {24}) [ سورة سبأ الآية : 24 ] .(5/143)
والآن أُحسُّ بتهيؤ النفوس لطرح أسئلتي الأربعة التي حيرتني بين السنة والشيعة ، لمعرفة المبطل من الُمحِق في الفريقين من خلال ذلك على سبيل المثال لا الحصر، فالمحيرات لا حصر لها ، ولا أطلب الإجابة الآن ، بل أدع الفرصة لك للرجوع إلى بعض المصادر ، ثم عرضها على مرآة عقلك وقلبك وضميرك ، والله يهديني وإياك سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
السؤال الأول حول الميراث النبوي الشريف :
يقول الحق سبحانه : ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا {46}) [ الكهف الآية : 46 ]
اختص الله سبحانه من اصطفاهم على العالمين من أنبيائه ورسله بسمات ونوادر وأمور خاصة يعيها جيدا كل من طوف في رياض السنة النبوية الشريفة ، ومما طرق مسامعنا على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ [ الأنبياء يدفنون حيث يموتون ] وكان لهذه الخصوصية الشريفة معجزة طريفة ، فقد أقر بصحة هذا الحديث لأتباعه : الغلام القدياني وهو متنبئ كذاب انفض عنه جمهور كبير من ضحاياه بعد أن فضحه الله تعالى بينهم بموته في المرحاض على الغائط وأيقنوا بأنه كذاب ببركة هذا الحديث الشريف وسوء خاتمته.
2 ـ [ إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء] .
والدليل على حفظ أجسادهم أمواتا ، قول الحق سبحانه في شأن يونس عليه السلام بعد أن التقمه الحوت ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) وفيه إشعار بالحفظ إلى يوم البعث .
3 ـ [ نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة](5/144)
فالميراث النبوي : الدين والعلم والحكمة، لا الطين والعقار والحطام الفاني ، هذا بعض ما وعته الأمة من دروس نبيها وتوجيهاته صلى الله عليه وسلم ، ما شذ عن ذلك إلا الشيعة ، إذ ادَّعوْا بأن الزهراء رضي الله عنها فور الفراغ من إيداع الجسد الشريف في قبره ، ذهبت إلى حبيب عُمْر أبيها أبي بكر الصديق ، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مطالبة بميراثها في فدك ، فانتهرها على رؤوس الأشهاد ، وَرَكَلَها عمر ، وصفعها عثمان ، وهدد بحرق بيتها ، وهي ريحانة قلب رسول الله وعرضه ، وشرف علي رضي الله عنه ، وهو فارس مقدام ، من أوائل الشجعان في تاريخ الجهاد الإسلامي ، ولا شك أن لكل فعل ردُّ فعل . فهل لا قدر الله استنوق الجمل ، فلم يُؤْثَر له موقف في هذا الشأن ، حتى في كتب الكذابين من الشيعة ، والسكوت علامة الرضا كما يقولون ، وهو ضرب من الدياثة التي يترفع عنها حثالة الناس وأوباش الرجال ، ناهيك عن رجل من أشرف الشجعان ، بما لا يدع مجالا لمتقول.
ولا شك أن حرمة الأعراض في الإسلام ، تبذل في سبيلها المهج والأرواح ، فمن مات دون عرضه فهو شهيد ، وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ، واليهودي المنافق عبد الله بن سبأ يجيد الضرب في كل الاتجاهات ، للرموز المقدسة في الإسلام قبل غيرها، بطريق غير مباشر ، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، فأبسط الدلائل تقول بإساءة اختيار الأصدقاء ، لا سيما حبيب العْمُر كأبي بكر ، ثم الفشل الذريع في تهذيبهم وتربيتهم ، وتقويم سلوكهم وفي الأمثلة: قل لي من تصاحب ، أقل لك من أنت ، ومن ربى لم يمت .(5/145)
وتلك سجيه قديمة في اليهود ، اشتهروا بها ، فقد طعنوا مريم العذراء البتول الطاهرة في شرفها بأسلوب ظاهره المدح والثناء، فهارون أخو موسى من أوائل العابدين الربانيين في بني إسرائيل وهو ما اتخذوه درعا في مقولتهم التي سجلها الحق سبحانه ( يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ) فغايتهم بالطعن في أقرب الأحبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، تسديد السهم الفاجر في سويداء فؤاده صلى الله عليه وسلم ، ولعل سر افتضاح أمرهم أولا بأول ، لمن في رأسه مسحة من عقل ونور ، ومرجعه إلى عظمة قول الله عز وجل :( والله يَعْصِمُكَ من الناس ) من الآية الشريفة (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {67}) [ سورة المائدة الآية 67] .
وأظن أن العقل المتزن يرفض التسليم بمعركة الميراث النبوي المزعومة مع فاطمة لأمور منها:
(1) غياب موقف علي وهو الشجاع الغيور الشديد في الحق.
(2) قطع الرجاء في استمرار الحياة، واليأس من طول الأمل في الدنيا لفاطمة، بعد أن بشرها أبوها حينما دخلت عليه وهو يحشرج فصرخت ـ واكرباه يا أبتاه ، فالتقطت مسامعه ذلك، فأشار إليها , وأعلمها أن لقاءه بالحبيب الأعلى لا يعد يوم كرب ثم قال لها . لا كرب على أبيك بعد اليوم، فرفعت رأسها واجمة، ثم أشار إليها مرة أخرى أن ادن مني يا بنية . فمالت برأسها إليه فبشرها بأنها أول من يلحق به من أهل بيته، فتهلل وجهها، ثم ودع الدنيا ، ولحق بالرفيق الأعلى ، فملأ الله بهذه البشارة قلبها سكينة ورضاء، وطمأنينة واستسلاما لقضاء الله وحكمه.(5/146)
وجرت العادة أن المريض مثلا ، إذا أخبره الأطباء بدنو أجله ، انقطع رجاؤه في الدنيا ، وصرف نظره تماما عن حطامها الفاني ، والصراع حول متاعها الزائل ( قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً {77}) [ سورة النساء الآية : 77] .
فهل يطمئن العقل الكامل إلى صحة وقائع معركة الميراث بين فاطمة ورؤوس أصحاب أبيها من الأئمة الخلفاء الراشدين فور توديعه صلى الله عليه وسلم إلى دار الحق . وفق ما يدعي الشيعة ، ويرفض ذلك بالكلية أهل السنة والجماعة وتلك القضية من أبرز أوجه الخلاف بين الشيعة والأمة.
السؤال الثاني حول : ( الإحداد على الحسين )
من المسلم به لدى الجميع أن أبا عبد الله الحسين سيد شباب أهل الجنة كما بشره جده صلى الله عليه وسلم وقد نال منازل الشهداء ، وهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله، وإنما أذن الشرع الشريف بالإحداد للنساء دون الرجال ، على الأموات لا على الأحياء ، وكما ورد في السنة أنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج فأربعة أشهر وعشرا، وليس منا من لطم الخدود شق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية، وقد شاهدت إبان عملي كأستاذ بإحدى جامعات الخليج في الثمانينات الميلادية برنامجا حاشدا في عاشوراء تحت شعار ( الإحداد على الحسين ) وعلى رأس الجميع قائدهم الخميني وقد جلل وجهه بالسواد ينوح ويلطم وجهه ويضربون أجسادهم بالسلاسل الحديدية ، ويصرخون الرجال قبل النساء والأطفال ، في مشهد درامي ملتهب فظيع ، والمصورون الأجانب ووكالات الأنباء العالمية تصور للعالم كله هذه المآسي ، وتبثها عير الأثير بالصوت والصورة ، على أنها الوجه الأصيل الذي جاء به محمد للدنيا ، باسم الإسلام كمنقذ للبشرية ورحمة مهداة للعالمين.(5/147)
وقد اقتنصت هذه الفرصة إحدى أكبر دور البث والإعلام في إنجلترا ( بي بي سي ) لتصوير فيلم كامل مدته ثلاث ساعات يحوي فظائع هذه الأحداث يوزع عالميا تحت اسم ( عاد سهم الإسلام للانطلاق من جديد) بعد قيام ما عرف بثورة الخميني في إيران ، لتشويه وجه الإسلام ولترويع وتنفير البشر عن رائحته ، فرفع الصوت على الميت مهما كان شأنه أو لطم الخدود من الكبائر لدى أهل السنة والجماعة. وهى عند الشيعة من مكفرات الذنوب .
فإلى أي الرأيين يجنح ذو العقل الكامل الحصيف.
السؤال الثالث : حول نكاح المتعة
من المعلوم لدى أهل السنة والجماعة عن أركان النكاح الشرعي في كتاب الله والسنة المطهرة ثبوت ( الصداق ) والإيجاب والقبول والولي والشاهدين والتأبيد، وهو البديل الإسلامي الجديد، لأنكحة الجاهلية، كالاستبضاع والمتعة التي كانت سائدة ، لم يعلم لها حرمة إلا في السنة السابعة من الهجرة ، إبان فتح خيبر ، إذ نزل جبريل بتحريمها ولحوم الحمر الأهلية على الأمة إلى يوم القيامة ، من حديث علي رضي الله عنه، ولم يأخذ به الشيعة، وبذا بقي نكاح المتعة ولحوم الحمر الأهلية حلالا زلالا إلى ما شاء الله والإمامية الجعفرية الاثنا عشرية هي الطائفة الوحيدة في الشيعة الذين قالوا بحله دون سائر الطوائف التي تربو على المائة بل جعلوه من أبرز معالم دينهم دون سائر الملل.
والنكاح الدائم والمتعة ليس من أركانه لديهم وجود شاهدين وأقل مدة لعقد المتعة عندهم ، ما يفي وطأة واحدة، دون أدنى كلفة على الفحل، فلا طلاق ولا نفقة ولا حضانة ولا عدة إن كانت ممن لا يحملن ، لأن أركان المتعة عندهم الطرفان والمدة بعد دفع الإيجار لا غير.(5/148)
وقد أثبت القرآن أن أكثر الناس لا يعقلون ، والتقط شياطين الإنس لهم شراك الصيد من قول الحكيم الخبير سبحانه : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14}) [ سورة آل عمران الآية : 14]
فأغدقوا عليهم الكثير من المحظورات في شرع الله لدى أهل السنة والجماعة ، كقضاء الليالي الحمراء والنزوات الجنسية مع أي عدد من النساء ، بلا حد أعلى لأرقام من يعقد عليهم نكاح متعة ، ولا أدنى تحمل لمسؤولية الرجال في الحضانة والتربية ، مع اعتبار ابن المتعة أشرف عندهم من ابن النكاح الشرعي الدائم, ويطلق عليه ميرزا أي سيد أو شريف.
يقول أهل السنة والجماعة بحرمة ذلك كله، وقداسة الأعراض والنشء المسلم وحرمات المسلمين .
ويرفض الشيعة الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية هذا الحظر الشرعي، ويفتحون الباب على مصراعيه ، في سوق رائجة لإيجار الفروج ، دون أدنى مسئولية أو تفريق ، بين النظرة الإسلامية للغايات والأهداف ثم الوسائل ، فإلى أي الرأيين يطمئن القلب ويستقر العقل والضمير.
ومن أدلة الشيعة الإمامية الجعفرية الاثني عشرية على حل نكاح المتعة دون سائر الملل والديانات والفِرقَ ما ذكره فتح الله الكاشاني في تفسيره ( منهج الصادقين ) ص 356 ما نصه [ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين عليه السلام، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن عليه السلام ، ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي ] وأورد دليلا آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ومن خرج من الدنيا ولم يتمتع جاء يوم القيامة وهو أجدع " .(5/149)
وهل بيوت الدعارة وعصابات تجارة الرقيق الأبيض ، وأسواق النخاسة لاستباحة الأعراض والحرمات، التي تقبض عليها أجهزة الشرطة، لحماية المجتمع من جرائم الآداب العامة، وانتشار الأمراض السرية الخبيثة ، وعلى رأسها الإيدز، الذي أطل على الإنسانية بوجهه المدمر الكئيب ، والذي يعتبر بمثابة معجزة للوعيد النبوي الشريف أنه ما شاعت الفاحشة في قوم يعمل بها علانية إلا ضربهم الله بالعلل والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ومع كل ما سبق ، فهو أمر له أداء شرعي مقدس في دين الشيعة ومن أجَلِّ القربات عندهم ، لاستيفائه أهم الشروط والأركان ، وهي الرأسان والأجرة والمدة، ولو وطأة واحدة، دون أي التزامات أخرى.
سر كون دينهم أسرارا
أورد الكليني عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام [ إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله] أصول الكافي ص 485 يناقض هذا النص صريح القرآن الكريم في الأمر بإظهار الدين ونشره في مثل قوله تعالى ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا {28} ) [ سورة الفتح الآية : 28](5/150)
وتوعد من يكتم شرع الله ودينه ، دون بيانه للناس شديد السخط وأليم العذاب في قوله جل شأنه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {160}) [ سورة البقرة الآيتان : 159 ، 160 ] ، ولهم العذر في شديد حرصهم على كتمان عقائدهم وخباياهم ، واعتبارها أسرارا تحت الأرض ، لا تكشف إلا لمن رُوِّضُوا على استساغتها وقبولها ، من ذوي العقول الممسوخة والقلوب الميتة، لأنها تتعارض مع أبسط قواعد العقل والمنطق ، والفكر الصائب الرشيد ، فهي عورات يجب سترها ، تفاديا لإنكار الشرفاء ورفض كل حر ذي عقل ناضج ورأي سديد.
السؤال الرابع
حول الحق الشرعي للرجال عندهم
في الشذوذ الجنسي مع الزوجات(5/151)
وهو من الحقوق المسلمة في دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية، وكما هي عادتهم لا تعوزهم الحيلة في لي أعناق آي الذكر الحكيم، لتأييد مدعاهم في أي كارثة أو حكم شرعي خاص ، واختلاق دليل قرآني يدعم نزواتهم ، ومن أدلتهم في هذا الشأن التي وردت في الكتب الأربعة ، قول لوط عليه السلام لقومه فيما حكاه القرآن العزيز في قوله تعالى : ( وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ {78}) [ سورة هود الآية 78 ] . ومن الثوابت في رسالة كل رسول إلى قومه ، أن يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث ، فقالت الشيعة : أشار إلى بناته، وهو يعلم أنهم إنما يريدون الأدبار، وذلك دليلهم على حل جرمهم، وتعاموا عما في الآية الشريفة من شواهد تدحض فريتهم ، وتفضح عمايتهم مثل : يعملون السيئات ، أطهر لكم ، اتقوا الله حتى آخر الآية.
أجل أشد الناس بلاءً الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى المرء على قََدْرِ دينه.(5/152)
ولم يكن حظ لوط عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم في التفسير المجوسي للقرآن ، بأقل جرما وبشاعة من إفك اليهود، المسجل في أسفارهم إلى يومنا هذا ، أن بناته تسلطوا على أبيهم رسول الله ، ومصطفاه وسقوه خمرًا حتى الثمالة ، ولما فقد وعليه تماما، مَارَسْن معه الفاحشة ، وحملن منه ، لغرض تحسين النسل في بني إسرائيل ، مع التأكيد العلمي أن الإنسان إذا فقد الوعي أو غاب عقله ، استحال أن يمارس الجنس أو أن ينتشر له قضيب ، كمن يُهَيَّأ للجراحة بالبنج، ونحن معشر أهل السنة والجماعة ، نؤمن بأن الله عز وجل عصم أنبياءه، من الصغائر والكبائر ، وحباهم بالكمالات كلها، وحماهم من كل شين، أو عيب خلْقي أو خُلقي ، أليس الله بكاف عبده فأين الثرى من الثريا؟.
