" كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون ، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم . لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين . بل هم الكفرة الضالون ، فلا يُباح أكل طعامهم ، وُتسبى نساؤهم ، وُتؤخذ أموالهم . فإنهم زنادقة مرتدين لا ُتقبل توبتهم ، بل ُيقتلون أينما ُثقفوا ، وُيلعنون كما وصفوا ، ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ ، ويجب قتل علمائهم وصلحائهم ، لئلا يضلوا غيرهم . وُيحرم النوم معهم في بيوتهم ، ورفقتهم ، والمشي معهم ، وتشييع جنائزهم إذا علم موتها . ويحرم على ولاة أمور المسلمين إضاعة ما أمر الله من إقامة الحدود عليهم بأي شيئ يراه المقيم المقام عليه " (1) .
فهذه هي الفرق التي افترقت وحدثت ونشأت بعد موت جعفر بن الباقر ، وتفرقت آراؤهم ، واختلفت أقوالهم مع اتفاقهم على توارث الأفكار السبئية .
فرق الشيعة أيام موسى الكاظم
ثم الذين قالوا بإمامة موسى بن جعفر أيضاً تفرقوا إلى فرق عديدة في حياته وبعد مماته . كما ذكر النوبختي الشيعي :
" ثم إن جماعة من المؤتمين بموسى بن جعفر لم يختلفوا في أمره ، فثبتوا على إمامته إلى حبسه في المرة الثانية ، ثم اختلفوا في أمره ، فشكوا في إمامته عند حبسه في المرة الثانية التي مات فيها في حبس الرشيد ، فصاروا خمس فرق " (2)
وذلك في سنة ثلاث و ثمانين ومائة .
فالفرقة الأولى قالت :
أنه مات في حبس السندى بن شاهك ، وأن يحيى بن خالد البرمكي سمّه في رطب وعنب بعثهما إليه فقتله . وأن الإمام بعد موسى ، علي بن موسى الرضا ، فسميت هذه الفرقة القطعية ، لأنها قطعت على وفاة موسى بن جعفر وعلى إمامة عليّ إبنه بعده ، ولم تشك في أمرها ولا ارتابت ومضت على المنهاج الأول .
وقالت الفرقة الثانية :
__________
(1) فتاوي شيخ الإسلام ج 35 ص162،161.
(2) فرق الشيعة للنوبختي ص100 .(3/228)
أن موسى بن جعفر لم يمت ، وأنه حي ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جوراً ، وأنه القائم المهدي . وزعموا أنه خرج من الحبس ، ولم يره أحد نهاراً ولم يعلم به . وأن السلطان وأصحابه إدعوا موته وموّهوا على الناس وكذبوا ، وأنه غاب عن الناس واختفى . ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال : "هو القائم المخبأ ، فإن يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا ، فإنه القائم " (1) .
وسُميت هذه الفرقة بالموسوية لانتظارها موسى بن جعفر" (2) .
كما تُسمى المفضلية : لأنهم نسبوا إلى رئيس لهم ُيقال له المفضل بن عمر ، وكان ذا قدر فيهم(3) .
وُيقال لهم الممطورة : لأنهم لما أظهروا هذه المقالة ، قال لهم قوم : والله ما أنتم إلا كلاب ممطورة ، يعني أنهم من الكلاب المبتلة بالمطر ، من غاية ركاكة هذه المقالة (4) .
ولأن الناس يطردونهم ويتحرزون منهم (5) .
وقد ذكرهم إين حزم في الفصل (6) .
والفرقة الثانية قالت :
" أنه القائم وقد مات ، ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع فيقوم ويظهر ، وزعموا أنه قد رجع بعد موته ، إلا أنه مختف في موضع من المواضع حي يأمر وينهى ، وأن أصحابه يلقونه ويرونه . واعتلوا في ذلك بروايات عن أبيه أنه قال : سُمي القائم لأنه يقوم بعد ما يموت "(7) .
والفرقة الثالثة قالت :
" أنه مات وأنه القائم ، وأن فيه شبهاً من عيسى بن مريم صلى الله عليه ، وأنه لم يرجع ولكنه يرجع في وقت قيامه ، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا، وأن أباه قال : إن فيه شبهاً من عيسى بن مريم ، وأنه يُقتل في يدي ولد العباس ، فقد قتل " (8) .
والرابعة قالت :
__________
(1) أيضاً ص101.
(2) الفرق بين الفرق ص63 .
(3) مقالات الإسلاميين للأشعري ج1ص101.
(4) إعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص54 .
(5) التبصيرص41 .
(6) ج4 ص179.
(7) فرق الشيعة ص101 .
(8) أيضاً ص102.(3/229)
"لا ندري أهو حي أم ميّت ،لأنا قد روينا فيه أخباراً كثيرة تدل على أنه القائم المهدي ، فلا يجوز تكذيبها ، وقد ورد علينا من خبر وفاة أبيه وجده والماضين من آبائه عليهم السلام في معنى صحة الخبر . فهذا أيضاً مما لا يجوز ردّه وإنكاره لوضوحه وشهرته وتواتره من حيث لا يكذب مثله، ولا يجوز التواطؤ عليه ، والموت حق والله عز وجلّ يفعل ما يشاء ، فوقفنا عند ذلك على إطلاق موته وعلى الإقرار بحياته ، ونحن مقيمون على إمامته لا نتجاوزها ، حتى يصح لنا أمره وأمر هذا الذي نصب نفسه مكانه وادعى الإمامه - يعنون علي بن موسى الرضا - فإن صحت لنا إمامته كإمامة أبيه من قبله بالدلالات والعلامات الموجبة للإمامة بالإقرار منه على نفسه بإمامته وموت أبيه ، لا بأخبار أصحابه سلمنا له ذلك وصدقناه "(1) .
ومثل ذلك ذكر الرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (2) . والأشعري في مقالات الإسلاميين (3) والملطي في التنبيه (4) والإسفرائيني في التبصير(5) والبغدادي في الفرق بين الفرق (6) والمفيد في الإرشاد (7) والشهرستاني في الملل والنحل (8) .
وكانت هناك فرقة أخرى سادسة وهي : البشرية ، ذكرها النوبختي بقوله :
( البشرية ) أصحاب محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل الكوفة ، قالت :
__________
(1) أيضاً ص103، 104.
(2) ص54.
(3) ج1 ص88 .
(4) ص38.
(5) ص42.
(6) ص63.
(7) ص 302.
(8) ج 2 ص4،3 . الهامش(3/230)
" إن موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس، وإنه حي غائب ، وإنه القائم المهدي ، في وقت غيبته استخلف على الأمر محمد بن بشير ، وجعله وصيه ، وأعطاه خاتمه ، وعلمه جميع ما يحتاج إليه رعيته ، وفوّض إليه أموره ، وأقامه مقام نفسه . فمحمد بن بشير الإمام بعده ، وأن محمد بن بشير لما توفي أوصى إلى ابنه سميع بن محمد بن بشير فهو الإمام ، ومن أوصى إليه ( سميع ) فهو الإمام المفترض الطاعة على الأمة إلى وقت خروج موسى وظهوره ، فما يلزم الناس من حقوقه في أموالهم وغير ذلك مما يتقربون به إلى الله عز وجلّ ، فالفرض عليهم أداؤه إلى هؤلاء إلى قيام القائم . وزعموا أن علي بن موسى ، ومن ادعى الإمامة من ولد موسى بعده فغير طيب الولاده ، ونفوهم عن أنسابهم ، وكفروهم في دعواهم الإمامة ، وكفروا القائلين بإمامتهم ، واستحلوا دماءهم وأموالهم ، وزعموا أن الفرض من الله عليهم ، إقامة الصلوات الخمس ، وصوم شهر رمضان . وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض . وقالوا بإباحة المحارم من الفروج والغلمان .واعتلوا في ذلك بقول الله عز وجل " أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ( 42- 50) وقالوا بالتناسخ ، وأن الأئمة عندهم واحد ، إنما هم منتقلون من بدن إلى بدن . والمساواة بينهم واجبة في كل ما ملكوه من مال ، وكل شيئ أوصى به رجل منهم في سبيل الله فهو لسميع بن محمد وأوصيائه من بعده "(1) .
ولقد ذكر محمد بن بشير هذا ، الكشي في رجاله ، بقوله :
__________
(1) فرق الشيعة ص105،104.(3/231)
" أن محمد بشير لما مضى أبو الحسن (ع ) ووقف عليه الواقفة ، جاء محمد بن بشير- وكان صاحب شعبذة ومخارق معروفاً بذلك – فادعى أنه يقول بالوقف على موسى بن جعفر(ع) هو كان ظاهراً بين الخلق يرونه جميعاً ، يتراءى لأهل النور بالنور ، ولأهل الكدرة في مثل خلقهم بالإنسانية والبشرية اللحمانية . ثم حجب الخلق جميعاً عن إدراكه ، وهو قائم فيهم موجود كما كان ، غير أنهم محجوبون عن إدراكه كالذي كانوا يدركونه .
وكان محمد بن بشير هذا من أهل الكوفة ، من موالي بني أسد وله أصحاب ، قالوا : أن موسى بن جعفر لم يمت ولم يُحبس ، وأنه غاب واستتر ، وهو القائم المهدي ، وأنه في وقت غيبته استخلف على الأمة محمد بن بشير ، وجعله وصيه ، وأعطاه خاتمه، وعلمه جميع ما تحتاج إليه رعيته في أمر دينهم ودنياهم ، وفوض إليه جميع أمره وأقامه مقام نفسه ، فمحمد بن بشيرالإمام بعده ... وكفروا القائلين بإمامتهم واستحلوا دماءهم وأموالهم .... وزعموا أن كل من انتسب إلي محمد فهم ثبوت وطروق ، وأن محمداً هو رب حل في كل من انتسب إليه ، وأنه لم يلد ولم يولد ، وأنه محتجب في هذه الحجب .
وزعمت هذه الفرقة والمخسمة والعلياوية وأصحاب أبي الخطاب ، أن كل من انتسب إلى أنه من آل محمد فهو مبطل في نسبته ، مفتر على الله كاذب . وأنهم الذين قال الله تعالى فيهم أنهم يهود ونصارى في قوله : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } " محمد " في مذهب الخطابية ، و" علي " في مذهب العلياوية فهم ممن خلق .
هؤلاء كاذبون فيما ادعوا ، إذ كان محمد عندهم وعلي هو رب لا يلد ولا يولد ولا يُستولد ، تعالى الله عما يصفون وعما يقولون علواً كبيرا .(3/232)
وكان سبب مقتل محمد بن بشير لعنه الله لأنه كان معه شعبذة ومخاريق ، فكان يظهر الواقفة أنه ممن وقف على علي بن موسى (ع) ، وكان يقول في موسى بالربوبية ، ويدعي لنفسه أنه نبي . وكان عنده صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنه صورة أبي الحسن (ع) من ثياب حرير ، وقد طلاها بالأدوية ، وعالجها بحيل عملها فيها ، حتى صارت شبه صورة إنسان . وكان يطويها، فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها . فكان يقول لأصحابه : إن أبا الحسن (ع) عندي ، فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أني نبي ، فهلموا أعرضه عليكم . وكان يدخلهم البيت والصورة المطوية معه ، فيقول لهم : هل ترون في البيت مقيماً أو ترون غيري وغيركم ؟ فيقول : فاخرجوا ،فيخرجون من البيت ، فيصير هو وراء الستر بينه وبينهم ، ثم يقدم تلك الصورة ، ثم يرفع تلك الستر بينهم وبينه ، فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنه شخص أبي الحسن ، لا ينكرون منه شيئاً ، و يقف هو معه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنه يكلمه ويناجيه ويدنو منه كأنه يساره ، ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون ، ويسبل الستر بينه وبينهم فلا يرون شيئا.
وكانت معه أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة ما لم يروا مثلها ، فهلكوا بها .(3/233)
فكانت هذه حاله مدة ، حتى ُرفع خبره إلى بعض الخلفاء - أحسبه هارون أو غيره ممن كان بعده من الخلفاء - أنه زنديق ، فأخذه وأراد ضرب عنقه ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، استبقني ، فإني أتخذ لك أشياء يرغب الملوك فيها ، فأطلقه ، فكان أول ما اتخذ له الدوالي ، فإنه عمد إلى الدوالي فسواها وعلقها وجعل الزيبق بين تلك الألواح ، فكانت الدوالي تمتلئ من الماء وتملي الألواح ، وينقلب الزيبق من تلك الألواح فيتسع الدوالي لذلك ، فكانت تعمل من غير مستعمل لها ، وتصب الماء في البستان ، فأعجبه ذلك مع أشياء عملها ، يضاهي الله بها في خلقه الجنة ، فقواه وجعل له مرتبة . ثم إنه يوماً من الأيام ، إنكسرت بعض تلك الألواح ، فخرج منها الزيبق ، فتعطلت فاستراب أمره ، وظهر عليه التعطيل والإباحات "(1).
هذا وقد إدعى الإمامة في عهده آخران من بني عمومته ، أحدهما حسين بن علي بن الحسن بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي . وأمه زينب بنت عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي . فلقد إدعى الإمامة أيام أبي موسى الهادي العباسي حفيد أبي جعفر المنصور (2) .
وبايعه على إمامته يحيى وسليمان وإدريس بنو عبدالله بن الحسن بن الحسن ، وعبدالله الحسن الأفطس ، وإبراهيم بن إسماعيل الطباطبا ، وعمر بن الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين ، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن الثاني المثنى ، وعبدالله بن جعفر بن محمد ، وعبدالله بن جعفر بن الباقر ، وعبدالله وعمر إبنا إسحاق بن الحسن بن علي زين العابدين ، وغيرهم (3)
حتى قال الأصفهاني :
" ولم يتخلف عنه أحد من الطالبيين إلا الحسن بن جعفر بن حسن المثنى فإنه استعفاه ولم يكرهه .
وموسى بن جعفر بن محمد - الإمام السابع المزعوم عند الشيعة - قال عنيزة القصباني :
__________
(1) رجال الكشي ص407،406،405.
(2) أنظر مروج الذهب والطبري وابن كثير وغيرها من الكتب .
(3) أنظر مقاتل الطالبيين للأصفهاني الشيعي ص456،446 .(3/234)
" رأيت موسى بن جعفر بعد عتمة ، وقد جاء إلى الحسين صاحب فخ ، فانكب عليه شبه الركوع ، وقال : أحب أن تجعلني في سعة و حل من تخلفي معك ، فأطرق الحسين طويلاً لا يجيبه ، ثم رفع رأسه إليه ، فقال : أنت في سعة " (1) .
وقد ذكر هذا الكليني في ( كافيه ) حيث قال :
" حدثنا عبدالله بن المفضل مولى عبدالله بن جعفر بن أبي طالب قال : لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ واحتوى على المدينة ، دعا موسى بن جعفر إلى البيعة ، فأتاه فقال له : ياابن عم لا تكلفني ما كلف إبن عمك أبا عبدالله ، فيخرج مني ما لا أريد ، كما خرج من أبي عبدالله مالم يكن يريد ، فقال له الحسين : إنما عرضت عليك أمراً فإن أردته دخلت فيه ، وإن كرهته لم أحملك عليه والله المستعان "(2) .
والثاني الذي ادعى الإمامة أيامه ، يحيى بن عبدالله بن الحسن المثنى . و قد ذكره الكليني أيضاً حيث قال :
__________
(1) أيضاً ص447 .
(2) الأصول من الكافي ج1 ص366.(3/235)
" كتب إلى موسى بن جعفر يدعوه : خبرني من ورد عليّ من أعوان الله على دينه ونشر طاعته بما كان من تحننك مع خذلانك .. وقد احتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك ، وقديماً ادعيتم ماليس لكم ، و بسطتم أعمالكم إلى ما لم يؤتكم الله ، فاستهويتم و أضللتم ، وأنا محذرك ماحذرك الله من نفسه . فكتب إليه أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : من موسى بن جعفر ... ذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي عما في يديك ... و أحذرك معصية الخليفة (1) و أحثك على بره و طاعته ، و أن تطلب لنفسك أماناً قبل أن تأخذك الأظفار ويلزمك الخناق من كل مكان ، فتروّح إلى النفس من كل مكان و لا تجده ، حتى يمن الله عليك بمنه وفضله ورقة الخليفة أبقاه الله ، فيؤمّنك ويرحمك ، و يحفظ فيك أرحام رسول الله ، و السلام على من اتبع الهدى "(2) .
فهذه هي الفرق الشيعية أيام موسى و بعده ، وهذه هي عقائدهم وأفكارهم المثبتة من كتب الشيعة و السنة أيضاً ، و الذي قيل :
" حمله الرشيد من المدينة و قد قدم إليها منصرفاً من العمرة . ثم شخص هارون للحج و حمله معه ، ثم انصرف على طريق البصرة ، فحبسه عند السندي بن شاهك ، فتوفي في حبسه بغداد لخمس ليال بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين ومائة وهو ابن خمس أو أربع و خمسين سنة ، و دفن في مقابر قريش " (3) .
الشيعة أيام علي بن موسى الملقب بالرضا
وحصل الإختلاف في الشيعة الذين اجتمعوا حول علي بن موسى الرضا ختن المأمون على ابنته بعد وفاته .
ففرقة قالت بأن الإمام بعده أخوه أحمد بن موسى بن جعفر:
__________
(1) أنظر إلى الصدق كيف يتطلع وحتى من الكذابين ، إمام معصوم للشيعة يمنع الناس عن معصية الخليفة العباسي و الخروج عليه ، فهل هناك شك بأنه لم يكن أولاد علي يدعون في أنفسهم ما ينسب إليهم هؤلاء القوم .
(2) الأصول من الكافي ج1 ص367 .
(3) فرق الشيعة ص105- 106 .(3/236)
" أوصى إليه و إلى الرضا عليه السلام و أجازوها في أخوين . فهي المؤلفة ، فقطعوا على إمامة علي بن موسى .
وفرقة منهم تسمى المحدثة ، كانوا من أهل الإرجاء و أصحاب الحديث ، فدخلوا في القوم بإمامة موسى بن جعفر ، وبعده بإمامة علي بن موسى ، و صاروا شيعة رغبة في الدنيا و تصنعاً ، فلما توفي علي بن موسى عليه السلام رجعوا إلى ما كانوا عليه .
وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء منهم و البصراء ، فدخلوا في إمامة علي بن موسى عليه السلام عندما أظهر المأمون فضله و عقد بيعته تصنعاً للدنيا و استكانوا الناس بذلك دهراً ، فلما توفي علي بن موسى عليه السلام رجعوا إلى قومهم من الزيدية "(1)
وفرقة أخرى قالت :
إن الإمامة بعد علي بن موسى عليه السلام لإبنه محمد بن علي عليه السلام ، و لم يكن لغيره (2).
وكانت هناك فرق أخرى غير هذه الفرق إتبعت فريقاً من الطالبيين الذين ادعوا الإمامة في أيام الرضا و دعوا الناس إليهم ، فمنهم محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، و هو المعروف بإبن طباطبا .
ومحمد بن يحيى بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي .
ومحمد بن جعفر عم علي الرضا .
وإبراهيم بن موسى بن جعفر أخو علي الرضا .
و حسين بن الحسن بن علي بن علي زيد العابدين و غيرهم .
وقد ذكرهم جميعاً و دعوتهم الناس إليهم و خروجهم على المأمون و تسلطهم على بعض المدن والمناطق و معاركهم مع عساكر العباسيين من الشيعة ، الأصفهاني في مقاتل الطالبيين (3)، و المسعودي في كتابه مروج الذهب . ولقد نقل عنه خروج هؤلاء العلويين وادعاءهم الإمامة بإيجاز و اختصار ، فيقول :
__________
(1) أيضاً ص107
(2) أيضاً ص 106
(3) ص513 و ما بعد .(3/237)
وفي سنة تسعة و تسعين ومائة خرج أبو السرايا السرى بن منصور الشيباني بالعراق ، و اشتد أمره ، و معه محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي إبن أبي طالب ، و هو إبن طباطبا ووثب بالمدينة محمد بن سليمان بن داود إبن الحسن بن الحسن بن علي رحمهم الله ، ووثب بالبصرة علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي عليهم السلام ، وزيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، فغلبوا على البصرة .
وفي هذه السنة مات إبن طباطبا الذين كان يدعوا إليه أبو السرايا ، و أقام أبو السرايا مكانه محمد بن محمد بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي .
وظهر في هذه السنة باليمن - وهي سنة تسع و تسعين و مائة - إبراهيم إبن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي ، و ظهر في أيام المأمون بمكة و نواحي الحجاز محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رحمهم الله ، و ذلك في سنة مائتين ، و دعا لنفسه ، و إليه دعت السبطية من فرق الشيعة ، و قالت بإمامته . و قد افترقوا فرقاً : فمنهم من غلا و منهم من قصر و سلك طريق الإمامية .(3/238)
وقد ذكرنا في كتاب " المقالات في أصول الديانات " وفي كتاب " أخبار الزمان " من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الدائرة ، في الفن الثلاثين من أخبار خلفاء بني العباس ومن ظهر في أيامهم من الطالبيين ، و قيل : إن محمد بن جعفر هذا دعا في بدء أمره و عنفوان شبابه إلى محمد بن إبراهيم بن طباطبا صاحب أبي السرايا ، فلما مات إبن طباطبا ، وهو محمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن دعا لنفسه ، وتسمى بأمير المؤمنين ، وليس في آل محمد ممن ظهر لإقامة الحق ممن سلف وخلف قبله وبعده من تسمى بأمير المؤمنين غير محمد بن جعفر هذا ، وكان يُسمى بالديباجة ، لحسنه وبهائه ... وظهر في أيام المأمون أيضاً بالمدينة ، الحسين بن الحسن إبن علي بن علي بن الحسين بن علي ، وهو المعروف بإبن الأفطس . وقيل : أنه دعا في بدء أمره إلى إبن طباطبا ، فلما مات إبن طباطبا ، دعا إلى نفسه والقول بإمامته ، وسار إلى مكة ، فأتى الناس وهم بمنى ، وعلى الحجاج داود بن عيسى بن موسى الهاشمي ، فهرب داود ، ومضى الناس إلى عرفة ، ودفعوا إلى مزدلفة بغير إنسان عليهم من ولد العباس . وقد كان إبن الأفطس وافى الموقف بالليل . ثم صار إلى المزدلفة والناس بغير إمام فصلى بالناس ، ثم مضى إلى منى ، فنحر ودخل مكة ، وجرد البيت مما عليه من الكسوة إلا القباطي البيض فقط (1) .
والجدير بالذكر أن علي بن موسى هو الذي جعل المأمون العباسي فيه ولاية العهد بعده .
__________
(1) مروج الذهب للمسعودي ج3 ص440،439.(3/239)
" وأمر المأمون الحسن بن سهل والفضل بن سهل وزيريه أن يعرضا ذلك عليه ، فامتنع منه ، فلم يزالا به حتى أجاب ، ورجعا إلى المأمون فعرفاه إجابته . فسر بذلك وجلس للخاصة في يوم خميس ، وخرج الفضل بن سهل فأعلم برأي المأمون في علي بن موسى عليه السلام ، وأنه قد ولاه عهده ، وسماه الرضا . وأمرهم بلبس الخضرة ، والعود لبيعته في الخميس الآخر ، على أن يأخذوا رزق سنة . فلما كان اليوم ، ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في الخضرة . وجلس المأمون ووضع للرضا عليه السلام وسادتين عظيمتين ، حتى لحق بمجلسه وفرشه وأجلس الرضا (ع) عليهما في الخضرة وعليه عمامة وسيف ، ثم أمر إبنه العباس بن المأمون أن يبايع له أول الناس ... فبايعه الناس ووضعت البذر، وقام الخطباء والشعراء ، فجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه السلام ، وما كان عليه من أمره .. ثم قال المأمون للرضا عليه السلام : إخطب الناس وتكلم فيهم ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : إن لنا عليكم حقاً برسول الله ، ولكم علينا حقا به ، فإذا أنتم أديتم إلينا ذلك ، وجب علينا الحق لكم . ولم يُذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس .
وأمر المأمون ، فضربت له الدراهم ، وطبع عليها إسم الرضا عليه السلام ، وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد ، وأمره فحج بالناس ، وخطب للرضا عليه السلام في كل بلد بولاية العهد "(1) .
ولكنه مات قبل أن ينال الخلافة في حياة المأمون .
__________
(1) الإرشاد للمفيد ص 311،310 ، أعلام الورى للطبرسي ص334.(3/240)
" ولما توفي الرضا عليه السلام ، كتم المأمون موته يوماً وليلة ، ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق عليه السلام وجماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده ، فلما حضروه ، نعاه إليهم وبكى ، وأظهر حزناً شديداً وتوجعاً ، وأراهم إياه صحيح الجسد ، قال : يعزعليّ يا أخي أن أراك في هذه الحال ، قد كنت أؤمل أن أقدم قبلك ، فأبى الله إلا ما أراد . ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه ، وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون الآن فدفنه . والموضع دار حميد بن قحطبة ، في قرية يُقال لها سناباد ، على قربة من نوقان بأرض طوس ، وفيها قبر هارون الرشيد وقبر أبي الحسن عليه السلام بين يديه في قبلته .
ومضى الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، ولم يترك ولداً نعلمه إلا الإمام من بعده أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام ، وكانت سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهرا "(1) .
وكان ذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين ، وله يومئذ خمسة وخمسون سنة ، وأمه أم ولد يُقال لها أم البنين .
الشيعة أيام محمد بن علي
الملقب بالجواد أو التقي
ولقد حصل الإختلاف الشديد بين الشيعة في إمامة محمد بن علي لأنه لم يكن بلغ الحلم عند وفاة أبيه ، ولذلك اختلف الشيعة في إمامته وتفرقوا عنه كما مر ، وقالوا :
__________
(1) الإرشاد للمفيد ص304، أعلام الورى للطبرسي ص313، عيون أخبار الرضا ج2 ص247، كشف الغمة ج3 ص72 ، جلاء العيون ج2ص739 ، منتهى الآمال ص1049.(3/241)
" لا يجوز الإمام إلا بالغاً ، ولو جاز أن يأمر الله عز وجل بطاعة غير بالغ ، لجاز أن يكلف الله غير بالغ ، فكما لا يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ ، فكذلك لا يفهم القضاء بين الناس ودقيقه وجليله وغامض الأحكام وشرائع الدين وجميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله وما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير بالغ ، ولو جاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجة ، لجاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجتين وثلاثاً وأربعاً راجعاً إلى الطفولية . حتى يجوز أن يفهم ذلك من طفل في المهد والخرق ، وذلك غير معقول ولا مفهوم ولا متعارف .
ثم إن الذين قالوا بإمامه أبي جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام اختفلوا في كمية علمه لحداثة سنه ضروباً من الإختلاف . فقال بعضهم لبعض : الإمام لا يكون إلا عالماً ، وأبو جعفر غير بالغ وأبوه قد توفي ، فكيف علم ؟ ومن أين علم ؟ فأجابوه :
فقال بعضهم : لا يجوز أن يكون علمه من قبل أبيه ، لأن أباه حمل إلى خراسان وأبو جعفر إبن أربع سنين وأشهر ، ومن كان في هذه السن فليس في حد من يستفرغ تعليم معرفة دقيق الدين وجليله ، ولكن الله عز وجل علمه ذلك عند البلوغ بضروب مما يدل على جهات علم الإمام ، مثل الإلهام والنكت في القلب والنقر في الأذن والرؤيا الصادقة في النوم والملك المحدث له ووجوه رفع المنار والعمود والمصباح وعرض الأعمال ، لأن ذلك كله قد صحت الأخبار الصحيحة القوية الأسانيد فيه التي لا يجوز دفعها ولا رد مثلها .(3/242)
وقال بعضهم : قبل البلوغ هو إمام ، على معنى أن الأمر له دون غيره إلى وقت البلوغ ، فإذا بلغ علم ، لا من جهة الإلهام والنكت و لا الملك ولا لشيئ من الوجوه التي ذكرتها الفرقة ، لأن الوحي منقطع بعد النبي صلى الله عليه وآله بإجماع الأمة ، ولأن الإلهام إنما هو أن يلحقك عند الخاطر والفكر معرفة بشيئ قد كانت تقدمت معرفتك به من الأمور النافعة فذكرته ، وذلك لا يعلم به الأحكام وشرائع الدين على كثرة إختلافها وعللها قبل أن يوقف بالسمع منها على شيئ ، لأن أصح الناس فكراً وأوضحه خاطراً وعقلاً وأحضره توفيقاً ، لو فكر وهو لا يسمع بأن الظهر أربع والمغرب ثلاث ، والغداة ركعتان ، مااستخرج ذلك بفكره ، ولا عرفه بنظره ، ولا استدل عليه بكمال عقله ، ولا أدرك ذلك بحضور توفيقه ، ولا لحقه علم ذلك من جهة التوفيق أبداً . ولا يعقل أن يعلم إلا بالتوقيف والتعليم ، فقد بطل أن يعلم شيئاً من ذلك بالإلهام والتوفيق .
لكن نقول : أنه علم ذلك عند البلوغ من كتب أبيه ، وما ورثه من العلم فيها ، وما رسم له من الأصول والفروع .
وبعض هذه الفرقة تجيز القياس في الأحكام للإمام ، خاصة على الأصول التي في يديه ، لأنه معصوم من الخطأ والزلل ، فلا يخطئ في القياس ، وإنما صاروا إلى هذه المقالة لضيق الأمر عليهم في علم الإمام وكيفية تعليمه ، إذ هو ليس ببالغ عندهم .(3/243)
وقال بعضهم : الإمام يكون غير بالغ ولو قلت سنه ، لأنه حجة الله ، فقد يجوز أن يعلم وإن كان صبياً ، ويجوز عليه الأسباب التي ذكرت من الألهام والنكت والرؤيا والملك المحدث ورفع المنار والعمود وعرض الأعمال، كل ذلك جائز عليه وفيه ، كما جاز ذلك عن سلفه من حجج الله الماضين . واعتلوا في ذلك بيحيى بن زكريا ، وأن الله آتاه الحكم صبيا، وبأسباب عيسى بن مريم ، وبحكم الصبي بين يوسف بن يعقوب وامرأة الملك ، وبعلم سليمان بن داود حكماً من غير تعليم ، وغير ذلك ، فإنه قد كان في حجج الله ممن كان غير بالغ عند الناس " (1) .
وولد محمد بن علي هذا سنة خمس وتسعين ومائة بالمدينة ، وقبض ببغداد سنة عشرين ومائتين ، وله يومئذ خمس وعشرون سنة ، وأمه أم ولد ، يُقال لها سميكة ، وكانت نوبية (2) .
وكان متزوجاً من إبنة المأمون أم الفضل .
" فكانت إحدى الأختين تحت محمد بن علي بن موسى والأخرى تحت أبيه علي بن موسى " (3)
وفي أيامه إدعى الإمامة واحد من الحسينيين ، وهو محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (4) .
" وانقاد إليه وإلى إمامته خلق كثير من الناس ، ثم حمله عبدالله بن طاهر إلى المعتصم ، فحبسه في أزج اتخذه في بستان بسر من رأى .
وقد ُتنوزع في محمد بن القاسم ، فمن قائل يقول : أنه قتل بالسم ، ومنهم من يقول : أن أناساً من شيعته من الطالقان أتوا ذلك البستان ، فتأتوا للخدمة فيه من غرس وزراعة ، واتخذوا سلالم من الحبال واللبود والطالقانية ، ونقبوا الأزج ، وأخرجوه فذهبوا به ، فلم يُعرف له خبر إلى هذه الغاية .
__________
(1) فرق الشيعة للنوبختي ص 110 ، 111 ، 112 .
(2) الإرشاد للمفيد ص 316 ، أعلام الورى ص 344 ، 345 ، مروج الذهب ج3 ص 464 .
(3) مروج الذهب ج 3ص 441 .
(4) مقاتل الطالبيين ص 577 ، أيضاً الطبري وابن الأثير وغيرهما .(3/244)
وقد انقاد إلى إمامته خلق كثير من الزيدية إلى هذا الوقت – وهو سنة إثنتين وثلاثين وثلثمائة – ومنهم خلق كثير يزعمون أن محمداً لم يمت ، وأنه حي يُرزق ، وأنه يخرج فيملؤها عدلاً كما مُلئت جورا، وأنه مهدي هذه الأمة . وأكثر هؤلاء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان "(1) .
الشيعة في أيام علي بن محمد
المكنى بأبي الحسن والملقب بالهادي أو النقي
ولما مات محمد بن علي ، خلف إبنيه علياً وموسى ، وكان الأكبر منهما لا يتجاوز الثامنة من عمره حسب قول الشيعة . وكانا من الصغر بمكان حتى " أوصى أبوهما على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق إلى عبدالله بن المساور إلى أن يبلغا (2) الحلم " (3)
فاختلف الشيعة في أمرهما ، فقوم قالوا بإمامة علي بن محمد ، وقوم ذهبوا إلى إمامة أخيه موسى بن محمد (4)
النصيرية
وفي حياة علي بن محمد الهادي المكنى بأبي الحسن ، ظهرت من الشيعة فرق أخرى ، قالت :
بنبوة رجل ُيقال له محمد بن نصير النميري ، وكان يدعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري عليه السلام ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بالإباحة للمحارم ، ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ، ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل ، وأنه إحدى الشهوات والطيبات ، وأن الله عز وجل لم يحرم شيئاً من ذلك . وكان يقوي أسباب هذا النميري محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات . فلما توفي قيل له في علته وقد اعتقل لسانه : لمن هذا الأمر من بعدك ؟
فقال : لأحمد .
فلم يدروا من هو .
فافترقوا ثلاث فرق .
__________
(1) مروج الذهب ج 3 ص 465 .
(2) ولا ندري كيف يعتمد على صبي في أمور الدين من لم يعتمد عليه أبوه – وهو إمام معصوم عند الشيعة – في أمر دنياه .
(3) الكافي ج 1 ص 325 .
(4) أنظر فرق الشيعة ص 113 .(3/245)
فرقة قالت : أنه ( أحمد ) إبنه ، وفرقة قالت : هو أحمد بن موسى بن الحسن بن الفرات ، وفرقة قالت : أحمد بن أبي الحسين محمد بن محمد بن بشير بن زيد .
فتفرقوا ، فلا يرجعون إلى شيئ .
وادعى هؤلاء النبوة عن أبي محمد فسمت النميرية أو النصيرية (1) .
ولقد ذكر الشهرستاني النصيرية في ملله ، وذكر مذهبهم أنهم يقولون :
" إن الله قد ظهر بصورة أشخاص ، ولما لم يكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من علي عليه السلام وبعده أولاده المخصوصون هم خير البريّة ، فظهر الحق بصورتهم ، ونطق بلسانهم ، وأخذ بأيديهم ، فعن هذا أطلقنا اسم الألهية عليهم ، وإنما أثبتنا هذا الإختصاص لعلي دون غيره ، لأنه كان مخصوصاً بتأييد من عند الله تعالى مما يتعلق بباطن الأسرار . قال النبي صلى الله عليه وسلم ، أنا أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر . وعن هذا كان قتال المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقتال المنافقين إلى علي . وعن هذا شبهه بعيسى ابن مريم ، وقال : ولولا أن يقول الناس فيك ما قالوا في عيسى بن مريم وإلا لقلت فيك مقالاً . وربما أثبتوا له شركة في الرسالة . إذ قال : فيكم من يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله ألا وهو خاصف النعل ، فعلم التأويل وقتال المنافقين ومكالمة الجن ، وقلع باب خيبر لا بقوة جسدانية من أدل الدليل على أن فيه جزء آلهياً وقوة ربانية . أو أن يكون هو الذي ظهر الإله بصورته ، وخلق بيده ، وأمر بلسانه . وعن هذا قالوا كان هو موجود قبل خلق السموات والأرض . قال كنا أظلة على يمين العرش ، فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ، فتلك الظلال وتلك الصور العرية عن الأظلال هي حقيقة وهي مشرقة بنور الرب تعالى إشراقاً لا ينفصل عنها ، سواء كانت في هذا العالم أو في ذلك العالم . وعن هذا قال أنا أحمد ، الضوء من الضوء . يعني لا فرق بين النورين ، إلا أن أحدهما أسبق والثاني لا حق
__________
(1) فرق الشيعة للنوبختي ص 115 ، 116 .(3/246)
به . قال له وهذا يدل على نوع شركة .
فالنصيرية أميل إلى تقرير الجزء الآلهي .
والإسحاقية أميل إلى تقرير الشركة في النبوة(1) .
وذكر الرازي أن هذه الطائفة موجودة في حلب ونواحي الشام إلى يومنا هذا(2).
ونحن نقول : إنها موجودة حتى اليوم في سوريا وتركيا ، و يُعرفون بالعلويين .
وأما النصيرية فيقولون : إن محمد بن النصير النميري لم يدّع ِ النبوة ، بل إنه كان باباً للإمام الحادي عشر الحسن العسكري (3) .
ويقولون : أنه كان ينافسه رجل اسمه أبو يعقوب اسحاق بن محمد النخعي ، فادعى هو الثاني هو الباب للحسن العسكري .
فالحاصل أن هؤلاء الذين يقولون ويصرحون بألوهية علي ، وكان رسول الله هو رسوله هو . كما يقولون :
إن عليّاً أرسل جابر بن يزيد الجعفي في قضاء غرض له ، فلما أن وصل إلى الوضع المقصود ، رأى علي بن أبي طالب جالساً على كرسي من نور ، والسيد محمد ( يعني سيدنا محمدا ) عن يمينه ، والسيد سلمان ( يعني الصحابي الجليل سلمان الفارسي ) عن شماله ، ثم التفت جابر إلى ورائه فرآه هكذا . ثم التفت عن يمينه فرآه هكذا . ثم نظر إلى السماء فرآه في السماء والملائكة حوله يسبحون بحمده ويسجدون له "(4) .
وقد دوّنوا لهم قرآناً مستقلاً ، ومنها هذه الآيات :
__________
(1) الملل والنحل للشهرستاني ج 2 ص 25- 26 .
(2) إعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص61.
(3) تاريخ العلويين للطويل ص202 .
(4) الباكورة السليمانية ص87 .(3/247)
"ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين .. أشهد عليّ أيها الحجاب العظيم ، أشهد عليّ أيها الباب الكريم ، أشهد عليّ يا سيدي المقداد اليمين ، أشهد يا عليّ أبو الدر الشمال ... بأن ليس إلهاً إلا عليّ بن أبي طالب الأصلع المعبود ، ولا حجاب إلا السيد محمد المحمود ، ولا باب إلا السيد سلمان الفارسي المقصود ، وأكبر الملائكة الخمسة الأيتام ، ولا رأي إلا رأي شيخنا وسيدنا الحسين بن حمدان الخصبي الذي شرع الأديان في سائر البلدان . أشهد بأن الصورة المرئية التي ظهرت في البشرية هي الغاية الكلية ، وهي الظاهرة بالنورانية ، وليس إله سواها ، وهي علي بن أبي طالب . وأنه لم يُحاط ولم يُحصر ولم يُدرك ولم يُبصر .
أشهد بأني نصيري الدين ، جندبي الرأي ، جنبلاني الطريقة ، خصيبي المذهب ، جليّ المقال ، ميموني الفقه ، وافر الرجعة البيضاء والكرة الزهراء وفي كشف الغطاء وجلاء العماء وإظهار ما كتم وإجلاء ما خفي ، وظهور علي بن أبي طالب من عين الشمس قابض على كل نفس ، الأسد من تحته ، وذو الفقار بيده ، والملائكة خلفه ، والسيد سلمان بين يديه ، والماء ينبع من بين قدميه ، والسيد محمد ينادي ويقول : هذا مولاكم علي بن أبي طالب فاعرفوه وسبحوه وعظموه وكبروه . هذا خالقكم ورازقكم فلا تنكروه . إشهدوا علي يا أسيادي ، أن هذا ديني واعتقادي ، وعليه اعتمادي ، وبه أحيا وعليه أموت ، وعلي بن أبي طالب حي لا يموت ، بيده القدرة والجبروت . إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا علينا من ذكرهم السلام "(1) .
وغير ذلك من الخرافات .
__________
(1) الباكورة السليمانة ص26.(3/248)
" وتوفي علي بن محمد هذا بسرّ من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين . وولد سنة إثنتي عشرة ومائتين . وكان المتوكل قد أشخصه مع يحيى بن أكثم إلى سرّ من رأى ، فأقام بها وأمه "(1) .
هذا ولقد ادعى في أيامه كثير من العلويين الإمامة ، وبايعهم خلق من الشيعة ومن أهل بيت علي رضي الله عنه . منهم يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي زين العابدين(2) .
فاستولى على الكوفة وما حولها ، ولما قتل أيام المستعين العباسي ، رثاه كثير من الشعراء حتى قال الأصفهاني :
" وما بلغني أن أحداً ممن قتل في الدولة العباسية من آل أبي طالب رثي بأكثر مما رثي به يحيى ، ولا قيل فيه الشعر بأكثر مما قيل فيه "(3) .
ووافق على ذلك إبن الأثير في تاريخه الكامل(4) .
وكذلك ادعى الإمامة حسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن المثنى .
ظهر في بلاد طهرستان ، وغلب عليهما وعلى جرجان بعد حروب كثيرة وقتال شديد(5) .
وكذلك حسين بن محمد بن حمزة بن عبيد الله بن الحسين بن علي سنة إحدى وخمسين ومائتين(6) .
الشيعة في أيام الحسن بن علي العسكري
ولما توفي أبو الحسن بن علي الهادي ، افترقت الشيعة إلى فرق عديدة .
__________
(1) الإرشاد ص 327، أعلام الورى للطبرسي ص 355 ، كشف الغمة ج 3 ص 166 ، جلاء العيون ج2 ص 754 .
(2) مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص 639 ، مروج الذهب ج 4 ص 63 .
(3) مقاتل الطالبيين ص 465 ، وبمثل ذلك في مروج الذهب ج 4 ص 64 .
(4) ج 5 ص315 .
(5) مروج الذهب ج 4 ص 68.
(6) ايضاً ص 69 ، ومقاتل الطالبيين للأصفهاني ص 665 .(3/249)
" ففرقة قالت بإمامة إبنه محمد ، وقد كان توفي في حياة أبيه بسرّ من رأى ، وزعموا أنه حي لم يمت ، و اعتلوا في ذلك بأن أباه أشار إليه و أعلمهم أنه الإمام من بعده ، و الإمام لا يجوز عليه الكذب ، ولا يجوز البداء فيه ، فهو وإن كانت ظهرت وفاته لم يمت في الحقيقة ، و لكن أباه خاف عليه فغيّبه ، وهو القائم المهدي . و قالوا فيه بمثل مقالة أصحاب إسماعيل بن جعفر " (1)
والجدير بالذكر أن محمداً هذا وهو المكنى بأبي جعفر كان وصي أبيه والخليفة بعده حسب تصريحات الشيعة ، و لكنه مات قبل أن تصل إليه الإمامة و خلافة أبيه ، فشك القوم في أمره و إمامة أبيه ، فقال أبوه علي الهادي المكنى بأبي الحسن :
" بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلام مالم يكن يعرف له ، كما بدا في موسى بعد مضي اسماعيل ماكشف عن حاله ، و هو كما حدثتك نفسك و إن كره المبطلون ، و أبو محمد إبني الخلف من بعدي ، عنده علم ما يحتاج إليه و معه آلة الإمامة " (2)
وفرقة قالت بإمامة جعفر بن علي - وهو الملقب بجعفر الكذاب عند الشيعة - وقالوا :
" أوصى إليه أبوه بعد مضي محمد ، و أوجب إمامته و أظهر أمره ، و أنكروا إمامة محمد أخيه ، و قالوا : إنما فعل ذلك أبوه اتفاقا عليه ودفاعا عنه ، وكان الإمام في الحقيقة جعفر بن علي " (3).
وفرقة قالت بإمامة الحسن العسكري إبن علي ، و كان يكنى بأبي محمد (4).
وقال المفيد :
" وكان الإمام بعد أبي جعفر عليه السلام إبنه أبو الحسن علي بن محمد (ع) لاجتماع خصال الإمامة فيه و تكامل فضله ، و إنه لا وارث لمقام أبيه سواه ، وثبوت النص عليه بالإمامة والإشارة إليه من أبيه بالخلافة " (5) .
__________
(1) فرق الشيعة ص116 ، 117
(2) الأصول من الكافي ، كتاب الحجة ، باب الإشارة و النص على أبي محمد ج1 ص 327 .
(3) النوبختي ص117 ، 118
(4) أيضاً ص117 .
(5) الإرشاد ص 327.(3/250)
و توفي يوم الجمعة سنة ستين و مائتين ، و كان مولده بالمدينة في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي و ثلاثين و مائتين ، و دفن في داره بسرّ من رأى ، في البيت الذي دفن فيه أبوه ، و أمه أم ولد يقال لها حديثة (1) .
وعمره يومئذ ثماني وعشرون سنة .
وقال النوبختي :
يقال : لإمه أصفان ، وقيل : سليل ، وقيل غير ذلك .
وصلى عليه أبو عيسى بن المتوكل . وكانت في سني أمامته بقية ملك المعتز أشهرا ، ثم ملك المهتدي أحد عشر شهراً وثمانية و عشرين يوماً ، ثم ملك أحمد المعتمد على الله بن جعفر المتوكل عشرين سنة وأحد عشر شهراً " (2) .
وفي أيامه ادعى كثير من العلويين الإمامة ، منهم علي بن زيد بن الحسين العلوي (3) .
وكذلك الكثيرون الذين ذكرهم الأصفهاني في مقاتل الطالبيين والمسعودي في مروج الذهب ، وأما من السنة فذكرهم جميع المؤرخين .
الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري
مات الحسن العسكري بدون خلف ولا عقب كما نص على ذلك النوبختي : " توفى ولم يُر له أثر ، ولم يُعرف له ولد ظاهر ، فاقتسم ميراثه أخوه جعفر وأمه "(4) .
فأوجد موته خلافاً شديداً في شيعته ، لأن التشيّع بعد تطوره يوجب على مدعي الإمامة أن يكون بعده عقب ، وكذلك أن يكون عليه نص من الذي قبله ، وهو الذي يقوم بتجهيزه وتكفينه ، فكيف وهنا لا يُرى له أثر، فالتجؤوا لتأويل ذلك إلى سخافات عديدة . كل قوم حسب أهوائهم ومزاعمهم يهوون .
فقال النوبختي :
" فافترق أصحابه بعده أربع عشرة فرقة .
ففرقة قالت :
أن الحسن بن علي حي لم يمت ، وإنما هو غائب وهو القائم ، ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهر ، لأن الأرض لا تخلو من إمام ..
وقالت الفرقة الثانية :
__________
(1) أيضاً ص 335.
(2) أعلام الورى ص 367.
(3) مقاتل الطالبيين ص 675 ، مروج الذهب ج3 ص94 .
(4) الشيعة للنوبختي ص 118 ، 119 .(3/251)
أن الحسن بن علي مات وعاش بعد موته ، وهو القائم المهدي ، لأننا روينا أن معنى القائم ، هو أن يقوم بعد الموت ، ويقوم ولا ولد له، لأن الإمامة كانت تثبت لولده ، ولا أوصى إلى أحد ، فلا شك أنه القائم ..
وقالت الفرقة الثالثة :
أن الحسن بن علي توفي ، والإمام بعده أخوه جعفر وإليه أوصى الحسن .. فلما قيل له أن الحسن وجعفر ما زالا متهاجرين متصارمين متعادين طول زمانهما ، وقد وقفتم على صنائع جعفر وسوء معاشرته له في حياته ، ولهم من بعد وفاته في اقتسام مواريثه . قالوا : إنما ذلك بينهما في الظاهر ، وأما في الباطن فكانا متراضيين متصافيين لا خلاف بينهما .. .
وممن قوى إمامة جعفر وأمال الناس إليه ، علي بن الطاهر الخراز ، وكان متكلماً محجاجاً ، وأعانته على ذلك أخت الفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني .
وقالت الفرقة الرابعة :
أن الإمام بعد الحسن جعفر ، وأن الإمامة صارت إليه من قبل أبيه ، لا من قبل الحسن ، وأن الحسن كان مدعياً باطلاً،لأن الإمام لا يموت حتى يوصي و يكون له خلف . والحسن قد توفي ولا وصية له ولا ولد ، والإمام لا يكون من لا خلف له ظاهر معروف مشار إليه ، كما لا يجوز أن تكون الأمامة في الأخوين بعد الحسن والحسين كما نص عليه جعفر .
وأما الفرقة الخامسة : فإنها رجعت إلى القول بإمامة محمد بن علي أخي الحسن المتوفى في حياة أبيه ، وأما الحسن وجعفر فإنهما ادعيا ما لم يكن لهما ، لأن جعفر فيه خصال مذمومة وهو بها مشهور . ظاهر الفسق وغير صائن نفسه ، معلن بالمعاصي . ومثل هذا لا يصلح للشهادة على درهم ، فكيف يصلح لمقام النبي صلى الله عليه وآله ؟
وأما الحسن فلقد توفى ولا عقب له .
وقالت الفرقة السادسة :
أن للحسن بن علي إبناً سماه محمداً ، وولد قبل وفاته بسنين ، وزعموا أنه مستور ، لا يُرى خائف من جعفر .
وقالت الفرقة السابعة :(3/252)
بل ولد بعد وفاته بثمانية أشهر ، وأن الذين ادعوا له ولداً في حياته كاذبون مبطلون في دعواهم ، لأن ذلك لو كان لم يخف غيره ، ولكنه مضى ولم يُعرف له ولد . ولا يجوز أن يخفي ذلك وقد كان الحبل فيما مضى قائماً ظاهراً ثابتاً عند السلطان وعند سائر الناس، وامتنع من قسمة ميراثه من أجل ذلك حتى بطل ذلك عند السلطان وخفى أمره ، فقد ولد له إبن بعد وفاة أبيه بثمانية أشهر ، وقد كان أمر أن يُسمى محمداً ، وأوصى بذلك ، وهو مستور لا يُرى .
وقالت الفرقة الثامنة :
أنه لا ولد لحسن أصلاً ، لانا قد أمتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه ، فلم نجده ، ولو جاز لنا أن نقول في مثل الحسن وقد توفي ولا ولد له أن له ولد ، لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من غير خلف ، ولجاز مثل ذلك في النبي صلى الله عليه وآله أن يُقال خلف إبناً نبياً رسولا. وكذلك في عبدالله بن جعفر بن محمد أنه خلف إبنا، وأن أبا الحسن الرضا عليه السلام خلف ثلاثة بنين غير أبي جعفر أحدهم الإمام ، لأن مجيئ الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجيئ الخبر بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يخلف ذكراً من صلبه ، ولا خلف عبدالله بن جعفر إبناً ، ولا كان للرضا أربعة بنين . فالولد قد بطل لا محالة ، ولكن هناك حبل قائم قد صح في سرية له وستلد ذكراً إماماً متى ما ولدت ، فإنه لا يجوز أن يمضي الإمام ولا خلف له ، فتبطل الإمامة وتخلو الأرض من الحجة .(3/253)
واحتج أصحاب الولد على هؤلاء فقالوا : أنكرتم علينا أمراً قلتم بمثله ، ثم لم تقنعوا بذلك حتى أضفتم إليه ما تنكره العقول ، قلتم أن هناك حبلاً قائماً ، فإن كنتم اجتهدتم في طلب الولد فلم تجدوه فأنكرتموه لذلك ، فقد طلبنا معرفة الحبل وتصحيحه أشد من طلبكم ، واجتهدنا فيه أشد من اجتهادكم ، فاستقصينا في ذلك غاية الإستقصاء فلم نجده ، فنحن في الولد أصدق منكم . لأنه قد يجوز في العقل والعادة والتعارف ، أن يكون للرجل ولد مستور لا يعرف في الظاهر ويظهر بعد ذلك ويصح نسبه ، والأمر الذي ادعيتموه منكر وشنيع ، ينكره عقل كل عاقل ، ويدفعه التعارف والعادة ، مع مافيه من كثرة الروايات الصحيحة عن الأئمة الصادقين أن الحبل لا يكون أكثر من تسعة أشهر ، وقد مضى للحبل الذي ادعيتموه سنون ، وإنكم على قولكم بلا صحة ولا بيّنة .
وقالت الفرقة التاسعة :
أن حسن بن علي قد صحت وفاة أبيه وجده وسائر آبائه عليه السلام . فكما صحت وفاتهم بالخبر الذي لا يكذب مثله ، كذلك صح أنه لا إمام بعد الحسن ....والأرض اليوم بلا حجة إلا أن يشاء الله ، فيبعث القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله ، فيحيي الأرض بعد موتها ، كما بعث محمد صلى الله عليه وآله حين فترة من الرسل .
وقالت الفرقة العاشرة :
أن أبا جعفر محمد بن علي كان الميت في حياة أبيه ، وهو الذي كان الإمام بوصية من أبيه ، ثم أوصى هو إلى غلام له صغير كان في خدمته يُقال له نفيس ، ثم بعد موته نقل هذا الغلام الوصية إلى جعفر .
وقالت الفرقة الحادية عشرة :
قد اشتبه علينا الأمر ، ولا ندري من هو الإمام ، وأن الأرض لا تخلو من حجة فنتوقف ولا نقدم على شيئ حتى يصح لنا الأمر ويتبين .
وقالت الفرقة الثانية عشرة :(3/254)
ليس القول كما قال هؤلاء ، بل لا يجوز أن تخلو الأرض من حجة ، ولو خلت لساخت الأرض ومن عليها ., وأما هو خائف مستور بستر الله لا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه ، وليس علينا البحث عن أمره ، بل البحث عن ذلك وطلبه حرام .
وقالت الفرقة الثالثة عشرة :
أن الحسن بن علي توفى ، وأنه كان الإمام بعد أبيه ، وأن جعفر بن علي الإمام بعده ، كما كان موسى بن جعفر إماماً بعد عبدالله بن جعفر ، للخبر الذي روى أن الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى . وأن الخبر الذي روى عن الصادق عليه السلام ، أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام صحيح لا يجوز غيره ، وإنما ذلك إذا كان للماضي خلف من صلبه ، فإنه لا تخرج منه إلى أخيه ، بل تثبت في خلفه . وإذا توفى ولا خلف له ، رجعت إلى أخيه ضرورة ، لأن هذا معنى الحديث عندهم . وكذلك قالوا في الحديث الذي روى أن الإمام لا يغسله إلا إمام ، وأن هذا عندهم صحيح لا يجوز غيره . وأقروا أن جعفر بن محمد عليهما السلام غسله موسى ، وادعوا أن عبدالله أمره بذلك ، لأنه كان الإمام بعده ، وإن جاز أن لا يُغسله لأنه إمام صامت في حضرة عبدالله .
فهؤلاء الفطحية الخلص الذين يجيزون الإمامة في أخوين ، إذا لم يكن الأكبر منهما خلف ولدا . والإمام عندهم جعفر بن علي ، على هذا التأويل ضرورة .
وأما الفرقة الرابعة عشرة فقالت :
إن الإمام بعده إبنه محمد ، وهو المنتظر ، غير أنه مات ، وسيجئ ويقوم بالسيف ، وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا(1) .
فهذه هي الفرق المشهورة للشيعة ، ذكرناها من كتب القوم أنفسهم ، مع سرد الروايات والعبارات من كتب السنة أيضاً تأييداً وتوثيقاً ، لا أصلاً واستدلالاً .
__________
(1) ملخصاً فرق الشيعة للنوبختي ص 119 وما بعد .(3/255)
غير أن هنالك فرقاً شيعية أخرى ، ذكرها أصحاب الفرق من السنة من البيانية والجناحية والرزامية والمقنعية والحلمانية والخلاجية والأزافرة وغيرهم ، لم نذكرها لانقراضها ، ولعدم ورود ذكرها في كتب الشيعة ، وكي لا يقول قائل :
يعلم الله أن هذه الأسماء كلها لم نسمع بها ولم نرها في كتب الشيعة ، وما هي إلا مختلقة لا يُقصد من ذكرها غير التشنيع والتهجين . وهي أسماء بلا مسميات ، ولم يذكرها أحد من المؤرخين ، ولا نقلها من كتب في الملل والشيعة كالشيخ أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أهل القرن الرابع في كتاب الفرق والمقالات المتكفل بذكر فرق الشيعة وغيره (1) .
وبقيت هناك فرق أخرى ، ألا وهي :
الأثنا عشر أو الجعفرية الإمامة ، فإنها ذكرت ضمن الأربع عشرة فرقة التي افترقت بعد موت الحسن العسكري ، ولكن لما لها من أهمية ، وإن هذا السرد الطويل لم يكن إلا لأجلها ، لأنه عند إطلاق لفظ الشيعة لا يتبادر إلى الذهن الآن إلا هذه الفرقة . فنخصص لها باباً مستقلاً في تاريخها وعقائدها وعلاقتها بالسبئية ، وتوارثها جميع الأفكار الموجودة في الفرق البائدة من الغلاة والمتطرفين . كما سنذكر الفرق التي تفرقت منها ، وهي موجودة حتى الآن .
__________
(1) أعيان الشيعة للسيد محسن أمين القسم الأول الجزء الأول ص24 .(3/256)
ونلفت ههنا أنظار القرآء والباحثين إلى أمر هام يجب الإنتباه إليه، وهو ان كل فرقة من فرق الشيعة التي ذكرناها في هذا الباب سيجد القارئ من مطالعة موجز المعتقدات والعقائد التي حملها أؤلئك ، أن كل واحدة منها أخذ حظاً وافراً من السبئية أبناء اليهود ، واغترفت غرفاً كثيرة من الأديان الباطلة الأخرى من النصرانية والمجوسية والأفكار المدسوسة من الهندوس والبابليين والعاشوريين والكلدانيين وغيرهم ، كما أن الشيعة بعد تطور التشيّع الأول في جميع أدوارهم وعصورهم ، التزموا بقول الرجعة والغيبة والولاية والبراءة والوصاية والتوارث ، كما أرسخها مؤسس القوم عبدالله بن سبأ وشلته الماكرة .
الباب السابع
الشيعة الإثنا عشرية والعقائد السبئية
إننا ذكرنا السبئية وقائدها عبدالله بن سبأ فيما مضى بالتفصيل . ونضطر إلى أن نعيد ذكر السبئية والأفكار التي حملوها والعقائد التي روّجوها بين الناس ، وعارضها عليّ وأولاده الطيّبون منهم رضوان الله عليهم ، وردوّها عليها ، وقاوموها بكل عنف وشدة . ولكنها تسرّبت فيما بعد بين الذين يزعمون أنهم شيعتهم والموالون لهم بإسم حب أهل البيت ، وأهل البيت منهم براء .
نضطر إلى إعادتها ، لوضع النقاط على الحروف ، ولإثبات أن الشيعة وخصوصاً الإثني عشرية منهم الذين يعدّون أنفسهم معتدلين ، وقد يخدع بهم الكثيرون من المغفلين من الناس ، ليسوا إلا ورثة أولئك القوم الذين ضلوّا وأضلوّا ، ولا يوجد في أيديهم إلا تركتهم التي تركوها للفرقة والإختلاف بين المسلمين ، ولإبعاد بعض الناس عن العقائد الصحيحة التي نزلت من السماء ، وجاء بها جبرئيل ، وبلّغها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلام الله القرآن ، وسنة رسول الله الثابتة ، خالية من ذكرها وتذكرتها .(3/257)
ونحاول في هذا الباب أيضاً أن لا نكون إلا منصفين ، ولا نلزم القوم مالا يلتزمون به ، ولا ننسب إليهم ما لا يثبتونه في كتبهم أنفسهم ، كما تعوّدنا ذلك بفضل الله ، وكما لاحظ القارئ في هذا الكتاب وفي غيره .
وتجنباً لسرد العبارات التي سقناها من قبل ، نلخص ما كان يقوم به من المخططات ويروّجه عبدالله بن سبأ ، وما كانت تنشره السبئية من عقائد وآراء ، ثم نقارن تلك العقائد والآراء بأفكار الشيعة الإثني عشرية الموجودين حالياً وعقائدهم ، وهل هي موجودة فيهم أم لا؟ .. فنقول :
أولاً : قيام السبئية بتكوين جمعيات سريّة يهودية بإسم الإسلام ، تحت راية عبدالله بن سبأ .
ثانياً : إظهار الحب والولاء والمشايعة والموالاة لعلي وأولاده ، والإنظمام إلى شيعتهم .
ثالثاً : الحقد والبغض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ، خلفاء نبي الله في أمته ، الثلاثة الراشدين المهديين ، والطعن فيهم وتفسيقهم وتكفيرهم .
رابعاً : تأليب الناس وتحريضهم على عثمان ، وإتهامه بتهم باطلة ، لإيقاع الفرقة بين الأمة الواحدة والشقاق في المسلمين ، والتشنيع على العمال ، وتشويه سمعة الحكام ، وخصوصاً الذين قادوا المعارك الحاسمة وفازوا فيها .
خامساً : ترويج العقائد اليهودية والنصرانية والمجوسية بين المسلمين ، التي لا تمت إلى الإسلام بصلة لا قريبة ولا بعيدة . والكتاب المنزل من السماء على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خال ٍ منها ، وكذلك تعليمات الرسول الناطق بالوحي نزيهة وبريئة من التلوث بها ، مثل قولهم بالوصاية والولاية والعصمة والرجعة وعدم الموت وملك الأرض والحلول والإتحاد وتأليه الخلق وإتصافهم بصفات الله ، وجريان النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، و نزول الوحي .(3/258)
فهذه هي الأفكار السبئية التي اقتبسناها من عبارات الشيعة وأئمتهم حول عبدالله بن سبأ ، والعقائد التي دعوا إليها وروجوها بين المسلمين ، والعبارات والنصوص التي سردناها في الباب الثاني ، حيث ذكرنا عبدالله بن سبأ والسبئية بالتفصيل .
وهذه هي خلاصة أقوالهم التي قالوها والأعمال التي قاموا بها .
والآن لنضع النقاط على الحروف ونقول :
أما الأول : أي تكوين اليهود جمعيات تحت قيادة عبدالله بن سبأ للدس والفتنة ، فلا نحتاج لإثباتها إلى أي شيئ ، بعدما أثبتناها من أئمة الشيعة في الفرق والرجال والتاريخ والنقد ، غير السنة ، وتصريحاتهم ، وبعد ما أطنبنا القول فيه فيما مرّ.
والثاني : أي إظهار الحب والولاء والموالاة لعلي وأولاده ، فهذا هو الذي جعله الشيعة شعاراً لهم وما أكثر ما قالوه في هذا وتقوّلوا به على عليّ وأولاده – كذباً وزوراً – حتى جعلوا الدين كله موالاة لعلي وأولاده ، دون الإيمان بالقرآن والسنة ، بل ودون الإيمان بالله ورسوله والإمتثال بأوامرهما ، والتجنب عن النواهي ، وبدون العمل الصالح والسعي إلى المكارم والفضائل والحسنات .
فلقد قالوا فيما قالوا ، وما أكثره وما أشنعه ، عن أبي جعفر أنه قال :
" هل الدين إلا الحب " (1) .
فالحب هو الدين ، لا الصلاة ولا الزكاة ولا الحج ولا الصوم ، ولا غير ذلك من العبادات التي أمر الله بإتيانها وأدائها ، ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا التجنب للبغي والفحشاء ، ولا التقيد بالقيود في المعاملات ، ولا المراعاة التي أمُر بها الإنسان للتعايش مع ذويه وعشيرته وجيرانه ومجتمعه ، ولا الحقوق ولا الفرائض ، ولا الواجبات ولا المحرمات ، فإن الدين هو الحب وحده .
وهوالإيمان أيضاً كما نقلوه عن أبي جعفر محمد الباقر ، الإمام الرابع المزعوم :
__________
(1) كتاب الروضة من الكافي الكليني ، باب وصية النبي لأمير المؤمنين ج8 ص 80 ط. طهران .(3/259)
" حبنا إيمان ، وبغضنا كفر " (1) .
لا الإيمان بالله ولا بالرسل ولا بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين ، ولا بالكتاب المنزل عليه، ولا بالتعاليم التي منحها لأصحابه وتلاميذه ، لأنه ما أرسل الرسل ، وما نزلت الكتب ، ولم يأت الأنبياء إلا للدعوة إلى عليّ وأولاده ، وحبهم والموالاة لهم .
ولقد ذكر المفسر الشيعي الكبير البحراني ، في مقدمة تفسيره الكبير عن واحد من أصحاب عليّ ، حبة العوفي ، أنه قال :
" قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله عز وجل عرض ولايتي على أهل السموات وعلى أهل الأرض ، أقرّ بها من أقرّ بها ، وأنكرها من أنكرها ، أنكرها يونس ، فحبسه في بطن الحوت حتى أقرّ بها " (2) .
وذكر عن ( البصائر) عن محمد بن مسلم ، أنه قال :
" سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إن الله أخذ ميثاق النبيين على ولاية عليّ ، وأخذ عهد النبيين على ولاية عليّ " (3) .
وليس هذا فحسب، بل وأكثر من ذلك ، كما قال :
__________
(1) الأصول من الكافي ج1 ص188 .
(2) بصائر الدرجات ج2 ص 10ط. إيران نقلاً عن تفسير البرهان ، مقدمة ص 25 .
(3) أيضاً ص 26 . ...(3/260)
" وفي كنز الفوائد نقلاً من خط الشيخ الطوسي من كتاب مسائل البلدان ، عن جابر الجعفي عن رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : دخل سلمان على علي ّ ، فسأله عن نفسه ؟ فقال : يا سليمان ، أنا الذي دعيت الأمم كلها إلى طاعتي ، فكفرت فعذبت في النار ، وأنا خازنها عليهم ، حقاً أقول يا سلمان إنه لا يعرفني أحد حق معرفتي إلا كان معي ، أخذ الله على الناس الميثاق لي فصدق من صدق ، وكذب من كذب . قال سلمان : لقد وجدتك يا أمير المؤمنين في التوراة كذلك ، وفي الإنجيل كذلك ، بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفة ! أنت حجة الله الذي تاب به على آدم ، وبك أنجى يوسف من الجب ، وأنت قصة أيوب ، وسبب تغير نعمة الله عليه . فقال أمير المؤمنين : أتدري ما قصة أيوب ؟ . قال : الله أعلم وأنت يا أمير المؤمنين . قال : لما كان عند الانبعاث للمنطق ، شك أيوب في ملكي ، فقال : هذا خطب جليل ، وأمر جسيم . فقال الله : يا أيوب ، أتشك في صورة أقمته أنا ؟ إني ابتليت آدم بالبلاء ، فوهبته له ، وصفحت عنه بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين ، فأنت تقول خطب جليل وأمر جسيم ، فوا عزتي و جلالي لأذيقنك من عذابي أو تتوب إليّ بالطاعة لأمير المؤمنين . ثم أدركته السعادة بي . يعني أنه تاب وأذعن بالطاعة لعلي عليه السلام " (1) .
وغير هذا أيضاً :
" ففي سرائر إبن إدريس من جامع البزنطي ، عن سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول :
ما من نبي ، ولا من آدمي ولا من إنسي ولا جني ولا ملك في السماوات والأرض إلا ونحن الحجج عليهم ، وما خلق الله خلقاً إلا وقد عرض ولا يتنا عليه ، واحتج بنا عليه ، فمؤمن بنا وكافر جاحد ، حتى السموات والأرض " (2) .
__________
(1) تفسير البرهان للبحراني ، مقدمة ص27.
(2) أيضاً ص 26.(3/261)
وتتمة هذا الخبر في مناقب إبن شهر آشوب ، عن محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : عرض الله أمانتي على السموات السبع بالثواب والعقاب ، فقلن ربنا لا تحملنا بالثواب والعقاب ، لكننا نحملها بلا ثواب ولا عقاب . و إن الله عرض ولايتي وأمانتي على الطيور ، فأول من آمن بها البزاة البيض والقنابر ، وأول من جحدها البوم والعنقاء ، فلعنهما الله من بين الطيور ، فأما البوم فلا تقدر أن تطير بالنهار لبغض الطير له ، وأما العنقاء فغابت في البحار لا ُترى . وإن الله عرض أمانتي على الأرض ، فكل بقعة آمنت بولايتي جعلها طيّبة زكيّة ، وجعل نباتها وثمرها حلواً عذباً ، وجعل ماءها زلالاً . وكل بقعة جحدت إمامتي وأنكرت ولا يتي ، جعلها سبخاً وجعل نباتها مرّاً وعلقماً ، وجعل ثمرها العوسج والحنطل ، وجعل ماءها ملحاً أجاجاً " (1) .
وأما بخاريهم الكليني ، فروى في صحيحه عن أبي عبدالله جعفر – الإمام السادس عندهم – أنه قال :
" ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبياً قط إلا بها " (2) .
وعن أبيه أبي جعفر - محمد الباقر - أنه قال :
" والله إن في السماء لسبعين صفاً من الملائكة ، لو اجتمع أهل الأرض كلهم يحصون عدد كل صف منهم ما أحصوهم ، وإنهم ليدينون بولايتنا " (3) .
وعنه أيضاً أنه قال :
" إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا ، وهم ذرّ " (4) .
وأخيراً ، روى الكليني عن إمامه المعصوم ، عن أبي الحسن أنه قال :
" ولاية علي عليه السلام مكتوبة في صحف جميع الأنبياء " (5) .
وكما روى أيضاً عن سالم الحناط ، قال :
__________
(1) أيضاً .
(2) كتاب الحجة من الكافي ج1 ص437.
(3) أيضاً ص 437.
(4) أيضاً ص438.
(5) كتاب الحجة من الكافي ج1 ص437.(3/262)
" قلت لأبي جعفر عليه السلام : أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى : نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ، قال : هي الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام " (1) .
وكذلك سُئل أبو جعفر عن قول الله عز وجل : ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ، قال : الولاية " (2).
وابنه جعفر قال :
" ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى "(3) .
وروى الكليني عن الصومالي :
" عن أبي جعفر عليه السلام قال : أوحى الله إلى نبيّه صلى الله عليه وآله : فاستمسك بالذي أوحينا إليك إنك على صراط مستقيم ، قال : إنك على ولاية عليّ ، وعليّ هو الصراط المستقيم "(4) .
وإن لم يأت العبد بولاية عليّ، لم يسأله عن شيء ، وأمر به إلى النار .
وعلى ذلك قال البحراني ، مفسر الشيعة :
" إن الله لم يبعث نبياً قط إلا بعد ما أقرّ بالولاية لأهل البيت ، وإن بعثة الأنبياء كانت لذلك أيضاً "(5) .
وإن هذه الموالاة هي سبب دخول الجنة والنجاة من النار ، لا الأعمال ولا الحسنات . فمن والى علياً وأولاده فهم من أهل الجنة ، وغيره يدخل النار ولو صام وصلى . كما نقلوا عن جعفر أنه قال :
" سواء على من خالف لنا أهل البيت لا يبالى صلى أو صام ، أو زني أو سرق . إنه في النار ، إنه في النار " (6) .
وكذبوا على رسول الله أنه قال لعليّ رضي الله عنه :
" من أحبك كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة ، ومن مات يبغضك فلا يبالي مات يهودياً أو نصرانياً "(7) .
وكذلك روى صدوقهم – وهو كذوبهم :
__________
(1) أيضاً ، باب فيه نكت من التنزيل في الولاية ج1 ص312 .
(2) أيضاً ص 413.
(3) أيضاً ص418.
(4) أيضاً ص 417.
(5) أنظر البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني ، مقدمة ص 339 ط. إيران .
(6) أيضاً ، الفصل الثاني في بيان فرض ولاية أهل البيت ص 21.
(7) عيون أخبار الرضا ج2 ص 85. ط. طهران .(3/263)
" قال رسول الله (ص) : يا علي إن الله تعالى قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ومحبي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر" (1) .
وذكر العياشي في تفسيره عن أبي عبدالله جعفر أنه قال :
" المؤمنون بعليّ هم الخالدون في الجنة وإن كانوا في أعمالهم مسيئة " (2) .
حب عليّ حسنة لا تضر معها سيئة(3) وبغضه معصية لا تنفع معها حسنة (4) .
وأخيراً ، ما كذبوه على رسول الله أنه قال :
" سمعت الله عز وجل يقول :
علي بن أبي طالب حجتي على خلقي ، ونوري في بلادي ، وأميني على علمي ، لا أدخل النار من عرفه وإن عصاني ، ولا أدخل الجنة من أنكره وإن أطاعني "(5).
فالقضية واضحة بأن طاعة الله ليست بطاعة ، ومعصية الله ليست بمعصية ما دام الحب والولاء لعلي وأولاده موجود . وهذا ما كان يقصده اليهودية البغضاء لإبعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن الشريعة السماوية التي لا تفرق بين شخص وشخص ، ولا تجعل مدار العز والشرف إلا على العمل والتقوى ، كما قال جل من قائل :
__________
(1) أيضاً ج 2 ص47 .
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 139 .
(3) ويجب الانتباه أنه لم يرو هذه الروايات إلا الوضّاعون الدجالون من الشيعة الذين ينقلون عن دجاجلة كذابين مثلهم . وقد وردت هذه الروايات بطرق الشيعة الكذابين أيضاً في بعض كتب السنة الذين لم يلتزموا بإيراد الروايات الصحيحة ، ولم يلزموا أنفسهم تنقيد الرواة وتنقيح أحوالهم ، فلا يعتمد على تلك المرويات ، لأنها منقولة ومروية من الشيعة لترويج باطلهم ونشر أباطيلهم . ولله الحمد والمنة أن عند السنة معياراً قوياً ومحكاً صالحاً لتنقية هذه الروايات وتنقيحها ، لتمييز الحق من الباطل . كما عندهم أصول وضوابط وقواعد لنقد الرجال جرحاً وتعديلا. فلا تقبل الروايات والرواة عندهم إلا الصادقة عن الصدوق ، ولا يلتفت إلى الضعفاء والوضع والوضاع ، وإلي الأكاذيب والكذبة .
(4) منهج الصادقين ج 8 ص110 .
(5) البرهان ، مقدمة ص 13 .(3/264)
{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (1) .
وقال : { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ(91) } (2) .
وقال : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (3) .
وقال : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) } (4) .
وقال : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (5) .
وقال : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) } (6).
__________
(1) سورة الحجرات الآية 13 .
(2) سورة الشعراء آية 90.
(3) سورة المؤمنون الآية 1 إلى الآية 11 .
(4) سورة الزلزلة الآية 8،7.
(5) سورة الأنعام الآية 164 .
(6) سورة الليل الآية 9 .(3/265)
وقال : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ(39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) } (1) .
نعم الشريعة التي لم تفرق بين شخص وشخص لحسبه ونسبه ، فلم تفرق بين أبي لهب بأنه يدخل الجنة لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تقتصر على البيان بأنه من أهل النار ، بل قرن ذكره باللعن في الكتاب الذي يبقى أبد الدهر . حيث قال :
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) } (2) .
ولم تفرق تلك الشريعة السمحاء بين بلال وغيره لأنه حبشي وغير عربي وقرشي ومكي ، جاء إلى مكة وهو مملوك لغيره ، بل بُشّر بالجنة بلسان الناطق بالوحي ، لأن أعماله أهلته لذلك .
__________
(1) سورة المدثر الآية 38 إلى الآية 48 .
(2) سورة تبت ( المسد ) .(3/266)
وهم الذين كانوا يرون الإيمان بالله وبالرسول وبالكتاب الذي نزل عليه ، والأعمال الصالحة حسب أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم سبباً لدخول الجنة . كانوا يقومون ليلاً ، ويصومون نهارا ، و يرفعون رايات الجهاد ، وينزل عليهم النصر من فوق السماء ، ويؤيدهم ملائكة الرب وجنود الرحمان . وهم الذين كانوا يرون الجنة تحت ظلال السيوف لإحقاق الحق وإبطال الباطل ، ولإظهار دين الله كله . وهم الذين كانوا يقهرون سلاطين الأمم وملوكها وجبابرة الأرض وطغاتها ، وهم الذين اندحرت أمامهم فلول اليهودية وجيوش النصرانية وعساكر المجوسية ، وهم الذين أريد بهم وبأخلافهم أن يبعدوا عن هذه الشريعة الحية المحيية للأموات ، والباعثة فيهم الأرواح .
أرادوا إماتة هذه الأمة المقدامة ، لردهم عن دينهم ، وإبعادهم عن تعاليم الإسلام الحقيقية ، عن الإيمان والعمل والجد والجهاد .
فقالوا :
لا يحتاج لدخول الجنة ، وإرضاء الرب إلى كل هذه المشقة والعناء ، بل يكفي لها حب أشخاص و الولاية لهم .
ففازوا في مقاصدهم الخبيثة بعض الفوز ، وانطلت مكايدهم على بعض السذج الغفلة من الناس ، والمغرورين والمخدوعين بأسماء أشخاص لم يكونوا إلا عباداً لله المتقين ، العاملين المؤمنين .
فبدل أن يكون أمام أعينهم أن أول ما يُسأل العبد عنه الصلاة ، كي لا يصلوا ويجتهدوا في التقرب إلى الله بالركوع والسجود والقيام إليه ، قالوا :
قال أبو الحسن عليه السلام – الإمام الثامن عندهم – " أول ما يُسأل عنه العبد ، حبنا أهل البيت " (1) .
وعلى ذلك جعلت الولاية أهم من الصلاة والزكاة ، ومن كل شيء ذكرناه آنفا ، وكما ورد في الكافي للكليني ، عن أبي جعفر أنه قال :
__________
(1) عيون أخبار الرضا ج2 ص 65 ، أيضاً البرهان ، مقدمة ص 22 .(3/267)
" بُني الإسلام على خمس ، على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية " (1) .
بل وهي المقصود ، كما كذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" أتاني جبريل عليه السلام وقال : يا محمد ربك يقرئك السلام ، ويقول : فرضت الصلاة ووضعتها عن المريض ، وفرضت الصوم ووضعته عن المريض والمسافر ، وفرضت الحج ووضعته عن المقل المدقع ، وفرضت الزكاة ووضعتها عن من لا يملك النصاب ، وجعلت حب عليّ بن أبي طالب عليه السلام ليس فيه رخصة " (2) .
ولذلك جعلوها مدار الكفر والإيمان ، كما هو ظاهر من هذه الروايات ، وكما بيّناه آنفا.
وأما من قال من الشيعة المعاصرين (3) ، بأن الاعتقاد بالولاية ليس بالضروري ، وأنه بعدم الاعتقاد بها لا يخرج عن كونه مسلماً ، ليس إلا خداعاً وتزويراً . ولا يتفوّه بمثل هذه الكلمات إلا في كتب الدعاية ، ولإيقاع السذج من المسلمين في شراكهم وحبائلهم . وإلا فهم لا يعتقدون بمثل هذه الاعتقادات كما ذكر وصرح به أئمة الشيعة .
ولقد ذكر السيد البحراني عن عديد من أئمة الشيعة ، بأن هذه العقيدة اليهودية التي أوجدها وأنشأها عبدالله بن سبأ اليهودي لتعطيل الشريعة ، وإبعاد المسلمين عنها ، هي مدار الإيمان ، وهي مدار النجاة ، والمنكر بها لا يُعد مؤمناً .
ونذكر ههنا ، عن إمامهم وشيخهم المفيد ، أنه ذكر في كتاب المسائل :
__________
(1) الكافي في الأصول ، باب دعائم الإسلام ج2 ص 18 .
(2) البرهان ، مقدمة ص 22 .
(3) ألا وهو الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه ( أصل الشيعة وفروعها ) ص 103، 104 الطبعة التا سعة بيروت 1960م ، وكذلك السيد محسن الأمين في كتابه ( أعيان الشيعة ) ج1 ص69 .(3/268)
" اتفقت الإمامية على أن من ينكر إمامة إمام ، وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض طاعته ، فهو كافر ضال مستحق الخلود في النار ... وقال : لا يجوز لأحد من أهل الإيمان ، أن يغسّل مخالفاً للحق في الولاء ، ولا يصلي عليه " (1) .
ونقل مثل ذلك عن بابويه القمي شيخ الطائفة الطوسي ، والملا باقر المجلسي ، والسيد شريف المرتضى ، وغيرهم من الكثيرين مثله .
وأما البغض والحسد لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فيهم والعيب عليهم وشتمهم ، فصار من لوازم مذهب الشيعة ، وقلما يوجد كتاب من كتبهم إلا وهو مليء بالطعن والتعريض بهم . بل ولقد خصص أبواب مستقلة لتكفير وتفسيق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يذكرهم أحد من القوم إلا ويسبق ذكرهم بالشتيمة ويلحق بالسباب .
ولقد مثلنا لهذا في كتابنا ( الشيعة والسنة ) في الباب الأول منه . كما فصلنا القول في هذا الخصوص في كتابنا ( الشيعة وأهل البيت ) في الباب الثاني منه ، ولا نريد أن نعيد ما ذكرناه هناك تجنباً للإطالة . فليرجع القارئ في معرفة ذلك إلى هذين الكتابين .
ونقتصر على ما كتبه إمام شيعة اليوم السيد الخميني في كتابه ( كشف الأسرار ) .
وهو مع كونه رجلاً سياسياً – والسياسة تتطلب بعض الملاينة والمهادنة والمراعاة للآخرين – يذكر بكل صراحة ووضوح :
أن أبا بكر وعمر وعثمان ، لم يكونوا خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل وأكثر من ذلك أنهم غيروا أحكام الله ، وحللوا حرام الله ، وظلموا أولاد الرسول ، وجهلوا قوانين الرب وأحكام الدين (2) .
وبعد ذلك يذكر عقيدته ، عقيدة الشيعة في الإمامة ، فيقول تحت عنوان : لماذا لم يذكر إسم الإمام في القرآن صريحاً :
__________
(1) البرهان ، مقدمة ص 20 .
(2) ملخص ما قاله السيد الخميني في كتابه ( كشف الأسرار ) ص 110 وما بعد ط فارسي .(3/269)
" ولقد ظهر مما ذكر ، أن الإمامة أصل من الأصول المسلمة الإسلامية بحكم العقل والقرآن . وأن الله قد ذكر هذا الأصل المسلم في عديد من مواضع القرآن . فيمكن أن يسأل سائل : مادام هذا ، فلماذا لم يذكر إسم الإمام في القرآن ، لكي لا تقع خلافات وحروب حوله كما وقعت ؟
فالجواب على ذلك بوجوه ، وقبل حل هذا الإشكال ، نريد أن نقول جهراً : إن كل الخلافات التي حلت بين المسلمين في جميع أمورهم وشئونهم ، لم تقع بينهم إلا من أثر السقيفة . ولو لم يكن ذلك اليوم ، لم يكن بين المسلمين خلاف في القوانين السماوية . فنقول : لو ذكر إسم الإمام في القرآن فرضاً ، لم يكن يرفع النزاع بين المسلمين ،لأن الذين لم يدخلوا الإسلام إلا طمعاً في الرئاسة ، وتجمعوا وتحزبوا لنيلها ، لم يكونوا مقتنعين بنصوص القرآن وآياته . ولم يكونوا منتهين عن أطماعهم وأغراضهم . بل كان من الممكن أن يزدادوا في مكرهم ، ويصلوا إلى هدم أساس الإسلام . لأن الطامعين في الرئاسة والطالبين لها لو رأوا مقصودهم لا يحصل بإسم الإسلام ، لشكلوا آنذاك حزباً معارضاً للإسلام ومخالفه . وآنذاك لم يكن لعلي بن أبي طالب أن يسكت ، فكان من نتيجة ذلك أن يحصل النزاع والخلاف الذي يقلع جذرة الإسلام ، ويقطع دابره . وعلى ذلك كان ذكر إسم علي بن أبي طالب في القرآن خلاف مصلحة أصل الإمامة .
وأيضاً لو كان إسم الإمام مذكوراً في القرآن ، لم يكن مستبعداً من الذين لم تكن علاقتهم بالإسلام و القرآن غير الدنيا والرئاسة ، الذين جعلوا القرآن وسيلة لإجراء نياتهم الفاسدة ، لم يكن مستبعداً منهم أن يحذفوا تلك الآيات من القرآن ، ويحرفّوا كتاب الله ، ويبعدوه عن أنظار الناس إلى الأبد .(3/270)
وأيضاً لو لم يحدث من هذا شيء على الفرض والتقدير ، لم يكن من غير المتوقع من ذلك الحزب الطامع الحريص على الرئاسة ، أن يختلقوا حديثاً كاذباً على رسول الله أنه قال قبيل وفاته إن الله خلع عليّ بن أبي طالب من منصب الإمامة ، وجعل الأمر شورى بينكم .
ولا ينبغي لأحد أن يقول : لو ورد ذكر ذلك الإمام في القرآن ، لما استطاع الشيخان أن يخالفاه ، ولو خالفاه فرضاً ، لم يقبله المسلمون ، وقاموا ضدهما . فنحن نقول : إنه لا ينبغي القول بهذا ، لأننا نعرف أنهما خالفا صريح القرآن جهراً وعلناً والناس لم يردوا عليهما ، بل قبلوا مخالفتهما للقرآن " (1) .
ثم مثل بأمثلة كثيرة حسب زعمه لإثبات مخالفة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما القرآن بعنوان ( مخالفة أبي بكر النصوص القرآنية ) و ( مخالفة عمر قرآن الرب ) " (2) .
__________
(1) كشف الأسرار للسيد الخميني (*) ص 114،113،112 ط. فارسي .
(2) أنظر ص 114 و 117 – كشف الأسرار .
(*) والمفروض أن يُسمى هذا الكتاب كشف أسرار الخميني ، لا كشف الأسرار للسيد الخميني ، لأنه فعلاً يكشف الأسرار عن هذا الرجل زعيم الشيعة ومصلح الأمة كما يزعمه بعض المغفلين والسذج من أهل السنة في مختلف بقاع الأرض من العالم الإسلامي وغير الإسلامي . وأتمنى أن يقوم بترجمة هذا الكتاب أحد من العارفين ، وتكون له معرفة باللغة الفارسية ، فينقله إلى اللغات العالمية الأخرى ، حتى تكون أسرار السيد الخميني مكشوفة عندهم .
والجدير بالذكر ، أن هذا الكتاب لا زال يُطبع في إيران ويُوزع من قبل الحكومة الإيرانية في الداخل والخارج ، بدون أي تغيير أو تبديل فيه . وواعجبا للموجدين الأعذار ، الذين يختلقونها من عند أنفسهم ، والكاتب المؤلف حي لا ينطق ببنت شفة في هذا الموضوع . وكيف ينطق وهذه هي العقائد التي يبتني عليها مذهبه ومسلكه ، وهذه هي الأسس التي يقوم عليها دينه وموقفه . وإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .(3/271)
وأخيراً قال بعد ذكر هذه المخالفات المزعومة :
" ويعلم بهذا كله ، مخالفة أبي بكر وعمر القرآن في حضور المسلمين ولم يكن هذا الأمر ذا بال عندهم ، بل كانوا هم معهما ، وفي حزبهما مناصرين مساعدين لهما في نيل المقصود . ويعرف بهذا كله ، أنه لو ورد ذكر الإمام في القرآن، لم يكونوا تاركين للرئاسة لقول الله عز وجل ، ولا معطين له أي اهتمام . وكما أن أبا بكر الذي كان خداعه ظاهراً وزائداً ، استطاع أن يحرم ابنة رسول الله من إرثها الثابت بالقرآن والعقل ، باختلاق حديث مكذوب ، لم يكن مستبعداً من عمر أن يقول بأن الله أو جبريل أو الرسول أخطئوا في ذكر إسم الإمام في القرآن وآياته ، ولذلك لا يُنظر إليه ، ولا يُعمل به ، وآنذاك قام حزب السنة وتابعوه على قوله ، وتركوا القرآن مهجورا . كما أنهم تابعوه في جميع التغييرات التي أتى بها في دين الإسلام ،ورجحّوا قوله على القرآن وآياته، وقدموه على أحاديث رسول الإسلام وأقواله "(1)
وهناك كثير وكثير من هذا القبيل .
هذه هي عقيدة القوم في أبي بكر وعمر وعثمان ، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم ورضوا عنه . قد ذكرناها من رجل سياسي بارز ، يُعد نائب الإمام الغائب عند الشيعة ، ومصلح الأمة عند بعض السنة ، طبق ما توارثه من السبئية وعبد الله بن سبأ ، وعليها يُقاس عقيدة الآخرين من القوم الذين لم يُمارسوا السياسة ، ولم يستلموا الزعامة الدينية ، ولم يتسلطوا على البلاد التي يسكنها كثير من السنيين الذين يحتاجون إلى المداهنة والمراعاة .
وأما الطعن في عثمان ذي النورين رضي الله عنه ، واللعن عليه وعلى أعماله ، فإنها أمور لا تحتاج إلى البيان ، وخصوصاً بعد ما ذكرناه في الباب الأول والثاني من المثالب والمطاعن المنقولة من كتب القوم أنفسهم ، بذكر الصفحات والمجلدات .
__________
(1) كشف الأسرار ص 120،119.(3/272)
ومن أراد الاستزادة ، فليرجع إليهما ، وإلى كتابنا ( الشيعة والسنة ) و( الشيعة وأهل البيت ) .
والجدير بالذكر ، أن كتب الشيعة الإثني عشرية ، لا يخلو كتاب من كتبهم سواء كان في التفسير أو الحديث أو التاريخ أو السيرة أو الرجال أو الكلام أو العقائد أو غير ذلك ، من نفس المطاعن التي كان يرددها السبئيون ضد عثمان رضي الله عنه وحكومته وعماله ، لا فرق بين هؤلاء وأولئك ، إلا الإضافات والزيادات التي اختارها شيعة اليوم ، ولم تكن معروفة أيام السبئية .
وأما الوصاية والغَيْبة والرجعة التي نادى بها عبدالله بن سبأ وشلته ، وكذلك العقائد الأخرى المنافية للإسلام ، والأجنبية على المسلمين ، والمرّوجة من قبل اليهودية والمجوسية ، من اتصاف الخلق بأخلاق الخالق ، وتأليه العباد ، والحلول ، والاتحاد ، والتناسخ ، وجريان النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، ونزول الوحي على أحد ، وإتيان الكتاب وغيرها من الأمور ، هي عين تلك العقائد التي انتقلت إلى شيعة اليوم ، وإلى الشيعة الإثني عشرية خاصة .
وعلى ذلك قال كبير الشيعة في الرجال ، المامقاني في كتابه ( تنقيح المقال ) :
" إن ما كان يُعد يومئذ غلواً ، صار يُعد الآن من ضروريات المذهب " (1) .
وصحيح ما قاله الماقماني ، فإنه لم يكن يُعرف هذه الأمور في التشيع الأول لدى الشيعة الأولى ، فإن القوم أخذوها من السبئية ، وجعلوها عقائد لهم و معتقدات ، وملئوا بها كتبهم ورسائلهم ، فقالوا : إن علياً رضي الله عنه كان وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختلقوا لذلك روايات موضوعة كثيرة ، منها ما رواه الكليني في كافيه عن جعفر أنه قال :
__________
(1) تنقيح المقال للمامقاني نقلاً عن هامش المنتقي للذهبي ص 193 .(3/273)
" كان حيث طلقت آمنة بنت وهب ، وأخذها المخاض بالنبي صلى الله عليه وآله، حضرتها فاطمة بنت أسد ، امرأة أبي طالب فلم تزل معها حتى وضعت ، فقالت أحداهما للأخرى : هل ترين ما أرى ؟ . قالت : هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب . فبينما هما كذلك ، إذ دخل عليهما أبو طالب فقال لهما : مالكما ، من أي شيء تعجبان ؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي رأت ، فقال لها أبو طالب : ألا أبشرك ؟ فقالت : بلى ، فقال : أما إنك ستلدين غلاماً يكون وصي هذا المولود " (1) .
وأيضاً ما اختلقوه ، بأنه لما نزل قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين :
" دعاهم رسول الله ( ص ) فأكلوا ولم يبين لهم في الطعام إلا أثر أصابعهم ، وكانوا نحواً من أربعين رجلاً ، وشربوا شنة من قدح ، كفاهم جميعاً وزاد عنهم . فلما فرغوا ، قال لهم في آخر كلامه : إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، فآيكم يؤازرني على أمري هذا ، على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم ؟ فسكتوا جميعاً ، فقام عليّ (ع) وقال : أنا يا رسول الله أؤآزرك عليه ، فأخذ رسول الله ( ص) برقبته وقال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا . فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع " (2) .
ثم قالوا بنفس ما قاله عبدالله بن سبأ ، وبألفاظه كذباً على أبي جعفر محمد الباقر أنه قال :
__________
(1) الروضة من الكافي للكليني ج 8 تحت عنوان إخبار أبي طالب بولادة علي ، وأنه وصي النبي ص302.
(2) الأرشاد المفيد ص 11 ، أعلام الورى للطبرسي ص 162، الصافي ج 2ص 227، تفسير القمي جزء 2ص 124، نور الثقلين ج 4 ص67 ، منهج الصادقين ج 6 ص487، أعيان الشيعة الجزء الأول ص 209.(3/274)
" وأيم الله ، لقد نزل الروح والملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم . وأيم الله ، ما مات آدم إلا وله وصي ، وكل من جاء بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الأمر فيه ووضع له وصياً من بعده . وأيم الله ، إن كان النبي ليؤمر فما يأتيه من الأمر في تلك الليلة من آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله أن أوصي إلى فلان " (1) .
وعن جعفر أنه قال :
" أوصى موسى عليه السلام إلى يوشع بن نون ، وأوصى يوشع بن نون إلى ولده هارون ... فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد صلى الله عليه وآله .
فلما بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وآله ، أسلم له العقب من المستحفظين ، وكذبه بنو إسرائيل ، ودعا إلى الله عز وجل ، وجاهد في سبيله . ثم أنزل الله عز وجل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك ، فقال : رب ، إن العرب قوم جفاة ، لم يكن فيهم كتاب ، ولم يُبعث إليهم نبي ، ولا يعرفون فضل نبوات الأنبياء عليهم السلام ولا شرفهم ، ولا يُؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي . فقال الله جل ذكره : ولا تحزن عليهم ، وقل سلام فسوف تعلمون . فذكر من فضل وصيه ذكراً ، فوقع النفاق في قلوبهم ، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك ما يقولون ، فقال الله جل ذكره : يا محمد ، ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ، فإنهم لا يكذبونك ، ولكنك الظالمين بآيات الله يجحدون ، ولكنهم يجحدون بغير حجة لهم .
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألفهم ، ويستعين ببعضهم على بعض ، ولا يزال يخرج لهم شيئاً في فضل وصيه ، حتى نزلت هذه السورة ، فاحتج عليهم حين علم بموته ، ونعت إليه نفسه ، فقال الله جل ذكره : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } يقول : إذا فرغت فانصب علمك ، وأعلن وصيك ، فأعلمهم فضله علانية ، فقال صلى الله عليه وآله :
__________
(1) كتاب الحجة ج 1 ص 250 ط. إيران .(3/275)
من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه – ثلاث مرات – ثم قال : لأبعثن رجلاً يحب الله ويحبه الله ورسوله ، ليس بفرار يعرّض بمن رجع ، ويجبّن أصحابه ويجبّنونه . وقال صلى الله عليه وآله : عليّ سيد المؤمنين . وقال : عليّ عمود الدين . وقال : هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحق بعدي . وقال : الحق مع عليّ أينما مال " (1) .
وعنه أيضاً أنه قال :
" إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتاباً ، لم ينزل على محمد صلى الله عليه وآله كتاب مختوم إلا الوصية ، فقال جبرائيل عليه السلام : يا محمد ، هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أي أهل بيتي يا جبرائيل ؟ قال : نجيب الله منهم وذريته ، ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم عليه السلام ، وميراثه لعلي عليه السلام وذريتك من صلبه . قال : وكان عليه خواتيم ، قال : ففتح علي عليه السلام الخاتم الأول ومضى لما فيها . ثم فتح الحسن عليه السلام الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها ، فلما توفي الحسن ومضى ، فتح الحسين عليه السلام الخاتم الثالث ، فوجد فيها أن قاتل ، فاقتل و ُتقتل ، واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك . قال : ففعل عليه السلام . فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين عليه السلام قبل ذلك ، ففتح الخاتم الرابع ، فوجد فيها أن أصمت وأطرق لما حجب العلم . فلما توفي ومضى ، دفعها إلى محمد بن علي عليه السلام ، ففتح الخاتم الخامس ، فوجد فيها أن فسّر كتاب الله ، وصدّق أباك وورّث ابنك ، واصطنع الأمة ، وقم بحق الله عز وجل ، وقل الحق في الخوف والأمن ، ولا تخش إلا الله ، ففعل . ثم دفعها إلى الذي يليه " (2) .
وأخيراً ما رواه عن أبي جعفر قال :
__________
(1) كتاب الحجة من الكافي ج 1 ص 293، 294.
(2) أيضاً ، باب إن الأئمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلا بعهد من الله ج1 ص280 ..(3/276)
" لما قضى محمد نبوته ، واستكمل أيامه ، أوحى الله تعالى إليه أن يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك ، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب ، فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك ، كما لم أقطعها من ذريات الأنبياء " (1) .
هذا عين ما قاله عبدالله بن سبأ والسبئية : أن يوشع بن نون وصي موسى ، وعلي وصي رسول الله . وإن إمامة علي لفرض من الله عز وجل(2) .
الغيبة
وأما القول بالغيبة والرجعة ، فلقد تلقفه الشيعة من السبئية منذ تطور الشيعة وانقراض الشيعة الأولى ، فلقد قالوا في كل من زعموا إمامته من علي رضي الله عنه إلى الغائب الموهوم الذي لم يولد .
ولقد ذكرنا فيما مر من أقوالهم في واحد واحد من أئمتهم ونقتصر هاهنا على ما يقوله الشيعة الاثنا عشرية في غائبهم الموهوم ، فيقولون : إنه ولد للحسن العسكري ولد ، على اختلاف مقولاتهم في ذلك كما سبق ذكره في الباب السابق ، ثم يقولون : أنه غاب عن الأعين ، وله غيبتان : الغيبة الصغرى ، والغيبة الكبرى .
كما كذبوا على جعفر أنه قال :
" للقائم غيبتان ، إحداهما قصيرة ، والأخرى طويلة . الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه " (3) .
وعنه أيضاً أنه قال :
__________
(1) أيضاً ، باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين ج1 ص 293 .
(2) أنظر لذلك رجال الكشي ص 109 ط. كربلاء - العراق ، فرق الشيعة للنوبختي ص 44،43 ط. النجف – العراق ، تنقيح المقال للمامقاني ج2 ص 143ط. إيران وغيرها من الكتب .
(3) كتاب الحجة من الكافي ص 340، كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني ص 170 ط. مطبعة الصدوق طهران .(3/277)
" لصاحب هذا الأمر غيبتان ، إحداهما يرجع منها إلى أهله ، والأخرى يقال : هلك ، في أي واد سلك ؟ قلت : كيف نصنع إذا كان كذلك ؟ قال : إذا ادعاها مدع ، فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله " (1) .
وعن أبيه مثله (2)
" أما غيبته الصغرى منهما ، فهي التي كانت فيها سفراؤه موجودين ، وأبوابه معروفين . لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي ، فهم منهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ، ومحمد بن علي بن بلال ، وأبو عمر وعثمان بن سعيد السمان ، وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان ، وعمر الأهوازي ، وأحمد بن إسحاق ، وأبو محمد الوجناني ، وإبراهيم بن مهزيار ، ومحمد بن إبراهيم في جماعة أخرى ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم .
وكانت مدة هذه الغيبة ، أربعاً وسبعين سنة . وكان أبو عمر وعثمان بن سعيد العمري باباً لأبيه وجده من قبل ، وثقة لهما . ثم تولى الباقية من قبله ، وظهرت المعجزات على يده .
ولما مضى لسبيله ، قام ابنه محمد مقامه رحمهما الله بنصه عليه. ومضى على منهاج أبيه في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة .
وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت ، بنص أبي جعفر محمد بن عثمان عليه وأقامه مقام نفسه ، ومات في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة .
وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمد العمري بنص أبي القاسم عليه ، وتوفي لنصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة .
__________
(1) كتاب الحجة من الكافي ص 340.
(2) كتاب الغيبة للنعماني ص 173.(3/278)
فروي عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب أنه قال : كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها علي بن محمد السمري ، فحضرته قبل وفاته بأيام ، فخرج وأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم ، يا علي بن محمد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ، ولا توص لأحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور إلا بعد أن يأذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً ، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة ، فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
قال : فانتسخنا هذا التوقيع ، وخرجنا من عنده . فلما كان اليوم السادس ، عدنا وهو بنفسه ، فقيل له : من وصيك ؟. قال : لله أمر هو بالغه ، فقضى .
فهذا آخر كلام سُمع منه .
ثم حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها ، والفرج يكون في آخرها بمشيئة الله تعالى "(1) .
وأما أين يستقر غائبهم ، وماذا يعمل . فيقولون إنه مستقر في سرداب سامراء ، كما يروي القطب الراوندي " أن العباسيين بعثوا عسكراً ، فلما دخلوا الدار ، سمعوا من السرداب قراءة القرآن ، فاجتمعوا على بابه وحفظوه حتى لا يصعد ولا يخرج ، وأميرهم قائم حتى يصل العسكر كلهم ، فخرج من السكة على باب السرداب ومر عليهم ، فلما غاب ، قال الأمير : إنزلوا عليه ، فقالوا : أليس هو قد مر عليك ؟ فقال : ما رأيت ، وقال : ولمَ تركتموه ؟ قالوا : إنا حسبنا أنك تراه " (2) .
أو بالمدينة (3) .
أو في مكة (4).
__________
(1) أعلام الورى للطبرسي ص 445 .
(2) كتاب الخرائج للرواني نقلاً عن كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار للنوري الطبرسي ص 211ط. طهران ، الفصول المهمة ص 293 ط منشورات الاعلمي طهران .
(3) الكافي في الأصول ، كتاب الحجة ج1 ص328 ، الفصول المهمة ص 292 .
(4) كشف الأستار ص 215 .(3/279)
أو برضوى – الجبل الذي يقولون فيه أنه غاب فيه محمد بن الحنفية ، كما نقلنا عن السيد الحميري شاعر الشيعة أنه قال :
تغيب لا يرى فيهم زماناً *** برضوى عنده عسل وماء (1).
ويقولون : في ذي طوى .
كما يذكر النوري الطبرسي :
أن للشيعة دعاءاً مشهوراً رووه عن الأئمة عليهم السلام ، يُعرف بدعاء الندبة ، أمروا بقرآءته في الأعياد الأربعة ، وفيه ما يُخاطب به إمام زمانه الحجة عليه السلام :
ليت شعري استقرت بك النوى *** بل أي أرض تقلك أو ثرى
أبرضوى أم بغيرها ، أم بذي طوى (2) .
أو في اليمن بواد يُقال له شمروخ (3) .
أو الجزيرة الخضراء(4) .
وأما الجزائري ، فقد ذكر قصة طويلة غريبة عجيبة ، أنه يذكر الجزر التي مسيرة مدتها سنة :
" لا يوجد في أهل تلك الخطط والضياع غير المؤمن الشيعي الموحد، القائل بالبراءة والولاية.. سلاطينهم أولاد إمامهم ، يحكمون بالعدل وبه يأمرون ، ولو جمع أهل الدنيا لكانوا أكثر منها على اختلاف الأديان والمذاهب " (5) .
وكذلك يقولون : إنه في جابلقاء ، أو في جابلساء ، وغيرها من الخرافات .
وأما ماذا يعمل ، فيقولون :
" إنه يشهد الموسم ( الحج ) فيراهم ، ولا يرونه "(6) .
ويروون أن خادمة إبراهيم بن عبدة ، قالت :
" كنت واقفة مع إبراهيم على الصفا ، فجاء عليه السلام حتى وقف على إبراهيم ، وقبض على كتاب مناسكه ، وحدثه بأشياء " (7) .
ويكذب آخر - وهو أبو عبدالله الصالح - فيقول :
__________
(1) فجر الإسلام لأحمد أمين ص 273 .
(2) كشف الأستار ص 215 .
(3) الأنوار النعمانية للجزائري ج 2 ص 65 .
(4) بحار الأنوار للمجلسي ج13 باب جزيرة الخضراء .
(5) أنظر الأنوار النعمانية لمحدّث الشيعة الجزائري ، باب نور في ولادة عليه السلام ج2 ص 58 وما بعد .
(6) الأصول من الكافي ، كتاب الحجة ، باب في الغيبة ج 1 ص 338 .
(7) أيضاً ، باب في تسمية من رآه ص 331 .(3/280)
" إنه رآه عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون إليه ، وهو يقول : ما بهذا أمروا "(1) .
ويقول الآخر :
" شاهدت سيماء ( إسم رجل من أتباع السلطان ) آنفا بسرّ من رأى وقد كسر باب الدار ، فخرج عليه وبيده طبرزين ، فقال له : ما تصنع في داري ؟ فقال سيماء : إن جعفراً زعم أن أباك مضى ولا ولد له ، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك ، فخرج عن الدار " (2) .
ويحكي الآخر :
" كنت حاجاً مع رفيق لي ، فوافينا إلى الموقف ، فإذا بشاب قاعد عليه إزار ورداء ، وفي رجليه نعل صفراء ، قومت الإزار والرداء بمائة وخمسين ديناراً ، وليس عليه أثر السفر ، فدنا منا سائل فردناه ، فدنا من الشاب ، فسأله ، فحمل شيئاً من الأرض وناوله ، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال ، فقام الشاب وغاب عنا . فدنونا من السائل ، فقلنا له : ويحك ، ما أعطاك ؟ فأرانا حصاة ذهب مضرسة ، قدرناها عشرين مثقالاً ، فقلت لصاحبي : مولانا ونحن لا ندري . ثم ذهبنا في طلبه ، فدرنا الموقف كله ، فلم نقدر عليه ، فسألنا كل من حوله من أهل مكة والمدينة ، فقالوا : شاب علوي ، يحج في كل سنة ماشياً " (3) .
ثم يحكون وينسبونه إلى علي الرضا أنه قال :
" لا يُرى جسمه ، ولا يُسمى اسمه " (4) .
كما نقلوا عن الحسن العسكري أنه قال :
" إنكم لا ترون شخصه ، ولا يحل لكم ذكره باسمه ، قيل : فكيف نذكره ؟ فقال : قولوا ، الحجة من آل محمد " (5).
ويقول الأربلي :
" إنه حي موجود ، يحل ويرتحل ، ويطوف في الأرض ببيوت وخيم وخدم وحشم وإبل وخيل وغير ذلك "(6) .
ثم حكى قصة ، أن شمس الدين الهرقلي قال :
__________
(1) أيضاً .
(2) أيضاً .
(3) أيضاً ص 332 .
(4) أيضاً ص 333.
(5) أيضاً باب النهي عن الإسم ص 332 ،333 .
(6) كشف الغمة للأربلي ج3 ص283.(3/281)
" حكى لي والدي أنه خرج فيه - وهو شاب - على فخذه الأيسر توثة ( بثرة متقيحة ) مقدار قبضة الإنسان ، وكانت في كل ربيع تشقشق ، ويخرج منها دم وقيح ، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله ، وكان مقيماً بهرقل ، فحضر الحلة يوماً ، ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين على بن طاووس رحمه الله ، وشكا إليه ما يجده منها ، وقال : أريد أن أداويها ، فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع ، فقالوا : هذه التونة فوق العرق الأكحل ، وعلاجها خطر ، ومتى قطعت ، خيف أن يُقطع العرق فيموت . فقال له السعيد رضي الدين قدس روحه : أنا متوجه إلى بغداد ، وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء ، فاصحبني . فأصعد معه ، وأحضر الأطباء ، فقالوا كما قال أولئك ، فضاق صدره . فقال له السعيد : إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب ، وعليك الاجتهاد في الاحتراس ، ولا تغرر بنفسك ، فالله تعالى قد نهى عن ذلك ، ورسوله . فقال له والدي : إذا كان الأمر على ذلك ، وقد وصلت إلى بغداد ، فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى ، على مشرفة السلام . ثم أنحدر إلى أهلي ، فحسن ذلك .
فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجه . قال : فلما دخلت المشهد ، وزرت الأئمة عليهم السلام ونزلت السرداب ، واستغثت بالله تعالى وبالإمام عليه السلام ، وقضيت بعض الوقت في السرداب ، وبت في المشهد إلى الخميس ، ثم مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً ، وملئت إبريقا كان معي ، وصعدت أريد المشهد .
فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور ، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم . فحسبتهم منهم ، فالتقينا . فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط ، وكل واحد منهم متقلد بسيف ، وشيخاً بيده رمح والآخر متقلد بسيف ، وعليه فرجية ملونة فوق السيف ، وهو متحنك بعذبته .(3/282)
فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ، ووضع كعب في الأرض ، ووقف الشابان عن يسار الطريق ، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ، ثم سلموا عليه ، فردّ عليهم السلام .
فقال له صاحب الفرجية : أنت غداً تروح إلى أهلك ؟ فقال : نعم ، فقال له : تقدم حتى أبصر ما يوجعك . قال : فكرهت ملامستهم وقلت في نفسي : أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول . ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده ومدني إليه ، وجعل يلمس جانبي من كتفي ، إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني ، ثم استوى في سرجه كما كان .
فقال لي الشيخ : أفلحت يا إسماعيل . فعجبت من معرفته بإسمي ، فقلت : أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله . قال : فقال لي الشيخ : هذا هو الإمام . فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه .
ثم أنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه ، فقال : ارجع ، فقلت : لا أفارقك أبداً . فقال : المصلحة رجوعك . فأعدت عليه مثل القول الأول . فقال الشيخ : يا إسماعيل ، ما تستحي يقول لك الإمام مرتين إرجع وتخالفه ؟ فجبهني بهذا القول ، فوقفت . فتقدم خطوات والتفت إلي وقال : إذا وصلت بغداد ، فلا بد أن يطلبك أبو جعفر ، يعني الخليفة المستنصر رحمه الله ، فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه ، وقل لولدنا الرضى ليكتب لك إلى علي بن عوض ، فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد .
ثم سار وأصحابه معه .
فلم أزل قائماً أبصرهم ، إلى أن غابوا عني ، وحصل عندي أسف لمفارقته . فقعدت إلى الأرض ساعة ، ومشيت إلى المشهد . فاجتمع القوم حولي ، وقالوا : نرى وجهك متغير، أوجعك شيء؟ قلت : لا . قالوا : أخاصمك أحد ؟ . قلت : لا، ليس عندي مما تقولون خبر ، لكن أسألكم ، هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم ؟ . فقالوا : هم من الشرفاء أرباب الغنم .(3/283)
فقلت : لا ، بل هو الإمام عليه السلام . فقالوا : الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية ؟ فقلت : هو صاحب الفرجية . فقالوا : أريته المرض الذي فيك ؟ فقلت : هو قبضه بيده وأوجعني ، ثم كشف رجلي فلم أر لذلك المرض أثراً ، فداخلني الشك من الدهش ، فأخرجت رجلي الأخرى فلم أرَ شيئاً " (1) .
كما حكى ، أن أبا عطوة ، كان به أدرة ، وكان زيدي المذهب ، وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية ، ويقول : لا أصدقكم ولا أقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم - يعني المهدي - فيبرئني من هذا المرض ، وتكرر هذا القول منه ، فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة ، إذا أبونا يصيح و يستغيث بنا ، فأتيناه سراعاً ، فقال : ألحقوا صاحبكم ، فالساعة خرج من عندي . فخرجنا ، فلم نرَ أحداً ، فعدنا إليه ، وسألناه ، فقال : أنه دخل إليّ شخص ، وقال : يا عطوة ، فقلت : من أنت ؟ فقال : أنا صحب بنيك ، قد جئت لأبرئك مما بك . ثم مد يده فعصر قروتي ومشى ، ومددت يدي فلم أر لها أثراً . قال لي ولده : وبقي مثل الغزال ليس به قلبه .
واشتهرت هذه القصة ، وسألت عنها غير ابنه ، فأخبر عنها ، فأقرّ بها . والأخبار عنه عليه السلام في هذا الباب كثيرة . وأنه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز وغيرها ، فخلصهم ، وأوصلهم إلى حث أرادوا " (2) .
فهذا هو غائبهم ، وهذه هي الأساطير والقصص التي يحكونها عنه غيبته .
الرجعة
وأما الرجعة ، فقال بها الشيعة الإثني عشرية طبق ما قاله عبدالله بن سبأ . بفرق أنه قال في علي رضي الله عنه ، وهؤلاء قالوا في معدومهم .
والجدير بالذكر ، أن هذه العقيدة من العقائد التي فشت وانتشرت في جميع فرق الشيعة في مختلف العصور غير الشيعة الأولى ، كما ذكرناها في الأبواب السابقة .
__________
(1) كشف الغمة للأربلي ج3 ص 283، 284، 285، منتهى الآمال للعباس القمي ص 1244 .
(2) كشف الغمة للأربلي ج3 ص 287 .(3/284)
ثم لم يكتف الشيعة الاثنا عشرية بالقول إن معدومهم الغائب هو الذي سيرجع ، بل قالوا أكثر من ذلك ، وهو أنه يرجع ويرجع الآخرون من الشيعة وأئمتهم وأعدائهم حسب زعمهم . وهناك روايات وأكاذيب لا ُتعد ولا ُتحصى في هذا المعنى .
وقد صنفت في هذا الخصوص كتب مستقلة عديدة . فنختار من الأساطير المضحكة والقصص المبكية أخباراً قليلة ، لوضع النقاط على الحروف ، ولتمييز الحقائق عن أن القوم ماذا يقولون ، وماذا يعتقدون . وإلى أي حد ينقمون قوم رسول الله وقبيلته ، أصحابه وأزواجه ، أمته وشريعته التي جاء بها من الله عز وجل ، والقرآن الذي نزل عليه ، والأمر الذي أعطاه متبعيه والمؤمنين به .
عقيدة الشيعة التي توارثها من اليهودية وعملاء عبدالله بن سبأ وطائفته ، وتناقلوها جيلاً بعد جيل . والتي قال عنها كبيرهم وخاتمة محدثيهم الملا باقر المجلسي صاحب ( بحار الأنوار ) بعد سرد الأخبار الكثيرة عن الرجعة :
" اعلم يا أخي ، أني لا أظنك ترتاب بعد ما مهدّت وأوضحت لك بالقول في الرجعة التي أجمعت عليها الشيعة في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار ... وكيف يشك مؤمن بأحقية الأئمة الأطهار فيما تواترت عنهم من مائتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم " (1) .
فيروي القوم عن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه قال :
" لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد ، لطوّل الله ذلك اليوم ، حتى يخرج رجل من ولدي فيملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلما " (2) .
وكذبوا على نبي الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :
__________
(1) بحار الأنوار للمحلسي ج13 ص225 الطبعة الأولى .
(2) أعلام الورى للطبرسي ص 427 .(3/285)
القائم من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، وشمائله شمائلي ، وسنته سنتي . يقيم الناس على ملتي وشريعتي ، يدعوهم إلى كتاب الله ربي . من أطاعه أطاعني ، ومن عصاه عصاني ، ومن أنكر غيبته فقد أنكرني ، ومن كذبه فقد كذبني ، ومن صدقه فقد صدقني . إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره ، والجاحدين لقولي في شأنه ، والمضلين لأمتي عن طريقته. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " (1)
من يكون المهدي ؟
فلقد كذب الشيعة على الحسن بن علي رضي الله عنهما . أنه لما صالح معاوية ، دخل عليه الناس ، فلامه بعضهم على بيعته ، فقال :
"ويحكم ، ما تدرون ما علمت ، والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت ، ألا تعلمون أني إمامكم ، ومفترض الطاعة عليكم ، وأحد سيدي شباب أهل الجنة ، بنص رسول الله عليّ ؟
قالوا : بلى ، قال : أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار كان ذلك سخطاً لموسى ، إذ خفى عليه وجه الحكمة في ذلك ، وكان عند الله تعالى ذكره حكمه وصواباً ؟ أما علمتم أنه ما ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلفه ، فإن الله عز وجل يخفي ولادته ، ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد عنقه بيعة إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين بن سيدة الإماء ، يطيل الله عمره في غيبته ، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير " (2) .
ومثل ذلك ما رووه عن جعفر أنه قال :
" من أقرّ بجميع الأئمة وجحد المهدي ، كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء وجحد محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبوته . فقيل له : يا ابن رسول الله ، فمن المهدي من ولدك ؟ قال : الخامس ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته " (3) .
منزلته وشأنه
__________
(1) أيضاً ص425 .
(2) أعلام الورى للطبرسي ص 427 .
(3) أعلام الورى للطبرسي ص 429 .(3/286)
ورووا في مقامه وشأنه عن علي بن الحسين أنه قال :
" في القائم منا سنن من ستة من الأنبياء عليهم السلام ، سنة نوح ، وسنة من إبراهيم ، وسنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من أيوب ، وسنة من محمد .
فأما من نوح ، فطول في العمر ، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأما من موسى فالخوف والغيبة ، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه ، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى ، وأما من محمد فالخروج بالسيف ….والقائم منا تخفى على الناس ولادته حتى يقولوا : لم يُولد بعد ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة .. ومن ثبت على موالاتنا في غيبته ، أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر "(1) .
وأيضاً كما روى النعماني في ( غيبته ) أنه قال بأن مهديهم يكون مسنداً ظهره إلى بيت الحرام ويقول :
" أنا بقية من آدم ، وذخيرة من نوح ، ومصطفى من إبراهيم ، وصفوة محمد " (2) .
ويقول :
" أنا بقية الله وخليفته وحجته عليكم " (3) .
ويكون جبرائيل بين يديه (4) .
ويقولون :
نظر موسى بن عمران في السفر الأول إلى ما يُعطى قام آل محمد من التمكين والفضل ، فقال : رب اجعلني قائم آل محمد ، فقيل له : إن ذاك من ذرية أحمد . ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك ، فقال مثله ، فقيل له مثل ذلك . ثم نظر في السفر الثالث ، فرأى مثله ، فقال مثله ، فقيل مثله (5) .
ومتى يرجع ؟
فيروي الكليني في كافيه عن الأصبغ بن نباتة ،أنه قال :
__________
(1) أعلام الورى للطبرسي ص 428،427 .
(2) كتاب الغيبة للنعماني ، أيضاً بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 179 .
(3) الفصول المهمة ص 322 .
(4) كتاب الغيبة للطوسي ص 274 .
(5) كتاب الغيبة للنعماني ص 240 .(3/287)
" أتيت أمير المؤمنين عليه السلام ، فوجدته متفكراً ينكت في الأرض ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، مالي أراك متفكراً تنكت الأرض ، أرغبة منك فيها ؟ فقال : لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط ، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري ، الحادي عشر من ولدي ، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، كما مُلئت جوراً وظلما، تكون له غيبة وحيرة ، يضل فيها أقوام ، ويهتدي فيها آخرون ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، وكم تكون له الحيرة والغيبة ؟ قال : ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين . قلت : وإن هذا لكائن ؟ فقال : نعم كما أنه مخلوق وأنى بهذا الأمر يا أصبغ أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة " (1) .
وروي أيضاً عن أبي جعفر أنه قال :
" يا ثابت ، إن الله تعالى قد كان وقت هذا الأمر في سبعين ، فلما أن قتل الحسين صلوات الله عليه ، إشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض ، فأخره إلى أربعين ومائة ، فحدثناكم فأذعتم الحديث ، فكشفتم قناع الستر ، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتاً عندنا ، ويمحو الله ما يشاء ويثبت ، وعنده أم الكتاب " (2) .
وروى ابنه جعفر أنه قال :
"وقد كان لهذا الأمر وقت كان في سنة أربعين ومائة ، فحدثتم به وأذعتموه فأخّره الله عز وجل " (3) .
ورووا عن أبي جعفر أنه قال :
" ليس بين القائم عليه السلام وقتل النفس الزكية أكثر من خمس عشرة ليلة " (4) .
وذكر أيضاً رواية عن ابنه جعفر أنه قال :
" إذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار ابن مسعود ، فعند ذلك زوال ملك القوم ، وعند زواله خروج القائم " (5) .
والمعروف أن النفس الزكية قتل ، ومضى على قتله آلاف الليالي ، كما هدم حائط مسجد الكوفة ، وقد مضى على هدمه مئات السنين ، ولكن لم يكن لموهوم أن يخرج .
__________
(1) الأصول من الكافي ، كتاب الحجة ج 1 ص 338 .
(2) الأصول من الكافي ج 1 ص368 .
(3) كتاب الغيبة للنعماني ص 292 ط . طهران .
(4) الإرشاد للمفيد ص 260.
(5) أيضاً .(3/288)
ورووا عن إسحاق بن عمار أنه قال :
" قال لي أبو عبدالله عليه السلام : يا أبا إسحاق ،إن هذا الأمر قد أخّر مرتين " (1) .
وهكذا كان الشيعة يعللون بالأماني بخروج قائمهم ورجوع مهديهم ، كما أقرّ بذلك إمامهم السابع موسى بن جعفر . كما رواه الكليني في ( كافيه ) والنعماني (2) في ( غيبته ) كي لا يرجع الشيعة عن تشيّعهم ، فهذا هو النص :
" عن يقطين ، أنه قال لابنه علي بن يقطين :
ما بالنا قيل لنا فكان ، وقيل لكم فلم يكن - يعني أمر بني العباس - ؟ فقال له علي : إن الذي قيل لكم ولنا من مخرج واحد ، غير أن أمركم حضر ( وقته ) فأعطيتم محضه فكان كما ما قيل لكم ، وإن أمرنا لم يحضر ، فعللنا بالأماني . ولو قيل لنا أن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة ، لقست القلوب ، ولرجع الناس عن الإسلام . ولكن قالوا : ما أسرعه وما أقربه ، تألفاً لقلوب الناس وتقريباً للفرج " (3) .
ولقد نقل الجزائري عن المجلسي ، أنه كان يرى وقت خروجه أيام الدولة الصفوية ، مستدلاً من الأحاديث الثلاثة ، فهذه هي عبارته :
__________
(1) كتاب الغيبة للنعماني ص 295،294.
(2) " هو أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني ، وقد كان من كبار محدّثي الإمامية في أوائل القرن الرابع . وإنه من تلامذة ثقة الإسلام محمد بن إسحاق بن يعقوب الكليني ، كان مؤلفاً جيد النظر ، حسن الإستنباط ، وافر السهم في معرفة الرجال وأحاديثهم . ومن أهم مؤلفاته كتاب الغيبة . قال فيه النجاشي :
النعماني شيخ من أصحابنا ، عظيم القدر ، شريف المنزلة ، صحيح العقيدة ، كثير الحديث " ( مقدمة كتاب الغيبة ص 11، 12 )
(3) الكافي للكليني كتاب الحجة ، باب كراهية التوقيت ج 1 ص369 ، كتاب الغيبة للنعماني 295 ،296- واللفظ له .(3/289)
" إعلم أنه قد وردت أخبار مجملة ، وقد نقلها الأصحاب على إجمالها ولم يتعرضوا لبيان معناها ، وذلك أنها أخبار متشابهة ، يجب علينا الإذعان لها من باب التسليم . ولما انتهت النوبة إلى شيخنا المحقق رئيس المحدثين وخاتمة المجتهدين المولى المجلسي صاحب كتاب بحار الأنوار أدام الله أيام إفاداته ، وأجزل في الآخرة مثوباته وسعادته ، توجه إلى إيضاحها وتفسيرها ، وطبق بعضها على وقت تعيين ظهور الدولة الصفوية أعلى الله منار بنيانها ، وشيّد رفيع أركانها . وطبق البعض الآخر على تعيين وقت ظهور مولانا صاحب الزمان عليه ألف سلام ، فلننقل تلك الأخبار على وجهها ، ثم نذكر ما أفاده سلمه الله تعالى من البيان والإيضاح .
الحديث الأول : ما رواه الشيخ الأجلّ المحدّث محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة بسنده إلى أبي خالد الكابلي عن الباقر عليه السلام أنه قال : كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق ، يطلبون الحق فلا يعطونه ، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم ، فيُعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا ، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم ، قتلاهم شهداء .
قال أدام الله أيامه ، أنه لا يخفى على أهل البصائر أنه لم يخرج من المشرق سوى أرباب السلسلة الصفوية ، وهو الشاه إسماعيل أعلى الله مقامه في دار المقامة . وقوله عليه السلام ، لا يدفعونها إلا إلى صاحبكم : المراد به القائم عليه السلام . فيكون في هذا الحديث إشارة إلى اتصال دولة الصفوية بدولة المهدي عليه السلام ، فهم الذين يسلمون الملك له عند نزوله بلا نزاع وجدال .(3/290)
الحديث الثاني : ما رواه النعماني أيضاً في ذلك الكتاب بإسناد معتبر إلى الصادق عليه السلام ، قال : بينا أمير المؤمنين عليه السلام يحدّث في الوقائع التي تجري بعده إلى ظهور المهدي عليه السلام ، فقال له الحسين عليه السلام : يا أمير المؤمنين ، في أي وقت يطّهر الله الأرض من الظالمين ؟ فقال عليه السلام : لا يكون هذا حتى تراق دماء كثيرة على الأرض بلا حق . ثم إنه عليه السلام فصل أحوال بني أمية وبني العباس في حديث طويل إختصره الراوي ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا قام القائم بخراسان ، وغلب على أرض كوفان وملطان ، وتعدى جزيرة بني كاوان ، وقام منها قائم بجيلان ، وأجابته الأبر والديلم ، وظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار والحرمات ، وكانوا بين هنات وهنات ، إذا خربت البصرة ، وقام أميرالأمرة ، فحكى عليه السلام حكاية طويلة ، ثم قال : إذا جهزت الألوف ، وصفت الصفوف ، وقتل الكبش الخروف ، هناك يقوم الآخر ، ويثور الثائر ، ويهلك الكافر . ثم يقوم القائم المأمول ، والإمام المجهول له الشرق والفضل ، وهو من ولدك يا حسين لا إبن مثله ، يظهر بين الركنين في ذر يسير يظهر على الثقلين ولا يترك في الأرض الأدنين ، طوبى لمن أدرك زمانه ولحق أوانه وشهد أيامه .(3/291)
قال ضاعف الله أيام سعادته : جزيرة بني كاوان جزيرة حول البصرة ، وأهل الأبر جماعة في قرب أسترآباد ، والديلم هم أهل قزوين وماوالاها ، والحرمات الأمكنة الشريفة ، قوله هنات وهنات أي حروب عظيمة ووقائع كثيرة في وقت خراب البصرة ، والمراد بالقائم المأمول هو المهدي عليه السلام ، والمراد بالركنين ، ركنا الكعبة ، وهو الركن والحطيم ، الذي هو محل خروجه عليه السلام . وقوله ذر يسير المراد به الجماعة القليلة ، وهم شهداء بدر . وقوله يظهر على الثقلين ، يعني به أنه عليه السلام ، يغلب على الجن والإنس ، سميا به لأنهما يثقلان الأرض بالإستقرار فوقها ، أو لأنهما أشرف المخلوقات السفلية ، والعرب تسمى الشريف ثقلاً لحلمه ورزانته . وقيل إنما سميا به ، لأنهما قد ثقلا بالتكليف ، فهما ثقلان بمعنى مثقلان . وقوله الأدنين جمع أدنى ، وهم أراذل الناس وأدناهم . والمراد بهم الظالمون الكافرون .
ثم قال سلمه الله تعالى : الظاهر أن المراد بأهل الخروج من خراسان هم أمراء الترك ، مثل جنكيزخان ، وهولاكوخان .
والمراد بالخارج من جيلان هو الشاه المؤيد الشاه إسماعيل ، ومن ثم أضافه عليه السلام إلى نفسه وسماه ولده . والمراد بأمير الأمرة ، إما ذلك السلطان المذكور أو غيره من السلاطين الصفوية . وقوله وقتل الكبش الخروف ، الظاهر أنه إشارة إلى المرحوم صفي الدين ميرزا ، فإن أباه وهو المرحوم الشاه عباس الأول قد قتله . وقوله يقوم الآخر ، المراد به المرحوم الشاه صفي ، فإنه أخذ دمه ، وأول من قتله هو الذي باشر قتل أبيه صفي ميرزا . وقوله عليه السلام ثم يقوم القائم المأمول إشارة أيضاً إلى اتصال الدولة الصفوية بالدولة المهدوية على صاحبها السلام .(3/292)
الحديث الثالث : رواه الشيخ الأجلّ محمد بن مسعود العياشي ، وهو من ثقات المحدّثين في كتاب التفسير عن أبي لبيد المخزومي عن الباقر عليه السلام ، بعدما ذكر ملك شقاوة بني العباس ، قال : يا أبا لبيد ، إن حروف القرآن المقطعة لعلماً جماً ، إن الله تعالى أنزل ألم ذلك الكتاب ، فقام محمد صلى الله عليه وآله حتى ظهر نوره ، وثبتت كلمته ، وولد يوم ولد وقد مضى من الألف السابع مائة سنة وثلث سنين . ثم قال : وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطعة إذا عددتها من غير تكرار ، وليس من الحروف المقطعة حرف ينقضي إلا وقيام قائم من بني هاشم عند انقضائه .
ثم قال : الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد تسعون ، فذلك مائه وواحد وستون . ثم كان بدء خروج الحسين بن علي عليه السلام ألم الله ، فلما بلغت مدته ، قام قائم ولد العباس عند المص . ويقوم قائمنا عند انقضائها بالر . فافهم ذلك ، وعه واكتمه .
قال ذلك المحقق أيده الله تعالى : قوله عليه السلام من الألف السابع المراد به من ابتداء خلق أبينا آدم عليه السلام . ثم قال أيده الله تعالى : إن هذا الحديث في غاية الإشكال ، وقد ذكرنا له وجوهاً في كتاب بحار الأنوار ، ولنذكرهنا وجهاً واحداً ، ولكنه مبني عل تمهيد مقدمة ، وهي أن المعلوم من كتب الحساب المعتبرة ، أن حساب أبجد له اصطلاحات مختلفة ، ومناط حساب هذا الحديث على اصطلاح أهل المغرب ، وقد كان شائعاً بين العرب في الأعصار السابقة ، وهو هذا صعفض قرست ثخذ ضغش . فالصاد عندهم ستون ، والضاد تسعون ، والسين ثلثمأة ، والظاء ثمانمأة ، والغين تسعمأة ، الشين ألف . وباقي الحروف على موافقة المشهور .(3/293)
إذا عرفت هذه المقدمة ، فاعلم أن تاريخ ولادة نبينا صلى الله عليه وآله ، يظهر من جميع فواتح السور ، ولكن باسقاط الحروف المكررة ، مثلاً ألم و الر و حم ، وغيرها من المكررات ، لا يُؤخذ منه الحساب إلا واحد . وكذلك الحروف المبسوطة مثل ألف را ، لا يُحسب منه إلا ثلاثة ، وكذا لام را ونحو ذلك ، وحينئذ فألف لام ميم ، ألف لام ميم ، صاد ألف لام ، را ألف لام ، ميم را ، كاف ها يا عين صاد ، طا ها ، طا سين ، يا سين ، صاد حا ميم ،عين سين قاف قاف نون .
إذا عددت حروفها تكون مئة وثلثاً من وقت خلق أبينا آدم عليه السلام إلى وقت ولادة النبي صلى الله عليه وآله يكون على وفق هذا الحديث ستة آلاف سنة ومئة وثلاثون ( ثلث سنين ظ ) والأول من كل ألف سنة تاريخ ، وأول كل سابع من آلاف مائة وثلاث يكون قد مضت . وعدد هذه الحروف أيضاً يكون مأة وثلاثة على ما عرفت ، فيكون ألم الذي في أول سورة البقرة ، إشارة إلى مبعث نبينا صلى الله عليه وآله ، وقوله عليه السلام وليس حرف ينقضي إلا وقيام قائم من بني هاشم عند انقضائه واضح على هذا .
وذلك أول دولة بني هاشم ابتداؤها من عبدالمطلب . ومن ظهور دولة عبدالمطلب إلى ظهور دولة نبينا صلى الله عليه وآله إحدى وسبعين سنة تقريباً عدد ألم بحساب أبجد على ترتيب القرآن بعد ألم البقرة وألم آل عمران ، وهو إشارة إلى خروج الحسين عليه السلام . فإنه من ابتداء رواج دولة النبي صلى الله عليه وآله إلى وقت خروج الحسين عليه السلام إحدى وسبعون سنة تقريباً . وأيضاً بحسب ترتيب سور القرآن ، ألمص ، وهو إشارة إلى خروج بني العباس ، فإنهم من بني هاشم أيضاً ، وإن كانوا غير محقين في أمر الخروج .
وبحساب أبجد على طريق المغاربة مئة وواحد وثلاثون ، ومن أول بعثة النبي صلى الله عليه وآله إلى وقت ظهور دولتهم مئة وواحد وثلاثون ، وإن كان إلى زمان بيعتهم أكثر .(3/294)
ويحتمل أن يكون ابتداء هذا التاريخ من وقت نزول سورة الأعراف فيكون مطابقاً لوقت بيعتهم وعلى حساب ألمص على طريق المغاربة . يبني الحديث المروي في كتاب معاني الأخبار وسنذكره إن شاء الله تعالى .
وأما كون قيام القائم عليه السلام مبنياً على حساب ألر ، فالذي يخطر بخاطري أن الرقد وقع في القرآن في خمسة مواضع ، وينبغي لبيانه كما تعرض لبيان ألم ومجموعة ألف ومئة وخمس وخمسون سنة تقريباً ، من سنة تحرير هذه الرسالة ، وهو سنة ألف وثمان وسبعون من الهجرة ، فيكون قد بقى من وقت خروجه عليه السلام ( سبعة وسبعون ظ ) خمس وستون سنة لما كان مبدأ هذه التواريخ من أوائل البعثة ، هذا محصل كلامه سلمه الله تعالى " (1) .
وقد مضى خمس وستون سنة وسبع وسبعون سنة وأكثرعلى ذلك الوقت ، ولم يأن لقائمهم أن يرجع ، وليس لمعدوم أن يوجد .
وما أحسن ما قاله قائل :
ما آن للسرداب أن يلد الذي *** صيرتموه بزعمكم إنسانا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم *** ثلثتم العنقاء والغيلانا
كيف يرجع ، وأين يرجع ؟
فيعتقد القوم أن جعفراً قال :
" ينادى بإسم القائم في يوم ستة وعشرين من شهر رمضان ، ويقوم في يوم عاشوراء ، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي ( ع ) لكأني به يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام ، جبرئيل بين يديه ينادي بالبيعة له ، فتسير شيعته من أطراف الأرض تطوي لهم طياً ، حتى يبايعوه ، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً " (2) .
ثم بيّنوا كيف يجتمع الشيعة للقائم ، فقالوا :
__________
(1) الأنوار النعمانية لنعمت الله الجزائري ص 76 إلى 80 .
(2) أعلام الورى للطبرسي ص 459 ، ومثله في الإرشاد للمفيد ص 362،361 .(3/295)
" إذا أذن الإمام ، دعا الله بإسمه العبراني (1) فأتيحت ( فانتخب ) له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر ، قزع كقزع الخريف ، فهم أصحاب الألوية . منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح في مكة ، ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهاراً يُعرف بإسمه وإسم أبيه وحليته ونسبه . قلت : جعلت فداك ، أيهم أعظم إيماناً ؟ قال : الذي يسير في السحاب نهاراً ... وهم المفقودون ، وفيهم نزلت هذه الآية { أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا } " (2) .
ويروي الطوسي شيخ الطائفة :
" ينادي منادي من السماء بإسم القائم ، فيسمع من بين الشرق والغرب ، فلا يبقى راقد إلا استيقظ ، ولا قائم إلا قعد ، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت . وهوصوت جبرئيل الروح الأمين (3)
وزاد النعماني :
" فلا يبقى شيئ من خلق الله فيه إلا سمع الصيحة ، فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره ، وتخرج الأذراع من خدرها ، ويخرج القائم مما يسمع ، وهو صيحة جبرئيل "(4) .
وقد رووا عن المفضل بن عمر أنه قال :
__________
(1) ألا تدل هذه اللفظة على معنى متوارث عن القوم الذين يتكلمون بالعبرانية ؟ .
(2) الغيبة للنعماني ص 169 نقلاً عن كتاب تاريخ ما بعد الظهور ص 373،372.
(3) الغيبة للنعماني ص 254 .
(4) كتاب الغيبة للطوسي ص 274 .(3/296)
" قلت لجعفر بن الباقر : ففي أي بقعة يظهر المهدي ؟ قال : لا تراه عين وقت ظهوره إلا رأته كل عين ، وذلك أنه يغيب آخر يوم من سنة ست وستين ومئتين ، ولا تراه عين أحد حتى يراه كل أحد . ثم يظهر في مكة ، ووالله يا مفضل كأني أنظر إليه داخل مكة وعليه بردة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعلى رأسه عمامته ، وفي رجليه نعل رسول الله المخصوفة ، وفي يده عصا النبي صلى الله عليه وآله يسوق بين يديه أعنزاً عجافاً ، حتى يصل بها نحو البيت حتى لا يعرفه أحد . قال المفضل : يا سيدي ، كيف يظهر ؟ قال : يظهر وحده ، ويأتي البيت وحده إلى الكعبة ، ويجن عليه الليل ، وإذا نامت العيون وغسق الليل ، نزل جبرئيل وميكائيل والملائكة صفوفاً ، فيقول له جبرئيل يا سيدي ، قولك مقبول ، وأمرك جار . فيمسح يده على وجهه ويقول الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء ، فنعم أجر العاملين . ويقف بين الركن والمقام ، ويصرخ صرخة ، يا معشر نقبائي وأهل خاصتي ومن خلقهم الله لظهوري على وجه الأرض ، إيتوني طائعين . فترد صيحته عليهم وهم في تجايرهم وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها . فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل ، فيجيئون نحوه ، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر ، حتى يكونوا كلهم بين يديه بين الركن والمقام ، فيأمر الله عز وجل بنور فيصير عموداً من الأرض إلى السماء ، يستضيئ به كل مؤمن على وجه الأرض ، ويدخل عليه نور في جوف بيته ، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك وهو لا يعلمون بظهور قائمنا . ثم يصبحون وقوفاً بين يديه . وهم ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، يوم بدر " (1) .
ويقول وهومسند ظهره إلى الكعبة :
__________
(1) الأنوار النعمانية ج2ص 82 .(3/297)
" يا معشر الخلائق ، ألا من أراد أن ينظر إلى آدم وشيث ، فهاأنا ذا آدم وشيث ، ألا من أراد أن ينظر إلى إبراهيم وولده إسماعيل ، فهاأنا ذا إبراهيم وإسماعيل . ألا من أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون ، فها أنا ذا عيسى وشمعون . ألا من أراد أن ينظر إلى محمد وأمير المؤمنين ، فها أنا ذا محمد وأمير المؤمنين . ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين فها أنا ذا الحسن والحسين . ألا من أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين ، فها أنا ذا الأئمة .
أجيبوا مسألتي ، فإني أنبئكم بما نبئتم به أو لم تنبئوا به ، ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني .
ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله لآدم وشيث ، فتقول أمة آدم وشيث : هذه والله الصحف حقاً ، ولقد رأينا ما لم نعلمه فيها وما كان أسقط منها وبدّل وحرّف . ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم حقا ، ثم يقرأ التوراة والإنجيل والزبور ، فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور :هذه والله التوراة الجامعة والإنجيل الكامل ، وإنها أضعاف ما ترى فيها . ثم يتلو القرآن ، فيقول المسلمون : هذا والله القرآن وما حرف وما بدل " (1) .
ويكون في صورة شاب مؤنق ، إبن إثنتين وثلاثين سنة . كما كذبوا عن جعفر أنه قال :
" لو قد قام القائم لأنكره الناس ، لأنه يرجع إليهم شاباً مؤنقاً لا يثبت عليه إلا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول ، وفي رواية : القائم يعمر عمر الخليل عشرين ومائة سنة يدري به – ثم يغيب غيبة في الدهر ، ويظهر في صورة شاب مؤنق إبن ثلاثين سنة " (2) .
فيبايعه أول من يبايعه جبرئيل كما روى الطوسي وغيره :
" أن جبرائيل يأتيه ، ويسأله ويقول له :
__________
(1) الأنوار النعمانية ص 84،83.
(2) كتاب الغيبة للطوسي ص 189 .(3/298)
إلى أي شيئ تدعو ؟ فيخبره القائم . فيقول جبرئيل : فأنا أول من يبايع ، ثم يقول له : مد كفك . فيمسح على يديه "(1) .
وذكر البحراني : أن جبرئيل ينزل على الميزاب في صورة طائر أبيض ، حتى يكون أول من خلق الله جبرئيل . (2) .
وهذا مع قولهم :
أتى جبرئيل (ع) إلى رسول الله (ص) ، فقال : السلام عليك يا محمد ،هذا آخر يوم أهبط فيه إلى الدنيا . وعن عطاء بن يسار ، أن رسول الله (ص) لما حضر أتاه جبرئيل ، فقال : يا محمد الآن أصعد إلى السماء ، ولا أنزل إلى الأرض أبداً . وعن أبي جعفر (ع) قال : لما حضرت النبي الوفاة ... إلى أن قال : فعند ذلك قال جبرئيل : يا محمد ، هذا آخر هبوطي إلى الدنيا ، إنما كنت أنت حاجتي فيها. (3) .
ولا جبرئيل وحده ، بل الملائكة الآخرون أيضاً كما روى الجزائري عن جعفر أنه قال :
" إن القائم يسند ظهره إلى الحرم ، ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء ، فيقول : هذه يد الله ... ويكون أول من يقبل يده جبرئيل ، ثم يبايعه الملائكة ، ثم نجباء الجن ، ثم نقباء المؤمنين " (4) .
ويُؤيد هذا ، ما ذكره المفيد والطبرسي وابن الفتال والبحراني والنعماني وغيرهم كذباً على محمد الباقر أنه قال :
" كأني بالقائم على نجف الكوفة ، قد سار إليه من مكة في خمسة آلاف من الملائكة ، جبرئيل عن يمينه ، ميكئيل عن شماله ، والمؤمنون بين يديه ، وهو يفرق الجنود في البلاد " (5)
__________
(1) أعلام الورى للطبرسي ص 460، 461 ، الإرشاد للمفيد ص 364 ، روضة الواعظين ج2 ص265 ، إكمال الدين لإبن بابويه القمي وغيره .
(2) تفسير البرهان ج2 ص82 .
(3) كشف الغمة للأربلي ج1 ص19 نقلاً عن كتاب تاريخ مابعد الظهور ص 352 .
(4) الأنوار النعمانية ج2 ص83 .
(5) الإرشاد المفيد ص 362، أعلام الورى للطبرسي ص 460 ، روضة الواعظين للفتال ص 264 ، البرهان للبحراني ج2 ص82 ، كتاب الغيبة للنعماني ص 334 .(3/299)
ولا خمسة آلاف فقط ، بل ينحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً ، قلت : كل هؤلاء الملائكة ؟ قال : نعم ، الذين كانوا مع نوح في السفينة ، والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقى في النار ، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل ، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه ، وأربعة آلاف ملك كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله مسومين ، وألف مردفين ، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين .. وأربعة آلاف هبطوا يريدون القتال مع الحسين (ع) فلم يُؤذن لهم في القتال .. و كل هؤلاء في الأرض، ينتظرون قيام القائم عليه السلام إلى وقت خروجه عليه صلوات الله والسلام"(1)
وأورد مثل ذلك النعماني في كتاب ( الغيبة )(2) .
وزاد على ذلك " أن الذي يحمل رايته يوم ذاك ، يكون جبرئيل ، ويكون عمودها من عمد عرش الله تعالى " (3) .
" وأن أربعة الآلاف الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين فلم يُؤذن لهم ، بقوا عند قبره شعثاً غبراً إلى يوم القيامة ، ورئيسهم ملك يُقال له منصور . فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ، ولا يودعه مودع إلا شيّعوه ، ولا مريض إلا عادوه ، ولا يموت ميت إلا صلوا عليه " (4) .
وماذا يعمل بعد رجعته ؟
ومن أكاذيب الشيعة الشنيعة ، والكره الذي توارثوه عن اليهودية والمجوسية الذين دُمرت شوكتهم ، وقضى على سلطانهم وملكهم من قبل مسلمي العرب ، وعلى أيدي قادتهم من قريش . ومن شدة نقمتهم وحسدهم وحقدهم ، قالوا :
إن القائم يبدأ أول ما يبدأ بقتل قريش وصلبهم ، الأحياء منهم والأموات ، ويضع في العرب السيف ، فقالوا :
" عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال :
__________
(1) كامل الزيارات لإبن قولويه ص 120 .
(2) ص 310،109 .
(3) أنظر كتاب الغيبة للنعماني ص 309 .
(4) أيضاً ص 311 .(3/300)
لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج ، لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس ، أما أنه لا يبدأ إلا بقريش ، فلا يأخذ منها إلا السيف ، ولا يعطيها إلا السيف ، حتى يقول كثير من الناس : هذا ليس من آل محمد ، ولو كان من آل محمد لرحم " (1) .
وروى المفيد والطبرسي عن جعفر أنه قال :
" إذا قام القائم من آل محمد ، أقام خمسمائة من قريش ، فضرب أعناقهم ، ثم أقام خمسمائة فضرب أعنقاهم ، ثم خمسمائة أخرى ، حتى يفعل ذلك ست مرات . قلت : ويبلغ عدد هؤلاء هذا ؟ قال : نعم ، منهم ومن مواليهم " (2) .
وأيضاً أنه سيف قاطع بين العرب ، وعلى العرب شديد ، ليس شأنه إلا السيف ، ولا يستتيب أحدا (3) .
ومثل ذلك ما رووه عن جعفر أيضاً أنه قال :
" إذا خرج القائم ، لم يكن بينه وبين قريش إلا السيف ، ما يأخذ منها إلا السيف ، وما يستعجلون بخروج القائم ؟ ... وما هو إلا السيف ، والموت تحت ظل السيوف " (4) .
فانظر الحقد والوتر على العرب عامة و على قريش خاصة . وهل هناك شك بعد ذلك في يهودية القوم ومجوسيتهم ؟ أو تأسيس اليهودية وتكوين العنصر الإيراني عقائدهم ومعتقداتهم ؟
وأخرج المجلسي في ( البحار ) عن جعفرأنه قال :
" إن القائم يسير في العرب في الجفر الأحمر ، قال ( أي الراوي ، وهو رفيد مولى ابن هبيرة ) قلت : جعلت فداك ، وما في الجفر الأحمر ؟ قال : فأمرّ أصبعه على حلقه ، قال : هكذا ، يعني الذبح " (5) .
وروي أيضاً عنه أنه قال :
__________
(1) أيضاً ص 233 .
(2) الإرشاد للمفيد ص 364 ، أعلام الورى للطبرسي ص 461 ، زمثله في كتاب الغيبة للنعماني ص 235 .
(3) كتاب الغيبة للنعماني ص 235 .
(4) كتاب الغيبة للطوسي ص 233 ،234 .
(5) بحار الأنوار للمجلسي ج13 ص 181 .(3/301)
" إنه يخرج موتوراً غضباً أسفاً ... يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر ، يقتل هوجاء . فأول ما يبدأ ببني شيبة ، فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة ، وينادي مناديه : هؤلاء سرّاق الله . ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف ، ولا يعطيها إلا السيف " (1) .
يحي الأموات ويقل أصحاب النبي
ولا يكتفي بقتل الأحياء منهم ، ولا يروي عطشه دم هذا القدر من الناس ، بل يبدأ بالأموات - حسب أساطيرهم وأباطيلهم - فيحييهم ثم يقتلهم ، كما ذكروا أنه في عصره يحيي يزيد بن معاوية وأصحابه فيُقتلون حذو القذة بالقذة .(2)
وليس هذا فحسب ، بل جازفوا في القول ، حتى قالوا :
" لو قام قائمنا ، رد بالحميراء ( أي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما ) حتى يجلدها الحد ، وينتقم لإبنة محمد صلى الله عليه وآله "(3) .
وأكثر من ذلك ، بلغوا في اللؤم والخبث والحقد لحاملي رايات الإسلام ، ومعلني كلمته ، ومبلغي رسالته ، ومدمري حضارة اليهود وشوكة المجوسية ، إلى حد لم يتصوره العقل ، ولم ترض به الإنسانية ، فقالوا :
__________
(1) كتاب الغيبة للنعماني ص 308 .
(2) أنظر بحار الأنوار ج 13 ص219 ، تفسير العياشي ج2 ص282 ، البرهان ج2 ص 408 ، الصافي ج1 ص959 .
(3) تفسير الصافي ص 359 مجلد كبير .(3/302)
" إن القائم قال : ألا أنبئك بالخبر . أنه إذا فقد الصبي ، وتحرك المغربي ، وسار العماني ، وبويع السفياني ، يأذن الله لي فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً سواء . فأجيئ إلى الكوفة ، وأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول ، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ، و أحج بالناس حجة الإسلام . وأجيئ إلى يثرب ، وأهدم الحجرة ، وأخرج من بها وهما طريان ، فآمر بهما تجاه البقيع ، وآمر بالخشبتين يصلبان عليهما ، فتورق من تحتها ، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى ، فينادي مناد من السماء : أبيدي ، ويا أرض خذي . فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد خلص قلبه الإيمان . قلت : يا سيدي ما يكون بعد ذلك ؟ قال : الكرة الكرة الرجعة " (1)
وذكر هذا الجزائري بالتفصيل و الصراحة حيث قال : " إن المفضل بن عمر روى عن جعفر أنه قال :
__________
(1) الربهان في تفسير القرآن ج 2 ص407 .(3/303)
إن بقاع الأرض تفاخرت ، ففخرت الكعبة على بقعة كربلاء ، فأوحى الله عز و جل إليها أن اسكتي يا كعبة وما تفخري على كربلاء ، فإنها البقعة المباركة التي قال فيها لموسى عليه السلام إني أنا الله ، و هي موضع المسيح و أمه وقت ولادته ، و إنها الدالية التي غسل بها رأس الحسين بن علي عليهما السلام ، و هي التي عرج منها محمد صلى الله عليه و آله . و قال له المفضل : يا سيدي ، يسير المهدي إلى أين ؟ قال : إلى مدينة جدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب ، يظهر فيه سرور المسلمين و خزي الكافرين . فقال المفضل : ياسيدي ماهو ذاك ؟ قال : يرد إلى قبر جده فيقول يامعشر الخلائق هذا قبر جدي ، فيقولون نعم يا مهدي آل محمد ، فيقول و من معه في القبر ، فيقولون صاحباه ( مصاحباه ) وضجيعاه أبوبكر و عمر ، فيقول عليه السلام ، وهو أعلم الخلق من أبو بكر و عمر ، و كيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، و عسى أن يكون المدفون غيرهما ، فيقول الناس يا مهدي آل محمد ، ما هاهنا غيرهما ، و إنهما دفنا معه لأنهما خليفتاه و آباء زوجتيه ، فيقول هل يعرفهما أحد ؟ فيقولون نعم نحن نعرفهم بالوصف ، ثم يقول هل يشك أحد في دفنهما هنا ؟ فيقولون لا ، فيأمر بعد ثلاثة أيام و يحفر قبرهما و يخرجهما ، فيخرجان طريين كصورتهما في الدنيا ، فيكشف عنهما أكفانهما ، ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة ، فيصلبهما عليها ، فتتحرك الشجرة وتورق و ترفع ويطول فرعها . فيقول المرتابون من أهل ولايتهما هذه والله الشرف حقاً ، و لقد فزنا بمحبتهما و ولايتهما . فينشر خبرهما فكل من بقلبه حبة خردل من محبتهما يحضر المدينة ، فيفتنون بهما ، فينادي مناد المهدي عليه السلام هذان صاحبا رسول الله صلى الله عليه و آله فمن أحبهما فليكن في معزل ، و من أبغضهما يكن في معزل . فيتجزأ الخلق جزئين ، موال و معاد . فيعرض على(3/304)
أوليائهما البراءة منهما . فيقولون يا مهدي ما كنا نبرأ منهما وما كنا نعلم أن لهما عند الله هذه الفضيلة ، فكيف نبرأ منهما و قد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما و غضاضتهما و حياة الشجرة بهما , بل والله نبرأ منك و ممن آمن بك و ممن لا يؤمن بهما و ممن صلبهما و أخرجهما و فعل ما فعل بهما . فيأمر المهدي عليه السلام ريحاً فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية ، ثم يأمر بإنزالهما فينزلان ، فيحييهما بإذن الله ، و يأمر الخلائق بالاجتماع ، ثم يقص عليهم قصص فعالهم في كل كور و دور ، حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم ، و جمع النار لإبراهيم ، و طرح يوسف في الجب ، و حبس يونس في بطن الحوت ، و قتل يحيى ، و صلب عيسى ، و عذاب جرجيس و دانيال ، و ضرب سلمان الفارسي ، و إشعال النار على باب أمير المؤمنين و فاطمة و الحسين عليهما السلام و إرادة إحراقهم بها ، و ضرب الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء بسوط و رفس بطنها و إسقاطها محسنا ، و سم الحسن ، و قتل الحسين عليه السلام ، و ذبح أطفاله و بني عمه ، و سبي ذراري رسول الله صلى الله عليه و آله و إراقة دماء آل محمد ، و كل دم مؤمن و كل فرج نكح حراماً و كل رباء أُكل و كل خبث و فاحشة و ظلم منذ عهد آدم إلى قيام قائمنا . كل ذلك يعدده عليهما و يلزمهما إياه و يعترفان به ، ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت مظالم من حضر ، ثم يصلبهما على الشجرة ، و يأمر ناراً تخرج من الأرض تحرقهما و الشجرة ، ثم يأمر ريحاً فتنسفهما في اليّم نسفاً .(3/305)
قال المفضل : يا سيدي هذا آخر عذابهما ؟ قال : هيهات يا مفضل ، والله ليردّن ، وليحضرّن السيد الأكبر محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و الصديق الأعظم أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة عليهم السلام و كل من محض الإيمان محضاً و كل من محض الكفر محضاً ، و ليقتصن منهما بجميع المظالم ، ثم يأمر بهما فيقتلان في كل يوم و ليلة ألف قتلة و يردان إلى أشد العذاب . " (1) .
ظلمه وقوته
ومن قسوته ، أنهم ينقلون عنه عن جعفر أنه قال :
" بينا رجل على رأس القائم يأمره وينهاه ، إذ قال : أديروه ، فيديروه إلى قدامه ، فيأمر بضرب عنقه ، فلا يبقى في الخافقين شيئ إلا خافه " (2) .
أنه يقتل المولّي ، ويجهز الجريح (3).
وذكروا في رواية :
" بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله رحمة ، وبعث القائم نقمة "(4) .
يدعو إلى أمر جديد وكتاب جديد
ومن عقائد الشيعة الإثني عشرية ، أن إمامهم الموهوم وغائبهم المعدوم ، سيدعو الناس إلى كتاب جديد وأمر جديد . وقد نقلوا فيه روايات عديدة ، منها ما رواها النعماني عن أبي جعفر – الإمام الخامس المعصوم عند الشيعة - أنه قال :
" يقوم القائم بأمر جديد ، على العرب شديد ، ليس شأنه إلا السيف ، ولا يستتيب أحدا " (5) .
وعنه أن سُئل : أيسير بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
قال : هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته ، قلت : جعلت فداك لم َ ؟
قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله سار في امته بالمن ، كان يتألف الناس . والقائم يسير بالقتل ، بذاك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحدا " (6) .
وري أيضاً عنه أنه قال :
__________
(1) الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص86 ، 87.
(2) كتاب الغيبة للنعماني ص 239 .
(3) أيضاً ص 232 .
(4) تفسير الصافي ص 359 مجلد كبير .
(5) كتاب الغيبة للنعماني ص 233 .
(6) أيضاً ص 231 .(3/306)
" فوالله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام ، يبايع الناس بأمر جديد شديد ، وكتاب جديد ، وسلطان جديد من السماء " (1) .
ومثل ذلك روى المجلسي في بحار الأنوار (2) .
ورروا أيضاً عن أبي عبدالله أنه سُئل :
" كيف سيرته ؟ فقال : يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله ، يهدم ما كان قبله ، كما هدم رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الجاهلية ، ويستأنف الإسلام من جديد " (3) .
وهذه الروايات واضحة في معناها ، تنبئ بما دست اليهودية الأثيمة من الدسائس الخبيثة بين الذين الذين ينتسبون للإسلام . وتوضح معنى هذه الرويات رواية أخرى التي أوردها النعماني والمجلسي وغيرهما عن أبي جعفر أنه قال :
" لو قد خرج القائم من آل محمد عليهم السلام ، لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين . ويكون جبرئيل أمامه ، وميكائيل عن يمينه ، وإسرافيل عن يساره ، والرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله ، والملائكة المقربون حذاه ، وأول من يتبعه محمد صلى الله عليه وآله وسلم - وفي رواية يتبعه وفي أخرى يبايعه - وعليّ الثاني ومعه سيف مخترط ، يفتح الله له الروم و الديلم والسند والهند وكابل شاه والخرز .
يا أبا حمزة ، لا يقوم القائم عليه السلام إلا على خوف شديد وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك ، وسيف قاطع بين العرب ، واختلاف شديد بين الناس ، وتشتت في دينهم ، وتغير من حالهم . حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساءاً من عظم ما يرى من كَلَب الناس ، وأكل بعضهم بعضا . وخروجه إذا خرج عند الإياس والقنوط .
__________
(1) أيضاً .
(2) ج13 ص 194 وما بعد .
(3) بحار الأنوار ج 13 ص 194 .(3/307)
فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره . والويل كل الويل لمن خافه وخالف أمره وكان من أعدائه ، ثم قال : يقوم بأمر جديد ، وسنة جديدة ، وقضاء جديد على العرب شديد ، ليس شأنه إلا القتل ولا يستتيب أحداً ، ولا تأخذه في الله لومة لائم " (1) .
فهذه هي حقيقة الأمر ، وهذا هو أصل الشيعة الإثني عشرية ، الذين يدعون بأنهم من الشيعة المعتدلين ، وينفون انتسابهم إلى عبدالله بن سبأ اليهودي وكونهم من أصل مجوسي إيراني ، الناقمين على الإسلام ، والباغين على الأمة الإسلامية ، والطاعنين على أسلافهم وأعيانها ، والشاتمين قوادها وسادتها .
وقد بيّناها من كتبهم أنفسهم ، وبعبارتهم هم .
رجعة الأئمة مع رجعة القائم
ثم إن الشيعة الإثني عشرية ، لا يعتقدون برجعة القائم فحسب ، بل وأكثر من ذلك ، يعتقدون بأن أئمتهم يرجعون أيضاً إلى الدنيا مثل رجوع قائمهم ، ويبقون ، ويملكون ، وينتقمون من الأعداء ويقتلونهم .
كما روى المجلسي عن جعفر أنه قال :
" أول من تنشق الأرض عنه ، ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي . وإن الرجعة ليس بعامة وهي خاصة . لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً "(2) .
ورووا عن أبيه الباقر أنه قال :
" إن أول من يرجع إلى الدنيا لجاركم الحسين بن علي عليه السلام ، فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من الكبر "(3) .
ولا الحسين وحده فحسب ، بل يرجع معه سبعون رجلاً من أصحابه الذين قتلوا معه (4) .
__________
(1) كتاب الغيبة للنعماني ص224 ، 235 . ومثله في بحار الأنوار للمجلسي وغيره .
(2) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص210 ، الصافي ج 1 ص959 .
(3) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 211 ، البرهان ج2 ص 407 ، الصافي ج1 ص959 ، إثبات الهداة للعاملي ج7 ص102 .
(4) تفسير العياشي ج2 ص181 .(3/308)
وفي رواية أن الحسين يرجع إلى الدنيا مع خمسة وسبعين ألفاً من الرجال ، ويملك الدنيا كلها بعد وفاة المهدي عليه السلام ، ثلاث مائة وتسع سنين (1) .
ويرجع معه يزيد بن معاوية وأصحابه ، ليأخذ الحسين وأصحابه ثأرهم منهم (2) .
ويساعد الحسين وأصحابه في أخذ ثأرهم وانتقامهم من يزيد وعساكره سبعون نبياً ورسولا ، ويكون أحدهم إسماعيل . كما حكى الجزائري حكاية باطلة بقوله :
" وفي الأخبار الكثيرة عن بريد العجلي أنه سأل الصادق عليه السلام عن قول الله تعالى في إسماعيل أنه كان صادق الوعد ، ما المراد بإسماعيل هذا ؟ أهو إبن إبراهيم ؟ فقال عليه السلام :
" لا ، بل هو إسماعيل بن حزقيل ، بعثه الله إلى جماعة ، فكذبوه وسلخوا جلده ووجهه ورأسه . فبعث الله عليهم ملك العذاب ، وهو سطاطائيل . فأتى إلى إسماعيل وقال : إن الله أرسلني إليك بما تأمر في عذابهم ، فقال إسماعيل عليه السلام : لا حاجة لي في عذابهم . فأوحى الله سبحانه إليه : إن كان لك حاجة إليّ فاطلبها . فقال : يا رب ، إنك أخذت علينا معاشر الأنبياء أن نوحّدك ، ونقر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ، وبإمامة الأئمة عليهم السلام ، وأخبرت الخلائق بما يفعل الظالمون بولده الحسين ، ووعدت الحسين عليه السلام بالرجوع إلى الدنيا ليأخذ ثأره وينتقم من ظالميه ،. فحاجتي إليك يا رب أن ترجعني في زمانه ، لأجل آخذ ثأري وقتل من قتلني . فقبل الله حاجته ، وجعله من الذين يرجعون في زمان الحسين عليه السلام . وفي رواية أخرى ، أن الحسين عليه السلام ، يرجع إلى الدنيا مع خمسة وسبعين ألفاً من الرجال " (3) .
وقالوا :
__________
(1) الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص 99،98.
