7) شفاعة القرآن الكريم لأهله:
ومن مظاهر رحمة الله تعالى وكرمه على عباده المؤمنين أن جعل القرآن الكريم أيضاً من الشفعاء المقبولة شفاعتهم، وليس ذلك فقط بل أيضاً يطلب المزيد من الإكرام لصاحبه.
وكيف لا يكون كذلك وهو كلام الله تعالى وتقدس، وهو حبله المتين وصراطه المستقيم، أنزله على أفضل خلقه نبينا محمد "وجعل تلاوته ثواباً في الدنيا؛ بكل حرف عشر حسنات، وأيضا شفاعته في يوم القيامة.
فعن عبد الله بن مسعود ÷ قال: قال رسول الله ":=القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار+(1).
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله "قال:=الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ+(2).
وعن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ فَيَرْضَى عَنْهُ فَيُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً+(3).
__________
(1) ـ المسند (2/174)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، والمستدرك (1/554).
(2) ـ رواه ابن حبان، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/31) رقم (2019).
(3) ـ رواه الترمذي،وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (8030).(20/99)
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله " قال:=.. وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولانِ بِمَ كُسِينَا هَذِهِ فَيُقَالُ بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلا+(1).
كما ورد أيضاً تخصيص بعض السور في الشفاعة لأصحابها:
أخرج مسلم وغيره عن جبير بن نفير قال: سمعت النواس بن سمعان الكلابي يقول: سمعت النبي " يقول:=يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ+ وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ " ثَلاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ قَالَ:=كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا+(2).
__________
(1) ـ رواه أحمد (46/424) رقم (21872).
(2) ـ رواه مسلم ـ كتاب صلاة المسافرين وقصرها ـ باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (1338).(20/100)
وعن أبي أمامة الباهلي ÷ قال: سمعت رسول الله " يقول:=اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ
وَلا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ+(1).
وعن أبي هريرة ÷ عن النبي " أنه قال:=إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ+(2).
المبحث الحادي عشر:
الحوض:
المطلب الأول: تعريف الحوض.
المطلب الثاني: الإيمان به.
المطلب الثالث: الأدلة على إثبات الحوض.
المطلب الرابع: الذين يردون الحوض، والذين يذادون عنه.
المطلب الخامس: مسافة الحوض.
المطلب السادس: صفة الحوض ومزاياه.
المطلب الأول: تعريف الحوض:
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب صلاة المسافرين وقصرها ـ باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (1337).
(2) ـ رواه الترمذي، وحسنه الألباني في جامع الترمذي (5/164) رقم (2891).(20/101)
قبل أن نتكلم عن تعريف الحوض، نريد أن نبين فضل الله تعالى وكرمه على عباده المؤمنين لحبه لهم ولطفه بهم في الآخرة، ومن ذلك حوض نبينا " الذي هو أشهر الأحواض،وأكثرها وارداً يوم القيامة، وأوسعها، لكثرة أتباعه الذين يردون حوضه "، فهو مكرمة ومنة عظيمة على نبيه "، ليواصل المؤمنون به الشرب الحسي، كما شربوا في الدنيا الشرب المعنوي من الاهتداء والإقتداء به "، ولا يشرب ذلك الشرب الحسي في عرصات القيامة إلا من شرب الشرب المعنوي في الدنيا، وإلا فإنه يذاد عنه ويطرد جزاءً وفاقاً؛ لأنه أعرض عن الاهتداء والاقتداء بمن اصطفاهم الله لتبليغ رسالته في الحياة الدنيا، فيجازى بطرده في الآخرة عن الشرب منه.
تعريف الحوض لغةً واصطلاحاً:=هو مُجْتَمَعُ الماءِ، وحَوْضُ الرَّسُولِ " الَّذِي يَسْقِي منه أُمَّتَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ. حَكَى أَبُو زَيْدٍ: سَقَاكَ اللهُ بِحَوْضِ الرَّسُولِ ومِنْ حَوْضِهِ ولما ظهر لأم إسماعيل ماء زمزم جعلت تحوِّضه، أي تجعل له حوضاً يجتمع فيه. والجمع: حِيَاضٌ وأَحْوَاضٌ+(1).
وشرعاً: ما أثبته الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة من وجود حوض يجمع الماء النازل من نهر الكوثر في عرصات القيامة، وهو خاص بالنبي ".
المطلب الثاني الإيمان به:
الإيمان بالحوض مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة.
قال الإمام أحمد ×:=والإيمان بالحوض وأن لرسول الله " حوضاً يوم القيامة ترد عليه أمته، عرضه مثل طوله مسيرة شهر، آنيته كعدد نجوم السماء على ما صحت به الأخبار من غير وجه+(2).
__________
(1) ـ تاج العروس (1/4608، 4609).
(2) ـ مجمل اعتقاد أئمة السلف (1/47).(20/102)
ونقل الآجري × عن محمد بن الحسين × قال:=ألا ترون إلى أنس بن مالك رحمه الله يتعجب ممن يشك في الحوض إذ كان عنده أن الحوض مما يؤمن به الخاصة والعامة حتى إن العجائز يسألن الله عز وجل أن يسقيهن من حوضه " فنعوذ بالله ممن لا يؤمن بالحوض ، ويكذب به...+ (1).
المطلب الثالث: الأدلة على إثبات الحوض:
استدل أهل السنة والجماعة على إثبات الحوض بالكتاب والسنة.
فمن الكتاب: قول الله تعالى:[إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ](2).
روى مسلم عن أنس بن مالك ÷ قال:=بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ " ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:=أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ] ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟+ فَقُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ:=فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ+(3).
وهذه الآية تثبت أمرين:
الأول:الكوثر وهو نهر من أنهار الجنة وعد به رسول الله " وخص به دون غيره.
الثاني: إثبات الحوض، وهو مجمع مصب ماء نهر الكوثر في عرصات القيامة يرد عليه من تمسك بسنته " ليشرب شربة لا يظمأ بعدها أبداً.
__________
(1) ـ الشريعة للآجري (2/423).
(2) ـ الكوثر: 1.