تشدد الشيوخ في هذا الحق المزعوم :
يرى كبار شيوخهم في الفقه الشيعي أنَّ من حق الرجل أن يأتيها في مخرج الغائِط ، حتى قال أحد شيوخهم آية الله الشريف الطباطبائي في كتابه " العروة الوثقى في الفقه الجعفري" حول هذا الموضوع : [ بأن المرأة إذا تمنعت أن تؤتي دُبراً حل طلاقها ناشزا] .
ومعنى الحكم بالنشوز إسقاط كافة حقوقها الشرعية مثل مؤخر الصداق والنفقة إلخ.(5/153)
ولعل ذلك سرُّ ما تنشره وكالات الأنباء العالمية من أن أعلى نسبة لانتحار النساء في العالم في هذه المجتمعات الشيعية ، كما ذكرت جريدة الأهرام القاهرية وغيرها ، ورواج الكذب تحت شعار التقية سر نكبة الإنسانية بهم، والكذب من ألعن الكبائر في الإسلام لا يلتقي مع الإيمان في قلب عبد مطلقا ، وإن من أفحش الذنوب أن تحدث إنسانا بحديث هو لك مصدق ، وأنت عليه كاذب ، ولا يقبل حر شريف أن ينتصر لدينه وعقيدته بمثل هذه الأساليب الوضيعة التي تروج بين الشيعة كافتراء أحد صعاليكهم من لبنان على الإمام شيخ الإسلام الشيخ البشري شيخ الأزهر الأسبق في كتاب تحت اسم " المراجعات " حوى هراء يضحك الثكلى ، وحفيده علمٌ ملء العين والقلب، ولا نزكي على الله أحدًا المستشار طارق البشري النائب الأول لرئيس مجلس الدولة المصري، وتراث جده الإسلامي ـ رحمه الله عليه ـ خير شاهد يدحض مفتريات الشيعة الأفاكين ، ويلقي بها في مزبلة تاريخهم المشين. يقول الحق سبحانه : ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ {18}) [ سورة الأنبياء الآية : 18] .
الرأي العلمي
حول خطورة الشذوذ الجنسي على كلا الطرفين يؤكد على الآتي:
1 ـ مَخَاطرُهُ على الجاني : نظرا لأن أضعف جزء في البشرة التي تغطي الجسم هو ما يحيط بالقضيب، وذلك لرقتها الشديدة وحساسيتها لا سيما عند الانتشار ، وتفتح المسام الجلدية ، وحينئذ تصبح نقطة الضعف الأولى في جسم الإنسان أمام الغزو الميكروبي للأمراض السرية الخطيرة كالهربس ، والزهري ، والسيلان إلخ ، وزعيمهم الأكبر الإيدز ، لا سيما بدسه في مجمع النجاسة والقاذورات النتنة، والطفيليات المختلفة التي يرى بعضها بالعين المجردة.(5/154)
والمؤمن الطاهر النزيه المصون ، الذي يترفع بنفسه عن هذه الدنايا والخبائث ، لا يسمع طوال حياته عن هذه الأمراض والعلل الخبيثة ، كما نشاهد ذلك في الساحة الإسلامية الرفيعة الطاهرة.
2 ـ مخاطرهُ على المجني عليه ، من المعلوم أن مخرج الغائط فتحته من أسفل كالهرم المقلوب ، أو الركوة ( القربة ) المقلوبة وقد زودها الله عز وجل بوكاء يتكون من عضلتين كل منهما بمثابة رباط دقيق يشد حول عنق المخرج ليحكم الغلق ويحول دون تسرب الغازات أو الريح ، فضلاً عما وراء ذلك ، واقتضت حكمة الله عز وجل تصميم الفتحة للدفع إلى الخارج من أسفل وفق الرغبة والإرادة عند الحاجة ، ولذا سميت ": قضاء الحاجة" لما يخرج من موضع الفرث.
أما موضع الحرث ، فهو في الأصل الأرض الصالحة المهيأة لوضع البذور لأرزاق الأحياء.
وأُطلق في كتاب الله متوجا بالحياء القرآني ، بعبارة سامية شريفة مهذبة، تُبَلِّغُ العباد مرادَ مولاهم بحياءٍ جم وترفع بليغ، لا يُدْرِكُ جَوْهَرَهُ إلا ذوو البصائر والذوق الرفيع.
قال تعالى في آية المحيض : ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {222} ) [ سورة البقرة من الآية : 222] . وفي الآية ضمنا من حيث نهاكم.(5/155)
فلو كان هناك طريق آخر مسموح به شرعا ، لما نزل أمر مالك الملوك في قرآنه الخالد بالاعتزال ، وعدم القرب منهن خلال ذلك، بقوله سبحانه : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) [ سورة البقرة من الآية 222] ، ثم يقول سبحانه في الآية التالية مبينا وموضحا : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ {223}) [ سورة البقرة الآية : 223] .
أي بالولد الصالح الذي يؤجر به والداه أحياء وأمواتا.
فأين موقع إتيان النساء في الأدبار ، من شرع الله القويم، ودينه الحكيم، ودستوره الخالد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد.
وقد أثبت علماء الطب الحديث والجراحة، أنه بالاستعمال الشاذ المتكرر تنتهك الأغشية ، وتتمزق أصول العضلتين القابضتين، ويعجز الطب والجراحة عن إعادتها إلى وظيفتها وأدائها الطبيعي في الضبط والتحكم بأكثر ممن ستين في المائة، بحيث لا تخلو سراويل المصابين والضحايا من التلوث بفضلات الغائط الذي يتسلل قَسْراً لعدم تمام الضبط والتحكم في السوائل والرطوبات ، فضلا عن الريح.
وحينما أقرأ أو أسمع عن هذه الكوارث أتذكر أمرين :
1 ـ ترفع الحيوانات جميعها عن هذا الداء ، وانحدار الإنسان، وهو من أشرف المخلوقات عند الله إلى الدركات الوضيعة التي يُرَدُّ بها إلى أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات .
2 ـ كثيرا ما ألوذ خلال ذلك بدعاء رسول الله لوط عليه السلام أردده بين يدي مولاي وأنا ساجد ( رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ) [ سورة الشعراء الآية : 169 ].
خلاصة الأسئلة الأربعة(5/156)
قلت لصاحبي : يتناقض تماما الحكم في هذه القضايا الأربعة بيننا ، ولديكم قاعدة أصولية في الفقه الشيعي تقول: ( الرشد في خلافهم ) أي المخالفة الدائمة لأهل السنة والجماعة ، حتى في إجماع الأمة على يوم عرفة ، فهو عند الشيعة يتأخر يوما أو يسبق يوماً ، كما هو مدون في الكتب الأربعة، وغيرها بما لا مجال لإنكاره. بالنسبة لخلافنا حول الأسئلة الأربعة المطلوب فيها الرأي السديد المنصف للعقل والحكمة، والمنطق الرشيد المجرد عن العواطف العمياء، والمؤثرات الحمقاء.
1 ـ بالنسبة للسؤال حول الميراث النبوي وتعرض فاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ لأبشع الإهانات من الأئمة الراشدين الخلفاء الثلاثة في قولكم، مع اتفاقنا بأنها تلقت البشارة في اللحظات الأخيرة من وداعه صلى الله عليه وسلم بأنها أول من يلحق به من أهل بيته، دون تحديد كم بقي لها من أنفاس في الدنيا.
وهل إذا تأكد الإنسان قرب موته ، وتعجل طلبه يدخل الحطام الفاني في دائرة اهتماماته، هذا إذا جهلت أن من خصوصيات الأنبياء ما تركوه صدقة. وأين غيرةُ أبي الحسن ، ورد الفعل إزاء هذا المنكر، هل استنوق الجمل حاشا لله.
فإلى أي الرأيين يرتاح قلبك وضميرك؟
2 ـ بالنسبة للإحداد شاهدت من خلال التلفاز الإيراني في عهد الخميني، مأتم عاشوراء في ذكرى استشهاد الحسين، التي مضى عليها أربعة عشر قرنا من الزمان تقريبا، حيث الألوف المؤلفة حول الإمام الخميني يضربون صدورهم وظهورهم بالسلاسل الحديدية، وقد جللوا وجوههم بالسواد في صورة فظيعة، يعجز القلم عن تصويرها ، خلال عملي كأستاذ بإحدى جامعات الخليج، يشهدها العالم كله في لحظة واحدة، عبر الأقمار الصناعية، فهل ترى فيها حسن عرض لرسالة الإسلام ، بوجه مشرف له في عيون الأعداء ولما جاء به خاتم الأنبياء رحمة للعالمين.(5/157)
والإحداد عندنا معشر أهل السنة والجماعة للنساء دون الرجال وعلى الأموات لا الأحياء ، ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فأربعة أشهر وعشرا، وقد حرَّمَ الله الموت على الشهداء ، فهم أحياء عند ربهم يرزقون.
فإلى أي الرأيين يطيب خاطرك ، ويطمئن قلبك؟
3 ـ وأما الوطء في الأدبار فهو جرم فظيع عندنا قد تصل فيه عقوبة الرجل بعد التعزير إلى الطلاق.
أما عندكم فحلال زلال ، وأدلتكم تطفح بها كتبكم ومراجعكم ، [ وكان الإنسان أكثر شيء جدلا] .
ولم يجد الإيدز مفرخا براحا واسعا إلا في هذه المحاضن ، فإلى أي الاتجاهين تطمئن النفس ، ويسكن الفؤاد؟
وسأصبر حتى تختمر الأفكار في الذهن ، وأنتظر الإجابة غدا إن شاء الله تعالى. ولا يصح لمثلك وقد قطع شوطا كبيراً في الثقافة والمعرفة ، وبلغ شأوا في العلم والأدب لا يستهان به ، أن يكون مقلداً محاكياً ، مجاملاً للقطعان، تفاديا لحماقات الأكثرية الجاهلة التي ذبحت والد الدكتور موسى الموسوي في المسجد ( الحسينية ) ، لأن ولده ( أي الدكتور موسى ) الذي يعيش في الغرب الآن ، كان من كبار شيوخ الشيعة، وتجرأ على التصريح بإنكار ما ينكره العقل والعلم، من الجهالات المتوارثة التي تضحك الثكلى ، انتقاماً من الجد ليكف عما شرع فيه ، لا سيما والحق سبحانه وتعالى يقول: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {179} ) [ سورة الأعراف الآية : 179] ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [ سورة الطلاق من الآية : 2، 3] .
وكانت المفاجأة المثيرة(5/158)
إذْ أقبل في اليوم التالي مهموماً يلقي السلام تعلوه مسحة بؤس ومرارة ، يقول بصوت متهدج خفيض : لقد فتحت الأسئلة في نفسي منافذ شتى، وتسرعت في مناقشة من حولي من الشباب المشاركين في العقيدة فيما أهمني ، فهاجوا وماجوا، أو كما يقال حاصوا حيصة حمر الوحش، فهجرت مجلسهم ورفقتهم إلى حين ، وأنا في خشية من أمري بسبب ذلك ، وقد أرحل عن أمريكا ، قلت: نحن في بلادنا نعيش دون المستوى بكثير ، ونُصبرُ أنفسنا بمثل الحديث القائل ( الدنيا جنةُ الكافر وسجن المؤمن ) ، ولو قدر الله لجوءا إلى مصر سأقبل معك سماحة شيخ الأزهر ، لتكون رفيقنا في خدمة العلم بجامعة الأزهر ، كأستاذ للغات وآدابها ، وتكابد معنا في سبيل الله ما نعانيه من عقبات المناوئين لنور الإسلام في الداخل والخارج والمعوقين، وخفقت عنه ببعض الملاطفة والمزاح ، ثم ختمت تهنئتي بهدايته بقول الحق سبحانه : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {83}) [ سورة القصص الآية: 83] .
الخاتمة(5/159)
بعد هذه الجولة السريعة مع كتاب من أهم الكتب والمراجع لرئيس المحدثين الشيعة ، نلمح روح العناد والاستعلاء ، والحرص على المخالفة في كل فريضة أو شعيرة أو حكم شرعي بما لا يستطيعون منه فكاكاً ، والتباغض متبادل بيننا وبينهم ، ولا سبيل لحسم أدوائهم إلا أن يروا في المسلمين عزة وقوة ومنعة، وصلابة عود في الحق ، واتحاد كلمة، وأراهم من الآخرين الذين تعنيهم الآية الشريفة: ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ... ) [ الأنفال الآية: 60 ] ولا سبيل لهدايتهم إلى الحق إلا بإرادة الله العليا، ولا نجاح للجهود الشخصية إلا بأمر الله تعالى القائل : ( وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {41} ) [ سورة المائدة الآية : 41 ].
والله الموفق والمستعان ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ـــــــــــ
من أهم المراجع
1ـ القرآن الكريم
2 ـ كتب السنة الستة .
3 ـ سبل السلام للصنعاني .
4 ـ سير أعلام النبلاء للذهبي .
5 ـ فقه الزكاة للقرضاوي .
6 ـ المصباح المنير.
7 ـ كتب الشيعة
الكافي للكليني
الاستبصار للطوسي
التهذيب للطوسي
من لا يحضره الفقيه للصدوق.(5/160)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
نشرت رابطة أهل السنة في إيران - مكتب لندن – هذه الرسالة السرية للغاية الموجة من شورى الثورة الثقافية الإيرانية إلى المحافظين في الولايات الإيرانية . ومتن الرسالة على درجة من الوضوح بحيث لا أرى حاجة إلى التعليقات المفصلة، ولذا اكتفيت ببعض التعليقات الضرورية . وهذه الخطة (البروتوكول ) موجهة إلى المناطق السنية في إيران ، هن جهة، وموجهة إلى دول الجوار من جهة أخرى لا سيما وأن إيران بعد فترة من المقاطعة الغربية لها رأت أن ذلك ليس في مصلحتها، وسياسات تصدير الثورة لم تعد ذات جدوى بل ضررها عليها أكبر، فنشأ الاتحاد الأقل تطرفا والداعي إلى الحوار والتهدئة ولذي نشأ منه بروز ( تيار خاتمي ) وبخاصة بعد تولي إيران رئاسة ( المؤتمر الإسلامي ) بعد مؤتمر طهران فهل سيعدل القوم من رسالتهم ؟ لا نظن ذلك، وهذه الرسالة تؤكد ذلك وحدها، وهذا ما أعلناه ونحذر منه إخواننا في كل مكان . والله المستعان .
بقلم
دكتور / عبد الرحيم البلوشي
1419هـ
نص الرسالة : (( إذا لم نكن قادرين على تصدير ثورتنا إلى البلاد الإسلامية المجاورة فلا شك أن ثقافة تلك البلاد الممزوجة بثقافة الغرب (1) سوف تهاجمنا وتنتصر علينا .
وقد قامت الآن بفضل الله وتضحية أمة الإمام الباسلة دولة الإثني عشرية في إيران بعد قرون عديدة ، ولذلك فنحن – وبناء على إرشادات الزعماء الشيعة المجلين – نحمل واجبا خطيرا وثقيلا وهو تصدير الثورة ، وعلينا أن نعترف أن حكومتنا فضلا عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد وحقوق
---
(1) قارن هذا الاعتراف بما يردده بعض الببغاوات بأن إيران دولة إسلامية ، فيا لها من غفلة .