(2) تفسير العياشي ج2 ص282 ، البرهان ج2 ص408 ، الصافي ج1 ص259تحت قوله تعالى : [ ثم رددنا لكم الكرة عليهم ]، بحار الأنوار ج13 ص219 .
(3) الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص98 .(3/309)
إن الأئمة الإثني عشرية ، كلهم يرجعون إلى الدنيا في زمن القائم ، مع جماعتهم (1) .
ويرجع عليّ ونبيّ أيضاً
ولا يرجع الحسين وأصحابه ومعاوية ويزيد وأصحابه وسبعون نبياً ممن مضوا في سالف الزمان وحدهم ، بل ويرجع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى عليّ أيضاً ، كما روى المجلسي عن بكير بن أعين ، أنه قال :
" قال لي من لا أشك فيه ، يعني أبا جعفر (ع) أن رسول الله (ص) وعلياً سيرجعان " (2) .
ورووا عن جعفر أنه قال :
" قال رسول الله (ص) : لقد سرى بي ربي عز وجل ، فأوحى إليّ من وراء حجاب ما أوحى ، وكلمني بما كلم به ، وكان مما كلمني به .. يا محمد ، عليّ آخر من أقبض روحه من الأئمة " (3) .
وليس هذا فحسب ، بل وأكثر من ذلك وأدهى وأمر ، أنهم يروون عن جعفر أنه قال :
" لم يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا ردهم جميعاً إلى الدنيا ، حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب عليه السلام " (4) .
وعنه أيضاً ، أنه قال :
" لا يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا رُد إلى الدنيا من آدم فهلم جرا ، حتى يقاتل بين يدي علي بن أبي طالب عليه السلام " (5) .
مع من فيهم سيد الأنبياء وإمام المرسلين .
كما روى الجزائري عن الباقر أنه قال :
" إن علياً رضي الله عنه ، خطب خطبة ذات يوم ، فحمد الله فيها ، وقال فيها ما قال ، ومنه :
__________
(1) الصافي ج1 ص 347 .
(2) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 210 .
(3) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 217 .
(4) نور الثقلين ج 1 ص 359 ، بحار الأنوار ج 13 ص 210 .
(5) العياشي ج1 ص 281 تحت قول الله [ لتؤمنن به ولتنصرنه ] ، البرهان ج1 ص 295 ، بحار الأنوار ص 217 .(3/310)
وقد أخذ الله الميثاق مني ومن نبيه ، لينصرن كل منا صاحبه . فأما أنا فقد نصرت النبي صلى الله عليه وآله بالجهاد معه ، وفتلت أعداءه . وأما نصرته لي وكذا نصرة الأنبياء عليهم السلام ، فلم تحصل بعد ، لأنه ماتوا قبل إمامتي ، وبعد هذا سينصرونني في زمان رجعتي ، ويكون لي ملك ما بين المشرق والمغرب ، ويخرج الله لنصرتي الأنبياء من آدم إلى محمد ، يجاهدون معي ، ويقتلون بسيوفهم الكفار الأحياء ، والكفار الأموات ، الذين يحييهم الله تعالى . وأعجب ، وكيف لا أعجب من أموات يحييهم الله تعالى ، يرفعون أصواتهم بالتلبية فوجاً فوجا لبيك يا داعي الله ، ويتخللون أسواق الكوفة وطرقها ، حتى يقتلون الكافرين والجبارين والظالمين من الأولين والآخرين . حتى يحصل لنا ما وعدنا الله تعالى " (1) .
ولا هذا فحسب ، بل عمموا الرجعة ، حيث قالوا :
" ليس أحد من المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت ، ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل "(2) .
وروى الطبرسي والمفيد :
" إذا آن قيام القائم ، مطر الناس في جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب ، مطرأً لم ير الناس مثله . فينبت الله به لحوم المؤمنين في أبدانهم في قبورهم . فكأني أنظر إليهم من قبل جهينة ، ينفضون رؤسهم من التراب " (3) .
وروى المفيد أيضاً :
" يخرج إلى القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً ، خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون " (4) .
دابّة الأرض
ويعتقد الشيعة الإثنا عشرية أن دابة الأرض التي تخرج قبل قيام الساعة تكلمهم ، يكون علياً رضي الله عنه . كما رووا عن جعفر أنه قال :
__________
(1) الأنوار النعمانية ج 2 ص99 .
(2) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 210 .
(3) أعلام الورى ص 462 ، الإرشاد للمفيد ص 363 ، بحار الأنوار ج 13 ص223 .
(4) الإرشاد للمفيد ص 365 ، أعلام الورى للطبرسي ص 464 .(3/311)
" أتى رسول الله (ص) إلى أمير المؤمنين (ع) وهو نائم في المسجد ، وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه ، فحركه برجله ، ثم قال : قم يا دابة الله . فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم ؟ . فقال : لا والله ما هو إلا له خاصة ، و هو الدابة التي ذكر الله في كتابه : } وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ { ثم قال : يا علي ، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ، و معك ميسم تسم به أعداءك "(1) .
ثم إن علياً ليست له رجعة واحدة ، بل له رجعات كثيرة كما ذكرنا أنه قال في إحدى خطبه :
" إن لي رجعة بعد رجعة ، وحياة بعد حياة . أنا صاحب الرجعات وصاحب الجولات " (2) .
هذا ، ومثل هذا فإنه لكثير .
ومن غرائب الاعتقادات التي يعتقدها القوم ، أنهم يقولون :
إن بعد قائمهم ، اثني عشر مهدياً آخر . كما رووا عن جعفر عن أبائه عن علي ، أنه قال :
" قال رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته : يا أبا الحسن ، أحضر صحيفة ودواة . فأملى رسول الله وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع . فقال : يا علي ، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ، ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً . فأنت أول الإثني عشر إماماً ... وساق الحديث إلى أن قال : وليسلمها الحسن ( يعني الإمام العسكري عليه السلام ) إلى إبنه محمد المستحفظ من آل محمد صلى الله عليه وعليهم ، فذلك إثنا عشر إماماً . ثم يكون من بعده إثناعشر مهدياً . فإذا حضرته الوفاة ، فليسلمها إلى إبنه أول المهديين . له ثلاثة أسامي : إسم كاسمي ، وإسم أبي وهو عبدالله ، والإسم الثالث المهدي ، وهو أول المؤمنين " (3) .
__________
(1) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 213.
(2) الأنوار النعمانية للجزائري ج 2 ص 99 .
(3) بحار الأنوار ج 13 ص137 .(3/312)
وروى الطوسي : أنهم أحد عشر ، كما حكى عن أبى حمزة عن جعفر أنه قال :
" يا أبا حمزة ، إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً " (1) .
وإلى ذلك ، تشير رواية النعماني ، حيث يحكي عن أبي جعفر أنه قال :
" والله ليملكن رجل منا أهل البيت ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة ويزداد تسعا. قال : قلت له : ومتى يكون ذلك ؟ قال : بعد موت القائم عليه السلام . قلت له : وكم يقوم القائم عليه السلام في عالمه حتى يموت ؟ . فقال : تسع عشرة سنة ، من يوم قيامه إلى يوم موته " (2) .
ويؤيد ذلك أيضاً ، دعاء شيعي يدعونه للمهدي ، فيقولون في آخره :
" اللهم صل ِ على ولاة عهده والأئمة من بعده ، وبلغهم آمالهم ، وزد في آجالهم ، وأعز نصرهم ، وتمم لهم ما أسندت إليهم من أمرك لهم ، وثبت دعاتهم ، واجعلنا لهم أعوانا ، وعلى دينك أنصارا "(3) .
وأخيراً نأتي برواية أوردها محدث القوم نعمت الله الجزائري عن جعفر أنه قال :
__________
(1) كتاب الغيبة للطوسي ص 285 .
(2) كتاب الغيبة للنعماني ص 332 .
(3) مفاتيح الجنان ص 542.(3/313)
" إن الشيطان لما قال : رب أنظرني إلى يوم يُبعثون . قال : إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ، فيخرج الشيطان مع جميع عساكره وتوابعه من يوم خلق آدم إلى يوم الوقت المعلوم ، وهو آخر يوم رجعة يرجعها أمير المؤمنين عليه السلام . فقال الراوي : كم لأمير المؤمنين عليه السلام من رجعة ؟ فقال : إن له رجعات و رجعات ، وما من إمام في عصر من الأعصار ، إلا ويرجع معه المؤمنون في زمانه ، والكافرون فيه ، حتى يستولي أولئك المؤمنون على أولئك الكافرين فينتقمون منهم ، فإذا جاء الوقت المعلوم ، ظهر أمير المؤمنين عليه السلام مع أصحابه ، وظهر الشيطان مع أصحابه ، فيتلاقى العسكران على شط الفرات في مكان اسمه الروحا قريب الكوفة ، فتقع بينهم حرب لم يقع في دنيا من أولها وآخرها ، وكأني أرى أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام قد رجعوا منهزمين ، حتى تقع أرجلهم في الفرات ، فعند ذلك يرسل الله سحابة مملوءة من الملائكة ، يتقدمها النبي صلى الله عليه وآله ، وبيده حربة من نور . فإذا نظر الشيطان أدبر فاراً ، فيقول له أصحابه : إلى أين تفر ولك الظفر عليهم ؟ فيقول : إني أرى مالا ترون ، إني أخاف من عقاب رب العالمين . فيصل النبي صلى الله عليه وآله ، ويضربه ضربة بالحربة بين كتفيه فيهلك بتلك الضربة هو وجميع عساكره . فعند ذلك يُعبد الله على الإخلاص ، ويرتفع الكفر والشرك . ويملك أمير المؤمنين عليه السلام الدنيا أربعين ألف سنة ، ويُولد لكل واحد من شيعته ألف ولد من صلبه في كل سنة ولد . وعند ذلك يظهر البستانان عند مسجد الكوفة الذي قال الله تعالى مد هامّتان ، وفيهما من الاتساع مالا يعلمه إلا الله تعالى" (1) .
وهذا آخر ما أردنا ذكره من خرافات القوم ومعتقداتهم ، إنتخبناها من الكثير الكثير . ولهم كتب مستقلة في هذا الباب .
الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله
__________
(1) الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص 102،101.(3/314)
وكي لا يطول بنا الحديث ، نذكر فقط رواية واحدة تشتمل على خطبة علي رضي الله عنه حسب زعم القوم ، وفيها كل ما يعتقده القوم من الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا .
يذكر الجزائري هذه الخطبة في كتابه المشهور رواية عن محمد الباقر أنه قال :
" إن أمير المؤمنين عليه السلام ، خطب خطبة ذات يوم فحمد الله ، وأثنى عليه بالوحدانية . وقال : إن الله سبحانه تكلم بكلمة ، فصارت نوراً ، فخلق منه نور النبي ونوري ونور الأئمة . وتلكم بكلمة أخرى ، فصارت روحاً ، فأسكنها في ذلك النور . وذلك النور مع تلك الروح ، ركبها في أبداننا معاشر الأئمة . فنحن الروح المصطفاة ، ونحن الكلمات التامات ، ونحن حجة الله الكاملة على الخلق . فنحن نوراً أخضر ، حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا مخلوق ولا مخلوقات .(3/315)
وكنا نسبح الله ونقدسه قبل خلق الخلق . فأخذ الله لنا العهد من أرواح الأنبياء على الإيمان بنا ، وعلى نصرتنا . وهذا معنى قوله سبحانه { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } فقال عليه السلام : يعني الإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله ، ونصرة وصيّه . وهذه النصرة قد صارت قريبة . وقد أخذ الله الميثاق مني ومن نبيه لينصرن كل منا صاحبه ، فأما أنا فقد نصرت النبي صلى الله عليه وآله بالجهاد معه وقتلت أعداءه . وأما نصرته لي وكذا نصرة الأنبياء عليهم السلام فلم تحصل بعد ،لأنهم ماتوا قبل إمامتي ، وبعد هذا سينصرونني في زمان رجعتي ، ويكون لي ملك ما بين المشرق والمغرب ، ويخرج الله لنصرتي الأنبياء من آدم إلى محمد ، يجاهدون معي ، ويقتلون بسيوفهم الكفار الأحياء ، والكفار الأموات الذين يحييهم الله تعالى . وأعجب وكيف لا أعجب من أموات يحييهم الله تعالى ، يرفعون أصواتهم بالتلبية فوجاً لبيك لبيك يا داعي الله . ويتخللون أسواق الكوفة وطرقها ، حتى يقتلون الكافرين الجبارين والظالمين من الأولين والآخرين . حتى يحصل لنا ما وعدنا الله . ثم تلى هذه الآية : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } .(3/316)
قال عليه السلام : يعني يعبدونني ولا يتقون من أحد ، لأن لي رجعة بعد رجعة ، وحياة بعد حياة . أنا صاحب الرجعات ، وصاحب الصولات ، وصاحب الإنتقامات ، وصاحب الدولة العجيبة . أنا حصن الحديد ، وأنا عبدالله وأخو رسوله ، وأنا أمين الله على علمه ، وصندوق سرّه وحجابه وصراطه وميزانه وكلمته . أنا أسماء الله الحسنى وأمثاله العليا وآياته الكبرى . أنا صاحب الجنة والنار ، أسكن أهل الجنة في جنتهم ، وأهل النار في نارهم ، وأنا الذي أزوّج أهل الجنة . وإليّ مرجع هذا الخلق في القيامة ، وعليّ حسابهم .
وأنا المؤذن على الأعراف ، وأنا الذي أظهر آخر الزمان في عين الشمس ، وأنا دابة الأرض التي ذكرها الله في الكتاب أظهر آخر الزمان ، ومعي عصا موسى وخاتم سليمان أضعه في وجه المؤمن والكافر ، فتنقش فيه هذا مؤمن حقا ، وهذا كافر حقا .
وأنا أمير المؤمنين وإمام المتقين ولسان المتكلمين وخاتم أوصياء النبيين ووارثهم وخليفة الله على العالمين . وأنا الذي علمني الله علم البلايا والمنايا وعلم القضاء بين الناس . وأنا الذي سخّر لي الرعد والبرق والسحاب والظلمة والنور والرياح والجبال والبحار والشمس والقمر والنجوم . أيها الناس ، اسألوني عن كل شيء " (1) .
فهذه الرواية ، ومثل هذه الرواية وإنها لكثيرة جداً موجودة منتشرة في كتب القوم ، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .
__________
(1) الأنوار النعمانية لنعمت الله الجزائري ج2 ص 99 ، 100 .(3/317)
فهذه العقائد التي تتبناها الشيعة الاثنا عشرية وتعتقدها ، ويعتقدها الإماميون والجعفريون الذين يُعدون من الشيعة المعتدلة . وهي عين تلك العقائد التي وضع بذروها عبدالله بن سبأ ، ونشرتها السبئية وروجتها بين الفئات الشيعية المختلفة . ولولا خوف الإطالة ، لأكثرنا الروايات التي وردت في كتبهم المعتبرة المعتمدة الموثوقة لديهم . ولكننا نرى أن ما ذكر فيه الكفاية لمن أراد أن يتثبت ويتحقق . وكذلك لمن أراد أن يتبصّر ويهتدي . والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
ونختم الكلام في هذا الموضوع ، بنقل آراء بعض المستشرقين في علاقة الشيعة بالسبئية ، أو بتعبير صحيح بالعقائد الأجنبية المدسوسة بين المسلمين ، يهودية كانت أم إيرانية ، التي لا تمت إلى الإسلام بصلة لا قريبة ولا بعيدة .
فيقول المستشرق دوزي :
" كانت الشيعة في حقيقتها فرقة فارسية ، وفيها يظهر أجلى ما يظهر ذلك الفارق بين الجنس العربي الذي يحب الحرية ، وبين الجنس الفارسي الذي اعتاد الخضوع كالعبيد .
لقد كان مبدأ انتخاب خليفة للنبي ، أمراً غير معهود ولا مفهوم ، لأنهم لم يعرفوا غير مبدأ الوراثة في الحكم ، لهذا اعتقدوا أنه مادام محمد لم يترك ولداً يرثه ، فإن علياً هو الذي يجب أن يخلفه ، وأن الخلافة يجب أن تكون وراثية في آل علي .(3/318)
ومن هذا ، فإن جميع الخلفاء - ماعدا علياً - كانوا في نظرهم مغتصبين للحكم لا تجب لهم طاعة . وقوّى هذا الاعتقاد عندهم ، كراهيتهم للحكومة وللسيطرة العربية ، فكانوا في الوقت نفسه يلقون بأنظارهم النهمة إلى ثروات سادتهم . وهم قد اعتادوا أيضاً أن يروا في ملوكهم أحفاداً منحدرين من أصلاب الآلهة الدنيا ، فنقلوا هذا التوقير الوثني إلى علي وذريته . فالطاعة المطلقة " للإمام " الذي من نسل علي ، كانت في نظرهم الواجب الأعلى ، حتى إذا ما أدى المرء هذا الواجب ، استطاع بعد ذلك بغيرلائمة ضمير أن يُفسر سائر الواجبات والتكاليف تفسيراً رمزياً ، وأن يتجاوزها ويتعداها .
لقد كان " الإمام " عندهم هو كل شئ ، إنه الله قد صار بشراً . فالخضوع الأعمى المقرون بانتهاك الحرمات ، ذلك هو الأساس في مذهبهم "(1) .
وبمثل ذلك ، قال المستشرق ملّر ، وزاد عليه :
" أن الفرس كانوا تحت تأثير الأفكار الهندية قبل الإسلام بعهد طويل يميلون إلى القول بأن الشاهنشاه هو تجسيد لروح الله التي تنتقل في أصلاب الملوك إلى الأبناء "(2) .
ويذكر هذه الآراء ، مستشرق ألماني متعاطف على الشيعة ، ولهوزن فيقول :
__________
(1) مقالة في تاريخ الإسلام للدوزي ص 220 وما بعد .
(2) كتاب ملر ، ج 1 ص 327.(3/319)
" أما أن آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين ، فهذا أمر لا سبيل إلى الشك فيه ، أما كون هذه الآراء قد انبعثت من الإيرانيين ، فليست تلك الملاءمة دليلاً عليه . بل الروايات التاريخية تقول بعكس ذلك . إذ تقول أن التشيّع الواضح الصريح كانً قائماً أولاً في الدوائر العربية ، ثم انتقل بعد ذلك منها إلى الموالي ، وجمع بين هؤلاء وبين تلك الدوائر ، وأولئك الذين كانوا يتواثبون حول الكرسي المقدس يذكرون أنهم " السبئية " ( ص 703 س 17 ، ص704 س 11 ) ولم يكونوا من الموالي ، بل من العرب ، إذ كانوا من عشائر : نهد وخارف وثور وشاكر وشبام . وهؤلاء السبئية كانوا على علاقات سيئة بعشائرهم ، نتيجة لمذهبهم الغريب ، خصوصاً شبام بالنسبة إلى قبيلة همدان . بينما كانوا على علاقات وثيقة جداً بالمختار ، ومن أجله خاضوا النار ، ووشوا بقبائلهم .
ونجد حديثاً عن بطانة من الشيعة العرب ، كانت تجتمع في منزلي امرأتين بارزتين . وتذكر أسماء بعض أفراد هذه البطانة ، ومنهم إبن نوف الهمداني ، الذي كان ينافس مولاه وأستاذه ( المختار ) في التنبؤ . لقد كان يصنع وحياً لدى الكرسي المقدس ، وكان أحد عمومة الأعشى ممن تأثر لهذا الوحي . وكان أول سادن للكرسي ، هو موسى بن أبي موسى الأشعري ، ثم تلاه حوشب البرسمي . والبيئة هنا كلها يمنية . ويقال أن المختار قد أظهر الكرسي على أنه كرسي علي بن أبي طالب . ولكن ثمة روايات أخرى تقول بعكس ذلك ، وهذه الروايات الثانية أقرب إلى التصديق . وعلى كل حال ، فقد كان الكرسي في حوزة اليمنيين ، وأصله إنما يبحث لديهم . ولم يكن اختراعاً أبدعه الهوى ، بل مثله مثل الحجر الأسود كان قطعة وثنية ، وفي الأصل كرسي الله ثم كرسي علي ،لأنهم ألهوا علياً . وكراسي الله الخالية هذه نجدها كثيراً ، وإن لم تكن عادة من الخشب .(3/320)
ومنشأ السبئية ، يرجع إلى زمان علي والحسن ، وتنسب إلى عبدالله بن سبأ . وكما يتضح من اسمه الغريب ، فإنه كان أيضاً يمنياً .
والواقع أنه من العاصمة صنعاء. ويُقال أنه كان يهودياً . وهذا يقود بالقول بأصل يهودية الفرقة السبئية " (1) .
ثم يقول :
" يلوح أن مذهب الشيعة الذي يُنسب إلى عبدالله بن سبأ أنه مؤسسه ، إنما يرجع إلى اليهود أقرب من أن يرجع إلى الإيرانيين . والدليل على هذا ما سأحاول هنا إيراده بطريقة عارضة ، دون أن أعير المسألة من الأهمية أكبر مما تستحق .
كان القدماء من أنصار علي ، يعدونه في مرتبة مساوية لسائر الخلفاء الراشدين في خلافته - في سلك واحد - وكان يوضع في مقابل الأمويين المغتصبين للخلافة بوصفه استمراراً للخلافة الشرعية ، وحقه في الخلافة ناشئ عن أنه كان من أفاضل الصحابة ، وأنهم وضعوه في القمة ، وتلقى البيعة من أهل المدينة . ولم ينشأ هذا الحق - أو على الأقل لم ينشأ مباشرة - عن كونه من آل بيت الرسول ، ومع ذلك فيبدو أن آل البيت أنفسهم قد ادعوا حق ميراث الخلافة عن رسول الله منذ البداية . وبعد وفاة علي ، كانت المعارضة ضد الأمويين تنظر إلى أبناء عليّ على أنهم المطالبون الشرعيون للخلافة .
ولكن المسألة هنا كانت مقصورة على دعوى الخلافة ، ولا بد أن نميز بين هذا وبين دعوى النبوة . وزعم أن النبوة لم تنته بمحمد ، بل استمرت في علي وبنيه ، كان هذا الزعم هو الخطوة الأخيرة .
إن الفكرة القائلة بأن النبي ملك يمثل سلطان الله على الأرض قد انتقلت من اليهودية إلى الإسلام . ولكن الإسلام السني يقول إن محمداً خاتم النبيين ، وبعد وفاته حلت محله الشريعة ، وهي أثر مجرد غير مشخص ، ومعوض عنه أقل قيمة بكثير جداً . فكان ذلك نقصاً ملموساً ، فمن هنا تبدأ نظريات الشيعة .
وكان المبدأ الأساسي الذي بدأ منه مذهبهم هو :
__________
(1) الخوارج والشيعة لولهوزن ص170،169 ط.عربي .(3/321)
أن النبوة ، وهي المعوض الشخصي الحي للسلطة الإلهية ، تنتسب بالضرورة إلى الخلافة ، وتستمر تحيا فيها . وقبل محمد وجدت سلسلة طويلة متصلة من الأنبياء الذين يتلو بعضهم بعضاً ، على نحو ما يقول اليهود ، ( سلسلة دقيقة من الأنبياء ) .
وكما يذكر في أصحاح 18 من سفر " ثنية الإشتراع " من أنه لم يخل الزمان أبداً من نبي يخلف موسى ومن نوعه . وهذه السلسلة لا تقف عند محمد . ولكل نبي خليفته إلى جانبه يعيش أثناء حياته ( وهذا الزميل الثاني هو أيضاً فكرة يهودية ) فكما كان لموسى خليفة هو يوشع ، كذلك لمحمد خليفة هو عليّ ، به يستمر الأمر . على أن كلمة " نبي " لم تطلق على عليّ وبنيه - بل أطلق عليهم أسماء " الوصي " أو " المهدي " أو " الإمام " عامة - ولكن إن لم يطلق عليهم الاسم ، فإن الحقيقة الفعلية كانت مقصودة بوصفهم عارفين بالغيوب وتجسيدات للخلافة عن الله " (1) .
وأخيراً يذكر :
" وأقيم تأليه بيت الرسول على أساس فلسفي بواسطة مذهب " الرجعة " أو ( تناسخ الأرواح ) فالأرواح تنتقل بالموت من جسم إلى جسم ، وثمة بعث مستمر في المجرى الطبيعي للحياة الدنيا . و هذا في تناقض حاد مع القول ببعث واحد عند زوال الدنيا . ويستفيد هذا المذهب أهمية عملية ، خصوصاً عن طريق رفعه إلى روح الله التي تحل في نفوس الأنبياء . فهذه الروح تنتقل من نبي إلى نبي آخر بعد وفاة السابق ، ولا يوجد في الوقت الواحد غير نبي واحد ، ويتتابعون حتى يبلغوا ألف نبي . وتبعاً لهذا فإن الأنبياء جميعاً بما يُبعث في كل منهم من روح الله ، والحق أن النبي الصادق الحق واحد يعود أبداً من جديد .
وبهذا المعنى قالوا أن محمداً يُبعث في عليّ وآل عليّ .
ويبنون ذلك على الآية 85 من السورة 28 ، والآية 8 من السورة 82 .
__________
(1) الخوارج والشيعة لولوزن ص 171 ، 172 .(3/322)
وهذا يُذكّر كثيراً بالفكرة ( المحتمل جداً أنها ) يهودية ، وإن كانت من البدع اليهودية ، التي وردت في المواعظ المنحولة على كليمانس "pscudoclementinen"، فروح الله تتحد في آدم مع شخص إنسان يظهر بصفة النبي الصادق في صور متعددة ، وقد قدر له السيادة على الملكوت الدائم . راجع :
( 1, 1, p.283''Gieselers KG.( 4. Aufl.) .
ولكن المتأخرين قد فهموا - فيما يبدو - " الرجعة " على نحو آخر ، فقد تصوروها على نحو ديالكتيكي . فقالوا بفترة " غيبة " دورية للإمام الصادق ، ثم سموها - في مقابل ذلك - ظهوره من جديد " رجعة " .
والمعنى الأصيل للرجعة يظهر جلياً من مرادفتها لتناسخ الأرواح . والسيد الحميري يؤمن أيضاً برجعته نفسه ، ومن أجل ذلك كانوا يسخرون منه ، ويشنعون عليه ( " الأغاني " ج 7 ص 8 ) . كما يتضح أيضاً من كون كثيّر كان يعد جميع أبناء الحسن الحسين أنبياء صغاراً ، لأنه كان يؤمن بالرجعة ( الأغاني 8/34 ) ، وكذلك من كون محمد كان ينظر إليه على أنه يرجع ، خصوصاً في ورثة دمه ( آله ) ونبوته " (1) .
ثم نقل ما قاله أبو حمزة الخارجي في خطبة له على المنبر بالمدينة المنوّرة عن الشيعة نقلاً عن ( الأغاني ) أنه قال :
" شيعة ظاهرت بكتاب الله ، وأعلنت الفرية على الله ، لا يرجعون إلى نظر نافذ في القرآن ، ولا عقل بالغ في الفقه ، ولا تفتيش عن حقيقة الصواب . قد قلدوا أمرهم أهواءهم ، وجعلوا دينهم عصبية لحزب لزموه وأطاعوه في جميع ما يقوله لهم ، غياً كان أو رشداً ، أو ضلالة أو هدى .
__________
(1) أيضاً 173 ، 174 .(3/323)
ينتظرون الدول في رجعة الموتى ، ويُؤمنون بالبعث قبل الساعة ، ويدّعون علم الغيب لمخلوق لا يعلم أحدهم ما في داخل بيته ، بل لا يعلم ما ينطوي عليه ثوبه أو يحويه جسمه . ينقمون المعاصي على أهلها ، ويعملون إذا ظهروا بها ، ولا يعرفون المخرج منها . جفاة في الدين ، قليلة عقولهم ، قد قلدوا أهل البيت من العرب دينهم ، وزعموا أن موالاتهم لهم تغنيهم عن الأعمال الصالحة ، وتنجيهم من عقاب الأعمال السيئة " (1) .
وبمثل ذلك القول ، قال هشام بن عبدالملك الأموي في كتاب له إلى يوسف بن عمر :
" إن عبادة الشيعة لله ، كانت عبادة لبني الإنسان ، والنتيجة لذلك قيصرية بابوية معاً . كانوا يعترضون على إمامة السلطة القائمة ، ولكن إمامتهم الشرعية القائمة على دم الرسول ( ذرية آل البيت ) لم تكن أفضل منها ، إذ كانت تفضي إلى إهدار القانون ، وكسر الشريعة . فالإمام عندهم كان فوق النصوص الحرفية . وكان يعلم الغيب ، فمن اتبعه وأطاعه ، سقطت عنه التكاليف ، وخلا من المسؤولية " (2) .
ولا بأس بنقل ما كتبه أحمد أمين في كتابه ( فجر الإسلام ) عن الشيعة ، ولو أننا ذكرنا منه جزء فيما مر ، فإنه قال :
" والحق أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد . ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتيه وهندية . ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته .كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستاراً يضعون وراءه كل ما شاءت أهواءهم . فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول في الرجعة . وقال الشيعة : إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلاً ، كما قال اليهود : لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات .
__________
(1) الخوارج والشيعة ص 175 .
(2) أيضاً ص 175 نقلاً عن الطبري ج 2 ص 882 .(3/324)
والنصرانية ظهرت في التشيع ، في قول بعضهم : إن نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إليه . وقالوا إن اللاهوت اتحد بالناسوت في الإمام . وإن النبوة والرسالة لا تنقطع أبداً ، فمن اتحد به اللاهوت فهو نبي .
وتحت التشيع ، ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول ، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس من قبل الإسلام .
وتستر بعض الفرس بالتشيّع ، وحاربوا الدولة الأموية ، وما في نفوسهم إلا الكره للعرب ودولتهم ، والسعي لاستقلالهم . قال المقريزي :
" واعلم إن السبب في خروج أكثر الطوائف عن ديانة الإسلام ، أن الفرس كانت سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم ، وجلالة الخطر في أنفسها ، بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد ، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم . فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب ، وكان العرب عند الفرس أقل من الأمم خطراً ، تعاظمهم الأمر ، وتضاعفت لديهم المصيبة ، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى ، وفي كل ذلك يظهر الله الحق .. فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع فاظهر قوم منهم لإسلام ، واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم عليّ ، ثم سلكوا بهم مسالك شتى أخرجوهم عن طريق الهدى .
وقد ذهب الأستاذ " ولهو سن Wellhausin " إلى أن العقيدة الشيعية نبعت من اليهودية أكثر مما نبعت من الفارسية ، مستدلاً بأن مؤسسها عبدالله بن سبأ وهو يهودي . ويميل الأستاذ " دوزي Dozy " إلى " أن أساسها فارسي ، فالعرب تدين بالحرية ، والفرس يدينون بالمَلِك ، وبالوراثة في بيت المالك ، ولا يعرفون معنى لانتخاب الخليفة ، وقد مات محمد ولم يترك ولداً ، فأولى الناس بعده إبن عمه علي بن أبي طالب . فمن أخذ الخلافة منه كأبي بكر وعمر وعثمان والأمويين ، فقد اغتصبها من مستحقها .(3/325)
وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى إلهي ، فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي ّ وذريته وقالوا : إن طاعة الإمام أول واجب ، وإن طاعته إطاعة الله " .
والذي أرى - كما يدلنا التاريخ - أن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس الإسلام ، ولكن معنى ساذج ، وهو أن علياً أولى من غيره من وجهتين ، كفايته الشخصية ، وقرابته للنبي ، والعرب من قديم تفخر بالرياسة وبيت الرياسة ، وهذا الحزب - كما رأينا - وُجد من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ونما بمرور الزمان وبالمطاعن في عثمان ، ولكن هذا التشيّع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الأخرى في الإسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية . وأن كل قوم من هؤلاء ، كانوا يصبغون التشيّع بصيغة دينهم . فاليهود تصبغ الشيعة يهودية ، و النصارى نصرانية ، وهكذا .
وإذ كاد أكبر عنصر دخل في الإسلام هو عنصر الفارسي كان أكبر الأثر في التشيع إنما هو الفرس " (1) .
وهذا آخر ما أردنا إثباته في كتابنا هذا ، والله يهدينا إلى سبيل الرشاد ، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه من خدمة دينه ، ورفع كلمته والدفاع عن شريعته وحملة شريعته محمد وأصحابه وأهل بيته أجمعين ، و صلى الله على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ، وعلى آله الطيبين ، وأصحابه الطاهرين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
تمت طباعة الكتاب وإعداده للنشر على شبكة الإنترنت
بمساهمة من شباب منتدى أنا المسلم 8/4/1424هـ
فاللهم اغفر لكل من ساهم في نشره وطبعه ولوالديه وذريته ولمن قال آمين
مصادر الكتاب ومراجعه
إثبات الوصية للمسعودي . ط : نجف .
أجمع الفضائح للملا كاظم . ط : إيران .
الإحتاج للطبرسي . ط : قم ، إيران .
إحقاق الحق للشوستري ط : إيران .
الأخبار الطوال للدينوري ط : بغداد .
أدوار علم الفقه لآل كاشف الغطاء . ط : بيروت 1399 هـ .
__________
(1) فجر الإسلام ص 276 إلى 278 .(3/326)
الأرجوزة المختارة للقاضي النعمان . ط : مونتريال . كندا 1970م .
الإرشاد للمفيد ط : إيران .
أساس الأصول لدلدار علي . ط : الهند .
10- الإستبصار للطوسي . ط : طهران طبعة ثالثة 1390هـ .
11- أسرار الشهادة للدربندي . ط : إيران .
12- الأشعثيات للأشعث الكوفي . ط : إيران .
13- أصل الشيعة وأصولها لآل كاشف الغطاء . ط : بيروت .
14- أصول العقيدة لمهدي الصدر . ط : بيروت .
15- أصول الفقه لمحمد رضا المظفر . ط : القطيف ، السعودية .
16- الإعتقادات لابن بابويه . ط : طهران .
17- أعلام الورى للطبرسي . ط : دار الكتب الإسلامية ، طبعة ثالثة ، إيران .
18- أعيان الشيعة لمحسن الأمين . ط : بيروت .
19- الأغاني للأصفهاني . ط : بيروت ، لبنان .
20- الأمالي لابن بابويه القمي . ط : بيروت .
21- الأمالي للطوسي . ط : قم ، إيران .
22- أمالي المرتضى . ط : بيروت 1387 هـ .
23- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر . ط : بيروت .
24- أمل الآمل .
25- أمير المؤمنين لمحمد جواد الشري .
26- الإنتصار للمرتضى . ط : نجف ، 1391هـ .
27- أنساب بيوتات قاين . ط : طهران ، إيران .
28- الأنوار النعمانية للجزائري . ط : تبريز .
29- الإيقان المحلي .
30- الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي . ط : قم ، إيران 1381هـ .
31- الباكورة السليمانية . ط : بيروت .
32- بحار الأنوار للمجلسي . ط : قديم ، إيران .
33- بشارة المصطفى لأبي جعفر . ط : نجف .
34- تاريخ الإمامية لعبدالله فياض . ط : بيروت ، لبنان .
35- تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري . ط : قم ، إيران .
36- تاريخ ما بعد الظهور لمحمد الصدر . ط : بيروت .
37- تاريخ طرازمذهب مظفري . ط : إيران .
38- تاريخ العلويين للطويل . ط : إيران .
39- تاريخ اليعقوبي . ط : بيروت 1379هـ .
40- تأسيس الشيعة للعلوم الإسلامية للسيد حسن الصدر . ط : بيروت .(3/327)
41- تبصرة المعلمين لابن المطهر الحلي . مجمع الذخائر الإسلامية ، إيران .
42- تتمة المنتهى للعباس القمي . ط : إيران .
تحف العقول عن آل الرسول للمراني ط : نجف 1380هـ .
تحفة الأحباب . ط : إيران .
تفسير البرهان للبحراني . ط : قم ، إيران .
تفسير البصائر لرستكار . ط : إيران .
تفسير العياشي . ط : إيران .
تفسير العسكري . ط : الهند ، القديم .
تفسير فرات الكوفي . ط : قم ، إيران .
تفسير القمي . ط : نجف 1386هـ .
تفسير الصافي للفيض الكاشاني . ط : كبير إيران .
تفسير الكاشف للمغنية . ط : بيروت .
تفسير مجمع البيان للطبرسي . ط : بيروت .
تفسير منهج الصادقين لفتح الله الكاشاني . ط : طهران ، إيران .
تفسير الميزان للطباطبائي . ط : بيروت .
تفسير نور الثقلين للحويزي . ط : قم ، إيران .
تلخيص الشافي للطوسي . ط : إيران .
التنبيه والإشراف للمسعودي . ط : إيران .
جامع الرواة للأردبيلي الحائري . ط : قم ، إيران 1403هـ .
جامع السعادات للتراقي . ط : بيروت .
الجامع في الرجال للزنجاني . ط : قم ، إيران .
جلاء العيون للمجلسي . ط : طهران ، إيران .
حجة إثنا عشري لحقكوفارسي . ط : إيران .
حديقة الشيعة للمقدسي الأردبيلي . ط : طهران ، إيران .
حق اليقين للمجلسي . ط : طهران .
حق اليقين في معرفة أصول الدين لعبدالله الشبر . ط : إيران .
حلية المتقين للمجلسي . ط : طهران .
حملة حيدري للمرزة بازل . ط : إيران .
حياة القلوب للمجلسي . ط : طهران ، إيران .
الخلاصة للحلي .
دائرة المعارف الشيعية لحسن الأمين . الطبعة الثانية 1393 بيروت .
دعوة الحق وقول الصدق للصافي . ط : بيروت .
دلائل الصدق للمظفر .
ذخائر العقبي . ط : بيروت .
ذرائع البيان للنجفي . ط : إيران .
رجال الكشي . ط : كربلاء .
رجال الطوسي . ط : نجف ، 1380هـ
رجال النجاشي . ط : قم ، إيران .
رجال أبي داود .
الرسائل للخميني . ط : قم ، إيران 1385هـ .(3/328)
روضة الواعظين للفتال النيسابوري . ط : قم ، إيران .
روضة الصفا فارسي . ط : إيران .
روضات الجنات للخوانساري . ط : قم ، إيران .
رياحين الشريعة للمحلاني . ط : إيران .
رياض العلماء .
الشافي للشريف المرتضى . ط : إيران .
شرائع الإسلام للحلي . ط : إيران .
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد . ط : بيروت .
شرح نهج البلاغة لابن الميثم . ط : إيران .
شرح نهج البلاغة للدنبلي . ط : إيران .
شرح نهج البلاغة لعلي النقي . ط : إيران .
شرح نهج البلاغة للكاشاني . ط : إيران .
الشيعة في عقائدهم وأحكامهم للقزويني . ط : الكويت .
الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين . ط : الطبعة الثانية ، بيروت ، 1399هـ .
الشيعة في الميزان للمغنية . ط : بيروت .
شيعة در إسلام للطباطبائي . ط : إيران .
الشيعة بين الحقائق والأوهام لمحسن الأمين . ط : الطبعة الثالثة ، بيروت 1397هـ .
الصافي للقزويني في شرح أصول الكافي .
الصراط المستقيم للنباتي . ط : الطبعة الأولى 1384هـ إيران .
الصحيفة الكاملة لزين العابدين . ط : بيروت .
الصلح الحسن لآل ياسين . ط : إيران .
الصلة بين التصوّف والشيعة . ط : بغداد .
الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاؤس . ط : قم ، إيران 1400هـ .
طرائق الحقائق للحاج معصوم علي . ط : إيران .
عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب .
عمدة الشريعة في الإمامية لمحمد باقر الشريعتي . ط : قم ، إيران .
علل الشرائع لابن بابويه القمي . ط : بيروت ، لبنان .
علل الشرائع للصدوق . ط : بيروت .
علم أصول الفقه للمغنية . ط : بيروت .
عين الحياة للمحلي . ط : إيران .
عيون أخبار الرضا لابن بابويه القمي . ط : طهران ، إيران .
عيون الأخبار وفنون الآثار للقرشي . ط : بيروت .
عيون أخبار الرضا لابن بابويه القمي . ط : طهران ، إيران .
الغارات للثقفي . ط : إيران .
فرق الشيعة للنوبختي . ط : كربلاء .(3/329)
الفصول المهمة للحر العاملي . ط : قم ، إيران .
الفصول المهمة لمعرفة الأئمة لابن الصباغ . ط : إيران .
فضائل أمير المؤمنين لمحمد حسن المظفر .
فقه القرآن للراوندي . ط : قم ، إيران 1399هـ .
فقه الشيعة للقزويني . ط : إيران .
الفكر الشيعي والنزاعات الصوفية للشيبي . ط : بغداد 1386هـ .
الفهرست للنجاشي . ط : نجف .
الفهرست لابن النديم . ط : بيروت ، لبنان .
فهرست لأبي القاسم الإبراهيمي . ط : إيران .
الفوائد الرضوية للقمي . ط : إيران .
الفوائد الرضزية للإسترآبادي . ط : إيران .
قرب الأسناد للحميري القمي . ط : طهران ، إيران .
قصص الأنبياء للراوندي . إيران .
قصص الأنبياء للجزائري . ط : بيروت .
الكافي للكليني . ط : إيران .
كامل الزيارات لابن قلوية . ط : إيران .
كتاب سليم بن قيس العامري . ط : بيروت 1400هـ .
كتاب الخصال لابن بابويه القمي . ط : طهران ، إيران 1389هـ .
كتاب الغيبة للطوسي . ط : إيران .
كتاب الغيبة للنعماني . ط : إيران .
كتاب كمال الدين والنعمة لابن بابويه . ط : طهران طبعة ثانية 1395هـ .
كتاب الخرائج والجرائح للراوندي . ط : إيران .
كتاب المناقيب لابن شهر آشوب . ط : قم ، إيران .
كتاب الخلاف للطوسي . ط : قم ، إيران .
كتاب الرجال للحلي . ط : نجف 1381هـ .
كتاب الشيعة والسنة في الميزان لمؤلف مجهول . ط : بيروت ، لبنان .
كتاب البلدان لليعقوبي . ط : مصر .
كشف الغمة للأردبيلي . ط : بيروت .
كتاب صفين لابن مزاحم . ط : بيروت .
كشف الأسرار عن وجه الغائب عن الأبصار للنوري الطبرسي . ط : قم 1400هـ .
كتاب الزهد للأهوازي . ط : إيران 1402هـ .
لغت نامه دهخدا . ط : إيران .
متشابه القرآن ومختلفه لابن شهر آشوب . ط : قم ، إيران .
مجالس المؤمنين للشوستري . ط : إيران .
المجالس السنية لابن شهر آشوب . ط : إيران .(3/330)
مجمع البيان للطبرسي . ط : بيروت ، لبنان .
المحاسن للبرقي . ط : قم ، إيران ، الطبعة الثانية .
مدارج نهج البلاغة لكاشف الغطاء . ط : بيروت .
مرآة العقول للمجلسي . ط : قديم . إيران .
مروج الذهب للمسعودي . ط : بيروت .
المراجعات لشرف الدين الموسوي .
مستدرك الوسائل للنوري المجلسي . ط : مكتبة دار الخلافة ، طهران .
مصائب النواصب للشوستري ، إيران .
مشجر الأولياء لنوربخش ، باكستان .
مشارق أنوار اليقين للبرسي . ط : بيروت 1978 م .
مصحف الدروز .
معالم الأصول لجمال الدين . ط : إيران .
معراج السعادة للنراقي . ط : إيران .
معالم العلماء .
معاشر الأصول .
معجم المؤلفين للكحالة . ط : بيروت .
مع الشيعة الأمامية للمغنية . ط : بيروت .
مفاتيح الجنان . ط : إيران .
المقالات والفرق لسعد بن عبدالله القمي . ط : طهران 1963م .
مقاتل الطالبين للأصفهاني . ط : بيروت .
مقتل أبي مخنف . ط : بيروت .
من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي . ط : طهران .
منار الهدى لعلي البحراني .
منتهى الآمال لعباس القمي . ط : طهران ، إيران .
منهاج الكرامة للحلي . أوفست باكستان 1396هـ .
ناسخ التواريخ للميرزه تقي خان . ط : قديم ، إيران .
النجم الثاقب للنوري الطبرسي . ط : نجف .
نهاية الدراية .
نقد الرجال للتفرشي . ط : إيران .
نقد الرجال . ط : إيران .
نهج البلاغة بتحقيق صبحي صالح . ط : بيروت .
نهج البلاغة بتحقيق محمد عبده . ط : مصر .
هوية التشيع لأحمد الوائلي . ط : بيروت .
وسائل الشيعة للحر العاملي . ط : بيروت .
كتب التاريخ والرجال والفرق للسنة
أساس البلاغة للزمخشري المعتزلي .
أسد الغابة لابن الأثير .
إزلة الخفاء عن خلافة الخلفاء للشاه ولي الله .
الإصابة لابن حجر .
أصول الدين للبغدادي .
أضواء على العقيدة الدرزية لأحمد فوزان .(3/331)
إعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي . ط : الأزهر . القاهرة . 1398هـ .
الإكمال لإبن ماكولا .
الأنساب للسمعاني .
أنساب الأشراف للبلاذري .
البداية والنهاية لإبن كثير . ط : بيروت .
البابية للمؤلف .
البهائية للمؤلف .
التاريخ الصغير .
تاريخ بغداد للخطيب .
تذكرة الحفاظ للذهبي .
تهذيب التهذيب لإبن حجر العسقلاني . ط : حيدر لآباد ، دكن ، الهند .
تقريب التهذيب . بيروت
تاريخ إبن عساكر .
تهذيب تاريخ إبن عساكر .
تاريخ دمشق .
تاريخ الأمم والملوك للطبري . ط : بيروت .
تاريخ إبن خلدون . ط : بيروت 1399 هـ .
تاريخ الخلفاء للسيوطي .
تاريخ خليفة بن خياط .
التبصير في الدين للإسفرائيني .
تاج العروس للزبيدي .
تثبيت دلائل النبوة للهمذاني .
جمهرة أنساب العرب لإبن حزم .
الحور العين .
خلاصة تهذيب الكمال .
الخطط للمقريزي .
دائرة المعارف الإسلامية . أردوط . لاهور .
سيرة أعلام النبلاء للذهبي .
السيرة إبن هشام .
الشيعة والقرآن للمؤلف . باكستان .
الشيعة والسنة للمؤلف . باكستان .
الشيعة وأهل البيت للمؤلف .
الصحاح للجوهري .
الصواعق المحرقة لإبن حجر المكي .
الطبقات لإبن سعد .
طائفة الدروز لمحمد كامل حسين .
العواصم من القواصم .
الفصل بين الملل والنحل لإبن حزم .
فتاوى شيخ الإسلام لإبن تيمية .
فجر الإسلام لأحمد أمين .
فتوح البلدان للبلاذري .
القاموس للفيروز آبادي .
كتاب الكنى والأسماء للدولابي .
كتاب الجرح والتعديل للرازي .
كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي .
كتاب المجروحين لإبن حبان .
الكامل لابن الأثير .
كتاب المحبر للبغدادي .
لسان الميزان لابن حجر.
لسان العرب لابن المنظور الأفريقي.
ميزان الإعتدال للذهبي .
مقدمة إبن خلدون .
منهاج السنة لابن تيمية .
مقالات الإسلاميين للأشعري .(3/332)
الملل والنحل للشهرستاني .
موسوعة إصطلاحات العلوم الإسلامية للتهانوي . ط : بيروت .
مختصر التحفة الإثني عشرية للآلوسي .
معجم مقاييس اللغة .
المخصص لابن سيده .
النهاية لابن الأثير .
النجوم الزاهرة للتغري البردي .
نسب قريش لمصعب الزبيري .
وفيات الأعيان لابن خلكان .
كتب المستشرقين
الخوارج والشيعة لولهوزن . ترجمة عربي .
عقيدة الشيعة لدونالد سن . ترجمة عربي .
العقيدة والشريعة لجولد زيهر . ترجمة عربي .
مقالات في تاريخ الإسلام للدوزي .
كتاب المستشرق ملر .
مقدمة نقطة الكاف للبراؤن . ط : فارسي .
فهرست الكتاب
المقدمة .
الباب الأول : التشيّع الأول والشيعة الأولى
التشيع الأول والشيعة الأولى .
الشيعة لغة واصطلاحاً .
شيعة عليّ وشيعة معاوية .
شروط معاوية للإعتراف بخلافة عليّ .
شيعة آل محمد وشيعة بني معاوية .
العثمانية والعلوية .
الخلاف بين عليّ ومعاوية لم يكن خلاف الكفر والإسلام .
متى وجد التشيّع ، ومتى تكونت الشيعة .
ما قاله المظفري .
المجازفة بالقول والرد من الكتاب والسنة .
تمسك القوم بالأحاديث الموضوعة .
مخالفة العقل والنقل .
إضطراب آراء القوم وأقوالهم .
الخلاف قبل مقتل عثمان وبعد مقتله .
نوعية الخلاف .
تسمية عليّ أبناءه بأسماء الخلفاء الراشدين الثلاثة .
صلح الحسن مع معاوية إحدى شروط الصلح .
مبايعة الحسن والحسين معاوية أميراً وخليفة .
أولاد عليّ نكحوا وأنكحوا بني أميّة .
رواية الكافي عن زين العابدين في حق يزيد .
التشيع الأول لم يكن مدلوله عقائداً مخصوصة .
الشيعة الأولى لم تكن إلا حزباً سياسياً يرى رأي عليّ دون معاوية .
تردد الحسن والحسين على معاوية وقبولهما الهدايا منه .
قبول زين العابدين الهدايا من مروان .
آل عليّ كانوا يصلون خلف الأمويين .
تطور التشيّع وتغيير الشيعة .(3/333)
محاولة اليهود والمنافقين والمجوس القضاء على الإسلام وعلى الخلافة الإسلامية – مطاعنهم على أصحاب النبي – براءة الشيعة الأولى منهم – تخاذل الشيعة ومعاتبة عليّ إياهم .
الباب الثاني : التشيّع والسبئية
الشيعة الأولى مع تخاذلهم لم يكونوا مختلفين مع الآخرين في العقائد ، المؤامرات والدسائس لتطوير التشيّع وتبديل الشيعة الأولى .
عبدالله بن سبأ والسبئية.
ما قاله الطبري وابن خلدون وابن حجر والإسفرائيني عن عبدالله إبن سبأ .
سعي إبن سبأ بالفتنة والفساد .
الأفكار اليهودية المدسوسة .
ما ذكره النوبختي والكشي والحلي والمامقاني والميرزا والآستر آبادي وابن أبي الحديد عن السبئية .
ما قاله المحققون من أهل السنة عن السبئية .
بعض المتأخرين من الشيعة أنكروا وجود إبن سبأ .
الرد على من أنكر من الشيعة أنفسهم .
شهادة المستشرق ( ولهوزن ) بأن الشيعة لم تكن فرقة دينية في الأصل .
إعلان عليّ بأنه لا يفضل نفسه على الخلفاء الراشدين – وإعلان برآءته عن قتل عثمان .
وضع الشيعة الأحاديث الموضوعة المكذوبة .
إنخداع بعض الشيعة من السبئية واعتناقهم عقائدهم .
الباب الثاث : الشيعة ومطاعنهم على ذي النورين ، والسبئية وفتنتهم أيامه .
دين الشيعة الكذب .
رواة المطاعن هم الشيعة .
أبو مخنف الأزدي من كتب الشيعة والسنة .
الواقدي .
الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة .
مخطط السبئية لتفريق وحدة المسلمين .
إيرادات السبئيين على ذي النورين .
رد عثمان عليهم .
خطبة ذي النورين لتفنيد مزاعمهم .
حوادث وفتن .
محاصرة عثمان .
قتل عثمان ظلماً وعدواناً .
إستشهاد عثمان .
مطاعن الشيعة على ذي النورين .
الرد على طعن إيثار ذي القربى .
تولية الوليد بن عقبة على الكوفة .
سعيد بن العاص .
قبول عليّ هدايا سعيد بن العاص .
خطبة سعيد بن العاص أم كلثوم بنت عليّ .(3/334)
عبدالله بن عامر عامل عثمان على العراق .
مروان بن الحكم .
نقلة المطاعن السبئية .
شفاعة الحسن والحسين لمروان بن الحكم – وصلاتهما خلفه .
زواج إبنة عليّ من إبن مروان .
زواج حفيدات عليّ من أحفاد مروان .
الطعن بأن عثمان يُؤثر أهله بالأموال ، والرد عليه .
قتلة عثمان .
إدعاء ضرب إبن مسعود ، وقضية عمار ، ونفي أبي ذر .
عدم القصاص من إبن عمر.
قضية الآذان الثاني في الجمعة .
دفاع عليّ عن عثمان .
مقام عثمان وشأنه .
الباب الرابع : تطور التشيّع الأول . والشيعة الأولى ، ودور السبئية بعد مقتل عثمان وأيام عليّ
المدينة بعد مقتل عثمان .
إمتناع الصحابة عن قبول الخلافة .
إمتناع عليّ عن قبول البيعة – إجباره على قبولها – إمتناع الصحابة عن البيعة .
إستتار قتلة عثمان وراء المبايعين لعليّ .
إجتماع الصحابة إلى عليّ ومطالبتهم الحد في قتلة عثمان .
منع إبن عباس علياً عن أخذ البيعة ، ومنع الحسن أباه عن البقاء في المدينة .
تجمعات السبئية ومطالبة الصحابة طردهم وإقامة الحد فيهم .
قنوط الزبير وطلحة من اقتصاص عثمان ، وعزل عليّ معاوية .
سعي السبئية بالفتنة والفساد .
منع الحسن أباه من الخروج إلى محاربة أهل الشام وحرب الجمل .
تثاقل أهل المدينة عن الخروج مع عليّ .
حرب الجمل ، وسعي السبئية في إشعال نارها .
محاولة الصلح .
سعي السبئية لنسف محاولة الصلح .
وقوع الكارثة – صلاة عليّ على قتلى الجمل من الطرفين .
عليّ لا يرى مخالفيه كفاراً .
خبث السبئيين .
حرب صفين .
الشيعة الأولى .
الباب الخامس : فرق الشيعة وتاريخها وعقائدها
إجتماع الشيعة بعد عليّ حول الحسن – بدعة السبئية في الغلو .
إفتراق الشيعة بعد عليّ .
مجاهرة إبن سبأ بأفكاره بعد مقتل عليّ .
محاربة الحسن لإبن سبأ وأفكاره .
فتن السبئية أيام الحسن .
خذلان الشيعة للحسن .
إمارة معاوية ونصيحة عليّ .(3/335)
شيعة ساباط المدائن – جرحهم للحسن – صلح الحسن مع معاوية .
إفتراق الشيعة .
الكيسانية .
الشيعة أيام الحسين .
مكاتبة الكوفيين الحسين .
خروج الحسين إلى الكوفة .
خبر مسلم بن عقيل .
الكوفيون .
الكوفيون هم الذين قتلوا الحسين .
عدد شيعة الكوفة .
تطور التشيّع .
الفرس .
الكيسانية .
المختار الثقفي .
تغير الشيعة الأولى .
المختار الثقفي وحروبه .
إفتراق الشيعة بعد مقتل الحسين .
الغرابية
المعتقدون بألوهية العباد .
الشيعة بعد علي بن الحسين – الزيدية .
الجارودية.
معتقدات الزيدية .
الشيعة أيام جعفر بن الباقر .
التطور التام والتغيير الجذري .
إفتراق الشيعة أيام الجعفر .
مدعي الإمامة من أهل البيت في حياة جعفر.
الشيعة بعد وفاة الجعفر .
الناووسية السمطية .
الفتحية .
الإسماعيلية .
موقف الإسماعيلية وأدلتهم .
القرامطة .
الأغاخانية والبهرة .
الدروز .
عقائد الدروز .
كلام إبن تيمية في الدروز .
فرق الشيعة أيام موسى الكاظم .
مدعو الإمامة في عهد موسى الكاظم من أهل البيت .
الشيعة أيام عليّ بن موسى .
إفتراق الشيعة أيام علي بن موسى .
الشيعة أيام محمد بن عليّ .
إفتراق الشيعة أيام محمد بن عليّ .
مدعي الإمامة من أهل البيت أيام محمد بن عليّ .
الشيعة أيام عليّ بن محمد – النصيرية .
عقائد النصيرية .
مدعي الإمامة أيام محمد بن عليّ من أهل البيت – الشيعة أيام الحسن العسكري .
إفتراق الشيعة أيام الحسن العسكري .
الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري .
إفتراق الشيعة أربعة عشر فرقة .
الباب السادس : الشيعة الإثنا عشرية .
أسماؤهم : الإثنا عشرية – الجعفرية – الرافضة – الإمامية .
الإمام الثاني عشر ولد ولم يولد .
لماذا قالوا بولادة هذا المعدوم .
شروط الإمامة .
للإمام علامات .
شك الشيعة في علوم أئمتهم .(3/336)
فقدان جميع الشروط في الحسن العسكري .
حكايات وخرافات – قصص وأساطير .
لم يكن واحد منهم معصوم .
الإمام لا بايع أحداً – لماذا أوجبوا أئمتهم .
الإمامة واجبة .
الرد عليهم .
الأكاذيب ، الأكاذيب – كلام إبن حزم .
إفتراق الإثنا عشرية – الشيخية .
عقائدهم .
النوربخشية – وعقائدهم .
زعيم النوربخشية وعقائدهم .
الأخبارية والأصولية
أهم كتب الشيعة الإثني عشرية ورجالاتهم .
الباب السابع : الشيعة الإثنا عشرية والعقائد السبئية .
العقائد السبئية ومخططات إبن سبأ .
هل الدين إلا الحب .
الولاية .
القرآن والسنة .
البغض لأصحاب رسول الله .
عقيدة السيد الخميني .
كتابه كشف الأسرار .
الوصاية – روايات باطلة - الغيبة .
الغيبة الكبرى والغيبة الصغرى – سفراء الغائب .
تواقيع الإمام
أين الإمام .
ماذا يعمل الإمام .
حكايات وخرافات .. الرجعة .
من يكون المهدي .
منزلته وشأنه .
متى يرجع المهدي .
أضاليل وأباطيل .
كيف يرجع المهدي وأين يرجع .
يرجع عند البيت – أول من يبايعه جبرئيل والملائكة .
ماذا يعمل بعد رجعته .
يحيي الأموات ويقتل أصحاب النبي .
ظلمه وقسوته – يدعو إلى أمر جديد وكتاب جديد .
رجعة الأئمة مع رجعة القائم .
رجعة الحسن ويزيد وأنصارهما .
ويرجع عليّ والنبي أيضاً .
دابة الأرض .
بعد القائم سيخرج إثنا عشر مهدياً .
خرافة الجزائري .
الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله .
رأي المستشرق دوزي في علاقة الشيعة بالسبئية .
رأي المستشرق ملر – والمستشرق ولهوزن .
تأليه أهل البيت .
رأي أبو حمزة الخارجي .
قول هشام بن عبدالملك .
كلمة أحمد أمين .
مصادر الكتاب ومراجعه .
فهرست الكتاب .(3/337)
الشيعة والسنة
تأليف / إحسان إلهي ظهير
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على محمد المصطفى، نبي الهدى، والرحمة، وعلى آله، وأصحابه، الطاهرين، البررة.
وبعد فإنه شاع في هذا الزمان كلمة " الاتحاد والوحدة " من كل داع للشقاق والفرقة، وكثر استعمالها حتى كاد أن ينخدع بها السذج من المسلمين لو ما عرفوا ما ورائها من كيد ودس ودهاء.
فالقاديانية [للباحث أن يقرأ كتاب "القاديانية، دراسات وتحليل" للمؤلف لمعرفة هذه النحلة الجديدة] عميلة الاستعمار الصليبي في القارة الهندية الباكستانية، ووصمة عار على جبهة المسلمين المشرقة، تستعمل هذه الكلمة هناك لكي يتسع لها طريق لنفث السموم في نفوس المسلمين.
والبهائية [للمؤلف كتاب مستقل في هذا الموضوع "البهائية – أمام الحقائق والوقائع"] وليدة الروس، والانكيز، والنزغات الشيعية، تريد بنفس هذه الكلمة غزو الشيعة في إيرانها وعراقها.
والشيعة ربيبة اليهود، وفصيلتهم في بلاد الإسلام، يستعملون هذه الكلمة أيضاً عند افتضاح أمرها، واكتشاف حقيقتها، وإماطة اللثام عن وجهها.
فليست هذه الكلمة، إلا كلمة حق أريد بها الباطل، كما نقل عن علي رضي الله عنه، أنه لما سمع الخوارج قولهم "لا حكم إلا لله" فقال: كلمة حق أريد بها الباطل، نعم لا حكم إلا لله" ["نهج البلاغة" ص82 ط دار الكتاب اللبناني – 1387ه بيروت].
وقال: سيأتي عليكم بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل" ["نهج البلاغة" ص204].
فهذا هو الزمان الذي أشار إليه علي في قوله، فما أكثر الكذب فيه وما أفظعه!(4/1)
ولقد بدأ الشيعة منذ قريب ينشرون كتباً ملفقة مزورة في بلاد الإسلام، يدعون فيها التقريب إلى أهل السنة، ولكن بتغيير صحيح يريدون بها تقريب السنة إليهم بترك عقائدهم، ومعتقداتهم في الله، وفي رسوله، وأصحابه الذين جاهدوا تحت رايته، وأزواجه الطاهرات الآتي صاحبنه في معروف، وفي الكتاب الذي أنزله الله عليه من اللوح المحفوظ، نعم يريدون أن يترك المسلمون كل هذا، ويعتنقوا ما نسجته أيدي اليهودية اللئيمة من الخرافات، والترهات، في الله، بأنه يحصل له "البدا" وفي كتاب الله، بأنه محرف، ومغير فيه، وفي رسول الله، بأن علياً وأولاده أفضل منه، وفي أصحابه حملة هذا الدين، أنهم كانوا خونة، مرتدين، مع من فيهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وأزواج النبي، أمهات المؤمنين، مع من فيهن الطيبة، الطاهرة، بشهادة من الله في كتابه، بأنهن خن الله ورسوله، وفي أئمة الدين، من مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، والبخاري، أنهم كانوا كفرة ملعونين - رضي الله عنهم ورحم عليهم أجمعين - نعم يريدون هذا، وما الله بغافل عما يعملون.(4/2)
فكل من عرف هذا وقام على وجههم، ورد عليهم، جعلوا يتصيحون عليه ويتنادون باسم الوحدة والاتحاد، ويرددون قول الله عز وجل: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [سورة الأنفال، الآية46] – [وقد كتب أحد علمائهم من إيران، السيد لطف الله الصافي كتاباً عنونه بهذه الآية الكريمة نفاقاً وخداعاً عادة أسلافه بأنهم يتقنعون بمقنعة الزور لتغطية مقاصدهم الخبيثة، فهو على شاكلتهم لأنك إذا قلبت الغلاف رأيت مقدمة بسيطة دعا فيها إلى الوحدة والاتحاد، ولكن وبعد أوراق قليلة تفاجأ بكتاب آخر باسم "مع الخطيب في خطوطه العريضة" رد فيه على السيد محب الدين الخطيب رحمه الله رحمة واسعة، فنافق في بداية الكتاب حسب المقرر لهم، وقال: لا ينبغي أن يكتب مثل هذه الكتب والردود في عصر تهتك فيه حرمات الله في فلسطين، وأحرق المسجد الأقصى المبارك . . . . فمن أجبرك على هذا أيها الصافي؟ ثم وفي نفس هذا الكتاب يهجم على عبقرية أسلام، والرجل الذي يعده علي رضي الله عنه – الإمام المعصوم عندهم – أصل العرب، ونظامهم، وقطبهم الذي به تدور الرحى – ويأتي ذكره مفصلاً في باب "الشيعة والكذب" فهل تظن أنك تستطيع خداع المسلمين بمثل تلك الكلمات، الوحدة والاتحاد – أيها الصافي؟ فليخب ظنك ورأيك..].(4/3)
فبعداً للوحدة التي تقام على حساب الإسلام، وسحقاً للاتحاد الذي يبنى على أعراض محمد النبي، وأصحابه، وأزواجه – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، فقد علّمنا الله عز وجل في كلامه الذي نعتقد فيه أن حرفاً منه لم يتغير ولم يتبدل، وما زيد عليه بكلمة، ولا نقص منه حرف، علّمنا فيه، أن كفار مكة طلبوا أيضاً من رسول الله، الصادق، الأمين، عدم الفرقة والاختلاف بدعوته إلى عبادة الله وحده، مخلصين له الدين، وإفضاحه آلهتهم، والرد عليهم، فأجابهم بأمر من الله: يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين [سورة الكافرون].
وقال: هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [سورة يوسف الآية 108].
وقال: ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون [سورة البقرة الآية139].
وقال: وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور [سورة الفاطر الآية 19، 20، 21، 22].
نعم يمكن الوحدة إن أرادوها، ويمكن الاتحاد إن يطلبونه، الوحدة والاتحاد، بالرجوع إلى الكتاب والسنة، والتمسك بهما، حسب قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر [سورة النساء الآية59].
نعم "إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فتعالوا إلى هذه الكلمة، كلمة الوحدة، والاتحاد، إلى قول الله عز وجل وقول نبيه محمد .
فلنرفع الخلاف ولنقض على النزاع، فهيا بنا إلى الوحدة أيها القوم!(4/4)
فاتركوا السباب لأصحاب رسول الله ، خيار خلق الله، الذين بشرهم الله بالجنة في كتابه المجيد حيث قال: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، ذلك الفوز العظيم [سورة التوبة الآية 100].
وقال: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة [سورة الفتح الآية18].
وقال: رسوله الناطق بالوحي: لا تمس النار مسلماً رآني أو رأى من رآني [رواه الترمذي وحسنه].
وقال عليه السلام: الله الله في أصحابه، لا تتخذوهم غرضاً من بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه [رواه الترمذي].
ويمكن الاتحاد بالاعتراف أن الكلام المجيد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وإن من قال فيه بتحريف وتغيير كان ضالاً مضلاً خارجاً عن الإسلام، تعالوا فلنتفق ونتحد.
وهلموا إلى الوحدة بالعهد على أن الكذب والتقية قد تركتموها كلية وقطعاً، وترون الكذب من الموبقات، التي تدخل الناس النار، كما قال الرسول عليه السلام: إن الصدق بر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب فجور، وإن الفجور يهدي إلى النار [رواه مسلم].
ولن يحصل الاتفاق والوحدة دون توبتكم عن العقائد اليهودية، والوثنية المجوسية من أن الأئمة يعلمون الغيب، ويعرفون متى يموتون، ويفعلون ما يشاؤون، لا يسأل عنهم وهم يسألون، وأنهم ليسوا من بشر.
نعم ويمكن الوحدة بترك الدس والكيد للمسلمين.
فها هي بغداد مضرجة بدمائهم بجريمة ابن العلقمي، وها هي الكعبة جريحة بجريمة طائفة منكم، وها هي باكستان الشرقية ذهب ضحية بخيانة أحد أبناء "تزلباش"، الشيعة "يحيى خان" في أيدي الهندوس.
وها هو التاريخ الإسلامي مليء بمآثمكم، وخذلانكم المسلمين كلما حدثت لهم حادثة، ووقعت لهم كارثة، وحلت بهم نائبة.(4/5)
تعالوا نتعاون بيننا، ونتفق، ونتحد، لتكون كلمة الله هي العليا، وليس للعسكري ولد حتى يأتي ويخرج ويكشف عنا الهموم، ويفرج عنا الكروب.
فنحن الذين نستطيع إن اعتصمنا بكتاب ربنا، وسنة نبينا، أن نكشف عنا مصيبتنا، وندفع عنا كيد أعدائنا كما وعنا الله عز وجل {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد} [سورة المؤمن الآية51].
{وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} [سورة الروم الآية47].
{وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}[سورة آل عمران اية139].
فلكم رأينا النصر وهو آت من السماء في زمن الصديق الأكبر أبي بكر، والفاروق الأعظم عمر، وذي النورين عثمان رضوان الله عليهم أجمعين، حتى هزموا الكفر في عقر داره، وأدوا رايات الظفر إلى آفاق لم يتصورها الأولون، فما أن غرست اليهودية غريستها، وولدت وليدتها في عهد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، حتى اضطرب الأمور، وانعكست الأحوال، واضطر هو إلى أن يقول: ابتليت بقتال أهل القبلة.
وقال متأسفاً: أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها خير ما تواصى العباد به وخير عواقب الأمور عند الله، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة ["نهج البلاغة" 248، خطبة علي رضي الله عنه].(4/6)
وقال رضي الله عنه: ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وعلناً، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزى قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات، وملكت عليكم الأوطان . . . ثم انصرفوا (الأعداء) وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً، فيا عجباً! عجباً – والله – يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون، فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء، قلتم هذه صبارة القرة، أمهلنا ينسلخ عنا البردن كل هذا فراراً من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر – وقال -: قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً [نغب التهمام أنفاساً، أي جرعتموني جرع الهم جرعة جرعة] وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراساً، وأقدم فيها مقاماً مني، لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع ["نهج البلاغة" ص69 و 70 و 71].
فها هو ذا علي بن أبي طالب الخليفة الراشد الرابع عندنا – والإمام المعصوم الأول عندكم – يشتكي منكم من يوم الذي وجدتم فيه – وقد أوردناه من كتابكم الذي تظنونه أصدق الكتب وأفضلها، والذي جمعه كبيركم الشريف أبو الحسن محمد الرضي.
فماذا بعد هذا أيها القوم.(4/7)
وما ألفنا هذا الكتاب، وما جمعنا فيه النصوص إلا للتنبيه علي أنه لا ينبغي التصور بأن أهل السنة بلغوا من الجهل إلى حد حتى تلعب بهم، وبعقولهم، وقلوبهم، وعقائدهم وليدة اليهود وربيبة المجوس.
وقد أثبتنا في مختصرنا هذا أن الشيعة ليست إلا لعبة يهودية، ناقمة على الإسلام، وحاقدة على المسلمين، وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حملة هذا الدين، والتابعين لهم بإحسان، ومن سلك مسلكهم إلى يوم الدين، ثم وقد بينا فيه عقيدتهم في القرآن، أساس الإسلام، وأصله، ورسالة الله التي جاء بها محمد النبي، الصادق، المصدوق عليه السلام، إلى الناس كافة، ببيان واضح، مستند، مفصل، لم أسبق عليه بفضل الله ومنّه.
كما أوضحنا أن الكذب (باسم التقية) هو شعار الشيعة قاطبة، ويعدونه من أطيب الأعمال، وأعظم القربات إلى الله.
وورد تحت هذه المواضيع الثلاثة مباحث ومواضيع كثيرة أخرى مثل عقيدتهم في الله، وفي رسول الله، وأصحاب رسول الله، وأزواجه، أمهات المؤمنين، وعقيدتهم في أئمتهم، ورأي الأئمة فيهم، والأسس لهذا المذهب، والأصول التي قام عليها، وسبب الخلاف بينهم وبين السنة من المسلمين.
ونرى في ذلك المختصر كفاية لمن أراد أن يعرف حقيقتهم، وحقيقة معتقداتهم، وحتى للسذج من الشيعة الذين اغتروا بحب أهل البيت وولايتهم، إن أرادوا الحق والتبصر، لأن أكثرهم لا يعرفون حقيقة دينهم حيث أمر صناديدهم بكتمان المذهب كما هو المكذوب على جعفر الصادق أنه قال لأحد شيعته: يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله ["الكافي في الأصول" للكليني وسيأتي بيانه مفصلاً في باب "الشيعة والكذب"].(4/8)
وقد التزمنا في هذا الكتاب أن لا نذكر شيئاً من الشيعة إلا من كتبهم، وبعباراتهم أنفسهم، مع ذكر الكتاب، والمجلد والصفحة، والطبعة، بحول الله وقوته، وكلما ذكرنا من كتب الشيعة في هذا الكتاب، هي الكتب المستندة، المشهورة والموثوقة عندهم [فأنت أيها الصافي وأنت يا صاحب كتيب "السهم المصيب في الرد على الخطيب" وأنت . . . وأنت . . . لا يغرنك أن الخطيب قد انتقل إلى رحمة الله، ومن ثم تستطيع أن تطعن فيه، وتشتمه، فإن في السنة من يدافع عن الحق الذي كتب الخطيب عنه ووا أسفا على أنه ما رأينا هذه الكتب إلا منذ قريب حين سفره لزيارة البيت العتيق، وبلدة النبي، والصديق، في العام الماضي، وإلا قد قضينا الدين في حينه، وما تأخرنا، فلا يكون في التأخير غرة ولا اغترار].
ونريد أن نتبع هذا المختصر مختصراً آخر في حجمه حتى يحتوي ويشتمل على جميع الموضوعات الهامة، والمباحث المهمة، فيكون هذا كالجزء الأول وما يليه كالجزء الثاني، والله ولي التوفيق، وعليه أتوكل وإليه أنيب.
إحسان إلهي ظهير – لاهور
22 مايو 1973م 18 الربيع الثاني 1393ه
الباب الأوّل
الشّيعة والسُّنّة
منذ بزوغ شمس الرسالة المحمدية، ومن أول يوم قُلِّب فيه صفحة التاريخ الجديد، التاريخ الإسلامي المشرق، احترق قلوب الكفار وأفئدة المشركين، وخاصة اليهود في الجزيرة العربية وفي البلاد العربية المجاورة لها، والمجوس في إيران، والهندوس في شبه القارة الهندية الباكستانية، فبدؤوا يكيدون للإسلام كيداً، ويمكرون بالمسلمين مكراً، قاصدين أن يسدوا سيل هذا النور، ويطفئوا هذه الدعوة النيرة، فيأبى الله إلا أن يتم نوره، كما قال في كتابه المجيد: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله مُتمّ نوره ولو كره الكافرون} [سورة الصف "الآية"8].
ولكنهم مع هزيماتهم واكساراتهم لم يتفلل فلول حقدهم وضغينتهم، فما زالوا داسين، دابرين.(4/9)
وأوّل دسّ دسَّه أبناء اليهودية البغيضة، المردودة، يعد طلوع فجر الإسلام، دسّ في الشريعة الإسلامية باسم الإسلام، حتى يسهل اصطياد أبناء المسلمين، الجهلة عن عقائد الإسلام، ومعتقداتهم الصحيحة، الصافية، فكان على رأس هؤلاء المكرة المنافقين، المتظاهرين بالإسلام، والمبطنين الكفر أشد الكفر – والنفاق، والباغين عليه، عبد الله بن سبأ اليهودي، الخبيث، الذي أراد مزاحمة الإسلام، ومخالفته، والحيلولة دونه، وقطع الطريق عليه بعد دخول الجزيرة العربية بأكملها في حوزة الإسلام وقت النبي، وبعد ما انتشر الإسلام في آفاق الأرض وأطرافها، واكتسح مملكة الروم من جانب، وسلطنة الفرس من جهة أخرى، وبلغت فتوحاته من أقصى أفريقيا إلى أقصى آسيا، وبدأت تخفق راياته على سواحل أوربا وأبوابها، وتحقق قول الله عز وجل {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} [سورة النور، الآية55].
وبدأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: أن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعده، وأمده، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده" ["نهج البلاغة" ص203 ط دار الكتاب اللبناني بيروت، 1387ه - 1967م، قول علي لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما حينما استشاره في الشخوص لقتال الفرس بنفسه] وقال معلناً الحق: فلما رأى الله صدقنا أنزل لعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه، ومتبوءاً أوطانه" ["نهج البلاغة" ص92].(4/10)
فأراد ابن سبأ هذا مزاحمة هذا لادين، بالنفاق والتظاهر بالإسلام، لأنه عرف هو وذووه أنه لا يمكن محاربته وجهاً لوجه، ولا الوقوف في سبيله جيشاً لجيش، ومعركة بعد معركة، فإن أسلافهم بني قريظة، بني النضير، وبني قينقاع جربوا هذا فما رجعوا إلا خاسرين، ومنكوبين، فخطط هو ويهودصنعاء خطة أرسل أثرها هو ورفقته إلى المدينة، مدينة النبي ، وعاصمة الخلافة، في عصر كان يحكم فيه صهر رسول الله، وصاحبه، ورضيه، ذو النورين، عثمان بن عفان رضي الله عنه، فبدؤوا يبسطون حبائلهم، ويمدون أشواكهم، منتظرين الفرص المتواطئة، ومترقبين المواقع المتلائمة، وجعلوا علياً ترساً لهم يتولونه، ويتشيعون به، ويتظاهرون بحبه، وولائه، (وعلي منهم بريء) ويبثون في نفوس المسلمين سموم الفتنة، والفساد، محرضينهم على خليفة رسول الله، عثمان الغني رضي الله عنه، الذي ساعد الإسلام والمسلمين بماله إلى ما لم يساعدهم أحد، حتى قال له الرسول، الناطق بالوحي، عليه السلام، حين تجهيزه جيش العسرة "ما ضرّ عثمان، ما عمل بعد اليوم" [رواه أحمد والترمذي].
وبشره بالجنة مرات، ومرات، وأخبره بالخلافة والشهادة.
وطفق هذه الفئة تنشر في المسلمين عقائد تنافي عقائد الإسلام، من أصلها، وأصولها، ولا تتفق مع دين محمد صلى الله عليه وسلم في شيء . .(4/11)
ومن هناك ويومئذ كونت طائفة، وفرقة في المسلمين للإضرار بالإسلام، والدس في تعليمه، والنقمة عليه، والانتقام منه، وسمت نفسها "الشيعة لعلي" ولا علاقة لها به، وقد تبرأ نمهم، وعذبهم أشد العذاب في حياتهم، وأبغضهم بنون وأولاده من بعده، ولعنوا عليهم، وأبعدوه عنهم، ولكن خفيت الحقيقة مع امتداد الزمن، وغابت عن المسلمين، وفازت اليهودية بعد ما وافقتها المجوسية من ناحية، والهندوسية من ناحية أخرى، فازت في مقاصدها الخبيثة، ومطامعها الرذيلة، وهي إبعاد أمة محمد عن رسالته التي جاء بها من الله عز وجل، ونشر العقائد اليهودية والمجوسية وأفكارهما النجسة بينهم باسم العقائد الإسلامية [ونتيجة ذلك لا يعتقد الشيعة بالقرآن الموجود، ويظنونه محرفاً ومغيراً فيه كما سيأتي مفصلاً].
وقد اعترف بهذا كبار الشيعة ومؤرخوهم، فهذا هو الكشي [هو أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي – من علماء القرن الرابع للشيعة، وذكروا أن داره كان مرتعاً للشيعة] كبير علماء التراجم – المتقدمين – عندهم – الذي قالوا فيه: إنه ثقة، عين، بصير بالأخبار والرجال، كثير العلم، حسن الاعتقاد، مستقيم المذهب.
والذي قالوا في كتابه في التراجم: أهم الكتب في الرجال، هي أربعة كتب، عليها المعول، وهي الأصول الأربعة في هذا الباب، وأهمها، وأقدمها، هو "معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين المعروف برجال الكشي" [فانظر مقدمة "الرجال"].
يقول ذلك الكشي في هذا الكتاب: وذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالعلو، فقال في إسلامه بعد وفات رسول الله في علي مثل ذلك، وكان أول من أشهر بالقول بفرض إمامه علي، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه، وكفّرهم، ومن هنا قال من خالف الشيعة، إن أهل التشيع، والرفض، مأخوذ من اليهودية ["رجال الكشي" ص101 ط مؤسسة الأعلمي بكربلا، عراق].(4/12)
ونقل المامقاني، إمام الجرح والتعديل، مثل هذا عن الكشي في كتابه "تنقيح المقال" ["تنقيح المقال" للمامقاني، ص184 ج2 ط طهران].
ويقول النوبختي [هو أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث للهجرة – عندهم – وورد ترجمته في جميع كتب الجرح والتعديل عند الشيعة، وكل منهم وثقة وأثنى عليه] الذي يقول فيه الرجالي الشيعي الشهير النجاشي: الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي، المتكلم، المبرز علي نظرائه في زمانه، قبل الثلاثمائة وبعد" ["الفهرست للنجاشي" ص47 ط الهند سنة 1317ه].
وقال الطوسي: أبو محمد، متكلم، فيلسوف، وكان أمامياً (شيعياً) حسن الاعتقاد ثقة . . . وهو من معالم العلماء ["فهرست الطوسي" ص98 ط الهند 1835م].
ويقول نور الله التستري: الحسن بن موسى من أكابر هذه الطائفة وعلماء هذه السلالة، وكان متكلماً، فيلسوفاً، إمامي الاعتقاد ["مجالس المؤمنين للتستري" ص177 ط إيران نقلاً عن مقدمة الكتاب].(4/13)
يقول هذا النوبختي: في كتابه "فرق الشيعة": عبد الله بن سبأ كان ممن أظهر الطعن على أبي بكر، وعمر، وعثمان، والصحابة، وتبرأ منهم، وقال إن علياً عليه السلام أمره بذلك، فأخذه علي، فسأله عن قوله هذا، فأقر به، فأمر بقتله [أرأيت أيها الصافي! كيف كان حب علي لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفقائه الثلاثة – الصديق، والفاروق، وذي النورين حتى أراد أن يقتل من يطعن فيهم، أفبعد هذا مجال لقائل أن يقول: أن في الشيعة من يتحامل على بعض الصحابة ولا يرى بأساً به بحسب اجتهاده، أيكون هذا مانعاً من التجاوب؟" نعم يا أيها الصافي! هذا مانع من التقريب والتجاوب، فهل تتجاوبون وتتقربون إلى من يكفر علياً (أعاذنا الله منه) وأولاده ويطعن فيهم، كن صادقاً أيها الصافي! ومن حذا حذوه، فالعدل، العدل، يا عباد الله! أنتم تكفرون معاوية رضي الله عنه ويزيد ابنه لمخالفتهما علياً وحسيناً رضي الله عنهما، فكيف إن كان هناك تكفير وتفسيق – ولا سمح الله -] فصاح الناس إليه، يا أمير المؤمنين! أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم، أهل البيت، وإلى ولايتكم، والبراءة من أعدائكم، فسيره (علي) إلى المدائن (عاصمة إيران آنذاك)، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام، إن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي في علي عليه السلام بمثل ذلك، وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه، فمن هناك قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية: ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعى علي بالمدائن، قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة، وأقمت على قتله سبعين عدلاً، لعلمنا أنه لم يمت، ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض" ["فرق الشيعة" للنوبختي ص43 و44 ط المطبعة الحيدرية(4/14)
بالنجف، عراق، سنة 1379ه - 1959م].
وذكر مثل هذا مؤرخ شيعي في "روضة الصفا" أن عبد الله بن سبا توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه (عثمان بن عفان) كثيرون هناك، فتظاهر بالعلم والتقوى، حتى افتتن الناس به، وبعد رسوخه فيهم بدأ يروج مذهبه ومسلكه، ومنه أن لكل نبي وصي وخليفة، فوصى رسول الله وخليفته ليس غلا علي، المتحلي بالعلم، والفتوى، والمتزين بالكرم، والشجاعة، والمتصف بالأمانة، والتقى، وقال: أن الأمة ظلمت علياً، وغصبت حقه، حق الخلافة، والولاية، ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته، وخلع طاعة عثمان وبيعته، فتأثر كثير من المصريين بأقواله وآرائه، وخرجوا على الخليفة عثمان" [تاريخ شيعي "روضة الصفا" في اللغة الفارسية ص292 ج2 ط إيران].
فهذه هي الشهادات الشيعية أنفسهم، يشهدون بها عليهم، ويتلخص منها أشياء.
أولاً:- تكوين اليهود فئة باسم الإسلام تحت قيادة عبد الله بن سبأ، يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر، وينشرون بين المسلمين عقائد وآراء يهودية، كافرة.
ثانياً:- دس الفتنة بين المسلمين، والتآمر على الخليفة الثالث، الراشد، الإمام المظلوم، أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وشق عصا الطاعة له، حتى يقع الهرج والمرج، فينقطع فتوحات الإسلام، وتقف راياته النيرة المشرقة، الرفرافة على بلاد الكفر، والمجوسية، واليهودية، ويتغلل سيوف المسلمين ما بينهم، ويذهب حدها حتى لا يبرق وميضها ولمعانها على رؤوس الكفرة، والملحدين.
فهذه كانت حصيلة المؤامرة، وقد حصلت فعلاً – ووا أسفا – فوقع القتال بين المسلمين، وسل السيف واستل ما بينهم، وذهب ضحيتاه، الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعشرات الألوف من خيرة الرجال، ووقع الشقاق بين فئتين عظيمتين من المسلمين إلى ما وقع، وبقي أثره إلى يومنا هذا بعد ما انقضى عليه أكثر من ثلاثة عشر قرناً، وانقبضت أشعة النور بعد ما انبسطت على بقاع الأرض كلها.(4/15)
ثالثاً:- غرس الحقد والضغينة في قلوب الناس ضد أبي بكر، وعمر، وباقي الصحابة من العشرة والمبشّر لهم بالجنة، إلى صغيرهم وكبيرهم، حملة هذا الدين، وورثة النبي الكريم، المبلغين رسالته، والناشرين دعوته، والرافعين رايته، والمجاهدين في سبيل الله، والممدوحين في كلام الله، حتى لا يبق للمسلمين تاريخ يمجدونه، ورجال يفتخرون بهم، والمثل العليا يقتدون بهم، وقدوة يهتدون بها، فيقعون في خيار الأمة حتى ينجروا إلى الخوض في سيد الخلق، ورسول رب العالمين، محمد بن عبد الله ، ويبتعدوا عن القرآن ويشكوا فيه، القرآن الذي أنزله الله على نبيه، وفيه مدح لهؤلاء، والرضاء عليهم، والمباهاة بهم.
رابعاً:- تكفير الصحابة كلهم – سوى المعدودين منهم – حتى لا يبقى الاعتماد والعمدة على شيء حيث أن أصحاب النبي الذين سمعوا من رسول الله القرآن، وحملوه منه، ورأوا رسول الله يشرحه، ويفسره، ويبينه بقوله وعمله، كانوا كفرة مرتدين، فمن ينقل ويروي القرآن وتفسيره المعنى بالسنة؟
ثم وأي إنتاج أنتجه رسول الله ، وأي دعوة ورسالة أداها إلى الناس، وأي فوج دخل في دين الله حيث يقول الله عز وجل: {إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً} [سورة النصر].
ومن هنا يقف الموكب الزاخر، موكب النور والرحمة إلى الكون، موكب السلام والأمن إلى الدنيا قاطبة، فهذا هو المقصود الذي أرادوه، ومن هنا جاء عدم الإيمان بالقرآن الموجود بأيدي الناس، والقول بأن القرآن المنزل على النبي هو عند المهدي المنتظر وصله بطريق الوحي، لأن "الخونة" (عياذاً بالله) من أصحاب النبي، غيروه وبدلوه، ونقصوا منه وزادوا فيه، كما سيأتي بيانه مفصلاً إن شاء الله.
وإذا لم يكن الرسالة موجودة فإلى أي شيء الدعوة، وعلى أي شيء العمل؟
فالتوقف والانتظار إلى أن يخرج القائم الذي لن يخرج أبد الدهر.(4/16)
خامساً:- ترويج العقيدة اليهودية بين المسلمين، ألا وهي عقيدة الوصاية والولاية التي لم يأت بها القرآن ولا السنة الصحيحة، الثابتة، بل اختلقها اليهود من وصاية يوشع بن نون لموسى ونشروها بين المسلمين باسم وصاية علي لرسول الله كذباً وزوراً، كي يتمكنوا من زرع بذور الفساد فيهم، وشب نيران الحروب والفتنة ما بينهم حتى ينقلب مساعيهم عن الجهاد في سبيل الله ضد الكفرة والمشركين من اليهود والمجوس إلى القتال بين أنفسهم، فانظر عبارة الكشي، فيقول: وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه.
ويقول النوبختي: إن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي بمثل ذلك.
سادساً:- نشر الأفكار اليهودية كالرجعة، وعدم الموت، وملك الأرض، والقدرة على أشياء لا يقدر عليها أحد من الخلق، والعلم بما لا يعلم أحد، وإثبات "البداء" والنسيان لله عز وجل وغير ذلك من الخرافات والترهات.(4/17)
هذا ما اقترفته اليهودية وزرعته، وعلي والطّيّبون من أهل بيته منهم براء، لأنه قد ثبت عن علي رضي الله عنه، أنه أنكر عليهم القول واستنكرهم، كما ذكره النوبختي في ما مر، ويؤيد هذا ما رواه يحيى بن حمزة الزيدي في كتابه "طوق الحمامة في مباحث الإمامة" عن سويد بن غفلة أنه قال: مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فأخبرت علياً كرم الله وجهه وقلت: لولا أنهم يرون أنك تضمر ما أعلنوا، ما اجترؤوا على ذلك، منهم عبد الله بن سبأ، فقال علي رضي الله عنه: نعوذ بالله، رحمنا الله، ثم نهض وأخذ بيدي وأدخلني المسجد، فصعد المنبر ثم قبض على لحيته وهي بيضاء، فجعلت دموعه تتحادر عليها، وجعل ينظر للقاع حتى اجتمع الناس، ثم خطبفقال: ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله ووزيريه، وصاحبيه وسيدي قريش، وأبوي المسلمين، وأنا بريء مما يذكرون، وعليه معاقب، صحبا رسول الله بالحب، والوفاء، والجد في أمر الله، يأمران وينهيان، ويغضبان ويعاقبان، ولا يرى رسول الله كرأيهما رأياً، ولا يحب كحبهما حباً، لما يرى من عزمهما في أمر الله، فقبض وهو منهما راض، والمسلمون راضون، فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأيه وأمره في حياته وبعد موته، فقبضا على ذلك رحمهما الله، فوالذي فلق الحبة وبرا النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل، ولا يبغضهما إلا شقي مارق، وحبهما قربة وبغضهما مروق "- وفي رواية – لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل" ["طوق الحمامة في مباحث الإمامة" نقلاً عن مختصر التحفة للشيخ محمود الألوسي ص16 ط مصر 1387ه].
ومثل هذا روى في الصحاح الستة عندنا، ونهج البلاغة وغيره عندهم.(4/18)
وأما دين الإمامية ومذهب الإثنى عشرية ليس إلا مبنياً على تلك الأسس التي وضعتها اليهودية الأثيمة بوساطة عبد الله بن سبأ الصنعاني، اليمني، الشهير بابن السوداء _والسوداء أمه) مع إنكارهم انتسابهم إلى اليهودية، وابن السوداء هذا – لكنه مجرد الإنكار فحسب لا غيره، لأن إنكارهم وحده لا يكفي لتبرئتهم عن هذه الفصيلة، وخروجهم عن هذه الشرذمة، الطاغية، الباغية، إلا أن يثبتوا مخالفتهم ومعارضتهم للأفكار التي دسوها، والعقائد التي بثوها في الإسلام والمسلمين.
ولكن حينما نرى بعين التفصح والتبصر لا نجد القوم إلا وهم يمتضغون اللقمة التي رماها إليهم هؤلاء المنافقون، المتظاهرون بالإسلام، والمبطنون أشد الكفر والعنه، فلنضع النقاط على الحروف، ولنأخذ أولاً فأولاً.
عبد الله بن سبأ
أولاً نحن قلنا أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً متظاهراً بالإسلام منافقاً وقد ذكرنا النصوص على ذلك من الكشي والنوبختي وغيرهما، فلا يحتاج إلى إثبات ذلك أكثر مما ذكرنا، ولكن إتماماً للفائدة وزيادة للعلم نذكر بعض ما ذكره الكشي أيضاً عن زين العابدين علي بن الحسين – الإمام الرابع المعصوم عندهم – أنه قال: لعن الله من كذب علينا، أني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادعى أمراً عظيماً ما له لعنه الله، كان علي عليه السلام والله عبد الله صالحاً أخاً رسول الله، ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وآله الكرامة من الله إلا بطاعته لله" ["رجال الكشي" ص100].(4/19)
ويذكر الكشي أيضاً رواية عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله (جعفر) عليه السلام: أنا أهل بيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وآله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها، وكان مسيلمة يكذب عليه وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برءا لله بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه، ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ" ["رجال الكشي" ص101].
وذكر الطبري في تاريخه "أن عبد الله بن سبأ لما ورد الشام لقي أبا ذر وحرضه على معاوية بقوله: أن معاوية يقول: المال مال الله، ألا إن كل شيء لله، ويريد به اجتماعه وادخاره دون المسلمين، ثم أتى عبد الله هذا أبا الدرداء فقال له أبو الدرداء: من أنت؟ أظنك والله يهودياً" ["تاريخ الملوك والأمم" للطبري ص90 ج5 ط مصر].
سعيه بالفتنه والفساد
ثانياً:- أجمع المؤرخون قاطبة، شيعة كانوا أم أهل السنة، أن الذي أضرم نار الفتنة والفساد، ومشى بين المدن والقرى بالتحريض والإغراء على أمير المؤمنين، وخليفة المسلمين عثمان بن عفان، ذي النورين رضي الله عنه، كان هذا اللعين وشرذمته اليهودية، وهم الذين أوقدوا نار العصيان، وأشعلوها كلما خمدت نيرانها، وكان يتجول من بلدة إلى بلدة، ويتنقل من قرية إلى قرية، فها هو الطبري وغيره من المؤرخين يذكرون تنقله من المدينة إلى مصر وإلى البصرة، فنزوله على حكيم بن جبلة، ثم إخراجه عنها ووروده في الكوفة، وإتيانه الفسطاط ينفث فيهم سمومه، ويوقعهم في حبائل الفتنة" [انظر تاريخ الطبري ص66 ج5 ط مصر، وذكر هذه الوقائع غيره من المؤرخين].
فهذا هو نجل اليهودي الذي يمشي ويجري بين المسلمين بالإفساد والانتشار والافتراق، ويمزق وحدة المسلمين، ويفرق جمعهم وراء ستار التشيع لعلي رضي الله عنه، ويشتت شملهم حسب خطة خططها هو واليهود من ورائه.
الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم(4/20)
ثالثاً:- ذكر النوبختي أن عبد الله بن سبأ كان أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان، صهر رسول الله وأرحامه ومن اليوم إلى يومنا هذا تناول الشيعة بهذه العقيدة وتمسكوا بها، والتفوا حولها، فليس بشيعي الذي لا يبغض خلفاء رسول الله الثلاثة، ووزرائه، ومحبيه، ولا يطعن فيهم.
أبي بكر
فهذا هو الكشي كبيرهم في الجرح والتعديل يذكر عقيدة الشيعة في الصديق الذي سماه رسول الله الصديق، فيروي عن حمزة بن محمد الطيار أنه قال: ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله "ع" فقال أبو عبد الله عليه السلام: رحمه الله وصلى عليه، قال (محمد بن أبي بكر) لأمير المؤمنين (علي) عليه السلام يوماً من الأيام، أبسط يدك أبايعك، فقال: أو ما فعلت؟ قال: بلى، فبسط يده فقال: أشهدك أنك إمام مفترض طاعتك، وإن أبي في النار (معاذ الله) فقال أبو عبد الله "ع" كان النجابة فيه من قبل أمه، أسماء بنت عميس رحمة الله عليها لا من قبل أبيه" ["رجال الكشي" ص60 و61].
فهذا عن جعفر وأما عن أبيه الباقر، فيروي الكشي أيضاً عنه، عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر "ع" أن محمد بن أبي بكر بايع علياً عليه السلام على البراءة من أبيه" ["رجال الكشي" ص61].
وعن شعيب عن أبي عبد الله "ع" قال: سمعت ما من أهل بيت إلا وفيهم نجيب من أنفسهم، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر" [أيضاً ص61 تحت ترجمة محمد بن أبي بكر].
فانظر الحقد اليهودي والضغينة اليهودية كيف تتدفق من عباراتهم المكذوبة على أولاد علي، وعلى محمد بن أبي بكر، ولكنها تعطي فكرة عما تكتمه الصدور الخبيثة، المنطوية على الكفر.
الفاروق الأعظم
وإليك ما تكنه الشيعة لرجل الإسلام وعبقريته الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: "لم أر عبقرياً يفري فريه، حتى روى الناس وضربوا بعطن" [متفق عليه].(4/21)
يقولون فيه: أن سلمان الفارسي خطب إلى عمر، فرده ثم ندم، فعاد إليه (سلمان) فقال (سلمان) إنما أردت أن أعلم ذهبت حمية الجاهلية عن قلبك أم هي كما هي" ["رجال الكشي" ص20 ترجمة سلمان الفارسي].
ويروي الكشي أيضاً عن هشام بن أبي عبد الله عليه السلام "كان صهيب عبد سوء يبكي على عمر" ["رجال الكشي" ص40 ترجمة بلال وصهيب].
وعن أبيه الباقر أنه قال: "بايع محمد بن أبي بكر على البراءة من الثاني" [رجال الكشي ص61].
ويكذب ابن بابويه القمي الشيعي على الفاروق ويقول: قال عمر حين حضره الموت: "أتوب إلى الله من ثلاث، اغتصابي هذا الأمر أنا وأبي بكر من دون الناس، واستخلافه عليهم، وتفضيل المسلمين بعضهم على بعض" ["كتاب الخصال" لابن بابويه القمي ص81 ط طهران].
ويسب علي بن إبراهيم القمي الذي هو "ثقة في الحديث ثبت، معتمد، صحيح المذهب" – عندهم – في تفسيره [الذي قالوا فيه: هو من أقدم التفاسير التي كشفت القناع عن الآيات النازلة في أهل البيت، وإن هذا التفسير أصل أصول التفاسير الكثيرة وأنه في الحقيقة تفسير الصادقين (جعفر والباقر)، وإن مؤلفه كان في زمن الإمام العسكري و. . والخ – انظر مقدمة التفسير ص19].
تحت قول الله عز وجل: يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً "عن أبي حمزة الثمالى عن أبي جعفر "ع" قال: يبعث الله يوم القيام قوماً بين أيديهم نور كالقباطي، ثم يقال له كن هبأ منثوراً، ثم قال: أما والله يا أبا حمزة كانوا ليعرفون ويعلمون ولكن كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه وإذا عرض لهم شيء من فضل أمير المؤمنين أنكروه – وقوله يوم يعض الظالم على يديه، قال، (أبو جعفر) الأول (يعني به أبا بكر) يقول: "يا ليتني اتخذت مع الرسول علياً ولياً – يا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً – يعني الثاني (عمر)" [تفسير القمي ص113 ج2 ط طبعة النجف عراق، 1386ه].(4/22)
وروى تحت قوله: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً "عن أبي عبد الله "ع" قال: ما بعث نبياً إلا وفي أمته شيطانان يؤذيانه ويضلان الناس بعده، فأما صاحبا نوح . . . وأما صاحبا محمد فجبتر وزريق" [أيضاً ص 214 ج1].
وقد فسر "الجبتر" والزريق لعينهم الهندي الملا مقبول بقوله "روى أن الزريق مصغر لأزرق، والجبتر معناه الثعلب، فالمراد من الأول، الأول (أبو بكر) لأنه كان زرقاء العيون، والمراد من الثاني، الثاني (عمر) كناية عن دهائه ومكره" [مقبول قرآن الشيعي في الأردية ص281 ط الهند].
ويذكر القمي أيضاً عن جعفر "أن رسول الله صلى الله عليه وآله أصابه خصاصة فجاء إلى رجل من الأنصار، فقال له: هل عندك من طعام؟ فقال نعم يا رسول الله، وذبح له عناقاً وشواه فلما أدناه منه تمنى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكون معه علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، فجاء منافقان ثم جاء علي بعدهما، فأنزل الله في ذلك {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث – زيادة من الملعونين – إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته، يعني منافقين – فينسخ الله ما يلقى الشيطان – يعني لما جاء علي بعدهما" ["تفسير القمي" ص86 ج2].
ويذكر القمي هذا أيضاً تحت قوله تعالى: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم، يعني نقض عهد أمير المؤمنين، وجعلنا قلوبهم قاسية، يحرفون الكلم عن مواضعه قال: من نحى أمير المؤمنين عن موضعه، والدليل على ذلك أن الكلمة أمير المؤمنين "ع" قوله "وجعلها كلمة باقية – يعني به الإمامة" [تفسير القمي ص164 ج1].(4/23)
ويذكر تحت قوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} قال: يحملون آثامهم يعني الذين غضبوا أمير المؤمنين وآثام كل من اقتدى بهم، وهو قول الصادق (جعفر): والله ما أهريقت من دم ولا قرع عصا بعصا، ولا غصب فرج حرام، ولا أخذ من غير علم إلا ووزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العاملين بشيء – وقال علي – فاقسم ثم اقسم ليحملنها بنو أمية من بعدي، وليعرفنها في دار غيرهم عما قليل . . . وعلى البادي، الأول (أبو بكر) ما سهل لهم من سبيل الخطايا مثل أوزار كل من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة" [تفسير القمي ص383 و384 ج1].
ويروي الكشي عن الورد بن زيد قال: قلت لأبي جعفر "ع" جعلني الله فداك، قدم الكميت، فقال: أدخله، فسأله الكميت عن الشيخين، فقال له أبو جعفر "ع" ما أهريق دم ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله، وحكم رسوله صلى الله عليه وآله، وحكم علي، إلا وهو في أعناقهما، فقال الكميت، الله أكبر حسبي، حسبي" ["رجال الكشي" ص179 و180].
وفي رواية أخرى عن داود بن النعمان قال (الباقر) يا كميت بن زيد! ما أهريق في الإسلام محجة من دم، ولا اكتسب مال من غير حله، ولا نكح فرج حرام، إلا وذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا، ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما" ["رجال الشكي" ص180 تحت ترجمة الكميت بن زيد الأسدي].
عثمان بن عفان
وأما صاحب الجود والحياء، صهر رسول الله وزوج ابنتيه، عثمان بن عفان، ذو النورين رضي الله عنه، فيعتقد فيه الشيعة طبق ما أملت عليهم اليهودية اللئيمة، فيروي الكشي عن أبي عبد الله "ع" قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وعمار يعملون مسجداً، فمر عثمان في بزة له يخطر، فقال له أمير المؤمنين "ع" ارجز به فقال عمار:
لا يستوي من يعمر المساجدا
يظل فيها راكعاً وساجدا
ومن تراه عانداً معاندا
عن الغبار لا يزال حائداً(4/24)
قال: فأتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: ما أسلمنا لتشتم أعراضنا وأنفسنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أفتحب أن يقال بذلك، فنزلت آيتان {يمنون عليك أن أسلموا} الآية، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي "ع" اكتب هذا في صاحبك" ["رجال الكشي" ص33 و34].
وأيضاً عن صالح الحذاء قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وآله ببناء المسجد، قسم عليهم المواضع وضم إلى كل رجل رجلاً، فضم عماراً إلى علي عليه السلام، قال: فبينا هم في علاج البناء إذ خرج عثمان من داره وارتفع الغبار فتمتع بثوبه، وأعرض بوجهه، قال: فقال علي عليه السلام لعمار: إذا قلت شيا فرد علي، فقال علي عليه السلام:
لا يستوي من يعمر المساجدا
يظل فيها راكعاً وساجدا
كمن يرى عن الطريق حائدا
قال: فأجابه عمار كما قال، فغضب عثمان من ذلك فلم يستطع أن يقول لعلي شياً، فقال لعمار: يا عبد، يا لكع، فقال علي عليه السلام لعمار: أرضيت بما قال لك: ألا نأتي النبي صلى الله عليه وآله فتخبره، قال: فأتاه فأخبره، فقال: يا نبي الله إن عثمان قال لي يا عبد – يا لكع، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يعلم ذلك؟ فقال علي: قال: فدعاه وسأله، فقال له كما قال عمار، فقال لعلي "ع" اذهب فقل له حيث ما كان، يا عبد، يا لكع، أنت القائل لعمار يا عبد، يا لكع، فذهب علي "ع" فقال له ذلك فانصرف" ["رجال الكشي" ص34].(4/25)
ويذكر القمي تحت قوله تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" رواية مكذوبة على النبي، المحب لأصحابه، وخاصة رفقائه الثلاثة، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يرد على أمتي يوم القيامة على خمس رايات، فراية مع عجل هذه الأمة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي، فيقولون أما الأكبر فحرفناه ونبذناه وراء ظهورنا، وأما الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه، فأقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد على راية فرعون هذه الأمة، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فحرفناه ومزقناه وخالفناه، وأما الأصغر فعاديناه وقاتلناه، فأقول ردوا النار – ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد على راية مع سامري هذه الأمة فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي، فيقولون أما الأكبر فعصيناه وتركناه، وأما الأصغر فخذلناه وضيعناه، فأقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد على راية ذي الثلمة مع أول الخوارج وآخرهم فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي، فيقولون أما الأكبر ففرقناه وبرئنا منه وأما الأصغر فقاتلناه وقتلناه، فأقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد على راية مع إمام المتقين وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، ووصى رسول رب العالمين، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي، فيقولون أما الأكبر فاتبعناه وأطعناه وأما الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتى أهرقت فيهم دماؤنا، فأقول ردوا الجنة رواء مرويين ميبضة وجوهكم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون}" ["تفسير القمي" ص109 ج1].
أرأيت خبث القوم وقبحهم كيف يسبون أصحاب رسول الله، ويغيرون أسمائهم، ويطعنون فيهم، ويكذبون على النبي عليه السلام.
ويذكر الكشي أن جعفراً أنشد شعراً:(4/26)
فالناس يوم البعث راياتهم خمس فمنها هالك أربع
قائدها العجل وفرعونها وسامري الأمة المفظع
وراية قائدها حيدر كالشمس إذا تطلع
ومخدع عن دينه مارق جد عبد لكع أوكع
قال (جعفر) من قال هذا الشعر؟ قلت (الراوي): السيد محمد الحميري، فقال رحمه الله، قلت: أني رأيته يشرب نبيذ الرستاق، قال تعني الخمر؟ قلت نعم، قال رحمه الله وما ذلك على الله أن يغفر لمحب علي" ["رجال الكشي" ص142 و143].
ويذكر الكليني كبير محدثيهم وإمامهم الذي يعد كتابه "الكافي" من الأصول الأربعة – عندهم -، عن علي رضي الله عنه أنه قال:
"قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله، متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيرين لسنته" ["كتاب الروضة للكليني" ص59 ص إيران].
وروى الكليني أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم}، قال: نزلت في فلان وفلان آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله في أول الأمر وكفروا حيث عرضت عليهم – الولاية – حين قال النبي صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلى مولاه، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم نم بايعه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء" ["الكافي في الأصول" كتاب الحجة ص420 ج1 ط إيران].
وبين شارح الكافي "أن المراد من فلان وفلان أبو بكر وعمر وعثمان" ["الصافي شرح الكافي" في اللغة الفارسية ط إيران].
بقية أصحاب النبي عليه السلام وأزواجه أمهات المؤمنين(4/27)
ولم يكتف الشيعة بالطعن والتعريض في وزراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمائه بل تطرق الملاعنة إلى أعراض آل النبي ورفقته الكبار، خاصة الذين هاجروا في سبيل الله وجاهدوا في الله حق جهاده، ونشروا دينه الذي ارتضى لهم، ناقمين وحاسدين جهودهم المشكورة.
عم النبي وأولاده
فها هم يسبون وحتى عم النبي الكريم الذين جعله صنو أبيه.
فيذكر الكشي عن محمد الباقر أنه قال: "أتى رجل إلى أبي (زين العابدين) فقال: أن فلاناً يعني عبد الله بن عباس – يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن، في أي يوم نزلت وفيم نزلت، قال: (زين العابدين) فاسأله فيمن نزلت {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً} وفيم نزلت {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم} وفيم نزلت {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} فأتاه الرجل وقال وددت الذي أمرك بهذا واجهني به فأسأله، ولكنه سله ما العرش ومتى خلق وكيف هو؟ فانصرف الرجل إلى أبي فقال له ما قال، فقال (زين العابدين) وهل أجابك في الآيات، قال لا، قال ولكني أجيبك فيها بنور وعلم غير المدعى والمنتحل، أما الأوليان فنزلتا في أبيه (العباس عم النبي) وأما الآخرة فنزلت في أبي وفينا" ["رجال الكشي" ص53 تحت ترجمة عبد الله بن عباس].
ويذكر الكشي عن زين العابدين أيضاً أنه قال لابن العباس: "فأما أنت يا بن عباس ففيمن نزلت هذه الآية {فلبئس المولى ولبئس العشير} في أبي أوفى أبيك، ثم قال: أما والله لولا ما تعلم لأعلمتك عاقبة أمرك ما هو وستعلمه . . . . ولو أذن لي في القول لقلت ما لو سمع عامة هذا الخلق لجحدوه وأنكروه" ["رجال الكشي" ص54].
ويروي الملا باقر عن الكليني عن محمد الباقر أنه قال: قال علي رضي الله عنه: "ومن كان بقي من بني هاشم إنما كان جعفر وحمزة، فمضيا وبقي معه رجلان، ضعيفان، ذليلان، حديثا عهد بالإسلام عباس وعقيل" ["حياة القلوب" للملا باقر المجاسي ص 756 ج2 ط الهند].(4/28)
هذا ما قالوا في عم النبي، وأما ابنه عبد الله ابن عباس، حبر الأمة، وترجمان القرآن، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتهموه بتهمة الخيانة فقالوا: استعمل على صلوات الله عليه على البصرة عبد الله بن عباس، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وترك علياً عليه السلام، فكان مبلغه ألفي ألف درهم، فصعد على المنبر حين بلغه فبكى فقال: هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه، اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول" ["رجال الكشي" ص57 و58].
وبوب الكشي هذا، باباً مستقلاً باسم دعاء علي على عبد الله وعبيد الله ابني عباس، ثم يروي عقيدته بهذه الرواية الكاذبة "عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين (علي) عليه السلام: اللهم العن ابني فلان – يعني عبد الله وعبيد الله ابني عباس – واعم أبصارهم كما أعميت قلوبهما الأجلين في رقبتي واجعل عمى أبصارهما دليلاً على قلوبهما" ["رجال الكشي" ص52].
ومقل هذه الروايات الكاذبة الخبيثة كثيرة عندهم في الكافي "وفي تفسيرهم" القمي "والعياشي" والصافي.
خالد بن الوليد
وطعنوا في سيف الله الخالد، خالد بن الوليد رضي الله عنه، فارس الإسلام وقائد جيوشه الظافرة المباركة، طعنوا فيه، فيذكر القمي وغيره "أن خالداً ما هجم على مالك بن النويره إلا للتزوج من زوجه مالك".(4/29)
وحكوا أيضاً قصة باطلة مختلقة، فيذكرها القمي: وقع الخلاف بين أبي بكر ولعي وتشاجرا، فرجع أبو بكر إلى منزله "وبعث إلى عمر فدعاه ثم قال: أما رأيت مجلس علي منا اليوم والله لأن قعد مقعداً مثله ليفسدن أمرنا فما الرأي؟ قال عمر: الرأي أن نأمر بقتله، قال: فمن يقتله؟ قال خالد بن الوليد فبعثا إلى خالد فأتاهما فقالا نريد أن نحملك على أمر عظيم، قال حملاني ما شئتما ولو قتل علي بن أبي طالب، قالا فهو ذاك، فقال خالد متى أقتله؟ قال أبو بكر إذا حضر المسجد فقم بجنبه في الصلاة فإذا أنا سلمت فقم إليه واضرب عنقه، قال: نعم، فسمعت أسماء بنت عميس ذلك وكانت تحت أبي بكر، فقالت لجاريتها اذهبي إلى منزل علي وفاطمة، فاقرئيهما السلام، وقولي لعلي إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين، فجاءت الجارية إليهما فقالت لعلي عليه السلام: إن أسماء بنت عميس تقرأ عليكما السلام وتقول إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين، فقال علي عليه السلام: قولي لها إن الله يحيل بينهم وبين ما يريدون.(4/30)
ثم قام وتهيأ للصلاة وحضر المسجد ووقف خلف أبي بكر وصلى لنفسه وخالد بن الوليد إلى جنبه ومعه السيف، فلما جلس أبو بكر في التشهد ندم على ما قال وخاف الفتنة وشدة علي وبأسه، فلم يزل متفكراً لا يجسر أن يسلم حتى ظن الناس أنه قد سها، ثم التفت إلى خالد فقال يا خالد لا تفعل ما أمرتك به السلام عليكم ورحمته وبركاته، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال أمرني بضرب عنقك، قال وكنت تفعل؟ قال أي والله لولا أنه قال لي لا تفعل لقتلتك بعد التسليم، قال فأخذه علي فضرب به الأرض واجتمع الناس عليه فقال عمر يقتله ورب الكعبة، فقال الناس – يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب هذا القبر فخلى عنه، قال فالتفت إلى عمر وأخذ بتلابيبه وقال يا فلان لولا عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً ثم دخل منزله" ["تفسير القمي" ص158 و159 ج2].
عبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة
وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهما قالوا فيهما: "محمد بن مسلمة وابن عمر مات منكوثاً" ["رجال الكشي" ص41].
طلحة والزبير
وطلحة صاحب رسول الله من العشرة المبشرة لهم بالجنة الذي قال فيه رسول الله يوم أحد: أوجب طلحة – الجنة" [رواه الترمذي وأحمد في مسنده].
والزبير الذي هو من العشرة أيضاً والذي قال فيه النبي لاصادق الناطق بالوحي: "إن لكل نبي حوارياً وحواري الزبير" [متفق عليه].
روى القمي في هذين العظيمين "أن أبا جعفر (الباقر) قال: نزلت هذه الآية في طلحة والزبير، والجمل جملهم {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط" ["تفسير القمي" ص230 ج1].
أنس بن مالك والبراء بن عازب(4/31)
وأما أنس بن مالك والبراء بن عازب رضي الله عنهما فقالوا فيهما: أن علياً قال لهما: ما منعكما أن تقوما فتشهدا، فقد سمعتما ما سمع القوم ثم قال: اللهم إن كانا كتمهما معاندة فابتلهما، فعمى البراء بن عازب وبرص قدما أنس بن مالك" ["رجال الكشي" ص46].
أزواج النبي عليه السلام
والخبث لم ينته بعد، واللوم لم يبلغ مداه، حتى تطرقوا إلى أمل بيت النبي ، ورووا هذه الرواية الخبيثة، الباطلة، متعرضين للصديقة بنت الصديق، أم المؤمنين عائشة الطاهرة رضي الله عنها، فقال الكشي: لما هزم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أصحاب الجمل بعث أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة، قال ابن عباس: فأتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة، قال فطلبت الإذن عليها فلم تأذن، فدخلت عليها من غير إذنها، فإذا بيت فقار لم يعد لي فيه مجلس، فإذا هي من وراء سترين، قال فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة، قال: فمددت الطنفسة فجلست عليها فقالت من وراء الستر: يا ابن عباس أخطأت السنة – دخلت بيتنا بغير إذننا وجلست على متاعنا بغير إذننا - فقال لها ابن عباس: نحن أولى بالسنة منك ونحن علمناك السنة، وإنما بيتك، الذي خلفك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، فخرجت منه ظالمة لنفسك، غاشية لدينك، عاتبة على ربك، عاصية لرسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا بإذنك ولم نجلس على متاعك إلا بأمرك . . . إلى أن قال . . . وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده، لست بأبيضهن لوناً ولا بأحسنهن وجهاً ولا بأرشحهن عرقاً ولا بأنضرهن ورقاً ولا بأطرأهن أصلاً . . . . . قال (ابن عباس) : ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها فقال (علي) : أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك" ["رجال الكشي" ص55 و56 و57].(4/32)
فهل رأيت الخبث أكبر من هذا ولكن القوم بلغوا في الخبث ما لم يبلغه الآخرون، فيروي واحد من صناديدهم – الطبرسي في كتابه عن الباقر أنه قال: لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل، قال أمير المؤمنين (علي) عليه السلام: والله ما أراني إلا مطلقها، فأنشد الله رجلاً سمع من رسول الله يقول: يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي (عياذاً بالله) ولما قام فشهد، فقام ثلاثة عشر رجلاً، فيهم بدريان، فشهدوا أنهم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي بن أبي طالب، يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي، قال فبكت عائشة عند ذلك حتى سمعوا بكائها" ["الاجتجاج للطبرسي" ص82 ط إيران 1302ه].
تفكير الصحابة عامة
فهذه هي عقيدة القوم من أولهم إلى آخرهم كما رسمها اليهود لهم حتى صار دينهم الذي يدينون به، دين الشتائم والسباب ولكنهم لم يكتفوا بالسباب والشتائم على عدد كبير من أصحاب رسول الله بل هوت بهم هاوية حتى كفّروا جميع أصحاب رسول الله عليه السلام إلا النادر منهم، فهذا هو الكشي أحد صناديدهم يروي عن أبي جعفر أنه قال: كان الناس أهل الردة بعد النبي إلا ثلاثة، فقلت ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، . . . وذلك قول الله عز وجل {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} ["رجال لاكشي" ص12 و13].
ويروى عن أبي جعفر أيضاً أنه قال: المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا وأشار بيده – إلا ثلاثة" ["رجلا الكشي" ص13].
ويروى عن موسى بن جعفر – الإمام المعصوم السابع عندهم – أنه قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري محمد بن عبد الله – رسول الله الذي لم ينقضوا عليه؟ فيقوم سلمان، والمقداد، وأبو ذر" ["رجال الكشي" ص15].
والعجب كل العجب أين ذهب علي والحسن والحسين وبقية أهل البيت، وعمار، وحذيفة، وعمرو بن الحمق وغيرهم.
فانظر ماذا تريد اليهودية من وراء ذلك.(4/33)
وهذا مع أن علياً رضي الله عنه لم يكفر حتى ومن حاربه من أهل الشام وغيرهم، فقد قال صراحة في "كتابه إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه ويبن أهل الصفين"، الذي رواه إمام الشيعة محمد الرضى في "نهج الباغة" وكان بدء أمرنا أنا التقينا القوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله، والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا في دم عثمان، ونحن منه براء" ["نهج البلاغة" ص448 ط بيروت].
وأنكر على من يسب معاوية رضي الله عنه وعساكره، فقال وقد رواه الرضي أيضاً: أني أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم، اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم . ." ["نهج البلاغة" ص323].
فابن علي من ربيبة اليهود الشاتمين أعاظم أصحاب رسول الله اللعانين، المكفرين، الخبثاء، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
الصحابة عند السنة
ذاك ما يعتقده الشيعة في كبار أصحاب رسول الله الذين بلغوا رسالة إلى الكون، وحملوها على أكتافهم وأدوها كما سمعوا، وقد فتح الله بهم بلاد الروم والشام، وبلاد هؤلاء الملاعنة، الخبثاء، بلاد يمن، وفارس، ولولاهم لما كان للإسلام دولة وسلطنة كما كانت وصارت، وكانوا مصداق قول الله عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً} [سورة النور الآية 55].
وقال رسول الله عليه السلام فيهم: لا تسبوا أصحابي فلو أن أحكم أنفق مثل أحذ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" [متفق عليه].(4/34)
وقال عليه السلام: النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى المساء ما يوعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون" [رواه مسلم].
وبين عليه السلام فضلهم وشرفهم حيث قال: ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بعث قائداً ونوراً لهم يوم القيامة" [رواه الترمذي].
وقال : "إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة الله على شركم" [رواه الترمذي].
وقال عليه السلام في أبي بكر رضي الله عنه: "إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر" [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" [رواه الترمذي].
وقال فيهما: "أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين" [رواه الترمذي ورواه ابن ماجة عن علي رضي الله عنه].
وقال عليه السلام في عثمان رضي الله عنه: "لكل نبي رفيق ورفيقي يعني في الجنة عثمان" [رواه الترمذي].
وعن عبد المطلب بن ربيعة "أن العباس دخل على رسول الله مغضباً وأنا عنده، فقال ما أغضبك؟ قال يا رسول الله ما لنا ولقريش، إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك، فغضب رسول الله حتى احمر وجهه ثم قال: أيها الناس من آذى عمي فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه" [رواه الترمذي].
ودعا عليه السلام له ولابنه فقال: "اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنباً، اللهم احفظه في ولده" [رواه الترمذي].
وعنه أنه سئل عليه السلام "من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها" [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم في خالد بن الوليد رضي الله عنه: "خالد سيف من سيوف الله عز وجل، ونعم فتى العشيرة" [رواه أحمد ومثله في الترمذي].(4/35)
وقال في محمد بن مسلمة، ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة . . . وقال: لا تضرك الفتنة" [رواه أبو داود].
وقال في معاوية رضي الله عنه: "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهديه" [رواه الترمذي].
وقال عليه السلام في البراء بن عازب: "كما من أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن عازب" [رواه الترمذي].
وقال عليه السلام في عبد الله بن عمر: "إن عبد الله رجل صالح" [متفق عليه].
فهؤلاء هم وغيرهم أصحاب رسول الله الذين مدحهم الله في كتابه، ومدحهم وأثنى عليهم ودعا لهم بالمغفرة الناطق بالوحي الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، واحداً واحداً وجماعة، ويمدحهم ويثني عليهم كل من سلك مسلكه، واتبع سبيله من المؤمنين غير المنافقين أبناء اليهود والمجوس الذين أكلت قلوبهم البغضاء والشحناء والحسد عليهم لأعمالهم الجبارة في سبيل الله وفي سبيل نشر هذا الدين الميمون المبارك، وكان هذا هو السبب الحقيقي لحنق الكفرة على هؤلاء المجاهدين، العاملين بالكتاب والسنة، وخاصة على أبي بكر، وعمر، وعثمان، الذين قادوا جيوش الظفر، وجهزوا عساكر النصر، وكان سبب احتراق اليهود على المسلمين خاصة أنهم هدموا أساسهم، وقطعوا جذورهم، واستأصلوهم استيصالاً تحت راية النبي عليه السلام حين كان أسلافهم من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة يقطنون المدينة، ومن بعد النبي الكريم عليه السلام في زمن عمر الفاروق رضي الله عنه، حيث نفذ فيهم وصية رسول الله : "أخرجوا اليهود من جزيرة العرب" [رواه البخاري].
وطهر جزيرة العرب من نجاستهم ودسائسهم ولم يترك لأحد من اليهود أن يسكن في الجزيرة طبقاً لأمر رسول الله عليه السلام.
سبب انتشار التشيع في إيران وبغضهم الصحابة(4/36)
ولما افتتح إيران على يد الفاروق الأعظم، ومزق جموعها، وكسر شوكتها، وهدم ملوكيتها نقم أهل إيران على الفاروق، ورفقته، وجنوده، لما جبلوا على الملوكية وأشربوا حبها، فوجد اليهود الفارس مزرعة خصبة لغرس بذور الفتنة فيها، وكان من الاتفاقات أن ابنة يزدجرد ملك إيران "شهربانو" زوجت من حسين بن علي رضي الله عنهما بعد ما جاءت مع الأسارى الإيرانيين، فلما دبر اليهود لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه وتترسوا بعلي رضي الله عنه بدون إذن منه ومعرفة، وادعوا الولاية والخلافة لعلي وأولاده، تعاونهم أهل إيران نقمة على الفاروق، ورفقته، وأصحاب الرسول الذين فتحوا إيران، وعثمان الذي وسع نطاق الفتوحات الإسلامية، وأقام اعوجاجهم، ونفى بغاتهم، فأبدى أهل إيران الاستعداد لمعاونة تلك الطائفة اليهودية، والفئة الباغية، وخاصة بعد ما رأوا أن الدم الذي يجري في عروق علي بن الحسين الملقب بزين العابدين وفي أولاده دم إيراني من قبل أمه "شهربانو" ابنة "يزدجرد" ملك إيران من سلالة الساسانيين، المقدسين عندهم.
فلأجل هذا دخل أكثر أهل فارس في الشيعية لما يجدون فيها التسلية بالسباب على الصحابة، وعمر، وعثمان، فاتحي إيران، ومطفئ نار المجوسية فيها، ومن هناك اتفقوا مع اليهودية الماكرة، ولأجل هذا اتحدوا معهم، وسلكوا مسلكهم، ونهجوا منهجهم، فها هو المستشرق الإنكليزي الذي سكن إيران مدة طويلة ودرس تاريخها دراسة وافية، ضافية، يقول صراحة: من أهم أسباب عداوة أهل إيران للخليفة الراشد، الثاني، عمر، هو أنه فتح العجم، وكسر شوكته، غير أنهم (أي أهل إيران) أعطوا لعدائهم صبغة دينية، مذهبية، وليس هذا من الحقيقة بشيء" ["تاريخ أدبيات إيران، للدكتور براؤن ص217 ج1 ط الهند بالأردية مترجماً].(4/37)
ووضح في مقام آخر أكثر من هذا وقال: ليس عداوة إيران وأهلها لعمر بن الخطاب بأنه (عمر) غصب حقوق علي وفاطمة بل لأنه فتح إيران وقضى على الأسرة الساسانية – ثم يذكر أبياتاً فارسية لشاعر إيراني ما نصها في اللغة الفارسية -.
بشكست عمر بشت هزبران اجم را
برباد فنا داد رك وريشة جم را
اين عربده بر غصب خلافت ز على نيست
با آل عمر كينه قديم است عجم را
يعني أن عمر كسر ظهور أسود العرنين المفترسة، واستأصل جذور آل جمشيد (ملك من أعاظم ملوك فارس).
ليس الجدال على أنه غصب الخلافة من علي، بل أن المسألة قديمة يوم فتح إيران" [فانظر "تاريخ أدبيات إيران" للمستشرق الإنكليزي براؤن ص49 ج4].
ويقول: "إن أهل إيران وجدوا في أولاد علي بن الحسين تسلية وطمأنينة بما كانوا يعرفون أن أم علي بن الحسين هي ابنة ملكهم "يزدجرد" فرأوا في أولادها حقوق الملك قد اجتمعت مع حقوق الدين، فمن هنا نشأ بينهم علاقة سياسية، ولأجل أنهم (أهل إيران) كانوا يقدسون ملوكهم لاعتقادهم أنهم ما وجدوا الملك إلا من السماء ومن الله، فازدادوا في التمسك بهم" ["تاريخ أدبيات إيران" ص215 ج1 ط الهند. . . .].
الولاية والوصاية(4/38)
خامساً: - ولقد ذكرنا فيما سبق أن اليهودية دست عقائد جديدة في الإسلام بوساطة ابنها البار بها، عبد الله بن سبأ، لبناء مذهب جديد وإنشاء نحلة جديدة باسم الإسلام ولا يكون للإسلام علاقة بها، فمن تلك العقائد التي جعلتها أصل الأصول هي عقيدة الولاية والوصاية، ولقد أوردنا النصوص عن الشيعة بأن أول نم نادى بها هو ابن السوداء، هذا اليهودي، الماكر، مع إنكار الشيعة بعلاقتها معه ومع اليهودية، فإنهم لا يبنون عقائدهم إلا على أقواله وآرائها، فها هي الولاية ما جعلوها أساساً لدينهم إلا كما علمهم اليهود وقرروها لهم، فيذكر محمد بن يعقوب الكليني، محدثهم الكبير الذي عرض كتابه على الإمام، وصدقه إمامهم المزعوم الموهوم، يذكر الكليني هذا "عن فضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: بنى الإسلام على خمس، الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير" ["الكافي في الأصول" باب دعائم الإسلام ص20 ج2 ط إيران].
فانظر كيف يختلف القوم مع المسلمين حيث يقول المسلمون: بني الإسلام على خمس، أوله شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله: ولكن هؤلاء لا يعدون شهادة التوحيد والرسالة شيئاً، ويفضلون الولاية والوصاية على الصلاة والزكاة والصوم والحج كي يجلب القوم إلى دين جديد طبق الخطة المرسومة.
وقد صرح الشيعة بأكثر من هذا حيث قالوا: عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية، قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل، فقال الولاية أفضل" ["الكافي في الأصول" ص18 ج2 ط إيران].
ثم حذفوا الصوم والحج فقالوا: عن الصادق (جعفر) عليه السلام قال: أثافي الإسلام ثلاثة، الصلاة، والزكاة، والولاية، لا تصح واحدة منها إلا بصاحبتها" ["الكافي في الأصول" ص18 ج2 ط إيران].(4/39)
ومن ثم تطرقوا إلى حذف الجميع وإبقاء الولاية وحدها فرووا عن أبي عبد الله أنه قال: ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبياً قط إلا بها" ["بصائر الدرجات" باب9 ج2 ط إيران سنة 1285ه وأيضاً "كتاب الحجة من الكافي للكليني" ص438 ج1 ط إيران].
وليس هذا فحسب بل "عن حبة العوفي أنه قال، قال أمير المؤمنين (علي) أن الله عرض ولايتي على أهل السماوات وعلى أهل الأرض، أقربها من أقر، وأنكر من أنكر، أنكرها يونس (عليه السلام) فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها" ["بصائر الدرجات" ص10 ج2 ط إيران].
وعن أبي الحسن "ع" قال: ولاية على مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ولن يبعث الله رسولاً غلا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ووصية علي عليه السلام" ["كتاب الحجة من الكافي" 438 ج1 ط إيران].
وأيضاً "عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر يقول: إن الله أخذ ميثاق النبيين على ولاية علي وأخذ عن النبيين بولاية علي" ["بصائر الدرجات" باب9 ج2 ط إيران].
ويروي القمي تحت قوله تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين: عن أبي عبد الله قال: ما بعث الله نبياً من ولد آدم فهلم جراً إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين (علي) وهو قوله لتؤمنن به يعني رسول الله "ولتنصرنه" يعني أمير المؤمنين – علي – [تفسير القمي ص 106 ج1 ط عراق].
فانظر إلى اليهودية كيف تتسلل بين المسلمين وتتسرب إليهم لتشويه عقائدهم.
وأخيراً فلنرجع إلى ما قاله النوبختي والكشي، فيقول النوبختي: وهو (أي عبد الله بن سبأ) أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام" ["فرق الشيعة" ص44].
والكشي يقول: وكان (ابن سبأ) أول من أشهر بالقول بفرض إمامة علي" ["رجال الكشي" 101].
تعطيل الشريعة(4/40)
فهل بعد ذلك شك لشاك وريب لمرتاب أن القوم ولدته اليهودية لأغراضها المشوهة، وهم ينكرون الانتساب إليها بعد ما يقرون بآرائها ومعتقداتها التي روجت ودست في الإسلام، ويتولونها ويؤسسون عليها بناية دينهم، وما القصد منها إلا إبعاد المسلمين عن تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم وروحها، روح الإسلام الحقيقي، وأيضاً تعطيل الشريعة الإسلامية فقد عطلوها فعلاً حيث قالوا: إن النجاة ليس مدارها على العمل بالكتاب والسنة، بل مدارها على التبني والتمسك بأقوال هؤلاء الملاحدة، ولو خالفوا صريح الكتاب والسنة لا يؤاخذون عليها.
فقد مر قبل ذلك في هذا الباب أن شارب الخمر ذكر عند جعفر بن الباقر – الإمام المعصوم عندهم – فقال: وما ذلك على الله أن يغفر لمحب علي" ["رجال الكشي" ص143].
وذكر القمي أكثر من هذا فقال: عن أبي عبد الله قال إذا كان يوم القيامة يدعى محمد صلى الله عليه وآله فيكسى حلة وردية . . . ثم يدعى بعلي أمير المؤمنين عليه السلام . . . ثم يدعى بالأئمة . . . ثم يدعى بالشيعة فيقومون أمامهم ثم يدعى بفاطمة ونسائها من ذريتها وشيعتها فيدخلون الجنة بغير حساب" ["تفسير القمي" ص128 ج1].
وروى الكشي عن أبي عبد الله أنه دخل عليه جعفر بن عفان، فقال له: بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيد، فقال له: نعم جعلني الله فداك. فقال، قل: فأنشد، فبكى "ع" ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته، ثم قال: يا جعفر (بن عفان) والله لقد شهدك ملائكة الله المقربون ها هنا يسمعون قولك في الحسين ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر، ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر ساعتك الجنة بأسرها، وغفر الله لك، فقال (أبو عبد الله) : يا جعفر ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيدي، قال: ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى إلا أوجب الله له الجنة وغفر له" ["رجال الكشي" ص 246].(4/41)
فانظر كيف تعطل الشريعة المحمدية، البيضاء، وكيف يلغي أحكامها وأوامرها، فهذا هو المطلوب والمقصود، ولأجل هذا كونت هذه الفئة، وأنشئت هذه الطائفة، وكتبهم مليئة من مثل هذه الدسائس، وعليها يتكلون، وبها يعتقدون، ولكن الشريعة التي جاء بها محمد الأمين عليه السلام ما تخبرنا إلا بأن النجاة مدارها ليس إلا على العمل الصالح كما قال الله عز وجل في كتابه: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم} [سورة يونس الآية9].
وقال سبحانه وتعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله، الله غفور رحيم} [سورة البقرة الآية 218].
مسألة البداء
سادساً: - وكانت من الأفكار التي روجها اليهود وعبد الله بن سبأ "إن الله يحصل له البداء" أي النسيان والجهل، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
فالكليني محدث الشيعة بوب باباً مستقلاً في الكافي بعنوان "البداء" وروى تحت هذا الباب عدة روايات عن أئمته "المعصومين" كما يزعم، ومنها.
عن الريان بن الصلت قال: سمعت الرضا (علي بن موسى – الإمام الثامن عندهم -) يقول: ما بعث الله نبياً قط إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء" ["الكافي في الأصول" كتاب التوحيد، باب البداء ص148 ج1 ط إيران].(4/42)
وما هو "البداء"؟ تفسره رواية أخرى يرويها أيضاً "عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وأني لا فكر في نفسي أريد أن أقول كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل بن جعفر بن محمد، وأن قصتهما كقصتهما إذ كان أبو محمد المرجأ بعد أبي جعفر فأقبل على أبو الحسن عليه السلام قبل أن أنطق فقال: نعم يا أبا هاشم بد الله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون، وأبو محمد ابني الخلف من بعدي وعنده علم ما يحتاج إليه، ومعه آلة الإمامة" [أيضاً كتاب الحجة ص327 ج1].
وذكر النوبختي "أن جعفر بن محمد الباقر نص على إمامة إسماعيل ابنه وأشار إليه في حياته، ثم أن إسماعيل مات وهو حي فقال: ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني" ["فرق الشيعة للنوبختي" ص84 ط النجف].
فقد تثبت هذه الروايات معنى "البداء" بأنه علم ما لم يكن يعلمه الله قبله، وهذا ما يعتقده الشيعة في الله حيث أن الله يبين عن علمه بقوله على لسان موسى عليه السلام {لا يضل ربي ولا ينسى} [سورة طه الآية 52].
ووصف نفسه بقوله: {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة} [سورة الحشر الآية 22].
وبقوله: {قد أحاط بكل شيء علماً} [سورة التحريم الآية 12].
ولكن الشيعة بعكس ذلك لا يعتقدون في الله ذاك فحسب بل ويمجدون من يعتقد في الله معتقدهم الباطل – فيروي الكليني عن جعفر أنه قال: يبعث عبد المطلب أمة وحده، عليه بهاء الملوك، وسيماء الأنبياء، وذلك أنه أول من قال بالبداء" ["الكافي في الأصول" كتاب الحجة ص283 ج1 ط الهند].
عقيدة الرجعة(4/43)
ومنها – أي من العقائد المدسوسة عقيدة الرجعة، فالشيعة من بكرة أبيهم يعتنقون بها، فكل من قرأ كتبهم وعرف مذهبهم يعرف ويعلم هذا عنهم فإنهم ما قالوا بإمامة أحد من علي إلى ابن الحسن العسكري الموهوم إلا واعتقدوا رجوعه بعد موته.
معتقدهم في أئمتهم
ومنها – جعلهم أئمتهم فوق البشر، وفوق الأنبياء والرسل، بل آلهة يعلمون أعمار الناس وآجالهم، ولا يخفى عليهم خافية، ويملكون الدنيا كله، ويغلبون على جميع الخلق، ويرتعد الكون من هيبتهم وشدة بأسهم، يدين لهم الملائكة كما دان لهم الأنبياء والرسل، ولا يضاهيهم أحد، فلنذكر بعض النصوص للقاري كي يعرف عقيدة القوم من كتبهم هم.
الأئمة يعلمون الغيب
فيروي الكليني كبير الشيعة ومحدثهم في صحيحه "الكافي" تحت باب "إن الأئمة إذا شاء أن يعلموا علموا" عن جعفر أنه قال: إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم" ["الكافي في الأصول" كتاب الحجة ص258 ج1 ط إيران].
وروى تحت باب "إن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم" عن أبي بصير عن جعفر بن الباقر أنه قال: - أي إمام لا يعلم ما يغيبه [أفبعد هذا تقول أيها الصافي! أن الخطيب افترى علىالشيعة بأنهم يثبتون لأئمتهم علم الغيب، فمن هو المفتري، أنت أو الخطيب؟ فلتكن منصفاً وعادلاً، أما كان الخطيب صادقاً في قوله: أن الشيعة يدعون لأئمتهم الاثني عشر ما لا يدعيه هؤلاء الأئمة لأنفسهم من علم الغيب وأنهم فوق البشرية. وأيضاً "قد سجل الكليني نعوتاً وأوصافاً للأئمة الاثني عشر، رفعهم من منزلة البشر إلى منازل معبودات اليونان في العصور الوثنية – الخطوط العريضة ص15 ط6] وإلى ما يصير فليس ذلك بحجة الله على خلقه" ["الكافي في الأصول" كتاب الحجة ص285 ج1 إيران].
الغلو في الأئمة(4/44)
ورفعوا أئمتهم فوق الأنبياء والرسل، وجعلوهم كسيد المرسلين وحتى فضلوهم عليه حيث رووا هذه الرواية المكذوبة على علي رضي الله عنه، عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراً ما يقول أنا قسيم الله بين الجنة والنار. . . .ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل – عياذاً بالله – بمثل ما أقروا لمحمد صلى الله عليه وآله. . . .ولقد حملت مثل حمولته وهي حمولة الرب، وأن رسول الله يدعى فيكسي وادعى فاكسي. . .ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي، علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني، أبشر بإذن الله وأودي عنه" [أيضاً ص196 و197 ج1 ط إيران].
وثم هذه الخصال ليست بخاصة لعلي رضي الله عنه فقط بل يزعمون أن الأئمة الاثني عشر كلاً منهم متصف بمثل هذه الأوصاف.
فيروي الكليني عن عبد الله بن جندب أنه كتب إليه علي بن موسى – الإمام الثامن عندهم – أما بعد. . . فنحن أمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق، وأن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق" ["الكافي في الأصول" كتاب الحجة ص223 ج1 ط إيران].
وزيادة على هذا افتروا على محمد الباقر أنه قال: قال علي رضي الله عنه: ولقد أعطيت الست، علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب، وإني لصاحب الكبرات ["أي الرجعات إلى الدنيا" كما فسره علي أكبر الغفاري محشي الكافي الشيعي] ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والمبسم، والدابة التي تكلم الناس" ["الكافي في الأصول" ص198 ج1 ط إيران].
هذا مع أن الله عز وجل قال في محكم كتابه: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} [سورة النمل الآية 65].
وقال جل مجده: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} [سورة الأنعام الآية 59].(4/45)
وأمر رسوله الكريم بأن يقر ويعترف ويعلن أنه لا يعلم الغيب بقوله: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم أني ملك" [سورة الأنعام الآية 50].
وبقوله: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء، إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} [سورة الأعراف الآية 188].
وقال جل وعلا: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير} [سورة لقمان الآية 34].
وقال الرب تبارك وتعالى في المنافقين مخاطباً نبيه سلام الله وصلواته عليه: {وممن حولكم من الأعراب منافقون، ومن أهل المدينة مردوا على النفاق، لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم} [سورة التوبة الآية 101].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين الذين استأذنوه في القعود عن غزوة تبوك: عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} [سورة التوبة الآية 42].
فهذا ما قال الله عز وجل وتلك ما اختلقتها اليهودية وروجتها، فإن الله يصرح في كتابه المجيد أن أحداً من الخلق حتى الرسل وسيد المرسلين لا يعلم الغيب، والقوم يقول أن الأئمة لا تخفى عليهم خافية.
والله ينفي عن إمام النبيين أنه لا يملك حتى لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، وهم يجعلون علياً قسيم الجنة والنار، ويرفعون الشيعة على منزلة حتى أخذ لهم الميثاق من النبيين والمرسلين.
وأن الرب تبارك وتعالى خص لنفسه علم الساعة، ونزول الغيث، ووقت الموت، ومحله، لكن الشيعة أعطوا هذه الخصائص لأئمتهم، كما أن الله نفى عن سيد الخلق أنه لا يعرف ولا يعلم المنافقين من المؤمنين، ولكنهم يقولون أن الأئمة يعرفون حقيقة الرجل من حيث إيمانه ونفاقه.(4/46)
فانظر إلى دين الله الذي أنزله على نبيه محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ودين القوم الذين آمنوا بما أوحت وأوعزت إليهم اليهودية والمجوسية، وانظر الفرق والتباعد بينهما.
ثم الشيعة لم يكتفوا بهذا فحسب بل صرحوا بإهانة الأنبياء والمرسلين، وتمجيد الأئمة، ورفعهم هؤلاء على أولئك.
فيروي الكليني عن يوسف التمار أنه قال: كنا مع أبي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر فقال (أبو عبد الله) : علينا عين (جاسوس) فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحداً، فقلنا: ليس علينا عين، فقال: ورب الكعبة ورب البنية – ثلاث مرات – لو كنت بين موسى والخضر عليها السلام لأخبرتهما أني أعلم منهما، ولأنبئتهما بما ليس في أيديهما لأن موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان، ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة" ["الكافي في الأصول" ص261 ج1 ط إيران].
وعنه أنه قال: "إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنة وما في النار، وأعلم ما كان وما يكون" ["الكافي في الأصول" باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وأنه لا يخفى عليهم الشيء، ص261 ج1 ط إيران].
فهل رأيت الكذب والإهانة الصريحة أكبر من هذا، نعم هناك الكذب والإهانات أكبر وأكبر منها بكثير، فهم وضعوا روايات كاذبة في الغلو لأئمتهم، وفضلوهم على أنبياء الله ورسله، كما نقل عن جعفر أنه كان يفضل نفسه على الخضر وعلى موسى عليهما السلام، فقد ورد عنهم أيضاً أنهم كانوا يفضلون أئمتهم حتى وعلى خاتم النبيين وإمام المرسلين.
فيروي صاحب البصائر عن أبي حمزة أنه قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إن منا لمن ينكت في أذنه، وإن منا لمن يؤتى في منامه، وإن منا لمن يسمع الصوت مثل صوت السلسلة يقع في الطست، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرئيل وميكائيل" ["بصائر الدرجات" باب7 ج5 ط إيران].(4/47)
ورووا عن أبي رافع وهو يحدث عن فتح خيبر – إلى أن قال: فمضى علي وأنا معه، فلما أصبح افتتح ووقف بين الناس وأطال الوقوف، فقال الناس: إن علياً يناجي ربه" فلما مكث ساعة أمر بانتهاب المدينة التي فتحها، قال أبو رافع: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله، فقلت إن علياً وقف بين الناس كما أمرته، قال: منهم من يقول إن الله ناجاه، فقال: نعم يا أبا رافع إن الله ناجاه يوم الطائف، ويوم عقبة تبوك، ويوم حنين" [أيضاً باب 16 ج8].
وأيضاً عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله لأهل الطائف: لأبعثن إليكم رجلاً كنفسي يفتح الله به الخيبر، سيفه سوطه، فشرف الناس له، فلما أصبح ودعا علياً فقال اذهب بالطائف، ثم أرم الله النبي أن يرحل إليها بعد أن رحل علي، فلما صار إليها كان علي على رأس الجبل، فقال له رسول الله اثبت فسمعنا مثل صرير الزجل، فقيل يا رسول الله ما هذا؟ قال: إن الله يناجي علياً" [أيضاً باب16 ج8].
فعجباً عجباً على القوم، كيف وقعوا في الضلالة حتى تدرجوا إلى إنكار ختم النبوة على محمد صلى الله عليه وسلم بانقطاع الوحي الإلهي عن الأرض حيث يثبتون نزول الملائكة أكبر من جبرئيل وميكائيل على أئمتهم، ولأجل ذلك صرحوا بتفضيل الأئمة على الأنبياء.
فها هو السيد نعمة الله الجزائري يذكر في كتابه: اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم في أشرفية نبينا على سائر الأنبياء للأخبار المتواترة، وإنما الخلاف بينهم في أفضلية أمير المؤمنين (علي) والأئمة الطاهرين على الأنبياء ما عدا جدهم، فذهب جماعة إلى أنهم أفضل باقي الأنبياء ما خلا أولي العزم، فهم أفضل من الأئمة، وبعضهم إلى مساواتهم، وأكثر المتأخرين إلى أفضلية الأئمة على أولي العزم وغيرهم، وهو الصواب" ["الأنوار النعمانية" للسيد نعمة الله الجزائري].(4/48)
وأما القول "ما خلا جدهم" فليس إلا تكلفاً محضاً وإلا فهم يعدونهم حمى وأفضل منه، كما نقلنا من كتبهم وكما ذكر الملا محمد باقر الملجسي في كتابه "بحار الأنوار" كذباً على النبي عليه السلام بأنه قال لعلي: يا علي أنت تملك ما لا أملك، ففاطمة زوجك وليس لي زوج مثلها، ولك منها ابنان ليس لي مثلاهما، وخديجة أم زوجك وليس لي رحيمة مثلها، وأنا رحيمك فليس لي رحيم مثل رحيمك، وجعفر أخوك من النسب وليس مثل جعفر أخي، وفاطمة، الهاشمية، المهاجرة أمك، وأنى لي أم مثلها" ["بحار الأنوار" كتاب الشهادة ص511 ج5 ط إيران].
وروى شيخهم المفيد [هو محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي الملقب بالمفيد من أعيان الشيعة في القرن الخامس] عن حذيفة قال قال النبي : أما رأيت الشخص الذي اعترض لي: قلت: بلى يا رسول الله، قال: ذاك ملك لم يهبط قط إلى الأرض قبل الساعة، استأذن الله عز وجل في السلام على علي، فأذن له فسلم عليه" ["الأمالي" للمفيد، المجلس الثالث ص21، الطبعة الثالثة بمطبعة الحيديرية، النجف، العراق].
فانظر أكاذيب القوم وغلوهم في أئمتهم حتى لا يبالون بتصغير شأن النبي، سيد الكونين، ورفعهم أئمتهم عليه.
وهناك رواية موضوعة أخرى رواها المفيد أيضاً "عن أبي غسحاق عن أبيه قال: بينما رسول الله جالس في جماعة من أصحابه غذ أقبل علي بن أبي طالب (ع) نحوه، فقال رسول الله نم أراد أن ينظر إلى أدم في خلقه.
وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه فلينظر إلى علي بن أبي طالب" ["الأمالي" للشيخ المفيد، المجلس الثاني ص15 و16 ط النجف].(4/49)
وحينما كان علي وأولاده على هذه المنزلة كما أوحى إليهم الشيطان فما كان لهم ألا يجعلوهم ملاك الأرض والآخرة أيضاً. وفعلاً جعلوا لهم هذا كما روى الكليني في صحيحه تحت باب "إن الأرض كلها للإمام" عن أبي عبد الله أنه قال: إن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشأ" ["الكافي في الأصول" ص409 ج1 ط إيران].
وروى أيضاً عن عبد الرحمن بن كثير عن جعفر بن الباقر أنه قال: نحن ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وعيبة وحي الله" ["الكافي في الأصول" ص192 ج1 ط إيران].
وعن الباقر أنه قال: نحن خزان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء من فوق الأرض" ["الكافي في الأصول" ص192 ج1 ط إيران].(4/50)
ولرفعهم فوق البشرية اختلقوا فيهم روايات باطلة، وقصصاً كاذبة، وأساطيراً مضحكة، حتى لا يبقى بينهم وبين الألوهية أي فرق، ومنها ما رواها الجزائري عن البرسي بقوله: روى البرسي في كتابه لما وصف وقعة خيبر، وأن الفتح فيها كان على يد علي رضي الله عنه، إن جبرئيل جاء إلى رسول الله مستبشراً بعد قتل مرحب، فسأله النبي عن استبشاره، فقال: يا رسول الله إن علياً لما رفع السيف ليضرب به مرحباً، أمر الله سبحانه إسرافيل وميكائيل أن يقبضا عضده في الهواء حتى لا يضرب بكل قوته، ومع هذا قسمه نصفين وكذا ما عليه من الحديد وكذا فرسه ووصل السيف إلى طبقات الأرض، فقال لي الله سبحانه يا جبرئيل بادر إلى تحت الأرض، وامنع سيف علي عن الوصول إلى ثور الأرض حتى لا تقلب الأرض، فمضيت فأمسكته، فكان على جناحي أثقل من مدائن قوم لوط، وهي سبع مدائن، قلعتها من الأرض السابعة، ورفعتها فوق ريشة واحدة من جناحي إلى قرب السماء، وبقيت منتظراً الأمر إلى وقت السحر حتى أمرني الله بقلبها، فما وجدت لها ثقلاً كثقل سيف علي،. . . وفي ذلك اليوم أيضاً لما فتح الحصن وأسروا نسائهم كانت فيهم صفية بنت ملك الحصن فأتت النبي وفي وجهها أثر شجة، فسألها النبي عنها، فقالت أن علياً لما أتى الحصن وتعسر عليه أخذه، أتى إلى برج من بروجه، فنهزه فاهتز الحصن كله وكل من كان فوق مرتفع سقط منه، وأنا كنت جالسة فوق سريري فهويت من عليه فأصابني السرير، فقال لها النبي يا صفية إن علياً لما غضب وهز الحصن غضب الله لغضب علي فزلزل السماوات كلها حتى خافت الملائكة ووقعوا على وجوههم، وكفى به شجاعة ربانية، وأما باب خيبر فقد كان أربعون رجلاً يتعاونون على سده وقت الليل ولما دخل (علي) الحصن طار ترسه من يده من كثرة الضرب، فقلع الباب وكان في يده بمنزلة الترس يتقاتل فهو في يده حتى فتح الله عليه" ["الأنوار النعمانية" للسيد نعمة الله الجزائري].(4/51)
وهل يا ترى أينقصه بعد ذلك شيء من الألوهية، فهذا هو القوم، وهذه عقائدهم، أعاذنا الله منها ومنهم، وصدق الله عز وجل حيث قال: {يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون}.
الباب الثاني
الشّيعة والقرآن
من أهم الخلافات التي تقع بين السنة والشيعة هو اعتقاد أهل السنة كجميع طوائف المسلمين بأن القرآن المجيد الذي أنزله الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو الكتاب الأخير المنزل من عند الله إلى الناس كافة وأنه لم يتغير ولم يتبدل وليس هذا فحسب بل إنه لن يتغير ولن يتحرف إلى أن تقوم الساعة، وهو الموجود بين دفتي المصاحف لأن الله قد ضمن حفظه وصيانته نم أي تغيير وتحريف وحذف وزيادة على خلاف الكتب المنزلة القديمة، السالفة، من صحف إبراهيم وموسى، وزبور وإنجيل وغيرها، فإنها لم تسلم من الزيادة والنقصان بعد وفاة الرسل، ولكن القرآن حينما أنزله سبحانه وتعالى قال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [سورة الحجر الآية9]. وقال: {إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه} [سورة القيامة الآية 17، 18، 19]. وقال: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [سورة حم السجدة الآية42].
وإن عدم الإيمان بحفظ القرآن وصيانته يجر إلى إنكار القرآن وتعطيل الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه حينذاك يحتمل في كل آية من آيات الكتاب الحكيم أنه وقع فيها تبديل وتحريف، وحين تقع الاحتمالات تبطل الاعتقادات والإيمانيات، لأن الإيمان لا يكون إلا باليقينيات وأما بالظنيات والمحتملات فلا.
وأما الشيعة فإنهم لا يعتقدون بهذا القرآن الكريم الموجود بأيدي الناس، والمحفوظ من قبل الله العظيم، مخالفين جميع الفرق المسلمة، والمذاهب الإسلامية،ومنكرين لجميع النصوص الصحيحة الواردة في القرآن والسنة، ومعارضين كل ما يدل عليه العقل والمشاهدة، مكابرين للحق وتاركين للصواب.(4/52)
فهذا هو الاختلاف الحقيقي الأساسي بين السنة والشيعة، أو بالتعبير الصحيح بين المسلمين والشيعة [ولقد كان الشيخ السيد محب الدين الخطيب صادقاً في رسالته "الخطوط العرفة" حين قال: وحتى القرآن الذي كان ينبغي أن يكون المرجع الجامع لنا ولهم على التقارب والوحدة، هم لا يعتقدون بذاك "ثم ذكر بعض الأمثلة من صفحة 9 إلى 16 التي تدل على أن الشيعة لا يعتقدون القرآن الذي في أيدينا وأيدي الناس بل يظنونه محرفاً، مغيراً وناقصاً. وقد رد عليه لطف الله الصافي في كتابه "مع الخطيب في خطوطه العريضة" من ص 48 إلى ص 82 بحماس وشدة وأنكر اعتقاد الشيعة بتحريف القرآن وتغييره إنكاراً لا يستند إلى دليل وبرهان. فأولاً:– ما استطاع الشيخ الشيعي "لطف الله الصافي" أن ينكر ما ذكره بالخطيب من نصوص الشيعة الدالة على التحريف والتغيير في القرآن، كما لم يستطع إنكار كتاب الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي ومرتبته وشأنه عند الشيعة، بل قد اعترف بتضلعه في الحديث وعلو مقامه عندهم. ثانياً:– ذكر الصافي نفسه بعض العبارات في كتابه التي هي بمنزلة الاعتراف باعتقاد الشيعة بالتحريف في الكتاب المبين. ثالثاً:– التجأ الشيخ الشيعي أخيراً إلى أنه لا ينبغي أن يثار مثل هذا الموضوع لأنه يعطى سلاحاً في أيدي المستشرقين للرد على المسلمين بأن القرآن الذي يدعونه محفوظاً مصوناً قد وقع فيه الخلاف أيضاً مثل التوراة والإنجيل – فقوله هذا، ليس إلا إقراراً واعترافاً بالجريمة، وإلا فالمسألة واضحة كما سيجيء مفصلاً إن شاء الله رابعاً:- أن الصافي لم يورد في مبحثه حول القرآن رواية من الاثني عشر – المعصومين عندهم – تدل وتنص على اعتقادهم بعدم التحريف في القرآن بخلاف الخطيب فإنه ذكر روايتين عن الاثنين منهم، تصرح بأن القرآن وقع فيه التغيير والتحريف – وها نحن ذاكرون عديداً من الأحاديث والروايات من كتبكم أنتم أيها الصافي! التي لا تقبل الشك في أن الشيعة(4/53)
اعتقادهم في القرآن هو كما ذكره الخطيب رحمه الله ولا تنكرونه إلا تقية وخداعاً للمسلمين]. لأنه لا يكون الإنسان مسلماً إلا باعتقاده أن القرآن هو الذي بلّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين بأمر من الله عز وجل.
وإنكار القرآن ليس إلا تكذيباً بالرسول.
وها هي النصوص التي تدل على عقيدة الشيعة بالقرآن، فيروي المحدث الشيعي الكبير الكليني الذي هو بمنزلة الإمام البخاري عند المسلمين. في "الكافي في الأصول": عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبرئيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله سبعة عشر آلف آية" ["الكافي في الأصول" كتاب فضل القرآن، باب النوادر ص634 ج2 ط طهران 1381ه].
والمعروف أن آيات القرآن لا تتجاوز ستة آلاف آية إلا قليلاً، وقد ذكر المفسر الشيعي أبو علي الطبرسي في تفسيره تحت آية من سورة الدهر "جميع آيات القرآن ستة آلاف آية ومائتا آية وست وثلاثون آية" [تفسير "مجمع البيان" للطبرسي ص406 ج10 ط طهران 1374ه].(4/54)
ومعنى هذا أن الشيعة فقد عندهم ثلثا القرآن، وتنص على هذا رواية الكافي أيضاً "عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت: جعلت فداك إني أسألك عن مسألة، أهاهنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله ستراً بينه وبين بيت آخر، فاطلع فيه ثم قال: سل عما بدا لك، قال: قلت إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله علّم علياً باباً يفتح منه ألف باب؟ قال فقال: علّم رسول الله صلى الله عليه وآله علياً ألف باب يفتح من كل باب ألف باب، قال قلت: هذا والله العلم، قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك، قال: يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟ قال قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله، وإملائه من فلق فيه، وخطّ علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدس، وضرب بيده إلي، فقال لي: تأذن يا أبا محمد؟ قال قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا، كأنه مغضب، قال قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر؟ قال قلت: وما الجفر؟ قال وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذي مضوا من بني إسرائيل، قال قلت: إن هذا هو العلم، قال إنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال قلت: وما مصحف فاطمة؟: قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد" الخ ["الكافي في الأصول" كتاب الحجة، باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة، ص239 و240 و241 ج1 ط طهران].(4/55)
فيصرف النظر عما فيها من السخافات والخرافات والأباطيل التي تبتني عليها عقائد الشيعة صرح في هذه الرواية أن ثلاثة أرباع القرآن قد حذف وأسقط من المصحف الموجود، المعتمد عليه عند المسلمين قاطبة سوى الشيعة. فماذا يقول الشيعة المتظاهرون بالإنكار على من قال بالتحريف في القرآن – تقية وخداعاً للمسلمين – ماذا يقولون في هاتين الروايتين اللتين يرويهما محمد بن يعقوب الكليني، الذي له لقاء مع سفراء صاحب الأمر "المهدي المزعوم" في كتابه "الكافي الذي عرض بوساطة السفراء على "صاحب الأمر" ونال رضاه، ووجد زمان الغيبوبة الصغرى؟
ماذا يقولون في هذا وماذا يقول فيه المنصفون من الناس؟
من المجرم أيها السادة العلماء والفضلاء! ومن صاحب الجريمة؟
الذي يرتكب الجريمة ويكتسب العار، أو الذي يدل على الجريمة أنها ارتكبت، وعلى الفضيحة بأنها اكتسبت؟ والرواية ليست واحدة واثنتين بل هناك روايات وأحاديث عن الشيعة تدل وتخبر بأن القرآن عندهم غير محفوظ من التغيير والتبديل، وليس هذا القرآن الموجود قرآن الشيعة، بل هذا القرآن عندهم مختلق بعضه ومحرف بعضه، فانظر ما يرويه الشيعة عن أبي جعفر فيقول صاحب "بصائر الدرجات" حدثنا علي بن محمد عن القاسم بن محمد بن سليمان بن داؤد عن يحيى بن أديم عن شريك عن جابر قال قال أبو جعفر: دعا رسول الله أصحابه بمنى فقال: يا أيها الناس إني تارك فيكم حرمات الله، كتاب الله وعترتي والكعبة، البيت الحرام، ثم قال أبو جعفر: أما كتاب الله فحرفوا، وأما الكعبة فهدموا، وأما العترة فاقتلوا، وكل ودايع الله فقد تبروا" ["بصائر الدرجات" الجزء الثامن، الباب السابع عشر ط إيران 1285ه].(4/56)
وهل هناك أكثر من هذا؟ نعم هناك أكثر من هذا وأصرح وهو ما يرويه الكليني في الكافي "أن أبا الحسين موسى عليه السلام كتب إلى علي بن سويد وهو في السجن: ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك ولا تحبن دينهم فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم، وهل تدري ما خانوا أماناتهم؟ ائتمنوا على كتاب الله، فحرفوه وبدلوه" ["الكافي" "كتاب الروضة" ص125 ج8 طهران وص61 ط الهند].
ومثل هذه الرواية، رواية أبي بصير كما رواها الكليني "عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له: قول الله عز وجل {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق} قال فقال: إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله هو الناطق بالكتاب قال الله جل ذكره "هذا كتابنا ينطق (بصيغة المجهول) عليكم بالحق، قال قلت جعلت فداك، إنا لا نقرأها هكذا، فقال: هكذا والله نزل به جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله ولكنه فيما حرف من كتاب الله" [كتاب "الروضة من الكافي" ص50 ج8 ط طهران وص25 ج1 ط الهند].
ويروي صدوق الشيعة ابن بابويه القمي في كتابه "حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي قال حدثنا عبد الله بن بشر قال حدثنا الأجلح عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون، المصحف، والمسجد، والعترة، يقول المصحف: يا رب حرقوني ومزقوني" الخ [كتاب "الخصال" لأن بابويه القمي ص83 ط إيران 1302ه].
وينقل المفسر الشيعي المعروف الشيخ محسن الكاشي عن المفسر الكبير الذي هو من مشائخ المفسرين عند الشيعة "أنه ذكر في تفسيره عن أبي جعفر عليه السلام قال: لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص ما خفي حقنا على ذي حجى – ولو قد قام قائمنا صدقه القرآن" [تفسير "الصافي" للمحسن الكاشي، المقدمة السادسة ص10 ط طهران].
من حرّف القرآن وغيّره؟(4/57)
وأصرح من ذلك كله ما رواه الطبرسي في كتابه "الاحتجاج" المعتمد عليه عند جميع الشيعة ما يدل على اعتقاد الشيعة حول القرآن وما يكنونه من الحقد على عظماء الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين رضي الله عنهم وأرضاهم عنه، فيقول المحدث الشيعي: وفي رواية أبي ذر الغفاري أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله، جمع علي القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار، وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي! اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علي عليه السلام وانصرف، ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئاً للقرآن، فقال له عمر: إن علياً جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه من فضيحة وهتك المهاجرين والأنصار، فجاء به زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت نم القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟– قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحليلة، فقال عمر: ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك – فلما استخلف عمر، سألوا علياً عليه السلام أن يرفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال عمر: يا أبا الحسن! إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال: هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة {إنا كنا عن هذا غافلين} أو تقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟ فقال عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه" ["الاحتجاج" للطبرسي ص76 و77 ط إيران 1302ه].(4/58)
فأين المنصفون؟ وأين العادلون؟ وأين القائلون بالحق والصدق؟ فإن كان عمر هكذا كما يزعمه الشيعة، فمن يكون أميناً، صادقاً، محافظاً على القرآن والسنة من صحابة الرسول عليه السلام.
