ولقد بوب الصفار أبواباً عديدة في الجزء الثامن من كتابه لبيان أن أئمة الشيعة يوحى إليهم، ويتنزل عليهم الملائكة.
فإنه عنون الباب التاسع من الجزء الثامن بعنوان (باب ما تزاد الأئمة ويعرض على كل من كان قبلهم من الأئمة، رسول الله ومن دونه من الأئمة عليهم السلام).
وروى تحته أحد عشر حديثاً ومنها ما رواه عن سماعة بن مهران قال:
"قال أبو عبد الله عليه السلام: إن لله عالمين، عالماً أظهر عليه ملائكته، وأنبياءه ورسله، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعالماً استأثر به، فإذا بدا لله في شيء منه أعلمناه ذلك، وعرض على الأئمة الذين كانوا من قبلنا" [بصائر الدرجات الكبرى الباب التاسع من الجزء الثامن ص414].
وفي باب آخر بعنوان (باب في الأئمة أنهم يزادون في الليل والنهار، ولولا ذلك لنفد ما عندهم) سرد ثماني روايات، منها ما رواه عن أبي حمزة الثمالي قال:
"قلت: جعلت فداك كل ما كان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أعطاه أمير المؤمنين بعده، ثم الحسن بعد أمير المؤمنين عليه السلام، ثم الحسين، ثم كل إمام إلى أن تقوم الساعة؟
قال: نعم، مع الزيادة التي تحدث في كل سنة وفي كل شهر، إي والله.. وفي كل ساعة" [بصائر الدرجات الكبرى الباب العاشر من الجزء الثامن ص415].
وما رواه عن بشر بن إبراهيم أنه قال:
"كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة؟ فقال: ما عندي فيها شيء، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا الإمام مفترض الطاعة سألته عن مسألة فزعم أنه ليس عنده فيها شيء، فأصغى أبو عبد الله عليه السلام أذنه إلى الحائط كأن إنساناً يكلمه، فقال:
أين السائل عن مسألة كذا وكذا؟ وكان الرجل قد جاوز أسكفة (عتبة) الباب. قال: هاأنذا، فقال: القوم فيها هكذا. ثم التفت إلي فقال:
لولا نزاد لنفد ما عندنا" [بصائر الدرجات الكبرى الباب العاشر من الجزء الثامن ص416].(6/131)
ثم أورد باباً آخر (باب في الأئمة أنهم يعرفون بالإخبار من هو غائب عنهم).
وسرد تحته روايات عديدة [بصائر الدرجات الكبرى الباب الحادي عاشر ص416 وما بعد].
وبالمناسبة ما دمنا أوردنا روايات وذكرنا أبوباً من (بصائر الدرجات الكبرى) لثقة الشيعة بالأئمة وعظيم تقديرهم لأوصاف الأئمة نريد أن نذكر باباً آخر عقده في آخر جزء من هذا الكتاب لطرافته ولو أنه لا علاقة له بموضوعنا رأساً، وهو باب عنونه بعنوان (باب في ركوب أمير المؤمنين عليه السلام السحاب، وترقيه في الأسباب والأفلاك).
وأطرف من ذلك أن المعلق على الكتاب وهو علامة الشيعة وحجتهم ميرزه محسن، علق على العنوان بقوله:
ولا يخفى ما في عنوان الباب فإنه لا يختص بعلي عليه السلام بل به، وبالحجة المنتظر عليهما السلام" [بصائر الدرجات الكبرى الباب الخامس عشر من الجزء الثامن ص428، وهامش رقم 1 أيضاً].
وروى تحت هذا الباب روايات عديدة، منها ما روي عن أبي جعفر أنه قال:
"أما إن ذا القرنين قد خير السحابين، فاختار الذلول وذخر لصاحبكم الصعب. قلت: وما الصعب؟
قال: ما كان من سحاب فيه رعد وبرق وصاعقة فصاحبكم يركبه، أما إنه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب أسباب السماوات السبع، خمسة عوامر واثنين خراب، وفي رواية أخرى: أسباب السماوات السبع والأرضين السبع" [بصائر الدرجات الكبرى الباب الخامس عشر من الجزء الثامن ص429].
ونرجع إلى موضوعنا فنقول: إن الصفار أدرج في الجزء السابع من الكتاب أيضاً أبواباً كثيرة في هذا الموضوع، وسرد تحتها روايات كثيرة، منها الباب الثاني بعنوان (باب في الإمام بأنه إن شاء أن يعلم العلم لعلم).
منها ما رواه عن عمرو بن سعيد المدائني:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
"إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً علمه الله ذلك" [بصائر الدرجات الكبرى الباب الثاني من الجزء السابع ص335].
وباباً آخر بعنوان (ما يفعل بالإمام من النكت والقذف والنقر في قلوبهم وآذانهم).(6/132)
أورد تحته ثلاث عشرة رواية. منها عن الحارث بن مغيرة أنه قال:
"قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هذا العلم الذي يعلمه عالمكم أشيء يلقى في قلبه أو ينكت في أذنه، فسكت حتى غفل القوم، ثم قال: ذاك وذاك" [بصائر الدرجات الكبرى الباب الثالث من الجزء السابع ص337].
وفي رواية: فقال: وحي كوحي أم موسى، ورواية أخرى: وقد يكونان معاً" [بصائر الدرجات الكبرى الباب الثالث من الجزء السابع ص337، 338].
وعن النجاشي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
"فينا والله من ينقر في أذنه وينكت في قلبه وتصافحه الملائكة.
قلت: كان، أو يكون، أو اليوم؟
قال: بل اليوم.
قلت: كان، أو اليوم؟
قال: بل اليوم والله يا ابن النجاشي حتى قالها ثلاثاً" [بصائر الدرجات الكبرى الباب الثالث من الجزء السابع ص338].
وباب آخر (باب فيه تفسير الأئمة لوجود علومهم الثلاثة وتأويل ذلك).
وروى تحته روايات منها ما رواها عن علي السائي قال:
"سألت الصادق عليه السلام عن مبلغ علمهم؟ فقال: مبلغ علمنا ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث، فأما الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور [أي مكتوب]. وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا، وفي رواية: وأما النقر في الأسماع فإنه من الملك" [بصائر الدرجات الكبرى الباب الرابع من الجزء السابع ص338].
وباب آخر (باب في الأئمة عليهم السلام محدثون مفهمون)، وروى تحته ثماني روايات، منها:
"عن الحكم بن عيينة قال: دخلت على علي بن الحسن يوماً فقال لي: يا حكم.. هل تدري ما الآية التي كان علي بن أبي طالب عليه السلام يعرف بها صاحب قتله ويعلم بها الأمور العظام التي كان يحدث بها الناس؟ قال الحكم: فقلت في نفسي: قد وقفت على علم من علم علي بن الحسين أعلم بذلك تلك الأمور العظام. قال: فقلت: لا والله! لا أعلم به، أخبرني بها يا ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال:(6/133)
والله! قول الله: { وما أرسلنا من رسول ولا نبي ولا محدث } ، فقلت: وكان علي بن أبي طالب محدثاً؟
قال: نعم! وكل إمام منا أهل البيت فهو محدث" [بصائر الدرجات الكبرى الباب الخامس من الجزء السابع ص339، 340].
وفي الباب الذي يليه يبين من هو المحدث، وما هو شأنه؟ بعنوان (باب في أن المحدث كيف صفته؟ وكيف يصنع به؟ وكيف يحدث الأئمة؟).
وأورد تحته ثلاث عشرة رواية، ومنها ما يرويها عن ابن أبي يعفور أنه قال:
"قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نقول: إن علياً عليه السلام لينكت في قلبه، أو ينقر في صدره وأذنه؟
قال: إن علياً عليه السلام كان محدثاً. قال: فلما أكثرت عليه قال: إن علياً عليه السلام كان يوم بني قريظة وبني النضير كان جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره يحدثانه" [بصائر الدرجات الكبرى الباب السادس من الجزء السابع ص341].
وروى عن علي بن الحسين أنه قال:
"علم علي عليه السلام في آية من القرآن وكتمنا الآية. قال: اقرأ يا حمران فقرأت: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي. قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث. قلت: وكان علي عليه السلام محدثاً؟
قال: نعم! فجئت إلى أصحابنا، فقلت: قد أصبت الذي كان الحكم يكتمنا. قال: قلت: قال أبو جعفر عليه السلام كان يقول: علي عليه السلام محدث، فقالوا لي: ما صنعت شيئاً.. ألا سألته من يحدثه؟
قال: فبعد ذلك إني أتيت أبا جعفر عليه السلام فقلت: أليس حدثني أن علياً عليه السلام كان محدثاً؟
قال: بلى! قلت: من يحدثه؟
قال: ملك يحدثه. قال: قلت: أقول: إنه نبي أو رسول؟
قال: لا. قال: بل مثله مثل صاحب سليمان ومثل صاحب موسى، ومثله مثل ذي القرنين" [بصائر الدرجات الكبرى الباب السادس من الجزء السابع ص344].
وباب آخر ( باب من يلقى شيء بعد شيء يوماً بيوم وساعة بساعة مما يحدث).
وروى تحته عن ضريس أنه قال:(6/134)
"كنت مع أبي بصير عند أبي جعفر عليه السلام، فقال له أبو بصير: بم يعلم عالمكم جعلت فداك؟
قال: يا أبا محمد! إن عالمنا لا يعلم الغيب، ولو وكل الله عالمنا إلى نفسه كان كبعضكم ولكن يحدث إليه ساعة بعد ساعة" [بصائر الدرجات الكبرى الباب السادس من الجزء السابع ص345].
وروى أيضاً عن أبي بصير قال:
"قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، أي شيء هو العلم عندكم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار والأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة، وفي رواية أخرى: ما يحدث بالليل والنهار يوماً بيوم وساعة بساعة" [بصائر الدرجات الكبرى الباب السابع من الجزء السابع ص345].
وباب آخر (باب في الأئمة عليهم السلام ورثوا العلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن علي عليه السلام، وإن العلم يقذف في صدورهم وينكت في آذانهم).
وأورد تحته تسع روايات.
وفي الجزء السادس روى رواية في (باب في أمير المؤمنين عليه السلام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه العلم كله، وشاركه في العلم ولم يشاركه في النبوة).
عن حمران أنه قال:
"قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك: قد بلغني أن الله قد ناجى علياً؟ قال: أجل! قد كان بينهما مناجاة بالطائف ونزل بينهما جبريل، وقال: إن الله علم رسوله الحلال والحرام والتأويل، فعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً عليه السلام علمه كله" [بصائر الدرجات الكبرى الباب العاشر من الجزء السادس ص311].
وعلى ذلك ذكر في الجزء الرابع من كتابه (باب في أن الأئمة يخاطبون ويسمعون الصوت ويأتيهم صور أعظم من جبريل وميكائيل) عن أبي عبد الله أنه قال:
"إنا لنزاد في الليل والنهار، ولو لم نزد لنفد ما عندنا، قال أبو بصير: جعلت فداك من يأتيكم به؟
قال: إن منا من يعاي، وإن منا من ينقر في قلبه كيت وكيت، وإن منا لمن يسمع بأذنه وقعاً كوقع السلسلة في الطست. قال: فقلت له: من الذي يأتيكم بذلك؟(6/135)
قال: خلق أعظم من جبريل وميكائيل" [بصائر الدرجات الكبرى الباب السابع من الجزء الخامس ص252].
وكذلك روي في الباب الثامن من هذا الجزء بعنوان (باب في الإمام أنه تراءى له جبريل وميكائيل وملك الموت).
وروي تحت روايات "أن جعفراً وأباه الباقر جاءهما جبريل وملك الموت بصورة شيخ طويل جميل أبيض الرأس واللحية، ورجل أدم حسن الوجه والشيمة وكان الأول جبريل، والثاني ملك الموت" [بصائر الدرجات الكبرى الباب الثامن من الجزء الخامس ص253 وص254 الرواية الأولى والثالثة].
وعلى ذلك ينص القوم بأن أئمتهم أفضل من جميع الأنبياء بما فيهم أولو العزم من الرسل وأعلم منهم، كما بوب صاحبنا هذا محمد بن الحسن الصفار (باب في أمي المؤمنين عليه السلام وأولو العزم أيهم أعلم) [بصائر الدرجات الكبرى الباب الخامس من الجزء الخامس ص247].
كما أن الحر العاملي بوب باباً بعنوان (إن النبي والأئمة الاثنى عشر عليهم السلام أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السابقين، والملائكة وغيرهم، وإن الأنبياء أفضل من الملائكة) [الفصول المهمة في أصول الأئمة باب 101 ص151].
وابن بابويه القمي الملقب بصدوق الشيعة بوب باباً في كتابه بعنوان (أفضلية النبي - صلى الله عليه وسلم - والأئمة على جميع الملائكة والأنبياء عليهم السلام) [عين أخبار الرضا ج1 ص262].
ولا يخلو كتاب من كتب الشيعة إلا وفيه أبواب متشابهة في هذا المعنى.
وقد سردوا تحتها روايات أكثر من أن تحصى حسب تعبير محدث الشيعة الحر العاملي [انظر الفصول المهمة ص154].
منها ما رووا عن أبي جعفر أنه قال لأحد أتباعه: "يا عبد الله! ما تقول الشيعة في علي عليه السلام وموسى وعيسى [انظر قوة القوم وإساءة أدبهم في حق أنبياء الله ورسله حيث لا يستعملون اسم واحد من أئمتهم إلا ويعقبونه بكلمة عليه السلام، وإنما يذكرون أنبياء الله ورسله فيبخلون بالصلاة والسلام عليهم]؟ قال:
قلت: جعلت فداك، وعن أي حالات تسألني؟(6/136)
قال: أسألك عن العلم، فأما الفضل فهم سواء.
قال: قلت: جعلت فداك، فما عسى أقول فيهم.
فقال: هو والله أعلم منهما" [بصائر الدرجات الباب الخامس من الجزء الخامس ص248، الفصول المهمة ص151].
ورووا عن ابنه جعفر أنه قال:
"إن الله خلق أولي العزم من الرسل وفضلهم بالعلم، وأورثنا علمهم وفضلهم، وفضلنا عليهم في علمهم، وعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يعلموا، وعلمنا علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلمهم" [بصائر الدرجات ص248، الفصول المهمة ص152].
وهناك باب آخر بعنوان (باب أن الأئمة عليهم السلام أفضل من موسى والخضر عليهما السلام).
ثم روى تحته روايات عديدة، منها ما رواه عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال:
لقد سأل موسى العالم (يعني الخضر) مسألة لم يكن عنده جوابها، ولقد سأل العالم موسى مسألة لم يكن عنده جوابها، ولو كنت بينهما لأخبرت كل واحد منهما بجواب مسألته، ولسألتهما عن مسألة لا يكون عندهما جوابها" [بصائر الدرجات الكبرى الباب السادس من الجزء الخامس ص250].(6/137)
هذا وإننا لنرى بأن ما أوردناه من الأبواب وسردناه من الروايات يكفي لبيان الحق والحقيقة، والمعتقدات الأصيلة الشيعية في أئمتهم حول نزول الوحي والملائكة عليهم، وأنه لا فرق بينهم وبين أنبياء الله ورسله حيث أنهم يخاطبون ويكلمون، ويقذف في قلوبهم، ويلقى في مسامعهم، وتنزل عليهم الملائكة، جبرئيل ومن دونه وفوقه، ويناجيهم الرب جل وعلا – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – ولا نريد إكثار الروايات المملة في هذا الموضوع مع وجود أضعاف الأضعاف منها في (بصائر الدرجات) وغيره من الكتب المعتبرة الموثقة المعتمدة [ومن أراد الاستزادة فعليه أن يرجع إلى كتب التفسير والحديث فإنها مليئة بمثل هذه الخرافات والترهات] لدى الشيعة، كما نريد أن نبين ههنا أنه لم يكن اختيارنا كتاب (بصائر الدرجات) هذا لبيان معتقدهم في نزول الوحي والملائكة على أئمتهم مع وجود هذه الروايات في كتب الحديث والتفسير الأخرى إلا أن صاحب (البصائر) وهو الصفار من أقدم المحدثين الشيعة وشيخ مؤلفي الصحاح الأربعة أو شيخ شيخهم.
وأيضاً فإن هذا الكتاب لم يؤلف إلا لسرد الروايات الشيعية من الأئمة المعصومين المزعومين في فضائلهم، وإننا لندرك أننا أكثرنا الروايات في هذا البحث خلاف البحوث المتقدمة لأننا لم نورد هذا المبحث وهذه الروايات في كتبنا الأربعة عن الشيعة [الشيعة والسنة، والشيعة وأهل البيت، والشيعة والقرآن، والشيعة والتشيع فرق وتاريخ] ولأنه مهم في فهم أصول الشيعة وعقائدهم.
وجلاء للحق الذي هو واضح وجلي مما سبق نريد أن نذكر بعض العناوين للأبواب التي ذكرها الكليني في (الأصول من الكافي) في هذا الخصوص فقط. وفي كتاب الحجة لا غير كي لا تبقى شبهة لشاك ولا ريب لمرتاب.
فهذه بعض عناوين الأبواب من كتاب الحجة في (الأصول من الكافي) :
باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة.
باب أن الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه.(6/138)
باب أن الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه، وأبوابه التي منها يؤتى.
باب أن الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة.
باب عرش الأعمال على النبي والأئمة.
باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم.
باب أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنه يعرفونها على اختلاف ألسنتهم.
باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء.
باب في أن الأئمة يزدادون في ليلة الجمعة.
باب لولا أن الأئمة يزدادون لنفد ما عندهم.
باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل.
باب أن الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا.
باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء.
باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه علماً إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين، وأنه كان شريكه في العلم.
باب أن الأئمة محدثون مفهمون.
باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة.
باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة.
باب أن الأئمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلا بعهد من الله عز وجل وأمر منه لا يتجاوزونه.