الشعب، فهي حكومة مذهبية (1) ويجب أن نجعل تصدير الثورة على رأس الأولويات .(6/1)
لكن نظرا للوضع العالمي الحالي والقوانين الدولية – كما اصطلح على تسميتها – لا يمكن تصدير الثورة بل ربما اقترن ذلك بأخطار جسيمة مدمرة .
ولهذا فإننا خلال ثلاث جلسات وبآراء شبه إجماعية من المشاركين وأعضاء اللجان وضعنا خطة خمسية تشمل خمس مراحل ، ومدّة كل مرحلة عشر سنوات، لنقوم بتصدير الثورة الإسلامية إلى جميع الدول المجاورة نوحد الإسلام أولا (2) ، لأن الخطر الذي يواجهنا من الحكام الوهابيين وذوي الأصول السنية (3) أكبر بكثير من الخطر الذي يواجهنا من الشرق
---
(2) أي أن التشيع جميع الدول المجاورة ، وفي نهاية الرسالة بيان لهذه العبارة الواضحة .
(3) وفي العبارة الأصلية : المتسننين .
والغرب(4) ، لأن هؤلاء ( الوهابيين وأهل السنة) يناهضون حركتنا وهم الأعداء الأصوليون لولاية الفقيه(5) والأئمة المعصومين، وحتى إنهم يعدّون اعتماد المذهب الشيعي كمذهب رسمي دستورا للبلد أمرا مخالفا للشرع والعرف (6) ، وهم بذلك قد شقوا الإسلام إلى فرعين متضادين (7) .
---
(4) ولذا قالت المخابرات الإيرانية للعلامة الشهيد محمد صالح ضيائي قبل أن يمزقوا إربا إربا: إن الطلاب الذين أرسلتهم للدراسة في الجامع الإسلامية في المدينة المنورة أخطر علينا من صواريخ صدام حسين !!
(5) ولاية الفقيه هي الحكم المزعوم بأنه إلهي لنائب إمام المهدي الذي بإمكانه أن يعطل الصلاة والحج، وبإمكانه أن يعطل توحيد الله كما كان يقول الخميني ويردد ذلك أتباعه ليلا ونهارا !!
(6) وهذا الذي قاله الشيخ عبد العزيز ملا زاده نائب أهل السنة في بلوشستان في مجلس الخبراء للكتابة الدستور قائلا للخميني: إن الدولة الإسلامية لا يوجد لها مذهب رسمي في دستورها، فلماذا تكرسون الخلاف والاختلاف إلى الأبد يجعلكم للبلد مذهبا رسميا في الدستور، ألا يكفي أن يكون دين الدولة هو الإسلام: ثم انسحب من المجلس .(6/2)
(7) وهذا الكلام للاستهلاك المحلي وإلا فهم يعرفون جيدا إنهم هم الذين فرقوا المسلمين ثم هاهم يطلبون منهم الاعتراف بالإمامة وإعادة حقوق أهل البيت المغصوبة في زعمهم !
بناء على هذا: يجب علينا أن نزيد نفوذنا في المناطق السنية داخل إيران، وبخاصة المدن الحدودية، ونزيد من عدد مساجدنا و( الحسينيات) (8) ونقيم الاحتفالات المذهبية أكثر من ذي قبل، وبجدية أكثر، ويجب أن نهيئ الجو في المدن التي يسكنها 90 إلى 100بالمائة من السنة حتى يتم ترحيل أعداد كبيرة من الشيعة من المدن والقرى الداخلية، ويقيمون
---
(8) الحسينية هي المكان الذي يجتمعون فيه، خاصة في شهر المحرم، للضرب الخدود وشق الثياب في ذكر استشهاد الحسين- رضي الله عنه- مع سب عظماء الإسلام، ونقد تاريخ المسلمين . ويهتمون بهذه الحسينيات أكثر من اهتمامهم للمساجد وأما في خارج إيران فأصبحت مراكز تجس للإيران كما نشرت ذلك بالتفاصيل جريدة ( انقلاب إسلامي ) لأبي الحسن بني صدر – أول رئيس إيراني بعد الثورة – في العام الماضي وأعلنت عن المراكز الجاسوسية الإيراني في دولة الخليج – خاصة في الإمارات – بالاسم والعنوان والتاريخ وكيف أن المخابرات الإيراني تجمع الأموال من التجار الإيرانيين في الإمارات دون أن تدخل هذه المبالغ الطائلة إلى البنك المركزي !!الإيراني ودون أن تعلم الدولة عنها شيئا، لكن هل من قومنا من يقرأ ؟!!
فيها إلى الأبد للسكنى والعمل والتجارة، ويجب على الدولة والدوائر الحكومية أن نجعل هؤلاء المستوطنين تحت حمايتها بشكل مباشر ليتم إخراج إدارات المدن والمراكز الثقافية والاجتماعية بمرور الزمن من بدء المواطنين السابقين من السنة(9) – والخطة التي رسمناها لتصدير الثورة- خلافا لرأي حتى رد فعل من القوى العظمى في العالم، وإن الأموال التي تنفق في هذا السبيل لن تكون نفقات دون عائد .
---
(9) وقد بدئ بكثير من هذه الخطط بالفعل .(6/3)
طرق تثبيت أركان الدولة : نحن نعلم أن تثبيت أركان كل دولة والحفاظ على كل أمة أو شعب ينبني على أسس ثلاثة :
الأول : القوة التي تملكها السلطة الحاكمة .
الثاني : العلم والمعرفة عند العلماء والباحثين .
الثالث : الاقتصاد المتمركز في أيدي أصحاب رؤوس الأموال .
إذا استطعنا أن نزلزل كيان تلك الحكومات بإيجاد الخلاف بين الحكام والعلماء، ونشتت أصحاب رؤوس الأموال في تلك البلاد ونجذبها إلى بلادنا، أو إلى بلاد أخرى في العالم، نكون بلا ريب قد حققنا نجاحا باهرا وملفتا للنظر، لأننا أفقدناهم تلك الأركان الثلاثة .
وأما بقية الشعوب التي تشكل 70 إلى 80 % من سكان كل بلد فهم أتباع القوة والحكم ومنهمكون في أمور معيشتهم وتحصيل رزقهم من الخبز والمأوى ، ولذا فهم يدافعون عمن يملك القوة .
ولاعتلاء أي سطح فإنه لابد من صعود الدرجة الأولى إليه .
وجيراننا من أهل السنة والوهابية هم : تركيا والعراق وأفغانستان وباكستان وعدد من الإمارات في الحاشية الجنوبية ومدخل ( الخليج الفارسي )! التي تبدو دولا متحدا في الظاهر إلا أنها في الحقيقة مختلفة .
ولهذه المنطقة بالذات أهمية كبرى سواء في الماضي أو الحاضر كما أنها تعتبر حلقوم الكرة الأرضية من حيث النفط، ولا توجد في العالم نقطة أكثر حساسية منها، ويملك حكام هذه المناطق بسبب بيع النفط أفضل إمكانيات الحياة ...
فئات شعوب المنطقة : وسكان هذه البلاد هم ثلاث فئات:
الفئة الأولى : هم البدو وأهل الصحراء الذين يعود وجودهم في هذه البلاد إلى مئات السنين .
الفئة الثانية : هم الذين هاجروا من الجزر والموانئ التي تعتبر من أرضنا اليوم، وبدأت هجرتهم منذ عهد الشاه إسماعيل الصفوي، واستمرت في عهد نادر شاه أفتشار وكريم خان زند وملوك القاجار وأسرة البهلوي، وحدثت هجرات متفرقة منذ بداية الثورة الإسلامية (10) .
والفئة الثالثة : هم من الدول العربية الأخرى ومن مدن إيران الداخلية .(6/4)
أما التجارة وشركات الاستيراد والتصدير والبناء فيسيطر عليها في الغالب غير المواطنين، ويعيش السكان الداخليون من هذه البلاد على إيجار البنايات وبيع الأراضي وشرائها، وأما أقرباء ذوي النفوذ فهم يعيشون على الرواتب العائدة من بيع النفط .
---
(10) هؤلاء المهاجرون كلهم من السنة طبعا، هذا من وقت طرح هذه البروتوكولات التآمرية، أما الآن فقد حدث هجرات كثيرة كما خططوا لها في جميع المناطق السنية في إيران .
أما الفساد الاجتماعي والثقافي والأعمال المخالفة للإسلام فهي واضحة للعيان . ومعلم المواطنين في هذه البلاد يقضون حياتهم في الانغماس في الملذات الدنيوية والفسق والفجور !
وقد قام كثير منهم بشراء الشقق وأسهم المصانع وإيداع رؤوس الأموال في أوروبا وأمريكا وخاصة في اليابان إنجلترا والسويد وسويسرا خوفا من الخراف والمستقبلي لبلادهم .
إن سيطرتنا على هذه الدول تعني السيطرة على نصف العالم .
أسلوب تنفيذ الخطة المعدّة : ولإجراء هذه الخطة الخمسينية يجب علينا بادئ ذي بدء أن نحسن علاقتنا مع دول الجوار ويجب أن يكون هناك احترام متبادل وعلاقة وثيقة وصداقة بيننا وبينهم حتى إننا سوف نحسن علاقتنا مع العراق بعد الحرب وسقوط صدام حسين(11)، ذلك اًن إسقاط ألف صديق أهون من إسقاط عدو واحد .
وفي حال وجود علاقات ثقافية وسياسية واقتصادية بيننا وبينهم فسوف يهاجر بلا ريب عدد من الإيرانيين إلى هذه الدول، ويمكننا من خلالهم إرسال عدد من العملاء كمهاجرين ظاهراً ويكونون في الحقيقة من العاملين في النظام ، وسوف تحدد وظائفهم حين الخدمة والإرسال .
لا تفكروا أن خمسين سنة تعد عمراً طويلاً، فقد احتاج نجاح ثورتنا خطة دامت عشرين سنة، وإن نفوذ مذهبنا الذي
_______________________(6/5)
(11) لأن هذا البروتوكول كما أشرنا من قبِل كان وقت الحرب ولم يستطيعوا إسقاط صدام حسين، فغيروا التكتيك ولكن الخطة مستمرة اتجاه تحسين العلاقات وكما نعلم أن طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقي التقى مع الرئيس الإيراني خاتمي على هامش المؤتمر الإسلامي المنعقد في طهران في 11/12/1997 م .
يتمتع به إلى حد ما في الكبير من تلك الدول ودوائرها لم يكن خطةَ يوم واحد أو يومين، بل لم يكن لنا في أي دولة موظفون فضلا عن وزير أو كيل أو حاكم (12) ، حتى فرق الوهابية والشافعية الحنفية والمالكية والحنبلية كانت تعتبرنا من المرتدين وقد قام أتباع هذه المذاهب بالقتل العام للشيعة مرارا وتكرارا، صحيح أننا لم نكن في تلك الأيام، لكن أجدادنا قد كانوا، وحياتنا اليوم ثمرة لأفكارهم وآرائهم
---
(12) ونرى من عملائنا بوضوح هنا في لندن في الجرائد الفارسية المخالفة للنظام من مشايخهم الذين كانوا من وعاظ الشاه ولآن يكتبون في الجرائد الفارسية والعربية من الدجل والنفاق باسم الوحدة ما تريده إيران وتطبقه بالفعل ولكن باسم مخالفة النظام الإيراني، ولبعضهم جوالات في البلاد العربية باسم الوحدة الإسلامية ولكنهم يطبقون بالفعل ما تتكلم عنه هذه البروتوكولات الآتية، ولذا شن أهل السنة في إيران هجمة شعواء لما أعلنت الرابطة أنباء اضطهاد أهل السنة في إيران، وبدأ هذه المشبوه يسب سيدنا عثمان وتاريخ المسلمين، وكانت الافتراءات والاتهامات دون أدنى وازع إنساني أو ديني أو علم أو بحث علمي، ومع هذا يعتبر نفسه من أبطال الوحدة الإسلامية!!(6/6)
ومساعيهم وربما لن نكون نحن أنفسنا في المستقبل لكن ثورتنا ومذهبنا باقيان . ولاكن يكفي لأداء هذا الواجب المذهبي التضحية بالحياة والخبز والغالي والنفيس، بل يتوجب أن يكون هناك برنامج مدروس، ويجب إيجاد مخططات ولو كانت لخمسمئة عام مقبل فضلا عن خمسين سنة ، فنحن ورثة الملايين الشهداء الذين قتلوا بيد الشياطين المتأسلمون ( السنة) وجرت دماؤهم منذ وفاة الرسول في مجرى التاريخ إلى يومنا هذا، ولم تجف هذه الدماء ليعتقد كل من يسمى مسلما بـ( علي وأهل بيت رسول الله ) ويعترف بأخطاء أجداده ويعترف التشيع كوارث أصيل للإسلام (13) .
---
(13) فليسمع هذا جيدا ولٌيعهِ الببغاوات الذين ينادون بالوحدة معهم .
مراحل مهمة في طريقنا :
: ليس لدينا مشكلة في ترويج المذهب في أفغانستان وباكستان وتركيا والعراق والبحرين، وسنجعل الخطة العشرية الثاني هي الأولى(14) في هذه الدول الخمس، وعلى ذلك فمن واجب مهاجرينا – العملاء – المكلفين في بقية الدول ثلاثة أشياء:
1- شراء الأراضي والبيوت والشقق، وإيجاد العمل ومتطلبات الحياة وإمكانياتها لأبناء مذهبهم ليعيشوا في تلك البيوت ويزيدوا عدد السكان .
2- العلاقة والصداقة مع أصحاب رؤوس الأموال في السوق والموظفين الإداريين خاصة الرؤوس الكبار والمشاهير والأفراد الذين يتمتعون بنفوذ وافر في الدوائر الحكومية .
---
(14) لكونهم تجاوزوا الخطة الأولى إلى الخطة أو البروتوكولية الثانية.
3- هناك في بعض الدول قرى متفرقة في طور البناء، وهناك خطط لبناء عشرات القرى والنواحي والمدن الصغيرة الأخرى ، فيجب أن يشتري(15) هؤلاء المهاجرين العملاء الذين أرسلناهم أكبر عدد ممكن من البيوت في تلك القرى ويبيعوا ذلك بسعر مناسب للأفراد والأشخاص الذين باعوا ممتلكاتهم في مراكز المدن ، وبهذه الخطة تكون المدن ذات الكثافة السكانية قد أخرجت من أيدهم .(6/7)
ثانيا: يجب حث الناس ( الشيعة ) على احترام القانون وطاعة منفذي القانون وموظفي الدولة ، والحصول على تراخيص رسمية للاحتفالات المذهبية – بكل تواضع – وبناء
---
(15) طبقوا بعض هذه الخطط في قرى سوريا وتشيع من أبنائها عدد من المسلمين ورأينا منهم من يشتغل في المركز الثقافي الإيراني في الساحة المرحة في دمشق من هؤلاء المشيعين وأصاب الأقلام المرتزقة من الدول العربية من العلمانية والمنافقة والمتصوفة وغيرهم الذين يلتقونك هناك .