فماذا يقول فيه دعاة التقريب من الشيعة في بلاد السنة؟
وماذا يقول فيه المتشدقون بوحدة الأمة واتحادها؟ أتكون الوحدة على حساب عمر وأصحاب رسول الله البررة، الأمناء على تبليغ الرسالة، رسالة رسول الله، الأمين، والناشرين لدعوته، والرافعين لكلمته، والمجاهدين في سبيل الله، والعاملين لأجليه؟
وهل من أهل السنة واحد يعتقد ويظن في علي رضي الله عنه وأولاده ما يعتقده الشيعة في زعماء الملة، الحنيفية، البيضاء، وخلفائه الراشدين الثلاثة، أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ومن والاهم وتبعهم إلى يوم الدين، فما معنى لهذا الشعار "أيها المسلمون! {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.
هل يقصد به أن نترك عقائدنا ونغمض عن أعراض أسلافنا التي تنتهك من قبل "إخواننا" الشيعة، ونصفح عن جراحات أكلت قلوبنا وأقلقت مضاجعنا.
أهذه هي دعوة التقريب بين الشيعة وأهل السنة بأن نكرمكم وتهينونا، ونعظمكم وتذلونا، ونسكت عنكم وتسبونا، ونحترم أسلافكم وتحتقروا أسلافنا، ونحتاط في أكابركم وتخوضوا في أكابرنا، ونجتنب الكلام في علي وأولاده وتشتموا أبا بكر وعمر وعثمان وأولادهم، فوربك تلك إذاً قسمة ضيزى.
ومثل تلك الرواية المكذوبة على الأئمة التي رواها الطبرسي في "الاحتجاج" توجد رواية أخرى في بخاريهم "الكافي" عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: رفع إليّ أبو الحسن عليه السلام مصحفاً وقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه {لم يكن الذين كفروا} فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال: فبعث إلي ابعث إليّ بالمصحف" ["الكافي في الأصول" كتاب فضل القرآن ص631 ج2 ط طهران ص62 ط الهند].(4/59)
وذكر كمال الدين ميسم البحراني في شرح نهج البلاغة مطاعن الشيعة على ذي النورين، عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وفيها "أنه جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف، وأبطل ما لا شك أنه من القرآن المنزل" ["شرح نهج البلاغة لميسم البحراني" ص1 ج11 ط طهران].
وقال السيد نعمة الله الحسيني في كتابه "الأنوار" : قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين" ["الأنوار النعمانية في بيان معرفة النشأة الإنسانية" للسيد نعمة الله الجزائري].
ويؤيد هذه الرواية ذلك الحديث الشيعي المشهور، الذي رواه محمد بن يعقوب الكليني عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة بعده" ["الكافي في الأصول" كتاب الحجة، باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة، ص228 ج1 ط طهران].
من عنده المصحف ؟
فأين ذلك المصحف الذي أنزله الله على محمد والذي جمعه وحفظه علي بن أبي طالب؟ – يجيب على ذلك الحديث الشيعي الذي يرويه أيضاً الكليني "عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله – عليه السلام وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأه الناس، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأه الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حدة، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام، وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله، قد جمعته من اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً إنما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه" ["الكافي في الأصول" ص533 ج2 ط طهران].(4/60)
فلأجل ذلك يعتقد الشيعة أن مهديهم المزعوم الذي دخل في السرداب ولم يزل هناك، دخل ومعه ذلك المصحف ويخرجه عند خروجه من ذلك السرداب الموهوم كما يذكر شيخ الشيعة أبو منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي المتوفي سنة 588ه في كتابه "الاحتجاج على أهل اللجاج" الذي قال عنه في مقدمته معرفاً للروايات التي سرد فيه "ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إما لوجود الإجماع عليه أو موافقته لما دلّت العقول إليه، أو لاشتهاره في السير والكتاب بين المخالف والموالف" ["الاحتجاج للطبرسي" مقدمة الكتاب].
يذكر في هذا الكتاب "أن الإمام المهدي المزعوم حينما يظهر: يكون عنده سلاح رسول الله، وسيفه ذو الفقار ---- ولا أدري ماذا يفعل بهذا السلاح في زمن الصواريخ والقنابل الذرية --- بالله خبروا؟ --- وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة، ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً، فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر، وهو إهاب كبش فيه جميع العلوم حتى أرش الخدش وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام" ["الاحتجاج على أهل اللجاج" ص223 ط إيران 1302ه].
وقد مر ذكره قبل ذلك أيضاً حيث قال علي فيما يزعمون "إذا قام القائم من ولدي".
وورد أيضاً في الكافي ما رواه الكليني بسنده "عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له: جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال: لا أقرؤها كما تعلمتم فيجيئكم من يعلمكم" ["الكافي في الأصول" باب أن القرآن يرفع كما أنزل ص619 ج2 ط طهران ص664 ط الهند].(4/61)
ومثل هذه الرواية يذكرها السيد نعمت الله الحسيني الجزائري المحدث الشيعي وهو تلميذ لعلامة الشيعة محسن الكاشي مؤلف التفسير الشيعي المعروف بالصافي، يذكرها في كتابه "الأنوار النعمانية في بيان معرفة نشأة الإنسانية" الذي أكمل تسويده في شهر رمضان سنة 1089ه والذي قال عنه في مقدمته "وقد التزمنا أن لا نذكر فيه إلا ما أخذنا عن أرباب العصمة الطاهرين عليهم السلام، وما صح عندنا من كتب الناقلين، فإن كتب التاريخ أكثرها قد نقله الجمهور من تواريخ اليهود ولهذا كان أكثر فيها الأكاذيب الفاسدة والحكايات الباردة" ["الأنوار للجزائري" مقدمة الكتاب].
فيقول المحدث الشيعي الجزائري في هذا الكتاب قد ورد في الأخبار أنهم (أي الأئمة) أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان، فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين، فيقرأ ويعمل بأحكامه" [الأنوار للجزائري].
فهذه هي عقيدة الشيعة كاد أن يتفق عليها أسلافهم سوى رجال معدودين لا عبرة بهم، وهم ما أنكروا هذه العقيدة إلا لأهداف سنذكرها فيما بعد.
وأيضاً إنكارهم ليس بقائم على دليل وبرهان لأنهم لم يستطيعوا أن يردوا هذه الأخبار والأحاديث المستفيضة عند الشيعة كما يذكر العلامة الشيعي حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه المشهور "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" ناقلاً عن السيد نعمة الله الجزائري" أن الأخبار الدالة على ذلك (أي على التحريف في الكتاب الحكيم) تزيد على ألفي حديث، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد، والمحقق الدماد، والعلامة المجلسي وغيرهم" ["فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" للنوري الطبرسي ص227 ط إيران 1298ه].(4/62)
ونقل أيضاً عن الجزائري "أن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن" ["فصل الخطاب" ص30].
وذكر مثل هذا المفسر الشيعي المعروف محسن الكاشي حيث قال: المستفاد من مجموع هذه الأخبار وغيرهم من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير، محرف، وأنه قد حذف عنه أشياء كثيرة . . . . وأنه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله" ["تفسير الصافي"، المقدمة السادسة].
ويقول علي بن إبراهيم القمي أقدم المفسرين للشيعة، وقد قال فيه النجاشي (الرجالي المعروف) : ثقة في الحديث ثبت، معتمد، صحيح المذهب "--- وقد قيل في تفسيره "أنه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام" "قال هذا المفسر الشيعي في مقدمة تفسيره: فالقرآن منه ناسخ ومنسوخ، ومنه محكم ومنه متشابه . . . ومنه على خلاف ما أنزل الله ["تفسير القمي" مقدمة الكتاب ص5 ج1 ط نجف 1386ه].
وقال عالم شيعي الذي علق على تفسير القمي ذاكراً أقوال العلماء في تحريف القرآن "ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين، المتقدمين منهم والمتأخرين، القول بالنقيصة كالكليني، والبرقي، والعياشي، والنعماني، وفرات بن إبراهيم، وأحمد بن أبي طالب الطبرسي، والمجلسي، والسيد الجزائري، والحر العاملي، والعلامة الفتوني، والسيد البحراني، وقد تمسكوا في إثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الإغماض عليها" ["مقدمة تفسير القمي" للسيد طيب الموسوي ص23 و24].(4/63)
فتلك بعض الروايات والأحاديث المروية من أئمة الشيعة المنسوبة إلى المعصومين عندهم، الصحيحة النسبة والرواية حسب قولهم، المروية في صحاحهم، المعتمدة عندهم، وهذه بعض الآراء لأكابريهم في هذه المسألة، وهناك روايات لا تعد ولا تحصى حتى زادت على ألفي حديث ورواية كما ذكره الميرزا نوري الطبرسي --- وبعد هذا لا يبقى مجال للشك بأن الشيعة يعتقدون التحريف في القرآن الحكيم الذي أنزله الله هدى ورحمة للمؤمنين، وللتفكر والتدبر للناس كافة، والذي قال فيه: {ذلك الكتاب لا ريب فيه} [سورة البقرة الآية1]. و {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [سورة حم السجدة" الآية42] و {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [سورة الحجر الآية9] و {إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه} [سورة القيامة الآية 17 و18 و19] و {أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} [سورة هود الآية1] و {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل عليك من ربك} [سورة المائدة الآية67] و {وما هو على الغيب بضنين} [سورة التكوير الاية24] و {وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً} [سورة بني إسرائيل الآية106] و {إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} [سورة آل عمران الآية13] و {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [سورة محمد24].
وصدق الله العظيم {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [سورة بني إسرائيل الآية9].
أمثلة التحريف(4/64)
بعد ما أثبتنا من كتب الشيعة المعتمدة عندهم أنهم يعتقدون أن القرآن المبين محرّف، مغير فيه، نسرد للقارئ والباحث أمثلة من الكتب الشيعية، المعتبرة لديهم، في الحديث، والتفسير، والفقه، والعقائد، التي تنص على أن التحريف والتغيير قد وقع في القرآن المجيد، والروايات عن هذا أيضاً مروية عن الأئمة المعصومين حسب زعمهم، الواجب اتباعهم وإطاعتهم على كل شيعي، والتي لا غبار عليها من حيث الجرح والتعديل، فمنها ما رواه الشيعي علي بن إبراهيم القمي عن أبيه عن الحسين بن خالد في آية الكرسي "أن أبا الحسن موسى الرضا (أحد الأئمة الاثني عشر) قرأ آية الكرسي هكذا: {الم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السماوات وما في الأرض، وما بينهما وما تحت الثرى، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم} ["تفسير القمي" ص84 ج1 تحت آية الكرسي].
السطر الأخير لا يوجد في القرآن المجيد غير أن الشيعة يعتقدون أنه جزء لآية الكرسي.
وذكر القمي آية {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} فقال: فإنها قرأت عند أبي عبد الله صلوات الله عليه فقال لقاريها: ألستم عرباً؟ فكيف تكون المعقبات من بين يديه؟ وإنما العقب من خلفه، فقال الرجل: جعلت فداك كيف هذا؟ فقال نزلت {له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله} ["تفسير القمي" ص360 ج1 ومثله في تفسير العياشي، والصافي].
فها هنا شنع أبو عبد الله جعفر الإمام السادس لهم على من يقرأ له معقبات من بين يديه ومن خلفه "ومن أمر الله" بدل بأمر الله، حتى قال: ألستم عرباً؟ --- وهذا إن دلّ على شيء دلّ على أن أبا جعفر لا يعرف لغة العرب حسب رواية القمي، ومعناه أنه نفسه ليس بعربي حيث لم يفهم أن العرب يستعملون "المعقب" في معنيي "للذي يجيء عقب الآخر"، و "للذي يكرر المجيء"، ولم يستعمل العقب ها هنا إلا في المعنى الأخير كما قال لبيد:
حتى تهجر في الرواح، وهاجه(4/65)
طلب المعقب حقه المظلوم
أي كرر ورجع، وكما قال سلامة بن جندل:
إذا لم يصب في أول الغزو عقبا
أي غزا غزوة أخرى ["لسان العرب" ص614 و615 ج1 ط بيروت 1968م].
وأيضاً لم يعلم بأن "من" في "من أمر الله" استعمل بمعنى "بأمر الله" حيث أن "من" يستعمل في معاني، منها معنى الباء، وهذا كثير في لغة العرب.
ونقل القمي أيضاً تحت قوله تعالى: {واجعلنا للمتقين إماماً} أنه قرئ عند أبي عبد الله عليه السلام "واجعلنا للمتقين إماماً" فقال: قد سألوا الله عظيماً أن يجعلهم للمتقين أئمة، فقيل له: كيف هذا يا ابن رسول الله؟ قال: إنما أنزل الله "واجعل لنا من المتقين إماماً" ["تفسير القمي" ص117 ج2 سورة الفرقان] وزاد الكاشي بعد ذكر هذه الرواية "وفي الجوامع ما يقرب منه" (تفسير الصافي) وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتابه "الاحتجاج" ونقل عنه الكاشي أيضاً "أن رجلاً من الزنادقة سأل عن علي بن أبي طالب أسئلة فقال في جوابه مفسراً بعض الآيات "أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليفة --- وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنفره" ثم قال: وأما ظهورك على تناكر قوله {فإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء . . . . فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن، وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن" ["الاحتجاج" ص119 و"الصافي" ص11].
وذكر الكليني في صحيحه الكافي "عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل "ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة بعده فقد فاز فوزاً عظيماً، هكذا نزلت" ["الكافي الحجة ص 414 ج1 ط طهران].
ويعرف الجميع أن "في ولاية علي والأئمة بعده" ليس من القرآن.(4/66)
وذكر الكاشي في تفسيره تحت آية "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين" وفي المجمع في قراءة أهل البيت – يا أيها النبي جاهد الكفار بالمنافقين" ["تفسير الصافي" تحت آية يا أيها النبي الخ ص214 ج1 ط طهران].
وهناك رواية أغرب من هذه الروايات كلها وهي "عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسي، هكذا والله نزلت على محمد صلى الله عليه وآله" –كذب ورب الكعبة- ["الكافي في الأصول" كتاب الحجة، باب فيه نكت وتنف من التنزيل في الولاية، ص416 ج1 ط طهران].
ويذكر القمي تحت آية "أن تكون أمة هي أربى من أمة" قال فقال جعفر بن محمد عليهما السلام "أن تكون أثمة هي أزكى من أثمتكم" فقيل يا ابن رسول الله: نحن نقرؤها هي أربى من أمة، قال: ويحك ما أربى؟ وأومأ بيده بطرحها" ["تفسير القمي ص389 ج1، وذكر هذه الرواية الكاشي في تفسير "الصافي" عن الكافي أيضاً].
وهنالك روايات كثيرة غير تلك في صحاح الشيعة وغيرها من الكتب، سنذكر بعضها قريباً إن شاء الله في هذا المعنى تحت عنوان آخر.
لِمَ قالوا بالتّحريف ؟
اعتقد الشيعة التحريف في القرآن لأغراض ، منها :
أهمية الإمامة عندهم
أولاً: - أن الشيعة يعتقدون أن مسألة الإمامة داخلة في المعتقدات الأساسية، يكفر منكرها ويسلم معتقدها، فتتعلق بالإيمانيات كالإيمان بالله وبالرسول كما يروي الكليني في "الكافي" عن أبي الحسن العطار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أشرك بين الأوصياء والرسل في الطاعة" ["كتاب الحجة من الكافي" باب فرض طاعة الأئمة، ص186 ج1 ط طهران].(4/67)
وأصرح من هذا وأشد ما رواه الكليني أيضاً "عن أبي عبد الله عليه السلام سمعته يقول: نحن الذين فرض الله طاعتنا لا يسع الناس إلا معرفتنا لا يعذر الناس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمناً، ومن أنكر كان كافراً، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة" ["كتاب الحجة من الكافي" ص187 ج1 ط طهران].
وروي عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت، ومن لم يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت، فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا، والله ضلالاً" ["كتاب الحجة من الكافي"، باب معرفة الإمام ص181 ج1 ط طهران].
وجعلوها كالصلاة والزكاة والصوم والحج فهذا محدثهم الكليني يروي في صحيحه "الكافي" عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام، قال: بني الإسلام على خمس، الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير" ["الكافي في الأصول" كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام ص18 ج2 ط طهران ص369 ط الهند].
فانظر إلى كلمة "ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير" ومعناها أن الولاية أهم من الأربع الأول، وقد صرح في رواية أخرى عند الكليني أيضاً كما ذكر "عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمسة أشياء، على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية، قال زرارة قلت وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل" ["الكافي في الأصول" ص18 ج2 ط طهران ص368 ج1 ط الهند].(4/68)
فينشأ هنالك سؤال في الذهن إذا كانت الولاية هكذا وبهذه المرتبة فكيف يمكن أن يكون للصلاة والزكاة ذكر في القرآن ولا يكون للولاية أي أثر فيه، والولاية ليست فقط ركناً من أركان الإسلام وبناء من بناءاته بل هي مدار للإسلام وهذه هي المقصود من الميثاق الذي أخذ من النبيين كما يروي صاحب البصائر "حدثنا الحسن بن علي بن النعمان عن يحيى بن أبي زكريا بن عمرو الزيات قال: سمعت من أبي ومحمد بن سماعة عن فيض بن أبي شيبة عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر يقول: إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على ولاية علي وأخذ عهد النبيين بولاية علي" ["بصائر الدرجات" باب9 ج2 ط إيران 1285ه].
فيا ترى! كيف يمكن عدم الذكر لهذا الميثاق والعهد في القرآن المجيد والفرقان الحميد؟ وليس هذا فحسب – بل هناك أكاذيب أكثر من هذا، فيقولون إن الولاية ليست فقط عهد النبيين وميثاقهم بل هي الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض، فروى أيضاً في البصائر مسنداً "قال أمير المؤمنين: إن الله عرض ولايتي على أهل السماوات وعلى أهل الأرض، أقرّ بها من أقرّ، وأنكرها من أنكر، - وفرية كبيرة، نسأل الله الاستعاذة منها – أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقرّ بها" ["بصائر الدرجات" للصاف باب10 ج2 ط إيران].
فهذه هي الأمانة وقد اهتم بها الله سبحانه وتعالى فما بعث الله نبياً إلا بها كما يرويه صاحب البصائر أيضاً – عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي عبد الله أنه قال: ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبياً قط إلا بها" ["بصائر الدرجات" باب9 ج2 ط إيران].(4/69)
ولم كان هذا الاهتمام فما كان إلا أن يؤمن بها كل مؤمن وحتى الملائكة في السماء، فقد آمنوا فعلاً كما يدعون ويزعمون "قال صاحب البصائر: حدثنا أحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن فضال عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي جعفر قال قال: والله إن في السماء لسبعين صنفاً من الملائكة، لو اجتمع أهل الأرض أن يعدوا عدد صنف منهم ما عدوهم، وإنهم ليدينون بولايتنا" ["بصائر الدرجات" باب6 ج2 ط إيران].
فهل من المعقول أن يكون الشيء بهذه الأهمية والحيثية ولا يذكرها الله في كلامه وخاصة حين لا يصح شيء من العبادات والاعتقادات إلا بالاعتقاد بها، فها هو الكليني يروي عن جعفر الصادق أنه قال: أثافي الإسلام" ["أثافي جمع الأثفية وهي الأحجار التي توضع عليها القدور، وأقلها ثلاثاً] ثلاثة، الصلاة والزكاة، والولاية لا تصح الواحدة منهن إلا بصاحبتها" ["الكافي في الأصول" ص18 ج2 ط طهران].
وروي أيضاً عن محمد بن الفضل عن أبي الحسن عليه السلام قال ولاية علي عليه السلام مكتوبة في جميع صحف – الأنبياء – فضلاً عن القرآن – ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ووصية علي عليه السلام" ["كتاب الحجة من الكافي" باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية ص437 ج1 ط طهران].
فلما وقعت هذه المشكلة لجأوا لحلها فزعموا أن القرآن محرف، مغير فيه، حذف عنه آيات كثيرة، وأسقطت منه كلما غير قليلة، حذفها أجلة الصحابة وأكابر الأمة الإسلامية حقداً على علي، وعناداً لأولاده، وضياعاً لتراث رسول الله صلى الله عليه وآله.
أمثلة لذلك(4/70)
فمثلاً يروي محمد بن يعقوب الكليني عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: لم سمي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين؟ قال: الله سماه، وهكذا أنزل في كتابه "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمداً رسولي وأن علياً أمير المؤمنين" ["كتاب الحجة من الكافي" باب النوادر ص412 ج1 ط طهران وص261 ط الهند].
ويعلم الجميع "أن محمداً رسولي وأن علياً أمير المؤمنين" ليس من كلام رب العالمين، وقد سوغ الشيعة هذه الفرية كذباً على الله إثباتاً لعقيدتهم الزائفة، الزائغة،
وروي أيضاً عن جابر قال: نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في علي فأتوا بسورة من مثله" ["كتاب الحجة من الكافي" باب فيه نكت ونتف من التنزيل، ص417 ج1 ط طهران ص263 ط الهند].
وروي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى "سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع، ثم قال: هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله" ["كتاب الحجة من الكافي" باب فيه نكت .. ص422 ج1 ط طهران ص266 ط الهند].
وروي عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا "فأبى أكثر الناس – بولاية علي إلا كفوراً، قال: ونزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا" وقل الحق من ربكم في ولاية علي فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين آل محمد ناراً" ["كتاب الحجة من الكافي" أيضاً ص425 ج1 ط طهران ص268 ط الهند].
وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال هكذا نزلت هذه الآية "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به في علي لكان خيراً لهم" ["كتاب الحجة من الكافي" أيضاً ص424 ج1 ط طهران ص268 ط الهند].(4/71)
وعن منخل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا: يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا في علي نوراً مبيناً" ["كتاب الحجة من الكافي" 417 ج1 ط طهران ص264 ط الهند].
وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا "بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغياً" ["كتاب الحجة من الكافي" 417 ج1 ط طهران ص262 ط الهند].
ويذكر علي بن إبراهيم القمي في مقدمة تفسيره "أنه طرأ على القرآن تغيير وتحريف ويقول: وأما ما كان خلاف ما أنزل الله فهو قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" فقال أبو عبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية: خير أمة تقتلون أمير المؤمنين والحسين بن علي؟ فقيل له: فكيف نزلت يا ابن رسول الله؟ فقال: نزلت أنتم خير أئمة أخرجت للناس". – وقال -: وأما ما هو محذوف عنه فهو قوله: لكن الله – يشهد بما أنزل إليك في علي "كذا نلزت، وقوله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي" ["تفسير القمي" مقدمة المؤلف ص10 ج1 ط نجف].
وروى الكاشي في تفسيره الصافي عن العياشي في تفسيره "عن أبي عبد الله عليه السلام لو قرئ القرآن كما أنزل ألفينا فيه مسمين" ["تفسير الصافي" مقدمة الكتاب ص11 ط إيران].
وروى الكليني عن الحسين بن مياح عمن أخبره قال قرأ رجل عند أبي عبد الله عليه السلام "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" فقال: ليس هكذا إنما هي والمأمونون "فنحن المأمونون" ["كتاب الحجة من الكافي" ص424 ج1 ط طهران ص268 ط الهند].(4/72)
وروي أيضاً عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا "يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم في ولاية علي، فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا بولاية علي فإن لله ما في السماوات والأرض" ["كتاب الحجة من الكافيط 424 ج1 ط طهران ص267 ط الهند].
فهذه هي الروايات في الولاية ومثلها كثيرة وكثيرة في كتب حديثهم وتفسيرهم وغيرهما، وأما الرواية في الوصاية فهي كما يرويها الكليني "عن معلى رفعه في قول الله عز وجل فبأي آلاء ربكما تكذبان أبالنبي أم بالوصي" نزلت في الرحمن" ["الكافي في الصول" باب أن النعمة التي ذكرها الله ص217 ج1 ط طهران].
وهناك روايات أخرى في هذا المعنى.
فالمقصود أنهم يقولون بالتحريف في القرآن لأغراض منها إثبات مسألة الإمامة والولاية التي جعلوها أساس الدين وأصله كما نقلوا عن الرضا أنه قام خطيباً وقال: إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج" ["كتاب الحجة من الكافي" باب النوادر ص200 ج1 ط طهران].
وهذا لا يستقيم إلا بادعاء التغيير والتبديل في القرآن حتى يتمكنوا من بناء هذه العقيدة الزائفة عليه.(4/73)
ثانياً: - إن الشيعة اعتقدوا التحريف في القرآن لغرض آخر ألا وهو إنكار فضل أصحاب رسول الله الكريم حيث يشهد القرآن على مقامهم السامي وشأنهم العالي، ومرتبهم الراقية، ودرجاتهم الرفيعة، إذ ذكر الله عز وجل المهاجرين والأنصار مادحاً أخلاقهم الكريمة، وسيرتهم الطيبة، ومبشراً لهم بالجنة التي تجري تحتها الأنهار، وواعداً لهم وخاصة خلفاء رسول الله الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً – رضي الله عنهم – بالتمكن في الأرض، والخلافة، الربانية، الإلهية في عباده، ونشر الدين الإسلامي الصحيح الحنيف على أيديهم، المباركة، الميمونة في أقطار الأرض وأطرافها، ورفع راية الإسلام والمسلمين، وإعلاء كلمته، وتشريفه بعضهم بذكره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنزال السكينة على رسوله وعليه في كلامه، الخالد، المخلد إلى الأبد، كما قال الله عز وجل في القرآن المجيد الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وأعطاه ضمان حفظه إلى يوم الدين، قال فيه مادحاً المهاجرين والأنصار، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وغيرهم: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، ذلك الفوز العظيم" [سورة التوبة الآية100].
وقال: والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، والذين آووا ونصروا، أولئك هم المؤمنون حقاً، لهم مغفرة ورزق كريم" [سورة الأنفال الآية74].
وقال: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكلاً وعد الله الحسنى، والله بما تعملون خبير" [سورة الحديد الآية10].
وقال: فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون" [سورة الأعراف الآية157].(4/74)
وقال في أصحابه صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه في الحديبية وبايعوه على الموت: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم" [سورة الفتح الآية10].
وقال مبشراً لهم بالجنة: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة، فعلمما في قلوبهم وأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريباً" [سورة الفتح الآية18].
وقال الله في صحابته البررة: محمد رسول الله، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانه، سيماهم في وجوههم من أثر السجود – إلى أن قال – وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجراً عظيماً" [سورة الفتح الآية29].
وقال: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون. والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" [سورة الحشر الاية8 و9].
وقال: ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هم الراشدون، فضلاً من الله ونعمة، والله عليم حكيم" [سورة الحجرات الآية7 و8].
وقال في الخلفاء الراشدين: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً" [سورة النور الآية55].
وقال في صاحبه: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وعذب الذين كفروا، وذلك جزاء الكافرين" [سورة التوبة الآية40].
وغير ذلك من الآيات الكثيرة الكثيرة.(4/75)
فهذه الآيات الكريمة هي قنابل ذرية على الشيعة ومن والاهم، ولا يمكن لهم أما هذه النصوص الدامعة الصريحة أن يكفروا أبا بكر وعمر وعثمان وإخوانهم أصحاب الرسول عليه السلام، رضوان الله عليهم أجمعين، فيتخلصون من هذا المارق بالقول بتحريف القرآن وتغييره، أو بالتأويل الباطل الذي تنفر منه القلوب، وتشمئز منه العقول، والمعروف أن عقيدتهم لا تبنى ولا تستقيم إلا على تكفير الصحابة عامة، والخلفاء الراشدين الثلاثة ومن رافقهم وساعدهم وشاركهم في الحكم خاصة،ولأجل ذلك يقولون: "كان الناس أله الردة بعد النبي إلا ثلاثة – قاله أبو جعفر – أحد الأئمة الاثني عشر – وذكره كبير مؤرخي الشيعة الكشي في رجاله" ["رجال الكشي" ص12 تحت عنوان سلمان الفارسي ط كربلاء عراق].
وروى الكشي أيضاً عن حمدويه قال: حدثنا أيوب بن نوح عن محمد بن الفضل وصفوان عن أبي خالد القماط عن حمران قال قلت لأبي جعفر "ع" ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ قال فقال: ألا أخبرك بأعجب من ذلك قال فقلت بلى قال: المهاجرون والأنصار ذهبوا . . . إلا ثلاثة" ["رجال الكشي" ص13 أيضاً].
وغير ذلك من الأكاذيب والافتراءات والأباطيل.
فأين هذا من ذاك؟ فما كان لهم جواب ذلك إلا الإنكار والتأويل، فقالوا إن هؤلاء الناس زادوا في كلام الله في مدحهم ما ليس منه، كما أنهم أسقطوا ما أنزل في مذمتهم وتكفيرهم وإنذارهم بالنار، كما يروي الكليني عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دفع إلي أبو الحسن عليه السلام مصحفاً فقال: لا تنظر فيه ففتحته وقرأت فيه "لم يكن الذين كفروا" فوجدت اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم" ["الكافي في الأصول" كتاب فضل القرآن، باب النوادر ص631 ج2 ط طهران ص670 ج1 ط الهند].(4/76)
وقد مر سالفاً عن رواية شيعية "أن علياً عرض القرآن على المهاجرين والأنصار، ولما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح المهاجرين والأنصار فردوه إلى علي وقالوا لا حاجة لنا فيه" ["انظر أول المقال" برواية الطبرسي في الاحتجاج ص86 و88].
ويقول عالم شيعي ملا محمد تقي الكاشاني في كتابه الفارسي "هداية الطالبين" ما ترجمته حرفياً "أن عثمان أمر زيد بن ثابت الذي كان من أصدقائه هو، وعدواً لعلي، أن يجمع القرآن ويحذف منه مناقب آل البيت وذم أعدائهم، والقرآن الموجود حالياً في أيدي الناس والمعروف بمصحف عثمان هو نفس القرآن الذي جمع بأمر عثمان" ["هداية الطالبين" ص368 ط إيران 1282ه].
ويكتب أحد أعلام الشيعة الذي يلقبونه بشيخ الإسلام وخاتمة المجتهدين الملا محمد باقر المجلسي "أن المنافقين غصبوا خلافة علي، وفعلوا بالخليفة هكذا، والخليفة الثاني أي كتاب الله فمزقوه" ["حيات القلوب" باب حجة الوداع نمرة49 ص681 ج2 –فارسي- ط نولكشور الهند].
ويصرح في كتاب آخر "أن عثمان حذف عن هذا القرآن ثلاثة أشياء، مناقب أمير المؤمنين علي، وأهل البيت، وذم قريش والخلفاء الثلاثة مثل آية" يا ليتني لم أتخذ أبا بكر خليلاً" ["تذكرة الأئمة" ص9 قلمي].(4/77)
ثالثاً: - لما أراد الشيعة أن ينكروا مقام أصحاب الرسول عليه السلام الذين مدحهم الله تبارك وتعالى في كلامه المجيد كان عليهم أن لا يقبلوا ذلك الكلام المبين لشيء آخر وهو كونه محفوظاً بمجهودات الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وخاصة أبا بكر وعمر وعثمان حيث لم يجمع بين الدفتين إلا بأمر من الصديق وإشارة الفاروق وما كانت نهايته إلا في العهد العثماني، الميمون، المبارك، فقد اكتسبوا بهذا فضلاً عظيماً، وأسأل الله أن يجازيهم عليه أحسن الجزاء، فلما رأى الشيعة أن الله حفظ القرآن الكريم بأيدي الخلفاء الراشدين الثلاثة رضوان الله عليهم، وهو الأساس الحقيقي للإسلام، والله قد خصهم بهذا الفضل نقموا عليهم وجرهم الحقد الذي أكل قلوبهم والبغض الذي أقلق مضاجعهم إلى هدم ذلك الأساس والأصل، فقالوا بالتغيير والتحريف، وقد ذكر الميسم البحراني في المطاعن العشرة على ذي النورين التي يطعن بها الشيعة في ذلك الخليفة الراشد: السابع من المطاعن – أنه جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف، وأبطل ما لا شك أنه من القرآن المنزل" ["شرح نهج البلاغة" ص1 ج11 ط إيران].(4/78)
وأيضاً كان المقصود من هذا تشنيعاً عليهم وتعريضاً بأن مثل هؤلاء الذين اغتصبوا حق علي وأولاده في الخلافة والإمامة لما وجدوا نصوصاً صريحة في القرآن تطعن في حقهم أسقطوها من القرآن وحذفوها لأن الآيات الكثيرة كانت تدل على حق علي وأولاده في الخلافة – كما زعموا – لأنهم ما كانوا يريدون أن يبقى في القرآن آية تنبئ عن شنيعتهم، ومثلوا لذلك بآيات اختلقوها من عند أنفسهم، فروى الكليني في الكافي "عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا "إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً" ["كتاب الحجة من الكافي" باب فيه نكت ونتف ص424 ج1 ط طهران، ص268 ط الهند].
وروي أيضاً "عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا "فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون" ["كتاب الحجة من الكافي" أيضاً ص424 ج1 ط طهران ص267 ط الهند].
وذكر القمي تحت قوله "ولو ترى إذ الظالمون آل محمد حقهم في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم، أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون" فقال: عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: نزلت هذه الآية في معاوية وبني أمية وشركائهم وأئمتهم" ["تفسير القمي ص211 ج1 ط نجف].
وقال في آخر سورة الشعراء "ثم ذكر الله آل محمد عليهم السلام وشيعتهم المهتدين فقال: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا" ثم ذكر أعدائهم ومن ظلمهم فقال: وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون" هكذا والله نزلت" ["تفسير القمي" ص125 ج2 آخر سورة الشعراء].(4/79)
والمعروف "أن (آل محمد حقهم) في هذه الروايات ليس إلا بهتاناً عظيماً وفرية من فريات الشيعة على الخالق المتعال. وأخيراً نذكر رواية طويلة ذكرها الطبرسي في "الاحتجاج" تبين هذه الوجوه كلها حسب زعم الشيعة، فيذكر الطبرسي أن رجلاً من الزنادقة سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أسئلة فقال في جوابه "ولم يكن عن أسماء الأنبياء تجرداً وتعززاً بل تعريضاً لأهل الاستبصار أن الكناية فيه عن أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى وأنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين، واعتاضوا الدنيا من الدين، وقد بين الله قصص المغيرين بقوله: الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، وبقوله: وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب، وبقوله: إذ يبيتون ما لا يرضى من القول بعد فقد الرسول مما يقيمون به باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه، وبقوله: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره، يعني أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليفة فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما دلّ على ما أحدثوا فيه وحرفوا فيه، وبين إفكهم وتلبيسهم وكتمان ما علموه منه ولذلك قال لهم: لم تلبسون الحق بالباطل" وضرب مثلهم بقوله: فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والقلوب تقبله، والأرض في هذا الموضع هي محل العلم وقراره، ولا يجوز مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والملل المنحرفة(4/80)
عن قبلتنا.
وأما ظهورك على تناكر قوله "فإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء" وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتاماً فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن بين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن، وهذا وما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل، ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغاً إلى القدح في القرآن، ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء. وأما ما ذكر له من الخطاب الدال على نهجين النبي صلى الله عليه وآله والإزراء به والتأنيب له مع ما أظهره الله تعالى من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فإن الله عز وجل جعل لكل نبي عدواً من المشركين كما قال في كتابه، وبحسب جلالة نبينا صلى الله عليه وآله عند ربه كذلك محنته بعدوه الذي عاد منه إليه في شقائه ونفاقه كل أذى ومشقة لدفع نبوته وتكذيبه إياه وسعيه في مكارهه وقصده لنقض كل ما أبرمه واجتهاده ومن والاه على كفره وعناده ونفاقه وإلحاده في إبطال دعواه وتغيير ملته ومخالفة سنته، ولم ير شيئاً أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيه وإيحاشهم منه، وصدهم عنه، وإغرائهم بعداوته، والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به، وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل، وكفر ذوي الكفر منه، وممن وافقه على ظلمه وبغيه وشركه، ولقد علم الله ذلك منهم فقال: إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا"وقال: يريدون أن يبدلوا كلام الله "فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل وأن ذلك يظهر نقض ما عقدوه قالوا: لا حاجة لنا فيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا وكذلك قال: فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون، ثم دفعهم الاضطرار لورود المسائل عليهم مما لا يعلمون تأويله إلى جمعه(4/81)
وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون دعائم كفرهم، فصرخ مناديهم من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله عليهم السلام، فألفه على اختيارهم، وما يدل على اختلال تميزهم وافترائهم أنهم تركوا منه ما قد رأوا أنه لهم وهو عليهم، وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره، وعلم الله أن ذلك يظهر ويبين فقال: ذلك مبلغهم من العلم" وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافترائهم، والذي بدأ في الكتاب من الازدراء على النبي صلى الله عليه وآله من فرية الملحدين – ولذلك قال:يقولون منكراً من القول وزوراً" ["الاحتجاج" للطبرسي من ص119 إلى منتهاه].
رابعاً: - اعتقد الشيعة التحريف في القرآن للأغراض المذكورة ولغرض آخر وهو الإباحية وعدم التقيد بأحكامه – والعمل على حدود الله حيث أنه ما دام ثبت في القرآن التحريف والتغيير فكيف يمكن العمل به، والتقيد بأحكامه، والتمسك بأوامره، والاجتناب عن نواهيه، لأنه محتمل في كل آية من آياته، وكلمة من كلماته، وحرف من حروفه أن يكون محرفاً مغيراً فهكذا يسهل الخروج من حدود الشرع، والبقاء تحت كفه، والتمتع بمنافعه، ولأجل ذلك لا يعتقد أكثر الشيعة أنهم يعاقبون بالمعاصي والفسوق والفجور ما داموا داخلين في مذهب الشيعة وأقاموا المآتم على الحسين بن علي رضي الله عنهما وسبوا أصحاب جده رسول الله ، فليس الدين عندهم إلا حب لعلي وأولاده فقد وضعوا لذلك روايات وأحاديث منها ما رواه الكليني في "الكافي" عن يزيد بن معاوية [يزيد بن معاوية هذا ليس حفيد أبي سفيان بل هو حفيد العباس صاحب العلم] قال قال أبو جعفر عليه السلام : وهل الدين إلا الحب" وقال: إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله أحب المصلين ولا أصلي، وأحب الصوامين ولا أصوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله أنت مع من أحببت" [كتاب الروضة من الكافي في الفروع ج8].(4/82)
فهذه هي الأسباب التي جرتهم إلى القول بمثل هذه الأباطيل . . .
أدلة عدم التحريف وإيرادات الشيعة عليها .
والمعروف أن كل هذا ليس إلا فرية افتروها وأكذوبة تفوهوا بها وبهتاناً اخترعوه لأن المسلمين قاطبة سوى الشيعة يعتقدون أن حرفاً من حروف القرآن لم يتغير، وكلمة من كلماته لم تتبدل، ونقطة من نقاطه لم تحذف، وحركة من حركاته لم تسقط والذي ينكر هذا ما ينكر إلا الشمس وهي طالعة فيقول إن الشمس لم تطلع، وإن الظلام لم يطو، فلا يقال له إلا أن يعالج عيونه ويشفى ذهنه، لأن أدلة الحفظ والصيانة للقرآن الكريم من أي تغيير وتحريف، والحذف منه والزيادة عليه، أدلة العقل والنقل، تتضافر وتتواتر حتى لا يمكن الكلام عليها.
والدليل القطعي الذي لا غبار عليه هو قوله سبحانه وتعالى: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه "وقوله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" هاتان الآيتان صريحتان لا غموض فيهما ولا إشكال، ولكنك تجد الشيعة يروون هذه النصوص ويؤولونها تأويلاً باطلاً واضح البطلان [ولا أدري كيف يقول لطف الله الصافي: أن الشيعة لا يعتقدون التحريف في القرآن وهم الذين قالوا ما هو الآتي] فيقول عالم شيعي: وأما الأدلة التي تبين عدم وقوع التحريف والنقصان فقوله تعالى: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه "فإنه دلالة على ما ادعوا – وقوله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" لا يدل على عدم التغيير في القرآن الذي هو بأيدينا، والمحفوظ هو القرآن عند الأئمة مع احتمال كون "الحافظون" بمعنى "العاملون، وما قيل أن القرآن الذي هو بأيدينا أيضاً محفوظ من أن يتطرق إليه نقص أو زيادة فهو ليس مصداق الآية كما لا يخفى" ["منبع الحياة" للعلامة الشيعي، نعمة الله الجزائري المنقول من "الإسعاف" لعالم شيعي أبي الحسن علي النقي ص115 ط مطبع اثنا عشري سنة 1312ه الهند].(4/83)
وبنفس هذا الكلام تكلم عالم إيراني شيعي "علي أصغر البرجردي" في كتابه الذي ألفه في عهد محمد شاه القاجار بطلب من الشيعة ليبين مهمات عقائد الشيعة فقال فيه: والواجب أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يقع فيه تغيير وتبديل مع أنه وقع التحريف والحذف في القرآن الذي ألفه بعض المنافقين، والقرآن الأصلي الحقيقي موجود عند إمام العصر – (المهدي المزعوم) عجل الله فرجه" ["عقائد الشيعة" ص27 ط إيران].
وقال عالم شيعي هندي آخر "أن معنى حفظ القرآن في قوله ليس إلا حفظه في اللوح المحفوظ كما قال في كلامه: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ" ["موعظة تحريف القرآن" للسيد على الحائري اللاهوري بترتيب السيد محمد رضى القمي –اردو- ص48 ط لاهور 1923م].
وهناك نصوص كثيرة في هذا المعنى.
ويعرف ركاكة هذه التأويلات الفاسدة والأجوبة الكاسدة كل من له أدنى إلمام بالقرآن المجيد.
أولاً: - لأنه لو يقال أن المحفوظ هو ما عند الإمام، فما الفائدة من حفظه وصيانته إذ عند عدم وجود الإمام يبقى القرآن غير محفوظ من التغيير والتحريف، ومثل هذا لا يكون هادياً وذكراً للمؤمنين، فلا يعتمد عليه في الاعتقادات، والعبادات، والمعاملات، والأحكام الأخرى، وأيضاً هو أساس الإسلام وبناؤه فيبقى الإسلام بلا أساس يقوم عليه، ويبقى الناس غير مسؤولين عما يعملون لعدم وجود ما يهديهم إلى سبيل الرشاد، وتبقى الشريعة معطلة ما دام لا يوجد دستورها، ولا يكون القرآن ذكراً للعالمين بعد بعثة محمد بل يكون ذكراً بعد خروج المهدي المزعوم الذي لا يعرف خروجه وظهوره أين يكون ومتى يكون؟.
وثانياً: - هذا هو الجواب لمن قال أنه محفوظ في اللوح المحفوظ.
وأيضاً فأي الميزة تبقى حينئذ فيه حيث أن التوراة والإنجيل وغيرهما من الصحف محفوظة عند الله وفي اللوح المحفوظ.(4/84)
ثالثاً: - أن الآية تصرح بأن الحفظ لا يكون إلا بعد النزول حيث قال الله عز وجل: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ولا يقع التحريف إلا في المنزل لا قبل النزول وهذا من البديهيات، ولكن الشيعة لحقدهم على الإسلام وزعمائه والمسلمين لا يبالون بها حتى يلتجئون إلى أقويل يمجها العقل ويزدريها الفهم.
وكما أن هنالك أدلة نقلية كثيرة من القرآن والسنة تدل على عدم وجود أي تغيير وتحريف في القرآن فهناك أدلة عقلية متوافرة متظافرة تفرض على الإنسان ذي العقل والشعور أنه لا يقول بالتحريف في القرآن، لأنه نقله جيل عن جيل من السطور والصدور، ففي مثل هذا الزمان زمان الفساد والإلحاد يوجد ملايين من البشر الذين يحملون القرآن الكريم بكامله في صدورهم ويحفظونه عن ظهر قلب، وتشاهد في رمضان في التراويح أن حفظة القرآن وقرائه يصلون بالناس ويقرؤون القرآن ولا يخطئون بكلمة أو بحرف وحتى نقطة وشوكة إلا ويبادر من خلفه بتلقينه بلا تأخير، وقال الشاطبي: وأما القرآن الكريم فقد قيض الله له حفظة بحيث لو زيد فيه حرف واحد لأخرجه آلاف من الأطفال الأصاغر فضلاً عن القراء الأكابر" ["الموافقات" للشاطبي ص59 ج2 ط مصر].
ومن الجدير بالذكر أن في مقاطعة بنجاب باكستان الويتان "كجرات" و "جهلم" لا يوجد في قراها ومدنها شخص من الرجال والنساء إلا ويحفظ القرآن عن ظهر قلب، ويتجاوز عدد سكانه أربعمائة ألف نسمة – وهذا في هذا الزمان وكيف ذاك الزمان المشهود له بالخير.
لِمَ أنكروا التحريف(4/85)
أفبعد هذا يمكن لأحد أن يقول بأن الشيعة لا يعتقدون التحريف والتغيير في الكلام المبين، نعم هنالك بعض الأعيان من الشيعة الذين أظهروا أنهم يعتقدون أن القرآن غير محرف ومغير فيه، ومحذوف منه، ومنهم محمد بن علي بن بابويه القمي، الملقب بالصدوق عندهم المتوفى سنة 381ه مؤلف كتاب "من لا يحضره الفقيه" وهو في القرون الأولى الأربعة أول من قال من الشيعة بعدم التحريف في القرآن، وإلا لا يوجد في الشيعة المتقدمين منهم إلى القرن الرابع وحتى بعد ما مضى نصفه الأول أيضاً رجل واحد وفيهم أئمتهم الإثنا عشر، لم ينقل من أي واحد منهم ولم ينسب إليهم بأنهم قالوا أو أشاروا إلى عدم التحريف وبعكس ذلك يوجد مئات من النصوص الواضحة الصريحة على أن الحذف والنقص في القرآن، والزيادة عليه، قد وقع.
وهل في الدنيا نعم في الدنيا كلها واحد من علماء الشيعة وأعلامها من يستطيع أن يقبل هذا التحدي ويثبت من كتبه هو أن واحداً منهم في القرون الأربعة الأولى قال بعدم التحريف وأظهره. لا ولن يوجد واحد يقبل هذا التحدي [وحتى الصافي في رسالته "مع الخطيب" لم يبد الإظهار أنهم يعتقدون بهذا القرآن إلا بنقل عبارة بن بابويه القمي ولم يجد لإثبات دعواه وللرد على الخطيب أن يتمسك بقول أحد قبله وحتى من أئمته المعصومين].
فالمقصود أن عقيدة الشيعة التي بناها مصطنعوها لم تكن قائمة إلا على أساس تلك الفرية لأنه كما ذكر مقدماً هم مضطرون لرواج عقائدهم الواهية على أن لا يعتقدوا بهذا القرآن الذي يهدم أساس مذهبهم المنهار وإلا تروح معتقداتهم المدسوسة في الإسلام أدراج الرياح.(4/86)
ونحن نفصل القول في هذا حتى يعرف الباحث والقارئ السر في تغيير منهج بعض الشيعة بعدما مضى القرن الثالث ومنتصف الرابع، وقد عرف مما سبق من الأحاديث والروايات الصحيحة الثابتة عندهم، وأقوال المفسرين وأعلامهم وأئمتهم أنهم يعتقدون أن القرآن الموجود في أيدي الناس لم يسلم من الزيادة والنقصان، والقرآن الصحيح المحفوظ ليس إلا عند "مهديهم المزعوم" --- فيولد في لاقرن الرابع نم الهجرة محمد بن علي بن بابويه القمي ويرى أن الناس يبغضون الشيعة وينفرون منهم لقولهم بعدم صيانة القرآن، ويشنعون عليهم لأنه لو سلم قولهم كيف يكون العمل على الإسلام، والدعوة إليه، وأيضاً كيف يمكن التمسك بمذهب الشيعة حيث يقولون أن الرسول عليه السلام أمر بالتمسك بالثقلين، القرآن وأهل البيت حسب زعمهم [ذكرنا معنى هذا الحديث ومرتبته في موضع آخر بالتفصيل] وحينما لا يثبت الثقل الأكبر وهو القرآن، كيف يثبت الثقل الأصغر والتمسك به.
ولما رأى هذا لجأ إلى القول "اعتقدنا أن القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيه محمد هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك – إلى أن قال --: ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب" ["اعتقادات لابن بابويه القمي باب الأعقاد في مبلغ القرآن ط إيران 1224].
وتبعه في ذلك السيد المرتضى، الملقب بعلم الهدى المتوفى سنة 436ه فقد نقل عنه مفسر شيعي أبو علي الطبرسي وقال: أما الزيادة فمجمع على بطلانه وأما النقصان فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى" ["تفسير مجمع البيان" ص5 ج1 ط إيران 1284ه].(4/87)
ثم حذا حذوهما أبو جعفر الطوسي المتوفى سنة 460 فقال في تفسيره "التبيان": أما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به -- إلى أن قال --: وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله رواية لا يدفعها أحد أنه قال: إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي، أهل بيتي . . . وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمرنا بالتمسك بما لا يقدر التمسك به" ["التبيان" ص3 ج1 ط نجف، وتفسير الصافي ص15].
ورابعهم هو أبو علي الطبرسي المفسر الشيعي المتوفى سنة 548ه وقد مر كلامه في تفسير "مجتمع البيان".
فهؤلاء هم الأربعة من القرن الرابع إلى القرن السادس لا خامس لهم الذين قالوا بعدم التحريف في القرآن.
ولا يستطيع عالم من علماء الشيعة أن يثبت في القرون الثلاثة هذه خامساً لهؤلاء الأربعة من يقول بقولهم بل وفي القرون الثلاثة الأولى أيضاً لا يوجد موافقهم كما ذكرنا سابقاً،- وعلى ذلك يقول العالم الشيعي الميرزا حسين تقي النوري الطبرسي المتوفى سنة 1325ه : الثاني عدم وقوع التغيير والنقصان فيه وأن جميع ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين، وإليه ذهب الصدوق ي عقائده، والسيد المرتضى، وشيخ الطائفة (الطوسي) في التبيان ولم يعرف من القدماء موافق لهم --- إلى أن قال --- وإلى طبقته --- أي أبي علي الطبرسي --- لم يعرف الخلاف صريحاً إلا من هذه المشائخ الأربعة" ["فصل الخطاب" ص34 ط إيران].
فهؤلاء الأربعة أيضاً ما أنكروا التحريف في القرآن وأظهروا الاعتقاد به إلا تحرزاً من طعن الطاعنين، وتخلصاً من إيرادات المعترضين كما ذكرناه قبل ذلك، وكان ذلك مبنياً على التقية والنفاق الذي جعلوه أساساً لدينهم [ولهذه المسألة بحث مستقل في محل آخر] أيضاً، وإلا ما كان لهم أن ينكروا ما لو أنكر لانهدم مذهب الشيعة وذهب هباءً منثوراً.(4/88)
أولاً: - لأن الروايات التي تنبئ وتخبر عن التحريف روايات متواترة عند الشيعة كما يقول السيد نعمة الله الجزائري المحدث الشيعي في كتابه "الأنوار" ونقل عنه السيد تقي النوري فقال: قال السيد المحدث الجزائري في الأنوار ما معناه: أن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن" ["فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب الأرباب" للنوري الطبرسي، ص30 ط إيران].
ونقل عنه أيضاً: أن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد، والمحقق الداماد، والعلامة المجلسي، وغيرهم، بل الشيخ (أبو جعفر الطوسي) أيضاً صرح في "التبيان" بكثرتها، بل ادعى تواترها جماعة --- إلى أن قال --- واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية، والآثار النبوية" ["فصل الخطاب" ص227].
وإنكار هذه الروايات يستلزم إنكار تلك الروايات التي تثبت مسألة الإمامة والخلافة بلا فصل لعلي رضي الله عنه وأولاده بعده عندهم، لأن الروايات عنها ليست بأكثر من روايات التحريف، وقد صرح بهذا علامة الشيعة الملا محمد باقر الملجس حيث قال: وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر" [نقلاً عن كتاب "فصل الخطاب"].(4/89)
ثانياً: - مذهب الشيعة قائم على أقوال الأئمة وآرائهم فقد أثبتنا آرائهم وأقوالهم مقدماً أنهم لا يرون القرآن الموجود في أيدي الناس قرآناً، كاملاً، محفوظاً باستثناء هؤلاء الأربعة الذين أظهروا إنكار التحريف ولم يستندوا إلى قول من الأئمة المعصومين (حسب قولهم) ولم يأتوا بشاهد منهم، وأما القائلون بالتحريف فإنهم أسسوا عقيدتهم على الأحاديث المروية من الأئمة الاثني عشر، الأحاديث الصحيحة، الثابتة، المعتمدة عليها.
ثالثاً: - لم يدرك واحد من هؤلاء الأربعة القائلين بعدم التحريف زمن الأئمة الاثني عشر "المعصومين" – حسب زعمهم – بخلاف متقدميهم القائلين بالتحريف والمعتقدين به، فإنهم أدركوا زمن الأئمة، وجالسوهم، وتشرفوا برفقتهم، واستفادوا من صحبتهم، وصلوا خلفهم، وسمعوا وتعلموا منهم بلا واسطة، وتحدثوا معهم مشافهة.
رابعاً: - الكتب التي رويت فيها أخبار وأحاديث عن التحريف والتغيير كتب معتبرة، معتمد عليها عند الشيعة، وقد عرضت بعض هذه الكتب على الأئمة المعصومين، ونالت رضاهم مثل الكافي للكليني، وتفسير القمي، وغيرهما.
خامساً: - ومن العجائب أن هؤلاء الأربعة الذين تظاهروا إنكار التحريف يروون في كتبهم أنفسها – أحاديث وروايات عن الأئمة وغيرهم تدل وتنص على التحريف بدون تعرض لها ولسندها ورواتها.
فمثلاً ابن بابويه القمي القائل بأنه "من نسب إلينا القول بالتحريف فهو كاذب" هو الذي يروي نفسه في كتابه "الخصال" حديثاً مسنداً متصلاً "حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي المعروف بالجصاني قال: حدثنا عبد الله بن بشر قال: حدثنا الحسن بن زبرقان المرادي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش الأجلح عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون، المصحف، والمسجد، والعترة، يقول المصحف يا رب حرقوني ومزقوني "الحديث" ["الخصال" لابن بابويه القمي، ص83 ط إيران 1302ه].(4/90)
وأبو علي الطبرسي الذي ينكر التحريف بشدة هو نفسه يروي في تفسيره أحاديث يعتمد عليها تدل على أن التحريف قد وقع، فمثلاً يعتمد في سورة النساء على رواية تضمنت نقصان كلمة "إلى أجل مسمى" من آية النكاح فيقول: وقد روى عن جماعة من الصحابة منهم أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود أنهم قرأوا فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فاتوهن أجورهن، وفي ذلك تصريح بأنالمراد به عند المتعة" ["مجمع البيان" للطبرسي، ص32 ج3 ط طهران 1374ه].
ومثل هذا كثير عندهم وهذا يدل دلالة واضحة أنه ما أنكر بعضهم التحريف إلا نفاقاً وتقية ليخدعوا به المسلمين، والمعروف في مذهب الشيعة أنهم يرون التقية أي التظاهر بالكذب أصلاً من أصول الدين [فانظر لهذا بحثنا المستقل "الشيعة والكذب"] كما يذكر ابن بابويه القمي هذا في رسالته "الاعتقادات" : التقية واجبة من تركهاكان بمنزلة من ترك الصلوات – إلى أن قال -: والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة، وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} قال: أعملكم بالتقية" ["الاعتقادات للصدوق" باب التقية، ص إيران 1274].
فما كان ذاك إلا لهذا وإلا كيف كان ذلك؟
سادساً: - لو سلم قول الأربعة لبطلت الروايات التي تنص على أن القرآن لم يجمعه إلا علي بن بي طالب رضي الله وأنه عرضه على الصحابة فردوه إليه وقالوا لا حاجة لنا به، فقال: لا ترونه بعد هذا إلا أن يقوم القائم من ولدي" وهناك رواية في "الكافي" عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن، ظاهره وباطنه غير الأوصياء" ["كتاب الحجة من الكافي" باب أنه لم يجمع القرآن كله غير أمير المؤمنين، ص218 ج1 ط طهران].(4/91)
وأيضاً تبطل الأراجيف التي تقول أن الصحابة وخاصة الخلفاء الثلاثة منهم رضوان الله عليهم أجمعين أدرجوا فيه ما ليس منه وأخرجوا منه ما كان داخلاً فيه، - ويعترف بمجهودات الصحابة وفضلهم الذين جمعوا القرآن وتسببوا في حفظه بتوفيق من الله، وعنايته، ومنّه، وكرمه.
وفسد أيضاً الاعتقاد أنه لا تقبل عقيدة ولا يعتمد على شيء لم تصل إلينا من طريق الأئمة الاثنى عشر، والثابت أن القرآن الموجود في الأيدي لم ينقل إلا من مصحف الإمام عثمان ذي النورين رضي الله عنه، وأن جمع القرآن كان بدايته من الصديق ونهايته من ذي النورين رضي الله عنهما.
ولأجل ذلك لم يقل هذا المتقدمون منهم ولم يقبله المتأخرون بل ردوا عليهم -. فهذا مفسر شيعي معروف محسن الكاشي يقول في تفسيره الصافي بعد ذكر أدلة السيد المرتضى: أقول لقائل أن يقول كما أن الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين، المبدلين للوصية، المغيرين للخلافة، لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم – إلى أن قال -: وأما كونه مجموعاً في عهد النبي على ما هو عليه الآن فلم يثبت، وكيف كان مجموعاً وإنما كان ينزل نجوماً وكان لا يتم لا بتمام عمره" ["تفسير الصافي" ص14 ج1 مقدمة الكتاب].
وقال أحد أعلام الشيعة في الهند رداً على كلام السيد المرتضى: فإن الحق أحق بالاتباع، ولم يكن السيد علم الهدى (المرتضى) معصوماً حتى يجب أن يطاع، فلو ثبت أنه يقول بعدم النقيصة مطلقاً لم يلزمنا اتباعه ولا خير فيه" ["ضربة حيدرية" ص81 ج2 ط الهند].
وقال الكاشي رداً على الطوسي بعد ما نقل عبارته فقال: أقول يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعاً كما أنزل الله محفوظاً عند أهله، ووجود ما احتجنا إليه عندنا وإن لم نقدر على الباقي كما أن الإمام كذلك" ["تفسير الصافي" ص14 ج1].(4/92)
سابعاً: - قد ذكرنا سابقاً أن عقيدة الشيعة كلها في القرآن هو أن القرآن محرف ومغير فيه غير هؤلاء الأربعة فهم ما أنكروا التحريف إلا لأغراض.
منها سد باب الطعن لأنهم رأوا أن لا جواب عندهم لأعداء الإسلام حيث يعترضون على المسلمين "إلى أي شيء تدعون وليس عندكم ما تدعون إليه؟ وكان أهل السنة يطعنون عليهم "أين ذهب حديث الثقلين عند عدم وجود الثقل الأكبر؟ وكيف تدعون الإسلام بعد إنكار شريعة الإسلام"؟
فما وجدوا منه مخلصاً إلا بإظهار الرجوع عن العقيدة المتفقة عليها عند الشيعة الإمامية كافة، ونقول ظاهراً لأنهم يبطنون نفس العقيدة وإلا ما يبقى لهم مجال للبقاء على تلك المهزلة التي سميت بمذهب الشيعة، وقد تخلصوا منه أيضاً بالتحريف في المعنى حيث يؤولون القرآن بتأويل لا يقبله العقل، ولا يؤيده النقل، وقد اعترف بهذا السيد الجزائري حيث قال بعد ذكر اتفاق الشيعة على التحريف: نعم قد خالف فيها المرتضى، والصدوق، والشيخ الطبرسي، وحكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير، ولم يقع فيه تحريف ولا تبديل . . . والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة، منها سد باب الطعن عليه – ثم يبين أنه لم يكن إلا لهذه المصالح بقوله -: كيف هؤلاء الأعلام رووا في مؤلفاتهم أخباراً كثيرة تشتمل على وقوع تلك الأمور في القرآن وأن الآية هكذا ثم غيرت إلى هذا" [الأنوار للسيد نعمة الله الجزائري].
وفعلاً فقد أورد هؤلاء الذين أظهروا الموافقة لأهل السنة في القرآن، أورد هؤلاء أنفسهم روايات في كتبهم تدل صراحة على التحريف والتغيير في القرآن، فنحن ذكرنا قبل ذلك أن ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق أحد الأربعة أنكر التحريف في "الاعتقادات" وأثبته في كتاب آخر، وهكذا أبو علي الطبرسي يتظاهر بالاعتقاد بعدم التحريف ولكن في تفسيره يعتمد على أحاديث وروايات تدل على التحريف.(4/93)
وأما الشيخ الطوسي الملقب بشيخ الطائفة، فقد قال الشيعة أنفسهم في تفسيره: ثم لا يخفى على المتأمل في كتاب "التبيان" أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين . . . ومما يؤكد وضع هذا الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجليل علي بن طاوس في (كتابه) "سعد السعود" ["فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" للنوري الطبرسي، ص34].
ثامناً: - أن الأربعة سالفي الذكر لم يكن قولهم مستنداً إلى المتقدمين أو المعصومين عندهم، وهكذا لم يقبله المتأخرون، فهؤلاء أعلام الشيعة وزعمائهم وأكابرهم ينكرون أشد الإنكار قول من يقول بأن القرآن لم يتغير ولم يتبدل، فيقول الملا خليل القزويني، شارح "الصحيح الكافي" المتوفى سنة 1089ه تحت حديث "إن للقرآن سبعة عشر ألف آية، يقول: وأحاديث الصحاح التي تدل على أن كثيراً من القرآن قد حذف، قد بلغ عددها إلى حد لا يمكن إنكاره، . . . . وليس من السهل أن يدعي بأن القرآن الموجود هو القرآن المنزل بعد الأحاديث التي مر ذكرها، والاستدلال باهتمام الصحابة والمسلمين بضبط القرآن وحفظه ليس إلا استدلال ضعيف جداً بعد الاطلاع على أعمال أبي بكر وعمر وعثمان" ["الصافي شرح الكافي في الأصول" كتاب فضل القرآن ص75 ج8 نولكشور الهند – الفارسي -].
ويقول المفسر الشيعي الكاشي في مقدمة تفسيره: المستفاد من مجموع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف عنه أشياء كثيرة، منها اسم علي في كثير من المواضع، ومنها لفظة آل محمد غير مرة، ومنها أسماء المنافقين في مواضعه، ومنها غير ذلك، وأنه ليس على الترتيب المرضى عند الله وبه قال إبراهيم" ["مقدمة تفسير الصافي" ص14].(4/94)
ويقول: أما اعتقاد مشائخنا رحمهم الله في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه "الكافي" ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر يف أول الكتاب أنه يثق بما رواه فيه، وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي فإن تفسيره مملوء وله غلو فيه، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي قدس سره أيضاً نسج على منوالهما في كتابه "الاحتجاج" ["مقدمة تفسير الصافي" ص14].
وقال المقدس الادبيلي العالم الشيعي الكبير ما معناه: إن عثمان (الخليفة الراشد رضي الله عنه) قتل عبد الله بن مسعود بعد أن أجبره على ترك المصحف الذي كان عنده وأكرهه على قراءة ذلك المصحف الذي ألفه ورتبه زيد بن ثابت بأمره، وقال البعض أن عثمان (رضي الله عنه) أمر مروان بن الحكم، وزياد بن سمرة، الكاتبين له أن ينقلا من مصحف عبد الله ما يرضيهم ويحذفا منه ما ليس بمرضى عندهم ويغسلا الباقي" ["حديقة الشيعة" للاردبيلي ص118 وص119 إيران – الفارسي].(4/95)
وذكر خاتمة مجتهديهم الملا محمد باقر المجلسي في كتابه: أن الله أنزل في القرآن سورة النورين ["وقد ثبت بهذا أن سورة النورين التي ذكرها الخطيب نقلاً عن كتاب شيعي "دبستان مذاهب" لم ينفرد بذكرها ملا محسن الكشميري بل وافقه علامة الشيعة المجلسي أيضاً حيث ذكرها في كتابه، فماذا يقول – لطف الله الصافي الذي أنكر نسبة الكتاب إلى الشيعة؟ فهل "تذكرة الأئمة" كتاب شيعي أم كتاب سني؟ وهل المجلسي من أعيان الشيعة أم لا ؟ فلم التحمس إلى هذا الحد؟ وقد طبعت هذه السورة في الهند أكثر من مرة وأقرئه علماء الشيعة في القارة الهندية الباكستانية مثل السيد علي الحائري وغيره] وهذا نصها بسم الله الرحمن الرحيم، يا أيها الذين آمنوا بالنورين أنزلناهما عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم، نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم، الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم، والذين كفروا من بعد آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم، ظلموا أنفسهم وعصوا لوصي الرسول أولئك يسقون من حميم . . . – إلى أن ذكر عدة آيات ثم قال -: لما أسقط أولئك الفجرة حروف آيات القرآن وقرؤوها كما شاءوا" [تذكرة الأئمة "للمجلسي نقلاً من "تحفة الشيعة" لبرفسور نور بخش التوكلي ص318 ج1 ط لاهور].
وكتب الميرزا محمد باقر الموسوي: أن عثمان ضرب عبد الله بن مسعود ليطلب منه مصحفه حتى يغيره ويبدله مثل ما اصطنع لنفسه حتى لا يبقى قرآن محفوظ صحيح" ["بحر الجواهر" للموسوي ص347 ط إيران].
ويقول الحاج كريم خان الكرماني الملقب "بمرشد الأنام" في كتابه: إن الإمام المهدي بعد ظهوره يتلو القرآن، فيقول – المسلمون هذا والله هو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد، والذي حرف وبدل" ["إرشاد العلوم" ص121 ج3 – الفارسي – ط إيران].(4/96)
ويقول المجتهد الشيعي الهندي السيد دلدار علي الملقب "بآية الله في العالمين" يقول: ومقتضى تلك الأخبار أن التحريف في الجملة في هذا القرآن الذي بين أيدينا بحسب زيادة الحروف ونقصانه بل بحسب بعض الألفاظ وبحسب الترتيب في بعض المواقع قد وقع بحيث مما لا يشك مع تسليم تلك الأخبار ["استقصاء الأفحام" ص11 ج1 ط إيران].
ويصرح عالم شيعي آخر: أن القرآن هو من ترتيب الخليفة الثالث ولذلك لا يحتج به على الشيعة" ["ضربة حيدرية" ص75 ج2 ط مطبع نشان مرتضوي الهندي – الفارسي].
وقد ألف عالم شيعي الميرزا النوري الطبرسي في ذلك كتاباً مستقلاً كبيراً سماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب "وقد ذكرنا عدة عبارات قبل ذلك منه، وقال في مقام آخر" ونقصان السورة وهو جائز كسورة الحقد وسورة الخلع [وقد ذكر السيد الخطيب رحمه الله في "الخطوط العريضة" أن الشيعة يعتقدون بسورة "الولاية" في القرآن وأنها أسقطت، فيرد عليه الصافي في كتيبه "مع الخطيب" بشدة وحماس بقوله: فانظر ما في كلامه هذا من الكذب الفاحش والافتراء البين – ليس في فصل الخطاب "لا في ص180 ولا في غيرها من أول الكتاب إلى آخره ذكر من هذه السورة المكذوبة على الله. فنقول في جوابه وفي أسلوبه، أيها الصافي! ألا تستحي من الله؟ ولا تتفكر بأن في الناس من يظهرون كذبك؟ اتق الله يا أيها الصافي! ما مات العلم بموت الخطيب وإن في أهل السنة من يستطيعون أن يبينوا عواركم وكذبكم فهذا هو الطبرسي يمثل لنقصان في القرآن بسورة الولاية] وسورة الولاية" ["فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" ص33 ط إيران].
وقد ذكرنا عبارات المتقدمين منهم والمتأخرين قبل ذلك فلا فائدة لتكرارها.(4/97)
والحاصل أن متقدمي الشيعة ومتأخريهم تقريباً جميعهم متفقون على أن القرآن محرف، مغير فيه، محذوف عنه حسب – روايات "الأئمة المعصومين"- كما يزعمون – فها هو المحدث الشيعي يقول وهو يذكر القراءات المتعددة" الثالث أن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها" ["الأنوار النعمانية في بيان معرفة النشأة الإنسانية" للسيد الجزائري].
فهذه حقيقة ما يدندنون حوله، ويطبلون ويزمرون.
أفبعد هذا يمكن لأحد أن يقول أن الشيعة يعتقدون بالقرآن ويقولون أنه لا زائد على ما بين الدفتين ولا ناقص منه؟
ثم ما عذر من اعتذر منهم أنها روايات ضعيفة وقليلة لا غير كما يوجد بعض الروايات عند أهل الستة.
فهل هناك مسألة بعض الروايات أم مسألة الاعتقاد والإيمان، فإن كان بعض الروايات فلم التصريح من أئمة الشيعة وأكابرها بوقوع التحريف والنقصان في القرآن؟ ولم الرد على من قال بعدم وقوع التحريف ولو نفاقاً، وتقية، وخداعاً للمسلمين.
وأيضاً ليس الروايات قليلة أو ضعيفة عند الشيعة بل الروايات في هذا بلغت حد التواتر عند الشيعة وتزيد على ألفي رواية في قول، وأكثرها في صحاحهم الأربعة.
عقيدة أهل السنة في القرآن؟
وأما القول بأن مثل هذه الروايات توجد عند السنة فليس إلا تحكم وتجبر، والحق أنه لا يوجد في كتب أهل السنة المعتمدة عليها عندهم رواية واحدة صحيحة تدل على أن القرآن الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته نقص منه أو زيد فيه بل صرح أكابر المسلمين بأن من يعتقد مثل هذا فقد خرج عن الملة الحنيفية، البيضاء، كما أنهم نصوا بأن الشيعة هم القائلون بهذا القول الخبيث.(4/98)
فهذا الإمام ابن حزم الظاهري يقول في كتابه العظيم "الفصل في الملل والنحل" ما نصه: ومن قول الإمامية كلها قديماً وحديثاً أن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدل منه كثير" – ثم يقول: القول بأن بين اللوحين تبديلاً كفر صريح وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم" ["الفصل في الملل والنحل" للإمام ابن حزم الظاهري، ص182 ج4 ط بغداد].
وقال أيضاً رداً على قول الشيعة بأن القرآن محرف ومغير فيه فقال: واعلموا أنه لو رام اليوم أحد أن يزيد في شعر النابغة أو شعر زهير كلمة أو ينقص أخرى ما قدر لأنه كان يفتضح في الوقت، وتخالفه النسخ المثبتة، فكيف القرآن في المصاحف وهي من آخر الأندلس، وبلاد البربر، وبلاد السودان إلى آخر السند، وكابل، وخراسان، والترك، والصقالية، وبلاد الهند فما بين ذلك – فظهر حمق الرافضة – وقال قبل ذلك بأسطر -: وإن لم يكن عند المسلمين إذ مات عمر ألف مصحف من مصر إلى العراق، إلى الشام، إلى اليمن فما بين ذلك، فلم يكن أقل، ثم ولى عثمان فزادت الفتوح واتسع الأمر فلو رام أحد إحصاء مصاحف أهل الإسلام ما قدر" ["الفصل في الملل والنحل لابن حزم الظاهري، ص80 ج2 ط بغداد].
وهو الذي قال في كتابه "الأحكام" : ولما تبين بالبراهين والمعجزات أن القرآن هو عهد الله إلينا، والذي ألزمنا الإقرار به والعمل بما فيه، وصح بنقل الكافة الذي لا مجال للشك فيهم أن هذا القرآن هو المكتوب في المصاحف، المشهور في الآفاق كلها وجب الانقياد لما فيه، فكان هو الأصل المرجوع إليه لأننا وجدنا فيه "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ["الأحكام في أصول الأحكام" للحافظ ابن حزم الأندلسي الظاهري، ص95 ج1 ط مصر الباب العاشر].
وقال الأصولي الشافعي المعروف: الأول في الكتاب أي القرآن وهو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف تواتراً" ["التوضيح في الأصول" ص26 ج1 ط مصر].(4/99)
وقال الشارح على هذا: والمصنف اقتصر على ذكر النقل في المصاحف تواتراً لحصول الاحتراز بذلك عن جميع ما عدا القرآن، لأن سائر الكتب السماوية وغيرها الأحاديث الإلهية والنبوية ومنسوخ التلاوة لم ينقل شيء منها بين دفتي المصاحف لأنه اسم لهذا المعهود المعلوم عند جميع الناس حتى الصبيان" ["التلويح ص27 ج1 ط مصر].
وقال الأصولي الحنفي: "أما الكتاب فالقرآن المنزل على الرسول عليه السلام، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلاً متواتراً بلا شبهة" ["المنار في الأصول" ص9 ط الهند].
وقال الآمدي: وأما حقيقة الكتاب هو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف نقلاً متواتراً" ["الأحكام للآمدي" ص228 ج1 ط مصر].
وقال السيوطي بعد ما ذكر الأقوال بأن القرآن جمعه وترتيبه ليس إلا توقيفاً، قال: قال القاضي أبو بكر في الانتصار -: الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه، ولم ينسخه ولا رفع تلاوته بعد نزوله، هو هذا الذي بين الدفتين الذي حواه مصحف عثمان، وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه" – وقال البغوي في شرح السنة: إن الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئاً" ["الاتقان للسيوطي" ص63 ج1 ط مطبع حجازي بالقاهرة سنة 1368ه].
وقال الخازن في مقدمة تفسيره: وثبت بالدليل الصحيح أن الصحابة إنما جمعوا القرآن بين الدفتين كما أنزله الله عز وجل على رسول الله من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئاً. فكتبوه كما سمعوه من رسول الله من غير أن قدموا أو أخروا شيئاً، أو وضعوا له ترتيباً لم يأخذوه من رسول الله . . . فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على النحو الذي هو في مصاحفنا الآن" ["تفسير الخازن" ص7 و8 المقدمة ج1 ط مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1955ه].(4/100)
وقال القاضي في الشفاء: اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف بشيء منه، أو سبهما، أو كذب به، أو جحده، أو جزءاً منه، أو آية، أو كذب به، أو بشيء منه، أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر، أو اثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك، فهو كافر عند أهل العلم بإجماع، قال الله تعالى: وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" ["الشفاء" للقاضي عياض].
هذا وقد بوب الإمام البخاري باباً في صحيحه بعنوان "باب من قال لم يترك النبي إلا ما بين الدفتين" ثم ذكر تحت ذلك حديثاً: أن ابن عباس قال في جواب من سأل: أترك النبي من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين، وهكذا قاله محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية" ["صحيح البخاري" كتاب فضائل القرآن].
فهذا ما رواه بخارينا وذاك ما رواه بخاريهم، وهذا ما قاله أئمة أهل السنة وذلك ما قاله أئمتهم.
وهناك نصوص أخرى في هذا المعنى، فيقول الإمام الزركشي في كتابه "البرهان" بعد ذكر قول القاضي في "الانتصار" وذلك دليل على صحة نقل القرآن وحفظه وصيانته من التغيير، ونقض مطاعن الرافضة فيه من دعوى الزيادة والنقص، كيف وقد قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقوله: {إن علينا جمعه وقرآنه} وأجمعت الأمة أن المراد بذلك حفظه على المكلفين للعمل به، وحراسته من وجود الغلط والتخليط، وذلك يوجب القطع على صحة نقل مصحف الجماعة وسلامته" ["البرهان في علوم القرآن" ص127 ج2 ط أولى 1957م].(4/101)
وقد ذكر مفسرو أهل السنة تحت آية {وإنا له لحافظون} بأن القرآن محفوظ عن أي تغيير وتبديل وتحريف، وكان أن يتفق على هذا كلهم وشذّ من ندر، فمثلاً يقول الخازن في تفسيره: وإنا للذكر الذي أنزلناه على محمد لحافظون، يعني من الزيادة فيه والنقص والتغيير والتبديل والتحريف، فالقرآن العظيم محفوظ من هذه الأشياء كلها لا يقدر أحد من جميع الخلق من الجن والإنس أن يزيد فيه أو ينقص منه حرفاً واحداً، أو كلمة واحدة، وهذا مختص بالقرآن العظيم بخلاف سائر الكتب المنزلة فإنه قد دخل على بعضها التحريف، والتبديل، والزيادة، والنقصان، ولما تولى الله عز وجل حفظ هذا الكتاب بقي مصوناً على الأبد، محروساً من الزيادة والنقصان" ["تفسير الخازن" ص89 ج3].
وقال النسفي في تفسيره تحت هذه الآية "إنا نحن": فأكد عليهم أنه هو المنزل على القطع وأنه هو نزله محفوظاً من الشياطين، وهو حافظه في كل وقت من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل بخلاف الكتب المتقدمة، فإنه لم يتول حفظها وإنما استحفظها الربانيون والأحبار فيما بينهم بغياً فوقع التحريف ولم يكل القرآن إلى غير حفظه" ["تفسير المدارك" للنسفي، ص189 هامش الخازن ج3].
وقال الإمام ابن كثير: ثم قرر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل" [تفسير ابن كثير ص547 ج2 ط القاهرة].(4/102)
وقال الفخر الرازي: وإنا نحفظ ذلك الذكر من التحريف والزيادة، والنقصان، ونظيره قوله تعالى في صفة القرآن: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" وقال: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً: فإن قيل: فلم اشتغلت الصحابة بجمع القرآن في المصحف وقد وعد الله تعالى بحفظه، وما حفظه الله فلا خوف عليه، والجواب أن جمعهم القرآن كان من أسباب حفظ الله تعالى إياه فإنه قال لما أن حفظه قيضهم لذلك – إلى أن قال -: إن أحداً لو حاول تغييره بحرف أو نقطة لقال له أهل الدنيا هذا كذب وتغيير لكلام الله تعالى حتى أن الشيخ المهيب لو اتفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله تعالى لقال له الصبيان: أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا وكذا، فهذا هو المراد من قوله: وإنا له لحافظون: واعلم أنه لم يتفق بشيء من الكتب مثل هذا الحفظ فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغيير إما في الكثير منه أو في القليل، وبقاء هذا الكتاب مصوناً عن جميع جهات التحريف مع أن دواعي الملاحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده من أعظم المعجزات" ["تفسير مفاتيح الغيب للرازي" ص380 ج5 ط مصر القديم].
كتب الشيعة لإثبات التحريف
فهذه عقيدة السنة في القرآن وهذه هي الأقوال لعلمائهم وأكابرهم، وبعكس ذلك أن الشيعة ما اقتصروا على سرد الروايات والأحاديث خلاف ذلك من أئمتهم ومعصوميهم فحسب بل وقد صنفوا بخصوص هذا في كل عصر من العصور كتباً مستقلة تحت عنوان "التغيير والتحريف في القرآن" وأفردوها لنقل هذه العقيدة الخبيثة وإثباتها بالأدلة والبراهين حسب زعمهم.
فقد صنف في ذلك شيخ الشيعة الثقة عندهم "أحمد بن محمد بن خالد البرقي" كتاب التحريف "كما ذكره الرجالي الشيعي المشهور الطوسي في كتاب "الفهرسة" والنجاشي في كتبه.
وأبوه محمد بن خالد البرقي صنف أيضاً "كتاب التنزيل والتغيير" كما ذكره النجاشي.(4/103)
والشيخ الثقة الذي لم يعثروا له زلة في الحديث حسب قولهم "علي بن الحسن بن فضال" فقد أفرد في هذا الباب "كتاب التنزيل من القرآن والتحريف".
ومحمد بن الحسن الصيرفي صنف في هذا "كتاب التحريف والتبديل" كما ذكر الطوسي في الفهرست.
وأحمد بن محمد بن سيار "كتاب القراءات" وهو أستاذ لمفسر شيعي معروف ابن الماهيار – كما ذكر في "الفهرست" و"الرجال" للنجاشي.
وحسن بن سليمان الحلي "التنزيل والتحريف".
والمفسر الشيعي المشهور محمد بن علي بن مروان الماهيار المعروف بابن الحجام له "كتاب قراءة أمير المؤمنين وقراءة أهل البيت.
وأبو طاهر عبد الواحد بن عمر القمي له كتاب "قراءة أمير المؤمنين" – ذكره ابن شهر آشوب في معالم العلماء.
وذكر علي بن طاؤس "الشيخ الجليل لهم" في كتابه "سعد السعود" كتباً أخرى في هذا الموضوع، فمنها "كتاب تفسير القرآن وتأويله وتنزيله" ومنها كتاب "قراءة الرسول وأهل البيت" ومنها "كتاب الرد على أهل التبديل" كما ذكره ابن شهر آشوب في مناقبه، "ومنها كتاب السياري" ["نقلاً من كتاب "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" ص29].(4/104)
وكما صنف المتقدمون في هذا الموضوع صنف أيضاً المتأخرون منهم، فمنها الكتاب المعروف المشهور "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب "للميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي المتوفي 1320ه وهو كتاب شامل مفصل بحث فيه المحدث الشيعي بحثاً وافياً في إثبات التحريف في القرآن ورد على من أنكر أو أظهر التناكر من الشيعة ثم أردفه بكتاب آخر "لرد بعض الشبهات عن فصل الخطاب" [أفبعد هذا مجال لأحد أن يقول: بأن النوري الطبرسي لم يقل في هذا الكتاب عن التحريف بل بعكس ذلك أثبت أنه لا تحريف في الكتاب ولا تبديل" فمن الذي يريد الصافي أن يخدعه بهذا الكلام؟ أيظن أنه لا يوجد عند غيره "فصل الخطاب" أم يريد أن يكذب بجرأة حتى يظنه المستمعون أنه صدق، لا يا أيها الصافي! لا يمكن أن يكون ما تريده ففي الناس من يبينون كذبكم وعواركم ما دمتم تكذبون، فاسمعوا وعوا لن ولن يمكن أن تقلبوا الحقائق فيخدع بها سليم القلب. إن كتاب النوري الطبرسي ليس إلا وثيقة مهمة مشتملة على عقيدة الشيعة من أولهم إلى آخرهم بأنهم لا يؤمنون بهذا القرآن الموجود بين الدفتين، وقد ذكرنا عدة عبارات منه في بحثنا هذا وتركنا الباقي وفيه أكثر وأفظع بكثير مما ذكرناه].
وفي القارة الهندية أيضاً صنف الشيعة كتباً عديدة في إثبات وإظهار هذه العقيدة الباطلة، فقد ألف أحد علمائها من الشيعة كتاباً سماه "تصحيف كاتبين، ونقص آيات كتاب مبين" واسمه ميرزا سلطان أحمد الدهلوي.
"وضربة حيدرية" للسيد محمد مجتهد اللكنوي، وغير ذلك من الكتب الكثيرة التي ألفت في اللغة الفارسية، والعربية، والأردية.(4/105)
وهناك كثيرون منهم، الذين بوبوا لبيان هذه العقيدة المتفقة عليها عندهم، فمنهم أستاذ الكليني علي بن إبراهيم القمي، والثاني شيخهم الأكبر في الحديث محمد بن يعقوب الكليني، والسيد محمد الكاظمي في "شرح الوافية" وسماه "باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة"، والشيخ الصفار في كتابه "البصائر، باب في الأئمة أن عندهم جميع القرآن الذي أنزل على رسول الله"، وسعد بن عبد الله في كتابه "ناسخ القرآن ومنسوخه" باباً باسم "باب التحريف في الآيات"، وهلم جراً.
ولا يخلو كتاب من كتبهم في الحديث والتفسير، والعقائد، والفقه، والأصول، لا يخلو من قدح بالقرآن العظيم – ونحن ندعو الذين ينكرون هذا الاعتقاد من الشيعة ونسألهم: ما دمتم ادعيتم أنه لم يزد على كتاب الله ولم ينقص منه فماذا تقولون في من يعتقد مثل هذا الاعتقاد؟
هل تكفرونه؟ لأنه مما يوجب التفكير، وهل تفتون أنه خرج عن الملة الحنيفية البيضاء؟ كما أفتى به أئمة أهل السنة وعلمائها وزعمائها، فلننظر إلى أي حد تستعملون التقية والخداع للمسلمين.(4/106)
وهذا مما لا شك فيه كما أثبتنا في بحثنا الطويل أن الشيعة قاطبة، وفي كل عصر من عصور الإسلام قد اعتقدوا بهذا الاعتقاد ويعتقدونه إلى الآن، وليس إنكارهم مبنياً على الصدق والحقيقة ولكنه ليس إلا الشرود والفرار من إيرادات المسلمين وطعن الطاعنين، أو شعورهم بكشف السر المكنون، وافتضاح الأمر المستور [وإلا لم المدح لميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي من قبل السيد لطف الله الصافي الذي يتكلف الحماس لرفع هذه "التهمة" عن الشيعة بأنهم لا يعتقدون التحريف في الكتاب، فما رأينا المنافاة في القول مثل هذا فإن الصافي يدفع هذا الاعتراض في مرة ويرد عليه ثم يمدح في نفس المبحث الرجل الذي يعتقد بهذه العقيدة الخبيثة ولا يعتقد فحسب بل يثبتها بالأدلة الصحيحة الصريحة الواضحة الدامغة عند الشيعة ويؤلف فيه كتاباً ضخماً وافياً كاملاً شاملاً لإحاطة جميع النواحي لهذا المبحث، ولم المدح للعلماء المتقدمين الأكابر عند الشيعة مع تصريحهم بوقوع التحريف في القرآن؟ ولم تمجيدهم والاحترام لهم؟ والمعروف أن من ينكر أساساً من أسس الدين لا يحترم ولا يعظم، لأن المنكر لضرورة من ضروريات الدين مهان مصغر ومحتقر بإجماع المسلمين لا العكس . . .] وإلا الحق قد انجلى، والحقيقة قد انكشفت، والله ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين. . . .
الباب الثالث
الشّيعة والكذب
لا يتلفظ بلفظ الشيعة إلا ويتجسم الكذب معه، كأنهما لفظان مترادفان لا فرق بينهما، فتلازما من أول يوم أسس هذا لمذهب وكون هذا الدين، فما كان بدايته إلا من الكذب وبالكذب.(4/107)
ولما كانت الشيعة وليدة الكذب أعطوه صبغة التقديس والتعظيم، وسموه بغير اسمه، واستعملوا له لفظة "التقية"، وأرادوا بها إظهاراً بخلاف ما يبطنون، وإعلاناً ضد ما يكتمون، وبالغوا في التمسك بها حتى جعلوها أساساً لدينهم وأصلاً من أصولهم إلى أن نسبوا إلى واحد من أئمتهم – المعصومين عندهم – أنه قال: كما يرويه بخاريهم محمد بن يعقوب الكليني: التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له" قاله أبو جعفر، الإمام الخامس – حسب زعمهم" ["الكافي في الأصول" باب التقية، ص 219 ج2 ط إيران ص484 ج1 ط الهند].
وروى الكليني أيضاً عن أبي عمر الأعجمي أنه قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا عمراً إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له" [أيضاً ص217 ج2 ط إيران، ص482 ج1 ط الهند].
وأكثر من ذاك فقد روى الكليني هذا في صحيحه "عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله "ع" التقية من دين الله، قلت: ومن دين الله؟ قال: أي والله من دين الله" [أيضاً ص217 ج2 ط إيران، ص 483 ج1 ط الهند].
فهذا هو دينهم الذي يدينونه، وهذا هو معتقدهم الذي يعتقدون به، فما هو إلا كتمان للحق وإظهار للباطل، فقد وضعوا لهذا حديثاً فقالوا: عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله" [أيضاً ص222 ج2 ط إيران، ص485 ج1 ط الهند].
وكيف هذا مع ذاك: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" [سورة المائدة الآية 67].
وقد قال الله عز وجل: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" [سورة الحجر الآية 94].
وقال رسوله عليه السلام في حجة الوداع معلناً دينه ومظهراً كلمته: ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع" [متفق عليه].(4/108)
وقال : نضر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى له من سامع" [رواه الترمذي].
وقال عليه السلام: "بلغوا عني ولو آية" [رواه البخاري].
ومدح الله سبحانه وتعالى أنبيائه ورسله بقوله: الذين يبلغون رسالات الله ويخشون ولا يخشون أحداً إلا الله" [سورة الأحزاب الآية39].
كما مدح أصحاب رسول الله حيث قال: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم، إن الله كان غفوراً رحيماً" [سورة الأحزاب الآية23 و24].
وقال: ولا يخافون لومة لائم" [سورة المائدة الآية54].
وذم المنافقين على كذبهم فقال: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" [سورة المنافقون الآية1].
وبيّن أوصافهم: وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم، إنما نحن مستهزئون" [سورة البقرة الآية 14].
ثم بين جزائهم وقال: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، ولن تجد لهم نصيراً" [سورة النساء الآية145].
ونهى رسول الله عن الكذب وذمه، وأمر بالصدق ومدحه كما يرويه البخاري ومسلم: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاًن وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" [رواه البخاري ومسلم].
وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: سمعت رسول الله يقول: كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت به كاذب" [رواه أبو داود].
التقية دين وشريعة
ذاك ما يعتقده المسلمون بأمر من الله ووصية من رسوله ، حيث الشيعة قد أدخلوا الكذب في المعتقدات وحتى معتقداتهم الأساسية.(4/109)
فها هو صدوقهم وشيخ محدثيهم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي يقول في رسالته المعروفة – "الاعتقادات": التقية واجبة، من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة" – وقال -: التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى، وعن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة، وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} قال: أعملكم بالتقية" ["الاعتقادات" فصل التقية، ط إيران 1374ه].
وكيف لا يكون من المعتقدات الأساسية عندهم وقد نسبوا إلى رسول الله كذباً وميتاً أنه قال: مثل مؤمن لا تقية له كمثل جسد لا رأس له" ["تفسير العسكري" ص162 ط مطبعة جعفرى الهند].
ونقلوا عن إمامهم المعصوم – الأول حسب زعمهم -، علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: التقية من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه من الفاجرين" ["تفسير العسكري" ص162 ط مطبعة جعفرى الهند].
وعن الإمام الثالث حسين بن علي أنه قال: لولا التقية ما عرف ولينا من عدونا – كأنّ الكذب معيار لمعرفة الشيعة ["تفسير العسكري" ص162 ط مطبعة جعفرى الهند].
وعن الإمام الرابع – علي بن الحسين أنه قال: يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين ترك التقية – يا للذنب – وترك حقوق الإخوان" ["تفسير العسكري" ص164 ط مطبعة جعفرى الهند].
وعن الإمام الخامس – محمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر أنه قال: وأي شيء أقر لعيني من التقية، إن التقية جنة المؤمن" ["الكافي في الأصول" باب التقية ص220 ج2 ط إيران].(4/110)
وقال: خالطوهم بالبرانية (أي ظاهراً) وخالفوهم باجلوانية (باطناً) [ولا ندري كيف يعترض لطف الله الصافي على السيد محب الدين الخطيب على ما كتبه صادقاً في رسالته ما نصه: وأول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا وبينهما ما يسمونه التقية، فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتظاهرون له به من رغبتهم في التفاهم والتقاربوهم لا يريدون ذلك ولا يرضون به ولا يعملون له" (الخطوط العريضة ص8 و9 ط6). فهل في هذه الرواية المروية في صحيحهم "الكافي" عن إمامهم غير ما قاله الخطيب؟ فماذا يريد بقوله: ألا يصير أضحوكة الناس من يقول أن الشيعة حيث يقولون بالتقية لا يقبل منهم إقرار واعتراف في عقائدهم وأنهم يبطنون خلاف ما يظهرون" (" مع الخطيب للصافي" ص26 ط1). فمن يصير أضحوكة الناس بعد ما عرف أقوال أئمة الشيعة؟ أيظن الصافي أنه لا يوجد في العالم عالم بخباياهم ومكنوناتهم غيرهم؟ فيستطيعون أن يخدعوا من أرادوا خداعه، أو يظن الصافي بأن كل الناس مغفلون مثل الشيخ المصري الذي استطاع الشيعة خداعه، والذي يقول فيه الصافي أنه أبصر من الخطيب، مع أنه ليس من الضروري أن كل من يصل المراتب وينال المناصب يكون عالماً بصيراً ماهراً أيها الصافي، فكم من العلماء ما نالوا الدنيا ولا زخارفها لقولهم الحق ولإصداعهم الباطل، فليس الشيخوخة دليلاً على البصيرة والزعامة. وأما قول الصافي: إن التقية جائزة عند السنين فليس إلا افتراء باطلاً وبهتاناً عظيماً لأن أهل السنة لا يجوزون التقية الشيعية لأحد من المسلمين لا لهم ولا لغيرهم، وحاشا لله أن يكون ظاهرهم خلاف باطنهم، وقولهم غير معتقدهم، فهم من العصور المتقدمة معروفون بالصدق والأمانة والوفاء حيث الشيعة يمنعهم دينهم عن هذه المكرمات، وقد اعترف بهذا أئمتهم وروى في كتبهم، فيروي الكليني "عن عبد الله بن يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أخالط الناس(4/111)
فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً، لهم أمانة وصدق ووفاء وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق، قال: فاستوى أبو عبد الله عليه السلام جالساً فأقبل علي كالغضبان ثم قال: لا دين لمن دان الله بولاية إمام ليس من الله" ("الكافي في الأصول" ص237 ج1 ط الهند) فانظر أيها الصافي هذا ما قيل قديماً الفضل ما شهدت به الأعداء. فأهل السنة هم الذين أنجبوا أحمد بن حنبل الصارخ بالحق ومالك بن أنس المجاهر بالصدق، وأبا حنيفة المعلن لما يعتقد، وابن تيمية الصارم المسلول، وابن حزم المبطل للباطل، ورجالاً ملئوا التاريخ بتضحياتهم وجرأتهم وشهامتهم حينما كان أئمة الشيعة (كما يروون عنهم وينسبون إليهم) متسللين في الكهوف، مقنعين بالبراقع، متسترين بالأنقبة، وملتجئين إلى الكذب، فأين هؤلاء من أولئك، وأولئك أولئك كما قال جرير.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
فلست بخداعك أيها الصافي! تخدع المسلمين، ولا للمسلمين أن ينخدعوا بمثل هذا الخداع. وأما الاتفاق والاتحاد فلا يمكن على صدق من جانب وعلى كذب من جانب آخر، وإخلاص من طرف وخداع من طرف ثان، فليكن الإخلاص من الطرفين، وليكن الصدق من الجانبين، وهذا لا يتأتى إلا بالتبرؤ من مسلك التقية، وأما بالتمسك بها، والحمية لها، والدفاع عنها، فلا يمكن أن يتأتى، ولا يمكن أن يتحصل.] إذا كانت الآمرة صبيانية" ["الكافي في الأصول" ص220 ج2 ط إيران].
وعن الإمام السادس – جعفر بن الباقر الملقب بالصادق والمكنى بأبي عبد الله أنه قال: لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إلي من التقية يا حبيب! (اسم الراوي) إنه من كانت له تقية رفعه الله يا حبيب! ومن لم تكن له تقية وضعه الله" ["الكافي في الأصول" ص220 ج2 ط إيران].(4/112)
وعن الإمام السابع – موسى بن جعفر أنه كتب إلى أحد مريديه علي بن سويد: ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا "هذا باطل" وإن كنت تعرف خلافه، فإنك لا تدري لم قلناه وعلى أي وجه وضعناه، آمن بما أخبرتك ولا تفش ما استكتمتك" ["رجال الكشي" ص256 تحت ترجمة علي بن سويد ط كربلاء العراق].
وعن الإمام الثامن – علي بن موسى أنه قال: لا دين لمن لا ورع له ولا إيمان لمن لا تقية له، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، فقيل له يا بن رسول الله إلى متى؟ قال إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا" ["كشف الغمة" للاردبيلي ص341].
فهذه هي عقيدتهم في الكذب وتقديسهم له وغلوهم فيه.
وهل بعد هذا يمكن لأحد أن يعتمد عليهم، ويصدّق قولهم، ويمشي معهم، ويتفق بهم، ولقد صدق عالم شيعي هندي السيد "إمداد إمام" حين قال: إن مذهب الإمامية ومذهب أهل السنة عينان تجريان إلى مختلف الجهات وإلى القيامة تجريان هكذا متباعدتين لا يمكن اجتماعهما أبداً" ["مصباح الظلم" ص41 و42 في الأردية ط الهند].
وصدق الخطيب رحمه الله في عنوان رسالته "الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثنى عشرية واستحالة التقريب بينهما وبين أصول الإسلام في جميع مذاهبه وفرقه".
فكيف الجمع بين الصدق والكذب؟ وكيف الاجتماع بين الصادق والكاذب؟ وليس الكاذب فحسب بل الكاذب الذي يظن الكذب ضرورياً، واجباً عليه، وأكثر من هذا يعتقده من أعظم القربات إلى الله.
التقية ليس إلا كذباً محضاً
وقد تناكر بعض الشيعة التقية، وتظاهروا "بأنهم لا يريدون بالتقية الكذب بل يقصدون بها كتمان الأمر صيانة للنفس ووقاية للشر".
والحقيقة أنه ليس كذلك بل كذبوا في هذا أيضاً لأنهم لا يريدون من التقية إلا الكذب والخداع، والتظاهر بغير ما يبطنونه.
فها هي الشواهد والبراهين على ذلك –(4/113)
فيروي محمد بن يعقوب الكليني في صحيحه "الكافي في الفروع" عن أبي عبد الله أن رجلاً من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي صلوات الله عليهما يمشي معه، فلقيه مولى له فقال له الحسين عليه السلام: أين تذهب يا فلان، قال: فقال: أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها، فقال له الحسين عليه السلام: انظر أن تقوم على يميني فما تسمع أقول فقل مثله، فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين: الله أكبر، اللهم العن فلاناً عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، اللهم اجز عبدك في عبادك وبلادك، واصله حر نارك، وأذقه أشد عذابك، فإنه كان يتولى أعدائك، ويعادي أوليائك، ويبغض أهل بيت نبيك" ["الكافي في الفروع" كتاب الجنائز باب الصلاة على الناصب ص189 ج3 ط إيران ص99 ج1 ط الهند].(4/114)
وثم نسبوا مثل هذا الكذب إلى رسول الله وافتروا عليه حيث قالوا: عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما مات عبد الله بن أبي بن سلول حضر النبي جنازته، فقال عمر لرسول الله : ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فسكت فقال يا رسول الله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فقال له: ويلك ما يدريك ما قلت لك؟ إني قلت اللهم احش جوفه ناراً واملأ قبره ناراً وأصله ناراً، قال أبو عبد الله عليه السلام فابدأ من رسول الله ما كان يكره" [الكافي في الفروع كتاب الجنائز ص188 ج3 ط إيران وص99 ج1 ط الهند] فهذه عقيدة الشيعة في التقية أن رسول الله كان يخدع الناس (عياذاً بالله) حيث كان يظهر أنه يستغفر للمنافق الذي منعه الله عن الاستغفار له وهكذا كان يظهر مخالفة أوامر الله ونواهيه حيث كان يعمل هو نفسه غير ما يعمله أصحابه حسب ما يرونه نم رسول الله عليه السلام، لأنهم ما كانوا يعلمون أن رسول الله يدعو له أو يدعو عليه، فالرسول كان يلعن على شخص حيث كان رفقاءه يترحمون له في نفس الوقت؟ فكان سره يخالف علانيته، وظاهره يخالف باطنه حيث عمر ما كان يريد ذلك حسب روايتهم – عياذاً بالله مئات المرات – ولك أن تسأل أي شيء كان يخوف رسول الله حتى أقهر على الصلوات على عبد الله بن أبي مع أن الإسلام كان قوياً آنذاك وما نافق ابن أبي إلا خوفاً عن الإسلام وشوكته، وطمعاً في منافعه وفوائده، فما صوغ الشيعة هذه الفرية إلا لإثبات عقيدتهم النجسة بأن رسول الله كان يعمل بالتقية أي الكذب كما كان أئمتهم يعملون بها – فهذه هي التقية عند الشيعة التي يدعون أنها ليس إلا كتمان الأمر صيانة للنفس ووقاية للشر، فهل يشك أحد في هذه بأنها عين النفاق والكذب.(4/115)
وهناك رواية أخرى تصرح بأنها نفاق محض فيروي الكليني في كتاب الروضة من الكافي "عن محمد بن مسلم قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعنده أبو حنيفة فقلت له جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة، فقال لي يا بن مسلم! هاتها إن العالم بها جالس وأومأ بيده إلى أبي حنيفة، فقلت: رأيت كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت علي فكثرت جوزاً كثيراً ونثرته علي فتعجبت من هذه الرؤيا، فقال أبو حنيفة: أنت رجل تخاصم وتحاول لئاماً في مواريث أهلك فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أصبت والله يا أبا حنيفة!
قال: ثم خرج أبو حنيفة من عنده، فقلت له: جعلت فداك إني كرهت تعبير هذا الناصب، فقال: يا بن مسلم! لا يسوءك الله فما يواطئ تعبيرهم تعبيرنا ولا تعبيرنا تعبيرهم وليس التعبير كما عبره، قال: فقلت له: جعلت فداك: فقولك: أصبت وتحلف عليه وهو مخطئ؟ قال: نعم حلفت عليه أنه أصاب الخطأ" [كتاب الروضة من الكافي ص 292 ج8 ط إيران].
ومعروف أن أبا حنيفة رحمه الله ما كان ذا سلطة وشوكة حتى يهاب ويخاف منه، بل كان مبغوضاً عند أصحاب الحكم والجاه وناقماً عليهم.
ثم هو لم يطلب عن أبي عبد الله جعفر أن يمدحه ولا أن يوجه السائل عن الرؤيا إليه بل أبو عبد الله نفسه مدحه ووجه محمد بن مسلم أن يسأل عنه تعبير الرؤيا، ولما أجابه، صوبه، وحلف عليه، ولكن بعد توليه خطأه وتبرأه عنه، فماذا يقال لهذا، أله اسم غير النفاق.(4/116)
وورد مثل هذا في آية من كتاب الله عز وجل كما يرويه الكليني في الكافي: عن موسى بن اشيم قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله رجل عن آية من كتاب الله عز وجل فأخبره بها، ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر الأول، فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كان قلبي يشرح بالسكاكين فقلت في نفسي: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه، وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كله فبينا أنا كذلك إذ دخل آخر فسأله عن تلك الآية، فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي [فماذا يقول لطف الله الصافي القائل في كتابه "إلا يصير أضحوكة الناس من يقول أن الشيعة حيث يقولون بالتقية لا يقبل منهم إقرار واعتراف في عقائدهم وأنهم يبطنون خلاف ما يظهرون" (مع الخطيب في خطوطه العريضة ص36). فمن يصير أضحوكة الناس أيها الصافي! الشيعة أو الذين ينتقدون الشيعة؟ أما كان الحق مع الخطيب حيث قال: وأول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه التقية الخ. أما كان الخطيب صادقاً في هذا؟ وأمّا ماذا يقول الشيعة في هذه الرواية المروية عن إمامم المعصوم أبي عبد الله الجعفر والموجودة في صحيحهم الكافي حيث يجيب الإمام في آية واحدة بأجوبة مختلفة بالتقية كما ينصون.] فسكنت وعلمت أن ذلك منه تقية" [الكافي في الأصول ص163 ج1 ط الهند].
وليت شعري ماذا يقول فيه المنصفون من الناس؟ ومن أي نوع هذه التقية؟ وأي شر دفع بهذه التناقضات والتضادات؟ ومن أي مصيبة نجا بها؟ وهل يعتمد على من يعتقد بهذا الاعتقاد في المسائل الدينية أو الدنيوية؟ وهل يؤمن مثل هذا على شيء من الكتاب والسنة؟.
ومن يدري أنه متى يعمل بالتقية ومتى لا يعمل؟ أليس هذا إفساداً للدين وهدم لأساس الإسلام، ولعب بآيات من كتاب الله عز وجل.(4/117)
وأكثر من ذلك كان الأئمة حسب زعم الشيعة يحلون الحرام ويحرمون الحلال تقية فهذا هو إبان بن تغلب أحد رواة الكافي يروي قائلاً: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان أبي (محمد الباقر) عليه السلام يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتقيهم وأنا لا أتقيهم وهو حرام ما قتل" [الفروع من الكافي باب صيد البزاة والصقور وغير ذلك ص208 ج6 ط إيران وص80 ج2 ط الهند].
فماذا يمكن أن يقال فيه: حرام يفتى فيه بالحلال؟ أهذا دين وشريعة يا عباد الله؟ وهل يجوز لعامي أن يفتي بحلة ما يعده حراماً في معتقداته، فأين الإمامة والعصمة على حد قولهم؟.
فهذا هو قول الله عز وجل: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده من الطيبات والرزق} ["سورة الأعراف" الآية32].
وقال سبحانه في ذم اليهود والنصارى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} ["سورة التوبة" الآية31].
وفسره رسول الله الصادق الأمين بقوله: "كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه" [رواه الترمذي وأحمد والبيهقي في سننه].
وقد بين سبحانه أن التحليل والتحريم ليس إلا من خاصته وحتى النبي الكريم ليس له الأمر في ذلك حيث قال: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [سورة التحريم الآية1].
فكيف للباقر أن يجعل الحرام حلالاً والحلال حراماً وهم لم يعطوا للباقر وحده أن يحلل حراماً ويحرم حلالاً بل كل الأئمة حسب زعمهم يملكون تحليل ما حرمه الله وتحريم ما أحله الله.(4/118)
فهذا هو محدثهم الكبير أبو عمرو محمد الكشي يذكر في كتابه عن حمدويه قال حدثنا محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين الثقفي قال حدثني أبو حمزة معقل العجلي عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (جعفر): والله لو فلقت رمانة بنصفين فقلت: هذا حلال وهذا حرام، نشدت إن الذي قلت حلال حلال، وأن الذي قلت حرام فحرام (فهل أنكر على ذلك أبو عبد الله ورد عليه؟ كلا بل) فقال: رحمك الله، رحمك الله" [رجال الكشي ص215 ط كربلاء العراق].
فهذا هو معتقدهم الذي يمدحون عليه، ولأجل ذلك قال الجعفر: ما أحد أدّى إلينا ما افترض الله فينا إلا عبد الله بن يعفور" [رجال الكشي رواية أبي محمد الشامي ص215].
وهكذا كانوا يأمرون الناس أن يجعلوهم آلهة يعبدون، فيحللون ويحرمون، وقد صرح بذلك الإمام التاسع لهم – محمد بن علي بن موسى حينما سئل عن اختلاف الشيعة فقال: أن الأئمة هم يحلون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون – فهل يستبعد من يعتقد مثل هذا أنه لا يكذب في الأمور الأخرى، فمن لا يؤمن عليه في الحلال والحرام كيف يؤمن عليه في المباحات؟.
ثم من كان يجبر الباقر أن يفتي بمثل ما أفتى؟ أما ما يظهر من كلام الجعفر ليس إلا أن فتوى أبيه كان لإرضاء السلاطين الأمويين، لأنه يقول: كان يفتي في زمن بني أمية: فإن كان هذا فماذا يقول فيه الشيعة بعد ما ثبت عندهم أيضاً: أن جابراً يقول وقد روى عنه الباقر نفسه وعن الباقر الجعفر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أرضى سلطاناً بسخط الله خرج من دين الله" ["الكافي في الأصول" باب من أطاع المخلوق في معصية الخالق ص373 ج3 ط إيران].-
ألا يعد الشيعة إحلال الحرام من سخط الله؟
ثم ماذا يقول علي بن أبي طالب في خطاباته حسب زعمهم: "الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك" [نهج البلاغة ص129 ج2 ط بيروت].
وهل يشك أحد بأن التقية ليس الكذب بل الكذب المحض؟.
أمثلة لذلك(4/119)
وهناك أمثلة كثيرة لهذا فمنها: عن سلمة بن محرز قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أن رجلاً أرمانياً مات وأوصى إلي، فقال لي: وما الأرماني؟ قلت: نبطي من أنباط الجبال مات وأوصى إلي بتركته وترك ابنته، قال: فقال لي: أعطها النصف. قال فأخبرت زرارة بذلك، فقال لي: اتقاك، إنما المال لها، قال: فدخلت عليه بعد، فقلت: أصلحك الله إن أصحابنا زعموا أنك اقتيتني، فقال: لا والله ما اتقيتك ولكني اتقيت عليك أن تضمن فهل علم بذلك أحد؟ قلت: لا – قال: فأعطها ما بقي" ["الفروع في الكافي" باب ميراث الولد ص86، 87 ج7 ط إيران وص48 ج3 ط الهند].
فانظر أنه أعطى لسلمة بن محرز نصف المال ثم حرمه من النصف الثاني، فلا بد من اثنين، إما كان له الحق أن يأخذ النصف وإما ما كان له الحق، فإن لم يكن له الحق فكيف أعطاه أولاً، وإن كان له الحق فلم تراجع ثانياً، ثم وأي شيء كان يخاف منه الإمام حيث لم يكن صاحبه ورفيقه ومقلده زرارة بن أعين يبالي به.
وهل يجوز هذا لأحد أن يفتي في دين الله بخلاف ما قاله الله وقاله رسول الله عليه السلام "تقية" أو كذباً على التعبير الصحيح؟.
ومسائل الفرائض لا تتعلق بالاجتهادات بل تثبت بالنصوص، فمن يغير النصوص ويحرفها، ويفتي بخلافها، هل يعتمد عليه في المسائل الأخرى؟ وهناك رواية أخرى تشبه الأولى ما رواها الكليني أيضاً في الفروع "عن عبد الله بن محرز قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى إلي وهلك وترك ابنته فقال أعط الابنة النصف، واترك للموالي النصف، فرجعت فقال أصحابنا: لا والله ما للموالي شيء، فرجعت إليه من قابل فقلت: إن أصحابنا قالوا: ليس للموالي شيء وإنما اتقاك، فقال: لا والله ما اتقيتك ولكني خفت عليك أن تؤخذ بالنصف، فإن كنت لا تخاف فارفع النصف الآخر إلى الابنة، فإن الله سيؤدي عنك" ["الفروع في الكافي" ص87، 88 ج7 ط إيران وص48 ج3 ط الهند].(4/120)
ويظهر من هاتين الروايتين أن الشيعة لا يجوزون الكذب اتقاء للنفس وحفظاً للذات بل كانوا متعودين الكذب بدون أي شيء، وأن السائل عن عبد الله بن محرز وسلمة لم يكن من الأمويين ولا العباسيين بل كانا من خلص الشيعة وأصحاب "الإمام المعصوم" عندهم – وأيضاً صرح الجعفر بأنه لم يفتي بالباطل تقية بل أفتى به مصلحة وكذباً.
وقد صرح أئمة الشيعة حسبما يزعمون أن التقية ليس إلا كذباً محضاً فقد روى أبو بصير عن أبي عبد الله (جعفر) أنه قال: التقية من دين الله قلت من دين الله؟ قال أي والله من دين الله ولقد قال يوسف: أيها العير إنكم لسارقون ووالله ما كانوا سرقوا شيئاً" ["الكافي في الأصول" ص217 ج2 ط إيران].
وأصرح من ذلك ما رواه محدثهم الكشي: عن حسين بن معاذ بن مسلم النحوي عن أبي عبد الله ع قال: قال لي (أبو عبد الله) : بلغني أنك تعقد في الجامع فتفتي الناس، قال: قلت نعم، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج أني أقعد في الجامع فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف أخبرته بما يقولون . . . قال (أي معاذ بن مسلم) فقال لي (أبو عبد الله) : اصنع كذا فإني أصنع كذا" ["رجال الكشي" ص218، فكيف يدعي لطف الله الصافي "رأي الشيعة جواز التقية وقد عملوا بها في الأجيال التي تغلب على البلاد الإسلامية أمراء الجور وحكام جبابرة . . . . هل هناك جور وجبر حتى يلتجأ إلى التقية لا بل إلى الكذب الصريح والقول الباطل ثم وأي إجبار فيه لو لم يقل مثلما قال أولاً أو قال مثلما قال أخيراً. وثم مع أصحابه الخاصة ورفقائه وتلامذته، ثم من يكون هذا دأبه مع متبعيه ومقلديه فماذا يكون شأنه مع الأغيار؟.].
فهذا هو الإمام كما يقولون، يأمر الناس أن يكذبوا على الناس ويخدعوهم، ويحثهم على ذلك، فأين هذا من قول الله عز وجل: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" ["سورة التوبة" الآية119].(4/121)
وقال عز شأنه: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً} ["سورة الأحزاب" الآية70].
ولكن المسألة هنا منعكسة ومتناقضة فهؤلاء القوم لا يكذبون فحسب بل يأمرون بالكذب ويعدونه من أفضل القربات إلى الله، وأسسوا مذهبهم على ذلك، فكتبهم في الحدث والتفسير مليئة من هذه الأكاذيب والأباطيل.
ولما اشتكى على ذلك أحد طعنوه على أن الخلاف والتناقض والكذب ما كان إلا للمصلحة والغرض.
فمثلاً يذكر الكشي أن أبا الحسن موسى الكاظم كتب إلى أحد متبعيه وهو في السجن: ادع إلى صراط ربك فينا من رجوت إجابته، ولا تحصر حصرنا ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا "هذا باطل" وإن كنت تعرف خلافه ["رجال الكشي" ص368 تحت ترجمة علي بن سويد السائي ط كربلاء العراق] فإنك لا تدري لم قلناه وعلى أي وجه وصفناه" [أفما كان الخطيب المغفور له محقاً حيث قال التقية تمنع التجاوب بيننا وبين الشيعة حيث لا ترعف هل صدقوا في القول أم كذبوا أخلصوا أم أرادوا الغدر؟].
بل وحرضوهم على ذلك كما روي عن أبي عبد الله أنه قال ما منكم من أحد فيصلي صلاة فريضة في وقتها ثم يصلي معهم صلاة تحية إلا كتب الله بها خمس وعشرين درجة فارغبوا في ذلك" [من لا يحضره الفقيه باب الجماعة ص1].
فهل من المعقول أن يسمع الرجل كلاماً يخالف نص القرآن والسنة ثم يقول عنه ويحكم عليه أنه ليس بباطل لأن الكلام مروي عن واحد من هؤلاء الأئمة لأن كونه عن الإمام فقط لا يجعله صالحاً للقبول غير أن يكون موافقاً للكتاب والسنة حيث أن الأصل في الشريعة ليس إلا كتاب الله وسنة رسول الله، المخلو من التناقض والتخالف.
وهل من الممكن أيضاً أن يسمع ويرى أحد من العقلاء كلاماً متناقضاً مخالفاً بعضه بعضاً ثم يقول: أن الكل حق وصواب: مع أنه من المعلوم أن الحق لا يتعدد، ومن علامات الكذب أن يختلف أقوال الرجل ويتضارب آراؤه.(4/122)
وأما الشيعة فلا يوجد عندهم قول في مسألة إلا ويخالفه قول آخر حتى لا يوجد راو من رواتهم الحديث إلا وفيه قولان، قول يوثقه، وقول يضعفه، ولا يضعفه فحسب بل يحطه في أسفل السافلين ويجعله ألعن الملعونين.
رواة الشيعة
وخير مثال لذلك محدثهم الكبير وراويهم الشهير زرارة بن أعين صاحب "الأئمة الثلاثة" موسى، وجعفر، والباقر، وفيذكره المترجمون الشيعة، يمدحونه في صفحة ويذمونه في صفحة أخرى، يجعلونه من أهل الجنة مرة وأهل النار مرة أخرى، ويعدونه من أخلص المخلصين تارة، ومن ألد الناس تارة.
فمثلاً يذكر الكشي تحت ترجمة زرارة بسنده "قال أبو عبد الله (الجعفر) "ع": يا زرارة! إن اسمك في أسامي أهل الجنة" . . . [رجال الكشي ص122 ط كربلاء العراق].
وقال أبو عبد الله: أحب الناس إلي أحياء وأمواتاً أربعة بريد بن معاوية، وزرارة، ومحمد بن مسلم، والأحول، وهم أحب الناس إلي أحياء أو أمواتاً" [رجال الكشي ص123].
وقال أبو عبد الله أيضاً: رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي" [رجال الكشي ص124].
وقال ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة، وأبو بصير، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة" [رجال الكشي ص125].
ثم هذا هو زرارة بن أعين الذي قال فيه الجعفر هذا نفسه عن ابن أبي حمزة عن أبي عبد الله "ع" قال: قلت: والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم".
قال: أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم، قلت ما هو قال: هو والله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة وهذا الضرب، قال قلت: (يعني ابن أبي حمزة) الزنا معه قال: الزنا، ذنب" [رجال الكشي ص131، 132 تحت ترجمة زرارة].(4/123)
وأكثر من ذلك "عن زياد بن أبي الحلال قال: قال أبو عبد الله "ع" : لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، لعن الله زرارة" [رجال الكشي ص133 ترجمة زرارة].
وعن ليث المرادي قال: سمعت أبا عبد الله "ع" يقول: "لا يموت زرارة إلا تائها" [رجال الكشي ص134].
وعن علي القصير قال: استأذن زرارة بن أعين وأبو الجارود على أبي عبد الله "ع" قال: يا غلام أدخلهما فإنهما عجلا المحيا وعجلا الممات" [رجال الكشي ص135].
ويقول في نفس الرجل الذي قال فيه : لولا زرارة لاندرست أحاديث أبي، وقال: يا زرارة إن اسمك في أسامي أهل الجنة: يقول هذا إمامه وأما خلفه فيقول: إن ذا من مسائل آل أعين، ليس من ديني ولا دين آبائي" [رجال الكشي ص137].
ثم نفس الزرارة هذا، قال فيه ابن جعفر أبو الحسن موسى الإمام السابع لهم: والله كان زرارة مهاجراً إلى الله تعالى" [رجال الكشي ص139 تحت ترجمة زرارة بن أعين].
وأيضاً عن ابن أبي منصور الواسطي قال سمعت أبا الحسن "ع" يقول" إن زرارة شك في إمامتي فاستوهبته من الله تعالى" [رجال الكشي ص138].
وجدّ أبي الحسن أبو جعفر الباقر يقول عن زرارة حينما سأله عن جوائز العمّال فقال (أبو جعفر) : لا بأس به، ثم قال: إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً (الخليفة) أني أحرم السلطان" [رجال الكشي ص140 ترجمة زرارة].(4/124)
يعني أن زرارة خائن ومن جواسيس الخلفاء الأمويين ولكن ابنه جعفر أبو عبد الله يمدحه بعد وفات أبيه ثم يذمه، ثم ابنه أي ابن أبي جعفر أبا الحسن موسى يمدحه مع أن أباه أبا عبدالله قال فيه، حينما سأل أحد شيعته: متى عهدك بزبارة؟ قلت: ما رأيته منذ أيام قال: لا تبالي، وإن مرض فلا تعده، وإن مات فلا تشهد جنازته، قال: (الراوي) قلت: زرارة؟ متعجباً مما قال (أبو عبد الله) قال: (أبو عبد الله) : نعم زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال إن الله ثالث ثلاثة" [فانظر رجال الكشي ص142 ترجمة زرارة، ولا أدري كيف يجترئ المحشي لكتاب "رجال الكشي" السيد أحمد الحسيني أن يقول: الروايات التي يوردها مؤلف هذا الكتاب في شأن زرارة تنقسم إلى قسمين، فبعض منها في المدح والثناء له والإشادة بمكانته السامية ومنزلته العظيمة عند الإمام الصادق عليه السلام وأبيه وتقدمه على أصحابه في العلم والمعرفة وحفظ أحاديث أهل البيت عن الضياع والتلف، وبعض منها يدل على عكس ذلك. وأنه كان الرجل كذاباً وضاعاً مرائياً وداساً في الأحاديث . . . . . كيف يجترئ أن يقول: أن الذم والتكذيب والتكفير إنما صدرت للدفاع والمحافظة والتقية . . . . . وأن هذه الأخبار صدرت تقية" (حاشية رجال الكشي ص143 و144). وهل هذا تقية أو كذب وخداع؟ يقال للرجل أمامه شيء وخلفه شيء آخر؟ وثم أي شيء كان يخوف الأئمة من زرارة. هل كان ملكاً من ملوك بني أمية أم بني العباس، فما كان إلا شيعة أبي جعفر، وأبي عبد الله، وأبي الحسن، فأي شيء أجبرهم على تكفير ذلك الرجل، ثم بعد ذلك هو الآن مدار وقطب لأحاديث الشيعة!].
فهذا شأن قطب من أقطاب الشيعة الذي أدرك ثلاثة من الأئمة، يتضارب فيه الأقوال الثلاثة من "المعصومين" الذين لا ينطقون إلا بالوحي والإلهام" وقد صدق الله عز وجل حيث قال: ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوحى إليه شيء" [سورة الأنعام الآية94].(4/125)
وقال: لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" [سورة النساء الآية52].
وقال: يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون" [سورة البقرة الآية9].
وقال: جل مجده: وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون" [سورة البقرة الآية14].
ومثل هذا كثير، بل هذا دأبهم مع الجميع، مثل محمد بن مسلم، وأبي بصير، وحمران بن أعين وغيرهم كبار الشيعة وأئمة رواتهم يبشرون بالجنة ويعدونهم من أخلص المخلصين، ويذمونهم مرة ويكفرونهم وينذرونهم بالنار.
لم قالوا بالتقية
ولقد بين الشيعة الأسباب التي لأجلها اختاروا التقية ويختارونها ولكن اختلفوا فيها كما اختلفوا في الأمور كلها.
فقد قال طائفة: التقية أمر واجب حفظاً للنفس والعرض والمال" [كتب الشيعة].
وقال شيخ الطائفة الطوسي في تفسيره: التبيان: التقية واجبة عن الخوف على النفس، وقد روى رخصة في جواز الإفصاح بالحق . . . . . ثم قال: ويظهر من قصة مسيلمة أن التقية رخصةوالإفصاح بالحق فضيلة" ["التبيان" للطوسي تحت آية لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء].
وقال الشيخ الصدوق: والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة، وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} قال: أعملكم بالتقية" ["الاعتقادات للصدوق"].
ونقلوا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال: التقية من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه من الفاجرين" [تفسير العسكري ص163].
وقال طائفة: أنها واجبة سواء كان صيانة للنفس أو لغيرها، فيروي الكليني عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به" [الكافي في الأصول باب التقية].(4/126)
وقد روى الصدوق عن جابر: قال قلت يا رسول الله إن الناس يقولون أن أبا طالب مات كافراً، قال: يا جابر ربك أعلم بالغيب أنه لما كانت الليلة التي أسري بي إلى السماء انتهيت إلى العرش فرأيت أربعة أنوار فقيل لي: هذا عبد المطلب، وهذا عمك أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا ابن عمك جعفر بن أبي طالب، فقلت: إلهي لم نالوا هذه الدرجة، قال بكتمانهم الإيمان ولإظهارهم الكفر حتى ماتوا على ذلك" ["جامع الأخبار" نقلاً عن "تنقيح المسائل" ص140].
وقال طائفة أنها جائزة دفاعاً عن النفس، فقال الطبرسي مفسر الشيعة: وفي هذه الآية دلالة على أن التقية جائزة في الدين عن الخوف على النفس" [مجمع البيان تفسير قوله إلا أن تتقوا منهم ثقة].
ويقول الطوسي بعد ذكر رواية الحسن في قصة مسيلمة: فعلى هذا التقية رخصة والإفصاح بالحق فضيلة" ["التبيان" للطوسي].
ويقول لطف الله الصافي في كتابه "مع الخطيب: نعم رأى الشيعة جواز التقية وقد عملوا بها في الأجيال التي تغلب على البلاد الإسلامية أمراء الجور وحكام جبابرة مثل معاوية ويزيد والوليد والمنصور. . . ." [مع الخطيب في خطوطه العريضة ص39].
وقال السيد على إمام العالم الشيعي الهندي: أن الإمامية يرون جواز التقية حفظاً على النفس والمال" [مصباح الظلم ص71 ط الهند الأردية].
ويروي الكليني عن زرارة عن أبي جعفر قال: ثلاثة لا أتقي فيهن أحداً [ولكن ولده كان يتقي أيضاً في الخمر] شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج" ["الكافي في الفروع باب مسح الخف و"الاستبصار" ص39 ج1 ط لكنهؤ الهند].
وذكر ابن بابويه القمي مثل هذه الرواية في كتابه: قال الإمام عليه السلام: ثلاثة لا أتقي فيها أحداً شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج" ["من لا يحضره الفقيه" ص16 ج1 ط الهند].
والحق أن الشيعة يرون التقية واجبة في جميع الأمور سواء كان للحفظ على النفس أو غير ذلك.(4/127)
بل الصحيح أنهم تعودوا الكذب فسوغوه وسموه بغير اسمه ثم وضعوا الأحاديث في فضله.
واحتاجوا أيضاً إلى التقية والتجأوا إليها حينما عرفوا من أئمتهم أقوالاً متضاربة وآراء متناقضة. فلما اعترض عليهم أن أئمتهم الذين يزعمون أنهم معصومون عن الخطأ والنسيان كيف اختلفوا في شيء واحد، فجوزوه مرة وحرموه تارة أخرى، وقالوا بشيء في وقت ثم قالوا بنقيض ذلك في وقت آخر؟ لم يجدوا الجواب إلا أن قالوا: أنهم قالوا أي الأئمة هذا أو ذاك تقية، وقد اعترف بهذا المنصفون من الشيعة.
أمثلة لذلك(4/128)
فيذكر أبو محمد الحسن النوبختي من أعلام الشيعة في القرن الثالث عن عمر بن رباح أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن مسألة، فأجابه فيها بجواب، ثم عاد إليه في عام آخر فسأله عن تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الأول، فقال لأبي جعفر: هذا خلاف ما أجبتني في هذا المسألة العام الماضي، فقال له: إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية، فشكك في أمره وإمامته، فلقي رجلاً من أصحاب أبي جعفر يقال له محمد بن قيس، فقال له: إني سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب، ثم سألته عنها في عام آخر، فأجابني فيها بخلاف جوابه الأول، فقلت له: لم فعلت ذلك؟ فقال: فعلته للتقية وقد علم الله أني ما سألته عنها إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به، وقبوله في العمل به، فلا وجه لاتقائه إياي وهذه حالي، فقال له محمد بن قيس: فلعله حضرك من اتقاه، فقال ما حضر مجلسه في واحدة من المسألتين غيري ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التخبت، ولم يحفظ ما أجابه في العام الماضي فيجيب بمثله، فرجع (عمر بن رباح) عن إمامته وقال: لا يكون إماماً من يفتي بالباطل على شيء بوجه من الوجوه ولا في حال من الأحوال، ولا يكون إماماً من يفتي تقية بغير ما يجب عند الله ولا من يرخي ستره، ويغلق بابه، ولا يسع الإمام إلا الخروج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ["فرق الشيعة" للنوبختي ص80، 81، 82 ط المطبعة الحيدرية بالنجف العراق سنة 1379ه].(4/129)
وروى الكليني عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (الباقر) قال: سألته عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل، فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي فلما خرج رجلان قلت: يا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت صاحبه، فقال: يا زرارة إن هذا خير لنا ولكم – قال: فقلت لأبي: شيعتكم لوحملتموهم على الأسنة أو النار لمضوا وهم يخرجون من عندك مختلفين" ["الكافي في الأصول" ص37 ط الهند].
وروى الكشي مثل هذا عن ابنه جعفر الإمام السادس، فيقول: حدثني أبو عبد الله . . . . . عن محمد بن عمر، قال: دخلت على أبي عبد الله "ع" فقال: كيف تركت زرارة؟ فقلت تركته لا يصلي العصر حتى تغيب الشمس، فقال: فأنت رسولي إليه، فقل له فليصل في مواقيت أصحابي فإني قد حرقت، قال: فأبلغته (يعني زرارة) ذلك، فقال: أنا والله أعلم أنك لم تكذب عليه ولكنه أمرني بشيء فأكره أن أدعه" ["رجال الكشي" ص128].
ولأجل ذلك قال زرارة مرة حينما رأى من جعفر بن محمد الباقر التناقض والتضاد في مسألة واحدة ألا وهي تفسير الاستطاعة، فقال: أما إنه (أي أبي عبد الله الجعفر) قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم، وصاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال" ["رجال الكشي" ص133].
وبمثل هذا روي عن ابن جعفر، الإمام السابع عندهم موسى أبي الحسن فيروي الكشي بسنده عن شعيب بن يعقوب قال: سألت أبا الحسن "ع" عن رجل تزوج امرأة ولها زوج ولم يعلم؟ قال: ترجم المرأة وليس على الرجل شيء إذا لم يعلم، فذكرت ذلك لأبي بصير المرادي، قال (يعني أبا بصير) : قال لي: والله جعفر ترجم المرأة ويجلد الحد، قال: فضرب بيده على صدره يحكها: أظن صاحبنا ما تكامل علمه" ["رجال الكشي" ص154].(4/130)
وهذا أبو بصير الذي قال فيه جعفر بن باقر: بشر المخبتين بالجنة، بريد بن معاوية، وأبا بصير، ومحمد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست" ["رجال الكشي" ترجمة أبي بصير المرادي ص152].
ولقد اشتكى الشيعة أنفسهم قبل ذلك بكثير على مثل هذا التناقض والتضاد من الحسن والحسين رضي الله عنهما.
فيذكر النوبختي ويقول: فلما قتل الحسين جاءت فرقة من أصحابه وقالت: قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقاً واجباً صواباً من موادعته معاوية وتسليمه له عن عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوتهم فما فعله لاحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم وكثرة أصحاب يزيد حتى قتل وقتل أصحابه جميعاً باطل غير واجب، لأن الحسين كان أعذر في القعود عن محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية، وإن كان ما فعله الحسين حقاً واجباً صواباً من مجاهدته يزيد بن معاوية حتى قتل وقتل ولده وأصحابه، فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد الكثير باطل، فشكوا لذلك في إمامتهما ورجعوا فدخلوا في مقالة العوام" [" فرق الشيعة للنوبختي ص46، 47 ط النجف]. [الشيعة يسمون أنفسهم الخواص وأهل السنة ومن خالف بدعهم وزيغهم العوام مثل ما يسمي اليهود أنفسهم أبناء الله وأحباؤه وغيرهم الأميين، فيلاحظ التقارب حتى وفي المصطلحات].
وذكر عالم شيعي هندي ناقلاً عن أئمته في كتابه "أساس الأصول": الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً، لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده حتى صار ذلك سبباً لرجوع بعض الناقصين عن اعتقاد الحق كما صرح به شيخ الطائفة (الطوسي) في أوائل "التهذيب" و"الاستبصار" ["أساس الأصول" ص15 ط الهند].(4/131)
وسبب آخر للتقية هو أن أئمة الشيعة كانوا يعللون شيعتهم بالأماني الكاذبة لتثبيتهم على التشيع، فيروي الكليني عن علي بن يقطين، قال لي: أبو الحسن عليه السلام، الشيعة تربى بالأماني منذ مائتي سنة، قال يقطين لابنه: فكان وقيل لكم فلم يكن فقال له على أن الذي قيل لكمن كان من مخرج واحد غير أن أمركم جعفر فكان كما قيل، وإن أمرنا لم يحضر تعللنا بالأماني فلو قيل لنا أن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة أو ثلثمائة لعنت القلوب ولرجع عامة الناس عن الإسلام ولكن قالوا ما أشرعوا وما أقربه تأليفاً لقلوب الناس وتقريباً للفرج" ["الكافي في الأصول" ص233 باب كراهية التوقيت].(4/132)
وأصرح من ذلك كله ما ذكره النوبختي أيضاً في كتابه ناقلاً عن سليمان بن جرير: أنه قال لأصحابه: أن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبداً وهما، القول "بالبداء" وإجازة التقية، فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون والأخبار بما يكون في غد وقالوا: لشيعتهم أنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا، فإن جاء ذلك الشيء على ما قالوه، قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا يكون ونحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمته الأنبياء،وبيننا وبين الله عز وجل مثل تلك الأسباب التي علمت به الأنبياء عن الله ما علمت، وإن لم يكن ذلك الشيء الذي قالوا أنه يكون على ما قالوا قالوا: لشيعتهم بدا الله في ذلك، وأما التقية فإنه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب الدين فأجابوا فيها وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم وكتبوه ودونوه ولم يحفظ أئمتهم تلك الأجوبة بتقادم العهد وتفاوت الأوقات. لأن مسائلهم لم ترو في يوم واحد ولا في شهر واحد بل في سنين متباعدة وأشهر متباينة وأوقات متفرقة، فوقع في أيديهم في المسألة الواحدة مرة أجوبة مختلفة متضادة وفي مسائل مختلفة أجوبة متفقة، فلما وقفوا على ذلك منهم ردوا إليهم هذا الاختلاف والتخليط في جواباتهم وسألوهم عنه وأنكروه عليهم، فقالوا من أين هذا الاختلاف؟
وكيف جاز ذلك قالت لهم أئمتهم: إنما أجبنا بهذا للتقية ولنا أن نجيب بما أجبنا وكيف شئنا لأن ذلك إلينا ونحن نعلم بما يصلحكم وما فيه بقاءكم وكف عدوكم عنا وعنكم، فمتى يظهر من هؤلاء على كذب ومتى يعرف لهم حق من باطل؟ فمال إلى هذا لهذا لقول جماعة من أصحاب أبي جعفر وتركوا القول بإمامة جعفر عليه السلام" ["فرق الشيعة" للنوبختي ص85، 86، 87 ط النجف].(4/133)
وهناك ضرورة أخرى للقول بالتقية وهو أنه صدر من أئمتهم مدحاً لأصحاب رسول الله والاعتراف بفضلهم وسبقهم إلى الخيرات حسب شهادة القرآن، والإقرار بخلافتهم وإمامتهم. وإعلان البيعة لهم عن علي وأهل بيت النبي، وتزويجهم إياهم بناتهم، وإقامة العلاقات الطيبة الوثيقة معهم، وتبرئتهم عن الشيعة وذمهم، وبيان فسادهم، فتحيروا وحاروا في هذا إذ لا يقوم مذهبهم إلا بالتبرئة عن أصحاب محمد والعداء الشديد لهم ولمن والاهم، وبادعاء ولائهم لأهل البيت، وإظهارهم الإخلاص لهم، فلما رأوا هذا المأزق لم يجدوا المخلص منه إلا القول: إن الأئمة ما قالوا هذا إلا تقية وكانوا مع ذلك يبطنون خلاف ما يظهرون ويقولون.
مدح الصحابة
1ـ فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الراشد الرابع، والإمام الأول عندهم. يمدح أصحاب رسول الله بقوله: لقد رأيت أصحاب محمد فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كان بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى ابتل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء للثواب" ["نهج البلاغة" ص143 خطبة علي رضي الله عنه ط دار الكتاب بيروت 1387ه].
وقال رضي الله تعالى عنه في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنها: وكان أفضلهم في الإسلام كما زعمت وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق، والخليفة الخليفة الفاروق، ولعمري أن مكانهم في الإسلام لعظيم وأن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد. رحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا" ["شرح نهج البلاغة" للميسم ص31 ج1 ط طهران].(4/134)
وروى أيضاً عن إمامهم السادس أبي عبد الله أنه كان يأمر بولاية أبي بكر وعمر، فيروي الكليني عن أبي بصير: قال كنت جالساً عند أبي عبد الله، إذ دخلت علينا أم خالد تستأذن عليه (أي أبي عبد الله) فقال: أبو عبد الله: أيسرك أن تسمع كلامها، قال: قلت: نعم، فأذن لها، قال: فأجلسني معه على الطنفسة، قال: ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة، فسألته عنهما، (أبي بكر وعمر) فقال لها: توليهما قالت: فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما، قال: نعم" [كتاب الروضة للكليني ص29 ط الهند].
وقد ورد المدح للصديق الأكبر عن أبيه محمد الباقر أيضاً كما رواه علي بن عيسى الأردبيلي الشيعي المشهور في كتابه: كشف الغمة في معرفة الأئمة: أنه سئل الإمام أبو جعفر عن حليته السيف هل تجوز؟ فقال نعم قد حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة، فقال (السائل) : أتقول هذا؟ فوثب الإمام عن مكانه، فقال: نعم، الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق، فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة" ["كشف الغمة في معرفة الأئمة" للأردبيلي نقلاً عن التحفة الاثنى عشرية للشيخ شاء عبد العزيز الدهلوي ط2 مصر 1378ه].
ومن المعلوم أن مرتبة الصديق بعد النبوة ويشهد لها القرآن والآيات الكثيرة، منها قوله تعالى: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً} [سورة النساء الآية69].
الاعتراف بخلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة
2ـ واعترف علي رضي الله تعالى عنه وأولاده بخلافة هؤلاء، أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وأقروها لهم، وكان علي وزيراً ومسيراً لهم، كما ثبت عنه وعن أولاده مدح لهؤلاء الأعاظم، فقد قال رضي الله عنه: لله بلاد فلان (أبي بكر) [وقد اتفق شراح نهج البلاغة أن المراد من فلان، أبو بكر وقال بعضهم: عمر، فلم يخرجوا عن الاثنين وهو المطلوب].(4/135)
فلقد قوم الأود، وداوى العمد، وأقام السنة، وخلف الفتنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرحاً، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه" ["نهج البلاغة" ص350].
وقال لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين شاوره في الخروج إلى غزو الروم: إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة [كانفة، عاصمة يلجئون إليه] دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً محرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت رداً للناس ومثابة للمسلمين" ["نهج البلاغة" ص193 ط بيروت].
وأصرح من ذلك ما قال فيه وقد استشاره في الشخوص لقتال الفرس بنفسه فقال: إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعده، وأمده، حتى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، ومكان القيم بالأمر [القيم بالأمر، القائم به، يريد به الخليفة] من الخرز يجمعه ويضمه، فإن انقطع النظام تفرق الخرز وذهب ثم لم يجتمع لحذافيره أبداً. والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً، فهم كثيرون بالإسلام، عزيزون بالاجتماع، فكن قطباً، واستدر الرحا بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك –
إن الأعاجم إن ينظروا إليك يقولون: هذا أصل العرب، فإذا قطعتموه استرحتم فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك . . . وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة" ["نهج البلاغة" ص203 و204 ط بيروت].(4/136)
وقد قال لعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لما اجتمع الناس إليه وشكوا على عثمان، فدخل عليه وقال: إن الناس ورائي وقد استسفروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك، ما أعرف شيئاً تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه، وقد رأيت كما رأينا، وسمعت كما سمعنا، وصحبت رسول الله كما صحبنا، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى لعمل الحق منك، وأنت أقرب إلى أبي رسول الله وشيجة رحم منهما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا" ["نهج البلاغة" ص234].
وقال مثنياً على خلافتهم الثلاثة: أنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى" ["نهج البلاغة" ص366، 367].
وقد صرح وأوضح بوضاحة لا غموض فيها مفسر الشيعة وكبيرهم علي بن إبراهيم القمي حيث ذكر قول الله عز وجل: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحفصة يوماً: أنا أفضي إليك سراً فقالت: نعم ما هو؟ فقال: أن أبا بكر يلي الخلافة بعدي ثم من بعده أبوك (عمر) فقالت: من أخبرك بهذا قال: الله أخبرني" ["تفسير القمي" ص376 ج2 سورة التحريم ط مطبعة النجف 1387ه].
ونقل عن علي رضي الله عنه أنه قال لما أراد الناس على بيعية بعد قتل عثمان رضي الله عنه: دعوني والتمسوا غيري. . . . إلى أن قال: وإن تركتموني فإنا واحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيراً خير لكم من أمير" ["نهج البلاغة" ص136 ط بيروت].
تزويج أم كلثوم من عمر بن الخطاب(4/137)
3ـ وتدل على العلاقات الوطيدة بين الخلفاء الثلاثة وبين علي رضي الله عنهم أن علياً زوج ابنته من فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها، عمر الفاروق أمير المؤمنين وخليفة الرسول الأمين عليه السلام، وقد اعترف بهذا الزواج محدثو الشيعة ومفسروها وأئمتهم "المعصومين" فيروي الكليني: عن معاوية بنعمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها أو حيث شاءت قال: بل حيث شاءت، إن علياً صلوات الله عليه لما توفى عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته" [الكافي في الفروع باب المتوفى عنها زوجها المدخول بها أين تعتد ص311 ج2 ط الهند].
وروى مثل هذه الرواية أبو جعفر الطوسي في كتابه: تهذيب الأحكام في باب عدة النساء، وأيضاً في كتابه الإبصار ص185 ج2.
ويروي الطوسي أيضاً عن جعفر عن أبيه قال ماتت أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة، لا يدري أيهما هلك قبل ولم يورث أحدهما من الآخر وصلى عليهما جميعاً" ["تهذيب الأحكام للطوسي" ص380 ج2 كتاب الميراث ط طهران].
وبوب اللكيني باباً باسم "باب في تزويج أم كلثوم" وروى تحت ذلك حديثاً عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في تزويج أم كلثوم فقال: إن ذلك فرج غصبناه" [الكافي في الفروع ص141 ج2 ط الهند].
ويذكر محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني: فولد من فاطمة عليه السلام الحسن والحسين والمحسن وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى تزوجها عمر" [مناقب آل أبي طالب ص162 ج3 ط بومبئ الهند].
ويقول الشهيد الثاني للشيعة زين الدين العاملي: وزوج النبي ابنته عثمان، وزوج ابنته زينب بابى العاص، وليسا من بني هاشم، وكذلك زوج علي ابنته أم كلثوم من عمر، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين، وتزوج مصعب بن الزبير اختها سكينة، وكلهم من غير بني هاشم" ["مسالك الأفهام" ج1 كتاب النكاح ط إيران 1282ه].
ذم الشيعة واللعن عليهم(4/138)
4ـ وهذا كان دأب علي وأولاده الأئمة "المعصومين" – عندهم – مع أصحاب رسول الله وخلفائه حين كانوا يبغضون الشيعة المنتسبين إليهم، المدعين حبهم وأتباعهم، فيذمونهم على رؤوس الأشهاد، فهذا علي رضي الله تعالى عنه – الإمام المعصوم الأول – كما يزعمون – يذم شيعته ورفاقه، ويدعو عليهم فيقول. وإني والله لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم، فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته، اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شراً مني، اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء" ["نهج البلاغة" ص67 ط بيروت].
ويكيل عليهم اللعنات ويقول: يا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة – والله – جرت ندماً، وأعقبت سدماً. قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان؛ حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب.
لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراساً، وأقدم فيها مقاماً مني! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وهاأنذا قد ذرفت على الستين! ولكن لا رأي لمن لا يطاع" ["نهج البلاغة" ص70، 71 ط بيروت].(4/139)
وأيضاً: أيها الناس، المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء! تقولون في المجالس: كيف وكيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدى حياد! ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، وسألتموني التطويل، دفاع ذي الدين المطول. لا يمنع الضيم الذليل! ولا يدرك الحق إلا بالجد! أي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز – والله – بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل، أصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدو بكم. ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ما طبكم؟ القوم رجال أمثالكم. أقوالاً بغير علم! وغفلة من غير ورع! وطمعاً في غير حق"!؟ ["نهج البلاغة" ص72، 73].
ويمدح رضي الله عنه أنصار معاوية ويذم شيعته "أما والذي نفسي بيده، ليظهرن هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم، وإبطائكم عن حقي. ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحت أخاف ظلم رعيتي. استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سراً وجهراً فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، شهود كغياب، وعبيد كأرباب! أتلو عليكم الحكم فتنفرون منها، وأعظكم بالموعظة البالغة فتفترقون عنها، وأحثكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا. ترجعون إلى مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم، أقومكم غدوة، وترجعون إلي عشية، كظهر الحنية، عجز القوم، وأعضل المقوم.
أيها القوم الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم. صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه. لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة وأعطاني رجلاً منهم!(4/140)
يا أهل الكوفة، منيت منكم بثلاث واثنتين: صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء! تربت أيديكم! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها! كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر، والله لكأني بكم فيما إخالكم: أن لو حمس الوغى وحمي الضراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها" ["نهج البلاغة" ص141، 142].
وأيضاً: والله لولا رجائي الشهادة عند لقائي العدو – ولو قد حم لي لقاؤه – لقربت ركابي ثم شخصت عنكم فلا أطلبكم ما اختلف جنوب وشمال؛ طعانين عيابين، حيادين رواغين. إنه لا غناء في كثرة عددكم مع قلة اجتماع قلوبكم" ["نهج البلاغة" ص176].
وقال: ما أنتم بوثيقة يعلق بها، ولا زوافر عز يعتصم إليها. لبئس حشاش نار الحرب أنتم! أف لكم! لقد لقيت منكم برحاً، يوماً أناديكم ويوماً أناجيكم، فلا أحرار صدق عند النداء، ولا إخوان ثقة عند النجاء" ["نهج البلاغة" ص183]!(4/141)
وقال واصفاً صفاتهم: أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب. إن أمهلتم خضتم، وإن حوربتم خرتم. وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن أجئتم إلى مشاقة نكصتم. لا أبا لغيركم! ما تنظرون بنصركم والجهاد على حقكم؟ الموت أو الذل لكم؟ فوالله لئن جاء يومي – وليأتيني – ليفرقن بيني وبينكم وأنا لصحبتكم قال، وبكم غير كثير. لله أنتم! أما دين يجمعكم! ولا حمية تشحذكم! أو ليس عجباً أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم – وأنتم تريكة الإسلام، وبقية الناس – إلى المعونة أو طائفة من العطاء، فتفترقون عني وتختلفون علي؟ إنه لا يخرج إليكم من أمري رضى فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه؛ وإن أحب ما أنا لاق إلى الموت! قد دارستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج، وعرفتكم ما أنكرتم، وسوغتكم ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو النائم يستيقظ! وأقرب بقوم من الجهل بالله قائدهم معاوية! ومؤدبهم ابن النابغة ["نهج البلاغة" ص258، 259].
الشيعة عند غيره من الأئمة
فهذا ما قاله أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأما ما قاله الحسن والحسين وغيرهما من "الأئمة المعصومين" عندهم، في الشيعة فكما يأتي فيروي، الكليني عن أبي الحسن موسى أنه قال: لو ميزت شيعتي ما وجدتهم إلا واصفة ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين" ["كتاب الروضة" للكليني ص107 ط الهند].
ويذكر الملا باقر المجلسي في مجالس المؤمنين، أنه روى عن الإمام موسى الكاظم أنه قال: ما وجدت أحداً يقبل وصيتي ويطيع أمري إلا عبد الله بن يعفور" ["مجالس المؤمنين" المجلس الخامس ص144 ط طهران].
وروى الكشي عن أبيه الجعفر أنه قال أيضاً: إني والله ما وجدت أحداً يطيعني ويأخذ بقولي إلا رجلاً واحداً – عبد الله بن يعفور" ["رجال الكشي" ص215 ط كربلاء العراق].(4/142)
وذكر الحسن بن علي رضي الله عنهما شيعته، فقال: أرى والله معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي، وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا به إليه سلماً، والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير، ويمن علي فيكون سنة على بني هاشم آخر الدهر، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت" ["كتاب الاحتجاج" للطبرسي ص148 ط طهران].
وقال: عرفت أهل الكوفة (أي شيعته وشيعة أبيه) وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً أنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، وأنهم لمختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم معنا وإن سيوفهم لمشهورة علينا" ["كتاب الاحتجاج للطبرسي رواية الأعمش ص149].(4/143)
وقال أخوه الحسين لشيعته حينما اجتمعوا عليه بدل أن يساعدوه ويمدوه بعد ما دعوه إلى الكوفة وبايعوا مسلم بن عقيل نيابة عنه فقال لهم: تباً لكم أيتها الجماعة! وترحاً وبؤساً لكم وتعساً حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا وحششتم علينا ناراً أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم ألبا على أوليائكم ويداً على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ولا ذنب كان منا فيكم، فهلا لكم الويلات إذا أكرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لم تستخصف ولكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا، وتهافتم إليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفهاً [فهؤلاء الشيعة يا لطف الله؟ وهؤلاء الذين تريد أن يتقارب إليهم أهل السنة؟ فمن لم يفوا بأئمتهم ولم يخلصوا لهم أيفون ويخلصون للسنة ويصدقون القول لهم فماذا تقول أيها السيد؟ وبماذا ترد على الخطيب؟ وأي جماعة هي جماعتك وحزبك، وبنم تفتخر؟ يا لطف الله! فلبئس العشير عشيرتك] بعد أو وسحقاً لطواغيت هذه الأمة" ["كتاب الاحتجاج" للطبرسي ص145].
ومثل هذا كثير – فهذه هي الأسباب التي جعلتهم يلجئون إلى القول بالتقية، لأنه لا يمكن الجمع بين مدح الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان، وبين قدحهم، كما لا يمكن الجمع بين ذم الشيعة واللعن عليهم، وبين مدحهم، والقول: لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم . . . فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة" ["رجال الكشي" ص10 باب فضل الرواة والحديث ط كربلاء العراق].
فكيف الجمع بين هذا وذاك؟ فقالوا: إن الئمة ما قالوا ذلك إلا تقية فهذا هو المخلص الوحيد لهم من المآزق، ولكن من يقول لهم: من يدري ذلك كان تقية أم هذا؟
فأين الحق؟ وأين الصواب؟
وأين الكذب وأين الصدق؟(4/144)
وأين الحق وأين الباطل؟ فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون.
ثم يسأل إن كانت الأقوال في مدح الصحابة وأبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين، والبيعة لهم، وتزويجهم إياهم بناتهم، وتبرئتهم من شيعتهم، وذمهم، تقية فمن أجبرهم على ذلك؟ وهل كان في ذلك الإجبار خوف على أنفسهم حتى اضطروا إلى مثل تلك الأقوال المبنية على الحقائق والوقائع مثل تخلف الشيعة عن مناصرة أئمتهم وذمهم أئمتهم على ذلك الخذلان.
وموازنتهم أصحابهم الخزليين الفجرة مع أصحاب محمد الأوفياء المخلصين البررة، وشهادتهم بفضل الخلفاء الراشدين والبيعة لهم وقبول الوزارة عنهم والمشورة لهم.
فمن أجبرهم على ذلك وأي خوف كان عليهم بتركهم هذه الأعمال والأقوال، فإن كان علي يبغض عمر فكان عليه أن يستشيره حينما استشاره في الشخوص لقتال الأعاجم والروم أن يتشخص ويتخض في القتال حتى يقتل ويستريح علي وأهل بيت النيب – كما يزعمون – ولكنه خلاف ذلك ينكر عليه الشخوص ويمنعه منعاً باتاً ويعده أصل العرب وكالنظام للخرز.
فعدلاً يا عباد الله!
الرد على القول بالتقية
ثم استدلالهم على جواز التقية من الآيات القرآنية والأحاديث والروايات عند الخوف على النفس ليس إلا أضحوكة يضحك بها العقلاء.
أولاً: - إن الاستدلال بالايات مثل قوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وقوله: فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم، وقوله: وجاء أخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون؛ وقوله: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء: وإلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان: وغير ذلك من الآيات والاستدلال بالروايات مثل قصة أبي جندل وغيرها وأبي ذر وأبي بكر. ليس إلا استدلالاً باطلاً.(4/145)
لأن الآيات واحدة منها، والروايات المروية في هذا الشأن لا تدل مطلقاً على جواز الكذب والتقية والإصرار عليه، بل الآيات والأحاديث تدل دلالة صريحة على أن الكذب والتقية الشيعية في الدين – لا يجوز بحال من الأحوال مثل قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" [سورة المائدة الآية67] وقوله: الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله: [سورة الأحزاب الآية39] وقوله: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين [سورة الحجر الآية94] وقوله تعالى: وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين" [سورة آل عمران الآية146] ولا يخافون لومة لائم" [سورة المائدة الآية54] وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" [سورة التوبة الآية119] وقوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً" [سورة الأحزاب الآية70]. وقوله عليه السلام: عليكم بالصدق: [رواه البخاري ومسلم].
وقوله : كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً فهو لك به مصدق وأنت به كاذب" [رواه أبو داود].
وقول علي رضي الله عنه: لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده" ["الكافي في الأصول" باب الكذب].
وقال: الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك" ["نهج البلاغة"].
وأما الآيات التي استدلوا بها إن دلت على شيء دلت على جواز التورية كما في قصة إبراهيم أنه قال لهم: إني سقيم، يعني به سقيم من عملكم.
وأما قصة يوسف فليس فيه تقية ولا تورية لأن معرفته إخوته وعدم إخبارهم بمعرفته لا يدل على التقية.(4/146)
وليس معنى قوله: إلا من أكره: أن يعلّم الناس الكفر ويفتيهم بالحرام، ويحرضهم على خلاف الحق بل كل ما فيه أنه لو اضطر وأجبر على القول بالكفر فله أن يتقول به من غير أن يعتقد ويعمل به [وذكر الخازن في تفسيره تحت هذه الآية: أجمعوا على من أكره على الكفر لا يجوز له أن يتلفظ بكلمة الكفر تصريحاً بل يأتي بالمعاريض وبما يوهم أنه كفر فلو أكره على التصريح يباح له ذلك بشرط طمأنينة القلب على الإيمان غير معتقد ما يقوله من كلمة الكفر ولو صبر حتى قتل كان أفضل لأمر ياسر، أو سمية، قتلا ولم يتلفظا بكلمة الكفر ولأن بلالاً صبر على العذاب ولم يلم على ذلك (تفسير خازن ص136 ج3)].
وأما قوله: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء: ليس فيه مسألة التقية مطلقاً وهكذا في قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة لأن معناه أن لا يبخل المسلمون بشيء حتى ينجروا به إلى الهلاك، وبهذا فسره علماء الشيعة وأئمتهم ومفسروهم كما في "خلاصة المنهج" وغيره من تفاسير الشيعة.
وأما قصة أبي جندل وأبي ذر فليس فيها شائبة للتقية، وقول أبي بكر للكفار حينما سألوه من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فقال: رجل يهديني السبيل: فلا علاقة له بالتقية، أما كان رسول الله يهديه إلى سبيل الخير، سبيل الجنة؟.
وثم كما قال الشاه عبد العزيز الدهلوي في التحفة.
إن التقية لا تكون إلا لخوف والخوف قسمان، الأول الخوف على النفس وهو منتف في حق حضرات الأئمة بوجهين، أحدهما أن موتهم الطبيعي باختيارهم (حسب زعم الشيعة) كما أثبت هذه المسألة الكليني في الكافي [وقد مر ذكرها في باب "الشيعة والسنة" مفصلاً] وعقد لها باباً وأجمع عليها سائر الإمامية، وثانيها أن الأئمة يكون لهم علم بما كان ويكون [أيضاً مرّ تفصيل هذه العقائد في الباب الأول] فهم يعلمون آجالهم وكيفيات موتهم وأوقاته بالتخصيص، فقبل وقته لا يخافون على أنفسهم، ولا حاجة بهم إلى أن ينافقوا في دينهم ويغروا عوام المؤمنين.(4/147)
القسم الثاني، خوف المشقة والإيذاء البدني والسب والشتم وهتك الحرمة، ولا شك أن تحمل هذه الأمور والصبر عليها وظيفة العلماء، فقد كانوا يتحملون البلاء دائماً في امتثال أوامر الله تعالى، وربما قابلوا السلاطين الجبابرة.
وأهل بيت النبوي أولى بتحمل الشدائد في نصرة دين جدهم ، وأيضاً لو كانت التقية واجبة فلم توقف أمام الأئمة (علي) كرم الله تعالى وجهه عن بيعة خليفة رسول الله ستة أشهر؟ وماذا منعه من أداء الواجب أول وهلة؟" ["مختصر التحفة الاثنى عشرية" للشاه عبد العزيز الدهلوي باختصار وتهذيب السيد محمود شكري الآلوسي بتحقيق وتعليق السيد محب الدين الخطيب ط المطبعة السلفية سنة 1387ه].
ثم لم يكن علي وأولاده من ذي التقية لأننا كما ذكرنا عن أعيان الشيعة أن التقية لا تكون إلا عند الخوف على النفس ووقاية للشر وأئمة الشيعة حسب زعمهم كانوا يملكون من القوة ما لا يملكها الآخرون كما ذكرنا قبل ذلك في معتقدهم في الأئمة وكما ذكره الطبرسي أن عمر جادل سلمان وأراد أن يؤذيه: فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض" ["الاحتجاج" للطبرسي ص45 ط إيران].
وذكر الراوندي: أن علياً بلغه عن عمر ذكر شيعته، فاستقبله في بعض طرق لبساتين المدينة وفي يد علي القوس فقال يا عمر بلغني عنك ذكرك شيعتي، فقال: اربع على ظلعك، فقال: إنك لها هنا، ثم رمى بالقوس على الأرض فإذا هو ثعبان كالبعير فاغراً فاه وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه فصاح عمر: الله، الله، يا أبا الحسن لا عدت بعدها في شيء وجعل يتضرع إليه، فضرب بيده إلى الثعبان فعادة القوس كما كانت، فمضى عمر إلى بيته مرهوباً" ["كتاب الخرايج والجرايح" للراوندي ص20 و21 ط بومبئى الهند سنة 1301ه].
ونسب إلى علي أنه قال: إني والله لو لقيتهم واحداً وهم طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت" ["نهج البلاغة" خطبة علي رضي الله عنه].(4/148)
وليس هذا بخاصة علي رضي الله عنه بل كل الأئمة هكذا يملكون من الشجاعة والقوة والمعجزات ما لم يحصل للآخرين كما روي عن أبي الحسن علي بن موسى – الإمام الثامن لهم – أنه قال: للإمام علامات، يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس وأشجع الناس . . . . يرى من بين يديه ولا يكون له ظل واقع إلى الأرض . . . ويكون دعاؤه مستجاباً حتى لو أنه دعا إلى صخرة لانشقت نصفين، ويكون عنده سلاح رسول الله وسيفه ذو الفقار" ["الخصال، لابن بابويه القمي ص105 و106 ط إيران].
وفي رواية الكليني: ويملك الإمام أيضاً ألواح موسى وعصيه وخاتم سليمان كما يملك الاسم الذي لا يؤثر فيه الرماح والسهام، فمن يكون هذا شأنه لم يتقي وممن يتقي؟.
وأخيراً إلى متى تجب هذه التقية أو بالتعبير الصحيح الكذب عند الشيعة؟.(4/149)
فيروي الأردبيلي عن الحسين بن خالد أنه قال: قال الرضا عليه السلام: لا دين لمن لا ورع له ولا إيمان لمن لا تقية له وإن أكرمكم عند الله أتقاكم فقيل له يا ابن رسول الله إلى متى قال إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا [وقد عمل السيد لطف الله الصافي بالتقية حين قال: رأى الشيعة جواز التقية وقد عملوا بها في الأجيال التي تغلب على البلاد الإسلامية أمراء الجور وحكام جبابرة مثل معاوية ويزيد و. و. . ."، ثم يقول: ولا يقاس هذا الزمان بعصر الأمويين والعباسيين . . ذلك زمان وهذا زمان (مع الخطيب في خطوطه العريضة للصافي). فهذا في هذا الزمان أيها الصافي! أن التقية لم تكن في ذلك العصر فحسب بل التقية جارية والكذب فاش في الشيعة إلى يومنا هذا، وحتى أنت أيها الصافي قد عملت بها في كتبك المملوءة من الأكاذيب والأباطيل. وها أنت تعمل بها الآن حيث تقول أن التقية كانت ولا تكون، حيث يقول أئمتك: أن التقية كانت ولا تزال حتى خروج القائم الذي لم يخرج بعد ولن يخرج إلى أبد الدهر. فمن الصادق أنت أو أئمتك؟ أو بألفاظ آخر من الكاذب، أنت أو أنت؟. فإليك روايات وأحاديث مذهبك التي جهلتها أو تجاهلت عنها خجلاً وحياء التي تظهر ما تكتم وتفشي ما تبطن وتفصح ما تخفي]. فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا" ["كشف الغمة" للأردبيلي ص341].
وروى الكليني عن علي بن الحسن أنه قال: والله لا يخرج واحد منا قبل خروج القائم إلا كان مثله مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فبعثوا به" ["كتاب الروضة" للكليني].
وكتب ابن بابويه: والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله ودين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة" ["الاعتقادات، لابن بابويه القمي].
فهذا هو دين الإمامية، دين الشيعة الاثنى عشرية، دين الكذب ودين الخداع والمكر، والكذب إلى الأبد لا نجاة منه.(4/150)
وقد ذكرا لله عز وجل في كتابه إيانا وإياهم وقال: فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين، والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون، لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين، ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون، أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد، ومن يهدي الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام، [سورة الزمر الآية32 إلى 36]. وصدق الله مولانا العظيم.
تم تنزيل هذا الكتاب من موقع البرهان على شبكة الانترنت
http://www.albrhan.com(4/151)
الشيعة وأهل البيت
تأليف الأستاذ / إحسان إلهي ظهير
رئيس تحرير مجلة ترجمان الحديث لاهور باكستان
مقدمة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على نبيه محمد المصطفى، الذي تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يضل سالكها، ولا يهتدي تاركها، وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى، وزين الورى، ومن أحبهم إلى يوم الفناء وزوال الأرض والسماء.
وبعد فإنني ألفت قبل السنوات التسعة كتاباً حول عقائد الشيعة رداً على من أراد التمويه والتزوير لأهل السنة في بلادهم ومدنهم باسم التقريب، أي تقريب السنة إلى الشيعة والتشجيع، مستعملاً فيه التقية اللازمة لمذهبهم، والأكاذيب التي هي أكبر وسيلة للقوم.