باب أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم، وتطأ بسطهم، وتأتيهم بالأخبار، وهذا آخر ما أردنا ثبته في هذا الباب.
وإن في ذلك لعبرة لأولي الألباب.
الباب الخامس
الشيعة الإثنا عشرية وعقائدهم
الفصل الأول
الرجعة
من الأفكار اليهودية المدسوسة بين المسلمين والتي تولى كبر إثمها ابن اليهودية. البار بها عبد الله بن سبأ.. فكرة الرجعة، أي رجوع الأموات قبل البعث والنشور عند ظهور القائم الشيعي المعدوم المزعوم، من أئمتهم وأتباعهم، مع أعدائهم ومخالفيهم لينتقموا منهم ويشفوا صدورهم كما ذكر المجلسي خاتمة محدثي الشيعة:(6/139)
ويرجع للدنيا يوم ظهور حضرة القائم عليه السلام مَن مَحَض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً، فيرجع أعداؤه لينتم منهم في هذا العالم ويشاهدون من ظهور كلمة الحق وعلو كلمة أهل البيت ما أنكروه عليهم، فتكون رجعة الكفار لينالهم عقاب شديد" [حياة القلوب للمجلس ج3 فصل 35 ص303 نقلاً عن (عقيدة الشيعة) لدونالدس ط عربي].
وهذا الاعتقاد كاد أن يكون من المجمع عليه عند الشيعة، لا خلاف بينهم في ذلك، ولم يشذ فيه أحد ممن يعتد به ويعتمد على قوله كما ذكر الحر العاملي مستدلاً على صحة الرجعة وإمكانها ووقوعها. بإجماع جميع الشيعة الإمامية وإطباق الشيعة الاثنى عشرية على صحة اعتقاد الرجعة فلا يظهر منهم مخالف يعتد به من العلماء السابقين ولا اللاحقين، وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع بورود الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الأئمة عليهم السلام، الدالة على اعتقادهم بصحة الرجعة حتى إنه قد ورد ذلك عن صاحب الزمان محمد بن الحسن المهدي عليه السلام في التوقيعات الواردة عنه وغيرها مع قلة ما ورد عنه في مثل ذلك من نسبة ما ورد عن آبائه عليهم السلام" [الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة للحر العاملي صاحب (وسائل الشيعة) ص34 ط المطبعة العلمية – قم – إيران].
ومثل ذلك ذكره أيضاً مفسر الشيعة القديم أبو علي الطبرسي في تفسيره تحت قول الله عز وجل: { ويوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون } واستدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية بأن قال: إن دخول من في الكلام يوجب التبعيض، فدل ذلك على أن اليوم المشار إليه في الآية يحشر فيه قوم دون قوم، وليس ذلك صفة يوم القيامة، الذي يقول فيه سبحانه: { .. وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً } .(6/140)
"وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - في أن الله سيعيد عند قيا المهدي قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب في القتل على أيدي شيعته والذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته .. على أن جماعة من الإمامية تأولوا ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، وأولوا الأخبار الواردة في ذلك لما ظنوا أن الرجعة تنافي التكليف. وليس ذلك، لأنه ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح والتكليف يصح معها كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة كفلق البحر وقلب العصا تعباناً وما أشبه ذلك، ولأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق التأويل عليها، وإنما المعول في ذلك على إجماع الشيعة الإمامية وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيده" [تفسير مجمع البيان لأبي علي الطبرسي ج4 ص234، 235].
وقبله قال بهذا القول الشريف المرتضى الملقب عند الشعة بعلم الهدى في جواب أسئلة سئل بها عن حقيقة الرجعة فأجاب:
"بأن الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية أن الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي قوماً ممن تقدم موته من شيعته وقوماً من أعدائه" [انظر أعيان الشيعة ج1 الجزء الأول ص132 الطبعة الأولى دمشق].
وقبله شيخ المرتضى وإمام متكلمي الشيعة وفقهائها، محمد بن النعمان الملقب بالمفيد قال:
اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة" [انظر أوائل المقالات ص52].
وقال في موضع آخر في مقالاته تحت عنوان (القول في الرجعة):(6/141)
أقول: إن الله تعالى يرد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز منهم فريقاً ويذل فريقاً ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليهم السلام وعليه السلام.
وأقول: إن الراجعين إلى الدنيا فريقان: أحدهما من علت درجته في الإيمان وكثرت أعماله الصالحات وخرج من الدنيا على اجتناب الكبائر والموبقات، فيريه الله عز وجل دولة الحق ويعزه بها ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه، والآخر من بلغ الغاية في الفساد وانتهى في خلاف المحقين إلى أقصى الغايات وكثر ظلمه لأولياء الله واقترافه السيئات، فينتصر الله تعالى لمن تعدى قبل الممات ويشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات، ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من دوام الثواب والعقاب، وقد جاء القرآن بصحة ذلك، تظاهرت به الأخبار، والإمامية بأجمعها عليه إلا شذاذ منهم تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما وصفناه" [أوائل المقالات ص90].
ونقف هنا برهة يسيرة لنلقي نظرة على مغالطة الدكتور وافي سواء وقع فيها أو أراد إيقاع الناس فيها حيث كتب تحت عنوان الرجعة:
"للرجعة في عقيدة الشيعة الجعفرية مظهران:
النوع الأول: من الرجعة في عقائدهم وهو رجوع الإمام المهدي بمعنى ظهوره من مخبئه وهو موضع اتفاق عندهم، بل هو عماد مذهبهم.
وأما النوع الثاني: وهو رجعة الأبرار والأشرار رجعة مؤقتة فليس من العقائد المتفق عليها عندهم، بل إن كثيراً منهم لينكر هذا النوع من الرجعة" [بين الشيعة وأهل السنة ص57].
ثم كتب في الهامش: انظر أوائل المقالات وتصحيح الاعتقادات للشيخ المفيد، وهو من كبار شيوخهم" [الهامش رقم 47].
ويتلخص ردنا في النقاط التالية:(6/142)
أولاً: إن السيد الدكتور لا يدري إطلاقاً مذهب الشيعة الجعفرية في الرجعة حيث قال: "إن رجعة الأبرار والأشرار رجعة مؤقتة فليس من العقائد المتفق عليها عندهم. بل إن كثيراً منهم لينكر هذا النوع من الرجعة" لأننا كما ذكرنا سابقاً وكما نحن بصدد ذكره أن الشيعة الجعفرية أو الإمامية أو الاثنى عشرية كلهم تقريباً متفقون على هذه العقيدة من أعيانهم وكبرائهم ومشائخهم من المحدثين والمفسرين والفقهاء والكلاميين.
وعلى ذلك قال الحر العاملي:
"فلا يظهر منهم مخالف يعتد به من العلماء السابقين واللاحقين، وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع" [انظر الإيقاظ من الهجعة ص34].
وبذلك قال صدوق الشيعة ورئيس محدثيهم ابن بابويه القمي في كتابه الكلامي تحت عنوان (باب الاعتقاد في الرجعة):
"اعتقادنا يعني معشر الإمامية في الرجعة أنها حق" [نقلاً عن كتاب الهجعة ص39، 40].
وقال الملا باقر المجلسي صاحب (بحار الأنوار) بعد سرد الأخبار الكثيرة عن الرجعة:
اعلم يا أخي أني لا أظن أنك قد ترتاب بعد ما مهدت وأوضحت لك بالقول في الرجعة التي أجمعت عليه الشيعة في جميع الأعصار واشتهرت بينهم كالشمس في رابعات النهار.. وكيف يشك مؤمن بأحقية الأئمة الأطهار فيما تواترت عنهم من مائتي حديث رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم" [بحار الأنوار للمجلسي ج13 ص225 الطبعة الأولى المنقول من كتابنا (الشيعة والتشيع) ص360].
ومثل ذلك قال الحر العاملي:
"ومما يدل على ثبوت الإجماع اتفاقهم على أحاديث الرجعة حتى إنه لا يكاد يخلو منه كتاب من كتب الشيعة، ولا تراهم يضعفون حديثاً واحداً منها، ولا يتعرضون لتأويل شيء منها، فعلم أنهم يعتقدون مضمونها لأنهم يضعفون كل حديث يخالف اعتقادهم أو يصرحون بتأويله وصرفه عن ظاهره" [الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي المتوفى عام 1104 (الباب الثاني في الاستدلال على صحة الرجعة) ص42، 43].(6/143)
وقال أيضاً:
"ومما يدل على ذلك أيضاً كثرة النصوص الصريحة الموجودة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة.. ما يزيد على سبعين كتاباً قد صنفها عظماء الإمامية" [ص43 وما بعدها].
وهذا يدل على أن السيد الدكتور مع ادعائه معرفة مذهب الشيعة لا يعرف عنه شيئاً.
أو . . . وإن بعض الظن إثم!!!
ثانياً: إن الدكتور وافي كتب على هامش الكلام: أوائل المقالات للشيخ المفيد وهو من كبار شيوخهم: كأنه يريد أن يفهم القارئ بأن هذا الكلام منقول عن المفيد الذي له مرتبته وشأنه لدى الشيعة.
ولا أدري كيف أبرر له موقفه هذا، وأجد له المعاذير؟.
مع العبارة الصريحة التي نقلناها عن المفيد التي لا غموض فيها ولا إشكال، "هل السيد الدكتور عجز عن فهم كلام المفيد، الذي يفهمه الصغير والكبير" بلا صعوبة أو مشقة؟
أم أن السيد الدكتور لم يعرف عن كتاب المفيد إلا اسمه، وذكر كتابه دون أن يراجعه أو ينظر ما فيه؟
أم علم وقرأ ولكنه.. معاذ الله أن يذهب بي الخيال إلى ما يريد أن يذهب إليه!.
وكلام المفيد واضح جلي كما ذكرناه آنفاً والذي قال في آخره:
"وقد جاء القرآن بصحة ذلك وتظاهرت به الأخبار، والإمامية بأجمعها عليه، إلا شذاذ منهم تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما وصفناه" [أوائل المقالات للمفيد ص89، 90].
وبعد هذا لا أستيطع أن أعلل كلام الدكتور الذي قال فيه: "إن رجعة الأبرار والأشرار رجعة مؤقتة، فليس من العقائد المتفق عليها عندهم، بل إن كثيراً منهم لينكر هذا النوع من الرجعة: ثم ينسب الكلام إلى (أوائل المقالات) للمفيد.(6/144)
وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على أن السيد الدكتور ومن حذا حذوه ممن تأثروا بدعوة التقريب في مصر يجهلون مذهب الشيعة وعقائدهم، ولا يعلمون عنه وعنها شيئاً مع ادعائهم العلم والمعرفة، ولا يرددون إلا كلمات ألقيت في مسامعهم مزورة مموهة من قبل المخادعين الماكرين [ويؤيد ذلك أيضاً ما سمعته من شريط أرسل إلى قريباً لأحد كبار الكتاب في مصر والدعاة إلى الإسلام، الذي نحسن الظن فيه حيث أنه ردد فيه مثل تلك الكلمات وبرأ ساحة الشيعة من كثير من المعتقدات التي يعتقدونها هم، وخطأ ناساً يتهمونهم باعتقاد التحريف في القرآن وعدم الاعتماد على السنة، وتكفير صحابة النبي وإتيان الفواحش باسم المتعة، وقال: إنها تهم باطلة بتهمهم بها جاهل غير عالم: مع أن حضرته نفسه جاهل في هذا عالم في غيره.
وما أقبح أن يدافع عالم من علماء السنة وعلم من أعلامها، ويبيح الصلاة خلفهم، وهم الذين يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان وأمهات المؤمنين ويغلظون فيهم القول – كما سيأتي بيانه – وكما بيناه مفصلاً في كتابنا (الشيعة وأهل السنة) ولا يؤمنون بالقرآن ولا بالسنة النبوية، وينكرون العقائد الإسلامية الصحيحة ويؤمنون بالأفكار التي أسستها ووضعتها لهم اليهودية الأثيمة. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وإلى الله المشتكى.
ألا يدري هذا العالم ومن يحذو حذوه أنه لا يوجد في الشيعة رجل واحد، نعم رجل واحد يدافع عن السنة وأسلافهم هذا الدفاع المميت في بلادهم، بل لا يوجد أحد منهم يقول لهم: لا تسبوا أصحاب رسول الله فإن قوماً من المسلمين يتألمون من فعلكم هذا: بل يوجد فيهم من يقول وهو محدثهم الكبير:(6/145)
"وهؤلاء (أي أصحاب رسول الله) نتقرب إلى الله تعالى ورسوله ببغضهم، وسبهم، وبغض من أحبهم" (وصول الأخيار إلى أصول الأخبار) لمحدث الشيعة حسين العاملي المتوفى سنة 984 ص164] من الشيعة الذين ترددوا على مصر وعلى البلاد السنية الأخرى التي لم تبتل بالتشيع، ولم يحتج علماؤها ومفكروها إلى معرفة هذه الديانة التي لم تؤسس إلا على أفكار وآراء تعارض الآراء الإسلامية وأفكارها الصحيحة المستقاة من كتاب الله وسنة رسول الله، والمبنية عليهما تماماً.
ومعلوم أن نصوص الكتاب والسنة تخالف هذه العقيدة السخيفة أيضاً حيث أن لا ثواب ولا عقاب ولا جزاء ولا عطاء، ولا حساب ولا كتاب إلا يوم القيامة، وهو يوم الفصل ويوم الدين، يوم البعث ويوم النشور، ويوم الحشر، والآيات القرآنية الناطقة بهذه الحقائق الناصعة أكثر من أن تعد أو تحصى، ومنها ما ذكر فيها حكاية عن المذنبين:
{ حتى إذا جاء أحده الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون * فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون } [سورة المؤمنون الآية 99 وما بعدها].
وهذه الآية صريحة في معناها لا تحتمل التأويل أنه ليس بعد الموت إلا البرزخ إلى يوم البعث، ويوم البعث هو اليوم الذي يفصل فيه بين الصالحين وغير الصالحين، ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
وقال الله عز وجل مبيناً خلقة الإنسان وما إليه يصير في كلامه المحكم:
{ ولقد خلقنا الإنسان من سلاسة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين } [سورة المؤمنون الآية 12 وما بعدها].
وقال الله عز وجل حكاية عن الكفار وأهل النار:(6/146)
{ وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون * أبو آباؤنا الأولون * قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم } [سورة الواقعة الآية 47 وما بعدها].
وقال تعالى:
{ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتعبثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير * فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير * يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم * والذي كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير } [سورة التغابن الآية 7 وما بعدها].
أي لا يكون البعث إلا يوم الجمع للحساب والكتاب ويوم دخول الجنة والنار، لا قبله.
ومثل ذلك قول الله عز وجل:
{ وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور } [سورة الحج الآية 7].
أي لا يكون بعث من في القبور إلا يوم القيامة.
والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، وكذلك الأحاديث الشريفة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وإنها أي مسألة البعث في الدنيا تنافي العقل أيضاً كما فصل القول فيها في الكتب الكلامية.
ولكن الشيعة يعتقدون عكس ذلك ويقولون:
إذا آن قيام القائم ومطر الناس في جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير الناس مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين في أبدانهم في قبورهم، فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون رءوسهم من التراب [الإرشاد للمفيد ص363، إعلام الورى للطبرسي ص462، بحار الأنوار للمجلسي ج13 ص223، الصراط المستقيم للنباتي ج2 ص251].
ويقولون:
إن الحسين عليه السلام يرجع إلى الدنيا مع خمسة وسبعين ألفاً من الرجال [الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص98، 99].
وأيضاً ما رووه عن جعفر أنه قال:(6/147)
إن أمير المؤمنين عليه السلام يرجع مع ابنه الحسين عليه السلام رجعة، وترجع معه بنو أمية، معاوية وآل معاوية، وكل من قاتله، فيعذبهم بالقتل وغيره، ويرجع الله من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً، ومن سائر الناس سبعين ألفاً، ويتلاقون في الحرب مع معاوية في ذلك المكان، ثم يحييهم الله سبحانه مرة فيعذبهم مع فرعون وآل فرعون اشد العذاب، ثم يرجع أمير المؤمنين عليه السلام مرة أخرى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وجميع الأنبياء عليهم السلام" [الأنوار النعمانية للجزائري ص103].
وأكثر من ذلك أنهم قالوا:
لا يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا رد إلى الدنيا من آدم فهلم جراً حتى يقاتل بين يدي علي بن أبي طالب عليه السلام" [تفسير العياشي ج1 ص281، البرهان ج1 ص295، وبحار الأنوار وغيره].
هذا ولقد سردنا روايات كثيرة في هذا المعنى في كتابنا (الشيعة والتشيع فرق وتاريخ)، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى ذلك.
وهذا يدل على أن عقيدة الرجعة عند الشيعة من العقائد المتفق عليها عندهم، ويعدونها من ضروريات المذهب كما صرح بذلك الحر العاملي [انظر: الإيقاظ من الهجعة ص67، وتاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة لعبد الله فياض ص170-ط بيروت].
ونقلوا عن جعفر بن محمد الباقر أنه قال:
"ليس منا من لم يؤمن بكرتنا – رجعتنا – ويستحل متعتنا" [من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي ج3 ص458، وتفسير الصافي للكاشاني 1 ص347].