(3) ـ رواه مسلم ـ كتاب الصلاة ـ باب حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة (607).(20/103)
ومن السنة: فقد وردت أحاديث في الحوض متواترة، لاشك في تواترها عند أهل العلم، وقد رواها عن النبي " أكثر من خمسين صحابياً، وقد ذكر ابن حجر أسماء رواة أحاديثه من الصحابة(1)، ومن ذلك:
حديث سهل بن سعد الساعدي ÷ قال: قال رسول الله ":=أَنَا فَرَطُكُمْ
عَلَى الْحَوْضِ فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ+قَالَ أَبُو حَازِمٍ فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ ابْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا فَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلا فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ:=إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي+(2).
__________
(1) ـ فتح الباري لابن حجر (18/420).
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الفتن ـ باب ما جاء في قول الله تعالى:[واتقوا فتنة لا تصيبن الذين..](6528) واللفظ له، ومسلم ـ كتاب الفضائل ـ باب إثبات حوض نبينا " وصفاته (4243).(20/104)
وعن عقبة بن عامر ÷ أن رسول الله " خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف على المنبر، فقال:=أَنَّ النَّبِيَّ " خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا +(1).
وعن عبد الله بن مسعود ÷ عن النبي " أنه قال:=أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ
وَلَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجَالٌ مِنْكُمْ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ+(2).
وعن أنس بن مالك ÷ عن النبي " أنه قال:=لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي
الْحَوْضَ حَتَّى عَرَفْتُهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي فَأَقُولُ أَصْحَابِي فَيَقُولُ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا
بَعْدَكَ +(3).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب صفة الحوض (6102) واللفظ له، ومسلم ـ كتاب الفضائل ـ باب إثبات حوض نبينا " وصفاته (4248).
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب في الحوض (6090).
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب في الحوض (6096).(20/105)
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال النبي ":=إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي فَيُقَالُ هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ+ فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ:=اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا+(1).
وفي رواية أخرى عن ثوبان قال: سئل النبي " عن شرابه، فقال:=أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ يَغُتُّ(2) فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنْ الْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ وَالآخَرُ مِنْ وَرِقٍ+ أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل يغت، فيه ميزابان يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب والآخر من ورق+(3).
ووجه الدلالة إثبات الحوض للنبي " يوم القيامة.
المطلب الرابع: الذين يردون الحوض، والذين يذادون عنه:
بيَّن النبي " صفة الذين يردون على حوضه، والذين يمنعون من الشرب منه، وهذا بعض ما ورد منها:
فعن عبد الله بن مسعود ÷ عن النبي " أنه قال:=أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَلَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجَالٌ مِنْكُمْ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ+(4).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب في الحوض (6104).
(2) ـ يغت: أي يصب ويسيل.
(3) ـ رواه مسلم ـ كتاب الفضائل ـ باب إثبات حوض نبينا " وصفاته (4256).
(4) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب في الحوض (6090).(20/106)
وعن أنس بن مالك ÷ عن النبي " أنه قال:=لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ حَتَّى عَرَفْتُهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي فَأَقُولُ أَصْحَابِي فَيَقُولُ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ+(1).
وعن أبي حازم × عن سهل بن سعد ÷ قال: سمعت النبي " يقول: =إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ+ قَالَ أَبُو حَازِمٍ فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ ابْنُ أَبِي عَيَّاشٍ فَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا فَأَقُولُ:=إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي+(2).
وعن أبي هريرة ÷ أن رسول الله " قال:=يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ
أَصْحَابِي فَيُحَلَّئُونَ(3) عَنْ الْحَوْضِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيَقُولُ إِنَّكَ لا عِلْمَ لَكَ
بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى+، وفي رواية:=فيجلون+(4).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب في الحوض (6096).
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب في الحوض (6097).
(3) ـ فيحلئون: أي يدفعون ويطردون.
(4) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب في الحوض (6097)، (6098).(20/107)
وللبخاري: أن رسول الله " قال:=بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ هَلُمَّ فَقُلْتُ أَيْنَ قَالَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ قُلْتُ وَمَا شَأْنُهُمْ قَالَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ هَلُمَّ قُلْتُ أَيْنَ قَالَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ قُلْتُ مَا شَأْنُهُمْ قَالَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى فَلا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ(1)+(2).
ولمسلم: أن رسول الله " قال:=تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِهِ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَعْرِفُنَا قَالَ نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لأَحَدٍ غَيْرِكُمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ وَلَيُصَدَّنَّ عَنِّي طَائِفَةٌ مِنْكُمْ فَلا يَصِلُونَ فَأَقُولُ يَا رَبِّ هَؤُلاءِ مِنْ أَصْحَابِي فَيُجِيبُنِي مَلَكٌ فَيَقُولُ وَهَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ+(3).
__________
(1) ـ همل النعم: الإبل الضالة، والمعنى أن الناجي منهم قليل.
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب في الحوض (6099).
(3) ـ رواه مسلم ـ كتاب الطهارة ـ باب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (365).(20/108)
وقد ورد عن القرطبي × في كتاب التذكرة بعض الأحاديث التي سقناها ثم قال:=قال علماؤنا رحمة الله عليهم أجمعين: فكل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه مالا يرضاه الله، ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه، وأشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على
أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون.
وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله وإذلالهم والمعلنون بالكبائر المستخِفُّون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع.
ثم البعد قد يكون في حال، ويقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال، ولم يكن في العقائد، وعلى هذا يكون نور الوضوء يعرفون به، ثم يقال لهم: سحقاً، وإن كانوا من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله " يظهرون الإيمان ويسرون الكفر فيأخذهم بالظاهر، ثم يكشف لهم الغطاء فيقال لهم: سحقاً سحقاً، ولا يخلد في النار إلا كل جاحد مبطل، ليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان+(1).
المطلب الخامس: مسافة الحوض:
وردت أحاديث عديدة تشير إلى مسافة الحوض وسعته، فمن هذه الأحاديث:
عن أنس بن مالك ÷أن رسول الله " قال:=إِنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنْ الْيَمَنِ وَإِنَّ فِيهِ مِنْ الأَبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ+(2)
__________
(1) ـ كتاب التذكرة: ص306.