فحمداً لله أفاد الكتاب الأقارب والأباعد، الأحباء والأغيار بصورة لم أكن أتصوره آنذاك، وصار مرجعاً للمخلصين الأوفياء لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومثلجاً صدور المؤمنين، المتبعين أسلاف هذه الأمة وأكابرها الذين حملوا راية الله إلى الآفاق، وكسروا شوكة أعداء الله، جبابرة الأمم وطغاتها، وفرح به الأصاغر والأكابر.
وعرف الجميع حقيقة القوم التي طالما خفيت على كثير من الناس الذين خدعوا بالأباطيل والنعرات والهتافات بحب آل البيت، واتباعهم، وموالاتهم.
وعرفوا أن القوم يدينون بدين هو غير دين الله الذي جاء به محمد بن عبد الله، نبي الله وصفيه صلوات الله وسلامه عليه، ويؤمنون بالقرآن غير القرآن الموجود في أيدي الناس، والمنزل من الله على قلب المصطفى، نزل به الروح الأمين - صلى الله عليه وسلم -، ولهم عقائد ومعتقدات لا تمت إلى الإسلام بصلة والإسلام منها بريء.
كما علموا بغض القوم وحقدهم على أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشتائمهم وسبابهم إياهم، ولعله أول مرة بذكر المصادر الموثوقة، والكتب المعتمدة لدى القوم، وبعباراتهم أنفسهم مع ذكر الصفحة والمجلد والطبعة.(5/1)
وعرفوا كذلك التقية الشيعية ومعتقدهم في الأئمة، وجعلهم فوق الأنبياء والرسل، بل وقريباً من الإله الواحد، الفرد، الصمد.
وذمهم من قبل أئمتهم وأهل البيت إياهم، عرفوا كل ذلك، وأدركوا خطرهم ومكرهم وما يكتمون وراء دعوتهم أهل السنة إلى التقريب والتقارب.
وأحدث الكتاب ضجة كبرى في الأوساط الشيعية لافتضاح أمرهم واكتشاف سرهم حتى صرخ أحد مؤلفيهم الذي عبثا حاول الرد على الكتاب بقوله: خذ صفحة من كتاب "الشيعة والسنة" واقرأه وانظر ما فيه، ستجد كلامي حقاً لا شبهة فيه وستجد أن هذا الرجل يحاول أن يثير الرأي العام على الشيعة - إلى أن قال - وفقت في هذا العام لأداء العمرة المفردة فوجدت أن كلمات هذا الرجل تتردد على أفواه بعض المنسبين للعلم أكثر من السنين السابقة فهم يرددون تلك الكلمات كما تردد الببغاء كلماتها المحفوظة، فعلمت أن هذا من تأثير ذلك ["كتاب الشيعة والسنة في الميزان" ص25، 26 لصاحب ألقاب س-خ وقد يأتي ذكر هذا الكتاب في الصفحات الآتية].
كما كتب لي أحد أئمة الشيعة من الكاظمية من العراق وهو يلومني "وفي إحدى الجمعات وجدت أحد الأصدقاء والأحباء المخلصين لي من بغداد وهو قد استمع إلى خطبتي حسب العادة ولكنه انصرف قبل إقامة الصلاة، ولما سألته بعد ذلك عن سبب انصرافه قبل الصلاة؟ قال: لأني لا أجيزها خلفك، فازداد استغرابي فقلت: وما الذي حدث؟ قال: إني قرأت "الشيعة والسنة" لأحد علماء باكستان وقرأت فيه ما جعلني أعتقد فيكم ما لم أكن أعتقده قبل ذلك، ولكني لشغفي بكم وبحبي لخطابكم جئت لأستمع الخطبة وأما الصلاة فلا [خطاب الشيخ.. خطيب الجمعة في الكاظمية، بغداد].
فكتبت رداً عليه، في يومه وها أنا ذا أجيب، السيد، س-خ إن كان ما كتبه غلطاً وكذباً فبينوا وتؤجروا، وإن كان صحيحاً فارجعوا إلى الحق واتركوا ما ترون في إظهاره فضيحة وعاراً لكم في الدنيا، وسيكون في الآخرة أشد".
وعند الله في ذاك الجزاء(5/2)
وسنة 80 الميلادية لقيني في الحج بمكة المكرمة بعض العلماء الكبار من الشيعة وتكلموا حول كتابي وقالوا: لا ينبغي كتابة مثل هذا الكتاب في مثل هذه الظروف والآونة فقلت لهم: نعم، ولكم حق، ولكن هل لكم أن تخبروني أن في الكتاب غير ما هو موجود في كتبكم أنتم؟
فقالوا: نعم، كل مافيه من كتبنا نحن ولكن لا ينبغي إثارة المسائل كهذه، فقلت: ماذا تريدون؟
قالوا: وهم يطيرون فرحاً وسروراً من استماعي وإصغائيلهم : صادر هذا الكتاب وأحرقه ولا تطبعه ثانية.
قلت: موافق، ولكن بشرط؟
أجابوا وهم لا يصدقون قولي من شدة الفرح: بشروط????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????فرجعوا إلى أنفسهم وقالوا: إنك تعرف أن هذه الأشياء كانت مبعثرة، منتشرة في أوراق الكتب وصفحاتها، ولم يكن في متناول كل أحد، ولكنك ألفت وجمعتها كلها في كتاب، وأردت أن تفرق بها كلمة المسلمين؟
نعم! جمعت وألفت وجعلت هذه العقائد في متناول الجميع بعد أن كانت معروفة لدى قوم واحد، والآخرون كانوا في غفلة منها وعدم العلم، ألفت حتى يكون كلا الطرفين على بينة ومعرفة لا يخدع واحد دون أحد حتى يكون التقارب، التقارب الحقيقي، ومن جانبين، لا من جانب واحد كما قال الفضل بن عباس:-
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
الله يعلم أنا لا نحبكم ولا نلومكم إن لا تحبونا
وأما أن يكون بأن نكرمكم ونكرم أكابركم وأعيانكم وأنتم تبغضوننا وتبغضون أسلاف هذه الأمة ومحسنيها، وباني مجدها، ورافعي شمخها، ومعلني كلمتها، الفاتحين الغزاة، المجاهدين الكماة.(5/3)
ونصدق لكم في القول ونظهر ما في قلوبنا ونفوسنا وتستعملون التقية وتبطنون خلاف ما تعلنون فلا يكون ولن يكون.
نعم! إن وجد في كتابي ما لا يوجد في كتبكم، ونسبت إليكم شيئا لم يكن فيكم فأنا مدبن، وهل فيكم وفي غيركم أحد يستطيع أن يثبت شيئا من هذا؟
فالحمد لله الذي لا أحمد أحداً سواه، ولا أستطيع أن أحمده كما يليق بشأنه وعظمته، لم يستطيع أحد لا في العرب ولا في العجم بأن يجترئ ويقدم على ذلك مع كثرة ما كتب رداً على.
وحتى السيد – س-خ عندما عجز عن ذلك اصطنع رسائل واخترع خطابات لم تحملها البريد أبداً ومن الفتيات في الإمارات العربية [انظر لذلك "كتاب الشيعة والسنة في الميزان" ص145، 146].
والفتيات التي قال فيه عنهن الشاعر قديماً :-
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول
ومن الغرائب أن الرسائل أرسلت إلى حسب قوله بباكستان ولكنها وصلت إليه في لبنان.
لهم قلوب لا يفقهون بها
ولا يسعني إلا أن أقول له: عبثاً يا سيد، س-خ! كفلت نفسك بالرد أنت - وغيرك مثلك – [والكتب الأخرى التي ردت بها عليّ لا تختلف عن هذا الكتاب].
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وعلى كل فإن الكتاب ومع صغر حجمه كان كثير الفائدة والنتائج، وكان الإقبال عليه مدهشاً حتى طبع منه خلال هذه السنوات القليلة أكثر من مائة ألف نسخة طباعة شرعية أعنى ما طبع منه بإذن مني، وأما الغير الشرعية فالله يعلم [مثلما طبع في بعض البلاد العربية]، هذا باللغة العربية، أما باللغات الأخرى الفارسية وغيرها فغير محسوب.
أما هذا الكتاب، فكتاب مستقل عن ذلك، وأقصد من كتابته أولاً هو تعريف الشيعة، وتبيت حقائقها، وإظهار خفاياها، وإلقاء الأضواء عليها، وعلى المسائل التي اخترعوها، والعقائد التي ابتكروها وأوجدوها - للشيعة أنفسهم -.(5/4)
لأننا أدركنا القوم أنفسهم وخاصة العوام منهم لا يعرفون مذهبهم الحقيقي، ومعتقداتهم الأصلية [نعم! الأصلية وأما العقائد التي يبديها ويظهرها بعض منهم أمام السنة من إنكار التحريف وغيره فليس الغرض منها إلا خداع السنة عملاً بالتقية]. فهم في جهل كامل، وغفلة عميقة عن حقيقة مذهبهم الذي اعتنقوه وراثة، أو مخدوعين باسم حب أهل البيت النبي والولاء لهم، وهم لا يعرفون حتى وأهل البيت، لأن القوم ما أرادوا من أهل البيت أهل بيت النبي، بل يقصدون من وراء هذه الكلمة أهل البيت علي لا نبي، وحتى علي لا يعدون جميع أولاده من أهل البيت مع من فيهم بناته اللاتي أنجبتهم فاطمة رضي الله عنها بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل يقصدون من ذلك أشخاصاً معدودين يعدون على أنامل يد واحدة كما سيرى القارئ في الكتاب.
فأولاً وأصلاً كتبنا هذا الكتاب لأولئك المخدوعين، المغترين، الغير العارفين حقيقة القوم وأصل معتقداتهم كي يدركوا الحق ويرجعوا إلى الصواب إن وفقهم الله لذلك، ويعرفوا أن أهل البيت - نعم - وحتى أهل بيت علي رضي الله عنهم أجمعين لا يوافقون القوم ولا يقولون بمقالتهم، بل هم على طرف والقوم على طرف آخر، وكل ذلك من كتب القوم وبعباراتهم هم أنفسهم، وهذا مع ادعائهم اتباعهم وإطاعتهم وولائهم وموالاتهم.
كما يكون الكتاب حجة قاطعة وبرهاناً ساطعاً في أيدي السنة، مطيعي كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومحبي الصحابة، ومتبعي السلف الصالح لهذه الأمة، والسالكين مسلكهم، والمقتفين آثارهم، والمتبعين منهجهم.
طبقاً لقول الله عز وجل: والذين اتبعوهم بإحسان.
ومصداقاً لقوله جل وعلا: { رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } [سورة التوبة الآية100].(5/5)
ومن الطرائف أن القوم لشدة بغضهم أصحاب رسول الله العظيم صلوات الله وسلامه عليه، ورضوان الله عليهم أجمعين، نبذوا وحتى تعليمات أئمتهم الذين يزعمونهم معصومين، لا يصدر عنهم الخطأ والزلل، والثابتة في كبهم أنفسهم، لا في كتب مخالفيهم ومعانديهم .
كما نسوا تلك الروابط والعلائق كانت تربطهم مع الآخرين من الصديق، والفاروق، وذي النورين، ومعاوية خال المؤمنين، وغيرهم من أجلة صحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ورفاقه، ووزرائه، ومستشاريه، وتلامذته، ومريديه رضي الله عنهم أجمعين والمذكورة المحفوظة في كتبهم أيضاً.
والقارئ يرى العجائب الناطقة إن شاء الله في هذا الموضوع الذي لعله يكون فريداً في نوعه بهذه السعة والثبوت بتوفيق الله إياي، ومنّه. وكرمه، ويندهش بعد ما يرى دلائل الصدق تبدد غيوم الضغائن القديمة والأحقاد المتوارثة والجهل السائد الموروث من جيل إلى جيل باسم أهل البيت وعلى حسابهم، أهل البيت الذين كانوا هم أخلص المخلصين لرفاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه، والمتوادين، المتعاطفين، المتراحمين، المتحابين ما بينهم، المتزوجين منهم والمزوجين لهم.
ويرى القارئ أيضا كيف أخرجنا وأثبتنا كل هذا ووضعنا النقاط على الحروف من خلال كتبهم الكثيرة الكثيرة المعتمدة، ومن بين خفاياها وزواياها التي طالما غطوها، وغلفوها بغلافات كثيفة، كثيرة، وستروها وأخفوها عن العامة خوفاً من الفضيحة، وشكراً لله لم نحتج ولا إلى كتاب واحد لإثبات الحق وإبطال الباطل، وكشف النقاب عن وجه الحقيقة، وإماطة اللثام عن جبين الصدق، إلى كتاب واحد ولا إلى رواية واحدة ولو تاريخية غير روايات القوم وكتبهم، ولم يكن هذا إلا بمنّ الله علينا، حتى يكون أقطع للحجة وأثبت، وألزم للقوم وأفهم ولا يبقى أمامهم مجال للهرب، ولا للفرار، ولا لتأويل، ولا لتزوير.(5/6)
فكُتُب القوم تشهد عليه، ورواياتهم تنطق ضدهم "ويوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" وأئمتهم يشهدون عليهم بأنهم خالفوهم في حياتهم، ويخالفونهم بعد وفاتهم، وهم أثبتوا بأنهم فعلا خالفوهم ولا زالوا يخالفونهم، يعملون ضد ما أمروا، ويتفوهون بما لم يؤمروا، ويعاندون من والوهم، ويسبون من صاهروهم ويشتمون من استشاروهم واستوزروهم، ثم لم يقتصروا على ذلك فحسب، بل تجاوزوا إلى إهانة أهل البيت أنفسهم، والطعن والنقد والجرح فيهم، واستصغارهم واحتقارهم، ووصلوا إلى حد الإساءة والسباب والشتيمة في حقهم كما تجرؤا على أنبياء الله ورسله، وتطاولوا على خير الخلق وسيد البشر صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين.
كذبوا عليهم، ونسبوا إليهم مسائل يمجها العقل، ويزدريها الفكر، وتأباها الفطرة السليمة، وينكرها الذوق، وكل هذا من كتبهم الموثوقة. المعتبرة، المعتمدة لديهم، والتي طبعوها أنفسهم أيضاً بثبت المصادر والمراجع، وبذكر الصفحات، والمجلدات، والطبعات بالأرقام والحروف .
ولا نظن أن يجترئ أحد منهم على أن يكذب ما ذكرناه، أو ينكر ما أثبتناه إن شاء الله.
ونعتقد أن الله ينفع بهذا الكتاب أناساً كما نفع بسابقه وأن يهدي به من أراد هدايته.
وبذلك نرى أننا وفينا الوعد الذي وعدنا به في كتابنا الأول بأن نتبعه بكتاب آخر، وهاهو ذا الكتاب نقدمه اليوم بين أيدي القراء راجين منهم أن يخبرونا بآرائهم حوله، وهل يحتاجون بعد هذا إلى مختصر آخر حتى نعده لهم، ونقدمه إليهم؟ لأننا أثناء تصفحنا كتب القوم وجدنا أشياء كثيرة كانت غامضة وخافية وحتى علينا نحن، ولعل الله يهيئ الأسباب لإخراجها من دفائن الكتب وطياتها، وإبرازها للناس، وما ذلك على الله بعزيز.(5/7)
وأخيراً لا يسعني إلا وأن أذكرههنا أم المشائخ والاخوة الكثيرين لهم يد كبير في تأليف هذا الكتاب وإبرازه للناس حيث ألحوا على بمواصلة الكتابة حول هذا الموضوع الذي ازداد احتياج الناس اليه في الآونة الأخيرة لعدم معرفتهم المعرفة الحقيقية معتقدات القوم الأصلية ومواقفهم تجاه سلف هذه الأمة ومحسنيها وكثرة اشتغال الكتاب والمؤلفين من الشيعة بالكتابة ضد السنة وأسلافهم.
الباب الأول
الشيعة وأهل البيت
يزعم الشيعة أنهم موالون لأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومحبون لهم، ومذهبهم مستقاة من أقوالهم وأفعالهم، ومبني على آرائهم ومروياتهم.
وقبل أن نبحث عن هذا، ونتحقق، ونعلم صدق هذا القول وكذبه أردنا في هذا الباب أن نعرف ونعرّف القارئ والباحث من هم أهل البيت؟ ومن هم الذين يقصدون بهذه اللفظة؟ وأيضاً وما معنى الشيعة، ومن يرادون بها؟
فأهل البيت مركب من الأهل والبيت، فقد قال صاحب القاموس (( أهل الأمر ولاته، وللبيت سكانه، وللمذهب من يدين به، وللرجل زوجة كأهلته، وللنبي أزواجه وبناته، وصهره علي رضي الله عنه [ولا أدري من أين جاء هذا التخليص لعلي رضي الله عنه دون أصهاره الآخرين من عثمان زوج ابنتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ذي النورين، وأبي العاص بن الربيع والد أمامة وزوج زينب، فإن قبل لكونه ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - فهل كان وحيداً أما كان له الأخوة جعفر وعقيل؟ ثم ولم أخرج عم النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جعله صنو أبيه ألا وهو عباس بن عبد المطلب، وأبنائه، وأولاده، فهل من مجيب]، أو نسائه، وللرجال الذين هم آله ولكل نبي أمته)) ["القاموس" ص432 ج3 فصل الهمزة والباب باب اللام ط البابي الحلبي مصر 1952م].(5/8)
وقال الزبيدي : والأهل للمذهب من يدين به ويعتقده، والأهل للرجل زوجته، ويدخل فيه أولاده، وبه فسر قوله تعالى: { وسار بأهله } أي زوجته وأهله، والآهل للنبي - صلى الله عليه وسلم - أزواجه وبناته وصهره علي رضي الله عنه، أو نسائه، وقيل أهله الرجال الذين هم آله ويدخل الأحفاد والذريات، ومنه قوله تعالى: { وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } . وقوله تعالى: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } وقوله تعالى: { ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد } وإن أهل كل نبي أمته وأهل ملته ومنه قوله تعالى: { وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة } . وقال الراغب وتبعه المناوي: أهل الرجل من يجمعه نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد، فأهل الرجل من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل: أهل بيته من يجمعه وإياهم نسب أو ما ذكر، وتعورف في أسرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مطلقاً - إلى أن قال -: آل الله ورسوله أولياءه وأنصاره، ومنه قول عبد المطلب في جد النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة الفيل:
وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك ["تاج العروس" للزبيدي].(5/9)
وقال ابن المنظور الأفريقي: أهل المذهب من يدين به، وأهل الأمر ولاته، وأهل الرجل أخص الناس به، وأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أزواجه وبناته وصه????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????ا، وأدخلكها، وفي الحديث "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الآهل حظين والعزب حظاً"، والآهل الذي له زوجة والعزب الذي لا زوجة له.. وآل الرجل أهله، وآل الله ورسوله أولياءه أصلها أهل، ثم أبدلت الهاء همزة، فصار في التقدير أأل، فلما توالت الهمزتان أبدلت الثانية ألفاً ["لسان العرب" لابن المنظور الأفريقي ص28، 29، 30 ج11 دار صادر بيروت].
وقال الجوهري: أهل فلان أي تزوج.. قال أبو زيد: آهلك الله في الجنة أي أدخلها وزوجك فيها" ["الصحاح للجوهري" ج4 ص1629 ط دار الكتاب العربي بمصر].
وقال الزمخرشي في الأساس: تأهل تزوج وآهلك الله في الجنة إيهالاً زوجك ["أساس البلاغة" ص11 ط مصر 1953م].
وقال الخليل: أهل الرجل زوجه، والتأهل التزوج وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت سكانه وأهل الإسلام من يدين به ["مقاييس اللغة" لأبي الحسين أحمد بن فارس زكريا ج1 ص150 ط بيروت].(5/10)
وقد قال الإمام الراغب الأصفهاني: أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد، فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم النسب، وتعورف في أسرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مطلقاً إذا قيل: أهل البيت لقوله عز وجل: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } ، وعبّر أهل الرجل بامرأته وأهل الإسلام الذين يجمعهم - إلى أن قال - وتأهل إذا تزوج، ومنه قيل آهلك الله في الجنة أي زوجك فيها ["المفردات في غرائب القرآن ص28 ط كراتشي – باكستان].
وقال تحت لفظة آل: الآل مقلوب من الأهل - إلى أن قال - ويستعمل في من يختص بالإنسان اختصاصاً ذاتياً، إما بقرابة قريبة أو موالاة قال عز وجل: وآل إبراهيم وآل عمران، وقال: { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } قيل: وآل النبي - صلى الله عليه وسلم - أقاربه، وقيل: المختصون به من حيث العلم، وذلك أن أهل الدين ضربان، ضرب مختص بالعلم المتقن، والعمل المحكم، فيقال لهم: آل النبي وأمته، وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد، ويقال لهم: أمة محمد، ولا يقال لهم آله فكل آل للنبي أمة له، وليست كل أمة آل له، وقيل لجعفر الصادق رضي الله عنه: الناس يقولون: المسلمون كلهم آل النبي عليه الصلاة والسلام ؟ قال: كذبوا وصدقوا فيقل له: ما معنى ذلك؟ فقال: كذبوا أن الأمة كافتهم آله، وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله [المفردات للراغب الأصفهاني ص29، 30].(5/11)
وقال محمد جواد مغنية الشيعي المعاصر: أهل البيت في اللغة سكانه، وآل الرجل أهله، ولا يستعمل لفظ "آل" إلا في أهل رجل له مكانة، وقد جاء ذكر أهل البيت في آيتين من القرآن، الأولى الآية 73 من سورة "هود": { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } ، والثانية الآية 33 من سورة "الأحزاب": { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } واتفق المفسرون أن المراد بالآية الأولى أهل البيت إبراهيم الخليل، وبالآية الثانية أهل بيت محمد بن عبد الله، وتبعاً للقرآن استعمل المسلمون لفظ أهل البيت وآل البيت في أهل بيت محمد خاصة، واشتهر هذا اللفظ حتى صار علماً لهم، بحيث لا يفهم منه غيرهم إلا بالقرينة، كما اشتهر المدينة بيثرب مدينة الرسول.
اختلف المسلمون في عدد أزواج النبي، فمن قائل أنهن ثماني عشر امرأة، ومنهم من قال: إنهن إحدى عشرة، وعلى أي الأحوال فقد أقام مع النساء سبعاً وثلاثين سنة، رزق خلالها بنين وبنات، ما تواكلهم في حياته ولم يبق منهم سوى ابنته فاطمة، وقد اتفقت كلمة المسلمين على أن علي بن أبي طالب: وفاطمة، والحسن والحسين من آل البيت في الصميم [الشيعة في الميزان ص447 ط دار الشروق بيروت].
ويظهر من هذا كله أن أهل البيت يطلق أصلاً على الأزواج خاصة، ثم يستعمل في الأولاد والأقارب تجاوزاً، وهذا ما يثبت من القرآن الكريم كما وردت هذه اللفظة في ذكر قصة خليل الله عليه الصلاة والسلام لما جاءت رسل الله إبراهيم بالبشرى، فقال الله عز وجل في سياق الكلام: { وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب * قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } [سورة هود الآية71، 72، 73].
فاستعمل الله عز وجل هذه اللفظة بلسان ملائكته في زوجة إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه لا غير.(5/12)
ولقد أقر بذلك علماء الشيعة ومفسروها كالطبرسي [هو أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي من أكابر علماء الشيعة في القرن السادس، وتفسيره يقع في خمس مجلدات وعشرة أجزاء] في مجمع البيان [ج3 ص180 ط دار إحياء التراث العربي بيروت] والكاشاني [هو الملا فتح الله الكاشاني من علماء الشيعة المتعصبين، ولم يصنف تصنيفه إلا رداً بمنهج الصادقين في إلزام المخالفين] في منهج الصادقين [ج4 ص493 ط طهران]. ولو التجئوا بعد ذلك إلى تأويلات كاسدة فاسدة.
وهكذا قال الله عز وجل في كلامه المحكم في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً } [سورة القصص الآية 30].
فالمراد من الأهل زوجة موسى عليه الصلاة والسلام كما أجمع عليه مفسروا الشيعة كلهم بأن المراد من الأهل همنا الزوجة لأنه لم يكن مع موسى غيرها، ولقد يقول الطبرسى مفسراً أهل موسى، في سورة النمل أي في قوله تعالى: { وإذ قال موسى لأهله } أي امرأته وهي بنت شعيب [تفسير مجمع البيان ج4 ص211 سورة النمل].
وأيضاً تحت قوله تعالى: { سار بأهله } أي بامرأته [ج4 ص250 سورة القصص].
وأيضاً القمي [هو أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي، إمام مفسري الشيعة وأقدمهم، من أعيان القوم في القرن الثالث من الهجرة] في تفسيره [ج2 ص139 ط نجف 1386ه].
والعروسي الحويزي [هو عبد الله علي بن جمعة، المتوفى 1112ه من الشيعة المتعصبين] في تفسيره نور الثقلين [ج4 ص126 ط قم].
والكاشاني في تفسيره منهج الصادقين [ج7 ص95 سورة القصص] وغيرهم.(5/13)
وهكذا وردت لفظة أه البيت في القرآن المجيد في سورة الأحزاب أيضاً الآية 33 { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } ولم ترد هذه اللفظة إلا في سياق قصة أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله * إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً * واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً } [سورة الأحزاب الآية33، 34].
ويظهر بداهة ولأول وهلة لمن قرأ هذه الآيات الكريمة أن هذه اللفظة لم ترد إلا في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، لأن صدر الآية وقبلها من الآيات لم يخاطب بها إلا أزواجه عليه الصلاة والسلام، وكذلك الآية التي تليها ليس فيها ذكر غيرهن.
وعلى ذلك قال ابن أبي حاتم وابن عساكر برواية لعكرمة وابن مردويه برواية سعيد بن جبير عن ابن عباس أن هذه الآية لم تنزل إلا في أزواج النبي عليه الصلاة والسلام [انظر لذلك دائرة المعارف الإسلامية اردو مقال المستشرق A. S. THRITION ج3 ص576 ط لاهور باكستان].
وقد قال الشوكاني في تفسيره: قال ابن عباس وعكرمة وعطاء والكلبي ومقاتل وسعيد بن جبير: إن أهل البيت المذكورين في الآية هن زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، قالوا: والمراد من البيت بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومساكن زوجاته لقوله تعالى: { واذكرن ما يتلى في بيوتكن } ، وأيضاً السياق في الزوجات { يا أيها النبي قل لأزواجك } إلى قوله: { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً } [تفسير فتح القدير للشوكاني ج4 ص270 ط مصطفى البابي الحلبي مصر 1349ه].(5/14)
وأيضاً ورد في الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل في حجرة عائشة رضي الله عنها، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته [البخاري، كتاب التفسير].
وأيضاً المقصود من بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بيته الذي يسكنه مع أزواجه - صلى الله عليه وسلم -.
فالحاصل أن المراد من أهل بيت النبي أصلاً وحقيقة أزواجه عليه الصلاة والسلام، ويدخل في الأهل أولاده وأعمامه وأبناءهم أيضاً تجاوزاً، كما ورد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أدخل في كسائه فاطمة والحسنين وعلياً وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي: ليجعلهم شاملاً في قوله عز وجل: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت: كما أدخل عمه العباس وأولاده في عبائه لتشملهم أيضاً هذه الآية.
ولقد وردت بعض الروايات التي تنص أن بني هاشم كلهم داخلون في أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما الشيعة فأرادوا عكس ذلك، فحصروا أهل بيت النبوة في هؤلاء الأربعة، علي، وفاطمة، ثم الحسن، والحسين، وأخرجوا منهم كل من سواهم، ثم اخترعوا طريفة أخرى، فأخرجوا أولاد علي غير الحسنين رضي الله عنهم من أهل البيت ولا يعدون بقية أولاده من أهل البيت من محمد بن الحنفية، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، والعباس، وجعفر، وعبد الله، وعبيد الله، ويحيى، ولا أولادهم من الذكور الاثنى عشر، ولا من البنات ثماني عشر ابنة، أو تسع عشرة ابنة على اختلاف الروايات، كما أخرجوا فاطمة رضي الله عنها ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث لا يعدون بناتها زينب وأم كلثوم ولا أولادهما من أهل البيت، وهذه نكتة وطريفة، ومثل هذا الحسن بن علي، حيث لا يجعلون أولاده داخلاً في أهل البيت وكذلك أخرجوا من أهل البيت كلاً من أولاد الحسين من لا يهوى هواهم، ولا يسلك مسلكهم، ولا ينهج منهجهم، وهذا أطرف من الأول.(5/15)
ولذلك أفتوا على كثيرين من أولاد الحسين، الأولين منهم بالكذب والفجور والفسوق، وحتى الكفر والارتداد، كما شتموا وكفروا أبناء أعمام الرسول وعماته وأولادهم، وحتى أولاد أبي طالب غير علي رضي الله عنه.
والجدير بالذكر أنهم أخرجوا بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة غير فاطمة، وأزواجهن، وأولادهن من أهل البيت بدائياً، ولا ندري أي تقسيم هذا، وأية قسمة هذه، وعلى أي أساس ابتنوها واختاروها ؟.
ثم وفي التعبير الصحيح والصريح أن الشيعة لا يرون أهل البيت إلا نصف شخصية فاطمة، ونصف شخصية علي، ونصف شخصية الحسن وبقية الأئمة التسعة عندهم من الحسين إلى الحسن العسكري، والعاشر المولود الموهوم، المزعوم، الذي لم يولد قطعاً ولن يولد أبداً.
فهذه هي حقيقة مفهوم أهل البيت عند القوم، ولو أردنا التوسع فيه لأطلنا الكلام ولكننا نقتصر على هذا بما فيه كفاية لفهم البحث والمسألة.
وأما الشيعة، فقد قال الزبيدى: كل قوم اجتمعوا على أمر فهم الشيعة، وكل من عاون إنساناً وتحزب له فهو شيعة له، وأصله من المشايعة وهي المطاوعة والمتابعة [تاج العروس للزبيدي ج5 ص405].
وقال ابن المنظور الأفريقي: الشيعة، القوم الذين يجتمعون على أمر، وكل قوم اجتمعوا على أمر، فهم الشيعة، وقد غلب هذا الاسم على من يتولى علياً وأهل بيته [لسان العرب ج8 ص188].(5/16)
وقال النوبختي [هو أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي من علماء الشيعة الكبار، المعتمدين عندهم، عاش في القرن الثالث من الهجرة] إمام الشيعة في الفرق: الشيعة، وهم فرقة علي بن أبي طالب عليه السلام، المسمون بشيعة علي عليه السلام في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده معروفون بانقطاعهم إليه، والقول بإمامته، وافترقت الشيعة ثلاث فرق، فرقة منهم قالت: إن علياً إمام مفترض الطاعة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -… وإ????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????ن بن موسى النوبختي ص39 إلى 42 ملخصاً ط مطبعة الحيدرية 1959م].
ويقول الشيعي المشهور السيد محسن أمين في كتابه نقلاً عن الأزهري:
والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويوالونهم ["أعيان الشيعة" ج1 ص11 البحث الأول ط بيروت 1960م].
وينقل أيضاً عن تاج الدين الحسيني نقيب حلب ما نصه :-(5/17)
شيعة الرجل أتباعه وأنصاره، ويقال: شايعه، كما يقال والاه من الولي وهو شايع، وكأن الشيعة لما اتبعوا هؤلاء القوم، واعتقدوا فيهم ما اعتقدوا سموا بهذا الاسم لأنهم صاروا أعواناً لهم وأنصاراً وأتباعاً فأما من قبل حين أفضت الخلافة من بني هاشم إلى بني أمية وتسلمها معاوية بن صخر من الحسن بن علي وتلقفها من بني أمية رجل فرجل - نفر كثير من المسلمين من المهاجرين والأنصار عن بني أمية ومالوا إلى بني هاشم وكان بنو علي وبنو العباس يومئذ في هذا شرع فلما انضموا إليهم واعتقدوا أنهم أحق بالخلافة من بني أمية وبذلوا لهم النصرة والموالاة والمشايعة سموا شيعة آل محمد ولم يكن إذ ذاك بين بني علي وبين بني العباس افتراق في رأي ولا مذهب فلما ملك بنو العباس وتسلمها سفاحهم من بني أمية نزع الشيطان بينهم وبين بني علي فبدا منهم في حق بني علي ما بدا، فنفر عنهم فرقة من الشيعة وأنكرت فعلهم ومالت إلى بني علي واعتقدت أنهم أحق بالأمر وأولى وأعدل فلزمهم هذا الاسم فصار المتشيع اليوم الذي يعتقد إمامة أئمة الإمامية من بني علي عليه السلام إلى القائم المهدي محمد بن الحسن لا الموالي لبني علي والعباس كما كان من قبل أ. ه ["أعيان الشيعة" ص13، 14 المنقول من كتاب غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلمية المحفوظة من الغبار].
ويقول شيعي معاصر آخر: الشيعة في معناها الأصلي اللغوي أتباع الرجل وأنصاره، وقد غلب هذا الاسم على من يتولى علياً وأهل بيته ["الشيعة في عقائدهم وأحكامهم" للسيد أمير محمد الكاظمي القزويني ص16 ط الكويت. ويظهر من هذا ومما مر أن الشيعة ليسوا أتباع آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بل هم موالون لأهل بيت علي دن نبي، والفرق واضح وجلي].
وقد أثبتنا فيما قبل أن الشيعة لا يوالون أهل بيت علي كلهم اللهم إلا الرجال المعدودين، وهم يخالفونهم أيضاً، وتعاليمهم الحقيقية كما سيأتي إن شاء الله تعالى.(5/18)
وقد قال المغنية: الشيعة من أحب علياً وتابعه أو من أحبه ووالاه ["الشيعة في الميزان" ص17 و19].
وكتب محمد الحسين آل كاشف الغطاء "إن هذا الاسم (أي الشيعة) غلب على أتباع علي وولده [ويناقض هذا القول وما قبله ما نقله السيد محسن أمين عن الأزهري حيث يقول: الشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويوالونهم.
ومن الغرائب أن الأقوال متضاربة جداً حول معنى الشيعة في كتب القوم أنفسهم ولم يصرح واحد من مؤلفيهم معنى التشيع واضحاً جلياً، ومعنى جامعاً مانعاً، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، ولو لم يبعدنا هذا عن موضوعنا لنقلنا فيه العجائب المتناقضة المتضاربة من القوم أنفسهم] ومن يواليهم حتى صار اسماً خاصاً بهم" ["أصل الشيعة وأصولها" ط بيروت 1960م].
فهؤلاء هم الشيعة وأولئك هم أهل البيت.
وقد بالغ القوم في موالاة علي وأولاده، وحبهم ومدحهم مبالغة جاوزوا الحدود، وأسسوا عليها ديانتهم ومذهبهم حتى صار مذهباً مستقلاً وديناً منفصلاً عن الدين الذي جاء به محمد الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، واخترعوا روايات كاذبة، واختلقوا أحاديث موضوعة، وقالوا: أن لا دين إلا لموالى علي، وآله، ومحبيهم، إظهاراً شغوفهم بهم، ومودتهم فيهم، واحترامهم لهم ومتابعتهم إياهم، وتعلقهم بهم، ونسبتهم إليهم - كذباً وزوراً - كما رووا حديثاً في كافيهم [الكافي للكليني، يعد من أهم مصادر الأحاديث الشيعية وكتبها، كما أنه أحد الصحاح الأربعة عندهم، ومنزلته عند القوم كمنزلة الصحيح البخاري عند السنة].(5/19)
عن بريد بن معاوية أنه قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام في فسطاط بمنى، فنظر إلى زياد الأسود منقلع الرجل فرثى له فقال له: ما لرجليك هكذا؟ قال: جئت على بكر لي نضو، فكنت أمشى عنه عامة الطريق، فرثى له، وقال له عند ذلك زياد: إني ألم بالذنوب حتى إذا ظننت أني هلكت ذكرت حبكم فرجوت النجاة، وتجلى عني، فقال أبو جعفر عليه السلام: وهل الدين إلا الحب … وإن رجلاً أتى النبي (- صلى الله عليه وسلم -)، فقال: إني لأحب المصلين ولا أصلي، وأحب الصوامين ولا أصوم؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنت مع من أحببت، ولك ما اكتسبت، وقال: ما تبغون وما تريدون أما أنها لو كان فرعة من السماء فزع كل قوم إلى مأمنهم، وفزعنا إلى نبينا وفزعتم إلينا [كتاب الروضة من الكافي لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني المتوفى 319ه باب وصية النبي لأمير المؤمنين ج8 ص80 ط دار الكتب الإسلامية طهران].
وكما ورد أيضاً في الأصول من الكافي "قال أبو جعفر عليه السلام - إمامهم الخامس -: حبنا إيمان، وبغضنا كفر" [الأصول من الكافي كتاب الحجة ج1 ص188].
وأيضاً "لا يحبنا عبد ويتولانا حتى يطهر الله قلبه، ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ويكون سلماً لنا. فإذا كان سلماً لنا سلمه الله من شديد الحساب وآمنه من يوم الفزع الأكبر" [الأصول من الكافي ج1 ص194].
ونقلوا عنه أيضاً في كافيهم الذي قال فيه غائبهم: كاف لشيعتنا [منتهى الآمال ص298 والصافي ج1 ص4 ومستدرك الوسائل ج3 ص532، 533 ونهاية الدراية ص219 وروضات الجنات ص553 نقلاً عن معاشر الأصول ص31].(5/20)
نقلوا عن أبي حمزة أنه قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: إنما يعبد الله من يعرف الله فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً قلت: جعلت فداك فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله - صلى الله عليه وسلم - وموالاة علي عليه السلام والائتمام به وبأئمة الهدى عليهم السلام والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم. هكذا يعرف الله عز وجل" [الأصول من الكافي ج1 ص180 كتاب الحجة باب معرفة الإمام والرد عليه].
ولأن أئمتهم لهم مقام ومنصب لا يقل عن النبوة والرسالة كما قال السيد الخميني زعيم إيران اليوم في كتابه "ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية" ما نصه:-
إن من ضروريات مذهبنا أنه لا ينال أحد المقامات المعنوية الروحية للأئمة حتى ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما روى عندنا بأن الأئمة كانوا أنواراً تحت ظل العرش قبل تكوين هذا العالم ... وأنهم قالوا إن لنا مع الله أحوالاً لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهذه المعتقدات من الأسس والأصول التي قام عليها مذهبنا" ["ولايت فقيه در خصوص حكومت إسلامي" النائب الإمام الخميني تحت باب ولايت تكويني من الأصل الفارسي ص58 ط طهران].(5/21)
وما قاله السيد الخميني ليس بغريب ولا جديد، بل هو عقيدة القوم في أئمتهم، كما رواه ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق في كتابه الذي يعد واحداً من الصحاح الأربعة للقوم، ينسبه إلى الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه "إن جابر بن عبد الله الأنصاري سأله يوماً، فقال: يا رسول الله هذه حالنا فكيف حالك وحال الأوصياء بعدك في الولادة؟ فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملياً، ثم قال: يا جابر لقد سألت عن أمر جسيم لا يحتمله إلا ذو حظ عظيم، إن الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمه الله جل ثناؤه يودع الله أنوارهم أصلاباً طيبة، وأرحاماً طاهرة، يحفظها بملائكته، ويربيها بحكمته، ويغذوها بعلمه، فأمرهم يجل عن أن يوصف، وأحوالهم تدق أن تعلم، لأنهم نجوم الله في أرضه، وأعلامه في بريته، وخلفاءه على عباده، وأنواره في بلاده، وحججه على خلقه، يا جابر! هذا من مكنون العلم ومخزونه فاكتمه إلا من أهله" [من لا يحضره الفقيه ج4 ص414 و415 باب النوادر في أحوال الأنبياء والأوصياء في الولادة].
ويذكر الكليني أن الإمامة فوق النبوة والرسالة والخلة كما يكذب على جعفر بن محمد الباقر - الإمام السادس عندهم - أنه قال: إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً وإن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً وإن الله اتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماماً" [كتاب الحجة من الأصول ج1 ص175، ومثله نقله عن أبيه أيضاً].(5/22)
وقد بوّب الحر العاملى [هو محمد بن الحسن المشغري، العاملي، المولود 1032ه في قرية مشغر من قرى جبل العامل، وهو من كبار القوم وعلمائهم وألف كتباً عديدة، ومنها هذا الكتاب وكتاب "وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة"، جمع فيه أحاديث شيعية في الأحكام الشرعية من سبعين كتاباً، وغير ذلك، وتوفى في رمضان سنة 1104ه في خراسان] باباً مستقلاً بعنوان "الأئمة الاثنى عشر أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السابقين والملائكة وغيرهم وأن الأنبياء أفضل من الملائكة" وأورد تحته روايات عديدة، ومنها ما رواه عن جعفر أنه قال: إن الله خلق أولي العزم من الرسل، وفضّلهم بالعلم وأورثنا علمهم وفضّلنا عليهم في علمهم، وعلّم رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) ما لم يعلّمهم، وعلّمنا علم الرسول وعلمهم" ["الفصول المهمة" للحر العاملي ص152].(5/23)
ويذكر الكليني أيضاً عن أبي عبد الله أنه قال: ما جاء به علي عليه السلام آخذ به وما نهى عنه انتهى عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ولمحمد - صلى الله عليه وسلم - الفضل على جميع من خلق الله عزوجل، المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله، كان أمير المؤمنين عليه السلام باب الله لا يؤتى إلا منه، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك، وكذلك يجري لأئمة الهدى واحداً بعد واحد، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها، وحجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراً ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا به لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولقد حملت عليّ مثل حمولته وهى حمولة الرب وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعى فيكسى، وأدعى فأكسى، ويستنطق وأستنطق على حد منطقة، ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي، علمت المنايا والبلايا، والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عنى ما غاب عنى" ["الأصول من الكافي" ج1 ص196، 197].
ويقول إبراهيم القمي - إمام مفسري الشيعة الذي قيل في تفسيره إنه أصل الأصول للتفاسير الكثيرة، وإنه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام (جعفر والباقر) ومؤلفه كان في زمن الإمام العسكري عليه السلام، وأبوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابياً للإمام الرضا عليه السلام –" [مقدمة تفسير القمي ص15 للسيد طيب الموسوي الجزائري الشيعي].(5/24)
يقول فيه تحت قول الله عز وجل: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } فإن الله أخذ ميثاق نبيه محمد على الأنبياء - إلى أن قال -: ما بعث الله نبيا من ولد آدم فهلم جراً إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين عليه السلام وهو قوله: { لتؤمنن به } أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { ولتنصرنه } أي أمير المؤمنين عليه السلام" [تفسير القمي ج1 ص106 مطبعة النجف 1386ه].
... وزاد العياشي [العياشي هو أبو النضر محمد بن مسعود العياشي السلمي السمرقندي، المعروف بالعياشي من أعيان علماء الشيعة ممن عاش في أواخر القرن الثالث من الهجرة، وقال عنه النجاشي: ثقة، صدوق، عين من أعيان هذه الطائفة، وكبيرها" (رجال النجاشي ص247 ط قم إيران)، وقال ابن النديم: من فقهاء الشيعة الإمامية، أوحد دهره وزمانه "أعيان الشيعة" ج1 ص57، وأما تفسيره "هو على مذاق الأخبار والتنزيل على آل البيت الأطهار، أشبه شيء بتفسير علي بن إبراهيم" (روضات الجنات ج6 ص119) وقد تلقاها علماء هذا الشأن منذ ألف إلى يومنا هذا – ويقرب من أحد عشر قرناً – بالقبول من غير أن يذكر بقدح أو يغمض فيه بطرف" (مقدمة التفسير ص (ج) لمحمد حسين الطباطبائي)] في تفسيره تحت هذه الآية "من آدم فهلم جراً، ولا يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا رد إلى الدنيا حتى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام" [تفسير "العياشي" ج1 ص181 وأيضاً "البرهان" ج1 ص295 "الصافي" ج1 ص274].
ولقد فصلنا القول في معتقدهم في الأئمة في كتابنا "الشيعة والسنة" [انظر لذلك ص65 إلى ص76 من كتاب "الشيعة والسنة" ط إدارة ترجمان السنة لاهور].
فهؤلاء هم الأئمة عند القوم وأولئك شيعتهم الذين يزعمون بأنهم محبون لهم، ومنتسبون إليهم، والناس يبغضونهم لولايتهم أهل البيت هؤلاء، ولأخذهم بآرائهم وأفكارهم، والتمسك بأقوالهم وأفعالهم، والاتباع بأوامرهم وفتاويهم.(5/25)
وهذه هي الأقاويل والروايات والادعاءات من كتب القوم وعباراتهم.
وخلاصة ما ذكر أن الشيعة هم قوم يدعون موالاة أحد عشر شخصاً من أولاد علي، وعلياً رضي الله عنه، ويعدّونهم معصومين كالأنبياء ورسل الله، وأفضل منهم ومن الملائكة المقربين، ويدعون أن مذهبهم مؤسس على آرائهم وأفكارهم، كما أنه ظهر من هذا البحث أنه لا صحة لقول من يوهم بأن المراد من أهل البيت هم أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن القوم أنفسهم ينفون عن ذلك.
وأما ادعاء إطاعة واتباع هؤلاء لأهل بيت علي، المخصوصين منهم فنرى في الأبواب الآتية صحة هذه الدعاوى وصدقها، ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.
الباب الثاني
الشيعة ومخالفتهم أهل البيت
إن الشيعة حاولوا خداع الناس بأنهم موالون لأهل لبيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم أقرب الناس إلى الصحة والصواب من بين طوائف المسلمين، وأفضلهم وأهداهم لتمسكهم بأقارب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذويه، وإن المتمسكين بأقوالهم، والعاملين بهديهم، والسالكين مسلكهم، والمتتبعين آثارهم وتعاليمهم هم وحدهم لا غيرهم.
ولقد فصلنا القول فيما قبل أن القوم لا يقصدون من أهل البيت أهل بيت النبوة، وأنهم لا يوالونهم ولا يحبونهم، بل يريدون ويقصدون من وراء ذلك علياً رضي الله عنه وأولاده المخصوصين المعدودين.(5/26)
ونريد أن نثبت في هذا الباب أن الشيعة لا يقصدون في قولهم إطاعة أهل البيت واتباعهم لا أهل بيت نبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أهل بيت علي رضي الله عنه فإنهم لا يهتدون بهديهم. ولا يقتدون برأيهم، ولا ينهجون منهجهم، ولا يسلكون مسلكهم، ولا يتبعون أقوالهم وآرائهم، ولا يطيعونهم في أوامرهم وتعليماتهم بل عكس ذلك يعارضونهم ويخالفونهم مجاهرين معلنين قولاً وعملاً، ويخالفون آرائهم وصنيعهم مخالفة صريحة. وخاصة في خلفاء النبي الراشدين، وأزواجه الطاهرات المطهرات، وأصحابه البررة، حملة هذا الدين ومبلغين رسالته إلى الآفاق والنفس، وناشرين دين الله، ورافعين راية الله، ومعلنين كلمته، ومجاهدين في سبيله حق جهاده، ومقدمين مضحين كل غال وثمين في رضاه، راجين رحمته، خائفين عذابه، قوامين بالليل، صوامين بالنهار الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه المحكم: { الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } [سورة فصلت الآية42].
ذكرهم فيه جل وعلا: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون } [سورة السجدة الآية16].
وقال تبارك وتعالى: { الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار } [سورة آل عمران الآية191].
وقال وهو أصدق القائلين حيث يصف أصحاب رسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً } [سورة الفتح الآية29].(5/27)
وقال سبحانه، ما أعظم شأنه، في شركاء غزوة تبوك: { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم } [سورة التوبة الآية117].
كما قال في الذين شاركوه في غزوة الحديبية: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً } [سورة الفتح الآية18، 19].
وقال: فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن ثواب" [سورة آل عمران الآية 195].
وشهد بإيمانهم الحقيقي الثابت بقوله: والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم" [سورة الأنفال الآية74].
وذكر السابقين من الأصحاب المهاجرين منهم والأنصار { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } [سورة التوبة الآية100].
كما ذكر المهاجرين والأنصار عامة وضمن لهم الفلاح والنجاح بقوله: { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" [سورة الحشر الآية8، 9].(5/28)
ويذكر جل مجده المؤمنين المنفقين قبل الفتح - أي فتح مكة - وبعده مثنياً عليهم مادحاً فيهم: { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير } [سورة الحديد الآية10].
ثم يقرن ذكر الأصحاب مع نبيه وصفيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه بدون فاصل حيث يذكرهم جميعاً معاً في قوله عز من قائل: { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا } [سورة آل عمران الآية68].
وأيضاً في قوله: { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } [سورة المائدة الآية55].
وأيضاً: { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والذين آمنوا } [سورة التوبة الآية105].
وأيضاً: { لكن الرسول والذين آمنوا معه } [سورة التوبة الآية88].
وقال: { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون } [سورة المنافقون الآية8].
وأيضاً: { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم } [سورة الفتح الآية12].
وقال: { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } [سورة الفتح الآية26].
يذكر الله المؤمنين من أمة محمد وعلى رأسهم أصحاب النبي عليه السلام المؤمنين الأولين الحقيقيين قارناً ذكرهم بذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال سبحانه وتعالى: { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } [سورة الفتح الآية10].
كما ذكر الله عز وجل خروج نبيه من مكة وهجرته منها مع ذكر خروج أصحابه وهجرتهم حيث قال: { يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم } [سورة الممتحنة الآية1].
كما ذكر صديقه ورفيقه في الغار: { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته } [سورة التوبة الآية40].
ويقول في أزواجه المطهرات: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } [سورة الأحزاب الآية6].(5/29)
ويقول: { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } [سورة الأحزاب الآية 36].
وغير ذلك من الآيات الكثيرة الكثيرة.
فلنرى الشيعة الزاعمين اتباع أهل البيت، المدّعين موالاتهم وحبهم، ونرى أئمتهم المعصومين - حسب قولهم - آل البيت ماذا يقولون في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وماذا يعتقدون فيهم؟
وهل أهل بيت النبي يبغضون أصحاب نبيهم، ويشتمونهم، بل ويكفرونهم، ويلعنونهم كما يلعنهم هؤلاء المتزعمون ؟ أم غير ذلك يوالونهم، ويتواددون إليهم، ويتعاطفونهم ويساعدونهم في مشاكلهم، ويشاورونهم في أمورهم، ويقاسمونهم همومهم وآلامهم، ويشاركونهم في دينهم ودنياهم، ويشاطرونهم الحكم والحكومة، ويبايعونهم على إمرتهم وسلطانهم، ويجاهدون تحت رايتهم، ويأخذون من الغنائم التي تحصل من طريقهم، ويتصاهرون معهم، يتزوجون منهم ويزوجونهم بهم، يسمون أبناءهم بأسماءهم، ويتبركون بذكرهم، يذاكرونهم في مجالسهم، ويرجعون إليهم في مسائلهم، ويذكرون فضائلهم ومحامدهم، ويقرّون بفضل أهل الفضل منهم، وعلم أهل العلم، وتقوى المتقين، وطهارة العامة وزهدهم.
نسرد هذا كله وقد عاهدنا أن لا نرجع إلا إلى كتب القوم أنفسهم لعلي الحق يظهر، والصدق يجلو، والباطل يكبو، والكذب يخبو، اللهم إلا نادراً نذكر شيئاً تأييداً واستشهاداً، لا أصلاً، ولا استدلالاً، ولا اسقلالاً، ولا يكون إلزام الخصم إلا من كتبهم هم، وبعباراتهم أنفسهم، ومن أفواه أناس يزعمونهم أئمتهم، وهم منهم براء وقد قيل قديماً إن السحر ما يقرّبه المسحور. والحق ما يشهد به المنكر، وما نريد من وراء ذلك إلا الإظهار بأن أئمة الحق وأهل البيت ليسوا مع القوم في القليل ولا في الكثير، ولعل الله يهدى به أناساً اغتروا بحب أهل البيت حيث ظنوا أن معتقدات الشيعة وضعها أئمة أهل البيت، وأسسوا قواعدها، ورسخوا أصولها، فهم يحبونهم، ويبغضون أعدائهم - حسب زعمهم - الذين غصبوا حقهم وحرموهم من ميراث النبي، وظلموهم.(5/30)
ويتبين من هذا البحث إن شاء الله علاقة الشيعية الحقيقية بآل البيت وعلاقتهم معهم.
فها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الخليفة الراشد الرابع عندنا، والإمام المعصوم الأول عندهم، وسيد أهل البيت - يذكر أصحاب النبي عامة، ويمدحهم، ويثني عليهم ثناء عاطراً بقوله: لقد رأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فما أرى أحداً يشبههم منكم! لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم! كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم! إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفاً من العقاب، ورجاء للثواب" [نهج البلاغة ص143 دار الكتاب بيروت 1387ه بتحقيق صبحي صالح، ومثل ذلك ورد في "الإرشاد" ص126].
وهذا هو سيد أهل البيت يمدح أصحاب النبي عامة، ويرجحهم على أصحابه وشيعته الذين خذلوه في الحروب والقتال، وجبنوا عن لقاء العدو ومواجهتهم، وقعدوا عنه وتركوه وحده، فيقول موازناً بينهم وبين صحابة رسول الله: ولقد كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا: ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً، ومضياً على اللقم، وصبراً على مضض الألم، وجداً في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما: أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه، ومتبوئا أوطانه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم، ما قام للدين عمود، ولا اخضر للإيمان عود. وأيم الله لتحتلبنها دماً، ولتتبعنها ندماً" ["نهج البلاغة" بتحقيق صبحي صالح ص91، 92 ط بيروت].(5/31)
ويذكرهم أيضاً مقابل شيعته المنافقين المتخاذلين، ويأسف على ذهابهم بقوله: أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرءوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى القتال فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً وصفاً صفاً، بعض هلك وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء ولا يعزون عن الموتى، مرة العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم" ["نهج البلاغة" بتحقيق صبحي صالح ص177، 178].
ويذكرهم، ويذكر بما فازوا به من نعيم الدنيا والآخرة، ولهم حظ وافر من كرم الله وإحسانه، حيث يقول: واعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح، أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم، وتيقنوا أنهم جيران الله غداً في آخرتهم، لا ترد لهم دعوة ولا ينقص لهم نصيب من لذة" ["نهج البلاغة" ص383 بتحقيق صبحي صالح].
ويمدح المهاجرين من الصحابة في جواب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فيقول: فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم ["نهج البلاغة" ص383 بتحقيق صبحي صالح].
وأيضاً: "وفي المهاجرين خير كثير تعرفه، جزاهم الله خير الجزاء" ["نهج البلاغة" ص383 بتحقيق صبحي صالح].
كما مدح الأنصار من أصحاب محمد عليه السلام بقوله هم والله ربوا الإسلام كما يربي الفلو مع غنائهم، بأيديهم السباط، وألسنتهم السلاط" ["نهج البلاغة" ص557 تحقيق صبحي صالح].(5/32)
ومدحهم مدحاً بالغاً موازناً أصحابه ومعاوية مع أنصار النبي بقوله: أما بعد! أيها الناس فوالله لأهل مصركم في الأمصار أكثر من الأنصار في العرب، وما كانوا يوم أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمنعوه ومن معه من المهاجرين حتى يبلغ رسالات ربه إلا قبيلتين صغير مولدها، وما هما بأقدم العرب ميلاداً، ولا بأكثرهم عدداً، فلما آووا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ونصروا الله ودينه، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وتحالفت عليهم اليهود، وغزتهم اليهود والقبائل قبيلة بعد قبيلة، فتجردوا لنصرة دين الله، وقطعوا ما بينهم وبين العرب من الحبائل وما بينهم وبين اليهود من العهود، ونصبوا لأهل نجد وتهامة وأهل مكة واليمامة وأهل الحزن والسهل [وأقاموا] قناة الدين، وتصبروا تحت أحلاس الجلاد حتى دانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - العرب، ورأى فيهم قرة العين قبل أن يقبضه الله إليه، فأنتم في الناس أكثر من أولئك في أهل ذلك الزمان من العرب" ["الغارات" ج2 ص479، 480].
وسيد الرسل نفسه يمدح الأنصار حسب قول الشيعة "اللهم اغفر للأنصار، وأبناء الأنصار، وأبنا أبناء الأنصار، يا معشر الأنصار! أما ترضون أن ينصرف الناس بالشاه والنعم، وفى سهمكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " [تفسير "منهج الصادقين" ج4 ص240، أيضاً "كشف الغمة" ج1 ص224].
وكذلك "قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الأنصار كرشي وعيني، ولو سلك الناس واديا، وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار" [تفسير "منهج الصادقين" ج4 ص240، أيضاً "كشف الغمة" ج1 ص224].(5/33)
ويروي المجلسي [والمجلسي هو الملا محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، ولد سنة 1037ه، ومات سنة 1110ه، من ألد أعداء السنة وخصومهم، ولم ير مثله في الشيعة المتأخرين سليط اللسا، بذياً، فاحشاً، لا يتكلم بكلمة إلا ويتدفق الفحش والهجاء من كلامه، يسمونه "خاتمة المجتهدين" و"إمام الأئمة في المتأخرين"، يقول القمي: المجلسي إذا أطلق فهو شيخ الإسلام والمسلمين، مروج المذهب والدين، الإمام، العلامة، المحقق، المدقق.. لم يوفق أحد في الإسلام مثل ما وفق هذا الشيخ العزم وأمير الخضم والطود الأشم من ترويج المذهب، وإعلاء كلمة الحق، وكسر صولة المبتدعين، وقمع زخارف الملحدين، وإحياء دارس سنن الدين المبين، ونشر آثار أئمة المسلمين بطرق عديدة وأنحاء مختلفة أجلها وأبقاها الرائقة الأنيقة الكثيرة" (الكنى والألقاب ج3 ص121).
وقال الخوانساري: هذا الشيخ كان إماماً في وقته في علم الحديث وسائر العلوم، وشيخ الإسلام بدار السلطنة أصفهان، رئيساً فيها بالرياسة الدينية والدنيوية، إماماً في الجمعة والجامعة.. ولشيخنا المذكور مصنفات منها كتاب "بحار الأنوار" الذي جمع فيه جميع العلوم وهو يشتمل على مجلدات، وكتب كثيرة في العربية والفارسية" (روضات الجنات ج2 ص78 وما بعد)] عن الطوسي رواية موثوقة عن علي بن أبي طالب أنه قال لأصحابه: أوصيكم في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا تسبوهم، فإنهم أصحاب نبيكم، وهم أصحابه الذين لم يبتدعوا في الدين شيئاً، ولم يوقروا صاحب بدعة، نعم! أوصاني رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) في هؤلاء" ["حياة القلوب للمجلسي" ج2 ص621].(5/34)
ويمدح المهاجرين والأنصار معاً حيث يجعل في أيديهم الخيار لتعيين الإمام وانتخابه، وهم أهل الحل والعقد في القرن الأول من بين المسلمين وليس لأحد أن يرد عليهم، ويتصرف بدونهم، ويعرض عن كلمتهم، لأنهم هم الأهل للمسلمين والأساس كما كتب لأمير الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما رداً عليه دعواه بإمرة المؤمنين وحكم المسلمين، فإن الإمام من جعله أصحاب محمد إماماً لا غير، فها هو علي بن أبى طالب رضي الله عنه يذكّر معاوية بهذه الحقيقة ويستدل بها على أحقيته بالإمامة، والكلام من كتاب القوم.
"إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى" ["نهج البلاغة" ج3 ص7 ط بيروت تحقيق محمد عبده وص367 تحقيق صبحي].
فماذا موقف الشيعة من علي بن أبى طالب رضي الله عنه ومن كلامه هذا حيث يجعل:
أولاً : الشورى بين المهاجرين والأنصار من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيدهم الحل والعقد رغم أنوف القوم.
ثانياً : اتفاقهم على شخص سبب لمرضات الله وعلامة لموافقته سبحانه وتعالى إياهم.
ثالثاً : لا تنعقد الإمامة في زمانهم دونهم، وبغير اختيارهم ورضاهم [وقد حل الإشكال من هذا أيضاً بأن الإمامة والخلافة في الإسلام لا تنعقد إلا بالشورى والانتخاب، لا بالتعيين والوصية والتنصيص كما يزعمه الشيعة مخالفين نصوص أئمتهم ومعصوميهم حسب زعمهم].
رابعاً : لا يرد قولهم ولا يخرج من حكمهم (أي الصحابة) إلا المبتدع أو الباغي، والمتبع والسالك غير سبيل المؤمنين.
خامساً : يقاتل مخالف الصحابة، ويحكم السيف فيه.
سادساً : وفوق ذلك يعاقب عند الله لمخالفته رفاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحبائه، المهاجرين منهم والأنصار رضي الله عنهم ورضوا عنه وأولاد عليّ على شاكلته.(5/35)
فها هو علي بن الحسين الملقب بزين العابدين - الإمام المعصوم الرابع عند القوم - وسيد أهل البيت في زمانه يذكر أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، ويدعو لهم في صلاته بالرحمة والمغفرة لنصرتهم سيد الخلق في نشر دعوة التوحيد وتبليغ رسالة الله إلى خلقه فيقول: فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان اللهم وأصحاب محمد خاصة، الذين أحسنوا الصحابة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكاتفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الحق عليك، وكانوا من ذلك لك وإليك، واشكرهم على هجرتهم فيك ديارهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه ومن كثرة في اعتزاز دينك إلى أقله، اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان خير جزائك، الذين قصدوا سمتهم، وتحروا جهتهم، لو مضوا إلى شاكلتهم لم يثنهم ريب في بصيرتهم، ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم والائتمام بهداية منارهم مكانفين وموازرين لهم، يدينون بدينهم، ويهتدون بهديهم، يتفقون عليهم، ولا يتهمونهم فيما أدوا إليهم" [صحيفة كاملة لزين العابدين ص13 ط مطبعة طبي كلكته الهند 1248ه].
وواحد من أبنائه حسن بن علي المعروف بالحسن العسكري - الإمام الحادي عشر عند القوم - يقول في تفسيره: إن كليم الله موسى سأل ربه هل في أصحاب الأنبياء أكرم عندك من صحابتي؟ قال الله: يا موسى! أما عملت أن فضل صحابة محمد - صلى الله عليه وسلم - على جميع صحابة المرسلين كفضل محمد - صلى الله عليه وسلم - على جميع المرسلين والنبيين" [تفسير الحسن العسكري ص65 ط الهند، وأيضاً "البرهان" ج3 ص228، واللفظ له].(5/36)
وكتب بعد ذلك في تفسير الحسن العسكري "إن رجلاً ممن يبغض آل محمد وأصحابه الخيرين أو واحداً منهم يعذبه الله عذاباً لو قسم على مثل عدد خلق الله لأهلكهم أجمعين" [تفسير الحسن العسكري ص196].
ولأجل ذلك قال جده الأكبر علي بن موسى الملقب بالرضا - الإمام الثامن عند الشيعة - حينما سئل "عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهديتم [وينبغي الانتباه أننا ننقل هذه الرواية من الشيعة أنفسهم، فالرواية روايتهم وهي حجة عليهم].
وعن قوله عليه السلام: دعوا لي أصحابي:؟ فقال عليه السلام: هذا صحيح" [نص ما ذكره الرضا نقلاً عن كتاب "عيون أخبار الرضا" لابن بابويه القمي الملقب بالصدوق تحت قول النبي: أصحابي كالنجوم ج2 ص87].
هذا ونقل ما قاله ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عم علي رضي الله عنه عبد الله بن عباس - فقيه أهل البيت وعامل علي رضي الله عنه - أنه قال في حق الصحابة: إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماءه خص نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - بصحابة آثروه على الأنفس والأموال، وبذلوا النفوس دونه في كل حال، ووصفهم الله في كتابه فقال: { رحماء بينهم } الآية، قاموا بمعالم الدين، وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذبت طرقه، وقويت أسبابه، وظهرت آلاء الله، واستقر دينه، ووضحت أعلامه، وأذل بهم الشرك، وأزال رؤوسه ومحا دعائمه، وصارت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية، والأرواح الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياء لله أولياء، وكانوا بعد الموت أحياء، وكانوا لعباد الله نصحاء، رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها" ["مروج الذهب" ج3 ص52، 53 دار الأندلس بيروت].(5/37)
ويروي ابن علي بن زين العابدين محمد الباقر رواية تنفى النفاق من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتثبت لهم الإيمان ومحبة الله عز وجل كما أوردها العياشي والبحراني [هو هاشم بن سليمان بن إسماعيل، ولد في قرية من القرى "التوبلى" في منتصف القرن الحادي عشر ومات في السنة 1107ه.
قال فيه الخوانساري "فاضل عالم ماهر مدق فقيه عارف بالتفسير والعربية والرجال، وكان محدثاً فاضلاً، جامعاً متتبعاً للأخبار بما لم يسبق إليه السابق سوى شيخنا المجلسي، ومن مصنفاته "البرهان في تفسير القرآن" (روضات الجنات ج8 ص181، أيضاً أعيان الشيعة")] في تفسيريهما تحت قول الله عز وجل: { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } .(5/38)
عن سلام قال: كنت عند أبي جعفر، فدخل عليه حمران بن أعين، فسأله عن أشياء، فلما هم حمران بالقيام قال لأبي جعفر عليه السلام: أخبرك أطال الله بقاك وأمتعنا بك، إنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا، وتسلوا أنفسنا عن الدنيا، وتهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك، فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنيا؟ قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما هي القلوب مرة يصعب عليها الأمر ومرة يسهل، ثم قال أبو جعفر: أما إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله نخاف علينا النفاق، قال: فقال لهم: ولم تخافون ذلك؟ قالوا: إنا إذا كنا عندك فذكرتنا روعنا، ووجلنا، نسينا الدنيا وزهدنا فيها حتى كأنا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك، فإذا خرجنا من عندك، ودخلنا هذه البيوت، وشممنا الأولاد، ورأينا العيال والأهل والمال، يكاد أن نحول عن الحال التي كنا عليها عندك، وحتى كأنا لم نكن على شيء، أفتخاف علينا أن يكون هذا النفاق؟ فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كلا، هذا من خطوات الشيطان. ليرغبنكم في الدنيا، والله لو أنكم تدومون على الحال التي تكونون عليها وأنتم عندي في الحال التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة، ومشيتم على الماء، ولولا أنكم تذنبون، فتستغفرون الله لخلق الله خلقاً لكي يذنبوا، ثم يستغفروا، فيغفر الله لهم، إن المؤمن مفتن تواب، أما تسمع لقوله: { إن الله يحب التوابين } وقال: { استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } ["تفسير العياشي" ج1 ص109، و "البرهان" ج1 ص215].(5/39)
وأما ابن الباقر جعفر الملقب بالصادق يقول: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنى عشر ألفا، ثمانية آلاف من المدينة، وألفان من مكة، وألفان من الطلقاء، ولم ير فيهم قدري ولا مرجئ ولا حروري ولا معتزلي، ولا صاحب رأي، كانوا يبكون الليل والنهار ويقولون: اقبض أرواحنا من قبل أن نأكل خبز الخمير" ["كتاب الخصال" للقمي ص640 ط مكتبة الصدوق طهران].
هذا ولقد روى علي بن موسى الرضا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من زارني في حياتي أو بعد موتى فقد زار الله تعالى" ["عيون أخبار الرضا" لابن بابويه القمي ج1 ص115].
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصادق الأمين وسيد الخلائق نفسه يشهد لأصحابه بالسعادة والجنة حيث يقول، ويرويه القمي [هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه القمي الملقب بالصدوق، من مواليد أوائل القرن الرابع من الهجرة، وتوفي سنة 381 من الهجرة، ونشأ بقم، وقبر بالري، هو من كبار القوم ومحدثيهم، وكتابه "من لا يحضر الفقيه" أحد الكتب الأربعة التي تعد من أهم الكتب وأصحها في الحديث عند الشيعة، كما أن له مصنفات عديدة أخرى، وهو من المكثرين، كما أن كتبه عمدة لمذهب الشيعة، يقول الشيعة فيه: لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه" (أعيان الشيعة ج1 ص104 و"الخلاصة" للحلي).
كما يقولون: ولد هو وأخوه بدعوة صاحب الأمر علي يد السفر الحسين بن الروح، فإنه كان الواسطة بينه وبين ابن البابويه" (روضات الجنات للخوانساري ج6 ص136).
قال فيه المجلسي: وثقه جميع الأصحاب لما حكموا بصحة جميع أخبار كتابه يعني صحة جميع ما قد صح عنه من غير تأمل، بل هو ركن من أركان الدين" (نقلاً عن الخوانساري ج2 ص132)] محدث القوم وإمامهم والملقب بالصدوق في كتابه الذي طبعته الشيعة أنفسهم "عن أبي أمامة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : طوبى لمن رآنى وآمن بي" ["كتاب الخصال" لابن بابويه ج2 ص342].(5/40)
وروى الميري القمي [هو أبو العباس عبد الله بن جعفر بن الحسن الحميري القمي.
"شيخ القميين ووجههم، ثقة من أصحاب محمد العسكري (ع)، قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين، وسمع أهلها منه، فأكثروا، وصنف كتباً كثيرة منها كتاب "قرب الإسناد" (الكنى والألقاب ج2 ص177).
"وهو من أساتذة الكليني، قد روي عنه في الكافي روايات عديدة، وله مكاتبات مع أبي الحسن، كما أنه كاتب مع أبي محمد"- من أئمة الشيعة المزعومين – (مقدمة قرب الإسناد ص2)] مثل هذه الرواية عن جعفر بن باقر عن أبيه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من زارني حياً وميتاً كنت له شفيعاً يوم القيامة" ["قرب الإسناد" ص31 ط طهران].
موقف الشيعة من الصحابة
فهذا هو موقف أهل البيت من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيار خلق الله وصفوة الكون.(5/41)
وأما الشيعة الذين يزعمون أنهم أتباع أهل البيت والمحبون الموالون لهم، فإنهم يرون رأيا غير هذا الرأي محترقين على جهادهم المستمر، ومنتقمين على فتوحاتهم الجبارة الكثيرة التي أرغمت أنوف أسلافهم، وكسرت شوكة ماضيهم ومزقت جموع أحزابهم، ودمرت ديارهم وأوكار كفرهم، الصحابة الذين أذلوا الشرك والمشركين، وهدموا الأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها ويعتكفون عليها، أزالوا ملكهم وسلطانهم، وخربوا قصورهم وحصونهم ومنازلهم، وأنزلوا فيها الفناء، وأعلوا عليها راية التوحيد وعلم الإسلام شامخاً مترفرفاً، فاجتمع أبناء المجوس واليهود، وأبناء البائدين الهالكين الذين أرادوا سد هذا النور النير، والوقوف في سبيل وطريق هذا السيل العرم، اجتمعوا ناقمين، حاقدين، حاسدين، محترقين، واقتنعوا بقناع الحب لآل البيت - وآل البيت منهم براء - وسلّوا سيوف أقلامهم وألسنتهم ضد أولئك المجاهدين المحسنين، رفاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المشغوفين بحبه، والمفعمين بولائه، والمميتين في إطاعته واتباعه، والراهنين كل ثمين ونفيس في سبيله، والمضحين بأدنى إشاراته الآباء والأولاد والمهج، المقتفين آثاره، المتتبعين خطواته، السالكين منهجه، الغر الميامين رضوان الله عليهم أجمعين.
فقال قائلهم: إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) غير أربعة (كتاب [والغريب أن أبناء اليهودية الأثيمة يطيعون مثل هذه الكتب الخبيثة المليئة من العيب والشتم لأهل خير القرون وخير الأمة، ثم يتضوغون عن الكتب التي كتبت رداً عليهم مثل كتاب "الشيعة والسنة" للمؤلف لتبيين مذهبهم، وإظهار ما يكنونه في صدورهم تجاه الأمة المرحومة ومحسنيها، ويقولون: إنه لا ينبغي كتابة مثل هذه الكتب وطبعها ونشرها في زمان، المسلمون أحوج ما يكون إلى الاتحاد والاتفاق، ونحن لا ندري أي اتحاد ووفاق يريدون؟(5/42)
نحن لا نسب القوم ولا نشتم قادتهم، بل كل ما نعمل نبدي للرأي العام ما عمله القوم الأمس وما يعملونه اليوم. فمن أي شيء يخافون؟
ثم ولم نفهم من بعض من يسمي نفسه متنوراً، واسع الأفق، فسيح القلب، وسيع الظرف، محباً للتقريب والوفاق من أهل السنة، البلهاء أو المغترين، لا نفهم منهم حينما يعترضون علينا بأننا لم نقم بإحقاق الحق وإبطال الباطل؟ ولم ندافع عن أولئك القوم الذين لو ما كانوا كنا عباد البقر أو النجوم أو اللات والمناة والعزى والثالث، أو الحجر والشجر، ولو ما رفعوا راية الإسلام، وحملوا لواء التوحيد ما عرفنا ربنا عز وجل ونبينا وقائدنا محمداً صلوات الله وسلامه عليه، وما علمنا ماذا أنزله الرحمن على عبده وحبيبه، وما تركه المصطفى من سنته وحكمته، وما عرفنا القرآن الذي أنزله نوراً وهدى ورحمة للعالمين.
نعم: يقلق مضاجع هؤلاء المتنورين هذا، ولا يفجعون عن كتاب سليم بن قيس العامري الذي قال فيه جعفرهم – نعم جعفرهم، لا الجعفر الصادق الذي نعرفه ونعلمه – قال: من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس العامري، فليس عنده من أمرنا شيء وهو سر من أسرار محمد - صلى الله عليه وسلم - ،- الكتاب الذي لم نجد صفحة من صفحاته، ولا ورقة من أوراقه إلا وهي مليئة بأقذر الشتائم وأخبث السباب، وكتاب سليم ومثله كتب للقوم لا تعد ولا تحصى، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فنقول لهؤلاء القوم عديمي الغيرة، وفاقدي الحمية: فليهنأ لكم التنور، وليهنأ لكم التوسع، فأما نحن فلن ولن نتحمل هذا، ولن ولن نسكت عن ذلك إن شاء الله ما دامت العروق يجري فيها الدم، وما دام الروح في الجسد واللسان يتكلم] سليم بن قيس العامرى ص 92 ط دار الفنون بيروت).
هذا ومثل هذا كثير.(5/43)
ولقد تقدم بخارى القوم محمد بن يعقوب الكليني إلى أبعد من ذلك فقال: كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي ["كتاب الروضة من الكافي" ج8 ص245].
ومثل هذا ذكر المجلسي "هلك الناس كلهم بعد وفاة الرسول إلا ثلاثة أبو ذر والمقداد وسلمان" ["حيات القلوب" للمجلسي فارسي ج2 ص640].
ولسائل أن يسأل هؤلاء الأشقياء وأين ذهب أهل بيت النبي بما فيهم عباس عم النبي، وابن عباس ابن عمه، وعقيل أخ لعلي، وحتى علي نفسه، والحسنان سبطا رسول الله ؟
ألا تستحيون من الله ؟
ثم وأكثر من ذلك قال الكليني في موضع آخر من كتابه: إن الناس يفزعون إذا قلنا: إن الناس ارتدوا، فقال:….. إن الناس عادوا بعد ما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل جاهلية، إن الأنصار اعتزلت ( يعني عن أبي بكر ) فلم تعتزل بخير ( أي لم يكن اختيارهم لاختيار الحق أو ترك الباطل، بل اختاروا باطلاً مكان باطل آخر للحمية والعصبية – كما ذكر المحشي الملعون على هذه الرواية -) جعلوا يبايعون سعداً وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية ( كذب وزور – يا كذاب!) يا سعد! أنت المرجأ، وشعرك المرجل، وفحلك المرجم" ["كتاب الروضة من الكافي" ج2 ص296].
ومعناه أنه لم يبق ولا واحد، لا أبو ذر ولا سلمان ولا المقداد ؟(5/44)
هذا ويذكر شيعي معاصر عكس ذلك تماماً حيث أن القوم يدعون بأن الصحابة ارتدوا – عياذاً بالله – بعد أن أسلموا، ولكن أحداً من بقايا القوم الناقمين ينكر حتى دخولهم في الإسلام كما يقول وهو يرد علينا بأننا لم ننصف في اتهامنا الشيعة – حسب زعمه – بأنهم يكفرون أصحاب الرسول العظيم عليه السلام، وفى أثناء الرد يقر ويثبت ما ذكرناه، فانظر إليه كيف يستأسر في حبله نفسه بنفسه "ومع ذلك فإني أقول: إن العرب لم يؤمنوا بمحمد إلا بعد أن قرعت الدعوة الإسلامية أسماعهم [انظر إلى الحقد كيف يتدفق، والبغض كيف يظهر للأمة العربية التي لبّت رسالة الإسلام في باكورة عهدها، وحملتها وأدتها إلى العالم أجمع] أي أن محمد (- صلى الله عليه وسلم -) دعاهم أولاً للإسلام فآمن من آمن ….. ومنهم من تأخر عن ذلك، ومنهم من ماطل كثيراً، ومنهم من دخل في الإسلام نفاقاً، ومنهم من دخل خوفاً ورهباً بعد أن ضاقت عليه الأرض، ولم يدخل في الإسلام أحد بدلالة عقله إلا شخصية واحدة [وحتى خرّجوا علياً وأهل بيت النبي حيث لم يذكروا فيمن ذك إلا سلمان] خرجت من بلادها طلباً للحقيقة، ولاقت صعوبات وأخطاراً حتى ظفرت بالحقيقة عند محمد ( يعنى سلمان ) فآمنت به" ["كتاب الشيعة والسنة في الميزان" ص20، 21 لمؤلف مجهول المقنع بقناع س – خ ط بيروت – أي الكتاب الذي حاول مجهوله عبثاً الرد على كتابنا "الشيعة والسنة" حيث لم يستطع في الكتاب كله تغليط عبارة واحدة أو مصدر واحد من العبارات أو المصادر التي ذكرناها في الكتاب، ولا مسألة واحدة، أو نتيجة من النتائج التي استنتجناها في كتابنا كله، ولله الحمد والمنة على ذلك التوفيق الصائب والشرف الذي أولانا الله عز وجل للدفاع عن حرمات النبي، ومقدسات الإسلام، ومحبي الملة الحنيفية البيضاء، اللهم ألهمنا الرشد والسداد، واجعلنا من الذين يعرفون القول ويتبعون أحسنه، { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذي سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا(5/45)
غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } ].
ويكتب القمي تحت تفسير قوله تعالى: { وحسبوا أن لا تكون فتنة } نزل كتاب الله يخبر أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: { وحسبوا أن لا تكون فتنة } أي لا يكون اختبار، ولا يمتحنهم الله بأمير المؤمنين عليه السلام ( فعموا وصموا ) قال حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم ( ثم عموا وصموا ) حين قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقام أمير المؤمنين عليه السلام عليهم فعموا وصموا فيه حتى الساعة" ["تفسير القمي" لعلي بن إبراهيم ج1 ص175، 176 ط مطبعة النجف 1386ه].
هذا ومثل هذا كثير [انظر لذلك كتابنا "الشيعة والسنة"].
فهذا هو موقف الشيعة من الصحابة، وذلك هو موقف أهل البيت منهم.
موقف أهل البيت من الصديق
هذا ونريد بعد ذلك أن نبّين موقف أهل البيت من ثاني اثنين إذ هما في الغار، من الصديق الأكبر رضي الله عنه، فيقول فيه ابن عم النبي وصهره، زوج ابنته، ووالد سبطيه علي بن أبى طالب رضي الله عنه وهو يذكر بيعة أبى بكر الصديق بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند انثيال [انثيال الناس أي انصبابهم من كل وجه كما ينثال التراب (كما قاله ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة)] الناس على أبى بكر، وإجفالهم [الإجفال الإسراع] إليه ليبايعوه: فمشيت عند ذلك إلى أبى بكر، فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت "كلمة الله هي العليا" ولو كره الكافرون، فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسر، وسدد، وقارب، واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله [ فيه ] جاهداً" ["الغارات" ج1 ص307 تحت عنوان "رسالة علي عليه السلام إلى أصحابه بعد مقتل محمد بن أبي بكر"].(5/46)
ويذكر في رسالة أخرى أرسلها إلى أهل مصر مع عامله الذي استعمله عليها قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري "بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين، سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو. أما بعد! فإن الله بحسن صنعه وتقديره وتدبيره اختار الإسلام ديناً لنفسه وملائكته ورسله، وبعث به الرسل إلى عباده [ و ] خص من انتخب من خلقه، فكان مما أكرم الله عز وجل به هذه الأمة وخصهم [ به ] من الفضيلة أن بعث محمداً - - صلى الله عليه وسلم - - [ إليهم ] فعلمهم الكتاب والحكمة والسنة والفرائض، وأدّبهم لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما [ لا ] يتفرقوا، وزكاهم لكيما يتطهروا، فلما قضى من ذلك ما عليه قبضة الله [ إليه فعليه ] صلوات الله وسلامه ورحمته ورضوانه إنه حميد مجيد. ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا امرأين منهم صالحين عملاً بالكتاب وأحسنا السيرة ولم يتعديا السنة ثم توفاهما الله فرحمهاما الله" ["الغارات" ج1 ص210 ومثله باختلاف يسير في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، و"ناسخ التواريخ" ج3 كتاب2 ص241 ط إيران، و"مجمع البحار" للمجلسي].
ويقول أيضاً وهو يذكر خلافة الصديق وسيرته : فاختار المسلمون بعده (أي النبي - صلى الله عليه وسلم -) رجلاً منهم، فقارب وسدد بحسب استطاعة على خوف وجد" ["شرح نهج البلاغة" للميثم البحراني ص400].
ولم اختار المسلمون أبا بكر خليفة للنبي وإماماً لهم ؟ يجيب عليه المرتضى رضي الله عنه وابن عمة الرسول زبير بن العوام رضي الله عنه بقولهما: وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار وثاني اثنين، وإنا لنعرف له سنة، ولقد أمره رسول الله بالصلاة وهو حي" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد الشيعي ج1 ص332].
ومعنى ذلك أن خلافته كانت بإيعاز الرسول عليه السلام.(5/47)
وعلي بن أبى طالب رضي الله عنه قال هذا القول رداً على أبي سفيان حين حرضه على طلب الخلافة كما ذكر ابن أبى الحديد [هو عز الدين عبد الحميد بن أبي الحسن بن أبي الحديد المدائني "صاحب شرح نهج البلاغة، المشهور "هو من أكابر الفضلاء المتتبعين، وأعاظم النبلاء المتبحرين موالياً لأهل بيت العصمة والطهارة.. وحسب الدلالة على علو منزلته في الدين وغلوه في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، شرحه الشريف الجامع لكل نفيسة وغريب، والحاوي لكل نافحة ذات طيب.. كان مولده في غرة ذي الحجة 586، فمن تصانيفه "شرح نهج البلاغة" عشرين مجلداً، صنفه لخزانة كتب الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي، ولما فرغ من تصنيف أنفذه على يد أخيه موفق الدين أبي المعالي، فبعث له مائة ألف دينار، وخلعة سنية، وفرساً" ("روضات الجنات" ج5 ص20، 21).
ولد بالمدائن "وكان الغالب على أهل المدائن التشيع والتطرف والمغالاة، فسار في دربهم، وتقبل مذهبهم، ونظم العقائد المعروفة بالعلويات السبع على طريقتهم، وفيها غالى وتشيع وذهب به الإسراف في كثير من الأبيات كل مذهب، يقول في إحداها:
علم الغيوب إليه غير مدافع
والصبح أبيض مسفر لا يدفع
وإليه في يوم المعاد حسابنا
وهو الملاذ لنا غداً والمفزع
ورأيت دين الاعتزال وإنني
أهوى لأجلك كل من يتشيع
ولقد علمت بأنه لا بد من
مهديكم وليومه أتوقع
تحميه من جند الإله كتائب
كاليم أقبل زاخراً يتدفع
تالله لا أنسى الحسين وشلوه
تحت السنابك بالعراء موزع
لهفي على تلك الدماء تراق في
أيدي أمية عنوة وتضيع
يأبى أبو العباس أحمد إنه
خير الورى من أن يطل ويمنع
فهو الولي لثأرها وهو الحمو
ل لعبئها إذ كل عود يضلع
والدهر طوع والشبيبة غضة
والسيف عضب والفؤاد مشيع(5/48)
ثم خف إلى بغداد، وجنح إلى الاعتزال، وأصبح كما يقول صاحب نسخة السحر "معتزلياً جاهزياً في أكثر شرحه بعد أن كان شيعياً غالياً".
"وتوفى في بغداد سنة 655 يروي آية الله العلامة الحلي عن أبيه عنه" (الكنى والألقاب ج1 ص185)] جاء أبو سفيان إلى علي عليه السلام، فقال: وليتم على هذا الأمر أذل بيت في قريش، أما والله لئن شئت لأملأنها على أبى فصيل خيلاً ورجلاً، فقال علىّ عليه السلام: طالما غششت الإسلام وأهله، فما ضررتهم شيئاً، لا حاجة لنا إلى خيلك ورجلك، لولا أنا رأينا أبا بكر لها أهلاً لما تركناه" ["شرح ابن أبي الحديد" ج1 ص130].
ولقد كررّ هذا القول ومثله مرات كرات، وأثبتته كتب القوم في صدورها وهو أن علياً كان يعدّ الصديق أهلاً للخلافة، وأحق الناس بها، لفضائله الجمة ومناقبه الكثيرة حتى حينما سئل قرب وفاته بعد ما طعنه ابن الملجم من سيكون الإمام والخليفة بعدك؟ فقال كما روى عن أبى وائل والحكيم عن علي بن أبى طالب عليه السلام أنه قيل له: ألا توصي؟ قال: ما أوصى رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) فأوصى، ولكن قال: ( أي رسول ) إن أراد الله خيراً فيجمعهم على خيرهم بعد نبيهم" ["تلخيص الشافي" للطوسي ج2 ص372 ط النجف].
وأورد مثل هذه الرواية "علم الهدى" [هو علي بن الحسين بن موسى المشهور بالسيد المرتضى الملقب بعلم الهدى، ولد سنة 355، ومات 436، هو رن من أركان المذهب الشيعي ومؤسسيه، وقد بالغ الشيعة في مدح أخيه الشريف رضى صاحب نهج البلاغة مبالغة لا نهاية لها، قال فيه الخوانساري: كان شريف المرتضى أوحد عصره علماً وفهماً، كلاماً وشعراً، وجاهاً وكرماً.. وأما مؤلفات السيد فكلها أصول وتأسيسات غير مسبوقة بمقال منها "كتاب الشافي" في الإمامة، أقول: وهو كاسمه شاف واف" (روضات الجنات ج4 ص295 إلى ما بعد).(5/49)
وقال القمي: هو سيد علماء الأمة، ومحيي آثار الأئمة، ذو المجدين.. جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد، فهذا من الفضائل تفرد به وتوحد، وأجمع على فضله المخالف والمؤالف.. له تصانيف مشهورة – "الشافي" في الإمامة، لم يصنف مثله في الإمامة.. قال آية الله العلامة: ومنه استفاد الإمامية وهو ركنهم ومؤلفهم" (الكنى والألقاب ج2 ص39، 40] للشيعة في كتابه الشافي:
"عن أمير المؤمنين عليه السلام لما قيل له: ألا توصي؟ فقال: ما أوصى رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) فأوصي، ولكن إذا أراد الله بالناس خيراً أستجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم" ["الشافي" ص171 ط النجف].
فهذا هو علي بن أبى طالب رضي الله عنه يتمنى لشيعته وأنصاره أن يفوق الله لهم رجلاً خيراً صالحاً كما وفق للأمة الإسلامية المجيدة بعد أن اصطدموا بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل خير صالح، أفضل الخلائق بعد نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأبي بكر الصديق رضي الله عنه إمام الهدى، وشيخ الإسلام، ورجل قريش، والمقتدى به بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسب ما سماه سيد أهل البيت زوج الزهراء رضي الله عنهما كما رواه السيد مرتضى علم الهدى في كتابه عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رجلاً من قريش جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: سمعتك تقول في الخطبة آنفا: اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين، فمن هما؟ قال: حبيباي، وعماك أبو بكر وعمر، وإماما الهدى، وشيخا الإسلام. ورجلا قريش، والمتقدى بهما بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، من اقتدى بهما عصم، ومن اتبع آثارهما هدى إلى صراط المستقيم" ["تلخيص الشافي" ج2 ص428].(5/50)
هذا وقد كرر في نفس الكتاب هذا "إن علياً عليه السلام قال في خطبته: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر"، ولم لا يقول هذا وهو الذي روى "أننا كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على جبل حراء إذ تحرك الجبل، فقال له: قر، فإنه ليس عليك إلا نبي وصديق وشهيد" ["الاحتجاج" للطبرسي].
فهذا هو رأى علي رضي الله عنه في أبي بكر، نعم! رأي علي الخليفة الراشد الرابع عندنا، والإمام المعصوم الأول عند القوم، الذي يدعون فيه أن من أنكر ولايته فقد كفر، كما قالوا: الموالي له ناج، والمعادي له كافر هالك، والمتخذ دونه وليجة ضال مشرك" ["فرق الشيعة للنوبختي" ص41 ط النجف 1951م، و"تفسير القمي" ج1 156 نجف ط تحت آية { إن الذين آمنوا ثم كفروا } ].
وقد نقلوا من أئمتهم "أبى الله عز وجل أن يتولى قوم قوماً يخالفونهم في أعمالهم معهم يوم القيامة، كلا ورب الكعبة" ["كتاب الروضة من الكافي" للكليني ج8 ص254].
فالمفروض من القوم الذين يدعون موالاة علي وبنيه أن يتبعوه وأولاده في آرائهم ومعتقداتهم في أصحاب النبي ورفقائه، وخاصة في صاحبه في الغار، الذي نقلنا فيه كلام سيد أهل البيت أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه، ورأيه وعقيدته التي نقلوها في كتبهم هم، وبعباراتهم أنفسهم، التي ذكرناها آنفا، وكما نحن ذاكرين آراء بقية أهل البيت فيه إن شاء الله.
رأى أهل البيت النبي في الصديق
فإن ابن عباس هو ابن عم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وابن عم علي، وكان أحد عماله الذي قال فيه الجعفر بن باقر: إن ابن عباس لما مات وأخرج خرج من كفنه طير أبيض يطير، ينظرون إليه يطير نحو السماء حتى غاب عنهم فقال (يعنى جعفر) وكان أبي يحبه حباً شديداً" ["رجال الكشي" تحت عنوان عبد الله بن عباس ص55 ط كربلاء].(5/51)
ويقول عنه المفيد [هو محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، ولد سنة 338، ومات في بغداد سنة 413، وصلى عليه السيد المرتضى، واشتهر بالمفيد، "لأن الغائب المهدي لقبه به" – كما يزعمون – (معالم العلماء ص101).
"وكان من أجلّ مشائخ الشيعة، ورئيسهم وأستاذهم، وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية، أوثق أهل زمانه وأعلمهم، انتهت رياسة الإمامية في وقته.. له قريب من مائتي مصنف كبار وصغار" ("روضات الجنات" ج6 ص153).
ويقولون: إن إمام العصر (الغائب المزعوم) خاطبه في كتابه بالأخ السديد، والمولى الرشيد "أيها المولى المخلص في ودنا، الناصر لنا، وملهم الحق ودليله، العبد الصالح، الناصر للحق، الداعي إليه بكلمة الصدق" (مقدمة الإرشاد ص4)]: كان أمير المؤمنين يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين، وليلة عند عبد الله بن العباس" ["الإرشاد" ص14].
فهذا ابن عباس يقول وهو يذكر الصديق: رحم الله أبا بكر، كان والله للفقراء رحيماً، وللقرآن تالياً، وعن المنكر ناهياً، وبدينه عارفاً، ومن الله خائفاً، وعن المنهيات زاجراً، وبالمعروف آمراً. وبالليل قائماً، وبالنهار صائماً، فاق أصحابه ورعاً وكفافاً، وسادهم زهداً وعفافاً" ["ناسخ التواريخ" ج5 كتاب2 ص143، 144 ط طهران].
هذا ويقول ابن أمير المؤمنين عليّ ألا وهو الحسن نعم! الحسن بن علي - الإمام المعصوم الثاني عند القوم، والذي أوجب الله اتباعه على القوم حسب زعمهم - يقول في الصديق، وينسبه إلى رسول الله عليه السلام أنه قال: إن أبا بكر مني بمنزلة السمع" ["عيون الأخبار" ج1 ص313، أيضاً "كتاب معاني الأخبار" ص110 ط إيران].(5/52)
وكان حسن بن علي رضي الله عنهما يؤقر أبا بكر وعمر إلى حد حتى جعل من إحدى الشروط على معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما "إنه يعمل ويحكم في الناس بكتاب، وسنة رسول الله، وسيرة الخلفاء الراشدين ، - وفي النسخة الأخرى - الخلفاء الصالحين" ["منتهى الآمال" ص212 ج2 ط إيران].
وأما الإمام الرابع للقوم علي بن الحسن بن علي، فقد روى عنه أنه جاء إليه نفر من العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم قال لهم: ألا تخبروني أنتم { المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً أولئك هم الصادقون } ؟ قالوا: لا، قال: فأنتم { الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا } ، اخرجوا عني، فعل الله بكم" ["كشف الغمة" للأربلي ج2 ص78 ط تبريز إيران].(5/53)
وأما ابن زين العابدين محمد بن على بن الحسين الملقب بالباقر - الإمام الخامس المعصوم عند الشيعة - فسئل عن حلية السيف كما رواه علي بن عيسى الأربلي [الأربلي هو بهاء الدين أبو الحسن علي بن الحسين فخر الدين عيسى بن أبي الفتح الأربلي، ولد في أوائل القرن السابع من الهجرة ببلدة الأربل قرب الموصل، ومات ببغداد سنة 693، قال عنه القمي: الأربلي من كبار العلماء الإمامية، العالم الفاضل، الشاعر الأديب، المنشى النحرير، المحدث الخبير، الثقة الجليل، أبو الفضائل والمحاسن، والحجة، صاحب "كشف الغمة في معرفة الأئمة"، فرغ من تصنيفه سنة 687.. وله شعر كثير في مدح الأئمة (ع) ذكر جملة منه في "كشف الغمة"، وكتابه كشف الغمة كتاب نفيس، جامع، حسن" (الكنى والألقاب ج2 ص14، 15 ط قم إيران).
وقال الخوانساري: كان من أكابر محدثي الشيعة، وأعاظم علماء المائة السابعة.. واتفق جميع الإمامية على أن علي بن عيسى من عظمائهم، والأوحدي النحرير، من جملة علمائهم، لا يشق غباره، وهو المعتمد المأمون في النقل" (روضات الجنات ج4 ص341، 342)] في كتابه "كشف الغمة":
"عن أبى عبد الله الجعفي عن عروة بن عبد الله قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن حلية السيف؟ فقال: لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه، قال: قلت: وتقول الصديق؟ فوثب وثبة، واستقبل القبلة، فقال: نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة" ["كشف الغمة" ج2 ص147].(5/54)
ولم يقل هذا إلا لأن جده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناطق بالوحي سماه الصديق كما رواه البحراني الشيعي في تفسيره "البرهان" عن علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغار قال لأبي بكر: كأني أنظر إلى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر، وانظر إلى الأنصار محبتين (مخبتين خ) في أفنيتهم، فقال أبو بكر: وتراهم يا رسول الله؟ قال: نعم! قال: فأرنيهم، فمسح على عينيه فرآهم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنت الصديق" ["البرهان" ج2 ص125].
ويروي الطبرسي [هو أبو المنصور أحمد بن علي بن أبي طالب من أهل الطبرستان "فهذا الرجل من أجلاء أصحابنا المتقدمين، وله كتاب "الاحتجاج" كتاب معروف معتبر بين الطائفة، وقد ذكره أيضاً في "أمل الآمل" وقال: عالم فاضل، محدث ثقة، له كتاب الاحتجاج حسن، كثير الفوائد" (روضات الجنات ج1 ص65).
الطبرسي "الشيخ العالم الفاضل الكامل النبيل، الفقيه، المحدث الثقة الجليل" (الكنى والألقاب ج2 ص404)] عن الباقر أنه قال: ولست بمنكر فضل أبى بكر، ولست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر" ["الاحتجاج" للطبرسي ص230 تحت عنوان "احتجاج أبي جعفر بن علي الثاني في الأنواع الشتى من العلوم الدينية" ط مشهد كربلاء].
ثم ابنه أبو عبد الله جعفر الملقب بالسادس - الإمام المعصوم السادس حسب زعم القوم - سئل عن أبى بكر وعمر كما رواه القاضي نور الله الشوشترى [هو نور الله بن شرف الدين الشوشتري من علماء الشيعة الأعلام في الهند، كان قاضياً بلاهور في عهد جهانغير أحد سلاطين المغول.(5/55)
:كان محدثاً، متكلماً، محققاً فاضلاً نبيلاً، علامة، له كتب في نصرة المذهب ورد المخالف، وقتل بتهمة الرفض في دولة جهانغي باكبر آباد – في القرن الحادي عشر – ويطلق عليه الشهيد الثالث" (روضات الجنات ج8 ص160)]. الشيعي الغالي، الذي قتل سنة 1019 "إن رجلاً سأل عن الإمام الصادق عليه السلام، فقال: يا ابن رسول الله! ما تقول في حق أبى بكر وعمر؟ فقال عليه السلام: إمامان عادلان قاسطان، كانا على حق، وماتا عليه، فعليهما رحمة الله يوم القيامة" ["إحقاق الحق" للشوشتري ج1 ص16 ط مصر].
وروى عنه الكليني في الفروع حديثاً طويلاً ذكر فيه "وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له: أوصِ، فقال: أوصي بالخمس والخمس كثير، فإن الله تعالى قد رضي بالخمس، فأوصي بالخمس، وقد جعل الله عز وجل له الثلث عند موته، ولو علم أن الثلث خير له أوصى به، ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان وأبو ذر رضي الله عنهما، فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل. فقيل له: يا أبا عبد الله! أنت في زهدك تصنع هذا، وأنت لا تدرى لعلك تموت اليوم أو غداً؟ فكان جوابه أن قال: مالكم لا ترجون لي بقاء كما خفتم على الفناء، أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت، وأما أبو ذر فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم، وأنزل به ضيف، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة، نحر لهم الجزور أو من الشياه على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم، فيقسمه بينهم، ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضل عليهم، ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال" [كتاب المعيشة "الفروع من الكافي" ج5 ص68].
فأثبت أن منزلة الصديق في الزهد من بين الأمة المنزلة الأولى، وبعده يأتي أبو ذر وسلمان.(5/56)
وروى عنه الأربلي أنه كان يقول: "لقد ولدنى أبو بكر مرتين" ["كشف الغمة" ج2 ص161].
لأن "أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر وأمها (أي أم فروة) أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر" ["فرق الشيعة" للنوبختي ص78].
ويروي السيد مرتضى في كتابه "الشاف" عن جعفر بن محمد أنه كان يتولاهما، ويأتي القبر فيسلم مع تسليمه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ["كتاب الشافي" ص238، أيضاً "شرح نهج البلاغة" ج4 ص140 ط بيروت].
ويطول الكلام وما أروعه وأجمله، ولكن نحن نختصر الطريق، فنأتي إلى الإمام الأخير الموجود عند القوم وهو حسن بن على الملقب بالحسن العسكري - الإمام الحادي عشر المعصوم - فيقول وهو يسرد واقعة الهجرة أن رسول الله بعد أن سأل علياً رضي الله عنه عن النوم على فراشه قال لأبى بكر رضي الله عنه: أرضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب، وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ما أدعيه فتحمل عني أنواع العذاب؟ قال أبو بكر: يا رسول الله! أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل عليّ موت صريح ولا فرح ميخ وكان ذلك في محبتك لكان ذلك أحب إلى من أن أتنعم فيها وأنا مالك لجميع مماليك ملوكها في مخالفتك، وهل أنا ومالي وولدي إلا فداءك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا جرم أن اطلع الله على قلبك، ووجد موافقاً لما جرى على لسانك جعلك مني بمنزلة السمع والبصر، والرأس من الجسد، والروح من البدن" ["تفسير الحسن العسكري" ص164، 165 ط إيران].
هذا ولقد سردنا الروايات، ونقلناها من كتب القوم أنفسهم عن محمد رسول الله إمام الكونين ورسول الثقلين فداه أبواي وروحي - صلى الله عليه وسلم -، وعن علي بن أبى طالب رضي الله عنه - الإمام الأول المعصوم إلى الإمام الأخير الظاهر حسب زعمهم - وإكمالاً للبحث، وإتماماً للفائدة نريد أن نروي ههنا روايتين آخرين نقلت من أهل بيت علي أيضاً ومن كتب القوم أنفسهم.(5/57)
فالأولى من زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب شقيق محمد الباقر وعم جعفر الصادق الذي قيل فيه: كان حليف القرآن" ["الإرشاد" للمفيد ص268 تحت عنوان "ذكر أخوته" – أي الباقر -].
"واعتقد كثير من الشيعة فيه بالإمامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف" ["الإرشاد" للمفيد ص268].
ويقول أبو الفرج الأصفهاني الشيعي [هو أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد ولد بأصفهان سنة 284 ثم انتقل إلى بغداد، ونشأ فيها وترعرع، وبلغ المناصب، مات سنة 356، وصار مقرباً محبباً إلى بني بويه، ولعل من أسباب تلك الحظوة اتفاقهم في التشيع، وله مصنفات كثيرة مشهورة في الأدب والشعر، ومن أشهرها "الأغاني" و"مقاتل الطالبين" ذكره محسن الأمين في طبقات الشعراء من الشيعة وفي طبقات المؤرخين. (أعيان الشيعة ج1 ص175)]. نقلاً عن الأشناني عن عبد الله بن جرير أنه قال: رأيت جعفر بن محمد (أي الجعفر الصادق) يمسك لزيد بن علي بالركاب، ويسوى ثيابه على السرج ["مقاتل الطالبين" للأصفهاني ص129 ط دار المعرفة بيروت].
فهذا هو زيد بن زين العابدين بن الحسين وقد سئل عن أبى بكر كما يذكر صاحب ناسخ التواريخ ["ناسخ التواريخ" للمرزا تقي خان سيبهر معاصر الشاه ناصر الدين وابنه مظفر الدين، له ناسخ التواريخ فارسي مطبوع لم يعمل مثله ("أعيان الشيعة" تحت عنوان طبقات المؤرخين قسم1 ج2 ص132)] الشيعي "إن ناساً من رؤساء الكوفة وأشرافها الذين بايعوا زيداً حضروا يوماً عنده، وقالوا له: رحمك الله، ماذا تقول في حق أبي بكر وعمر؟ قال: ما أقول فيهما إلا خيراً كما لم أسمع فيهما من أهل بيتي (بيت النبوة) إلا خيراً، ما ظلمانا ولا أحد غيرنا، وعملاً بكتاب الله وسنة رسوله" ["ناسخ التواريخ" ج2 ص590 تحت عنوان "أحوال الإمام زين العابدين"].(5/58)
ويقول: لما سمع أهل الكوفة منه هذه المقالة رفضوه، ومالوا إلى الباقر، فقال زيد: رفضونا اليوم، ولذلك سموا هذه الجماعة بالرافضة" ["ناسخ التواريخ" ج2 ص590].
والرواية الثانية، والرأي الثاني من شخص نسجت الشيعة حوله الأساطير أي سلمان الفارسي الذي قيل فيه: سلمان المحمدي، ذلك رجل منا أهل البيت و"إن سلمان من أهل البيت" ["رجال الكشي" ص18، 20 ط الأعلمي كربلاء].
و "كان الناس أهل ردة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة، المقداد وأبو ذر وسلمان رحمة الله وبركاته عليهم" ["الروضة من الكافي" ج8 ص245].
وقال فيه علي: إن سلمان باب الله في الأرض، من عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً" ["رجال الكشي" ص70].
فهذا السلمان يقول: إن رسول الله كان يقول في صحابته: ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه" ["مجالس المؤمنين" للشوشتري ص89].
هذا وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريصاً عليه إلى هذا الحد بأن أبا بكر لما أراد مبارزة ابنه يوم بدر وهو فارس، مدجج، منعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بقوله: شم سيفك، وارجع إلى مكانك، ومتعنا بنفسك" ["كشف الغمة" ج1 ص190] وجعل بقاءه متعة له عليه الصلاة والسلام. فهذا آخر ما أردنا إدراجه في هذا الباب.
خلافة الصديق(5/59)
وبعد ما ذكرنا أهل بيت النبي وموقفهم وآرائهم تجاه سيد الخلق بعد أنبياء الله ورسله أبي بكر الصديق رضي الله عنه نريد أن نذكر أنه لم يكن خلاف بينه وبين أهل البيت في مسألة خلافة النبي وإمارة المؤمنين وإمامة المسلمين، وأن أهل البيت بايعوه كما بايعه غيرهم، وساروا في مركبه، ومشوا في موكبه، وقاسموه هموم المسلمين وآلامهم، وشاركوه في صلاح الأمة وفلاحها، وكان علي رضي الله عنه أحد المستشارين المقربين إليه، يشترك في قضايا الدولة وأمور الناس، ويشير عليه بالأنفع والأصلح حسب فهمه ورأيه. ويتبادل به الأفكار والآراء، لا يمنعه مانع ولا يعوقه عائق، يصلي خلفه، ويعمل بأوامره، ويقضي بقضاياه، ويستدل بأحكامه ويستند، ثم ويسمي أبنائه بأسمائه حباً له وتيمناً باسمه وتودداً إليه.
وفوق ذلك كله يصاهر أهل البيت به وبأولاده، ويتزوجون منهم ويزوجون بهم، ويتبادلون ما بينهم التحف والصلات، ويجري بينهم من المعاملات ما يجري بين الأقرباء المتحابين والأحباء المتقاربين، وكيف لا؟ وهم أغصان شجرة واحدة وثمرة نخل واحدة، لا كما يظنه أبناء اليهودية البغيضة، ومكايدين للأمة المحمدية المجيدة، والحاسدين الناقمين على حملة الإسلام ومعلني كلمته ورافعي رايته.
أما خلافة الصديق رضي الله عنه فبصحتها وانعقادها وقيامها يستدل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على صحة خلافته وانعقادها كما يذكر وهو يردّ على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أمير الشام "إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى" ["نهج البلاغة" ص366، 367 ط بيروت بتحقيق صبحي صالح].(5/60)
وقال: إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار للناس قل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار" ["ناسخ التواريخ" ج3 الجزء2].
وهذا النص واضح في معناه، لا غموض فيه ولا إشكال بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين، فإنهم اجتمعوا على أبي بكر وعمر، فلم يبق للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، كما ذكرنا قريباً روايتين عن علي بن أبى طالب في الغارات للثقفي [هو أبو إسحاق إبراهيم الثقفي الكوفي الأصبهاني الشيعي، ولد في حدود المائتين أو قبلها بسنين، ومات بأصبهان سنة 283ه، هو من أجلاء الرواة المؤلفين للشيعة كما ذكره النوري الطبرسي "وأما إبراهيم الثقفي المعروف الذي اعتمد عليه الأصحاب فهو من أجلاء الرواة المؤلفين كما يظهر من ترجمته، ويروي عنه الأجلاء" (المستدرك ج3 ص549، 550).
وسماه الخوانساري في روضات الجنات "الشيخ المحدث" المروج الصالح السديد أبو إسحاق إبراهيم الثقفي الأصفهاني صاحب كتاب "الغارات" الذي ينقل عنه في "البحار" كثيراً (ص4). "وله نحواً من خمسين مؤلفاً لطيفاً" (أعيان الشيعة، القسم 2 ص103)] بأن الناس انثالوا على أبي بكر، وأجفلوا إليه، فلم يكن إلا أن يقر ويعترف بخلافته وإمامته.
وهناك رواية أخرى في غير "الغارات" تقر بهذا عن علي أنه قال وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة: رضينا عن الله قضائه، وسلمنا لله أمره …. فنظرت في أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري" ["نهج البلاغة" ص81 خطبة 37 ط بيروت بتحقيق صبحي صالح].(5/61)
ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق، وبايعه كما بايعه المهاجرون والأنصار، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، ولا يتقي الناس، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعي التقية حسب أوهام القوم، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول: فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر، فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث … فتولى أبو بكر تلك الأمور وسدد ويسر وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله جاهداً" ["منار الهدى" لعلي البحراني الشيعي ص373، أيضاً "ناسخ التواريخ" ج3 ص532].
ولأجل ذلك رد على بن أبي سفيان وعباس حينما عرضا عليه الخلافة لأنه لا حق له بعد ما انعقدت للصديق كما مر بيانه.
وفيما كتب إلى أمير الشام معاوية بن أبى سفيان أقرّ أيضاً بخلافة الخليفة الأول الصديق وأفضليته، ودعا له بعد موته بالمغفرة والإحسان، وتأسف على انتقاله إلى ربه كما يكتب "وذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعواناً أيّدهم به، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام كما زعمت وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق وخليفة الخليفة الفاروق" ولعمري أن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصائب بهما لجرح في الإسلام شديد يرحمهما الله، وجزاهم الله بأحسن ما عملا" [ابن ميثم شرح نهج البلاغة ط إيران ص488].
وروى الطوسي ["هو محمد بن الحسن بن علي الطوسي ولد سنة 385، ومات في 460 بنجف، ويلقب بشيخ الطائفة" (تنقيح المقال ص105 ج3).
"هو عماد الشيعة، ورافع أعلام الشيعة، شيخ الطائفة على الإطلاق، ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق، صنف في جميع علوم الإسلام، وكان القدوة في ذلك والإمام، وقد ملأت تصانيفه الأسماع، تلمذ على الشيخ المفيد والسيد المرتضى وغيرهم" (الكنى والألقاب ج2 ص357).
هو من مصنفي الكتابين من الصحاح الأربعة "التهذيب" و"الاستبصار".(5/62)
"وصنف في كل فنون الإسلام، وهو المهذب للعقائد والأصول والفروع، وجميع الفائل تنسب إليه" (روضات الجنات ج6 ص216)] عن علي أنه لما اجتمع بالمهزومين في الجمل قال لهم: فبايعتم أبا بكر، وعدلتم عني، فبايعت أبا بكر كما بايعتموه …..، فبايعت عمر كما بايعتموه فوفيت له بيعته ….. فبايعتم عثمان فبايعته وأنا جالس في بيتي، ثم أتيتموني غير داع لكم ولا مستكره لأحد منكم [هل الخلافة منصوصة؟ وفيه دليل واضح أن علي بن أبي طالب لم يكن يعتقد بأن الخلافة والإمامة لا تنعقد إلا بنص و"إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد" (الأصول من الكافي، كتاب الحجة ج1 ص277).
"وإنه عهد من رسول الله إلى رجل فرجل" (الأصول من الكافي ج1 ص277).
وانظر لتفصيل ذلك كتب القوم "أصل الشيعة وأصولها" لمحمد حسين آل كاشف الغطاء، و"الاعتقادات" لابن بابويه القمي، و"الألفين" للحلي، و"بحار الأنوار" للمجلسي وغيره.
لأنه لو كان يعتقد هذا لما اعتقد لأبي بكر الخلافة، ولم يدخل في مستشاريه وفوق ذلك لم يقل لأهل الجمل هذه الجمل التي نقلناها منه "ثم أتيتموني غير داع لكم" ولأنه لو كان إماماً من الله لم يزل دعوتهم إليه، ولم يقل لهم قبل ذلك حينما دعوه إلى البيعة له بعد قتل عثمان ذي النورين رضي الله عنه: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول – إلى أن قال – وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" (كلام علي لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان، نهج البلاغة خطبه 92 ص136 ط بيروت).(5/63)
وهل هناك دليل أصدق من كلامه بأنه لم يكن يريد الخلافة التي يعد الشيعة منكريها أكفر من اليهود والمجوس والنصارى والمشركين كما يقول مفيدهم: اتفقت إمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة، وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر، مستحق للخلود في النار" ["بحار الأنوار" للمجلسي ج23 ص390 نقلاً عن "المفيد"].
ويقول الكليني محدثهم الأكبر: إن قول الله تعالى: "سأل سائل بعذاب واقع للكافرين (بولاية علي) ليس له دافع" هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد - صلى الله عليه وسلم - " [كتاب الحجة من الأصول في الكافي ج1 ص422].
وقال منتسباً كذباً وزوراً إلى محمد الباقر أنه قال: إنما يعيد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً، قلت: جعلت فداك، فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وموالاة علي والائتمام به وبأئمة الهدى عليهم السلام، والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم [باب معرفة الإمام والرد إليه من الأصول في الكافي ج1 ص180].
وعلى ذلك يقول الصدوق ابن بابويه القمي مصرحاً: اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة إنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء، وأنكر نبوة نبينا محمد" ["الاعتقادات" للقمي ص130].
فما العمل حينما علي بن أبي طالب نفسه ينكر الإمامة، والنص من أقدس كتب القوم، الذين ينكرون القرآن، ويقولون بالتحريف والتغيير والتبديل فيه (كما بيناه بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة من كتب القوم أنفسهم في كتابنا "الشيعة والسنة" عملاً بقول القائل: من فمك أدينك).(5/64)
نعم! من أقدس كتبهم ألا وهو "نهج البلاغة" حيث يقول على المرتضى رضي الله عنه نفسه عن نفسه أن أكون مقتدياً خير لي من أن أكون إماماً، فلنكرر قوله مرة ثانية: دعوني، والتمسوا غيري، فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" ["نهج البلاغة" خطبه 92 ص136 ط بيروت].
ويؤيد ذلك أن علياً لم يكن يرى الأمر كما يراه المتزعمون لولايته ما رواه ابن أبي الحديد عن عبد الله بن عباس أنه قال: خرج علي عليه السلام على الناس من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، فقال له الناس: كيف أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا حسن؟ قال: أصبح بحمد الله بارئاً قال: فأخذ العباس بيد علي، ثم قال: يا علي! أنت عبد العصا بعد ثلاث أحلف لقد رأيت الموت في وجهه، وإني لأعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب، فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاذكر له هذا الأمر إن كان فينا أعلمنا، وإن كان فير غيرنا أوصى بنا، فقال: لا أفعل والله إن منعناه اليوم لا يؤتيناه الناس بعده، قال: فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك اليوم" ["شرح نهج البلاغة" ج1 ص132].
وقد نص ابن أبي الحديد بعد ذكر أخبار السقيفة وبيعة أبي بكر "واعلم أن الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جداً ومن تأملها وأنصف علم أنه أنه لم يكن هناك نص صريح ومقطوع لا تختلجه الشكوك، ولا يتطرق إليه الاحتمالات" ["شرح نهج البلاغة" ج1 ص135].
وقال أيضاً رضي الله عنه مخاطباً طلحة والزبير، والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها" [نهج البلاغة ص322].
هذا ومثل ذلك روى نصر بن مزاحم [هو أبو الفضل نصر بن مزاح التميمي الكوفي الملقب بالعطار "إنه من جملة الرواة المتقدمين، بل الواقعة في درجة التابعين وطبقة الثلاثة الأوائل من الأئمة الطاهرين" (روضات الجنات ج8 ص166).(5/65)
وقال النجاشي: مستقيم الطريقة، صالح الأمر، صاحب كتاب "صفين" و"الجمل" و"مقتل الحسين" وغيرها من الكتب (النجاشي ص301 و302)] الشيعي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أرسل حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن سمط ومعن بن يزيد ليطالبوه بقتلة عثمان ذي النورين رضي الله عنه، فرد عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد الحمدلة والبسملة "أما بعد! فإن الله بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأنقذ به من الضلالة وأنعش به من المهلكة وجمع به بعد الفرقة، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه، ثم استخلف أبو بكر عمر وأحسنا السيرة، وعدلا في الأمة.. ثم ولي أمر الناس عثمان، فعلم بأشياء عابها الناس عليه، فسار إليه ناس فقتلوه، ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم، فقالوا لي: بايع، فأبيت عليهم، فقالوا لي: بايع، فإن الأمة لا ترضى إلا بك، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس، فبايعتهم" ["كتاب صفين" ط إيران ص105].
ولقد ذكر المؤرخ الشيعي أن أبا بكر رضي الله عنه لما أراد استخلاف عمر بعده اعترض عليه بعض من الناس. فقال علي لطلحة، و استخلف أبو بكر أحداً غير عمر لما نطيعه ("تاريخ روضة الصفا" فارسي ص206 ط بمبئي)] فبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر وعثمان، فما جعلكم أحق أن تفوا لأبى بكر وعمر وعثمان ببيعتهم منكم ببيعتي" ["الأمالي" لشيخ الطائفة الطوسي ج2 ص121 ط نجف].
والطبرسي أيضاً ينقل عن محمد الباقر ما يقطع أن علياً كان مقراً بخلافته، ومعترفاً بإمامته، ومبايعاً له بإمارته كما يذكر أن أسامة بن زيد حب رسول الله لما أراد الخروج انتقل رسول الله إلى الملأ الأعلى فلما وردت الكتاب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة، فلما أرى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبى طالب (ع) فقال: ما هذا ؟ قال له علي (ع) هذا ما ترى، قال أسامة: فهل بايعته؟ فقال: نعم" ["الاحتجاج" للطبرسي ص50 ط مشهد عراق].(5/66)
ولقد أقر بذلك شيعي متأخر وإمام من أئمة القوم محمد حسين آل كاشف الغطاء بقوله: لما ارتحل الرسول من هذه الدار إلى دار القرار، ورأى جمع من الصحابة أن لا تكون الخلافة لعلي إما لصغر سنه أو لأن قريشاً كرهت أن تجتمع النبوة والخلافة لبني هاشم – إلى أن قال – وحين رأى أن الخليفة الأول والثاني بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجيوش وتوسيع الفتوح، ولم يستأثروا ولم يستبدوا بايع وسالم" ["أصل الشيعة وأصولها" ط دار البحار بيروت 1960 ص91].
وبقي سؤال فلماذا تأخر عن البيعة أياماً؟ يجيب عليه ابن أبي الحديد "ثم قام أبو بكر، فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها وخشيت الفتنة، وأيم الله! ما حصرت عليها يوم قط، ولقد قلدت أمراً عظيماً مالي به طاقة ولا يدان، ولوددت أن أقوى الناس عليه مكاني، وجعل يعتذر إليهم، فقبل المهاجرون عذره، وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا في المشورة وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة بالناس وهو حي" ["شرح نهج البلاغة" لأبي أبي الحديد ج1 ص132].
وأورد ابن أبي الحديد رواية أخرى في شرحه عن عبد الله بن أبي أوفى الخزاعي قال: كان خالد بن سعيد بن العاص من عمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على اليمين، فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء المدينة وقد بايع الناس أبا بكر، فاحتبس عن أبي بكر فلم يبايعه أياماً وقد بايع الناس وأتى بنى هاشم الظهر والبطن والشعار دون الدثار والعصادون اللحا، فإذا رضيتم رضينا وإذا سخطتم سخطنا حدثوني إن كنتم قد بايعتم هذا الرجل قالوا: نعم! قال علي: برد ورضا من جماعتكم قالوا: نعم! قال: فأنا أرضى وأبايع إذا بايعتم أما والله! يا بني هاشم إنكم لطوال الشجر الطيب الثمر، ثم إنه بايع أبا بكر" ["شرح نهج البلاغة" ج1 ص134، 135].(5/67)
إقتداء علي بالصديق في الصلوات وقبوله الهدايا منه
هذا ونذكر بعد ذلك أن علياً رضي الله عنه كان راضياً بخلافة الصديق ومشاركاً له في معاملاته وقضاياه، قابلاً منه الهدايا، رافعاً إليه الشكاوى، مصلياً خلفه، عاملاً معه المحبة والأخوة، محباً له، مبغضاً من يبغضه.
وشهد بذلك أكبر خصوم الخلفاء الراشدين وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بهديهم، وسلك بمسلكهم، ونهج بمنهجهم.
فالرواية الأولى التي سقناها قبل ذلك أن علياً قال للقوم حينما أرادوه خليفة وأميراً: وأنا لكم وزيراً خير لكم منى أميراً" ["نهج البلاغة" ص136 تحقيق صبحي صالح].
ويذكرهم بذلك أيام الصديق والفاروق حينما كان مستشاراً مسموعاً، ومشيراً منفذاً كلمته كما يروي اليعقوبي [هو أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر الكاتب العباسي الشيعي، "كان جده من موالي أبي المنصور، وكان رحالة يحب الأسفار، ساح في بلاد الإسلام شرقاً وغرباً، ودخل أرمينية سنة 260، ثم رحل إلى الرمنه وعاد إلى مصر وبلاد المغرب، فألف في سياحة البلاد "كتاب البلدان"، وله تاريخ معروف بالتاريخ اليعقوبي إلى غير ذلك، توفي سنة 284" (الكنى والألقاب ج3 ص246).
"وأما صاحب الأعيان فعده في طبقات المؤرخين من الشيعة" (أعيان الشيعة)] الشيعي الغالي في تاريخه وهو يذكر أيام خلافة الصديق "وأراد أبو بكر أن يغزو الروم فشارو جماعة من أصحاب رسول الله، فقدموا وأخروا، فاستشار علي بن أبى طالب فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت؟ فقال: بشرت بخير، فقام أبو بكر في الناس خطيباً، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم ["تاريخ اليعقوبي" ص132، 133 ج2 ط بيروت 1960م].
وفى رواية "سأل الصديق علياً كيف ومن أين تبشر؟ قال: من النبي حيث سمعته يبشر بتلك البشارة، فقال أبو بكر: سررتني بما أسمعتني من رسول الله يا أبا الحسن! يسرّك الله" ["تاريخ التواريخ" ج2 كتاب 2 ص158 تحت عنوان "عزام أبي بكر"].(5/68)
ويقول اليعقوبي أيضاً: وكان ممن يؤخذ عنه الفقه في أيام أبى بكر علي بن أبى طالب وعمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود" ["تاريخ اليعقوبي" ص138 ج2].
فقدم علياً على جميع أصحابه، وهذا دليل واضح على تعاملهم مع بعضهم وتقديمهم علياً في المشورة [وفي هذا المعنى توجد روايات كثيرة عندنا أن أبا بكر استشار أصحابه في مسائل ومشاكل وفيمن استشارهم كان علياً رضي الله عنه، فقدم رأيه على آرائهم، انظر لذلك البداية والنهاية لابن الكثير ورياض النضرة لمحب الطبري وكنز العمال وتاريخ الملوك والأمم للطبري وتاريخ ابن خلدون وغيرها من الكتب، ولكنا لما عاهدنا أن لا نذكر شيئاً إلا من كتب القوم أعرضنا عن سردها] والقضاء.
ويؤيد ذلك الشيعي الغالي محمد بن النعمان العكبري الملقب بالشيخ المفيد حيث بوّب باباً خاصاً في كتابه "الإرشاد" قضايا أمير المؤمنين عليه السلام في إمارة أبي بكر.(5/69)
ثم ذكر عدة روايات عن قضايا علي في خلافة أبي بكر، ومنها "إن رجلاً رفع إلى أبي بكر وقد شرب الخمر، فأراد أن يقيم عليه الحد فقال له: إني شربتها ولا علم لي بتحريمها لأني نشأت بين قوم يستحلونها ولم أعلم بتحريمها حتى الآن فارتج علي أبي بكر الأمر بالحكم عليه ولم يعلم وجه القضاء فيه، فأشار عليه بعض من حضر أن يستخبر أمير المؤمنين عليه السلام عن الحكم في ذلك، فأرسل إليه من سأله عنه، فقال أمير المؤمنين: مر رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار ويناشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك فاستتبه وخلّ سبيله، ففعل ذلك أبو بكر فلم يشهد أحد من المهاجرين والأنصار أنه تلا عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فاستتابه أبو بكر وخلى سبيله وسلم لعلي (عليه السلام) في القضاء به" ["الإرشاد" للمفيد ص107 ط إيران].
هذا وكان يتمثل أوامره كما حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة الطغاة، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة الإسلام والمسلمين، فأمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش، وأمر علياً والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحراس، وبقوا ذلك حتى أمنوا منهم" ["شرح نهج البلاغة" ج4 ص228 تبريز].(5/70)
وللتعامل الموجود بينهم، وللتعاطف والتوادد والوئام الكامل كان علىّ وهو سيد أهل البيت ووالد سبطي الرسول صلوات الله وسلامه عليه يتقبل منه الهدايا دأب الأخوة المتشاورين ما بينهم والمتحابين كما قبل الصهباء الجارية التي سبيت في معركة عين التمر، وولدت له عمر ورقية "وأما عمر ورقية فإنهما من سبيئة من تغلب يقال لها الصهباء سبيت في خلافة أبى بكر وإمارة خالد بن الوليد بعين التمر" ["شرح نهج البلاغة" ج2 ص718، أيضاً "عمدة الطالب" ط نجف ص361].
"وكانت اسمها أم حبيب بنت ربيعة" ["الإرشاد" ص186].
وأيضاً منحه الصديق خولة بنت جعفر بن قيس التي أسرت مع من أسر في حرب اليمامة وولدت له أفضل أولاده بعد الحسنين محمد بن الحنفية.
"وهى من سبي أهل الردة وبها يعرف ابنها ونسب إليها محمد بن الحنفية" ["عمدة الطالب" الفصل الثالث ص352، أيضاً "حق اليقين" ص213].
كما وردت روايات عديدة في قبوله هو وأولاده الهدايا المالية والخمس وأموال الفيء من الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وكان علي هو القاسم والمتولي في عهده على الخمس والفيء [ولقد ورد في أبي داؤد عن علي رضي الله عنه أنه قال: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت يا رسول الله! إن رأيت أن توليني حقناً من هذا الخمس في كتاب الله عز وجل فاقسمه حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك فافعل، قال: ففعل ذلك قال: فقسمته حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ولانيه أبو بكر حتى إذا كان آخر سنة من سني عمر رضي الله عنه فإنه أتاه مال كثير، فعزل حقنا ثم أرسل إلي، فقلت: بنا عنه العام غنى وبالمسلمين إليه حاجة فأردده عليهم، فرده عليهم" [أبو داؤد كتاب الخراج، فمسند أحمد مسندات علي)]، وكانت هذه الأموال بيد علي، ثم كانت بيد الحسن، ثم بيد الحسين، ثم الحسن بن الحسن، ثم زيد بن الحسن" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحدد ج4 ص118].(5/71)
هذا وكان يؤدي الصلوات الخمس في المسجد خلف الصديق، راضياً بإمامته، ومظهراً للناس اتفاقه ووئامه معه" ["الاحتجاج" للطبرسي 53، أيضاً كتاب سليم بن قيس ص253، أيضاً "مرآة العقول" للمجلسي ص388 ط إيران].
وقال الطوسي في صلاة علي خلف أبى بكر: فذاك مسلم لأنه الظاهر" ["تلخيص الشافي" ص354 ط إيران].
مساعدة الصديق في تزويج علي من فاطمة
وكان للصديق مَنّ على عليّ المرتضى رضي الله عنهما حيث توسط له في زواجه من فاطمة رضي الله عنها وساعده فيه، كما كان هو أحد الشهود على نكاحه بطلب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يرويه أحد أعاظم القوم ويسمى بشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي عن الضحاك بن مزاحم أنه قال: سمعت علي بن أبى طالب يقول: أتاني أبو بكر وعمر، فقالا: لو أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له فاطمة، قال: فأتيته، فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا علي وما حاجتك؟ قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي له وجهادي، فقال يا علي! صدقت، فأنت أفضل مما تذكر، فقلت: يا رسول الله! فاطمة تزوجنيها" ["الأمالي" للطوسي ج1 ص38].(5/72)
وأما المجلسي الذي لا يستطيع أن يذكر أصحاب النبي وخاصة الصديق والفاروق إلا ويسبق ذكرهم بالسباب القبيحة والشتائم الفضيحة والألقاب الخبيثة الرديئة مثل "الملاعين" و"مسودي الوجوه" و"الشياطين" - عياذاً بالله - كما سيأتي بيانها في محلها، فالمجلسي اللعان هذا يذكر هذه الواقعة ويزيدها بياناً ووضوحاً حيث يقول: في يوم من الأيام كان أبو بكر وعمر وسعد بن معاذ جلوساً في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتذاكروا ما بينهم بزواج فاطمة [كم كان أصحاب رسول الله الصادق الأمين عليه السلام البررة يتفكرون في أمور النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويهمهم ما كان يهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه لحبهم النبي، ووفائهم به، ما أجمل المطاع وما أحسن الاتباع] عليها السلام.(5/73)
فقال أبو بكر: أشراف قريش طلبوا زواجها عن النبي ولكن الرسول قال لهم بأن الأمر في ذلك إلى الله - ونظن أنها لعلي بن أبي طالب - وأما علي بن أبي طالب فلم يتقدم بطلبها إلى رسول الله لأجل فقره وعدم ماله، ثم قال أبو بكر لعمر وسعد: هيا بنا إلى علي بن أبي طالب لنشجعه ونكلفه بأن يطلب ذلك من النبي، وإن مانعه الفقر نساعده في ذلك [وكم كانوا رحماء بينهم، متوادين، متحابين، متعاطفين رغم أنوف القوم وزعمهم؟] فأجاب سعد ما أحسن ما فكرت به، فذهبوا إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام …… فلما وصلوا إليه سألهم ما الذي أتى بكم في هذا الوقت؟ قال أبو بكر: يا أبا الحسن! ليس هناك خصلة خير إلا وأنت سابق بها …… فما الذي يمنعك أن تطلب من الرسول ابنته فاطمة، فلما سمع عليّ هذا الكلام من أبي بكر نزلت الدموع من عينيه وسكبت، وقال: قشرت جروحي ونبشت وهيجت الأماني والأحلام التي كتمتها [وليس عند القوم حياء حتى يختلقون القصص كهذه قصصاً خرافية، وعبارت سافلة منحطة، وينسبونها إلى الشخصيات المباركة المقدسة؟ أهم منتهون؟] منذ أمد، فمن الذي لا يريد الزواج منها؟، ولكن يمنعني من ذلك فقري [وما فقره؟ فروى الشيعة المغالون عنه كالقمي والمجلسي ما نصه: لما أراد رسول الله أن يزوج فاطمة من عليّ أسرّ إليها، فقالت: يا رسول الله! أنت أولى بما ترى غير أن نساء قريش تحدثني عنه أنه رجل دحداد البطن، طويل الذراعين، ضخ الكراديس، أنزع، عظيم العينين، لمنكبيه مشاشاً كمشاش البعير، ضاحك السن، لا مال له؟ – والرسول لم ينكر هذه الأوصاف فيه – بل قال – حسب رواية القوم -: يا فاطمة! أما علمت أن الله أشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين، ثم اطلع فاختارك على نساء العالمين، يا فاطمة! إنه لما أسري بي إلى السماء وجدت مكتوباً على صخرة بيت المقدس "لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بوزيره، ونصرته بوزيره" فقلت: ومن وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب" ("تفسير(5/74)
القمي" ج1 ص336، أيضاً "جلاء العيون" ج1 ص185)] واستحي منه بأن أقول له وأنا في هذا الحال الخ ["جلاء العيون" للملا مجلسي ج1 ص169 ط كتابفروشي إسلامية طهران، ترجمة من الفارسية].
ثم وأكثر من ذلك أن الصديق أبا بكر هو الذي حرض علياً على زواج فاطمة رضي الله عنهم، وهو الذي ساعده المساعدة الفعلية لذلك، وهو الذي هيأ له أسباب الزواج وأعدها بأمر من رسول الله إلى الخلق أجمعين - صلى الله عليه وسلم - كما يروي الطوسي أن علياً باع درعه وأتى بثمنه إلى الرسول.
... "ثم قبضه رسول الله من الدراهم بكلتا يديه، فأعطاها أبا بكر وقال: ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت، أردفه بعمار بن ياسر وبعدة من أصحابه، فحضروا السوق، فكانوا يعرضون الشيء مما يصلح فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبي بكر، فإن استصلحه اشتروه... حتى إذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع، وحمل أصحاب رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) الذين كانوا معه الباقي" ["الأمالي" ج1 ص39، أيضاً "مناقب" لابن شهر آشوب المازندراني ج2 ص20 ط الهند، أيضاً "جلاء العيون" فارسي ج1 ص176].(5/75)
هذا ولا هذا فحسب بل الصديق ورفاقه هم كانوا شهوداً على زواجه بنص الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطلب منه كما يذكر الخوارزمي [هو أبو المؤيد الموفق بن أحمد الخوارزمي الشيعي "فقيه محدث خطيب شاعر، له كتاب في مناقب أهل البيت عليهم السلام، توفي سنة 568، وخوارزم اسم لناحية إحدى قرى الزمخشر" (الكنى والألقاب ج2 ص11، 12)] الشيعي والمجلسي والأربلي أن الصديق والفاروق وسعد بن معاذ لما أرسلوا علياً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - انتظروه في المسجد ليسمعوا منه ما يثلج صدورهم من إجابة الرسول وقبوله ذلك الأمر، فكان كما كانوا يتوقعون، فيقول علي: فخرجت من عند رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) وأنا لا أعقل فرحاً وسروراً، فاستقبلني أبو بكر وعمر، وقالا لي: ما ورائك؟ فقلت: زوجني رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) ابنته فاطمة …… ففرح بذلك فرحاً شديداً ورجعا معي إلى المسجد فلما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله، وإن وجهه يتهلل سروراً وفرحاً، فقال: يا بلال! فأجابه فقال: لبيك يا رسول الله! قال: اجمع إلى المهاجرين والأنصار فجمعهم ثم رقي درجة من المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: معاشر الناس إن جبرئيل أتاني آنفا وأخبرني عن ربي عز وجل أنه جمع ملائكته عند البيت المعمور، وكان أشهدهم جميعاً أنه زوج أمته فاطمة ابنة رسول الله من عبده علي بن أبى طالب، وأمرني أن أزوجه في الأرض وأشهدكم على ذلك" ["المناقب" للخوارزمي ص251، 252، أيضاً "كشف الغمة ج1 ص358، أيضاً "بحار الأنوار" للمجلسي ج10 ص38، 39، أيضاً جلاء العيون" ج1 ص184].
ويكشف النقاب عن الشهود الأربلي في كتابه "كشف الغمة" حيث يروي: "عن أنس أنه قال كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فغشيه الوحى، فلما أفاق قال لي: يا أنس! أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم.(5/76)
قال: أمرني أن أزوج فاطمة من علي، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير وبعددهم من الأنصار، قال: فانطلقت فدعوتهم له، فلما أن أخذوا مجالسهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن حمد الله وأثنى عليه ثم إني أشهدكم أني زوجت فاطمة من عليّ على أربعمائة مثقال فضة" ["كشف الغمة" ج1 ص348، 349 ط تبريز، "بحار الأنوار" ج1 ص47، 48].
هذا ولما ولد لهما الحسن كان أبو بكر الصديق، الرفيق الجد الحسن في الغار والصديق لوالده علي، والمساعد القائم بأعباء زواجه كان يحمله على عاتقه، ويداعبه ويلاعبه ويقول: بأبي شبيه بالنبي غير شبيه بعلي" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص117]:
وبنفس القول تمسكت فاطمة بنت الرسول رضي الله عنها [انظر لذلك "تاريخ اليعقوبي" ج2 ص117].
وكانت العلاقات وطيدة إلى حد أن زوجة أبى بكر أسماء بنت عميس هي التي كانت تمرّض فاطمة بنت النبي عليه السلام ورضي الله عنها في مرض موتها، وكانت معها حتى الأنفاس الأخيرة وشاركها في غسلها وترحيلها إلى مثواها "وكان (علي) يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استمرار بذلك" ["الأمالي" للطوسي ج1 ص107].
و"وصتها بوصايا في كفنها ودفنها وتشييع جنازتها فعمات أسماء بها" ["جلاء العيون" ص235، 242].
و"هي التي كانت عندها حتى النفس الأخير، وهى التي نعت علياً بوفاتها" ["جلاء العيون" ص237].
و"كانت شريكة في غسلها" ["كشف الغمة" ج1 ص504].
وكان الصديق دائم الاتصال بعلي من ناحية لتسأله عن أحواله بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ما يزعمه القوم.
"فمرضت (أي فاطمة رضي الله عنها) وكان علي (ع) يصلي في المسجد الصلوات الخمس، فلما صلى قال له أبو بكر وعمر: كيف بنت رسول الله؟" ["كتاب سليم بن قيس" ص353].
ومن ناحية أخرى من زوجه أسماء حيث كانت هي المشرفة والممرضة الحقيقة لها.(5/77)
و"لما قبضت فاطمة من يومها فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله، فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان علياً ويقولان: يا أبا الحسن! لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله" ["كتاب سليم بن قيس" ص255].
المصاهرات بين الصديق وآل البيت
وكانت العلاقات وثيقة أكيدة بين بيت النبوة وبيت الصديق لا يتصور معها التباعد والاختلاف مهما نسج المسامرون الأساطير والأباطيل، { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون } [سورة العنكبوت الآية41].
فالصديقة عائشة بنت الصديق أبى بكر كانت زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن أحب الناس إليها مهما احترق الحساد ونقم المخالفون، فإنها حقيقة ثابتة، وهى طاهرة مطهرة - بشهادة القرآن مهما جحدها المبطلون وأنكرها المنكرون.
ثم أسماء بنت عميس التي جاء ذكرها آنفا كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب شقيق علي، فمات عنها وتزوجها الصديق وولدت له ولداً سماه محمداً الذي ولاه علي على مصر، ولما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبى طالب فولدت له ولداً سماه يحيى.
وحفيدة الصديق كانت متزوجة من محمد الباقر - الإمام الخامس عند القوم وحفيد علي رضي الله عنه - كما يذكر الكليني في أصوله تحت عنوان مولد الجعفر: "ولد أبو عبد الله عليه السلام سنة ثلاث وثمانين ومضى في شوال من سنة ثمان وأربعين ومائة وله خمس وستون سنة، ودفن بالبقيع في القبر الذي دفن فيه أبوه وجده والحسن بن علي عليهم السلام وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر" ["كتاب الحجة من الأصول في الكافي ج1 ص472، ومثله في "الفرق" للنوبختي].(5/78)
ويقول ابن عنبة [هو جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين الحسني صاحب كتاب "عمدة الطالب" قال عنه القمي: سيد جليل علامة نسابة، كان من علماء الإمامية، تلمذ علي السيد أبي معية اثنتى عشر سنة فقهاً وحديثاً ونسباً، توفى بكرمان سنة 828" (الكنى والألقاب ج1 ص350 و"أعيان الشيعة" ص35 القسم الأول الجزء الثاني ص135 تحت عنوان "النسابون من الشيعة"]: أمه (أي جعفر) أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، ولهذا كان الصادق عليه السلام يقول: ولدني أبو بكر مرتين.
كما أن القاسم بن محمد بن أبي بكر حفيد أبي بكر، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد علي كانا ابني خالة كما يذكر المفيد وهو يذكر علي بن الحسين بقوله: والإمام بعد الحسن بن علي (ع) ابنه أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، وكان يكنى أيضا أبا الحسن. وأمه شاه زنان بنت يزدجردبن شهريار بن كسرى ويقال: إن اسمها كان شهر بانويه وكان أمير المؤمنين (ع) ولي حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق، فبعث إليه بنتي يزدجردبن شهريار بن كسرى ، فنحل ابنه الحسين (ع) شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين (ع) ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر، فولدت له القاسم بن محمد بن أبى بكر فهما ابنا خالة" ["الإرشاد" للمفيد ص253 ومثله في "كشف الغمة" و"منتهى الآمال" للشيخ عباس القمي ج2 ص3].(5/79)
وأما المجلسي فذكر ذلك في "جلاء العيون" ولكنه صحح الروايات التي جاء بها المفيد وابن بابويه بأن شهربانو لم تكن سبيت في عهده علي كما ذكره المفيد ولا في عهد عثمان كما ذكره ابن بابويه القمي، بل كانت من سبايا عمر كما رواه القطب الراوندي [هو سعيد بن هبة الله بن الحسن، من مواليد القرن السادس من الهجرة، ومات سنة 573 بقم، وقبر هناك "العالم المتبحر، الفقيه، المحدث، المفسر، المحقق، الثقة الجليل، صاحب "الخرائج والجرائح" و"قصص الأنبياء" و"شرح النهج"، كان من أعاظم محدثي الشيعة" (الكنى والألقاب ج3 ص58)]، ثم يقر بعد ذلك بأن قاسم بن محمد بن أبي بكر وزين العابدين بن الحسين بن علي هما ابنا خالة ["جلاء العيون" الفارسي ص673، 674].
وذكر أهل الأنساب والتاريخ قرابة أخرى وهى تزويج حفصة بنت عبد الرحمن بن الصديق من الحسين بن علي بن أبى طالب رضي الله عنهم بعد عبد الله بن الزبير أو قبله.
ثم وإن محمد بن أبي بكر من أسماء بنت عميس كان ربيب علىّ وحبيبه، وولاه إمرة مصر في عصره.
"وكان علي عليه السلام يقول: محمد ابني من ظهر أبي بكر" ["الدرة النجفية" للدنبلي الشيعي شرح نهج البلاغة ص113 ص إيران].
وكان من حب أهل البيت للصديق والتوادد ما بينهم أنهم سموا أبنائهم بأسماء أبي بكر رضي الله عنه، فأولهم علي بن أبي طالب حيث سمى أحد أبناءه بأبي بكر كما يذكر المفيد تحت عنوان "ذكر أولاد أمير المؤمنين (ع) وعددهم وأسماءهم ومختصر من أخبارهم".
"12- محمد الأصغر المكنى بأبي بكر 13- عبيد الله، الشهيدان مع أخيهما الحسين (ع) بألطف أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية" ["الإرشاد" ص186].
وقال اليعقوبي: وكان له من الولد الذكور أربعة عشر ذكر الحسن والحسين …… وعبيد الله وأبو بكر لا عقب لهما أمهما يعلى بنت مسعود الحنظلية من بني تيم" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص213].(5/80)
وذكر الأصفهاني في "مقاتل الطالبيين" تحت عنوان "ذكر خبر الحسين بن علي بن أبي طالب ومقتله ومن قتل معه من أهله" وكان منهم "أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه يعلى بنت مسعود ….. ذكر أبو جعفر أن رجلاً من همدان قتله، وذكر المدائني أنه وجد في ساقيه مقتولاً، لا يدري من قتله" ["مقاتل الطالبين" لأبي الفرج الأصفهاني الشيعي ط دار المعرفة بيروت ص142، ومثله في "كشف الغمة" ج2 ص64، "جلاء العيون" للمجلسي ص582].
وهل هذا إلا دليل حب ومؤاخاة وإعظام وتقدير من عليّ للصديق رضي الله عنهما.
والجدير بالذكر أنه ولد له هذا الولد بعد تولية الصديق الخلافة والإمامة، بل وبعد وفاته كما هو معروف بداهة.
وهل يوجد في الشيعة اليوم المتزعمين حب علي وأولاده رجل يسمى بهذا الاسم، وهل هم موالون له أم مخالفون ؟
ونريد أن نلفت الأنظار أن علياً لم يسم بهذا الاسم ابنه إلا متيمناً بالصديق وإظهاراً له الولاء والوفاء وحتى بعد وفاته وإلا لا يوجد في بنى هاشم رجل قبل علي يسمي ابنه بهذا الاسم حسب علمنا ومطالعتنا كتب القوم فبمن سمى ابنه آنذاك؟
ثم ولم يقتصر عليّ بهذا التيمن والتبرك وإظهار المحبة والصداقة للصديق، بل بعده بنوه أيضاً مشوا مشيه ونهجوا منهجه.
فهذا هو أكبر أنجاله وابن فاطمة وسبط الرسول الحسن بن علي - الإمام المعصوم الثاني عند القوم - أيضا يسمي أحد أبنائه بهذا الاسم كما ذكره اليعقوبي.
"وكان للحسن من الولد ثمانية ذكور وهم الحسن بن الحسن وأمه خولة …… وأبو بكر وعبد الرحمن لأمهات أولاد شتى وطلحة وعبيد الله" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص228، منتهى الآمال ج1 ص240].
ويذكر الأصفهاني "إن أبا بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب أيضاً كان ممن قتل في كربلاء مع الحسين قتله عقبة الغنوي" ["مقاتل الطالبين" ص87].(5/81)
والحسين بن علي أيضاً سمى أحد أبنائه باسم الصديق كما يذكر المؤرخ الشيعي المشهور بالمسعودي في "التنبيه والإشراف" عند ذكر المقتولين مع الحسين في كربلاء.
"وممن قتلوا في كربلاء من ولد الحسين ثلاثة، علي الأكبر وعبد الله الصبي وأبو بكر بنوا الحسين بن علي" ["التنبيه والإشراف" ص263].
وقيل: "إن زين العابدين بن الحسن كان يكنى بأبي بكر أيضاً" ["كشف الغمة" ج2 ص74].
وأيضاً حسن بن الحسن بن علي، أي حفيد علي بن أبي طالب سمى أحد أبنائه أبا بكر كما رواه الأصفهاني عن محمد بن علي حمزة العلوي أن ممن قتل مع إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب كان أبو بكر بن الحسن بن الحسن.
والإمام السابع عند الشيعة موسى بن جعفر الملقب بالكاظم أيضاً سمى أحد أبنائه بأبي بكر.
وأما الأصفهاني فيقول: إن ابنه علي - الإمام الثامن عندهم - هو أيضاً كان يكنى بأبي بكر، ويروى عن عيسى بن مهران عن أبي الصلت الهروي أنه قال: سألني المأمون يوماً عن مسألة، فقلت: قال فيها أبو بكرنا، قال عيسى بن مهران: قلت لأبي الصلت: من أبو بكركم؟ فقال: علي بن موسى الرضا كان يكنى بها وأمه أم ولد" ["مقاتل الطالبين" ص561، 562].
والجدير بالذكر أن موسى الكاظم هذا سمى أحد بناته أيضاً باسم بنت الصديق، الصديقة عائشة كما ذكر المفيد تحت عنوان "ذكر عدد أولاد موسى بن جعفر وطرف من أخبارهم".
وكان لأبي الحسن موسى عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى منهم علي بن موسى الرضا عليهما السلام …… وفاطمة …… وعائشة وأم سلمة" ["الإرشاد" ص302، 303، "الفصول المهمة" 242، "كشف الغمة" ج2 ص237].
كما سمى جده علي بن الحسين إحدى بناته، عائشة" ["كشف الغمة" ج2 ص90].(5/82)
وأيضاً - الإمام العاشر المعصوم حسب زعمهم - علي بن محمد الهادي أبو الحسن سمى أحد بناته بعائشة، يقول المفيد: وتوفي أبو الحسن عليهما السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن في داره بسرّ من رأى، وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه …. وابنته عائشة" ["كشف الغمة" ص334، و"الفصول المهمة" ص283].
وقبل أن ننهي نودّ أن نذكر بأن هناك في الهاشمية كثير من تسموا أنفسهم، أو سموا أبنائهم بأبي بكر نذكر منهم ابن الأخ لعلي بن أبي طالب وهو عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب فإنه سمى أحد أبنائه أيضاً باسم أبي بكر كما ذكره الأصفهاني في مقالته:
قتل أبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يوم الحرة في الوقعة بين مسرف بن عقبة وبين أهل المدينة.
وهذا من إحدى علائم الحب والود بين القوم خلاف ما يزعمه الشيعة اليوم من العداوة والبغضاء، والقتال الشديد والجدال الدائم بينهم.
قضية فدك
وقبل أن ننتقل إلى الفاروق وعلاقته مع أهل البيت لا بد لنا أن نقف برهة غير يسيرة على سؤال يطرح حول اختلاف هؤلاء الأشراف الكرام البررة، ألا وهو إن كان حبهم وودادهم هكذا كما ذكر فماذا كانت قضية فدك؟ التي طالما نفخ إليها المنفخون المنافقون أعداء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وكبروها، وفخموها لمقاصدهم الخبيثة، ومطاعمهم السيئة، وأرادوا منها إثبات التفرقة والخلاف الشديد بين أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخاصة بين بيت النبوة وبين المسلمين عامة، فإن أهل البيت كانوا في جانب وكان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وبقية الأمة في جانب آخر.(5/83)
حاشا وكلا أن يكون كذلك، والمسألة لم تكن كبيرة وذات أهمية وأبعاد مثلما جعلوها فقط للطعن واللعن، والقضية كلها كانت بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما توفي وبويع أبو بكر بخلافة رسول الله وإمارة المؤمنين أرسلت إليه بنت رسول الله فاطمة تسأله ميراثها من رسول الله عليه الصلاة والسلام مما أفاء الله على نبيه من فدك ["فدك" قرية بخيبر، وقيل: بناحية الحجاز، فيها عين ونخل، أفاء الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - (لسان العرب، ج10 ص473)] فأجابها أبو بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نورث، ما تركنا فهو صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ….. وإني والله لا أغيّر شيئاً من صدقات النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كانت عليها في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي.
ولما ذكر هذا الصديق لفاطمة رضي الله عنها تراجعت عن ذلك ولم تتكلم فيها بعد حتى ماتت، بل وفى بعض الروايات الشيعية أنها رضيت على ذلك كما يرويه ابن الميثم [هو كمال الدين مثيم بن على ميثم البحراني من مواليد القرن السابع من الهجرة "العالم الرباني، والفيلسوف، الحبر المحقق، والحكيم المتأله المدقق، جامع المعقول والمنقول، أستاذ الفضلاء الفحول، صاحب الشروح على نهج البلاغة، يروي عن المحقق الطوسي.. قيل: إن الخواجه نصير الدين الطوسي تلمذ على كمال الدين ميثم في الفقه، وتلمذ على الخواجه في الحكمة، توفي سنة 679، وقبر في هلتا من قرى ماحوذ" (الكنى والألقاب ج1 ص419)، وهو الذي قال:
طلبت فنون العلم أبغي بها العلى فقصر بي عما سموت به القل
تبين لي أن المحاسن كلها فرع وأن المال فيها هو الأصل(5/84)
"وله من المصنفات البديعة ما لم يسمع بها الزمان، ولم يظفر بها أحد من الأعيان" (روضات الجنات ج7 ص218 وما بعد)] الشيعي في نهج البلاغة.
"إن أبا بكر قال لها: إن لك ما لأبيك، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من فدك قوتكم، ويقسم الباقي ويحمل منه في سبيل الله، ولك على الله أن أصنع بها كما كان يصنع ، فرضيت بذلك وأخذت العهد عليه به" ["شرح نهج البلاغة" لابن ميثم البحراني ج5 ص107 ط طهران].
ومثل ذلك ذكر الدنبلي في شرحه "الدرة النجفية" [ص331، 332 ط إيران].
ولكن الشيعة لم يعجبهم بأن ترضى فاطمة بهذا القضاء بتلك السهولة، فسودوا صفحات وأوراقاً كثيرة، وكتبوا بخصوص ذلك كتباً عديدة ملئها الطعن والشتائم على أصحاب الرسول وتفكيرهم وتفسيقهم واتهامهم بالردة والخروج من الإسلام والظلم والجور على أهل البيت حيث أن أهل المعاملة والقضية لم يتكلموا، لا بقليل ولا بكثير كما نحن ذكرناه من الشيعة أنفسهم، بل وأكثر من ذلك نقل أئمة القوم أنفسهم بأن أبا بكر لم يكتف على الكلام فقط بل أعقبه بالعمل كما يروي ابن الميثم والدنبلي وابن أبي الحديد والشيعي المعاصر فيض الإسلام علي نقي.
"إن أبا بكر كان يأخذ غلتها (أي فدك) فيدفع إليهم (أهل البيت) منها ما يكفيهم، ويقسم الباقي، فكان عمر كذلك، ثم كان عثمان كذلك، ثم كان علي كذلك" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4، أيضاً "شرح نهج البلاغة" لابن ميثم البحراني ج5 ص107، "الدرة النجفية" ص332، "شرح النهج" فارسي لعلي تقي ج5 ص960 ط طهران].(5/85)
ولكن القوم كيف يرضيهم هذا؟ فقال كبيرهم المجلسي [وقل من يوجد مثل المجلسي جريئاً في السباب والشتائم وهو لا يذكر صاحباً من أصحاب النبي إلا ويلعنه ويفسقه ويكفره، وقد كتب في بحث فدك أن أبا بكر لما طلب الشهود من فاطمة على أن فدك لها قال له علي: أتطلب الشهود؟ هل الشهود كل شيء؟ قال: نعم، فقال له علي: إن شهد الشهود بأن فاطمة زنت ماذا تعمل؟ قال: أقيم عليها الحد كما أقيم على سائر الناس (عياذاً بالله) (حق اليقين للمجلسي ص193) فانظر جرأته وتسرعه كيف يتكلم، ولا يستحي؟]: إن من المصيبة العظمى والداهية الكبرى غصب أبى بكر وعمر فدك من أهل بيت الرسالة …. وإن القضية الهائلة أن أبا بكر لما غصب الخلافة عن أمير المؤمنين، وأخذ البيعة جبراً من المهاجرين والأنصار(؟) وأحكم أمره طمع في فدك خوفاً منه بأنها لو وقعت في أيديهم يميل الناس إليهم بالمال، ويتركون هؤلاء الظالمين (يعني أبا بكر ورفاقه) فأراد إفلاسهم حتى لا يبقى لهم شيء، ولا يطمع الناس فيهم وتبطل خلافتهم الباطلة، ولأجل ذلك وضعوا تلك الرواية الخبيثة المفتراة: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة" ["حق اليقين" فارسي للملا مجلسي ص191 تحت "مطاعن أبي بكر"].
وقد سلك مسلكه كثيرون وكم هم؟ كي ينبشوا الضغائن التي لم يكن لها وجود في العالم، ولكن بلهاء القوم لم يعرفوا أن البيت الذي نسجوه كان بيت العنكبوت ولا يبقى أمام عاصفة الحق.
فالرواية التي ردوها هذا حسداً ونقمة على الصديق لم يعلموا أن إمامهم الخامس المعصوم رواها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفى كتابهم أنفسهم، نعم! في كتابهم "الكافي" الذي يعدونه من أصح الكتب ويقولون فيه: إنه كاف للشيعة، يروي الكليني في هذا الكافي عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبيد الله عليه السلام قال:(5/86)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة ….. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر" ["الأصول من الكافي" كتاب فضل العلم، باب العالم والمتعلم ج1 ص34].
ورواية أخرى أن جعفر أبا عبد الله قال: إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم" ["الأصول من الكافي" باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ج1 ص32].
فماذا يقول المجلس ومن شاكله في هذا؟ وفي الفارسية بيت من الشعر إن كانت هذه جريمة ففي مدينتكم ترتكب أيضاً.
وهناك روايتان غير هذه الرواية رواهما صدوق القوم تؤيد هذه الرواية وتؤكدها وهي:
"عن إبراهيم بن علي الرافعي، عن أبيه، عن جدته بنت أبي رافع قالت: أتت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنيها الحسن والحسين عليهما السلام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شكواه الذي توفي فيه، فقالت: يا رسول الله هذان ابناك فورّثهما شيئاً قال: أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي وأما الحسين فإن له جرأتي وجودي" ["كتاب الخصال" للقمي ص77].
والرواية الثانية "قالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله! هذان ابناك فانحلهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما الحسن فنحلته هيبتي وسؤددي وأما الحسين فنحلته سخائي وشجاعتي" ["كتاب الخصال" للقمي ص77].(5/87)
ثم وأراد المجلسي وغيره، وهم كثيرون من القوم أن يثبتوا أن أبا بكر ورفاقه لم يعملوا هذا إلا لأن يفلسوا علياً وأهل البيت كيلا يجلب الناس إليهم بالمال والمنال، فيا عجباً على القوم وعقولهم هل هم يظنون علياً وأهل بيته أمثال طلاب الحكم والرئاسة في هذه العصور المتأخرة بأنهم يطلبونها بالمال والرشى، وإن كانت القضية هكذا فالمال كان متوفراً عندهم لأن الكليني يذكر ويروي عن أبي الحسن - الإمام العاشر عند القوم - أن الحيطان السبعة كانت وقفت على فاطمة عليها السلام وهي (1) الدلال (2) والعوف (3) والحسنى (4) والصافية (5) وما لام إبراهيم (6) والمثيب (7) والبرقة" [كتاب الوصايا "الفروع من الكافي" ج7 ص47، 48].
فهل من يملك العقارات السبعة ينقصه من المال شيء؟
ثم وهل يظنون النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يجعل أموال الدولة أمواله وملكه؟ وهذا ما لا يرضاه العقل، وحتى هذا العصر، عصر السلب والنهب، وعصر اللامبالاة وعدم التمسك بالدين، ففي مثل هذا العصر إن الملوك والحكام لو استولوا على بقعة من بقاع الأرض، أو فتحوها لا يجعلونها ملكاً لهم دون غيرهم، بل يجعلونها ملكاً للدولة يتصرفون فيها في مصالح الرعية وشئون العامة والخاصة، فهل كان الرسول فداه أبواي وروحي - صلى الله عليه وسلم - في نظر القوم ممن يؤثرون أنفسهم على الناس؟
... سبحان الله ما هذا إلا إفك مفترى، والرسول العظيم الرؤوف الرحيم بريء ورفيع من هذا.
وهناك شيء آخر وهو إن كانت أرض فدك ميراث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم تكن السيدة فاطمة رضي الله عنها وريثة وحيدة لها، بل كانت ابنتا الصديق والفاروق وارثتين أيضاً فحرم الصديق والفاروق ابنتيهما كما حرما فاطمة، ثم وعباس عم النبي كان حياً وهو من ورثته بلا شك.(5/88)
وثالثاً - إن المعترضين من الشيعة لا يعرفون بأن في مذهبهم لا ترث المرأة من العقار والأرض شيئاً، فلقد بوّب باباً مستقلة في هذا الخصوص، فانظر إلى الكليني، فإنه بوّب باباً مستقلاً بعنوان "إن النساء لا يرثن من العقار شيئاً" ثم روى تحته روايات عديدة.
"عن أبي جعفر - الإمام الرابع المعصوم عند القوم - قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً" ["الفروع من الكافي" كتاب المواريث ج7 ص137].
وروى الصدوق ابن بابويه القمي في صحيحه "من لا يحضره الفقيه" عن أبي عبد الله جعفر - الإمام الخامس عندهم - أم ميسرا قال: سألته (أي جعفر) عن النساء ما لهن من الميراث؟ فقال: فأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه" ["الفروع من الكافي" كتاب الفرائض والميراث ج4 ص347].
ومثل هذه فإنها لكثيرة، وقد ذكروا على عدم الميراث في العقارات والأراضي اتفاق علمائهم [انظر لذلك كتب القوم في الفقه]. فما دامت المرأة لا ترث العقار والأرض فكيف كان لفاطمة أن تسأله فدك – حسب قولهم – وهي عقار لا ريب فيها، لا يختلف فيها اثنان، ولا يتناطح فيها كبشان.
وأما إغضاب الصديق فاطمة والقول بأنها رجعت ولم تتكلمه حتى ماتت.
نعم! إنها رجعت عن القول بوراثة فدك، ولم تتكلمه في هذا الموضوع حتى آخر حياتها.
وأما غصب حقوقها فها هو المجلسي وهو على تعنّفه وتعنّته يضطر إلى أن يقول:
إن أبا بكر لما رأى غضب فاطمة قال لها: أنا لا أنكر فضلك وقرابتك من رسول الله عليه السلام، ولم أمنعك من فدك إلا امتثالاً بأمر رسول الله، وأشهد الله على أني سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، وما تركنا إلا الكتاب والحكمة والعلم، وقد فعلت هذا باتفاق المسلمين ولست بمتفرد في هذا، وأما المال فإن تريدينها فخذي من مالي ما شئت لأنك سيدة أبيك وشجرة طيبة لأبنائك، ولا يستطيع أحد أن ينكر فضلك" ["حق اليقين" ص201، 202 – ترجمة من الفارسية].(5/89)
فهل بعد هذا يمكن لأحد أن يقول: إن أبا بكر أغضبها، وغصب حقها، وأراد إيذائها، وأقلقها، وأفلسها لأغراضه وأهدافه؟
اللهم إلا من عمي قلبه، وتحجر عقله، وأفلس ذهنه، واختلت حواسه؟
فالعمارة التي أرادوا بنائها على هذا الأساس الواهي لإقامة المآتم ومجالس اللعن والطعن على غصب حقوق أهل البيت، وإثبات المنافرة والعداوة بين خلفاء النبي وأصحابه وبين أهل بيته كانت مهدمة يوم أرادوا بنائها، والقصة التي أرادوا أن ينسجوها من الوهم والخيال راحت على أدراج الرياح وكانت هباء منثوراً، وقبل ذلك أقام القيامة على السبئيين سيد أهل البيت وزوج فاطمة، عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما يوم تولى الأمر كما ذكره السيد مرتضى الملقب بعلم الهدى إمام الشيعة:
"إن الأمر لما وصل إلى علي بن أبي طالب كلّم في رد فدك، فقال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر" ["الشافي" للمرتضى ص231، أيضاً "شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4].