وقد ألفوا لإثبات هذه العقيدة كتباً كثيرة، منها:(6/148)
(إثبات الرجعة) للملا باقر المجلسي المتوفى عام 1111ه، و(إثبات الرجعة) لجمال الخوانساري المتوفى سنة 1125ه، و(إثبات الرجعة) للحسن الحلي من علماء الشيعة في القرن السابع، و(إثبات الرجعة) لابن المطهر الحلي المتوفى سنة 726ه، و(إثبات الرجعة) لمير محمد عباس التستري الهندي المتوفى سنة 1306ه، و(إثبات الرجعة) لملا سلطان محمود من تلامذة المجلسي، و(إثبات الرجعة) لسليمان القطيفي المتوفى سنة 1266ه، و(إثبات الرجعة) للفضل بن شاذان النيسابوري المتوفى سنة 260ه، و(إثبات الرجعة) ليحيى البحراني، و(إثبات الرجعة) للميرزا حسن القمي، و(إثبات الرجعة) لمحمد رضا الطبسي، و(الإمامية والرجعة) لعبد الله رزاق الهمداني، و(الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) للحر العاملي، و(بشارة الفرج) للملا فرج بن عاشور، و(تفريج الكربة عن المنتقم لهم في الرجعة) لمحمود فتح الله الكاظمي المتوفى سنة 1058ه، و(الجوهر المنضود في إثبات رجعة الموعود) لأحمد بيان الأصفهاني، و(حياة الأموات بعد الموت) لأحمد البحراني المتوفى سنة 1131ه، و(دحض البدعة من إنكار الرجعة) لمحمد علي السنقري، و(دلائل الرجعة) لغلام علي العقيقي، و(الرجعة أحاديثها المنقولة عن آل العصمة) لأحمد بن المحسن، و(الرجعة وظهور الحجة) للميرزا محمد مؤمن الاسترا آبادي المتوفى سنة 1088ه، و(كتاب الرجعة) لمحمد بن مسعود العياشي صاحب تفسير العياشي المشهور، و(كتاب الرجعة) لابن بابويه القمي المتوفى سنة 381ه، و(الرجعة) للملا حبيب الله الكاشاني المتوفى سنة 1340ه، و(النجعة في إثبات الرجعة) لعلي النقي الهندي.
والجدير بالذكر أن هذه العقيدة أعني الرجعة مأخوذة من اليهودية أيضاً كما صرح بذلك جولدزيهر:
"إن فكرة الرجعة ذاتها ليست من وضع الشيعة أو من عقائدهم التي اختصوا بها، ويحتمل أن تكون قد تسربت إلى الإسلام عن طريق المؤثرات اليهودية والمسيحية" [العقيدة والشريعة ص215].(6/149)
وبمثل ذلك قال أحمد أمين:
"اليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة" [فجر الإسلام ص276].
وهذا ظاهر لا يحتاج في إثباته إلى دليل حيث أن المؤرخين والكتّاب في الفرق والأديان صرحوا أن مؤسس الديانة الشيعية عبد الله بن سبأ هو الذي روج فيهم فكرة الرجعة، وهو أول من قال بها كما نقل الطبري:
"كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، أمه سوداء فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول:
العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمداً يرجع؟ وقد قال الله عز وجل: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد.
فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فقبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها" [تاريخ الطبري ج5 ص98، ومثل ذلك في (مقالات الإسلاميين) للأشعري – ج1 ص50 الهامش – ط مصر].
ويوافق الطبري في هذا غيره من المؤرخين.
وبعد هذا لا يبقى مجال للشك على يهودية الفكرة.
وقبل أن ننتقل إلى موضع آخر نقرر هنا أن القوم لا يعتقدون بالرجعة فحسب، بل يتجاوزونها إلى التناسخ حيث أوردوا روايات كثيرة عن أئمتهم المعصومين حسب زعمهم في ذلك المعنى، منها ما رووا أن أبا جعفر الملقب بمؤمن الطاق عند الشيعة، وشيطان الطاق عند الآخرين لقي يوماً من الأيام أبا حنيفة نعمان بن ثابت الإمام رحمه الله، فسأله أبو حنيفة: إنكم تقولون بالرجعة؟
قال: نعم.
قال أبو حنيفة: فأعطني الآن ألف درهم حتى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا.
قال الطاقي لأبي حنيفة: فأعطني كفيلاً بأنك ترجع إنساناً ولا ترجع خنزيراً" [الاحتجاج للطبرسي المتوفى سنة 620ه ج2 ص148، أيضاً الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص66].
وقد روى النجاشي أنه قال له:(6/150)
أريد ضميناً يضمن لي أنك تعود إنساناً، فإني أخاف أن تعود قرداً فلا أتمكن من استرجاع ما أخذت مني" [رجال النجاشي ص288، الإيقاظ ص67].
ومثل هذا كثير.
أما محاولة الدكتور علي عبد الواحد واقي وضع هذه العقيدة السخيفة، يهودية الأصل بجانب عقيدة أهل السنة بالمهدي المنتظر فليس إلا عبثاً محضاً.
وكذلك حكمه على الأحاديث الكثيرة عن ذلك المهدي بأن كثيراً منها موضوع، وما بقي منها ضعيف كل الضعف فليس إلا حكماً جائراً غير صحيح لدى المحققين والنقاد المهرة من أهل السنة.
الفصل الثاني
أعمال العباد
إن الشيعة الاثنى عشرية يقولون: إن أفعال العباد غير مخلوقة لله.. وقد روي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام أنه سئل عن أفعال العباد: هل هي مخلوقة؟
فقال عليه السلام: لو كان خالقاً لها لما تبرأ منها وقد قال سبحانه وتعالى: إن الله بريء من المشركين ورسوله، ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم" [(شرح اعتقادات الصدوق) للمفيد، الملحق بكتاب (أوائل المقالات) ص187، 188].
وقد قال الحر العاملي في كتابه تحت باب: (إن الله سبحانه خالق كل شيء إلا أفعال العباد):
أقول:
"مذهب الإمامية والمعتزلة أن أفعال العباد صادرة عنهم وهم خالقون لها" [الفصول المهمة في أصول الأئمة ص81].
ولكن شيخهم المفيد كره إطلاق لفظ خالق على أحد من العباد حيث قال تحت عنوان (إ الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ويصنعون ويكتسبون ولا أطلق عليهم القول بأنهم يخلقون ولا لهم خالقون)" [أوائل المقالات ص64].
وهذا مخالف لصريح القرآن حيث ذكر فيه:
{ والله خلقكم وما تعملون } [سورة الصافات الآية 96].
و { ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو . . } [سورة غافر الآية62].
و { .. وخلق كل شيء فقدره تقديراً } [سورة الفرقان الآية2].
و { ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه .. } [سورة الأنعام الآية102].(6/151)
وأيضاً { .. قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار } [سورة الرعد الآية16].
وأيضاً { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل } [سورة الزمر الآية62].
وغير ذلك من الآيات الكثيرة.
ومعروف أن أفعال العباد داخلة في "كل شيء".
وقد أقر بذلك الباقر حيث قال:
"إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شيء" [الفصول المهمة ص81].
وأما "نفي نسبة أفعال العباد إلى الله لأن فيها قبيحاً لا يصح أن ينسب إليه" فليس إلا لغواً محضاً؛ لأن الخالق المتعالي خلق كل شيء ثم أخبر الإنسان عن الحسن والقبيح وأمرهم بإتيان الأول واجتناب الثاني وخيرهم في ذلك، وأنار لهم السبل، وأرسل لهم الرسل لبيان الخير والشر، والحق والباطل، والحسن والقبيح، وأعطى لهم عقولاً ليتفكروا بها ويعقلوا، وقلوباً ليتدبروا بها ويتبصروا، قال جل وعلا: { وهديناه النجدين } [سورة البلد الآية10].
و { قل هذه سبيل أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني .. } [سورة يوسف الآية108].
و { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } [سورة الأنعام الآية 153].
وقال:
{ فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } [سورة الزلزلة الآية 7، 8].
وقال:
{ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى } [سورة النجم الآي 39، 40، 41].
أي أن الإنسان ليس مجبوراً محضاً، ولا مختاراً مطلقاً، بل هو بين الجبر والاختيار. إن الله خلق الإنسان، وإن الله يعلم ما سيعمل في حياته ويفعل في مستقبله فخلق أفعاله على علمه ذاك، ويسر له السبل بعد تفويضه الاختيار أن يعمل هذا أو ذاك، وبعد إرشاده أن هذا حسن وذاك قبيح، قال سبحانه وتعالى:(6/152)
{ فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى } [سورة الليل الآية 5-11].
ولم يجبرهم على هذا أو ذاك. قال تعالى:
{ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً .. } [سورة يونس الآية99].
وقال:
{ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة .. } [سورة هود الآية118].
ومعنى هذا كله أن الله خلق أفعال العباد حسب علمه الذي أحاط بكل شيء.
{ . . وكان الله بكل شيء محيطاً } .
و { وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً } [سورة الطلاق الآية 12].
و { . . والله بكل شيء عليم } [سورة النساء الآية 176، وسورة البقرة الآية 282، وسورة النور الآية 35، وسورة الحجرات الآية 16، سورة التغابن الآية 11].
و { إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء } [سورة آل عمران الآية 5 ].
و { .. وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون } [سورة الأنعام الآية 80].
و { .. وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء } [سورة إبراهيم الآية 38].
وأما عقاب العبد وثوابه، فلا يكون إلا على اكتساب العبد ذلك الفعل والعمل به بعد اختياره على كسب ذلك أو تركه، فإن كان شراً فشر، وإن كان خيراً فخير. لا دخل فيه لقدرة العباد على خلق الأفعال أو على عدم الخلق، وهذا ما صرح الله عز وجل في كتابه بقوله:
{ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } [سورة الشورى الآية 30].
وقوله عز وجل:
{ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } [سورة الروم الآية 41].
وقوله تبارك وتعالى:
{ . . وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } [سورة النحل الآية 118].(6/153)
فالثواب والعقاب على الاكتساب لا على الخلق وعدم الخلق، وهذه المسألة قد تاهت فيها عقول الشيعة الإمامية فلم يفهموها، لا في ضوء الكتاب ولا السنة – وهم يعتقدون فيهما ما يعتقدون – ولا في ضوء روايات أئمتهم المعصومين حسب زعمهم، كما روى الكليني وغيره عن أبي بصير أنه قال:
"كنت بين يدي أبي عبد الله عليه السلام جالساً فسأله سائل، فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله من أين لحق الشقاء بأهل المعصية حتى حكم لهم بالعذاب على عملهم في علمه؟
فقال أبو عبد الله: أيها السائل علم الله عز وجل لا يقوم له أحد من خلقه بحقه، فلما حكم بذلك وهب لأهل محبته القوة على طاعته ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله، ووهب لأهل المعصية القوة على معصيتهم لسبق علمه فيهم ومنعهم إطاعة القبول منهم، فوافقوا ما سبق لهم في علمه تعالى ولم يقدروا أن يأتوا حالاً تنجيهم من عذابه، لأن علمه أولى بحقيقة التصديق، وهو معنى شاء ما شاء وهو سره" [الأصول من الكافي باب السعادة والشفاء، ج1 ص152 ط طهران].
وأيضاً ما رواه الكليني عن أبي عبد الله جعفر بن الباقر أنه قال:
لا جبر ولا تفويض ولكنه أمر بين أمرين" [الأصول من الكافي ج1 ص155].
ومثل ذلك روي عن علي بن موسى الرضا – الإمام الثامن لدى الشيعة – وقد رواه يزيد بن عمير أنه قال:
دخلت على علي بن موسى الرضا وقلت له:
يا ابن رسول الله روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: لا جبر ولا تفويض ولكنه أمر بين أمرين، فما معناه؟
فقال: وجود السبل إلى إتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه.
فقلت: فهل لله عز وجل مشيئة وإرادة في ذلك؟
فقال: أما الطاعة فإرادة الله وميشئته فيها الأمر بها والرضا لها والمعاونة عليها، وإرادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لهما والخذلان عليها.
قلت: فلله عز وجل فيها القضاء؟(6/154)
قال: نعم ما من فعل يفعله العباد من خير وشر إلا وفيه قضاء" [الفصول المهمة في معرفة أصول الأئمة ص74].
ومثل ذلك روي أيضاً عن جعفر أنه سئل عن الجبر والقدر؟
فقال: لا جبر ولا قدر، ولكن منزلة بينهما" [الفصول المهمة في معرفة أصول الأئمة ص72].
وروى حريز عن جعفر بن محمد أنه قال:
الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الله أجبر العبد على المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه فهو كافر، ورجل يزعم أن الله فوض الأمور إليهم فهذا وهن الله في سلطانه فهو كافر، ورجل يقول: إن الله كلف العباد بما يطيقون، ولم يكلفهم بما لا يطيقون، فإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ" [الفصول المهمة للحر العاملي ص71، 72].
فحاصل الكلام: أن العبد ليس بمجبور محض ولا بمختار مطلق، لا كما يزعمه الشيعة:
"أن أفعال العباد صادرة عنهم وهم خالقون لها" [الفصول المهمة للحر العاملي ص81].
لأن العقاب والثواب لا يكون على خلق الأفعال، بل على كسب الأفعال.
وأما قولهم: إن نسبة أفعال العباد إلى الله بأنها مخلوقة له، وفيها قبيح لا تصح" فقول مخالف روايات أئمتهم أيضاً حيث أن أئمتهم قالوا كما ذكر محدثوهم أن الله خلق الشر كما خلق الخير، والشر قبيح بلا شك، فكيف ينسبونه – وهم المعصومون حسب زعمهم – إلى الله؟ وهذه هي رواياتهم:
يروي الكليني عن جعفر بن محمد الباقر أنه قال:
"إن الله كتب في كتبه: إني أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخير والشر، فطوبى لمن أجريت على يده الخير، وويل لمن أجريت على يده الشر" [الأصول من الكافي للكليني ج1 ص154].
ومثل ذلك رواه عن معاوية عن أبي عبد الله أنه كان يقول:(6/155)
مما أوحى الله تعالى على موسى وأنزل عليه التوراة: أني أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخلق وخلقت الخير، وأجريته على يد من أحب، فطوبى لمن أجريته على يديه، وأنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخلق وخلقت الشر وأجريته على يد من أريد، وويل لمن أجريت على يده الشر" [الكافي للكليني ج1 ص154].
ومثل ذلك ذكر القمي في تفسيره عنه أنه قال:
قال الله عز وجل: أنا الله لا إله إلا أنا خالق الخير والشر" [الكافي للكليني ج1 ص154].
فهل من مجيب: الشر قبيح أم لا؟
فكيف نسبه أئمتهم المعصومون – حسب زعمهم – إلى الله عز وجل؟
وهم رووا أيضاً في كتبهم عن جعفر بن محمد الباقر أنه نسب خلق الشقاوة إلى الله أيضاً ولا شك في قبحها كما رواه الكليني عن منصور بن حازم أنه قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله خلق السعادة والشقاوة قبل أن يخلق الخلق" [الكافي للكليني ج1 ص154].
ثم وما معنى قول الدكتور عبد الواحد وافي:
"يذهب الشيعة الجعفرية إلى أن العبد يحدث أعماله ولكن بقدرة أودعها الله فيه" [بين الشيعة وأهل السنة ص57].
فمن يكون الموجود الحقيقي إذاً؟ هل الذي أوجد قدرة الفعل في خلقه أم الذي خلقت فيه هذه القدرة على ذلك الفعل؟
لأن العبد محروم من قدرة الإيجاد والإبداع، وقدرة الفعل والاكتساب، وما دام الله هو المبدع وهو الخالق فيه هذه القدرة فلا تنسب ثمرته ونتيجته إلا إليه، ولا دخل للإنسان فيه.
فليتدبر الشيعة في جوابه.
وأما كون الرب خالقاً لأفعال العباد فهل يقال إنه فعل ما هو قبيح منه وظلم أم لا؟ فيجيب على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد على ابن المطهر الحلي بقوله:(6/156)
فأهل السنة المثبتون للقدرة يقولون: ليس هو بذلك ظالماً ولا فاعلاً قبيحاً، والقدرية يقولون: لو كان خالقاً لأفعال العباد كان ظالماً فاعلاً لما هو قبيح منه، وأما كون الفعل قبيحاً من فاعله فلا يقتضي أن يكون قبيحاً من خالقه، كما أن كونه أكلاً وشرباً لفاعله لا يقتضي أن يكون كذلك لخالقه لأن الخالق خلقه في غيره ولم يقم بذاته، فالمتصف به من قام به الفعل لا من خلقه في غيره كما أنه إذا خلق لغيره لوناً وريحاً وحركة وقدرة كان ذلك الغير هو المتصف بذلك اللون والريح والحركة والقدرة والعلم، فهو المتحرك بتلك الحركة، والمتلون بذلك اللون، والعالم بذلك العلم، والقادر بتلك القدرة، فكذلك إذا خلق في غيره كلاماً أو صلاة أو صياماً أو طوافاً لأن ذلك الغير هو المتكلم بذلك الكلام وهو المصلي وهو الصائم وهو الطائف ولكن من قال: إن الفعل هو المفعول يقول: إن أفعال العباد هي فعل الله، فإن قال: وهو أيضاً فعل لهم لزمه أن يكون الفعل والحد لفاعلين كما يحكى عن أبي إسحاق الأسفرائيني.
وإن لم يقل: هي فعل لهم لزمه أن تكون أفعال العباد فعلاً لله لا لعباده كما يقوله الأشعري ومن وافقه من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم الذين يقولون: إن الخلق هو المخلوق، وإن أفعال العباد خلق الله، فتكون هي لله وهي مفعول لله كما أنها خلقه وهي مخلوقة، وهذا الذي ينكره جمهور العقلاء ويقولون: إن مكابرة للحس ومخالفة للشرع والعقل.
وأما جمهور أهل السنة فيقولون: إن فعل العبد فعل له حقيقة ولكنه مخلوق لله ومفعول لله، لا يقولون: هو نفس فعل الله، ويفرقون بين الخلق والمخلوق والفعل والمفعول [منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ج1 ص213، 214].(6/157)
وبعد بيان هذا كله نلقي نظرة عابرة على أخطاء الدكتور وافي في هذا الفصل القصير أيضاً كما عهدناها في جميع الفصول والأبواب، وعلى محاولاته تبرئة الشيعة من كثير من الانحرافات والزيغ والضلال، وتصويبهم في آرائهم ومعتقداتهم، فيقول:
إن الشيعة الجعفرية يتفقون في بعض نواحي هذه العقيدة مع المعتزلة والقدرية ولكنهم يتقون انحراف المعتزلة بعدم موافقتهم لهم على القول بأن العباد خالقون لأعمالهم، وهو القول الذي انحرف به المعتزلة عن الاعتقاد السليم" [بين الشيعة وأهل السنة ص59].