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب في الحوض (6094) واللفظ له، ومسلم ـ كتاب الفضائل ـ باب إثبات حوض نبينا " وصفاته (4258).(20/109)
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص _ رضي الله عنهما _ قال: قال رسول الله ":=حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ الْوَرِقِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلا يَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا+(1).
وحديث أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=إِنَّ حَوْضِي أَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدَنٍ لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ وَلآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ وَإِنِّي لأَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عَنْ حَوْضِهِ+ قَالُوا يَارَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ:=نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لأَحَدٍ مِنْ الأُمَمِ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ+(2).
عن جابر بن سمرة ÷ عن رسول الله " قال:=أَلا إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ كَأَنَّ الأَبَارِيقَ فِيهِ النُّجُومُ+(3).
وعن أبي برزة ÷ قال: سمعت رسول الله " يقول:=ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء مسيرة شهر، عرضه كطوله، فيها مرزابان ينبعثان من الجنة من ورق وذهب، أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، فيه أباريق عدد نجوم السماء+(4).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب في الحوض (6093) واللفظ له، ومسلم ـ كتاب الفضائل ـ باب إثبات حوض نبينا " وصفاته (4244).
(2) ـ رواه مسلم ـ كتاب الطهارة ـ باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (364).
(3) ـ رواه مسلم ـ كتاب الفضائل ـ باب إثبات حوض نبينا " وصفاته (4262).
(4) ـ رواه الطبراني، وابن حبان واللفظ له، وخرجه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج3 رقم3621)، وقال: حديث حسن صحيح.(20/110)
وعَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ " وَذَكَرَ الْحَوْضَ فَقَالَ =كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَصَنْعَاءَ+، وَزَادَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَارِثَةَ سَمِعَ النَّبِيَّ " قَوْلَهُ:=حَوْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ+ فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ أَلَمْ تَسْمَعْهُ قَالَ الأَوَانِي قَالَ لا قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ تُرَى فِيهِ الآنِيَةُ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ+(1).
والأحاديث في ذلك كثيرة ولله الحمد.
المطلب السادس: صفة الحوض ومزاياه:
وردت صفات كثيرة جاء ذكر بعضها فيما تقدم من الأحاديث، ولتمام الفائدة نذكر بعض ما ورد من صفاته ومزاياه، مستقاة من الأحاديث الشريفة: =فهو حوض عظيم، ومورد كريم، لا يعلم سعته على الحقيقة إلا الله تعالى، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأشد برداً من الثلج، وأطيب ريحاً من المسك، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، وهو في غاية الاتساع، كلما شرب منه زاد واتسع، ينبت من خلاله المسك والرضراض(2) من اللؤلؤ وقضبان الذهب، ويثمر ألوان الجواهر، وفيه من الأباريق كعدد نجوم السماء في الليلة الظلماء المصحية، آنيته من ذهب وفضة+(3).
وكل هذه الصفات سمعية ينبغي الإيمان بها كما وردت، ونحن نعلم أن أحوال الآخرة مختلفة عن أحوال الدنيا، والاسم هو الاسم والحقيقة غير الحقيقة.
وقد يقال: إذا ثبت أن الحوض من شرب منه من المؤمنين شربة لم يصبه الظمأ أبداً، فأي حاجة بعد ذلك إلى الشرب في الجنة من نهر الكوثر؟
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب في الحوض (6103) واللفظ له، ومسلم ـ كتاب الفضائل ـ باب إثبات حوض نبينا " وصفاته (4251).
(2) ـ الرضراض: هو مادق من صغار الحصى.
(3) ـ فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية (3/146)، وشرح الطحاوية ص251، ولوامع الأنوار للسفاريني (2/196، 197).(20/111)
وقد أجاب العلماء عن هذا فقالوا: إن أهل الجنة لا يشربون نتيجة لعطش يصيبهم، وإنما يشربون تلذذاً وشهوة لا لدفع الجوع والعطش(1).
المبحث الثاني عشر:
الصراط:
المطلب الأول: تعريف الصراط.
المطلب الثاني: الإيمان بالصراط.
المطلب الثالث: الأدلة على الصراط.
المطلب الرابع: صفة الصراط.
المطلب الخامس: مرور الناس عليه.
المطلب السادس: هل يمر جميع الخلق على الصراط؟.
المطلب السابع: الورود على الصراط.
المطلب الثامن: أول من يجوز على الصراط.
المطلب التاسع: ضرب السور بين المؤمنين والمنافقين.
المطلب العاشر: القنطرة:
المطلب الحادي عشر: حاجة المسلم إلى شفاعة الرسول " عند الصراط:
المطلب الأول: تعريف الصراط:
الصراط في اللغة: الطريق الواضح المستقيم.
ونقل ابن جرير: =أن الأمة أجمعت على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وأن هذا الاستعمال كذلك في جميع لغة العرب+(2) وذكر أن الشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.
ومن معانيه أيضاً:
1_ بيان طريق الهداية والإرشاد، وهذا رأي ابن عباس رضي الله عنهما .
2_ القرآن الكريم؛ وهذا رأي علي بن أبي طالب ÷.
3_ الإسلام، وهذا رأي جابر بن عبد الله، ورواية أخرى عن ابن عباس، ورأي ابن مسعود، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، والنواس بن سمعان الأنصاري.
4_ دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره، وهذا رأي ابن الحنفية(3).
وهناك أقوال أخرى في معنى الصراط ذكرها أهل العلم من علماء التفسير وغيرهم.
والواقع أن هذه الأقوال ليست متباينة، فإن لفظة الصراط تصدق عليها جميعاً؛ لأنها ترجع إلى شيء واحد وهو المتابعة لله وللرسول "، كما ذكر ابن كثير(4).
وفي الشرع: جسر منصوب على متن جهنم بين الجنة وأرض المحشر، عليه يمرُّ
الناس على قدر أعمالهم.
__________
(1) ـ تكملة شرح الصدور ص26.
(2) ـ جامع البيان (1/72_75).
(3) ـ.جامع البيان (1/75).