ولأجل ذلك لما سئل أبو جعفر محمد الباقر عن ذلك وقد سأله كثير النوال "جعلني الله فداك أرأيت أبا بكر وعمر هل ظلماكم من حقكم شيئاً أو قال: ذهبا من حقكم بشيء؟ فقال: لا والذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً ما ظلمانا من حقنا مثقال حبة من خردل، قلت: جعلت فداك أفأتولاهما؟
قال: نعم ويحك تولهما في الدنيا والآخرة، وما أصابك ففي عنقي" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4 ص82].(5/90)
وأخو الباقر زيد بن علي بن الحسين قال أيضاً في فدك مثل ما قاله جده الأول علي بن أبي طالب وأخوه محمد الباقر لما سأله البحتري بن حسان وهو يقول: قلت لزيد بن علي عليه السلام وأنا أريد أن أهجن أمر أبي بكر: إن أبا بكر انتزع فدك من فاطمة عليها السلام، فقال: إن أبا بكر كان رجلاً رحيماً، وكان يكره أن يغير شيئاً فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتته فاطمة فقالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاني فدك، فقال لها: هل لك على هذا بينة، فجاءت بعلي عليه السلام فشهد لها، ثم جاءت أم أيمن فقالت: ألستما تشهدان أني من أهل الجنة قالا: بلى، قال أبو زيد: يعني أنها قالت لأبي بكر وعمر: قالت: فأنا أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها فدك فقال أبو بكر: فرجل آخر أو امرأة أخرى لتستحقي بها القضية، ثم قال زيد: أيم الله! لو رجع الأمر إليّ لقضيت فيه بقضاء أبي بكر" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4 ص82].
فهل بعد هذا يحتاج الأمر إلى الإيضاح أكثر من ذلك؟
وقبل أن نأتي إلى آخر الكلام نريد أن نثبت ههنا روايتين رواهما الكليني في هذا الخصوص، فأما الأولى فهي التي رواها عن أبي عبد الله جعفر أنه قال: الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء" ["الأصول من الكافي" كتاب الحجة، باب الفيء والأنفال ج1 ص539].
وهذه صريحة في معناها بأن الإمام بعد النبي أحق الناس بالتصرف فيها.
والرواية الثانية التي نذكرها هي طريفة ومروية أيضاً في الأصول من الكافي أن أبا الحسن موسى - الإمام السابع للقوم - ورد على المهدي، ورآه يردّ المظالم فقال: يا أمير المؤمنين! ما بال مظلمتنا لا ترد؟(5/91)
فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال: فدك، فقال له المهدي: يا أبا الحسن! حدّها لي، فقال: حد منها جبل أحد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل" ["الأصول من الكافي" باب الفيء والأنفال ج1 ص543].
يعني نصف العالم كله، انظر إلى القوم وأكاذيبهم، فأين قرية من خيبر من نصف الدنيا؟ فيا عجباً للقوم ومبالغتهم، كيف يعظمون الحقير، وكيف يكبرون الصغير؟ وفي هذه دليل لمبالغات القوم وترهاتهم.
وعلى ذلك نتم هذا البحث في فدك وفضائل أمير المؤمنين وخليفة رسول الله الصادق الأمين وأفضليته وأحقيته بالخلافة والإمامة بعد النبي عليه الصلاة والسلام، وحبه لأهل بيت النبي في ضوء أقوال أهل البيت وأفعالهم، ومن كتب القوم أنفسهم، وثم ننتقل إلى الرجل الثاني الخليفة الراشد الفاروق، الفارق بين الحق والباطل، رضي الله عنه وأرضاه.
موقف أهل البيت من الفاروق
وأما عمر بن الخطاب، فارس الإسلام وأمير المؤمنين، عبقري الملة، وقطب رحى المسلمين، وباني مجدهم، ومؤسس شوكتهم، وفاتح القيصرية، وهازم الكسروية، ورافع راية الله، ومعلي كلمته، موصل الدين من قلب الجزيرة إلى أقصى العالم، وناشر العدل، ومنفذ الشريعة الغراء على كل قريب وبعيد، ومساو بين كل جبار عنيد ومحتقر حقير، غير خائف في الحق لومة لائم، ولا آبه من عذل عاذل، ماحي الشرك والبدعة والكفر والضلال، حامي الحق والشريعة، الفارق بين الحق والباطل، العادل بين الرعية خاصتهم وعامتهم أميرهم ومأمورهم، المعز لدين الله والحق، والمذل للطاغوت والكفر والأوثان، الأمين الراشد، المرشد المصلح رضي الله تعالى عنه كان محبوباً إلى أهل بيت النبي كما كان حبيباً إلى سيد ولد آدم محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه صلوات الله وسلامه عليه وهو يمشي على الأرض رضي الله عنه: دخلت الجنة ….. ورأيت قصراً بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب" [متفق عليه].(5/92)
وقال عليه السلام، والذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى: بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة (الصديق)، فنزع منها ذنوباً [الذنوب: الدلو وفيها ماء] أو ذنوبين وفى نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غرباً [دلو عظيمة] فأخذها عمر بن الخطاب فلم أر عبقرياً ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن [أي حتى أرووا إبلهم فأبركوها، وضربوا لها عطناً، وهو مبرك الإبل حول الماء (من تعليقات الشيخ الألباني على مشكاة المصابيح)] – وفى رواية – حتى روى الناس وضربوا بعطن" [متفق عليه].
وقال - صلى الله عليه وسلم - : إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" [رواه الترمذي].
فهذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولقد ذكرنا منه أحاديث ثلاثة من إمام الكونين ورسول الثقلين فداه أبواي وروحي - صلى الله عليه وسلم - من كتب السنة المعتبرة خلاف عهدنا ودأبنا في هذا الكتاب بأننا لا ننقل شيئاً إلا من كتب القوم أنفسهم لأننا سوف نروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه - سيد أهل البيت، والإمام المعصوم الأول عند القوم - أنه يؤيد هذه الأحاديث الثلاثة بأقواله الواضحة، وتصريحاته المكشوفة، والمروية المذكورة المورودة في بطون كتب القوم وأوراقها وصفحاتها.
فلنرى ماذا يقول أهل البيت وسادتهم في هذا المصلح المحسن للأمة الإسلامية البيضاء.
فيقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يذكر الفاروق وولايته مصدقاً لرؤيا سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - الذي رآه وبشر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
"ووليهم وال، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه" ["نهج البلاغة" بتحقيق صبحي الصالح تحت عنوان "غريب كلامه المحتاج إلى التفسير" ص557 ط دار الكتاب بيروت، أيضاً "نهج البلاغة بتحقيق الشيخ محمد عبده ج4 ص107 ط دار المعرفة بيروت].(5/93)
وقال الميثم البحراني الشيعي، شارح نهج البلاغة، وكذلك الدنبلي شرحاً لهذا الكلام "أن الوالي عمر بن الخطاب، وضربه بجرانه كناية بالوصف المستعار عن استقراره وتمكنه كتمكن العير البارك من الأرض" ["شرح نهج البلاغة" لابن الميثم ج5 ص463، أيضاً "الدرة النجفية" ص394].
ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي تحت هذه الخطبة، ويذكرها من أولها "وهذا الوالي هو عمر بن الخطاب، وهذا الكلام من خطبة خطبها في أيام خلافته طويلة يذكر فيها قربه من النبي - صلى الله عليه وسلم - واختصاصه له، وإفضائه بأسراره إليه حتى قال فيها: فاختار المسلمون بعده بآرائهم رجلاً منهم فقارب وسدد حسب استطاعته على ضعف وجد كانا فيه، ثم وليهم بعده وال، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4 ص519].
فانظر إلى عليّ وكيف يطبق هذا الأوصاف على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما تصديقاً لرؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرفاً بحرف، ويجعل الفاروق مصداقاً لبشارته عليه السلام، وكيف يقر ويعترف بأن الدين قد استقر في عهده المبارك، والإسلام قد تمكن في الأرض في أيام خلافته الميمونة، فهل لمتمسك أن يتمسك من الشيعة بقول علي بن أبي طالب - الإمام المعصوم عندهم الذي لا يخطئ –؟
ثم والخطبة التي مدح فيها عمر، وجعله مورد ومصداق بشرى الرسول هي خطبة ألقاها في أيام خلافته حيث لم يكن هناك ضرورة للتقية الشيعية التي ألصقوها تهمة بخيار الخلائق رضوان الله ورحمته عليهم.
وكم هناك من خطب لعليّ، المنقولة في نهج البلاغة، التي تدل على نفس المعنى بأن الفاروق كان سبباً لعز الدين، ورفعة الإسلام، وعظمة المسلمين، وتوسعة البلاد الإسلامية، وأنه أقام الناس على المحجة البيضاء، واستأصل الفتنة، وقوم العوج وأزهق الباطل، وأحيا السنة طائعاً لله خائفاً منه، فانظر إلى ابن عم رسول الله ووالد سبطيه وهو يبالغ في مدح الفاروق، ويقول:(5/94)
لله بلاد فلان، فقد قوم الأود، وداوى العمد وخلف الفتنة، وأقام السنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي بها الضال، ولا المستيقن المهتدي" ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص350، "نهج البلاغة" تحقيق محمد عبده ج2 ص322].
ويقول ابن أبي الحديد: العرب تقول: لله بلاد فلان أي در فلان ….. وفلان المكنى عنه عمر بن الخطاب، وقد وجدت النسخة التي بخط الرضى أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان عمر ….. وسألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي: هو عمر، فقلت له: أثنى عليه أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: نعم" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج3 ص92 جزء12].
ومثله ذكر ابن الميثم [انظر لذلك شرح نهج لابن الميثم ج4 ص96، 97] والدنبلي وعلي نقي في الدرة النجفية [ص257] وشرح النهج الفارسي [ج4 ص712].
هذا فلينظر كيف يعلن علي رضى الله عنه على ملأ الشهود عن الفاروق رضي الله عنه بصوته الرفيع أنه قوم العوج، وعالج المرض، وعامل بالطريقة النبوية، وسبق الفتنة وتركها خلفا، لم يدركها هو، ولا الفتنة أدركته، وانتقل إلى ربه وليس عليه ما يلام عليه، أصاب خير الولاية والخلافة، ولحق الرفيق الأعلى، ولم يلوث في القتل والقتال الذي حدث بين المسلمين طائعاً لله، غير عاص، واتقى الله في أداء حقه، ولم يقصر فيه ولم يظلم.
فهذا هو الذي يليق أن يضرب الدين في عصره العطن.
وكان عليّ وهو قائد أهل البيت يعد الفاروق ملجأ للإسلام، ومأوى للمسلمين ومرجعهم، فانظر كيف يصفه بهذه الأوصاف ولقد استشاره في الخروج إلى غزو الروم فقال له:(5/95)
إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم. ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً محرباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى، كنت ردأ للناس ومثابة للمسلمين" ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص193].
ويكتب ابن أبي الحديد تحته شرحاً لهذه الخطبة "فتنكب مجزوم لأنه عطف على تسر وكهفة أي كهف يلجأ إليه، ويروي كانفة أي جهة عاصمة …..، وحفزت الرجل أحفزه أي دفعته وسقته سوقاً شديداً وردأ أي عوناً، ومثابة أي أمنا، ومنه قوله تعالى: { مثابة للناس وأمنا } ، أشار عليه السلام أن لا يشخص بنفسه حذراً أن يصاب فيذهب المسلمون كلهم لذهاب الرأس، بل يبعث أميراً من جانبه على الناس ويقيم هو في المدينة، فإن هزموا كان مرجعهم إليه" ["شرح نهج البلاغة" ج2 جزء8 ص369، 370].(5/96)
والقارئ حينما يقرأ هذه الخطبة يعرف الحب المتدفق من خلال الكلمات للفاروق والحرص على شخصه وحياته، والرجاء والتمني لبقائه في الحكم والخلافة ذخرا للإسلام والمسلمين رغم أنوف المبغضين والطاعنين فيه، ثم الجدير بالذكر أن الفاروق رضي الله عنه كان مصمماً للمسير إلى المعركة بنفسه والمرتضى علي رضي الله عنه كان يعرف ذلك، ومع ذلك أراد منعه قدر المستطاع لما كان يراه سبباً لعز الإسلام ومجده وشموخه، وأن لا يمسه سوء حتى لا تنقلب على الإسلام ودولته قالة ولا تدور عليه الدائرة، وأكثر من ذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يريد أن ينيب عنه في العاصمة الإسلامية علي بن أبي طالب رضي الله عنهما [يأتي ذكره في محله مفصلاً] وكانت له فرصة ذهبية لأخذه زمام الأمور واسترداد الحقوق الموهمة التي يظنها القوم بأنها سلبت، وقد ملئوا من ذكرها الكتب والصحف ولطالما بكوا عليها بكاء مراً وبكاء إخوة يوسف حيث القضية بالعكس تماماً، لأن الذي ينيبون عنه، ويصيرون وكلاءه ومحاميه ومدافعيه، بل ومحاربيه ومقاتليه يظهر الأمر منعكساً تماماً، وكان عليّ طوال مدة خلافته هكذا معه لا يريد أن يلقي نفسه في المخاطر فصار كالرقيب عليه، محافظاً على حياته، ساهراً على مصالحه، راجياً له البقاء والدوام، ناصحاً مناصحاً لله وفي الله وصلاح الأمة وفلاحها، ولذلك لما استشاره في الشخوص لقتال الفرس بنفسه منعه من ذلك وقال له:(5/97)
إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة. وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعدّه وأمدّه، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه: فإن انقطع النظام تفرق الخرز وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً. والعرب اليوم، وإن كانوا قليلاً، فهم كثيرون بالإسلام، عزيزون بالاجتماع! فكن قطباً واستدر الرحا بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك.
إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا اقتطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك، وطمعهم فيك. فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين، فإن الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره. وأما ما ذكرت من عددهم، فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة" ["نهج البلاغة" بتحقيق صبحي ص203، 204 تحت عنوان "ومن كلام له (أي علي) عليه السلام وقد استشاره عمر في الشخوص لقتال الفرس بنفسه"].
فهل بعد ذلك شك لشاك بأن علياً رضي الله عنه كان يعدّ الفاروق مصداقاً لرؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أخبر عنه، وبشر به المسلمين بأن الإسلام يبلغ مداه في عصره وعهده، ولذلك يقول علي رضي الله عنه: ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده الخ.
فإنه بذلك يشير إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - : ثم استحالت غرباً فأخذها عمر بن الخطاب، فلم أر عبقرياً ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن".
صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(5/98)
وأكثر من ذلك يلفت أنظار الناس بكلامه هذا إلى وعد الله عز وجل كما ورد في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا } " [سورة التوبة الآية55].
فالمقصود من انتباهه وتوجيهه بقوله: ونحن على موعود من الله: بأن الله وعد المؤمنين والعاملين الصالحات التمكن في الأرض والاستخلاف، فنحن المؤمنين وأنت أيها الفاروق أميرنا، والله ينجز وعده في عهدك وخلافتك، وينصر جنده الذين يقاتلون تحت رايتك وقيادتك الحكيمة وتوجيهاتك الرشيدة لأن دين الله لا بد له أن يظهر ويغلب - حتى يبلغ بجرانه، لأنك أنت القيم بأمره، ومدبر لقضاياه، وبك شأنه ومكانه، فإن أنت فقدت ضاع الأمر، وانتشر الجمع، وضعفت القوة، وانكسرت الشوكة، وافترق الناس حتى لن يرجى اجتماعهم واتحادهم بعد ذلك أبداً [فكان كما قال، فتحت أبواب الفتن بعد شهادته ولم تغلق بعده حتى اليوم، وقد ورد في ذلك المعنى حديثاً أيضاً]، فإذا انقطع النظام تفرق الجزر وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً.
وأيضاً أشار بذلك إلى دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب - رواه المجلسي في "بحار الأنوار" عن محمد الباقر –" ["بحار الأنوار" ج4 كتاب السماء والعالم] فإن دعاء الرسول لا بد له أن يقبل.(5/99)
ونبّه سيد أهل البيت الناس مع من فيهم الذين يدعون أنهم شيعته بأن الفاروق ليس كواحد من الناس، بل إنه قطب، وعليه يدور رحى الإسلام والعرب المسلمين، فلو لا القطب ليس للرحى بأن تدور، وأنى لها ذلك؟ ولذلك يلح عليه بقوله: فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها: لأنهم يعرفون أن الفاروق هو الأصل، وإن استؤصل لا يبقى للفرع أثر، وإنه هو القطب، وإن كسر تنكسر الرحى ولا تدور، وأيضا إنك أنت الحامي حمى القوم، وحافظ عوراتهم، فلا نتركك بأن تبرح عنا وتدخل نفسك في غمار الموت، لأننا لا نستغني عنك، ونستغني بك قوماً آخرين.
فما أحسن ما عبّر بهم علي بن أبي طالب ما يختلج في صدره، ويكنه في ضميره، ويعتقد به في معتقداته تجاه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ورضيا عنه.
هذا وكان علي رضي الله عنه يعتقد أن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وكان يرى بأنه محدث بأخبار الرسول، ولذلك لم يكن يخالف سيرته وعمله حتى وفي الأمور الصغيرة والتافهة، وقد نقل الدينوري [هو أبو حنيفة الدينوري أحمد بن داؤد من أهل الدينور، مدينة من أعمال الجبل من همدان. "ثقة فيما يرويه، معروف بالصدق كما وصفه كذلك ابن النديم، توفي سنة 281 أو 282 أو سنة 290، وإن أكثر أخذه من يعقوب بن إسحاق الليث النحوي لتشيعه، وهو من أبناء الفرس يستظهر إماميته" ("الذريعة إلى تصانيف الشيعة" لآقابزرك الطهراني ج1 ص339 ط طهران)] الشيعي أنه لما قدم الكوفة "قيل له: يا أمير المؤمنين! أتنزل القصر؟ قال: لا حاجة لي في نزوله، لأن عمر بن الخطاب كان يبغضه، ولكني نازل الرحبة، ثم أقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى ركعتين، ثم نزل الرحبة" ["الأخبار الطوال" لأحمد بن داؤد الدينوري ص152].(5/100)
وكذلك لما تكلم في رد فدك أبى أن يعمل خلاف ما فعله عمر، فهذا هو السيد مرتضى يقول: فلما وصل الأمر إلى علي بن أبي طالب (ع) كلم في رد فدك، فقال: إني لأستحي من الله أن أردّ شيئاً منع منه أبو بكر، وأمضاه عمر" ["كتاب الشافي في الإمامة" ص213، أيضاً "شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد].
وننقل هنا روايات ثلاثة تأييداً لهاتين الروايتين نقلناها من كتب القوم.
الأولى من حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه قال: لا أعلم علياً خالف عمر، ولا غيّر شيئاً مما صنع حين قدم الكوفة" ["رياض النضرة" لمحب الطبري ج2 ص85].
والرواية الثانية "أن أهل نجران جاءوا إلى علي يشتكون ما فعل بهم عمر، فقال في جوابهم: إن عمر كان رشيد الأمر، فلا أغير شيئاً صنعه عمر" ["البيهقي" ج10 ص130، "الكامل" لابن أثير ج2 ص201 ط مصر، "التاريخ الكبير" للإمام البخاري ج4 ص145 ط الهند، "كتاب الخراج" لابن آدم ص23 ط مصر، "كتاب الأموال" ص98، "فتوح البلدان" ص74].
والرواية الثالثة أن علياً قال حين قدم الكوفة: ما كنت لأحل عقدة شدها عمر" ["كتاب الخراج" لابن آدم ص23، أيضاً "فتوح البلدان" للبلاذري ص74 ط مصر].
وما كان كل هذا إلا لأنه يراه رجلاً ملهماً حسب إخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ورجلاً مسدداً يدور معه الحق أينما دار.
وأما كون عمر رجلاً من أهل الجنة كما ورد في ذلك حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رويناه، فلقد شهد بذلك علي بن أبي طالب وابن عمه وأحد قواده من المعتمدين وأمرائه الموثوقين عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين.(5/101)
ولقد أورد هذه الرواية ابن أبي الحديد أن الفاروق لما طعن، وطعنه أبو لؤلؤة المجوسي الفارسي دخل عليه ابنا عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد بن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم فيقول ابن عباس: فسمعنا صوت أم كلثوم (بنت علي رضي الله عنه) واعمراه، وكان معها نسوة يبكين فارتج البيت بكاء، فقال عمر: ويل أم عمر إن الله لم يغفر لهم، فقلت: والله! إني لأرجو أن لا تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى: { وإن منكم إلا واردها } : إن كنت ما علمنا لأمير المؤمنين وسيد المسلمين تقضي بالكتاب وتقسم بالسوية، فأعجبه قولي، فاستوى جالساً فقال: أتشهد لي بهدايا ابن عباس؟ فكعكعت أي جبنت، فضرب عليّ عليه السلام بين كتفي وقال: اشهد، وفى رواية لم تجزع يا أمير المؤمنين؟ فوالله لقد كان إسلامك عزاً، وإمارتك فخراً، ولقد ملأت الأرض عدلاً، فقال: أتشهد لي بذلك يا ابن عباس! قال: فكأنه كره الشهادة فتوقف، فقال له علي عليه السلام: قل: نعم، وأنا معك، فقال: نعم" ["ابن أبي الحديد" ج3 ص146، ومثل هذا في "كتاب الآثار" ص207، "سيرة عمر" لابن الجوزي ص193 ط مصر].
وأكثر من هذا أن علياً - وهو الإمام المعصوم الأول عند القوم - كان يؤمن بأنه من أهل الجنة لما سمعه من لسان خيرة خلق الله محمد المصطفى الصادق الأمين - صلى الله عليه وسلم -، ولأجل ذلك كان يتمنى بأن يلقى الله بالأعمال التي عملها الفاروق عمر رضي الله عنه في حياته، كما رواه كل من السيد مرتضى وأبو جعفر الطوسي وابن بابويه وابن أبي الحديد.
لما غسل عمر وكفن دخل علي عليه السلام فقال: صلى الله عليه وآله وسلم ما على الأرض أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى (أي المكفون) بين أظهركم" ["كتاب الشافي" لعلم الهدى ص171، و"تلخيص الشافي" للطوسي ج2 ص428 ط إيران، و"معاني الأخبار" للصدوق ص117 ط إيران].(5/102)
ووردت هذه الرواية في كتب السنة بتمامها في المستدرك للحاكم [ج3 ص93]، مع "التلخيص" للذهبي "ومسند أحمد" مسندات علي "وطبقات ابن سعد" [أحوال عمر ج3 ص269، 270 ط ليدن] ومثله ورد في البخاري ومسلم.
وأما ابن أبي الحديد فيذكر "طعن أمير المؤمنين فانصرف الناس وهو في دمه مسجى لم يصل الفجر بعد، فقيل: يا أمير المؤمنين! الصلاة، فرفع رأسه وقال: لاها الله إذن، لا حظ لامرئ في الإسلام ضيع صلاته، ثم وثب ليقوم فانبعث جرحه دماً فقال: هاتوا لي عمامة، فعصب جرحه، ثم صلى وذكر، ثم التفت إلى ابنه عبد الله وقال: ضع خدي إلى الأرض يا عبد الله! قال عبد الله: فلم أعج بها وظننت أنها إختلاس من عقله، فقالها مرة أخرى: ضع خدّي إلى الأرض يا بني، فلم أفعل، فقال الثالثة: ضع خدّي إلى الأرض لا أم لك، فعرفت أنه مجتمع العقل، ولم يمنعه أن يضعه هو إلا ما به من الغلبة، فوضعت خدّه إلى الأرض حتى نظرت إلى أطراف شعر لحيته خا رجة من أضعاف التراب وبكى حتى نظرت إلى الطين قد لصق بعينه، فأصغيت أذني لأسمع ما يقول فسمعته يقول: يا ويل عمر وويل أم عمر إن لم يتجاوز الله عنه، وقد جاء في رواية أن علياً عليه السلام جاء حتى وقف عليه فقال: ما أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى" ["شرح النهج" لابن أبي الحديد ج3 ص147].
فهل بعد ذلك مجال لقائل أن يقول بأن علياً وهو سيد أهل البيت لم يكن يعدّ عمر رجلاً من أهل الجنة؟ فمن من الناس يرجى أن يكون عمله وصحيفته كصحيفته وعمله؟.
فهل هناك أكثر من ذلك؟ نعم! هناك أكثر وأكثر، فلقد شهد علي رضي الله عنه: "إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر" ["كتاب الشافي" ج2 ص428].
وقال فيه وفي أبي بكر في رسالته: إنهما إماما الهدى، وشيخا الإسلام، والمقتدى بهما بعد رسول الله، ومن اقتدى بهما عصم" ["تلخيص الشافي" للطوسي ج2 ص428].(5/103)
وأيضا روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن أبا بكر مني بمنزلة السمع، وإن عمر مني بمنزلة البصر" ["عيون أخبار الرضا" لابن بابويه القمي ج1 ص313، أيضاً "معاني الأخبار" للقمي ص110، أيضاً "تفسير الحسن العسكري"].
والجدير بالذكر أن هذه الرواية رواها عليّ عن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وقد رواها عن علي ابنه الحسن رضي الله عنهما.
مدح أهل البيت الفاروق
هذا ولقد مدحه ابن عباس رضي الله عنه وهو أحد أعلام أهل بيت النبوة وسادتهم وابن عم النبي عليه السلام بقوله: رحم الله أبا حفص كان والله حليف الإسلام، ومأوى الأيتام، ومنتهى الإحسان، ومحل الإيمان، وكهف الضعفاء، ومعقل الحنفاء، وقام بحق الله صابراً محتسباً حتى أوضح الدين، وفتح البلاد، وآمن العباد" ["مروج الذهب" للمسعودي الشيعي ج3 ص51، "ناسخ التواريخ" ج2 ص144 ط إيران].
هذا وقد بالغ في مدحه سائر أهل البيت كما مر في ذكر الصديق رضي الله عنه عن زين العابدين علي بن الحسين بن علي، وعن ابنه محمد الباقر، وزيد الشهيد، وعن ابن الباقر جعفر، الملقب بالصادق، وأنه كان يأتي إلى قبرهما ويسلم عليهما، وكان يتولاهما، كل شيء من ذلك في ضمن ذكر الصديق أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما.
وقبل أن ننتقل إلى شيء آخر نريد أن نضيف إلى ما ذكرنا رواية أخرى أوردها الكليني في كتاب "الروضة من الكافي".(5/104)
إن جعفر بن محمد - الإمام السادس المعصوم لدى الشيعة - لم يكن يتولاهما فحسب، بل كان يأمر أتباعه بولايتهما أيضاً، فيقول صاحبه المشهور لدى القوم أبو بصير: كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه. فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيسرّك أن تسمع كلامها؟ قال: فقلت: نعم، قال: فأذن لها. قال: وأجلسني على الطنفسة، قال: ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة، فسألته عنهما (أي أبى بكر وعمر) فقال لها : توليهما، قالت : فأقول لربي إذا لقيته : إنك أمرتني بولايتهما؟ قال : نعم" ["الروضة من الكافي" ج8 ص101 ط إيران تحت عنوان "حديث أبي بصير مع المرأة"].
فهذا هو الإمام السادس للقوم الذي جعلوا مذهبهم على اسمه، وشريعتهم على رسمه، حيث سموا أنفسهم جعفريين، ومذهبهم الجعفري، لا يتولى أبا بكر وعمر نفسه بل يأمر أتباعه أيضاً بتوليهما، فرحمة الله عليهم جميعاً، ورحمة ربنا على من يتمثل بأمره وأمر آبائه في ولاية أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وغيرهما وأصحاب النبي صلوات الله وسلامه ورضوانه عليهم أجمعين.
تزويج المرتضى أم كلثوم من الفاروق
وعلى هذا زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته التي ولدتها فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفاروق رضي الله عنه حينما سأله زواجها منه رضي بما يطلب، وثقة فيه، واعتماداً به، وإقراراً بفضائله ومناقبه، واعترافاً بمحاسنه وجمال سيرته، وإظهاراً بأن بينهم من العلاقات الوطيدة الطيبة والصلات المحكمة المباركة ما يحرق قلوب الحساد من اليهود وأعداء الأمة المجيدة، ويرغم أنوفهم، ولقد أقر بهذا الزواج كافة أهل التاريخ والأنساب وجميع محدثي الشيعة وفقهائهم ومكابريهم ومجادليهم وأئمتهم المعصومين حسب زعمهم، ولقد أوردنا روايات بخصوص ذلك في كتابنا "الشيعة والسنة".(5/105)
وإتماماً للفائدة وإكمالا للبحث نورد ههنا بعض الروايات الأخرى التي لم نوردها هناك، فيقول المؤرخ الشيعي أحمد بن أبي يعقوب في تاريخه تحت ذكر حوادث سنة 17 من خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"وفي هذه السنة خطب عمر إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم بنت علي، وأمها فاطمة بنت رسول الله، فقال علي: إنها صغيرة! فقال: إني لم أرد حيث ذهبت. لكني سمعت رسول الله يقول: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري، فأردت أن يكون لي سبب وصهر برسول الله، فتزوجها وأمهرها عشرة آلاف دينار" [تاريخ اليعقوبي ج2 ص149، 150].
وأيضاً ذكر ذلك الطبري في تاريخه "تاريخ الأمم والملوك" [ج5 ص16 ط مصر القديم] وابن كثير في "البداية والنهاية" [ج7 ص139] وابن الأثير في "الكامل" [ج3 ص29 ط دار الكتاب بيروت] وطبقات ابن سعد [ص340 ط ليدن] وأبو الفداء في تاريخه وغيرهم وهم كثيرون.
وأقر بذلك الزواج أصحاب الصحاح الأربعة الشيعية أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني في كافيه بأن علياً زوج ابنته أم كلثوم من الفاروق رضي الله عنهما.
وروى أيضاً عن سليمان بن خالد أنه قال:
... سألت أبا عبد الله عليه السلام - جعفر الصادق - عن امرأة توفي زوجها أين تعتد؟ في بيت زوجها أو حيث شاءت؟ قال : بلى حيث شاءت، ثم قال : إن علياً لمّا مات عمر أتى أم كلثوم فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته" ["الكافي في الفروع" كتاب الطلاق، باب المتوفى عنها زوجها ج6 ص115، 116، وفي نفس الباب رواية أخرى عن ذلك، وأورد هذه الرواية شيخ الطائفة الطوسي في صحيحه "الاستبصار"، أبواب العدة، باب المتوفى عنها زوجها ج3 ص353، ورواية ثانية عن معاوية بن عمار، وأوردهما في "تهذيب الأحكام" باب في عدة النساء ج8 ص161].
وهنالك رواية أخرى رواه الطوسي عن جعفر - الإمام السادس عندهم - عن أبيه الباقر أنه قال:(5/106)
ماتت أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيهما هلك قبل، فلم يورث أحدهما من الآخرة وصلي عليهما جميعاً" ["تهذيب الأحكام" كتاب الميراث، باب ميراث الغرقى والمهدوم، ج9 ص262].
وذكر هذا الزواج من محدثي الشيعة وفقهائها السيد مرتضى علم الهدى في كتابه "الشافي" [ص116] وفى كتابه "تنزيه الأنبياء" [ص141 ط إيران]، وابن شهر آشوب [هو رشيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني "فخر الشيعة ومروج الشريعة، يحيي آثار المناقب والفضائل، والبحر المتلاطم الزخار، شيخ مشائخ الإمامية وصاحب كتاب "المناقب" وغيره، وكان إمام عصره، ووحيد دهره.. وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة، مات سنة 588 بحلب" (الكنى والألقاب ج1 ص321)] في كتابه "مناقب آل أبي طالب" [ج3 ص162 ط بمبئى الهند] والأربلي في "كشف الغمة في معرفة الأئمة" [ص10 ط إيران القديم] وابن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" [ج3 ص124] ومقدس الأردبيلي في "حديقة الشيعة" [ص277 ط طهران] والقاضي نور الله الشوشتري الذى يسمونه بالشهيد الثالث في كتابه "مجالس المؤمنين" [ص76 ط إيران القديم، أيضاً ص82].
ويقول وهو يذكر المقداد بن الأسود: إن النبي أعطى بنته لعثمان، وإن الولي زوج بنته من عمر" ["مجالس المؤمنين" ص85].(5/107)
وأيضاً ذكر هذا الزواج في كتابه "مصائب النواصب" [ص170 ط طهران]، وأيضاً السيد نعمت الله الجزائري في كتابه "الأنوار النعمانية" والملا باقر المجلسي في كتابه "بحار الأنوار" [باب أحوال أولاده وأزواجه ص621 ط طهران]، والمؤرخ الشيعي المرزه عباس علي القلي في تاريخه ["تاريخ طراز مذهب مظفري" فارسي، باب حكاية تزويج أم كلثوم من عمر بن الخطاب]، ومحمد جواد الشري في كتابه ["أمير المؤمنين" ص217 تحت عنوان "علي في عهد عمر" ط بيروت]، والعباسي القمي في "منتهى الآمال" [ج1 ص186 فصل6 تحت عنوان "ذكر أولاد أمير المؤمنين" ط إيران القديم] وغيرهم الذين بلغ عددهم حد التواتر، ولا ينكر ذلك إلا مكابر جاهل أو مجادل متنكر.
ولقد استدل بهذا الزواج فقهاء الشيعة على أنه يجوز نكاح الهاشمية من غير الهاشمي، فكتب الحلّي في شرائع الإسلام "ويجوز نكاح الحرة العبد، والعربية العجمي، والهاشمية غير الهاشمي" ["شرائع الإسلام" في الفقه الجعفري للحلي، كتاب النكاح، المتوفى 672].
وكتب تحت هذا شارح الشرائع زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني "وزوج النبي ابنته عثمان، وزوج ابنته زينب بأبي العاص بن الربيع، وليسا من بني هاشم، وكذلك زوّج علي ابنته أم كلثوم من عمر، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين، وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة، وكلهم من غير بني هاشم" ["مسالك الأفهام" شرح شرائع الإسلام، باب لواحق العقد ج1].
ونريد أن نختم الكلام في هذا الموضوع برواية ابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي.(5/108)
"إن عمر بن الخطاب وجه إلى ملك الروم بريداً، فاشترت أم كلثوم امرأة عمر طيباً بدنانير، وجعلته في قارورتين وأهدتهما إلى امرأة ملك الروم، فرجع البريد إليها ومعه ملء القارورتين جواهر، فدخل عليها عمر وقد صبت الجواهر في حجرها، فقال : من أين لك هذا؟ فأخبرته فقبض عليه وقال : هذا للمسلمين، قالت : كيف وهو عوض هديتي؟ قال : بيني وبينك، أبوك، فقال علي عليه السلام : لك منه بقيمة دينارك والباقي للمسلمين جملة لأن بريد المسلمين حمله" ["شرح نهج البلاغة" ج4 ص575 ط بيروت 1375ه].
ولقد ذكر هذا الزواج علماء الأنساب والراجم أيضاً مثل البلاذري في "أنساب الأشراف" [ج1 ص428 ط مصر]، وابن حزم في "جمهرة أنساب العرب" [ص37، 38 ط مصر]، والبغدادي في كتابه "المحبر" [تحت عنوان أصهار علي ص56 و437 ط دكن]، والدينوري في "المعارف" [تحت عنوان بنات علي ص92 ط مصر وأيضاً ص79، 80 تحت عنوان أولاد عمر بن الخطاب]، وغيرهم.
إكرام الفاروق أهل البيت واحترامه إياهم
ولم تكن هذه العلاقات من طرف واحد بل كل الأطراف كانوا معتنين بهذه العلاقات فكان الفاروق يجل أهل بيت النبي أكثر مما كان يجل أهل بيته هو، وكان يحترمهم ويقدمهم في الحقوق والعطاء على نفسه وأهل بيته، ولقد ذكر المؤرخون قاطبة أن الفاروق لما عيّن الوظائف المالية والعطاءات من بيت المال قدّم على الجميع بني هاشم لقرابتهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولاحترامه أهل بيته عليه الصلاة والسلام.
فها هو اليعقوبي يذكر ذلك بقوله :(5/109)
ودون عمر الدواوين، وفرض العطاء سنة 20، وقال : قد كثرت الأموال فأشير عليه أن يجعل ديواناً، فدعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، و جبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف [وكلهم أقرباء علي أخوه وأبناء عمه، هكذا كان الفاروق، فالعدل – العدل]، وقال اكتبوا الناس على منازلهم وابدءوا ببني عبد مناف، فكتب أول الناس علي بن أبي طالب في خمسة آلاف، والحسن بن علي في ثلاثة آلاف، والحسين بن علي في ثلاثة آلاف [اللهم إلا أهل السنة، فإنهم ذكروا في كتبهم أن الفاروق "فرض لأبناء البدريين ألفين ألفين إلا حسناً وحسيناً فإنه ألحقهما بفريضة أبيهما لقرابتهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ففرضت لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم، وفرض للعباس خمسة آلاف درهم لقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (طبقات ابن سعد ج3 ص213، 214، وكتاب الخراج لأبي يوسف ص43، 44 ط مصر، وفتوح البلدان ص454، 455، وكتاب الأموال لأبي عبيد بن سلام) ولقد روى البلاذري، ويحيى بن آدم، والطرابلسي وغيرهم عن جعفر بن محمد الباقر عن محمد الباقر وعن عبد الله بن الحسن وعن علي بن أبي طالب "إن عمر أقطع علياً ينبع فأضاف إليها غيرها" (فتوح البلدان للبلاذري ص20، وكتاب الخراج ليحيى بن آدم ص78 ط مصر القديم والإسعاف في أحكام الأوقاف للطرابلسي ص8 ط مصر)] ….. ولنفسه أربعة آلاف [ومع هذا لا يتستحي من الله من يقول: إن عمر غصب حقوق أهل البيت، وهذا هو اليعقوبي يلطم على وجوههم لطمات من الحق الذي وفقه الله أن يقره ويعترف به، وعمر يومئذ أمير المؤمنين، وعلي دونه] ….. وكان أول مال أعطاه مالاً قدم به أبو هريرة من البحرين [نعم! أبو هريرة الذي يبغضه القوم أشد البغض، ليس إلا لأنه روى أحاديث سمعها من لسان رسول الله في مناقب أصحابه البررة، وخاصة الصديق والفاروق، نعم! ذلك أبو هريرة الذي جاء بالمال، فأخذ كلهم من مال الله الذي أتى به هو] مبلغه سبعمائة ألف درهم، قال(5/110)
(يعنى الفاروق): اكتبوا الناس على منازلهم، واكتبوا بني عبد مناف، ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم أتبعوهم عمر بن الخطاب وقومه، فلما نظر عمر قال : وددت والله أني هكذا في القرابة برسول الله، ولكن ابدءوا برسول الله ثم الأقرب فالأقرب منه حتى تضعوا عمر بحيث وضعه الله" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص153 ط بيروت].
وأما ابن أبي الحديد فقال : لا بل ابدأ برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و بأهله، ثم الأقرب فالأقرب، فبدأ ببني هاشم، ثم ببني عبد المطلب ثم بعبد شمس ونوفل، ثم بسائر بطون قريش، فقسم عمر مروطاً بين نساء المدينة، فبقي منها مرط حسن، فقال بعض من عنده : أعط هذا يا أمير المؤمنين! ابنة رسول الله التي عندك يعنون أم كلثوم بنت علي عليه السلام، فقال : أم سليط أهديه فإنها ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت تزفر لنا يوم أحد قرباً" ["نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج3 ص113، 114].
هذا ولقد ثبت أن الفاروق كان يقدر ويكرم أهل البيت، ويكن لهم من الاحترام ما لم يكن للآخرين، وحتى وأهل بيته وخاصته.(5/111)
وذكر أن ابنة يزدجرد كسرى إيران أكبر ملوك العالم آنذاك لما سبيت مع أسارى إيران أرسلت مع من أرسل إلى أمير المؤمنين وخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر الفاروق الأعظم رضي الله عنه، وتطلع الناس إليها وظنوا أنها تعطي وتنفل إلى ابن أمير المؤمنين والمجاهد الباسل الذي قاتل تحت لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوات عديدة، لأنه هو الذي كان لها كفو، ولكن الفاروق لم يخصها لنفسه ولابنه ولا لأحد من أهل بيته، بل رجح أهل بيت النبوة فأعطاها لحسين بن علي رضي الله عنهما، وهى التي ولدت علي بن الحسين رضي الله عنه الذي بقي وحيداً من أبناء الحسين في كربلاء حياً وأنجب وتسلسل منه نسله" [فليحذر الذين يدعون أنهم من نسل الحسين، ثم يسبون الفاروق، ويعدونه ظالماً حق آل محمد، وغاصباً لخلافتهم، لولاه لما كان لهم وجود، وإن كان غاصباً فكيف رضي الحسين بأخذ الجارية منه التي سبيت في معركة من معاركه التي أقيمت تحت لوائه وحسب توجيهاته؟ فليتدبر، وهل من مفكر؟].
ولقد ذكر ذلك نسابة شيعي مشهور ابن عنبة "إن اسمها شهربانو قيل : نهبت في فسخ المدائن فنفلها عمر بن الخطاب من الحسين عليه السلام" ["عمدة الطالب في أنساب أبي طالب" الفصل الثاني تحت عنوان عقب الحسين ص192].
كما ذكر ذلك محدث الشيعة المعروف في صحيحه الكافي في الأصول، عن محمد الباقر أنه قال :(5/112)
لما قدمت بنت يزدجرد على عمر أشرف لها عذارى المدينة، وأشرق المسجد بضوئها لما دخلته، فلما نظر إليها عمر غطت وجهها وقالت : أف بيروج باداهرمز، فقال عمر : أتشتمنى هذه وهمّ بها، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ليس ذلك لك، خيرها رجلاً من المسلمين وأحسبها بفيئه، فخيرها فجاءت حتى وضعت يدها على رأس الحسين عليه السلام، فقال لها أمير المؤمنين : ما اسمك؟ فقالت : جهان شاه، فقال لها أمير المؤمنين : بل شهربانويه، ثم قال للحسين : يا أبا عبد الله! لتلدن لك منها خير أهل الأرض، فولدت على بن الحسين عليه السلام، وكان يقال لعلي بن الحسين عليه السلام : ابن الخيرتين، فخيرة الله من العرب هاشم ومن العجم فارس. وروي أن أبا الأسود الدائلي قال فيه :
وإن غلاماً بين كسرى وهاشم
لأكرم من نيطت عليه التمائم" ["الأصول من الكافي" ج1 ص467، ناسخ التواريخ ج10 ص3، 4].
وقبل ذلك ساعد أباه علياً في زواجه من فاطمة رضي الله عنهما كما مر سابقاً.
وإن الفاروق كان يبدأ الخمس والفيء بأهل بيت النبوة كما كان الرسول عليه السلام يعمل به، وبعده أبو بكر، ولقد ذكرنا هذا سابقاً عند ذكر الصديق وفدك "وكان أبو بكر يأخذ غلتها ويدفع إليهم منها ما يكفيهم، ويقسم الباقي، وكان عمر كذلك، وكان عثمان كذلك، ثم كان عليّ (على شاكلتهم وطريقتهم) كذلك" ["شرح نهج البلاغة" لابن ميثم ج5 ص107، أيضاً "الدرة النجفية" ص332، وابن أبي الحديد أيضاً].(5/113)
ومن إكرامه وتقديره لأهل البيت ما ذكره ابن أبي الحديد عن يحيى بن سعيد أنه قال : أمر عمر الحسين بن علي عل أن يأتيه في بعض الحاجة فلقي الحسين عليه السلام عبد الله بن عمر فسأله من أين جاء؟ قال : استأذنت على أبي فلم يأذن لي فرجع الحسين ولقيه عمر من الغد، فقال : ما منعك أن تأتيني؟ قال: قد أتيتك، ولكن أخبرني ابنك عبد الله أنه لم يؤذن له عليك فرجعت، فقال عمر : وأنت عندي مثله؟ وهل أنبت الشعر على الرأس غيركم" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج3 ص110].
هذا وكان يقول في عامة بني هاشم ما رواه علي بن الحسن عن أبيه حسين بن علي أنه قال : قال عمر بن الخطاب : عيادة بني هاشم سنة، وزيارتهم نافلة" ["الآمالي" للطوسي ج2 ص345 ط نجف].
... ونقل الطوسي هذا والصدوق أيضاً أن عمر لم يكن يستمع إلى أحد بطعن في علي بن أبي طالب ولم يكن يتحمله، ومرة "وقع رجل في علىّ عليه السلام بمحضر من عمر، فقال : تعرف صاحب هذا القبر؟ ….. لا تذكر علياً إلا بخير، فإنك إن آذيته آذيت هذا في قبره" ["الآمالي" للطوسي ج2 ص46، أيضاً "الآمالي" للصدوق ص324، ومثله ورد في مناقب لابن شهر آشوب ج2 ص154 ط الهند].
حب آل البيت ومبايعتهم إياه
وكان أهل بيت النبوة يتبادلون معه هذا الحب والتقدير والاحترام، ولم يستمعوا ولم يصغوا إلى من يتكلم فيه، أو يطعنه بطعنة، أو يعرّضه بتعريض، بل تبرؤا ممن فعل به هذا، وأنكروا عليه كما سيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى.
وأكثر من ذلك كافئوه على احترامه لهم وتقديره بهم حتى أعطوه ثمرة من ثمار النبوة، وزوّجها منه، وأطاعوه، وأخلصوا له الوفاء والطاعة، وناصحوه، وشاوروه بأحسن ما رأوه، واستوزرهم وتوزروه، وأنابهم فقبلوا نيابته، وجاهدوا تحت رايته، ولم يتأخروا في تقديم النصيحة له وما يطلب منهم وفق الكتاب والسنة، وبذلوا له كل غال وثمين .(5/114)
فها هو علي بن أبي طالب يقر بذلك في رسالته التي أرسلها إلى أصحابه بمصر بعد مقتل محمد بن أبي بكر عامله على مصر، فيقول بعد ذكر الأحداث التي وقعت عقب وفاة الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه :
"فتولى أبو بكر تلك الأمور …… فلما احتضر بعث إلى عمر، فولاّه فسمعنا وأطعنا وناصحنا [وهذا رغم أنف كل من يأبى وينكر، ورغم أنف المتستر بنقاب س-خ، والملتجئ إلى الكذب، القائل في كتابه رداً علينا – وفي رده يثبت ما قلناه ويقر ما أثبتناه – وهو يظن بأنه يكذبنا ويكذب الحقائق الدامغة التي لا مفر عنها، فيقول بعد ما ينقل فضائل أبي بكر وعمر التي أوردناها يقول: لو كنت حاضراً تحت منبر علي حينما بكى، وخطب هذه الخطبة المفصلة في الثناء عليهما لقلت له: ما جرّأنا على مخالفتهما وانتقاصهما إلا أنت يا علي! لامتناعك أنت وأهل بيت رسول الله والخلّص من أصحاب رسول الله عن البيعة لهما مما اضطررتم عمر أن يحمل الحطب، ويأتي لدارك يريد حرقها بمن فيها. وفيها ابنة رسول الله ويقال له: إن فيها ابنة رسول الله. ويقول: وإن .. حتى أخرجاك قهراً. ولم تبايع أنت إلا بعد ستة أشهر وبعد موت زوجتك غاضبة عليهما على فعلتهما معك ومعها، حتى أوصتك أن تدفنها ليلاً – وقد فعلت – احتجاجاً على فعلهما معكما؟.
فإذا كنت تعلم – يا علي – أن هذه منزلتهما عند رسول الله فلماذا فعلت – أنت وأصحابك وزوجك – هذا الفعل وجرأتمونا على نقدهما على ارتكابهما ذلك الفعل؟.
ثم ولم تكتف – يا علي – حتى تدعي في خطابك مع معاوية بن أبي سفيان الذي عيرك هذه الحادثة وذكر أنهم أخرجاك كالجمل المخشوش، فقلت له مفتخراً:
وأوجب لي رسول الله فيكم
ولايته غداة غدير خم(5/115)
ثم وكيف تدعي يا علي (أن رسول الله لا يرى كرأيهما رأياً، ولا يحب كحبهما حباً) وإنا نقرأ في التاريخ عدة قضايا رغب فيها عمر وخالفه رسول الله. فقد رأى عمر بعد وقعة بدر، أن يقدم رسول الله عمه العباس ويضرب عنقه، وتقدم أنت أخاك عقيلاً وتضرب عنقه، وخالفه رسول الله لأنه أخذ الدية وأطلقهما. وهكذا رأى عمر يوم فتح مكة أن يأمره رسول الله بضرب عنق أبي سفيان فامتنع رسول الله وأطلق سراحه وجعل بيته مأمناً للخائفين.
وأخيراً وليس آخراً. قول رسول الله عند موته: آتوني بكتف وقرطاس لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده. فخالف عمر في ذلك وقال: عندنا كتاب الله ما فرط فيه من شيء مما أوجد رسول الله وأغضبه فطرده. وقال: قوموا فقاموا.
إلى كثير من أمثال هذه المخالفات فلماذا لا تقول الصحيح يا علي؟
ثم هبك – يا علي – علمت أنه في حياته لم يتجاوزوا أمره ورأيه، ولكن كيف علمت ذلك بعد وفاة رسول الله. وهل أعلمك رسول الله بذلك. وحينما وقعت بينهما – بين أبو بكر وعمر – مشادة في قضية خالد بن الوليد، كان رأي رسول الله مع من منهما.
ولا شك أن علياً سيقول: لعن الله الكاذب المفتري" (كتاب الشيعة والسنة في الميزان لصاحب قناع س – خ ص88، 89، 90 ط بيروت).
نعم وأنا أيضاً أقول: لعن الله الكاذب المفتري سواء كان صاحب برقع س-خ أو الصافي.
فشركما لخيركما الفداء(5/116)
ولقد كذّبه علي بن أبي طالب حيث يقول: أيها السائل الكاذب المفتري الجريء على الجلوس تحت منبر لا أراك إلا من سلالة ابن ملجم حيث تسب وتشتم صهري زوج بنتي من فاطمة الزهراء بنت الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وتنسب إليّ ما لم أقله وما لم أفعله، وتكذب الفاروق وتكذبني، ثم تدعي حبي وولائي، وتقول بأنني أنا جرأتك عليهما، لست إلا من سلالة ابن سبأ الذي تنكر وجوده خوفاً ووجلاً من أفعاله وأعماله وأقواله التي تطابق أقوالك وآرائك حتى لا تفضح، ولا يطلع الناس على سريرتك وفضائحك. وأنت تعلم أنني أنا الذي قتلته وحرقته لما أراد فتنة في الدين. وفساداً في الشريعة واضطراباً ف المسلمين، وقد ذكره أسلافك وقومك، فتأتي أنت في القرن الرابع عشر وتنكر وتتنكر، وقبلك كلهم اعترفوا بوجوده وأعماله القبيحة الشنيعة فلعنة الله على الكاذب والمنكر والمفتري.
{ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } .
فمن الكاذب والمفتري، أنت أو صاحبك؟
وأما سيد أهل البيت فمعاذ الله أن يناله سوء سريرتك وسلاطة لسانك، ثم وكم من خطب علي تنكرها؟، وأي عدد من العبارات تنكر عليها، وها قد ذكرنا خطبة علي وتدعي موالاته من كتابك أنت، نعم أنت وقومك، فأنتم جعتموه، وأنتم علقتم عليه وحققتموه، وأنتم طبعتموه أنتم، ثم وأنتم قدمتموه إلى العالم بقولكم: ولأجل ذلك صار كتابه (أي الغارات) هذا، وسائر كتبه مرتعاً للشيعة، ومشرعاً لهم، فقلما تجد كتاباً معروفاً للشيعة يخلو من ذكره وروايته فالأولى أن نشير إلى جماعة ممن يروي عنه أو عن كتبه بلا واسطة أو معها" (مقدمة "الغارات" للثقفي ص ع).
ومعنى هذا أن هذا الكتاب من أهم مراجع الشيعة، ومنها سرقوا كثيراً، فبفضل الله ومنّه فقد أثبتنا مرغمين أنوف المنكرين بأن علياً بايع الصديق والفاروق، وأخلص لهما الوفاء، ويقر بذلك نفسه وهذا بعد وفاتهما، فماذا يقول المنصفون؟ ألا يقولون:
لعن الله الكاذب والمفتري.
عبد الله بن سبأ(5/117)
وأما إنكار عبد الله بن سبأ اليهودي فليس إلا إنكار للحقيقة الساطعة كالشمس الطالعة في منتصف نهارها، ولم يوجد في المتقدمين أحد من أنكر وجوده، وما أدري أيهم أكثر علماً وإلماماً بالحقائق؟ المتقدمون أو المتأخرون، الخائفين المذعورين من والد ولدهم، ومؤسس أوجدهم، فنحن ندعو القوم ونتحداهم أن يثبتوا واحداً من المتقدمين منهم، لا منّا، من ينكر وجوده، ويعده من الخيال والوهم فهؤلاء وكم هم؟ ومنهم صاحبنا الذي أعجبه أن يرد علينا فيا ليت استطاع الرد، ولكم اشتقت حينما سمعت بأن واحداً اجترأ على الرد حتى أراه وأعرفه بماذا ردّ عليّ؟ إن كان صادقاً فأعترف بخطأي، وأقر بقصوري وغلطتي، ولكم تمنيت أن شيئاً مما نقلت رد عليه بأن النقل من كتب القوم غير صحيح، أو المصدر غير موثوق، أو عبارة منسوبة غير صحيحة إلى من نسبت إليه، أو استنتجت فأخطأت الاستنتاج والاستدلال؟ وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل، وأين أنا وقد اعترف بإمكان صدوره علي بن أبي طالب المتهم بالعصمة كذباً وافتراء، وها هو يقول: لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست آمن أن أخطئ" ["الكافي في الأصول" نقلاً عن "أعيان الشيعة" ج1 ص136، إن كان احتمال الخطأ منافياً للخلافة والإمامة فإنه حاصل لأئمتكم أنتم، فباعترافهم هم أنفسهم، وفي أقدس كتاب عندكم، فما معنى إذاً؟].
فتمنيت هذا، ولكن ولله الحمد والمنة بأن كل هذه المهاترات، والسباب والشتائم والتعريضات، والتنابز بالألقاب، والكذبات المتكررة لم تجعلني إلا ثقة واعتماداً بأنه وفقني سبحانه وتعالى بالدفاع عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ورفاقه الكرام البررة، واكتشاف القوم ونواياهم وخباياهم بالواقع والحقيقة، ومن كتبهم أنفسهم، وما استطاعوا، ولن يستطيعوا أن يكذبوا شيئاً مما ذكرت اللهم إلا أن ينكروا كتبهم، ويكذبوا محدثيهم، وفقهائهم، وأئمتهم.(5/118)
والجدير بالذكر أننا لم نذكر عبد الله بن سبأ نجل اليهودي عند ما ذكرناه في كتابنا "الشيعة والسنة" نقلاً عن ابن حجر العسقلاني، ولا الذهبي، ولا ابن حبان، ولا ابن ماكولا، ولا البخاري، ولا، ولا، بل ذكرناه من الكشي إمامهم في الرجال، والنوبختي إمامهم في الفرق، ومؤرخ شيعي في الروضة الصفا: وكل من الكتب الثلاثة من كتبهم هم، ألفها كبارهم، ثم، من تحقيقهم أنفسهم حتى لا يتوهم بأنه أدرج فيها من المحقق والمعلق، ثم وكيف يحق له أن يقول مسفهاً العقلاء، ومبلداً العلماء العارفين: ولكن من هو ابن سبأ هذا؟ ومن أي جاءته هذه القدرة العجيبة؟ التي جعلتنا نشاهده مرة في مصر ومرة في العراق. مرة في البصرة ومرة في الكوفة وهو حاضر في كل وقعة، مطلع على كل حادثة، ومن أين جاءته هذه الاستطاعة التي مكنته من أن يفعل ما يشاء متى شاء، ولماذا أهمل ذكره المؤرخون الأولون، ولماذا لم يتشك منه الخليفة عثمان الذي تشكى من أبي ذر وعمار وعبد الرحمن. وفعل بهم ما فعل وهم أصحاب رسول الله والمقدرون بين المسلمين، فلماذا لم يفعل بهذا اليهودي الطارئ ما فعل بهم بل ولماذا لم يذكره في أحاديثه وشكاياته؟
إن هذا اليهودي ابن السوداء العربي السبئي الذي جمع المتناقضات، والذي لا وجود له إلا في مخيلة من أراد الاعتذار عن عثمان بن عفان لهو شيء عجيب والأعجب منه الإصرار على وجوده الخارجي مع قيام الأدلة على تكذيبه" ["كتاب الشيعة والسنة في الميزان" ص31، 32 ط بيروت].
فمن تسأل يا من لا يسفه إلا رأيه ولا يحجر إلا عقله؟ ممن تسأل، منا أو من كشيك ونوبختيك؟(5/119)
فيا لضياع الحق خذلانه وظهور الباطل ونصرته والغضب له! ويا للكذب والإصرار به والخداع والتمادي به! أيضن الظانون بأنهم يستطيعون بمثل هذه الكلمات النابية الرنانة أن يرعبوا الآخرين ويبهروا الكاشفين أسرارهم، المظهرين فضائحهم وقبائحهم، ثم أعد النظرة إلى كلماته كم التمادي في الباطل والإصرار في الكذب؟ فيا لمهزلة العقل! والتطاول في التزييف والتضليل، ليقرأ المخدوع والجاهل أو غير العارف بأصل القصة والقضية فينخدع، كم هؤلاء مساكين، مهتمين بأشياء لا أصل لها ولا جذر ولا بذر ولكن من للقوم أن ينجيهم من بطش الحق وقبضة العارفين؟
ثم ويقول في محل آخر:
ونحن الشيعة غربلنا التاريخ في قضية ابن سبأ فعرفنا أن هذه الشخصية من خلق الرابع الهجري" [ملخ ما قاله ص83، 84].
فنحن نقول: وكيف غربت التاريخ؟ مقلباً الحقائق، ومغمضاً عينيك التي قلما ترى الحقيقة والصدق، مغلفاً قلبك وخاتماً عليه.
وإن لم تكن هكذا ما تلفظت بهذا القول، وما كتبت هذه الكتابة وأنت تعرف أنك لا تجد أحداً ينصرك في هذا من قومك وقبيلتك قبل القرن الرابع عشر من الهجرة، نعم! وإلا فأتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
وأنت لم تقلد في هذا القول إلا رجالاً مثلك، لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، وهذا مع دعواك في مبحث التحريف "أما غيرنا وهنا الليلة فلم يقل بعدم التحريف إلا تقليداً لمن جمع القرآن، وهذا التقليد هو الذي يسمى بالتقليد الأعمى، والذي نرفضه في الأصول والفروع، والذي ذمه الله سبحانه وتعالى حينما ذم اليهود والنصارى باتباعهم الرهبان والأحبار، وأخذهم بأقوالهم من غير تمحيص. فعبر عنهم الله بالعبادة والتعبد. وهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم أحلوا لهم حلالاً، وحرموا عليهم حراماً، فأخذوا بما أمروهم من دون مجوز شرعي بل تقليداً فعبدوهم وهم لا يشعرون" [ص49، 50].(5/120)
فانظر التناقض والتعارض والتخالف، وهذا كله من لوازم الكذاب الأفاك المفتري، تنكر شيئاً ثم تأتيه؟
عار عليك إذا فعلت عظيم
تنكر على السنة بأنهم قالوا بعدم التحريف في كتاب الله تقليداً لمن جمع القرآن أي الصديق والفاروق وذي النورين، وتقلد أنت سيد حيدر، ومحمد جوار مغنية، والوردي، والشيبي، وطه حسين أو بعض المستشرقين، وكلهم أولاد هذا القرن، ولم يستندوا إلى دليل وبرهان في إنكاره، ولو استندوا ما اضطررت إلى أن تقول: إن هذه الشخصية من خلق القرن الرابع الهجري: لأن كلمة القرن الرابع نفسها تكذبك وتسفه رأيك، وتبله قولك، ولو فكرت قليلاً لما أطلقتها لأن المصدر الذي نقلنا منه حكايات ونشاطات عبد الله بن سبأ نجل اليهود هو المصدر الموثوق المعتمد الشيعي المشهور، قد ألف وأوجد في الوجود قبله بقرن أي القرن الثالث من الهجرة، ألا وهو كتاب "فرق الشيعة" للنوبختي لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي المكتوب تحته بخط أسود مثل سواد قلوب الجاحدين المنكرين المكابرين – من علماء القرن الثالث للهجرة -.
وما أدري كيف استطاع الأستاذ أسد حيدر وقد أراد في إنكار شخصية عبد الله بن سبأ أن يستند إلى دليل غير الكلام الفارغ والأقول اللاطائلة، المبنية على الوهم والخيال مثل تفوه الوردي والشيبي ومغنية طه حسين وغيرهم، فقال: قلما يصدر كتاب يتناول البحث عن تاريخ الإسلام [بل تاريخ الشيعة بتعبير صحيح] إلا وعبد الله بن سبأ يحتل مكاناً في البحث [وهذا هو الذي يقلق مضاجعهم، ويجعلهم إلى إنكار وجوده] ويشغل صحائف الكتب – إلى أن قال – لقد حان الوقت لأن نلتفت إلى الوراء فنكشف حقيقة نشأة هذه الأسطورة – فلم لم يكشف أحد من القدامى يا أستاذ! أو تركوك أنت وأهل عصرك تتعب ويتعبون؟ ونقف على عوامل تلك الأباطيل التي طالما ظلت أيد سوداء ممتدة فوقها في سكون وصمت ["الإمام الصادق والمذاهب الأربعة" ج6 ص456 ط بيروت].(5/121)
فلنحن ننظر كيف يكشف، وبماذا يكشف؟ ولكنه يريد أن يمهد المسألة أكثر مما مهد فيقول:
يخطئ من يقول: بأن بحث قضية ابن سبأ من الأمور التي لا مندوحة في بحثها الآن وإثارتها في هذا العصر، فالزمن قد تغير، وهذه من دفائن الماضي، وليس من الصحيح نبش تلك الدفائن ونشر صحائف مطوية، أكل الدهر عليها وشرب.
وإننا نقول: إن هذه القضية ليست كما يتوهمه المتوهمون بأنها من الصحائف المطوية، والآثار المنسية، بل هي في كل وقت غضة جديدة لا تغيرها الأيام مهما طال زمانها، فهي تنشر في كل وقت وتجعل من الأسس التي يستند إليها أكثر كتاب عصرنا الحاضر كوسيلة للطعن على الشيعة ["الإمام الصادق والمذاهب الأربعة" ص457].
نعم! إن هذه القضية ليست كما يتوهم المتوهمون بأنها من الصحائف مطوية، بل هي غضة جديدة في كل وقت من الأوقات عند ما يبحث تاريخ الشيعة، وجذور معتقداتهم، والأسس التي قام عليها مذهبهم، لأنها حقيقة ثابتة لا تغيرها الأيام مهما كثرت الأكاذيب، وعلت أصوات الإنكار الغير المستندة إلى دليل، ومهما طال الزمن، لأنها وسيلة لاكتشاف أصل الشيعة وأصولها، ومؤسسيها، وبناتها، والذين نسجوا حبائلها وحبائكها لاصطياد الأمة الإسلامية المجيدة، نعم! إنها هي كما قال، ثم ماذا؟
ثم بعد تسويد صفحات ستة يقول:
إن قضية ابن سبأ قد لاقت هوى في قلوب كثير من الكتّاب المستشرقين وغيرهم فأحاطوها بعناية خاصة، ومنحوها مزيداً من البيان فأسبغوا عليها ألفاظاً براقة خلابة دبجتها أقلامهم وصاروا يكررونها ويرددونها ترديد المؤمن بصحتها، الواثق بوقوعها، وكأنها من الحقائق التي لا تقبل التشكيك" ["الإمام الصادق والمذاهب الأربعة" ص463].(5/122)
نعم إنها من الحقائق التي لا تقبل التشكيك، ولكنه يريد أن يبني عمارته على الرمال ومثلها لا تقوم، وبعد الكلام الطويل يقول: ربما يظن أن لهذه القضية مصدراً موثوقاً به نظراً لشهرتها وانتشارها، في عدة كتب من كتب التاريخ والأدب، ولكن كل ذلك لم يكن، وليس لها أي مصدر يمكن الركون إليه كما سنبينه إن شاء الله" ["الإمام الصادق والمذاهب الأربعة" ص464].
ونحن لا نملك إلا أن نمشي معه قائلاً: يا أستاذ! اترك كل هذا وبيّن؟
ولكنه لا يريد أن يترك، ثم يمشي في الهواء ويطير في القضاء إلى أن يضيع صفحات أربعة أخرى حتى يعنون بعنوان "المصدر" فيكتب: "نرى أنفسنا ملزمين بأن نستعرض مصدر هذه القصة، ونقف على المنبع الذي استقى منه الكتّاب معلوماتهم عنها، لأنا قد وجدنا بعض الكتّاب ممن يميل إلى التشكيك في صحتها، ولكنهم لا يستطيعون أن يقولوا ذلك بصراحة لأنهم يظنون أنها متعددة الروايات متواترة عن الثقات، من المؤرخين، الأمر الذي يعو إلى عدم طرحها ولكنه ينفي المبالغات التي فيها" ["الإمام الصادق والمذاهب الأربعة" ص468].
ثم وبعد تمهيد آخر أخذ فيه صفحة كاملة [قصداً ذكرنا هذه الصفحات وهذه الأرقام حتى يعرف نفسية القائل، فعلماء النفس يقولون: إن الضعيف والكاذب لا يستطيع أن يأتي رأساً إلى المقصود لأنه يعرف الضعف والكذب الذي يحاول أن يكتمه، ففي كتمانه يلف يميناً ويساراً حتى يطمّن نفسه أولاً بأنه استطاع إبعاد الضعف بهذا اللف والدوران، وأما الصادق والقوي فلا يحتاج إلى ذلك، بل يباشر المقصود بلا تردد والتفاتة يميناً ويساراً] يقول:(5/123)
نعم! المصدر الأول لهذه القضية ولم يسبقه أحد [ينبغي الانتباه والمراعاة لهذه الكلمة لأنها مقصودة، وهي أساس البناء، ولينظر بأنه كيف تحكم بالقول وتجبر] إلى ذكرها هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 صاحب التفسير الكبير، ومؤلف تاريخ الأمم والملوك المعروف بتاريخ الطبري. وهو المصدر الوحيد لهذه القصة وجميع ما يتعلق بأخبار عبد الله بن سبأ.
وأخذ عن ابن جرير كل من ابن الأثير المتوفى سنة 630 وابن كثير المتوفى سنة 774 وابن خلدون المتوفى سنة 808 وغيرهم [ص469].
وبعد هذا أراد الأستاذ أسد أن يحمل مشقة البحث والنقد في ثقاهة الطبري ومن نقل عنهم الشهادة في كتابه في 24 صفحة تقريباً بعد ما ضيع في التمهيد 14 صفحة.
فنحن نقول له: يا من نهجت منهج الاستقامة والإنصاف والتدبر في النقد والاتزان" [انظر صفحة 492 من هذا الكتاب حيث يختم البحث].(5/124)
لا نكلفك كل هذا العناء، ولا نحملك كل هذا الثقل، ونغنيك عن المشقة والتعب من النظر في كتب الرجال والإسناد [وإن أنصف الأستاذ وأمعن نظره في كتب الرجال مذهب ثلاثة أرباع مذهبه على أدراج الرياح لأنه ما قام إلا على الأساطير والقصص والأوهام والأفكار المستوردة، ولم ينقله إلا الكذابون الأفاكون الذين اشتكى عنهم أئمتهم وصلحاء أهل البيت وسادتهم، وإليك رواية واحدة منهم، ينقل الكشي عن أبي الحسن الرضا – الإمام –"كان بنان يكذب على علي بن الحسين (ع) فأذاقه الله حر الحديد، وكان مغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر (ع) فأذاقه الله حر الحديد، وكان محمد بن بشير يكذب على أبي الحسن موسى (ع) فأذاقه الله حر الحديد، والذي يكذب على محمد بن فرات، قال أبو يحيى: وكان محمد بن فرات من الكتاب فقتله إبراهيم بن شكلة" (رجال الكشي ص256 ط كربلاء)]، ونختصر عليك الطريق ومن سبقك في هذا القول وتبعك، فنقول له ما قلناه سابقاً للسيد صاحب نقاب س-خ ومن معه: بأننا نحن حينما ننقل لا ننقل من الطبري، وغير الطبري، ابن الأثير وابن الكثير بل ننقل عن النوبختي، وإن النوبختي قطعاً لا ينقل عن الطبري، ولا أحد من الشيعة اتهمه بذلك، وهو وإن لم يتقدم عنه فليس بمتأخر عنه وهو معاصر لثابت بن قرة المتوفى سنة 288ه [مقدمة "فرق الشيعة" للنوبختي ص14 ط نجف] وهو المدار والمحور لجميع من كتب من الشيعة في الفرق، وثم ننقل أيضاً عن الرجالي الشيعي المتعصب السباب اللعان على المخالفين، المشهور بالكشي المعاصر لابن فولديه المتوفى 369، وكتابه أهم الكتب وأولها في الرجال "ومن الأصول الأربعة التي عليها المعول في هذا الباب" [مقدمة رجال الكشي ص4].(5/125)
ولقد تبعهما في ذكر عبد الله بن سبأ بدون إنكار ولا ترديد كل من الطوسي الملقب بشيخ الطائفة في رجاله، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، والحلي في خلاصته، والقمي في تحفة الأحباب، والخوانساري في روضات الجنات، والمامقاني في تنقيح المقال، والمرزه في ناسخ التواريخ، والتستري في قاموس الرجال، والعباسي القمي في الكنى والألقاب، وغيرهم الكثيرون الكثيرون وكلهم أخذوا من غير الطبري، فلم يكلف الأستاذ نفسه؟ ولم يتكلف بأن يبحث في الطبري وعقيدته، وسنده؟
ولنسهل على الأستاذ ومن والاه في هذا الزمان، الزمان الذي أخبر عنه المرتضى علي بن أبي طالب رضي الله عنه "سيأتي عليكم بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل" ["نهج البلاغة" ص82 ط دار الكتاب بيروت].
نعم! نسهل عليهم وعلى غيرهم أن عبد الله بن سبأ ذكر وقبل أن يذكره الطبري في تاريخه.
فها هو الثقفي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي الشيعي المتعصب الذي صنف أكثر من خمسين كتاباً لرواج مذهبه وترويج مسلكه يذكر في كتابه "الغارات" الذي يعدّ من أهم مراجع القوم، وقد أكثر الرواية منه ابن أبي الحديد، والحلي، والمجلسي، والحر العاملي، والنوري، والقمي، والشيرازي، والخوئي، والمرزه محمد تقي المامقاني وغيرهم [انظر مقدمة "الغارات" ص خط].(5/126)
يذكر في كتابه هذا "عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب قال: دخل عمرو بن الحمد وحجر بن عدي وحبة العوفي والحارث الأعور وعبد الله بن سبأ [كلهم قتلة الإمام المظلوم عثمان بن عفان رضي الله عنه] على أمير المؤمنين عليه السلام بعد ما افتتحت مصر وهو مغموم فقالوا له: بيّن ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال علي عليه السلام: وهل فرغتم لهذا، وهذه مصر قد افتتحت، وشيعتي بها قد قتلت؟ أنا مخرج إليكم كتاباً أخبركم فيه عما سألتم وأسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيعتم، فاقرؤوه على شيعتي، وكونوا على الحق أعواناً" ["الغارات" للثقفي ص302، 303 ج1 ط انجمن آثار ملى إيران].
والمعروف أن الطبري ألف تاريخه وجمعه بعد الثلاثمائة من الهجرة، وأما الثقفي فقد ألف كتابه هذا قريباً من الخمسينات بعد المأتين من الهجرة وكانت وفاته سنة 283ه تقريباً، وهو شيعي متعصب مشهور، روى القوم عن تشيعه وتصلبه روايات وحكايات عديدة [من أاراد الاطلاع عليها فلينظر إلى ترجمته في كتاب رجال القوم، أو مقدمة الكتاب].
فالكتاب كتابكم والمحقق هو المحدث الشيعي المعاصر المشهور، والطابع مطبعة شيعية، ونشرته لجنة شيعية المكونة لنشر كتب القوم.
فهل بعد هذا يحتاج ذاك إلى الرد بأن المصدر الأول لهذه القضية ولم يسبقه أحد إلى ذكرها هو أبو جعفر الطبر وهو المصدر الوحيد لهذه القصة، وههنا أحب أن أتمثل بعجز الشعر الفارسي، وأثبته أصلاً.
اين كناهيست كه در شهر شما نيز كنند
إن كانت هذه جريمة فمرتكبوها من بلدتكم أنتم، ولنعم ما قيل.(5/127)
وأخيراً نقول للأساتذة أصحاب الغيرة والنخوة من الشيعة الذين يرون أن هذا العار قد لحقهم، وهذه الوقاحة والشتيمة لزمتهم فكلما يذكر مذهبهم يذكر بأن مؤسسها عبد الله بن سبأ نقول لهم: ننشدكم بالله ألا تنكرون وجوده وشخصيته تقية [ومن أراد الاستزادة في ذلك فليراجع كتابنا "الشيعة والسنة" فإن فيه ما يكفي للباحث ويروي الغليل، ويشفي العليل، ولا جواب عليه بفضل الله ومنه وكرمه] خوفاً من الفضيحة وكشف الحقيقة؟ لأنكم "على دين من كتمه أعزه الله، ومن اذاعه أذله الله" ["الكافي في الأصول" باب التقية ج2 ص222 ط إيران].
ونسبتم إلى محمد الباقر – الإمام الخامس المعصوم لديكم – أنه قال: التقية في كل ضرورة [ثم وكيف يجترئ من جعل نفسه محاكماً في كتابه "كتاب الشيعة والسنة في الميزان" بقوله: والتقية التي دل عليها العقل والنقل، هي من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى الشرح والتوضيح. وأي عقل يقول لإنسان يواجه ذئباً كاسراً ثم يقول له: تقدم لهذا الذئب الكاسر واعرض نفسك أمامه وأنت أعزل لا سلاح لديك، أترى أن مثل هذا لو فعل مثل هذه الفعلة، أتراهم لا يقولون إنه انتحر وأهلك نفسه من دون غاية شريفة يقره عليها العقل ويرتضيها الشرع والعرف" (ص43).(5/128)
وأيضاً "إن هذا الباكستاني وأمثاله ممن شتموا الشيعة لقولهم بالتقية، لو أنصفوا لنزلوا باللائمة على من ألجأهم إلى التقية، وعلى تلك المظالم التي أيدوها في كثير من العصور الإسلامية. إنهم لو فعلوا ذلك لكانوا بفعلهم أقرب إلى شريعة الإسلام المليئة بالعطف والإحسان والرحمة. ولكن كيف يفعلون ذلك ويلومونهم على ظلمهم وهم ما زالوا يرقصون على نغمهم، وينتشون من بقايا أسلافهم، ويتمرغون أمام رغباتهم، بالرغم من ذهابهم وذهاب مظالمهم. ولم يأسف هذا الباكستاني وأمثال إلا بكونه لم يشترك في تلك المظالم التي سبح بها خلفاؤه الجلادون وغاصوا بها إلى الآذان وهم في كل ذلك يعيشون في القرن العشرين، قرن الحريات والمساواة ولكن أرواحهم ما زالت منغمسة في قرن الجهالات والضلالات (ومن أحب عمل قوم حشر معهم). رحم الله صديقنا المرحوم العلامة الشيخ محمد رضا المظفر حيث قال في كتابه القيم (عقائد الإمامية) الذي رجونا أن يقرأه المسلمون في أقطار الأرض ويعرفوا الشيعة وعقائدهم ومبانيهم وإخلاصهم الديني وحبهم للإسلام والمسلمين.
يقول رحمه الله: إن عقيدتنا في التقية قد استغلها من أراد التشنيع على الإمامية فجعلوها من جملة المطاعن فيهم، وكأنهم كان لا يشفي غليلهم إلا أ تقدم رقابهم إلى السيوف لاستئصالها عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت من الأمويين والعباسيين بله العثمانيين" (ص45، 46).
فيا ليت كيف يعرف من الصادق منهما؟ التابع أو المتبوع، الإمام المعصوم أم المؤتم الأثيم؟] وصاحبها أعلم بها حين تنزل به" ["الكافي في الأصول" باب القية ج2].(5/129)
وإلا هل هنالك شك لشاك وريب لمرتاب أنه كان، وعقائده لا زالت كائنة موجودة عند القوم يحفظونها ويتشبثون بها ويعتقدونها ويعملون بها، فالله الهادي إلى سواء السبيل، ولقد أردنا أن نفرد لعبد الله بن سبأ مختصراً إن شاء الله ويسّر، فبيده التوفيق] - ثم يمدحه حسب عادته أنه لا يذكره إلا ويبالغ في مدحه – وتولى عمر الأمر، وكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة ["الغارات" للثقفي ج1 ص307، والنقيبة هي النفس، وقيل: الطبيعة "رجل ميمون النقيبة مبارك النفس، مظفر بما يحاول" كما قال ابن منظور الأفريقي، وقال ابن السكيت: إذا كان ميمون الأمر ينجح فيما حاول ويظفر، وقال ثعلب: إذا كان ميمون المشورة، وفي حديث مجدي بن عمرو: إنه ميمون النقيبة أي متنجح الفعال، مظفر المطالب" (لسان العرب لابن منظور الأفريقي ج1 ص768)].
أي لم نتأخر في بيعته، ولم نبخل بالسمع والطاعة والمناصحة، لأن سيرته كانت طيبة، ونفسه كان ميموناً مباركاً، ناجحاً في أفعاله، مظفراً في مطالبه.
ولقد أثبت هذا الطوسي شيخ الطائفة لدى القوم في أماليه حيث يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : فبايعت عمر كما بايعتموه، فوفيت له بيعته حتى لما قتل جعلني سادس ستة، ودخلت حيث أدخلني" ["الأمالي" للطوسي ج2 ص121 ط نجف].
فبايعه علي بن أبي طالب، وسمعه، وأطاعه، وناصحه، ورضي بما أمر به، ودخل اللجنة التي جعلها لانتخاب الخليفة منها، وكان وزيره ومشيره وقاضيه، ولقد ذكرنا مواقع عديدة استشار فيها الفاروق من مستشاريه، وكان من بينهم عل بن أبي طالب رضي الله عنه، وعمل بمشورة فيها دون غيره كما ذكر اليعقوبي المؤرخ الشيعي :
"إن عمر شاور أصحاب رسول الله في سواد الكوفة، فقال له بعضهم : تقسمها بيننا، فشاور علياً، فقال : إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا شيء! ولكن تقرها في أيديهم يعملونها، فتكون لنا ولمن بعدنا. فقال : وفقك الله! هذا الرأي" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص151، 152].(5/130)
وكذلك وردت الروايات الكثيرة في المسائل القضائية أن علياً كان في طرف والباقين في جانب آخر فرجح الفاروق قضاء عليّ ورأيه، ولقد بوب المفيد الملقب بالشيخ باباً مستقلاً بعنوان "ذكر ما جاء من قضاياه في إمرة عمر بن الخطاب" وأورد تحته قضايا مختلفة كثيرة حكم فيها عمر بقضاء علي رضي الله عنهما، ومنها :
"إن عمر أتى بحامل قد زنت فأمر برجمها فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : هب أن لك سبيلاً عليها أي سبيل لك على ما في بطنها والله تعالى يقول: { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فقال عمر : لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن ثم قال : فما أصنع بها؟ قال : احتط عليها حتى تلد، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم عليها الحد، فسرى بذلك عن عمر وعول الحكم به على أمير المؤمنين عليه السلام" ["الإرشاد" ص109].
وأيضا ذكر المفيد :
إنه استدعى امرأة كانت تتحدث عندها الرجال، فلما جاءها رسله فزعت وارتاعت وخرجت معهم فأملصت ووقع إلى الأرض ولدها يستهل ثم مات فبلغ عمر ذلك فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الحكم في ذلك فقالوا بأجمعهم : نراك مؤدباً، ولم ترد إلا خيراً، ولا شيء عليك في ذلك وأمير المؤمنين عليه السلام جالس لا يتكلم في ذلك، فقال له عمر : ما عندك في هذا يا أبا الحسن؟ فقال : قد سمعت ما قالوا : قال : فما عندك؟ قال : قد قال القوم ما سمعت، قال : أقسمت عليك لتقولن ما عندك، قال : إن كان القوم قاربوك فقد غشوك وإن كانوا ارتاؤا فقد قصروا الدية على عاقلتك لأن قتل الصبى خطأ تعلق بك فقال : أنت والله نصحتني من بينهم والله لا تبرح حتى تجري الدية على بني عدي ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ["الإرشاد" ص110].(5/131)
وأيضاً "عن يونس عن الحسن أن عمر أتى بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهم برجمها، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك إن الله تعالى يقول: { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } ويقول جل قائلاً: { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } فإذا تمت المرأة، الرضاعة سنتين، وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً، كان الحمل منها ستة أشهر، فخلى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم بذلك فعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنه إلى يومنا هذا" ["الإرشاد" ص110].
وأيضاً "إن امرأة شهد عليها الشهود أنهم وجدوها في بعض مياه العرب مع رجل يطأها ليس ببعل لها، فأمر عمر برجمها وكانت ذات بعل، فقالت : اللهم إنك تعلم أني بريئة، فغضب عمر وقال : وتجرح الشهود أيضاً، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ردوها واسألوها فلعل لها عذراً، فردت وسئلت عن حالها فقالت : كان لأهلي إبل فخرجت في إبل أهلي وحملت معي ماء ولم يكن في إبل أهلي لبن وخرج خليطنا وكان في إبله لبن، فنفذ مائي فاستسقيته فأبى أن يسقيني حتى أمكنه من نفسي فأبيت، فلما كادت نفسي تخرج أمكنته من نفسي كرها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الله أكبر { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } فلما سمع ذلك عمر خلى سبيلها.
وعمل الفاروق في جميع هذه القضايا بقضاء عليّ، ونفّذ ما قاله لأنه كان يقول حسب رواية شيعية : علي أقضانا" ["الأمالي" للطوسي ج1 ص256 ط نجف].
فهذه قضاءاته، وتلك مشوراته، أفبعد هذا يمكن القول بأن علياً كان يخالف عمر رضى الله عنهما، أو كان بينهما شيء؟، حتى ويقال إنه لم يبايعه هو وذووه.
فهل يتصور أن شخصاً لا يعترف ولا يقرّ بولاية أحد وخلافته ثم يشترك في الشورى في المسائل المهمة والنوائب الملمة، ويبدي رأيه الصائب، ويؤخذ بقوله ويقضى بين الناس، وينفذ قضاؤه؟.(5/132)
وأكثر من ذلك وأصرح ما ورد أنه لم يكن قاضياً ومشيراً ووزيراً لصهره ونائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمير المؤمنين وخليفة المسلمين عمر بن الخطاب فحسب، بل كان نائباً له في الحكم والحكومة فأنابه عمر سنة 15 من الهجرة لما استمد أهل الشام عمر على أهل فلسطين وشاور أصحابه فمنعه علي، وقال له : لا تخرج بنفسك، إنك تريد عدواً كلباً، فقال عمر : إنص أبادر بجهاز العدو موت العباس ابن عبد المطلب إنكم لو فقدتم العباس لينقض بكم الشر – فانظر حب الفاروق لأهل بيت النبي وخاصة لعمه – كما ينتقض الحبل" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج2 جزء 8 ص370].
فشخص عمر إلى الشام.
"وإن علياً عليه السلام هو كان المستخلف على المدينة" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج2 جزء 8 ص370].
هذا ولقد ذكر المؤرخون أن الفاروق رضي الله عنه أناب المرتضى رضي الله عنه ثلاث مرات في الحكم وعلى عاصمة المؤمنين سنة 14 من الهجرة عندما أراد غزو العراق بنفسه. وسنة 15 عند شخوصه لقتال الروم" [البداية والنهاية لابن كثي ج7 ص35 وص55 ط بيروت، أيضاً "الطبري" ج4 ص83، وص159 ط بيروت].
وعند خروجه إلى أيلة سنة 17 من الهجرة" [الطبري].
ولأجل ذلك قال علي رضي الله عنه لما عزموا على بيعته: أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" [نهج البلاغة ص136 تحقيق صبحي].
يشير بذلك إلى وزارته أيام الصديق وخاصة عصر الفاروق رضي الله عنهم.(5/133)
ولأجل ذلك كان يقاتل هو وبنوه وأهله وذووه تحت رايته، ويقبلون منه الغنائم والهدايا والجواري والسبايا، ولو لم يكن خلافته حقاً لما كان القتال تحت رايته جهاداً، ولم يكن الجواري والإماء جوارياً وإماءً، ولم يجز قبولها والتمتع بها، وقد ثبت هذا كله كما ذكرناه سابقاً، وكما روى الشيعة أن حسن بن علي سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام قاتل تحت لواء الفاروق، وجاهد أيام خلافته وتحت توجيهاته وإرشاداته في الجيش الذي أرسل إلى غزو إيران ويقولون : إن في أصفهان مسجداً يعرف بلسان الأرض! ولقد سمي بهذا الاسم لأن حضرة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لما جاء إلى أصفهان أيام خلافة عمر بن الخطاب مجاهداً في سبيل الله غازياً وفاتحاً لهذه البلاد مع عساكر الإسلام نزل في موضع هذا المسجد فكلمت معه الأرض فسميت هذه البقعة لسان الأرض لتكملها معه" ["تتمة المنتهى" للعباس القمي ص390 ط إيران].
وهذا وذلك دليل صدق على ما قلناه.
وأخيراً نريد أن نختم هذا البحث على مظهر يدل دلالة واضحة على حب أهل البيت الفاروق الأعظم رضوان الله عليهم أجمعين، وذلك المظهر هو تسمية أهل البيت أبنائهم باسم الفاروق عمر، حباً وإعجاباً بشخصيته، وتقديراً لما أتى به من الأفعال الطيبة والمكارم العظيمة، ولما قدم إلى الإسلام من الخدمات الجليلة، وإقراراً بالصلات الودية الوطيدة والتي تربطه بأهل بيت النبوة، والرحم، والصهر القائم بينه وبينهم.(5/134)
فأول من سمى ابنه باسمه الإمام الأول المعصوم الذي لا يخطئ حسب معتقد القوم، ولقد سمى ابنه من أم حبيب بنت ربيعة البكرية التي منحها الصديق أبو بكر رضي الله عنه، عمر كما ذكر المفيد واليعقوبي والمجلسي والأصفهاني وصاحب الفصول، فيقول المفيد في باب "ذكر أولاد أمير المؤمنين وعددهم وأسماءهم": فأولاد أمير المؤمنين سبعة وعشرون ولداً ذكراً وأنثى (1) الحسن (2) الحسين …….(6) عمر (7) رقية كانا توأمين أمهما أم حبيب بنت ربيعة" ["الإرشاد" للمفيد ص176].
ويقول اليعقوبي : وكان له من الولد الذكور أربعة عشر ذكراً الحسن والحسين ومحسن مات صغيراً، أمهم فاطمة بنت رسول الله ….. وعمر، أمه أم حبيب بنت ربيعة البكرية" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص213، كذلك "مقاتل الطالبين" ص84 ط بيروت].
وأما المجلسي فيذكر "عمر بن علي من الذين قتلوا مع الحسين في كربلاء، وأمه أم البنين بنت الحزام الكلابية" ["جلاء العيون" فارسي، ذكر من قتل مع الحسين بكربلاء ص570].
وصاحب الفصول يقول تحت ذكر أولاد علي بن أبي طالب : وعمر من التغلبية، وهى الصهباء بنت ربيعة من السبي الذي أغار عليه خالد بن الوليد بعين التمر، وعمّر عمر هذا حتى بلغ خمسة وثمانين سنة فحاز نصف ميراث علي عليه السلام، وذلك أن جميع إخوته وأشقائه وهم عبد الله وجعفر وعثمان قتلوا جميعهم قبله مع الحسين (ع) - يعني أنه لم يقتل معهم - بالطف فورثهم" ["الفصول المهمة" منشورات الأعلمي طهران ص143، "عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب" ص361 ط نجف، "تحفة الإهاب" ص251، 252، "كشف الغمة" ج1 ص575].
هذا وتبعه الحسن في ذلك الحب لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فسمى أحد أبنائه عمر أيضاً.
يكتب المفيد في باب "ذكر ولد الحسن بن علي عليهما السلام وعددهم وأسماؤهم".(5/135)
"أولاد الحسن بن علي (ع) خمسة عشر ولداً ذكراً وأنثى (1) زيد …. (5) عمر (6) قاسم (7) عبد الله أمهم أم ولد" ["الإرشاد" ص194، "تاريخ اليعقوبي" ج2 ص228، "عمدة الطالب" ص81، "منتهى الآمال" ج1 ص240 "الفصول المهمة" ص166].
ويقول المجلسي :
كان عمر بن الحسن ممن استشهد مع الحسين بكربلاء" ["جلاء العيون" ص582].
ولكن الأصفهاني يرى أنه لم يقتل، بل كان ممن أسر فيقول :
وحمل أهله (الحسين بعد قتله) أسرى وفيهم عمر، وزيد، والحسن بنو الحسن بن علي بن أبي طالب" ["مقاتل الطالبين" ص119].
وابنه الثاني من فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسين رضي الله عنه أيضاً سمى أحد أبنائه باسم عمر، كما ذكر المجلسي تحت ذكر من قتل من البيت مع الحسين بكربلاء "قتل من أبنائه الحسين كما هو المشهور على الأكبر، وعبد الله الذي استشهد في حجره، وبعضهم قالوا : أيضاً قتل من أبنائه هو عمر وزيد" ["جلاء العيون" للمجلسي ص582].
هذا ومن بعد الحسين ابنه علي الملقب بزين العابدين سمى أحد أبنائه أيضاً باسم عمه وزوجة عمته وصديق جده، عمر، كما ذكر المفيد في باب "ذكر ولد علي عليه السلام" قال : ولد علي بن الحسين عليهما السلام خمسة عشر ولداً (1) محمد المكنى بأبي جعفر الباقر (ع) أمه أم عبد الله بنت الحسن … (6) عمر لام ولد" ["الإرشاد" ص261، "كشف الغمة" ج2 ص105، "عمدة الطالب" ص194، "منتهى الآمال" ج2 ص43، "الفصول المهمة" ص209].(5/136)
وأما الأصفهاني فيذكر أن عمر هذا كان من أشقاء زيد بن على من أمه وأبيه كما يقول تحت ترجمة زيد بن على : وزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب …. وأمه أم ولد أهداها المختار بن أبي عبيدة لعلي بن الحسين فولدت له زيداً وعمر وعلياً وخديجة ……. اشترى المختار جارية بثلاثين ألفاً، فقال لها : أدبري فأدبرت، ثم قال لها : أقبلي فأقبلت، ثم قال : ما أدري أحداً أحق بها من علي بن الحسين فبعث بها إليه وهى أم زيد بن على" ["مقاتل الطالبين" ص127].
والجدير بالذكر أن كثيراً من أولاد عمر هذا خرجوا على العباسيين مع من خرج من أبناء عمومتهم ["وتفاصيلهم موجودة في "المقاتل" وغيره من كتب هذا النوع].
وكذلك موسى بن جعفر الملقب بالكاظم - الإمام السابع لدى القوم - سمى أحد أبنائه باسم عمر كما ذكر الأربلي تحت عنوان أولاده ["كشف الغمة" ص216].
فهؤلاء الأئمة الخمسة المعصومون لدى القوم يظهرون لعمر الفاروق ما يكنونه في صدورهم من حبهم وولائهم له وبعد وفاته بمدة.
أوَ هناك مظهر أكبر من هذا المظهر على ودهم وإخلاصهم لشخصية إسلامية فذة، وعبقري لم يفر أحد فريه، عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وبعد هؤلاء الوجوه جرى هذا الاسم في أولادهم كما ورد ذكر أولئك في كتب الأنساب والتاريخ والسير، وأورد بعضاً منها الأصفهاني في "المقاتل" والأربلي في "كشف الغمة" يقول الأصفهاني:
فمن الذين خرجوا طلباً للحكم والحكومة من الطالبيين مثل يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي خرج أيام المستعين.
وعمر بن إسحاق بن الحسن بن علي بن الحسين "الذي خرج مع الحسين المعروف بصاحب فخ أيام موسى الهادي" ["مقاتل الطالبين" للأصفهاني ص456 ط بيروت].
و"عمر بن الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين بن الحسن" ["مقاتل الطالبين" أيضاً ص446].
إلى يومنا هذا غير هذا الشيعة منهم.(5/137)
ولكننا اكتفينا بالخمسة الأول لما لهم حجة على القوم لقولهم بعصمتهم وإمامتهم، فهذا هو موقف أهل البيت من صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عمر الفاروق الأعظم، رضي الله عنهم أجمعين، مثل الصديق رضي الله عنه كانوا يجلونه، ويوقرونه، ويعظمونه، ويتولونه، ويخلصون له الوفاء والطاعة، ويحيون اسمه بعده بتسمية أبنائهم باسمه، ويصاهرونه، ويتقربون إليه.
موقف أهل البيت من ذي النورين
وأما ذو النورين ثالث الخلفاء الراشدين، وصاحب الجود والحياء، حب رسول الله وزوج ابنتيه رقية وأم كلثوم، وعديم النظير في هذا الشرف الذي لم ينله الأولون ولا الآخرون في أمة من الأمم، وعديل علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، وأول مهاجر بعد خليل الله عليه السلام، الذي حمل راية الإسلام وأداها إلى آفاق لم تبلغ إليها من قبل، وفتح على المسلمين مدناً جديدة وبلاداً واسعة شاسعة، وأمد المسلمين من جيبه الخاص بإمدادات كثيرة، وشرى لهم بئر رومة حينما لم يكن لهم بئر يستقون منها الماء بعد هجرتهم إلى طيبة التي طيبها الله بقدوم صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه، كما اشترى لهم أرضاً يبنون عليها المسجد الذي هو آخر مساجد الأنبياء.
ولم يكن إمداداته هذه ومساعداته لعامة المسلمين ومصالحهم الاجتماعية مثل تجهيز جيش العسرة وغيرها فحسب بل كان خيراً، جواداً، كريماً، منفقاً الأموال وناثرها وحتى على الخاصة كما كان على العامة.(5/138)
وهو الذي ساعد - الإمام المعصوم الأول الذي يعدونه أفضل من الأنبياء والمرسلين، وملائكة الله المقربين –[يقول محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات عن عبد الله بن الوليد السمان قال: قال لي أبو الجعفر عليه السلام: يا عبد الله! ما تقول الشيعة في علي وموسى وعيسى؟ قلت: جعلت فداك، وعن أي حالات تسألني؟ قال: أسألك عن العلم، قال: هو والله أعلم منهما، قال: يا عبد الله ! أليس يقولون إن لعلي ما لرسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) من العلم قلت: نعم! قال: فخاصمهم فيه أن الله قال لموسى: { وكتبنا له في الألواح من كل شيء } فأعلمنا أنه لم يبين له الأمر كله، وقال الله تبارك وتعالى لمحمد (- صلى الله عليه وسلم -): { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً * وأنزلنا عليك القرآن تبياناً لكل شيء } : وعن علي بن إسماعيل عن محمد بن عمر الزيات قال: قال أبو عبد الله "ع": أي شيء تقول الشيعة في موسى وعيسى وأمير المؤمنين عليهم السلام؟ قلت: يزعمون أن موسى وعيسى أفضل من أمير المؤمنين قال: أيزعمون أن أمير المؤمنين علم ما علم رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -)؟ قلت: نعم، ولكن لا يقدمون على أولي العزم من الرسل أحداً، قال: قال أبو عبد الله "ع" فخاصمهم بكتاب الله قلت: في أي موضع منه؟ قال: قال الله لموسى: { وكتبنا له في الألواح من كل شيء } ، وقال الله لعيسى: { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } : وقال تبارك وتعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } ، وعن علي بن محمد . . . . . قال أبو عبد الله "ع": إن الله خلق أولي العزم من الرسل، وفضلهم بالعلم، وأورثنا علمهم، وفضلنا عليهم في علمهم، وعلم رسول الله ما لم يعلموا، وعلمنا علم الرسول وعلمهم" (نقلاً عن "الفصول المهمة" للحر العاملي ص151، 152).(5/139)
وأيضاً يروي ابن بابويه القمي في كتابه عيون أخبار الرضا "عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام أن جبريل هبط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد! إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً عليه السلام لما كان لفاطمة ابنتك كفؤ على وجه الأرض آدم فمن دونه" (عيون أخبار الرضا ج1 ص225).
وعلق عليه السيد لاجوردي بقوله: وقد استدل بعض المحققين بهذه الفقرة من الحديث على أفضليتهما عليهما السلام على جميع الأنبياء" (أيضاً).
وقد أدرج الحر العاملي هذه الرواية عن الطوسي في التهذيب تحت باب عنوانه "باب أن النبي والأئمة الاثنى عشر أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء والملائكة وغيرهم" (انظر الفصول المهمة ص151ط قم إيران).(5/140)
وذكر تحت ذلك رواية أخرى عن الرضا أيضاً "قال رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -): ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني قال علي: فقلت: يا رسول الله! فأنت أفضل أم جبرئيل؟ قال: إن الله فضل أنبيائه لامرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي والأئمة بعدك، وإن الملائكة لخدمنا وخدام محبينا – إلى أن قال -: فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه – إلى أن قال -: ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم، فأودعنا صلبه، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله عز وجل عبودية، ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون" (الفصول ص153، أيضاً عيون أخبار الرضا ج1 ص262 تحت عنوان "أفضلية النبي والأئمة على جميع الملائكة والأنبياء عليهم السلام")] علي بن أبي طالب – رضي الله عنه في زواجه، وأعطاه جميع النفقات كما يقر بذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنفسه أني لما تقدمت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طالباً منه زواج فاطمة قال لي : بع درعك وائتني بثمنها حتى أهيئ لك ولابنتي فاطمة ما يصلحكما، قال علي : فأخذت درعي فانطلقت به إلى السوق فبعته بأربع مائة درهم سود هجرية من عثمان بن عفان، فلما قبضت الدراهم منه وقبض الدرع مني قال : يا أبا الحسن! ألست أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم مني؟ فقلت : نعم، قال : فإن هذا الدرع هدية مني إليك، فأخذت الدرع والدراهم وأقبلت إلى رسول الله فطرحت الدرع والدراهم بين يديه، وأخبرته بما كان من أمر عثمان فدعا له النبي بخير" ["المناقب" للخوارزمي ص252، 253 ط نجف، "كشف الغمة" للأربلي ج1 ص359، و"بحار الأنوار" للمجلسي ص39، 40 ط إيران].(5/141)
وعلى ذلك كان ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عباس يقول: رحم الله أبا عمرو (عثمان بن عفان) كان والله أكرم الحفدة وأفضل البررة، هجاداً بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، نهاضاً عند كل مكرمة، سباقاً إلى كل منحة، حبيباً، أبياً، وفياً : صاحب جيش العسرة، ختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ["تاريخ المسعودي" ج3 ص51 ط مصر، أيضاً "ناسخ التواريخ" للمرزه محمد تقي ج5 ص144 ط طهران].
هذا وقد أشهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن أشهده على زواج علي من فاطمة كما يروون عن أنس أنه قال عليه الصلاة والسلام : انطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان ….. وبعددهم من الأنصار، قال : فانطلقت فدعوتهم له، فلما أن أخذوا مجالسهم قال ….. إني أشهدكم أنى قد زوجت فاطمة من علي على أربعمائة مثقال من فضة ["كشف الغمة" ج1 ص358، أيضاً "المناقب" للخوارزمي ص252، و"بحار الأنوار" للمجلسي ج10 ص38].
وكفى لعلي فخراً بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجه إحدى بناته فاطمة، وأدخله بذلك في أصهاره وأرحامه، وهذا الذي جعل الشيعة يقولون بأفضلية علي وإمامته وخلافته بعده، فكيف إذا زوج ابنتين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي زوجه بنتاً بعد بنت؟.
وكفى لعثمان فخراً بأنه كان هو المنفق على هذا الزواج، والمهيئ له الأسباب، وأحد الشهود عليه، كما أنه يكفيه فخراً بأنه لم ينل في الدنيا أحد مثل ما ناله هو من الشرف والمكانة حيث تزوج من إبنتي نبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يوجد له شبيه ونظير في مثل ذلك، لأن عثمان تزوج بنته رقية بمكة، وأيضاً بأمر من الله سبحانه تعالى لأنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.(5/142)
وبعد وفاتها زوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته الثانية أم كلثوم رضي الله عنها كما يقر ويعترف بذلك علماء الشيعة أيضاً، فها هو المجلسي - وهو الشيعي المتعصب المشهور اللعان السباب المعروف - يذكر ذلك في كتابه "حياة القلوب" نقلاً عن ابن بابويه القمي بسنده الصحيح المعتمد عليه بقوله :
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولد له من خديجة القاسم، وعبد الله الملقب بالطاهر، وأم كلثوم، ورقية، وزينب، وفاطمة، وتزوج علي من فاطمة، وأبو العاص بن ربيعة من زينب، وكان رجلاً من بني أمية [المصاهرات بين بني أمية وبني هاشم:
وهذا يدل على أنه لم يكن بين بني هاشم وبني أمية من المباغضة والمنافرة والعداوة التي اخترعها وابتكرها أعداء الإسلام والمسلمين، ونسجوا الأساطير والقصص حولها، ولقد رأينا بني أمية مع بني هاشم بالعكس أنهم أبناء أعمام وإخوان، وخلان، بل هم أقرب الناس ما بينهم يتبادلون الحب والأفكار، ويتقاسمون الهموم والآلام، ويمشون ويتماشون جنباً إلى جنب وحتى نقل علماء الشيعة ومؤرخوها أن أبا سفيان وهو رئيس بني أمية وسيد قومه أيامه كان من كبار أنصار علي، ومؤيدي بني هاشم يوم السقيفة، ولقد ذكر اليعقوبي كان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب، وقال: أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ وقال لعلي بن أبي طالب: امدد يدك أبايعك، وعلي معه قصي، وقال:
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم ولا سيما تيم بن مرة أو عدي
فما الأمر إلا فيكم وإليكم وليس لها إلا أبو حسن علي
أبا حسن، فاشدد بها كف حازم فإنك بالأمر الذي يرتجى ملي
وإن امرأ يرمي قصي وراءه عزيز الحمى، والناس من غالب قصي ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص126، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد أيضاً].(5/143)
ويذكر ابن بابويه القمي أن الأنصار المخلصين لعلي كانوا اثنى عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار، وكان واحد من هؤلاء خالد بن سعيد بن العاص الأموي، وادعى هو أما الملأ.
"والله إن قريشاً تعلم أني أعلاها حسباً وأقواها أدباً وأجملها ذكراً وأقلها غنى من الله ورسوله" ["كتاب الخصال" ص361].
وكان بين أبي سفيان وبين العباس عم رسول الله وسيد بني هاشم من صداقة يضرب بها الأمثال.
كما كانت بينهم المصاهرات قبل الإسلام وبعده، فلقد زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناته الثلاثة من الأربعة من بني أمية من أبي العاص بن الربيع وهو من بني أمية كما مر سابقاً، ومن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، وهو مع ذلك ابن بنت عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي ولدت مع والد رسول الله عليه الصلاة والسلام عبد الله بن عبد المطلب توأمين "أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس وهي أم عثمان رضي الله عنه وأمها أم حكيم وهي البيضاء بنت عبد المطلب عمة النبي - صلى الله عليه وسلم -" [كتب الأنساب مثل "أنساب الأشراف" للبلاذري ج5 ص1 ط بغداد، "المحبر" للبغدادي ص407 ط دكن، "طبقات ابن سعد" ج8 ص166 ط ليدن، "أسد الغابة" ج5 ص191، "المستدرك" للحاكم ج3 ص96 واللفظ له، و"منتهى الآمال" ج1 الفصل التاسع].
هذا ولقد تزوج بعد عثمان بن عفان رضي الله عنه من بني هاشم ابنه أبان بن عثمان "وكانت عنده أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر (الطيار) بن أبي طالب شقيق علي" ["المعارف" للدينوري ص86].
وحفيدة علي وبنت الحسين سكينة كانت متزوجة من حفيد عثمان زيد بن عمرو بن عثمان رضي الله عنهم أجمعين "وزيد بن عمرو بن عثمان بن عفان هذا هو الذي كانت عنده سكينة بنت حسين، فهلك عنها فورثته" ["نسب قريش" للزبيري ج4 ص120، و"المعارف" لابن قتيبة ص94، و"جمهرة أنساب العرب" لابن حزم ج1 ص86، طبقات ابن سعد ج6 ص349].(5/144)
وحفيدة علي الثانية وابنة الحسين فاطمة كانت متزوجة من حفيد عثمان الآخر "محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان . . . . وأمه فاطمة بنت الحسين كان عبد الله بن عمرو تزوجها بعد وفاة الحسن بن الحس بن علي بن أبي طالب" ["مقاتل الطالبين" للأصفهاني ص202، "ناسخ التواريخ" ج6 ص534، "نسب قريش" ج4 ص114، "المعارف" ص93، "طبقات" ج8 ص348].
ثم تزوجت حفيدة ابن علي، حسن بن علي من حفيد عثمان، مروان بن أبان "وكانت أم القاسم بنت الحسن (المثنى) بن الحسن عند مروان بن أبان بن عثان بن عفان [وهل هناك دليل أصرح وأكبر من هذا بأن عثمان انتقل إلى جوار رحمة ربه وكان أهل البيت راضين عنه وعن أهل بيته وإلا لم تكن هذه المصاهرات والقرابات والأرحام، فهل من متفكر يتفكر، ومنصف ينصف، ومتدبر يتدبر، أم على قلوب أقفالها؟] فولدت له محمد بن مروان" ["نسب قريش" ج2 ص53، "جمهرة أنساب العرب" ج1 ص85، "المحبر" للبغدادي ص438].
هذا وكانت أم حبيبة بنت أبي سفيان سيد بني أمية متزوجة من سيد بني هاشم وسيد ولد آدم رسول الله الصادق الأمين كما هو معروف لا نحتاج إلى إثباته من كتاب.
ثم "هند بنت أبي سفيان كانت متزوجة من الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم فولدت له ابنه محمداً" ["الإصابة" ج3 ص58، 59، "طبقات ابن سعد" ج5 ص15].
وأيضاً "تزوجت لبابة بنت عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، العباس بن علي بن أبي طالب، ثم خلف عليها الوليد بن عتبة (ابن أخ معاوية) بن أبي سفيان" ["المحبر" ص441، نسب قريش ص133، "عمدة الطالب" هامش ص43].
وبعدها "تزوجت رملة بنت محمد بن جعفر – الطيار – بن أبي طالب سليمان بن هشام بن عبد الملك (الأموي) ثم أبا القاسم بن وليد بن عتبة بن أبي سفيان" ["كتاب المحبر" ص449].(5/145)
وكذلك تزوجت ابنة علي بن أبي طالب رملة من ابن مروان بن الحكم [نعم! مروان بن الحكم الذي جعله الشيعة غرضاً لطعنهم في الإمام المظلوم الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه، فهذا هو المروان الذي يتزوج ابنه من ابنة علي المرتضى رضي الله عه – الإمام المعصوم الأول حسب زعمهم -] ابن أبي العاص بن أمية معاوية بن عمران "ورملة بنت علي أنها أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي" ["الإرشاد" للمفيد ص186].
"وكانت رملة بنت علي عند أبي الهياج . . . . . ثم خلف عليها معاوية بن مروان بن الحكم بن أبي العاص" ["نسب قريش" ص45، "جمهرة أنساب العرب" ص87].
وكذلك زينب بنت الحسن المثنى أمها فاطمة بنت الحسن نجيبة الطرفين "وكانت زينب بنت حسن بن حسن بن علي عند الوليد بن عبد الملك بن مروان (الأموي)" ["نسب قريش" ص52 تحت ذكر أولاد الحسن المثنى، و"جمهرة أنساب العرب" ص108 تحت ذكر أولاد مروان بن الحكم].
وكذلك تزوجت حفيدة علي بن أبي طالب من حفيد مروان الحكم "ونفسيسة بنت زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب تزوجها وليد بن عبد الملك بن مروان فتوفيت عنده، وأمها لبابة بنت عبد الله بن عباس" ["طبقات ابن سعد" ج5 ص234، "عمدة الطالب" في أنساب آل أبي طالب ص70].
هذا ومثل هذه المصاهرات لكثيرة جداً بين بني أمية وبني هاشم، وقد اكتفينا ببيان بعض منها، وفيها كفاية لمن أراد الحق والتبصر، ولكن من يضلل الله فلا هادي له.
وعلى ذلك كتب علي المرتضى رضي الله عنه في كتاب له إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما "لم يمنعنا قديم عزنا ولا عادي طولنا على قومك، أن خلطناكم بأنفسنا، فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء" ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص386، 378 وتحقيق محمد عبده ج3 ص32].(5/146)
أو بعد هذا يبقى مجال لقائل أن يقول بأن بين بني أمية وبني هاشم كانت المنافرة والمعاداة والتحاسد والتباغض؟ وهذه الأشياء هي التي تشكلت بعد ذلك بصورة قتال ومشاجرات بين علي وابنه الحسن ومعاوية وابنه يزيد والحسن إلى آخر الكلام مع أن هذا القول لا أصل له ولا أساس.
والمعروف أن بني أمية وبني هاشم كلهم أبناء أب واحد، وأحفاد جد واحد، وأغصان شجرة واحدة قبل الإسلام وبعد الإسلام، كلهم استقوا من عين واحدة ومنبع صاف واحد، وأخذوا الثمار من دين الله الحنيف الذي جاء به محمد رسول الله الصادق الأمين، المعلم، القائل أن لا فرق بين عربي وعجمي، ولا بين أسود وأحمر، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، فليس الفخر بحسب دون حسب ونسب دون نسب من تعليمات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من إرشاداته وتوجيهاته، ولا من شأنه ودأبه، وهو القائل في خطبة حجة الوداع حسب رواية شيعية.
"الناس في الإسلام سواء، الناس طف الصاع لآدم وحواء، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بتقوى الله، ألا هل بلغت؟ قالوا نعم! قال: اللهم اشهد، ثم قال: لا تأتوني بأنسابكم، وأتوني بأعمالكم . . . . ثم قال: إن المسلم أخو المسلم لا يغشه، ولا يخونه ولا يغتابه، ولا يحل له دمه، ولا شيء من ماله إلا بطيبة نفسه، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص110، 111 تحت عنوان حجة الوداع] ] كما تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم وماتت قبل أن يدخل بها، ثم لما أراد الرسول خروجه إلى بدر زوّجه من رقية" ["حياة القلوب" للمجلسي ج2 ص588 باب 51].(5/147)
وأورد الحميري رواية عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خديجة. القاسم والطاهر وأم كلثوم ورقية وفاطمة وزينب، فتزوج علي عليه السلام فاطمة عليها السلام، وتزوج أبو العاص بن ربيعة وهو من بني أمية زينباً، وتزوج عثمان بن عفان أم كلثوم ولم يدخل بها حتى هلكت، وزوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانها رقية" ["قرب الإسناد" ص6، 7].
وروى بمثل هذه الرواية العباس القمي في "منتهى الآمال" عن جعفر الصادق، والمامقاني في "تنقيح الرجال" ["المنتهى" ج1 ص108، "التنقيح" ج3 ص73].
وأقر بذلك الشري حيث كتب :
"وما كان عثمان دون الشيخين صحبة ولا سابقة، فهو من المسلمين الموقرين، وهو صهر الرسول مرتين، تزوج ابنة الرسول رقية، وولد له منها ولد، عبد الله توفي وعمره ست سنين وكانت أمه توفيت قبل وفاته، وزوجه النبي بنته الثانية أم كلثوم، فلم تلبث أم كلثوم معه طويلاً وتوفيت في أيام أبيها" [كتاب "أمير المؤمنين" لمحمد جواد الشيعي تحت عنوان على في عهد عثمان ص256].
ولقد ذكر المسعودي تحت ذكر أولاده - صلى الله عليه وسلم - :
"وكل أولاده من خديجة خلا إبراهيم وولد له - صلى الله عليه وسلم - القاسم، وبه كان يكنى وكان أكبر بنيه سناً، ورقية وأم كلثوم، زكانتا تحت عتبة وعتيبة ابني أبى لهب (عمه) فطلقاهما لخبر يطول ذكره فتزوجهما عثمان بن عفان واحدة بعد واحد" ["مروج الذهب" ج2 ص298 ط مصر].
ورداّ على من ينكرون رقية وأم كلثوم بنات النبي نذكر رواية من الكليني والعروسي الحويزي تحت باب مولد النبي :
"وتزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة، فولد له منها قبل مبعثه عليه السلام القاسم، ورقية، وزينب، وأم كلثوم، وولد له بعد المبعث الطيب والطاهر وفاطمة عليها السلام" ["الأصول من الكافي" ج1 ص439، 440، "نور الثقلين" للعروسي ج3 ص303].(5/148)
هذا ولقد شهد بذلك علي بن أبي طالب أيضاً كما شهد لعثمان الإيمان والصحبة وعلماً مثل علمه، ومعرفة مثل معرفته، وسبقاً في الإسلام مثل سبقه، وهذا كله في كلامه الذي قال لعثمان حينما سأله الناس مخاطبته إياه :
"فدخل عليه فقال : إن الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك! ما أعرف شيئاً تجهله : ولا أدلك على أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم. ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه. وقد رأيت كما رأينا، وسمعت كما سمعنا، وصحبت رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - كما صحبنا. وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى بالعمل منك، وأنت أقرب إلى أبي رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - وشيجة رحم منهما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا. فالله الله في نفسك! فإنك - والله - ما تبصر من عمى، ولا تعلم من جهل" ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص234].
فانظر ماذا يقول الخليفة الراشد الرابع عندنا والإمام المعصوم الأول عندهم؟ فهل بعد هذا شك لشاك وريب لمرتاب بأن علياً أفضل منه وأعلم وأعرف بخفايا الأمور التي جهلها ذو النورين، أو هو أقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشيجة وصلة رحم، أو هو يعلم من جهل ويبصر من عمي؟، وهذا بعد إقرار واعتراف من علي بن أبي طالب وشهادة منه رضي الله عنهما.
هذا وقد أنزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة الفؤاد كما رووا عنه أنه قال إن أبا بكر مني بمنزلة السمع، وإن عمر مني بمنزلة البصر، وإن عثمان مني بمنزلة الفؤاد" ["عيون أخبار الرضا" ج1 ص303 ط طهران].
وهينئاً له أن يجعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة فؤاده، ويروي عنه سبطه وابن سيدة نساء أهل الجنة فاطمة، حسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين" ["عيون أخبار الرضا" ج1 ص303].
وحسن بن علي أيضاً" ["تفسير الحسن العسكري" و"معاني الأخبار" ص110].(5/149)
... ولقد مدحه من أهل البيت غير الحسن والحسين وأبيهما علي بن أبي طالب رضي الله عنهم كما أورد الكليني عن جعفر بن الباقر - الإمام السادس المعصوم عندهم - أنه قال في مدحه، ومبشراً إياه هو وأتباعه بالجنة قائلاً : ينادي مناد من السماء أول النهار ألا إن علياً صلوات الله عليه وشيعته هم الفائزون، قال: وينادي مناد آخر النهار ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون" ["الكافي في الفروع" ج8 ص209].
ويبين جعفر أيضاً مقام عثمان بن عفان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وثقته فيه، ونيابته عنه، وإخلاص عثمان للنبي عليه السلام والوفاء والاتباع لا نظير له كما يبين إحدى الميزات التي امتاز بها عثمان دون غيره، وهو جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى يديه لعثمان، وبيعته بنفسه عنه، وكل ذلك في قصة صلح الحديبية حيث يقول :
فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (عثمان بن عفان) فقال : انطلق إلى قومك من المؤمنين فبشرهم بما وعدني ربي من فتح مكة، فلما انطلق عثمان لقي أبان بن سعد فتأخر عن السرح فحمل عثمان بين يديه ودخل عثمان فأعلمهم وكانت المناوشة، فجلس سهيل بن عمرو عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلس عثمان في عسكر المشركين وبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين، وضرب بإحدى يديه على الأخرى لعثمان، وقال المسلمون : طوبى لعثمان قد طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : ما كان ليفعل، فلما جاء عثمان قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أطفت بالبيت؟ فقال : ما كنت لأطوف بالبيت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يطف به، ثم ذكر القصة وما فيها" ["كتاب الروضة من الكافي" ج8 ص325، 326].
وهل هناك إطاعة فوق هذه الطاعة بأن شخصاً يدخل الحرم ولا يطوف بالبيت لأن سيده ومولاه رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يطف به.(5/150)
وذكر مثل ذلك المجلسي في كتابه "حياة القلوب" قال : لما وصل الخبر إلى رسول الله بأن عثمان قتله المشركون. قال الرسول : لا أتحرك من ههنا إلا بعد قتال من قتلوا عثمان فاتكأ بالشجرة، وأخذ البيعة [هنالك وآنذاك نزلت الآية { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً مبيناً } (السورة التح الآية18) وأيضاً { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } (الآية10)] لعثمان، ثم ذكر القصة بتمامها" ["حياة القلوب" ج2 ص424 ط طهران].
فهذا هو الإمام الشهيد المظلوم الثالث رضي الله عنه وأرضاه.
مبايعة علي له
وكان علي يرى صحة إمامته وخلافته لاجتماع المهاجرين والأنصار عليه، وكان يعد خلافته من الله رضى، ولم يكن لأحد الخيار أن يرد بيعته بعد ذلك، أو ينكر إمامته حاضراً كان أم غائباً كما قال في إحدى خطاباته رداً على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما : إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى" ["نهج البلاغة" ص368 تحقيق صبحي].
وكان هو أحد الستة الذين عينهم الفاروق ليختار منهم خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، ولما بايعه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بعد ما استشار أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار، ورأى بأنهم لا يريدون غير عثمان بن عفان رضي الله عنه بايعه أول من بايعه، ثم تبعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
"فأول من بايع عثمان عبد الرحمن بن عوف ثم علي بن أبي طالب" ["طبقات ابن سعد" ج3 ص42 ط ليدن، أيضاً "البخاري" باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان].(5/151)
ويذكر ذلك على المرتضى رضي الله عنه بقوله : لما قتل (يعني الفاروق) جعلني سادس ستة، فدخلت حيث أدخلني، وكرهت أن أفرق جماعة المسلمين وأشق عصاهم فبايعتم عثمان فبايعته" ["الأمالي" للطوسي ج2 الجزء18 ص121 ط نجف].
وقال : لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا على خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله" ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص102].
وكتب تحته ابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي في شرحه أن عبد الرحمن بن عوف قال لعلي :
بايع إذاً وإلا كنت متبعاً غير سبيل المؤمنين ….. فقال : لقد علمتم أني أحق بها من غيري ….. ثم مد يده فبايع" [ابن أبي الحديد، أيضاً "ناسخ التواريخ" ج2 كتاب 2 ص449 ط إيران].
وكان من المخلصين الأوفياء له، مناصحاً: مستشاراً، أو قاضياً كما كان في خلافة الصديق والفاروق، ولقد بوب محدثو الشيعة ومؤرخوها أبواباً مستقلة ذكروا فيها أقضيته في خلافة ذي النورين رضي الله عنهم أجمعين.
ولقد ذكر المفيد في "الإرشاد" تحت عنوان "قضايا علي في زمن إمارة عثمان" ذكر فيها عدة قضايا حكم بها علي ونفذها عثمان رضي الله عنه فيقول :
إن امرأة نكحها شيخ كبير فحملت، فزعم الشيخ أنه لم يصل إليها وأنكر حملها، فالتبس الأمر على عثمان، وسأل المرأة هل افتضك الشيخ؟ وكانت بكراً قالت : لا، فقال عثمان : أقيموا عليها الحد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : إن للمرأة سمين سم للمحيض وسم للبول، فلعل الشيخ كان ينال منها فسال ماؤه في سم المحيض، فحملت منه، فاسأل الرجل عن ذلك؟ فسئل، فقال : قد كنت أنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالافتضاض فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الحمل له والولد ولده، ورأى عقوبته على الإنكار فصار عثمان إلى قضائه بذلك وتعجب منه" ["الإرشاد" ص122، 113 ط مكتبة بصيرتي قم ، إيران].(5/152)
وأيضا "إن رجلاً كانت له سرية فأولدها ثم اعتزلها وأنكحها عبداً له ثم توفي السيد فعتقت بملك ابنها لها وورث ولدها زوجها، ثم توفي الابن فورثت من ولدها زوجها فارتفعا إلى عثمان يختصمان تقول : هذا عبدي ويقول : هي امرأتي، ولست مفرجاً عنها، فقال عثمان : هذه مشكلة وأمير المؤمنين حاضر فقال عليه السلام : سلوها هل جامعها بعد ميراثها له ؟ فقالت : لا، فقال : لو أعلم أنه فعل ذلك لعذبته، اذهبي فإنه عبدك، ليس له عليك سبيل، إن شئت أن تسترقيه أو تعتقيه أو تبيعه فذلك لك" ["الإرشاد" ص113].
وروى الكليني في صحيحه عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال :
إن الوليد بن عقبة حين شهد عليه بشرب الخمر قال عثمان لعلي عليه السلام : اقض بينه وبين هؤلاء الذين زعموا أنه شرب الخمر فأمر علي عليه السلام فجلد بسوط له شعبتان أربعين جلدة" ["الكافي في الفروع" ج7 ص215 باب ما يجب فيه الحد من الشراب].
وقد ذكر اليعقوبي "إن الوليد لما قدم على عثمان، قال : من يضربه؟ فاحجم الناس لقرابته وكان أخا عثمان لأمه، فقام عليّ فضربه" ["تاريخ اليعقوبي" الشيعي ج2 ص165].
ولا يكون هذا الفعل والعمل إلا ممن يقرّ ويصحّح خلافة الخليفة، ويتمثّل أوامر الأمير، ويشارك الحاكم في حكمه، وكان علي بن أبي طالب وأولاده، وبنو هاشم معه، يطاوعون الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ويدل على ذلك قول علي رضي الله عنه لما أراده الناس على البيعة بعد شهادة الإمام المظلوم ذي النورين رضي الله عنه، المنقول في أقدس كتب القوم "دعوني والتمسوا غيري … وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم" ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص136].
ذو النورين وعلاقاته مع أهل البيت
كما يدل على ذلك قبول الهاشميين المناصب في خلافته ومنه كقبول المغيرة بن نوفل بن حارث بن عبد المطلب القضاء ["الاستيعاب"، "أسد الغابة" "الإصابة" وغيرها].(5/153)
والحارث بن نوفل أيضاً ["طبقات"، و"الإصابة"].
وقبول عبد الله بن عباس الأمارة على الحج سنة 35 ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص176].
وجهادهم تحت رايته، وفى العساكر والجيوش التي يكونها ويسيرها ويجهزها إلى محاربة الكفار وأعداء الأمة الإسلامية، فاشترك في المعارك الإسلامية سنة 26 من الهجرة إلى أفريقية ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ["الكامل لابن الأثير" ج3 ص45].
وإلى برقة وطرابلس وأفريقية كل من الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعمهم ابن عم نبيهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين تحت قيادة عبد الله بن أبى سرح ["تاريخ ابن خلدون" ج2 ص103].
واشترك كل من الحسن والحسين وعبد الله بن عباس تحت راية سعيد بن العاص الأموي في غزوات خراسان وطبرستان وجرجان ["تاريخ الطبري"، "الكامل لابن الأثير"، "البداية والنهاية"، "تاريخ ابن خلدون"].
وغير ذلك من الغزوات والمعارك.
وكان يهدي إليهم الغنائم والهدايا كما كان يبعث إليهم الجواري والخدام.
ولقد نقل المامقاني عن الرضا - الإمام الثامن المعصوم عندهم - أنه قال : إن عبد الله بن عامر بن كريز لما افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد ابن شهريار ملك الأعاجم، فبعث بهما إلى عثمان بن عفان فوهب إحداهما للحسن والأخرى للحسين فماتتا عندهما نفساوين" ["تنقيح المقال في علم الرجال" للمقامقاني ج3 ص80 ط طهران].
فكان عثمان بن عفان يكرم الحسن والحسين ويحبهما، ولذلك لما حوصر من قبل البغاة، أرسل عليّ ابنيه الحسن والحسين وقال لهما : اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحداً يصل إليه" ["أنساب الأشراف" للبلاذري ج5 ص68، 69 ط مصر].(5/154)
وبعث عدة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبناءهم ليمنعوا الناس الدخول على عثمان، وكان فيمن ذهب للدفاع عنه ولزم الباب ابن عم عليّ عبد الله بن عباس، ولما أمّره ذو النورين في تلك الأيام الهالكة السوداء على الحج قال : والله يا أمير المؤمنين! لجهاد هؤلاء أحب إلي من الحج، فأقسم عليه لينطلقن" ["تاريخ الأمم والملوك" أحوال سنة 35].
وكما اشترك على المرتضى رضي الله عنه أول الأمر بنفسه في الدفاع عنه "فقد حضر هو بنفسه مراراً، وطرد الناس عنه، وأنفذ إليه ولديه وابن أخيه عبد الله بن جعفر" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج10 ص581 ط قديم إيران].
"وانعزل عنه بعد أن دافع عنه طويلاً بيده ولسانه فلم يمكن الدفع" ["شرح ابن ميثم البحراني" ج4 ص354 ط طهران].
"نابذهم بيده ولسانه وبأولاده فلم يغن شيئاً" ["شرح ابن أبي الحديد" تحت "بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر"].
وقد ذكر ذلك نفسه حيث قال : والله لقد دفعت عنه حتى حسبت أن أكون آثما" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج3 ص286].
لأن ذا النورين منعهم عن الدفاع وقال : اعزم عليكم لما رجعتم فدفعتم أسلحتكم، ولزمتم بيوتكم" ["تاريخ خليفة بن خياط" ج1 ص151، 152 ط عراق].
"ومانعهم الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة ….. وجماعة معهم من أبناء الأنصار فزجرهم عثمان، وقال : أنتم في حل من نصرتي" ["شرح النهج" تحت عنوان محاصرة عثمان ومنعه الماء].
وجرح فيمن جرح من أهل البيت وأبناء الصحابة حسن بن علي رضي الله عنهما وقنبر مولاه" ["الأنساب" للبلاذي ج5 ج95، "البداية" تحت "قتلة عثمان"].
ولما منع البغاة الطغاة عنه الماء خاطبهم عليّ بقوله :(5/155)
أيها الناس! إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، إن الفارس والروم لتؤسر فتطعم فتسقي، فوالله لا تقطعوا الماء عن الرجل، وبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء مع فتية من بني هاشم" ["ناسخ التواريخ" ج2 ص531، ومثله في "أنساب الأشراف"، للبلاذري ج5 ص69].
وأخيراً نريد أن نقتل من المسعودي [هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، ولد ببغداد في الثلث الأخير من القرن الثالث، وتجول في البلدان الكثيرة من الشرقية والأفريقية، ومات سنة 342 أو346 .
ذكره محسن الأمين في طبقات المؤرخين من الشيعة حيث قال: المسعودي إمام في التاريخ، صاحب كتاب "مروج الذهب" و"أخبار الزمان" (أعيان الشيعة القسم الثاني ج1 ص130).
وقال القمي: هو شيخ المؤرخين وعمادهم، وله كتاب في الإمامة وغيرها منها كتاب "إثبات الوصية لعلي بن أبي طالب"، وهو صاحب "مروج الذهب" وعده النجاشي في فهرسته من رواة الشيعة" (الكنى والألقاب ج3 ص153).(5/156)
وذكر الخوانساري أقوال عدد من علماء الرجال الشيعة أنهم يمدحونه، ويثنون عليه، ويوصفونه بأوصاف حميدة كثيرة مثل "الشيخ الجليل"، "الثقة"، "الثبت"، "مأمون الحديث"، و"الشيخ المتقدم من أصحابنا الإمامية"، المعاصر للصدوق، ومن أجلة علماء الإمامية ومن قدماء الفضلاء الاثنى عشرية" (روضات الجنات ج4 ص281 وما بعد)] طرفاً من الفاجعة التي نزلت، والكارثة التي ألمت "فلما بلغ علياً أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين مع مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته، وأمرهم أن يمنعوه منهم، وبعث الزبير ابنه عبد الله، وطلحة ابنه محمداً، وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بما ذكرنا، فصدوهم عن الدار، فرمى من وصفنا بالسهام، واشتبك القوم، وجرح الحسن، وشج قنبر، وجرح محمد بن طلحة، فخشي القوم أن يتعصب بنو هاشم وبنو أمية، فتركوا القوم في القتال على الباب، ومضى نفر منهم إلى دار قوم من الأنصار فتسوروا عليها، وكان ممن وصل إليه محمد بن أبي بكر ورجلان آخران، وعند عثمان زوجته، وأهله ومواليه مشاغل بالقتال، فأخذ محمد بن أبي بكر بلحيته، فقال : يا محمد! والله لو رآك أبوك لساءه مكانك، فتراخت يده، وخرج عنه إلى الدار، ودخل رجلان فوجداه فقتلاه، وكان المصحف بين يديه يقرأ فيه، فصعدت امرأته فصرخت وقالت: قد قتل أمير المؤمنين، فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما من بني أمية، فوجدوه قد فاضت نفسه رضي الله عنه ، فبكوا، فبلغ ذلك علياً وطلحة والزبير وسعداً وغيرهم من المهاجرين والأنصار، فاسترجع القوم، ودخل على الدار، وهو كالواله الحزين وقال لابنيه : كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ ولطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة، ولعن عبد الله بن الزبير" ["مروج الذهب" للمسعودي ج2 ص344 ط بيروت].
ثم كان هو وأهله ممن دفنوه ليلاً، وصلوا عليه كما يذكر ابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي :(5/157)
"فخرج به ناس يسير من أهله ومعهم الحسن بن علي وابن الزبير وأبو جهم بن حذيفة بين المغرب والعشاء، فأتوا به حائطاً من حيطان المدينة يعرف بحش كوكب وهو خارج البقيع فصلوا عليه" [شرح النهج لابن أبي الحديد الشيعي ج1 ص97 ط قديم إيران وج1 ص198 ط بيروت].
وكان من حب أهل البيت إياه أنهم زوجوا بناتهم من أبنائه وإياه، ولقد وجه خير خلق الله ابنتيه، وسموا أسماء أبنائهم باسمه كما ذكر المفيد أن واحداً من أبناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان اسمه عثمان :
"فأولاد أمير المؤمنين سبعة وعشرون ولداً ذكراً وأنثى (1) الحسن (2)الحسين …(10) عثمان أمه أم البنين بنت حزام بن خالد بن ورام" ["الإرشاد" للمفيد ص186 تحت عنوان "ذكر أولاد أمير المؤمنين"].
وذكر الأصفهاني أنه قتل مع أخيه الحسين بكربلاء.
"قتل عثمان بن علي وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وقال الضاحك : إن خولى بن يزيد رمى عثمان بن علي بسهم فأوهطه (أي أضعفه) وشد عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وأخذ رأسه" ["مقاتل الطالبين" ص83، "عمدة الطالب" ص356 ط نجف، و"تاريخ اليعقوبي" ج2 ص213].
فهذا هو ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه صهر رسول الله وحبيبه في الدنيا والآخرة، وحبيب أهل البيت وابن عمهم وعمتهم، وقريبهم، يحبهم ويحبونه مثل الصديق والفاروق :
"وأقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشيجة رحم منها، ونال من صهره ما لم ينالا" ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص234] كما قاله المرتضى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وهذا هو موقفهم تجاهه وتجاه الصديق والفاروق الخلفاء الراشدين المهديين الثلاثة، بينّاه من كتب القوم أنفسهم، ومن المصادر الأصلية الموثوقة المعتمدة لديهم بذكر الصفحات والمجلدات.
موقف الشيعة من الخلفاء الراشدين الثلاثة(5/158)
وأما الشيعة الذين يتزعمون حب أهل البيت وولاءهم، وينسبون مذهبهم إليهم، ويدّعون اتباعهم واقتدائهم، فإنهم عكس ذلك تماماً، يخالفون الصديق والفاروق وذا النورين ويبغضونهم أشد البغض، ويعاندونهم، ويسبونهم، ويشتمونهم، بل ويفسقونهم ويكفرونهم، ويعدون هذه الأسباب والشتيمة واللعان من أقرب القربات إلى الله، ومن أعظم الثواب والأجر لديه، فلا يخلو كتاب من كتبهم ولا رسالة من رسائلهم إلا وهى مليئة من الشتائم والمطاعن في أخلص المخلصين لرسول الله فداه أبواي وروحي، وأحسن الناس طراً، وأتقاهم لله، وأحبهم إليه، حملة شريعته، ومبلغي ناموسه ورسالته، ونوّاب نبيه المختار وتلامذته الأبرار، وهداة أمته الأخيار، عليهم رضوان الله الستار الغفار جلّ جلاله وعمّ نواله.
فروى الملا محمد كاظم في كتابه :
"عن أبي حمزة الثمالي - وهو يكذب على زين العابدين - قال - من لعن الجبت (أي الصديق) والطاغوت (أي الفاروق) لعنة واحدة كتب الله له سبعين ألف ألف حسنة، ومحى عنه ألف ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف ألف درجة، ومن أمسى يلعنهما لعنة واحدة كتب مثل ذلك، قال مولانا علي بن الحسين : فدخلت على مولانا أبي جعفر محمد الباقر، فقلت : يا مولاي حديث سمعته من أبيك؟ قال : هات يا ثمالي، فأعدت عليه الحديث قال : نعم يا ثمالي! أتحب أن أزيدك؟ فقلت : بلى يا مولاي، فقال : من لعنهما لعنة واحدة في كل غداة لم يكتب عليه ذنب في ذلك اليوم حتى يمسي، ومن أمسى لعنهما لعنة واحدة لم يكتب عليه ذنب في ليلة حتى يصبح، قال : فمضى أبو جعفر، فدخلت على مولانا الصادق، فقلت : حديث سمعته من أبيك وجدك؟ فقال : هات يا أبا حمزة! فأعدت عليه الحديث، فقال حقاً يا أبا حمزة، ثم قال عليه السلام : ويرفع ألف ألف درجة، ثم قال : إن الله واسع كريم" ["أجمع الفضائح" للملا كاظم، و"ضياء الصالحين" ص513].(5/159)
ثم وهم يؤمرون على أن يعملوا بذلك : "ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما" ["رجال الكشي" ص180].
فلا يوجد شتيمة إلا وهم يطلقونها على هؤلاء الأخيار البررة.
فها هو عياشيهم يكتب في تفسيره في سورة البراءة عن أبي حمزة الثمالي أنه قال : قلت (للإمام) : ومن أعداء الله؟ قال : الأوثان الأربعة، قال : قلت : من هم؟ قال : أبو الفصيل ورمع ونعثل ومعاوية، ومن دان بدينهم، فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء الله" ["تفسير العياشي" ج2 ص116، أيضاً "بحار الأنوار" للمجلسي ج7 ص37].
ثم فسّر المعلق على هذه المصطلحات الثلاثة حاكياً عن الجزري أنه قال :
كانوا يكنون بأبي الفيصل عن أبي بكر لقرب البكر بالفصيل ويعني بالبكر، الفتى من الإبل. والفصيل : ولد الناقة إذا فصل عن أمه، وفي كلام بعض أنه كان يرعى الفصيل في بعض الأزمنة فكني بأبي الفصيل، وقال بعض أهل اللغة : أبو بكر بن أبي قحافة ولد عام الفيل بثلاث سنين، وكان اسمه عبد العزى - اسم صنم - وكنيته في الجاهلية أبو الفصيل، فإذا أسلم سمي عبد الله وكني بأبي بكر - وأما كلمة رمع فهي مقلوبة من عمر، وفى الحديث أول من رد شهادة المملوك رمع، وأول من أعال الفرائض رمع.
وأما نعثل فهو اسم رجل كان طويل اللحية قال الجوهر : وكان عثمان إذا نيل منه وعيب شبه بذلك" ["تفسير العياشي" ج2 ص116 ط طهران].
انظر إلى هؤلاء القوم لا يستحيون من إطلاق لفظه الأوثان على هؤلاء الأخيار الأبرار.
وهل لسائل أن يسأل أين هذا من قول محمد الباقر - الإمام الخامس المعصوم عندهم - في جواب سائل سأله هل ظلماكم من حقكم شيئاً؟
قال : لا والذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً ما ظلمنا من حقنا مثقال حبة من خردل" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد.(5/160)
ثم ولماذا أعطى علي رضي الله عنه ابنته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنتيه من ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه إن كان كافراً؟ وثم لماذا مدحه عليّ وأهل البيت وغيرهم، ولماذا دافع عنه هو وأبناءه، وجرح أحدهما وهو الإمام المعصوم لدى القوم أيضاً؟ فهل من مجيب؟
هذا وإن كان عثمان كافراً فلماذا يمنع علي رضي الله عنه ابن أخيه من تزويج ابنته من ابن عثمان أبان، ولماذا لم تمتنع سكينة بنت الحسن من زواجها من حفيده زيد وغير ذلك، ولماذا سمّي عليّ ابنه باسمه؟.
ويمشي العياشي في غلوائه وبغضه للخلفاء الراشدين، فيخرع الخرافات والأكاذيب والقصص ويقول :
فلما قبض نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان الذي كان لما قد قضى من الاختلاف، وعمد عمر فبايع أبا بكر ولم يدفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد، فلما رأى ذلك علي عليه السلام ورأى الناس قد بايعوا أبا بكر خشي أن يفتتن الناس ففرغ إلى كتاب الله وأخذ يجمعه في مصحف، فأرسل أبو بكر إليه أن تعال فبايع، فقال علي : لا أخرج حتى أجمع القرآن، فأرسل إليه مرة أخرى فقال : لا أخرج حتى أفرغ، فأرسل إليه الثالثة ابن عم له يقال قنفذ، فقامت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها تحول بينه وبين عليّ عليه السلام فضربها فانطلق قنفذ وليس معه علي، فخشي أن يجمع عليّ الناس فأمر بحطب فجعل حوالي بيته، ثم انطلق عمر بنار فأراد أن يحرق على عليّ بيته وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فلما رأى علي ذلك خرج فبايع كارهاً غير طائع" ["تفسير العياشي" ج2 ص307، 308، أيضاً "البحار" ج8 ص47].
شجاعة علي
وهذا مع قول علي : إني والله لو لقيتهم واحداً وهو طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت" ["نهج البلاغة" ص452 تحقيق صبحي].(5/161)
وهو الذي يحكون عنه أن أبا وائلة يقول : كنت أماشي فلاناً - أي عمر كما صرح باسمه المجلسي في حياة القلوب - إذ سمعت منه همهمة، فقلت له : مه، ماذا يا فلان ؟ فقال : ويحك أما ترى الهزبر القضم ابن القضم، والضارب بالبهم، الشديد على من طغى وبغى، بالسيفين والراية، فالتفت فإذا هو علي ابن أبي طالب، فقلت له : يا هذا هو علي بن أبي طالب، فقال : ادن مني أحدثك عن شجاعته وبطولته، بايعنا النبي يوم أحد على أن لا نفرّ، ومن فرّ منا فهو ضال ومن قتل منا فهو شهيد والنبي زعيمه، إذ حمل علينا مائة صنديد تحت كل صنديد مائة رجل أو يزيدون، فأزعجونا عن طحونتنا، فرأيت علياً كالليث يتقي الذر وإذ قد حمل كفاً من حصى فرمى به في وجوهنا ثم قال : شاهدت الوجوه وقطت وبطت ولطت، إلى اين تفرون؟ إلى النار، فلم نرجع، ثم كرّ علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت، فقال : بايعتم ثم نكثتم، فوالله لأنتم أولى بالقتل ممن قتل، فنظرت إلى عينيه كأنهما سليطان يتوقدان ناراً، أو كالقدحين المملوءين دماً، فما ظننت إلا ويأتي علينا كلنا، فبادرت أنا إليه من بين أصحابي فقلت : يا أبا الحسن! الله الله، فإن العرب تكرّ وتفرّ وإن الكرة تنفي الفرة، فكأنه عليه السلام استحيى فولى بوجهه عني، فما زلت أسكن روعة فؤادي، فوالله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى الساعة" ["تفسير القمي" ج1 ص114، 115].(5/162)
ورووا في شجاعة عليّ قصصاً كثيرة، ومنها ما رواه القطب الراوندي : "إن علياً بلغه عن عمر ذكره شيعته فاستقبله في بعض طرق البساتين وفى يد علي (ع) قوس فقال : يا عمر! بلغني عنك ذكرك شيعتي فقال : اربع على ظلعك فقال عليه السلام : إنك لههنا، ثم رمى بالقوس على الأرض فإذا هو ثعبان كالبعير فاغراً فاه وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه فصاح عمر الله الله يا أبا الحسن! لا عدت بعدها في شيء، وجعل يتضرع إليه فضرب بيده إلى الثعبان فعادت القوس كما كانت فمضى عمر إلى بيته مرعوباً" ["كتاب الخرائج والجرائح" ص20، 21 ط بمبئي 1301ه].(5/163)
وأيضاً ما ذكره سليم بن قيس العامري الشيعي اللعان السباب الخبيث أن علياً شتم عمر وهدده بقوله : والله لو رمت ذلك يا ابن صهاك لأرجعت إليك يمينك، لئن سللت سيفي لأغمدته دون إزهاق نفسك فرمّ ذلك، فانكسر عمر وسكت وعلم أن علياً إذا حلف صدق، ثم قال على (ع) : يا عمر! ألست الذي هم بك رسول الله وأرسل إلي فجئت متقلداً بسيفي، ثم أقبلت نحوك لأقتلك فأنزل الله عز وجل: { فلا تعجل عليهم إنما نعدّ لهم عدا } قال ابن عباس : ثم إنهم تآمروا وتذاكروا فقالوا : لا يستقيم لنا أمر مادام هذا الرجل حياً، فقال أبو بكر : من لنا بقتله؟ فقال عمر : خالد بن الوليد، فأرسلا إليه، فقالا : يا خالد! ما رأيك في أمر نحملك عليه؟ قال: احملاني على ما شئتما، فوالله! إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت، فقالا : والله ما نريد غيره قال : فأنى لها، فقال أبو بكر : إذا قمنا في الصلاة، صلاة الفجر، فقم إلى جانبه ومعك السيف، فإذا سلمت فاضرب عنقه، قال : نعم! فافترقوا على ذلك، ثم إن أبا بكر تفكر فيما أمر به من قتل علي (ع) وعرف إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل، فندم على أمره فلم ينم ليلته تلك حتى أتى المسجد وقد أقيمت الصلاة فتقدم فصلى بالناس مفكراً لا يدري ما يقول، وأقبل خالد بن الوليد متقلداً بالسيف حتى قام إلى جانب عليّ وقد فطن عليّ ببعض ذلك، فلما فرغ أبو بكر من تشهده صاح قبل أن يسلم يا خالد! لا تفعل ما أمرتك، فإن فعلت قتلتك، ثم سلم عن يمينه وشماله، فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده ثم صرعه وجلس على صدره وأخذ سيفه ليقتله واجتمع عليه أهل المسجد ليخلصوا خالداً فما قدروا عليه، فقال العباس حلفوه بحق القبر لما كففت فحلفوه بالقبر فتركه وقام فانطلق إلى منزله" [كتاب سليم بن قيس العامري ص256،257].(5/164)
هذا ولقد بالغوا وأكثروا في شجاعته وقالوا : كان يملك من القوة حتى "إن علياً ركض برجله الأرض يوماً فتزلزلت الأرض" ["تفسير البرهان مقدمة ص74].
وتزلزلت يوماً فركضها حتى سكنت كما يكذب الصافي :
"عن فاطمة عليها السلام قالت : أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر وفزع الناس إلى أبي بكر وعمر فوجدوهما قد خرجا فزعين إلى علي عليه السلام، فتبعهما الناس إلى أن انتهوا إلى باب علي عليه السلام فخرج عليهم غير مكترث لما هم فيه، فمضى واتبعه الناس حتى انتهوا إلى تلعة فقعد عليها وقعدوا حوله وهم ينظرون إلى حيطان المدينة ترتج جائية وذاهبة، فقال لهم علي : كأنكم قد هالكم ما ترون؟ قالوا : وكيف لا يهولنا ولم نر مثلها قط؟ فحرّك شفتيه وضرب بيده الشريفة، ثم قال: مالك اسكني، فسكنت بإذن الله، فتعجبوا من ذلك أكثر من تعجبهم الأول حيث خرج إليهم، قال لهم : فإنكم تعجبتم من صنعي؟ قالوا : نعم! قال أنا الرجل الذي قال الله: { إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها } : فأنا الإنسان الذي يقول لها : مالك، { يومئذ تحدث أخبارها } إياي تحدث" ["الصافي" ص571].
وأكثر من ذلك، أنه صرع إبليس يوماً بقوته الجبارة كما رواه ابن بابويه القمي في "عيون أخبار الرضا" [ج2 ص72].
هذا ومثل هذا كثير.(5/165)
وما دمنا بدأنا في هذا نريد أن نكمل البحث بإيراد حكاية باطلة غريبة تدل على أكاذيب القوم وأساطيرهم التي نسجوها، وبنوا عليها مذهبهم، وأسسوا عليها عقائدهم، وهي منقولة من "كتاب الأنوار النعمانية" للسيد نعمة الله الجزائري [هو نعمة الله بن عبد الله الحسيني الجزائري "كان من أعاظم علمائنا المتأخرين، وأفاخم فضلائنا المتبحرين، صاحب قلب سليم ووجه وسيم وطبع مستقيم، وله الكتاب "الأنوار النعمانية" المشتمل على ما كان من ثمر عمر جيداً .. وقال الحر العاملي: فاضل، عالم، محقق، علامة، جليل القدر، مات سنة 1112ه وه من تلاميذ المجلسي" (روضات الجنات للخوانساري ج8 ص150 وما بعد)] فإنه يقول :(5/166)
روى البرسي في كتابه لمّا وصف وقعة خيبر "وإن الفتح فيها كان على يد علي (ع) وإن جبريل (ع) جاء إلى رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) مستبشراً بعد قتل مرحب، فسأله النبي (- صلى الله عليه وسلم -) عن استبشاره فقال : يا رسول الله! إن علياً لما رفع السيف ليضرب به مرحباً أمر الله سبحانه إسرافيل وميكائيل أن يقبضا عضده في الهواء حتى لا يضرب بكل قوته ومع هذا قسمه نصفين وكذا ما عليه من الحديد وكذا فرسه ووصل السيف إلى طبقات الأرض، فقال لي الله سبحانه : يا جبرئيل بادر إلى تحت الأرض وامنع سيف علي عن الوصول إلى ثور الأرض حتى لا تنقلب الأرض، فمضيت فأمسكته فكان على جناحي أثقل من مدائن قوم لوط وهى سبع مدائن قلعتها من الأرض السابعة ورفعتها فوق ريشة واحدة من جناحي إلى قرب السماء وبقيت منتظراً لأمر إلى وقت السحر حتى أمرني الله بقلبها، فما وجدت لها ثقلاً كثقل سيف عليّ فسأله النبي (- صلى الله عليه وسلم -): لم لا قلّبتها من ساعة رفعتها؟ فقال : يا رسول الله! إنه قد كان فيهم شيخ كافر نائم على قفاه، وشيبته إلى السماء، فاستحى الله سبحانه أن يعذبهم، فلما كان وقت السحر انقلب ذلك الشائب عن قفاه فأمرني بعذابها، وفى ذلك اليوم أيضاً لما فتح الحصن وأسروا نسائهم فكان فيهم صفية بنت ملك الحصن، فأتت النبي (- صلى الله عليه وسلم -) وفى وجهها أثر شجة، فسأله النبي (- صلى الله عليه وسلم -) عنها فقالت : إن علياً لما أتى الحصن وتعسر عليه أخذه أتى إلى برج من بروجه، فهزّه فاهتز الحصن كله، وكل من كان فوق مرتفع سقط منه وأنا كنت جالسة فوق سريري فهويت من عليه، فأصابني السرير فقال لها النبي (- صلى الله عليه وسلم -): يا صفية! إن علياً لما غضب وهزّ الحصن غضب الله لغضب علي (ع) فزلزل السماوات كلها حتى خافت الملائكة ووقعوا على وجوههم وكفى به شجاعة ربانية، وأما باب خيبر فقد كان أربعون رجلاً يتعاونون على سدّه وقت الليل، ولما دخل(5/167)
الحصن طار ترسه من يده من كثرة الضرب فقلع الباب وكان في يده بمنزلة الترس يقاتل فهو في يده حتى فتح الله عليه" ["الأنوار النعمانية" لنعمة الله الجزائري].
وهذا مع رواية اليعقوبي الشيعي "وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار، وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر، فصارعه عمر فصرعه، وكسر سيفه، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت : والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله! فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياماً ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص126].
ولا ندري، من الصادق من القوم؟ نعمة الله الجزائري وسليم بن قيس العامري [هو سليم بن قيس العامري الهلالي الكوفي، مات سنة 90 تقريباً، يقولون عنه: إنه من أصحاب علي بن أبي طالب، فيكتب الخوانساري "صاحب أمير المؤمنين عليه السلام ومصنف كتاب مشهور الذي ينقل عنه في البحار وغيره.. وقد كان من قدماء علماء أهل البيت عليهم السلام، وإنه أدرك خمسة من الأئمة المعصومين عليهم السلام، هم أمير المؤمنين، والحسنان، وزين العابدين، والباقر" (روضات الجنات ج4 ص66).
ويقول القمي: له كتاب معروف وهو أصل من الأصول التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت (ع) وهو أول كتاب ظهر للشيعة معروف بين المحدثين، اعتمد عليه الشيخ الكليني والصدوق وغيرهما من القدماء" (الكنى والألقاب ج3 ص248)] والقطب الراوندي والقمي والمجلسي أو العياشي واليعقوبي؟(5/168)
لا ندري، أم كلهم كذبة يكذبون ويحكون، ولا يدرون أن أهل البيت لم يقولوا، ولم يكونوا هكذا، ولو كانوا أو قالوا لما قالوا في أبي بكر، هو الصديق، وفى عمر، أنه ميمون النقيبة ومرضي السيرة، ولم يسموا أبناءهم بأسمائهم، ولم يناكحوهم ويعاشروهم ويمدحوهم بعد موتهم، فلا نستطيع أن نقول بعد رواية هذه الأشياء كلها : اللهم إلا أن أهل البيت كانوا صادقين في أفعالهم وأعمالهم، ومصيبين في أقوالهم وأحوالهم، والشيعة يكذبون عليهم، ويخالفونهم في معتقداتهم، ويعادون أحباءهم ورحمائهم وأقاربهم وقادتهم وأمرائهم وحكامهم، الذين أخلصوا لهم الطاعة والمناصحة والولاء والمشورة كما بينّاه سابقاً بالتفصيل.
وإلا فهل يعقل من مثل ذلك الرجل الشجاع الباسل، البطل الكمّي أن يجبره أبو بكر على بيعته، وعمر على تزويجه من بنته، وعثمان على رضائه بتقديمه، وتسمية أبنائه بأسمائهم رضوان الله عليهم أجمعين، ومعه من أهل بيته وأنصاره من معه؟.
والظاهر أن القوم مع إظهارهم ولاء أهل البيت يخالفونهم في بغضهم الخلفاء الراشدين وأصحاب نبي الله المختارين النجباء، الذين قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفداه أبوي وروحي : طوبى لمن رآني وآمن بي" ["كتاب الخصال" ج2 ص342].
وعلى كل وإننا لنذكر مخالفة القوم أهل البيت في عدائهم لأرحام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصهاره.
فبقول العياشي أيضاً في ذي النورين رضي الله عنه أن الآية { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى } نزلت في عثمان" ["تفسير العياشي" ج1 ص147، "البحار" ج8 ص217].
وأما القمي فليس أقل من العياشي في اللعن والطعن والتفسيق والتكفير، فيذكر تحت قول الله عز وجل: { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً } ما بعث الله نبياً إلا وفي أمته شيطانان يؤذيانه ….. وأما صاحبا محمد فحبتر وزريق" ["تفسير القمي" ج2 ص242].(5/169)
ولقد نقلنا عنه روايات عديدة في كتابنا "الشيعة والسنة".
وأما البحراني فهو على شاكلتهما، فيكتب تحت قول الله عز وجل { ثاني اثنين إذ هما في الغار } محترقا من معيّة الصديق النبي عليه الصلاة والسلام في سفره من مكة إلى المدينة، مهاجراً إلى الله، مصاحباً أبا بكر بأمر من الله وثقة في الصديق، ورغبة في صحبته، يقول : أمر رسول الله علياً فنام على فراشه، وخشي من أبي بكر أن يدلّهم عليه فأخذه معه إلى الغار" ["البرهان" ج2 ص127].
ويكذب على أبي جعفر حيث يقول : إنه قال : إن رسول الله أقبل يقول لأبي بكر في الغار : اسكن، فإن الله معنا - إلى أن قال - تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدثون، وأريك جعفر وأصحابه في البحر يعومون، فقال : نعم، فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده على وجهه، فنظر الأنصار جالسين في مجالسهم، ونظر إلى جعفر وأصحابه في البحر يغوصون، فأضمر تلك الساعة أنه ساحر" ["البرهان" ص125، و"الروضة من الكافي" ج8 ص262].
وأما الفاروق، المطفئ نار المجوسية، والمكسر أصنام الكسروية وشوكتها، والهادم مجد اليهودية وعزها، المحبوب إلى حبيب الرب، والمبغوض إلى أعدائه وأعداء أمته، أبناء اليهود والمجوس، يقول فيه البحراني تحت قول الله عز وجل : { وكان الشيطان للإنسان خذولاً } وكان الشيطان هو الثاني، { يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً } يعنى الثاني { لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني } يعني الولاية" ["البرهان" ج3 ص166].(5/170)
ويمتد في غلوائه، ويتجاهر بالفحش والبذاءة حيث يقول : إبليس وما بمعناه كالمبلسين سيأتي في الشيطان تأويله بالثاني، ومنه يمكن استفادة تأويل إبليس به أيضاً لاتحاد المسمى بهما، وفي بعض الأخبار عن الأصبغ بن نباتة أن علياً عليه السلام أخرجه مع جمع فيهم حذيفة بن اليمان إلى الجبانة، وذكر معجزة عنه عليه السلام إلى أن قال : فقال علي عليه السلام : يا ملائكة ربي ايتوني الساعة بإبليس الأبالسة، وفرعون الفراعنة، فوالله! ما كان بأسرع من طرفة عين حتى أحضروه عنده فلما جرّوه بين يديه قام وقال : واويلاه من ظلم آل محمد، واويلاه من اجترائي عليهم، ثم قال : يا سيدي ارحمني، فإني لا أحتمل هذا العذاب، فقال عليه السلام : لا رحمك الله ولا غفر لك أيها الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان، ثم التفت إلينا، فقال : سلوه حتى يخبركم من هو؟ فقلنا له : من أنت؟ فقال أنا إبليس الأبالسة وفرعون هذه الأمة، أنا الذي جحدت سيدي ومولاي أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، و أنكرت آياته ومعجزاته الخبر، والظاهر أن المراد به الثاني حيث كان هو رأس المفسدين، وهو الذي أوّل به الشيطان في القرآن" ["البرهان، مقدمة" ص98].
وأما محسن المسلمين والإسلام عثمان بن عفان فقد كتب فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : قد أقلتك إسلامك فاذهب فأنزل الله تعالى: { يمنون عليك أن أسلموا } الخ" ["البرهان" ج4 ص215].(5/171)
ويظهر بغضه وحقده للجميع فيقول تحت قول الله عز وجل : { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } المراد هم الذين سموا أنفسهم [وقد أعماه الحسد والحقد والجهل حتى لم يدر بأن واحداً من هؤلاء الثلاثة لم يسم نفسه بهذه الأسماء، ولم ترد رواية في ذلك، بل سماهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته بهذه الأسماء والألقاب كما مر سابقاً، والبغيض اللعان لم يدر أيضاً بأن الثابت في الروايات وكتب القوم أن علياً رضي الله عنه هو الذي سمى نفسه بهذه الأسماء، وأطلقها بنفسه على نفسه "أنا الصديق وأنا الفاروق" ("الاحتجاج" للطبرسي ج1 ص95) فافهم وتدبر] بالصديق والفاروق وذي النورين" ["البرهان، مقدمة" ص172].
ويحكم ويتحكم أن المراد { بمن ثقلت موازينه } عليّ وشيعته، والمراد { بمن خفت موازينه } الثلاثة وأتباعهم ["مقدمة" ص333].
ويتقدم في تحكمه واستهزائه لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وأزواجه حيث يقول : { إن الذين جاءوا بالإفك } نزلت في عائشة وحفصة وأبي بكر وعمر لما قذفوا مارية القبطية وجريحاُ" ["البرهان" ج3 ص127].
ومفسرهم الرابع الكاشاني ليس أقل لوماً ولا خبثاً من الآخرين من بني قومه، وهو الذي كتب تحت قول الله عز وجل : { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً } نزلت في الأول والثاني والثالث والرابع (يعني معاوية) وعبد الرحمن وطلحة" ["تفسير صافي" للكاشاني ص136 ط إيران بالحجم الكبير].(5/172)
وكتب تحت قول الله عز وجل : { ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } لما أقام الرسول { علياً يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين، وهم أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة، قال عمر : "ألا ترون عينيه كأنهما عينا مجنون - يعني النبي -، يقوم ويقول : قال لي ربي" - أستغفر الله من نقل هذه الخرافة وهذا الكفر، ولعنة الله على الكاذبين – ["الصافي" ص236 الحجم الكبير وص715 ج1 الحجم الصغير].
وشاتمهم الخامس المسمي نفسه بالمفسر، العروسي الحويزي، فيقول تحت قول الله تعالى : { لها سبعة أبواب } عن أبي بصير قال : يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب بابها الأول للظالم وهو زريق وبابها الثانى لحبتر والباب الثالث للثالث والرابع لمعاوية والخامس لعبد الملك والسادس لعكر بن هوسر والسابع لأبي سلامة، فهم باب لمن اتبعهم" ["نور الثقلين" ج3 ص18].
وعلق المحشي اللعين على هذه الأسماء بقوله : قال المجلسي : زريق كناية عن الأول لأن العرب يتشاءم بزرقة العين، والحبتر هو الثعلب ولعله إنما كنى عنه لحيلته ومكره، وفى غيره من الأخبار وقع بالعكس وهو أظهر إذا الحبتر بالأول أنسب، ويمكن أن يكون هنا أيضاً المراد ذلك، وإنما قدم الثاني لأنه أشقى وأفظ وأغلظ، وعسكر بن هوسر كناية عن بعض خلفاء بنى أمية أو بني العباس. وكذا أبي سلامة كناية عن أبي جعفر الدوانيقي، ويحتمل أن يكون عسكر كناية عن عائشة وسائر أهل الجمل، إذ كان اسم جمل عائشة عسكراً وروى أنه كان شيطاناً" ["نور الثقلين" ج3 ص18 ط قم – إيران].(5/173)
وكتب تحت قول الله عز وجل : { الذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } قال : الذين يدعون من دون الله الأول والثاني والثالث، كذبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: والوا علياً واتبعوه، فعادوا علياً ولم يوالوه، ودعوا الناس إلى ولاية أنفسهم فذلك قول الله : والذين يدعون من دون الله …… "أموات غير أحياء" كفار غير مؤمنين …… "وهم مستكبرون" يعني عن ولاية علي" ["نور الثقلين" ج3 ص47].
محدثوا الشيعة وفقهاؤهم
فهؤلاء هم مفسروا الشيعة اللعانون السبابون الشتامون، المكفرون أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - والأخيار منهم، الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، وها هي كتبهم في التفسير، كتب الشتائم والسباب، واللعائن والمطاعن، كتب القذائف والتهم، وعلى من؟ على الذين شهد الله بطهارتهم ونقائهم وصفائهم، وبشرهم بالفوز والفلاح والجنة والرضى، أصحاب رسول الله ورفاقه، تلامذته ومريديه الذين عاشروا الرسول، وبايعوه، ناصروه وأيدوه . هاجروا معه وتركوا لأجله أقاربهم وعشائرهم، أولادهم وأموالهم، ديارهم وأوطانهم، واتبعوا النور الذي أنزل معه، وجاهدوا تحت رايته، وبذلوا كل غال وثمين بإشاراته. وحملوا رايته بعده وأعلوها على شواهق الجبال، وأوصلوها إلى ما وراء الأبحر، الصديق والفاروق وذي النورين رضي الله عنهم أجمعين، الذين قدّرهم أهل البيت حق التقدير، وعظموهم ومجدوهم، وبالغوا في إكرامهم، وأثنوا عليهم في حياتهم وبعد وفاتهم ثناء عاطراً، وقدموا لهم ثمار قلوبهم وأفذاذ أكبادهم، وجعلوا هديهم هدف العين، وانتهجوا منهجهم واقتدوا بمسلكهم.(5/174)
وأما الشيعة المتزعمين حبهم واتباعهم فعلوا عكس ذلك، وخالفوهم مخالفة صريحة، ظاهرة باهرة، حيث لا يخلو كتاب من كتبهم إلا وهو مليء من أردأ القول وأفحش الكلام كما نقلناه من الذين يدعون بأنهم مفسرو القوم، وعلم التفسير منهم بريء، وحاشا لله أن يكون المفسرون كهؤلاء.
وأما محدثو الشيعة وفقهائهم فهم على شاكلتهم، فلا يخلوا كتاب من كتبهم عن مثل هذه الترهات والافتراءات، مخالفين تماماً أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيت علي رضي الله عنه ، مبغضين محبي رسول الله ومحبوبيه، لاعنين أرحام رسول الله وأصهاره وأزواجه أمهات المؤمنين.
فلنلق نظرة عابرة على موقف محدثي الشيعة وفقهائهم . فها هو الكليني كبير القوم ومحدثهم يبيّن عقيدته ويظهر سريرة نفسه، ويكشف عن قرارة قلبه عندما يكتب تحت قول الله عز وجل : حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم - يعني أمير المؤمنين - أي علي - و { كره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } الأول والثاني والثالث" ["الأصول من الكافي" ج1 ص426].