المساجد والحسينيات لأن هذه التراخيص الرسمية سوف تطرح مستقبلا على اعتبار أنها وثائق رسمية .(6/8)
ولإيجاد الأعمال الحرة يجب أن نفكر في الأماكن ذاب الكثافة السكانية العالية لنجعلها موضع المناقشة في المواقع الحساسة، ويجب على الأفراد في هاتين المرحلتين أن يسعوا للحصول على جنسية البلاد التي يقيمونه فيها باستغلال الأصدقاء وتقديم الهداية الثمينة ، وعليهم أن يرغّبوا الشباب بالعمل في الوظائف الحكومية والانخراط خاصة في سلك الجندية . وفي النصف الثاني من هذه الخطة العشرية يجب – بطريقة سرية وغير مباشرة – استثارة علماء السنة والوهابية ضد الفساد الاجتماعي والأعمال المخالفة للإسلام الموجودة بكثرة في تلك البلاد ، وذلك غبر توزيع منشورات انتقادية باسم بعض السلطات الدينية والشخصيات المذهبية من البلاد الأخرى، ولا ريب أن هذا يسكون سببا في إثارة أعداد كبيرة من تلك الشعوب ، وفي النهاية إما أن يلقوا القبض على تلك القيادات الدينية أو الشخصيات المذهبية أو أنهم سيكذبون كل ما نشر بأسمائهم(16) وسوف يدافع المتدينون عن تلك المنشورات بشدة بالغة وستقع أعمال مريبة(17) وستؤدي إلى إيقاف عدد من المسؤولين السابقين أو تبديلهم ، وهذه الأعمال ستكون سببا في سوء ظن الحكام بجميع المتدينين في بلادهم ، وهم ذلك سوف لن يعملوا على نشر الدين وبناء المساجد والأماكن الدينية، وسوف يعتبرون كل الخطابات الدينية ولاحتفالات المذهبية أعمالا مناهضة لنظامهم، وفضلا عن هذا سينمو الحقد والنفرة بين العلماء والحكام في تلك
---
(16) وكلاهما ينفع أتباع ابن سبأ هؤلاء لأنها تثير الفتن في كلتا الحالتين، وسيقع الخلاف بين الحكام والعلماء، وهذا الذي يريدونه، ومن نسي أعمالهم هذه في التاريخ فعليه بكتب صغيرة ومهم وهو: "" برتوكولات آيات طهران وقم "" للدكتور ناصر الغفاري .
(17) أي أن أئمة الشيعة هم الذين سوف يرتكبون أعمالا مريبة وفتنا للوقعة بين الحكام والعلماء واستعداء الحكومات على الدين ودعاته .(6/9)
البلاد وحتى أهل السنة والوهابية سيفقدون حماية مراكزهم الداخلية ولن يكون لهم حماية خارجة إطلاقا .
ثالثا: وفي هذه المرحلة حيث تكون ترسّخت عملائنا لأصحاب رؤوس الأموال والموظفين الكبار، ومنهم عدد كبير في السلك العسكري والقوى التنفيذية وهم يعملون بكل هدوء وأدب ، ولا يتدخلون في الأنشطة الدينية، فسوف يطمئن لهم الحكام أكثر من ذي قبل، وفي هذه المرحلة حيث تنشأ خلافات وفرقة وكدر بين أهل الدين والحكام فإنه يتوجب على بعض مشايخنا المشهورين من أهل تلك البلاد أن يعلنوا ولاءهم ودفاعهم عن حكام هذه البلاد وخاصة في المراسم المذهبية ، ويبرزا التشيع كمذهب لا خطر منه عليهم، وإذا أمكنهم أن يعلنوا ذلك للناس غبر وسائل الإعلام فعليهم ألا يترددوا ليلفتوا نظر الحكام ويجوزوا على رضاهم فيقلدوهم الوظائف الحكومية دون خوف منهم أو وجل في هذه المرحلة ومع حدوث تحولات في الموانئ والجزر والمدن الأخرى
في بلادنا، إضافة إلى الأرصدة التي سوف نستحدثها سيكون هناك مخططات لضرب الاقتصاد في دور المجاور . ولا شك في أن أصحاب رؤوس الأموال وفي سيبل الربح الآمن والثبات الاقتصادي سوف يرسلون جميع أرصدتهم إلى بلدنا، وعندما نجعل الآخرين أحرارا في جميع الأعمال التجارية والأرصدة البنكية في بلادنا فإن بلادهم سوف ترحب بمواطنينا وتمنحهم التسهيلات الاقتصادية للاستثمار .(6/10)
رابعا: وفي المرحة الرابعة سكون قد تهيأ أمامنا دول بين علماءها وحكامها مشاحنات، والتجار فيها على وشك الإفلاس والفرار، والناس مضطربون ومستعدون لبيع ممتلكاتهم بنصف فيمتها ليتمكنوا من السفر إلى أماكن آمنة ، وفي وسط هذه المعمعة فإن عملائنا ومهاجرينا سيعتبرون وحدهم حماة السلطة والحكم، وإذا عمل هؤلاء العملاء بيقظة فسيمكنهم أن يتبوؤوا كبرى الوظائف المدينة والعسكرية ويضيّقوا المسافة بينهم وبين المؤسسات الحاكمة والحكام ومن مواقع كهذه يمكننا بسهولة بالغة المخلصين لدى الحكام على أنهم خونة، وهذا سيؤدي إلى توقيعهم أو طردهم أو استبدالهم بعناصرنا ، ولهذا العمل ذاته ثمرتان إيجابيتان .
أولا: إن عناصرنا سيكسبون ثقة الحكام أكثر من ذي قبل.
ثانيا: إن سخط أهل السنة على الحكم سيزداد بسبب ازدياد قدرة الشيعة في الدوائر الحكومية، وسيقوم أهل السنة من جرّاء هذا بأعمال مناوئة أكثر ضد الحكومة، وفي هذه الفترة يتوجب على أفرادنا أن يقفوا إلى جانب الحكام ، ويدعوا الناس إلى الصلح والهدوء ، ويشتروا في الوقت نفسه بيوت الذين هم على وشك الفرار وأملاكهم .
خامسا: وفي العشرية الخامسة فإن الجو سيكون قد أصحب مهيأ للثورة لأننا أخذنا منهم العناصر الثلاثة التي اشتملت على : الأمن ، والهدوء ، والراحة ، الهيئة الحاكمة ستبدو كسفينة وسط الطوفان مشرفة على الغرق تقبل كل اقتراح للنجاة بأرواحهم .
وفي هذه الفترة سنقترح عبر شخصيات معتمدة ومشهورة تشكيل مجلس شعبي لتهدئة الأوضاع، وسنساعد الحكام في المراقبة على الدوائر وضبط البلد، ولا ريب أنهم سيقبلون ذلك، وسيجوز مرشحونا وبأكثر مطلقة على معظم كراسي المجلس، وهذا الأمر سوف يسبب فرار التجار والعلماء حتى الخدمة المخلصين، وبذلك سوف نستطيع تصدير ثورتنا الإسلامية إلى بلاد كثيرة دون حرب أو إراقة للدماء .(6/11)
وعلى فرض أن هذه الخطة لم تثير في المرحلة العشرية الأخيرة، فالمخلصين، وبذلك سوف نستطيع تصدير ثورتنا الإسلامية إلى بلاد كثيرة دون حرب أو إراقة للدماء .
وعلى فرض أن الخطة لم تثمر في المرحلة العشرية الأخيرة، فإنه يمكننا أن نقيم ثورة شعبية ونسلب السلطة من الحكام، وإذا كان في الظاهر أن عناصرنا – الشيعة – هم أهل تلك البلاد ومواطنوها وساكنوها، لكنا نكون قد قمنا بأداء الواجب أما الله والدين وأمام مذهبنا، وليس من أهدافنا
إيصال شخص معين إلى سده الحكم- فإن الهدف هو فقط التصدير الثورة، وعندئذ نستطيع رفع لواء هذا الدين الإلهي، وأن نُظهر قيامنا في جميع الدول، وسنقدم إلى عالم الكفر بقوة أكبر، ونزين العالم بنور الإسلام والتشيع حتى ظهور المهدي الموعود )) أ. هـ .
هذه رسالة سرية واحدة وفقنا الله تعالى لنشرها، وهناك كتب ورسائل وبحوث مهمة جدا ألفها كبار آياتهم ومراجعهم ودعاتهم تنطوي على كيد كبير بأهل السنة .
اغتيالات علماء السنة بعد مجيء خاتمي * :
اغتيالات علماء السنة وتوقيفهم المتتالي والعشوائي مستمر في إيران حتى بعد مجيء خاتمي، وقد بدأت أمواج الاضطهاد تتسرب من مدن أهل السنة إلى قراهم ، وفي الأسبوعين
---
*- رابطة أهل السنة في إيران .(6/12)
الأخيرين اقتيد الشيخ نظام الدين روانيد ابن الشيخ عبد الله- رحمه الله – العالم والشاعر الشهير في بلوشستان الإيرانية إلى السجن، وكان الشيخ نظام الدين بصدد بناء مسجد، وكان يدير مدرسة صغيرة، ولم يعرف مصيره حتى الآن، علما أن بناء المسجد أو مدرسة دينية للسنة في إيران يعتبر من الجرائم التي لا تغتفر . كما اغتيل في الأسبوع الماضي الشيخ يار محمد كهرازهي إمام جمعية أهل السنة في مدينة خاش الذي كان يدير مدرسة دينية أيضا، وجميع الشواهد تدل عل أن المخابرات الإيرانية في التي اغتالته ، لأنها اغتالت قبل سنتين ونصف تقريب مدير المدرسة نفسها: الشيخ عبد الستار – رحمه الله- إمام الجمعة والعالم الشهير لأهل السنة في مدينة خاش البلوشية، وذلك ضمن حملتها المسعورة بقيادة مرشد الثورة خامنئي لإخلاء إيران من علماء السنة، ليتسنى لهم تشيع البلد كليا بعد ذلك كما كتبوا ذلك في مخططاتهم الخمسينية السرية .
وأما الخلفية الشيخ وهو يار محمد- رحمه الله – فقد كان يخضع لاستجواب المخابرات الإيرانية كغيره من مشايخ السنة، وطلب منه فضل الطلاب من غير أبناء المنطقة – ليقطعوا أدنى صلة بين السنة في إيران حيث يعيشون في أطراف: إيران الأربعة- وحين رفض الشيخ ذلك ألقي القبض على الطلاب وتم إعادتهم – بعد السجن والتعذيب – إلى بلادهم، وكان للشيخ يار محمد موقف مشهور في الدفاع عن هؤلاء الطلاب .
هذه في بلوشستان الواقعة في جنوب شرقي إيران، أما بالنسبة للتركمان السنة الساكنين في شمالي إيران فقد وصلنا الخبر التالي :(6/13)
هاجمت عناصر المخابرات الإيرانية في الساعة الثانية والنصف ليلا( من شهر آب) 1997م منزل الشيخ آخوند ولي محمد ارزانش الذي هرب من إيران ولجأ إلى تركمانستان (أسوة بمئات من طلبة العلم من السنة الإيرانيين الذين هربوا إلى البلاد المجاورة ) ، وعندما لم يجدوه في المنزل أوسعوه ابنه ضربا، ثم استولوا إلى بعض الصور والمستندات والوثائق المتعلقة بالتركمان، وغادروا البيت بعدما هددوا أهله بالموت إذا هم أخبروا الشرطة، وهذه الحادثة كانت هي الثانية من نوها، إذ إنه فش شهر نيسان إبريل 1997م هجم شخص مجهول ( من مجاهيل إمام الزمان لديهم وفي كناية عن المخابرات ) مسلح بسكين على منزل الشيخ ولي محمد ليقتله ونجا الشيخ بعدما أصيب مجروح خطيرة، ولك هذه الأعمال والقرائن المتعلقة بها تدل على ضلوع المخابرات الإيرانية في مثل هذه الأعمال التي بدأت بأمر من الخامنئي بالتصفية الجسدية والاغتيالات والإعدام ودس السم والقتل بالطرق المتعددة لعلماء السنة في الداخل والخارج .
ونحن نناشد المسلمين النصرة : ونناشد الهيئات الدولية والمنظمات الإنسانية لتقصي الأمور وإدانة التعصب الطائفي لعل هذا يردعهم عن الاستمرار في هذه الممارسات، فيتوقفوا عن قتل العلماء الأبرياء وهدم المساجد والمدارس ، ويتركوا أهل السنة يعيشون في إيران موطن آبائهم وأجدادهم كغيرهم من الأقليات ، علما أنهم ثاني أكبر نسبة في إيران ، إذ إن عددهم يصل إلى ثلث البلد أي من 15 إلى 20 مليون نسمة.
نسأل الله أن يوفق إخواننا أهل السنة لمعرفة هذه المخططات الشيطانية وأن يرد – سبحانه – كيد من يريد بالمسلمين شرا إلى نحورهم .
والله من رواء القصد(6/14)
الرعب المدمر
اغتصاب الحرس الثوري الفتيات المجاهدات قبل اعدامهن
اربعين الف سجين سياسي
300 الف قتيل ضحايا الحرب و60 الف قتيل ضحايا الحروب الاهلية
اضطهاد الامام الشر يعتمداري واعدام قطب زادة
غرفة الاغتيالات
اعتقال صهر الخميني في المانيا بسبب تهريب المخدرات
قصة مريم
الحجتية تنسف الخمينة
حاميها حراميها
التعذيب البشع في سجون الخميني
التاريخ يعيد نفسه
الخميني يرفض نداء علماء الاسلام
الخميني يقول : لاتلهيكم الحرب الصغيرة عن الحرب الكبيرة
المراهقون في جبهات الحرب مع العراق
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27))
الرعب المدمر
لقد مضى على تأليف الثورة البائسة عام ونصف عام وبسبب المرض الذي الزمني الفراش لمدة ثلاثة اشهر ومن ثم اسفار متلاحقة لم استطع تقديم الكتاب إلى المطبعة وها هو الكتاب يأخذ طريقه إلى النور بأذن الله وارادته .
ان الشهور الثمانية عشر التي مرت على الثورة البائسة وهو بعد لم يقدم للنشر كانت شهور الاحداث الجسام في ايران فقد وصلت النكبات المتلاحقات إلى القمة وازداد عدد الضحايا بصورة مرعبة والتدمير الشامل للبلاد بلغ مبلغا عظيما لا يكاد يتصوره المرء . فكان لابد من تصحيح الارقام التي ذكرناها في الكتاب سواء تلك التي كانت تتعلق بالضحايا البشرية او الخسائر المادية . وهكذا تلك الاهوال الجسام التي مرت على الشعب الايراني المسكين في غضون هذه الفترة . لقد تم تصحيح الارقام في متن الكتاب عند مراجعتنا لتصحيحه ولكن رأينا من الافضل اضافة فصل خاص في آخر الكتاب يشمل كل الاحداث المرعبة والمدمرة التي حلت بايران في الفترة التي اشرنا اليها ولذلك جاء اسم الفصل بالرعب المدمر .
(1)
اغتصاب الحرس الثوري الفتيات المجاهدات قبل اعدامهن(7/1)
لقد بلغ التوحش وتدمير الاخلاق اوجه في الجمهورية التي اسسها الخميني ولدى حرسه فلم يحدث حتى في العصور المظلمة والقرون الوسطى ما يحدث الان في سجون ايران وحتى المغول والتتار وما عرف عنهم من وحشية وتدمير ورعب وارهاب لم يرتكبوا ما يرتكبه حرس الامام بالنسبة لشعب ايران .