(4) ـ تفسير القرآن لابن كثير (1/137).(20/112)
وقد بين شارح الطحاوية معتقده في الصراط المذكور في الأحاديث فقال: =ونؤمن بالصراط، وهو جسر على جهنم، إذا انتهى الناس بعد مفارقتهم الموقف إلى الظلمة التي دون الصراط، كما قالت عائشة رضي الله عنها =أن رسول الله " سئل: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال:=هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ+(1)+(2).
ويقول النووي في تعريف له:=وهو جسر على متن جهنم يمر عليه الناس كلهم، فالمؤمنون ينجون على حسب حالهم أي: منازلهم والآخرون يسقطون فيها+(3).
وقال السفاريني:=والحق أن الصراط وردت به الأخبار الصحيحة وهو محمول على ظاهره بغير تأويل، كما ثبت في الصحيحين، والمسانيد والسنن والصحاح مما لا يحصى إلا بكلفة، من أنه جسر مضروب على متن جهنم يمر عليه جميع الخلائق+(4).
المطلب الثاني: الإيمان بالصراط:
الإيمان بالصراط واجب، وقد قام الدليل على وجوده، ولا يجوز لأحد أن ينكره، وهذا مذهب أهل الحق من سلف هذه الأمة ومن بعدهم إلى يومنا هذا.
فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي " قال:=..وَلِجَهَنَّمَ جِسْرٌ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ عَلَيْهِ كَلالِيبُ وَحَسَكٌ يَأْخُذُونَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ...+(5).
وقال سلمان الفارسي ÷:=ويوضع الصراط مثل حد الموسى، فتقول الملائكة: من يجوز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك +(6).
وقال الإمام أحمد بن حنبل:=الصراط حق وضع على سواء جهنم ويمر الناس عليه والجنة ، نسأل _ الله عز وجل _ السلامة في الجواز+(7).
__________
(1) ـ سبق تخريجه ص174.
(2) ـ شرح الطحاوية في العقيدة الوسطية (3/23).
(3) ـ شرح النووي على مسلم (1/323).
(4) ـ لوامع الأنوار البهية (2/193).
(5) ـ رواه أحمد (41/302) رقم (24793).
(6) ـ رواه الحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في الصحيحة (2/619).
(7) ـ العقيدة للإمام أحمد بن حنبل ( 1/ 76).(20/113)
وقال الطحاوي: =ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة، والعرض والحساب، وقراءة الكتاب، والثواب والعقاب، والصراط والميزان+(1).
قال شارح الطحاوية في الصراط:=ونؤمن بالصراط، وهو جسر على جهنم، إذا انتهى الناس بعد مفارقتهم الموقف إلى الظلمة التي دون الصراط، كما قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله " سئل: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال: =هُمْ في الظُّلْمَة دُونَ الْجِسْرِ+(2).
وقد بين السفاريني × موقف الفرق من الصراط، وهل هو صراط مجازي أم
حقيقي؟ ثم قرر مذهب أهل الحق الذي دلت عليه النصوص فيه، فقال:=اتفقت الكلمة على إثبات الصراط في الجملة، لكن أهل الحق يثبتونه على ظاهره من كونه جسراً ممدواً على متن جهنم، أحد من السيف وأدق من الشعر، وأنكر هذا الظاهر القاضي عبد الجبار المعتزلي وكثير من أتباعه زعماً منهم أنه لا يمكن عبوره، وإن أمكن ففيه تعذيب، ولا عذاب على المؤمنين والصلحاء يوم القيامة، وإنما المراد طريق الجنة المشار إليه بقوله:[سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ](3)، وطريق النار المشار إليه بقوله تعالى:[فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ](4).
ومنهم من حمله على الأدلة الواضحة، والمباحات، والأعمال الرديئة التي يسأل عنها ويؤاخذ بها، وكل هذا باطل وخرافات لوجوب حمل النصوص على حقائقها، وليس العبور على الصراط بأعجب من المشي على الماء أو الطيران في الهواء، أو الوقوف فيه، وقد أجاب " عن سؤال حشر الكافر على وجهه بأن القدرة صالحة لذلك.
__________
(1) ـ شرح الطحاوية في العقيدة السلفية (2/491).
(2) ـ المرجع السابق (3/23).
(3) ـ محمد: 5.
(4) ـ الصافات: 23.(20/114)
وأنكر العلامة القرافي كون الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف، وسبقه إلى ذلك شيخه العز بن عبد السلام، والحق أن الصراط وردت به الأخبار الصحيحة، وهو محمول على ظاهره بغير تأويل كما ثبت في الصحيحين والمسانيد والسنن والصحاح مما لا يحصى إلا بكلفة من أنه جسر مضروب على متن جهنم يمر عليه جميع الخلائق، وهم في جوازه متفاوتون+(1).
المطلب الثالث: الأدلة على الصراط:
استدل أهل السنة والجماعة على وجوب الإيمان بالصراط بما يأتي:
أولاً: استدلوا بالإشارة الواردة في قوله تعالى:[وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً](2).
ثانياً: من السنة: حديث حذيفة بن اليمان ÷الطويل، وفيه أخبر " أن الأمانة والرحم تقومان جنبتي الصراط، فقال:=.. وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيْ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالا فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ قَالَ قُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ قَالَ أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلا زَحْفًا قَالَ وَفِي حَافَتَيْ الصِّرَاطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا+(3).
__________
(1) ـ لوامع الأنوار البهية (2/192، 193).
(2) ـ مريم: 71، 72.
(3) ـ سبق تخريجه ص230.(20/115)
وعن أبي هريرة ÷ قال: قال أناس: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر الحديث، وهو حديث طويل، ومحل الشاهد منه قوله ":=.. وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ+ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "=فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟+ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:=فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهَا لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلا اللَّهُ
فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْهُمْ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو..+(1).
وعن أبي هريرة ÷ عن النبي " أنه قال:=.. فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنْ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ وَلا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلا الرُّسُلُ وَكَلامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟+ قَالُوا نَعَمْ قَالَ:=فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلا اللَّهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو...+(2).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب الصراط جسر جهنم (6088).
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الأذان ـ باب فضل السجود (764).(20/116)
وعن أبي سعيد الخدري ÷ قال: قال رسول الله ":=ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ+، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ قَالَ:=دَحْضٌ مَزِلَّةٌ فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ..+(1).