ويصرح أكثر حيث يقول : لما رأى رسول الله تيماً وعدياً وبني أمية [يقصد به أبا بكر الصديق الذي كان من تيم، والفاروق الذي كان من عدي، وذا النورين الذي كان من بني أمية] يركبون منبره أفزعه، فأنزل الله تبارك وتعالى قرآناً يتأسى به { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس، أبى } ثم أوحى إليه يا محمد! إني أمرت فلم أطع فلا تجزع أنت إذا أمرت فلم تطع في وصيك أيضاً" ["الأصول من الكافي"، كتاب الحجة ج1 ص426 ط طهران].(5/175)
ويكتب تحت قول الله تبارك وتعالى : { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى } فلان وفلان وفلان، ارتدوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، { ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر } قال : نزلت والله فيهما وفي أتباعهما، وهو قول الله عز وجل الذي نزل به جبرئيل عليه السلام على محمد - صلى الله عليه وسلم - : ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله (في علي عليه السلام) سنطيعكم في بعض الأمر" ["كتاب الحجة من الكافي" ج1 ص420].
ويروي عن عبد الملك بن أعين أنه قال : قلت لأبي عبد الله : خبرني عن الرجلين؟ قال : ظلمانا حقنا في كتاب الله عز وجل، ومنعا فاطمة صلوات الله عليها ميراثها من أبيها، وجرى ظلمهما إلى اليوم قال – وأشار إلى خلفه – ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما" ["كتاب الروضة من الكافي" ج8 ص102].
كما روي عن الكميت الأسدي أنه قال : قلت : خبرني عن الرجلين؟ قال : فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثم قال : والله يا كميت! ما أهريق محجمة من دم، ولا أخذ مال من غير حله، ولا قلب حجر عن حجر إلا ذاك في أعناقهما" ["كتاب الروضة" ص103].
ويكذب أيضاً أن حنان بن سويد روى عن أبيه أنه قال : سألت أبا جعفر عنهما فقال : يا أبا الفضل! ما تسألني عنهما فوالله ما مات منا ميت قط إلا ساخطاً عليهما يوصي بذلك الكبير منا الصغير، إنهما ظلمانا حقنا، ومنعانا فيئنا، وكانا أول من ركب أعناقنا وبثقا علينا بثقا في الإسلام، لا يسكر أبداً حتى يقوم قائمنا أو يتكلم متكلمنا" ["كتاب الروضة من الكافي" ج8 ص102].(5/176)
ويقول مصرحاً : أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً كئيباً حزيناً، فقال له علي عليه السلام : ما لي أراك يا رسول الله كئيباً حزيناً؟ قال : وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم وبني عدى وبني أمية يصعدون منبري هذا يردون الناس عن الإسلام قهقرى" ["كتاب الروضة من الكافي" ص345].
كما روي عن أبي جعفر أنه قال : ما كان ولد يعقوب أنبياء لكنهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء، ولم يكن يفارقوا الدنيا إلا السعداء، تابوا وتذكروا ما صنعوا، وإن الشيخين فارقا الدنيا ولم يتوبا ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" ["كتاب الروضة من الكافي" ص246].(5/177)
وأما ابن بابويه القمي أحد كتّاب الصحاح الأربعة الشيعية والملقب بالصدوق يكتب طاعنا في الصديق الأكبر والفاروق الأعظم رضي الله عنهما "أن أبا بكر لما بُويع ذهب أنصار علي إليه، فتكلموا في الأمر، فقال لهم علي رضي الله عنه : وقد اتفقت عليه الأمة التاركة لقول نبيها والكاذبة على ربها، ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي، فأبوا إلا السكوت لما تعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لله عز وجل ولأهل بيت نبيه عليه السلام، وإنهم ليطالبون بثأرات الجاهلية، والله! لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال كما فعلوا ذلك حتى قهروني وغلبوني على نفسي ….. ولكن ايتوا الرجل فأخبروه بما سمعتم من نبيكم، ولا تجعلوه في شبهة من أمره ليكون ذلك أعظم للحجة عليه وأزيد وأبلغ في عقوبته إذ عتا ربه، وقد عصا نبيه وخالفا أمره، قال : فانطلقوا حتى حفوا بمنبر رسول الله يوم جمعة ….. وكان أول من بدا وقام خالد بن سعيد بن العاص بإدلاله ببني أمية - إلى أن قال - فقال له عمر بن الخطاب : اسكت يا خالد فلست من أهل المشورة، ولا ممن يرضى بقوله، فقال خالد : بل اسكت أنت يا ابن الخطاب فوالله! إنك لتعلم أنك تنطق بغير لسانك، وتعتصم بغير أركانك، والله! إن قريشاً لتعلم أني أعلاها حسباً وأقواها أدباً وأجملها ذكراً وأقلها غنى من الله ورسوله وإنك لجبان عند الحرب، بخيل في الجدب، لئيم العنصر، مالك في قريش مفخر" ["كتاب الخصال" ص463 ط مكتبة الصدوق طهران].
هذا ويقول في ذي النورين رضي الله عنه :
إن في التابوت الأسفل ستة من الأولين وستة من الآخرين ….. والستة من الآخرين فنعثل ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري، ونسي المحدث اثنين" ["كتاب الخصال" ص485].
وذكر في موضع آخر من كتاب الخصال :(5/178)
"شر الأولين والآخرين اثنا عشر، ستة من الأولين وستة من الآخرين، ثم سمى الستة من الأولين، ابن آدم الذى قتل أخاه، وفرعون وهامان وقارون والسامري والدجال اسمه في الأولين ويخرج في الآخرين، وأما الستة من الآخرين فالعجل وهو نعثل، وفرعون وهو معاوية، وهامان هذه الأمة وهو زياد، وقارونها وهو سعيد والسامري وهو أبو موسى عبد الله بن قيس لأنه قال كما قال سامري قوم موسى : لا مساس أي لا قتال، والأبتر وهو عمرو بن العاص" ["كتاب الخصال" ص458، 459].
ويقول : وحب أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، من الذين ظلموا آل محمد عليهم السلام. وهتكوا حجابه فأخذوا من فاطمة عليها السلام فدك [انظر كيف يتهجم على الصديق في معاملة رضيت فيها فاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنها رضيت ولكن من يرضي قوم عبد الله بن سبأ النجل اليهودي الذي يسعى بين الأمة لتفريق كلمتها وتمزيق وحدتها وتشتيت شملها؟] ومنعوها ميراثها، وغصبوها وزوجها حقوقها، وهموا بإحراق بيتها [قصة باطلة، موضوعة، مختلقة، اختلقوها للطعن على الفاروق الأعظم]. وأسسوا الظلم وغيروا سنة رسول الله، والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين واجبة. والبراءة من الأنصاب والأزلام أئمة الضلال وقادة الجور كلهم أولهم وآخرهم واجبة" ["كتاب الخصال" ج2 ص607 ط مطبعة الحيدري طهران].
ويكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - والصديق والصديقة رضي الله عنهما، ويكبّ عليهما ما يكنّه من البغض والحقد والحسد والضغينة، وينسج هذه الحكاية الباطلة الخبيثة فيقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي :(5/179)
... يا علي! من أحبك ووالاك سبقت له الرحمة، ومن أبغضك وعاداك سبقت له اللعنة، فقالت عائشة : يا رسول الله! ادع الله لي ولأبي لا نكون ممن يبغضه ويعاديه، فقال - صلى الله عليه وسلم - : اسكتي إن كنت أنت وأبوك ممن يتولاه ويحبه فقد سبقت لكما الرحمة، وإن كنتما ممن يبغضه ويعاديه فقد سبقت لكما اللعنة، ولقد جئت أنت وأبوك إن كان أبوك أول من يظلمه وأنت أول من يقاتله غيري؟" ["كتاب الخصال" ج2 ص556].
ويقول : إن جعفراً سئل "ما بال أمير المؤمنين (ع) لم يقاتل فلاناً وفلاناً وفلاناً؟ قال : لآية في كتاب الله عز وجل { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } ، قبل : وما يعني بتزايلهم؟ قال : ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين" ["علل الشرائع" لابن بابويه ص147 ط نجف].
وزاد "لم لم يجاهد أعدائه خمساً وعشرين سنة بعد رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) ثم جاهد في أيام ولايته؟ لأنه اقتدى برسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) في تركه جهاد المشركين بمكة ثلاثة عشرة سنة بعد النبوة وبالمدينة تسعة عشر شهراً، وذلك لقلة أعوانه عليهم، وكذلك علي عليه السلام [ومن الغرائب أن القوم لا يذكرون أسماء واحد من أئمتهم إلا ويعقبونها بالكلمة الكاملة "عليه السلام أو عليهم السلام" في وقت يجردون اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - أحياناً، وأحياناً يكتفون بذكر حرف "ص" فقط، وهذا يدل على معتقد القوم تجاه أئمتهم وتجاه النبي عليه الصلاة والسلام] ترك مجاهدة أعدائه لقلة أعوانه عليهم" ["علل الشرائع" ص147].
فانظر إلى الأساطير كيف نسجت، والقصص كيف اخترعت، ولا يشبع من تسميتهم بأئمة الضلالة والجور والدعاة إلى النار، بل يزداد في غلوائه وتعديه على الخلفاء الراشدين، ويشبههم بمشركي مكة أعداء رسول الله وخصوم دينه.(5/180)
... نعم! يشبه هؤلاء البررة الأخيار، حملة راية الله، مبلغي كلمة الله، وناشري دين الله، أحباء رسول الله ومحبيه، الذين في عصورهم وعهودهم وأيامهم تحققت مبشرات رسول الله ونبوءاته التي جعلها آية صدق على نبوة نبيه ورسوله المصطفى، روحي له ولأحبائه الفداء - صلى الله عليه وسلم -، البشائر التي ذكرها هذا الجريء المفتري نفسه في كتابه عن البراء بن عازب أنه قال :
لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق عرضت له صخرة عظيمة شديدة في عرض الخندق لا تأخذ فيها المعاول فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآها وضع ثوبه فأخذ المعول، وقال : بسم الله وضرب ضربة فكسر ثلثها، فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقال : بسم الله، ففلق ثلثاً آخر، فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة ففلق بقية الحجر، فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا" ["كتاب الخصال" ج1 ص162].
فمن الذي تحققت في خلافته هده النبوءات؟ ومن الذي عبر عنه الناطق بالوحي "أعطيت مفاتيح الشام، وأعطيت مفاتيح فارس، وأعطيت مفاتيح اليمن"؟.
ومن جعله قائم مقام نفسه حتى عبر عن إعطاء المفاتيح إياه كإعطائها لنفسه، وهل من مجيب؟
فهذا هو صدوقهم الذي جعلوا كتبه أصح الكتب، ولا بعد كتاب الله، لأن كتاب الله محرف مغير فيه حسب اعتقادهم، وقصداً حاولنا التركيز في كتاب واحد من كتبه – وكلها على شاكلته – لكي يعرف القارئ والباحث حشده وملأه من الحنق والحقد على خيار خلق الله بعد الأنبياء والرسل عليهم السلام ورضوان الله عليهم.(5/181)
وأما محدثهم الأقدام - كما يسمونه - الذي استفاد منه الكليني والصدوق وغيرهما ورووا عنه في كتبهم، وهو سليم بن قيس فلم يجد سباً قبيحاً ولا شتيمة خبيثة إلا وقد استعملها فيهم حتى بلغت جرأته إلى أن قال كذباً على عليّ أنه قال :
تدري من أول من بايع "أبا بكر" حين صعد المنبر؟
قلت : لا ولكن رأيت شيخاً كبيراً يتوكأ على عصاه بين عينيه سجادة شديدة التشمير صعد المنبر أول من صعد وهو يبكي ويقول : الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان، ابسط يدك، فبسط يده فبايعه، ثم قال : يوم كيوم آدم، ثم نزل فخرج من المسجد. فقال علي عليه السلام : يا سلمان! أتدري من؟
قلت : لا، ولكن ساءتني مقالته كأنه شامت بموت رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) قال علي عليه السلام : فإن ذلك إبليس ….. – إلى أن قال – ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين" ["كتاب سليم بن قيس" ص80، 81].
واخترع في ذم الخلفاء الراشدين، وسادة أصحاب الرسول، وقادة الأمة قصة يضحك منها حتى السفهاء والأطفال ولكن قيل قديماً : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.
فانظر إليه كيف ينسج ويخترع قصة طويلة ملؤها سب وشتم :(5/182)
"فلما رأى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم إياه لزم بيته، فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع فإنه لم يبق أحد إلا قد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة، وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غوراً، والآخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما، فقال له أبو بكر من نرسل إليه : فقال عمر : نرسل إليه قتفذاً وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب، فأرسله وأرسل معه أعواناً وانطلق فاستأذن على عليّ عليه السلام فأبى أن يأذن لهم فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد والناس حولهما فقالوا : لم يؤذن لنا، فقال عمر : اذهبوا فإن أذن لكم وإلا فادخلوا بغير إذن، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلام : أحرج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن فرجعوا وثبت قنفذ الملعون فقالوا : إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن فغضب عمر وقال : مالنا وللنساء ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل عليّ وفاطمة وابناها ثم نادى عمر حتى أسمع علياً عليه السلام وفاطمة والله لتخرجن يا علي! ولتبايعن خليفة رسول الله إلا أضرمت عليك النار، فقالت فاطمة عليها السلام : يا عمر! مالنا ولك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم فقالت : يا عمر! أما تتقي الله تدخل على بيتي فأبى أن ينصرف، ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل استقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت يا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت يا رسول الله! لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله فذكر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أوصاه به، فقال : والذي كرم محمداً بالنبوة يا ابن صهاك! لو لا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليّ رسول الله لعلمت أنك لا تدخل(5/183)
بيتي فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي عليه السلام إلى سيفه فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج على (ع) بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته فقال أبو بكر لقنفذ ارجع فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو أصحابه بغير إذن وثار علي عليه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه فألقوا في عنقه حبلاً وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلاً حتى انتهى به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح، قال قلت لسلمان : أدخلوا على فاطمة (ع) بغير إذن؟ قال : إي والله وما عليها خمار فنادت يا أبتاه يا رسول الله فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر وعيناك لم تتفتأ في قبرك، تنادي بأعلى صوتها، فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون ما فيهم إلا باك غير عمر وخالد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول : إنا لسنا من النساء ورأيهن في شيء قال فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر وهو يقول، أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لم تصلوا إلى هذا أبداً، أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم، ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلاً لفرقت جماعتكم ولكن لعن الله أقواماً بايعوني ثم خذلوني، ولما أن بصر به أبو بكر صاح خلوا سبيله، فقال علي عليه السلام يا أبا بكر ما أسرع ما توثبتم على رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) وقد كان قنفذ لعنه الله حين ضرب فاطمة (ع)(5/184)
بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة لبيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة، قال ولما انتهى بعلي عليه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له : بايع ودع عنك هذه الأباطيل فقال له علي (ع) فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا : نقتلك ذلاً وصغاراّ، فقال : إذاً تقتلون عبداً لله وأخا رسوله، قال أبو بكر أما عبد الله فنعم وأما أخا رسول الله فما نقر بهذا قال : أتجحدون أم رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) آخى بيني وبينه، قال : نعم، فأعاد ذلك عليه ثلاث مرات ثم أقبل عليهم علي عليه السلام فقال: يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار وأنشدكم الله أسمعتم رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) يقول يوم غدير خم كذ وكذا، فلم يدع عليه السلام شيئاً قاله فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانية للعامة إلا ذكرهم إياه قالوا : نعم! فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه، بادرهم فقال كلما قلت حق قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا ولكن قد سمعت رسول الله يقول بعد هذا إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فقال علي (ع) هل أحد من أصحاب رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) شهد هذا معك، فقال عمر : صدق خليفة رسول الله قد سمعته منه كما قال، وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل : قد سمعنا ذلك من رسول الله فقال علي عليه السلام لقد وفيتم بصحيفتكم التي تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل الله محمداً أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت، فقال أبو بكر : فما علمك بذلك؟ ما أطعناك عليها فقال عليه السلام : أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد أسألكم بالله وبالإسلام أما سمعتم رسول الله (-(5/185)
صلى الله عليه وسلم -) يقول ذلك وأنتم تسمعون أن فلاناً وفلاناً حتى عدهم هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتاباً وتعاهدوا فيه وتعاقدوا على ما صنعوا، فقالوا : اللهم نعم قد سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك لك إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا وكتبوا بينهم كتاباً إن قتلت أو مت أن يزووا عنك هذا يا علي، قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل، فقال : لك إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم وإن أنت لم تجد أعواناً فبايع واحقن دمك، فقال علي عليه السلام : أما والله لو أن أولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة وفيما يكذب قولكم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً فالكتاب النبوة، والحكمة السنة والملك الخلافة ونحن آل إبراهيم، فقام المقداد فقال : يا علي! بما تأمرني؟ والله إن أمرتني لأضربن بسيفي وإن أمرتني كففت فقال على (ع) كف يا مقداد واذكر عهد رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) وما أوصاك به فقمت وقلت : والذي نفسي بيده لو أني أعلم أنى أدفع ضيماً وأعز لله ديناً لوضعت سيفي على عنقي ثم ضربت به قدما قدما، أتثبون على أخي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصيه وخليفته في أمته وأبي ولده فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء، وقام أبو ذر فقال : أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها المخذوله بعصيانها إن الله يقول : (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) وآل محمد الأخلاف من نوح وآل إبراهيم من إبراهيم والصفوة والسلالة من إسماعيل وعترة النبي محمد وأهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وهم كالسماء المرفوعة والجبال المنصوبة(5/186)
والكعبة المستورة والعين الصافية والنجوم الهادية والشجرة المباركة أضاء نورها وبورك زيتها محمد خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم وعلي وصي الأوصياء وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وهو الصديق الأكبر والفاروق الأعظم ووصي محمد ووارث علمه وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم كما قال الله: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } فقدموا من قدم الله، وأخروا من أخر الله، واجعلوا الولاية والوراثة لمن جعل الله، فقام عمر فقال لأبي بكر وهو جالس فوق المنبر، ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك أو تأمر به فتضرب عنقه والحسن والحسين عليهم السلام قائمان فلما سمعا مقالة عمر بكيا فضمهما عليه السلام إلى صدره فقال : لا تبكيا فوالله ما يقدران على قتل أبيكما، وأقبلت أم أيمن حاضنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا أبا بكر ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم، فأمر بها عمر، فأخرجت من المسجد وقال : ما لنا وللنساء؟ (وقام بريدة الأسلمي) وقال : أتثب يا عمر على أخي رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) وأبي ولده وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفك ألستما اللذين قال لكما رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) انطلقا إلى علي وسلما عليه بامرة المؤمنين فقلتما أعن أمر الله وأمر رسوله قال : نعم، فقال أبو بكر : قد كان ذلك ولكن رسول الله قال بعد ذلك : لا يجتمع لأهل بيتي النبوة والخلافة، فقال والله ما قال هذا رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) والله لا سكنت في بلدة أنت فيها أمير، فأمر به عمر فضرب وطرد، ثم قال : قم يا ابن أبي طالب فبايع فقال : فإن لم أفعل قال : إذاً والله نضرب عنقك، فاحتج عليهم ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك منه، فنادى علي عليه السلام قبل أن يبايع والحبل في عنقه (يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا(5/187)
يقتلوني)" ["كتاب سليم بن قيس" ص83 إلى 89].
ولم يشبع بهذه القذارة وهذه الترهات إلا وزادها بأكاذيب أخرى حيث قال : قال الزبير لما بايع أبا بكر لعمر بن الخطاب يا ابن الصهاك! أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين عانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي لما أعرف من جبنك [فانظر إلى الكذب الذي يكذب صاحبه ويفضحه.
أشجاع مثل الفاروق يحتاج لإثبات شجاعته إلى مثل هذا النباح الذي ينبح؟ وألد خصومه لا يتهمه بمثل ما اتهمه هذا الكذاب الأشر، إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور] ولومك، ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول، فغضب عمر وقال : أتذكر صهاك؟
قال : ومن صهاك؟ وما يمنعني من ذكرها ؟ وقد كانت صهاك زانية، أو تنكر ذلك، أوليس كانت أمة حبشية لجدي عبد المطلب فزنى بها جدك نفيل، فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب لجدك بعد ما زنى بها فولدته وإنه لعبد جدي ولد زنا" ["كتاب سليم بن قيس" ص89، 90].(5/188)
ولا هذا فحسب، بل يتقدم أكثر وأكثر في لومه ونجاسته، وخبثه ويهوديته ويقول : قلت لسلمان : أفبايعت أبا بكر يا سلمان! ولم تقل شيئاً، قال قد قلت بعد ما بايعت تباً لكم سائر الدهر أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم أصبتم وأخطأتم ثم أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف وأخطأتم سنة نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها، فقال عمر : يا سلمان أما إذ بايع صاحبك وبايعت فقل ما شئت وافعل ما بدا لك وليقل صاحبك ما بدا له قال سلمان : فقلت سمعت رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) يقول : إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعاً، فقال له : قل ما شئت أليس قد بايعت ولم يقر الله عينيك بأن يليها صاحبك، فقلت : أشهد أني قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة أنك باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم فقال لي : قل ما شئت أليس قد أزالها الله عن أهل البيت الذين اتخذتموهم أرباباً من دون الله، فقلت له : أشهد أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وسألته عن هذه الآية { يومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد } فأخبرني أنك أنت هو، فقال لي عمر : اسكت أسكت الله نامتك أيها العبد ابن اللخناء فقال لي عليه السلام : أقسمت عليك يا سلمان! لما سكت فقال سلمان والله! لو لم يأمرني علي (ع) بالسكوت لخبرته بكل شيء نزل فيه وكل شيء سمعته من رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) فيه وفي صاحبه. فلما رآني عمر قد سكت قال إنك له لمطيع مسلم، فلما أن بايع أبو ذر والمقداد ولم يقولا شيئاً قال عمر : يا سلمان ألا تكف كما كف صاحبك والله! ما أنت بأشد حباً لأهل هذا البيت منهما ولا أشد تعظيماً لحقهم منهما وقد كفا كما نرى وبايعا، وقال أبو ذر : يا عمر! أفتعيرنا بحب آل محمد وتعظيمهم، لعن الله - وقد فعل - من أبغضهم وافترى عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم ورد هذه الأمة القهقهرى على أدبارها، فقال عمر :(5/189)
آمين لعن الله من ظلمهم حقهم لا والله ما لهم فيها حق وما هم فيها وعرض الناس إلا سواء قال أبو ذر فلم خاصمتم الأنصار بحقهم وحجتهم قال علي عليه السلام لعمر : يا ابن صهاك فليس لنا فيها حق وهي لك ولابن آكلة الذباب، قال عمر: كفّ الآن يا أبا الحسن إذ بايعت فإن العامة رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك فما ذنبي؟ قال علي عليه السلام : ولكن الله عز وجل ورسوله لم يرضيا إلا بي فابشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما ووازركما بسخط من الله وعذابه وخزيه ويلك يا ابن الخطاب لو تدري ما منه خرجت وفيما دخلت وماذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك" ["كتاب سليم بن قيس" ص90، 91].
وأيضاً "إن تابوتاً من نار فيها اثنا عشر رجلاً ستة من الأولين وستة من الآخرين في جب، في قعر جهنم، في تابوت مقفل، على ذلك الجب صخرة، فإذا أراد الله أن يسعر جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعرّت جهنم من وهج ذلك الجب ومن حره، …. أما الأولون ….. والآخرين، الدجال وهؤلاء الخمسة، أصحاب الصحيفة والكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذي تعاهدوا عليه ….. وقال علي عليه السلام لعثمان - وعلي منه بريء. ورب الكعبة! -: سمعت رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) يلعنك ثم لم يستغفر الله لك بعد ما لعنك ….. وقال : إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) غير أربعة، إن الناس صاروا بعد رسول الله بمنزلة هارون ومن تبعه، ومنزلة العجل ومن تبعه، فعلى في شبه هارون، وعتيق في شبه العجل، وعمر في شبه السامري - عفوك يا رباه من نقل هذا الهذيان والكفريات – ["كتاب سليم بن قيس" ص91، 92 ط بيروت].
ويقول زوراً وبهتاناً وكذباً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر الناس :(5/190)
"سلموا على أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، بإمرة المؤمنين [وهل يعقل أن الرسول عليه السلام يجعل أحداً أمير المؤمنين وهو حي موجود ثم ولا يعلمه أحد ولا يخبر بذلك في السقيفة عندما جرى هنالك ما جرى بين الأنصار والمهاجرين، ولكن القوم ليس لهم قلوب يفقهون بها، ولا أعين يبصرون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل] فإنه زر الأرض الذي تسكن إليه، ولو قد فقد تموه أنكرتم الأرض وأهلها، فرأيت عجل هذه الأمة وسامريها راجعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا : حق من الله ورسوله؟ فغضب رسول الله ثم قال : حق من الله ورسوله، ….. فقالا : ما بال هذا الرجل ما زال يرفع خصيصة ابن عمه" ["كتاب سليم بن قيس" ص167].
وتجرأ هذا اللعين إن كان هو القاتل، أو من نسب إليه هذا واخترعه باسمه، وافترى على أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، زوجته، أم المؤمنين - بما فيهم علي وعائلته لأنهم من المؤمنين، وأزواجه أمهاتهم - على الصديقة الطيبة الطاهرة بشهادة القرآن، فقال :
دخل علي عليه السلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعائشة قاعدة خلفه …. فقعد بين رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) وبين عائشة فغضبت وقالت : ما وجدت لإستك موضعاً غير حجري، فغضب رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) وقال : يا حميراء لا تؤذيني في أخي عليّ فإنه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين وصاحب الغر المحجلين يجعله الله على صراط فيقاسم النار ويدخل أولياءه الجنة ويدخل أعداءه النار" ["كتاب سليم بن قيس" ص179].
وأخيراً ننقل عنه ما أورده في الخلفاء الراشدين الثلاثة حيث يذكر.
أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتب إلى معاوية بن أبي سفيان [الذي آمن عام الفتح وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن (كتاب الخصال لابن بابويه القمي ج1 ص276)] رضي الله عنهما فيما كتب :(5/191)
"إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى اثنى عشر إماماً من أئمة الضلالة على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقهرى، رجلان من قريش، وعشرة من بني أمية، أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه - أي عثمان – ["كتاب سليم بن قيس" ص196].
هذا وما أكثر مثل هذا الكتاب الذي كتب على غلافه :
"من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس العامري فليس عنده من أمرنا شيء، وهو سر من أسرار محمد - صلى الله عليه وسلم -، الإمام الصادق".
والذي قال فيه المجلسي : والحق أنه من الأصول المعتبرة" [مقدمة الكتاب ص13].
وقال فيه ابن النديم الشيعي في الفهرست : وكان قيس شيخاً له نور يعلوه وأول كتاب ظهر للشيعة كتاب سليم بن قيس" [مقدمة الكتاب ص13].
وقال الشيخ الجليل للقوم محمد بن إبراهيم الكاتب النعماني في كتاب الغيبة المطبوع بإيران : وليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الأئمة عليهم السلام خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأصول التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت عليهم السلام وأقدمها لأن جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل، إنما هو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأمير المؤمنين (ع) والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) وأمير المؤمنين (ع) وسمع منها، وهو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها وتعول عليها" [مقدمة الكتاب ص12].
أو بعد هذا مجال لقائل مخادع أن يقول :
إن فكرة اتهام الشيعة بسب الصحابة وتفكيرهم - كونتها السياسة الغاشمة، وتعاهد تركيزها أناس مرتزقة باعوا ضمائرهم بثمن بخس وتمرغوا على أعتاب الظلمة، يتقربون إليهم بذم الشيعة وقد استغل أعداء الدين هذه الفرصة فوسعوا دائرة الانشقاق لينالوا أغراضهم، ويشفوا صدورهم من الإسلام وأهله، وراح المهرجون يتحمسون لإثارة الفتن وإيقاد نار البغضاء بين المسلمين بدون تدبر وتثبت، وقد ملئت قلوبهم غيظاً.(5/192)
وبحكم السياسة وتحكمها أصبحت الشيعة وهى ترمي بكل عظيمة وتهاجم بهجمات عنيفة، واندفع ذووا الأطماع يعرضون ولاءهم للدولة في تأييد ذلك النظام والاعتراف به، وأنه قد أصبح جزءاً من حياة الأمة العقلية وهم يخادعون أنفسهم .
ولم يفتحوا باب النقاش العلمي، وحرموا الناس حرية القول، وأرغموهم على الاعتراف بفكر الشيعة والابتعاد عن مذهب أهل البيت (ع) ولو سألهم سائل عن الحقيقة وطلب منهم أن يوضحوا لهم ذلك، فليس له جواب إلا شمول ذلك النظام له، ونحن نسائلهم :
1ـ أين هذه الأمة التي تكفر جميع الصحابة ويتبرءون منهم ؟
2ـ أين هذه الأمة التي تدعي لائمة أهل البيت (ع) منزلة الربوبية ؟
3ـ أين هذه الأمة التي أخذت تعاليمها من المجوس فمزجتها في عقائدها ؟
4ـ أين هذه الأمة التي حرفت القرآن وادعت نقصه ؟
5ـ أين هذه الأمة التي ابتدعت مذاهب خارجة عن الإسلام ؟
إنهم لا يستطيعون الجواب على ذلك، لأن الدولة قررت هذه الاتهامات فلا يمكنهم محالفتها . ولا يمكن إقناعهم بلغة العلم . وما أقرب الطريق إلى معرفة الحقيقة لو كان هناك صبابة من تفكير وبقايا من حب الاستطلاع وخوف من الله وحماية للدين" [الإمام الصادق" لأسد حيدر الشيعي ج2 ص617، 618 ط بيروت].
فنقول له : يا أستاذ! فكرة اتهام الشيعة بسب الصحابة وتفكيرهم - كونتها السياسة الغاشمة : أو إنها حقيقة واسعة واضحة بينة ثابتة مرة ؟
وقد أثبتها كتبكم أنتم مهما حاولتم تغطيتها، وطالما قصدتم إخفاءها.
فهل بعد نشر مثل هذه الكتب الخبيثة الجريحة تريدون أن تخدعوا المسلمين بأنكم لستم إلا طائفة من طوائف الإسلام وفئة من فئات المسلمين ولو منحرفة؟
فلا والله! لن ينخدع بهذه الأباطيل إلا من يريد أن يخدع نفسه لينال غرضاً من أغراضه، وطامع يعرض ولائه لهذا أم ذاك، أو جاهل غافل لا يدري عن الحق والحقيقة شيئاً.(5/193)
وهناك كم من المرتزقة وقفوا أقلامهم للطغاة والأشرار الشاتمين لأصحاب رسول الله، والطاعنين لحملة الإسلام وناشري الرسالة، يدافعون عن أولئك الطغاة، ويؤولون أقوالهم وكتاباتهم بتأويلات وتبريرات يمجها العقل ويزدريها الحجى، بائعين ضمائرهم بثمن بخس دراهم معدودة، هاتفين شعار وحدة الأمة واتفاقها واتحادها، وهل يمكن الاتحاد على أعراض الخلفاء الراشدين وهي تنتهك، وحرمات أزواج النبي، أمهات المؤمنين وهي تنتهب وتستلب؟
وهل يمكن أن تجتمع كلمة المسلمين ومثل هذه الكتب تطبع وتنشر؟
ومثل هذه العقائد فإنها تعلن بها وتجهر؟
أو يقال للجريح : لا تتأوه وللمضروب لا تتأفف فلا ولا، تلك إذاً قسمة ضيزى.
فأين دعاة التقريب من مغفلي السنة، أو من باع دينه بدنياه؟
أين هؤلاء! ألا ينظرون إلى مثل هذه الكتب، وما أكثرها، وعقائد القوم وما أعمقها؟
فلا يخلوا كتاب من كتب القوم الأصلية إلا وهو مليء من السباب والشتائم، واللعن والطعن مثل كتاب سليم بن قيس" [ونحن نعرف بأن بعضاً منهم لم يقرءوا من كتب القوم إلا ما كتب تقية لخداع العامة من السنة مثل "أصل الشيعة وأصولها" لمحمد حسين آل كاشف الغطاء، وككتاب أسد حيدر "الإمام الصادق والمذاهب الأربعة"].
ولقد ذكرنا بعض العبارات من بعضها، وها نحن نلقي نظرة عابرة على البعض الآخر.(5/194)
فمن كتب الشيعة في الحديث والرجال كتاب هام وقديم باسم "معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين" لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي [قال عنه القمي: هو الشيخ الجليل المتقدم أبو عمرو، قال الشيخ طوسي: إنه ثقة، بصير بالأخبار والرجال، حسن الاعتقاد صحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه، وداره كان مرتعاً للشيعة وأهل العلم . . . . ويظهر من معالم العلماء أن اسم كتابه "معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين" (ع) واختصره شيخ الطائفة وسماه ابختيار الرجال وصرح جماعة من أئمة الفن أن الموجود المتداول من عصر العلامة إلى وقتنا هذا هو اختيار الشيخ، والكشي نسبة إلى الكش من بلاد ما وراه النهر" (الكنى والألقاب) ج3 ص94، 95. وكان من مواليد القرن الرابع من الهجرة وتوفي فيه] والذي يعرف برجال الكشي، وهذا الكتاب له ميزة أخرى حيث ذكروا أن شيخ الطائفة أبا جعفر الطوسي الذي أدرج كتاباه "الاستبصار" و "التهذيب" في الصحاح الأربعة الشيعية هو الذي لخصه ورتبه، وبهذا يصير هذا الكتاب لشخصين، لمحدثهم وكبيرهم في الرجال ومعولهم وسندهم وحجتهم الكشي، ولإمامهم وشيخهم شيخ الطائفة الطوسي.
فمن هذا الكتاب نورد بعض الروايات التي تنبئ عن خرافات القوم وسخافاتهم، وعن حسدهم وبغضهم هؤلاء الأخيار، صحابة النبي المختار - صلى الله عليه وسلم -، خلفاءه الراشدين، ونوابه المهديين، رضوان الله عليهم أجمعين.
يكتبون فيه :
"إن محمد بن أبي بكر بايع علياً عليه السلام من البراءة من أبيه" ["رجال الكشي" تحت ترجمة محمد بن أبي بكر ص61 ص كربلاء].
وأيضاً أنه قال لعلي : أشهد أنك إمام مفترض طاعتك وإن أبي في النار" ["رجال الكشي" تحت ترجمة محمد بن أبي بكر ص61 ط كربلاء].
و"كان صهيب عبد سوء يبكي على عمر" ["رجال الكشي" ص41 تحت ترجمة بلا وصهيب].(5/195)
ويقول فيهما : ما أهريق دم، ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وحكم علي إلا وهو في أعناقهما" ["رجال الكشي" ص179، 180].
وأيضاً : "ما أهريق في الإسلام محجمة من دم، ولا اكتسب مال من غير حله، ولا نكح فرج حرام إلا ذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا، ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما" ["رجال الكشي" ص180].
ويقول في ذي النورين [من الأفضل، علي أم نبي؟ ولا ندري أن الأصل في الفضل هو النبي صلوات الله وسلامه عليه أم علي رضي الله عنه عند القوم لأنه إن كان الفضل والشرف لعلي بسبب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه صهره، زوج بنته وقريبه ومطيعه فلم حرم الآخرون المنتسبون إلى الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام، فكل من انتسب إليه وصدقه وآمن به وأطاعه وأحبه وقدمه على والديه وولده، وصاهره فهو عظيم يعظم، وكبير يؤقر، ومحترم يحترم حسب منزلته ومقامه، فعلي زوج ابنته فاطمة فيكر، وجدير به أن يكون، وذو النورين زوج ابنتيه زوجهما رسول الله الناطق بالوحي واحدة بعد واحدة عن رضى القلب وطيب النفس، وأنزله منزلة الفؤاد كما رواه علي، فلم لا يحترم ويعظم ويؤقر وهو مع ذلك ابن بنت عمته الحقيقية، وأول مهاجر في سبيل الله من المؤمنين بإيمانه وإسلامه؟ فعدلاً يا عباد الله.
وإننا لنرى بأن القوم لا يجعلون النبي أصلاً وجذراً يعظم ويحترم علي لأجله ونسبته إليه، بل هم يعظمونه ويحترمونه لعلي لأنه أخذ ابنته، وجعله قريبه وحبيبه. لذلك كل من اقترب من علي وناصره وساعده وأيده ودخل في شيعته هو الأفضل والأعلى لا غير، وعلى ذلك اخترعوا تلك الرواية الغريبة العجيبة المكذوبة والموضوعة الباطلة:
"إن الصدوق طاب ثراه يروي عن النبي (- صلى الله عليه وسلم -) قال: أعطيت ثلاثاً، وعلي مشاركي فيها، وأعطي علي (ع) ثلاثة ولم أشاركه فيها، فقيل: يا رسول الله وما الثلاث التي شاركك علي؟(5/196)
قال: لواء الحمد لي وعلى حامله، والكوثر لي وعلي (ع) ساقيه، واجلنة والنار لي وعلي قسيمها، وأما الثلاث التي أعطي علي ولم أشاركه فيها، فإنه أعطي شجاعة ولم أعط مثله، وأعطي فاطمة الزهراء زوجة ولم أعط مثلها، وأعطي ولديه الحسن والحسين ولم أعط مثلها، وأعطي ولديه الحسن والحسين ولم أعط مثلهما" (الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري).
والمجلسي لم يقتنع بهذا فزاد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له فيما قال: وخديجة كنتك (أم الزوجة) ولم أعط كنة مثلها، ومثلي رحيمك ولا رحيم لي مثل رحيمك (أب الزوج)، وجعفر شقيقك وليس لي شقيق مثله، وفاطمة الهاشمية أمك وأنى لي مثلها" (بحار الأنوار للمجلسي ص511 ط قديم الهند).
وهذه الروايات إن دلت - ومثلها كثيرة كثيرة – دلت على حقيقة معتقدات القوم بأنهم يعدون علياً الأصل ونبينا - صلى الله عليه وسلم - الفرع، كما أنهم يصرحون بأفضليته على رسول الله سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ظاهر بيّن، لا شك فيه]: إن الآية { يمنون عليك أن أسلموا } .
نزلت في عثمان" ["رجال الكشي" ص34].
فهذا هو كشيهم وطوسيهم.
وأما العاملي النباتي [هو أبو محمد زين الدين علي بن يونس العاملي، ولد في أوليات القرن التاسع ومات 877 "فقيه محدث مفسر" (معجم المؤلفين ج7 ص266).
"من فقهاء جبل العامل، ومن أفذاذ العلماء وجهابذة الكلام وأساطين الشريعة وأفاضل الرجال" (مقدمة للصراط ج2 ص19).
وأما كتاب "الصراط المستقيم" هو أجلّ آثار المؤلف وأعظم مصنفاته] فلقد خصص جزءً مستقلاً من كتابه للطعن واللعن، وبوب الباب بعنوان "باب في الطعن فيمن تقدمه (أي علي) بظلمه وعدوانه، وما أحدث كل واحد في زمانه من طغيانه" - ويكتب تحته – "وهذا الباب ينوع إلى ثلاثة بحسب المشائخ الثلاثة" ["الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم" للعين النباتي ج2 ص279 ط مطبعة الحيدري ونشر المكتبة المرتضوية].(5/197)
فكتب فيما كتب في النوع الأول على لسان رافضي مثله :
قالوا أبا بكر خليفة أحمد كذبوا عليه ومنزل القرآن
ما كان تيمي له بخليفة بل كان ذاك خليفة الشيطان ["الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم" ج2 ص299].
ويكتب ما في جعبته من الحقد والبغض لصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثاني اثنين إذ هما في الغار حيث يفتري على محمد بن أبي بكر أنه قال :
كنت عند أبي أنا وعمر وعائشة وأخي، فدعا بالويل ثلثاً وقال : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشرني بالنار، وبيده الصحيفة التي تعاقدنا عليها، فخرجوا دوني وقالوا : يهجر، فقلت : تهذي؟ قال : لا والله! لعن الله ابن الصهاك، فهو الذي صدني عن الذكر بعد إذ جاءني.
فما زال يدعو بالثبور حتى غمضْته، ثم أوصوني لا أتكلم حذراً من الشماتة" ["الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم" جص ص300].
هذا ما كتبه هذا الشاتم حشره الله مع مبغضي رسول الله وأصحابه.
وأما ما افتراه علي عبقري الإسلام، فاتح قيصر، وهازم شوكة الكسروية، ومخرج اليهودية عن جزيرة العرب، وصهر علي بن أبي طالب زوج أم كلثوم أنه قال عند احتضاره :
ليتني كنت كبشاً لأهلي، فأكلوا لحمي ومزقوا عظمي، ولم أرتكب إثمي" ["الصراط المستقيم ج3 ص25 تحت النوع الثاني].
ويكتب هذا اللعان اللعين تحت عنوان "كلام في خساسته وخبث سريرته" ما يستحيي منه الفسقة الفجرة أن قوله تعالى : { لا يستوى الخبيث والطيب } و { الخبيثات للخبيثين } نزلتا فيه" [الصراط المستقيم ج3 ص28].
وتجرأ أكثر، وبلغ إلى الدرك الأسفل من النار حيث كتب :-
إذا نسبت عدياً في بني مضر فقدم الدال قبل العين في النسب
وقدم السوء والفحشاء في رجل وغد زنيم عتل خائن النسب [الصراط المستقيم ج3 ص29]
وقال فيهما أعني في الصديق والفاروق :-
وكل ما كان من جور ومن فتن ففي رقابهما في النار طوقان [الصراط المستقيم ج3 ص13](5/198)
وكتب في صاحب الجود والحياء، زوج ابنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
كتب في النوع الثالث :
"إنه سمي نعثلاً تشبيها بذكر الضباع، فإنه نعثل لكثرة شعره ….. ويقال : النعثل، التيس الكبير العظيم اللحية، وقال الكلبي في "كتاب المثالب". كان عثمان ممن يلعب به ويتخنث، وكان يضرب بالدف" ["الصراط المستقيم" ج3 ص30].
وكتب "ما كان لعثمان اسم على أفواه الناس إلا الكافر" [الصراط المستقيم ج3 ص36].
وأخيراً ننقل من هذا الكلب العقور ما قاله في الخلفاء الراشدين الثلاثة رضي الله عنهم وأرضاهم أن قول الله عز وجل : { أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } نزلت في الثلاثة" [الصراط المستقيم ج3 ص40].
وأيضاً - والسم من فيه وقلبه يتدفق -.
فكن من عتيق ومن غندر أبياً بريئاً ومن نعثل
كلاب الجحيم خنازيرها أعادي بني أحمد المرسل [الصراط المستقيم ج3 ص40]
فهذه هي العقائد الشيعية في أصحاب رسول الله عامة، وفى الخلفاء الراشدين الثلاثة خاصة، ولا يقول قائل : كان هذا قديماً، وأما المتأخرون فلا يقولون مثل هذا.
ولا ينخدع مخدوع، ولا يغتر جاهل بقول البعض :
"وعمدة ما ينقمه غير الشيعة عليهم دعوى القدح في السلف أو أحد ممن يطلق عليه اسم الصحابي. والشيعة يقولون : إن احترام أصحاب نبينا "ص" من احترام نبينا، فنحن نحترمهم جميعاً لاحترامه" ["أعيان الشيعة" ج1 ص69 ط بيروت].
أما الأول، فلا يهذي بمثل هذه الهذيانات القدامى فقط، بل المتأخرون على شاكلتهم ومنوالهم كما نحن نقلنا من المتقدمين والمتأخرين من المفسرين والمحدثين والفقهاء، وكما سننقله أيضاً.(5/199)
وحتى هذه الكتب ألفها متقدموهم فلم يطبعها إلا المتأخرون، وقد علقوا عليها وحققوها، ومجدوها وبالغوا في مدحها والثناء عليها، ولو لم يكن ترضيهم هذه الكتب وما فيها من الشتائم والسخافات لم يقوموا بنشرها وتمجيدها، وهل يمكن لأهل السنة أن يطبعوا كتاباً يكون فيه تكفير وتفسيق، وطعن ولعن لعلي رضي الله عنه وسبطي رسول الله الحسن والحسين رضي الله عنهما؟ – معاذ الله -.
وليس الطبع والنشر فحسب، بل الثناء العاطر والمدح البالغ.
فانظر مثالاً لذلك هذا الكتاب بعينه، فالقوم لم يكتفوا بطبعه ونشره وتوزيعه في المسلمين، بل جعلوه "أنفس الأسفار وأحسن ما كتب في مبحث الإمامة، وأشبعها بحثاً وتحقيقاً، وأحكمها بالأدلة النقلية والعقلية والبراهين القاطعة، والأخبار الصحيحة، والآيات الصريحة التي لا تقبل التأويل والتفسير بغير ما هي له وفيه" [نصر ما كتبه "سماحة الحجة الكبير آية الله الإمام الشيخ آغا بزرك الطهراني"، أحد الأعلام المجتهدين في النجف الأشرف، صاحب تصنيف الذريعة وغيره" (انظر مقدمة ج2 ص24)].
ويقول آخر : لعمري! إنه الكتاب العجيب في موضوعه، قال العلامة صاحب الروضات، لم أر بعد كتاب الشافي لسيدنا المرتضى علم الهدى مثله، بل راجح عليه لوجوه شتى" [مقدمة "الصراط المستقيم" ج1 ص9 لشهاب الدين المرعشي النجفي].
ورووا مثل ذلك عن الكحالة ["معجم المؤلفين" ج7 ص266].
والقمي ["الكنى والألقاب" ج2 ص101]، والخوانساري ["روضات الجنات" ج1 ص400]، والأصفهاني ["رياض العلماء" ص586]، والحر العاملي ["أمل الآمل" ص23] وغيرهم. وهؤلاء كلهم من المتأخرين.
وأما الثاني أي قول بعض الشيعة بأنهم لا يقدحون في الصحابة ويرون احترامهم لاحترام النبي فليس إلا خدعة يريدون أن يخدعوا بها السذج من السنة، وتقية يظهرون خلاف ما يبطنون ويعتقدون.(5/200)
وأصدق دليل على ذلك تلك القصيدة المدحية التي قرضها السيد محسن الأمين في تعريف هذا الكتاب الخبيث وتمجيده، وقد أوردها في كتابه الكبير عند ذكر هذا الكتاب وتحت ترجمة مؤلفه وهذا مع دعواه أن احترام الصحابة من احترام النبي.
فانظر إليه ماذا يقول :
هذا الكتاب مبشر برشاد من يسلك طرائقه بغير خلاف
فكأنه المبعوث أحمد إذا أتى في آخر الأديان بالإنصاف
وكأنه من بين كتب الشيعة المقدمين كسورة الأعراف
ينبيك عن حال الرجال وما رووا بعبارة تغني وقول شاف
فهو الصراط المستقيم ومنهج الد ين القويم لسالكيه كافي
تأليفه من شهدت له آراؤه بكماله في سائر الأوصاف
للشيخ زين الدين قطب زمانه رب المكارم عبد آل مناف
فلقد أنار منار شيعة حيدر وأباد من هو للنصوص منافي
فجزاءه من أحمد ووصيه أهل السماحة معدن الأشراف ["أعيان الشيعة" ج42 ص32 نقلاً عن ترجمة النباتي للطهراني].
لعل هذا يكون تذكرة للمغفلين، وعبرة للمخدوعين، ونصيحة للمغترين، كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره.
هذا وكان في ما ذكرنا كفاية لمعرفة القوم وبغضهم لأسلاف هذه الأمة ومحسنيها، ولكن لتتميم البحث، وتكميل الموضوع نذكر روايات يسيرة من كتب أخرى، ومن علمائهم وفقهائهم.
ومنهم الأردبيلي [هو أحمد بن محمد الأردبيلي والأردبيل مدينة بأذربيجان، من مواليد القرن العاشر من الهجرة ومات سنة 993 "كان متكلماً فقيهاً عظيم الشان جليل القدر، رفيع المنزلة، وإنه ممن رأى الإمام صاحب الزمان . . . . له مصنفات جيدة منها "آيات الأحكام" و"حديثة الشيعة" (الكنى والألقاب للقمي ج3 ص167).(5/201)
"وإنه كان يراجع في الليل ضريح الإمام في ما اشتبه عليه من المسائل ويسمع الجواب، وربما يحيله في المسائل مولانا صاحب الدار عليه السلام إذا كان في مسجد الكوفة" (روضات الجنات ج1 ص84)] فإنه أيضاً خصص قسماً من كتابه للطعن واللعن، والتفسيق والتكفير لأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - عامة، وللخلفاء الراشدين الثلاثة خاصة، فيكتب تحت باب مطاعن الخلفاء الثلاثة :
"إن الخلفاء الثلاثة تخلفوا عن جيش أسامة وخالفوا أمر النبي في متابعته فكفروا، واستحقوا بكفرهم اللعن" ["حديقة الشيعة" ص233 ط طهران].
ويكتب في الصديق والفاروق:-
فالله يعلم أن الحق حقهم لا حق تيم ولا عديين
لا تظلمن أخا تيم أبا حسن إذ خصه الله من بين الوصيين
خص النبي علياً يوم كفركم بالعلم والحلم والقرآن والدين ["حديثة الشيعة" ص233 ط طهران].
ويكتب تحت عنوان مطاعن عمر خاصة :
"إن لعمر مطاعن لا تنحصر في التقرير ولا التحرير" ["حديقة الشيعة" ص266].
وكتب عن عثمان بن عفان رضي الله عنه تحت عنوان مطاعن عثمان خاصة "أن المسلمين لما هزموا في وقعة أحد أراد عثمان أن يفر إلى الشام، ويستجير هناك عند صديق يهودي، وأراد طلحة أن يستجير هناك عند صديق نصراني، فأراد أحدهما أن يتهود، والآخر أن يتنصر" ["حديقة الشيعة" ص302].
وكتب " إن عثمان كان على الباطل ملعوناً" ["حديقة الشيعة" ص275].(5/202)
وأما ابن الطاؤس الحسني [هو علي بن موسى بن الطاؤس، ولد في الحلة سنة 589، ونشأ بها ثم أقام بغداد خمسة عشر عاماً في زمن العباسيين، ثم رجع إلى الحلة، وأخيراً عاد إلى بغداد باقتضاء المصالح في دولة مغول، وولع نقابة الطالبين بالعراق في ثلاث سنين وأحد عشر شهراً من قبل هولاكو في سنة 66 مع امتناعه الشديد عن ولاية النقابة في زمان "المستنصر"، وتوفي سنة 664 (مقدمة الكتاب نقلاً عن "البحار" 44/107). وقال التفرشي: إنه من أجلاء هذه الطائفة وثقاتها، جليل القدر" (نقد الرجال ص144)، وسمى المؤلف نفسه في هذا الكتاب بعبد المحمود تقية عن الخلفاء الذين كان في بلادهم (ص14)] الذي قبل النقابة من قبل هلاكو، قاتل المسلمين ومبيدهم، ولم يقبلها عن العباسيين، فقد أظهر حقده للصديق الأكبر رضي الله عنه بقوله : كيف استجازوا استخلاف أبي بكر، وتركوا العباس وعلياً وغيرهما من بني هاشم، وبنو هاشم أقرب إلى نبيهم من بني تيم وعدي ….. فكيف صار الأقرب الأفضل أقل منزلة من الأبعد الأرذل" ["الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف" لابن طاؤس ص401 ط مطبعة الخيام قم 1400ه].
وأيضاً "أمر رسول الله علياً عليه السلام فنام على فراشه، وخشي من ابن أبي قحافة أن يدل القوم عليه فأخذه معه إلى الغار" ["الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف" ص410].
ويكتب في عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان قبل الإسلام نخاس الحمير، ويتقدم ويقول :
إن جدته الصهاك الحبشية ولدته من سفاح يعني من زنا، ثم يروون أن ولد الزنا لا ينجب، ثم مع هذا التناقض يدعون أنه أنجب، ويكذبون أنفسهم، ولو عقلوا لاستقبحوا أن يولوا خليفة، ثم شهدوا أنه ولد الزنا" ["الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف" ص468 469].
وانظر إلى تعبيره السيئ وعبارته الخبيثة.(5/203)
"واختاروا عمر وهذه حاله على ما شهدوا به عليه، ثم انظر كيف كان خلاص عمر من حمل الحطب وعري الجسد ونخس الحمير بطريق نبيهم محمد (- صلى الله عليه وسلم -) بعد وفاته، ثم تفكر فيما كان يجابهه في حياته من سوء المعاملة وقبح الصحبة، وما جاز به أهل بيت نبيهم بعد وفاته" ["الطرائف في معرفة مذهب الطوائف" ص417].
وكتب عن عثمان رضي الله عنه ثالث الخلفاء الراشدين.
"وقام الثالث كالغراب همته بطنه، ويله لو قُصّ جناحه وقطع رأسه لكان خيراً له" ["الطرائف في معرفة مذهب الطوائف" ص417].
وأما حجة القوم ومجددهم، فقييهم ومحدثهم الملا باقر المجلسي الذي يسمونه خاتم المحدثين وإمام الأخباريين، فهو إمامهم في الدجل والكذب، واللعن والطعن، وإنه لفاق الأولين في الإفك والبهتان، والافتراء والهذيان، وجاوز جميع الحدود الأخلاقية واللاأخلاقية، فلقد بوّب في كتابه "حق اليقين" باباً مستقلاً بعنوان "بيان كفر أبي بكر وعمر" وكتب تحته :
"ومن المعلوم أن حضرة فاطمة وحضرة الأمير عليهما السلام كانا يعدان أبا بكر وعمر منافقين، ظالمين، غاصبين، كما كانا يعدانهما كاذبين، ومدعين خلاف الحق، وعاقين للإمام".
والمعلوم أن من فارق الجماعة وترك الطاعة للإمام ومات، مات ميتة الجاهلية، ومروي أيضاً أنه من مات وليس في عنقه ربقة من طاعة الإمام، أو فارق الجماعة شبراً فإنه مات ميتة جاهلية، والمعلوم أيضاً أن الصديقة الطاهرة (فاطمة) ماتت غير راضية عن أبي بكر [كذب عدو الله ولم يتذكر أنه روى نفسه أن فاطمة رضيت عن أبي بكر قبل وفاتها كما رضيت عن عمر كما مر بيانه وسيأتي –
غضب فاطمة على عليّ رضي الله عنهما
وذلك مع أن رضاها وعدم رضاها ليس سبباً للإسلام والكفر فإنها رضي الله عنها غضبت على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ولم يقل أحد بأنه خرج بذلك عن الإسلام.
وقد روى ذلك الشيعة أنفسهم في كتبهم.(5/204)
فمنها ما رواه ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق في كتابه عن أبي عبد الله (جعفر) – الإمام السادس المعصوم عند القوم – أنه سئل:
"هل تشيع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟
قال: فتغير لون أبي عبد الله "ع" من ذلك واستوى جالساً ثم قال:
إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) فقال لها: أما علمت أن علياً قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقاً ما تقول؟ فقال: حقاً ما أقول ثلاث مرات فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها وذلك أن الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهاداً وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله، قال: فاشتد غم فاطمة من ذلك وبقيت متفكرة هي حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى، ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء عليّ فدخل حجرته فلم ير فاطمة فاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي، فاستحى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله، ثم جمع شيئاً من كثيب المسجد واتكئ عليه، فلما رأى النبي (- صلى الله عليه وسلم -) ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد، وكلما صلى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحز والغم، وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء فلماء رآها النبي (- صلى الله عليه وسلم -) أنها لا يهنيها النوم وليس لها قرار قال لها: قومي يا بنية فقامت، فحمل النبي (- صلى الله عليه وسلم -) الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي "ع" وهو نائم فوضع النبي (- صلى الله عليه وسلم -) رجله على رجل عليّ فغمزه وقال: قم يا أبا تراب! فكم ساكن أزعجته ادع لي أبا بكر من داره، وعمر من مجلسه، وطلحة، فخرج علي فاستخرجهما من منزلهما(5/205)
واجتمعوا عند رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) فقال رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) يا علي! أما علمت أن فاطمة بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني [ومن الغرائب أن هذا الحديث لم يرد إلى بخصوص علي رضي الله عنه حسب رواية القوم ولكنهم يحولونها إلى الصديق رضي الله عنه، وعلى ذلك قال ابن تيمية رحمة الله عليه: فإن كان هذا وعيداً لاحقاً بفاعله لزم أن يلحق هذا الوعيد علي بن أبي طالب، وإن لم يكن وعيداً لاحقاً بفاعله كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من علي (المنتقى للذهبي)]، من آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي" (علل الشرائع للقمي ص185، 186 ط نجف، أيضاً أورد هذه الرواية المجلسي في كتابه "جلاء العيون" الفارسي).
وغضبت عليه أيضاً مرة أخرى حينما رأت رأس عليّ في حجر جارية أهديت له من قبل أخيه، وها هو النص:
يروي القمي والمجلسي عن أبي ذر أنه قال:
كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة، فاهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم، فلما قدمنا المدينة أهداها لعلي (ع) تخدمه، فجعلها علي (ع) في منزل فاطمة، فدخلت فاطمة عليه السلام يوماً فنظرت إلى رأي علي عليه السلام في حجر الجارية، فقالت: يا أبا الحسن! فعلتها؟ [انظر إلى ركاكة التعبير وسخافة القوم. والبهتان والافتراء على أهل بيت النبوة - صلى الله عليه وسلم - من قبل القوم الذين يدّعون محبة أهل البيت وولاءهم، وأهل البيت من مثل هذه السخافات براء] فقال: والله يا بنت محمد! ما فعلت شيئاً، فما الذي تريدين؟ قالت: تأذن لي في المسير إلى منزل أبي رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -)، فقال لها: قد أذنت لك، فتجلببت بجلبابها، وأرادت النبي (- صلى الله عليه وسلم -)" (علل الشرائع ص163 ط نجف وأيضاً "بحار الأنوار" ص43، 44، باب كيفية معاشرتها مع علي)
وغضب عليه مرة ثالثة كما يرويه القوم.(5/206)
"إن فاطمة رضي الله عنها لما طالبت فدك من أبي بكر امتنع أبو بكر أن يعطيها إياها فرجعت فاطمة عليها السلام وقد جرعها من الغيظ ما لم يوصف ومرضت، وغضبت على عليّ لامتناعه عن مناصرته ومساعدته إياها وقالت: يا ابن أبي طالب! اشتملت مشيئمة الجنين وقعدت حجرة الظنين بعد ما أهلكت شجعان الدهر وقاتلتهم، والآن غلبت من هؤلاء المخنثين، فهذا هو ابن أبي قحافة يأخذ مني فدك التي وهبها لي أبي جبراً وظلماً ويخاصمني ويحاجني، ولا ينصرني أحد فليس لي ناصر ولا معين وليس لي شافع ولا وكيل، ذهبت غاضبة ورجعت حزينة، أدللت نفيس، تأتي الذئاب وتذهب ولا تتحرك، يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً، إنما أشكو إلى أبي وأختصم إلى ربي" ("حق اليقين" للمجلسي بحث فدك ص203، 204، ومثله في "الاحتجاج" للطبرسي و"الأمالي" ص295 ط نجف).
وهناك وقائع أخرى ذكرها كل من المجلسي والطوسي والأربلي وغيرهم وقعت بين علي رضي الله عنه وبين فاطمة رضي الله عها – التي سببت إيذاءها ثم غضبها على عليّ.
ولا ندري بماذا يجيب عليها القوم، وبماذا يحكم المنصفون منهم؟
فنحن نرضاهم حكماً ومجيبين، فما هو جوابهم عن علي فهو جوابنا عن الصديق والفاروق رضي الله عنهم أجمعين.
فإن قالوا إنها رضيت عن عليّ بعدما غضبت عليه فنقول: إنها رضيت أيضاً عن الشيخين بعدما غضبت "فمشى إليها أبو بكر بعد ذلك وشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه" (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص57 ط بيروت، حق اليقين ص180 ط طهران، أيضاً شرح النهج لابن ميثم ج5 ص507 ط طهران، و"شرح النهج" للدنبلي ص331 ط طهران)]، وكانت تراه على الضلالة والبطلان، وليس هذا فحسب، بل كل من اعتقد بإمامة أبي بكر وقال بها فإنه أيضاً مات ميتة جاهلية وكفر وضلالة ….. وعمر كذلك" ["حق اليقين" للمجلسي ص204، 205 ط إيران].
ويكتب متمادياً في غلوائه وعدائه للرسول في أصحابه:(5/207)
"إن أبا بكر مرة سئل عن الكلالة فأجاب، ثم قال : إن كان حقاً فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، ولنعم ما قاله أبو بكر حيث جعل نفسه قريناً للشيطان وسيكون قرينه في جهنم أيضاً ويمكن أن يكون مراده من الشيطان عمر" ["حق اليقين" ص206 وهل هناك أحد من دعاة التقريب المنخدع من بعض قول القوم، أو الجاهل المخدوع، أو المتجاهل البائع الضمير يتحرك غيرته من هذا الكلام الشنيع والسب القبيح؟ أم لم يبق فيهم ولا رمق من الحمية الإسلامية والنخوة الأصيلة الشرعية، فمن لا يغير لأم المؤمنين بنص القرآن فلا يغير لأمه، ومن لا يغير لأحب الناس إلى الرسول لا يغير لأحب الناس إليه نفسه].
وبوب هذا اللعين باباً مستقلاً بعنوان "بيان قليل من البدع والأعمال القبيحة والأفعال الشنيعة التي ارتكبها عمر الخليفة الثاني للسنة" [ومن يخبر هذا النابح أ الذي يلقبه بخليفة للسنة فقد كان خليفة لعلي بن أبي طالب وأولاده وأعمامه وإخوانه وبني إخوته وأخواته وأسرته كلها، وهو كان واحداً من وزرائه ومستشاريه وقضاته، كما أعطاه ابنته، وغبطه بأعماله كما مرّ سابقاً بالتفصيل ويذكر المصادر والمراجع].
ثم يقول : إن المطاعن والمثالب لمنبع الفتن هذا زائدة وكثيرة لا تسعها كتب مبسوطة ومفصلة، فكيف يسعه هذا الكتاب؟ فقد كان شريكاً لأبي بكر في جميع مثالبه ومعايبه، بل كانت خلافته من إحدى جرائمه" ["حق اليقين" للمجلسي ص219 ط إيران].
و "عمر كان يعرف بأنه كافر ومنافق، وعدو لأهل البيت (عياذاً بالله من هذا المهاتر المهرج الخبيث)، وفي عنقه وزر جميع الشهداء" ["حق اليقين" للمجلسي ص223].
فشركما لخيركم الفداء
وينتهي أخيراً في السب والشتم والطعن في الفاروق الأعظم بكلمته :
"وأما ما ذكر في الكتب المبسوطة من دنائة نسب عمر وحسبه، وكونه ولد الزنا فلا يسعه هذا المختصر" ["حق اليقين" للمجلسي ص259].(5/208)
ثم ويقول في ذي النورين رضي الله عنه مثل ما قاله في الصديق والفاروق رضي الله عنهما :
إن كبار الصحابة اتفقوا على تفسيقه وتكفيره - كذبت يا عدو الله وابن اليهودية والمجوسية - وشهدوا عليه بالكفر ….. وكان حذيفة يقول : الحمد لله، لا أشك في كفر عثمان، أما الذي أشك فيه هو هل كان قاتله من الكفار قتل كافراً، أم كان مؤمناً قد زاد إيمانه من جميع المؤمنين، وأيضاً إن الذي يعتقد في عثمان بأنه قتل مظلوماً يكون ذنبه أشد من ذنب الذين عبدوا العجل" ["حق اليقين" ص270].
"والدليل الناطق على كفر عثمان أن أمير المؤمنين (علي رضي الله عنه) كان يبيح قتله، ولم يكن يرى فيه بأساً" ["حق اليقين ص271].
و "إن الدليل على أن عثمان كان يعدّه أمير المؤمنين كافراً أنه تركه ونعشه يأكله الكلاب، وقد ذهبت بإحدى رجليه (انظر العداوة والبغضاء اليهودية كيف تتدفق من الكلمات اللاذعة التي تظهر ما في القلوب من الضغائن ضد حملة الإسلام في قناع حب عليّ وأهله، وعلي وأهله منهم براء) وبقي جسده ثلاثة أيام مرمياً كالكلاب في المزبلة تأكله الكلاب (نعم! كلاب مثلك) ولم يصلّ علي عليه" ["حق اليقين" للمجلسي ص273، 274 ط طهران إيران].
هذا ومثل هذا لا تعدّ ولا تحصى، ولا أستطيع حتى وأن أنقلها، ثم وهذا الكلب العقور لا يذكر الصديق والفاروق وذا النورين وحتى أمهات المؤمنين، الصديقة، وحفصة اللاتي هن أمهات لعليّ، وسائر المؤمنين من بني هاشم بنص القرآن، لا يذكرهم المجلسي هذا إلا ويذكرهم ويذكرهن موصوفون وموصوفات باللعن، وقلّ أن يذكرهن خاصة بدون هذه الشتيمة.
وقبل أن ننقل عبارة لتمثيل هذا نسأل جميع من لهم قلوب يفقهون بها من الشيعة، هل يمكن لابن الحلال أن يسبّ ويشتم أمه، ويلعنها؟
فكيف استطاع أن يلعن أم جميع المؤمنين وأهل البيت أيضاً؟
فهل اللاعن علي أم أهل البيت مؤمن ومسلم؟ فعدلاً يا عباد الله.(5/209)
أو منكر ولاية علي بن أبي طالب كافر؟ وهو منكر المعنى الذي يقرّها الشيعة.
ومنكر أمه وشاتمها، ولاعنها ومكفرها، ماذا تقولون فيه؟
وإليك قصة بديعة لم يكن أن يختلقها إلا مثل المجلسي الأفاك الكذاب الأثيم بعبارته والترجمة، فيقول :
إن العياشي روى بسند معتبر عن الصادق (ع) أن عائشة وحفصة لعنة الله عليهما وعلى أبويهما - يا رباه! إلى متى هؤلاء يأكلون أجساد الأتقياء البررة، وإلى متى تمهلهم من شديد عذابك، وبطشك ؟ - قتلتا رسول الله بالسم دبرتاه" ["حياة القلوب" للمجلسي ج2 ص700 ط جديد طهران].
هذه خرافة واحدة من الكثيرة الكثيرة التي كتب القوم منها مليئة، ولا يخلوا كتاب من كتبهم إلا وفيه ما ذكرناه من شتم صريح وسب قبيح، وتفسيق باهر وكفر ظاهر للخلفاء الراشدين الثلاثة وأمهات المؤمنين [ولقد كذب القمي مفسرهم أن الآية { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } نزلت في عائشة (تفسير القمي ج2 ص319) والأكاذيب كهذه والهفوات ما أكثرها] رضوان الله عليهم أجمعين.
اللهم إلا ما كتب نفاقاً وتقية وخداعاً للمسلمين، وإظهار للود والتقرب إليهم،
فلم أر ودهم إلا خداعاً - ولم أر دينهم إلا نفاقاً.
فهذا هو دينهم الذي يدينون به، وهذه هي معتقداتهم التي يعتقدونها، وهذا هو موقفهم تجاه الصديق والفاروق وذي النورين خلفاء النبي الراشدين المهديين، المخالف لكتاب الله، الثقل الأكبر عندهم، والمعارض لتعاليم أهل البيت الثقل الأصغر عندهم، فهم الذين يقال لهم كما يروون في كتبهم.(5/210)
أما الأكبر فهجرتموه وأعرضتم عنه لقولكم : إنه محرف ومغير فيه، قد نقص منه كثير وحذف منه غير قليل، ولا يوجد النسخة الأصلية منه إلا عند الغائب الذي لم يخرج من ألف عام ولن يخرج أبد الدهر كما أثبتناه بالدلائل التي لا تقبل الشك ولا أحد يستطيع أن يردها في كتابنا "الشيعة والسنة" [وقد قال الصدوق أحد الأربعة الذين يقولون عنه بأنه ينكر التحريف من الأولين قاطبة والذي قلنا عنه إن لا ينكره هو أيضاً اللهم إلا تقية، فهو الصدوق يقول وقد صدق ما قلناه عنه آنذاك، يقول:
نزلت في علي عليه السلام ثمانون آية صفوا في كتاب الله عز وجل ما شركه فيها أحد من هذه الأمة" ("كتاب الخصال" للقمي الملقب بالصدوق 2 ص592). فأين هذه الآيات؟].
وأما الأصغر فكذبتموه وخالفتموه حيث أنهم يحبون الخلفاء الثلاثة ويمدحونهم وأنتم تبغضونهم وتشتمونهم، وأهل البيت يتولونهم ويتوددون إليهم وأنتم تعادونهم وتبرؤون عنهم، وهم يثنون عليهم وعلى إسلامهم وأنتم تكفّرونهم وتنكرون إسلامهم، وهم يبايعونهم وينوبون عنهم ويعدونهم أئمة حق وعدل وأنتم تعدّونهم غاصبين، غادرين وخائنين، وهم يزوجونهم بناتهم ويسمون أبنائهم بأسمائهم وأنتم تتهمونهم بتهم لا يتهم بها عامة الناس فضلاً عن الخاصة، وتكرهون أسمائهم والنسبة إليهم، فأنتم في جانب، وأهل البيت في جانب آخر.
وليس هذا فحسب، بل هم ينكرون على من أنكرهم وفضلهم، ويشددون على من يبغضهم ويتكلم عليهم ويطعن فيهم.
موقف أهل البيت من أعداء الخلفاء الراشدين
فلقد روى علم الهدى الشيعي في كتابه "الشافي" في الحديث :
"إن علياً عليه السلام قال في خطبته : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر. وفى بعض الأخبار أنه عليه السلام خطب بذلك بعد ما أنهى عليه أن رجلاً تناول أبا بكر وعمر بالشتيمة، فدعى به وتقدم بعقوبة بعد أن شهدوا عليه بذلك" ["كتاب الشافي" لعلم الهدى، المطبوع مع التلخيص ص428].(5/211)
هكذا كان حب علي رضي الله عنه لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبي بكر الصديق ولعبقري الإسلام ومحسن الملة المجيدة عمر الفاروق رضي الله عنهما وأرضاهما عنه، وهذا كان موقفه تجاههما وتجاه المعادي لهما.
وعلى ذلك لما جاءه أبو سفيان رضي الله عنه بعد بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه واجتماع الناس عليه يحرضه على معرضته حسب روايتهم قال رداً عليه : ويحك يا أب سفيان هذه من دواهيك وقد اجتمع الناس على أبي بكر، مازلت تبغي الإسلام عوجاً في الجاهلية" ["كتاب الشافي" لعلم الهدى، المطبوع مع التلخيص ص428].
وأما عثمان فهو الذي أرسل ابنيه للدفاع عنه بعد ما دافع عنه بنفسه المفسدين كما مرّ بيانه تفصيلاً.
وابن عمه وتلميذه الذي علمه من علمه "عليّ علّمني، وكان علمه من رسول الله ….. وعلم عليّ من النبي، وعلمي من علم عليّ" ["الأمالي" للطوسي ج1 ص1 ط نجف].
يقول في مبغضي الصديق بعد ما يبالغ في مدحه "فغضب الله على من ينقصه ويطعن فيه" ["ناسخ التواريخ" للمرزه محمد تقي لسان الملك الشيعي ج5 ص143، "مروج الذهب" ج3 ص60].
وفى مبغضي الفاروق بعد الثناء العاطر عليه : وأعقب الله من ينقصه اللعنة إلى يوم الدين" ["ناسخ التواريخ ج3 ص60].
وفي مبغضي ذي النورين بعد ما ذكر أوصافه الجميلة وأخلاقه الحميدة : فأعقب الله من يلعنه لعنة اللاعنين" ["ناسخ التواريخ" ج3 ص60].
وحفيد علي المرتضى رضي الله عنه وسميّه علي بن الحسين - الإمام الرابع المعصوم لدى القوم - على سنة آبائه يحارب من حاربهم، ويعادي من عاداهم، يبغض من قلاهم، ويخرج من يتبرأ منهم ويتكلم فيهم.
فلقد روى الأربلي الشيعي أن نفراً من أهل العراق قدموا عليه فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم :(5/212)
"فلما فرغوا من كلامهم، قال لهم : ألا تخبروني أنتم "المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون"؟ قالوا : لا، قال : فأنتم { الذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ؟ قالوا : لا، قال : أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا } اخرجوا عني فعل الله بكم" ["كشف الغمة" للأربلي ج2 ص78].
وزيد ابنه على شاكلته، نعم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ورحمته، الذي بالغ القوم في مدحه، وخصصوا أبواباً كثيرة للثناء العاطر عليه في كتبهم، فسلك نفس المسلك الذي خططه أبوه علي بن الحسين وجده علي بن أبي طالب ومن قبلهما محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل : دعوا لي أصحابي" ["عيون أخبار الرضا" للقمي ج2 ص87].
ولقد روى الشيعة "وكان أصحاب زيد لما خرج سألوه في أبي بكر وعمر ؟ فقال :
ما أقول فيهما إلا الخير، وما سمعته من أهلي فيهما إلا الخير فقالوا : لست بصاحبنا، وتفرقوا عنه ورفضوه، فقال : رفضونا اليوم فسمعوا من ذلك اليوم الرافضة" ["ناسخ التواريخ" ج3 ص590 تحت أقوال زين العابدين، أيضاً "عمدة الطالب" تحت أخبار زيد بن علي].
ويضيف المرزة تقي على ذلك :
إن زيداً منعهم عن الطعن في أصحاب النبي (عليه الصلاة والسلام ورضوان الله عليهم أجمعين) فلما عرفوا منه بأنه لا يتبرأ عن الشيخين (أبي بكر وعمر) رفضوه وتفرقوا عنه، وبعد ذلك استعمل هذه الكلمة في كل من يغلو في المذهب، ويجوّز الطعن في الأصحاب" ["ناسخ التواريخ" ج3 ص590 تحت أقوال زين العابدين].(5/213)
ثم ومحمد الباقر ابن علي بن الحسين - الإمام الخامس عند القوم - أيضاً يقول بقولهم ويرى رأيهم، ولأجل ذلك يثب على من يتنكر لقب الصديق على أبي بكر رضي الله عنه ويشدد عليه النكير بقوله : نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة" ["كشف الغمة" ج2 ص147 ط تبريز إيران].
ثم وهل يعقل من عليّ وأولاده عليهم الرحمة والرضوان بأنه أو أنهم يكفّرون الصديق والفاروق وذا النورين وقد بايعهم وصلى خلفهم، وعاشرهم أحسن المعاشرة، ورافقهم وصاهرهم، ولم يقاتلهم ولم يجادلهم، وهو، وهو لم يكفّر حتى ولا من جادله وقاتله وقتل من رفاقه وصحبه.
وها هو نهج البلاغة مليء من منعه أصحابه من السب والشتم، والتكفير والتفسيق، وحتى ومقاتليه في حرب صفين، وعنوان الخطبة "ومن كلام له عليه السلام وقد سمع قوماً من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم صفين".
"إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم : اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به" ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي ص323].
وذكر مثل ذلك الدينوري الشيعي وصرح بأن الشاتمين كانوا من الذين قتلوا الإمام المظلوم عثمان ذا النورين رضي الله عنه، كما صرح بأنهم لعنوا معاوية وأصحابه، وكان بينهم وبين عليّ سؤال وجواب.
وها هو يذكر القصة بتمامها :
"بلغ علياً (ع) أن حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران شتم معاوية ولعن أهل الشام، فأرسل إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما، فأتياه فقالا : يا أمير المؤمنين! ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟، قال : بلى ورب الكعبة المسدنة! قالوا : فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟(5/214)
قال : كرهت لكم أن تكونوا شتامين، لعانين، ولكن قولوا : اللهم احقن دمائنا ودمائهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم" الخ ["الأخبار الطوال" ص165 تحت وقعة الصفين ط القاهرة].
وهذا هو علي بن أبي طالب الذي لا يرضى أن يشتم أهل الشام، ومحاربه معاوية بن أبي سفيان، ويمنعهم عن ذلك، هل يتوقع منه أنه يرضى بلعن أهل المدينة، مدينة النبي، وشتم أصحاب النبي ورحمائه وأصهاره؟
ثم ولقد صرح بإسلامهم وإيمانهم مع محاربتهم إياه، ومقالته إياهم بأنهم ليسوا بكفره، مرتدين، خارجين عن الإسلام والدين.
كما رواه جعفر عن أبيه "أن علياً عليه السلام كان يقول لأهل حربه إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنا على حق، ورأوا أنهم على حق" ["قرب الأسناد" للحمير ص45 ط مكتبة نينوى طهران].
ويقول في خطبته أمام أنصاره ومخالفيه :
فلقد كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن القتل ليدور على الآباء والأبناء، والأخوان والقرابات، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيماناً، ومضياً على الحق، وتسليماً للأمر، وصبراً على مضض الجراح . ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبه والتأويل" ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص179].
وأصرح من ذلك :
"أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فأنها خير ما تواصى العباد به، وخير عواقب الأمور عند الله، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة" ["نهج البلاغة" ص248].
بل وأكثر من ذلك يجعلهم مساوين له في الإيمان بالله والتصديق بالرسول، وأيضاً يعلن براءته من دم عثمان بن عفان رضي الله عنه فيكتب إلى أهل الأمصار يقصّ فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين :(5/215)
وكان بدأ أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء [وما أدري مع هذا كيف اجترأ المجلسي وهو يدعي موالاة أهل البيت واتباع مذهبهم أن يقول: إن أمير المؤمنين علياً يبيح قتله، ولم يكن يرى منه بأساً مع قول عليّ هذا؟ ثم وأكثر من ذلك أن "نهج البلاغة" مليء من أقوال إمامه المعصوم الأول الذي يعده بأنه لا يخطئ – من أقواله هو بأنه بريء من قتل عثمان وقتلته، ومن طالع نهج البلاغة أو قرأه يشهد على ذلك، ولكن من للقوم؟ فإن الحسد أكل قلوبهم، وأعمى أبصارهم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور]، فقلنا : تعالوا الخ ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص448].
فانظر إلى علي رضي الله عنه كم كان عادلاً ومنصفاً،
وانظر إلى القوم كم بعدوا عنه وعن الحق في القول والعمل؟
فهذا هو علي رضي الله تعالى عنه وموقفه من أعدى أعداء الناس بالنسبة له.
فكيف يكون موقفه وموقف أهل بيته من أحب الناس إليه وإليهم خلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفاقه، الذين أحبوا أهل البيت، وأهل البيت بادلوهم الكيل بالكيلين والصاع بالصاعين، وتجاه أمهات المؤمنين اللاتي هن أمهاتهم هم أولاً وأصلاً.
ونختم القول في هذا الباب بأن علياً وأهل بيته هل كانوا مؤمنين أم لا؟
فإن كانوا مؤمنين ولا شك في ذلك – فهم داخلون في قول الله عز وجل :
{ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } " [سورة الأحزاب الآية6].
فصارت الصديقة الطاهرة أمهم أي أهل البيت جميعاً بنص القرآن وبحكم خالق الكون والمكان وقضائه.
وعلى هذا يمكن أن يتصور رجل يدعي حب أهل بيت ثم ويسبّ أمهم؟
وهل يقال إنه موال لهم ومحب، ومطاوع لهم ومطيع أم غير ذلك؟(5/216)
وأما الذي ندريه نحن فإن الشريف والكريم يمكن أن يتغاضى أن يسب ويشتم، ولكنه لا يتغاضى عن أن يمس أحد أمه بسوء خاصة.
وهل شاتمون أمّ عليّ وأهله واللاعنون يظنون أنهم يحسنون صنعاً؟
فذلك كان موقف الشيعة من الصحابة عامة والخلفاء الراشدين خاصة، وهذا هو موقف أهل البيت منهم ومن عاداهم مخالفاً تمام المخالفة من موقف قوم ينسبون أنفسهم إليهم كذباً وزوراً، و خداعاً ونفاقاً.
فالشيعة ليسوا بمحبي أهل البيت ومطاوعين لهم، بل هم معادون لهم ومخالفون، وهذا ما أردنا إثباته في هذا الباب من كتب القوم وعباراتهم هم كي يعرف الحقيقة من لا يعرفه قبل، ويهتدي إلى سواء السبيل.
الباب الثالث
الشيعة وأكاذيبهم على أهل البيت
إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء فإنهم مع ادعائهم حب أهل البيت وموالاتهم ليسوا إلا مبغضي أهل البيت وأعدائهم، يخالفون أوامرهم ويأتون منهياتهم، ينكرون المعروف ويتأتون المنكر، ويبغضون أحباءهم ويتوددون إلى أعدائهم، يطاوعون الأهواء والنفس الأمارة بالسوء، ولا يتركونها ولا يعصونها، وفوق ذلك يختلقون القصص والأساطير والأكاذيب على أهل البيت، ويفترونها وينسبونها إليهم، ما أنزل الله بها من سلطان، يريدون من ورائها أغراضاً ذاتية وإرواء النفس من شهواتها، وملذاتها، رواجاً لمذهبهم، وجلباً لأوباش الناس إلى دينهم الذي هم كوّنوه واخترعوه أنفسهم، فيخسرون الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، لأن الصالحين من أهل البيت لم يقولوا شيئاً يخالفه كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينبغي أن ينسب إليهم ما يخالفه الكتاب والسنة، لأن أهل البيت كغيرهم من المسلمين لم يؤمروا إلا أن يعملوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام وأن يتمسكوا بهما، من الله في محكم كتابه { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } [سورة النساء الآية59].(5/217)
{ أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون } [سورة الأنفال الآية20].
{ وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون } [سورة آل عمران الآية132].
{ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً } [سورة الأحزاب الآية36].
ومن الرسول عليه السلام في سنته الثابتة عند الجميع "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي".
والمتعرف به عند علي رضي الله عنه وأولاده كما روى عنه الثقفي في كتابه "الغارات" "إن علياً كتب إلى مسلمي مصر كتاباً أرسله إليهم مع قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الذي استعمله على مصر، يدعوهم إلى بيعته بقوله "ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة رسوله" ["كتاب الغارات" للثقفي ج1 ص211 تحت عنوان "ولاية قيس بن سعد"].
... ثم يذكر "لما فرغ من قراءة الكتاب قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري خطيباً فحمد الله وأثنى عليه …. - إلى أن قال -: فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنة نبيه. فإن نحن لم نعمل فيكم بكتاب الله وسنة رسوله فلا بيعة لنا عليكم فقاموا فبايعوا فاستقامت له مصر" ["كتاب الغارات" ص211، 212].
كما كتب عليّ بنفس هذا الكلام في كتابه إلى أهل البصرة "من عبد الله أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من ساكني البصرة المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، أما بعد!….. فإن تفوا ببيعتي، وتقبلوا نصيحتي، وتستقيموا على طاعتي أعمل فيكم بالكتاب والسنة" ["الغارات" للثقفي ج2 ص403].
وقال رضي الله عنه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة" ["الكافي في الأصول" للكليني ج1 ص70 كتاب فضل العلم].(5/218)
وأحد أبنائه وإمام من أئمة الشيعة السادس المعصوم حسب زعمهم يقول : ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة" ["الكافي في الأصول" ج1 ص59 باب الرد إلى الكتاب والسنة وإنه ليس شيء من الحلال والحرام إلا وقد جاء فيه كتاب أو سنة وأيضاً نقل مثل هذا عن أبيه المغنية في كتابه "الشيعة في الميزان" ص56].
وقال أيضاً : من خالف كتاب الله وسنة محمد فقد كفر" [الأصول من الكافي ج1 ص70].
وعن أبيه الباقر - الإمام المعصوم الخامس لديهم - أنه قال :
كل من تعدى السنة رد إلى السنة" ["الأصول من الكافي" ج1 ص71].
وعن أبيه علي بن الحسين - الإمام الرابع - أنه قال : إن أفضل الأعمال عند الله ما عمل بالسنة وإن قل" ["الأصول من الكافي" ج1 ص70].
هذا، ولم يكتفوا بهذا حتى أنهم قالوا أكثر من ذلك وأصرح كما رواه الكشي عن جعفر بن الباقر أنه قال : فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد (- صلى الله عليه وسلم -) فإنا إذا حدثنا قلنا : قال الله عز وجل وقال رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -)" ["رجال الكشي" ص195 تحت تذكرة المغيرة بن سعيد ط كربلاء].
ولذلك أمر متبعيه ومن ادعى متابعته : لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة" ["رجال الكشي" ص195].
وقبله أبوه نبه على ذلك وقال :
وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فان وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به وإن لم تجدوه موافقاً فردوه" ["الأمالي" للطوسي ج1 ص237 ط نجف].
وقبله بيّن هذه القاعدة الأصلية علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله : فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه" ["الأمالي" ص221].
ومثل هذا روى الباقر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله عز وجل وسنتي، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوه، وما خالف كتاب الله فلا تأخذوه" ["الاحتجاج" للطبرسي ص229 احتجاج أبي جعفر في أنواع شتى].(5/219)
فذلك ما أمر الله به وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه هي التعاليم التي علمناها من أهل البيت أئمة الشيعة - المعصومين حسب زعمهم -.
وفى ضوء هذا وذاك نرى أن الشيعة ماذا يعتقدون، وماذا ينسبون إلى أهل البيت، وهل نسبتها إليهم صحيحة أم غير صحيحة؟ وهل إنهم صادقون في القول أم كاذبون، يفترون عليهم ما لم يتقولوه، ويكذبون عليهم ما لم يتصوروه؟
فنبدأ بسيد الكونين ورسول الثقلين، إمام القبلتين وصاحب الحرمين فداه أبواي وروحي عليه الصلاة والسلام، فإنه كذبوا عليه وما أكثره، وافتروا عليه وما أقبحه، وتبوؤا مقعدهم من النار.
المتعة
فمن أكاذيبهم الشنيعة الخبيثة عليه - صلى الله عليه وسلم - ما ينسبونه إليه زوراّ وبهتاناّ أنه قال:
من خرج من الدنيا ولم يتمتع جاء يوم القيامة وهو أجدع" ["تفسير منهج الصادقين" للملا فتح الله الكاشاني – فارسي ج2 ص489].
وأقبح منه وأشنع ما افتروا عليه بأنه قال عليه الصلاة والسلام :
من تمتع مرة واحدة عتق ثلثه من النار ومن تمتع مرتين عتق ثلثاه من النار ومن تمتع ثلاث مرات عتق كله من النار" ["تفسير منهج الصادقين" ص492 نقلاً من "حضرة من خصه الله باللطف الأبدي، خاتم مجتهدي الإمامية بالتوفيق السرمدي، الغريق في بحار رحمة الله الملك الشخ علي بن عبد العالي روّح الله روحه" في رسالته التي كتبها في باب المتعة].
فانظر إلى القوم ما أقبحهم وأكذب بهم، وما ألعنهم وأبعد بهم من الشريعة الإسلامية الغراء، وتعاليمها النقية البيضاء، وما أجرأهم على الملذات والشهوات التي أصبغوا عليها صبغة الدين والشريعة، وما أشجعهم على الافتراء على رسول الله الصادق الأمين، الناهي عن المنكرات، والمحترز المجتنب عن السيئات؟(5/220)
والقوم لا يريدون من وراء ذلك إلا أن يجعلوا دين الله الخالد لعبة يلعب بها الفساق والفجار، ويسخر به الساخرون والمستهزؤن نقمة عليه التي ورثوها من اليهودية البغضاء التي أسست هذه العقائد وهذا المذهب [انظر لتحقيق وتثبيت ذلك في كتابنا "الشيعة والسنة"]، وإلا فهل من المعقول أن ديناً من الأديان يحرر متبعيه من الحدود والقيود ومن الفرائض والواجبات والتضحيات والمشقات، ويجعل نجاتهم من عذاب الله وفوزهم بنيل الجنة في طاعة الشهوات والملذات؟ [وهذا ليس من المبالغات والمجاذفات بل من الحقائق الثابتة التي لا غبار عليها].
والشيعة أعداء أهل البيت وسيد أهل البيت وإمامهم محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكتفوا بهذا الكذب ولم يقتنعوا به، بل زادوا وبالغوا حتى بلغوا حد الإساءة والإهانة حيث قالوا - نستغفر الله ونتوب إليه من نقل هذا الكفر -:
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من تمتع مرة أمن من سخط الجبار ومن تمتع مرتين حشر مع الأبرار ومن تمتع ثلث مرات زاحمني في الجنان" ["تفسير منهج الصادقين" ج2 ص493].
ولا هذا فحسب بل صرحوا بأسماء أهل البيت وشخصياتهم الذين جعلوهم غرضاً لأسنتهم المشرعة،ولأسهامهم المطلقة، وسيوفهم المشهرة، وما أقبح التعبير وما أفظع الكذب والبهتان، فيفترون على نبي الله الطاهر المطهر صلوات الله وسلامه عليه أنه قال :(5/221)
من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين عليه السلام - الإمام الثالث المعصوم حسب زعمهم - ومن تمتع مرتين كان درجته كدرجة الحسن عليه السلام - الإمام الثاني المعصوم المزعوم - ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي بن أبي طالب عليه السلام [وما معنى لقول قائل: أهل النجف خاصة، وكل بلاد الشيعة يرون المتعة عيباً وإن كانت حلالاً" و"الشيعة في كل مكان ترى المتعة عيباً وإن كانت حلالاً وليس كل حلال يفعل" (أعيان الشيعة للسيد محسن أمين ص159). مع أقوال الأئمة التي ذكرت من وجوب المتعة والثواب عليهما، فمن الصادق، هذا أو أئمته؟ ولا ينبئك مثل خبير] – الإمام المعصوم الأول لديهم، ختن رسول الله وابن عمه – ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي" ["تفسير منهج الصادقين" ج2 ص493].
فانظر إلى الأكاذيب التي نسجت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والافتراءات التي تقولت عليه، وإلى عمارة الإسلام كيف هدمت، وإلى الشريعة أنها كيف عطلت، وإلى أهل بيت النبوة أنهم كيف أهينوا وجعلوا مساوين لأهل الأهواء والهوس، وكيف عدلوا بالفسقة والفجرة؟
أو بعد ذلك يدعي القوم بأنهم محبون لأهل البيت وموالون لهم؟
هذا وللقوم شنائع في هذه المسألة وقبائح، وافتراءات وبهتانات على أهل البيت وسادتهم نورد منها طرفاً.
منها ما اخترعوه ونسبوه إلى محمد الباقر - الإمام الخامس عندهم - أنه قال:
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أسري به إلى السماء قال : لحقني جبريل عليه السلام، فقال : يا محمد! إن الله تبارك وتعالى يقول : إني قد غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء" [من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي الملقب بالصدوق – وهو الكذوب –ج3 ص463].(5/222)
وذكر الطوسي مفترياً على أبي الحسن - الإمام العاشر عند الشيعة - أنه قال له علي السائي : جعلت فداك، إني كنت أتزوج المتعة فكرهتها وتشائمت بها فأعطيت الله عهداً بين الركن والإمام وجعلت على ذلك نذراً وصياماً أن لا أتزوجها ثم إن ذلك شق علي وندمت على يميني، ولكن بيدي من القوة ما أتزوج في العلانية، فقال لي :
عاهدت الله أن لا تطيعه! والله لئن لم تطعه لتعصينه" [تهذيب الأحكام للطوسي – أحد الصحاح الأربعة – ج7 ص251. والفروع من الكافي ج5 ص450].
وأيضاً رووا عن أبي عبد الله جعفر الصادق - وهم يكذبون عليه - أنه قال:
المتعة نزل بها القرآن وجرت به السنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " [الاستبصار للطوسي ج3 ص142 باب تحليل المتعة].
كما كذبوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : لولا ما سبقني به ابن الخطاب يعني عمر ما زنى إلا شقي" [البرهان في تفسير القرآن للبحراني ج1 ص360، وتفسير العياشي ج1 ص233 وتفسير الصافي ج1 ص347 والكافي للكليني ج5 ص448 ومجمع البيان للطبرسي ص32 واللفظ للأول].
وحكوا في ذلك قصة طريفة تنبئ عما تخفيه الصدور، والراوي هو محدث القوم الكبير محمد بن يعقوب الكليني عن رجل من قريش أنه قال : بعثت إلى ابنة عمة لي كان لها مال كثير قد عرفت كثرة من يخطبني من الرجال فلم أزوجهم نفسي، وما بعثت إليك رغبة في الرجال غير أنه بلغني أنه أحلها الله عز وجل في كتابه وبينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سنته فحرمها زفر - يعني عمر كما صرح به في الهامش - فأحببت أن أطيع الله عز وجل فوق عرشه، وأطيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأعصي زفر، فتزوجني متعة، فقلت لها : حتى أدخل على أبي جعفر عليه السلام فأستشيره، فدخلت عليه فخبرته، فقال : افعل، صلى الله عليكما من زوج" ["الفروع من الكفاي" للكليني باب النوادر ج5 ص465].
وشددوا في التحريض على هذه القبيحة حتى نسبوا إلى جعفر بن محمد الباقر أنه قال :(5/223)
ليس منا من لم يؤمن بكرتنا - رجعتنا - ويستحل متعتنا" ["كتاب الصافي" للكاشاني ج1 ص347، أيضاً "من لا يحضره الفقيه" ج3 ص458].
وما هي المتعة؟
يبينها القوم متهماً جعفر الصادق أنه سئل :
"كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه، لا وراثة ولا موروثة، كذا وكذا يوماً وإن شئت كذا وكذا سنة، بكذا وكذا درهما، وتسمي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلاً كان أم كثيراً" ["الفروع من الكافي" ج5 ص455].
وكيف تكون؟
فقالوا : سئل أبو عبد الله – الإمام السادس عندهم – عن رجل تمتع امرأة بغير شهود، قال : أو ليس عامة ما تتزوج فتياتنا ونحن نتعرق الطعام على الخوان ونقول : يا فلان! زوج فلان فلانة؟ فيقول : نعم" ["الفروع من الكافي" ج ص249].
ويمن تكون ؟
فرووا عن جعفر الصادق أنه قال : لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية" ["تهذيب الأحكام" ج7 ص256. أيضاً "الاستبصار" ج3 ص144].
ولا بأس بالنصرانية واليهودية كما نقلوه عن أبي الحسن الرضا" ["تهذيب الأحكام" و"كتاب شرائع الإسلام" من كتب الفقه المشهورة لجعفر بن الحسن ص184].
ولا بالفاجرة لأنه يمنعها بها من الفجور - حسب زعمهم – ["تهذيب الأحكام" ج7 ص253].
وحتى الزانية كما صرح بذلك السيد الخميني ["تحرير الوسيلة" للخميني ص292 ط قم – إيران].
وسئل أبو الحسن عن المتعة بالفراش فأذن بها [الاستبصار ج3 ص144].
وهناك روايتان مدهشتان تنبئ عن حقيقة المتعة ما رواهما الطوسي وغيره "عن فضل مولى محمد بن راشد أنه قال لجعفر الصادق : إني تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجاً، ففتشت عن ذلك، فوجدت لها زوجاً، قال - أي جعفر -: ولم فتشت؟" ["تهذيب الأحكام" ج7 ص253].
وقال: ليس هذا عليك، إنما عليك أن تصدقها في نفسها" ["الفروع من الكافي" ج5 ص462].(5/224)
والرواية الثانية ما رواها الكليني عن أبان بن تغلب أنه قال : قلت لأبي عبد الله : إني أكون في بعض الطرقات، فأرى المرأة الحسناء ولا آمن أن تكون ذات بعل أو من العواهر؟
قال : ليس هذا عليك، إنما عليك ان تصدقها في نفسها" ["الفروع من الكافي" ج5 ص462].
وهل يجوز بالهاشمية؟ سئل عنه جعفر بن الباقر مرة مطلقاً، فقال : تمتع بالهاشمية" ["تهذيب الأحكام" ج7 ص272].
ومرة أخرى تنكر، كما رواه القوم أجمعهم :
"إنه جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى أبي جعفر فقال : ما تقول في متعة النساء؟ قال : أحله في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - فهي حلال إلى يوم القيامة، فقال : يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرمها عمر ونهى عنها؟
فقال : وإن كان فعل : قال : إني أعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئاً حرمه عمر، قال : فقال له : فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهلم ألاعنك أن القول ما قال رسول الله وأن الباطل ما قال صاحبك، قال : فأقبل عبد الله بن عمير فقال : يسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن؟ قال : فأعرض عنه أبو جعفر عليه السلام حين ذكر نساءه وبنات عمه" ["الفروع من الكافي" ج5 ص449. أيضاً "تهذيب الأحكام" ج7 ص251، أيضاً "الصافي" ج1 ص246].
والصبية الصغيرة أيضا كما قيل :
سئل عن الجارية يتمتع بها الرجل؟ قال : نعم! إلا أن تكون صبية تخدع، قال : فقلت : أصلحك الله، فكم حد الذي إذا بلغته لم تخدع؟ قال : بنت عشر سنين" ["الاستبصار" للطوسي ج3 ص145، أيضاً "تهذيب الأحكام" ج7 ص255، وبذلك قال جعفر "الفروع من الكافي" ج5 ص463].
وبدون الولي
كما قال جعفر : لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبويها" ["تهذيب الأحكام" ج7 ص254].(5/225)
وقال الحلي في كتابه الفقهي المشهور : للبالغة الرشيدة أن تتمتع بنفسها، وليس لوليها اعتراض بكراً كان أو ثيباً" ["شرائع الإسلام" لنجم الدين الحلي المتوفى 676ه ج2 ص186 ط طهران 1377ه].
وبكم يجوز من النساء؟
قالوا : إن أبا جعفر قال : المتعة ليست من الأربع، لأنها لا تطلق ولا تورث ولا ترث ["لا أرثك ولا ترثني، ولا أطلب ولدك لأجل مسمى" – أبو عبد الله – "تهذيب" ج7 ص263]، وإنما هي مستأجرة" ["الاستبصار" ج3 ص147].
وكم تكون أجرتها؟
رووا عن أبي جعفر أنه سئل عن متعة النساء، قال : حلال، وإنه يجزئ فيه درهم فما فوقه" ["الفروع من الكافي" ج5 ص457].
وابنه جعفر قال : يجزئه كف من بر" ["تهذيب الأحكام" ج7 ص260].
و "كف من طعام، دقيق أو سويق أو تمر" ["الفروع من الكافي" ج5 ص457].
ولكم مدة تكون؟
رووا عن أبي الحسن – الإمام العاشر عندهم - أنه سئل :
"كم أدنى أجل المتعة؟ هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة؟
قال : نعم، وعن جده أبي عبد الله على عرد [أي مجامعة لمرة واحدة] واحد، فقال : لا بأس، ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر" ["الفروع من الكافي" ج5 ص460، أيضاً "الاستبصار" ج3 ص151].
وله أن يتمتع بها مرات كثيرة كما رووا أنه سئل جعفر الصادق في الرجل يتمتع بالمرأة مرات، قال : لا بأس، يتمتع بها ما شاء - وأبوه محمد الباقر صرح كما رووا عنه "نعم كم شاء، لأن هذه مستأجرة" ["الفروع من الكافي" ج5 ص460].(5/226)
وللتمتع أن يحاسب الممتوع بها على أجرته التي أعطاها إياها، ويخصم منها حسب العمل، كما رووا عن أبي الحسن أنه سئل "إن الرجل يتزوج المرأة متعة تشترط له أن تأتيه كل يوم حتى توفيه شرطه، أو تشترط أياماً معلومة تأتيه فيها، فتغدر به فلا تأتيه على ما شرطه عليها، فهل يصلح له أن يحاسبها على ما لم تأته من الأيام، فيحبس عنها من مهرها بحساب ذلك؟ قال : نعم! ينظر ما قطعت من الشرط. فيحبس عنها من مهرها بمقدار ما لم تف له [أو مع ذلك لا يستحيون من الله حينما يسمون هذه السفاهة وهذه الدعارة نكاحاً؟ أو يكون النكاح هكذا بأنه يخصم من المهر ويحاسب على الأيام، وتحبس عن الأجرة، فعدلاً عدلاً يا عباد الله] ما خلا أيام الطمث فإنها لها" ["الفروع" من الكافي" ج5 ص461].
فهذه هي المتعة الشيعية التي جعلوها واجبة مفروضة، واختلقوا لها روايات وأحاديث كذباً على النبي وآله - صلى الله عليه وسلم - "بأن المؤمن لا يكمل [ولا أدري كيف يعللها المعللون من الشيعة بأنها ضرورة للمسافرين والمقوين وغير هؤلاء الذين لا تساعدهم على القران الباقي والزواج الدائم لما له غالباً من التبعات واللوازم (أصل الشيعة وأصولها لمحمد حسين كاشف الغطاء ص146 ط بيروت 1960م).
كما لا ندري عذر المعتذر الذي يعتذد بقوله: ولم تستعمل المتعة شيعة سوريا ولبنان ولا عرب العراق والمنقول أن بعض المسنات في بلاد إيران يستعملن المتعة، ولكن على الأساس الذي بيناه، وعلى الرغم من ذلك فإنهم لا يفعلونها، وما هي بشائعة في بلادهم" ("الشيعة في الميزان" للمغنية ص358 ط بيروت).(5/227)
ولسائل أن يسأل ولماذا لا تفعلونها ما دمتم ترونها مباحاً؟ وما دام تروون أن الإيمان لا يكتمل إلا بها، وأنه يثاب عليها بذاك وذاك، أو لا يدل ذلك بأن في القلب منها شيء، وإلا فلماذا المباهاة بأن العرب لا يفعلون وأن الفرس أيضاً لا يفعلون؟ ثم ولماذا التعليل بالمسافرين وإن كان من مكملات الإيمان وسبب رفع الدرجات، ولماذا الفرق بين الموسرين والمعسرين، ولقد فرق كباركم في كتبهم أيضاً حيث بوبوا الأبواب أنه يجب أن يكف عنها من كان مستغنياً وغير ذلك، وإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار] حتى يتمتع" ["من لا يحضره الفقيه" ج3 ص366].
"وإني لأكره للرجل المسلم أن يخرج من الدنيا قد بقيت عليه خلة من خلال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقضها" ["من لا يحضره الفقيه" ج3 ص463] - قاله أبو عبد الله في جواب من سأله عن المتعة.
وأيضاً عن أبي جعفر أنه سأله سائل.
للمتمتع ثواب؟ قال : إن كان يريد بذلك وجه الله تعالى، وخلافاً على من أنكرها. لم يكلمها – أي المتمتع بها – كلمة إلا كتب الله له بها حسنة، ولم يمد يده إليها إلا كتب الله له حسنة، فإذا دنا منها غفر الله له بذلك ذنباً، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره، قلت : بعدد الشعر؟ قال: نعم! بعدد الشعر" ["من لا يحضره الفقيه" ج3 ص366].
هذا ومثل هذا فإنه لكثير .
ونختم القول على إيراد رواية أخرى من الروايات المروية الكثيرة الكثيرة في كتبهم من التفسير والحديث والفقه، وهى فرية من مفتريات القوم على جعفر الصادق أنه قال :
"إن المتعة من ديني ودين آبائى، فمن عمل بها عمل بديننا، ومن أنكرها أنكر ديننا، واعتقد بدين غيرنا، والمتعة مقربة إلى السلف وأمان من الشرك، وولد المتعة أفضل من ولد النكاح، ومنكرها كافر مرتد، ومقرها مؤمن موحد، لأن له في المتعة أجران، أجر الصدقة التي يعطيها للمستمتعة، وأجر المتعة" ["تفسير منهج الصادقين" للملا الكاشاني ج2 ص495].(5/228)
ودليل كون المتعة بهتاناً وافتراء على أهل البيت، وكذباً وزوراً عليهم أنه لم يثبت في كتاب ما وحتى في كتب القوم أنفسهم ذكر واحدة من النساء اللاتي تمتع بها أحد من أئمتهم الاثنى عشر بما فيه آخرهم الغائب الذي لم يولد بعد مع أن جميع النساء لجميع أئمتهم ذكرن، وذكر أسمائهن في الكتب التي هم ألفوها في سيرهم وسوانحهم من علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الحسن العسكري والغائب الموهموم، كما أنه لم يثبت واحد من أولادهم بأنه كان حصيلة المتعة وثمرتها، وهذا مع أنهم ملئوا كتب التاريخ والأنساب والسير من الأساطير والأباطيل.
وهذا مما لا جواب عليه عند واحد منهم، من أدناهم إلى أعلاهم، فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين؟.
إعارة الفروج
وأباحوا مع ذلك إعارة الفروج ومنحها للأصدقاء، فلقد روى الطوسي عن أبي الحسن الطارئ أنه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عارية الفرج؟ قال : لا بأس به" ["الاستبصار للطوسي" ص141 ج3].
ورووا عن أبيه مثل هذا كما روى الطوسي أيضاً عن زرارة أنه قال :
قلت : لأبي جعفر عليه السلام : الرجل يحل جاريته لأخيه؟ قال : لا بأس به" ["الاستبصار للطوسي" ج3 ص139].
والاستئجار أيضاً
ومن أكاذيبهم الشنيعة على جعفر بن الباقر ما رووه عنه أنه قال :
جاءت امرأة إلى عمر فقالت : إني زنيت فطهرني، فأمر بها أن ترجم، فأخبر بذلك أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فقال : كيف زنيت؟ فقالت : مررت بالوادية فأصابني عطش شديد فاستقيت عربياً، فأبى أن يسقيني إلا أن أمكنه من نفسي، فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : تزويج ورب الكعبة" ["الفروع من الكافي" ج5 ص468].
انظر إلى القوم كيف فتحوا أبواب الفحش والدعارة على مصاريعها بمثل هذه الأكاذيب والافتراءات؟.
اللواط بالنساء(5/229)
ومن أكاذيبهم على أهل البيت أنهم نقلوا عنهم جواز لواطة النساء، فروى الكليني عن الرضا أنه سأله صفوان بن يحيى :
"إن رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك، قال : وما هي؟ قلت : الرجل يأتي امرأته في دبرها؟
قال : ذلك له، قال : قلت له : فأنت تفعل؟ قال : إنا لا نفعل ذلك" ["الفروع من الكافي" للكليني ج5 ص40، وأيضاً "الاستبصار" ج3 ص243، 244].
ورووا عن جعفر أنه سأله رجل عن الرجل :
"يأتي المرأة في ذلك الموضع، وفى البيت جماعة، فقال لي ورفع صوته : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من كلفه مملوكه ما لا يطيق فليبعه (يعني قال هذا خداعاً للناس) ثم نظر في وجوه أهل البيت، ثم أصغى إلي، فقال : لا بأس به" ["الاستبصار" لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي ص343 ج3 كتاب النكاح].
ورووا أيضاً عن حفيده أبي الحسن الرضا - الإمام الثامن المعصوم عندهم - بعبارة أصرح وأشنع من هذه حيث روى عنه الطوسي أنه سأله رجل عن إتيان الرجل المرأة من خلفها في دبرها، فقال : أحلتها آية من كتاب الله قول لوط عليه السلام : هؤلاء بناتي هن أطهر لكم : وقد علم أنهم يريدون الفرج" ["الاستبصار" ج3 ص243، وأيضاً "تهذيب الأحكام" للطوسي ج7 ص415].
كما رووا عن جعفر بهذه الصراحة عن عبيد الله بن أبي يعفور قال :
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال : لا بأس، إذا رضيت، قلت : فأين قول الله عز وجل : فأتوهن من حيث أمركم الله؟ قال : هذا في طلب الولد" ["تهذيب الأحكام" للطوسي ج7 ص414، باب آداب الخلوة أيضاً "الاستبصار" ج3 ص243].
ويروون عن يونس بن عمار أنه قال :
إني ربما أتيت الجارية من خلفها يعني دبرها وتفززت، فجعلت إلى نفسي إن عدت إلى امرأتي هكذا فعلى صدقة درهم وقد ثقل ذلك علي، قال : ليس عليك شيء وذلك لك" ["الاستبصار" ج3 ص244].(5/230)
هذا وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : محاش نساء أمتي [جمع محشة وهي الدبر] على رجال أمتي حرام" ["من لا يحضره الفقيه" ج3 ص468 كتاب النكاح باب النوادر].
الشريعة
ومن أكاذيبهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته، التي اختلقوها والافتراءات التي اخترعوها عليهم هي الأحاديث والروايات التي يروونها لتعطيل الشريعة الإسلامية، وإبعاد المسلمين عن العمل بأوامرها ونواهيها، واجتذاب الأوباش من الناس والسفلة السوقة، المهملين حدود الله والغير العاملين بأوامر الله، وغير المهتمين بإرشاداته وتعليماته، والذين لا يرون العبادات من الصلاة والصيام والحج والزكاة إلا وزراً عليهم، وكلفة لا يطيقونها، ومشقة لا يتحملونها، وإهمالاً للأوقات ومضيعة للمال، كما أنهم يرون التقيد بأوامر الشرع في المعاملات وغيرها من مسائل الحياة من الأشياء اللاضرورية التي أوجبت عليهم عبثاً.
وهذا مع تطلعهم إلى إطلاق عنان النفس وراء الملذات والشهوات، والإغراق في الملاهي والمنكرات والسيئات.
فلإرواء غلة النفوس الخبيثة من الملذات، ولتحريرها من الحدود والقيود الدينية والأخلاقية جوّزوا وأباحوا الزنا ولو بألف امرأة للرجل، وبالعكس للنساء باسم المتعة التي ليس إلا الفجور المحض كما بيناه آنفاً من كتب القوم أنفسهم، ورفعوا العمل بالصالحات والإتيان بالفرائض الشرعية وسننها، والامتثال بتعاليمها في باقي أمور الدين والدنيا.
وعلى ذلك كذبوا على الله عز وجل - سبحانه وتعالى عما يفتري عليه الأفاكون - أنه قال جل وعلا:
علي بن أبي طالب حجتي على خلقي، ونوري في بلادي، وأميني على علمي، لا أدخل النار من عرفه وإن عصاني، ولا أدخل الجنة من أنكره ولو أطاعني" ["مقدمة البرهان في تفسر القرآن" للبحراني ص23 ومثله في "الخصال" للقمي ج2 ص583].(5/231)
ومعناه أنه لا عبر بمعصية الله تعالى في دخول الجنة والنار، بل العبرة هي حب علي، فمن أحبه عمل بالإسلام أو لم يعمل وامتثل بأوامر الله تعالى أو لم يمتثل دخل الجنة فعليه أن يحب علياً ويفعل ما شاء فلا مؤاخذة عليه.
هذا وليس هذا فحسب، بل لو حكم عليه بالنار وسيق إلى جهنم وطرد من الحوض لاقترافه الكبائر وارتكابه الموبقات يرد إلى الجنة ويروى من الحوض إن كان من الشيعة.
كما افتروا على الله تبارك وتعالى - ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً – بقولهم في رواية مختلقة :
عن أبي جعفر أنه قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحدة حفاة عراة، فيوقفون في المحشر حتى يعرقوا عرقاً شديداً، فيمكثون في ذلك مقدار خمسين عاماً، وهو قول الله عز وجل : وخشعت الأصوات للرحمان فلا تسمع إلا همساً: قال : ثم ينادي مناد من تلقاء العرش أين النبي الأمي؟، أين نبي الرحمة، أين محمد بن عبد الله الأمي؟، فيتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمام الناس كلهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة وصنعاء، فيقف عليه، فينادى بصاحبكم فيتقدم علي أمام الناس، فيقف معه ثم يؤذن للناس فيمرون، فبين وارد الحوض يومئذ وبين مصروف عنه، فإذا رأى رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) من يصرف عنه من محبينا بكى، فيقول :
يا رب شيعة علي أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار، ومنعوا ورود حوضي؟ قال : فيبعث الله إليه ملكاً فيقول : ما يبكيك يا محمد؟ فيقول : لأناس من شيعة علي، فيقول له الملك إن الله يقول :(5/232)
يا محمد! إن شيعة علي قد وهبتهم لك يا محمد، وصفحت لهم عن ذنوبهم بحبهم لك ولعترتك، وألحقتهم بك وبمن كانوا يقولون به، وجعلناهم في زمرتك، فأوردهم حوضك، قال أبو جعفر عليه السلام : فكم من باك يومئذ وباكية ينادون : يا محمد! إذا رأوا ذلك، ولا يبقى أحد يومئذ يتولانا ويحبنا ويبرأ من عدونا ويبغضهم إلا كانوا في حزبنا ومعنا، ويردوا حوضنا" [تفسير البرهان ص255 ج3 و"الصافي" ص78 ج2].
وأيضاً ما رواه البحراني في تفسيره نقلاً عن المفيد في "الاختصاص" :
"عن أبى سعيد المدائني أنه قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما معنى قول الله عز وجل في محكم كتابه: { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } فقال (ع): كتاب لنا كتبه الله يا أبا سعيد في ورق قبل أن يخلق الخلائق بألفي عام، صيره معه في عرشه، أو تحت عرشه، فيه : يا شيعة آل محمد! غفرت لكم قبل أن تعصوني [وإن القوم لم يجعلوا الأئمة معصومين بل شاركوهم أيضاً في العصمة حيث أن الله غفر لهم قبل ارتكاب المعصية، ومن كان هذا شأنه كان معصوماً، فالعصمة حاصلة لأئمة الشيعة وللشيعة أيضاً]، من أتى غير منكر بولاية محمد وآل محمد أسكنته جنتي برحمتي" [البرهان ص228 ج3].
كما كذبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وهو الصادق الأمين فداه أبواي وروحي:
"إنه قال : من رزقه الله حب الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يشكن أحد أنه في الجنة" [تفسير نور الثقلين ص504 ج2 ط قم – إيران].
وكذبوا على علي أنه قال :
من أحبني فهو سعيد يحشر في زمرة الأنبياء [كتاب الخصال ص578 ج2].
يعني لا يحتاج أن يقرأ القرآن ويصلي ويزكي ويصوم ويحج ويتعب نفسه ويجهد روحه، بل عليه أن يحبه فحسب، وعلى الله أن ينجيه من النار ويدخله النعيم كما صرحوا في كتبهم بعبارات واضحة غير مبهمة، فهذا هو صدوقهم - وهو كذوب – يروي في كتابه زوراً وبهتاناً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :(5/233)
يا علي! من أحبك بقلبه فكأنما قرأ بثلث القرآن، ومن أحبك بقلبه وأعانك بلسانه فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن أحبك بقلبه وأعانك بلسانه ونصرك بيده فكأنما قرأ القرآن كله" [كتاب الخصال ص180 ج2].
وأما الصلاة والزكاة والحج فإنهم نقلوا عن جعفر الصادق - وهم عليه يكذبون أنه قال :
إن الله يدفع [أي العذاب والهلاك] بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا .. وإن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي من شيعتنا … وإن الله يدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج من شيعتنا" ["تفسير القمي" لعلي بن إبراهيم ج1 ص83، 84، أيضاً تفسير العياشي لمحمد بن مسعود السلمي المعروف بالعياشي ج1 ص135].
هذا وليس على أحد من الشيعة أن يصلي ويزكي ويحج لأن بعضاً منهم قد يصلون ويزكون ويحجون، ويؤدون عن الباقي، فعوضوا عن هذه الفرائض والواجبات كلها عن حب أهل البيت، وزيارتهم، والبكاء على قتلاهم وأمواتهم، وزيارة قبورهم بعد موتهم.
فدين الشيعة دين مختلق، مبتكر، جديد، لا يمت إلى الإسلام بشيء، دين العمل دين الواجبات والفرائض، دين العبادات والمعاملات، دين الأوامر والنواهي، الدين الذي علم على لسان رسوله الصادق الأمين بأن أهل البيت أنفسهم لا يستطيعون أن ينجوا من عذاب الله وبطشه وناره إلا بالتمسك بحبل الله، والعمل بما أمره الله ورسوله، والاجتناب عما نهاه الله ورسوله، كما خاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل بيته، عمه، وعمته، وبنته وعشيرته، كل واحد باسمه وشخصه قائلاً : "يا بنى عبد المطلب! يا بني عبد مناف! يا فاطمة بنت رسول الله! يا عباس بن عبد المطلب! يا صفية عمة رسول الله! افتدوا أنفسكم من النار، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً" ["تفسير منهج الصادقين" ج6 ص488].
وفى رواية أخرى "اعملوا اعملوا، وسلوني من مالي ما شئتم، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً" ["تفسير منهج الصادقين" ج6 ص488].(5/234)
فهؤلاء هم أهل بيت النبوة لا ينجون من عذاب الله، ويدخلون الجنة بحبهم لرسول الله، وولائهم له، وقرابتهم منه، إلا بالعمل الصالح وإطاعة الله ورسوله في كل الأمور، أمور الدنيا والآخرة، ورسول الله لا يغنيهم بدون ذلك.
وهذا ما يؤديه القرآن المنزل من السماء على محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث جاء فيه { لا تزر وازرة وزرة أخرى } [سورة الأنعام الآية 164].
و { أن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى } [سورة النجم الآية 39 إلى 41].
و { فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى } [سورة النازعات الآية37 إلى 41].
و { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى } [سورة الأعلى الآية14، 15].
وقال الله عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو أصدق القائلين :
{ فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } [سورة الزلزال الآية7، 8].
وقال : { قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون * والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون * والذين هم على صلواتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } [سورة المؤمنون الآية 1 إلى 11].
وذكر الله عز وجل في القرآن الذي جعله دستوراً وإماماً للناس وهدى ورحمة للمؤمنين، قال فيه :(5/235)
{ كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نكن من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين } [سورة المدثر الآية38 إلى 48].
وحكى الله عز وجل على لسان نبيه نوح عليه السلام أنه نادى ربه عندما رأى ابنه غريقاً في السيل والطوفان :
{ رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين * قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم و إلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } [سورة هود الآية45 إلى47].
كما حكي عن إبراهيم عليه السلام وعن أبيه أنه قال له :
{ يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً * قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً } [سورة مريم الآية43 إلى47].
وقال : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعد وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم } [سورة التوبة الآية114].
فبين لله في هذه الآيات المباركة من الكتاب أن لا نجاة ولا فلاح ولا فوز إلا بالتمسك بحبل الله، والعمل بكتاب الله، والامتثال بأوامره، والإطاعة له ولرسوله، والتقرب إليه بالعبادات من الصلوات والزكاة والصيام والحج، والدخول في دين الله كافة واجتناب محارمه ومعاصيه، ودون ذلك لا يفيد، سواء كانت قرابة حسب ونسب لأولياء الله وصلحائه أو رسل الله وأنبيائه اللهم إلا بالعمل الصالح.
فهذا هو أبو لهب عم الرسول الحقيقي وصهر ابنتيه، ومن عشيرته وأقربائه نزلت فيه :(5/236)
{ تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى ناراً ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد } [سورة تبت].
وذاك أبو طالب عمه الثاني، نزلت فيه الآية عند ما أراد رسول الله الاستغفار له :
{ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنه أصحاب الجحيم } [سورة التوبة الآية113].
هذا ولا يخفى على كل من تأمل القرآن وتصفح في معانيه أن مدار النجاة هو على الإقرار بوحدانية الله عز وجل ورسالة نبيه المحترم - صلى الله عليه وسلم - والعمل بما أمر في الكتاب والسنة { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً * ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً * والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً } - إلى أن قال -: { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً، خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً } [سورة الفرقان الآية70 إلى76].
خلاف القوم فإنهم اعتقدوا عكس ذلك فقالوا : حب علي حسنة لا تضر معها سيئة" ["تفسير منهج الصادقين" ج8 ص110].
و "إن حبّنا أهل البيت ليحط الذنوب عن العباد كما تحط الريح الشديدة الورق عن الشجرة" ["تفسير منهج الصادقين" ج8 ص111].
كما كذبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :(5/237)
إن الله تعالى جعل لأخي علي بن أبي طالب فضائل لا تحصى كثرة، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقراً بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة أثر ورسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها من السماع، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر له الذنوب التي اكتسبها من النظر" ["حديقة الشيعة" لأحمد بن محمد المعروف بمقدس الأردبيلي ص2 ط طهران، أيضاً "كشف الغمة" لعلي بن عيسى الأربلي ج1 ص112].
وأما العمل الصالح فقد صرحوا بأنه لا احتياج إليه كما رووه عن جعفر الصادق - وهم كذبة - أنه قال مخاطباً للشيعة : أما والله لا يدخل النار منكم اثنان، لا والله ولا واحد" ["الروضة من الكافي" للكليني ج8 ص78].
وإنه قال للشيعة : إن الرجل منكم لتملأ صحيفته من غير عمل" ["الروضة من الكافي" للكليني ج8 ص78].
"بل كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة" ["مقدمة البرهان" ص21].
وأيضاً نسبوا إلى أبي الحسن الرضا - الإمام المعصوم الثامن عندهم - أنه قال:
رفع القلم عن شيعتنا ….. ما من أحد من شيعتنا ارتكب ذنباً أو خطأ إلا ناله في ذلك عما يمحص عنه ذنوبه ولو أنه أتى بذنوب بعدد القطر والمطر، وبعدد الحصى والرمل، وبعدد الشوك والشجر" ["عيون أخبار الرضا" لابن بابويه القمي ج2 ص236].
فمن كان هذا شأنه لماذا يحتاج أن يجد نفسه ويكد فله أن يقر بحب علي وآله، ويعمل ما شاء، كيفما شاء، وأينما شاء، لأن القلم قد رفع عنه، وغفرت ذنوبه وخطاياه، وأعطي له صك الرضا والجنة، لا تضره معصية ولا سيئة، ولا يزيده إيمان ولا عمل.
وأما الإظهار لهذا الحب فهو أن يزور قبر الحسين أو الرضا أو أحد من الأئمة، ويأخذ صكوك المغفرة والرضوان والجنة، فقد قالوا :
زيارة الحسين - أي قبره - عليه السلام تعدل مائة حجة مبرورة ومائة عمرة متقبلة" ["الإرشاد" للمفيد ص252 ط مكتبة بصيرتي – قم].(5/238)
وكذبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من زار الحسين بعد موته فله الجنة" ["الإرشاد" للمفيد ص252].
ومن لم يستطع زيارته فعليه أن يبكي على شهادته، ويأخذ الجنة كما رووا عن باقر بن زين العابدين أنه قال :
لا يخرج قطرة ماء بكاء على الحسين إلا ويغفر الله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" ["جلاء العيون" للمجلسي الفارسي ج2 ص468].
و "وجب عليه الجنة" ["جلاء العيون" ص464 تحت العنوان باب البكء على الحسين].
هذا ومن بكى على الرضا فله الجنة أيضاً كما نقلوا عن الرضا أنه قال : وما من مؤمن يزورني فيصيب وجهه قطرة من ماء إلا حرم الله تعالى جسده على النار" ["عيون أخبار الرضا" ج2 ص227].
وأما من زار قبره يقولون فيه نقلاً عن ابنه محمد الملقب بالجواد - الإمام التاسع عندهم - أنه قال :
من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر - فإذا كان يوم القيامة وضع له منبر حذاء منبر النبي (- صلى الله عليه وسلم -) حتى يفرغ الله من حساب العباد" ["عيون أخبار الرضا" ج2 ص259].
وينقلون عن أبيه موسى بن جعفر - الإمام السابع عندهم - أنه قال :
من زار قبر ولدي علي كان له عند الله سبعون حجة مبرورة، قلت - أي الراوي - سبعون حجة؟ قال: نعم وسبعون ألف حجة – الله الله من كذب القوم، ما أشنعه وما أكثر – ثم قال : رب حجة لا تقبل، ومن زاره أو بات عنده كان كمن زار الله تعالى في عرشه – أستغفر الله على نقل هذه الخرافة – قلت : كمن زار الله في عرشه؟ قال : نعم" ["عيون أخبار الرضا" ج2 ص259].(5/239)
ونقلوا عن علي الرضا أنه قال : سيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس، ألا فمن زارني وهو على غسل خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" ["عيون أخبار الرضا" ج2 ص260 – إن القوم قد بلغوا في الكذب ما لم يبلغه الأولون والآخرون وكل واحد من علمائهم وفقهائهم ومحدثيهم يتسابق إلى اختلاق الكذب واختراعه ويريد أن يزداد ويكثر من الآخر حتى ينسى ماذا قال الأولون وماذا يقول به الآخرون، وإن الجميع ليعرف أن الشيعة لا يعطون لأحد المنزلة التي يجعلونها للحسين بن علي السبط، ولكن ابن بابويه حينما بدأ في ذكر الرضا أكثر في الكذب وبالغ إلى حد نسي مذهبه ومعتقده وغرق في خضم الكذب حتى فضل علي بن موسى الرضا على الحسين حيث ذكر في "الإرشاد" أن زيارة قبر الحسين تعدل مائة حجة، وحينما جاء إلى ذكر الرضا كتب أن زيارة الرضا تعدل عند الله ألف حجة – (انظر ص257 لعيون أخبار الرضا) وأكثر من ذلك أنه قال:
إن زيارة قبره أفضل من زيارة قبر الحسين كما روى عن علي بن مخرياء أنه قال: قلت لابن أبي جعفر يعني الرضا: جعلت فداك، زيارة الرضا عليه السلام أفضل أم زيارة الحسين؟ فقال: زيارة أبي عليه السلام أفضل" (عيون أخبار الرضا ج2 ص261).
وأكثر من ذلك أنه قال: بأن زيارة قبره أفضل من بيت الله العتيق" (عيون ج2 ص261)].
و "لا يزورها مؤمن إلا أوجب الله له الجنة وحرم جسده على النار" ["عيون أخبار الرضا" ج2 ص255].
هذا ومن زار أخته فاطمة بنت موسى فله الجنة أيضاً كما رووا عن سعد بن سعد أنه قال :
سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام فقال : من زارها فله الجنة" [عيون أخبار الرضا ج2 ص267 باب ثواب زيارة فاطمة عليها السلام بقم].
فهذا هو دين القوم وهذا هو مذهبهم المبني على المقابر والمشاهد، والزيارات والبكاء، والحب والولاء، لا العمل ولا الفروض ولا الواجبات، ولا الحدود ولا المنكرات ولا السيئات.
الأئمة(5/240)
إن القوم لم يجبلوا إلا على الكذب، ولم يخلقوا إلا مع الكذب كأنهم والكذب توأمان، فلقد كذبوا وما أكثره وأشنعه بأن أئمتهم يملكون الأوصاف الإلهية المختصة بذات الله وجلاله، وأنهم يشاركونه في أموره وتقديراته - سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً -.
فهذا هو كلينيهم - وهو كالبخاري عند السنة - يكذب على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:
لقد أعطيت خصالاً لم يعطهن أحد قبلي - وحتى الأنبياء -، علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني" ["الأصول من الكافي" ج19 ص197].
والثابت في كتاب الله المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - :
{ وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدرى نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير } [سورة لقمان الآية 34].
ومن أوصاف الله عز وجل أنه { لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض } [سورة سبأ الآية3].
وأنه أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : { لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } [سورة النمل الآية65].
وأما القوم فلم يكتفوا على أن يثبتوا الصفات الربانية المختصة بمقامه وشأنه جل وعلا لعلي رضي الله عنه مخالفين كتاب الله وتعاليم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل أثبتوها لأئمتهم جميعاً، فلقد بوب الكليني باباً مستقلاً "إن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون وإنه لا يخفى عليهم الشيء".
ثم نقل عن جعفر الصادق - وهو يكذب عليه - أنه قال : إني أعلم ما في السماوات والأرض وأعلم ما في الجنة وما في النار وأعلم ما كان وما يكون.
كما كذبوا على أبيه محمد الباقر أنه قال : لا يكون والله عالم جاهلاً أبداً، عالما بشيء، جاهلاً بشيء، ثم قال : الله أجل وأعز وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه، ثم قال : لا يحجب ذلك عنه" ["الأصول من الكافي" ج1 ص262].(5/241)
وكذبوا على أبي الحسن أنه كان جالساً وعنده إسحاق بن عمار، فدخل عليه رجل من الشيعة، فقال له :
يا فلان! جدد التوبة وأحدث العبادة، فإنه لم يبق من عمرك إلا شهر، قال إسحاق : فقلت في نفسي : واعجباه كأنه يخبرنا أنه يعلم آجال الشيعة أو قال : آجالنا، قال : فالتفت إلي مغضباً - لأنه عرف ما اختلج في صدره - وقال : يا إسحاق وما تنكر من ذلك … يا إسحاق أما أنه يتشتت أهل بيتك تشتتاً قبيحاً، ويفلس عيالك إفلاساً شديداً" ["رجال الكشي" ص348 تحت ترجمة إسحاق بن عمار ط كربلاء].
هذا، وإله الحق يقول : { وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو } [سورة الأنعام الآية59].
وقد أقر بذلك جعفر الصادق وأنكر عنه وعن غيره من أهل البيت الغيب كما رواه القوم أنفسهم عن سدير أنه قال :
كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزار وداؤد بن كثير في مجلس أبي عبد الله عليه السلام إذ خرج علينا وهو مغضب، فلما أخذ مجلسه قال : يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة، فهربت مني فما علمت في أي دار هي؟" ["كتاب الحجة من الكافي" ج1 ص257].
ومثله في رجال الكشي حيث سئل عنه أن أبا الخطاب - أحد تلامذته - يقول : إنك تعلم الغيب وأنت قلت له هذا؟ فقال جعفر : وأما قوله : إني كنت أعلم الغيب فوالله الذي لا إله إلا هو ما أعلم الغيب، ولا آجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحيائي إن كنت قلت له، قال : (أي الراوي) وقدامه جويرية سوداء تدرج قال (أي جعفر) : لقد كان مني إلى أم هذه بخطة القلم فأتتني هذه فلو كنت أعلم الغيب ما كانت تأتيني، ولقد قاسمت مع عبد الله حائطاً بيني وبينه، فأصابه السهل والشرب وأصابني الجبل، فلو كنت أعلم الغيب لأصابني السهل والشرب وأصابه الجبل" ["رجال الكشي" ص248].
وكذبوا على محمد الباقر حيث روى أبو بصير أنه قال :(5/242)
قلت لأبي جعفر عليه السلام : أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤا الأكمه والأبرص؟ قال : نعم بإذن الله، ثم قال لي : ادن مني يا أبا محمد! فدنوت منه، فمسح على وجهي وعلى عيني فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في البلد، ثم قال لي : أتحب أن تكون هكذا أو بك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصاً؟ قلت : أعود كما كنت، فمسح على عيني، فعدت كما كنت" ["كتاب الحجة من الكافي" ج1 ص470].
ومن أكاذيبهم على أئمتهم أن عندهم جميع الكتب التي أنزلت وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها" ["الأصول من الكافي" ج1 ص227].
و "إن الأئمة يعلمون متى يموتون، وإنهم يموتون باختيار منهم" ["الأصول من الكافي" ج1 ص258].
و "إن الأئمة لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وما عليه" ["الأصول من الكافي" ج1 ص264].
و "إن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم، وتطأ بسطهم، وتأتيهم بالأخبار" ["الأصول من الكافي" كتاب الحجة ج1 ص393].
و "عندهم علم لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل" ["الأصول من الكافي" ج1 ص402].
و "إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه روح" ["قرب الأسناد" للحميري ص146 ط مكتبة نينوى طهران].
خروج القائم
ومن أكاذيبهم على أهل البيت أنهم نسبوا إليهم الأقوال والروايات التي تنبئ بخروج القائم من أولاد الحسن العسكري الذي لم يولد له مطلقاً في آخر الزمان، وإحيائه أعداء أهل البيت وقتله إياهم حسب زعمهم.
كما أورد الكليني - محدث القوم وبخاريهم - عن سلام بن المستنير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يحدث إذا قام القائم عرض الإيمان على كل ناصب، فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه، أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة، ويشد على وسطه الهميان ويخرجهم من الأمصار إلى السواد" ["الروضة من الكافي" ج8 ص227].
ولا هذا فحسب، بل أورد الصافي مفسر القوم رواية عن جعفر أيضاً أنه قال :(5/243)
إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائهم" ["تفسير الصافي" سورة البقرة ج1 ص172].
هذا ولا يكتفي على قتل ذراريهم، بل يحيي آباءهم ويقتلهم كما روى المفيد كذباً على جعفر بن الباقر أنه قال :
إذا قام القائم من آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم فأقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات" ["الإرشاد" للمفيد ص364].
ولقد أورد العياشي أنه يقتل أيضاً يزيد بن معاوية وأصحابه كما يقول :
قال أبو عبد الله عليه السلام : إن أول من يكر إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السلام وأصحابه ويزيد بن معاوية وأصحابه، فيقتلهم حذو القذة بالقذة" [تفسير العياشي" ج2 ص280 تحت قوله تعالى: { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } ، أيضاً "البرهان" ج2 ص408، أيضاً "الصافي" ج1 ص959].
ولم يقتنع القوم بهذه الأكاذيب، ولم يشف غليلهم حتى بلغوا إلى أقصاه، فافتروا على محمد الباقر أنه قال :
أما لو قام قائمنا ردت الحميراء (أي أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها) حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد - صلى الله عليه وسلم - فاطمة عليها السلام منها، قيل : ولم يجلدها ؟ قال : لفريتها على أم إبراهيم، قيل : فكيف أخره الله للقائم (ع)؟ قال : إن الله بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - رحمة، وبعث القائم عليه السلام نقمة" ["تفسير الصافي" سورة الأنبياء ج2 ص108].
كما أنهم حكوا روايات كثيرة باطلة، ونسبوها إلى أئمتهم نذكر منها واحداً أن أبا جعفر الباقر قال :
كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد ….. وأول من يبايعه جبرائيل" ["روضة الواعظين" ج2 ص364، 365، "الإرشاد" ص364].
المسائل الغربية(5/244)
ومن أكاذيبهم الشنيعة الكثيرة على أهل البيت أنهم كذبوا على أبي عبد الله جعفر بن الباقر أنه قال :
إن سال من ذكرك شيء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة فلا تغسله، ولا تقطع الصلاة ولا تنقص له الوضوء وإن بلغ عقبيك، فإنما ذلك بمنزلة النخامة وكل شيء يخرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبائل أو من البواسير وليس بشيء" [الفروع من الكافي ج3 ص39، أيضاً "تهذيب الأحكام" ج1 ص21، أيضاً الاستبصار ج1 ص94].
كما كذبوا على أبيه محمد الباقر بن علي زين العابدين أنه :
"سئل عن المذي يسيل حتى يصيب الفخذ؟ فقال : لا يقطع صلاته ولا يغسله من فخذه" [الفروع من الكافي ج3 ص40 كتاب الطهارة].
ورووا عن عمر بن زيد أنه قال :
اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة وتطيبت ولبست أثوابي، فمرت بي وصيفة ففخذت لها فأفضيت أنا وأمنت هي، فدخلني من ذلك ضيق فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك، فقال : ليس عليك وضوء ولا عليها غسل" ["وسائل الشيعة" للحر العاملي كتاب الطهارة ج1 ص198].
ومن أكاذيبهم أن جعفر الصادق رأى حنان بن سدير وعليه نعل سوداء، فقال : مالك ولبس نعل سوداء؟ أما علمت أن فيها ثلاث خصال؟ قلت : وما هي جعلت فداك؟ قال : تضعف البصر وترخي الذكر وتورث الهم، وهي مع ذلك لباس الجبارين، عليك بلبس نعل صفراء، فيها ثلاث خصال، قال : قلت : وما هي؟ قال : تحد البصر وتشد الذكر وتنفي الهم" [كتاب الخصال لابن بابويه القمي باب الثلاثة ج1 ص99].
ولسائل أن يسأل ما علاقة النعل بالتشديد والإرخاء؟
ورووا عن أبي الحسن الأول – الإمام السابع عند القوم - أنه قال :
النظر إلى الوجه الحسن يجلي البصر.
ورووا عن أبيه جعفر أنه قال :
أربعة لا يشبعن من أربعة، الأرض من المطر، والعين من النظر، والأنثى من الذكر" ["كتاب الخصال" ج1 ص221].
وأيضاً رووا عنه أنه قال : النشوة في عشرة أشياء …. في الأكل والشرب والنظر إلى المرأة الحسناء والجماع" ["كتاب الخصال" باب العشرة ج2 ص443].(5/245)
ورووا أيضاً أنه سئل "هل للرجل أن ينظر إلى امرأته وهى عريانة؟ قال : لا بأس بذلك، هل اللذة إلا بذلك" ["الفروع من الكافي" ج2 ص214 ط الهند].
كما سئل أبو الحسن عن "الرجل يقبل فرج امرأته؟ قال : لا بأس" ["الفروع من الكافي" ج2 ص214].
ولا ندري ما علاقة أئمة القوم بمثل هذه المسائل، وما الحكمة في بيانها؟ ثم وأي دين هذا الذي يأمر أتباعه بالنظر إلى الحسناوات، وتشديد الذكر، والترغيب في الأكل والشرب والجماع وغير ذلك من الخرافات التي يأبى الإنسان العادي أن يذكرها دون الأئمة والثقاة حسب زعم القوم؟.
هذا وقد رووا أيضاً عن جعفر أنه قال : النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار" ["الفروع الكافي"، كتاب الزي والتجمل ج6 ص501 ط طهران].
وأما عورة المسلم فرووا عن أبي الحسن موسى الكاظم أنه قال :
العورة عورتان القبل والدبر، أما الدبر فمستور بالإليتين وأما القبل فاستره بيدك" ["الفروع الكافي" كتاب الزي والتجمل ج6 ص501].
هذا وليس هذا فحسب، بل هناك فضائح أكثر من هذا حيث قالوا : إن أبا جعفر - محمد الباقر - عليه السلام كان يقول :
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بميزر، فقال : فدخل ذات يوم الحمام فتنور - أي جعل النورة على جسمه - فلما أن أطبقت النورة على بدنه ألقى الميزر، فقال له مولى له : بأبي أنت وأمي إنك توصينا بالميزر ولزومه وقد ألقيته عن نفسك؟ فقال : أما علمت أن النورة قد أطبقت العورة؟.(5/246)
كما رووا عن عبيد الله الدابقي أنه قال : دخلت حماماً بالمدينة، فإذا شيخ كبير وهو قيم الحمام، فقلت : يا شيخ لمن هذا الحمام؟ فقال : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، فقلت : كان يدخله؟ قال : نعم، فقلت : كيف كان يصنع؟ قال : كان يدخل فيبدأ فيطلي عانته وما يريه، ثم يلف على طرف إحليله ويدعوني، فأطلي سائر بدنه، فقلت له يوماً من الأيام : الذي تكره أن أراه قد رأيته، فقال : كلا، إن النورة سترته" ["الفروع من الكافي" كتاب الزي والتجمل ج6 ص503].
عجائب وغرائب
ومن مسائلهم الغريبة، وأكاذيبهم العجيبة أنهم نقلوا عن محمد الباقر أنه قال في رجل زنى بأم امرأته أو ابنتها أو أختها : لا يحرم ذلك عليه امرأته" ["الفروع من الكافي" ج5 ص416].
وأيضاً رووا عنه أنه قال :
إذا زنى رجل بامرأة أبيه أو جارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها، ولا تحرم الجارية على سيدها" ["الفروع من الكافي" ص419].
هذا ومثل هذا كثير.
ومن المسائل الشنيعة العجيبة الغريبة أنهم قالوا : إن صلاة الجنازة جائزة بغير وضوء كما كذبوا على جعفر أنه قال على جواب سائل سأله عن الجنازة "أصلي عليه بغير وضوء؟ فقال : نعم" ["الفروع من الكافي" ج3 ص178، أيضاً "من لا يحضره الفقيه" ج1 ص170].
وكتب المحشي تحته "أجمع علماؤنا على عدم شرط هذه الصلاة بالطهارة" ونقل عن "التذكرة" وليست الطهارة شرطاً بل يجوز للمحدث والحائض والجنب أن يصلوا على الجنازة مع وجود الماء والتراب والتمكن، ذهب إليه علماؤنا أجمع" ["الفروع من الكافي" – الهامش ص178 أيضاً].
ورووا عن جعفر محمد الباقر أنه قال : إن الحائض تصلي على الجنازة.
وذكروا أيضاً أن أبا جعفر محمد الباقر وابنه جعفر سئلا :
إنا نشتري ثياباً يصيبها الخمر وودق الخنزير أبعد حكها نصلي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا : نعم! لا بأس، إنما حرم الله أكله ولم يحرم لبسه ومسه والصلاة فيها" ["من لا يحضره الفقيه" ج1 ص170].(5/247)
هذا ويجعل الحبل من شعر الخنزير ويستقى به الماء من البئر يجوز الوضوء منه كما رووا عن زرارة أنه قال :
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال : لا بأس" ["تهذيب الأحكام" ج1 ص409].
وأيضاً رووا عن جعفر أنه قال :
إن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة، قال : يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل" ["الفروع من الكافي" كتاب الطهارة ج3 ص7].
كما رووا عن جعفر أيضاً "أنه سئل عن الفأرة والكلب يقع في السمن والزيت ثم يخرج منه حياً؟ فقال: لا بأس بأكله" ["الفروع من الكافي" كتاب الأطعمة ج2 ص161].
هذا ومن ناحية أخرى شددوا إلى أن قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحم الفحل وقت اغتلامه" - أي وقت شهوته – ["الفروع من الكافي" كتاب الأطعمة ج6 ص260].
وهذا تكليف ما لا يطاق لأنه لا يدري أحد أكان الفحل المذبوح في الشهوة أم لا؟
وهناك تيسير ورخصة أكثر من اللزوم حيث نقلوا عن جعفر بن الباقر أنه سئل عن الفأرة والسنور والدجاجة والطير والكلب تقع في البئر؟ قال : ما لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء" ["الفروع من الكافي" كتاب الطهارة ج3 ص5].
وسئل جعفر أيضاً عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة، فقال : لا بأس به إذا كان فيها ماء كثير" ["تهذيب الأحكام" ج1 ص416، أيضاً "الاستبصار" ج1 ص42].
كما نقلوا عنه أيضاً أنه "سئل الصادق عليه السلام عن جلود الميتة يجعل فيها الماء والسمن ما ترى فيه؟ فقال : لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن، وتتوضأ منه وتشرب" [كتاب من لا يحضره الفقيه" لابن بابويه القمي ج1 ص11].(5/248)
كما قالوا أيضاً إن سقطت في رواية ماء فأرة أو جرو أو صعوة ميتة فتنفخ فيها لم يجز شربه ولا الوضوء منه، وإن كان غير متفسخ فلا بأس بشربه والوضوء منه، وتطرح الميتة إذا خرجت طرية، وكذلك الجرة وحب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء" [كتاب من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي ج1 ص14].
ورووا عن جعفر بن الباقر أنه قال :
لو أن ميزابين سالا أحدهما ميزاب بول والآخر ميزاب ماء، فاختلطا، ثم أصابك ما كان به بأس" ["الفروع من الكافي" ج3 ص12، 13، أيضاً "تهذيب" ج1 ص42].
كما رووا عنه أيضاً أنه قال له أحد : اغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة، فيقع في الإناء ماء فينزو من الأرض؟ فقال : لا بأس به" ["الفروع من الكافي" ج3 ص14].
وروى القمي في كتابه "أن أبا جعفر الباقر عليه السلام دخل الخلاء، فوجد لقمة خبز في القذر، فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك كان معه، فقال : تكون معك لآكلها إذا خرجت، فلما خرج عليه السلام قال للمملوك : أين اللقمة؟ أكلتها يا ابن رسول الله، فقال : إنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة، فاذهب أنت حر، فإني أكره أن استخدم رجلاً من أهل الجنة" ["كتاب من لا يحضره الفقيه" باب أحكام التخلي ج1 ص27].
وهذه هي أكاذيب القوم أنهم يمنحون صكوك المغفرة على أكل القذرة والخبز.
المضحكات المبكيات
ومن أكاذيبهم المضحكة المبكية أنهم يروون عن جعفر أنه قال :
لما ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - مكث أياماً ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبنا، فرضع منه أياماً حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها" ["الأصول من الكافي" كتاب الحجة ج1 ص458 ط طهران].
ومثل ذلك ما ذكروا "لم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى، كان يؤتى به النبي فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث" ["الأصول من الكافي" ج1 ص465].(5/249)
وانظر إلى القوم كيف يختلقون القصص، وينسجون الأساطير لتمجيد من يرون تمجيده ولو أنهم لا يجيدون اختلاقها، ولا يحسنون نسجها، فيبين فسادها، ويظهر عوارها وحتى للأطفال والصبيان دون الرجال والعقلاء، لكن أنى للقوم أن يفهموا ويبصروا.
ومن مثل هذه الأكاذيب ما افتروه على باقر بن زين العابدين أنه قال :
قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنك تلثم فاطمة وتلتزمها وتدنيها منك وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك؟
فقال : إن جبرئيل (ع) أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها، فتحولت ماء في صلبي، ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فأنا أشتم بها رائحة الجنة" ["علل الشرائع" ج1 ص183].
ولما كانت فاطمة هكذا لا بد أن يكون علي مثلها في ذلك :
فاختلقوا في علي وولادته قصة تشابهها، ولقد أورد الفتال [هو محمد بن الحسن بن علي الفتال النيسابوري، الفارسي، قال القمي: الحافظ الواعظ، صاحب كتاب "روضة الواعظين"، كان من علماء المائة السادسة، ومن مشائخ ابن شهر آسوب" (الكنى والألقاب ج3 ص9).
قال الحلي: متكلم جليل القدر، فقيه، عالم، زاهد، قتله أبو المحاسن عبد الرزاق رئيس نيسابور" (رجال الحلي ص295 سنة 508)] في كتابه أن أبا طالب "أتي بطبق من فواكه الجنة رطبة ورمان، فتناول أبو طالب منه رمانة ونهض فرحاً من ساعته حتى رجع إلى منزله فأكلها فتحولت ماء في صلبه، فجامع فاطمة بنت أسد فحملت بعلي" ["روضة الواعظين" للفتال ج1 ص87 ط قم إيران].
ومنها أيضاً ما افتراه صدقوهم على جعفر أنه سئل :
"لم لم يبق لرسول (- صلى الله عليه وسلم -) ولد ؟ قال : لأن الله خلق محمداً (- صلى الله عليه وسلم -) نبياً وعلياً عليه السلام وصياً فلو كان لرسول الله ولد من بعده لكان أولى برسول الله من أمير المؤمنين فكانت لا تثبت وصية لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام" ["علل الشرائع" ج1 ص131 ط نجف].(5/250)
وما دام القوم بدؤوا في الاختراعات والافتراءات فلهم أن يبلغوا ذروتها فكذبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
إن حلقة باب الجنة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب، فإذا دقت الحلقة على الصفيحة طنت وقالت : يا علي" ["روضة الواعظين" ج1 ص111].
وقام آخر - وهو من أهل هذا العصر - وقال :
لولا سيف ابن ملجم لكان علي بن أبي طالب من الخالدين في الدنيا" ["أصل الشيعة وأصولها" ص112 ط بيروت 1960].
ولما بلغ علي هذا المقام الرفيع لزم أن يكون لشيعته نصيب من مجده وشرفه فافتروا على نبي الله أنه قال لعلي : إن الله حملني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي" ["البرهان" ج2 ص442 ط قم – إيران].
ومن مفترياتهم المضحكة على أهل البيت أنهم كذبوا على أبي عبد الله أنه سئل عن الأرض :
"على أي شيء هي؟ قال : على الحوت، قلت : فالحوت على أي شيء هو؟ قال : على الماء، قلت : فالماء على أي شيء هو؟ قال على الصخرة، قلت : فعلى أي شيء الصخرة ؟ قال : على قرن ثور أملس، قلت : فعلى أي شيء الثور؟ قال : على الثرى، قلت فعلى أي شيء الثرى؟ فقال : هيهات عند ذلك ضل علم العلماء" [تفسير القمي ج2 ص59].
ومن مضحكاتهم ما افتروا به على علي بن الحسين الملقب بزين العابدين أنه قال إن لله ملكاً يقال له خرقائيل له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام" ["البرهان" ج2 ص327].
ونأتي إلى الأخير حيث لو أردنا الإطالة لما يكفيها الكتاب ولا الكتابان ولا الكتب لأن القوم جبلوا على الكذب فأكثروه، وجعلوه في كل مقام ومكان، مناسباً كان أم غير مناسب، فيذكر ابن بابويه القمي عن أبي الحسن أنه سئل عن الممسوخ فقال :(5/251)
فأما الفيل فإنه مسخ لأنه كان ملكاً زناء لوطياً، ومسخ الدب لأنه كان رجلاً ديوثاً، ومسخت الأرنب لأنها كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيض ولا جنابة، ومسخ الوطواط لأنه كان يسرق تمور الناس، ومسخ السهيل لأنه كان عشاراً باليمين، ومسخت الزهرة لأنها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت، وأما القردة والخنازير فإنه قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت، وأما الجري والضب ففرقة من بني إسرائيل، وأما العقرب فإنه كان رجلاً نماماً، وأما الزنبور فكان لحاماً يسرق في الميزان" ["علل الشرائع" ص485، 486].
هذا ونختم البحث على شكاوى أئمة القوم من هؤلاء الناس الكذابين وما أكثرهم، ولم يكن واحد من أهل البيت إلا وقد التف حوله أمثال هؤلاء، فافتروا عليه بافتراءات لم يخطر بباله أبداً، واختلقوا القصص والأساطير، ونسبوها إليهم وما أجرأهم على ذلك، وكتب القوم مليئة من تلك الشكاوى والتألم.
منها ما رواه الكشي عن ابن سنان أنه قال :
قال أبو عبد الله (ع) : إنا أهل البيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا، فيسقط صدقنا بكذبه عند الناس - ثم عد واحداً بعد واحد من الكذابين - كان رسول الله أصدق البرية لهجة، وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين (ع) أصدق من برأ الله من بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه من الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله، وكان أبو عبد الله الحسين بن علي (ع) قد ابتلي بالمختار، ثم ذكر أبو عبد الله الحارث الشامي والبنان فقال : كانا يكذبان على علي بن الحسين (ع) ثم ذكر المغيرة بن سعيد وبزيعا والسري وأبا الخطاب ومعمراً وبشار الأشعري وحمزة اليزيدي وصائب النهدي - أي أصحابه - فقال : لعنهم الله، إنا لا نخلو من كذاب يكذب علينا - كفانا الله مؤنة كل كذاب وأذاقهم الله حر الحديد" ["رجال الكشي" ص257، 258 تحت ترجمة أبي الخطاب].
واشتكى بمثل هذه الشكوى حفيده أبو الحسن الرضا كما نقل عنه أنه قال :(5/252)
كان بنان يكذب على علي بن الحسين (ع) فأذاقه الله حر الحديد، وكان المغيرة بن سعيد يكذب على ابن جعفر (ع) فأذاقه الله حر الحديد، وكان محمد بن بشر يكذب على ابن الحسن علي بن موسى الرضا (ع) فأذاقه الله حر الحديد، وكان أبو الخطاب يكذب على ابن عبد الله (ع) فأذاقه الله حر الحديد، والذي يكذب على محمد بن الفرات" ["رجال الكشي" ص256].
ولأجل ذلك قال جعفر بن الباقر : لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم ["رجال الكشي" ص252].
هذا وما أحسن ما قاله جعفر - وهو صادق في قوله -: لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا ممن ينتحل مودتنا" ["رجال الكشي" ص259].
ذلك ما قاله الشيعة وهذا ما قاله أئمتهم، وقانا الله من الكذب والكذابين.
الشيعة وإهانتهم أهل البيت
إن الشيعة لم يكونوا يوماً من الأيام محبين لأهل البيت ومطيعين لهم، بل ثبت ذلك بنصوص الكتب الشيعية أنهم لم ينشئوا ولم يوجدوا من أول يوم إلا لإفساد العقائد الإسلامية الصحيحة ومخالفتها، ولإضرار المسلمين وسبهم وشتمهم، وإهانة أعيانهم وأسلافهم، وعلى رأسهم حامل الشريعة الحنيفية البيضاء، إمام هذه الأمة المجيدة، و أصحابه، وتلامذته، ونوابه الراشدين، وأهل بيته الطيبين.
وإننا لما خصصنا هذا الكتاب لذكر الشيعة وعلاقتهم مع أهل البيت بسبب تقولهم أنهم غريسة أولئك الناس وشجرتهم، وهم - أي أهل البيت - أسسوا قواعد مذهبهم، وأرسخوا أصول معتقداتهم، وأكثر من ذلك هم الذين كونوهم وأنشئوهم وربوهم، ولهم بهم علاقة ليس لأحد غيرهم مثلها.
فصلنا القول في مزاعمهم وادعاءاتهم، وعرّفنا مدى صلتهم بهم في الأبواب السابقة، وإطاعتهم ومتابعتهم إياهم، وحبهم لهم.(5/253)
وأما في هذا الباب والأخير من كتابنا نريد أن نتقدم بالقارئ والباحث إلى الأمام بخطوة أخرى، ونبين أن القوم لم يكتفوا بمخالفة أهل البيت وعصيانهم وبالكذب والافتراء عليهم، بل ازدادوا، وبلغوا إلى حد الإساءة والإهانة، الإساءة العلنية، والإهانة الصريحة الجلية، لا الخفية الغير الظاهرة مثلما عاملوا الآخرين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - طبقاً بطبق وحذوا بحذو بدون فرق وتمييز، لأنهم لم يتقنعوا بقناع حب آل البيت إلا للسب والشتم في خلفاء رسول الله ورفاقه، ولما فرغوا منهم أكبوا ما في جعبتهم على من تقنعوا بقناع حبهم واسمهم لأن الغرض ليس بغض أولئك وحب هؤلاء، وبناء هذا وهدم ذاك، بل الهدف الوحيد التشويه والتشكيك على المسلمين، وإثارة البغضاء والأحقاد فيما بينهم، وهدم الكيان الإسلامي والأمة الإسلامية، وإلا فهل من الممكن أن يهان أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيت علي رضي الله عنه؟ بل ونبي الله نفسه صلوات الله وسلامه عليه وعلي رضي الله عنه؟.
تطاول الشيعة على خاتم النبيين
نعم! نبي الله الصادق المصدوق الذي فضله الله على كافة خلقه، ومن فيهم من رسل الله وأوليائه، والذي امتدت رسالته على الكونين، وفرضت إمامته على الثقلين، ونيطت قيادته إلى يوم التناد وأطيلت زعامته إلى ما بعد هذا اليوم، حيث يكون لواء الحمد بيده، وتحته يكون آدم ومن دونه من النجباء والأخيار.
نعم! يهينون هذا النبي الأعظم الذي فضل على الأنبياء والرسل بصفات لم يعطوها، وخصائل لم ينالوها، قالوا فيه :
إن علياً وازن بينه وبين نفسه فقال :(5/254)
أنا قسيم الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب العصا والميسم، ولقد أقرت لي جميع الملائكة والرسل بمثل ما أقروا به لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ولقد حملت على مثل حمولة الرب، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعى فيكسى، وادعى فأكسى، ويستنطق واستنطق - إلى هذا نحن سواء وأما أنا - ولقد أوتيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي. علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني" ["الأصول من الكافي" كتابالحجة ص196، 197].
فالرسول العظيم عليه الصلاة والسلام يساوي علياً في خصائل، ولم يحصل له خصائل أخرى لأنه بشر، وليس للبشر مهما بلغ شأنه ومقامه أن يتحلى بها { إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي } [سورة الكهف الآية110].
و { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير } [سورة لقمان الآية 34].
و { لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } [سورة النمل الآية65].
وأما علي فهو ما فوق النبي لأنه ما فوق البشر، ولعله ….. ؟ معاذاً لله! وفعلاً قالوه حيث ذكروا أنه قال :
أنا وجه الله، وأنا جنب الله، وأنا الأول، وأنا الآخر، وأنا الظاهر، وأنا الباطن، وأنا وارث الأرض، وأنا سبيل اله، وبه عزمت عليه" [رجال الكشي ص184].(5/255)
وهذا ليس بمستعبد من القوم لأنهم تعودوا على ذلك، وتجرؤا على تصغير شأن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - مقابل علي رضي الله عنه، ولقد ذكرنا عدة روايات فيما مضى [في الباب الثاني بعنوان "من الأفضل؟ علي، أم نبي"] تبرهن ذلك نستغني عن ذرها ههنا، ونورد ههنا ما لم نوردها سابقاً، فلقد أورد العياشي والحويزي في تفسيريهما رواية تدل على علو مكانة علي فوق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيكتبان تحت قول الله عز وجل : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين : أن المراد من الصلوات :
"رسول الله أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين، والوسطى أمير المؤمنين" ["تفسير العياشي" ج1 ص128 ط طهران، أيضاً "نور الثقلين" ج1 ص238 ط قم].
وهل هناك إساءة فوق هذا إلى سيد الخلائق ورسول الثقلين - صلى الله عليه وسلم - ؟
نعم ! هناك أشنع من هذه وأقبح، ما ذكره الحويزي نقلاً من الصدوق أن الرسول لم يرسل إلا لتبليغ ولاية علي إلى الناس، ولو لم يبلغ ما أمر بتبليغه من ولاية علي لحبط عمله – عياذاً بالله -.
وإليك النص : روى الصدوق في "الأمالي" أن رسول الله قال لعلي :
لو لم أبلغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي" [تفسير "نور الثقلين" ج1 ص654].
ولم لا يكون كذلك؟ والحال أنه لم يرفع ذكره – لا يؤاخذنا الله بنقل كفريات القوم – إلا بعلي، ولم يوضع عنه وزره إلا به، كما ذكر البحراني عن ابن شهر آشوب تحت قوله : ووضعنا عنك وزرك :
"ثقل مقاتلة الكفار وأهل التأويل بعلي بن أبي طالب عليه السلام" ["البرهان" في تفسير القرآن ج4 ص475].
وعن البرسي "ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك، قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأثبتها ابن مسعود وانتقصها عثمان" ["البرهان" في تفسير القرآن ج4 ص475].
ولأجل ذلك كان رسول الله يدعو الله ويسأله بحرمة علي، كما ينقل البحراني عن السيد رضي من كتابه "المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة" عن ابن مسعود أنه قال :(5/256)
خرجت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجدته راكعاً وساجداً وهو يقول : اللهم بحرمة عبدك علي اغفر للعاصين من أمتي - ولم يكتفوا بذلك، بل زادوا في غلوائهم حيث قالوا -: إن النبي خلق من نوره السماوات والأرض، وهو أفضل من السماوات والأرض، ولكن علي خلق من نوره العرش والكرسي، وعلي أجل من العرش والكرسي" ["البرهان" ج4 ص226].
فهذا هو نبي في نظرهم، وذاك هو علي أفضل وأعلى من الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وبالغوا فيه عمداً وقصداً لتقليل مرتبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجاوزوا كل الحدود حتى قالوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: لما عرج به إلى السماء رأى علياً وأولاده قد وصلوا إليها من قبل، فسلم عليهم وقد فارقهم في الأرض" ["تفسير البرهان" ج2 ص404 نقلاً عن البرسي].
وروى أيضاً عن الصدوق في أماليه أن رسول الله قال :
لما عرج بي إلى السماء دنوت من ربي، حتى كان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى، قال : يا محمد! من تحبه من الخلق؟
قلت : يا رب! علياً، قال : التفت يا محمد! فالتفت عن يساري، فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام" ["تفسير البرهان" ج2 ص404].
وليس هذا، بل وأكثر من ذلك، لما سئل النبي :
"بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟ قال : خاطبني بلغة علي بن أبي طالب، حتى قلت : أنت خاطبتني أم علي؟" ["كشف الغمة" ج1 ص106].
فعلي في كل مقام قبل نبي، فهو قبله في السماء، وقبله عند الرب، وبلغته يخاطبه الله، وبصوته يتكلم، وهو أعلى منه خلقة، وبه رفع ذكره ووضع عنه وزره، وبحرمته أجيبت دعوته، وبقوته وقيت نفسه، وحفظت روحه، وقويت عضده، وقام دينه. وبهذا قال شيعي متحضر معاصر :
بنى الدين فاستقام ولولا
ضرب ماضيه ما استقام البناء" ["أصل الشيعة وأصولها" لمحمد حسين آل كاشف الغطاء ص68، الطبعة التاسعة].(5/257)
وقال الآخر : بالشيعة قام الإسلام، وبسيف إمامهم أسس الإسلام وثبتت دعائمه" ["أعيان الشيعة" لمحسن الأمين ج1 الجزء الأول، القسم الأول ص123].
وقبلهما القمي أهان رسول الله العظيم حيث اختلق هذه القصة الباطلة الموضوعة أن رسول الله :
"كان بمكة، ولم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب، وأغروا به الصبيان، وكان إذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمونه بالحجارة والتراب، فشكى ذلك إلى علي عليه السلام - فانظر إلى التعبير السيئ والإهانة الصريحة لذلك النبي الأشهم، بطل الأبطال، وفارس الفرسان وقائد الشجعان - فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله! إذا خرجت فأخرجني معك، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أمير المؤمنين عليه السلام، فتعرض الصبيان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كعادتهم، فحمل عليهم أمير المؤمنين عليه السلام، فكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم" ["تفسير القمي" ج1 ص114].
ويقولون : إنه هو الذي وقى رسول الله يوم الغار" ["نور الثقلين" ج2 ص219].
فعلي هو هو كل شيء ولم يرسل نبي الله محمد خاتم الأنبياء وسيد الرسل إلا ليدعوا الناس إليه ويحببه إلى الناس، وأما نفسه فليس بشيء مقابل علي - نستغفر الله ونتوب إليه من هذه الإهانات والهفوات - كما رووا عن ابن بابويه القمي وغيره عن جعفر أنه قال :
عرج بالنبي عليه السلام إلى السماء مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا وقد أوحى الله فيها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالولاية لعلي أكثر ما أوصاه في سائر الفروض" ["مقدمة تفسير البرهان" ص22].(5/258)
وأيضاً "إن جبرئيل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا محمد! ربك يقرئك السلام ويقول : فرضت الصلاة ووضعتها عن المريض، وفرضت الصوم ووضعته عن المريض والمسافر، وفرضت الحج ووضعته عن المقل المدقع وفرضت الزكاة ووضعتها عمن لا يملك النصاب، وجعلت حب علي بن أبي طالب عليه السلام ليس فيه رخصة" [مقدمة البرهان، نقلاً عن البرقي في محاسنه ص22].