ومن المؤسف حقاً أن الشيخ لا يعلم وهو في هذه المنزلة من العلم وتلك المرحلة من العمر، وبهذه الجرأة في الإقدام على الكتابة لتبرئة الشيعة ما لزمهم من العار والشنار، والقول بالباطل: إن الشيعة اتقوا انحراف المعتزلة بأن العباد خالقون لأعمالهم ذلك القول الذي انحرف به المعتزلة عن الاعتقاد السليم، بل وقعوا في عين ذلك الانحراف كما نقلنا عن الحر العاملي صاحب موسوعة حديثية شيعية كبرى (وسائل الشيعة) حيث يقول:
مذهب الإمامية هو عين مذهب المعتزلة في أفعال العباد، وهذا هو نص عبارته في كتابه (الفصول المهمة في معرفة أصول الأئمة) تحت الباب السابع والأربعين:
إن الله خالق كل شيء إلا أفعال العباد: أقول: مذهب الإمامية والمعتزلة أن أفعال العباد صادرة عنهم وهم خالقون لها" [الفصول المهمة ص80، 81].
وقد أقر بذلك شيخ الشيعة المفيد في كتابه (أوائل المقالات) تحت باب: القول في العدل والخلق، بعد نفي خلق الأفعال عن الله تعالى:
وعلى هذا القول جمهور أهل الإمامة، وبه تواترت الآثار عن آل محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإليه يذهب المعتزلة بأسرها إلا ضراراً منها وأتباعهم وخالف فيه جمهور العامة (أي أهل السنة) وبقايا من عددناهم [أوائل المقالات في المذاهب والمختارات ص63، 64].(6/158)
ونقل هذه العقيدة عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية والشاه عبد العزيز الدهلوي في (التحفة الاثنى عشرية) وغيرهم من علماء أهل السنة والجماعة الذين كتبوا في الرد على الشيعة.
وهذه هي العقيدة المنقولة المتوارثة عن الشيعة قديماً وحديثاً، وقد تجاهلها الدكتور وافي.
وأما تبرئة الدكتور وافي الشيعة وتقريره بأنهم لا يسمون غير الله خالقاً قد انفرد بالخلق والتكوين فليست إلا تبرئة قائمة على حسن الظن وعدم المعرفة بكلام القوم لأن الشيعة ينسبون الخلق إلى غير الله كما مر سابقاً في أفعال العباد، وأيضاً وقد رووه عن فتح بن يزيد الجرجاني أنه قال:
قلت لأبي الحسن عليه السلام: هل غير الخالق الجليل خالق؟
قال: إن الله تبارك وتعالى يقول:
{ . . فتبارك الله أحسن الخالقين } .
إن في العباد خالقين وغير خالقين، منهم عيسى عليه السلام خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله. والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار" [الفصول المهمة ص81].
وهناك روايات أخرى عن أبي جعفر وغيره تدل على أن الخلق ينسب إلى الملك:
"هو الذي خلق سبع سماوات وسبع أرضين وأشياء".
وكذلك ما رواه الكليني أن ملكين خلاقين يخلقان بإذن الله من ذكر وأنثى وشقي وسعيد" [الكافي للكليني ج1 ص152].
وغير ذلك من الروايات.
ولا أدري مع ذلك كيف أباح الدكتور لنفسه أن يدعي هذا الادعاء؟ وأن يلقن الشيعة ويلقي في أفواههم ما لا يقولونه أنفسهم؟
الفصل الثالث
التقية
ذكر الدكتور وافي فيما من معتقدات الشيعة التقية موافقاً إياهم في جوازها، مستنداً على القرآن والسنة حيث يقول:
إننا نتفق معهم في جواز التقية في المواطن التي يشيرون إليها، والتي أجازها القرآن وأجازتها السنة النبوية الشريفة" [بين الشيعة وأهل السنة ص63].(6/159)
ولا يعلم الدكتور أن التقية الشيعية مخالفة للقرآن والسنة كل المخالفة، حيث أن معناها الكذب المحض والنفاق الخالص. ولم ترد آية في القرآن تبيح الكذب والنفاق، لا رواية ع رسول الله تجيزهما، بل على العكس من ذلك وردت آيات كثيرة في القرآن وأحاديث عديدة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحرم هذا وذاك. ولقد صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاجه حيث قال:
النفاق والزندقة في الروافض أكثر من سائر الطوائف، بل لا بد لكل منهم من شعبة نفاق فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب أن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسميه التقية، وتحكي هذا عن أئمة أهل البيت الذين برأهم الله عن ذلك، بل كانوا من أعظم الناس صدقاً وتحقيقاً للإيمان وكان دينهم التقوى، لا التقية.
وقول الله تعالى: { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة } [سورة آل عمران: الآية28]: إنما هو الأمر بالاتقاء من الكفار، لا الأمر بالنفاق والكذب، والله تعالى قد أباح لمن أكره على كلمة الكفر أن يتكلم بها إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان لكن لم يكره أحداً من أهل البيت على شيء من ذلك حتى أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكره أحداً، لا منهم ولا من غيرهم على متابعته، فضلاً أن يكرههم على مدحه والثناء عليه، بل كان علي وغيره من أهل البيت يظهرون ذكر فضائل الصحابة والثناء عليهم والترحم عليهم والدعاء لهم، ولم يكن أحد يكرههم على شيء منه باتفاق الناس.(6/160)
وقد كان في زمن بني أمية وبني العباس خلق عظيم دون علي وغيره في الإيمان والتقوى يكرهون منهم أشياء ولا يمدحونهم، ولا يثنون عليهم، ولا يقربونهم، ومع هذا لم يكن هؤلاء يخافونهم ولم يكن أولئك يكرهونهم مع أن الخلفاء الراشدين كانوا باتفاق الخلق أبعد عن قهر الناس وعقوبتهم على طاعتهم من هؤلاء، فإذا لم يكن الناس مع هؤلاء مكرهين على أن يقولوا بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم.. فكيف يكونون مكرهين مع الخلفاء على ذلك، بل على الكذب وشهادة الزور وإظهار الكفر كما تقوله الرافضة من غير أن يكرههم أحد على ذلك، فعلم أن ما تتظاهر به الرافضة هو من باب الكذب والنفاق، وأن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، لا من باب ما يكره المؤمن عليه من التكلم بالكفر" [منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ج1 ص159، 160 ط باكستان].
وهو كما قاله شيخ الإسلام لأن الشيعة لم يؤسسوا دينهم إلا على الكذب والنفاق، ولم يروجوا ديانتهم إلا بإظهار ما لم يعتقدوه في السر وإعلان ما يبطنون خلافه دون أن يجبرهم على ذلك أحد أو يكرههم، وخير مثال لذلك ما رواه الكشي في كتابه عن أبان بن تغلب أنه قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أقعد في المسجد فيجيء الناس، فيسألوني، فإني لم أجبهم لم يقبلوا مني، وأكره أن أجيبهم بقولكم، وما جاء منكم؟
فقال لي: انظر ما علمت أنه من قولهم فأخبرهم بذلك" [رجال الكشي ص280 – ط مؤسسة الأعلمي كربلاء – العراق، ومثل ذلك في الأصول الأصلية والقواعد الشرعية ص327 – ط مكتبة المفيد قم – إيران].
ومثل ذلك رواه معاذ بن مسلم النحوي قال:
"قال لي أبو عبد الله عليه السلام: بلغي أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟(6/161)
قال: قلت: نعم، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج، إني أقعد في الجامع فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يقولون، ويجيء الرجل أعرفه بحبكم أو مودتكم فأخبره بما جاء عنكم.. قال: فقال لي (أي أبو جعفر): اصنع كذا فإن أصنع كذا!" [رجال الكشي ص218 تحت ترجمة معاذ بن مسلم الحراء النحوي].
ومثل ذلك روى أبو بصير عن محمد الباقر قال:
"خالطوهم بالبرانية (أي ظاهراً) وخالفوهم بالجوانية (أي باطناً)" [الكافي في الأصول للكليني ج2 ص220 ط إيران].
وهذه الروايات الثلاثة صريحة في معناها لا تحتاج إلى تشريح وتوضيح لبيان أن التقية الشيعية ليست إلا النفاق بعينها، وهذا هو المعبر عن المنافقين في القرآن الحكيم:
{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون } [سورة البقرة الآية 14].
وذكره الله في أوصافهم وخصائصهم:
{ . . يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون } [سورة آل عمران الآية 167].
وإن الروايات الشيعية عن أئمتهم المعصومين – حسب زعمهم – التي تنبئ وتخبر أن التقية الشيعية ليست إلا نفاقاً محضاً، كثيرة جداً، وقد أوردنا الكثير منها في كتابنا (الشيعة والسنة) تحت باب (الشيعة والكذب)، وما لم نوردها فيه نذكر بعضاً منها ههنا زيادة للفائدة والمعرفة، فيروي الكليني في كافيه عن هشام الكندي أنه قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
"إياكم أن تعملوا عملاً يعيرونا به، فإن ولد السوء يعير والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً، ولا تكونوا عليه شيناً، صلوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به منهم. والله، ما عبد الله بشيء أحب إليه من الخبء. قلت: وما الخبء؟
قال: التقية" [الأصول من الكافي ج2 ص218 ط إيران].
وروي ابن بابويه القمي عن المدرك بن هزهاز أنه قال:(6/162)
"قال أبو عبد الله عليه السلام: يا مدرك، رحم الله عبداً اجتر مودة الناس إلى نفسه فحدثهم بما يعرفون، وترك ما ينكرون" [كتاب الخصال لابن بابويه القمي 1 ص25 ط إيران].
وكذبوا على أصحاب الكهف حيث اتهموهم بالنفاق وخداع الناس بإظهارهم خلاف ما يبطنون في قلوبهم حيث نقلوا عن جعفر أنه قال:
"ما بلغ التقية أحد تقية أصحاب الكهف إن كانوا ليشهدون الأعياد ويشدون الزنانير فأعطاهم الله أجرهم مرتين" [الأصول من الكافي للكليني ج2 ص218].
مع أن الرب تبارك وتعالى أخبر عكس ذلك حيث ذكر في كلامه المحكم: { .. إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى * وربطنا على قلوبهم إذا قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً * هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً * وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً } [سورة الكهف الآية 13-16].
ولكن القوم يقولون عكس ذلك، ويأمرون الناس بالكذب، وأن يصيروا من المنافقين، الذين قال الله عنهم:
{ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً } [سورة النساء الآية 145].
ومعروف أن الإنسان إذا كان في بلدة يخاف على دينه وعرضه وماله من تعرض المخالفين وجبرهم وظلمهم وقهرهم على عدم إظهار دينه والعمل بأحكامه وتعاليمه، وجب عليه أن يهاجر إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه والعمل به كما قال الله عز وجل:(6/163)
{ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً * ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً } [سورة النساء الآية 97 وما بعدها].
فأمرهم الرب تبارك وتعالى بالهجرة، إلا المستضعفين منهم، فإنه يجوز لهم المكث مع المخالفة والموافقة بقدر الضرورة، ووجب عليهم أيضاً أن يسعوا في الحيلة للخروج والفرار بدينهم.
نعم، إن وقع شخص في أيدي الكفار، وأجبروه على كلمة الكفر بالتخويف والتهديد والحبس والفتك والقتل، جاز له أن ينطق بتلك الكلمة وقلبه مطمئن بالإيمان، وفي تلك الصورة.. فإن التفوه بهذه الكلمة رخصة وعدم التفوه بها عزيمة، ولو قتل دون ذلك فهو شهيد كما يدل على ذلك ما قاله الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه عن رجلين من أصحابه أخذهما مسيلمة الكذاب، فقال لأحدهما:
أتشهد أن محمداً رسول الله؟
قال: نعم، فقال: أتشهد أني رسول الله؟
قال: نعم، ثم دعا الآخر فقال له: أتشهد أن محمداً رسول الله؟
قال: نعم، قال: أتشهد أني رسول الله؟
قال: إني أصم. قالها ثلاثاً، وفي كل يجيبه: إني أصم، فضرب عنقه، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:
"أما هذا المقتول فقد مضى على صدقه ويقينه وأخذ بفضله، فهنيئاً له، وأما الآخر فقد رحمه الله تعالى فلا تبعة عليه" [مشكاة المصابيح].
ولكن الشيعة جعلوا النفاق والكذب عزيمة، والصدق والمجاهرة بالحق رخصة، ولا رخصة أيضاً حيث نقلوا عن أئمتهم المعصومين حسب زعمهم – وهم يكذبون عليهم – أنهم قالوا كما رواه الكليني عن جعفر:(6/164)
يا سليمان، إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله" [الكافي للكليني ج2 ص222، كتاب الإيمان والكفر].
وكما رواه الكليني أيضاً عن جعفر أنه قال لأحد أصحابه معلي بن خنيس: يا معلى، اكتم أمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا، وجعله نوراً بين عينيه في الآخرة، يقوده في الجنة.
يا معلى، من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا ونزع النور من بين عينيه في الآخرة، وجله ظلمة تقوده إلى النار.
يا معلى، إن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له" [الأصول من الكافي ج2 ص223، 224].
وروى الكليني أيضاً عن جعفر عن أبيه محمد الباقر أنه قال:
لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إلي من التقية، يا حبيب، إنه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب، من لم تكن له تقية وضعه الله" [الكافي في الأصول ج2 ص217 كتاب الإيمان والكفر باب التقية].
وعنه أيضاً عن أبي عمر الأعجمي أنه قال:
قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا عمر، إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا النبيذ والمسح على الخفين" [الكافي: 2/217].
كما روى أيضاً عن جعفر أنه قال:
كان أبي عليه السلام يقول: وأي شيء أقر لعيني من التقية، وإن التقية جنة المؤمن" [الكافي ج2 ص220].
هذا وقد أورد عالم شيعي كبير هو عبد الله شبر في كتابه (الأصول الأصيلة والقواعد الشرعية) روايات كثيرة في وجوب التقية، منها ما رواه عن الحسين بن علي أنه قال:
لولا التقية ما عرف ولينا من عدونا.
وعن محمد الباقر أنه قال:
أشرف أخلاق الأئمة والفاضلين من شيعتنا استعمال التقية.
وعن أبيه علي بن الحسين أنه قال:
يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين، ترك التقية وتضييع حقوق الإخوان.
وعن موسى بن جعفر أنه قال لرجل:
لو جعل إليك التمني في الدنيا ما كنت تتمنى؟(6/165)
قال: كنت أتمنى أن أرزق التقية في ديني وقضاء حقوق إخواني، فقال: أحسنت، أعطوه ألفي درهم.
وعن علي بن محمد – الإمام العاشر للشيعة – أنه سئل: من أكمل الناس؟
قال: أعلمهم بالتقية وأقضاهم لحقوق إخوانه إلى أن قال:
فأعظم فرائض الله عليكم بعد فرض موالاتنا ومعاداة أعدائكم استعمال التقية على أنفسكم وأموالكم ومعارفكم، وقضاء حقوق إخوانكم، وإن الله يغفر كل ذنب بعد ذلك ولا يستقصي، فأما هذان فقل من ينجو منهما إلا بعد مس عذاب شديد" [الأصول الأصلية والقواعد الشرعية لعبد الله شبر المتوفى سنة 1242ه ص323، 324 ط قم – إيران].
ورووا أيضاً عن أبي الحسن – إمامهم المعصوم المزعوم – أنه قال:
إن أكرمكم عند الله أتقاكم، قال: أشدكم تقية" [المحاسن للبرقي ص258 باب التقية ط قم – إيران].
وع داود الصرمي أنه قال:
قال لي مولانا علي بن محمد عليه السلام: يا داود، لو قلت: إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً" [كتاب السرائر نقلاً عن (الأصول الأصلية) لعبد الله الشبر ص320 ط قم – إيران].
وروى الطوسي في أماليه عن جعفر أنه قال:
ليس منا من لم يلزم التقية" [الأمالي للطوسي نقلاً عن الأصول الأصلية والقواعد الشرعية لعبد الله الشبر].
فهذه هي التقية الشرعية، وهذه هي مكانتها وشأنها عندهم يقول السيد محب الدين الخطيب المصري في رسالته (الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها مذهب الشيعة الاثنى عشرية):
"وأول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه التقية، فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتطاهرون له به من رغبتهم في التعاون والتقارب، وهم لا يريدون ذلك، ولا يرضون به، ولا يعملون له" [الخطوط العريضة ص8، 9 الطبعة السادسة].(6/166)
وأضف إلى قول السيد الخطيب: إن الشيعة لا يظهرون بغير ما يبطنون لنا أهل السنة خاصة. بل إنهم يعودون على الكذب حتى مع أهل مذهبهم كي يصير الكذب والنفاق سجيتهم وطبيعتهم كما روى الطوسي في أماليه أنه قال جعفر لشيعته:
عليكم بالتقية، فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره وداثاره مع من يأمنه ليكون سجيته مع من يحذره" [الأمالي للطوسي نقلاً عن الأصول الأصلية ص220].
فمن يك هذا دينهم، أيقال عنهم: إننا نتفق معهم في جواز التقية في المواطن التي أشير إليها، والتي أجازها القرآن الكريم وأجازته السنة النبوية الشريفة".
ولقد أخطأ السيد الدكتور حيث قال:
وقد أجازها الشيعة الجعفرية" [بين الشيعة وأهل السنة ص61].
لأن الشيعة لا يجيزونها فحسب، بل يوجبونها كما نقلنا عنهم روايات كثيرة في ذلك، وكما صرح به صدوقهم ابن بابويه القمي في اعتقاداته:
"التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يقوم القائم، ومن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة" [الاعتقادات لابن بابويه القمي].