وعن أبي سعيد الخدري ÷ _ من حديث طويل _ قال: قال رسول الله ": =.. ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ+ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجَسْرُ قَالَ: =مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ
وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا..+(2).
وعن أبي بكرة ÷ عن النبي " قال:=يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَقَادَعُ بِهِمْ جَنَبَةُ الصِّرَاطِ تَقَادُعَ الْفَرَاشِ فِي النَّارِ قَالَ فَيُنْجِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ...+(3).
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب معرفة طريق الرؤية (269).
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب التوحيد ـ باب قول الله تعالى:[وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة](6886).
(3) ـ رواه أحمد، وحسنه الألباني في ظلال الجنة (ج2 رقم837).(20/117)
ويتضح من تلك النصوص أنه: ممر رهيب، وعقبة خطيرة، عليه من أنواع التعذيب ما لا يعلمه إلا الله، عليه كلاليب مثل شوك السعدان، تخطف من أمرت بخطفه، لا يعلم قدر عظمتها إلا الله.
لا يتكلم عليه أحد غير الرسل،ودعاؤهم عليه: اللهم سلِّم سلِّم،وهو دحض مزلة، ينزلق فيه المارة بسرعة، وأول من يجوزه الرسول " وأمته إكراماً وتشريفاً لهم، وثبت كذلك أن الناس يختلفون في سرعة المرور عليه، ويختلفون في أخذهم لأنوارهم، كل ذلك حسب العمل، وهم يدعون: اللهم سلِّم سلِّم.
وهذا إشارة إلى خطورة الصراط والمرور عليه؛ إذ هو مظنة الهلكة إن لم يكتب الله السلامة؛ فهذا يسقط، وهذا يزحف، وذلك يمر مسرعاً، وهذا تصيب جوانبه النار، وهذا تخطفه الكلاليب، وحقاً إنه من المسالك الخطيرة الرهيبة.
المطلب الرابع: صفة الصراط:
اتضح مما سبق أن الصراط يمتاز بصفات عديدة يمكن إيجازها فيما يأتي:
(1) أن الصراط ممر رهيب جداً، تقف الرسل على جانبيه، يدعون المارين عليه بالسلامة والنجاة.
(2) أن عليه كلاليب وخطاطيف وحسكاً مثل شوك السعدان، معلقة به تخطف من أمرت بخطفه.
(3) أنه مدحضة مزلة، فهو على دقته أيضاً منزلق لا تثبت عليه أقدام؛ إلا إذا كتب لها الثبات بأن كان صاحبها من أهل السعادة.
(4) أنه أحد من السيف، وأدق من الشعر.
ومن الأدلة على صفة الصراط ما يأتي:
عن أبي سعيد الخدري ÷ قال ":=..ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ+،قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: =دَحْضٌ مَزِلَّةٌ فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ..+(1).
وعنه ÷ أنه قال:=بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ..+(2).
__________
(1) ـ سبق تخريجه ص264.
(2) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب معرفة طريق الرؤية (269).(20/118)
وعن عبد الله بن مسعود ÷ قال =.. يُوضَعُ الصِّرَاطُ عَلَى سَوَاءِ جَهَنَّمَ مِثْلَ حَدِّ السَّيْفِ الْمُرْهَفِ، مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ كَلالِيبٌ مِنْ نَارٍ يُخْتَطَفُ بِهَا فَمُمْسَكٌ يَهْوِي فِيهَا، وَمَصْرُوعٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ...+(1).
وعن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله ":=.. وَفِي حَافَتَيْ الصِّرَاطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا..+(2).
وحديث ابن مسعود ÷ في الحشر وفيه :=والصِّرَاطُ كَحَدِّ السَيَّفِ دَحْضٌ مَزَلَّةٌ+، قال: =فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِّ نُوْرِهِمْ..+(3).
وعن سلمان ÷ عن النبي " قال=.. وَيُوْضَعُ الصِّرَاطُ مِثْلَ حَدِّ المُوْسَى فَتَقُولُ المَلائِكَةُ مَنْ تُجِيزُ عَلَى هَذَا؟ فَيَقُولُ مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِي..+ (4).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله "=.. وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وُضِعَ بَيَّنَ ظَهْرَيَّ جَهَنَّمَ حَافَّتَاهُ كَلالِيبٌ كَثِيرَةٌ وَحَسَكٌ كَثِيرَةٌ يحْبِسُ اللهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَنْجُو أَمْ لا+(5).
__________
(1) ـ رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج3 رقم3627).
(2) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (288).
(3) ـ رواه ابن أبي الدنيا والطبراني والحاكم واللفظ له،وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ج3).
(4) ـ رواه الحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/619) رقم(941).
(5) ـ رواه الحاكم، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (ج2 رقم2108).(20/119)
وعن أبي سعيد الخدري ÷ أن النبي " قال:=.. ثُمَّ يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ وَالأَنْبِيَاءُ بِنَاحِيتَيْهِ قَوْلُهُمْ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَإِنَّهُ لَدَحْضُ مَزَلَّةٍ وَإِنَّهُ لَكَلالِيبُ وَخَطَاطِيفُ..+ (1).
المطلب الخامس: مرور الناس عليه:
يمرُّ الناس على الصراط على قدر أعمالهم،ولذا يتفاوت مرورهم،فهم يعطون نوراً على قدر أعمالهم في الدنيا. ولذا يطفأُ نور المنافقين، والأمانة والرحم على جانبي الصراط.
وقد جاءت النصوص أن أول من يجوز هم أمة محمد "، ثم إذا نجوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن أراناك، لقد أعطانا ما لم يعط أحدا.