وكذبوا على الله عز وجل أنه قال :
علي بن أبي طالب حجتي على خلقي، ونوري في بلادي، وأميني على علمي لا أدخل النار من عرفه وإن عصاني، ولا أدخل الجنة من أنكره ولو أطاعني" ["البرهان" مقدمة ص23].
التطاول على الأنبياء
وإن القوم لم يتقولوا بمثل هذه الأقاويل، ولم يتفوهوا بمثل هذه الترهات ضد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحسب، بل قالوا بمثل هذه المقالات و أكثر بخصوص رسل الله السابقين وأنبيائه والمرسلين، فلقد تجرؤا على موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام حيث قالوا : إن جعفر كان أعلم منهما، فلقد أورد الكليني عن سيف التمار أنه قال :
كنا مع أبي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر، فقال : علينا عين؟ فالتفتنا يمنة ويسرة، فلم نر أحداً، فقلنا : ليس علينا عين، فقال : ورب الكعبة! ورب البنية! ثلاث مرات – لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما، ولأنبئتهما بما ليس في أيديهما" ["الأصول من الكافي" كتاب الحجة ج1 ص261].
وأهانوا أولي العزم من الرسل، واختلقوا قصة غريبة، فقالوا : إن علياً لما ولد، ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه، ولكنه رآه ماثلاً بين يديه، واضعاً يده اليمنى في أذنه اليمنى وهو يؤذن ويقيم بالحنفية، ويشهد بواحدانية الله وبرسالته وهو مولود ذلك اليوم، ثم قال لرسول الله : اقرأ؟ فقال له : اقرأ – وبعده النص حرفياً -:(5/259)
لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله عز وجل على آدم، فقام بها شيث فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها، حتى لو حضر بها شيث لأقر له إنه أحفظ له منه، ثم قرأ توراة موسى، حتى لو حضره موسى لأقر بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ زبور داؤد، حتى لو حضره داؤد لأقر بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ إنجيل عيسى، حتى لو حضره عيسى لأقر بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ القرآن، فوجدته يحفظ كحفظي له الساعة من غير أن أسمع منه آية" ["روضة الواعظين" ص84].
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً.
هذا ولقد قالوا إنه ينادي مناد يوم القيامة :
"أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم داؤد عليه الصلاة السلام، فيأتي النداء من عند الله عز وجل : لسنا إياك أردنا، وإن كنت لله خليفة، ثم ينادي (مناد) أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة السلام، فيأتي النداء من قبل الله عز وجل : يا معشر الخلائق! هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه، وحجته على عباده" ["كشف الغمة" ج1 ص141].
وأهانوا رسل الله وأنبيائه حيث قالوا : إن نبي الله أيوب لم تتغير نعمة الله عليه إلا لإنكاره ولاية علي، كذلك صفي الله يونس عليه السلام لم يحبس في بطن الحوت إلا لإنكاره أيضاً، وكذلك يوسف وقبله آدم عليهما السلام.
فأورد الحويزي رواية في تفسيره أنه قال : دخل عبد الله بن عمر على زين العابدين، فقال :
يا ابن الحسين! أنت الذي تقول : إن يونس بن متى إنما لقي من الحوت ما لقي، لأنه عرضت عليه ولاية جدي، فتوقف عندها؟ قال : بلى! ثكلتك أمك، قال : فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين؟ فأمر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة، ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا، فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه، فقال ابن عمر :(5/260)
يا سيدي! دمي في رقبتك، الله الله في نفسي، فقال : هنيئة واريه إن كنت من الصادقين؟ ثم قال : يا أيتها الحوت ! قال: فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول" لبيك لبيك يا ولي الله! فقال : من أنت؟ قال : حوت يونس يا سيدي! قال : ايتنا بالخبر، قال : يا سيدي! إن الله تعالى لم يبعث نبياً من آدم إلى أن صار جدك محمد إلا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت، فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلص، ومن توقف عنها وتتعتع في حملها لقي ما لقي آدم من المصيبة، وما لقي نوح من الغرق، وما لقي إبراهيم من النار، وما لقي يوسف من الجب، وما لقي أيوب من البلاء. وما لقي داؤد من الخطيئة، إلى أن بعث الله يونس فأوحى الله إليه أن يا يونس! تول أمير المؤمنين" ["تفسير نور الثقلين" ج3 ص435].
ومثلها أورد البحراني في مقدمة تفسيره "البرهان" عن سلمان أنه قال لعلي رضي الله عنه :
بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفان! أنت حجة الله الذي به تاب على آدم، وبك أنجى يوسف من الجب، وأنت قصة أيوب وسبب تغيير نعمة الله عليه" ["البرهان" مقدمة ص27].
ونقل عن "معاني الأخبار" أن أبا عبد الله سئل عن قول علي رضي الله عنه : إن أمرنا صعب مستعصب، لا يقر به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فقال :
إن في الملائكة مقربين وغير مقربين، ومن الأنبياء مرسلين وغير مرسلين، ومن المؤمنين ممتحنين وغير ممتحنين، فعرض أمركم على الملائكة فلم يقر به إلا المقربون، وعرض على الأنبياء فلم يقر به إلا المرسلون، وعرض على المؤمنين فلم يقر به إلا الممتحنون" ["مقدمة البرهان" ص26].
وكتبوا عن أبي الأنبياء آدم صلوات الله وسلامه عليه "أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، فتاب عليه، هي سؤاله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين" ["كتاب الخصال" لابن بابويه القمي ج1 ص270 تحت عنوان "الكلمات التي تلقاها آدم من ربه"].(5/261)
فهذه هي عقيدة القوم التي يكنونها في صدورهم، ويخفونها في كتبهم، وهذه هي الإهانات التي يوجهونها إلى نجباء الله وأصفيائه، رسل الله وأنبيائه مع من فيهم سيد الرسل والأنبياء وإمام المرسلين بدعوى حب أهل البيت وموالاتهم.
إهانة أهل البيت
والحال أن أهلي البيت سواء كانوا آل بيت النبي أو آل بيت علي لم يسلموا من سلاطة لسانهم، وبذاءة أقلامهم، وخبث باطنهم، ودناءة ضميرهم، فإنهم أهانوا أيضاً كما أهانوا أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، فلقد قالوا في عباس رضي الله عنه وهو عم رسول الله وصنو أبيهز
إن الآية : { لبئس المولى ولبئس العشير } : نزلت فيه" ["رجال الكشي" ص54].
وأيضاً إن قول الله عز وجل : { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا } : وقول الله عز وجل : { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم } : نزلتا فيه" ["رجال الكشي" ص52، 53].
وأما أبناء عم رسول الله، وسيدا بني هاشم، وعامل علي وصفية عبد الله بن عباس، وأخوه عبيد الله بن عباس فقالوا فيهما :
إن أمير المؤمنين قال : اللهم العن ابني فلان - يعني عبد الله وعبيد الله كما في الهامش - وأعم أبصارهما كما أعميت قلوبهما الأجلين في رقبتي، واجعل عمى أبصارهما دليلاً على عمى قلوبهما" ["رجال الكشي" ص52 تحت عنوان دعاء علي على عبد الله وعبيد الله ابني عباس].
وأما عقيل بن أبي طالب وشقيق علي فقد قالوا فيه نقلاً عن علي بن أبي طالب أنه قال - وهو يذكر قلة أعوانه وأنصاره -:
ولم يبق معي من أهل بيتي أحد أطول به وأقوى، أما حمزة فقتل يوم أحد، وجعفر قتل يوم مؤتة، وبقيت بين خلفين خائفين ذليلين حقيرين، العباس وعقيل" ["الأنوار النعمانية" للجزائري، "مجالس المؤمنين" ص78 ط إيران القديم].
ومثله ذكر الكليني عن محمد الباقر أنه قال :
وبقي معه رجلان ضعيفان، ذليلان، حديثا عهد بالإسلام. عباس وعقيل" ["الفروع من الكافي" كتاب الروضة].(5/262)
والمعروف أن العباس والعقيل وآلهما من أهل بيت النبوة كما أقر به الأربلي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل :
من أهل بيتك؟ قال : آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل عباس" ["كشف الغمة" ج1 ص43].
وابن النبي
هذا ولقد رووا رواية باطلة أخرى فيها تصغير لشأن ابن النبي، وتحقيره إياه مقابل حفيده من فاطمة رضي الله عنهم أجمعين وخلاصة ما قالوا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان جالساً وعلى فخذه الأيسر إبراهيم ولده، وعن يمينه حسين حفيده، وكان يقبل هذا تارة وذاك تارة أخرى، فنظر جبريل وقال : إن ربك أرسلني وسلم عليك، وقال : لا يجتمع هذان في وقت واحد، فاختر أحدهما على الآخر، وافد الثاني عليه، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إبراهيم وبكى، ونظر إلى سيد الشهداء - انظر إلى التعبير الرقيق، والموازنة بين ابن علي وابن نبي - وبكى، ثم قال : إن إبراهيم أمه مارية، فإن مات لا يحزن أحد عليه غيري، وأما الحسن فأمه فاطمة وأبوه علي فإنه ابن عمي وبمنزلة روحي، وإنه لحمي ودمي، فإن مات ابنه يحزن وتحزن فاطمة، فخاطب جبريل وقال : يا جبريل! أفديت إبراهيم الحسين، ورضيت بموته كي يبقى الحسين ويحيى" ["حياة القلوب" للمجلسي ص593 أيضاً "المناقب" لابن شهر آشوب].
وبنات النبي
وأهانوا بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة حيث نفوا عنهن أبويته، وقالوا : إن النبي لم ينجبهن، بل كن ربيبات، فيذكر حسن الأمين الشيعي :
"ذكر المؤرخون أن للنبي أربع بنات، ولدى التحقيق في النصوص التاريخية لم نجد دليلاً على ثبوت بنوة غير الزهراء (ع) منهن، بل الظاهر أن البنات الأخريات كن بنات خديجة من زوجها الأول قبل محمد (- صلى الله عليه وسلم -)" ["دائرة المعارف الإسلامية الشيعية" ج1 ص27 ط دار المعارف للمطبوعات بيروت].
وعلي أيضاً(5/263)
هذا وعلي - الإمام المزعوم عند القوم، والمعصوم الأول عندهم - شأنه شأن الآخرين، فلقد أهانوه، وصغروه، واحتقروه، ونسبوه إلى الجبن والذل، واتهموه بالتذلل والمسكنة وقالوا : إن أبا بكر رضي الله عنه لما بويع بالخلافة، وأنكر علي خلافته، وامتنع عن بيعته فقال أبو بكر لقنفذ :
ارجع، فإن خرج و إلا فاقتحمو عليه بيته، وإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار، فانطلق قنفذ الملعون، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي عليه السلام إلى سيفه، فسبقوه إليه وكاثروه، فتناول بعض سيوفهم فألقوا في عنقه حبلاً، وحالت بينه وبينهم فاطمة عليها السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله، ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلاً - أي يجرجر عنيفاً – حتى انتهى به إلى أبي بكر - إلى أن قال - فنادى علي عليه السلام قبل أن يبايع والحبل في عنقه : يا ابن أم! إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني" ["كتاب سليم بن قيس" ص84 و89].
فهذا هو علي بن أبي طالب في نظر الشيعة، وهكذا يصورونه جباناً، خائفاً، مذعوراً، ملبباً، وهو الذي اختلقوا فيه القصص، واخترعوا فيه الأساطير، فيه، وفي قوته وشجاعته وطاقته وجرأته وبسالته، وقد مر بيان بعضها سابقاً.
وليس هذا فحسب، بل اتهموه بالجبن والهوان إلى حد قالوا فيه على لسان زوجته ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاطمة رضي الله عنها أنها لامته، وغضبت عليه، وطعنته، وشنعت عليه بعد ما طالبت فدك وتشاجرت مع الصديق والفاروق رضي الله عنهم أجمعين، ولم يساعدها علي في تلك القضية حسب زعمهم قالت له :
يا ابن أبي طالب! اشتملت مشيمة الجنين، وقعدت حجرة الظنين - إلى آخر ما قالته –" ["الأمالي" للطوسي ص259، "حق اليقين" للمجلسي ص203، 204، "الاحتجاج" للطبرسي].
"وإن فاطمة عليها السلام لامته على قعوده وهو ساكت" ["أعيان الشيعة" ص26، القسم الأول].(5/264)
وأكثر من ذلك أنهم قالوا إن عمر بن الخطاب غصب ابنته ولم يستطع أن يمنعه من ذلك، فلقد قال الكليني أن أبا عبد الله قال في تزويج أم كلثوم بنت علي :
إن ذلك فرج غصبناه" ["الكافي في الفروع" ج2 ص141 ط الهند].
وأيضاً "إن علياً لم يكن يريد أن يزوج ابنته أم كلثوم من عمر، ولكنه خاف منه، فوكل عمه عباس ليزوجها منه" ["حديقة الشيعة" لمقدس الأردبيلي ص277].
وهذا، والذي رفض قبول الخلافة والإمارة حينما قدمت إليه بقوله : دعوني والتمسوا غيري : يهينونه بالكذب عليه، ويحطون عن مكانته ومقامه، ويصورونه كالعامي الحريص الذي يجري خلف المناصب ويسعى لأجلها مستعملاً في سبيلها كل الوسائل، والوسائل التي تأبى نفوس أبيه شريفة اختيارها وإتيانها، نعم! يجعلونه كصاحب الهوس والهوى والأغراض ليستخدم للحصول عليها حسبه ونسبه وحتى زوجته وأولاده، فانظر إليهم وإهانتهم لسيد أهل البيت ماذا يقولون فيه في كتابهم المهم، المعتمد الموثوق لما بويع أبو بكر، ووصل الخبر إلى مسامع علي، قال : إن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، وسكت عنه يومه ذلك :
"فلما كان الليل حمل على فاطمة عليها السلام وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه، ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل" ["كتاب سليم بن قيس" ص82، 83].
وهل هناك إهانة أكبر من هذه أن يقال عن مثل علي رضي الله عنه أنه حمل زوجته ابنة النبي على حمار، وأخذ سبطيه، وذهب إلى أبواب الناس يستعطفهم ويستنصرهم ويستجديهم؟
سبحان الله : ما أشنع الكذب وما أقبحه!
ثم زادوا على ذلك :
"إن علياً عليه السلام لما رأى خذلان الناس إياه، وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم إياه لزم بيته" ["كتاب سليم بن قيس" ص83].(5/265)
فليلاحظ الكلمات والحروف، ولتكرر النظرة على هذه العبارة القصيرة تنبئ وتخبر الوجوه الأصلية والآراء الحقيقية تجاه علي رضي الله عنه كيف يحقر ويصغر، ويصور مطروداً مسترداً من قبل الناس أجمعين.
ولقد ذكر محدث القوم ابن بابويه القمي مثل هذه الروايات في كتابه حيث ذكر قصة طويلة أن أنصار علي وأعوانه القليلين كيف ردوا على أبي بكر، وامتنعوا عن قبول خلافته وإمارته، وتكلموا ضده جهراً وعلناً على رؤوس الأشهاد، فلما سمع أصحاب أبي بكر بذلك حضروا إليه :
"شاهرين السيوف، وقال قائل منهم : والله! لئن عاد منكم أحد، فتكلم بمثل الذي تكلم به لنملأن أسيافنا منه، فجلسوا - أي أصحاب علي – في منازلهم، ولم يتكلم أحد بعد ذلك" ["كتاب الخصال" للقمي ج2 ص465].
هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى أهانوا المرتضى علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث وصفوه بكل قبح في صورته ومزاجه، وأنه كان مفلساً فقيراً لا مال له:
"من بيت مفلس أخذ جميع أبنائه الآخرون ليكفوا صاحبه مؤنتهم، ويخففوا عنه ثقلهم" ["مقاتل الطالبين" لأبي الفرج ص26].
ولأجل ذلك رفضت فاطمة الزواج منه لما قدمه إليها أبوها، وهذا هو النص:
"فلما أراد - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - أن يزوجها عن علي أسر إليها، فقالت : يا رسول الله! أنت أولى بما ترى غير أن نساء قريش تحدثني عنه أنه رجل دحداح البطن، طويل الذراعين ضخم الكراديس، أنزع، عظيم العينين، لمنكبيه مشاشاً كمشاش البعير، ضاحك السن، لا مال له" ["تفسير القمي" ج2 ص336].
ولقد ذكر الأصفهاني عن ابن أبي إسحاق أنه قال :
أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة، فرفعني، فرأيت علياً يخطب على المنبر شيخاً أصلع، ناتئ الجبهة، عريض ما بين المنكبين، له لحية ملأت صدره، في عينه اطرغشاش" (يعني لين في العين) ["مقاتل الطالبين" ص27].(5/266)
وقال في وصف جامع : كان عليه السلام أسمر مربوعاً، وهو إلى القصر أقرب، عظيم البطن، دقيق الأصابع، غليظ الذراعين، حمش الساقين، في عينيه لين، عظيم اللحية، أصلع، ناتئ الجبهة" ["مقاتل الطالبين" ص27].
وهناك رواية في الكافي أوردها الكليني تبين أن فاطمة رضي الله عنها لم ترض بعلي حتى بعد الزواج، ولم تقبله عن طيب قلبها، والرواية هذه :
"لما زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً فاطمة عليهما السلام دخل عليهما وهي تبكي، فقال لها : ما يبكيك؟ فوالله! لو كان في أهلي خير منه ما زوجتكه، وما أنا زوجته، ولكن الله زوجك" ["الفروع من الكافي"].
وذكر الأربلي عن بريدة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قم يا بريدة نعود فاطمة، فلما أن دخلنا عليهما أبصرت أباها دمعت عيناها، قال: ما يبكيك يا بنتي؟ قالت : قلة الطعم، وكثرة الهم، وشدة الغم – وفى رواية أخرى قالت : والله! لقد اشتد حزني، واشتدت فاقتي، وطال سقمي" ["كشف الغمة" ج1 ص149، 150].
فهذا هو القوم، وهذا هو دأبهم، وماذا يرجى ويتوقع من الذين يتطاولون على صحبة رسول الله، الصديق والفاروق وذي النورين وغيرهم من الأخيار الأطهار، والذين يجترؤن على رسل الله وأنبيائه وسيد المرسلين، أيحترمون علياً وأهل بيته؟ كلا! لا يمكن أن يكون كذلك.
وأهانوا علياً، وسيده رسول الله، وزوجته رضي الله عنهما جميعاً في رواية باطلة خرافية، قبيحة وسخيفة، حيث ذكروا :
"كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة، فكان رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) ينام بين عليّ وعائشة، ليس عليهم لحاف غيره، فإذا قام رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) من الليل حطّ بيده اللحاف من وسطه بينه وبين عائشة" ["كتاب سليم بن قيس" ص221].
هل هناك إهانة أكبر من هذه الإهانة؟(5/267)
نعم! هناك أكبر وأكثر، منها ما رواها القوم أن علياً أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو بكر وعمر، فيقول:
فجلست بينه وبين عائشة، فقالت له عائشة : ما وجدت إلا فخذي وفخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : مه يا عائشة!" ["البرهان في تفسير القرآن" ج4 ص225].
ومرة أخرى جاء "فلم يجد مكاناً، فأشار رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) إليه : ههنا (يعني خلفه) وعائشة قائمة خلفه وعليها كساء، فجاء علي (ع) فقعد بين رسول الله وبين عائشة، فغضبت وقالت : ما وجدت لاستك موضعاً غير حجري، فغضب رسول الله وقال : يا حميراء! لا تؤذيني في أخي" ["كتاب سليم بن قيس العامري" ص179].
هذا وكانوا يهينونه ويخذلونه بعد ما تولى الحكم وصار خليفة للمسلمين وأميراً للمؤمنين فلم يكن يذهب بهم إلى معركة ولا إلى حرب إلا وكانوا يتسللون منها ملتمسين الأعذار، وبدون العذر أيضاً خفية تارة وجهراً تارة أخرى، وكتب التاريخ مليئة بخذلانهم إياه، وتركهم وحده في جميع المعارك التي خاضها، والحروب التى أججت نيرانها وابتلي بها وعلى ذلك كان يقول :
قاتلكم الله : لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدرى غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب - إلى أن قال - ولكن لا رأي لمن لا يطاع" ["نهج البلاغة" ص70، 71].(5/268)
وقال : ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وإعلاناً، و قلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزى قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا. فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات، وملكت عليكم الأوطان. وهذا أخو غامد وقد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسان بن حسان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقلبها، وقلائدها ورعثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام. ثم انصرفوا وافرين. ما نال رجلاً منهم كلهم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً، فيا عجباً! عجباً - والله - يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم عن باطلهم، وتفرقكم عن حقكم! فقبحاً لكم وترحاً، حين صرتم غرضاً يرمى : يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون! فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم : هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم : هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فراراً من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر" ["نهج البلاغة" ص70، 71].
فاطمة بنت النبي(5/269)
وأهانوا ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم الحسن والحسين، زوجة علي، فاطمة الزهراء رضي الله عنهم أجمعين، ونسبوا إليها أشياء لم يتصور صدورها من أية امرأة مؤمنة مسلمة، دون أن تصدر من بضعة الرسول وسيدة نساء أهل الجنة، ومنها أنهم قالوا إنها كانت دائمة الغضب على ابن عم الرسول - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه، وكانت تعترض عليه وتشكوه إلى أبيه في أشياء كثيرة، صغيرة وتافهة، كما مر بيانها سابقاً، وحتى على أمور الخير كما يروي محدثهم ابن الفتال النيسابوري [هو محمد بن الحسن الفتال الفارسي النيسابوري "متكلم جليل القدر، فقيه، عالم، زاهد، ورع، قتله أبو المحاسن عبد الرزاق رئيس نيسابور" (رجال الحلي ص259 ط إيران).
"وكان من شيوخ الشيعة في المائة الخامسة"، وله كتاب" روضة الواعظين" (تأسيس الشيعة ص395).
و"إنه شيخ جليل من شيوخ الشيعة وأعلام الطائفة، وكان مدرساً، متكلماً، فقيهاً، عالماً، مقرئاً، مفسراً، متديناً، زاهداً من العلماء الأمناء المعتمدين" (نقلاً عن مقدمة الكتاب ص11 لمحمد مهدي الخراساني ط قم إيران)] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غرس لعليّ حديقة، فباعها علي، وقسم كل ما أخذ منها إلى فقراء المدينة ومساكينها حتى لم يبقى درهم واحد.
فلما أتى المنزل قالت له فاطمة عليها السلام : يا ابن عم! بعت الحائط الذى غرسه والدي؟
قال : نعم! بخير منه عاجلاً أو آجلاً، قالت : فأين الثمن؟
قال : دفعته إلى أعين استحييت أن أذلها بذل المسألة، قالت فاطمة : أنا جائعة، وابناي جائعان، ولا شك أنك مثلنا في الجوع، لم يكن منه لنا درهم، وأخذت بطرف ثوب علي (ع) فقال علي : يا فاطمة! خلني، فقالت : لا والله! أو يحكم بيني وبينك أبي، فهبط جبريل على رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) فقال : يا محمد! الله يقرؤك السلام ويقول : اقرأ علياً مني السلام، وقل لفاطمة : ليس لك أن تضربي على عليّ يديه" ["روضة الواعظين" ج1 ص125].(5/270)
وكذلك ما نسبوا إليها أنها تقدمت إلى أبي بكر وعمر بقضية فدك، "وتشاجرت معهم، وتكلمت في وسط الناس، وصاحت، وجمع لها الناس" ["كتاب سليم بن قيس" ص253].
ومرة "أخذت بتلابيب عمر، فجذبته إليها" ["الكافي في الأصول].
وأيضاً هددت أبا بكر "لئن لم تكف عن عليّ لأنشرن شعري ولأشقن جيبي" ["تفسير العياشي" ج2 ص67، ومثله في "الروضة من الكافي" ج8 ص238].
وأنها دخلت مع الخلفاء في المعارك حتى وأحرق بيتها وضربت ووجع به جنبها، وكسر ضلعها، وألقت جنينها من بطنها - عياذاً بالله من هذه الخرافات – وماتت في مثل هذه الظروف ونتيجة هذه الصدمات" ["كتاب سليم بن قيس" ص84، 85].
هذا ومثل هذا كثير.
الحسن بن علي
وأما الحسن رضي الله عنه فلم يهن أحد مثل ما أهين هو من قبل الشيعة، فإنهم بعد زفاة أبيه علي رضي الله عنه جعلوه خليفته وإماماً لهم، ولكنهم لم يلبثوا إلا يسيراً حتى خذلوه مثل ما خذلوا أباه، وخانوه أكثر مما خانوا علياً رضي الله عنه.
يقول المؤرخ الشيعي اليعقوبي :
وأقام الحسن بعد أبيه شهرين، وقيل : أربعة أشهر، ووجه بعبيد الله بن عباس في اثنى عشر ألفاً لقتال معاوية … فأرسل معاوية إلى عبيد الله بن عباس فجعل له ألف ألف درهم، فسار إليه في ثمانية آلاف من أصحابه … ووجه معاوية إلى الحسن، المغيرة بن شعبة وعبد الله بن شعبة وعبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن أم الحكم، وأتوه وهو بالمدائن نازل في مضاربه، ثم خرجوا من عنده وهو يقولون ويسمعون الناس : إن الله قد حقن بابن رسول الله الدماء، وسكن به الفتنة، وأجاب إلى الصلح، فاضطرب العسكر ولم يشك الناس في صدقهم، فوثبوا بالحسن، فانتهبوا مضاربه وما فيها، فركب الحسين فرساً له ومضى في مظلم ساباط، وقد كمن الجراح بن سنان الأسدي، فجرحه بمعول في فخذه، وقبض على لحية الجراح ثم لواها فدق عنقه.(5/271)
وحمل الحسن إلى المدائن وقد نزف نزفاً شديداً، واشتدت به العلة، فافترق عنه الناس، وقدم معاوية العراق، فغلب على الأمر، والحسن عليل شديد العلة، فلما رأى الحسن أن لا قوة به، وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له، صالح [صلح الحسن مع معاوية
ولقد يخجل القوم حينما يسمعون هذه الكلمة أعني صلح الحسن مع معاوية رضي الله عنهما ومبايعته إياه، ويتقولون بأشياء، ويتأولون بتأويلات يمجها العقل ويزدريها الفكر، وحصيلة ما يقولون إنه صالحه ولكنه لم يبايعه، ولم يسلم إمرته وخلافته. فنحن احترازاً من الإطالة نورد ههنا رواية واحدة من كتب القوم، ونظن أنها تكون كافية لمن أراد التبصر، ولقد أورد هذه الرواية كبيرهم في الرجال عن أبي عبد الله جعفر أنه قال:
إن معاوية كتب إلى الحسن بن علي صلوات الله عليهما أن اقدم أنت والحسين وأصحاب علي، فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وقدموا الشام، فأذن لهم معاوية وأعد لهم الخطباء فقال: يا حسن! قم فبايع، فقام فبايع، ثم قال للحسين! قم فبايع، ثم قال: يا قيس! قم فبايع فالتف إلى الحسين عليه السلام (بدل الحسن لما كان يعرف من شدته وإنكاره على أخيه في مسألة الصلح) ينظر ما بأمره، فقال: يا قيس! إنه إمامي يعني الحسين عليه السلام – وفي رواية: فقام إليه الحسن، فقال له بايع يا قيس! فبايع –" ("رجال الكشي" ص102)] معاوية ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص215]".
وقد قال المسعودي الشيعي في كتابه أن الحسن رضي الله عنه لما خطب بعد اتفاقه مع معاوية رضي الله عنه قال :
يا أهل الكوفة! لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث خصال لذهلت : مقتلكم لأبي، وسلبكم ثقلي، وطعنكم في بطني، وإنى قد بايعت معاوية فاسمعوا وأطيعوا.
وقد كان أهل الكوفة انتبهوا سرداق الحسن ورحله وطعنوا بالخنجر في جوفه، فلما تيقن ما نزل به انقاد إلى الصلح" ["مروج الذهب" ج2 ص431].
وأهانوه إلى أن :(5/272)
شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله الجعال الأزدي، فنزع مطرفة عن عاتقه، فبقى جالساً متقلداً السيف بغير رداء" ["الإرشاد" للمفيد ص190].
"وطعنه رجل من بني أسد الجراح بن سنان في فخذه، فشقه حتى بلغ العظم …. وحمل الحسن على سرير إلى المدائن … اشتغل بمعالجة جرحه، وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سراً، واستحثوه على سرعة المسير نحوهم، وضمنوا له تسليم الحسن إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به، وبلغ الحسين عليه السلام ذلك … فازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بخذلانهم له، وفساد نيات المحكمة فيه وما أظهروه له من سبه وتكفيره، واستحلال دمه، ونهب أمواله" ["كشف الغمة" ص540، 541، واللفظ له، "الإرشاد" ص190، "الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة" ص162 ط طهران].
هذا وكانوا يهينونه بلسانهم كما كانوا يؤذونه بأيديهم، ولقد ذكر الكشي عن أبي جعفر أنه قال :
جاء رجل من أصحاب الحسن عليه السلام يقال له سفيان بن أبي ليلى وهو على راحلة له، فدخل على الحسن عليه السلام وهو مختب في فناء داره، فقال له : السلام عليك يا مذل المؤمنين! قال وما علمك بذلك؟
قال : عمدت إلى أمر الأمة فخلعته من عنقك وقلدته هذه الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله" ["رجال الكشي" ص103].
ثم بين الحسن وأوضح ما فعلت به شيعته وشيعة أبيه وما قدمت إليه من الإساءات والإهانات، وأظهر القول وجهر به فقال :(5/273)
أرى والله معاوية خير إلي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي، وأخذوا مالي. والله! لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي، والله : لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلماً. والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير، ويمن عليّ فيكون سنة على بني هاشم آخر الدهر ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحى منا والميت" ["الاحتجاج" للطبرسي ص148].
وأهانوه حيث قطعوا الإمامة من عقبه وأولاده، بل افتوا بكفر كل من يدعي الإمامة من ولده بعده.
الحسين بن علي
وأما الحسين فلم يكن أسعد من أخيه وأمه وأبيه حظاً مع إظهار مغالاة القوم ومبالغتهم في حبه وولائه، فأهانوه رضي الله عنه وأرضاه قولاً وفعلاً، فقالوا :
إن أمه فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كرهت حمله، وردت بشارة ولادته عدة مرات كما لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يقبل بشارة ولادته، ووضعته فاطمة كرها، ولكراهة أمه لم يرضع الحسين من فاطمة رضي الله عنهما. وهذه الروايات من أهم كتب الحديث عند القوم وأصحها مثل البخاري عند السنة، فيروي الكليني عن جعفر أنه قال :
جاء جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال : إن فاطمة عليها السلام ستلد غلاماً تقتله أمتك من بعدك، فلما حملت فاطمة بالحسين عليه السلام كرهت حمله، وحين وضعته كرهت وضعه، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام :
لم تر في الدنيا أم تلد غلاماً تكره، ولكنها كرهته لما علمت أنه سيقتل، قال : وفيه نزلت هذه الآية : { ووصينا الإنسان بوالديه حسناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً } " ["الأصول من الكافي" كتاب الحجة ج1 ص464، باب مولد الحسين].
وإهانتة! وأية إهانة؟ وإساءة! وأية إساءة؟ وكذب! وما أكبره؟(5/274)
"ولم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام، ولا من أنثى كان يؤتى بها النبي، فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث" ["الأصول من الكافي" ص465].
هذا وعاملوه معاملتهم أخيه وأبيه من قبل، فلقد ذكر جميع مؤرخي الشيعة أن أهل الكوفة، التي كان مركزاً للشيعة، والتي قالوا فيها ما قالوا، وإن جعفراً ذكرها بقوله :
إن ولايتنا عرضت على السموات والأرض والجبال والأمصار، ما قبلها قبول أهل الكوفة" ["بصائر الدرجات للصفار" الجزء الثاني الباب العاشر].
والتي قالوا فيها :
إن الله قد اختار من البلدان أربعة فقال : والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين، فالتين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سيناء الكوفة وهذا البلد الأمين مكة" ["مقدمة البرهان" ص223].
كتبوا من هذه الكوفة كتباً إلى الحسين نحواً من مائة وخمسين كتاباً، كتبوا فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم! للحسين بن عليّ أمير المؤمنين من شيعته وشيعة أبيه عليّ أمير المؤمنين. سلام الله عليك، أما بعد! فإن الناس منتظروك، ولا رأي لهم غيرك فالعجل! العجل! يا ابن رسول الله! والسلام عليكم ورحمة الله" ["كشف الغمة" ج2 ص32، واللفظ له، "الإرشاد" ص203، "الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة" ص182].
وكتاباً آخر : أما بعد! فقد اخضرت الجنات، وأينعت الثمار، فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة، والسلام" ["الإرشاد" للمفيد ص203، أيضاً "إعلام الورى" للطبرسي ص223 واللفظ له].
ولما تتابعت إليه كتب الشيعة، وتوالى الرسل أرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل، فانثل عليه أهل الكوفة "واجتمعوا حوله، فبايعوه وهم يبكون، وتجاوز عددهم من ثمانية عشر ألف" ["الإرشاد" للمفيد ص205].
وبعد أيام كتب إليه مسلم بن عقيل : "إن لك مائة ألف سيف ولا تتأخر" ["الإرشاد" للمفيد ص220].
فكتب رداً عليه وعليهم :(5/275)
"قد شخصت من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فإنى قادم إليكم" ["الإرشاد" للمفيد ص220].
ولكن انقلبت الأمور وتقلبت الشيعة كشأنهم ودأبهم سابقاً، وقتل مسلم بن عقيل بدون ناصر ومعين، ولما بلغ الحسين نعيه وواجهه عسكر بن زياد من الكوفة و"خرج إليهم في إزار ورداء ونعلين، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : أيها الناس! إني لم آتكم حتى أتتنى كتبكم أن أقدم علينا، فإنه ليس لنا إمام، لعل الله يجمعنا بك على الهدى والحق، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا، وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذى جئت منه إليكم" ["الإرشاد" ص224].
ثم خذلوه، وأعرضوا عنه، وأسلموه للعدو حتى قتل في نفر من أهل بيته ورفاقه، كما يذكر محسن الأمين :
"ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به وخرجوا عليه. وبيعته في أعناقهم، وقتلوه" ["أعيان الشيعة" القسم الأول ص34].
ويكتب اليعقوبي الشيعي أن أهل الكوفة لما قتلوه :
"انتهبوا مضاربه وابتزوا حرمه، وحملوهن إلى الكوفة، فلما دخلن إليها خرجت نساء الكوفة يصرخن ويبكين، فقال علي بن الحسين : هؤلاء يبكين علينا، فمن قتلنا"؟ ["تاريخ اليعقوبي" ج1 ص235].
فهؤلاء هم الشيعة وأولئك أهل البيت وهذه معاملاتهم وأحوالهم مع أهل البيت الذين يدعون أنهم محبون وموالون لهم.
بقية أهل البيت(5/276)
وبقية أهل بيت علي وأهل بيت نبي لم ينجوا من إيذائهم وإضرارهم وإساءتهم وإهانتهم، فكفروا وفسقوا، وسبوا وشتموا جميع من خرجوا ثأراً للحسين وطلباً للحق، والحكم والحكومة، وأدعوا الأمامة والزعامة غير الثمانية من أولاد الحسين سواء كانوا من ولده أو ولد الحسن أو علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، من محمد بن الحنفية، وابنه أبي هاشم، وزيد بن زين العابدين، وابنه يحيى، وعبد الله بن المحض بن الحسن المثنى، وابنه محمد الملقب بنفس زكية، وأخيه إبراهيم، وابني جعفر بن الباقر عبد الله الأفطح ومحمد، وحفيدي الحسن المثنى حسين بن علي ويحيى بن عبد الله، وابنى موسى الكاظم زيد وإبراهيم، وابن علي النقي جعفر بن علي وغيرهم الكثيرين الكثيرين من العلويين والطالبيين الذين ذكرهم الأصفهاني في "مقاتل الطالبيين" وغيره في غيره من الطالبيين من أولاد جعفر بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب، كما اعتقدوا كفر جميع من ادعى الإمامة من العباسيين أهل بيت النبي باعتراف القوم بأنفسهم وأبناء عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك فاطميي مصر [الفاطميون
ولا أدري كيف يتبناهم شيعة عصرنا ويقولون: إنها كانت دولة شيعية، وإنهم بناة مجدنا ودعاة مذهبنا، ومؤسسوا العلم والحضارة في مصر، ومنشؤوا المساجد ودور الكتب والجامعات" (الشيعة في الميزان للمغنية ص149 وما بعد، أعيان الشيعة ص264 القسم الثاني).
مع تكفيرهم إياهم واتفاقهم على خروجهم من الإسلام والملة الإسلامية الحنيفية. فلقد كتب محضر في عصر الخليفة القادر العباسي في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة. وعليه توقيعات من أشراف القوم ونقبائهم، وخصوصاً من يلقب بنقيب الأشراف وجامع نهج البلاغة، السيد رضى وأخيه السيد مرتضى، واحتفاظاً على التاريخ والوثيقة التاريخية ننقلها بتمامها ههنا:-(5/277)
"إن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم – حكم الله عليه بالبوار والخزي والنكال – ابن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد – لا أسعده الله – فإنه لما سار إلى المغرب تسمى بعبيد الله وتلقب بالمهدي، هو ومن تقدمه من سلفه الأرجاس الأنجاس – عليه وعليهم اللعنة – أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب، وإن ذلك باطل وزور، وإنهم لا يعلمون أن أحداً من الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج إنهم أدعياء، وقد كان هذا الإنكار شائعاً بالحرمين في أول أمرهم بالمغرب، منتشراً انتشار يمنع مع أن يدلس على أحد كذبهم، أو يذهب وهم إلى تصديقهم، وإن هذا الناجم بمصر هو وسلفه كفار وفساق فجار زنادقة ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون، قد عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية. التوقيعات:-
الشريف الرضي، السيد المرتضى أخوه، وابن الأزرق الموسوي، ومحمد بن محمد بن عمر بن أبي يعلى العلويون. والقاضي أبو محمد عبد الله بن الأكفاني، والقاضي أبو القاضي أبو القاسم الجزري، والإمام أبو حامد الإسفرائيني وغيرهم الكثيرون الكثيرون" ("النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" لجمال الدي تسفري بردى الأتابكي، المتوفى 874ه ج4 ص229، 230، أيضاً. "شذرات الذهب" و"تاريخ الإسلام" للذهبي و"مرآة العقول" و"المنتظم" و"عقد الجمان")]، ولقد اخترعوا روايات بخصوص ذلك، منها أن أبا جعفر الباقر سئل عن قول الله عز وجل : ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة؟
قال : من قال إني إمام وليس بإمام. قال : قلت وإن كان علوياً؟
قال : وإن كان علوياً. قلت : وإن كان من ولد علي بن أبي طالب عليه السلام؟
قال : وإن كان – وفي رواية عن ابنه جعفر أنه قال : وإن كان فاطمياً علوياً" ["الأصول من الكافي" ج1 ص372].(5/278)
وأيضاً "من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر" ["الأصول من الكافي" ج1 ص372].
... هذا وأما الثمانية من أولاد الحسين الذين خلعوا عليهم لقب الإمام، والتاسع الموهوم لم يكونوا بأقل توهيناً وتحقيراً وتصغيراً من قبل القوم أنفسهم، فإنهم تكلموا فيهم، وشنعوا عليهم، وخذلوهم، وأذلوهم، وضحكوا عليهم، واتهموهم بتهم هم منها براء، كفعلتهم مع آباءهم، مع الحسنين، وعلي بن أبي طالب، وصنيعهم مع سيد الكونين ورسول الثقلين - صلى الله عليه وسلم -، وأنبياء الله ورسله.
علي بن الحسين
فأهانوا علي بن الحسين الملقب بزين العابدين، والذي يعدونه إماماً مطاعاً، ومتبعاً مبايعاً بعد أبيه بقولهم إنه كان أجبن من عامى وعادى، ولقد أقر بعبودية يزيد قاتل الحسين - حسب زعمهم - والرواية من كتابهم الكافي عن ابن زين العابدين محمد الباقر أنه قال :
إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج، فبعث إلى رجل من قريش فأتاه، فقال له يزيد : أتقر لي أنك عبد لي، إن شئت بعتك وإن شئت استرقيتك. فقال له الرجل : والله يا يزيد! ما أنت بأكرم مني في قريش حسباً ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والإسلام، وما أنت بأفضل مني في الدين ولا بخير مني، فكيف أقر لك بما سألت؟ فقال له يزيد : إن لم تقر لي والله لقتلتك، فقال له الرجل : ليس قتلك إياى بأعظم من قتلك الحسين بن علي عليهما السلام ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر به فقتل.
ثم أرسل إلى علي بن الحسين عليهما السلام فقال له مثل مقالته للقرشي، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام : أرأيت إن لم أقر لك أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالأمس؟ فقال له يزيد لعنه الله بلى فقال له علي بن الحسين عليهما السلام قد أقررت لك بما سألت، أنا عبد مكره، فإن شئت فأمسك وإن شئت فبع" ["الروضة من الكافي" ج8 ص234، 235].
هذا وقد أهانوه وآذوه في ولده ووالدته، فلقد قالوا : إنه سئل أحد أئمتهم المعصومين من شيعته :(5/279)
"إن لي جارين، أحدهما ناصب والآخر زيدي، ولا بد من معاشرتهما، فمن أعاشر؟
فقال : هما سيان، من كذب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام وراء ظهره وهو المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين، قال : ثم قال : إن هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا" ["الروضة من الكافي" ج8 ص235].
وأوذي في والدته وأهين حيث قالوا :
إن جميع الناس ارتدوا بعد قتل الحسين إلا الخمسة، أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطيع وجابر بن عبد الله والشبكة زوجة الحسين بن علي" ["مجالس المؤمنين" للشوشتري، المجلسي الخامس ص144 ط طهران].
ولا ندري أين ذهبت أمه شهربانو حيث عدت شبكة، ولم تذكر تلك.
محمد الباقر وابنه
وأما محمد الباقر وابنه جعفر فهما المظلومان الحقيقيان لأنه لا يوجد فضيحة ولا قبيحة إلا وقد نسبوها إليهما من الجبن والنفاق والغدر والخيانة والكذب، وباسمهما اخترعوا مذهباً، واختلقوا مسلكاً وهما لا يدريان عنه وعنهم شيئاً، فلقد قالوا إن الباقر كان يحل ما حرمه الله خوفاً وجبناً. فمثلاً كان يفتي "أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال - مع كونه حراماً –" ["الفروع من الكافي" ج6 ص208، باب صيد البزاة والصقور وغير ذلك].
ولقد أورد روايات عديدة في حرمة ما قتله البازي والصقر.
ويقول له زرارة بن أعين من كبار رواة الشيعة ومشائخهم الذين عليهم مدار المذهب. يقول في محمد الباقر :
شيخ لا علم له بالخصومة" ["الأصول من الكافي"].
هذا ولقد نقلوا أن زرارة بن أعين قال : سألت محمد الباقر :
"عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها، فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت : يا ابن رسول الله! رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟(5/280)
فقال : يازرارة! إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم.
قال : ثم قلت لأبي عبد الله عليه السلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين، قال : فأجابني بمثل جواب أبيه" ["الأصول من الكافي" كتاب فضل العلم ص65 ط طهران].
وقالوا عن جعفر أيضاً أنه مدح أبا حنيفة أمامه، وذمه بعد ما خرج من عنده كما رواه الكليني عن محمد بن مسلم أنه قال :
دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعنده أبو حنيفة فقلت له : وجعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة فقال لي : يا ابن مسلم! هاتها فإن العالم بها جالس وأومأ بيده إلى أبي حنيفة، قال : فقلت : رأيت كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوازاً كثيراً ونثرته علي، فتعجبت من هذه الرؤيا فقال أبو حنيفة : أنت رجل تخاصم وتجادل لئاماً في مواريث أهلك، فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله، فقال : أبو عبد الله عليه السلام : أصبت والله يا أبا حنيفة، قال : ثم خرج أبو حنيفة من عنده فقلت :
جعلت فداك إنى كرهت تعبير هذا الناصب، فقال : يا ابن مسلم! لا يسؤك الله، فما يواطئ تعبيرهم تعبيرنا. ولا تعبيرنا تعبيرهم وليس التعبير كما عبره، قال : فقلت له : جعلت فداك فقولك : أصبت وتحلف عليه وهو مخطئى؟ قال : نعم! حلفت عليه أنه أصاب الخطأ" ["كتاب الروضة من الكافي" ج8 ص292، تعبير منامات].
هذا ولقد نسبوا إليه أنه قال :
إني لأتكلم على سبعين وجهاً، لي في كلها المخرج" ["بصائر الدرجات" الجزء السادس].
وقد ذكرنا سابقاً [انظر لذلك الباب الثالث "الشيعة وأكاذيبهم على أهل البيت" من هذا الكتاب] ما نسبوا إليهما من خرافات وقبائح ما يستحيي من ذكرها الإنسان. ونذكر ههنا رواية واحدة فقط ما رواها الكشي عن زرارة أنه قال :(5/281)
والله! لو حدثت بكل ما سمعته من أبي عبد الله لانتفخت ذكور الرجال على الخشب" ["رجال الكشي" ص123، ترجمة زرارة بن أعين].
موسى بن جعفر
وأما موسى بن جعفر فأهانوه، وأهانوا أمه فقالوا :
إن ابن عكاشة دخل على أبي جعفر وكان أبو عبد الله عليه السلام قائماً عنده، فقدم إليه عنباً، فقال : حبة حبة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنه لا يشبع، وكله حبتين حبتين فإنه يستحب. فقال لأبي جعفر عليه السلام : لأي شيء لا تزوج أبا عبد الله فقد أدرك التزويج؟ قال : وبين يديه صرة مختومة، فقال : أما إنه سيجيء نخاس من أهل بربر فينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرة جارية، قال : فأتى لذلك ما أتى، فدخلنا يوماً على أبي جعفر عليه السلام فقال : ألا أخبركم عن النخاس الذى ذكرته لكم قد قدم، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة منه جارية، قال : فأتينا النخاس فقال : قد بعت ما كان عندي إلا جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الأخرى، قلنا : فأخرجهما حتى ننظر إليهما فأخرجهما، فقلنا : بكم تبيعنا هذه المتماثلة قال :
بسبعين ديناراً، قلنا أحسن، قال : لا أنقص من سبعين ديناراً، قلنا له : نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت ولا ندري ما فيها وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال : فكوا وزنوا، فقال النخاس : لا تفكوا فإنها إن نقصت حبة من سبعين ديناراً لم أبايعكم، فقال الشيخ : ادنوا، فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير، فإذا هى سبعون ديناراً لا تزيد ولا تنقص، فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر عليه السلام وجعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر جعفر بما كان، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لها : ما اسمك؟ قالت : حميدة، فقال حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة، أخبريني عنك أبكر أنت أم ثيب ؟ قالت : بكر قال :(5/282)
وكيف ولا يقع في أيدي النخاسين شيء إلا أفسدوه، فقال : قد كان يجيئني مني مقعد الرجل من المرأة، فيسلط الله عليه رجلاً أبيض الرأس واللحية، فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني، ففعل بي مراراً وفعل الشيخ به مراراً فقال : يا جعفر! خذها إليك، فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر عليهما السلام" ["الأصول من الكافي" كتاب الحجة، باب مولد موسى بن جعفر ج1 ص477].
وتكلموا في علمه وعقله حيث قالوا : إنه سئل عن امرأة تزوجت ولها زوج؟
قال : ترجم المرأة، ولا شيء على الرجل، فلقيت أبا بصير [من كبار الشيعة ومشائخهم الذين قال فيهم جعفر: لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست" (رجال الكشي ص152)] فقلت له : إني سألت أبا الحسن عن المرأة التي تزوجت ولها زوج، قال : ترجم المرأة ولا شيء على الرجل، قال : فمسح صدره (أبو بصير) وقال : ما أظن صاحبنا تناهى حكمه بعد – وفى رواية أخرى : أظن صاحبنا ما تكامل علمه" ["رجال الكشي" 153، 154].
وكان أبو بصير المرادي هذا يتهم موسى بن جعفر أنه رجل الدنيا كما ذكر الكشي عن حماد بن عثمان أنه قال :
خرجت أنا وابن أبي يعفور وآخر إلى الحيرة أو إلى بعض المواضع، فتذاكرنا الدنيا فقال أبو بصير المرادي :
أما إن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها" ["رجال الكشي" ص154].
علي بن موسى
وأما علي بن موسى بن جعفر هو الذى قالوا عنه إنه كان يرى جواز إتيان الرجل المرأة في دبرها ["الاستبصار" باب إتيان النساء ما دون الفرج، ج3 ص343].
وحكوا عنه نفس القصة التى حكوا عن أبيه موسى بن جعفر :
عن هاشم بن أحمد قال : قال أبو الحسن الأول عليه السلام : هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قلت : لا، فقال عليه السلام : بلى قد قدم رجل أحمر فانطلق بنا، فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق فقال له :(5/283)
أعرض علينا، فعرض علينا تسع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام لا حاجة لي فيها، ثم قال له : أعرض علينا، قال : ما عندي شيء فقال له : بلى أعرض علينا قال : لا والله، ما عندي إلا جارية مريضة فقال له : ما عليك أن تعرضها؟ فأبى عليه، ثم انصرف عليه السلام ثم إنه أرسلني من الغد إليه، فقال لي : قل له كم غايتك فيها؟ فإذا قال : كذا وكذا. فقل : قد أخذتها، فأتيته، فقال : ما أريد أن أنقصها من كذا فقلت : قد أخذتها وهو لك، فقال : هي لك، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس؟ فقلت : رجل من بني هاشم، فقال :
من أي بني هاشم؟ فقلت : من نقبائهم، فقال : أريد أكثر منه، فقلت : ما عندي أكثر من هذا، فقال : أخبرك عن هذه الوصيفة إني اشتريتها من أقصى بلاد المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب، فقلت : ما هذه الوصيفة معك؟
فقلت : اشتريتها لنفسي، فقالت : ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك! إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلا قليلاً حتى تلد منه غلاماً يدين له شرق الأرض وغربها، قال : فأتيته بها، فلم تلبث عنده إلا قليلاً . حتى ولدت له علياً عليه السلام" ["عيون أخبار الرضا" لابن بابويه ج1 ص17، 18، "الأصول من الكافي" للكليني ج1 ص486].
وهل من المعقول أن مثل موسى بن جعفر وجعفر بن باقر لا يجدان امرأة من بني هاشم وغيرهم من الأشراف ليتزوجا بها ومن الحرائر حتى اضطر إلى اشتراء جوار وإماء ومن النخاسين الذين جردوهما من الملابس وجلسوا منهن مجلس الرجل من المرأة. فيا للعجائب المضحكات المبكيات معاً.
ثم وقد نسبوا إلى هذا الرضا بأنه كان يعشق ابنة عم المأمون وهى تعشقه كما يذكر ابن بابويه القمي في بيان علاقات ذي الرياستين وأبي الحسن الرضا :(5/284)
"وأظهر ذو الرياستين عداوة شديدة على الرضا عليه السلام وحسده على ما كان المأمون يفضل به، فأول ما ظهر لذي الرياستين من أبي الحسن عليه السلام أن ابنة عم المأمون كانت تحبه وكان يحبها، وكان ينفتح باب حجرتها إلى مجلس المأمون، وكانت تميل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام وتحبه، وتذكر ذا الرياستين وتقع فيه، فقال ذو الرياستين حين بلغه ذكرها له لا ينبغي أن يكون باب دار النساء مشرعاً إلى مجلسك، فأمر المأمون بسده، وكان المأمون يأتي الرضا عليه السلام يوماً والرضا عليه السلام يأتي المأمون يوماً، وكان منزل أبي الحسن عليه السلام بجنب منزل المأمون، فلما دخل أبو الحسن عليه السلام إلى المأمون ونظر إلى الباب مسدوداً قال : يا أمير المؤمنين ما هذا الباب الذى سددته؟
فقال : رأى الفضل ذلك وكرهه، فقال عليه السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون، ما للفضل والدخول بين أمير المؤمنين وحرمه؟
قال : فما ترى؟ قال : فتحه والدخول إلى ابنة عمك ولا تقبل قول الفضل فيما لا يحل ولا يسع، فأمر المأمون بهدمه ودخل على ابنة عمه، فبلغ الفضل ذلك فغمه" ["عيون أخبار الرضا" ص153، 154].
وينسبونه إلى جبن ومذلة بقولهم لما أرسل إليه الجلودى - أحد أمراء الرشيد - لينهب بيته ويسلب أمواله، فبدل أن يدافع عنه وعن أهل بيته وعن شرفه وحرمه وحرماته بدأ يدفع إليه الأموال :
"فدخل الحسن أبو الرضا عليه السلام، فلم يدع عليهن شيئاً حتى أقراطهن وخلاخيلهن وأزرارهن إلا أخذه منهن وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير - ودفعها إليه –" ["عيون أخبار الرضا" ج2 ص161].
الإمام التاسع
وأما ابن الرضا محمد الملقب بالقانع والمكنى بأبي جعفر الثاني، فقد شكوا في بنوته للرضا وترددوا في قبول إمامته لاسوداد وجهه وتغير لونه، وقالوا إن الذين سبقوا إلى الشك فيه هم عمومته وإخوته كما نقلوا عن علي بن جعفر بن الباقر أنه قال له إخوته (أي الرضا) :(5/285)
ما كان فينا إمام قط حائل اللون ["حال لونه أي تغير واسود، كما في هامش الأصل] فقال لهم الرضا عليه السلام : هو ابني، قالوا : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قضى بالقافة [جمع القائف وهو الذي يعرف الآثار والأشباه ويحكم بالنسب] فبيننا وبينك القافة، قال : ابعثوا أنتم إليهم، فأما أنا فلا، ولا تعلموهم لما دعوتموهم ولتكونوا في بيوتكم.
فلما جاؤا أقعدونا في البستان واصطف عمومته وإخوته وأخواته، وأخذوا الرضا عليه السلام وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها، ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له : ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاؤا بأبي جعفر عليه السلام فقالوا : ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا :
ليس له ههنا أب ولكن هذا عم أبيه، وهذا عمه، وهذه عمته، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدميه وقدميه واحدة، فلما رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا : هذا أبوه" ["الأصول من الكافي" ج1 ص322، 323].
انظر إلى هذه المسرحية وكيف يحكون عنها؟ وكم فيها من الإساءات إلى أهل بيت علي رضي الله عنه؟
ويقولون عنه إنه كان جباناً خوافاً إلى أنه لما طلبه المعتصم العباسي مرة ثانية إليه :
"بكى حتى اخضلت لحيته ثم التفت فقال : عنده هذه يخاف علي" ["الأصول من الكافي" ج1 ص322، 323].
الإمام العاشر
وأما ابنه علي فيقولون إنه مات أبوه وكان في الثامنة من عمره، فاختلفوا في إمامته وتكلموا كثيراً حولها حتى أثبتوها بشهادة رجل لم يكن منهم وبعد إجباره على تلك الشهادة [انظر تفصيل تلك القصة في كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي الحسن الثالث ج1 ص324].
ويقولون إنه مع إمامته "لم يسلم إليه تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق، وجعل عبد الله بن المساور قائماً عليها إلى أن يبلغ من قبل أبيه" ["الأصول من الكافي" ج1 ص325].
مع أنهم يحكون عن أبيه :(5/286)
"إنه استأذن عليه قوم من أهل النواحي من الشيعة فأذن لهم، فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عليه السلام وله عشر سنين" ["الأصول من الكافي" كتاب الحجة، باب مولد محمد بن علي ج1 ص496].
وما أدري لم يستصغرونه حتى يضطرون إلى القائم يقوم بأمره إلى أن يبلغ
ثم ويتهمونه بأنه لم يكن يعرف من سيكون الإمام بعده حتى إنه (أي علي بن محمد) جعل الإمامة إلى الأكبر من ولده - يعني إلى أبي جعفر محمد - ولم يدر أنه لا يبقى بعده بل سيموت في حياته، فلما مات قال : ما أنا الذي أخطأت ولكن الله لم يعلم من الذي سيكون الإمام بعدي وإليك النص :
بدا [معناه النسيان والجهل لله تعالى. انظر لتفصيل ذلك كتاب "الشيعة والسنة" الباب الأول، مسألة البدا] لله في أبي محمد (يعني ابنه الثاني الحسن العسكري) بعد أبي جعفر (يعني ابنه الأكبر محمداً) ما لم يكن يعرف له كما بدا في موسى بعد مضي إسماعيل (يعني ابني جعفر) ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون" ["الإرشاد" للمفيد ص337].
وأما الحادي عشر حسن بن علي الملقب بالعسكري فيقولون عنه إنه شكر الله عزوجل على وفاة أخيه الأكبر محمد بن على لما سمع أن الإمامة تصل إليه بعد ما شق جيوبه ولطم خدوده كما ذكره المفيد في "الإرشاد" ["الإرشاد" ص326] والأربلي في "كشف الغمة" ["الإرشاد" ص405].
هذا وأما الثاني عشر الموهوم فكفى فيه القول أنهم يصرحون في كتبهم أنفسهم أنه لم يولد ولم يعثر عليه ولم ير له أثر مع كل التفتيش والتنقيب، ثم يحكون حكايات، وينسجون الأساطير، ويختلقون القصص والأباطيل في ولادته وأوصافه، إما موجود ولد، وإما معدوم لم يولد؟ غير مولود ومولود! ومعدوم وموجود! فأية إساءة أكبر منها؟ وأية إهانة أكثر منها. وإليكم النص من أهم كتبهم هم، فيروون عن أحمد بن عبيد الله بن خاقان أنه قال في قصة طويلة أن الحسن العسكري:(5/287)
"لما اعتل بعث السلطان إلى أبيه أن ابن الرضا قد اعتل، فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته، فيهم نحرير فأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساءً، فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف، فأمر المتطببين بلزوم داره وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشر ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتى توفي عليه السلام فصارت سر من رأى ضجة واحدة وبعث السلطان إلى داره من فتشها وفتش حجرها وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاؤا بنساء يعرفن الحمل، فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن، فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته وعطلت الأسواق وركبت بنو هاشم والقواد وأبي وسائر الناس إلى جنازته، فكانت سر من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة، فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمر بالصلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والمعدلين وقال :
هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره من حضره من الخدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان، ثم غطى وجهه وأمر بحمله فحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه.(5/288)
لما دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا عن قسمة ميراثه ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل، فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر وادعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي" ["كتاب الحجة من الكافي" ص505، "الإرشاد" للمفيد ص339، 340، "كشف الغمة" ص408، 409، "الفصول المهمة" ص289، "جلاء العيون" ج2 ص762 "إعلام الورى" للطبرسي ص377، 378].
وما أحسن ما كتب أحد كتاب السنة في هذا أن مهدي الشيعة وقائمهم مختلق معدوم موهوم، وإن قرآنهم كذلك معدوم غير موجود، وإن مذهبهم أيضاً مخترع موضوع، وسيكون معدوماً إن شاء الله.
وهذه الرواية التي ذكرها جميع مؤرخي الشيعة ومؤلفيها ومحدثيها تهدم ما أرادوا بنائه على الأساطير والقصص من ولادة الإمام الثاني عشر ونشأته وإمامته، وأن لا يكون كذلك فهم لا يريدون من ذكر هذه الروايات وثبتها إلا إهانته وإيذاءه حيث ينسبونه إلى عدم الوجود والولادة وهو مولود وموجود! فالعدل، العدل.
ولقد كتب المفيد وغيره "فلم يظهر ولده في حياته، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته وتولى جعفر بن علي أخو أبي محمد "ع" وأخذ تركته وسعى في حبس جواري أبي محمد واعتقال حلائله ….. وحاز جعفر ظاهراً تركته أبي محمد عليه السلام واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه" ["الإرشاد" ص345 "إعلام الورى" ص380].
فهذا هو الثاني عشر إن كان لهم الثاني عشر، وفعلاً اعتقد القوم منهم إمامته وسموا بالجعفرية، ولكن الشيعة سبوه وشتموه كعادتهم مع الآخرين، فقالوا فيه أي جعفر بن محمد :
هو معلن الفسق فاجر، ماجن، شريب للخمور، أقل من رأيته من الرجال، وأهتكهم لنفسه، خفيف، قليل في نفسه" ["الأصول من الكافي" ج1 ص504.
ويسمونه جعفر الكذاب وغير ذلك من الأوصاف الكثيرة القبيحة.
أهل البيت والشيعة(5/289)
وقبل أن ننتهي من هذا نريد أن نثبت ههنا أن أهل البيت كانوا على علم ومعرفة من صنيع هؤلاء القوم ومعاملاتهم معهم، وعلى ذلك لم يقصروا بدورهم أيضاً في بيان حقيقة هؤلاء القوم على الناس، وتتوير الرأي العام، وكيل اللعنات والحملات العشواء ضدهم، من أولهم إلى آخرهم.
فأول المبتلين بهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يتأن ولم يتأخر في إيقافه إياهم موقف المجرمين المتخاذلين، والمتعنتين المعاندين الطاعنين.
فقال : أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب إن أمهلتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن اجئتم إلى مشاقة نكصتم. لا أبا لغيركم! ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم؟ الموت أو الذل لكم؟ فوالله لئن جاء يومي - وليأتيني - ليفرقن بيني وبينكم، وأنا لصحبتكم قال، وبكم غير كثير، لله أنتم! أما دين يجمعكم! ولا حمية تشحذكم! أوليس عجباً أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم - وأنتم تريكة الإسلام، وبقية الناس - إلى المعونة أو طائفة من العطاء، فتفرقون عني وتختلفون عليّ؟
إنه لا يخرج إليكم من أمري رضى فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه، وإنّ أحبّ ما أنا لاق إليّ الموت! قد دارستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج، وعرفتكم ما أنكرتم، وسوغتكم ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو الناثم يستيقظ" ["نهج البلاغة" ص258، 259].
وقال مرة أخرى مخاطباً إياهم :(5/290)
أف لكم! لقد سئمت عتابكم! أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً؟ وبالذل من العز خلفاً؟ إذا دعوتكم إلى الجهاد عدوكم دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة. يرتج عليكم حواري فتعمهون، وكأن قلوبكم مألوسة، فأنتم لا تعقلون. ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها، كلما جمعت من جانب انتشرت من آخر، لبئس - لعمر الله - سعر نار الحرب أنتم.
تكادون ولا تكيدون، وتنتقص أطرافكم فلا تمتعضون [الامتعاض هو الغضب]، لا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، غلب والله المتخاذلون! وأيم الله! إني لأظن بكم أن لو حمس الوغى، واستحر الموت، قد انفرجتم عن أبي طالب انفراج الرأس" ["نهج البلاغة" ص78].
ومرة أخرى يبين للناس ما هم في الجبن والمخاذلة والفساد والباطل فيقول :
كم أداريكم كما تداري البكار العمدة، والثياب المتداعية! كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر، كلما أطل عليكم منسر من مناسر أهل الشام أغلق كل رجل منكم بابه، وانحجر انحجار الضبة في جحرها، والضبع في وجارها. الذليل والله من نصرتموه! ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل [السهم مكسور الفوق، عار عن النصل]. - إنكم والله – لكثيرة في الباحات قليل تحت الرايات، وإني لعالم بما يصلحكم، ويقيم أودكم، ولكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي أضرع الله خدودكم، وأتعس جدودكم! لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحق!" ["نهج البلاغة" ص98، 99].
وأيضاً "وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون! وأنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون! وكانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، فمكنتم الظلمة من منزلتكم، وألقيتم إليهم أزمتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، وأيم الله، لو فرقوكم تحت كل كوكب، لجمعكم الله لشر يوم لهم" ["نهج البلاغة" ص154].(5/291)
و "كأني أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب، لا تأخذون حقاً ولا تمنعون ضيماً، قد خليت والطريق، فالنجاة للمقتحم، والهلكة للمتلوم" ["نهج البلاغة" ص180].
وقال متأسفاً ويائساً عنهم :
فإن استقمتم هديتكم، وإن اعوججتم قومتكم، وإن أبيتم تداركتكم، لكانت الوثقى، ولكن بمن وإلى من؟
أريد أن أداوى بكم وأنتم دائي كناقش الشوكة بالشركة، وهو يعلم أن ضلعها معها! اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي، وكلت النزعة بأشطان الركى! أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرؤا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى ولدها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفا، وصفاً صفا. بعض هلك وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن الموتى. مرة العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام : ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر. على وجوههم غبرة الخاشعين.
أولئك إخواني الذاهبون. فحق لنا أن نظمأ إليهم، ونعض الأيدي على فراقهم" ["نهج البلاغة" ص177، 178].
وأخيراً يكب عليهم جعبته، ويدعو عليهم ويقول :
ما هي إلا الكوفة، أقبضها وأبسطها، إن لم تكوني إلا أنت تهب أعاصيرك فقبحك الله! …. اللهم إنى قدمللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شراً مني، اللهم مث [أي أذب، من الإذابة] قلوبهم كما يماث الملح في الماء" ["نهج البلاغة" ص66، 67].
هذا وقد قال الحسن ما ذكرنا سابقاً :
أرى والله معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وأخذوا مالي" ["الاحتجاج" للطبرسي ص148].
وقد قال أيضاً :
عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي من كان منهم فاسداً، إنهم لاوفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، إنهم مختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم معنا، وإن سيوفهم لمشهورة علينا" ["الاحتجاج" ص149].
وقال الحسين بن علي وهو واقف في كربلاء :(5/292)
يا شيث بن ربعي! ويا حجار بن أبحر! ويا قيس بن الأشعث! ويا يزيد بن الحارث! (أسماء شيعته) ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار وأخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندة" ["الإرشاد" للمفيد ص234. أيضاً "إعلام الورى بأعلام الهدى" للطبرسي ص242].
وقال الحر بن يزيد التميمي نيابة عنه وهو واقف أمامه في كربلاء يوم مقتله:
يا أهل الكوفة! لامكم الهبل والعبر أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا جاءكم اسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، وجلأتموه ونسائه وصبيته وأهله من ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصاري والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه. فهاهم قد صرعهم العطش بئس ما خلفتم محمداً في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ" ["الإرشاد" ص234، 235، "إعلام الورى" للطبرسي ص243].
وهؤلاء الذين أخبر عنهم الفرزدق الشاعر :
"يا ابن رسول الله! كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل" ["كشف الغمة" ج2 ص38].
ونقل المفيد أنه قال :
حججت بأمي سنة ستين فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين بن علي عليهما السلام خارجاً من مكة مع أسيافه وأتراسه، فقلت : لمن هذا القطار؟
فقيل : للحسين بن علي عليهما السلام فأتيته فسلمت عليه وقلت له : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج؟ فقال : لو لم أعجل لأخذت، ثم قال لي : من أنت؟ قلت : امرؤا من العرب، فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك، ثم قال لي : أخبرني عن الناس خلفك، فقلت : الخبير سألت. قلوب الناس معك وأسيافهم عليك، والقضاء ينزل من السماء والله يغعل ما يشاء" ["الإرشاد" ص218].
وأما الحسين :(5/293)
فلما رأى عليه السلام وحدته ورزأ أسرته وفقد نصرته تقدم على فرسه إلى القوم حتى واجههم وقال لهم :
يا أهل الكوفة قبحاً لكم وتعساً حين استصرختمونا والهين فأتينا موجفين، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيماننا، وحششتم علينا ناراً نحن أضرمناها على أعدائكم وأعدائنا، فأصبحتم ألباً على أولياءكم ويداً لأعدائكم، من غير عدل أفشوه فيكم، ولا ذنب كان منا إليكم، فلكم الويلات هلا إذ كرهتمونا والسيف ماشيم والجأش ما طاش والرأي لم يستحصد ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا إسراع الدنيا، وتهافتّم إليها كتهافت الفراش، ثم نقضتموها سفهاً وضلة وطاعة لطواغيت الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب، ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلونا، ألا لعنة الله على الظالمين،
ثم حرك إليهم فرسه وسيفه مصلت في يده وهو آيس من نفسه" ["كشف الغمة" ج2 ص18، 19].
وأخيراً هؤلاء الذين دعوهم إلى كربلاء دعا عليهم كدعاء أبيه على شيعته، فيذكر المفيد :
"ثم رفع الحسين (ع) يده وقال : اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا" ["الإرشاد" ص241، أيضاً "إعلام الورى" للطبرسي ص949].
وأما علي بن الحسين الملقب بزين العابدين فأبان عوارهم وأظهر عارهم وكشف من حقيقتهم فقال :
إن اليهود أحبوا عزيراً حتى قالوا فيه ماقالوا، فلا عزير منهم ولا هم من عزير، وإن النصارى أحبوا عيسى حتى قالوا فيه ماقالوا فلا عيسى منهم ولا هم من عيسى، وأنا على سنة من ذلك، إن قوماً من شيعتنا سيحبونا حتى يقولوا فينا ما قالت اليهود في عزير وما قالت النصارى في عيسى، فلا هم منا ولا نحن منهم .
هذا، وشيعته خذلوه وتركوه، ولم يبقى منهم إلا الخمسة كالرواية التي رويناها قبل، وأيضاً ما رواه فضل بن شاذان ["رجال الكشي" ص107].
أو ثلاثة كما ذكر جعفر بن الباقر أنه قال :(5/294)
ارتد الناس بعد قتل الحسين (ع) إلا ثلثه، أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم - وروى يونس بن حمزة مثله وزاد فيه : وجابر بن عبد الله الأنصاري" ["رجال الكشي" ص113].
وأما محمد الباقر فكان يائساً من الشيعة إلى حد حتى قال :
لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلثه أرباعهم لنا شكاكاً والربع الآخر أحمق" ["رجال الكشي" ص179].
ويشير جعفر أنه لم يكن لأبيه الباقر مخلصون من الشيعة إلا الربعة أو خمسة كما روى :
إذا أراد الله بهم سوء صرف بهم عنهم السوء، هم نجوم شيعتى أحياءاً وأمواتاً، يحيون ذكر أبي، بهم يكشف الله كل بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأول الغالين . ثم بكى فقلت : من هم؟ فقال : من عليهم صلوات الله عليهم ورحمته أحياء وأمواتاً بريد العجلي وزرارة وأبو بصير ومحمد بن مسلم" ["رجال الكشي" ص124].
وأما الباقر فكان لا يعتمد حتى ولا على هؤلاء، فكما روي عن هشام بن سالم عن زرارة أنه قال : سألت أبا جعفر عن جوائز العمال؟ فقال :
لا بأس به، ثم قال : إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً إني أحرم أعمال السلطان" ["رجال الكشي" ص140].
ثم وكيف كان هؤلاء ؟ فأعرفهم عن جعفر أيضاً، ولقد روى مسمع أنه سمع أبا عبد الله يقول :
لعن الله بريداً، لعن الله زرارة" ["رجال الكشي" ص134].
وأما أبو بصير فقالوا : إن الكلاب كان تشغر في وجه أبي بصير" ["رجال الكشي ص155].
وأما جعفر بن الباقر فإنه أظهر شكواه عن شيعته بقوله حيث خاطب :
أما والله لو أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثاً" ["الأصول من الكافي" ج1 ص496 ط الهند].
ولأجل ذلك قال له أحد مريديه عبد الله بن يعفور كما رواه بنفسه :(5/295)
"قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوال لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق" ["الأصول من الكافي" ج1 ص375 ط طهران].
وفوق ذلك شكاكاً في القوم كله، ولأجل ذلك لم يك يفتيهم إلا بفتاوى مختلفة حتى لا يفضوها إلا الأعداء والمخالفين كما مر بيانه مفصلاً.
وإنه كان كثيراً ما يقول :
ما وجدت أحداً يقبل وصيتي ويطيع أمري إلا عبد الله بن يعفور" ["رجال الكشي" ص213].
ومر خاطب شيعته فقال :
ما لكم وللناس قد حملتم الناس عليّ؟ إني والله ما وجدت أحداً يطيعني ويأخذ بقولي إلا رجلاً واحداً عبد الله بن يعفور، فإني أمرته وأوصيته بوصية فأتبع أمري وأخذ بقولي" ["الأصول من الكافي" ص215].
وأما ابنه موسى فإنه وصفهم بوصف لا يعرف وصف جامع ومانع لبيان الحقيقة مثله، وبه نتم الكلام، فإنه قال :
لو ميزت شيعتي لم أجدهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الأف واحد، ولو غربلتهم غربلة لم يبقى منهم إلا ما كان لي، إنهم طالما اتكؤوا على الأرائك، فقالوا : نحن شيعة علي" ["الروضة من الكافي" ج8 ص228].
فهؤلاء هم أهل بيت علي رضي الله عنه وهذه هي أقوالهم وآراءهم في الذين يدعون أنهم شيعتهم، أتباعهم ومحبوهم وهم يكبّون عليهم الويلات، ويكيلون عليهم اللعنات، ويظهرون للناس حقيقتهم وما يكنون في صدورهم تجاههم، وما أكثر لعناتهم عليهم والبراءة منهم، ولكننا اكتفينا بهذا القدر لأنها كافية لمن أراد التبصر والهداية كما أننا بيّنّا الحقيقة ما يكنه الشيعة لأهل بيت علي رضي الله عنه ولأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتب القوم أنفسهم، ووضعنا النقاط على الحروف، فهل من عاقل يتعقل؟ وهل من بصير يتبصر؟(5/296)
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، والله أسأل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وهو الهادي إلى سواء السبيل وعليه نتوكل وإليه ننيب.
تم تنزيل هذا الكتاب من موقع البرهان على شبكة الانترنت
http://www.albrhan.com(5/297)
بين الشيعة وأهل السنة
تأليف / إحسان إلهي ظهير
رئيس تحرير مجلة "ترجمان الحديث" لاهور – باكستان
والأمين العام لجمعية أهل الحديث – باكستان
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المعصومين، وأشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن سلك مسلكهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:
إن مصر قلعة من قلاع الإسلام وحصن من حصونه، وإنها لمهد للحضارة الإسلامية، معهد للعلوم والفنون، وهي بلد الأزهر، وموطن العلماء، وإنها لمحط أنظار المسلمين، ومهوى أفئدتهم وقلوبهم، كما أنها كانت ولا زالت كعبة عشاق العلم وطلابه، ومورد رواد الفكر ومشتاقي الإدراك والمعرفة، وهي مقر الكتاب، ومستقر الدعاة، وموطن الفقهاء، ومنبت المحدثين، لها ماضيها المجيد وحاضرها الحميد، ينظر إليها المسلمون في كل قطر من أقطار الأرض، وبقعة من بقاعها. . نظرة إكبار وتقدير لما لها من أياد بيضاء في إنارة الفكر الإسلامي وإضاءة الطرق أمام منتهجيها وسالكيها، فينظرون إلى كل ما صدر منها نظرة الثقة والاعتماد والتصديق لأصالة علومها، ورسوخ علمائها فيها، ولتحملهم أعباء الدعوة بوجوهها الصحيحة. وأسسها الأصيلة. وقواعدها المتينة الرزينة. . بالأمانة العلمية والمسئولية الدينية، مع اعتقادهم أن لا عصمة لأحد بعد نبي الله خاتم المعصومين وسيد المرسلين، ولا بد للعالم من زلة وهفوة، كما أنه لا بد للفارس من كبوة، فغفر الله لمقترفيها بغير قصد، ومرتكبيها بدون تعمد: { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا . . . } [سورة البقرة: الآية 286].(6/1)
ولكن لم يكن ليخطر على بال أحد أن علماً من أعلامها، ورجلاً من رجالاتها، يحمل قلماً في يوم من الأيام، ليكتب في موضوع حساس عويص، له أبعاده وأخطاره – وهو لا يعرف عنه شيئاً – وعفا الله عنه إن لم يكن يعرف – ولا أظنه يعرف – لأنه لا يتصور من أمثاله أن يخاطر بنفسه، ويقع في مثل هذه المزالق، التي قد تذهب به وبآثاره الماضية في مكان سحيق لا يتوقع النجاة منه، ويهدم به ما بناه من أمجاد وما أداه من خدمات إلى حيث لا يرجى استرجاعها، ويا ليتني لم أقرأ له هذه الرسالة أو يقع نظري على تلك الفقرة، التي يقرر فيها: أنه لم يدخر وسعاً في بحثه، في تحري الحقيقة! مع أنه لم يتحر الحقيقة، ولم يبذل وسعه في البحث، وإن كان هذا هو وسعه، أظهره في كتيبه، الذي نحن بصدد ذكره الآن، فما أظنه على سعة وسعه الذي بذله في كتبه الكثيرة التي نشرت قائمته في آخر كتيبه، مفخرة لعلمه وشرفاً لآثاره. .!
وإذا كان هذا هو مفهوم تحري الحقيقة عنده في هذه الرسالة فلا بد أن تتلاشى الحقائق عند من يقف على كتبه ومنشوراته!
لقد سمعت الكثير عن علم الدكتور علي عبد الواحد وافي وحدثني عنه العديد من الأصدقاء حتى دفعني الشوق إلى لقائه، فإذا أنا أطرق باب مصر وأدخلها طالباً للعلم، ومكتسباً فضائلها، ومغترفاً من بحارها، ممنياً النفس باقتناء طرف من علومها ومعارفها، متشوقاً إلى آثارها ومعالمها، وإلى كتبها وكتّابها، ومبتغياً طرائفها ونفائسها، وأثناء ترددي على مكتباتها، باحثاً عن الكتب الفاطمية وعن الوثائق الإسماعيلية التي أشتغل بالكتابة عنها، التفت إلى كتيب صادر منذ فترة وجيزة لذلك الشيخ الذي تحدث عنه المتحدثون، وسمع به السامعون، تحت عنوان: "بين الشيعة وأهل السنة".(6/2)
ولقد جذبني عنوان الكتيب إليه، لما ابتليت بالقوم ابتلاء طويلاً، كما زادني انجذاباً إليه. . اسم كاتبه، فمؤلفه دكتور في الآداب من جامعة باريس، وعضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع، وعميد كلية العلوم بجامعة أم درمان، وعميد كلية التربية بجامعة الأزهر، ووكيل كلية الآداب، ورئيس قسم الاجتماع بجامعة القاهرة سابقاً – عفا الله عما سلف – فنسيت كتب الفاطمية والفاطميين، واشتغلت بتقليب أوراق الكتيب، ولم أبخل بشراء نسختين منه، ظناً مني أن مثل فضيلته لا يكتب إلا بعد إلمام بالموضوع إلمامة كاملة، وإدراكه له حق الإدراك، وبعد معرفته بجوانبه كله، وتعمقه في سبر أغواره، وزيادة على ذلك دعواه في بداية مقدمته بأنه لم يدخر وسعاً في بحثه هذا. . في تحري الحقيقة، وأيضاً. . فقد سمعت من قبل من بعض المحبين له ولي أنه شرع في كتابة هذا الموضوع!. . فعدت بنسختين من كتابه إلى الفندق الذي نزلت به، عاجلاً. . شوقاً إلى لقياه من خلال كتيبه هذا، الذي يعد بالنسبة لي أول تصنيف له أطالعه وأقرأ فيه – فيا لحسرتي، وأسفاً لشوقي، وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه – ولقد خاب أملي في الاستفادة منه، بل انقلبت إلى التأسف والندم.. فيا ليتني لم أقرأ شيئاً لفضيلته، واكتفيت بالسماع عنه بدل الالتقاء به من خلال رسالته هذه ، ولكن ليس السمع كالمعاينة، وليس من راء كمن سمعا، ولعل كتب فضيلته الأخرى لا تكون على شاكلة هذا المؤلف، من بذل الوسع في البحث تحرياً للحقيقة مثل هذه الرسالة، والله غافر السيئات ومكفر الخطايا، وإنه لستار العيوب.(6/3)
. . وإني لعلى يقين، بأن فضيلة الدكتور كلف نفسه عناء لم يستطع حمل أعبائه في هذا العمر الأخير، حيث تضعف القوى، وتتوانى الهمم، وتكل العزائم، وينفلت زمام المبادرة من يد الفارس المغوار، كما ينفلت زمام العلم والفكر. . من يد العالم المبصر، فهو لطول حياته قد خانه البصر الحسير الكليل، وأعياه الزمان، وأقعده الدهر، وخانته الذاكرة، وله العذر..! ولولا هذا لما كتب ما كتب، ولما ألف ما ألف، ولم يبد فيه ما أبدى من العجائب والغرائب، ومن المضحكات والمبكيات، من الأخطاء الصريحة والأغلاط الفاحشة، ولم يصل إلى ما وصل إليه من الحكم والرأي في الشيعة ومعتقداتهم، ولم يرض ما تقوَّله بدون علم وبدون معرفة. ونحن مأمورون بألا نقول بدون علم، ولا نتكلم بدون معرفة: { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً } [سورة الإسراء الآية36].
وخاصة في مثل هذه المباحث التي تسبب تضليل كثير من الناس، وإيقاعهم في المتاهات والضلالات، بسبب زلة عالم وهفوة كاتب، اعتماداً على من قرءوا له، وثقة لما سمعوا به عنه، وعلى ذلك يخاف أخوف ما يخاف من غلطة عالم وزلته – سامحه الله على ما كتب وغفر لنا وله إنه لغفور رحيم وعفو كريم -.(6/4)
هذا ولا أدري ما هي الأسباب التي دفعت فضيلة الدكتور وافي إلى أن يكتب هذه الرسالة؟ وكان في غنى عن أن يكتبها، حيث أنه يجهل أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية وأسسه التي قام عليها، وليس عنده من كتب القوم شيء – كما يظهر من قراءة رسالته هذه – حتى يستطيع أن يعلم ما جهل، ويعرف ما لم يعرف، ثم يصل إلى الحكم فيهم، وفي عقائدهم ومذهبهم – { ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها .. } [سورة البقرة الآية286] – لأنه في كتيبه هذا.. لم ينقل عبارة واحدة من كتب القوم أنفسهم رأساً وبلا واسطة، اللهم إلا ما نقله من الذين كتبوا عنهم، نقلاً محضاً بدون تعقل ولا تبصر، مع ادعائه بأنه حقق آراءهم من أوثق المصادر لديهم [بين الشيعة وأهل السنة ص20 تحت عنوان "موضوع البحث وأغراضه"].
فإن كان قصده النقل المحض عن الآخرين الذين كتبوا عن الشيعة، فما فائدة كتاباته إذن، وكفى الله المؤمنين القتال؟
ومن غرائب الأشياء أن فضيلته يضع في آخر هذه الرسالة قائمة لأهم المراجع عن الشيعة، يذكر فيها كتباً كثيرة مع أنه – حفظه الله – لم ينقل عن واحد منها عبارة واحدة بلا واسطة، كما لم يرد ذكر لكثير منها في الكتيب ولو بواسطة، ولولا حسن ظني به حسب ما أمرنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام " ظنوا بالمؤمنين خيراً " [وقد قيل: إنه من قول عمر بن الخطاب. انظر: كتاب خطبه ووصاياه للدكتور محمد عاشور]. لذهب بي الخيال إلى افتراض دوافع كثيرة إجابة لأسئلة محيرة.. ما الذي جعل الشيخ يكتب كتيباً، ربما يقضي على كل ما كتبه سابقاً من الكتب القيمة – حسب رجائي وتمنياتي – وتركه من الآثار الطيبة؟، وما الدوافع إلى أن يهدم في عمره الأخير كل ما بناه في ماضيه وسالف أيامه وهو يعلم ما نبه الله المؤمنين العاملين عليه بقوله: { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً .. } [سورة النحل الآية92].(6/5)
وهذا هو حسن ظني به والذي يجعلني أقف منه موقف المعتذر عنه أن ما ذهب إليه في رسالته كلها، ما صدر منه.. إلا لعدم المعرفة والعلم بأشياء، هي ثابتة في كتب القوم وعقائدهم، وإن فضيلة الدكتور لم يبرئ ساحة الشيعة عن العقائد التي يعتقدونها، وعن الآراء التي يحملونها، ولم يدافع عنهم إلا عن جهل لا لشيء آخر – وإني لأعتذر عن هذه الكلمة الشديدة – لأنه لا يدفع الأوهام عنه إلا هذه الكلمة التي وإن كانت لكبيرة، فهي التي تدفع عنه الظنون والشبهات. في زمان كثرت فيه الأقلام المستأجرة وشاع فيه الكلام المأجور، وإلا فهل يتصور من عالم يعلم أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية أو الجعفرية كما يسميهم الدكتور وافي، ويعلم أسس شريعة الله التي جاء بها محمد صلوات الله وسلامه عليه ويعتقد بها المسلمون أي أهل السنة بالذات. ثم يكتب "بأن الخلاف بيننا وبينهم – مهما بدا في ظاهره كبيراً – لا يخرج في أهم أوضاعه عندنا وعندهم عن حيز الاجتهاد – المسموح به" [الرسالة المذكورة ص4]!.
فيا للسذاجة والطيبة، ويا للجهل وعدم معرفة الأمور، من رجل ذاع صيته وعمت شهرته، فمتى كانت الأحكام بهذه السذاجة وبهذه الطيبة؟ فهل يمكن لفضيلة الدكتور أو لغيره أن يثبت من كتاب واحد من كتب الشيعة، التي كتبت لبيان مذهب السنة، وتعريفه للشيعة، أن يكون الحكم فيه كهذا أو شبيهه في أهل السنة؟
كلا ورب الكعبة لم يصدر مثل هذا الحكم عن أهل السنة في كتاب شيعي على مر الزمان ومدى التاريخ، حتى ولا في كتاب دعاية كتب على التقية والمداراة والمسايرة!!.(6/6)
فما الذي دفع فضيلة الدكتور علي عبد الواحد وافي عضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع، بأن يكون اجتماعياً مع الذين لا يؤمنون بالاجتماع، وأن يدافع عنهم في بلدة سنية صانها الله وأهلها من النيل من كرامة خلفاء النبي الراشدين، الهداة المهديين، رفاقه الخيرة وأصحابه البررة، وأزواجه أمهات المؤمنين؟ البلاد التي وقاها الله وحفظها وطهرها من أناس طالما وقعوا في أسلاف هذه الأمة وقادتها وزعمائها، وطعنوا وما يزالون يطعنون في خيار خلق الله وصفوته، حملة هذه الشريعة المطهرة، ونقلة هذا الدين الحنيف، وحفظة القرآن، ورواة سنة نبينا المختار صلوات الله وسلامه عليه، نعم ماذا يريد فضيلته بدفاعه عن هذه الطائفة، الذين جعلوا القرآن عضين، ونبذوه وراء ظهورهم، واتخذوه مهجوراً؟ واعتقدوا بعدم حفظه وصيانته من وقوع التغيير والتحريف فيه، وكفروا جميع من نقلوا أخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس وحملوها إلينا، وجعلوا الكذب شعارً وديناً.
وكيف يسوغ له أن يبرئ ساحتهم من الاعتقادات التي يحملونها، ويدينون بها، وهي أساس مذهبهم وديانتهم، بكل سذاجة وبكل طيبة، وبكل جرأة؛ ملتمساً لهم الأعذار التي لم يلتمسوها لأنفسهم قط، ومخترعاً لهم المعاذير التي لم يرضوها لهم، في بلدة سنية خالية من الشيعة والتشيع بعد ما ذاقت الأمرين في عصر من ماضيها أيا تسلط طائفة [أي أيام الفاطميين الذين يذكرهم الدكتور وافي في كتيبه هذا بأنه لم يكن مذهبهم بعيداً كل البعد عن مذاهب أهل السنة، ولم تكن وجوه الخلاف بينه وبينهم لتزيد كثيراً عن وجوه الخلاف بين أهل السنة بعضهم مع بعض (ص15) وسيأتي بيان ذلك قريباً في محله إن شاء الله] منهم عليها، وشهدت مساجدها وجوامعها المجالس العديدة التي كانت توجه فيها للسباب والشتائم إلى سادة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ووزرائه وخلفائه على ملأ من الأشهاد، وعلى مرأى من المسلمين ومسمعهم؟(6/7)
هل عن قصد أو تعمد؟ – لا جعلنا الله نعتقد فيه هذا الاعتقاد – أم عن عدم فهم ومعرفة؟ – وهذا هو الظن الغالب – ولكن كان عليه أن يتعقل قبل الإقدام من عواقبه الوخيمة، ويتبصر في نتائجها السيئة حيث أن كثيراً من الشباب الذين يجهلون التشيع كلياً، ولا يعرفون حقيقته قليلاً أو كثيراً – سيقعون في شراكهم وحبائلهم الممدة والمنصوبة من كل ناحية وفي كل جانب لإيقاعهم فيها ولاصطيادهم، وخاصة في هذه الآونة الحرجة التي كثرت فيها الدعايات المزورة، ونشط فيها التبشير الشيعي، وازداد غزوه للبلاد السنية المسلمة وأهاليها، وكثرت فيها الأقلام المأجورة، وانتشرت فيها الكتب المشبوهة، مثيرة الشبهات والشكوك في عقيدة أهل السنة والجماعة، العقيدة المنقولة المتوارثة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعن أصحابه نقلاً متواتراً إلى يومنا هذا.
نعم! ماذا يقصد من وراء هذه الكتيبات والرسائل وأمثالها؟.. لقد كان المفروض أن يتنبه المسلمون، وشبابهم بالذات، إلى مفاسد هؤلاء الناس، وقبائحهم، وشنائع عقيدتهم، وفضائحهم التي ارتكبوها ضد المسلمين في مختلف العصور والدهور، وإن ما يجري الآن ضد المسلمين السنة في إيران من المظالم والاضطهادات راجع إلى أنهم لا يؤمنون بما يعتقده القوم، ومخالفتهم عقائدهم وأفكارهم التي يحملونها تجاه القرآن وحفظته، ونقلة سنته، وحاملي رايات الإسلام المظفرة المنصورة.(6/8)
نعم! ينبغي أن يكون هذا هو مقصد علماء السنة وكتّابهم لينبهوا من كان غافلاً، ويعلموا من كان جاهلاً، ويزيدوا معرفة من كان بصيراً، بدل أن يقربوا إليهم عقائدهم، وليهونوا عليهم مساويهم، ويحيبوا إليهم أضاليلهم وأباطيلهم، بل أنه يجب على علماء مصر عامة، وعلى علماء الأزهر خاصة – لما لهم من مكان القيادة الفكرية؛ والصدارة العلمية في العالم العربي بالذات – أن يقوموا بتبصير الناس بأمر الشيعة الذين بدأ خطرهم يزداد ويكبر، بعد تربع التشيع على عرش إيران، ووضع جميع الإمكانات والوسائل في سبيل نشره وتصديره خارج إيران، وإلى البلدان الإسلامية السنية خاصة، وبعد انخداع كثير من الشباب المسلم بثورتهم لعدم معرفتهم بحقائق الأمور وخفاياها، وأنها ثورة التشيع لا ثورة الإسلام، وأنها ثورة شيعية لا ثورة إسلامية، وبتعبير صحيح وصريح أكثر: إنها ثورة شيعية على الإسلام، تريد ابتلاع المسلمين خارج إيران، وإذابتهم داخلها، وكل من يتتبع أحداث إيران اليوم ووقائعها، يدرك تماماً ماذا يقصده القوم، وإلى ماذا يهدفون.
فالمظالم التي تصب على الأكراد، والفضائح التي ترتكب في بلو شستان، والدماء التي تراق في عربستان، والاعتقادات الواسعة التي تجري في تبريز وما حولها، ليست إلا وسيلة لإبادة أهل السنة نهائياً، أو لدمجهم في صفوف الشيعة دمجاً كاملاً.
ولم يأت على أهل السنة من المسلمين في إيران زمان أشد وطأة وأثقل ضربة من هذا الزمان، ولا أصعب وأعسر في الحفاظ على دينهم ومعتقداتهم، إلا ما نقل عن الصفويين، ولعله لم يكن ذاك الزمان يضاهي هذا الزمان ويوازيه، في ظلمه وقسوته، حيث لم يكن آنذاك وسائل الإبادة والتدمير كهذه، كما لم يكن سلب الأبناء من الآباء لإيداعهم المدارس الشيعية ومراكز التشيع من الصغر، كي لا يبقى عندهم أدنى معرفة وإلمام بمذهبهم، ومعتقداتهم.(6/9)
وما أشد بؤسهم وأسوأ حالهم لأن العالم الإسلامي السني في غفلة عما يجري على إخوانهم في إيران، وإنهم لصم وعمي عن صيحاتهم ونداءاتهم المتكررة لنصرتهم وإغاثتهم، وذلك أن القوم اجترءوا على غزو السنة خارج إيران، وفي بلدانهم، وعقر دارهم، وملئوا مدنهم وقراهم بمنشوراتهم الزائفة وكتبهم المزيفة، وزاد الطين بلة أنهم بدل أن يجدوا مواجهة من قبل علمائهم، لصد تيارهم الجارف، وصد هجومهم السافر، وجدوا ضمائر مبيعة، وأقلاماً رخيصة، وعقولاً مخدوعة إلا من رحم ربك، فطاروا مرحاً ونشاطاً وفرحاً وسروراً، وسهلت عليهم مهمتهم، وقربت إليهم أمنيتهم، فشمروا عن ساق الجد، واأسفا على تحقيق باطلهم، وتقاعس أهل الحق لتثبيت حقهم، والدفاع عن حوزة حرماتهم وعقائدهم.
فهل من مبصر يتبصر، وعاقل يتعقل، وعالم يعلم أنه لا يوجد في إيران كلها شخص واحد يستطيع أن يدعو الناس إلى السنة وعقائدهم، ولا من يقدر أن يمنع الشيعة عن غلوائهم في القدح والطعن في القرآن والسنة، وأصحاب رسول الله المبشرين بالجنة، وأزواجه أمهات المؤمنين بشهادة القرآن، بدل أن يدعوهم إلى التقارب والتحابب إلى أهل السنة، وإظهار القول بأن مذهبهم لا يخرج في أهم أوضاعه عن حيز الاجتهاد المسموح به؟!
فيا علماء مصر! رحمكم الله – ألا تخبرون الناس بما يكنه القوم في صدورهم من حقد وضغن وغل لهذه الأمة المجيدة وأسلافها؟ وما يكتمونه من البغضاء والعداء لتعاليم شريعتها الصحيحة، وإرشاداتها المستقيمة، الخالية من شوائب الشرك والوثنية، والصافية من أدران المجوسية واليهودية؟.
فهبوا يا علماء الأزهر.. بالواجب الديني والعلمي، الذي يحتم عليكم تنوير الرأي العام، وتبصير فكر المسلمين، بحقائق.. طالما خفيت على كثير من الناس، في زمن قلّ فيه المخلصون الغيورون، وعزّ فيه الوفاء، ورخص فيه بيع الضمائر والولاء.(6/10)
أليس من المعقول أن يدعى إلى التقارب قوم جعلوا الشتائم والسباب ديناً، واللعائن والمطاعن مذهباً، بدل ناس يرونها من أفسق الفسوق، وأفجر الفجور، وخاصة في أكابرهم وأئمتهم حيث أنهم لا يراعون – إلاّ ولا ذمة في أئمتنا وأسلافنا؟.
أليس من المحتم أن تكتب كتب، وينشر بينهم في بلادهم تبين لهم حقيقة المذهب الإسلامي السني، وقواعده وأسسه، التي عليها تركهم نبيهم وقائدهم محمد صلوات الله وسلامه عليه، ومن بعده خلفاؤه الراشدون المهديون؟.
وإنه لمن المؤسف حقاً أنهم بدلاً من أن يدعوا إلى ترك السباب والشتائم لحملة هذا الدين ورواده وقادة جيوشه المظفرة، وعساكره المنصورة الميمونة، والاعتقاد بالدستور الإسلامي، والناموس الإلهي، ورسالة الله الأخيرة إلى الناس كافة، والتمسك بسنة نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، أقواله وأفعاله وتقريراته، المنقولة عنه بواسطة أصحابه العدول، وتلامذته الصادقين المخلصين، وتجنب الإهانة والإساءة والقول الزور – بدلاً من هذا كله يدعى المسلمون أهل السنة إلى ترك عقائدهم ومعتقداتهم المستقاة من كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وترك الدفاع عن أعراض الصحابة وأمهات المؤمنين، وعن السلف الصالح، وعن بلادهم، لكي يفتحوا أحضانهم لاستقبال التشيع البشع، والشيعة الحاقدين الحانقين، ويدفعوا شبابهم وأبناءهم إلى السبئية الماكرة، واليهودية الأثيمة.
وأما نحن:
فالله يشهد إنا لا نحبهم ولا نلومهم إن لم يحبونا
ولا جعلنا الله من الذين يحبون من يبغضون أصحاب حبيب الله - صلى الله عليه وسلم - القائل فيهم: "من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم" [رواه أحمد، قال صاحب الفتح الرباني (22/169): أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه].(6/11)
ولا من الذين يشترون الحياة الدنيا وزخارفها، وأموالها الفانية، وشهرتها البائدة، ومديح طائفة منها، ورضاهم بالآخرة الباقية الدائمة، والضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة.
فالحمد لله.. لقد أدينا بعض ما يوجب علينا ديننا، ويحتم علينا ضميرنا، ويفرض علينا علمنا الضئيل، مع قلة حيلتنا، وقصور باعنا، وضعف إمكانياتنا، وبعدنا عن بلاد العروبة مهد الحضارات، وأيضاً من منزل الرسالة ومهبط الوحي، وفي بلاد أعجمية، رغم المتاعب والمشكلات التي نواجهها في الحصول على العلوم والمعارف وكتبها وخزائنها، فكتبنا أول كتاب في هذا الموضوع بعنوان (الشيعة والسنة) عام 1973م بعد ما ظهرت طلائع الغزو الشيعي الجديد في بلاد المسلمين آنذاك، فشكراً لله على نعمائه، فقد لقي ذلك الكتاب، مع صغر حجمه، الرواج والقبول من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - منقطع النظير، حيث صدر منه حتى الآن أكثر من نصف مليون نسخة باللغة العربية، ثم ترجم إلى جميع اللغات الحية التي ينطق بها المسلمون [مثل الإنجليزية والفارسية والأندونيسية والتايلاندية والهوسا، ولقد قامت إدارة ترجمان السنة بطبعها باللغة الإنجليزية والفارسية بالإضافة إلى العربية].(6/12)
ثم لما استولى التشيع المتعصب المحض على عرش إيران، استبشر المسلمون خيراً في كثير من أقطار الأرض وأطرافها، لعدم معرفتهم بحقيقة معتقدات القوم ونواياهم، ولكننا نحن بحمد الله وفقنا في حينه بوضع كتاب آخر جامع باسم (الشيعة وأهل البيت) تعرضنا فيه لبيان أهم معتقدات القوم من كتبهم الموثوقة، ومصادرهم المعتمدة، بذكر عباراتهم أنفسهم دون أدنى تغيير.. أو تبديل.. أو حذف.. أو نقصان.. متجنبين أبعاد هذه الثورة السياسية، قاصدين تبيين الحقيقة وتوضيحها، في إطار علمي بحت؟، وقصد هذا الكتاب أن يقوم بسرد الروايات الشيعية من كتب القوم أنفسهم، والاقتصار عليها دون الرجوع إلى كتب السنة، وإيراد أية رواية منها للاستدلال والاستنباط، كي نكون منصفين في الحكم، عادلين في الاستنباط والاستنتاج، فاستبشر به الغيورون من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والمحبون له خيراً.(6/13)
ولما ازداد الخطر، واستفحل الأمر، وزاد القوم في غلوائهم وعنترتهم والهجوم على عقائد السلف، والطعن في أسلاف هذه الأمة، كان علينا نحن أن نهب لخدمة العقيدة الصحيحة والتشرف بالدفاع عن الدين وعنهم فأضفنا إلى الكتابين كتاباً ثالثاً تحت عنوان (الشيعة والقرآن) لتبصير المسلمين، وتنوير رأيهم حول عقيدة الشيعة المتوارثة المنقولة عنهم، جيلاً بعد جيل، في القرآن المنزل من السماء، على قلب سيد البشر، بنفس الأسلوب وبنفس المنهج، الذي اخترناه في الرد عليهم، وعلى غيرهم من الفئات الباطلة المنحرفة، أي إدانة القوم بما في كتبهم أنفسهم وبعباراتهم هم، نقلاً عن مراجعهم الأصيلة، ومصادرهم الأساسية نقلاً مباشراً [لا كما فعله دكتورنا الفاضل عبد الواحد وافي؛ لأنه لم ينقل مجرد عبارة واحدة عن كتب القوم رأساً، بل كل ما نقله نقله عن الآخرين (دون تمحيص أو بصيرة)، كما سنثبته إن شاء الله في محله]، فأوردنا في هذا الكتاب أكثر من ألف حديث شيعي من مختلف مصادره ومنابعه وتعدد رواته ونقلته، كل هذه الأحاديث الكثيرة الكثيرة تنبئ وتنص على أن القرآن الموجود بأيدي الناس محرّف ومغيّر فيه، زيد فيه ونقص منه كثير، ثم انتظرنا برهة من الزمن أن يشاركنا أحد من العرب وخاصة من مصر، بلاد العلم والعلماء، ومن الأزهر بالذات، أكبر جامعة إسلامية وأم الجامعات الدينية، ولكن يا لهفتي على الجامعة الأزهرية التي أعقمت أن تنجب واحداً، نعم واحداً يتصدى للرد على الهجوم الذي يشنه الشيعة، ويا لهفتي على مصر أنها لم تلد واحداً يقف في سبيل غزوهم القارة الإفريقية، التي تحتل بموقعها الجغرافي والعلمي مكان الصدارة على بابها، ولذا فإن العبء الملقى على كواهلها لثقيل، والمسئولية عليها لكبيرة، لم أجد هذا، حتى بلغ السيل الزبى، بل وجدت من بين أبنائها، ورجالات فكرها من ينادي بعكس ذلك، ينادي بالوحدة معهم، والتقريب بين معتقداتهم وبين معتقدات أهل السنة، غافلاً عن خطورة(6/14)
الأمر وأضراره الجسيمة، وعواقبه الوخيمة، ناسياً ما يترتب عليه من المهادنة والهوان في سبيل العقيدة والدين، وجاهلاً بما تخفيه هذه الدعوة من الضرب والنقصان للطائفة الحقة المنصورة.. أهل السنة والجماعة: ".. يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً" [سورة مرين الآية23].
وعن أمثال هؤلاء الطيبين الأكارم اشتكى شاعر عربي قديم:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذن لقام بنصري معش خشن ... عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون عن ظلم أهل الظلم مغفرة وعن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته سواهم من جميع الناس إنسانا
وتمنى أن يكون له قوم بدل قومه:
" شنوا الإغارة فرساناً وركباناً ".
فهل يخبرني أحد من سادة الأزهر وعلمائه، ورجالات مصر ومفكريها وكتابها، ومؤرخيها وباحثيها! هل هناك كتاب في إيرانهم وعراقهم، أو في مجامعهم وجامعاتهم.. أعني الشيعة.. كتاب واحد كتب لتقريب الشيعة إلى أهل السنة ولتحريضهم على حبهم وودادهم؟..
هل من مجيب يجيب؟!!(6/15)
ولقد كتبت في كتابي الأول عنهم أعني كتاب: (الشيعة والسنة) سالف الذكر "ولقد بدأ الشيعة منذ قريب ينشرون كتباً ملفقة مزورة في بلاد الإسلام، يدعون فيها التقريب إلى أهل السنة، ولكن بتعبير صحيح يريدون بها تقريب السنة إليهم بترك عقائدهم ومعتقداتهم في الله، وفي رسوله، وأصحابه الذين جاهدوا تحت رايته، وأزواجه الطاهرات اللائي صاحبنه في معروف، وفي الكتاب الذي أنزله الله عليه من اللوح المحفوظ، نعم يريدون أن يترك المسلمون كل هذا، ويعتنقوا ما نسجته أيدي اليهودية الأثيمة من الخرافات والترهات في الله، بأنه يحصل له "البدا" وفي كتاب الله بأنه محرف، ومغير فيه، وفي رسول الله، بأن علياً وأولاده أفضل منه، وفي أصحابه حملة هذا الدين، أنهم كانوا خونة، مرتدين، مع من فيهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وأزواج النبي، أمهات المؤمنين، مع من فيهن الطيبة، الطاهرة، بشهادة من الله في كتابه، بأنهن خن الله ورسوله، وفي أئمة الدين، من مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، والبخاري، أنهم كانوا كفرة ملعونين – رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين -.
نعم يريدون هذا، وما الله بغافل عما يعملون [الشيعة والسنة ص6، 7-ط إدارة ترجمان السنة – لاهور باكستان].
ولكن تغيرت المقاييس الآن وانقلبت المفاهيم، فبدأ بعض علماء أهل السنة ينادون بهذه الدعوة.. أعني التقريب بين أهل السنة والشيعة.. ويرفعون شعارها، بدلاً من أن يردوا على ترهاتهم وخزعبلاتهم.. بل طالبوا بإقامة دور التقريب في مدنهم وبلدانهم، فوا عجباً من اجتماع أهل الباطل على باطلهم والإخلاص له، وتقاعس أهل الحق عن حقهم، وتخاذلهم عن نصرته.. ووا أسفا على محاماة أهل الحق عن آراء أهل الباطل، والدفاع عن عقائدهم الفاسدة، والتحمس في التماس الأعذار لهم تطوعاً، أو بغير تطوع، وبأخذ البديل والأجرة، أم دون أخذه تصدقاً عنهم، وتطوعاً ، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.(6/16)
هذا بالإضافة إلى أن الشيعة قادة وشعباً، عامة وزعامة، جهالاً وعلماء.. لا يخفون بغضهم لهؤلاء الطيبين وسادتهم، كلما سنحت لهم الفرصة، أو أتيح لم المجال، لأن مذهبهم ليس مبنياً إلا على مخالفة أهل السنة، نعم! إلا على مخالفة أهل السنة وعقائدهم وآرائهم، ومخالفة الأسس التي عليها يقوم مذهبهم، وشريعتهم التي جاء بها محمد صلوات الله وسلامه عليه.
ومن أجل هذا فالقرآن أنكروه، لأن أهل السنة يعتقدونه ويؤمنون به.
سنة النبي الكريم أنكروها، لأن أهل السنة يتمسكون بها.
وأصحاب محمد يكفرونهم، لأن أهل السنة يحبونهم.
وأزواج النبي يشتمونهن، لأن أهل السنة يعظمونهن ويجلونهن ويفضلونهن على أمهاتهن، لأنهن أمهات المؤمنين بنص القرآن.
ومكة والمدينة يكرهونهما، لأن أهل السنة يعتبرونهما أقدس بقاع الأرض وأطهرها في الكون.
والكذب يقدسونه، لأن أهل السنة يكرهونه ويهجرونه.
والمتعة يحلونها، لأن أهل السنة يحرمونها.
والرجعة يقرونها، لأن أهل السنة ينكرونها.
والبداء لله بمعنى الجهل يثبتونه، لأن أهل السنة يبرئون منها جنابه وجلاله.
والأوهام والخرافات والبدع والثونيات والشرك بالله كالاستغاثة بالقبور، والصلاة إلى الأضرحة، والنداء للأموات، والاستغاثة بالقبور، والطواف حولها والسجود عليها، وإقامة الأضرحة والقباب عليها وإقامة المآتم والمجالس.. كل تلك الأفعال الشركية يتشبثون بها، لأن أهل السنة يتبرءون منها، ويتنزهون عنها، ويجحدونها.
وسيأتي بيان هذه الأشياء كلها، إن شاء الله، مفصلاً مدعماً بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة، من كتب القوم أنفسهم، كل هذه الأعمال يأتون بها ويعملونها لأنها مخالفة لما يعتقد به أهل السنة، الذين يعتبرونهم العامة في اصطلاحهم – فعل اليهود حيث يعدون أنفسهم خاصة وغيرهم عامة – لأن الأصل في مذهبهم هو مخالفة المسلمين. وعليها قامت ديانتهم. وإليك بعض النصوص دليلاً على ما ذكرنا:(6/17)
يذكر الكليني أبو جعفر محمد بن يعقوب في صحيحه الذي قيل فيه: هو أجلّ أربعة الكتب الأصول المعتمد عليها، والذي لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول [الذريعة للطهراني ج17 ص245 –ط إيران].
والذي قال فيه قائمهم الغائب: كاف لشيعتنا [مقدمة الكافي ص25].
يذكر فيه عن جعفر بن محمد أن سائلاً سأله:
"جعلت فداك، أرأيت إن كان فقيهان عرفا حكماً من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟
قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد (وليس هذا فحسب)
فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟
قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل، حكامهم وقضائهم، فيترك ويؤخذ بالآخر [الكافي للكليني في الأصول، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث ج1 ص68].
فهذا هو مذهبهم، وهذه هي كراهيتهم للمسلمين، وهم على ذلك قائمون، وعلى نفس المنهج سالكون، ولكن بعض سفهاء أهل السنة يخدعون بلا سبب، ويطيلون بلا طلب، ولأجل ذلك كتب السيد الخميني، زعيم شيعة إيران اليوم مصرحاً بعد ذكر الروايات الكثيرة الكثيرة بخصوص مخالفة المسلمين مثل ما رواها ابن بابويه القمي في كتابه عن علي بن أسباط، قال: قلت للرضا – الإمام الثامن عند القوم – عليه السلام: يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك؟ قال: ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه، فإن الحق فيه" [رسالة التعادل والترجيح للسيد الخميني ص82- ط إيران].
ورواية أخرى عن الإمام المعصوم أنه قال:
"ما أنتم على شيء مما هم فيه، ولا هم عليه شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء" [رسالة التعادل والترجيح للسيد الخميني أيضاً من 83].(6/18)
ومثله ما رواه عن جعفر أنه قال في جواب من سأله: يرد علينا حديثان: واحد يأمرنا بالأخذ به، والآخر ينهانا عنه، قال: لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله. قلت: لا بد أن نعمل بواحد منهما. قال: خذ بما فيه خلاف العامة" [رسالة التعادل والترجيح للسيد الخميني ص83].
هذا.. ومثل هذا.. كثيرا!!..
قال هذا.. وهو رجل سياسي، والسياسة تتطلب المماشاة والمداراة ولكنه يقول لاطماً خدود الطيبين، محبي الوحدة، ومنادي التقريب، ليفيقوا من سكرتهم، يقول:
"فتحصل من جميع ما ذكرنا من أول البحث إلى هنا أن مرجح النصوص ينحصر في أمرين: موافقة الكتاب والسنة، ومخالفة العامة" [رسالة التعادل والترجيح للخميني ص83].
فهل من مستفيد يستفيد؟ وهل من مستفيق يستفيق؟ أم هم في غفلة يعمهون؟!
وأما نحن يا علماء مصر! ويا علماء الأزهر! فلسنا من قوم عيسى بأن نقدم الخد الأيسر لمن يصفع الخد الأيمن، فهل أنتم منتهون؟:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
{ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } [سورة المائدة الآية45].
وأنت يا فضيلة الدكتور! عليك أن تفهم أن التوادد والتحابب والتقارب من باب التفاعل، والذي يلزم حصوله من الطرفين، ولا يحصل من طرف واحد، وكيف وهم ينصون على أن الحب، أيها الطيبون، لا ينبغي أن يكون إلا من طرفكم أنتم، وأما نحن ففي طرف على رأسه لافتة "ممنوع الدخول، اتجاه واحد".
فلا تتمن أن تصل إلى قلوبهم وتدخل في أعماقهم، وأما أنت فلك الخيار فتفتح قدر ما تشاء وتوصلهم إلى ما تشاء، ولو إلى سويدائها.
وما انشغالك بهم يا طيب القلب؟(6/19)
أتريد أن ترضيهم بحبك لهم، وبموافقتك إياهم في أباطيلهم وأضاليلهم، والدفاع عن أكاذيبهم وافتراءاتهم على الله والقرآن والرسول، وهم مع ذلك لا يريدون إلا مخالفتك في كل ما تعتقده وتؤمن به، وما أظنك كنت تدري هذا، وإلا ما جرى قلمك ليقلب الصدق كذباً، والكذب صدقاً، وليكتب الحق باطلاً، والباطل حقاً:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظم!!
فسامحكم الله أيها الأخوة الطيبون، وإن كنتم لم تقرءوا كتبي الثلاثة المذكورة آنفاً وكتابي الجديد (الشيعة والتشيع فرق وتاريخ) الذي بينت فيه عقائد الشيعة الاثنى عشرية، الذين في أمثالهم قال علي رضي الله عنه أمير المؤمنين، والرواية في أصح الكتب عندهم:
"لو ميزت شيعتي لما وجدتهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد" [الكافي للكليني، كتاب الروضة ج8 ص338 ط إيران].
والكتاب لذي وضح للناس موقف الشيعة من المسلمين، واعتناقهم عين تلك الآراء والأفكار التي روجها ابن سبأ اليهودي الماكر الخبيث بفرض إمامة علي، وإظهار البراءة من أعدائه المزعومين، من أبي بكر وعمر وعثمان وكافة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضوان الله عليهم أجمعين، وتكفيره إياهم، وقوله بالوصاية والولاية والغيبة والرجعة وغير ذلك من الخرافات والترهات، كما أوضح الكتاب لكثير من الغافلين أن كل ما كان يعد غلواً في الماضي صار من لوازم مذهب الشيعة الاثنى عشرية اليوم، وحتى الدكتور وافي الذي يخطئ شيخ الإسلام ابن تيمية [انظر: رسالته ص11] لعدم معرفته للأمور ووضعها في نصابها، لا يعلم أن كل ما ذكره شيخ الإسلام حق لا محيص عنه كما سنبينه مفصلاً عند ذكر أخطاء فضيلته.(6/20)
نعم! كان من الواجب عليكم أن تقرءوا ما كتبه بنو جلدتكم وسلفكم أمثال السيد الجليل الشيخ محمد رشيد رضا منشئ "المنار"، والبحاثة المحقق السيد محب الدين الخطيب صاحب "الفتح" تغمدهما الله برحمته وغفرانه، والرسالة الأخيرة مشهورة معروفة، وموجودة منتشرة في مصر وخارجها (الخطوط العريضة).
وإليكم ما كتبه السيد محمد رشيد رضا:
"إني شديد الحرص على هذا الاتفاق (بين السنة والشيعة) وقد جاهدت في سبله أكثر من ثلث قرن ولا أعرف أحداً من المسلمين أو أظن أنه أشد مني رغبة وحرصاً على ذلك، وقد ظهر لي باختياري الطويل أن أكثر علماء الشيعة يأبون هذا الاتفاق أشد الإباء إذ يعتقدون أنه ينافي منافعهم الشخصية من مال وجاه، وقد تكلمت في هذا مع كثيرين في مصر وسورية والهند والعراق، مما علمته بالخبر والتجربة أن الشيعة أشد تعصباً وشقاقاً لأهل السنة.. وقد نشطوا في هذا العهد لتأليف الكتب والرسائل في الطعن على السنة والخلفاء الراشدين الذين فتحوا الأمصار ونشروا الإسلام في الأقطار، والطعن على حفاظ السنة وأئمتها وفي الأمة العربية بجملتها" [مجلة المنار نقلاً عن تاريخ الصحافة الإسلامية لأنور الجندي الجزء الأول ص139 ط دار الأنصار بالقاهرة].(6/21)
ويقول أيضاً: "إننا لا نعرف أحداً من علماء أهل السنة المتقدمين، ولا المعاصرين يطعن في أحد من أئمة آل البيت عليهم السلام كما يطعن هؤلاء الروافض في الصحابة الكرام ولا سيما أبي بكر وعمر وفي أئمة حفاظ السنة كالبخاري والذهبي وابن حجر وغيرهم فإنهم يعدونهم من النواصب لعدم موافقتهم لجهلة الروافض على ما يفترونه من الغلو في مناقب آل البيت وقد أغناهم الله عن اختلاق المناقب لهم لكثرة مناقبهم الصحيحة الثابتة بالنقل الصحيح، أما النواصب فهم أولئك الخوارج اللذين يبرءون من علي كرم الله وجهه" [مجلة المنار م31 ص290، نقلاً عن تاريخ الصحافة الإسلامية لأنور الجندي الجزء الأول الفصل الرابع ص140 – ط دار الأنصار بالقاهرة].
فما أصدق السيد! وما أعرفه بهم!.
وأخيراً يتحدث عن الشيعة بقوله:(6/22)
"إنهم كانوا أشد النقم والدواهي التي أصيب بها الإسلام، فهم مبتدعو أكثر البدع الفاسدة التي شوهت نقاءه، وهم الذين صدعوا وحدته، وأضعفوا شوكته، وشوهوا جماله، وانتقصوا كماله، وجعلوا توحيده وثنية، وأخوته عداوة وبغضاء، وبثوا فيهم فتنة عبادة أناس لأجل أنسابه، وتقديس عداوة وبغضاء، وبثوا فيهم فتنة عبادة أناس لأجل أنسابهم، وتقديس أناس لأحسابهم وجعل سعادة الدنيا والدين بوساطتهم عند الله، وتأثيرهم في علمه وإرادته على ضد عقيدة القرآن من كون الخالق تبارك وتعالى لا يطرأ على صفاته تأثير من المخلوق، وجميع الفرق التي ارتدت عن الإسلام من القرون السابقة كانت من غلاة الشيعة [ملحوظة: إن السيد رشيد رضا يقصد من الغلاة الاثنى عشرية، كما يقصد من المعتدلين الزيدية (المصدر السابق ص144)] فمنهم جميع الفرق الباطنية الذين كانوا يلبسون لباس المسلمين ويظهرون التمسك به لتقبل دعايتهم.. كذلك كان غلاة الشيعة مثاراً لأفظع الكوارث التي هدت قوى الإسلام وزعزعت الخلافة العباسية ودمرت الحضارة العربية التي كانت زينة الأرض وفخار أهلها، وهي كارثة التتار، كما كانوا أولياء وأنصاراً لأعداء المسلمين وإنهم أشد عداوة لهم وفتكاً بهم لإسلامهم حتى الصليبيين.
ووجهت العداوة الشيعية إلى أهل السنة خاصة، وزال ملك العرب من بلاد الفرس، وصار السلطان فيه للترك، فاتصل ما كان من عداوتهم للعرب إلى الترك، على اختلاف طوائفهم.. وصارت السنة في بلاد إيران أضعف من المجوسية، وقد ثبت شيعة إيران مذهبهم في عرب العراف حتى كاد يكون أكثر البدو لهم يقيمون مآتم الإمام حسين ويلعنون أبا بكر وعمر عليهما أفضل الرضوان.. فالشيعة كلهم دعاة إلى مذهبهم حتى النساء" [المنار نقلاً عن تاريخ الصحافة الإسلامية لأنور الجندي ص141، 142].(6/23)
هذا ما كتبه علم شامخ من أعلام مصر في مجلته الشهيرة التي طبق صيتها الآفاق، فليتأمل فيها الكاتبون المصريون، ولينظروا ما كتب أسلافهم في هذا المضمار قبل الإقدام على الكتابة عنهم دون علم أو بصيرة، ودون فقه أو معرفة أو إدراك، غفر الله خطايانا وخطاياهم.
وكل ما كتبه السيد ليس بجديد ولا بعجيب، بل هو الحق وعين الحق تنضح به كتبهم ومصادرهم، والفقرة الأخيرة هو عين ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه في فتاواه [انظر: لذلك فتاوى شيخ الإسلام ج28 ص478، 479].
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
ولا أدري كيف خفي كل هذا على من ينادي بدعوة التقريب من أهل السنة وفي بلاد السنة، ويدافع عنهم، ويحبب إلى الناس مذهبهم، ويزينه في قلوبهم، وكيف خفي هذا كله على من يدعي بأنه حقق موسوعة بن خلدون التاريخية وعلق عليها: { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } [سورة آل عمران الآية8].
ربنا لا تهلكنا: { . . بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك.. } [سورة الأعراف الآية155، 156].(6/24)
ولا يخطر ببال أحد أننا من دعاة الطائفية أو التفرقة، وحاشا لله أن نكون كذلك، لأننا لم نقصد بهذا الكاب ولا بالكتب الأخرى التي كتبناها سواء عن الشيعة، أو عن الفرق الباطلة المنحرفة الأخرى.. أن نثير عواطف الناس ونحرضهم على قتال بعضهم بعضاً، ومحاربة الواحد الآخر، كما لم نرد أن نفرق كلمة جامعة، بل كل ما قصدنا من هذا أن نكون على بينة من الأمر وأن نعطي كل ذي حق حقه، وأن لا نخدع ولا نباغت من أحد لأننا نعلم وندرك يقيناً بأن الحق لا يتعدد، وإن التعدد من لوازم الباطل، فالحق واحد وهو ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، حسب ما ذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثه المشهور: "ستفترق أمتي إلى ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي" [أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد والحاكم].
فليتنا أن لا نغرق في الدعوات الزائفة والشعارات المزيفة، وأن نتمسك بكتاب ربنا جل جلاله وعم نواله وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وسلم، متمثلين بقوله: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مسكتم بهما، كتاب الله وسنة نبيه" [انظر: موطأ الإمام مالك والحاكم في مستدركه واللفظ للموطأ].(6/25)
إننا لسنا بدعاة تفرقة أو طائفية، ولكننا ضد الطائفية كلها، داعين الناس أن يتركوا كل العصبيات وكل التحزبات إلا حزب الله وحزب رسوله: { . . ألا إن حزب الله هم المفلحون } [سورة المجادلة الآية22]، وإلا العصبية لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن نعرض جميع خلافاتنا على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فمن يوافقه الكتاب أو تناصره السنة نؤيده ونتبعه، ومن يخالفه الكتاب وتخذله السنة، نخالفه ونخذله، وهذه هي الدعوة الحقة التي لأجلها أرسل الرسل وأنزلت الرسالة، وهذا هو الصراط المستقيم الذي دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس كافة بأمر من الله عز وجل، { ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } [سورة الأنعام الآية153].
فمنع الناس عن اتباع السبل ليس بتفرقة، ودعوتهم إلى الصراط المستقيم ليست بطائفية، بل هذه هي سبيل الله المختارة التي أمر الله نبيه وأتباعه بالدعوة إليها.
وإن اختلف بها المختلفون، وانزجر عنها المنزجرون، واعترض عليها المعترضون، وعاب عليها العائبون والمنتقدون.
{ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن ابتعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } [سورة يوسف الآية108.
{ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } [سورة الحجر الآية 94].
{ ودوا لو تدهن فيدهنون * ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع للخير معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين } [سورة القلم الآية9-15].
{ وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون * إن ربك هو أعلم بمن يضل عن سبيل وهو أعلم بالمهتدين } [سورة الأنعام الآية116-117].(6/26)
فنحن دعاة الوحدة التي لا تحصل بالكلمات الفارغة، والنعرات الرنانة الطنانة، والأقلام المأجورة، والألسنة المستأجرة، والضمائر المشتراة، والآراء المستعارة، ولا تتأتى بالأحلام الوهمية والأمنيات الخيالية، بل تتأتى وتحصل بتحكيم شرع الله في الخلافات والنزاعات، وفي المناقشات والمناظرات { . . فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } [سورة النساء الآية59].
فعندئذ يكمل الإيمان، ويحسم النزاع، ويرتفع الخلاف: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } [سورة النساء الآية 65].
ومن علائم الإيمان ألا يكون عصبية لحزب وجماعة، وتحزب لطائفة وفرقة بعد حصول قضاء الله وثبوت حكم رسول الله: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } [سورة الأحزاب الآية36].
هذه هي الوحدة الحقيقية التي تحصل بوحدة الفكر والعقيدة، وبوحدة الأصول والقواعد المبنية على كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وعن آخذيها والمشبثين بها عبر القرآن في قوله تعالى: { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } [سورة الأنبياء الآية92].
وأما فيما دون ذلك فلن تتحقق تلك الأمنية، ولن نصل إليها.(6/27)
فنحن دعاة الحق إن شاء الله، لدعوتنا إلى كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، لا إلى أقوال العلماء وآراء الرجال، أياً كانوا، وأينما كانوا، ومهما بلغو من المكانة السامية والشأن الرفيع، فكل مأخوذ من قوله ومردود عليه، إلا الناطق بالوحي صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذي تركنا على المحجة البيضاء، التي ليلها كنهارها، لا يضل سالكها ولا يهتدي تاركها، والسالكون على هذا المنهج القويم، والمنتهجون هذا الصراط المستقيم هم الطائفة المنصورة التي أخبر عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة" [مسلم وأحمد وأبو داود والحاكم وابن ماجة وابن حبان والسيوطي في الفتح الكبير واللفظ له].
فالطائفي هو الذي يدعو إلى طائفته وحزبه، ويأمر الناس باتباع رجال لم ينزل الله بهم من سلطان.
والفرقي هو الذي ينادي الناس إلى فرقته ونحلته ويأمر الناس بترك الجماعة.
وأما الذي يدعو إلى الجماعة، وإلى الصراط المستقيم، وإلى كتاب الله وهدي رسول الله، ويحذرهم من التفرقة واتباع سبيل غير سبيل المؤمنين، ويمنعهم عن التفرق في السبل الملتوية المعوجة كي لا يضلوا فيها، ويخبرهم عن سوء العواقب وشر النتائج.. أما مثل هذا الداعي فليس منهم، وبالرغم من أنه هو الداعي إلى الجماعة، الذي من شذ عنها شذ في النار.
فيجب تصحيح المفاهيم والانتباه إليها فرب كلمة حق أريد بها الباطل، ولأنه لو كانت التفرقة بين الحق والباطل شيئاً مذموماً، وتبين الرشد من الغي شيئاً منكراً لما أخبرنا الله عن أنبيائهم بأنهم كلما جاهروا بالحق، وأبطلوا الباطل اختلف الناس: { ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون } [سورة النمل الآية45].(6/28)
و { . . . قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } [سورة البقرة الآية 256].
وبين سبب بعثة رسله بقوله: { . . . ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة . . } [سورة الأنفال الآية42].
وأمر نبيه أن يقول: { لكم دينكم ولي دين } [سورة الكافرون الآية6].
فالمفرقون والطائفيون هم الذين يسلكون سبيلاً غير سبيل المؤمنين، وينهجون منهجاً غير منهج المؤمنين، ويدعون الناس إلى ولاية أشخاص وتقليد أناس لم يأمرنا الله به في صميم كتابه، ولا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثابت من سنته!!..
وأما الدعاة إلى الله وحده، والتوحيد الخالص، ونفي الإشراك بالله صغيراً أم كبيراً، جلياً أم خفياً، وإلى اتباع رسول الله في كل ما ثبت عنه من قوله وفعله وتقريره، فهم الدعاة إلى الوحدة الحقيقيون مهما تقول المتقولون، وتطول المتطاولون.
فهذا آخر ما كنا نريد التنبيه عليه في هذا المضمار.(6/29)
ولقد طال بي الكلام وتشعب بي الحديث والحديث ذو شجون، والسبب في هذا تلك الرسالة (بين الشيعة وأهل السنة) للدكتور علي عبد الواحد التي وقع نظري عليها – ويا ليتني لم أرها – لقد قرأت هذا الكتيب – ويا ليتني لم أقرأه – ولم أتركه حتى انتهيت منه، فتألمت كثيراً لما فيه من الأخطاء الفاحشة، والمغالطات الظاهرة، والعوار البين، والزلات الكثيرة، والحكم غير الصحيح، المبني على نهج غير موضوعي ولا علمي، اللهم إلا ما يبدو بأن فيه إغضاباً لجهة تأذى منها مؤلفه، أو إرضاء جان رضي عنه. اللهم لا تجعلنا من الذين يسيئون الظن بعبادك – وإن بعض الظن إثم – ولا تجعلنا من الظالمين في الحكم، فشغلني هذا الكتيب وألهاني عما كنت في صدده من البحث والتنقيب في الكتب الإسماعيلية والوثائق الفاطمية، ولم يبق بيني وبين المغادرة من مصر إلا ليلة واحدة حيث أنوي السفر منها إلى تونس، ومن تونس إلى المغرب، ماراً على اسكوريال بأسبانيا، وباريس بفرنسا إلى لندن بإنجلترا، وراء مقصدي وهدفي.
ولكنني لم أشأ أن أخرج من مصر ولا أفي بحقها، ولا أتطرق إلى هذه الرسالة التي أرى من الواجب الديني والمحتم العلمي بأن أتطرق إليها ولو تطرقاً طفيفاً يسيراً، وأن لم بها ولو إلمامة خفيفة سريعة، فأجلت سفري يومين لعل الله أن يوفقني لأن أوفي للدكتور وافي حقه، وأنبه على أخطائه التي وقع فيها فضيلته بدون قصد ولا عمد منه – إن شاء الله -. ولو أنني لا يحضرني في هذه الغربة كثير من المراجع والمصادر إلا أن أملي وثقتي بالله كبيران بأنه لا ينقصني في الرد عليه شيء أحتاج إليه بفضله ومنه وإحسانه.(6/30)
وإنني لأحاول في هذه العجالة ألا ينفلت زمام قلمي من يدي، وألا أكون إلا واقعياً موضوعياً في تحري الحقيقة وتبيينها لفضيلة الدكتور، ولمن قرأ رسالته، وللناس أجمعين، بدون تعصب ولا تحيز، وسوف أقسم البحث حسب تقسيم الدكتور في رسالته، وأضيف قبله فصلاً واحداً أبين فيه أخطاء فضيلته البديهية التي وقع فيها، وإنني لمستغرب فعلاً كيف أنها صدرت عنه. وسبحان الذي لا ينسى، وما من كاتب إلا وقد أخطأ، وما من قائل غلا وقد غلط ولغا، وما من ناطق إلا وقد ضل واهتدى، اللهم إلا المعصومين من خلقه، أنبياء الله ورسله، الذين ختمهم بخاتم المعصومين، سيد المرسلين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - ، المشهود له بالعصمة في قوله تعالى: { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } [سورة النجم الآية3، 4 } .
وأدعو الله العلي القدير أن يوفقني لأداء هذه المهمة خلال يومين قبل مغادرتي مصر الطيبة، وأن يلهمني الرشد والصواب.
وأخيراً أتوجه إلى علماء مصر والأزهر خاصة، مهيباً بهم داعياً إياهم أن يقوموا بواجبهم الديني ودورهم الذي تحتم عليهم دفاعاً عن شريعة الله ودينه الذي ارتضاه لنفسه، دين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
لقد قدمنا ما كان في وسعنا وذخرنا مع أننا جئنا إلى مصر ببضاعة مزجاة، فعليهم أن يوفوا الكيل ويتصدقوا بعلمهم على المسلمين، ويردوا عنهم كيد المبطلين المنتحلين، والله ولي النعم وهو ملهم التوفيق، وصلى الله على رسوله خير خلقه محمد، وعلى آله وأزواجه وأصحابه الأخيار ومن تبعهم إلى يوم الدين.
إحسان إلهي ظهير
القاهرة
ليلة الخميس 26 ذي القعدة سنة 1404ه
الموافق 24 أغسطس سنة 1984م
الباب الأول
مغالطات الدكتور وافي وأغلاطه(6/31)
قبل أن ندخل في صميم الموضوع ونناقش الآراء التي أظهرها الدكتور علي عبد الواحد وافي في رسالته (بين الشيعة وأهل السنة) نريد أن نلفت أنظار القراء والباحثين إلى أن الدكتور أخطأ فيها أخطاء فاحشة لا يتصور صدورها عن مثله غي ما بدر منه الخطأ في الفهم، ثم بناء على ذلك الخطأ في الحكم. ولعله لم يكتب هذه الرسالة بعد المطالعة والاستقراء، والتعمق في البحث، والتروي في التفكير، والتريث قبل الحكم. ولأجل ذلك ظهرت وكلها خطأ على خطأ، بل لقد تضمنت بعض الأخطاء البديهية التي لا يقع فيها من له إلمامة بسيطة بالتاريخ بخلاف سقطاته في العقائد. فكيف يقع فيها شخص حقق "مقدمة ابن خلدون وتاريخه ثلاثة أجزاء بها نحو ثلاثة آلاف تعليق وتمهيد في نحو ثلاث مائة صفحة من القطع الكبير" حسب ما ذكره فضيلته في آخر رسالته، وكما أشار إليه داخل الكتاب أثناء تعليقه على بعض الفقرات؟
ولقد أخبرت من بعض المحبين لي وله، ممن أثق في صدقه ودينه، بأنه رأى الدكتور وهو يشتغل بهذا الكتيب ولولا ذلك ما كنت لأثق بأن الكتاب من تأليفه، وتيقنت بأن شخصاً له أطماع وأغراض أو مقاصد ومطالب. . استغل اسم فضيلته الكبير، ووضعه على هذا الكتيب، وإلا فكيف يعلل هذه الأغلاط الكبيرة التي ازدانت بها كل صفحة من صفحات هذا الكتيب الصغير؟! وإن لله عجائب في خلقه وقدرته وقضائه وقدره.
فمثلاً يقول الشيخ في تمهيد الكتيب عندما يلقي نظرة مجملة في التعريف بالشيعة الجعفرية.
"النص على الإمام الأول وهو الإمام علي قد جاء في اعتقادهم بوصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وأما الأحد عشر إماماً من بعده فقد استحق كل منهم الخلافة بوصية من الإمام السابق له، وكان كل منهم الابن الأكبر للإمام السابق ما عدا الحسين. . . وما عدا موسى الكاظم فإنه كان الابن الثاني للإمام السابق له وهو جعفر الصادق، واستحق الخلافة لموت أخيه الأكبر إسماعيل قبل وفاة أبيه" [بين الشيعة وأهل السنة ص6، 7].(6/32)
ومحل الشاهد أن موسى الكاظم كان الابن الثاني لجعفر الصادق.
ومن لا يدري غير فضيلة الدكتور أن موسى الكاظم لم يكن الابن الثاني لجعفر بن الباقر، ولم يكن هو الأكبر بعد أخيه الذي توفي في حياة أبيه الجعفر، بل كان هناك من يكبره من إخوته.
وإليكم الشهادة على صحة ذلك من الشيعة أنفسهم، بل ومن كبار الشيعة وقادتهم وأئمتهم في الرجال والتاريخ، فيذكر الكشي أبو عمرو ومحمد بن عمر ابن عبد العزيز في كتابه (معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) المعروف برجال الكشي تحت عنوان الفطحية:
"هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد . . . والذين قالوا بإمامته عامة مشائخ العصابة وفقهائها، مالوا إلى هذه المقالة، فدخلت عليهم الشبهة لما روى عنه (يعني أئمتهم) عليهم السلام أنهم قالوا: الإمامة في الولد الأكبر من الإمام إذا مضى إمام" [رجال الكشي ص219 ط كربلاء].
هذا ولقد يذكر مثله محمد بن محمد بن النعمان العكبري المتوفى سنة 413ه الملقب بالمفيد، الذي يقولون عنه: إن غائبهم المزعوم هو الذي لقبه به [معالم العلماء ص101 – ط إيران] وإليه انتهت رئاسة الإمامة في وقته [روضات الجنات للخوانساري ج9 ص153 –ط إيران] وكان له لقاءات مع غائبهم الموهوم [مقدمة الإرشاد ص4 –ط إيران] يقول هذا المؤرخ الشيعي الكبير في كتابه الذي كتبه في ذكر أئمته:
"وكان عبد الله بن جعفر أكبر إخوته بعد إسماعيل. . . وادعى بعد أبيه الإمامة، واحتج بأنه أكبر الإخوة الباقين، فاتبعه على قوله جماعة من أصحاب أبي عبد الله (أي جعفر) عليه السلام. . . ودانوا بإمامة عبد الله بن جعفر، الطائفة الملقبة بالفطحية" [الإرشاد للمفيد ص285، 286].(6/33)
وهذا الأمر لا يختلف فيه اثنان، ولا يتناطح فيه كبشان، وهو متفق عليه بين الشيعة والسنة، وكل كتب التاريخ تنص على ذلك، ولكن لا ندري من أين جاء الدكتور الفاضل بمعلوماته الجديدة "أن موسى الكاظم كان الابن الثاني للإمام السابق له، وقد استحق الإمامة لكبره بعد موت أخيه إسماعيل" وقد أعاد نفس هذا الكلام في رسالته في الباب الرابع صفحة 73 و74.
هذا ما لم يستطع الشيعة أنفسهم التقول به مع تضايقهم وتحرجهم من مواجهة هذا الإيراد والاعتراض: "كيف تحولون الإمامة من عبد الله بن جعفر بعد موت الإمام جعفر الصادق وهو أكبر أبنائه بعده، مع زعمكم بأن الإمامة في أكبر الأبناء؟ كما روى الكليني في كافيه عن جعفر أنه قال: إن الأمر في الكبير" [الكافي في الأصول، كتاب الحجة ج6 ص357 –ط إيران].
وبذلك احتج عبد الله على مخالفيه بأنه أكبر الأخوة الباقي، فاتبعه على قوله جماعة من أصحاب جعفر كما ذكرناه آنفاً نقلاً عن الشيعة أنفسهم.
وهذا هو الإيراد الذي أوردناه نحن في كتبنا "الشيعة والتشيع فرق وتاريخ" [ص227، 228] ولم يستطيعوا الجواب عليه، ولعلي لا أخطئ حسب ما أتذكر دون المراجعة لكتب الشيعة لعدم وجودها عندي ههنا إذا قلت: إن موسى هذا كان الابن الرابع لجعفر بن الباقر، وكان يكبره أيضاً بعد إسماعيل وعبد الله، محمد بن جعفر الذي خرج أيام المأمون ودعا الناس إلى نفسه وبايع له أهل المدينة بإمرة المؤمنين" [مقاتل الطالبين للأصفهاني ص357، تاريخ بغداد للخطيب ج2 ص114، الإرشاد المفيد وغيرها من الكتب].
هذا. . ومثل هذا ما ذكره فضيلته في الكلام عن الإسماعيلية:
"وقد انتهت رئاسة الشيعة الإسماعيلية إلى أغا خان وإلى ولديه من بعده" [انظر: ص16 من رسالته "بين الشيعة وأهل السنة"].(6/34)
مع أن كل من يعلم ومن لا يعلم يعرف أن أغا خان حرم ولديه "علي" و"صدر الدين" من رئاسة الإسماعيلية وإمامتها، ووضعها في حفيده كريم خان زعيم الإسماعيلية الحالي الموجود، ونفذت وصيته عند وفاته وكان ذلك في حياة ابنه علي خان والد كريم خان الذي مات بعده بسنوات في حادث اصطدام سيارته مع إحدى الممثلات الراقصات، وابنه الثاني صدر الدين عم كريم خان الذي لا زال حياً موجوداً.
وكذلك قول فضيلته:
"اسم الرافضة، وهو لقب تطلقه الفرق الأخرى عليهم، وخاصة أهل السنة، وهو الذي يستخدمه شيخ الإسلام ابن تيمية في مؤلفاته" [الرسالة المذكورة ص9، 10].
يدل أيضاً على عدم معرفة الكاتب لكتب الشيعة أنفسهم لأن الفرق الأخرى لم تسمهم بهذا الاسم وخاصة أهل السنة، وأخص بالذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه، بل الله سماهم بهذا الاسم كما ورد في بخاري القوم:
"عن محمد بن سليمان عن أبيه أنه قال: قلت لأبي عبد الله – جعفر الإمام السادس المعصوم حسب زعم القوم -: جعلت فداك فإنا قد نبزنا نبزاً [النبز: أن تنادي أخاك بلقب يكرهه] أثقل ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستحلت له الموالاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام:
الرافضة؟
قلت: نعم.
قال: لا والله ما هم سموكم . . . ولكن الله سماكم به" [الكافي للكليني كتاب الروضة ج5 ص34 – ط طهران].
وأعود لأسأل: وماذا يقصد فضيلته من قوله:
"ويرجع السبب في إطلاق هذا اللقب عليهم أنهم رفضوا الإمام زيد بن علي بن زين العابدين لمخالفته لهم في بعض ما يذهبون إليه في شؤون السياسة" [بين الشيعة وأهل السنة ص10]؟!
هل هذه محاولة عن قصد وعمد لتبرئة القوم من الشناعة التي لزمتهم بأن الشيعة لم يرفضوه لمخالفته لهم في بعض ما يذهبون إليه في شئون السياسة، بل رفضوه لأنه لم يرض أن يشتم ويطعن في أبي بكر وعمر؟! إذن إليك ما يرويه الشيعي مرزا تقي خان في كتابه الكبير في التاريخ بالفارسية:(6/35)
"إن ناساً من رؤساء الكوفة وأشرافها الذين بايعوا زيداً حضروا يوماً عنده وقالوا له:
رحمك الله . . ماذا تقول في حق أبي بكر وعمر؟
قال: ما أقول فيهما إلا خيراً، كما لم أسمع فيهما من أهل بيتي (بيت النبوة) إلا خيراً، ما ظلمانا ولا أحداً غيرنا، وعملا بكتاب الله وسنة رسوله.
فلما سمع منه أهل الكوفة هذه المقالة رفضوه.
فقال زيد: رفضونا اليوم، ولأجل ذلك سموا بالرافضة" [ناسخ التواريخ للميرزا تقي خان الشيعي ج2 ص590 تحت عنوان أحوال الإمام زين العابدين].
فلم يرفضوه يا سيدي الدكتور لمخالفته لهم في بعض ما يذهبون إليه في شئون السياسة كما أردت إفهام ذلك للناس!!.
أو فهمته خطأ بغير عمد ولا قصد، فسامحك الله إذن.
وما أكثر ما أخطأ فهمك، وضل عنك رشدك، وخانك علمك في هذا الكتيب الصغير، فرحماك يا رب!
وزيد بن علي هذا لم يكن رجلاً عادياً حتى في نظر الشيعة أنفسهم حيث يلقبونه "بحليف القرآن" [انظر: الإرشاد للمفيد ص268 تحت عنوان ذكر أخوة الباقر].
وأكثر من ذلك أن الإمام السادس المعصوم عندهم الذي إليه ينسبون مذهبهم في الفروع جعفر بن محمد الباقر كان يعظمه ويجله إلى حد كبير كما ذكر أبو الفرج الأصفهاني الشيعي [هو أبو الفرج علي بن الحسين، ولد بأصفهان سنة 284 ومات سنة 356ه، وقد ذكره محسن الأمين في طبقات شعراء الشيعة وطبقة المؤرخن – أعيان الشيعة ج1 ص175] نقلاً عن الأشناني عن عبد الله بن جرير أنه قال:
"رأيت جعفر بن محمد يمسك لزيد بن علي بالركاب ويسوي ثيابه على السرج" [مقاتل الطالبين للأصفهاني ص129 –ط دار المعرفة بيروت].(6/36)
ثم إن رفض الشيعة زيد بن علي لم يكن شيئاً مستغرباً ولا جديداً، بل ذلك خلق توارثه الأبناء عن آبائهم من قديم، فإنه لزمهم من أول يوم وجدوا فيه، فقد اشتكى منهم في ذلك كثير من أئمتهم الذين يعتقدون بعصمتهم وأنهم لا ينطقون عن الهوى، وأولهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث خذلوه ورفضوا نصرته وتأييده في عديد من المعارك والحروب بعد ما بايعوه، وحلفوا على طاعته والولاء له، وتستروا وراء اسمه، ولكن كلما دعاهم إلى المناصرة والمساعدة بدأوا يتسللون منها ملتمسين الأعذار، وبدون التماسها أيضاً.. حتى قال مخاطباً إياهم:
"يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة – والله – جرّت ندماً، وأعقبت صدماً.. قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قبحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، ولكن لا رأي لمن لا يطاع" [نهج البلاغة ص70، 71 –ط بيروت].
وفي معركة أخرى ارتكبوا نفس العمل الذي تعودوه، فقال:
"ألا وإني دعوتكم لقتال هؤلاء ليلاً ونهاراً وسراً وإعلاناً.. فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات، وملكت عليكم الأوطان.. ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً.. فقبحاً لكم وترحاً، حين صرتم غرضاً يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون.
فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فراراً من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون فأنتم والله من السيف أفر" [نهج البلاغة ص71، 72 ط بيروت].
ومرة أخرى حتى قال:(6/37)
"ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحت أخاف ظلم رعيتي، استنفرتكم للجها فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سراً وجهراً فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، شهود كغياب، وعبيد كأرباب، وأحثكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم عني متفرقين أيادي سبأ.. منيت منكم بثلاث واثنتين، صم ذوو أسماع وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء.. والله لكأني بكم فيما إخالكم: أن لو حمس الوغاء، وحمي الضراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها" [نهج البلاغة ص141، 142].
ولم ي: خذلانهم، وترك نصرتهم، ورفض تأييدهم للحسن بن علي أقل من أبيه، فهم الذين تركوه في خضم المعارك، وأرادوا تسليمه إلى معاوية رضي الله تعالى عنهما، وانتبهوا مضاربه، وجرحوه بمعول في فخذه [انظر لذلك: تاريخ اليعقوبي لأحمد بن أبي يعقوب الكاتب العباسي ج2 ص215 الشيعي المشهور، ذكره العباسي القمي في الكنى والألقاب ج3 ص246، ومحسن الأمين في أعيان الشيعة، وانظر أيضاً مروج الذهب للمسعودي الشيعي ج2 ص431، الإرشاد للمفيد الشيعي ص190، كشف الغمة للأربل الشيعي ص54، الفصول الهمة ص162- ط طهران، ورجال الكشي ص103 وغيرها]. حتى اضطر إلى أن يقول:
"أرى والله معاوية خيراً لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي، وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية ما أحقن به دمي، وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلماً، والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير" [الاحتجاج للطبرسي ص148].(6/38)
وأما الحسين رضي الله عنه فأمره وخذلان الشيعة إياه، ورفضهم نصرته لأمر مشهور غني عن الذكر، كما خذلوا ابن عمه وسفيره إليهم، مسلم بن عقيل، ونذكر ههنا عبارة صغيرة ذكرها محسن الأمين الشيعي المشهور في موسوعته، "ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم، وقتلوه" [أعيان الشيعة القسم الأول ص34].
وخطبة الحسين مشهورة معروفة ومنقولة في كتب القوم حينما خاطبهم بقوله:
"تباً لكم أيتها الجماعة! وترحاً وبؤساً لكم وتعساً، حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا، وحششتم علينا ناراً أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ويداً على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، ولا ذنب كان منا فيكم، فهلا لكم الويلات، إذا كرهتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لم تستخصف، ولكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا، وتهافتم كتهافت الفراش؛ ثم نقضتموها، سفهاً بعداً وسحقاً لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب، ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلوننا، ألا لعنة الله على الظالمين" [كشف الغمة للأربل الشيعي ج2 ص18، 19، الاحتجاج للطبرسي الشيعي ص145].
ودعاؤه عليهم أيضاً مشهور معروف ذكره المفيد والطبرسي وغيرهما أنه قبل استشهاده رفع يديه ودعا، وقال:
"اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا" [الإرشاد ص241، أيضاً إعلام الورى للطبرسي ص949].
وخذلانهم لعلي بن الحسين الملقب بزين العابدين أشهر وأعرف من خذلانهم أباه حتى اضطر إلى أن يقر بعبوديته ليزيد بن معاوية كما رواه بخارى القوم الكليني في صحيحه الكافي أن علي بن الحسين قال ليزيد بن معاوية:(6/39)
"قد أقررت لك بما سألت، أنا عبد مكره، فإن شئت فأمسك، وإن شئت فبع" [الكافي للكليني كتاب الروضة ج8 ص235 –ط طهران].
لأنه حسب قوله على زعم الشيعة:
"إن جميع الناس ارتدوا بعد قتل الحسين إلا خمسة: أبو خالد الكابلي، ويحيى بن أم الطويل، وجبير بن مطيع، وجابر بن عبد الله، والشبكة زوجة الحسين" [مجالس المؤمنين للشوستري الملقب بالشهيد عند الشيعة، المجلس الخامس ص144-ط طهران، ومثله في رجال الكشي ص111-ط كربلاء بدون ذكر الشبكة].
وأما محمد بن علي الباقر فكان بائساً من شيعته الروافض إلى حد أنه كان يقول:
"لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكاً، والربع الآخر أحمق" [رجال الكشي ص79].
وأما جعفر فكان أكثرهم شكاية من أبيه عن الروافض هؤلاء حتى كان يقول مخاطباً إياهم:
"أما والله لو أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثاً" [الأصول من الكافي ج1 ص496-ط الهند].
وعبد اله بن يعفور أحد تلامذته المخلصين ومريديه المطيعين، الذي قال فيه جعفر نفسه: ما وجدت أحداً يقبل وصيتي ويطيع أمري إلا عبد الله بن يعفور" [رجال الكشي ص213-ط كربلاء].
يأتيه يوماً ويشكو إليه مساوئ الشيعة وخذلانهم، ورفضهم مناصرة الأئمة، واتباعهم أوامرهم، وعدم وفائهم وإخلاصهم لهم، فيقول كما رواه الكليني في الكافي أن عبد الله بن يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (جعفر) عليه السلام:
إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم، ويتولون فلاناً وفلاناً، لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق" [الكافي في الأصول ج1 ص375-ط طهران].
وبذلك روى ابن جعفر بن محمد موسى الملقب بالكاظم عن جده الأول أنه قال:(6/40)
"لو ميزت شيعتي لم أجدهم غلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد، ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلا ما كان لي، إنهم طالما اتكئوا على الأرائك فقالوا: نحن شيعة علي" [الكافي للكليني كتاب الروضة ج8 ص338].
فهؤلاء هم الشيعة [من أراد الاستزادة في هذا الموضوع فليرجع إلى كتابنا "الشيعة وأهل البيت" باب ذم الشيعة واللعن عليهم ص195-202، وكتابنا "الشيعة والتشيع فرق وتاريخ" الباب السادس من ص269 إلى ما بعد. كلها طبعة إدارة ترجمان السنة لاهور باكستان] – أيها السيد الدكتور وافي – الذين ما أطلق عليهم لقب الرافضة لمخالفة زيد بن علي لهم في بعض ما يذهبون إليه في شئون السياسة كما أردت أن تصوره للناس – شئت أم أبيت – من فهم وقصد، أم بدون فهم وعمد، جعلك الله من القسم الثاني، ولم يجعلك من الذين يعرفون ثم يكتمون ليضلوا عباد الله عن سواء السبيل.
وأما قول الدكتور وافي "أنه قد يطلق عليها "أي الشيعة" كذلك اسم الواقفية لأنها تقف بالإمامة عند الإمام الثاني عشر وتعتقد أنه لا يستحق الخلافة أحد من بعده" [بين الشيعة وأهل السنة ص9] فهو أيضاً من عدم معرفته بعقائد الشيعة وتاريخها، وتاريخ الفرق التي انبثقت منها وتفرعت في مختلف الأيام والدهور.
أولاً: إن اسم الواقفية [وهذا هو الاسم الصحيح كما استعمله أصحاب الفرق من الشيعة] لم يستعمل في كتب الفرق والرجال على الإثني عشرية قط، لا في الكتب الشيعية ولا في الكتب السنية.(6/41)
ثانياً: إنما استعمل هذا اللقب في كتب الشيعة وفي كتب السنة على من توقف على إمامة جعفر بن الباقر أو من توقف على موسى الملقب بالكاظم، انظر لذلك من كتبهم: فرق الشيعة للنوبختي، والمقالات والفرق لسعد بن عبد الله القمي، وكتاب الرجال للكشي، والإرشاد للمفيد، وأعيان الشيعة لمحسن الأمين، ومن كتب أهل السنة الملل والنحل للشهرستاني، ومقالات الإسلاميين للأشعري، واعتقادات فرق المسلمين للرازي، والفرق بين الفرق للبغدادي والتبصير للأسفرائيني وغيرها من الكتب.
ثم استعمال لفظة الخلافة في قول الدكتور أيضاً خطأ، وإن دلّ هذا على شيء دلّ على عدم معرفته باصطلاحات الشيعة، لأن الكتب التي تبحث عن الفرق والرجال عند الشيعة، وعندنا أيضاً لا تستعمل هذه الكلمة إطلاقاً، بل تستعمل لفظ "الإمامة" فقط عند ذكر أئمتهم وعقائدهم، وإنني أشك في أن مثل هذا يخفى على واحد ممن يشتغل بالكتابة عن الفرق، حتى المبتدئ فيها، وإن الفرق بين الإمام والخليفة، والإمامة والخلافة، فرق ظاهر بيّن، يكاد أن يعد من البديهيات بالنسبة لطلبة العلم دون أن يكون الكاتب ممن قضى عمره وأفناه في الدرس والتدريس، وفي التعلم والتعليم، ويحمل شهادات كبرى؛ زيادة على أنه حقق كتاب تاريخ عظيم كتاريخ ابن خلدون وعلق عليه.
وإن الشيعة أنفسهم يقرون بمبايعة أئمتهم للخلفاء سواء كانوا من الراشدين الثلاثة أو بعدهم من بني أمية وبني العباس، فهؤلاء الشيعة يذكرون إمامهم الأول المعصوم علياً رضي الله عنه أنه ذكر الأحداث بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رسالة أرسلها إلى أصحابه بمصر بعد مقتل محمد بن أبي بكر، فذكر فيما ذكر فيها انثيال الناس إلى أبي بكر وإسراعهم إليه ليبايعوه، ثم كتب:(6/42)
"فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون، فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسر، وسدد، وقارب، واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله جاهداً" [الغارت لأبي إسحاق إبراهيم الثقفي الكوفي الأصبهاني الشيعي المتوفى سنة 283ه ج1 ص307-ط طهران، و"منار الهدى" لعلي البحراني الشيعي ص373، أيضاً ناسخ التواريخ للميرزا تقي ج3 ص532-ط طهران].
وكذلك ذكر الطوسي الملقب عند الشيعة بشيخ الطائفة في أماليه أن علياً رضي الله عنه ذكر مبايعته لعمر مخاطباً أهل الشام:
"فبايعت عمر كما بايعتموه، فوفيت له بيعته، حتى لما قتل جعلني سادس ستة، فدخلت حيث أدخلني" [الأمالي للطوسي ج2 ص121-ط نجف].
كما يذكر مبايعة علي رضي الله عنه لعثمان بن عفان رضي الله عنه، ومن لسان علي رضي الله عنه وإقراره بنفسه حيث قال:
"كرهت أن أفرق جماعة المسلمين وأشق عصاهم، فبايعتم عثمان فبايعته" [الأمالي للطوسي ج2 الجزء 18 ص121].
وكان من أول المبايعين له بعد عبد الرحمن بن عوف كما ذكره البخاري في صحيحه، وابن سعد في طبقاته من السنة، وابن أبي الحديد من الشيعة في شرحه للنهج تحت قول علي رضي الله عنه:
والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله" [نهج البلاغة تحقيق صبحي صالح ص102-ط بيروت].
"ثم مدّ يده فبايعه" [شرح النهج لابن أبي الحديد].
ومث ذلك ذكر الميرزا تقي من الشيعة أيضاً في تاريخه [ناسخ التواريخ ج2 كتاب2 ص449-ط إيران].(6/43)
ومبايعة حسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وكذلك مبايعة أخيه الحسين لأشهر من أن يذكر ولكن رغبة في إقناع سيادة الدكتور والأخوة الباحثين نثبت ههنا عبارة من كتب الشيعة أنفسهم، فلقد ذكر كل من الكشي والمجلسي – يلقبه الشيعة بخاتمة المحدثين – والعباس القمي عن جبريل بن أحمد وأبي إسحاق حمدويه وإبراهيم ابني نصير، عنهم جميعاً أنهم قالوا:
حدثنا عبد الحميد العطار الكوفي عن يونس بن يعقوب عن فضل غلام محمد بن راشد قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن معاوية كتب إلى الحسن بن علي (بعد الصلح) صلوات الله عليهما أن أقدم أنت والحسين وأصحاب علي، فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وقدموا الشام، فأذن لهم معاوية وأعد لهم الخطباء.
فقال: يا حسن قم فبايع.
فقام فبايع.
ثم قال للحسين: قم فبايع.
ثم قال لقيس (وكان قائد عساكر الحسن) :
قم فبايع.
فالتفت إلى الحسين عليه السلام ينظر ما يأمره؟
فقال: يا قيس! إنه إمامي – وفي رواية –
فقام إليه الحسن، فقال له:
بايع يا قيس! فبايعه" [رجال الكشي، واللفظ له ص102، جلاء العيون للمجلسي بالفارسية ج1 ص395 ط طهران، منتهى الآمال بالفارسية أيضاً للعباسي القمي ص316-ط طهران].
وقبل ذلك جعل الحسن رضي الله عنه أحد شروط الصلح مع معاوية رضي الله عنه:
"أن يعمل بين الناس بكتاب الله، وسنة رسوله، وسيرة الخلفاء الراشدين.. وأخذ على هذه الشروط، العهود المغلظة باليمين" [جلاء العيون للمجلسي ج1 ص393-ط طهران 1398ه، منتهى الآمال للعباس القمي ص314-ط إيران، والفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة ص163-ط طهران].
وخبر علي بن الحسين زين العابدين قد ذكرناه فيما سبق من الكليني في كافيه الذي قال فيه محدث الشيعة النوري الطبرسي:(6/44)
"هو أحد الكتب التي عليها تدور رحى الفرقة الإمامية.. وكتاب الكافي بينها كالشمس بين نجوم السماء.. وإذا تأمل فيه المنصف يستغني عن ملاحظة حال آحاد رجال سند الأحاديث المودعة فيه، وتورثه الوثوق، ويحصل له الاطمئنان بصدورها وثبوتها وصحتها" [مستدرك الوسائل ج3 ص546-ط مكتبة دار الخلافة طهران 1321ه].
وأمر الآخرين السبعة ممن يزعمهم الشيعة أئمة لهم أمر مشهور، ونذكر فقط عن واحد منهم – وهو جعفر بن الباقر الذي إليه ينسب الشيعة الاثنا عشرية مذهبهم – أنه في يوم من الأيام "أحضره المنصور وقال له:
قتلني الله إن لم أقتلك، أتلحد في سلطاني؟
فقال له الصاقد (ع) : والله ما فعلت ولا أردت، وإن كان بلغك فمن كاذب" [الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ص107، 108-ط بيروت سنة 1399ه].
ولأجل ذلك لم يبايع عمه عبد الله بن الحسن المثنى ولا ابنه بعده محمد بن عبد الله الملقب بالنفس الزكية الذي كتب عنه الأصفهاني الشيعي:
وكان محمد بن عبد الله بن الحسن من أفضل أهل بيته، وأكبر أهل زمانه في زمانه، في علمه بكتاب الله، وحفظه له، وفقهه في الدين، وشجاعته، وجوده، وبأسه، وكل أمر يجمل بمثله، حتى لم يشك أحد أنه المهدي، وشاع ذلك له في العامة، وبايعه رجال من بني هاشم جميعاً، من آل أبي طالب، وآل بني العباس، وسائر بني هاشم" [مقاتل الطالبين للأصفهاني ص233].
مع هذا كله لم يبايعه، كما لم يبايع أباه من قبل [انظر لذلك: الكافي للكليني كتاب الحجة ج1 ص358 وغيره من الكتب].
وإنني لأرى بعد ذلك كله أنني لم أقصر في تفهيم المسألة وتبيين القضية، ومن لم يفهم بعد ذلك فإن ربك لستار العيوب وغفار الذنوب.(6/45)
وأما ترجيح سيادته اسم الجعفرية واقتصاره على استعماله [بين الشيعة وأهل السنة ص8] – لو لم تكن عن سوء نية – فأيضاً خطأ، حيث أن هناك كثيراً من فرق الشيعة غير الاثنى عشرية تدخل تحت هذا الاسم، لأن كل فرق الشيعة الموجودة اليوم غير الزيدية تعتقد بإمامة جعفر وتنسب إليه فقهها من الإسماعيلية، والنزارية منها والمستعلية، والنصيرية، والدروز، والقرامطة وغيرهم الكثيرين الكثيرين.
فلا أدري أسباب ترجيح هذا الاسم عنده دون غيره مع عدم رضائه لاختيار اسم الإمامية لاشتراك غيرهم معهم تحت هذا الاسم [انظر لذلك رسالته: بين الشيعة وأهل السنة ص9].
وإليك سبب تركه هذا الاسم بألفاظه:
"وقد يطلق عليها كذلك اسم الإمامية.. ومع أن هذا اللقب هو الذي يكثر إطلاقه عليهم لدى عامتهم ويكثر استعماله كذلك في مؤلفات علمائهم فإنه ليس مقصوراً عليهم، بل ينطبق على فرق الشيعة الأخرى تذهب في موضوع الإمامة إلى ما يذهبون إليه، وخاصة فرقة الشيعة الإسماعيلية" [انظر لذلك رسالته: بين الشيعة وأهل السنة ص9].
ومن مُبلغٌ عنّي إلى السيد المحترم بأن اسم الجعفرية يشمل الإسماعيلية وغير الإسماعيلية أيضاً كما ذكرنه آنفاُ، إن كان هذا هو سبب تركه!.(6/46)
ومن يخبر شيخاً لا يعرف عن الاثنى عشرية شيئاً مع انتشار كتبهم وتواجدهم في أكثر البلدان الإسلامية أن كتب الفقه الإسماعيلي وكتب الحديث الإسماعيلية كلها تدور حول الآراء المنسوبة والروايات الموصولة إلى جعفر بن الباقر، زيادة على ذلك أن كتب الفرق التي لم يكلف السيد الدكتور نفسه العناء بإلقاء النظرة عليها، شيعية كانت أم سنية، تستعمل هذا اللقب على الفرق الشيعية التي وجدت قبل وجود الشيعة الاثنى عشرية، وما أظن أن مكتبته ينقصها كتاب "الملل والنحل للشهرستاني" من السنة، فليمسح الغبار عنه ويقلب أوراقه ويلقي نظرة ولو خاطفة في مبحث الشيعة بعد عنوان "رجال المرجئة" فيجد أن اسم الجعفرية قد يطلق على قوم توقفوا بالقول على إمامة جعفر ولم يجروها في أولاده، أي لم يعتقدوا ببقية الأئمة الذين آمن بهم الشيعة الاثنا عشرية واعتقدوا بإمامته، فعلى ذلك فإن الاسم الجامع المانع لهذه الفئة من الشيعة هو الاثنا عشرية، لأن غيرهم لا يعتقدون بمن يعتقد بهم هؤلاء ولو جاز إطلاق كل الأسماء من الإمامية والجعفرية والروافض عليهم، كما بيناه مفصلاً في كتابنا (الشيعة والتشيع فرق وتاريخ) فمن أراد الاستزادة فليرجع إليه [وستصدر طبعته السادسة في مصر إن شاء الله].