وقال مفيدهم:
"التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا، وفرض ذلك إذا علم بالضرورة أو قوي في الظن" [شرح اعتقادات الصدوق فصل التقية ص241].
وقال في (أوائل المقالات):
إنها قد تجب أحياناً ويكون فرضاً، وتجوز أحياناً من غير وجوب [أوائل المقالات ص135].
ولقد فصلنا القول في ذلك في كتابنا (الشيعة والسنة) وبحثنا فيه عن الأسباب التي ألجأت الشيعة وأرغمتهم على اعتقادها، كما أوردنا فيه روايات كثيرة ونصوصاً عديدة من كتبهم المعتمدة ورجالاتهم الموثوقين، أعرضنا عن إيرادها ههنا تجنباً للتكرار والإطالة، وعلى كل من يريد أن يعرف حقيقة هذه العقيدة فليرجع إليه، فإنه لا غنى عنه.
ونختم الكلام في هذا المبحث برواية يرويها بخاريهم الكليني عن عبد الله بن يعفور أنه قال:(6/167)
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً، لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق، قال:
فاستوى أبو عبد الله عليه السلام جالساً، فأقبل علي كالغضبان، ثم قال:
لا دين لمن دان الله بولاية إمام ليس من الله" [الكافي في الأصول ج1 ص237 – ط الهند].
فكيف يكون الصدق والوفاء لقوم أمروا بالكذب والنفاق؟
يقول عالم شيعي هندي هو السيد إمام:
"إن مذهب الإمامية وأهل السنة عينان تجريان إلى مختلف الجهات، وإلى القيامة تجريان هكذا متباعدتين، لا يمكن اجتماعهما أبداً" [مصباح الظلم للسيد إمداد إمام ص41، 42].
الفصل الرابع
البَداء
هنالك عقيدة شيعية أخرى لا تقل شناعة عن العقائد الأخرى التي يختص بها القوم، وهي عقيدة البداء في الله.
ومعنى البداء الظهور بعد الخفاء كما ذكر ذلك السيد محسن الأمين في كتابه (الشيعة بين الحقائق والأوهام) تحت عنوان البداء:
البداء مصدر بدا يبدو بداء أي ظهر، ويستعمل في العرف بمعنى الظهور بعد الخفاء، فيقال: فلان كان عازماً على كذا ثم بدا له فعدل عنه" [الشيعة بين الحقائق والأوهام ص45، 46 الطبعة الثالثة سنة 1977م بيروت].
وبمثل ذلك نقل ابن منظور الأفريقي عن اللغويين حيث قالوا:
البداء استصواب شيء بعد أن لم يعلم.. وقال الفراء: بدا لي بداء أي ظهر لي رأي آخر وأنشد:
لو على العهد لم يخنه لدمنا ثم لم يبد لي سواه بداء
قال الجوهري: وبدا له في الأمر بداء أي نشأ له فيه رأي – وذكر أيضاً -: بدا لي أي تغير لي رأي على ما كان عليه" [لسان العرب ج14 ص66 ط مصر وبيروت].
وفي هذا المعنى استعمل هذا اللفظ في القرآن الكريم:
{ . . وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } [سورة الزمر الآية 47].
{ وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون } [سورة الزمر الآية 48].(6/168)
{ وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون } [سورة الجاثية الآية 33].
{ . . قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر } [سورة آل عمران الآية 118].
وأيضاً: { . . فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما . . } [سورة الأعراف الآية 22].
ففي كل الآيات استعمل هذا اللفظ بمعنى الظهور بعد الخفاء.
وتجيز الشيعة هذا البداء لله، أي يظهر له أمر بعدما كان خفياً عليه – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – كما تنص على ذلك روايات شيعية كثيرة في أمهات كتبهم، المعتمدة الموثوقة، منها مارووه عن جعفر أنه كان يقول بإمامة ابنه إسماعيل بعده، ثم مات إسماعيل في حياته فقال:
ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني" [كمال الدين وتمام النعمة لابن بابويه القمي ج1 ص69 – ط طهران سنة 1395ه، وفرق الشيعة للنوبختي ص64، وكتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الله القمي ص78 ط طهران سنة 1963م، والأنوار النعمانية ج1 ص359 ط إيران]
ومثل ذلك ما رواه الكليني في كافيه عن إمامهم العاشر علي بن محمد المكنى بأبي الحسن أنه لما مات ابنه الأكبر محمد المكنى بأبي جعفر وبقي له ابنه الأصغر الحسن المكنى بأبي محمد قال كما روى أبو هاشم الجعفري:
كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد ما مضى ابنه جعفر وإني لأفكر في نفسي أريد أن أقول: كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهم السلام وأن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجي بعد أبي جعفر عليه السلام فأقبل عليّ أبو الحسن قبل أن أنطق فقال:
نعم يا أبا هاش، بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلام ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون، وأبو محمد ابنى المخلف من بعدي [الأصول من الكافي ج1 ص327].
وكما رواه أيضاً عن محمد بن عبد الله الأنباري أنه قال:(6/169)
كنت حاضراً أبا الحسن عليه السلام لما توفي ابنه محمد فقال للحسن:
يا بني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً [الأصول من الكافي ص326].
وهذه الروايات الثلاثة صريحة في معناها بأن الله لم يكن يعلم بأن كلاً من إسماعيل بن جعفر، ومحمد بن علي لا يصلحان للإمامة، وخفي الأمر عليه، ثم ظهر له عدم صلاحيتهما لتلك المنزلة وذلك المنصب فأحدث الإمامة في موسى بن جعفر وحسن بن علي.
هذا وروى محدثو الشيعة روايات كثيرة في هذا المعنى، منها ما رواه ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق عن علي بن موسى الملقب بالرضا – الإمام الثامن لدى الشيعة -:
لقد أخبرني أبي عن آبائي عليهم السلام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن الله أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلاناً الملك: أني متوفيه إلي كذا وكذا.
فأتاه ذلك النبي فأخبره، فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير، قال: يا رب، عجلني حتى يشب طفلي ويقضى أمري.
فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي أن ائت الملك فأعلم أني قد أنسيت في أجله وزدت في عمره إلى خمس عشرة سنة، فقال ذلك النبي عليه السلام: يا رب، إنك لتعلم أني لم أكذب قط، فأوحى الله عز وجل إليه: إنك عبد مأمور فأبلغه ذلك، والله لا يسأل عما يفعل [عيون أخبار الرضا ج1 ص181، 182 تحت عنوان (البداء وما يتعلق به)].
ورووا مثل ذلك عن نبي الله عيسى الناطق بالوحي أنه مر بقوم مجلبين كما نقله القمي عن جعفر بن محمد فقال عيسى عليه السلام:
ما لهؤلاء؟
قيل: يا روح الله إن فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه قال: يجلبون اليوم ويبكون غداً، فقال قائل منهم: ولم يا رسول الله؟(6/170)
قال: لأن صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه، فقال القائلون بمقالته: صدق الله وصدق رسوله، وقال أهل النفاق: ما أقرب غداً، فلما أصبحوا جاءوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء، فقالوا: يا روح الله إن التي أخبرتنا أمس أنها ميتة لم تمت، فقال عيسى عليه السلام: يفعل الله ما يشاء، فاذهبوا بنا إليها، فذهبوا يتسابقون حتى قرعوا الباب فخرج زوجها، فقال له عيسى عليه السلام: استأذن لي إلى صاحبتك، قال: فدخل عليها فأخبرها أن روح الله وكلمته بالباب مع عدة، قال: فتخدرت، فدخل عليها فقال لها: ما صنعت ليلتك هذه؟
قال: لم أصنع شيئاً إلا وقد كنت أصنعه فيما مضى إنه كان يعترينا سائل في كل ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثله، وأنه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغيل، فهتف فلم يجبه أحد، ثم هتف فلم يجبه أحد حتى هتف مراراً، فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى أنلته كما كنا ننيله، فقال لها: تنحي عن مجلسك: فإذا تحت ثيابها أفعى مثل جذعة عاض على ذنبه، فقال عليه السلام: بما صنعت صرف الله عنك هذا [أمالي الصدوق المجلسي الخامس والسبعون ص404، 405].
وكذبوا على نبي الله محمد صلوات الله وسلامه عليه نقلاً عن جعفر أيضاً أنه قال:(6/171)
مر يهودي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عليك، فقال أصحابه: إنما سلم عليك بالموت. قال: الموت عليك. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : كذلك رددت، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن هذا اليهودي يعضه أسود في قفاه فيقتله. قال: فذهب اليهودي فاحتطب حطباً كثيراً فاحتمله، ثم لم يلبث أن انصرف فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ضعه فوضع الحطب فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود، فقال: يا يهودي ما عملت اليوم؟ قال: ما عملت عملاً إلا حطبي هذا احتملته فجئت به وكان معي كعكتان فأكلت واحدة وتصدقت بواحدة على مسكين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
بها دفع الله عنه، وقال: إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان" [الكافي للكليني ج4 ص5 – كتاب الزكاة].
ومعنى الروايتين واضح جلي أن نبي الله عيسى عليه السلام أخبر بموت العروسة بإخبار من الله عز وجل وبوحي منه وخفي على الله – عياذاً بالله – بأن العروسة واليهودي لا يموتان في وقتهما الذي حدد لموتهما العارضة تعرض، وسبب يحدث، كما لم يظهر له – تعالى الله عما يقولونه علواً كبيراً – أن رسوليه يكذبان من قبل المعاندين، ويهزأ بهما من قبل المنافقين، ويتكلم الناس في أمرهما ما يتكلمون، ويكون في أيديهم حجة لتكذيبهم إياهم وللرد على مقولاتهم وأنبائهم فلا يبقى إذاً معنى النبوة والنبوءة.
وعلى ذلك اضطرب القوم في أمر هذه العقيدة الخبيثة، المتفق عليها عند جميع الشيعة كما قال شيخهم المفيد: واتفقت الإمامية على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس [أوائل المقالات ص52].(6/172)
فهذه العقيدة المتفقة عندهم جعلتهم يضطربون عند الإيرادات والإشكالات ولا يجدون عنها مخلصاً إلا بالتأويلات الركيكة والتوجيهات الضعيفة الرخيصة، منها ما التجأ إليه كاتب شيعي دعائي في كتابه الدعائي (المشهور أصل الشيعة وأصولها)، وضعف قوته وفتور همته وقلة حيلته وعدم ثقته بكلامه تتدفق من عبارته وهو يقول:
أما البداء الذي تقول به الشيعة الذي هو من أسرار آل محمد - صلى الله عليه وسلم - وغامض علومهم حتى ورد في أخبارهم الشريفة أنه: ما عبد الله بشيء مثل القول بالبداء، وأنه: ما عرف الله حق معرفته ولم يعرف بالبداء، إلى كثير من أمثال ذلك، فهو عبارة عن إظهار الله جل شأنه أمراً يرسم في ألواح المحو والإثبات وربما يطلع عليه بعض الملائكة المقربين أو أحد الأنبياء والمرسلين فيخبر الملك به النبي، والنبي يخبر به أمته، لم يقع بعد ذلك خلافه لأنه محاه وأوجد في الخارج غيره وكل ذلك كان جلت عظمته يعلمه حق العلم ولكن في علمه المخزون المصون الذي لم يطلع عليه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي ممتحن، وهذا المقام من العلم هو المعبر عنه القرآن الكريم بأم الكتاب المشار إليه، وإلى المقام الأول بقوله تعالى: { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } ، ولا يتوهم الضعيف أن هذا الإخفاء والإبداء يكون من قبيل الإغراء بالجهل وبيان خلاف الواقع، فإن في ذلك حكماً ومصالح تقصر عنها العقول وتقف عندها الألباب [أصل الشيعة وأصولها لمحمد الحسين آل كاشف الغطاء ص148].
ثم إن القوم لم يقفوا في سرد الروايات لدعم عقيدتهم هذه إلى هذا الحد بل قالوا: إن نبي الله لوطاً عليه السلام كان يخاف من البداء لله إلى حد أنه طالب ملائكة العذاب أن يعجلوا بقومه العذاب كي لا تتغير إرادة الله فيهم بسبب من الأسباب التي خفيت عليه وتظهر فيما بعد.
وهذه هي عبارة القوم نقلاً عن محمد الباقر بعد ذكر رسل الله الذين أرسلوا إلى قوم لوط:(6/173)
قال لهم لوط: يا رسول ربي فما أمركم ربي فيهم؟
قالوا: أمرنا أن نأخذهم بالسحر.
قال: فلي إليكم حاجة.
قالوا: وما حاجتك؟
قال: تأخذونهم الساعة، فإني أخاف أن يبدو لربي فيهم.
فقالوا: يا لوط، إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب [الكافي في الفروع للكليني ج5 ص546، كتاب النكاح باب اللواط].
وقد بالغوا هذا حتى قالوا نقلاً عن محمد الباقر: أنه قال:
إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النطفة التي مما أخذ عليها الميثاق في صلب آدم أو ما يبدو له فيه ويجعلها في الرحم حرك الرجل للجماع وأوحى إلى الرحم – أن افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي وقضائي النافذ وقدري، فتفتح الرحم بابها فتصل النطفة إلى الرحم، فتردد فيه أربعين يوماً. ثم تصير علقة أربعين يوماً، ثم تصير مضغة أربعين يوماً، ثم تصير لحماً تجري فيه عروق مشتبكة، ثم يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء الله فيقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم وفيها الروح القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ويشقان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن بإذن الله، ثم يوحي الله إلى الملكين: اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمرين واشترطا لي البداء فيما تكتبان.. فيملي أحدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح ويشترطان البداء فيما يكتبان [الكافي في الفروج ج6 ص13، 14 كتاب العقيقة باب بدء خلق الإنسان].
وقد عظموا هذه العقيدة حتى نقلوا عن أئمتهم أنهم قالوا:
"ما عبد الله بشيء مثل البداء" قاله محمد الباقر [الكافي في الأصول ج1 ص146، كتاب التوحيد باب البدء].
وعن جعفر أنه قال:
"ما عظم الله بمثل البداء" [الكافي في الأصول].
وعنه أيضاً ما نقله مالك الجهني أنه قال:
"لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما افتروا من الكلام فيه [الأصول من الكافي 1/148].
وعن مرازم بن حكيم أنه قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:(6/174)
ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله بخمس خصال: بالبداء، والمشيئة، والسجود والعبودية، والطاعة [الأصول من الكافي].
وأخيراً ما رواه الريان بن الصلت أنه قال:
"سمعت الرضا عليه السلام يقول: ما بعث الله نبياً قط إلا بتحريم الخمر، وأن يقر لله بالبداء" [الكافي في الأصول 1/148].
هذا ما يقوله الشيعة عن الله ويعتقدوه فيه وراثة عن اليهودية البغيضة، وناقلة أفكارها الخبيثة من قول اليهود:
"رأي الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم. فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته الإنسان مع البهائم ودبابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم [سفر التكوين من التوراة الإصحاح السادس الفقرة 5، 6، 7].
ومثل هذه الفقرات كثيرة في التوراة واضحة تشير إلى أن الله فعل شيئاً ولم يكن ليفعل لو عل في حينه أن نتيجته خلاف ما أراده، وخفي عليه ما ظهر فيما بعد – سبحانه عما يصفو.
وأما ما يقوله الرب جل وعلا في كتابه المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو مخالف تمام المخالفة لما يعتقده اليهود والشيعة يقول الرب عز وجل عن نفسه:
{ . . عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين } [سورة سبأ الآية3].
وقال:
{ وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .. } [سورة يونس الآية61].
وقال:
{ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } [سورة الأنعام الآية 59].
وأمر ملائكته أن يقولوا:
{ وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسياً } [سورة مريم الآية 65].
وقال على لسان موسى عليه السلام:(6/175)
{ . . لا يضل ربي ولا ينسى } [سورة طه الآية 52].
وقال:
{ . . وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً } [سورة الطلاق الآية 12].
وقال: { . . وكان الله بكل شيء محيطاً } [سورة النساء الآية 126].
وقال: { . . ألا إنه بكل شيء محيط } [سورة فصلت الآية 54].
والآيات في هذا المعنى كثيرة لا تعد ولا تحصى.
أما الشيعة فيعتقدون في الله عكس ما يقوله الرب عنه جل جلاله، وعم نواله، مصرحين بأن الله تعالى ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهراً [رسالة أعلام الهدى في تحقيق البداء لنظام الدين الجيلاني الشيعي نقلاً عن تحفة اثنى عشرية ص226].
ولماذا قالوا بالبداء؟
هؤلاء القوم لماذا يقولون بهذه المقالة الشنيعة؟
يجيب على ذلك أقدم من كتب في فرق الشيعة من الشيعة ومن يليه أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي، وسعد بن عبد الله القمي في كتابيهما (فرق الشيعة)، وكتاب (المقالات والفرق) نقلاً عن سليمان بن جرير:
"إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذبهم أبداً، وهما القول بالبداء، وإجازة التقية.
فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون، والإخبار بما يكون في الغد، وقالوا لشيعتهم: إنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا، فإن جاء ذلك الشيء على ما قالوه قالوا لهم:
ألم نعلمكم أن هذا يكون، فنحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمته الأنبياء عن الله ما علمت، وإن لم يكن ذلك الشيء الذي أخبروا به على ما قالوا، اعتذروا لشيعتهم بقولهم: بدا لله في ذلك بكونه.
فما أصدقه وأحسن به.
هذا ولم يقولوا بهذه المقالة ولم يعتقدوا بهذا الاعتقاد إلا لمخالفتهم المسلمين أهل السنة حيث أنهم أسسوا قواعد مذهبهم على مخالفة العقائد الإسلامية الخالصة المستقاة من كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه كما بيناه فيما مضى.(6/176)
وليس الأمر كما تصوره السيد الدكتور ومن يحذو حذوه ويسلك مسلكه دون علم أو برهان.