ان هذه الزمرة المتوحشة تغتصب الفتيات المنتميات إلى ( حزب مجاهدي خلق ) قبل تنفيذ حكم الاعدام بهن . وها انا اشهد الله ورسوله بانني سمعت بهاتي اذني من شخصية دينية مرموقة (1) احتفظ باسمه خوفا على حياته انه قال لي والدموع تسيل من عينيه ( ان هذا الامر الرهيب والخطب الفادح يحدث في سجون ايران والخميني يعلم بما يحدث وهو صامت لا ينبس بكلمة لان الذي يهدر دماء المسلمين والمسلمات لن يأبى من هدر اعراضهم ) وقد تواترت الانباء عن ابنة احد الاطباء المعروفين والتي عثرت امها بين مخلفاتها التي حملت اليها بعد اعدامها هذه العبارة التي كتبتها على قميصها بالمداد ( يا ابتاه ان حرس الثورة تجاوزوا على شرفي سبع مرات وها انا اساق إلى الموت بلا ذنب او جرم ) .
والوقاحة الاشد والانكى هي ان حرسا ثوريا يذهب إلى ام الضحية وابيها ويقدم لهما مبلغا زهيدا يعادل عشرة دولارات ويقول لهما متبجحا ساخرا شامتا هذا مهر ابنتكم التي اعدمت وانا تزوجتها زواجا موقتا قبل الاعدام حتى لاتدخل الجنة لاننا سمعنا من كبرائنا ان الباكر لاتدخل النار فكان لابد من ازاحة هذه العقبة لدخول ابنتكم النار .
__________
(1) هذه الشخصية الدينية هو الامام المجاهد الكبير السيد رضا الزتجاني الذي التقينا به هنا عندما كان في سفر للعلاج وقد وافته المنية عندما كان هذا الكتاب تحت الطبع . فلذلك رأينا الأفصاح عن اسمه .(7/2)
وقد حدث مرارا وتكرارا ان هذه الوحوش الكاسرة اعتدوا على اعراض المسلمات واغتصبوا الفتيات امام امهاتهن واقربائهن . ان القصة الحزينة التير يرددها الشعب الايراني في كل مناسبة هي قصة تلك الفتاة التي اعتدى اربعة حراس الثورة الاسلامية على شرفها وبحضور امها وذلك عندما داهموا بيتها لالقاء القبض على ابيها فلم يعثروا عليه وقد كانت وطأة الحادث المرعب شديد على الفتاة بحيث فقدت اتزانها واصيبت بالجنون فحملت على مغادرة ايران للعلاج ولكن العلاج لم يجد نفعا واخيرا انتحرت الفتاة بأن القت بنفسها من بناية شاهقة لكي تنسى جحيم الامام الخميني . وقد حدثني قاض الشرع في مدينة يزد الايرانية انه عندما حكم بالاعدام على احد افراد الحرس الثوري لانه داهم بيتا للسرقة واعتدى على شرف زوجة صاحب البيت خرج حراس الثورة يشيعون زميلهم المعدوم وهم يرددون بصوت واحد ( ايها الاخ الشهيد اننا سنسير على دربك ) وبعد يومين عزل الخميني قاض الشرع لانه اعدم حاميا من حماة الاسلام على حد تعبيره .
(2)
اربعون الف اعدام سياسي
لقد تجاوز عدد الذين اعدمتهم المحاكم الثورية حتى كتابة هذه السطور اربعين الف شاب وشابة وشيخ وشيخة ثلاثون الف منهم فقط من حزب مجاهدي خلق كما ان بين هذه الضحايا بضعة الاف من الفتيات والفتيان الذين لم يبلغوا سن الرشد ولكن الجلادون لم يرحموا الصغار كما لم يرحموا الكبار .
(3)
300 الف قتيل ضحايا الحرب و 60 الف قتيل ضحايا الحروب الاهلية(7/3)
لقد تجاوز عدد ضحايا الحرب الدائرة رحاها بين ايران والعراق منذ اربع سنوات ثلاثمائة الف قتيل ونصف مليون معوق كما ان ضحايا الحروب الاهلية الدائرة رحاها في كردستان وغيرها تجاوزت الستين الفا واذا اضفنا إلى هذه الاعداد الاربعين الف شخصا الذين اعدمتهم المحاكم الثورية فيكون مجموع الاشخاص الذين لاقوا حتفهم في ايران منذ استيلاء الخميني على السلطة اربعمائة الف قتيل أي بمعدل ثلاثمائة قتيل في كل يوم وقد بدا واضحا وجليا وبعد ان رفض الخميني الصلح مع العراق اكثر من مرة ان ثلاثمائة قتيل في كل يوم لاتروى عطش الامام في اراقة الدماء فهو يطلب المزيد ثم المزيد .
(4)
اضطهاد الامام الشريعتمداري واعدام صادق قطب زادة
لقد كان الامام الشريعتمداري مضطهدا منذ سنتين ولكن هذا الاضطهاد بلغ اوجه وبلغ مرحلة لم تحدث لها نظير حتى الان في تاريخ المرجعية الاسلامية في ايران وفي غير ايران . فقد اتخذ الخميني مؤامرة قطب زادة الفاشلة ذريعة للبطش بالامام الشريعتمداري وازاحته تماما من الطريق . فقد اتهم الشريعتمداري بالاشتراك في المؤامرة تلك وقد بلغت الوقااحة والخسة بالجلادين المعروفين الشيخ صادق الخلخالي واللاجوردي ان ذهبا إلى دار الامام وطلبا منه ان يعترف بالاشتراك في المؤامرة وتمويله لها وعندما نهرهما الشريعتمداري بشدة صفع اللاجوردي الامام البالغ من العمر ثمانين عاما ثم قال له سنغتصب عرضك امام عينيك اذا لم تقل ما نمليه عليك وهكذا ارغم الامام ان يقول ما اثلج صدر الخميني واذاعت التلفزة والراديو اعترافات الامام حسب ادعائها ولم يقنع الخميني بكل هذا بل امر بوضع الشريعتمداري تحت الحراسة المشددة في بيته لايزور ولايزار وعندما طلب الامام الشريعتمداري السماح له بالسفر إلى خارج ايران للعلاج من مرض السرطان رفض الخميني ذلك قائلا فليعالج داخل ايران .(7/4)
اما قطب زادة فقد اعدمه الخميني ولم يرع فيه السنوات العشرين التي افناها في خدمته وقد ابنه الرئيس ابو الحسن بني صدر بقوله "هنيئا له فقد لاقى حتفه على يد اشقى اهل زمانه " حقا لقد صدق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم " من اعان ظالما سلطه الله عليه . "
(5)
غرفة الاغتيالات
لقد اسست غرفة الاغتيالات في دائرة ساواما التي حلت محل السافاك القديم . ويشرف على اعمال هذه الغرفة احمد الخميني ابن الامام الخميني والشيخ صادق الخلخالي واللاجوردي المعروفين ومهمة هذه الغرفة اغتيال المناوئين السياسيين للنظام في خارج ايران . ولهذه الدائرة ميزانية خاصة لا علاقة لها بميزانية الدولة بل تتصل مباشرة بميزانية الخميني الخاصة حتى تبقى اسرارها واعمالها سرية لايعرف بها احد الا الله والاشخاص الثلاثة المشرفين عليها .
رحم الله قائل هذا البيت
افضل من افضلهم صخرة
لاتظلم الناس ولاتكذب
(6)
اعتقال صهر الخميني في المانيا بسبب تهريب المخدرات(7/5)
لقد شاء الله ان يفضح هذا النظام الفاجر الذي اعدم اكثر من الف واربعمائة شخصا حتى الان بتهمة الاتجار بالمخدرات امام الاجيال الحاضرة والقادمة . فقد اعتقلت في اذار هذا العام (1983) الشرطة الالمانية في دوسلدرف صادق الطباطبائي وهو صهر الخميني واقرب المقربين اليه ومرشحه لرئاسة الدولة وهو يحمل في حقيبته اليدوية كيلوغراما وستمائة غرام من الافيوان . ولم يخجل النظام الحاكم في ايران من هذه الفضيحة بل بذل قصارى الجهد للافراج عنه وهدد النظام الايراني الحكومة الالمانية بقطع العلاقات السياسية معها اذ لم يفرج عن السجين الجبيب واخيرا رضخت الحكومة الالمانية إلى طلب ايران وافرجت عن الطباطبائي حيث طار إلى طهران واستقبله الخميني مباركا له الخلاص من سجن الالمان وفي صباح اليوم التالي اعلنت الحكومة الايرانية في نشرات اخبارها هذا النبأ . " لقد تم تنفيذ حكم الاعدام بحق احد عشر متهما بتهريب المخدرات في فجر هذا اليوم " .
(7)
قصة مريم(7/6)
انها القصة التي ترددها الالسن في كل مكان من ايران ومريم هي ابنة مصطفى ابن الخميني الذي وافاه الاجل في النجف (العراق) وعمرها لم يتجاوز السادسة عشر لقد جاءت الحفيدة إلى جدها وقالت له ماذا يكون الجواب يا جداه اذا قال مجتهد ورع عادل بأنك لست مسلما بسبب الاعمال التي ارتكبتها وتقليدك حرام في هذه الحالة وهنا سألها الجد بمكر ودهاء من الذي يقول هذا الكلام يا ابنتاه ؟ فأجابت الفتاة ببرائة الفتاة الساذجة المراهقة انه جدي لامي الامام الشيخ الحائري . فاكفهر وجهه الجد العجوز وقاله لها ناهرا اياها اخرجي من عندي ولاتعودي إلى داري ابدا . ولم يسمح الجد منذ ذلك اليوم ان تدخل عليه حفيدته اما الشيخ الحائري فهو الشيخ مرتضى اليزدي الرجل الذي يستسقى الغمام بوجهه ولا يختلف اثنان في علمه وورعه واجتهاده وتقواه وليس الامام الحائري هو الوحيد بين علماء الاسلام في ايران والذي قال في الخميني ما كدر صفو حياته بل هناك اعلام اخرون قالوا في الخميني المقالة نفسها ولكنهم لم يعلنوا ذلك خوفا من بطش الرجل بهم ولقد قال احد هؤلاء انه لايخشى من الخميني على نفسه ولكنه يخشى على عرضه فالامام الشريعتمداري خير نموذج لكل من اراد النيل من الخميني .
(8)
الحجتية تنسف الخمينية
الحجتيون قوة دينية تسير في شريان الشعب الايراني ومن الصعب القضاء عليها مهما حاول الخميني . وليست الحجتية ظاهرة جديدة في ايران ولكنها ظهرت على مسرح الأحداث بعد ان ملأ الخميني البلاد فسادا وشرا ونكرا باسم الدين وتحت غطاء ولاية الفقيه .(7/7)
وتطلق على هذه الجماعة (الحجتية) تبركا باسم الحجة محمد ابن الحسن المهدي وهو الامام الثاني عشر للامامية في كل مكان . وعلماء الامامية قاطبة يعتقدون ان ولي امر المسلمين الذي يحق له ان يتصرف في شؤون الامة انما هو الامام المهدي الذي سيظهر بارادة الله ليملأ الارض قسطا وعدلا بعد ان ملئت جورا وظلما وليس لاحد غيره ان يتصدر هذا المنصب ولذلك فان ولاية الفقيه التي اتى بها الخميني انما هي بدعة وضلال . وقبل ايام قليلة خطب الامام الطباطبائي القمي في جمع حاشد بمشهد الرضا عليه السلام واعلن هذا الرأي بجرأة وندد بولاية الفقيه وندد باستمرار الحرب مع العراق وقال ان الدماء التي تراق في ساحات القتال كلها برقبة الخميني وهو المسؤول عنها امام الله كما ان رفض الصلح الذي اقترحه العراق اكثر من مرة انما هو خروج على دستور الاسلام .
وقد اراد الخمينيون ان يبطشوا بالامام الطباطبائي بعد هذا الموقف الشجاع ولكنهم لم يستطيعوا لما يتمتع به من شعبية عظيمة في البلاد ثم ان الامام الطباطبائي كان زميلا وندا للخميني في نضاله ضد الشاه وسجن معه في زنزانة واحدة اربعين يوما وبعد ذلك حمل الخميني على مغادرة ايران ليسرح ويمرح في ارض الله الواسعة قرابة خمسة عشر عاما اما الامام الطباطبائي فقد قضى كل هذه الفترة في سجن الشاه او قيد الاقامة الجبرية في مناطق نائية من ايران ولذلك لم يكن من السهل اخماد صوت الامام الطباطبائي القمي كما اخمدوا صوت الآخرين من الشخصيات الدينية الكبيرة .
(9)
حاميها حراميها
لقد وصل الاستهتار في سلب اموال الشعب وممتلكاته في ظل النظام الحاكم إلى مرحلة خطيرة لابد من تسجيلها للتاريخ . فاللجان الثورية والمحاكم الثورية ليستا الوحيدتان في سرقة اموال الشعب وممتلكاته.(7/8)
ويبدو واضحا وجليا ان تلك الطبقة التي كانت تمد يدها إلى هذا وذاك بالامس القريب لملء بطنها لم تقنع بمئات الملايين التي سرقتها من اموال الشعب باسم حماية المستضعفين بل ابتكرت اسلوبا بشعا آخر لسرقة اموال الامة .
فالقابضون على السلاح في ايران يرسلون المسلحين في اناء الليل إلى دور الاغنياء ليسرقوا النفيس والغال منها واذا ذهب احدهم إلى السلطة يشكو مما حل به اصابه من الاذى والشر ما جعله يردد قائلا رضينا من نوالك بالرحيل .
واما قصة العمولات التي يقبضها احمد الخميني وصهره صادق الطباطبائي من الشركات الاجنبية التي يستوردون منها الاسلحة والاغذية والحاجات الاخرى فانها تفوق الخيال .
ان الضالعين بشؤون ايران الداخلية يعتقدون ان الاموال التي سرقها احمد الخميني وبطانته وصهره في اربعة اعوام من عمر الزمان يفوق ما استولى عليه الشاه واسرته في ثلاثين عاما من حكمه باضعاف مضاعفة .
(10)
التعذيب البشع في سجون الخميني ابشع من سجون السافاك
ان انين السجناء السياسيين تحت التعذيب في سجون الامام الخميني يسمع الصم وينطق البكم . ان الاعمال الوحشية والربرية التي ترتكب بحق السجناء تفوق كثيرا على ما كانت تحدث في سجون السافاك بل حتى في سجون بوكاسا في افريقيا الوسطى . ان حديث الناس في مجالسهم ونواديهم تدور غالبا على اولئك الذين اصابتهم لوثة عقلية بسبب التعذيب الذي تعرضوا له على يد الحرس الثوري وقد اصبح شفائهم متعذرا لهول العذاب الذي لاقوة من حراس الاسلام على حد تعبير الامام الخميني .
ان قلع الاظافر وحرق الجسد بالسيجار والجلد حتى الاغماء وهكذا التجويع والتعطيش امر رائج في سجون الخميني ولكن الابشع والانكى هو تعذيب الاطفال الرضع امام امهاتهن لاخذ الاعتراف منهن اما ما يلاقيه افراد حزب مجاهدي الخلق على يد هذه الوحوش الكاسرة فقد تفوق الخيال .(7/9)
ان الشرط الاول والاخير لمن اراد من افراد هذا الحزب ان يظهر الندم وينجي نفسه من الاعدام هو ان يعرف اثنان من افراد حزبه للسلطة وان يطلق النار بنفسه على واحد من افراد الحزب عندما يحكم عليه بالاعدام . واخيرا افتى الخميني بتوقيعه على سحب دم المحكومين بالاعدام في محاكمه الثورية حتى يستفاد منه جرحى الحرب مع العراق . انه امر لم يحدث حتى في سجون هيتلر بالمانيا ولا في سجون ستالين في روسيا .