ولكننا أردنا التنبيه هنا بأن اختياره وترجيحه اسم الجعفرية على غيره واقتصاره عليه ليس نابعاً إلا من عدم معرفته بالموضوع.
وكذلك قوله بأن هذه الفرقة تسمى الجعفرية "لاعتمادها في جميع ما تذهب إليه من عقيدة وشريعة على آراء ينسبونها إلى جعفر الصادق" ["بين الشيعة وأهل السنة" ص8] يدل أيضاً على عدم علمه بالقوم وعقائدهم. ونذكر هنا عبارة واحدة لبيان تحري السيد الدكتور الحقيقة من أهم مصادر الشيعة، يقول السيد محسن الأمين – وهو يعد من كبار علماء الشيعة وأهم كتّابهم في الماضي القريب – يكتب في موسوعته وهو يذكر سبب تسمية الاثنى عشرية بالجعفرية:(6/47)
"الجعفرية باعتبار أن مذهبهم في الفروع هو مذهب الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، ونسب مذهبهم في الفروع إليه باعتبار أن أكثره مأخوذ عنه" [أعيان الشيعة الجزء الأول، القسم الأول ص20-ط بيروت].
وأما العقيدة والشريعة فلم يأخذها الشيعة عن جعفر ولا غيره، بل أخذوها عن اليهودية الأثيمة، الجريحة التي انسكرت فلولها، واندحرت شوكتها، وزلزلت أركانها، واستؤصلت شأفتها، وهدمت قلاعها، ودمرت ديارها على يد رسول الله الصادق الأمين، وخلفائه الراشدين، الصديق، والفاروق، وأفلت نجومها أيام ذي النورين رضي الله عنهم أجمعين، فترقبت لثأرها، ودبرت لانتقامها، وخططت مؤامرتها وأحكم نسيجها، فأرسلت ابنها البار بها عبد الله بن سبأ [راجع: لمعرفة التفاصيل عن شخصيته الخبيثة وأنها حقيقية كتابنا "الشيعة وأهل البيت"] من صنعاء اليمن ليكيد للإسلام كيداً، ويزرع في المسلمين فتناً، ويدس لهم دسائس، ويروج فيهم عقائد لا أساس لها في القرآن ولا في السنة، لتنتشر البلبلة، ويفشو الفساد، وتعم القلاقل، وتضطرب الأمور، وتقف القوافل، قوافل النصر والظفر، قوافل الجهاد والأبطال، كي لا يحيط نور الله بالمعمورة، وفعلاً حصلت ما أرادت ولله عاقبة الأمور، وهو عليم بحكمها وعللها، فجاء ذلك اللعين إلى المدينة، ودخل في زمرة المسلمين وهو يعتزم الإيقاع بدينهم، وتقويض جماعتهم، وفي قلبه حفيظة عليهم، ثم ذهب إلى مصر، ثم إلى الكوفة، ثم إلى الشام، محاولاً إضلال العقول الضعيفة، والقلوب المريضة، وأصحاب الأغراض الذين لم يدخلوا في دين الله إلا طمعاً وحرصاً في زخارف الحياة ومتاع الدنيا، فأتى مصر، فوجد المرتع الخصب، والأرض القابلة للفتن، فأقام بين أهلها يتنقل من مدينة إلى مدينة، وقرية إلى قرية، حتى استطاع بزخرف القول أن يوغر صدورهم على خليفة رسول الله، وزوج ابنتيه، ذي النورين، صاحب الجود والحياء، أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، كما استطاع أن ينشئ في(6/48)
عقائدهم خللاً، ويزين لهم من القول ما حمله من اليهودية المدبرة من ورائه، وأن يزحزحهم عن العقيدة الصحيحة المستقيمة، حتى جرهم إلى قتل عثمان [انظر: لتفصيل هذه الحوادث كتابنا "الشيعة والتشيع فرق وتاريخ"] مع من وجده من الأنصار والمغترين به من مختلف الأمصار الإسلامية، وبذلك استطاع قلب الحكم الإسلامي، وأوجد ثلمة في صفوف المسلمين، وفتقاً لم يرتق إلى يومنا هذا، كما استطاع أن ينشئ جماعة كاملة تحمل أفكاره وآراءه باسم العقيدة التي أتحفها إياهم من اليهودية الجريحة رمزاً لانتقامها وشعاراً لثأرها، عقيدة وشريعة لا تمت إلى الإسلام بصلة قريبة أو بعيدة، وشريعة الله السماوية الحقة بريئة منها كل البراءة.
وها هي تلك العقيدة من أوثق كتب الشيعة أنفسهم مع بعض تحركاته يذكرها مؤرخ شيعي إيراني في تاريخه الفارسي الكبير:
"إن عبد الله بن سبأ توجه إلى مصر عندما علم أن مخالفيه (أي عثمان ذي النورين) كثيرون هناك، فتظاهر بالعلم والتقوى وافتتن به الناس، وبعد الرسوخ فيهم بدأ يروج مذهبه ومسلكه بأن لكل نبي وصياً، ووصي رسول الله على المتحلي بالعلم والفتوى، والمتزين بالكرم والشجاعة، والمتصف بالأمانة والتقى، وإن الأمة ظلموا علياً وغصبته حق الخلافة والولاية، ويلزم الجميع مناصرته ومعاضدته وخلع طاعة عثمان، وبيعته كفارة لذنب ارتكبوه، وجريمة اقترفوها لإعطائهم حقه غيره، فتأثر كثير من المصريين بأقواله، وخرجوا على الخليفة عثمان" [روضة الصفا ج3 ص292-ط طهران].
وما كتبه أقدم مؤرخ شيعي، وأول كاتب في الفرق من الشيعة النوبختي أبو محمد الحسن بن موسى من أعلام الشيعة في القرن الثالث للهجرة، ومن تلاه بعده سعد بن عبد الله القمي، وأقدم من كتب في الرجال منهم أبو عمرو بن عبد العزيز الكشي من علماء القرن الرابع، لجدير بالعناية والاهتمام.(6/49)
فيذكر كل واحد منهم رواية متقاربة الألفاظ والمعنى بتقديم لفظ وتأخير آخر، واللفظ للنوبختي تحت عنوان "السبئية":
"عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وقال: إن علياً – عليه السلام – أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا، فأقرّ به، فأمر بقتله، فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين! أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت، وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟ فصيره إلى المدائن.
وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي – عليه السلام – أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً – عليه السلام – وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى – عليه السلام – بهذه المقالة، فقال بعد إسلامه في علي – عليه السلام – بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي – عليه السلام – وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية، ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعى علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت، لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض" [فرق الشيعة للنوبختي الشيعي ص41، 42-ط المطبعة الحيدرية نجف بتعليق آل بحر العلوم-ط سنة 1959، المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري القمي ص21-ط طهران سنة 1963م، رجال الكشي ص100-101-ط كربلاء وغيرها من الكتب الكثيرة].
فهذه هي العقائد، وهذه هي الشريعة توارثتها الشيعة جيلاً بعد جيل، وتناقلها علماؤهم وعامتهم قرناً بعد قرن، وذاك هو واضعها ومؤسسها وبانيها، فمنه أخذوا، وعليه اعتمدوا، كما سيأتي بيانه مفصلاً في محله إن شاء الله مدعماً بالأدلة الصريحة والبراهين القاطعة من كتب القوم أنفسهم بأن عقائد الشيعة الاثنى عشرية اليوم هي عين تلك العقائد التي خططتها اليهودية، وروجها اليهودي الماكر الخبيث.(6/50)
فهذه هي الحقيقة، لا كما تخيلها الدكتور الفاضل.
وكذلك قوله:
وهي آراء يتصل سند معظمها في نظرهم بالإمام علي بن أبي طالب – فبالرسول" [بين الشيعة وأهل السنة].
وحضرته لا يدرك بكلامه هذا أن الإمام في نظر الشيعة يتحلى بالعصمة مثلما يتحلى بها الأنبياء، ويحمل علماً مثلما يحمله الرسل، بل وأكثر، فمن كان هذا شأنه ومكانته لا يحتاج، ولا يطالب باتصال كلامه وإسناده إلى الرسول، وعلى ذلك أورد محدثو الشيعة الاثنى عشرية أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر، وجاوزت عنه، أن الأنبياء والأئمة في العصمة والعلم سواء، بل الأئمة يزيدون على أنبياء الله ورسله ولا ينقصونهم، كما أن محدثهم الكبير صاحب موسوعة كبرى في الحديث الشيعي، "الحر العالمي" المتوفى سنة 1104ه بوّب باباً مستقلاً في كتابه "الفصول المهمة" بعنوان "الأئمة الإثنا عشر أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السابقين والملائكة وغيرهم، وأن الأنبياء أفضل من الملائكة".
وأورد تحت هذا الباب روايات كثيرة ننقل منها رواية واحدة رواها عن جعفر بن الباقر أنه قال:
إن الله خلق أولي العزم من الرسل، وفضلهم بالعلم، وأورثنا علمهم، وفضلنا عليهم في علمهم، وعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يعلمهم، وعلمنا علم الرسول وعلمهم" [الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص152 ط إيران].
ومن كان هذا شأنه بأنه يفوق الرسل وسيد الرسل حيث يعلم علومهم وعلم ما أعطي له لنفسه لماذا يحتاج أن يسند قوله إلى نبي أو رأيه إلى رسول؟
ولأجل ذلك يقول السيد الخميني زعيم إيران اليوم في كتابه "ولاية الفقيه" ما نصه:(6/51)
"إن من ضروريات مذهبنا ألا ينال أحد مقامات الأئمة المعنوية الروحية، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما وردت في روايتنا أن الأئمة كانوا أنواراً تحت العرش قبل تكوين العالم.. وعنهم نقل أنهم قالوا: إن لنا مع الله أحوالاً لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهذه المعتقدات من القواعد والأسس التي عليها قام مذهبنا" ["ولايت فيه در خصوص حكومت إسلامي" لنائب الإمام السيد الخميني تحت باب "ولايت تكويني" من الأصل الفارسي ص58-ط طهران].
وأخيراً نورد في هذا الموضوع رواية أخرى من الصحيح الذي قال فيه غائبهم: كاف لشيعتنا [انظر: مستدرك الوسائل ج3 ص532، 533، الصافي ج1 ص4، منتهى الآمال ص298، نهاية الدراية ص219، روضات الجنات ص553 نقلاً عن معاشر – الأصول ص31].
أورد فيه الكليني عن جعفر أنه قال:(6/52)
ما جاء به علي عليه السلام آخذ به، وما نهى عنه انتهى عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ولمحمد - صلى الله عليه وسلم - وآله الفضل على جميع من خلق الله عز وجل، المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله، كان أمير المؤمنين عليه السلام باب الله لا يؤتى إلا منه، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك، وكذلك يجري لأئمة الهدى واحداً بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها، وحجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراً ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب العصا والميسم ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا به لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ولقد حملت على مثل حمولته وهي حمولة الرب، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعي فيكسى، وأدعى فأكسى، ويستنطق واستنطق على حد منطقه، ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي، علمت المنايا والبلايا، والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني" [الأصول من الكافي ج1 ص196، 197 ط إيران].
وأما قول الدكتور بأن الشيعة يطلقون على جعفر والباقر اسم "الشيخين" فلم نسمع هذا من أحد قبله.
وأما تعريضه بشيخ الإسلام ابن تيمية حيث ادعى عليه أنه قد خلط بين الشيعة الجعفرية وبين غيرها من فرق الشيعة، فنسب إلى الجعفرية عقائد وآراء ليست من عقائدهم ولا من آرائهم شيء [بين الشيعة وأهل السنة ص11]. فقد جاز به حد الخطأ – ولولا الإساءة – لقلت: بلغ حد الجهل، والجهل المركب، الذي لا يدري صاحبه، ولا يدري بأنه لا يدري.
ولا أدري كيف استساغ من لا يعرف البديهيات والأشياء البدائية التافهة عن الشعة أن يتهكم بكود شامخ كابن تيمية. بدل أن يغترف من بحره الزاخر، ويستفيد من علمه الوافر؟.(6/53)
كيف جاز له أن يتهمه بعدم معرفته من الاثنى عشرية؟ وعدم تفريقه بينهم وبين من عداهم في كتابه "منهاج السنة النبوية" الكتاب الذي لا زال مرجعاً أساسياً، ومصدراً فياضاً لكل من يريد أن يعرف الشيعة على حقيقتهم، ومساوئهم ومخازيهم؟ وحضرة الدكتور مع تعاليه وتفاخره كثيراً خلال الفقرات والتعليقات في هذه الرسالة لم يثبت لنفسه، لا العقل ولا معرفة النقل، كأن سيادته لا يفرق بين الشرق والغرب، ولا بين الشمال والجنوب، وأنه لا يعرف الحابل من النابل، ولا الليل من النهار: { وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور } [سورة فاطر الآية 19-22].
وهل يجوز لعالم أو منتسب إلى العلم أن يحكم على شيء بدون معرفته؟، وأن يصدر قضاءه بدون أدنى علم منه بالقضاء والقضية،؟ ولولا حسن ظني بالسيد الدكتور وأنه لا يعرف عن حقيقة الشيعة شيئاً كما يبدو لأول وهلة لمن يلقي نظرة ولو طارئة على كتيبه، وكما بيناه نحن آنفاُ بالوثائق والمستندات، لذهب بي الخيال إلى ظنون كثيرة وبعيدة.
فقد أوقع الدكتور نفسه في مأزق حرج بكتابة هذه الرسالة التي لم يكن لها مبرر أن يكتبها، ويندفع إلى تبرئة الشيعة إلى حد يخطئ ابن تيمية وآراءه فيهم، وهو لا يكتب سطراً فيهم، ولا كلمة عنهم إلا ويتدفق قلمه خطأ.(6/54)
وينبغي أن يعرف الجميع أن كل ما نسب إلى الشيعة الاثنى عشرية من الغلو في الأئمة واتصافهم بأوصاف الله وامتلاكهم قدرته، وسلطانه واختياراته التي لا يشاركه فيها أحد ممن في السماوات وممن في الأرض، وتفضيلهم إياهم على أنبياء الله ورسله، وإنكارهم القرآن واعتقادهم التحريف فيه، وتكفيرهم المسلمين وعلى رأسهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون مع بقية العشرة المبشرة غير علي، وأزواج الرسول أمهات المؤمنين، ومن بعدهم من تبعهم من الأئمة بإحسان إلى يوم الدين، وإيمانهم بالرجعة والتناسخ والحلو، ونسبة الجهل إلى الله جل وعلا، وجعل الكذب ديناً وديدناً وشعاراً، وتفريق كلمة المسلمين، والكراهية لهم، والوقوف ضدهم مع أعدائهم، كل هذا حق وثابت من كتب الشيعة الاثنى عشرية أنفسهم، المعتمدة لديهم والموثوقة عندهم، كما ذكرنا بعضاً منها في هذا المبحث، وكما سنبين البقية الباقية فيما يأتي من هذه العجالة، وإن كان إنكار هذه الحقائق الثابتة ليس إلا إنكار الشمس وهي طالعة، كما أنه ليس إلا سخرية بالعقول، وتحكماً بالأحلام، وتجنياً على العلم، وكتماناً للحق، ونكاية بنفسه.
وأما كون الاثنى عشرية ينكرون هذه العقائد فعليهم أن ينكروا قبل كل شيء كتبهم، وما كتب فيها من التفسير والحديث والفقه والأصول والعقائد.(6/55)
ثم لا أدري، ولست أخال أدري!! هل العقائد والمعتقدات يحكم على وجودها وعدمها بناء على أقوال أشخاص ومقولات رجال ليس لهم خيار صنعها وإنكارها؟ ومقولات لم يتقولوا بها إلا فراراً من العار الذي لحقهم حيث لا يجدون عنها مخرجاً، وهذا مع دعواهم بأن مذهبهم مبني على أقوال المعصومين – حسب زعمهم – من أهل البيت [لا أهل بيت النبي كما يزعمه بعض غير العارفين بمذهبهم لأن الشيعة أنفسهم يصرحون بأن المقصود من أهل البيت أهل بيت علي لا النبي] علي رضي الله عنه وآرائهم، ومستقاة من أفعالهم وتقريراتهم، فتمشياً مع أصولهم وقواعدهم يساءلون: هل هم المعصومون أم أئمتهم الذين آخرهم غاب في سامراء – حسب زعمهم –؟
فإن كان الحجة أولئك فليستندوا لإنكارهم بروايات أولئك القوم مقابل الروايات الكثيرة الكثيرة الي بلغ بعضها حد التواتر في إثبات ما يلزمهم خصمهم من العقائد اليهودية، والأفكار الوثنية، والآراء المجوسية – معاذ الله أن تكون صادرة من الطيبين من أولاد علي رضي الله عنه.
نعم! عليهم أن يثبتوا كل هذا من أئمتهم المعصومين، ويبرهنوا على إنكارهم بأقوالهم المنقولة عن كتبهم أنفسهم.(6/56)
وأما مجرد الإنكار فلا يعد إلا تهرباً من الحقائق وفراراً من النتائج، وتمسكاً بالكذب الذي أعطوه صبغة التقديس باسم التقية، لا ينخدع به إلا المغفلون، أو من أراد خداع نفسه عن قصد أو سوء نية. فافهم فإنه دقيق، وعليه يترتب فهم كثير من المسائل وحل كثير من الغوامض والألغاز والمشاكل، وليتدبر فيه حضرة الدكتور الذي لم يبن آراءه في رسالته التي كتبها – كما يظهر – إلا على السمعيات ألقيت في مسامعه، ولم يدر أنه من زخرف القول غروراً يوحي به بعضهم إلى بعض، ويلقي به بعضهم إلى بعض معرضاً عن المرئيات والبصريات، ومنكراً على من اعتمد عليها، ثم تسلل عنه من أوقعه في هذا المأزق الزلق، وألقى عليه مثل هذا القول الزور، وتركه وحيداً مستصرخاً هو وأمثاله قائلاً: { . . . وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي . . } [سورة إبراهيم الآية22].
ولو لم يك هذا ما كان له أن يكتب: "أن كثيراً من مؤلفينا قد خلط بين الشيعة الجعفرية وغيرها من فرق الشيعة.. تبدو هذه الظاهرة حتى في مؤلفات العلامة ابن تيمية، انظر كتابه منهاج السنة" [ص11 من رسالة الدكتور] بل وجد عكس ذلك فإن كتب القوم في الحديث وفي التفسير تشهد بصدق ما كتبه ابن تيمية وغيره ممن سلك مسلكه وتبع خطواته في الرد على هؤلاء المنحرفين المبتدعين، المنتحلين المبطلين ،- غفر الله للرجل ولأمثاله -.
وكذلك قول الدكتور في تمهيده:
"وقد بلغ كل إمام من هؤلاء الأئمة (الاثنى عشر) سن الرشد وكانت له رسالة في قومه.. ما عدا الإمام الثاني عشر" [رسالته المذكورة ص7]. جهل محض لأنه لا يعرف ماذا يقصد به؟(6/57)
إن كان قصده أن كل إمام منهم نصب إماماً بعد بلوغه سن الرشد فهذا من أخطاء سيادته الكثيرة الكثيرة الموجودة في كل صفحة من صفحات هذا الكتيب الصغير، وفي كل سطر من سطوره كما يلاحظه القارئ لأن البعض منهم اعتقدوا بإمامته ولم يكن يعقل شيئاً عن أمور دنياه، فضلاً عن أمور دينه ودين الآخرين، فمثلاً إمام الاثنى عشرية العاشر علي بن محمد المكنى بأبي الحسن والملقب بالهادي أو النقي أنه لما مات أبوه محمد بن علي بن موسى بن جعفر تركه هو وأخاه موسى وكان الأكبر منهما لم يتجاوز الثامنة من العمر حسب قول الشيعة [انظر: الإرشاد للمفيد، إعلام الورى للطبرسي، كشف الغمة للأربل، جلاء العيون للمجلسي، منتهى الآمال للعباس القمي، والفصول المهمة لابن الصائغ].
وكانا من الصغر في العمر إلى حد أن "أوصى أبوهما على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق إلى عبد الله بن المساور إلى أن يبلغا الحلم" [صحيح الكافي للكليني ج1 ص125 ط إيران].
هذا وأبوه محمد المكنى بأبي جعفر الملقب بالجواد أو التقي الإمام التاسع للشيعة الاثنى عشرية أيضاً لم يك قد بلغ سن الرشد وقت وفاة أبيه، بل كان في سن أصغر من ولده علي وقت وفاته: ومضى الرضا علي بن موسى عليهما السلام ولم يترك ولداً نعلمه إلا الإمام بعده أبا جعفر محمد بن علي – عليهما السلام، وكانت سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهراً" [انظر: الإرشاد للمفيد ص304، إعلام الورى للطبرسي ص313، كشف الغمة للأربل ج3 ص72، جلاء العيون للمجلسي بالفارسية ج2 ص345، ومنتهى الآمال للقمي بالفارسية ص1049، وعيون أخبار الرضا لابن بابويه القمي ج3 ص347 ط إيران].(6/58)
وعلى ذلك اختلف الشيعة في إمامته، كما اختلفوا بعده في إمامة ابنه، وتركوا التشيع لعدم ثقتهم بالذي لم يبلغ سن الرشد والتمييز في أمور دينهم، والذي لم يعتمد عليه والده في أمور دنياه، كيف لهم أن يطلبوا الرشد في الأمور الدينية ممن يحتاج الرشد وتسييره في أمور دنياه؟ كما ذكر النوبختي الشيعي نفسه مقولتهم التي قالوها وقت تفرقهم عن محمد الجواد واختلافهم فيه:
لا يجوز الإمام إلا بالغاً، ولو جاز أن يأمر الله بطاعة غير بالغ لجاز أن يكلف الله غير بالغ، فكما لا يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ فكذلك لا يفهم القضاء بين الناس ودقيقه وجليله، وغامض الأحكام وشرائع الدين وجميع ما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها.. طفل غير بالغ، ولو جاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجة.. لجاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجتين وثلاثاً وأربعاً راجعاً إلى الطفولية! حتى يجوز أن يفهم ذلك من طفل في المهد والخرق! وذلك غير معقول ولا مفهوم ولا متعارف" [فرق الشيعة للنوبختي ص110].
فتفكروا يا عباد الله! هل من المعقول أن يعتمد على صبي في أمور الدين من لم يعتمد عليه أبوه – وهو إمام معصوم عند الشيعة – في أمر دنياه كما مر سابقاً بأن محمد الجواد هذا جعل وصيته على ابنيه عبد الله بن المساور على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق، فعدلاً عدلاً أيتها الشيعة! أليس منكم رجل رشيد؟
هذا إن كان مراد الدكتور بأن كلاً من أئمة الشيعة بلغ سن الرشد وقت نصبه على عرش الإمامة وهو لم يكن كذلك كما أثبتناه من كتب الشيعة أنفسهم، وإن كان مقصوده بأن كلاً منهم قد بلغ سن الرشد قبل موته ووفاته – وهو عبث ليس لذكره معنى – فلم الاستثناء للثاني عشر لأنه لم يمت بعد حسب زعم الذين اعتقدوا ولادته؟(6/59)
وأما نحن فلا نعتقد بولادة غائبهم الموهوم، ونجزم أن الحسن العسكري لم يتزوج ولم يولد له ولد، لا في حياته ولا بعد وفاته بشهادة الشيعة أنفسهم، وها هو النوبختي كبير الشيعة في الفرق يصرح عن الحسن العسكري:
"أنه توفى ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ميراثه أخوه جعفر وأمه" [فرق الشيعة للنوبختي ص118، 119].
وأكثر من ذلك وأظهر، وأصرح منه وأوثق، ما رواه محدثو الشيعة ومؤرخوهم في كتبهم من الكليني والمفيد والطبرسي والأربلي والمجلسي والقمي وغيرهم عن أحمد بن عبيد الله بن خاقان الشيعي المشهور، والمعلن لتشيعه وموالاته للمحسن العسكري، أن الحسن العسكري:(6/60)
"لما اعتل بعث السلطان إلى أبيه أن ابن الرضا قد اعتل فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصة، فيهم "تحرير" فأمرهم بلزوم دار الحسن تعرف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساء، فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف، فأمر المتطببين بلزوم داره، وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتى توفى عليه السلام، فصارت "سر من رأى" [مدينة من مدن العراق المشهرة التي تسمى الآن سامراء] ضجة واحدة، وبعث السلطان إلى داره من فتشها وفتش حجرها، وختم على جميع ما فيها، وطلبوا أثر ولده وجاءوا بنساء يعرفن الحمل، فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن، فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل، فجعلت في حجرة ووكل بها تحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئة وعطلت الأسواق وركبت بنو هاشم والقواد وأبي وسائر الناس إلى جنازته، فكانت "سر من رأى" يومئذ شبيهاً بالقيامة، فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد، والكتاب والقضاة والمعدلين وقال:
هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان، ثم غطى وجهه وأمر بحمله من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه.(6/61)
ولما دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور، وتوقفوا عن قسمة ميراثه ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل، فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر، وادعت أمه وصيته، وثبت ذلك عند القاضي" [كتاب الحجة من الكافي ص505، الإرشاد للمفيد ص339، إعلام الورى للطبرسي ص377، 378، كشف الغمة للأربل ج3 ص198، 199، جلاء العيون للمجلسي تحت ذكر المهدي، الفصول المهمة تحت ذكر المهدي، ومنتهى الآمال للقمي تحت ذكر المهدي].
فهذه هي الحقيقة الناصعة، والرواية الصريحة الثابتة، الناطقة بالحق، والقاطعة في الموضوع، والمنقولة من كتب الشيعة أنفسهم، اعترفوا بها أم لم يعترفوا، وسلموا بها أو لم يسلموا، شاءوا أم أبوا، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم.
{ . . أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون * وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً إن الله عليم بما يفعلون } [سورة يونس الآية 35، 36].
والعجب العجاب أن الشيعة مع هذا كله ينسجون الأساطير من الخيال، ويؤمنون بالمعدوم ويعتقدون وجوده، وهذه كتبهم تشهد عليهم وهم عنها معرضون: { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } [سورة النجم الآية23].
ثم يأتي السيد الدكتور عبد الواحد وافي، ويسرد حكايتهم الخيالية دون أدنى تعرض لبيان حقيقتها مع إعلانه تحري الحقيقة قدر وسعه وعلمه. { ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى } [سورة النجم الآية 30].(6/62)
ثم يخبط الدكتور وافي خبط عشواء عند ذكره الزيدية، وخلط الحابل بالنابل حيث ذكر رأي بعض الزيدية في الخلافة، ونسبها إلى زيد بن علي مع البون الشاسع والفرق البيّن الواضح بين رأيه الذي كان يراه من ثبوت الخلافة لأبي بكر وعمر وصحتها لهم، ورأي الجارودية من الزيدية، والذين لا يجيزونها لغير علي وأولاده، ومن أراد معرفة ذلك فليراجع كتب الفرق.
وهكذا نسب إلى زيد أنه كان يرى من شروط صحة الإمامة أن يبايعه المسلمون مع أن كتب الفرق والتاريخ خالية عن هذا الشرط تماماً.
ولولا خوف الإطالة، والخروج عن الموضوع الأصلي.. لسردت النصوص في ذلك من السنة والشيعة والزيدية أنفسهم، ومن أراد الاستزادة والتحقيق فليرجع إلى هذه الكتب.
وكذلك قوله: "مذهبهم (أي الزيدية) هو أقرب مذاهب الشيعة إلى مذهب السنة" على إطلاقه غير صحيح أيضاً لأن فيهم من هم أبعد الناس عن السنة ومذاهبها.
وكلامه عن الإسماعيلية [في صفحة 13 وما بعدها] لا يقل خطأ عن كلامه في الزيدية، بل يزداد تطرفاً وبعداً عن الصواب.
فيأخذ فكرة من ابن خلدون في مقدمته ويترك أخرى.
يأخذ من ابن خلدون "أن إسماعيل مات في حياة أبيه ولكن الخلافة انتقلت إلى ابنه الأكبر قياساً على انتقال وظائف هارون إلى نسله بعد وفاته" مع اتفاق أكثر الإسماعيلية اليوم أن إسماعيل لم يمت إلا أن جعفر أظهر موته تقية عليه من خلفاء بني العباس [انظر: الملل والنحل للشهرستاني ص5 على هوامش الفصل وغيره من الكتب السنية والشيعية، وعيون الأخبار، وافتتاح الدعوة، واستتار الإمام، وتاريخ الدعوة الإسماعيلية، والنور المبين، وغيرها من الكتب الإسماعيلية].
وعلى كل فهناك رأيان وموقفان في الموضوع، ولكن الغريب في الأمر أن السيد الدكتور يذكر هذا عن ابن خلدون، ثم ينسى أمراً آخر وهو قول ابن خلدون: أن هؤلاء يسمون بالباطنية، كما يسمون أيضاً الملاحدة لما في ضمن مقالتهم من الإلحاد" [انظر: مقدمة ابن خلدون ص201-ط مصر].(6/63)
ولكن السيد الدكتور يقول: إن مذهبهم في هذا العهد (أي أيام حكمهم بمصر) لم يكن بعيداً كل البعد عن مذاهب أهل السنة.. ولكن بعد أن تقوضت خلافتهم استحال المذهب الإسماعيلي إلى مذهب باطني" [صفحة 15 من رسالته].
مع أن الأمر لم يكن كذلك، بل كان كما قال ابن خلدون: إنهم كانوا باطنيين قبل أن يظهر عبيدهم في المغرب، وكانوا باطنيين بعد أن ظهر، وكانوا باطنيين في عهد المعز عندما استولى على مصر، كما كانوا باطنيين إلى أن قضى عليهم صلاح الدين الأيوبي. وهذا مما لا يختلف فيه أحد من المؤرخين القدامى.
وأما قوله: "إنه بعد تقويض خلافتهم دخل فيهم كثير من الأديان والنحل غير الإسلامية" فصحيح من وجه، ولكن الديانة الإسماعيلية كلها مبنية على عقائد الأديان والملل غير الإسلامية.
ثم لا ندري بعد تعميم سيادته الحكم لماذا يستثني منه فرقة "البوهرة" مع أنها هي الوريثة الحقيقية للمذهب الإسماعيلي بما فيه من علات. فما الأسباب التي تجعل الدكتور يحكم عليها بذلك الحكم:
ألحاجة في نفس يعقوب قضاها؟ أم لشيء آخر؟
بالله خبروني إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع؟
وتلك إذاً قسمة ضيزى.
ولقد أثبتنا نحن في كتابنا الذي نحن بصدد طبعه الآن [سيصدر الكتاب قريباً عاجلاً إن شاء الله بباكستان ومصر في آن واحد، ويشتمل على بيان الإسماعيلية القديمة والجديدة] عن الإسماعيلية أن الإسماعيلية بجميع طوائفها حاملة عقائد ومعتقدات تخرجها عن الملة الإسلامية قطعاً، سواء تظاهرت بالتمسك بالشريعة كالبوهرة، أو تجاهرت بتركها كالآغاخانية.
والجدير بالذكر أن مدعي زعامة البوهرة داعي الدعاة يدعي بأن له اختيارات يملكها، وأوصافاُ يتحلى بها إن لم تجعله فوق الرب فلا تجعله دونه، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.(6/64)
ولقد أثبتنا نص البيان الذي قدمه إلى المحكمة القضائية ببومبي والد الزعيم الحالي، طاهر سيف الدين [ومن المؤسف أن الأزهر الشريف منحه شهادة الدكتوراه الفخرية] عام 1920م جواباً للدعوى التي أقيمت عليه من قبل جمعية أحرار البوهرة حداً لاختياراته وغلوائه، والذي قال فيه: "لا يسأل عما يفعل لأن اختياراته لا تقل عن اختيارات الرب جل وعلا".
وأما ما كتبه الدكتور وافي وقرر فيه أن مذهب الإسماعيلية أيام حكمهم لم يكن بعيداً كل البعد عن مذاهب أهل السنة، ولم تكن لتزيد عن وجوه الخلاف بين مذاهب أهل السنة نفسها بعضها عن بعض.. فلي إلا حكماً عاطفياً ظالماً، وإلا فما رأي الدكتور في كتابة الشتائم على محاريب المساجد، والقذائف على منائرها ضد الخلفاء الراشدين الثلاثة، وأزواج النبي أمهات المؤمنين، ألا يعتبر هذا من وجوه الخلاف بين الشيعة وبين مذاهب أهل السنة؟ وأن ادعاء نسخ الشريعة وتعطيلها والاعتقاد بها أيضاً أليس من الأمور توسع هوة الخلاف بينهم وبين أهل السنة؟
وكذلك جعل محمد بن إسماعيل، سابع النطقاء ومتمم دور السبعة أيعتبر هذا من الخلافات اليسيرة بين القوم وبين المسلمين؟
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
وتجنباً للإطالة، وتحرزاً عن التطويل نورد هنا رواية واحدة عن المعز نفسه، مؤسس الدولة الفاطمية، ومنشئ الإسماعيلية بمصر.
يقول المعز لدين الله الفاطمي في دعائه المشهور المنقول من أدعية الأيام السبعة بعد الصلاة على آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى:(6/65)
"وأخصص اللهم محمد بن عبد الله من ولد إسماعيل الذي شرفته وكرمته وعطلت به ظاهر شريعة عيسى، وصيره سادس النطقاء.." – إلى أن قال -: "وصلّ على القائم بالحق، الناطق بالصدق، التاسع من جده الرسول، الثامن من أبيه الكوثر، السابع من آبائه الأئمة، سابع الرسل من آدم، وسابع الأوصياء من شيث، وسابع الأئمة من البررة صلوات الله عليهم كما قلت سبحانك { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام } سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء" وهو استواء أمر النطقاء بالسابع القائم صلوات الله عليه كما ذكرنا آنفاً، "الذي شرفته، وكرمته وعظمته، وختمت به عالم الطبائع، وعطلت بقيامه ظاهر شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - .. وهو يوم القيامة والبعث والنشور يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم.. وصلّ على خلفائه الراشدين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون" ["أدعية الأيام السبعة لمولانا المعز لدين الله"].
فهذه هي حقيقة التقارب بين الإسماعيلية المستولية على مصر، وحقيقة تقاربهم من مذاهب أهل السنة، التي لا تعلمها أيها السيد الدكتور! مع كونك من مصر، ومحققاً الكتاب التاريخي الكبير، ومعلقاً عليه بثلاث آلاف تعليقة.
فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
ولقد أعلن هذه الحقيقة الناصعة الكثيرون الكثيرون من أئمة الفاطميين ودعاتهم، كما تناقلوا دعاء المعز هذا وتوارثوه جيلاً بعد آخر.
ولقد شهد بذلك الداعي المطلق إبراهيم بن الحسين الحامدي الذي كان موجوداً ف عهد الآمر بأحكام الله، حاكم مصر في كتابه "كنز الولد" الذي طبع في مصر وفي بيروت أيضاً بقوله:(6/66)
"وأما محمد بن إسماعيل فهو متم شريعته (شريعة محمد) وموفيها حقوقها وحدودها، وهو السابع من الرسل، بيان ذلك في أدعية مولانا المعز السبعة، وهو الذي يشهد (النبي) له وللقائم محمد بن عبد الله المهدي لأنه قائم القيامة الوسطى، وقائم القيامة الأولى أمير المؤمنين، وقائم القيامة الكبرى رسول الله صاحب الكشف في قوله "اشهد أن محمداً رسول الله" و"أشهد أن محمداً رسول الله" لأن الخلق يشهدون برسالته وهو يشهد لمتم دورة شريعته ومنهاجه" [كنز الولد لإبراهيم بن الحسين الحامدي ص211-ط بيروت].
فما هو رأيك أيها السيد الوقور! في الإسماعيلية أيام تسلطهم على مصر، والبوهرة ورثتهم الذين يعدون المعز إماماً من أئمتهم المعصومين، ويدعون بدعائه، والذين يعدون إبراهيم الحامدي هذا الداعي المطلق الثاني من دعاة أيام الستر، وقد بلغ العدد عندهم واحداً وخمسين؟
هل تعيد نظرتك في رسالتك هذه؟ ولولا حرصنا على ألا ينخدع بها الشباب المسلم والغفلة من المسلمين لما تصدينا بالرد عليها وصرف الوقت فيها لامتلائها بالأخطاء الفاحشة، والأغاليط الواضحة الصريحة، والتي لا تخفى على ذي علم وبصيرة.
ومن أراد الاستزادة في هذا الموضوع فيراجع كتابنا عن الإسماعيلية فسوق تتجلى له الحقائق الكثيرة الكثيرة التي طالما خفيت على كثير من عباد الله بسبب قراءتهم لأقلام مأجورة وكتب رخيصة لم تصدر من كتابها إلا كصناعة وحرفة، وما أكثر ما صار في هذا الزمان من المهن والحرف! وما أكثر من يتعاطونها أعني الكتابة حرفة وصناعة، لا ديناً ولا إصلاحاً، ولا رشداً ولا غاية، اللهم لا تجعل أعمالنا كلها إلا لابتغاء مرضاتك، ولا توفقنا إلا لما ترضاه لوجهك الكريم، وخدمة لدينك القويم، ودفاعاً عن رسولك الرؤوف الرحيم، وعن شريعتك التي لا تبدل ولا تنسخ إلى يوم الدين.(6/67)
هذا ولا زلنا حتى الآن في تمهيدات الدكتور وفي المشحونة بالأخطاء والإغلاط، ومما يزيد الاستغراب والاستعجاب، ويثير الحيرة والدهشة أن سيادته حاول في تمهيداته التي أخذت قريباً من نصف الكتيب إيقاع القارئ في مغالطات كثيرة، ولا أعرف تماماً أهذه المحاولة مقصودة أم غير مقصودة؟
لا أعرف كل هذا ولكنه من المضحك المبكي أنه يجعل الخلاف بين، المسلمين أهل السنة وبينهم أعني الشيعة مبنياً على الاجتهاد، ويطالبنا بألا نحكم عليهم بالزيغ والانحراف لأن للمجتهد رأيه ويجوز العمل به، وله أجره أخطأ أم أصاب، فإن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران [انظر صفحة ص22 من رسالته].
وأكثر من ذلك يقرر: أن ما ذهبوا إليه يكون هو الصواب ويحتمل أن ما ذهبنا إليه هو الخطأ" [انظر صفحة ص22 من رسالته].
وإن كان الأمر كذلك فعلى الإسلام السلام.
وهكذا تقلب الموازين ويحق الباطل ويبطل الحق!!.
ويبلغ السيل الزبى حيث يحكم الدكتور بكل قسوة وظلم، وبكل تعسف وتعنت "بأن القضاء المصري أخذ بآراء انفرد به المذهب الجعفري، منها وقوع الطلاق المقترن بالعدد لفظاً أو إشارة طلقة واحدة" [صفحة 23 من رسالته].
ثم يعلق بأن القضاء المصري أخذ هذا الرأي من ابن تيمية، وابن تيمية من الشيعة" [تعليقة رقم 16 نفس الصفحة].(6/68)
ومعاذ الإله أن يكون الأمر كذلك، وأعيذ علماء مصر بالله أن يكون ظنهم ظنك، ومن لا يعرف غير الدكتور أن عامة أهل الحديث في سالف الزمان وحاضره يذهبون هذا المذهب ويأخذون بهذا الرأي قبل ابن تيمية وبعده؟ وابن تيمية أشد الناس حذراً من الشيعة، ومما يرد عن طريقهم وبواسطتهم، ومذهب أهل الحديث مبني على عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومأخوذ من سنته بأنه عليه الصلاة والسلام – فداه أبواي وروحي – كان يعد التطليقات الثلاثة في مجلس واحد مرة واحدة تطليقة واحدة، وأمر من أتى بها إليه أن يجعلها واحدة كما رواه الإمام أحمد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: طلّق ركانة امرأته في مجلس واحد، فحزن عليها حزناً شديداً، فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف طلقتها؟.. قال: ثلاثاً فقال: في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال: فإنما تلك واحدة، فأرجعها إن شئت فراجعها" [أخرجه أحمد (17/6 (الفتح الرباني))].
وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشد الثاني والملقب بالفاروق من النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرح بقوله ما معناه أن الطلقات الثلاث كانت تعد في زمن النبي والصديق طلاقاً واحداً. كما رواه مسلم في صحيحه:
قال أبو الصهباء لابن عباس: ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر؟.. قال: نعم [مسلم (3/669) وغيره].
وروي عنه أيضاً أنه قال: كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضينا عليهم فأمضاه عليهم [مسلم (3/668) وأحمد (17/7- الفتح الرباني) وغيره].(6/69)
وعليه الفتوى حتى اليوم في بلاد الهند وباكستان عند أهل الحديث السلفيين، وبذلك يفتي السلفيون في البلاد العربية، البعيدون كل البعد عن الشيعة ورواياته، والذين لا يتمسكون بأقوال الرجال وآرائهم ولو كانوا من أهل السنة كيف يتصور منهم التمسك بآراء الرجال وأقوالهم وهم من الشيعة أو ينسبون إلى التشيع؟
فهل هي محاولة مقصودة أم غير مقصودة؟ وهل هي مغالطة متربصة أم غير متربصة؟ في كلا الاحتمالين لا يغض الطرف عن خطورته ولا يصرف النظر عن عظم فساده، وما أكثر ما أورده من المغالطات في كتيبه والتي تجعل غير الشاك في نية الدكتور وإخلاصه يبدأ يرتاب فيه ويشك في مقاصده ومراميه. والله يعلم السرائر، وهو { يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور } [سورة هود الآية5].
و { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } [سورة غافر الآية19].
ومغالطات كهذه الخافية منها والظاهرة هي الصفة المميزة لهذه الرسالة التي سنأتي ببيانها والرد عليها بعد دخولنا في المباحث الأصلية، ولم يكن قصدنا ههنا إلا ذكر الأغاليط التي وقع فيها الدكتور وافي في مختصره هذا، والتي قدمنا نموذجاً منها من تمهيداته ومن صفحاته الأولى فقط. وهذا قليل من كثير من بحره الزاخر ومائه الوافر، وما أعرضنا عنها نظراً، وصفحنا عنها جنباً فهي كثيرة كثيرة لا تسعها هذه العجالة، مثل ذكره الشيعة في المدينة باسم النخلية [صفحة رقم11 من رسالته]، مع أن كل من عاش المدينة المنورة لبضعة أيام أو تطرق إلى معرفة من يعايشها عرف أنهم نخاولة، وليسوا نخلية.
وكذلك عند ذكره الأقليات السنية في إيران يقتصر على الأكراد مع أن سكان إقليم بلوشستان كلهم أهل السنة، وكذلك طائفة من عرب عربستان، وغيرها من الأشياء الكثيرة نسأل الله أن يلهمنا وإياه الصواب والرشاد.(6/70)
فمن يكون حاله هكذا لا يحق له أن يتطرق إلى موضوع ليس له به صلة، من قريب أو بعيد. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.
واللهم أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
الباب الثاني
الشيعة الإثنا عشرية والقرآن الكريم
الخلاف الذي يقع بين الناس ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
خلاف منشؤه الاختلاف في الفهم، يفهم شخص من عبارة أو كلمة مفهوماً. ويفهم منها الثاني مفهوماً آخر.
والثاني منشؤه الجهل: إنسان يعلم شيئاً ويعرفه، وآخر يجهله ولا يعرفه.
ثالثاً: اختلاف مبني على العناد بقطع النظر عن علم واحد وجهل آخر. أو عن الخطأ في فهم عبارة أو كلمة أو تعبير.
فهذه هي الأقسام الثلاثة للخلاف الذي يقع فيه الناس.
وأما القسم الأول والثاني من الخلاف فيمكن رفعه ونزعه والقضاء عليه لأنه حينما يعلم الجاهل ويعرف غير العارف يرتفع الخلاف، وكذلك حينما يصح الفهم ويستقيم.(6/71)
وأما الخلاف الذي منشؤه العناد فلا يمكن نزعه ورفعه لأنه مبني على المكابرة والإنكار، والمنكر لا يمكن أن يحاج بشيء ولا يحصل منه على نتيجة. لأنه ليس له قواعد وأسس يرجع إليها وقت الخلاف والنزاع بخلاف الأول والثاني فإنه يرجع وقت الخلاف إلى القواعد الثابتة والأسس الراسخة. وعلى ذلك فالخلاف الموجود بين مختلف طوائف المسلمين وفرقهم يرجع سببه إما إلى القسم الأول أو إلى القسم الثاني ولكن لاعتراف الجميع بالقواعد الثابتة والأسس المعتمدة يرتفع الخلاف ويزول النزاع، ويرجى بذلك أن يأتي يوم تذوب فيه الجماعات المختلفة والطوائف المتعددة. لأنه إذا ما رجع أصحاب الفكر وأهل البصيرة من كل طائفة إلى الأسس الأصلية والقواعد الأساسية انتهت الحزبية وقضي على التعدد والتفرق. وبهذا أمروا في كتاب الله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً } [سورة النساء الآية59].
وأما الخلاف الذي بينهم وبين غيرهم فلا يمكن رفعه وحله لأنه مبني على الإنكار والمكابرة، إنكار المبادئ والأسس ومكابرة الحق وبطره ورفضه وإبطاله.(6/72)
وهناك من فرقوا كلمة المسلمين، وشقوا عصا طاعة جماعتهم، وخالفوا عن كلمتهم، ومزقوا جمعهم، وأنشئوا جماعات ورسخوا في قلوبهم وعقولهم الآراء والعقائد التي لا تمت إلى الإسلام بصلة وهؤلاء لا يمكن دمج عقائدهم مع عقائد المسلمين، حيث وضعوا مخططاً يشتمل على الإنكار المحض، والمكابرة الصرفة، وعلى عدم الاعتماد على القرآن، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه مع الإقرار بهذين الأصلين يمكن أن تتأتى الوحدة ويحصل الاتفاق، ولكن عند افتقادهم وإنكارهما لا يمكن أن تحصل وحدة في زمن من الأزمان أو يوم من الأيام، فأبعد رؤساء الشيعة اتباعهم عن المسلمين إلى حد أن جعلوا في مخالفتهم، الحق، كما مر بيانه سابقاً.
وبعد هذا كله كيف يتصور أن يحصل الوئام، ويتأتى الوفاق والخلافات الموجودة بين أهل السنة والشيعة خلافات لا يمكن نزعها، ولا يحتمل رفعها.
ونتساءل: على أي شيء تعرض معتقداتهم؟ أعلى كتاب الله؟ هم لا يؤمنون به، أم على سنة رسول الله؟ هم لا يعتقدونها، لأن القرآن الموجود بأيدي الناس هو من جمع وترتيب وتأليف أبي بكر وعمر وعثمان، أعداء عليّ وأهل بيته، وغاصبي الخلافة، وظالمي أهل البيت – حسب زعم القوم – فكيف يؤتمن اللذين غصبوا حق علي وأولاده؟.
ألم يحذفوا من القرآن ما كان لإثبات أحقية علي بالخلافة وأولاده بعده، وما كان له من فضائل ومناقب ومحامد؟.
بل كيف نصدق أنهم لم يحذفوا من القرآن ما نزل في مساوئهم، وبيان نفاقهم وفسادهم – عياذاً بالله – والطعن فيهم والتعريض بهم؟ فالقرآن والحال هذه غير مصون من تلاعبهم، وغير محفوظ، إذاً فلا يعتمد عليه ولا يوثق فيه. ومن كان هذا شأنه أي لم يسلم من الحذف والتغيير بأيدي المخالفين كيف يرجع إليه لرفع المنازعات وحل الخلافات، ومع أولئك المخالفين؟!.(6/73)
هذا في القرآن، وأما السنة فهي منقولة مروية من أناس ارتدوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - عياذاً بالله – وغيروا أحكامه، وبدلوا تعاليمه، ونبذوا إرشاداته وراء أظهرهم، ونكثوا بيعته ونقضوا ميثاقه الذي أخذه عليهم، والذين ظلموا أهل بيته، وآذوا ابنته واضطهدوا وصيه، وطردوا خليفته، واغتصبوا ماله وانتهكوا حرمته، وحرموا أهله من إرثه، واقتحموا عليهم بيتهم، وضربوا بضعته ولحمه ودمه – إلى غير ذلك من الأباطيل والأضاليل – فمن كان هذا شأنهم فكيف يوثق بهم، ويعتمد على رواياتهم التي ينقلونها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
ولذلك تراهم لا يلجئون إلى كتاب الله، وإلى سنة نبينا عليه الصلاة والسلام عند الاحتجاج واللجاج، بل يلجئون إلى أساطير وقصص اخترعوها واختلقوها لإحقاق باطلهم وإبطال الحق، ونسبوها إلى أهل علي رضي الله عنه، وهم منها براء.
والنتيجة إنكار القرآن الموجود بأيدي الناس وسنة النبي الثابتة، أو بتعبير أصح منه: اعتقاد التحريف في القرآن بأنه غيّر وبدّل، وكذلك السنة النبوية، إنها منقولة بطريق المغيرين والمبدلين والمرتدين.
تلك بعض أسس المذهب الاثنى عشرية وبدون ذلك لا يثبت مذهبهم.
ولأجل ذلك قال السيد هاشم البحراني المفسر الشيعي الكبير في مقدمة تفسيره "البرهان":
وعندي في وضوح صحة هذا القول (بتحريف القرآن وتغييره) بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع، وإنه من أكبر مقاصد غصب الخلافة فتدبر" [البرهان في تفسير القرآن، مقدمة الفصل الرابع ص49 ط إيران].
ومثل هذا ما نقله النوري عن خاتمة محدثي الشيعة ملا باقر الملجسي، وزاد بعد سرد رواية تنص على تغيير القرآن وتحريفه قوله:(6/74)
"لا يخفى أن هذا الخبر وكثيراً من الأخبار صريحة في نقص القرآن وتغييره، متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل أظن أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة، فكيف يثبتونها بالخبر" [مرآة العقول للملا باقر المجلسي باب إن القرآن كله لم يجمعه إلا الأئمة عليهم السلام نقلاً عن فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب للنوري الطبرسي الشيعي ص253].
وبذلك قال المحدث الشيعي المشهور نعمت الله الجزائري رداً على من يقول بعدم التحريف في القرآن:
"إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها" [الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص357 طبعة جديدة].
إن الأخبار الدالة على هذا (التحريف) تزيد على ألفي حديث وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد والعلامة المجلسي وغيره، بل الشيخ (الطوسي) أيضاً صرح في (التبيان) بكثرتها، بل ادعى تواترها جماعة" [أيضاً نقلاً عن فصل الخطاب للنوري الطبرسي ص251].
وأما الطبرسي فقال:
واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية" [فصل الخطاب ص252].
وقال خاتمة محدثي القوم الملا باقر المجلسي في كتابه "حياة القلوب" إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلن يوم الغدير:
إن علي بن أبي طالب ولي ووصي وخليفتي من بعدي، ولكن أصحابه عملوا عمل قوم موسى فاتبعوا عجل هذه الأمة وسامريها أعني أبا بكر وعمر.. فغصب المنافقون خلافته، خلافة رسول الله من خليفته، وتجاوزوا إلى خليفة الله أي كتاب الله، فحرفوه، وغيروه، وعملوا به ما أرادوه" [حياة القلوب للمجلسي الفارسي ص554 وما بعده – ط إيران].(6/75)
ومثل هذا كثير، ومن أراد الاستزادة في معرفة أقوال أئمة القوم وأعلامهم في هذا الباب، فليرجع إلى كتابنا (الشيعة والقرآن) حيث قد فصلنا القول فيه، وبينا هنالك أن أمر تحريف الصحابة للقرآن عقيدة عند الشيعة متواترة منقولة من سلفهم غير الصالح إلى خلفهم في جميع العصور والأدوار، وإنها لعقيدة القوم أجمعهم بلا استثناء، اللهم إلا من تظاهر بعدم القول بالتحريف تقية وتهرباً من إيرادات المعترضين وأدلة اعتراضاتهم.
ومن الغرائب أن المتظاهرين هؤلاء لم يزد عددهم أيضاً على الأربعة، من بين المتقدمين، كما ذكرهم محدثو الشيعة، ومفسروهم في كتبهم، وهم، ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق وأستاذ الفقيه محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالمفيد المتوفى سنة 381ه. والسيد المرتضى الملقب بعلم الهدى المتوفى سنة 436ه، وأبو جعفر الطوسي تلميذ الشيخ المفيد المتوفى سنة 460ه. وأبو علي الطبرسي المتوفى سنة 548ه.
فهؤلاء الأربعة من المتقدمين الذين تظاهروا بعدم اعتقاد التحريف في القرآن لا خامس لهم إطلاقاً من بين متقدمي الشيعة من مفسرين ومحدثيهم وفقهائهم. وبذلك صرح المحدث الغوري الطبرسي أن القائلين بعدم التحريف:
"هو الصدوق في عقائده، والسيد المرتضى، وشيخ الطائفة (الطوسي) ولم يعرف من القدماء موافق لهم.. وممن صرح بهذا القول أبو علي الطبرسي.. وإلى طبقته لم يعرف الخلاف صريحاً إلا من هؤلاء المشائخ الأربعة" [فصل الخطاب ص33، 34].
وإن هؤلاء الأربعة لم يلجئوا إلى التظاهر بإنكار هذه العقيدة التي عليها أساس المذهب الشيعي وبناؤه إلا خداعاً ومكراً، وتقية وكذباً كما أثبتناه في كتابنا (الشيعة والقرآن) بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة والحجج اللامعة، ومن كتب الأربعة أنفسهم، وكما صرح بذلك علماء الشيعة أنفسهم، فها هو المحدث الشيعي المشهور السيد نعمت الله الجزائري يقول بعد إثبات التحريف في القرآن بالأخبار المستفيضة والمتواترة:(6/76)
نعم! قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي، وحكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير، ولم يقع فيه تغيير ولا تبديل.. والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة، منها: سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها، وسيأتي الجواب عن هذا كيف وهؤلاء الأعلام رووا في مؤلفاتهم أخباراً كثيرة تشتمل على وقوع تلك الأمور في القرآن [وقد أثبتنا بفضل الله وتوفيقه من كتب هؤلاء أنفسهم في كتابنا (الشيعة والقرآن) أنهم يعتقدون التحريف في القرآن أيضاً حيث يسوقون روايات عديدة تدل عليه، ولا يسوقونها فحسب، بل يستدلون بها ويبنون عليها الأحكام ويستنبطون منها المسائل، فارجع إليه فإنه نفيس] وإن الآية هكذا أنزلت ثم غيرت.. وإنه قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين عليه السلام بوصية من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبقي بعد موته ستة أشهر مشتغلاً بجمعه، فلما جمعه كما أنزل، أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزل، فقال له عمر بن الخطاب: لا حاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك؛ عندنا قرآن كتبه عثمان، فقال لهم علي عليه السلام: لن تروه بعد هذا اليوم، ولا يراه أحد حتى يظهر ولدي المهدي عليه السلام، وفي ذلك القرآن زيادات كثيرة، وهو خال من التحريف، وذلك أن عثمان قد كان من كتاب الوحي لمصلحة رآها - صلى الله عليه وسلم - ، وهي ألا يكذبون في أمر القرآن، بأن يقولوا: إنه مفترى، أو إنه لم ينزل به الروح الأمين، كما قاله أسلافهم، بل قالوه هم أيضاً، وكذلك جعل معاوية من الكتّاب قبل موته بستة أشهر لمثل هذه المصلحة أيضاً، وعثمان وأضرابه ما كانوا يحضرون إلا في المسجد مع جماعة الناس، فما يكتبون إلا ما نزل به جبريل عليه السلام بين الملأ.(6/77)
أما الذي كان يأتي به داخل بيته - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن يكتبه إلا أمير المؤمنين عليه السلام، لأن له المحرمية دخولاً وخروجاً، فكان يتفرد بكتابة مثل هذا، وهذا القرآن الموجود الآن في أيدي الناس هو خط عثمان، وسموه الإمام وأحرقوا ما ساه أو أخفوه، وبعثوا به زمن تخلفه (توليه الخلافة) إلى القطار والأمصار. ومن ثم ترى قواعد خطه تخالف قواعد العربية مثل كتابة الألف بعد واو المفرد وعدمها بعد واو الجمع وغير ذلك، وسموه رسم الخط القرآني ولم يعلموا أنه من عدم إطلاع عثمان على قواعد العربية والخط.
وقد أرسل عمر بن الخطاب زمن تخلفه إلى علي عليه السلام بأن يبعث له القرآن الأصلي الذي كان ألفه، وكان عليه السلام يعلم أنه طلبه لأجل أن يحرقه كقرآن ابن مسعود أو يخفيه عنده حتى يقول الناس: إن القرآن هو هذا الكتاب الذي كتبه عثمان لا غير، فلم يبعث به إليه وهو الآن موجود عند مولانا المهدي عليه السلام مع الكتب السماوية ومواريث الأنبياء، ولما جلس أمير المؤمنين عليه السلام على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن، وإخفاؤه هذا راجع لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه، كما لم يقدر على النهي عن صلاة الضحى، وكما لم يقدر على إجراء المتمتعين، متعة الحج ومتعة النساء، حتى قال عليه السلام: لولا ما سبقني بنو الخطاب ما زنى إلا شفاً، يعني إلا جماعة قليلة، لإباحة المتعة، وكما لم يقدر على عزل شريح عن القضاء ومعاوية عن الإمارة" [الأنوار النعمانية لنعمت الله الجزائري ج2 ص357 وما بعد].
وبمثل ذلك ذكر علامة الشيعة في الهند السيد محمد اللكنوي، رداً على من قال بعدم التحريف في القرآن، وهذه هي عبارته:(6/78)
"أما ادعاء عدم التحريف في القرآن الموجود بأيدي الناس فهو محل النظر، بل هو ظاهر الفساد، لأن الروايات التي بلغت حد التواتر تدل على أن علي بن أبي طالب هو الذي اشتغل بالقرآن بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلا فتبقى هذه الروايات لغواً محضاً، لا قيمة لها. وهذا مع أن الروايات قد كثرت عن المعصومين أن القرآن الحقيقي مخزون مودع مودع عند صاحب العصر عليه الصلاة والسلام" [ضرب حيدري ج2 ص78-ط الهند].
ومثل هذا لكثير.
ومن الغرائب أن السيد الدكتور وافي، الذي لا يعرف عن عقائد الشيعة شيئاً، أو يعرف ويتجاهل، كيف استساغ أن يرد على من يتهم الشيعة باعتقادهم التحريف في القرآن الموجود بأيدي الناس، والمضمون حفظه وسلامته من أي تغيير وتبديل، وصيانته من نقص وزيادة من قبل الله عز وجل؟ كيف يجيز لنفسه أن يرد على من يقول في الشيعة: بأنهم لا يؤمنون بهذا الكتاب؟ بل يعتقدون وقوع التغيير والتبديل والتحريف فيه؟ ولا يقولونه من عند أنفسهم، بل يعتقدون وقوع التغيير والتبديل والتحريف فيه؟ ولا يقولونه من عند أنفسهم، بل بنقل الروايات الكثيرة الكثيرة، التي بلغت حد الاستفاضة والتواتر، وكلها منقولة من أئمتهم حسب زعمهم برواية الثقات عن الثقات، والعدول عن العدول، في صحاحهم وكتب الحديث التي تعد من الأصول، وكذلك في كتب التفسير والفقه، وحتى كتب العقائد؟!
ومن أين له أن يختلق لهم الأعذار التي لم يعتذر بها الشيعة أنفسهم، بنقل آراء الآحاد منهم، وفي النقل خيانة أيضاً – حسبنا الله –؟ وما كان في ظني أن أمثال الدكتور يأتون بها، ولولا لعبة واضحة لعب بها السيد الدكتور في كتيبه ما استعملت في حقه هذه الكلمات غير المناسبة، في شأنه ومقامه، ولكن على أي شيء أحمل كلامه في الدفاع عن الشيعة حول اعتقادهم في القرآن؟!(6/79)
"وقد تصدى كثير من الشيعة الجعفرية أنفسهم للرد على هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها، وبطلان نسبتها إلى أئمتهم، وأنها ليست من مذهبهم في شيء" [بين الشيعة وأهل السنة للدكتور وافي ص38].
ولم يستطع بعد هذا الادعاء العريض أن يبرهن على ذلك بالدليل، ويستدل بالحجة، ويستند ولو برواية واحدة عن أئمة القوم؟؟ وأنى له هذا؟ فقد عجز عنه الشيعة قاطبة بأن يأتوا برواية واحدة عن أئمتهم المعصومين بطرقهم أنفسهم تنص وتدل على أن القرآن الموجود بأيدي الناس هو قرآن كامل سالم من لحوق أي تغيير وتحريف فيه!.
نعم! قد ذكر السيد الدكتور بعد هذا الادعاء الفارغ بأنه جاء في تفسير الصافي:
"وأما الشيخ أبو علي الطوسي فإنه قال في مجمع البيان: أما الزيادة فيه فمجمع على بطلانها، وأما النقصان والتغيير فقد روى عن جماعة من أصحابنا وجمع من حشوية العامة، والصحيح من مذهبنا خلافه.. إلخ" [بين الشيعة وأهل السنة ص38، 39].
وأغرب ما يكون في الأمر هو تحمس الدكتور في الدفاع عن الشيعة حيث أنه عقب بعد هذه العبارة الطويلة ما نصه:
وجاء في كتاب مجمع البيان (للطوسي)
وأما الكلام في زيادته.. إلخ [بين الشيعة وأهل السنة ص38، 39].
يعني أعاد نفس الكلام الذي ذكره مقدماً، وعن نفس الرجل ونفس الكتاب بفرق أنه أولاً نقل كلامه من تفسير الصافي بواسطة، ثم عنه بلا واسطة، وبنفس المعنى والمفهوم، فلا ندري ما فائدة التكرار؟ أيكون لحاجة في نفس يعقوب قضاها؟..
أم لماذا؟..
والظاهر أنه أورد هذا لافتقاره وإفلاسه بأن يجد دليلاً على ما ادعاه، وبرهاناً على دعواه، "إن كثيراً من الشيعة أنفسهم تصدى لرد هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها".
فمن هم الكثيرون يا ترى؟
فاضطر لأن يعدد الواحد ويذكر عبارة واحدة عن كتابين مختلفين والصادرة عن شخص واحد.
فهل هناك خطأ أكبر من هذا الخطأ؟(6/80)
نعم! هنالك، حيث ادعى أن كثيراً من أئمة الشيعة أنفسهم ردوا هذا الاعتقاد، ولقد أوهم بأن صاحب تفسير الصافي وصاحب مجمع البيان أبا علي الطوسي من أئمة الشيعة، وليس الأمر كذلك إطلاقاً، لأن كلاً منهما ليس بإمام.
ثم خطأ آخر هو أنه أوهم بنقل هذه العبارة عن الصافي؛ أن صاحبه أي السيد المحسن الملقب بالفيض الكاشاني يعتقد بهذا الاعتقاد حسب ما ينقل عن أبي علي الطوسي، مع أن الكاشاني في تفسيره لم ينقل كلام الطوسي إلا للرد عليه والجواب على مقولاته، وبين اعتقاده واضحاً صريحاً مثل الآخرين من مفسري الشيعة ومحدثيهم وفقهائهم ومتكلميهم، ولذلك قال بعد نقل كلامه:
أقول لقائل أن يقول: كما أن الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين، كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصية، المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم، والتغيير فيه إن وقع فإنما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الآن، والضبط الشديد إنما كان بعد ذلك، فلا تنافي بينهما، بل لقائل أن يقول:
إنه ما تغير في نفسه، وإنما التغيير في كتابتهم إياه، وتلفظهم به، فإنهم ما حرفوا إلا عند نسخهم من الأصل، وبقي الأصل على ما هو عليه عند أهله وهم العلماء به. فما هو عند العلماء به ليس بمحرف، وإنما المحرف ما أظهروه لأتباعهم.
وأما كونه مجموعاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما هو عليه الآن فلم يثبت، وكيف كان مجموعاً وإنما كان ينزل نجوماً؟ وكان لا يتم إلا بتمام عمره؟ وأما درسه وختمه فإنما كانوا يدرسون ويختمون ما كان عندهم منه لإتمامه" [تفسير الصافي لفيض الكاشاني ج1 ص35، 36، المقدمة السادسة –ط إيران].(6/81)
وأطراف من هذا كله أن السيد الدكتور نقل عن أحد المحامين ببغداد الأستاذ الفكيكي أنه قال: إن الأخبار الواردة في نقصه وتحريفه ضعيفة شاذة، وأن مشائخ فقهاء الإمامية ضربوا بها عرض الجدار، بل لقد كفروا من دعاها" [بين الشيعة وأهل السنة ص40].
ولا أدري ولست إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء؟
من يسأل الدكتور الناقل المحض بدون تدبر وتعقل: هل هذه هي الأدلة على ثبوت دعواه بأن أئمة الشيعة ردوا هذه الأخبار الكاذبة وبينوا بطلانها؟ ولم يستطع سيادة الدكتور في كتيبه كله أن ينقل تضعيف هذه الأخبار إلا من محام ببغداد لا نعرف من هو، وما مقامه في العلم ومكانته لدى الشيعة؟
ثم إن هذا المحامي أيضاً لم يضعف الروايات ولم يين شذوذها بطريقة علمية معروفة، بل ادعى أن مشائخ فقهاء الإمامية ضربوا بها عرض الجدار.
فمن هم أولئك المشائخ؟، وفي أي عصر كانوا؟ وبأي دليل قالوا؟ وأين وجدوا.. في أي أرض وفي أي قطر؟ وفي أي كتاب وأية صحيفة؟
دعوى بلا بينة، وكلام بلا برهان.
وزاد الطين بلة أن المحامي المذكور، ذكر كما نقل عنه الدكتور بخط مكبر جداً، بل لقد كفروا من ادعاها [انظر: صفحة 40 من كتيبه].(6/82)
وإن كان الأمر كذلك فمن كان من أعيان الشيعة وعلمائها مسلماً.. بالله خبروا! أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، صاحب كتاب الكافي، إمام محدثي الشيعة وعمدتهم في الحديث، أم أستاذه علي بن إبراهيم القمي، صاحب تفسير القمي شيخ مشائخ الشيعة في التفسير وشيخ الكليني أيضاً، أم محمد بن مسعود العياشي، عين عيون الطائفة الشيعية، وصاحب أقدم تفسير شيعي، أم محمد بن الحسن الصغار، صحابي الحسن العسكري الإمام المعصوم عندهم، وأستاذ الكليني أيضاً، أم فرات بن إبراهيم الكوفي، المفسر الشيعي القديم، وأستاذ والد ابن بابويه القمي، وشيخ شيخه، أم محمد بن النعمان الملقب بالشيخ المفيد، أستاذ شيخ الطائفة الطوسي، أم محمد بن إبراهيم النعماني، تلمي الكليني وصاحب كتاب الغيبة، أم المفسر محمد بن العباس الماهيار، أم شيخ المتكلمين أبو سهل إسماعيل بن علي، أم الفيلسوف أبو محمد حسن بن موسى، أم الشيخ الجليل إسحاق بن إبراهيم، أم إسحاق الكاتب، أم رئيس الشيعة الذي ربما قيل بعصمته أبو القاسم حسين بن روح السفير الثالث بين الشيعة والغائب، أم شيخ الأقدمين فضل بن زاذان، أم محمد بن الحسن الشيباني الشيعي صاحب تفسير نهج البيان، أم محمد بن خالد البرقي، أم علي بن الحسن الفضال، أم محمد بن الحسن الصيرفي، أم أحمد بن محمد السيار من المتقدمين؟!
ومن المتأخرين الكثيرون ممن لا يعدون ولا يحصون من مفسري الشيعة، ومحدثيهم، وفقهائهم، ومتكلميهم، ممن ذكرنا أسماء الكثيرين منهم في كتابنا (الشيعة والقرآن).
وهؤلاء هم عمدة مذهب الشيعة وقدوتهم، نواب أئمتهم المعصومين، ومبلغو أخبارهم، وحفظة أحاديثهم، ونقلة آثارهم، وكلهم صرحوا بالتحريف والتبديل والتغيير في القرآن بدون إبهام ولا غموض. وقد صنف بعض منهم كتباً مستقلة، وألف البعض الآخر أجزاء منفصلة لبيان عقيدة الشيعة في القرآن وإثبات التبديل والتغيير فيه.
فإن كان هؤلاء كلهم كفرة، فمن كان من القوم مسلم؟!(6/83)
ولا يهمنا ذلك ونحن نعلن على ملأ الأشهاد بأن الشيعة لو أعلنوا بهذا الاعتقاد، ووافق علماؤهم على هذا القول بأن كل من يقول بالتحريف والتغيير في القرآن أو يعتقد الحذف والنقص فيه فهو كافر، أياً من كان، فنحن نوافقهم على ذلك، ونهنئهم ونبارك لهم بأن الله هداهم إلى سواء السبيل، فليعملوا مع أولئك الأعلام معاملة ما يقرون ويعلنون، ويرموا كتبهم في النار، ويتبرءوا منهم ومن كتبهم، ونحن نتبرأ مما قلناه عنهم، ومما نقوله، ونتوب إلى الله ونستغفره.
فهل من مقدم يقدم؟ وهل من مجيب يجيب؟ وهل من سامع يسمع ويستجيب؟ { وما أنت بمسمع من في القبور } .
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
ثم إن الدكتور وافي لا يدري بأن هذا القول – أي القول بتحريف القرآن وتغييره وتبديله – ليس بقول شاذ، بل هو القول المعمول به في جميع الأجيال الشيعية وعند جميع الطبقات قديماً وحديثاً، وهو مبني على أقوال المعصومين حسب زعم القوم، وهم الحجة عندهم لا غيرهم؛ لأنهم لا يعتقدون العصمة في غيرهم ومن سواهم، ولم يخرج عن هذا الاعتقاد إلا من شذ وند، ولم يخرج هؤلاء الآحاد الشذاذ إلا تهرباً من العار الذي لحقهم، والفضيحة التي لزمتهم، ولم يكن رأيهم مبنياً على أصول شيعية ولا مستنبطاً من أقول المعصومين.
ولذلك قال سلطان علماء الشيعة – كما يلقبونه – السيد محمد دلدار علي.. بعد ذكر كلام المرتضى في عدم التحريف في القرآن:
"فإن الحق أحق بالاتباع، ولم يكن السيد علم الهدى معصوماً حتى يكون من الواجب أن يطاع، ولو ثبت أنه يقول بعدم النقيصة مطلقاً لم يلزمنا اتباعه ولا ضير فيه" [ضربت حيدري ج2 ص81-ط الهند].
وقال المحدث النوري:
اعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية" [فصل الخطاب للنوري الطبرسي ص252-ط إيران].
وقال خاتمة المحدثين لدى الشيعة الملا باقر المجلسي:(6/84)
"لا يخفى أن كثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عليها رأساً" [مرآة العقول للمجلسي نقلاً عن فصل الخطاب ص353].
وقال الجزائري:
"إن الأخبار الدالة على هذا تزيد على ألفي حديث، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد والعلامة المجلسي وغيره، بل إن الشيخ الطوسي أيضاً ذكر في التبيان كثرتها، بل ادعى تواترها جماعة" [مرآة العقول للمجلسي نقلاً عن فصل الخطاب ص253].
والجدير بالذكر أننا أوردنا في كتابنا (الشيعة والقرآن) أكثر من ألف حديث شيعي من مختلف الطرق ومختلف الرواة ومختلف الكتب، كلها تنص وتصرح بأن القرآن مغير ومحرف، زيد فيه ونقص منه كثير، غير ما ذكرناه في كتابنا (الشيعة والسنة). من الأسباب التي جعلت الشيعة يعتقدون هذا الاعتقاد الزائغ الخبيث بنقل روايات كثيرة كثيرة من أمهات كتب القوم.
وبعد هذا كله لا ندري كيف يجرؤ أحد ويجسر على خداع المسلمين بأن الروايات الشيعية التي تخبر وتدل على التحريف في القرآن روايات شاة وضعيفة.
فهل يحكم على المتواتر بالشذوذ والضعف؟
وأهكذا تقلب الحقائق؟ ويكذب الصدق؟
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظم!
ومع ذلك فليس من يتظاهر بإنكار التحريف في القرآن من الشيعة، ولا من يدافع عنهم بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير من غير الشيعة، يستطيع أن يورد ولو رواية واحدة ضعيفة أو شاذة مروية عن المعصومين لدى الشيعة تنص وتصرح بأن القرآن الموجود بأيدي الناس هو المنزل من السماء، ومحفظ بحفظ الله له، غير مغير ولا مبدل فيه، لا يعتريه نقص ولا تلحقه زيادة.
فكيف يحق للشيعة والمناصرين لهم والمستميتين الدفاع عنهم والتأييد لهم، أن يقولوا: إن روايات بلغت التواتر تثبت التحريف.. هي روايات شاذة؟(6/85)
ثم من يخبر سعادة الدكتور وافي، أن الرواية لا يحكم عليها بالضعف والشذوذ إلا بمكانة الراوي الذي رواها، ومكانة الكتاب الذي وردت فيه، لا كما قاله هو:
"ولو وردت عن شيخ من شيوخهم أو في مؤلف من أمهات مراجعهم، ولو أسندها هذا الشيخ أو هذا المؤلف إلى الإمام الصادق نفسه، فمن ذلك مثلاً ما ينسبه الكليني في كتابه (الكافي) إلى الإمام الصادق من القول بأن القرآن الذي نزل به الوحي على محمد يزيد على سبعمائة وسبع وسبعين آية عن الذي نقوله، وأن الباقي مخزون عند آل البيت.. فعلى الرغم من أن راوي هذه الأقوال ومدعي نسبتها إلى الإمام الصادق هو شيخ من أكبر شيوخهم وهو أبو جعفر الكليني، والذي يعد الرواية الأول لأخبارهم، وعلى الرغم من أن الكتاب الذي وردت فيه هذه الأخبار، وهو كتاب (الكافي) هو أحد الكتب الأربعة التي يعدونها الأصول لمذهبهم، وينزله كثير منهم منزلة البخاري عند أهل السنة على الرغم من هذا كله فإنهم يحكمون ببطلان ما ورد في هذا الكتاب من أقوال عن القرآن الكريم، فلا يصح أن نحاسبهم على رأي قد حكموا هم ببطلانه ولا أن نعده من مذهبهم مهما كانت مكانة راويه عندهم ومكانة الكتاب الذي ورد فيه" [بين الشيعة وأهل السنة ص29، 30 (م6- بين الشيعة وأهل السنة)].
وإننا لا نكثر الاستغراب حينما نسمع رأياً مثل هذا الرأي عن شيخ جاوز الثمانين من عمره، وقد أفناه في التعلم والتعليم، والدرس والتدريس – اللهم إنا نعوذ بك أن نرد إلى أرذل العمر، وعن الجهل بعد العلم.(6/86)
فلعل سيادته يريد أن يبتكر مصطلحاً جديداً في الحديث لأن كل واحد سواه، ممن له إلمامة بسيطة بالمصطلح، يعرف أن الحكم على الحديث والرواية لا يكون إلا بالإسناد، فالحديث الذي رواه الثقات العدول الضباط واحداً بعد واحد يحكم عليه بالصحة، والعكس صحيح، وكذلك كل رواية وردت في البخاري أو مسلم عند السنة لا يلتفت إلى سنده حيث أن مؤلفيهما قد ألزما نفسيهما بإيراد الصحيح في كتابيهما لا غير خلافاً لمن لم يلتزم بذلك.
وكذلك الكافي عند الشيعة فإن ورد حديث فيه فلا يلتفت إلى سنده ورواته، لأنه مجرد وروده في الكافي يكفي للحكم على صحته وتوثيقه، كما صرح بذلك الكثيرون من محدثي الشيعة وعلمائهم، ومنهم المحدث النوري الطبرسي في آخر كتابه الكبير (مستدرك الوسائل) [مستدرك الوسائل ج3 ص532-ط إيران].
هذا ولقد أكثر الشيعة الكلام في تمجيده والثناء عليه في كتب الرجال والمصطلح والشروح، وقد أوردنا بعضاً منها في كتابنا (الشيعة والقرآن).
ونكتفي بذكر عبارة واحدة عن الرجال المشهور العباس القمي، أنه قال في الكافي:
هو أجل الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامية والذي لم يعمل للإمامية مثله، قال المولى محمد أمين الاستر آبادي في محكى فوائده: سمعنا عن مشائخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه" [الكنى والألقاب ج3 ص98-ط إيران].
وفوق ذلك أنه موثق من قبل المعصوم – الغائب الموهوم – الذي لا يخطئ ولا يغلط" [روضات الجنات ج6 ص116، مقدمة الكافي ص25].(6/87)
ثم لم ينفرد بسرد هذه الروايات الكليني وحده، بل شاركه في ذلك أساطين الشيعة وكبراؤهم في الحديث والتفسير والفقه والكلام قبله وبعده كما ذكرناه سابقاً، بل إن الذين تظاهروا بالإنكار أوردوا روايات التحريف كتبهم كما وضعنا النقاط على الحروف في كتابنا (الشيعة والسنة) و(الشيعة والقرآن) وعلى ذلك تناقل هذه العقيدة جيل بعد جيل من الشيعة، ولم يقتصر ذكرها في كتب الروايات بل أوردوها في كتب العقائد أيضاً، فهذا هو شيخهم المفيد، الذي يقولون فيه:
إنه أجلّ مشائخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم، وإنه أوثق أهل زمانه في الحديث، وإنه كان متقدماً في علم الكلام والفقه [مقدمة أوائل المقالات في المذاهب والمختارات ص24، 25-ط مكتبة الداورى – ط إيران].
وإنه هو الذي سن طريق الكلام لمن بعده إلى اليوم [أعيان الشيعة ص237 الطبعة الأولى بدمشق].
وقال فيه ابن النديم الشيعي:
انتهت إليه رئاسة متكلمي الشيعة، مقدم في صناعة الكلام [الفهرست لابن النديم ص252 – ط مصر].
وإنه كان وحيد دهره في كل العلوم، انتهت إليه رئاسة الشيعة [تأسيس الشيعة العلوم للمحسن الصدر ص312-ط العراق].
وهو تلميذ لابن بابويه القمي الملقب الصدوق وأستاذ للشريف الرضى، والشريف المرتضى الملقب بعلم الهدى، وأبي جعفر الطوسي الملقب بشيخ الطائفة [وهذان أي المرتضى والطوسي هما اللذان تظاهرا بإنكار التحريف في القرآن]، والنجاشي [انظر: كتب الرجال للشيعة].
المفيد هذا يذكر في كتابه العقائدي المشهور (أوائل المقالات في المذاهب والمختارات) عند سرد عقائد الشيعة في الرجعة، والبداء، وتحريف القرآن:
"واتفقت الإمامية على وجوب الرجعة.. واتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه بموجب التنزيل وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية" [أوائل المقالات ص52].(6/88)
هذا في التأليف أما الزيادة فيه والنقصان فقال:
"أقول: إن الأخبار د جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان، فأما القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم، ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني لم يرتب بما ذكرناه.
وأما النقصان فإن العقول لا تحيله ولا تمنع من وقوعه، وقد امتحنت مقالة من ادعاء وكلمت عليه المعتزلة وغيرهم فلم أظفر منهم بحجة أعتمدها في فساده – ثم يرد على من قال بحذف التأويل والتفسير، لا نفس القرآن – فيقول: من ادعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة إليه أميل.. وأما الزيادة فيه فمقطوع على فسادها من وجه، ويجوز صحتها من وجه.. ولست أقطع على كون ذلك بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن عنه، وهذا المذهب خلاف ما سمعناه من بني نوبخت (قادة الشيعة وزعمائهم في عصرهم) رحمهم الله من الزيادة في القرآن والنقصان فيه، وقد ذهب إليه جماعة من متكلمي الإمامية وأهل الفقه منهم والاعتبار" [أوائل المقالات لمحمد بن نعمان العكبري الملقب بالمفيد ص93 وما بعدها].
فهذه هي عقيدة الإمامية، المثبتة في كتب العقائد أن القرآن على خلاف التنزيل، وأنه محرف منقوص، وأما الزيادة عليه.. فإليه ذهب بنو نوبخت وجماعة من متكلمي الإمامية وأهل الفقه منهم والاعتبار، كما صرح بذلك من انتهت إليه رئاسة الشيعة: شيخ علم الهدى وشيخ الطائفة الطوسي وتلميذ ابن بابويه القمي في كتابه الذي وضعه لبيان عقائد الشيعة الاثنى عشرية، بعد تصريحه بأن الأخبار قد وردت مستفيضة عن الأئمة المعصومين باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين من الحذف فيه والنقصان.(6/89)
ولقد تناول الشيعة هذه العقيدة، وتوارثوها، خلفاً عن سلف، وأثبتوها في كتب العقائد وجعلوها من لوازم مذهب الشيعة كما صرح بذلك الكثيرون الكثيرون، منهم مفسر الشيعة الكبير السيد هاشم البحراني حيث قال:
"اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن.. المحفوظ عما ذكر، الموافق لما أنزله الله تعالى ما جمعه علي عليه السلام، وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه".(6/90)
"ولهذا كما قد ورد صرحاً في حديث سنذكره أن الله عز وجل كان قد سبق في علمه الكامل صدور تلك الأفعال الشنيعة من المفسدين في الدين، إذ أنهم كلما اطلعوا على تصريح فيه ما يضر لهم، ويزيد في شأن علي عليه السلام وذريته الطاهرين، حاولوا إسقاط ذلك رأساً أو تغييره محرفين، فكان في مشيئته الكاملة من الطاقة الشاملة المحافظة على أوامر الإمامة والولاية، وممارسة مظاهر فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - والأئمة، بحيث تسلم من تغيير أهل التضييع والتحريف، ويبقى لأهل الحق مفادها، مع بقاء التكليف، لم يكتف بما كان مصرحاً به منهما في كتابه الشريف، بل جعل جل بيانها بحسب البطون، وعلى نهج التأويل، وفي ضمن بيان ما تدل عليه ظواهر التنزيل، وأشار إلى جمل من برهانها بطريق المجاز والتعريض، والتعبير عنها بالرموز والتورية، وسائر ما هو من هذا القبيل، حتى تتم حججه على الخلائق جميعاً، ولو بعد إسقاط المسقطين ما يدل عليها صريحاً بأحسن وجه وأجمل سبيل" البرهان، مقدمة تحت عنوان "المقدمة الثانية في بيان ما يوضح وقوع بعض تغيير في القرآن، وإنه السر في جعل الإرشاد إلى أمر الولاية والإمامة والإشارة إلى فضائل أهل البيت وفرض طاعة الأئمة بحسب بطن القرآن وتأويله ص36-ط إيران].
ثم قال بعد نقل هذه العقيدة عن كبار القوم وذكر أسمائهم:
"وعندي يقين من وضوح صحة هذا القول (أي القول بتحريف القرآن وتغييره) بعد تتبع الأخبار، وتفحص الآثار، بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع" [البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني، الفصل الرابع من المقدمة ص49-ط إيران].
وقال مثل ذلك الشيخ علي أصغر البروجردي من أعيان الشيعة في القرن الثالث عشر في الكتاب العقائدي:(6/91)
"وواجب علينا أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يغير ولم يبدل وهو موجود عند إمام العصر (الغائب) عجل الله فرجه، لا عند غيره، وإن المنافقين قد غيروا وبدلوا القرآن الموجود عندهم" [كتاب عقائد الشيعة فارسي ص27-ط إيران].
وبمثل ذلك كتب الملا محمد تقي الكاشاني في كتابه هداية الطالبين [ص368-ط إيران] وزين العابدين الكرماني في رسالته تذييل [ص13 وما بعد – ط مطبعة سعادة بكرمان إيران]، وأخوه في كتابه حسام الدين، وقبلهما أبوهما محمد كريم خان المتوفى سنة 1288ه، صرح بذلك في كتابه نصرة الدين وأيضاً في كتابه إرشاد العوام الذي ألفه في العقائد، والسيد علي بن نقي الرضوى مجتهد الشيعة بالهند في كتابه إسعاف المأمول [ص115 –ط مطبعة اثنا عشرى لكنؤ الهند سنة 1312ه] وغيرهم.
هذا ولقد ذكرنا في كتابنا (الشيعة والقرآن) وقبله في (الشيعة والسنة) بأن علماء الشيعة ألفوا كتباً ورسائل مستقلة في إثبات التحريف في القرآن في كل عصر وبلد وجدوا فيه، ولا يخلو مكان أو زمان لم تصنف فيه مثل هذه الكتب كما أثبتنا أسماءهم وأسماء كتبهم في كتبنا المذكورة، ولم ينكر هذه العقيدة، من أنكر منهم، إلا مداراة للمسلمين، وتقية وخداعاً لأهل السنة، وسداً لباب المطاعن، ولم يبنوا إنكارهم هذا على رواية من أئمتهم المعصومين حيث يزعمون أن مذهبهم قائم على آرائهم وأفكارهم، ولا على أصول مطر موجود.
رغم أن القائلين بهذه المقولة، المتجاهرين بهذه العقيدة، بينوا أسباباً ألجأتهم إلى اعتناقها والاعتقاد بها. وأصول المذهب وأسسه التي وضع عليها.. تقتضي ذلك أيضاً، وساندها وناصرها رجال من الشيعة، لولاهم لما قام لديانتهم عود، ولا استقام لها عمود.
وهذا واضح وجلي، لا نظن أنه يخفى على عاقل وبصير[نظرة على ما كتبه البهنساوي:(6/92)
من الغريب والمؤسف حقاً أن بعض من ينتسب إلى العلم من أهل السنة انخدع بأباطيل الشيعة وأكاذيبهم فكيف انخدع؟، وكيف خطف بصره بريق عقائدهم المزورة الكاذبة؟، وكيف سمح له علمه قبل ضميره ودينه أن يتصدى للدفاع عنهم، وعن عقائدهم الخبيثة الملتوية، وعن آرائهم – المعوجة، وأفكارهم الزائغة عن سواء السبيل؟.]، إلا من أضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله؟!
كيف يكتب بدون معرفة وعلم، وبدون فقه وبصيرة؟ لقد ظهر جهله الكلي بأصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية والأسس التي قام عليها، بسبب عدم اطلاعه على كتبهم الأصلية، ومراجعهم القديمة والحديثة الأصيلة، في التفسير والحديث والفقه والكلام والتاريخ، مثل السيد الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه (بين الشيعة وأهل السنة) والأستاذ سالم علي البهنساوي في كتابه (السنة المفترى عليها)، والدكتور عز الدين إبراهيم في كتابه (لا أساس للخلاف بين السنة والشيعة) وغيرهم من المخدوعين والمغترين بلا علم، وإن الله عز وجل يقول في كتابه: { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } [سورة الإسراء الآية36].
وقال جل وعلا: { .. ولا تكن للخائنين خصيماً، واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً * يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً * ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا } [سورة النساء الآية105 إلى 109].(6/93)
ولقد بينا فيما سبق أغلوطات السيد الدكتور وفي ومغالطاته وجهله، أو تجاهله لكتب الشيعة وعقائدهم، ونريد أن نذيل بحثنا هذا بنظرة خاطفة على ما كتبه الأستاذ سالم علي البهنساوي في كتابه (السنة المفترى عليها) حيث تعرض سيادته لما كتبنا عن الشيعة وعن عقائدهم وآرائهم حول القرآن في كتابنا (الشيعة والسنة) فوقف موقف المدافع عن الشيعة، والمكذب لما قلناه عنهم جاهلاً قواعد البحث، ومبادئ الخلاف، وأصول المناقشة، كما أثبت على نفسه أنه لا يعرف عن معتقدات الشيعة وكتبهم التي تبحث فيها، كثيراً ولا قليلاً.
فإن السيد الأستاذ البهنساوي عقد فصلاً مستقلاً في كتابه بعنوان (حوار حول دعوى تحريف الشيعة للقرآن) [صفحة 26-ط دار البحوث العلمية الكويت الطبعة الأولى سنة 1979م]، فكتب يقول:
"لقد وجدنا بين أهل السنة ومن ينشر كتباً تتضمن أن الدعوة إلى التقريب بين السنة والشيعة يراد بها تقريب السنة إلى معتقدات الشيعة التي تزعم أن القرآن الكريم محرف، وهذه وغيرها من البدع التي تنسجها الأيدي اليهودية التي هي وراء الشيعة الإمامية".
وما جاء في هذه الكتب عن تحريف القرآن (أما الشيعة فإنهم لا يعتقدون بهذا القرآن الموجود بين أيدي الناس والمحفوظ من قبل الله العظيم.. مكابرين للحق وتاركين للصواب.
فهذا هو الاختلاف الحقيقي الأساسي بين السنة والشيعة أو بالتعبير الصحيح بين المسلمين والشيعة لأنه لا يكون الإنسان مسلماً إلا باعتقاد أن القرآن هو الذي بلغه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسلمين بأمر من الله عز وجل).
واستند هذا الكتاب وغيره إلى روايات للمحدث الشيعي الكليني في (الكافي في الأصول) واعتبره كالبخاري عند أهل الشيعة. كما نقل الكاتب هذا عن ابن بابويه القمي، ووصفه بأنه صدوق الشيعة" [السنة المفترى عليها لسالم علي البهنساوي ص66-ط دار البحوث العلمية سنة 1979م].(6/94)
وبدلاً من أن يبحث في الروايات ويتحقق من نسبتها إلى الكتب التي عزونا إليها، أو نقدها نقداً علمياً معقولاً، بدل هذا كله كتب مقيماً الحجة عليه وعلى عدم علمه ومعرفته فقال:
"ولما كان البحث في كتب إخواننا الشيعة لكل من قرأ كتب إحسان ظهير ومحب الدين الخطيب وغيرهما ليس يسيراً فقد جمعت ما تضمنته هذه الكتب وقرنه بالمصادر والمراجع التي نقلت عنها من كتب الشيعة، وعرضت ذلك على الأخ الصديق الإمام محمد مهدي الآصفي ليبين رأي أئمتهم في هذا الموضوع" [السنة المفترى عليها ص67].
فمن كان هذا مبلغ علمه أله أن يحكم بين الناس؟ وأن يبين الحق من الباطل؟ وأن يفصل في القضية؟ أو يبدي رأيا حاسماً للنزاع بالترجيح أو التكذيب؟
وهل في العالم شخص يقر على نفسه وعلى أهله بالخطأ والغلط؟ ويعترف بقصوره وجريمته؟
وهل ذكرنا كلاماً منقولاً عن غير أئمتهم حتى يسأل شيعياً عن رأي أئمته في الموضوع؟
ثم ماذا كان رد العالم الشيعي غير الكلام الفارغ والدعوى بلا دليل أو بهان، دون التطرق إلى نقد الروايات التي أوردناها في كتابنا وأرسلها إليه الأستاذ البهنساوي حسب قوله، وبيان منطوقها ومفهومها، ودون بطلان نسبتها إلى قائليها، أو تجريح الكتب التي وردت فيها وغير ذلك من الأمور التي يتطلبها البحث العلمي والنقد الموضوعي، اللهم إلا ما ذكر عن السيد الخوئي ومحمد رضا المظفر والبلاغي وكاشف الغطاء والطباطبائي بأنهم أنكروا التحريف في القرآن [انظر: صفحة 68 وما بعد من الكتاب المذكور].
والجدير بالذكر أولاً: أن هؤلاء الخمسة كلهم من المتأخرين ومن عصرنا هذا، وليسوا من العمدة في المذهب، ولا يعدون من أئمة التشيع.
ثانياً: أن بعضاً منهم كتبوا مقولاتهم هذه في كتب دعائية لم تكتب للشيعة بل كتبت لخداع المسلمين أهل السنة، ولسد باب المطاعن عليهم.
ثالثاً: أن جميع المذكورين ممن يدينون بدين التشيع، الدين الذي قالوا فيه نقلاً عن جعفر أنه قال:(6/95)
"إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله" [الكافي للكليني ج2 ص222-ط إيران وج1 ص485-ط الهند].
و"إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له" [الكافي في الأصول ج2 ص217-ط إيران وج1 ص482-ط الهند].
سوف نذكر هذا البحث في محله من هذا الكتاب إن شاء الله.
رابعاً: أن كل واحد من هؤلاء لم يفصح عن سبب اعتقاده عدم التحريف في القرآن، ولا الجواب على ما ورد عن أئمتهم وروداً مستفيضاً متواتراً.
خامساً: لم يدع واحد من هؤلاء أن مذهب التشيع مبني على آرائه وأقواله، كما لم يدع العصمة لنفسه مع إقراره وإعلانه أن مذهبه مأخوذ من أئمته المعصومين الاثنى عشر من علي وأولاده، ومبني على أقوالهم، وأفكارهم، وهذه الآراء والأفكار لم تنقل إلا من كتب الأصول الأربعة، أهمها وأجلها الكافي للكليني، والكتب الأخرى التي نقلنا منها تلك المرويات التي تدل صراحة على التحريف في القرآن.
سادساً: أن ليس أحد من هؤلاء يساوي أو يضاهي أو يداني واحداً ممن جاهر بالقول بالتحريف من المتقدمين والمتأخرين من المحدثين والمفسرين والفقهاء والمتكلمين، ولم يذكر هؤلاء الخمسة أولئك المجاهرين بالتحريف إلا بكل التعظيم والتكريم والإجلال والتفخيم وتلقيبهم إياهم بالأئمة والكبراء والزعماء والقادة، فأين الخوئي من الصفار؟ والبلاغي من الكليني؟ والطباطبائي من القمي والعياشي والفرات الكوفي؟ والمظفر وكاشف الغطاء من المفيد، والطبرسي؟ أين هؤلاء من أولئك؟
سابعاً: لم يستطع هؤلاء التقول بأنهم لم يكونوا معتقدين التحريف في القرآن.
ثامناً: لم يبنوا فساد مقولتهم وسبب ضعف أقوالهم وعلة الضعف؟.
تاسعاً: بعض هؤلاء أنفسهم أوردوا في كتبهم نفس الروايات التي تنص على التحريف في القرآن دون التعرض لها بالنقد والجرح.(6/96)
عاشراً: لم يتجرأ واحد منهم على أن يكتب كتاباً أو جزءاً مستقلاً أو رسالة مستقلة لإثبات عدم التحريف في القرآن والرد على قائليه مع بيان بطلان ما ذهبوا إليه.
{ تلك عشرة كاملة .. } [سورة البقرة الآية196]، { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } [سورة ق~ في الآية37].
{ .. قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } [سورة الزمر الآية9].
ولو كان مجرد الإنكار يكفي فلا يلزم خصم من العالمين بشيء لأنه أنكر، ووجد من ينكر معه من جماعته اثنين أو ثلاثة، فالسني مثلاً لا يلزم بشيء ورد في الصحيحين، أو في الصحاح الأخرى غيرهما، أو المجاميع والمسانيد، ولو بطريق الثقاة الضباط العدول؛ لأنه ينكر صحته.! دون الرجوع إلى قواعد ثابتة وأسس متينة، وكذلك الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي، وأكثر من ذلك اليهودي والنصراني والبوذي وغيرهم، يمكن أن يتظاهر الواحد منهم بإنكار أي شيء لا يجد الجواب عنه، ويجد نفسه في مأزق ضيق حرج.. مع إقرار قادتهم وسادتهم وأئمتهم وزعمائهم وعمدائهم، وحججهم، ومع إقرارهم بمذهبهم ودياناتهم.
نعم! يمكن الإقرار بالتبرؤ من ذلك المذهب وتلك الديانة بأني لا أؤمن بالمذهب الذي هذه تعليماته وإرشاداته، وتلك الديانة التي هذه آراؤها، وأفكارها وتلك قواعدها وأسسها.
فكل من ينتسب إلى أهل السنة لا يسعه إنكار ما ورد من سنة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الثابتة عنه وما كان عليه أصحابه ما دام سنياً.
وأما إذا أراد ذلك (الإنكار) فله، ولكن ليس له أن يعد نفسه من أهل السنة.
فعلى هذا ليس على الشيعة الاثنى عشرية أن ينكروا ما ثبت من عقائدهم وما تفرع وقام عليه مذهبهم ما داموا يدعون التشيع.(6/97)
ولهم أن ينكروا كل ما يرونه مخالفاً للإسلام ومنافياً للفطرة والعقل مع ثبوته في مذهبهم ومسلكهم، وكونه من العقائد الأساسية لديانتهم ولكن مع التبرؤ من هذه الديانة الزائفة التي تشتمل على مثل تلك العقائد الفاسدة الواهية.
وإننا لنرحب بكل من يقدم على هذا، ويقول بهذا القول، ويعلن بهذا الاعتقاد، وبذلك سيرتفع الخلاف، ويحسم النزاع، ونكون عباد الله إخواناً، وإخوة في العقيدة، يؤمنون كلهم بما نزل على محمد صلوات الله وسلامه عليه، وتولى الله حفظه وصيانته من التغيير والتحريف بقوله: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [صورة الحجر: 9].
وبقوله جل وعلا: { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } [سورة فصلت: 42].
ولقد أدرك خطر هذا الاعتقاد أي اعتقاد عدم التحريف في القرآن محدثو الشيعة ومفسروهم وأهل الكلام والفقه منهم، فلذلك قال قائلهم:
"اعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية" [المحدث النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب ص252].
و"إن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد على الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر" [خاتمة محدثي الشيعة الملاك باقر المجلسي في كتابه مرآة العقول نقلاً عن فصل الخطاب ص353].
و"إن هذه العقيدة لمن ضروريات مذهب التشيع" [المفسر الشيعي المشهور في مقدمة تفسيره البرهان الفصل الرابع ص52].
وإن كان من ينكر هذا الاعتقاد مع انتسابه إلى الشيعة لا ينكر إلا تقية، وقد نص على ذلك الكثيرون من علماء الشيعة، ومنهم السيد أحمد سلطان أحد أعيان القوم في الهند:
"إن علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف في القرآن لا يحمل إنكارهم إلا على التقية" [تصحيف كاتبين ص18-ط الهند].
وهذه العبارة نص في المسألة.(6/98)
وقبل أن ننتقل إلى موضوع آخر نريد أن نذكر ههنا أن السيد الآصفي الذي أرسل إليه السيد البهنساوي – حسب مقولته – الروايات التي أرودناها في كتابنا (الشيعة والسنة) لبيان عقيدة الشيعة في القرآن، والتي تزيد على ستين رواية لم يبين العالم الشيعي المذكور فيها رأيه حسب البحث العلمي السليم، كما لم يتكلم في قيمة الكتب التي وردت فيها هذه الروايات، وكذلك لم يستطع أن ينكر علينا قولنا بأن الكليني عند الشيعة كالبخاري عندنا، وابن بابويه القمي هو الملقب بالصدوق عند الشيعة، اللهم إلا ما ذكر عن رواية أوردناها في كتابنا عن علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن الحسين بن خالد في آية الكرسي:
إن أبا الحسن علي بن موسى الرضا – الإمام الثامن عند الشيعة- قرأ آية الكرسي هكذا: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم" [تفسير القمي ج1 ص84 ط إيران].
فقال بعد ذكر هذه الرواية: إنها رواية غير معتبرة وضعيفة لأن الحسين بن خالد الصيرفي أحد الرواة في سلسلة الحديث لم تثبت وثاقته [السنة المفترى عليها للبهنساوي ص73].
ويا ليته عمل هذا العمل في جميع الروايات التي أوردناها، وانتقدها انتقاداً علمياً، حتى يعلم الجميع ويعرف الكل، أن الروايات التي وردت في هذا الموضوع ضعيفة فعلاً لدى الشيعة، ومجروحة، فليس لمخالف في الرأي والعقيدة أن يلزمهم بمثل هذه الروايات الواهيات، ولكن أنى له ولغيره أن يتجرأ على هذا؟ لأن الأحاديث في هذا الموضوع جاوزت ألفي حديث وخبر.(6/99)
ثم من يشجع السيد الآصفي ومن يسلك مسلكه ويطمئنهم على أن أهل السنة لا يعرفون عن رواة الشيعة شيئاً، ويجهلون كتب رجال القوم، من يضمن لهم كل هذا؟!. فلذلك ترى أنهم عند تهربهم من مثل هذه المآزق وتسللهم بعيداً عن هذه الأبحاث لا يلتجئون إلى البحث الموضوعي والنقد العلمي إلا إلى الإنكار المحض الذي لا يشبع ولا يغني من جوع.
فحمداً لله أن السيد المذكور تجاسر وأقدم على هذا حتى وجده الأستاذ البهنساوي والدكتور عز الدين إبراهيم كافياً للرد علينا وعلى محب الدين الخطيب.
لكن ما هي الحقيقة؟ وما هو الصدق؟ تعالوا انظروا معي لكي ينجلي الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.
فالسيد الآصفي على دأب أسلافه الذين جعلوا الكذب دينه وديدنه، فإنه يدعي، نقلاً عن أحد المعاصرين، أن أحد رواة هذه الرواية، وهو الحسين بن خالد الصيرفي لم تثبت وثاقته، مع أنه من أصحاب موسى الكاظم – الإمام السابع المعصوم عند الشيعة – وعلي بن موسى الرضا – الإمام الثامن المعصوم عندهم – ولقد صرح بذلك الطوسي الملقب بشيخ الطائفة الشيعية في رجاله، فذكر أنه من أصحاب الكاظم [رجال الطوسي ص347 – ط قم إيران]، وأنه من أصحاب الرضا [ص373].
وكذلك الرجالي الشيعي القديم أبو جعفر أحمد البرقي عدّه من أصحاب موسى الكاظم [انظر: كتاب الرجال للبرقي ص53-ط طهران].
وكذلك الأردبيلي الحائري في كتابه (جامع الرواة) [انظر: ج1 ص238-ط قم إيران].
وقال فيه آية الله الزنجاني، الذي يلقبونه بالفقيه المحقق المدقق سماحة الحجة آية الله الشيخ موسى:
الحسين بن خالد الصيرفي عدّه الشيخ من أصحاب الرضا عليه السلام وقبله من أصحاب الكاظم، ثم ذكر بعض مروياته ومن روى عنه، ومن يروي عنهم، ثم قال:(6/100)
وجل رواياته دالة على حسن اعتقاده، أحاديثه على كثرتها وجودتها في غاية الاستقامة، والغالب روايته عن الرضا عليه السلام، والأكثر رواية عنه علي بن معبد، لا أحسب الرجل إلا ثقة جليلاً، وأعد ما رواه في الصحيح" [الجامع في الرجال ج1 ص594-ط قم إيران سنة 1394ه].
فهذا هو الرجل الذي قال عنه السيد الآصفي: لم تثبت وثاقته، والذي لأجله ضعف الرواية.
فماذا يقول المنصفون فيه بعد ثبوت صحابيته لإمامهم ووثاقته؟
زِد على ذلك أن هذه الرواية ليست بفريدة في موضوعها، بل لها شواهد ومتابعات في تفسير القمي وغير القمي.
والسيد الآصفي معذور في ذلك، حيث اختار رواية واحدة، من روايات كثيرة أوردناها من تفسير القمي في هذا الموضوع، وهذه حقيقة نقده وجرحه، وجرأته على مثل هذا الإقدام.
ثم اختار السيد المذكور رواية واحدة كذلك من الكافي للكليني، وتكلم على أحد رواتها مع أنه أئمته في الرجال ذكروا بأن ذلك الراوي وهو معلي بن محمد يعتمد عليه شاهداً، ولكي لا يطول بنا الحديث نسأله هو، وليفهم البهنساوي وغيره:
لماذا لم يتكلم على أول رواية أوردناها في كتابنا من الكليني في كافيه لإثبات عقيدة التحريف والحذف والنقصان في القرآن؟ هي رواية مشهورة معروفة، ونص في الموضوع نسوقها فيما يلي:
"عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (جعفر) عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - يزيد سبعة عشر آلف آية" [الكافي في الأصول للكليني، كتاب فضل القرآن ج2 ص634-ط إيران].
مع أن القرآن الموجود بأيدي الناس آياته ستة آلاف آية وكسر" [وقد أخطأ الدكتور وافي في هذا أيضاً حيث قال: إن الكليني ينسب إلى الإمام الصادق من القول: إن القرآن الذي نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - يزيد سبعمائة وسبع وثلاثين آية على القرآن الذي نتلوه].(6/101)
فماذا يقول الآصفي ومن دونه من علماء الشيعة أجمعين في هذه الرواية ورواتها حيث أنها صريحة في معناها، واضحة في مفهومها، لا تحتمل التأويل والتفسير، وإن رواتها لمعدودون على الأنامل، معروفون مشهورون لدى الشيعة؟
أما محمد بن يعقوب الكليني فهو هو، وأما علي بن الحكم فقد كتب عنه الأردبيلي الحائري بعد ما ذكر أنه هو الذي روى الرواية المذكورة في باب فضل القرآن وفي باب النوادر:
"ثقة جليل القدر" [جامع الرواة ج1 ص575].
والتفرشي في كتابه نقد الرجال [ص234-ط قم إيران].
وأما هشام بن سالم فقد ذكره شيخ الطائفة الطوسي في أصحاب جعفر الصادق [رجال الطوسي ص329].
وكذلك في أصحاب موسى الكاظم [ص363].
وقال الرجالي الشيعي القديم النجاشي:
هشام بن سالم الجواليقي.. روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام. ثقة ثقة [رجال النجاشي ص305-ط قم إيران].
ونقل الحائري بعد ذكر هذا كله عن شيخ الطائفة في فهرسته أنه صحيح العقيدة معروف الولاية غير مدافع [جامع الرواة ج2 ص315].
وقد ذكر الكشي في مدحه روايات [انظر لذلك: رجال الكشي ص239].
وأما أب عبد الله جعفر بن الباقر فمقامه معروف لدى الشيعة حيث يعدونه معصوماً لا يخطئ. فهذه هي الرواية الأولى التي أوردناها في مبحثنا: الشيعة والقرآن: في كتابنا (الشيعة والسنة) الذي أرسله الأستاذ البهنساوي إلى السيد الآصفي، فلا ندري لماذا تخطى السيد الآصفي هذه الرواية والروايات الكثيرة الأخرى المنقولة في الكافي أيضاً إلى الرواية التي جعلها غرضاً لنقده وجرحه؟ إلا أنه لم يجد في رواة بقية الروايات من يستطيع أن يتكلم فيهم؟
وها نحن نعلن بأننا نرحب بكل عالم شيعي ينبري ويتصدى لتضعيف روايات أوردناها في كتبنا حول هذا الموضوع من أمهات كتب الشيعة وأهم مراجعهم سالكاً مسلك النقد والجرح المعروف، وملتزماً القواعد الثابتة والأسس المعروفة في هذا الشأن.(6/102)
فهذه حقيقة رد الشيعة علينا، وهذه حقيقة الحوار المزعوم حول عقيدة الشيعة في القرآن.
ولو كان الأستاذ البهنساوي متحرياً عن الحق وطالباً الحقيقة لكان عليه أن يتثبت من الموضوع ويرسل بيان الآصفي إلينا قبل إدراجه في كتابه، سامحنا الله وإياه وغفر له ما بدر منه على إضلاله كثيراً من المسلمين أهل السنة.
وقبل أن نختم الكلام في هذا الموضوع نريد أن نبين شبهة أخرى يثيرها الشيعة، ويقع فيها كثير من سُذَّج أهل السنة بهذا الخصوص، وهي:
أن الشيعة لا يقرءون إلا هذا القرآن ولا يتناقلون بينهم إلا هذا نفسه، وإن كان لهم قرآن غير هذا فأين هو؟
فإن لم يكونوا يؤمنون به، ويعتقدون فيه التحريف والحذف والنقصان فلماذا يقرءونه؟
فالجواب: إن من يقول بهذا الكلام من أهل السنة لا يقوله إلا جهلاً بمعتقات الشيعة ومروياتهم ومن يقوله من الشيعة لا يقوله إلا خداعاً للمسلمين أهل السنة وتغطية للحق وتعمية للأبصار، لأن القوم نصوا على ذلك وصرحوا بأن القرآن الأصلي المحفوظ هو عند القائم من ولد علي رضي الله عنه، وأن الشيعة أمروا بقراءة هذا القرآن إلى أن يخرج القائم كما يروي الكليني في كافيه عن سالم بن سلمة أنه قال:
قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأه الناس فقال أبو عبد الله عليه السلام: كفّ عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأه الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام، وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرءوه" [الكافي في الأصول ج2 ص633-ط طهران].
وروى أيضاً بسنده:(6/103)
عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له:
"جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كم نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال:
لا! إقرءوها كما تعلمتم فيجيئكم من يعلمكم" [الكافي باب أن القرآن يرفع كما أنزل ج3 ص119-ط طهران، وص664-ط الهند].
وأيضاً ما رواه الطبرسي في (الاحتجاج) كذباً على أبي ذر رضي الله عنه أنه قال:
لما توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر فقال: يا علي! اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علي عليه السلام وانصرف، ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئاً للقرآن، فقال له عمر: إن علياً عليه السلام جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد أردنا أن تؤلف لنا القرآن وتسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه، أليس قد بطل كل ما قد عملتم؟ ثم قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه؟ فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك، وقد مضى شرح ذلك.
فلما استخلف عمر سأل علياً أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن! إن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتى نجتمع عليه، فقال علي عليه السلام: هيهات! ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، فقال عمر:
فهل وقت لإظهاره معلوم؟(6/104)
قال علي عليه السلام: نعم! إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة به" [الاحتجاج للطبرسي ج1 ص228، الصافي للكاشاني ج1 ص27].
وعلى ذلك جعلوا من عقائدهم:
"وواجب علينا أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يغير ولم يبدل، وهو الموجود عند إمام العصر الغائب عجل الله فرجه لا عند غيره" [عقائد الشيعة الفارسي علي أصغر البروجردي ص27-ط إيران].
وقال الكرماني:
"وقع التحريف والتصحيف والنقص في القرآن .. وأن القرآن المحفوظ ليس إلا عند القائم.. وإن الشيعة لمجبورون على أن يقرءوا هذا القرآن تقية بأمر آل محمد عليهم السلام" [تذييل في الرد على هاشم الشامي ص13 وما بعد-ط كرمان إيران].
وقال المفسر الفيض الكاشاني في تفسيره رداً على من يقول بعدم التحريف في القرآن:
أقول: يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعاً كما أنزله الله محفوظاً عند أهله ووجود ما احتجنا إليه منه عندنا وإن لم نقدر على الباقي" [تفسير الصافي المقدمة السادسة ج1 ص36].
وقال السيد نعمت الله الجزائري مجيباً على نفس هذه الشبهة:
فإن قلت: قد جازت القراءة في هذا القرآن مع ما لحقه من التغيير؟
قلت: قد روى في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءتهم هذا القرآن الموجود بأيدي الناس في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام فيقرأ ويعمل بأحكامه.. والأخبار الواردة بهذا المضمون كثيرة جداً" [الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص363، 364].
وأخيراً ننقل ما ذكره المفسر الشيعي المشهور السيد هاشم البحراني المتوفى عام 1108ه:(6/105)
اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء من التغييرات، وأسقط الذي جمعوه كثيراً من الكلمات والآيات، وإن القرآن المحفوظ عما ذكر، الموافق لما أنزله الله تعالى، ما جمعه علي عليه السلام وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه" [البرهان في تفسير القرآن مقدمة ص36].
وبعد هذا كله لا نرى أن أحداً ينطلي عليه كذب القوم أو تخفى عليه عقيدتهم الحقيقية الأصلية ونسأل الله عز وجل أن يهدينا وإياهم إلى سواء السبيل، وجعلنا وإياهم ممن يستمع القول ويتبع أحسنه ويعرف الخطأ ولا يصر عليه ولا يعاند، بل يرجع إلى الحق والصواب.
الباب الثالث
الشيعة الإثنا عشرية والسُّنة النبوية
إن الأصل الثاني من أصول الشريعة الإسلامية هو السنة. أي ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولاً أو فعلاً أو تقريراً. وقد أمرنا بالتمسك بها { .. وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب } [سورة الحشر الآية7].
وإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الناطق بالوحي { وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى } [سورة النجم الآية3].
وعلى ذلك جعلت طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله { من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً } [سورة النساء الآية80].
{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } [سورة النساء الآية 115].
ولذلك قرنت إطاعة الرسول بإطاعة الله { أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون } [سورة الأنفال الآية20].(6/106)
والآيات في هذه المعنى كثيرة جداً، ومنكر السنة النبوية الثابتة عن كافر، كما أن منكر القرآن خارج عن الملة الإسلامية، لأن السنة بيان للقرآن وتوضح وشرح له وتفسير لمعانيه ومطالبه { .. وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } [سورة النحل الآية44].
وعلى ذلك قال الإمام ابن حزم الأندلسي:
لو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا بما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة" [الإحكام في أصول الأحكام].
وقال:
إنما احتججنا في تكفيرنا من استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول الله تعالى مخاطباً لنبيه - صلى الله عليه وسلم - :
{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } [سورة النساء الآية65].
فكل ما يصدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويثبت عنه صدوره، منكره لا يكون مؤمناً بنص القرآن.
وهذا الموضوع له تفصيل في محله لا نريد الإطناب فيه ههنا.
ومحل الشاهد في هذا المبحث أن السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام لها منزلتها ومكانتها في التشريع الإسلامي، كما أنها من الأسس التي تحسم النزاعات الدينية والمذهبية حسب قول الله عز وجل:
{ .. فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً } [سورة النساء الآية59].
ولكن الشيعة لا يقرون بهذا الأصل الثاني مثل عدم إقرارهم بالأصل الأول، وبنفس النقول والحيل، وبنفس المقولات والعلل.(6/107)
فإنهم يقولون: إن السنة النبوية منقولة عن طريق أصحاب محمد صلوات الله وسلامه عليه، وإن أصحابه ارتدوا كلهم بما فيهم سادة بني هاشم وغيره من الأنصار والمهاجرين إلا ثلاثة: مقداد، وأبو ذر، وسلمان، وهؤلاء لم يرو عنهم إلا القليل بل وأقل من القليل، وأما البقية فلا يطمئن إليهم ولا إلى مروياتهم لانقلابهم على أعقابهم إلى الكفر – نعوذ بالله من ذلك ونستغفر الله من الكذب المتعمد على الرسول – ولا يعتمد عليهم ولا يوثق بأخباره، فإنها ساقطة، مكذوبة، موضوعة.
فكل حديث أو خبر نقل عن أحد من هؤلاء، أو ورد في سنده أحد ينتهج منهجهم ويتبع خطاهم يسقط من الاعتبار، فهذه قاعدة محكمة متينة في مصطلح الحديث عندهم، حتى أقر بذلك محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه الدعائي المشهور، الذي لم يكتبه إلا لخداع المسلمين أهل السنة تغطية للحقائق، وتعمية عليهم الصدق، حيث قال:
إنهم (الشيعة) لا يعتبرون بشيء من السنة أعني الأحاديث النبوية إلا ما صح لهم عن طريق أهل البيت عن جدهم يعني ما رواه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن رسول الله سلام الله عليهم جميعاً، أما ما يرويه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب ومروان بن الحكم وعمران بن حطان الخارجي وعمرو بن العاس ونظائرهم فليس له عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة، وأمرهم أشهر من أن يذكر" [أصل الشيعة وأصولها ص79-ط مؤسسة الأعلمي ببيروت].
وقد فصل القول في ذلك حسين بن عبد الصمد العاملي المتوفى سنة 984ه في كتابه الذي كتبه في مصطلح الحديث [ويعد الشيعة كتابه هذا ثاني مؤلف في علوم الحديث لديهم، وقد سبقه في ذلك أستاذه الملقب بالشهيد الثاني. (انظر رياض العلماء)] يقول فيه العاملي رداً على أهل السنة في تعديل الصحابة رضوان الله عيهم أجمعين:(6/108)
وقد جازف أهل السنة كل المجازفة بل وصلوا إلى حد المخارفة فحكموا بعدالة الصحابة من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس، وقد كان فيهم المقهورون على الإسلام، والداخلون على غير البصيرة، والشكاك، كما وقع من فلتات ألسنتهم الكثير. بل كان فيهم المنافقون، كما أخبر به الباري جل ثناؤه، وكان فيهم شاربو الخمر، وقاتلو النفس، وفاعلو الفسق والمنكرات، كما نقله عنهم، وما نقلنا نحن بعضه فيما سبق من صحاحهم من الأحاديث المتكثرة المتواترة المعنى يدل على ارتدادهم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضلاً عن فسقهم – ثم قال -: إن الصحابة على ثلاثة أقسام: معلوم العدالة [ومعروف أن الرواية لا تقبل إلا عن معلوم العدالة كما عرف المؤلف المذكور: الصحيح، هو ما اتصل سنده بالعدل الإمامي الضابط مثله حتى يصل إلى المعصوم من غير شذوذ ولا علة. انظر: كتاب وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص93-ط مطبعة الخيام قم سنة 1401ه]، ومعلوم الفسق، ومجهول الحال، أما معلوم العدالة فكسلمان والمقداد وممن لم يمل عن أهل البيت طرفة عين..(6/109)
وأما معلوم الفسق والكفر فكم مال عن أهل البيت وأظهر لهم البغض والعداوة والحرب، فهذا يدل على أنه لم يكن آمن، بل كان منافقاً أو أنه ارتد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في الأخبار الصحيحة عندهم، لأن من يحب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يبغض ولا يحارب أهل بيته الذين أكد الله ورسوله كل التأكيد في مدحهم والوصية بهم والتمسك بحبهم.. وهؤلاء نتقرب إلى الله تعالى ورسوله ببغضهم وسبهم وبغض من أحبهم – ومن هم يا ترى؟- والإجابة نقلاً عن علي -: هم الذين – بقوا بعده (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى الضلال بالزور والكذب والبهتان، فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم أموال الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصمه الله" [وصول الأخيار إلى أصول الأخبار تحسين العاملي ص162 وما بعد].
وتكفير عثمان: بأنه كان يحكم بغير ما أنزل الله" [انظر: صفحة 78].
وتكفير معاوية: على أنه كان يحمل غلاً كامناً، وكفراً باطناً" [انظر: صفحة79].
وتكفير عائشة أم المؤمنين: حيث كذب على النبي أن رسول الله قام خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة وقال:
ورفضنا عامة أصحابه، وطرحنا ما تفردوا بنقله، إلا من علمنا من الصلاح كسلمان والمقداد وعمار بن ياسر وأبي ذر وأشباههم من أتقياء الصحابة وأجلائهم المقررين في كتب الرجال عندنا" [وصول الأخيار إلى أصول الأخبار لحسين بن عبد الصمد العاملي ص84].
ثم بيّن الحكم العام فقال:
"فصحح العامة كلها وجميع ما يروونه غير صحيح" [وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص94].
وقد بالغوا في هذا إلى أن جاوزوا جميع الحدود حتى قالوا:
الأصل في التشريع عندهم هو مخالفة أهل السنة، وما روى عنهم وعن أعيانهم وعلى رأسهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما يرونه من الرأي كما نقلنا ذلك سابقاً وكما سنذكره بعد قليل.(6/110)
وبهذا يظهر أنهم لا يؤمنون بالأصل الثاني من أصول الشريعة الإسلامية وهو السنة، ولا تغتر بأنهم يدَّعون ذلك! فدعواهم في هذا لا تختلف عن دعواهم في الإيمان بالقرآن، لأن ما روي بطرقهم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزر يسير جداً أيضاً، وما روي عن جعفر عن باقر بن زين العابدين عن الحسين عن علي فهو أقل القليل، وصحاحهم الأربعة وكتبهم في الحديث الأخرى تشهد على ما قلناه.
وكذلك ما روي عن أصحاب النبي الصلاة الذين لم يرتدوا من بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجمعين – حسب زعمهم – أي المقداد وأبي ذر وسلمان فلم يرووا عنهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتبهم أنفسهم إلا ما يعد على الأنامل.
أضف إلى ذلك أن جل المرويات بل كلها عن علي رضي الله عنه وعن هؤلاء الأصحاب الثلاثة ليست من قسم المتواتر بل هي أخبار آحاد.
والآحاد لا توجب العلم عند الشيعة قاطبة ولا العمل عند الجمهور، وهو الرأي الراجح عند الشيعة، لا كما ظنه السيد الدكتور وافي وصرح به في كتيبه [انظر: بين الشيعة وأهل السنة ص45] فيقول العاملي:
"ثم الأخبار، منها المتواتر: وهو ما رواه جماعة يحصل العلم بقولهم بعدم إمكان تواطئهم على الكذب عادة، ويشترط ذلك في كل طبقاتهم صحيحاً كان أو غير صحيح، وهو مقبول لوجوب العمل بالعلم، وهذا لا يكاد يعرفه المحدثون في الأحاديث لقلته.. وحديث الغدير متواتر عندنا" [وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص92].
وأما الآحاد فقد قال شيخهم المفيد في ذلك في كتابه العقائدي المشهور تحت عنوان "القول في أخبار الآحاد":
"وأقول: إنه لا يجب العلم ولا العمل بشيء من أخبار الآحاد.. وهذا مذهب جمهور الشيعة وكثير من المعتزلة والمحكمة وطائفة من المرجئة وهو خلاف لما عليه متفقهة العامة (أي أهل السنة) وأصحاب الرأي" [أوائل لمقالات في العقائد والمختارات للمفيد ص139].(6/111)
ومثل ذلك ذكر العاملي عن الشريف المرتضى الملقب بعلم الهدى عند الشيعة وجماعة من كبار العلماء حيث قال:
والسيد المرتضى رحمه الله تعالى وجماعة من كبار علمائنا منعوا من العمل به محتجين بعدم الدليل الدال على وجوب العمل به. وإذا لم يقم دليل على وجوب العمل لم يعمل به، كما أنه لم يقم دليل على وجوب صلاة سادسة. قالوا: وما نقلتموه من أن الصحابة ومن بعدهم كانوا يعملون بأخبار الآحاد، فهي أيضاً أخبار آحاد لا تفيد علماً، والعمل بخبر الواحد مسألة أصولية ولا يجوز أن يكون مستندها ظناً، فكيف تعلمون أن الله تعبّدكم بالعمل بخبر الواحد؟ وبعد التسليم بصدق هذه الأحاديث؟ إنما علم لكم أن الصحابة عملوا عندها لا بها. فجاز أن يكونوا تذاكروا بها نصاً أو تأيد بها عندهم دليل آخر، فالتساوي حاصل الشك، والتوقف فرض من فقد الدليل القاطع" [رسول الأخيار إلى أصول الأخبار ص186].
وهذا مع أن رواة الشيعة الذين عليهم مدار نقل الأحاديث الشيعية رواة مختلفون في توثيقهم وتضعيفهم، فشخص واحد يوثق ويحكم بعدالته وهو نفسه يضعف ويحكم بفسقه بل كفره، لا من قبل المهرة والنقاد في الحديث والرجال بل من قبل المعصومين – حسب زعم الشيعة – أنفسهم، والذين عصمتهم: "كعصمة الأنبياء، وأنهم لا يجوز منهم صغيرة إلا ما قدم ذكر جوازه على الأنبياء، وأنه لا يجوز لهم سهو في شيء من الدين، ولا ينسون شيئاً من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإمامية" [أوائل المقالات للمفيد ص74].
وخير مثال لذلك رواة الشيعة الأربعة الذين هم مدار الروايات الشيعية ومحورها.
وهم أقطاب الأحاديث وأوتادها لدى القوم، عليهم تدور رحى الروايات زرارة بن أعين، وأبو بصير الليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، الذين قال فيهم إمام الشيعة السادس المعصوم – حسب زعمهم – جعفر بن الباقر:(6/112)
"ما أجد أحداً أحيا زكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة" [رجال الكشي ص124، 125 –ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بالعراق تحت ذكر زرارة بن أعين].
فانظر ماذا يقول فيهم القوم من توثيقهم وتضعيفهم، ومن المدح فيهم واللعن عيهم، فزرارة بن أعين قال فيه جميل بن دراج أحد رواة الشيعة المشهورين:
"ما كنا حول زرارة بن أعين إلا بمنزلة الصبيان في الكتاب حول المعلم" [رجال الكشي ص123].
وقال فيه جعفر بن محمد الباقر:
"رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي" [رجال الكشي ص124].
وقال فيه علي بن موسى الرضا – الإمام الثامن المعصوم لدى الشيعة: "أترى أحداً كان أصدع بحق من زرارة" [رجال الكشي ص130].
وقال فيه النجاشي: "زرارة شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم، وكان قارئاً فقيهاً متكلماً شاعراً أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين" [رجال النجاشي ص125-ط قم إيران].
وقال علي بن داود الحلي: "زرارة كان أصدق أهل زمانه وأفضلهم، قال فيه الصادق عليه السلام: "لولا زرارة لقلت إن أحاديث أبي لتذهب" [كتاب الرجال لابن داود الحلي ص156-ط طهران].
ومثل ذلك قال ابن المطهر الحلي [انظر: رجال العلامة الحلي ص76].
وقال الحائري: "أجمعت العصابة على تصديقه والانقياد له به" [جامع الرواة ج1 ص324].
ومثل ذلك الزنجاني [انظر الجامع في: الرجال ج1 ص789].
هذا – والكشي روى في كتابه عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (جعفر) قال:
"قلت: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، قال (جعفر): أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم، قلت: ما هو؟
قال (جعفر) : هو والله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة وهذا الضرب.
قال: قلت: الزنا معه؟(6/113)
قال: "الزنا ذنب" [رجال الشكي ص131، 132].
ومثل ذلك روي عن أبي بصير وعن هارون بن خارجة.
وروى الكشي أيضاً عن كليب الصيداوي أنهم كانوا جلوساً ومعهم عزافر الصيرفي وعدة من أصحابهم، معهم أبو عبد الله رضي الله عنه، قال: فابتدع أبو عبد الله من غير ذكر لأبي زرارة فقال: "لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، لعن الله زرارة ثلاث مرات" [رجال الكشي ص135].
وروي أيضاً عن عمران الزعفراني [قد حاول بعض الشيعة التوفيق بين هذه الروايات بقوله: إن الروايات التي وردت في ذم زرارة والقدح فيه فإنها ضعيفة لوجود محمد بن عيسى في إسنادها. انظر: نقد الرجال للتفرشي ص137، مع أن أكثر الروايات التي ورد فيها الذم لزرارة والقدح فيه ليس في إسنادها محمد بن عيسى بل هي مروية بطرق متعددة كثيرة]، سمعت أبا عبد الله رضي الله عنه يقول: ما أحدث أحد في الإسلام ما أحدث زرارة من البدع عليه لعنة الله" [رجال الكشي ص134].
وعن ليث المرادي أنه قال: سمعت أبا عبد الله رضي الله عنه يقول:
"لا يموت زرارة إلا تائهاً" [رجال الكشي ص134].
وروى عن القصير أنه قال:
"استأذن زرارة بن أعين وأبو الجارود، على أبي عبد الله رضي الله عنه قال: يا غلام! أدخلهما، فإنهما عجلا المحيا وعجلا الممات" [رجال الكشي ص135].
وهذا هو زرارة الذي قالوا فيه:
"أفقه الأولين ستة، وأفقه الستة زرارة" [نقد الرجال للتفرشي ص137].
وعدد من أصحاب محمد الباقر وأصحاب جعفر بن الباقر [انظر رجال البرقي ص14 و16، ورجال الطوسي ص123 و201].
وأنه من أصحاب موسى بن جعفر الكاظم أيضاً [انظر: رجال الطوسي ص350، وكتاب الرجال للبرقي ص47].
فرجل كهذا الذي أدرك ثلاثة من الأئمة المعصومين حسب زعم الشيعة وروى عنهم، يختلفون فيه هذا الاختلاف، يوثقونه بأعلى ألفاظ التوثيق ويضعفونه بأدنى درجة التضعيف، مرة يقولون فيه: إن أبا عبد الله جعفر بن محمد الباقر – الإمام السادس المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى – قال له:(6/114)
"يا زرارة! إن اسمك في أسامي أهل الجنة" [رجال الكشي ص122].
وقال عن زرارة:
"أما ما رواه زرارة عن أبي جعفر فلا يجوز لي رده" [رجال الكشي ص122].
ومرة قال فيه:
"زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال: إن الله ثالث ثلاثة، وقال: إن مرض فلا تعده، وإن مات فلا تشهد جنازته" [رجال الكشي ص142].
وروى الكشي أيضاً عن ميسر أنه قال:
"كنا عند أبي عبد الله فمرت جارية في جانب الدار على عنقها قمقم قد نكسته، قال: فقال أبو عبد الله رضي الله عنه: فما ذنبي أن الله قد نكس زرارة كما نكست هذه الجارية هذا القمقم" [رجال الكشي ص142].
وأما أبو جعفر أعني محمداً الباقر فكان يعتقد فيه بأنه من جواسيس الحكام وعيونهم عليه. وأنه يبلغ إليهم أخباره وأعماله كما روى الكشي أيضاً عن هشام بن سالم أنه قال:
"إن زرارة سأل أبا جعفر (محمداً الباقر) عليه السلام عن جوائز العمال؟ فقال: لا بأس به.
ثم قال (أبو جعفر محمد الباقر): إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً – ابن عبد الملك – إني أحرم أعمال السلطان" [رجال الكشي ص139].
وعلى ذلك كان يكره ابنه جعفر أن يدخل عليه زرارة كما روى الكشي عن الوليد بن صبيح قال:
"مررت بروضة من المدينة فإذا إنسان قد جذبني، فالتفت فإذا أنا بزرارة، فقال لي: استأذن لي على صاحبك، قال: فخرجت من المسجد ودخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته الخبر، فضرب بيده على صدره، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تأذن له، لا تأذن له، لا تأذن له، فإن زرارة يريدني على كبير السن، وليس من ديني ولا دين آبائي" [رجال الكشي ص142].
وأما زرارة نفسه فكان يشك في علم جعفر بن الباقر وإمامته وإمامة ابنه موسى الكاظم كما روى الكشي صريحاً عن ابن مسكان أنه قال:
"سمعت زرارة يقول: رحم الله أبا جعفر، وأما جعفر فإن في قلب عليه لفتة" [رجال الكشي ص131].
وكما روي عن زياد بن أبي الهلال في رواية طويلة أن زرارة قال له عن أبي عبد الله جعفر:(6/115)
"صاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال" [رجال الكشي ص133].
وأما موسى بن جعفر الملقب بالكاظم فمع أن الشيعة ورجالهم يعدون زرارة من أصحابه، لكن الكشي يصرح في عديد من الروايات أنه لم يعتقد بإمامته، ونورد هنا رواية عن نضر بن شعيب عن عمة زرارة قالت:
"لما وقع زرارة واشتد به قال:
ناوليني المصحف، فناولته وفتحته ووضعته على صدره وأخذه مني، ثم قال:
يا عمة! اشهدي أن ليس لي إمام غير هذا الكتاب" [رجال الكشي ص139].
فهذا هو أحد أساطين الرواية في الحديث عند الشيعة وهذه هي أحواله من حيث التوثيق والتضعيف والتعديل والتجريح عند القوم أنفسهم وفي أم كتاب الرجال عندهم.. تلك التي تناول تراجم الرواة والمحدثين والعلماء لدى هذه الطائفة، والتي قالوا فيها: "أهم الكتب في هذا الموضوع من مؤلفات المتقدمين هي أربعة كتب، عليها المعول وهي الأصول الأربعة في هذا الباب، وهي:
1ـ رجال الكشي.
2ـ رجال النجاشي.
3ـ رجال الطوسي.
4ـ الفهرست للطوسي.
وأقدم هذه الكتب الأربعة هو رجال الكشي" [مقدمة رجال الكشي للسيد أحمد الحسيني ص4].
وأما الثاني فهو أبو بصير ليث المرادي، فقد قالوا فيه: إن جعفر بن محمد قال فيه وفي أصحابه:
"بشر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء، أمناء الله في حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست" [رجال الكشي ص152 تحت ذكر أبي بصير ليث المرادي].
"وكان هذا من أصحاب الباقر وأصحاب جعفر أيضاً كم ذكر ذلك البرقي في رجاله" [ص13 وص18، أيضاً رجال الطوسي ص134 وص278].
"وعده من أصحاب موسى الكاظم أيضاً" [ص358].
ومثل ما روي عن جعفر فيه بأنه من المبشرين بالجنة، روى عن أبيه محمد الباقر أيضاً نفس ذلك.
وأنه لولاه لانقطعت آثار النبوةاندرست" [كتاب الرجال لابن داود الحلي ص392، 393].
وعده في القسم الأول من الرجال يعني من الثقات.(6/116)
وذكره النجاشي أيضاً بأنه من أصحاب الباقر وجعفر بن الباقر، وله كتاب يرويه جماعة [رجال النجاشي ص225].
كما عده ابن المطهر الحلي من الثقات الذين يعتمد على روايتهم [رجال العلامة الحلي ص137].
وكذلك التفرشي في كتابه، وقال: إنه من أصحابنا الإمامية [نقد الرجال للتفرشي ص287].
ورووا عن ميل بن دراج أنه قال:
أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة: أحدهم ليث بن البختري المرادي [جامع الرواة للحائري ج2 ص34].
كما ذكر القمي عن شعي العقرقوفي أنه قال:
"قلت لأبي عبد الله (ع): ربما احتجنا أن نسأل عن شيء؟ فمن نسأل؟ قال:
عليك بالأسدي يعني أبا بصير، والخبر في أعلى درجة الصحة [انظر: الكنى والألقاب ج1 ص18-ط قم إيران].
وروى الكشي فيه عن داود بن سرحان أنه قال:
"إني لأحدث الرجال الحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله، فأنهاه عن القياس فيخرج من عندي فيتأول حديثي على غير تأويله، إني أمرت قوماً أن يتكلموا، ونهيت قوماً، فكل يؤول لنفسه، يريد المعصية لله ولرسوله، فلو سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي أصحابه، إن أصحاب أبي كانوا زيناً، أحياء وأمواتاً، وأعني زرارة ومحمد بن مسلم ومنهم ليث المرادي وبريد العجلي، هؤلاء القوامون بالقسط، هؤلاء القوامون بالقسط، وهؤلاء السابقون أولئك المقربون" [رجال الكشي ص152].
وأيضاً ما رواه عن شعيب العقرقوفي عن أبي بصير أنه قال:
"دخلت على أبي عبد الله (ع) فقال لي: حضرت علياً عند موته؟
قال: قلت: نعم! وأخبرني أنك ضمنت له الجنة وسألني أن أذكرك ذلك. قال: صدق. قال:
فبكيت، ثم قلت: جعلت فداك، فما لي ألست كبير السن الضعيف الضرير البصير المنقطع إليكم فاضمنها لي. قال:
قد فعلت. قال: قلت: اضمنها لي على آبائك وسميتهم واحداً واحداً. قال: فعلت. قلت:
فاضمنها لي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال: قد فعلت.
قال: قلت: اضمنها لي على الله تعالى. قال: فأطرق ثم قال: قد فعلت" [رجال الكشي ص152].(6/117)
هذا من جانب، وهذه المبالغة من ناحية، ومن ناحية أخرى روى فيه الكشي عن حماد الناب أنه قال:
"جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله ليطلب الإذن، فلم يؤذن له، فقال أبو بصير:
لو كان معنا طبق لأذن. قال: فجاء كلب فشغر [شغر الكلب: رفع رجله ليبول] في وجه أبي بصير، قال: أف أف، ما هذا؟
قال جليسه: هذا كلب شغر في وجهك" [رجال الكشي ص155].
وروى الكشي: أنه كان يدخل بيوت الأئمة وهو جنب [انظر: رجال الكشي ص152].
وكان أبو بصير هذا دائماً يتهم جعفر بن الباقر بجمعه للمال وحبه للدنيا، كما روى الكشي عديداً من الروايات في هذا المعنى، منها ما رواه عن ابن أبي يعفور أنه قال:
"خرجت إلى السواد أطلب دراهم للحج ونحن جماعة وفينا أبو بصير المرادي قال: قلت له:
يا أبا بصير! اتق الله وحج بمالك فإنك ذو مال كثير، فقال: اسكت فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك لاشتمل عليها بكسائه" [رجال الكشي ص152].
وأيضاً عن حماد بن عثمان أنه قال:
"خرجت أنا وابن أبي يعفور وآخر إلى الحيرة أو إلى بعض المواضع فتذكرنا الدنيا، فقال أبو بصير المرادي:
أما إن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها؟ قال: فأغفى، فجاء كلب يريد أن يشغر عليه فذهبت لأطرده، فقال ابن أبي يعفور: دعه، فجاءه حتى شغر في أذنه" [رجال الكشي ص154].
وكان لا يؤمن بإمامة موسى بن جعفر، كما كان يتهمه بعدم العلم ومعرفة الأحكام، كما روى الكشي أيضاً عن شعيب العقرقوفي عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة تزوجت ولها زوج، فظهر عليها قال: ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط لأنه لم يسأل. قال شعيب:
فدخلت على أبي الحسن – موسى بن جعفر – فقلت له: امرأة تزوجت ولها زوج؟(6/118)
قال: ترجم المرأة ولا شيء على الرجل. قال: فلقيت أبا بصير فقتل: سألت موسى بن جعفر عليه السلام عن المرأة التي تزوجت ولها زوج. قال: ترجم المرأة ولا شيء على الرجل. قال (شعيب) : فمسح صدره وقال (أبو بصر) : ما أظن صاحبنا تناهى حكمه بعد" [رجال الكشي ص153، 154].
وفي رواية أخرى: فضرب بيده على صدره يحكها وقال: "أظن صاحبنا ما تكامل علمه" [رجال الكشي ص154].
وروى الكشي عن علي بن الحسن بن فضال أنه قال:
"إن أبا بصير كان مختلطاً" [رجال الكشي ص155].
وأخيراً ما قاله ابن الغضايري: "كان أبو عبد الله عليه السلام يتضجر به ويتبرم، وأصحابه يختلفون في شأنه" [جامع الرواة للأردبيلي الحائري ج2 ص34].
فهذا هو الرجل الثاني من رواة الشيعة الكبار ونقله أحاديثهم، تضاربت فيه الآراء وتعارضت فيه الأقوال، حتى لا يدرى على أيها يعتمد: على توثيق الرجل وصحة مروياته، أم على تضعيف الرجل وعدم وثاقته وخطأ الاعتماد على مروياته وأخباره؟.
وأما الثالث فمحمد بن مسلم ليس شأنه وحاله بأحسن من أحوالهم، كما أن الآراء المتعارضة ليست بأقل مما ذكرت وسردت فيهما، فهذه هي مقولات القوم فيه، فيقول النجاشي:
"محمد بن مسلم بن رباح أبو جعفر الأوقسي الطحان مولى ثقيف الأعور، وجه أصحابنا بالكوفة، فقه ورع، صحب أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام وروى عنهما، وكان من أوثق الناس لهما" [رجال النجاشي ص226].
وذكره الطوسي أيضاً أنه من أصحاب الباقر [رجال الطوسي ص135].
ومن أصحاب جعفر بن الباقر أيضاً [رجال الطوسي ص300].
كما ذكره البرقي أيضاً من أصحابهما [انظر: كتاب الرجال للبرقي ص9، 17].
وذكره ابن داود في القسم الأول من الموثوقين [كتاب الرجال للمحلي ص336].
وذكر ابن المطهر الحلي نقلاً عن الكشي: أن محمد بن مسلم من حواري أبي جعفر محمد بن علي وابنه جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام" [رجال العلامة الحلي ص150].(6/119)
وهو الذي روى فيه الكشي كما سبق أن جعفر بن محمد قال: إنه من النجباء الأربعة الذين حفظوا آثار النبوة وأخبارها، كما روى الكشي أيضاً أنه روى عن أبي جعفر محمد الباقر ثلاثين ألف حديث، وروى عن ابنه جعفر ستة عشر ألف حديث [انظر: رجال الكشي ص146].
وأيضاً ما رواه عن هشام بن سالم أنه قال:
أقام محمد بن مسلم بالمدينة أربع سنين يدخل على أبي جعفر عليه السلام يسأله، ثم كان يدخل على جعفر بن محمد يسأله. قال أبو أحمد:
"فسمعت عبد الرحمن بن الحجاج وحماد بن عثمان يقولان: ما كان أحد من الشيعة أفقه من محمد بن مسلم" [رجال الكشي ص149، 150].
وروى التفرشي عن الكشي أيضاً عن عبد الله بن أبي يعفور قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنه ليس كل ساعة ألقاك، ويمكن القدوم ويجيء الرجل من أصحابنا وليس عندي كل ما يسألني عنه. قال:
فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي، فإنه سمع من أبي وكان عنده وجيهاً" [نقد الرجال للتفرشي ص333، 334] فهذا هو محمد بن مسلم، وهذه هي مكانته وهذا هو شأنه.
ولكن هناك ما يعارض هذا الرأي ويخالفه كما رواه الكشي أيضاً عن مفضل بن عمر أنه قال:
سمعت أبا عبد الله يقول:
"لعن الله محمد بن مسلم، كان يقول: إن الله لا يعلم الشي حتى يكون" [رجال الكشي ص155].
وأيضاً ما رواه عن أبي الصباح أنه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
"يا أبا الصباح! هلك المتريثون [الظاهر أن الصحيح المستريبون أي الذين يشكون في أديانهم] في أديانهم، منهم: محمد بن مسلم" [رجال الكشي ص156].
وكذلك قال جعفر بن محمد في زرارة ومحمد بن مسلم:
"إنهما ليسا بشيء في ولايتي" [رجال الكشي ص151].
وأما الرابع وهو يريد بن معاوية فهو أيضاً من أصحاب الباقر وجعفر بن الباقر [انظر: رجال الطوسي ص108، 158، أيضاً كتاب الرجال للبرقي ص14، 17].
ذكر فيه الكشي عن جعفر بن محمد أنه كان يقول:(6/120)
"أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة، أحدهم بريد بن معاوية" [رجال الكشي]، وروى أيضاً عنه أنه قال:
"ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة وأبو بصير ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلين ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة" [رجال الكشي ص125].
وأيضاً "هؤلاء القوامون بالقسط، هؤلاء قوامون بالصدق، هؤلاء السابقون أولئك المقربون" [رجال الكشي ص207].
ثم الكشي هذا يروي عن أبي سيار قال: سمعت أبا عبد الله عيه السلام يقول: "لعن الله بريداً ولعن الله زرارة" [رجال الكشي ص208].
وروى أيضاً عن عبد الرحيم القصير أنه قال:
"قال أبو عبد الله عليه السلام: ائت زرارة وبريداً وقل لهما: ما هذه البدعة؟ أما علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل بدعة ضلالة"، فقلت له: إني أخاف منهما، فأرسل معي ليثاً المرادي، فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله عليه السلام، فقال: والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر، وأما بريد فقال: والله لا أرجع عنها أبداً" [رجال الكشي ص208].
فهؤلاء هم رواة الأحاديث الشيعية الأربعة، عليهم تدور رحى أخبارهم وأحاديثهم، يختلفون فيهم هذا الاختلاف الشديد ويسردون فيهم الآراء المتعارضة المتناقضة، وكلها من المعصومين، روايات تثبت عدالتهم وتوثيقهم وتنص على صحة عقيدتهم وكونهم من أهل الجنة، وروايات تنقى عنها كل هذا وتنص على فسقهم وكونهم ملعونين على لسان المعصومين، بل وكفرهم وكونهم من أهل النار!!.
فمن يك هذا شأنهم، وهذه أحواله، فبأي شيء يحكم على مروياتهم وأخبارهم التي رووها؟!(6/121)
إنما هم نماذج اخترناها من بين الكثيرين، الكثيرين ممن لا يقل وصفهم بالتعديل والتجريح وبالتوثيق والتضعيف وبالتبشير والتكفير عن هؤلاء الأربعة الذين هم أبرز الرواة قاطبة من بين رواة الشيعة، وقد أدركوا زمن الأئمة الثلاثة من بين الأئمة الاثنى عشر لدى الشيعة، ويعدون من كبار أصحابهم ونقلة آثارهم، فبأي شيء يحكم على الأحاديث الشيعية من جهة القبول والرد، ومن جهة الصحة والضعف؟
وعلى أية قاعدة مطردة تبنى الأحكام، وعلى أي أسس توضع المصطلحات؟
فهل من مفكر يتفكر؟ ومدبر يتدبر؟.
إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.
وببيان هذه الأشياء كلها وتفصيل القول فيها يظهر بأن معتقد الشيعة في الأصل الثاني للشريعة الإسلامية لا يختلف عن معتقدهم في الأصل الأول، بل ويزيد الأمر خطورة أنهم لا يعتقدون بهذا الأصل الثاني إطلاقاً فعلاً، ولو أنهم يدعون الاعتقاد به قولاً، لأنهم زيادة على ما ذكرناه يجعلون لدليل العقل تأثيراً في قبول الحديث ورده.
ولشيخ طائفة الشيعة الطوسي بحث مشهور في هذا الموضوع وقد يروون في ذلك روايات كثيرة، وبهذه الروايات بدأ الكليني كتابه (الكافي) مع أن المعروف أن العقل قاصر عن إدراك كنه كثير من الأحكام الإلهية الربانية.
ولأن العقول متفاوتة متفاضلة، يقص بعضها عن إدراك ما تدركه الأخرى، فأي عقل يكون حكماً في الموضوع؟ ولمن تكون الحجة حينذاك؟.
ويظهر من هذا كله أن الذين وضعوا (الديانة) الشيعية لم يضعوها إلى لمخالفة المسلمين كلهم ومخالفة ما يؤمنون به من القرآن والسنة، وما يعتقدون به من الآراء والأفكار كي لا يتحدوا ويتفوقا معهم يوماً من الأيام ولا تجمع كلمتهم ويتألف شملهم، وعلى ذلك اختلقوا روايات كثيرة على لسان أئمتهم – كذباً عليهم – أن على الشيعة أن يخالفوا المسلمين في جميع الأمور حتى جعلوا هذه المخالفة أصلاً من أصول المذهب وأساساً من أسسه كما رواه ابن بابويه القمي عن علي بن أسباط أنه قال:(6/122)
"قلت للرضا عليه السلام: يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك؟
قال: فقال: إيت فقيه البلد فاستفته في أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه" [عيون أخبار الرضا لابن بابويه القمي ج1 ص275-ط طهران، ومثله في (التهذيب) للطوسي].
ورووا أيضاً عن الحسين بن خالد عن الرضا أنه قال:
"شيعتنا، المسلمون لأمرنا، الآخذون بقولنا، المخالفون لأعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منا" [الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص225-ط مكتبة بصيرتي قم إيران].
وروى أيضاً عن المفضل بن عمر أنه قال عن جعفر بن محمد الباقر:
كذب من زعم أنه من شيعتنا وهو متوثق بعروة غيرنا" [الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص225-ط مكتبة بصيرتي قم إيران].
وهناك روايات أخرى كثرة في هذا المعنى بلغت التواتر كما صرح بذلك محدث الشيعة وصاحب موسوعة حديثية شيعية كبرى (وسائل الشيعة) الحر العاملي بعد ذكر هذه الروايات وغيرها تحت باب مستقل بعنوان (باب عدم جواز العمل بما يوافق العامة وطريقتهم):
أقول: والأحاديث في ذلك متواترة.. فمن ذلك قول الصادق عليه السلام في الحديثين المختلفين:
اعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه.
وقوله عليه السلام (يعني جعفر بن الباقر):
إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم.
وقوله عليه السلام:
ما خالف العامة ففيه الرشاد.
قوله عليه السلام:
خذ بما فيه خلاف العامة.
وقوله عليه السلام:
ما أنتم والله على شيء مما هم فيه، ولا هم على شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم، فما هم من الحنيفية على شيء.
وقوله عليه السلام:
والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتباع غيرنا، وإن من وافقنا خالف عدونا، ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه.
وقول العبد الصالح عليه السلام في الحديثن المختلفين:
خذ بما خالف القوم، وما وافق القوم فاجتنبه.(6/123)
وقول الرضا عليه السلام:
إذا ورد عليكم خبران متعارضان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا بما يوافق أخبارهم فدعوه.
وقول الصادق عليه السلام:
"والله ما بقي في أيديهم شيء من الحق إلا استقبال الكعبة فقط" [الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص325، 326].
وبعد ذكر هذه الروايات رد على بعض المتأخرين فمن يظن بأن الأخبار في هذا المعنى لا تخرج عن كونها آحاداً، وقال:
"والأحاديث.. قد تجاوزت حد التواتر، فالعجب من بعض المتأخرين حيث ظن ان الدليل هنا خبر واحد.. واعلم أنه يظهر من هذه الأحاديث المتواترة بطلان أكثر القواعد الأصولية المذكورة في كتب العامة" [الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص325، 326].
وأما علة مخالفة المسلمين في معتقداتهم ومروياتهم فيذكرها ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق عند الشيعة في كتابه (علل الشرائع) تحت باب (العلة التي من أجلها يجب الأخذ بخلاف ما تقوله العامة) :
عن أبي إسحاق الأرجاني رفعه قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقوله العامة؟ فقلت: لا ندري، فقال:
"إن علياً عليه السلام لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلبسوا على الناس" [علل الشرائع لابن بابويه القمي ص531 ط – إيران].
فتلك هي المؤامرة، وهذه هي حصيلتها، أي إنكار كل ما يؤمن به المسلمون، قرآناً كان أم سنة. وأكثر من ذلك أن الشيعة بتصريحهم أنفسهم لا يجتمعون مع المسلمين على الإله، ولا على نبي، ولا على إمام كما صرح بذلك كبيرهم نعمت الله الجزائري بقوله:(6/124)
"إنا لا نجتمع معهم على الإله، ولا على نبي، ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد - صلى الله عليه وسلم - نبيه، خليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب، ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا، ولا ذلك النبي نبينا" [الأنوار النعمانية باب نور في حقيقة دين الإمامية وأنه يجب اتباعه دون غيره ج2 ص278 – ط جديد تبريز إيران].
فالعبارة واضحة جلية في معناها لا تحتاج إلى بيان وتفسير وتفهيم من يظن من مخدوعي أهل السنة بأباطيل الشيعة وأكاذيبهم بأن الخلاف بينهم وبين المسلمين أهل السنة اختلاف يسير لا يخرج عن حيز الاجتهاد المسموح به [بين الشيعة وأهل السنة مقدمة ص4]
وليس كما يقوله السيد الدكتور في مبحثه (الشيعة والسنة النبوية) :
"ولجميع هذه الآراء أشباه ونظائر كثيرة في آراء أهل السنة أنفسهم وليس منها ما يمكن أن يوصف صاحبه بزيغ أو انحراف" [بين الشيعة وأهل السنة ص47].
إن الأمر ليس كما وصفت أيها السيد! الدكتور منحنا الله وإياك قلباً نفقه به، وأعيناً نبصر بها، وآذاناً نسمع بها.. وما ذلك على الله بعزيز.. لأن الحكمة ضالة المؤمن فهو أحق بها حيث وجدها.
فمن يرد الله أن يهديه يشح صدره للإسلام.
الباب الرابع
الشيعة الإثنا عشرية ونزول الوحي والملائكة بعد الرسل
إن السيد الدكتور وافي ذكر في الباب الثاني أيضاً عند كلامه عن الشيعة والسنة النبوية أن الشيعة يعتقدون العصمة والإلهام في أئمتهم [بين الشيعة وأهل السنة ص48].
ثم اعتذر لهم بثبوت الإلهام لكثير من الصحابة، وأنه لا لوم في هذا الاعتقاد، كما نفى عن الشيعة اعتقادهم بنزول الوحي بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أحد [انظر بين الشيعة وأهل السنة ص43].(6/125)
مع أن سيادته لم يدر حقيقة مذهب الشيعة في هذا كالمعهود عنه، أو تجاهل – لا قدر الله – تسامحاً وتكرماً وتحبباً وتقرباً إليهم، لأن الشيعة يعتقدون نزول الوحي على أئمتهم وعن طريق جبريل وعن طريق ملك أعظم وأفضل من جبريل، فإن أئمتهم في الحديث بوبوا أبواباً مستقلة في هذا الخصوص ولو تفضل سيادته بإلقاء النظرة العابرة الخاطفة على فهارس كتبهم في الحديث دون تحمل العناء والمشقة في قراءة الروايات وتلاوة الأخبار المروية الواردة في هذا الباب لعلم يقيناً بأن القوم في هذا الباب أيضاً يختلفون مع الأمة المسلمة اختلافاً كلياً، وينتهجون مسلكاً بعيداً عن مسلكهم ومذهبهم كل البعد. ونحن نكتفي لبيان معتقداتهم المعارضة لعقائد الأمة أجمعها بذكر عناوين بعض الأبواب التي زينوا بها صحاحهم ومجاميعهم في أوصاف أئمتهم من الكتب المعتمدة الموثوق بها المعتبرة في الحديث لديهم، ولا نسرد كل الروايات التي أوردوها في هذه الأبواب من تلك الكتب، بل نكتفي بخبر أو خبرين من الأخبار الكثيرة الكثيرة التي رووها فيها، ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.
فيروي محمد بن الحسن الصفار المتوفى سنة 290ه الذي يعدونه من أصحاب الإمام المعصوم الحادي عشر – حسب زعمهم – الحسن العسكري [رجال الطوسي ص436].
ويعدونه "ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية" [انظر رجال النجاشي ص251، وابن داود ص307، وجامع الرواة ج2 ص93، وخلاصة الرجال ص73، والكنى والألقاب ج2 ص37].
و"ثقة جليلاً، صدوقاً" [وسائل الشيعة ج20 ص39 وص323 ط سادسة طهران].
وهو من أساتذة الكليني صاحب الكافي.(6/126)
كما أن كتابه (بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد) بعد من الكتب المعتمدة المهمة والأصول المعتبرة الشيعية التي عليها اعتماد أئمة الشيعة في الحديث كما صرح بذلك المجلسي والأصفهاني والحر العاملي وغيرهم من أعاظم القوم في هذا الفن [انظر لذلك وسائل الشيعة ج20 ص39، والبحار وغيرهما من الكتب] وخاصة أن له لقاءات ومسائل مع الحسن العسكري المذكور كما صرح بذلك الطوسي في رجاله [انظر لذلك وسائل الشيعة ج20 ص436، والبحار وغيرهما من الكتب].
يروي الصفار ذاك في كتابه هذا في أجزائه العشرة أخباراً كثيرة لا تعد ولا تحصى في إثبات الوحي على أئمة الشيعة ونزول الملائكة عليهم تحت عناوين كثيرة في أبواب شتى، فنبدأ بسرد عناوين الأبواب والروايات:
الباب السادس عشر من الجزء الثامن في أمير المؤمنين أن الله ناجاه بالطائف وغيرها ونزل بينهما جبريل.
وروى تحته روايات عشراً، منها:
"عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، بلغني أن الله تبارك وتعالى قد ناجى علياً عليه السلام؟
قال: أجل! قد كان بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبريل" [بصائر الدرجات الكبرى الجزء الثامن الباب السادس عشر ص430-ط إيران].
وروي عن أبي نافع قال:
لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً يوم خيبر، فتفل في عينيه وقال له: إذا أنت فتحتها فقف بين الناس، فإن الله أمرني بذلك. قال أبو رافع: فمضى علي عليه السلام وأنا معه، فلما أصبح افتتح خيبر ووقف بين الناس وأطال الوقوف، فقال الناس:
إن علياً عليه السلام يناجي ربه، فلما مكث ساعة أمر بانتهاب المدينة التي فتحها، قال أبو رافع: فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إن علياً عليه السلام وقف بين الناس كما أمرته، قال قوم منهم:
إن الله ناجاه، فقال: نعم يا رافع! إن الله ناجاه يوم الطائف ويوم عقبة ويوم حنين، ويوم غُسِّلَ رسول الله [بصائر الدرجات الكبرى ص431].(6/127)
وهذا ليس من اختصاصات علي رضي الله عنه حسب معتقد الشيعة، بل يشاركه فيها غيره من الأئمة الاثنى عشر كما يصرح بذلك القوم، ومنها ما رواه الصفار في الجزء التاسع من كتابه تحت عنوان (الباب الخامس عشر في الأئمة عليهم السلام أن روح القدس يتلقاهم إذا احتاجوا إليهم) وروى تحته ثلاثة عشر حديثاً عن أسباط عن أبي عبد الله جعفر أنه قال:
"قلت: تسألون عن الشيء فلا يكون عندكم علمه؟
قال: ربما كان كذلك.
قلت: كيف تصنعون؟
قال: تلقانا به روح القدس" [بصائر الدرجات للصفار الباب الخامس عشر الجزء التاسع ص471].
ثم بوب باباً آخر بعنوان (باب الروح التي قال الله في كتابه: { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } ، إنها في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي الأئمة يخبرهم ويسددهم ويوفقهم).
وذكر تحته خمشة عشر خبراً، منها ما رواه عن أبي بصير قال:
"قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك عن قول الله تبارك وتعالى:
{ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلنه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور } . [سورة الشورى – 52 وما بعدها]. قال: يا أبا محمد: خلق والله أعظم من جبرئيل وميكائيل، وقد كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره ويسدده، وهو مع الأئمة يخبرهم ويسددهم" [بصائر الدرجات الكبرى للصفار الباب السادس عشر من الجزء التاسع ص475].
وروى مثل هذا الكليني في كافيه تحت عنوان (باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة عليهم السلام) عن أسباط بن سالم قال: سأل رجل من أهل هيت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا .. } فقال:(6/128)
"منذ أن أنزل الله عز وجل ذلك الروح على محمد - صلى الله عليه وسلم - ما صعد إلى السماء، وإنه لفينا – وفي رواية: كان مع رسول الله يخبره ويسدده، وهو مع الأئمة من بعده" [الكافي في الأصول كتاب الحجة ج1 ص273 ط طهران].
هذا ولقد أورد الصفار الثقة الجليل الصدوق لدى الشيعة رواية أخرى تحت باب (ما يسأل العالم عن العلم الذي يحدث به من صحف عندهم ازداده أو رواية فأخبر بسر وإن ذلك من الروح):
"عن عبد الله بن طلحة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
أخبرني يا ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العلم الذي تحدثونا به أمن صحف عندكم أم من رواية يرويها بعضكم عن بعض أو كيف حال العلم عندكم؟ قال:
يا عبد الله! الأمر أعظم من ذلك وأجل، أما تقرأ كتاب الله؟.
قلت: بلى! قال: أما تقرأ: { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } أفترون أنه كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان؟ قال: قلت: هكذا نقرؤها! قال: نعم، قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتى بعث الله تلك الروح فعلمه بها العلم والفهم، وكذلك تجري تلك الروح إذا بعثها الله إلى عبد علمه بها العلم والفهم – وفي رواية: تعرض بنفسه عليه السلام (أي أراد من العبد نفسه)" [بصائر الدرجات الباب السابع عشر من الجزء التاسع ص478، 479].
وعنون باباً آخر بعنوان (باب الروح التي قال الله: { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } : [سورة الإسراء – 85] إنها في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته عليهم السلام يسددهم ويوفقهم ويفقههم).
وذكر تحته اثنى عشر حديثاً، منها ما رواه عن أبي بصير قال:(6/129)
"سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: { يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } قال: ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو مع الأئمة يسددهم" [بصائر الدرجات الكبرى الباب الثامن عشر من الجزء التاسع ص481].
وأورد هذه الروايات الكليني في (الكافي) عن أبي بصير أيضاً وغيره بلفظ: "وهو من الملكوت" [الكافي كتاب الحجة باب الروح الذي يسدد الله به الأئمة ج1 ص273].
ثم عقد الصفار باباً آخر (باب في الروح التي قال الله عز وجل: { ينزل الملائكة بالروح من أمره .. } . [سورة النحل – 2] وهي تكون مع الأنبياء والأوصياء) [انظر الباب التاسع عشر من الجزء التاسع ص483].
وذكر تحته روايات عديدة. كما بوّب باباً آخر بعنوان (باب في الإمام أنه يعلم الساعة التي يمضي فيها وما يزاد في الليل والنهار ولا يوكّل إلى نفسه).
وأورد تحته تسع روايات [انظر الباب العشرين من الجزء التاسع ص484].
وقبل أن ننتقل إلى الجزء الآخر من هذا الكتاب نريد أن نذكر أنه ما من كتاب في الأخبار والروايات والحديث عند الشيعة إلا وفيه أبواب مستقلة بمثل هذه الأبواب التي بوبها الصفار، وأورد أصحابها تلك الروايات بعينها أو مثيلاتها التي أوردها الصفار في (بصائر الدرجات)، من المتقدمين والمتأخرين.
فمثلاً يعقد الحر العاملي باباً في كتابه (الفصول المهمة في أصول الأئمة) جاء فيه: إن الملائكة ينزلون ليلة القدر إلى الأرض ويخبرون الأئمة عليهم السلام بجميع ما يكون في تلك السنة من قضاء وقدر، وإنهم يعلمون كل علم الأنبياء عليهم السلام.
ثم سرد تحته روايات كثيرة في هذا المعنى [انظر كتاب الفصول المهمة في أصول الأئمة باب 94 ص145].
كما أنه عقد أبواباً أخرى لبيان هذه العقيدة الواضحة الصريحة الثابتة لدى الشيعة مثل غيره من محدثي الشيعة ومتكلميهم، ونحن نورد بعضاً منها في خاتمة الكلام.(6/130)