الفصل الخامس
الجفر
وأما الجفر الذي تعرض لذكره الدكتور وافي وحين قال:
"هذا الكتاب لم تتصل روايته، ولا عرف عينه ولا صحة نسبته إلى الإمام جعفر، ومع تردد ذكره في الكتب المعتمدة عند الشيعة الجعفرية، فإن معظمهم لا يعرض لتأييده". فإنه ثابت موجود لدى الشيعة الاثنى عشرية، مقرر عندهم، ولم يعرض أحد لرده خلاف الدكتور، وقد صحت نسبته إلى جعفر بن الباقر حسب زعم القوم واتصلت روايته، فإن محمد بن الحسن الصفار مثلاً الذي يعد من أصحاب الحسن العسكري – الإمام الحادي عشر المعصوم المزعوم – ومن أساتذة أئمة الحديث الشيعي كالكليني ووالد صدوق الشيعة علي بن الحسين، وغيرهم، ذكر في كتابه (بصائر الدرجات) أربعاً وثلاثين رواية موصولة متصلة، منها واحدة ثلاثون عن جعفر بن محمد، وواحدة منها عن أبيه محمد الباقر، وأخرى عن أبيه ابن الحسين، والثالثة منها عن أبي الحسن.
وكذلك أورد الكليني إمام محدثي الشيعة ثماني روايات في ذكر الجفر، كلها عن جعفر بن محمد، روايات متصلة صحيحة الإسناد حسب قواعد الشيعة وأصول القوم.
ولا أدري على أي أساس قال ما قاله سيادته في ذلك، تبرئة لساحة الشيعة عما يلزمهم من الشناعة والسخرية بسبب عقائدهم الغريبة.
ونود أن نورد هنا روايات كي يعرف القارئ الجفر الشيعي الذي يؤهل أئمة الشيعة أن يساووا الأنبياء والمرسلين، بل وأكثر من ذلك أن يضاهوا علم الله بعلمهم ومعرفتهم ما سيكون ويحدث إلى يوم القيامة – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون.
فيروي الكليني عن أبي بصير أنه قال:
دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك، إني أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي؟
قال: فرفع أبو عبد الله ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه، ثم قال:(6/177)
يا أبا محمد، سل عما بدا لك. قال: قلت: جعلت فداك، إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم علياً عليه السلام باباً ينفتح له منه ألف باب؟
قال: فقال: يا أبا محمد، علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً عليه السلام ألف باب يفتح من كل باب ألف باب.
قال: قلت: هذا والله العلم. قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال إنه لعلم وما هو بذاك . . ثم قال:
وإن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر؟
قال: قلت: وما الجفر؟
قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل" [الكافي في الأصول كتاب الحجة باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام ج1 ص239].
وروي أيضاً عن الحسين بن أبي العلاء أنه قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن عندي الجفر الأبيض، قال: فقلت: أي شيء فيه؟
قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليه السلام، والحلال والحرام .. وعندي الجفر الأحمر، قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟
قال: السلاح، وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، فقال له عبد الله بن أبي يعفور: أصلحك الله. أيعرف هذا بنو الحسن؟
فقال: إي والله كما يعرفون الليل أنه ليل، والنهار أنه نهار ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم" [الأصول من الكافي ج1 ص240].
وروى الصفار عن أبي مريم عن محمد الباقر أنه قال في رواية طويلة:
"وعندنا الجفر، وهو أديم عكاظي قد كتب فيه حتى ملئت أكارعه، فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة" [بصائر الدرجات الكبرى للصفار الجزء الثالث ص180].
وروي أيضاً عن أبي بصير عن جعفر بن محمد أنه قال في رواية طويلة عنه:
"إن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر؟ مسك شاة أو جلد بعير؟
قال: قلت: جعلت فداك ما الجفر؟(6/178)
قال: وعاء أحمر أو أدم، أحمر فيه علم النبيين والوصيين، قلت: هذا والله هو العلم. قال: إنه لعلم وما هو بذاك.. ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. قال: قلت: جعلت فداك هذا والله هو العلم. قال: إنه لعلم وما هو بذاك، قال: قلت: جعلت فداك: وأي شيء هو العلم؟
قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة" [بصائر الدرجات 172].
فهذا هو الجفر لدى القوم، وما الله بغافل عما يقولون ويعملون.
وأما جعل الدكتور الجفر ومصحف فاطمة شيئاً واحداً فيدل على عدم علمه بكتب الشيعة ومعرفته بمذهبهم ومعتقدهم حيث أنهم يجعلون الجفر شيئاً آخر مستقلاً ومصحف فاطمة كتاباً آخر لا علاقة بينهما إطلاقاً.
كما أن حضرته نسي في غمرات الحب والدفاع عن معتقدات القوم أن ما يقوله في صفحة 72 من كتيبه عن الجفر يخالف ما قاله في صفحة 43، حيث يقول في معرض الكلام عن الجفر وعدم نسبته إلى جعفر:
ولو صح سنده لحمل أن ما فيه يتمثل في إلهام إلهي للإمام الصادق، وقد ذكرنا فيما سبق أن الجمهور يقر حقيقة الإلهام للمصطفين الأخيار من الناس، ومن عسى أن يكون أحق بهذا الوصف من الإمام جعفر الصادق وآل بيت الرسول صلوات الله وسلامه عليه" [بين الشيعة وأهل السنة ص72].
وهو الذي نقل رواية قبل ذلك عن الكليني في كتابه عن جعفر بن محمد:
"مكثت فاطمة بعد النبي خمسة وسبعين يوماً صبت عليها مصائب من الحزن لا يعلمها إلا الله، فأرسل الله إليها جبريل يسليها ويعزيها ويحدثها عن أبيها وما يحدث لذريتها وكان علي يسمع ويكتب حتى جاء به مصحفاً قدر القرآن ثلاث مرات ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون – ثم قال -: ولعل هذا هو الجفر" [بين الشيعة وأهل السنة ص43].
فكيف التوافق بين هذا وذاك؟
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.(6/179)
وأما قوله: ومن عسى أن يكون أحق بهذا الوصف (يعني الإلهام) من الإمام جعفر الصادق وآل بيت الرسول: فليس إلا مجازفة ومبالغة ومغالاة، وتخصيص قوم بالفضائل دون قوم آخرين بدون سند ولا دليل من الكتاب والسنة، لأن التقرب إلى الله والاصطفاء لديه لا يكون لحسب ولا نسب، والعز والشرف والمكرمة عنده لا تكون لقوم دون قوم، وقبيلة دون قبيلة، بل مداره طهارة النفس وتقوى القلوب: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } [سورة الحجرات الآية13].
فكم من الهاشميين لم ينالوا مرتبة أو منزلة عند الله وعند رسوله الهاشمي صلوات الله وسلامه عليه مثل ما نالها غيرهم من العرب وغير العرب أيضاً، وقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عمر بن الخطاب أنه ملهم في أمته، كما ذكره الدكتور وافي، ولم يخبر عن عباس – وهو سيد بني هاشم بعد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعمه الحقيقي – وكذلك نال من الكرامة والصحبة أبو بكر رضي الله عنه ما لم ينلها أحد غيره في الكون من أهل البيت وغير أهل البيت.
وغلى ذلك أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما نقل عنه الذهبي:
"ولولا أن الناس وجدوا عنه مالك والشافعي وأحمد أكثر مما وجدوه عند موسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي لما عدلوا عن هؤلاء إلى هؤلاء.. ونفس بني هاشم كانوا يستفيدون من علم مالك بن أنس أكثر مما يستفيدون من ابن عمهم موسى بن جعفر" [المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص191 – ط المطبعة السلفية – القاهرة].
الباب السادس
الشيعة الإثنا عشرية ومسألة الإمامة
إن الإمامة عند الشيعة الاثنى عشرية كالنبوة، والإمام عندهم كالنبي غير أنه لا يطلق عليه لفظ النبوة كما صرح بذلك الكليني في كافيه، حيث روى عن محمد بن مسلم أنه قال:(6/180)
وسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الأئمة بمنزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إلا أنهم ليسوا بأنبياء، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأما ما خلا ذلك فهم بمنزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " [الكافي في الأصول كتاب الحجة باب في أن الأئمة بمن يشبهون ممن مضى ج1 ص270].
وروي أيضاً عن جعفر أنه قال:
"نحن خزان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا، ونهى عن عصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض" [الأصول من الكافي ج2 ص269].
وأورد رواية أخرى عن مفضل بن عمر عن جعفر أنه سئل عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخي عليه ستره، فقال:
"يا مفضل، إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة أرواح، روح الحياة فيه دب ودرج، وروح القوة فيه نهض وجاهد، وروح الشهوة فيه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فيه آمن وعدل، وروح القدس فيه حمل النبوة، فإذا قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - انتقل روح القدس فصار إلى الإمام [وهل يمكن أن يقال بعد هذا: بأنهم يعتقدون باعتقاد ختم نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأنهم ليسوا بأول من أنكر ختم النبوة عليه واعتقدوا بجريانها بعده؟]، وروح القدس لا ينام ولا يغفل، ولا يلهو ولا يزهو، وأربعة الأرواح تنام وتغفل، وتزهو وتلهو، وروح القدس كان يرى به" [الأصول من الكافي كتاب الحجة باب فيه ذكر أرواح الأئمة عليهم السلام ج1 ص272].(6/181)
وكما روى الكليني هذا أيضاً عن جعفر أنه سأله رجل من أهل هيت عن قول الله عز وجل: { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } ، فقال: منذ أنزل الله عز وجل ذلك الروح على محمد - صلى الله عليه وسلم - ما صعد إلى السماء وإنه لفينا، وفي رواية: كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره ويسدده – وهو مع الأئمة من بعده – وهو من الملكوت" [الأصول من الكافي كتاب الحجة باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة عليهم السلام ج1 ص273].
وهناك روايات أخرى صريحة أكثر من ذلك قد ذكرنا بعضاً منها فيما سبق، ونكتفي ههنا بذكر روايتين من الصفار عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال:
"إن جبريل أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برمانتين فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحداهما وكسر الأخرى نصفين، فأكل نصفها وأطعم رسول الله علياً نصفها، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
يا أخي: هل تدري ما هاتان الرمانتان؟
قال: لا.
قال: أما الأولى فالنبوة، ليس لك فيها شيء، وأما الأخرى فالعلم، أنت شريكي فيه، فقلت: أصلحك الله كيف يكون شريكه فيه؟
قال: لا يعلم الله محمداً علماً إلا وأمره أن يعلم علياً" [بصائر الدرجات الكبرى باب في أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشاركه في العلم ولم يشاركه في النبوة، وذكر الرمانين ص312].
وروي أيضاً عن علي بن الحسين:(6/182)
"إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان أمين الله في أرضه، فلما قبض محمد - صلى الله عليه وسلم - كنا أهل البيت ورثته، ونحن أمناء الله في أرضه، عندنا عل البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق، وأن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا، ويدخلون مدخلنا، نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، ونحن أبناء الأوصياء، ونحن المخصصون في كتاب الله، ونحن أولى الناس بالله، ونحن أولى الناس بكتاب الله، ونحن أولى الناس بدين الله، ونحن الذين شرع لنا دينه، فقال في كتابه: شرع لكم يا آل محمد من الدين ما وصى به نوحاً، وقد وصانا بما أوصى به نوحاً، والذي أوحينا إليك يا محمد وما وصينا به إبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى وإسحاق ويعقوب، فقد علمنا وبلغنا ما علمنا، واستودعنا علمهم، نحن ورثة الأنبياء، ونحن ورثة أولي العزم من الرسل: أن أقيموا الدين يا آل محمد ولا تفرقوا فيه وكونوا على جماعة كبر على المشركين من أشرك بولاية على ما تدعوهم إليه من ولاية علي إن الله يا محمد يهدي إليه من ينيب من يجيبك إلى ولاية علي [ومن المعروف أن هذه العبارة ليست من القرآن بل إنها مختلفة مزورة مكذوبة على لسان علي زين العابدين، وأن علي بن الحسن وأمثاله براء مما يعتقده الشيعة من التحريف في القرآن] عليه السلام" [بصائر الدرجات الكبرى – باب في الأئمة أنهم ورثوا علم أولي العزم من الرسل وجميع الأنبياء، وأنهم صلوات الله عليهم أمناء الله في أرضه، وعندهم علم البلايا والمنايا وأنساب – العرب ص138].(6/183)
فهذه هي الإمامة عند الشيعة وهذا هو الإمام، ولا بأس أن نورد ههنا روايتين أخريين أوردهما صدوق الشيعة – وهو كذوب – ابن بابويه القمي، وهو واحد من أصحاب الصحاح الأربعة أنه روى عن جعفر بن محمد الباقر عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين [وهذا أصح الروايات عند الشيعة حيث يروي إمام معصوم حسب زعمهم عن إمام معصوم إلى آخره] أنه قال:
"نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وتنشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها، ثم قال:
"ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقم الساعة من حجة الله فيها، ولولا ذلك لما يعبد الله، قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام:
فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟
قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب" [كمال الدين وتمام النعمة لابن بابويه القمي، باب العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام ج1 ص207].
وروي أيضاً عن محمد الباقر أنه قال:(6/184)
"نحن جنب الله، ونحن صفوته، ونحون حوزته، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن أمناء الله عز وجل، ونحن حجج الله، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام، ونحن من رحمة الله على خلقه، ونحن من بنا يفتح وبنا يختم، ونحن أئمة الهدى، ونحن مصابيه الدجى، ونحن منار الهدى، ونحن السابقون، ونحن الآخرون، ونحن العلم المرفوع للخق، من تمسك بنا لحق، ومن تأخر عنا غرق، ونحن قادة الغر المحجلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله عز وجل، ونحن من نعمة الله عز وجل على خلقه، ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوة، ونحن موضع الرسالة، ونحن الذين إلينا تختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنة، ونحن عرى الإسلام، ونحن الجسور والقناطر، من مضى عليها لم يسبق، ومن تخلف عنها محق، ونحن السنام العظام، ونحن الذين بنا ينزل الله عز وجل الرحمة، وبنا يسقون الغيث، ونحن الذين بنا يصر عنكم العذاب، فمن عرفنا وأبصرنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو منا وإلينا" [كمال الدين وتمام النعمة لابن بابويه القمي ج1 ص206].
وعلى ذلك قالوا: "يجب على الله نصب الإمام كنصب النبي" [انظر لذلك منهاج الكرامة للحلي ص72، وأيضاً أعيان الشيعة الجزء الأول، القسم الثاني ص6، أيضاً الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزي ص44، 45، أيضاً أصول المعارف لمحمد الموسوي ص82، أيضاً الألفين الفارق بين الصدق والمين للمحلي ص15].
وليس للخلائق خيار في اختيار الإمام وتعيينه، والله نصب للعالم أجمع اثنى عشر إماماً، أولهم علي وآخرهم معدومهم الذي يزعمونه ابناً للحسن العسكري الذي لم يولد قط.(6/185)
ومن الغرائب أن واحداً من هؤلاء الاثنى عشر لم يملك زمام الحكم أبداً غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي جعل الإمام باختيار من الناس بعد خلفاء رسول الله الثلاثة الذين سبقوه على منصب الإمامة والزعامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذين استشهد علي رضي الله عنه على صحة خلافته بصحة خلافتهم حيث قال كما ورد في أقدس كتاب شيعي (نهج البلاغة)- عكس ما يقوله القوم ورغم أنوفهم:
"إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى" [نهج البلاغة بتحقيق صبحي صالح ص366، 367 – ط بيروت].
وحاصل الكلام: "أننا لا نفهم الإمامة الشيعية التي يجعلونها واجبة، والتي يقولون فيها: إن على الله أن ينصب من يشغلها ويجوز بها لردع الظالم عن ظلمه وحمل الناس على الخير وردعهم عن الشر" [أعيان الشيعة الجزء الأول القسم الثاني ص6].
و: لحفظ الشريعة من الضياع ورفع الفساد وإقامة الحدود ونشر الأحكام والانتصاف للمظلوم من الظالم" [أصول المعارف لمحمد الموسوي ص82].
و: إن الناس متى كان لهم رئيس منبسط اليد، قاهر، عادل، يردع المعاندين، ويقمع المتغلبين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، اتسقت الأمور، وسكنت الفتن، ودرت المعايش، وكان الناس مع وجوده إلى الصلاح أقرب. ومتى خلوا من رئس صفته ما ذكرناه تكدرت معايشهم وتغلب القوي على الضعيف، وانهمكوا في المعاصي، ووقع الهرج والمرج، وكانوا إلى الفساد أقرب، ومن الصلاح أبعد" [تلخيص الشافي للطوسي ج1 ص60 ط قم – إيران الطبعة السادسة صنة1974م].(6/186)
لأن أئمتهم الاثنى عشر بما فيهم علي رضي الله تعالى عنه – حسب مقولتهم – لم يستطيعوا ردع الظالم عن ظلمه إياهم، ولم يتمكنوا بإقامة الحدود ولا رفع الفساد، ولا الانتصاف لأنفسهم من الظالم.. فضلاً عن غيرهم من المظلومين، وبذلك رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكر كلام الحلي: إنه نصب أولياء معصومين لئلا يخلي الله العالم من لطفه، فقال:
هم يقولون: إن الأئمة المعصومين مقهورون مظلومون عاجزون، ليس لهم سلطان ولا قدرة حتى إنهم يقولون ذلك في علي رضي الله عنه منذ مات النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن استخلف، وفي الاثنى عشر، ويقرون أن الله ما مكنهم ولا ملكهم، وقد قال الله تعالى: { . . فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً } ، فإن قيل: المراد بنصبهم أنه أوجب عليهم طاعتهم فإذا أطاعوهم هدوهم، ولكن الخلق عصوهم، فيقال: لم يحصل – بمجرد ذلك – في العالم، لا لطف ولا رحمة، بل إنما حصل تكذيب الناس لهم ومعصيتهم إياهم. و(المنتظر) ما انتفع به من أقر به ولا من جحده، وأما سائر الاثنى عشر – سوى علي رضي الله عنه – فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بأمثاله من أئمة الدين والعلم، وأما المنفعة المطلوبة من أولي الأمر فلم تحصل بهم، فتبين أن ما ذكره من (اللطف) تلبيس وكذب" [المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص34].