(11)
التاريخ يعيد نفسه
ارى من الضرورة بمكان ان اسرد هنا حديثا دار بيني وبين الخميني عندما كان لاجئا في العراق دخلت عليه في غرفته في النجف الاشرف فرأيته مهموما مغموما حزينا كئيبا فسالته عن سبب حزنه وهمومه فاجابين انه يلاقي من ايادي الشاه الامرين وان انصار هذا الاخير بين رجال الدين الايرانيين ولا سيما انصار الامام الحكيم اقوياء يشلون كلما يريد القيام به واضاف ان امله في ازاحة الشاه اصبح ضعيفا لان الشعب الايراني بدا وكانه مل من القيام بعمل حاد ضده ولاسيما المرجعية العامة المتمثلة بالامام الحكيم تساند الشاه وتؤيده وهذا سند عظيم للنظام الايراني . قلت له ليست العبرة بما تسمعه وتراه هنا بقوة الشاه الظاهرية فانها قوة السيف التي اذا التقي باقوى منه انهار وسقط ان مايحدث الان في داخل ايران يحكي بوضوح ان النظام منهار معنويا وقد وصلت الحالة بالشاه الذي كان الشعب يحبه ويحترمه ويجله انه يتسكع من هذا وذاك كلاما في مدحه ومآثره ان الشاه الذي كان يخاطبه الامام البروجردي العظيم بالشاه نشاه وخلد الله ملكه وصل إلى مرحلة من الضياع بحيث يأبى اصغر رجال الدين منزلة ان يجيب على تحيته وانا واثق تماما ان أي نظام يسقط معنويا لابد وان يسقط عمليا ايضا ولكن الامر بحاجة إلى بعض الوقت .
فكر الخميني مليا ثم قال لي ان ما تقوله صحيح تماما ولكن من المؤسف ان اكثر الناس لايدركون مغزى هذا الواقع اني اخشى ان يدب اليأس إلى نفوس الناس .(7/10)
قلت له لاتخشى ولا تحزن فلا يسقط حق ورائه مطالب .
كان هذا الحوار في عام 1971
وبعد اثنتي عشرة سنة من ذلك اليوم يعيد التاريخ نفسه واذا بالخميني الذي حل محل الشاه بعد اللتيا والتي وكان في بداية ايامه مظهرا من مظاهر الوحدة الوطنية وحب الشعب والتفاني في سبيله يصبح مظهرا من مظاهر القسوة والتوحش والفرقة وسفك الدماء . ويصل حقد الشعب عليه وعلى نظامه واركانه إلى مرحلة لم يحدث لها مثله نظير في تاريخ ايران حديثا وقديما . فاذا به سجين الشعب في جحره بقصبة جماران واركان نظامه بين مقتول ومعوق على يد الشعب الثائر وما بقى منهم لائذون في جحورهم من غضب الشعب واذا ساروا في الشوارع ساروا بسيارات الاسعاف لتمويه هوياتهم .
وفي خلال اربعة اعوام فقط من عمر هذا النظام استطاع ابطال من ابناء الشعب البررة الصامدين ان يرسلوا إلى الدرك الاسفل من النار اكثر من مائة وخميسن رأسا من رؤوسهم الكبيرة والماكرة .
ولم يحدث قط في تاريخ اية امة من الامم في حاضرها وغابرها ان تصل ضحايا اركان النظام الحاكم على يد الشعب إلى هذه الضخامة . انه ايذان بانهيار النظام الذي سقط معنويا وسينهار بكامله في يوم قريب لا مناص منه .
(12)
الخميني يرفض نداء علماء الاسلام
لقد اجتمع في بغداد اربعمائة عالما من علماء الاسلام في منتصف شهر نيسان من هذا العام (1983) وكانوا يمثلون اثنين واربعين بلدا فكان اضخم مؤتمر اسلامي عام يعقد في بغداد . وقد وجه المؤتمرون إلى الخميني نداء يطلبون منه ان يستقبل الوفد الذي انتخبه المؤتمر من كبار علماء الاسلام ليبحثوا معه سبل الاصلاح بين البلدين المسلمين .
وقد كان المؤتمرون من علماء الاسلام متفائلين بنتائج جهودهم الخيرة وذلك لان الرئيس العراقي صدام حسين الذي حضر جلسة من جلسات المؤتمر خاطب العلماء المسلمين بهذه العبارات التي نسجلها هنا وبنصها للتاريخ .
" لقد علمت بانكم قررتم ان ترسلوا دعوة إلى ايران وحسنا فعلتم "(7/11)
" فالواجب الشرعي عندما تتهيأ الظروف يقتضي ان يستمع المسلمون "
" إلى الطرفين لكي يعرفوا الحق واين الحقيقة ونحن من جانبنا ليس"
" لدينا تعصب تجاه اية فكرة منطقية واسلامية وانسانية ، ونحن نعتبر "
" قراركم هذا يحتوي على كل المعاني التي اشرنا اليها .. ورغم اننا في "
" حالة حرب وقد يكون خلافا للمقاييس الدولية ولكناه ليست "
" نقيضة لمقاييسنا الاسلامية والعربية عندما نقول باننا نوافق "
" ونستضيف حتى الخميني نفسه في ان يحضر إلى هذا المكان مثلما"
" سبق لهذا الشعب ولهذه الارض ان استضفته 14 عام اذ ربما في"
" استضافته مرة اخرى ما يذكره بالاستضافة الاولى وما يفتح امام "
" الجميع فرص الخير والسلام والمحبة واكثر من هذا وايضا ربما خلافا "
" للمقاييس المتعارف عليها في العرف الدولي ومسئولية الدول والحكام "
" في الدول اقول مسبقا باننا نوافق على كل قرار تتخذونه في هذا "
" المؤتمر ، ومن الان نعطي الموافقة من اعلى سلطة في الدولة مع الاعتذار "
" لشعب العراق ولفقهاء القانون الدولي والعاملين في السياسة "
" والقوانين اذ ربما ينتقدون صدام حسين ويقولون كيف يجوز لرئيس"
" دولة ان يعطي قرارا مسبقا بالموافقة على امر لايقره ولا يراه ولا"
" يعرفه .. فاقول تعليقا على هذا بأن هذه الصفوة الخيرة التي جاءت"
" من كل بطاح الارض من المسلمين اذا ما اجتمعوا عل رأي فهو "
" الرأي الصواب وحتى لو كان لنا رأي آخر فلا نعتقد بأن رأينا هو "
" اصوب من رأي هذه الجماعة . واذا كل واحد منا اعتبر اجتهاده بانه "
" بديل عن الكل فليس بمقدور أي منا ان يلتقي ويتفاعل مع "
" الاخرين ولنا من تاريخ المسلمين ومن علاقات زعمائها ومفكريهم"
" وقادتهم الاوائل بما في ذلك العلاقة بين قادة المسلمين وبين الرسول "
" الكريم (- صلى الله عليه وسلم -) ما يجعلنا نهتدي إلى الطريق الصحيح " .(7/12)
لقد زعم كثير من اعضاء المؤتمر الاسلامي ان هذا التسامح الكبير في خطاب الرئيس العراقي سيعطي للخميني فرصة ذهبية لقبول الصلح وايقاف النزيف الدموي الذي لايرضى به الله ولا رسوله ولكن الامر المؤسف المحزن هو ان رد الخميني جاء مخيبا للآمال ورفض استقبال قادة المسلمين وفوت على نظامه وعلى نفسه خير الدنيا والاخرة ولم يقنع الخميني برفض نداء الصلح الذي وجهه اليه علماء المسلمين باسم الاسلام ومصلحة المسلمين بل اخذ يشتم ويسب العلماء الذين حضروا بغداد استجابة لنداء القرآن الكريم والواجب الديني وعبر عن المؤتمر بمؤتمر الشياطين .
لقد وجهت إلى الخميني خطابا عبر الاثير بعد ان سمعت مقالته في علماء الاسلام ختمته بهذه العبارة " واما قولك ان مؤتمر علماء المسلمين (1) كان مؤتمر الشياطين فاقول لك وكل اناء بالذي فيه ينضح " .
(13)
الخميني يقول : ( لاتلهيكم الحرب الصغيرة عن الحرب الكبيرة )
جمع الخميني خطباء المساجد واجهزة اعلام نظامه واركان حكومته وخطب فيهم قائلا : " ان مايحدث في لبنان ولا سيما بعد احتلال اسرائيل لتلك البلاد انما هي مؤامرة لصرف انظاركم إلى تلك المنطقة المنكوبة والتقليل من شأن الحرب مع العراق . ان الحرب الكبيرة هي الحرب مع العراق واما الحرب مع اسرائيل فانها الحرب الصغيرة فلذلك لاتلهيكم الحرب الكبيرة عن الصغيرة " . هكذا ساند الخميني بيغن في احتلاله للبنان وهذا هو المنطلق الذي ينطلق الخميني منه لحفظ مصالح الاسلام والمسلمين والامة العربية .
__________
(1) لقد حضرت هذا المؤتمر على رأس وفد من المجلس الاسلامي في غرب امريكا .(7/13)
اما السبب الذي حدا بالخميني ان يخطب هذا الخطاب هو ان احداث لبنان بعد الاحتلال الاسرائيلي لها احدث رد فعل عنيف في ايران ولدى الشعب الايراني الذي بدأ يتسائل لماذا رفض الخميني اقتراح وقف اطلاق النار الذي اقترحه العراق في تلك الايام كي يكرس جهوده لمساعدة اللبنانيين في محنتهم كما انه ظهر شعور عام لدى الايرانيين بمساعدة لبنان . وجاءت تصريحات كبار المسؤولين في الدولة دليلا على اهتمام اركان النظام بما يحدث في لبنان . والخميني على عادته المألوفة ينتظر حتى يقول كل كلمته ثم يدلي برأيه ليحسم الموقف نهائيا وهكذا فعل في احداث لبنان فحسم الموقف في صالح اسرائيل . وبعد ذلك الخطاب لم يسمع احد من المسئولين اية كلمة بالنسبة للبنان ولا الصحف اشارت اليها باهتمام ولا سمح للشعب الايراني ان يبدي شعورا نحو المحنة الكبيرة التي كانت تمر بالشعب اللبناني والمقاومة الفلسطينية . وهنا لابد من تقديم الشكر الجزيل إلى الامام الخميني وذلك باسم بيغن وشارون ومن ورائهما الكسندر هيغ وزير الخارجية الامريكية المعزول والذي خطط لهذا الاحتلال .
(14)
المراهقون في جبهات الحرب مع العراق
قبل انهيار المانيا بشهور قليلة امر ادولف هيتلر بارسال الشباب المراهقين إلى جبهات القتال حتى يسد الفراغ الذي احدثه ضخامة الضحايا بين جنوده . وامر الخميني ان يسد الفراغ الموجود بين جنوده بالشباب الذين لم يبلغوا الحلم ولكن اضاف الخميني مهمة اخرى إلى مهمة المراهقين الذين يساقون إلى جبهات القتال وهي القيام باعمال انتحارية انها السير على الالغام وتفجيرها . ويبدو واضحا ان هذه المهمة التي تناط بالاغنام في اماكن اخرى من العالم لتفجير الالغام تناط في ايران الخميني وفي نظام الجمهورية الاسلامية بالشباب المراهقين السذج الذين تلتقطهم اجهزة الامام من ساحات الابتدائية والثانوية او من الشوارع ليلقوا حتفهم في المناطق الملغومة .(7/14)
وهكذا نرى بوضوح ان قيمة الانسان في الفلسفة الخمينية ارخص بكثير من قيمة الحيوان . حقا ان مايحدث اليوم في ايران يجسد لنا مأساة الانتحار الاجتماعي الذي حدث في غويانا قبل خمسة اعوام ولكن بصورة اكبر واكبر ولايستبعد ابدا ان يكون القس جونس هو الذي الهم الامام الخميني ان يسير على طريقته في الطرف الاخر من الكرة الارضية ولكن بفارق واحد الا وهو ان القس قد انتحر بعد ان اباد التسعمائة شخصا الذين كانوا من مريديه وتابعيه ولكن الامام الخميني لم ينتحر بل ينتظر بفارغ الصبر ان يرى ابادة الامة الايرانية عن بكرة ابيها ليتنفس بعد ذلك الصعداء ويشكر الله على ذلك ويحمده لانه ادخل إلى الجنة امة وشعبا على حد زعمه .
لقد كان اعتراض الآباء والامهات شديدا وعنيفا حيث خرجوا في تظاهرة .
يرددون " اذا كانت هذه شهادة ومن ورائها الجنة فلماذا لم يرسل الخميني ابنه احمد او احد افراد عائلته إلى الجنة " ولكن الحرس الثوري اباد المتظاهرين باسلوبه العنيف واصدر الخميني فتوى يقول فيها " ان الاطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد يستطيعون الذهاب إلى جبهات الحرب مع العراق بدون موافقة ابائهم وامهاتهم " وهكذا افتى الخميني بما يتناقض ودستور الاسلام ونصوصه الواضحة . انها بدعة واضحة في الدين وخروج على اجماع الامة الاسلامية وفقائها .
قائل هذا البيت :
صلى وصام لامر كان يطلبه
لما قضى الامر ما صلى ولا صاما(7/15)
جمال بدوي
الشيعة قادمون
قام بصف ونشر الكتاب
أبو عمر الدوسري
www.frqan.com
القاهرة
1408 هـ = 1988 م
الفصل الأول
أحقاد قديمة
سمعت كلمة " الشيعة " لأول مرة من أمي ... كنت طفلا لا يعي ، وكانت هي دائمة الحديث عن أهل البيت ، بعبارات ملؤها الحب والإجلال . وحب المصريين لأهل البيت معروف ، ومسجل في أدبيات الشعر والأقاصيص والأغاني التي تتردد بطريقة تلقائية ، تنم عن الحب والتعلق بالعترة الشريفة التي تنتسب إلى سيد البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . وكانت أمي تفخر دائماً بأنها تنتسب إلى هذه الدوحة المباركة ، وتحتفظ بين أعز ممتلكاتها بدفتر قديم ، يحوي بين دفتيه أوراقاً قديمة متآكلة ، وكان هذا الدفتر ـ وتسميه السركي ـ يتيح لها الحصول على 25 قرشاً في السنة نصيبها في بيت مال الأشراف ، وكان هذا المبلغ الضئيل مادياً يساوي عندها كنوز قارون ، وكانت تحكي قصة الموكب الذي كانت تراه في طفولتها ، ويخترق شارع الأزهر من العتبة للحسين أثناء احتفال ( العجم ) بذكرى فاجعة كربلاء ، وكان هذا الموكب ، يستمر طوال الأيام العشر الأولى من شهر محرم ، ويختتم في اليوم العاشر وهو يوم استشهاد الحسين . وكانت تروي لي مشهد هذا الموكب ، بطريقة تلهب خيالي وتوقظ أحاسيسي ، وتحرك الدموع في عيوني ، وتدفعني إلى البحث عن سر استشهاد الحسين بهذه الطريقة الأسطورية.(8/1)
وعندما كبرت عرفت أكثر ، وأحببت الحسين والحسن ، وأباهما العظيم فارس الإسلام علي بن أبي طالب ، وأمهما الكريمة فاطمة . وأصبح حب أهل البيت جزءاً من كياني العاطفي ، شأني في ذلك شأن أي مسلم مصري ، إذ يندر أن تجد مصرياً يهبط القاهرة دون أن يزور مساجد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة سكينة .. فهم سادة القاهرة وحماتها الذين تهفو إليهم الأفئدة ، وتتطلع إليهم القلوب ، ولعل هذه المكانة الراسخة لأهل البيت في العاصمة المصرية ، هي التي حجبت عنها أساطين التصوف ، فراحوا يبحثون لأنفسهم عن مواقع أخرى تحقق لهم ما ينشدونه من زعامة شعبية ، فذهب بعضهم إلى الإسكندرية ، وذهب آخرون إلى طنطا ، أو دسوق أو قنا ، أما القاهرة فلا يستطيع زعيم صوفي أن ينافس أهل البيت على زعامتها .