__________
(1) ـ رواه أحمد، وقال عنه الألباني في ظلال الجنة (ج1 رقم634) إسناده جيد.(20/120)
فعن ابن مسعود ÷ أن رسول الله " قال:=_ في صفة مرورهم عليه _ وتوزيع الأنوار عليهم:= فَيُعْطَوْنَ نُورَهم عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهم وَمَنْهُم مَنْ يُعْطَى نُورَهُ فَوْقَ ذَلكَ وَمَنْهُم مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْل النَّخْلَة بِيَمِينِهِ وَمَنْهُم مَنْ يُعْطَى دُوْنَ ذَلكَ بَيَمِينِهِ حَتَى يَكُون آَخِر مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةٌ وَيُطْفَأُ مَرَّةٌ إّذَا أَضّاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ وَإِذَا طُفِئ قَامَ، قَالَ: فَيَمُرُّ وَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَيّفِ دَحْضٌ مَزَلَةٌ، فَيُقَالُ لَهُم: امْضُوا عَلَى قَدْرِ نُوْرِكم فَمِنْهُم مَنْ يَمُرُّ كانْقِضَاضُ الْكَوْكَبِ وَِمِنْهُم مَنْ يَمُرُّ كَالرِِيحِ وَمِنْهُم مَنْ يَمُرُّ كَالطَّرْفِ وَمِنْهُم مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّجلِ يَرْمل رَمْلاً فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِم حَتَى يَمُرُّ الَّذِي نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ تخِرُّ يَدُ وتَعْلَقُ يَد فَيَخْلُصُونَ فَإِذَا خَلَصُوا قَالُوا: الحَمْدُ للهِ الذِي نجَانَا مِنْكِ بَعْدَ مَا أَرَانَاكِ لَقَدْ أَعْطَانَا اللهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحْد+(1).
وعند أبي حاتم في التفسير _ من طريق أبي الزعراء عن ابن مسعود في صفة مرورهم على الصراط: أنهم يمرون كمر البرق، ثم الريح، ثم الطير، ثم أجود الخيل، ثم الإبل، ثم كعدو الرجل، حتى إن آخرهم رجل نوره على موضع
إبهامي قدميه، ثم يتكفأ به الصراط..+(2).
ولقد أحسن من قال:
إذا مُدَّ الصِّراطُ عَلَى جَحِيمٍ ... ** ... تَصُولُ عَلَى الْعُصَاةِ وتَسْتَطِيلُ
فَقَوْمٌ فِي الْجَحِيمِ لَهُمْ ثُبُورُ ... ** ... وَقَوْمٌ في الْجِنَانِ لَهُمْ مَقَيلُ
وَبَانَ الَحقُّ وانْكَشَفَ المُغَطَى ... ** ... وَطَالَ الْوَيِّلُ وَاتْصَلَ العَوِيلُ
__________
(1) ـ رواه الحاكم، وصححه الألباني في تخريج الطحاوية، ص469.
(2) ـ فتح الباري لابن حجر (18/419).(20/121)
قال شارح الطحاوية ×:=في هذا الموضع يفترق المنافقون عن المؤمنين، ويتخلفون عنهم، ويسبقهم المؤمنون، ويحال بينهم بسور يمنعهم من الوصول إليهم.
وعن عبد الله بن مسعود ÷ قال: =.. فيعطون نورهم على قدر أعمالهم قال: فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه حتى يكون آخر ذلك من يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة، ويطفئ مرة، فإذا أضاء قدمه، وإذا طفئ قام فيمر ويمرون على الصراط والصراط كحد السيف دحض مزلة، فيقال: انجوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الرجل، ويرمل رملا، فيمرون على قدر أعمالهم حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه قال: يجر يدا ويعلق يدا ويجر رجلا ويعلق رجلا وتضرب جوانبه النار، قال: فيخلصوا فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد الذي أراناك لقد أعطانا الله ما لم يعط أحدا+(1).
__________
(1) ـ سبق تخريج ص268.(20/122)
وقد قال ربنا تبارك وتعالى عن هذا المشهد العظيم وهم يمرون على الصراط: [يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ](1).
__________
(1) ـ الحديد: 12ـ 15.(20/123)
فالله جل وعلا أخبر أن المؤمنين والمؤمنات الذين استناروا بهذا الدين العظيم في الدنيا وعاشوا في ضوئه يعطون يوم القيامة نوراً يكشف لهم الطريق، فيجنبهم بهذا النور العثرات والمزالق في طريق دحض مزلة، وهناك يبشرون بجنات النعيم، ويحرم المنافقون الذين كانوا يزعمون في الدنيا أنهم مع المؤمنين وأنهم منهم، لكنهم في الحقيقة مفارقون لهم لا يهتدون بهداهم، ولا يسلكون سبيلهم من النور، كما حرموا أنفسهم في الدنيا من نور القرآن العظيم، فيطلب المنافقون من أهل الإيمان أن ينتظروهم ليستضيئوا بنورهم، وهناك يخدعون كما كانوا يخدعون المؤمنين في الدنيا، ويقال لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا، فيعود المنافقون إلى الوراء، ويتقدم المؤمنون إلى الأمام، فإذا تمايز الفريقان ضرب الله بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، ويكون مصير المؤمنين والمؤمنات الجنة،
ومصير المنافقين والمنافقات النار.
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يثبت أقدامنا على الصراط، وأن يدخلنا الجنة برحمته إنه جواد كريم.
المطلب السادس: هل يمر جميع الخلق على الصراط؟
إذا كان الصراط قد نصب لأجل مرور الأمم عليه؛ كما هو الغرض من نصبه، فهل يمر عليه جميعهم؟ أم أن هناك من يستثنى من الخلق بعدم المرور عليه؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
فمنهم من يقول أن بعض الخلق لا يمر عليه تشريفاً لهم، كالأنبياء، أو إهانة لهم وتعذيباً كعتاة الكفار والمشركين؛ بل يذهب بهم مباشرة إلى النار قبل وضع الصراط.
ومنهم من يقول: إن الكل يمر عليه.
وقد أشار ابن حجر ×: إلى أن بعض الكفار لا يمرون عليه؛ بل يقذفون في النار قبل وضع الصراط(1)، ولعله يريد عتاة الكفار لا جميعهم، ويكون مرور الكفار الآخرين على الصراط زيادة في تعذيبهم.