وقد ذكرنا عجزههم، وما حل بهم من قهر وظلم، وغلبة الغير عليهم من كتب القوم أنفسهم في كتابنا (الشيعة وأهل البيت) وكتابنا (الشيعة والتشيع)، وأكثر من ذلك أثبتنا أن المنفعة الدينية أيضاً لم تكن تحصل منهم للخلق حيث أنهم كانوا يخافون الحكام ويهابون المخالفين، ولم يكونوا يستطيعون أن يظهروا ما في قلوبهم حسب علمهم وإيمانهم، وقد أوردنا في ذلك روايات كثيرة، منها ما ذكرناها عن الكليني أنه روى عن زرارة بن أعين أنه قال:(6/187)
سألت أبا جعفر عليه السلام عن مسألة فأجابني، ثم جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء رجل فسأله فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟.
فقال: يا زرارة، إن هذا خير لنا وأبقى لكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم.
قال: ثم قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين؟ قال: فأجابني بمثل جواب أبيه" [الأصول من الكافي في باب اختلاف الحديث ج1 ص65].
وكما أوردنا رواية في مبحث التقية عن جعفر أنه قال لأحد متبعيه:
"يا سليمان، إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله" [الكافي في الأصول ج2 ص222 باب التقية – ط إيران].
وهناك روايات في هذا المعنى أكثر من أن تعد وتحصى.
وحاصل الكلام: أن هذه هي الإمامة الشيعية التي يوجبونها على الله ولم تحصل لأحد، ولم تثبت ولم تتحقق.. وقد بحثناها مفصلاً في كتابنا (الشيعة والتشيع).(6/188)
وهؤلاء هم أئمتهم: علي وأولاده الأحد عشر بما فيهم المعدوم، ويعدون غيرهم وكل من تولى الخلافة والإمامة في زمنهم خلفاء غاصبين مغتصبين [انظر: (عقائد الشيعة) تأليف الحاج ميرزا آقاسي – نقلاً عن (عقيدة الشيعة) لرونالدسن – ط عربي القاهرة ص35 باب (الغاصبون الثلاثة) وغيره من كتب الشيعة الكثيرة] بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان الخلفاء الراشدون الثلاثة رضي الله عنه أجمعين، ويوجبون البراءة منهم، والولاء لأئمتهم، ويجعلون ولايتهم أصلاً من أصول الإسلام وأساساً من أسسه ودعائمه، لا يؤمن من لا يعتقد بها، ولا يكفر من يؤمن بها. والروايات والتصريحات في هذا لكثيرة جداً، فالخلاف بيننا وبينهم في هذه المسألة خلاف جوهري وأصولي وعقائدي، لا كما زعمه السيد الدكتور وصرح به حيث يقول:
"إن خلافهم معنا في هذا الصدد خلاف نظري وأقرب أن يكون اختلافاً في حقائق التاريخ ولا يؤثر في إيمانهم شيئاً" [بين الشيعة وأهل السنة ص75].
وعلى ذلك يكفر الشيعة كل من ينكر إمامة أئمتهم المزعومين، كما أن منكر النبوة كافر بالاتفاق، لأن الإمامة لا تختلف مع النبوة في أصلها، وجوهرها كما بيناه مقدماً، وكما صرح بذلك أساطين الشيعة وصناديدها الذين نحن بصدد ذكرهم الآن، وكما دلت عليه روايات كثيرة عن أئمتهم المعصومين – حسب زعمهم – وسيأتي ذكرها إن شاء الله، لا كما زعمه سيادة الدكتور حيث قال:
إنهم لم يحكموا بالكفر على من لا يعتقد بالإمامة على النحو الذي ذكروه ولو أنهم حكموا بذلك لكان لنا معهم موقف آخر إذ يكون معنى حكمهم هذا تكفير جميع أهل السنة [بين الشيعة وأهل السنة ص77].
يا لتساهل الدكتور، وفي هذا العمر!!!
ويا لتحمسه لأهل السنة المساكين!!!
ولقد ذكرني قوله هذا ببيت شعر أورد ما معناه: لم يكن يسعنا إلا أن نموت من شدة الفرح والسرور لو كنا نعرف صدق وعده ووفائه.(6/189)
واأسفاه على عدم معرفة السيد الدكتور عقائد القوم وعدم علمه بالحقائق الثابتة الموجودة المسطورة في جميع كتبهم من التفسير والحديث والعقائد والكلام والتاريخ، وأنها كلها مليئة بتكفير أهل السنة قاطبة وتسميتهم النواصب. اللهم إلا بعض الكتب الدعائية التي لم تكتب لبيان المعتقدات وتعليمها وتفهيمها الشيعة، بل لمغالطة أهل السنة وخداعهم والتلبيس عليهم وتزوير الحقائق أمامهم، وإن لم يكن كذلك فلأي شيء حصل الافتراق والاختلاف؟.
وإن القوم الذين حكموا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالردة، خيار خلق الله بعد الأنبياء والمرسلين، وصفوتهم، لم يحكموا عليهم بهذا الحكم القدسي الجاني إلا لعدم مبايعتهم علياً رضي الله عنه – حسب زعمهم – ومبايعتهم أبا بكر الصديق، وبعده عمر الفاروق، وبعده عثمان ذا النورين رضي الله عنهم أجعين، وتركهم مناصرة علي وخذلانهم إياه كما يذكرون!!
فهذا هو الكليني وغيره يروون عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال:
"كان الناس أهل ردة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة: المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري . . وقال:
هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأوا أن يبايعوا" [كتاب الروضة من الكافي للكليني ج8 ص246].
وروى الكليني أيضاً عنه أنه قال:
أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً كئيباً حزيناً، فقال له علي عليه السلام: ما لي أراك يا رسول الله كئيباً حزيناً؟.
قال: وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم (أي أبا بكر وقومه)، وبني عدي (أي عمر وقبيلته)، وبني أمية (أي عثمان وعشيرته) يصعدون منبري هذا يردون الناس عن الإسلام القهقرى:
فقلت (يعي الرسول) : يا رب، في حياتي أو بعد موتي؟
فقال: بعد موتك" [كتاب الروضة من الكافي للكليني ج8 ص246].
وبلغوا في اللؤم حيث كذبوا على محمد الباقر أنه قال:(6/190)
ما كان ولد يعقوب أنبياء ولكنهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء، ولم يكن يفارقون الدنيا إلا سعداء، تابوا وتذكروا ما صنعوا.
وإن الشيخين (يعني أبا بكر وعمر) فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" [كتاب الروضة من الكافي للكليني ج8 ص246].
فمن كان هذا شأنهم مع أولئك الأخيار الأبرار فماذا سيكون موقفهم في أخلافهم، ومن يسلكون مسلكهم، وينهجون منهجهم، ويتبعونهم بإحسان؟.
فإن القوم لا يكتمون حقدهم وبغضهم وعقيدتهم في أولئك، فيقولون بكل صراحة ووقاحة:
"اتفقت الإمامية على كفر من أنكر إمامة أحد من الأئمة، وجحد ما أوجب الله تعالى له من فرض إطاعته فهو كافر ضال مستحق الخلود في النار" – قاله المفيد محمد بن النعمان العكبري [كتاب المسائل للمفيد المنقول من (البرهان في تفسير القرآن) مقدمة ص20 – ط إيران].
وقال أيضاً:
"اتفقت الإمامية على أن الإمامة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في بني هاشم خاصة، ثم في علي والحسن والحسين، ومن بعده في ولد الحسين عليه السلام دون ولد الحسن إلى آخر العالم.. واتفقت الإمامية على أن رسول الله استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته، ونص عليه بالإمامة بعد وفاته، وإن من دفع ذلك عنه دفع فرضاً من الدين" [أوائل المقالات ص48].
وقال ابن بابويه القمي:
"اعتقادنا فيم جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده عليهم السلام أنه بمنزلة من جحد نبوة الأنبياء عليهم السلام، وفيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة عليهم السلام أنه بمنزلة من آمن بجميع الأنبياء وأنكر نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - " [اعتقادات الصدوق – نقلاً عن مقدمة البرهان ص19، 20].
وقال أيضاً:(6/191)
"يجب أن يعتقد أنه لا يتم الإيمان إلا بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، وإن أعداء الأئمة كفار مخلدون في النار وإن أظهروا الإسلام، فمن عرف الله ورسوله والأئمة وتولاهم وتبرأ من أعدائهم فهو مؤمن، ومن أنكرهم أو شك فيهم أو في أحدهم أو تولى أعداءهم فهو ضال هالك، بل كافر، ولا ينفعه عمل ولا تقبل له طاعة" [اعتقادات الصدوق – نقلاً عن مقدمة البرهان ص19، 20].
هذا وقال السد المرتضى الملقب بعمل الهدى:
"إن المعرفة بهم (يعني الأئمة) كالمعرفة به تعالى فإنها إيمان وإسلام، وإن الجهل والشك فيهم كالجهل والشك فيه فإنه كفر وخروج من الإيمان، وهذه المنزلة ليست لأحد من البشر إلا لنبينا - صلى الله عليه وسلم - والأئمة من بعده، على أولاده الطاهرين.. والذي يدل على أن معرفة إمامة من ذكرناه من الأئمة عليهم السلام من جملة الإيمان، وأن الإخلال بها كفر ورجوع عن الإيمان بإجماع الإمامية" [الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة – نقلاً عن مقدمة البرهان ص20].
وقال الطوسي الملقب بشيخ الطائفة:
دفع الإمامة كفر، كما أن دفع النبوة كفر، لأن الجهل بهما على حد واحد، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وميتة الجاهلية لا تكون إلا على كفر" [تلخيص الشافي للطوسي ج4 ص131-132].
وقال أيضاً:
"إن المخالف لأهل الحق كافر، فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار" [انظر: مقدمة البرهان ص120].
وقال الهاشم البحراني:(6/192)
"إن الإقرار بنبوة النبي وإمامة الأئمة والتزام حبهم وإطاعتهم وبغض أعدائهم ومخالفيهم أصل الإيمان مع توحيد الله عز وجل بحيث لا يصح الدين إلا بذلك كله، بل إنها سبب إيجاد العالم، وبناء حكم التكليف، وشرط قبول الأعمال، والخروج عن حد الكفر والشرك، وإنها التي عرضت كالتوحيد على جميع الخلق، وأخذ عليها الميثاق، وبعث بها الأنبياء، وأنزلت في الكتب، وكلف بها جميع الأمم ولو ضمناً، وأن نسبة النبوة إلى الإمامة كنسبتها إلى التوحيد في تلازم الإقرار بها وبقرينها بحيث أن الكفر بأحدها في حكم الكفر بالآخر، ولا يفيد الإيمان ببعض دون بعض، وإن الأئمة مثل النبي في فرض الطاعة والأفضلية.. وإن الأحاديث غير المحصورة تدل على هذه الأمور المذكورة، بل أكثرها مما هو مجمع عليه عند علمائنا الإماميين.
وقد نص على حقيقته، بل كون جلها من ضروريات هذا المذهب أعاظم أصحابنا المحدثين" [انظر المقالة الثانية في: مقدمة تفسير البرهان للهاشم البحراني ص19].
وأما السيد حسين الملقب ببحر العلوم فقد أوضح أكثر مما قال به الآخرون حيث رجّح الإمامة على النبوة فقال:
"إن منطلق الإمامة هو منطلق النبوة بالذات، والهدف الذي من أجله وجبت النبوة هو نفسه الهدف الذي من أجله تجب الإمامة، وكما أن النبوة لطف من الله تعالى كذلك الإمامة لطف من الله أيضاً، واللحظة الحاسمة التي انبثقت فيها النبوة – وهي يوم الدار – هي نفسها اللحظة التي انبثقت فيها الإمامة، فما انطلق لسان النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - بالتشريع النبوي المقدس إلا وضم إليه المحافظة والوزارة والخلافة لعلي عليه السلام بقوله: "أنت وزيري وخليفتي". وهكذا استمرت الدعوة الإسلامية ذات لسانين: النبوة والإمامة في خط واحد، وامتازت الإمامة على النبوة: أنها استمرت بأداء الرسالة بعد انتهاء دور النبوة – ولن تزال – ببركة وجود صاحب الأمر عجل الله فرجه.(6/193)
فالإمامة إذن قرين النبوة بالتشريع، وامتداد لها بالمحافظة والرعاية، وبهذا المعنى نفسر كلام الإمام الكاظم عليه السلام – كما في أصول الكافي – أن النبوة لطف خاص، والإمامة لطف عام" [تلخيص الشافي للطوسي ج4 ص131، 132 – الهامش].
وقال محدث الشيعة الكبير الحر العاملي:
"إن من ادعى الإمامة بغير حق، أو أنكر إمامة إمام الحق كفر" [الفصول المهمة في معرفة أصول الأئمة ص142].
أو بعد هذا كله مجال للشك بأن الشيعة لا يكفرون جميع أهل السنة؟
ثم.. ويجب أن يعلم بأن عقيدتهم هذه ليست إلا مبنية على تعاليم أئمتهم المعصومين – حسب زعمهم – وأقوالهم وتصريحاتهم.
وعلى ذلك نختم هذا الباب ونسأل الله الهداية والتوفيق.
الباب السابع
الشيعة الإثنا عشرية وسب الشيخين
إن الدكتور وافي ذكر مسألة سب الشيخين في موضعين من كتبه، وفي كلا الموضعين حاول عبثاً تبرئة الشيعة من هذه التهمة الشنيعة تكرماً أو تجاهلاً، فكتب:
"نستبعد كذلك ما يصدر من عوامهم من أقوال وأعمال لا يقرها فقهاؤهم ويعتبرونها مخالفة لأصول مذهبهم، فمن ذلك أن عوامهم يسبون الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.. ولكن أمثال هذه الأقوال والأعمال – لا يرضى عنها شيوخهم ويحكمون بحرمتها.. وإذا كنا سنحاسب الطوائف بما يفعله عوامهم فإن حسابنا يكون عسيراً لكثير من جماعات أهل السنة أنفسهم" [بين الشيعة وأهل السنة ص32 وما بعدها].
ثم أعاد هذا القول فكتب:
بقيت مسألة سب الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، واتهام عثمان بأنه يهودي، وقد ذكرنا فيما سبق أنه يبوء بهذا الإثم عامتهم وسفهاؤهم ولكن شيوخهم لا يقرون بذلك، ويحكمون بحرمته، وأنه لا يصح أن يحاسب الجعفرية بما يقوله ويفعله عامتهم وسفهائهم" [بين الشيعة وأهل السنة ص77].
ونسأل الدكتور وافي: في أي كتاب قرأ هذا الحكم؟ ومن أين نقله؟ ..لأننا لا ندري!!
كما أننا لا نعرف من هم سفهاء القوم؟ ومن هم عقلاؤهم وشيوخهم؟(6/194)
فهل العياشي [هو أبو النضر محمد بن مسعود العياشي السلمي السمرقندي، المعروف بالعياشي من أعيان علماء الشيعة ممن عاش في القرن الثالث من الهجرة، قال عنه النجاشي: ثقة، صدوق، عين من أعيان هذه الطائفة، وكبيرها: (رجال النجاشي ص247 ط قم – إيران]، والقمي [هو أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي، إمام مفسري الشيعة، وأقدمهم، من أعيان القوم في القرن الثالث من الهجرة]، والبحراني [هو هاشم بن سليمان بن إسماعيل، ولد في قرية (التوبل) في منتصف القرن الحادي عشر، ومات في سنة 1107ه، قال فيه الخوانساري: فاضل، عالم، ماهر، مدقق، فقيه، عرف بالتفسير والعربية الرجال، وكان محدثاً فاضلاً.. ومن مصنفاته (البرهان في تفسير القرآن) – (روضات الجنات ج8 ص181)، أيضاً (أعيان الشيعة)]، والكاشاني [هو الملا فتح الله الكاشاني من علماء الشيعة المتعصبين، ولم يصنف تصنيفه إلا رداً على المسلمين أهل السنة باسم (منهج الصادقين في إلزام المخالفين)] وغيرهم من المفسرين يعدون من العلماء أم من السفهاء؟(6/195)
وهل الكليني [هو محمد بن يعقوب الكليني رئيس محدثي الشيعة، وأحد مؤلفي الكتب الأربعة وهو (الكافي)]، وابن بابويه القمي [هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه القمي. لقب بالصدوق، من مواليد أوائل القرن الرابع من الهجرة، وتوفي سنة 381ه من الهجرة، وهو من كبار القوم ومحدثيهم، وكتابه (من لا يحضره الفقيه) أحد الكتب الأربعة]، والطوسي [هو أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460ه الملقب بشيخ الطائفة، من كبار محدثي القوم ومؤلف كتابين من الكتب الأربعة (التهذيب) و(الاستبصار)]، والمفيد [هو محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، ولد سنة 338ه ومات في بغداد سنة 413ه، وصلى عليه السيد المرتضى، واشتهر بالمفيد (لأن الغائب المهدي لقبه به) – كما يزعمون – (معالم العلماء ص101)]، والكشي [هو أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، قال عنه القمي: هو الشيخ الجليل المتقدم أبو عمرو، قال الشيخ الطوسي: إنه ثقة بصير بالأخبار والرجال، حسن الاعتقاد: (الكنى والألقاب ج3 ص94)]، والمنبساطي [هو أبو محمد زين الدين علي بن يونس العاملي، ولد في أوليات القرن التاسع ومات سنة 877ه: فقيه، محدث، مفسر (معجم المؤلفين ج7 ص266)]، والأردبيلي [هو أحمد بن محمد الأردبيلي من مواليد القرن العاشر من الهجرة ومات سنة 993ه: كان متكلماً فقيهاً عظيم الشأن، جليل القدر، رفيع المنزلة وأنه ممن رأى الإمام صاحب الزمان (الكنى والألقاب 3/67)]، وابن الطاؤس الحسني [هو علي بن موسى بن الطاؤس، ولد سنة 589ه وتوفي سنة 66ه، قال فيه التفرشي: إنه من أجلاء هذه الطائفة وثقاتها، جليل القدر: (نقد الرجال ص144)]، والمجلسي [هو الملا محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، ولد سنة 1037ه ومات سنة 1110ه، من ألد أعداء السنة وخصومهم. قال عنه القمي: المجلسي إذا أطلق فهو شيخ الإسلام والمسلمين، مروج المذهب والدين، الإمام، العلامة، المحقق، المدقق: (الكنى(6/196)
والألقاب ج3 ص121)]، وغيرهم من المحدثين والفقهاء يعدون من العلماء عند الدكتور أم من السفهاء؟
ولقد أوردنا نصوصاً عديدة، وروايات كثيرة من هؤلاء في كتابنا (الشيعة وأهل البيت) كلها سب وشتم وطعن في أصحاب محمد صلوات الله وسلامه عليه، وخاصة في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ولم يكتفوا بسبهم وشتمهم، بل طعنوا في إسلام كل من يتولاهم ويحترز عن اللعن والطعن فيهم، ومن أراد تفصيل ذلك فليرجع إلى الكتاب. ونورد ههنا بعض الروايات والعبارات لمعرفة القوم وعقيدتهم في السب والشتم لأصحاب رسول الله عام. ولخلفاء الرسول الثلاثة خاصة كي يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ولئلاً يتوهم متوهم بأننا بنينا الحكم على غير دليل وبرهان كما بناه السيد الدكتور، وليعلم أن مشائخ الشيعة وعلماؤهم يتفقون مع سفهائهم وأوباشهم في هذا الخبث واللؤم، ولا فرق بينهم.. اللهم إلا من تظاهر عكس ذلك تقية وخداعاً للمسلمين.