ولعل ارتباط المصريين بأهل البيت ، يفسر العبارة التي سمعتها يوماً من زعيم شيعة لبنان ، الإمام موسى الصدر ، عندما التقيت به غي أبوظبي في الشتاء 1974م ، وهو يتحدث عن حب المصريين لأهل البيت ، إذا قال لي : نحن نعتبركم نصف شيعة . وهي عبارة تعبر عن الواقع أصدق تعبير . فإذا كان المصريون لا يخفون حبهم لأهل البيت ، إلا أنهم لم ينغمسوا في الصرع السياسي الذي دار بين الشيعة وخصومهم حول " الإمامة " ، ولم ينساقوا وراء دعاوى الشيعة التي جعلت من البيت العلوي بيتاً مقدساً ، يجب أن تؤول إليه زعامة المسلمين ، ولم يقتنع المصريون بهالات التقديس التي خلعها الشيعة على أئمتهم ورفعوهم بها إلى مكانة ليس لها أصل في الدين .(8/2)
كان هذا شأني في مرحلة التفتح ، فلما بلغت مرحلة النضج ، بدأت أقلب صحائف التاريخ بحثاً عن أصل المشكلة ، حتى فهمت وعرفت ، ولكنني خلال مرحلة البحث ، كنت حريصاً على أن تظل المعرفة في إطار المحظورات التي لا ينبغي الخوض فيها ، فقد كان اعتقادي أن الخلاف القديم ، الذي مضى عليه أربعة عشر قرناً ، لا يجب أن ننفخ فيه ريح العداء ، حتى لا تذكو ناره ، وكان يقيني أن الكوارث المستجدة التي تواجه أمة الإسلام ، تستدعي تجميد هذا الصراع القديم ، أو نسيانه على الأقل حتى يتمكن المسلمون من مواجهة النكبة العظمى ، وأعني بها نكبة قيام دولة إسرائيل ، التي تحمل من المخاطر أضعاف ما تحمله الحملات الصليبية ، وهذا أمر يتطلب نسيان الماضي والالتفات نحو المستقبل ، إلى أن قامت الثورة الإيرانية بزعامة آية الله خوميني.
وحين اندلعت الثورة كنت أعمل في دولة الإمارات العربية ، مشاركاً في إصدار صحيفة ( الاتحاد ) ، ولا أخفي أنني استقبلت نبأ الثورة بالأمل والتفاؤل . الأمل في قيام دولة إسلامية عصرية ، تقف على قدم المساواة مع الدول الحديثة ، وتصلح ما أفسده الطاغوت السابق محمد رضا بهلوي ، الذي تواطأ مع إسرائيل ضد العرب ، بطريقة سافرة واستولى على ثلاث جزر عربية في الخليج ، وكان الأمل يحدوني في حكام إيران الجدد ، أن يتجاوزوا عقدة الأحقاد المذهبية القديمة ، وينفتحوا على العالم الإسلامي ، بقلوب خالية من الضغينة . وكان أبسط مظهر من مظاهر حسن النية وهو إعادة الحق إلى أهله أي إعادة الجزر إلى أصحابها العرب ، ولكن حكام إيران لم يفعلوا .(8/3)
ومرت الأيام ، وكشفت الثورة الإيرانية عن وجهها الحقيقي ، فإذا بها حركة عنصرية مذهبية ، وإذا بها تحرك كوامن الأحقاد الدفينة التي عفا عليها الزمن ، وتمثل ذلك في حربها ضد العراق ، وجاء العدوان على بيت الله الحرام بمثابة الصدمة لي ، كما هي صدمة لكل مسلم يدرك حرمة البيت الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً ، ورأيت من واجبي أن أتصدى لهذه التصرفات التي تنم عن سوء النية وإحياء الرغبة المكبوتة في السيطرة على العالم العربي ، تصفية للحسابات القديمة ، خصوصاً وأنني تعلمت من التاريخ ، أن الحاضر هو ابن الماضي وأن حكام إيران لم يخفوا نواياهم في احتلال الدول العربية ، بل كشفوا في وضوح وجلاء عن أطماعهم التوسعية ، وتطالعنا في كل يوم ، تصريحات آيات الله التي يعلنون فيها عزمهم على احتلال البيت الحرام في موسم الحج القادم ، وأنهم سيجندون نصف مليون من رجال الحرس الثوري لتنفيذ هذه الحملة المقدسة (!!) فهل من العقل والحكمة أن نقابل هذا المخطط المدمر بالصمت والسكون ـ أو بالتهليل والتكبير (!!) ـ أم نعمل على إحباطه بعد أن ظهرت مقدماته في أحداث الحرم (1407هـ).
ويحز في نفسي أن تمر كل هذه الأحداث الهائلة ، مرور الكرام على عقول بعض الناس الواقعين تحت تأثير الكلمات المعسولة ، والشعارات البارقة ، التي يطلقها حكام إيران عن الثورة الإسلامية ، التي ستقضي على جذور الفساد في المجتمعات العربية ، وستنشر العدل والرخاء على أنقاض الظلم والفقر دون أن يدركوا الأبعاد الحقيقية ، لهذه الانتفاضة الفارسية ، التي تسعى حثيثاً إلى التهام المنطقة العربية ، وتحويلها إلى مستعمرات فارسية ، وتحويل العرب إلى ( موالي ) يخضعون ، للسيادة الفارسية ، مثلما عاش الفرس في ظل السيادة العربية مع بدايات الفتح الإسلامي .(8/4)
هذا المخطط المدروس لا يزال عسير الفهم على بعض المسلمين ، الذين خدعتهم شعارات الثورة ، فراحوا يذرفون الدمع ، أسفاً على الدماء التي أريقت في شوارع مكة ، دون أن يلوموا المتسبب في إراقة هذه الدماء ، هؤلاء المخدوعون جرفتهم دوامة الدعاية ، التي برع الشيعة في حبكها منذ مئات السنين ، والتي تقوم على استثمار الفواجع ، واستدرار الدموع ، حزناً على سقوط الشهداء والضحايا ، دون أن يتركوا الفرصة للناس ، كي يسألوا : فيم كانت الشهادة ؟؟ ولماذا سقط الضحايا ؟؟
إثارة الفتن :
إن المتتبع لأحداث مكة ، يكتشف ببساطة استخدام الشيعة الإيرانيين لهذا المنهج التقليدي ، الذي كان يسلكه أسلافهم على امتداد القرون الخالية ، وهو الانقضاض على السلطات الشرعية ، ثم إثارة الفتن والقلاقل والاضطرابات . فإذا ما تصدت السلطات لهم ، وكالت لهم الضربات ، انطلقوا يملأون الدنيا ضجيجاً عن الظلم والاضطهاد ، والعنت الذي تعرضوا له ، وراحوا يحركون العواطف ويستدرون الدموع، ويدبجون قصائد الرثاء في تمجيد قتلاهم ، والارتفاع بهم إلى مراتب القديسين . والمؤسف أن يلقى هذا الأسلوب العتيق قبولا من بعض المسلمين المعاصرين ، فيرسلوا الدمع أسفاً على شهداء مكة ! مع أن أبسط مقتضيات العقل ، تفرض عليهم أن يسألوا أنفسهم : ما الذي دفعهم إلى هذا المسلك المشين ؟ ومن الذي أوردهم مورد التهلكة حتى يوجه إليه الملام ؟ وهل من آداب الحج انتهاك حرمة المدينة المقدسة ؟ وهل من آداب الضيافة انتهاك حرمة البلد المضيف ؟؟
عقائد الشيعة
وأعود إلى مناقشة دعاوى الغاضبين والعاتبين الذين يدعون إلى وحدة الصف الإسلامي والذين يقولون إن فقهاء السنة ومنهم الشيخ شلتوت أجازوا التعبد على مذهب الشيعة الاثني عشرية . وقد غالى يعض الإخوة فتصوروا أنني أتهم الشيعة بالكفر والإلحاد.(8/5)
وأبدأ بالرد على تصور البعض أنني أتهم الشيعة بالكفر ، فأقول إنني أبرأ إلى الله من هذا الاتهام ، فليس من شيمتي اتهام أحد بالكفر سواء كان شيعياً أو غير سيعي ، فالتكفير من الكبائر التي يأنف منها المسلم ، ويحرص على تجنبها ، لما لها من مخاطر ، كانت سبباً في كثير من الرزايا التي عاناها المسلمون ، قديماً وحديثاً ، وإذا تعرضت لعقائد الشيعة فإنني أتوخى دائماً الرجوع إلى مصادرهم المعتبرة ، وأتجاهل مصادر خصومهم حتى أتجنب شبهة التحامل ، وكان الشيعة ـ على اختلاف فرقهم ـ يطعنون في كل ما يكتب عنهم بحجة أنه يعكس آراء خصومهم ، وبذلك يشككون فيما ينشر عنهم ،وكان لهذا التشكيك بعض الوجاهة في الأزمنة السالفة ، حيث كانت مصادر المعرفة ضيقة ، وإمكانات البحث والتدقيق محصورة في نطاق العلماء والمتخصصين ، إلا أن هذا التشكيك لم يعد له مبرر في العصور الحالية بعد أن اتسعت دوائر المعرفة وأصبحت الكتب في متناول الجميع ، وأصبح في إمكان القاريء العادي أن يستقي معلوماته عن عقائد الشيعة من مظانها الأصلية ومن الكتب التي وضعها علماء الشيعة المعتبرون . فبالنسبة لعقائد الشيعة الاثني عشرية ، هناك مؤلفات الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء ، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الطائفة الإسماعيلية ، وقد كانت معتقداتهم سراً مغلقاً على أبناء الطائفة حتى وقت قريب ، ولكن مع ظهور جيل من المثقفين الإسماعيليين أمكن نشر المخطوطات التي وضعها علماء المذهب ، وقد عكف هؤلاء المثقفون على تنقيح هذا التراث ، وعرضوه في كتب سهلة الهضم ، ويمكن لأي قاريء يريد التوسع في معرفة عقائد هذه الطائفة أن يقتني كتب الدكتور مصطفى غالب ، وهو باحث سوري إسماعيلي متخصص ، وقد حدث نفس التطور ـ بدرجة أقل ـ بالنسبة لمعتقدات الدروز البهرة والنصيرية والأغاخانية، وهي الفرق لتي تفرعت عن الإسماعيلية ، ولا يزال لها وجود في العصر الحالي ، ويستطيع القاريء ، أن يحكم بنفسه على(8/6)
هذه المعتقدات بعد أن يطلع عليها في مراجع أصحابها.
التقريب بين المذاهب
أما القول بصحة التعبد على مذهب الشيعة الاثنى عشرية ، فهو يكشف عن رغبة مخلصة وصادقة في رأب الصدع القائم بين جمهور السنة وفرق الشيعة ، وأقول لأصحاب هذا القول الطيب ـ وهم دون شك مخلصون في دعواهم ـ هلا وجهتم نفس الدعوة إلى علماء الشيعة ؟ وهل يجوز للمسلم الشيعي التعبد على مذهب أهل السنة ؟ أو يصلي خلف إمام سني .
وإذا كان أهل السنة يجيزون التعبد والصلاة خلف أئمة الشيعة فهل قابل الشيعة هذه الخطوة بمثلها ؟ وهل صدرت من جانبهم فتوى تبيح تدريس فقه السنة في المعاهد الشيعية . بل إنني أمضي إلى ما هو أكثر من ذلك فاذكر هؤلاء الأخوة بالروح السمحة التي يبديها جمهور أهل السنة تجاه الشيعة دون أن تقابل بمثلها من الجانب الآخر ، ففي الثلاثينات من هذا القرن ظهرت في مصر دعوة طيبة هدفها التقريب بين الفرق الإسلامية ، وتخفيف حدة الشقاق بينها ، ولم يكن هدفها بالطبع توحيد المذاهب المتنافرة ، فمثل هذا التصور من المستحيلات التي تأبها طبيعة الخلاف الذي نشب بين الفرق الإسلامية منذ صدر الإسلام ، وإنما كان شعارها " أن تأتلف قلوبنا فيما اتفقنا عليه ، وأن يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه " على أكتاف بعض المهتمين بالشئون الإسلامية . أذكر منهم: محمد علي علوبة باشا ، والإمام حسن البنا ، والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ المدني ، والشيخ عبد العزيز عيسى ، والأمير شكيب أرسلان ، الذي كان ينتمي إلى الطائفة الدرزية اسما ويعتنق عقيدة أهل السنة فعلا وقولا ، وقطعت هذه الجمعية شوطا كبيرا في إزالة الجفوة بين أهل السنة وطائفة الشيعة ، وعقدت الكثير من الندوات والمؤتمرات ، وكان من ثمار جهودها تلك الفتاوى التي صدرت بجواز التعبد على مذهب الاثنى عشرية ، وأهمية تدريس المذهب الجعفري في المعاهد الأزهرية . فهل صدر من الجانب الشيعي تصرف واحد يقابل هذه(8/7)
الحسنة بمثلها ، ولا أقول بعشر أمثالها ؟ وهل أصدر علماء المذهب فتوى تخفف من الأحقاد التي يزرعونها في نفس الطفل الشيعي ضد أهل السنة ؟ وهل أصدروا فتوى تمنع سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبى بكر الصديق ، والفاروق عمر بن الخطاب ، وذي النورين عثمان بن عفان ؟ أم أن الطفل الشيعي لا يزال حتى الآن يرضع لبان الحقد على هؤلاء الأئمة العظام بزعم أنهم تآمروا فيما بينهم على سلب السلطة من علي بن أبي طالب ؟!! وكيف نلوم جهلاء الشيعة إذا تجرأوا على سب أجلة الصحابة علنا .. ولا نلوم شيوخ المذهب الذين يغرسون في نفوس العوام بذور الحقد والتطاول على صحابة رسول الله ؟؟.
أمام قبر الرسول :(8/8)
إنني لا أنسى ما حييت هذه الواقعة التي رأيتها بعيني رأسي ، حين كنت أؤدي فريضة الحج ، وذهبت لزيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وسط حشد من الحجاج ، وقد انهمرت عيونهم ، وارتجت قلوبهم، في موقف الجلال والخشوع أمام قبر نبيهم ، وفجأة رأيت رفيقي ـ وهو عالم جليل من تونس اسمه محمود الباجي ـ يمسك بتلابيب أحد الأشخاص وينهال عليه تقريعاً وتوبيخاً ، وأذهلتني المفاجأة ، وتدخلت لتخليص الرجل من براثن الأستاذ الباجي ، وتصورت أن الرجل سرق شيئاً من العالم الجليل ، وكانت المفاجأة حين قال لي الأستاذ الباجي : ليته كان لصاً ، ولكنه شيعي إيراني سمعته يوجه ألفاظ السباب المقذع إلى صاحبي رسول الله الذين يرقدان إلى جواره : أبي بكر وعمر !! قلت للأستاذ الباجي ، ونحن نغادر الحرم النبوي : هذا الرجل وأمثاله ضحية الجهل والحقد الموروث , إنه يردد ألفاظاً غرسوها في نفسه منذ طفولته, وربما أفهموه أن حجه لن يصح إلا إذا سبّ أبا بكر وعمر , بينما الطفل من جمهور أهل السنة , يشب على أهل البيت واحترامهم وتوقيرهم , وهذا فرق هائل بين النفسية الإسلامية السوية , التي تتربى على السماحة والحب , والنفسية المريضة التي تشب على الحقد والتوتر والتعصب المقيت .