__________
(1) ـ فتح الباري لابن حجر (18/410).(20/124)
وقال الشيخ عمر الأشقر: دلت الأحاديث على أن الأمم الكافرة تتبع ما كانت تعبد من آلهة باطلة، فتسير تلك الآلهة بالعابدين حتى تهوي بهم في النار، ثم يبقى بعد ذلك المؤمنون وفيهم المنافقون، وعصاة المؤمنين، وهؤلاء هم الذين ينصب لهم الصراط، ولم أر في كتب أهل العلم التي اطلعت عليها من تنبه إلى أن الصراط إنما يكون للمؤمنين دون غيرهم من الكفار والمشركين والملحدين غير ابن رجب الحنبلي × فإنه قال في كتابه التخويف من النار:=واعلم أن الناس منقسمون إلى مؤمن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً، ومشرك يعبد مع الله غيره، فأما المشركون، فإنهم لا يمرون على الصراط، وإنما يقعون في النار قبل وضع
الصراط+.
وقد ساق بعض الأحاديث ومنها حديث أبي سعيد الخدري ÷ الذي في الصحيحين _ وسيأتي بعد قليل _ ثم قال:=فهذا الحديث صريح في أن كل من أظهر عبادة شيء سوى الله كالمسيح والعزير من أهل الكتاب فإنه يلحق بالمشركين في الوقوع في النار قبل نصب الصراط، إلا أن عبَّاد الأصنام والشمس والقمر وغير ذلك من المشركين تتبع كل فرقة منهم ما كانت تعبد في الدنيا، فترد النار مع معبودها أولاً، وقد دل القرآن على هذا المعنى في قوله تعالى:[يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ](1).
وأما من عبد المسيح والعزير من أهل الكتاب، فإنهم يتخلفون مع أهل الملل المنتسبين إلى الأنبياء، ثم يردون النار بعد ذلك.
__________
(1) ـ هود: 98.(20/125)
وقد ورد في حديث آخر أن من كان يعبد المسيح يمثل له شيطان المسيح فيتبعونه، وكذلك من كان يعبد العزير، وفي حديث الصور أنه يمثل لهم ملك على صورة المسيح، وملك على صورة العزير، ولايبقى بعد ذلك إلا من كان يعبد الله وحده في الظاهر سواء كان صادقاً أو منافقاً من هذه الأمة وغيرها، ثم يتميز المنافقون عن المؤمنين بامتناعهم عن السجود، وكذلك يمتازون عنهم بالنور الذي يقسم للمؤمنين+(1). وهذا القول وجيه.
__________
(1) ـ القيامة الكبرى للأشقر ص275، والتخويف من النار لابن رجب ص188.(20/126)
ومن الأدلة عليه حديث أبي سعيد الخدري ÷ قال: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ:=هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟+ قُلْنَا لا قَالَ:=فَإِنَّكُمْ لا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ثُمَّ قَالَ يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فَيَقُولُونَ كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ فَيَقُولُونَ نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا قَالَ فَيَأْتِيهِمْ الْجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ(20/127)
الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَلا يُكَلِّمُهُ إِلا الأَنْبِيَاءُ فَيَقُولُ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ فَيَقُولُونَ السَّاقُ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ+،قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ:وَمَا الْجَسْرُ قَالَ:=مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا...+(1).
فقد ذكر في هذا الحديث أن الكفار يتساقطون في جهنم ثم بعد ذلك يؤتى بالجسر وهو الصراط فيجعل على متن جهنم، أي أن الصراط لم يكن موجوداً أصلاً إلا بعد سقوط الكفار في النار ولم يبق إلا المسلمون.
المطلب السابع: الورود على الصراط:
قال الله تعالى:[وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً](2).
اختلف أهل العلم في الورود المذكور في قوله تعالى:[وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا] على أقوال:
__________
(1) ـ سبق تخريجه ص264.
(2) ـ مريم: 71، 72.(20/128)
القول الأول: المراد بالورود الدخول: والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وقول السلف، أما الكتاب فقوله تعالى:[وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً]، فقوله:[ثُمَّ نُنَجِّي] يدل على أن معنى الورود: الدخول حيث إن النجاة تكون بعد وقوع المكروه والدخول فيه، ولا يقال لمن لم يدخل في المكروه أنه نجى منه.
ويدل على هذا قوله تعالى:[يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ](1)، أي فأدخلهم النار.
ويؤيد هذا القول حديث أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=لا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إِلا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ+(2)، قال أبو عبد الله _ يعني البخاري _ =[وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا]، فإن كان الاستثناء متصلاً، فالمعنى أنه لا يلج النار إلا ولوجاً يحل القسم+(3).
القول الثاني: الورود هو المرور:
من المعلوم أن أعظم من يفسر كتاب الله هو رسول الله "، وقد أخبرنا " أن
المؤمنين يمرون على النار ولا يدخلونها.
عن جابر ÷:=أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ " يَشْكُو حَاطِبًا فَقَالَ: يَارَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ":=كَذَبْتَ لا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ+(4).
__________
(1) ـ هود: 98.
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الجنائز ـ باب فضل من مات له ولد فاحتسب (1173)، ومسلم ـ كتاب البر والصلة والآداب ـ باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه (4766).
(3) ـ فتح الباري لابن حجر (4/276).
(4) ـ رواه مسلم _ كتاب فضائل الصحابة _ باب من فضائل أهل بدر وقصة حاطب (4551).(20/129)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول:أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي " يقول عند حفصة:=لا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا+ قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْتَهَرَهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ: [وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا] فَقَالَ النَّبِيُّ "=قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:[ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا]+(1).
وفي رواية ابن ماجة _ وفيها زيادة _:=من شهد بدراً والحديبية +_ :عن جابر عن أم مبشر عن حفصة رضي الله عنها قالت: قال النبي ":=إِنِّي لأَرْجُو أَلا يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ+قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ [وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا] قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ:[ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا]+ (2).
قال النووي ×:=قوله ": =لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة
أحد من الذين بايعوا تحتها+ قال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعاً كما صرح
به في الحديث الذي قبله حديث حاطب، وإنما قال: إن شاء الله؛ للتبرك،لا للشك.
__________
(1) ـ رواه مسلم _ كتاب فضائل الصحابة _ باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان(4552).
(2) ـ رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في سنن ابن ماجة (2/1431) رقم (4281).(20/130)
وأما قول حفصة رضي الله عنها: بلى، وانتهار النبي " لها فقالت:[وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا] فقال النبي ":=وقد قال:[ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا] فيه دليل للمناظرة والاعتراض والجواب على وجه الاسترشاد، وهو مقصود حفصة،لا أنها أرادت رد مقالته "، والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط وهو جسر منصوب على جهنم، فيقع فيها أهلها، وينجو الآخرون+(1).