فهذا هو مفسر الشيعة الكبير القمي يكتب تحت قول الله عز وجل: { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً .. } . عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
ما بعث الله نبياً إلا وفي أمته شيطانان يؤذيانه ويضلان الناس بعده، فأما صاحبا نوح.. وأما صاحب محمد فجبتر وزريق" [تفسير القمي ج1 ص214 – ط مطبعة النجف – العراق سنة 1386ه].
وكتب تحت ذلك عالمهم الهندي الملا مقبول بقوله:
"روى أن الزريق مصغر أزرق، والجبتر معناه الثعلب، فالمراد من الأول، الأول (أبو بكر) لأنه كان أزرق العينين، والمراد من الثاني، الثاني (عمر) كناية عن دهائه ومكره" [مقبول قرآن الشيعي في الأردية ص281- ط الهند].
وأما كلينيهم فقد كتب في كافيه عن أبي جعفر أنه قال:(6/197)
ما كان ولد يعقوب أنبياء ولكنهم كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء، ولم يفارقوا الدنيا إلا سعداء، تابوا وتذكروا ما صنعوا، وإن الشيخين فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" [الكافي للكليني كتاب الروضة ج8 ص246- ط إيران].
وكتب النباطي العلي في أبي بكر الصديق:
قالوا أبو بكر خليفة أحمد كذبوا عليه ومنزل القرآن
ما كان تيمي له بخليفة بل كان ذاك خليفة الشيطان [الصراط المستقيم للنباطي ج2 ص299- ط إيران].
وكتب في عمر الفاروق:
إذا نسبت عدياً في بني مضر فقدم الدال قبل العي في النسب
وقدم السوء والفحشاء في رجل وعد زنيم عتل خائن النصب [الصراط المستقيم للنباطي ج3 ص29].
وكتب في عثمان ذي النورين أنه سمي نعثلاً تشبيهاً بذكر الضباع، فإنه نعثل لكثرة شعره.. ويقال: النعثل: التيس الكبير العظيم الجثة، وقال الكلبي في (كتاب المثالب): "كان عثمان ممن يلعب به ويتخنث، وكان يضرب بالدف" [الصراط المستقيم ج3 ص30].
هذا ولقد بحث متكلموا الشيعة في كتب العقائد في تكفير عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير وغيرهم من كبار أصحاب رسول الله وأجلة هذه الأمة، وبنوا حكمهم على أن مسلك الشيعة الاثنى عشرية المتفق عليه هو تكفير هؤلاء الأخيار، وعلى أنهم مخلدون في النار – عياذاً بالله – كما ذكر ذلك المفيد في (أوائل المقالات في المذاهب والمختارات). والطوسي في (تلخيص الشافي) وغيرهما.
وقد قال فيهم محدثهم الكبير حسين بن عبد الصمد العاملي في كتابه في مصطلح الحديث (وصول الأخيار إلى أصول الأخبار) بعد ذكر هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين:
وهؤلاء نتقرب إلى الله تعالى وإلى رسوله ببغضهم وسبهم، وبغض من أحبهم" [وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص164- ط مكتبة الخيام قم – إيران سة 1401ه].(6/198)
فهذه هي عقيدة القوم، مشائخهم وعلمائهم، فقهائهم ومتكلميهم، دون سفلتهم وسفهائهم عكس ما يذكره الدكتور وافي، ومن أراد الاستزادة في هذا الباب فليرجع إلى كتابنا (الشيعة وأهل اليبت)، وأيضاً كتابنا (الشيعة والسنة) ففيهما الكفاية في هذا الموضوع.
والجدير بالذكر أنه لا يخلو كتاب من كتب الشيعة من سب هؤلاء الأخيار وشتمهم، كما لا يوجد كتاب ما في العقائد أو الحديث أو التفسير أو الفقه يذكر فيه تحريم السباب والشتائم لأصحاب رسول الله، وخاصة الشيخين أبي بكر وعمر اللذين قال فيهما علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:
إنهما إماما الهدى، وشيخا الإسلام، ورجلا قريش، والمقتدى بهما بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، من اقتدى بهما عصم، ومن اتبع آثارهما هدي إلى صراط مستقيم" [تلخيص الشافي للطوسي ج2 ص428].
وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب والله سبحانه وتعالى الهادي إلى سواء السبيل.(6/199)
لقد بدأنا في كتابة هذا البحث وكنا في القاهرة عندما رأينا كتاب السيد الدكتور علي عبد الواحد وافي رغبة منا في إنجازه وإتمامه في القاهرة ولكن حال دون تحقيق هذه الرغبة عدم وجود كتب القوم هناك. وقلة أيا المكوث فيها، وكثرة الأشغال، ولقد أكملنا المقدمة والباب الأول ونحن فيها. ثم واصلنا السفر إلى أوربا، وعند إيابنا إلى بلادنا شرعنا في كتابة البحث ولكن ببطء لكثرة الخطب والمحاضرات في المدن المختلفة الباكستانية، شاسعة الأطراف وبعيدة الجوانب، فكنا طوال هذه المدة في السفر نهاراً، وفي الخطب ليلاً، ولكننا لم نجد فرصة خلال هذه الأسفار المتواصلة والخطب المسلسلة إلا وقد اختلسناها لإكمال هذا البحث لأهميته واحتياج الناس إليه لما قد ظهر في كتب الدكتور وافي المذكور من خطاء كثيرة ومغالطات كبيرة – عفا الله عنه – بقصد أو دون قصد، والله يعلم السرائر وبواطن الأمور. ولكن الدكتور – على شأنه ومنزلته – يخشى أن يغتر به المغترون. وينخدع بكلامه المنخدعو لما له من منزلة ومقام في عيون طلبة العلم وأهله.
وإنه لمؤسف حقاً أنه لم يتحر الحقيقة في كتابه (بين الشيعة وأهل السنة) ولم يحمل نفسه عناء البحث والتحقيق رغم ما ادعاه في مقدمة كتيبه وخاتمته. بل على عكس ذلك لم يكتب إلا نقلاً على نقل دون الرجوع إلى الأصول المعتمدة والكتب الموثقة لدى الشيعة، وكأنني لا أبالغ إذا قلت إن سيادته لم يطلع على كتاب واحد من كتب الشيعة أنفسهم كما يظهر من كتيبه هذا، وهذا لا يليق لمن ينتسب إلى العلم فضلاً عن أن يكون في مقام السيد الدكتور.
ولا أود أن يصدق عليه قول الله عز وجل:
{ ومن الناس من يجادل في ا لله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } [سورة الحج الآية8].
وإني لم أكتب هذا الكتاب إلا بياناً للحق، ولوضع الأمور في نصابها، ونصيحة للمسلمين، لأن الدين النصيحة. قال الرسول عليه الصلاة والسلام:
"الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله؟(6/200)
قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" [رواه مسلم].
وأرجو الله العلي القدير أن يخلص نياتنا لوجهه الكريم، ويجعلنا مدافعين عن حوزة العقيدة الصحيحة والصراط المستقيم. إنه سميع مجيب.
إحسان إلهي ظهير
لاهور – باكستان
صفر 1405ه
نوفمبر 1984م
تم تنزيل هذا الكتاب من موقع البرهان على شبكة الانترنت
http://www.albrhan.com(6/201)
نبذة مختصرة عن السيرة الذاتية
للشيخ إحسان إلهي ظهير
مجاهدون بالقلم
1360هـ 1407ه ـ
إحسان إلهي عالم باكستاني من أولئك الذين حملوا لواء الحرب على أصحاب الفرق الضالة، وبينوا بالتحقيق والبحث الأصيل مدى ماهم فيه من انحراف عن سبيل الله وحياد عن سنة نبيه ، وإن ادعوا الإسلام وملأوا مابين الخافقين نفاقاً وتقية.
ولد في "سيالكوت" عام (1363ه) ولما بلغ التاسعة كان قد حفظ القرآن كاملاً وأسرته تعرف بالانتماء إلى أهل الحديث.. وقد أكمل دراسته الابتدائية في المدارس العادية وفي الوقت نفسه كان يختلف إلى العلماء في المساجد وينهل من معين العلوم الدينية والشرعية.
الجامعة والنبوغ الجامعي:
لقد حصل الشيخ على الليسانس في الشريعة من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وكان ترتيبه الأول على طلبة الجامعة وكان ذلك عام (1961م).
وبعد ذلك رجع إلى الباكستان وانتظم في جامعة البنجاب، كلية الحقوق والعلوم السياسية، وفي ذلك الوقت عين خطيباً في أكبر مساجد أهل الحديث بلاهور. ثم حصل على الليسانس أيضاً.
وظل يدرس حتى حصل على ست شهادات ماجستير في الشريعة، واللغة العربية، والفارسية، والأردية، والسياسة. وكل ذلك من جامعة البنجاب وكذلك حصل على شهادة الحقوق من كراتشي.
المناصب والوظائف والدعوة:
كان رحمه الله رئيساً لمجمع البحوث الإسلامية.
بالإضافة إلى رئاسة تحرير مجلة "ترجمان الحديث" التابعة لجمعية أهل الحديث بلاهور في باكستان، كذلك كان مدير التحرير بمجلة أهل الحديث الأسبوعية.
وكان رحمه الله عظيم الشأن في أموره كلها.. رجع يوم رجع إلى بلاده ممتلئاً حماساً للدعوة الإسلامية.
وقد عرض عليه العمل في المملكة العربية السعودية فأبى آخذاً بقوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (122) {التوبة: 122}.
يقول عنه الدكتور محمد(7/1)
لقمان السلفي في مجلة الدعوة (1) :
"لقد عرفت هذا المجاهد الذي أوقف حياته بل باع نفسه في سبيل الله أكثر من خمس وعشرين سنة عندما جمعتني به رحمه الله مقاعد الدراسة في الجامعة الإسلامية، جلست معه جنباً إلى جنب لمدة أربع سنوات فعرفته طالباً ذكياً يفوق أقرانه في الدراسة، والبحث، والمناظرة! وجدته يحفظ آلاف الأحاديث النبوية عن ظهر قلب كان يخرج من الفصل.. ويتبع مفتي الديار الشامية الشيخ ناصر الدين الألباني(2) ويجلس أمامه في فناء الجامعة على الحصى يسأله في الحديث ومصطلحه ورجاله ويتناقش معه، والشيخ رحب الصدر يسمع منه، ويجيب على أسئلته وكأنه لمح في عينيه ما سيكون عليه هذا الشاب النبيه من الشأن العظيم في سبيل الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله بالقلم واللسان".
وكان الشيخ رحمه الله يتصل بالدعاة والعلماء في أيام الحج في شتى بقاع الأرض.. يتداول معهم الموضوعات الإسلامية والمشاكل التي يواجهها المسلمون.
دعاة الضلالة والحقد المستعر:
لكل مجاهد مخلص.. خصوم وأعداء، ولكل حق ضده من الباطل وبما أن الشيخ كان سلفي العقيدة من المنتمين لأهل الحديث فقد جعله هذا في حرب فكرية دائمة مع الطوائف الضالة كالرافضة والإسماعيلية والقاديانية.
لقد كان يرفضها.. ويرد على ضلالاتها.. ويجابهها في كل مكان وكل منتدى شأنه شأن كل مؤمن حقيقي الإيمان يعتقد في قرارة نفسه أن الكتاب والسنة هما الطريق الأوحد ولا طريق سواه لكل من أراد أن يكون من المنتمين لدين الإسلام. ويعتقد كذلك أن أدياناً تبنى على الكذب وتتستر خلف الترهات والأباطيل لجديرة بألا تصمد أمام النقاش وأن تتضعضع أمام سواطع الحق ونور الحقيقة.
ولهذا الأمر طفق يلقي المحاضرات، ويعقد المناقشات والمناظرات مع أصحاب الملل الضالة، ويصنف الكتب المعتمدة على مبدأ الموضوعية في النقل والمناقشة والتحقيق. وكثيراً ما كان يرد على المبطلين بأقوالهم.. ويسعى إلى كشف مقاصدهم والإبانة عن(7/2)
انحرافهم وضلالهم وفي كل ذلك كان يخرج من المعركة منتصراً يعضده الحق، وينصره الله تعالى.
ولما أحس به أهل الانحراف، وشعروا بأنه يخنق أنفاسهم، ويدحض كيدهم عمدوا إلى طريقة تنبئ عن جبن خالع.. عمدوا إلى التصفية الجسدية بطريقة ماكرة!
وفاته واستشهاده:
في لاهور بجمعية أهل الحديث وبمناسبة عقد ندوة العلماء كان الشيخ يلقي محاضرة مع عدد من الدعاة والعلماء، وكان أمامه مزهرية ظاهرها الرحمة والبراءة، وداخلها قنبلة موقوتة.. انفجرت لتصيب إحسان إلهي ظهير بجروح بالغة، وتقتل سبعة من العلماء في الحال وتلحق بهم بعد مدة اثنان آخران.
كان ذلك في 23-7-1407هـ ، ليلاً.
وبقي الشيخ إحسان أربعة أيام في باكستان، ثم نقل إلى الرياض بالمملكة العربية السعودية على طائرة خاصة بأمر من الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله واقتراح من العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله .
وأدخل المستشفى العسكري، لكن روحه فاضت إلى بارئها في الأول من شعبان عام (1407ه)، فنقل بالطائرة إلى المدينة المنورة ودفن بمقبرة البقيع بالقرب من صحابة رسول الله (3).
آثاره:
بالإضافة إلى محاضراته في الباكستان، والكويت، والعراق، والمملكة العربية السعودية والمراكز الإسلامية في مختلف ولايات أمريكا.
فقد كتب العديد من الكتب والمؤلفات التي سعى إلى جمع مصادرها من أماكن متفرقة كأسبانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيران، ومصر.. وإليك قائمة بأسماء تلك الكتب(4) :
1 الشيعة والسنة (1393ه).
2 الشيعة وأهل البيت (1403ه) وهي الطبعة الثالثة.
3 الشيعة والتشيع فرق وتاريخ.
4 الإسماعيلية تاريخ وعقائد (1405ه).
5 البابية عرض ونقد.
6 القاديانية (1376ه).
7 البريلوية عقائد وتاريخ (1403ه)
8 البهائية نقد وتحليل (1975م).
9 الرد الكافي على مغالطات الدكتور علي عبدالواحد وافي (1404ه).
10 التصوف، المنشأ والمصادر الجزء الأول (1406ه).
11 دراسات في التصوف وهو الجزء الثاني(7/3)
.
12 الشيعة والقرآن (1403ه).
13 الباطنية بفرقها المشهورة.
14 فرق شبه القارة الهندية ومعتقداتها.
15 النصرانية.
16 القاديانية باللغة الإنجليزية.
17 الشيعة والسنة بالفارسية.
18 كتاب الوسيلة بالإنجليزية والأوردية.
19 كتاب التوحيد.
20 الكفر والإسلام بالأوردية.
21 الشيعة والسنة بالفارسية والإنجليزية والتايلندية.
خالد بن سليمان الجبرين
---------------
* الهوامش:
1. مجلة الدعوة السعودية عدد (1087)
2. حيث كان الألباني مدرساً بالجامعة الإسلامية في الفترة ما بين (1381هـ و 1383)
3. إحسانا الهي ظهيرا ص (23)
4. المصدر نفسه ص: (9) – ص (16)
5. الدعوة عدد (1087)
*المراجع:ِِ
1. إحسان الهي ظهير – رسالة من تأليف: محمد إبراهيم الشيباني
2. مجلة الدعوة السعودية العدد (1087)
3. مجلة المجتمع الكويتية (812)
4. مجلة الفيصل السعودية العدد (123)
_____________________
منقول من مجلة الجندي المسلم
(مجلة تصدر عن وزارة الدفاع السعودية)
العدد 105(7/4)