وأنا أروي هذه القصة للذين يتكلمون كثيراً عن تضييق شقة الخلاف بين العالم السني وفرق الشيعة , ويوجهون سهام النقد إلى أهل السنة , ولا يجرؤون على التوجه إلى آيات الله الشيعة ليخففوا من تحاملهم على العالم الإسلامي , ويقدموا على خطوة واحدة لإظهار حسن النوايا نحو إخوانهم المسلمين على الشاطيء الآخر.
إن الأخوة الذين يعقدون الآمال على الثروة الإيرانية يتجاهلون حقائق التاريخ التي تفرض نفسها على مجرى الصراع بين العرب والفرس .. وليس أجدى من أن نستمع إلى صوت التاريخ لنعرف الأبعاد المقيمة لهذا الصراع.
الفصل الثاني
الفتنة نائمة .. فمن أيقظها !(8/9)
أعتقد يقينا أن الحرب العدوانية التي تشنها إيران على الدول العربية لن تتوقف بالمداهنة والمواربة والنفاق ، وأن إظهار حسن النوايا لن يفلح في تجنب مجابهة مذهبية مدمرة بين العالم السني والعالم الشيعي ، فالذين أراقوا دماء المسلمين أنهاراً ، وبددوا عائدات البترول في تصدير الثورة، وبث المتفجرات في الكويت ، وإثارة الفتن في أرض الحرمين ، والذين أباحوا لأنفسهم اغتراف السلاح من ترسانة إسرائيل ، إنهم لم يفعلوا كل ذلك على سبيل التسلية أو استعراض العضلات .. ولا حتى لتأديب جيرانهم بحجة البدء بالعدوان كما يزعمون ، ولكنهم أشعلوها حرباً مقدسة لا يخمد أوارها قبل أن تحقق الهدف النهائي منها ، وهو إقامة الإمبراطورية الشيعية الكبرى التي تمتد من باكستان شرقاً إلى سوريا ولبنان غرباً ، وتضم إمارات الخليج ، وتبسط نفوذها على أرض الحرمين ، واليمن وعمان ، ثم تقف في خط المواجهة الصارمة مع مصر ، قلب العالم السني ، وأكبر وحداته البشرية والسياسية والحضارية.
وأية محاولة للتهوين من شأن هذا المخطط الرهيب ، هي من قبيل دفن الرؤوس في الرمال ، والهروب من الواقع ، تماماً كما كان آباؤنا يستبعدون نجاح العصابات الصهيونية في إقامة دولة عنصرية على أرض فلسطين ، وما كان حلماً مستبعداً بالأمس أصبح حقيقة واقعة اليوم وغداً ، وذلك بفضل إصرار أصحاب الحلم على تحقيقه ، وبفضل غفلة الغافلين الذين استبد بهم الغرور وسيطر عليهم حسن الظن ، فاستناموا لحسن النوايا ، واستسلموا لأحلام اليقظة ، فلما استفاقوا على الحقيقة الداهمة ، كانت إسرائيل قد أصبحت قوة لا يستهان بها .(8/10)
ويبدو أننا في صراعنا مع بؤرة الخطر الإيراني التي نشطت منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وبلغت ذروة نشاطها على يد الإمام الخوميني ، يبدو أننا نتعامل معها بنفس الأسلوب الساذج ، الذي يتهرب من مواجهة الواقع قبل استفحاله ، ويترك للزمن مهمة تصريف الأمور ، والانحياز لصالحنا ، حتى صدقت علينا أوصاف خصومنا ، بأن العرب لا يتعلمون من دروسهم ، ولا يستوعبون الكارثة إلا بعد وقوعها ، فيبدأون ملحمة لطم الخدود وشق الجيوب والنحيب على اللبن المسكوب .
انظر، والعجب يستبد بك من هذه الدول العربية التي تجاهلت دعوة مصر في صيف 1987م إلى عقد مؤتمر قمة للدول الإسلامية ، لبحث الموقف البائس الذي تقفه هذه الدول العربية في مواجهة العدوان الإيراني، وفي تصوري أن فكرة مصر بعقد هذه القمة انطلقت من عاملين : أولهما تلافي الحرج من الحركة داخل الجامعة العربية ومصر غير متشرفة بعضويتها (!!) والثاني أن مصر ترى توسيع رقعة المواجهة مع إيران ، ونقلها من الإطار العربي إلى الإطار الإسلامي مادام مضمون الصراع دائراً في فلك المجموعة الإسلامية .
فماذا كان رد فعل الدول العربية ؟
قوبلت فكرة مصر بالتجاهل التام !! والتفت الدول العربية من خلف مصر ، وبعثت بوزراء خارجيتها إلى تونس على أمل استصدار قرار جماعي بمقاطعة إيران دبلوماسياً ، أو إحياء مشروع حلف الدفاع المشترك بين الدول العربية ، فعلت الدول العربية ذلك وهي تعلم علم اليقين استحالة تنفيذ أي منهما ، هل يمكن تصور التوصل إلى مثل هذه القرارات من مجموعة تضم سوريا ـ الحليف الطبيعي للثورة الإيرانية ـ وليبيا ـ بؤرة القلاقل والفتن في العالم العربي ـ ؟؟
بم يمكن وصف مسلك الدول العربية ؟؟
دعنا نصف الأشياء بمسمياتها . فنقول ـ والعوض على الله ـ إنه مسلك يتسم بقصر النظر ، والاستمرار في قطيعة مصر رغم يقينهم أنهم لن يستطيعوا ـ بدون مصر ـ تحريك نملة !!(8/11)
الهروب من الواقع إذن . والجنوح إلى الخيال ، هو الأسلوب الذي تفضله الدول العربية . على أمل أن تتدخل الأقدار ، لتأجيل الصدام المحتوم مع الغزو الشيعي الفارسي ، ومن ناحية أخرى تتصاعد الأصوات الداعية إلى التمسك بالعقل والحكمة ، وعدم التمادي في إثارة إيران خشية وقوع فتنة مذهبية تقسم العالم الإسلامي إلى معسكر سني في مواجهة معسكر شيعي . ونحن بدورنا نسأل أصحاب العقل والحكمة من الذي أيقظ الفتنة من رقادها ؟ من الذي أعاد إلى الأذهان أحاديث الصراع القديم بين أهل السنة وأهل التشيع ؟ لقد كنا ـ أهل السنة ـ نتحرج من الحديث عن الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة ، وكنا نتورع عن إثارة حديث الدماء والضغائن والأحقاد التي عفا عليها الزمن وأصبحت من محفوظات التاريخ ، وكان رائدنا في ذلك ، قولة إمامنا العادل عمر ابن عبد العزيز ( تلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا نلطخ بها ألسنتنا ) ، وهو الإمام الذي منع سب علي وأولاده الطاهرين على المنابر في خطبة الجمعة ، ومن يومها سار جمهور المسلمين على توقير أهل البيت ومحبتهم ، وعاش المسلمون ـ سنة وشيعة ـ في ديار الإسلام في سلام ووئام قبلتهم واحدة ، ونبيهم واحد ، وقرآنهم واحد ، فمن الذي أشعل نار الفتنة المذهبية وكشف الغطاء عن بؤرة الصرع القديم ، الذي مضى عليه أربعة عشر قرناً ؟ !!(8/12)
إن النظرة المتأنية على حركة المد الشيعي ، تكشف عن أبعاد هذا المخطط المرسوم ، الذي بدأ في الظهور في ظل الشاه محمد رضا بهلوي ، فلما نجحت الثورة الخومينية في الإطاحة به تحت سمع وبصر حلفائه الأمريكيين ، خرجت الثورة من عقالها وكشفت عن وجهها العنصري المذهبي ، وعزمها على الإطاحة بالأنظمة العربية ، وإقامة دولة الكفاية والعدل على أنقاض دول الظلم والفساد . ولاقت هذه الدعوة القبول والترحاب من جانب قطاعات كبيرة من المجتمعات العربية ، مدفوعة بحسن النوايا وتمني استعادة مجد الإسلام ، وإقامة دولة الإسلام المثالية ، التي يتحقق فيها العدل والمساواة ، وانساق الكثيرون وراء شعارات الثورة الخومينية ، غير مدركين لأبعادها العنصرية والمذهبية .
نظرة على الحركة الشيعية
انظر إلى ما جرى مؤخراً في باكستان ، تكتشف وقع أقدام الحركة الشيعية وهي تمضي إلى هدفها المرسوم ، فقد تجمع الشيعة هناك في حزب كبير سرعان ما كشف عن نواياه في الالتحام بالثورة الإيرانية ، وغداً سوف تسمع بصدامات دموية بينهم وبين أهل السنة ، وبعد غد سوف تسمع بانقسام باكستان إلى كيان شيعي وكيان سني بعد الانقسام الذي حدث في أوائل السبعينات وكان من آثاره انفصال دولة بنجلاديش.(8/13)
وانظر إلى ما جرى في لبنان خلال السنوات العشر الماضية ، وقد تحول الشيعة ـ الذين كانوا يسمون أنفسهم "المستضعفون في الأرض" ـ إلى جبارين في الأرض يركبون الدبابات ، والمصفحات ، ويذبحون الفلسطينيين ، ويحاصرونهم في المخيمات ، حتى أجبروهم على أكل الكلاب والقطط والفئران ، فلما فرغوا منها تحولوا إلى أكل لحوم البشر!! وفي نفس الوقت ، تحول أهل السنة إلى أذلاء مستضعفين لأنهم آثروا العيش في سلام ، ورفضوا أن يحملوا سلاحاً ، أو يشكلوا ميليشيات كما فعل غيرهم .. فكان جزاؤهم السحل والفتك والاغتيال .. وكان آخر ضحاياهم ( السيد رشيد كرامي ) رئيس وزرائهم الذي فتكوا به داخل طائرة هليكوبتر / وراح دمه هدراً ، وأسفرت التحقيقات الدقيقة عن تعليق الجريمة في رقبة عسكري برتبة " شاويش " ، وحتى هذا الشاويش سهلوا له الهرب إلى السويد ، وحصل على حق اللجوء السياسي (!!).
وانظر إلى سوريا حيث يتربع على عرشها حاكم ينتسب إلى إحدى طوائف الشيعة الممعنة في الغلو والتطرف ، والذي جعل من الجيش السوري فرقة شيعية باطنية ، لا يدخلها إلا شيعي تحت ستار حزب البعث ، وجعل من سوريا رأس الحربة الخومينية إلى العالم العربي ، ويتخذ موقف العداء السافر من العراق ... العربي !!
وانظر إلى الحزب الذي يطلق على نفسه اسم ( حزب الله ) في لبنان والذي تكفل بخطف الأجانب ، والمساومة على إطلاقهم مقابل عشرات الملايين من الدولارات ، أو مقابل فتح مخازن السلاح الإسرائيلي ، لتعب منها إيران وتحصل على ما تشاء من سلاح تقتل به العرب المسلمين في العراق والخليج !!
أبعد كل هذا يكون مجال للحديث عن العقل والحكمة ؟ هل يوجه إلى المظلوم المعتدى عليه ليزداد صبراً وذلاً ، أم يوجه إلى الظالم المعتدي ليكف عن عدوانه ويستمع إلى صوت الله الذي جعل دم المسلم على المسلم حراماً ؟!!(8/14)
إن مسؤوليتنا تجاه عقيدتنا ، ومسؤوليتنا تجاه وجودنا ذاته تفرض علينا أن نصارح شعوبنا بما يدبر لها ، حتى تتيقظ وتتنبه ، وتتسلح بسلاح الوعي إذا عز عليها أن تتسلح بنفس السلاح الذي يحمله المتربصون بها ، ولعل أول أسلحة الوعي أن تقف شعوبنا على أصل الخلاف ، وتقرأ من جديد وقائع وحيثيات الخلاف الذي نشب بين جمهور المسلمين وأهل التشيع ، وما دام خصومنا قد فتحوا الملف بكل الوضوح والسفور ، فلماذا لا نقرؤه ؟
الخلاف حول الحكم
ونقول من البداية إن الخلاف هو في الأصل خلاف سياسي ، أي خلاف حول الحكم ، ولم يكن له أصل ديني ، بمعنى أن الذين وضعوا بذور التشيع لم يختلفوا حول شأن من شؤون الذين والعقيدة ، ولكنهم اختلفوا حول قضية " الإمامة " .. من الذي يحكم المسلمين ؟ وهل المسلمون أحرار في اختيار الحاكم .. أم أن هذا الأمر ليس من الشؤون المفوضة إلى الأمة ، وإنما هو أمر منصوص عليه من صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم ، ومحصور في أحفاده وسلالتهم الذين أطلق عليهم تعبير " أهل البيت " ؟
هذه هي نقطة الخلاف الأساسية بين الجمهور والشيعة ، فجمهور المسلمين يرى أن مسألة الإمام أو الخلافة ( أي خلافة النبي في حكم الجماعة الإسلامية ) هي من أخص شئونهم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل إلى الرفيق الأعلى دون أن يعين الحاكم الذي يخلفه في إدارة شؤون الدولة ، ولم يبين الطريقة التي يتم على أساسها اختيار خليفته ، ولم يحدد الشروط التي يجب أن تتوافر في الحاكم وما إلى ذلك من التفصيلات ، وإنما أوضح القواعد العامة والمثل الأخلاقية التي ينبغي وضعها في الاعتبار عند اختيار الخليفة .
هذه هي القاعدة التي سلكها جمهور الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . وعلى أساسها تم اختيار أبي بكر الصديق خليفة للنبي ، ولكن الشيعة كان لهم رأي آخر .
النظرية الشيعية في الحكم(8/15)
ينظر الشيعة ، على اختلاف فرقهم وتعدد أحزابهم ـ إلى الإمامة نظرة دينية بحتة ، أي أن ليست من الأمور السياسية التي تخضع لإرادة الأمة . فالأمة ليست حرة في أن تختار الإمام ، وبالتالي فإنها ليس من صلاحيتها عزله إذا انحرف أو أخطأ ، والإمام في نظر الشيعة غير قابل للانحراف لأنه معصوم من الخطأ مثل الأنبياء ، غير أنه لا يوحى إليه .
وبناء على هذا الفهم ، فإن الشيعة لا يعترفون بخلافة الراشدين الثلاثة ، الذين تولوا أمر المسلمين ، بعد انتقال الرسول إلى جوار ربه وهم أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن العفان ، ويحصرون الإمامة في علي بن أي طالب وأولاده ، ويزعمون أن الخلافة آلت إلى أبي بكر عن طريق التآمر بينه وبين عمر ، والسيدة عائشة ، وبعض الصحابة الذين يضمرون الضغينة لعلي ، وبناء على ذلك فإنهم ينظرون إلى الخلفاء الثلاثة على أنهم اغتصبوا الحق من أصحابه " علي وبنيه"(8/16)