ويدل كذلك على أن المراد بالورود المرور حديث أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا:=..... فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا " فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيْ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالا فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ قَالَ قُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ قَالَ أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلا زَحْفًا قَالَ وَفِي حَافَتَيْ الصِّرَاطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا+(2).
فقوله تعالى:=كمر البرق+ يدل على أنه إنما يمرُّ على النار لا يدخل فيها كما هو واضح، فهذا نص صريح صحيح أنهم يمرون ولا يدخلون.
وأما قوله تعالى:[يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ](3)
__________
(1) ـ شرح النووي على مسلم (8/266).
(2) ـ سبق تخريجه ص230.
(3) ـ هود: 98.(20/131)
وقوله سبحانه:[لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ](1)، وأن
معناهما الدخول.
فالجواب أن لفظ الورود لفظ مشترك يطلق على الدخول وعلى المرور، ألا ترى أن قوله تعالى:[وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ...](2) أن موسى لم يدخل في الماء وإنما مر عليه فقط.
وقيل: المراد الجواز على الصراط.
وقيل: يراد به الدخول، ولكنه عنى به الكفار دون المؤمنين.
وقيل: إنه عام لكل مؤمن وكافر، غير أن ورود المؤمن المرور، وورود الكافر الدخول.
وقيل: الإشراف عليها والقرب منها.
وقيل: ورود المؤمن ما يصيبه في الدنيا من حمى ومرض.
وقيل: أنه يردها الجميع، ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم، وتلك أشهر الأقوال.
والراجح والله أعلم هو القول الأخير،_ وهو أنه يردها الجميع ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم _ لتصريح الآية به [وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا]، [ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً].
بالإضافة إلى ما ثبت عن رسول الله " في وصف الصراط ومرور الناس عليه
بحسب أعمالهم، والمرور أعم من الدخول.
المطلب الثامن: أول من يجوز على الصراط:
ثبت أن الرسول " وأمته هم أول من يجوزون الصراط؛ تكريماً وتشريفاً لهم؛ وإظهاراً لمكانة نبينا محمد " وأمته بين الأمم، وقد قال " _ كما في حديث أبي هريرة _ =..وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ+ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ":=فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ..+ وهذه رواية البخاري(3).
__________
(1) ـ الأنبياء: 99.
(2) ـ القصص: 23.
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب الصراط جسر جهنم (6088).(20/132)
وفي رواية لمسلم قال ":=..وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ..+(1). ومعنى =أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ+: أي أول من يقطعه ويمضي عليه.
قال النووي ×في ضبط هذه الكلمة إنها:=بضم الياء وكسر الجيم،والزاي آخره+ومعناه:يكون أول من يمضي عليه ويقطعه،ويقال: أجزت الوادي وجزته، لغتان بمعنى واحد، وقال الأصمعي: أجزته: قطعته، وجزته: مشيت عليه+(2).
وقال القرطبي ×:=يحتمل أن تكون الهمزة هنا للتعدية، لأنه لما كان هو وأمته أول من يجوز على الصراط، لزم تأخير غيرهم حتى يجوز، فإذا جاز هو وأمته فكأنه أجاز الناس+(3).
وصفة ذلك أنه يناديهم مناد ليعبروا وهم بين الأمم، فيقوم الرسول " حين يسمع ذلك النداء،ثم تتبعه أمته،كما في حديث عبد الله بن سلام،وفيه:=ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَيْنَ مُحَمَّد وَأُمَّتُهُ؟ فَيَقُوم فَتَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ بَرُّهَا وَفَاجِرُهَا، فَيَأْخُذُونَ الْجِسْرَ فَيَطْمِسُ اللَّهُ
أَبْصَارَ أَعْدَائِهِ فَيَتَهَافَتُونَ مِنْ يَمِين وَشِمَال، وَيَنْجُو النَّبِيُّ وَالصَّالِحُونَ+(4).
وعن ابن عباس مرفوعاً:=.. فَتُفْرَج لَنَا الْأُمَم عَنْ طَرِيقنَا فَنَمُرّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَار الطُّهُور، فَتَقُول الْأُمَم: كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّة أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ+(5).
المطلب التاسع: ضرب السور بين المؤمنين والمنافقين:
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب معرفة طريق الرؤية (267).
(2) ـ شرح النووي على مسلم (1/323).
(3) ـ فتح الباري لابن حجر (18/419).
(4) ـ فتح الباري لابن حجر (18/419)، وعزاه إلى الحاكم، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
(5) ـ فتح الباري لابن حجر (18/419).(20/133)
عندما يقضي الله بين العباد يأمر كل أمة أن تتبع معبودها فتتساقط الأمم في النار ولا تبقى إلا هذه الأمة وفيها منافقوها، فيتجلى لهم الجبار جل جلاله يضحك ويعطي كل واحد منهم نوراً فيتبعون ربهم تعالى، ثم يقفون عند الصراط ثم يتجلى لهم الجبار مرة أخرى، فيكشف رب العزة عن ساق، وعندها يفتضح المنافقون ويتميزون، لأنه حينئذ يسجد المؤمنون فيذهب المنافقون ليسجدوا فيرجع ظهرهم طبقاً واحداً فلا يستطيعون السجود، فينطفىء نور المنافقين فيطلبون النور من المؤمنين فيقولون لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا، فإذا رجع المنافقون ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب باطنه من جهة المؤمنين فيه الرحمة، وظاهره من قبل المنافقين فيه العذاب، فيقف الأنبياء على حافتي الصراط وهم يقولون: اللهم سلِّم سلِّم حتى ينجو المؤمنون كلهم، ويتساقط المنافقون.
المطلب العاشر: القنطرة:
هذه القنطرة قد ثبتت في السنة، وهي خاصة لمسلك المؤمنين إلى الجنة، حيث يقفون عليها ليقتص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذبوا ونُقوا أذن لهم بدخول الجنة، كما ورد بذلك الحديث، وهي أشبه ما تكون بتصفية الذهب لجعله نقياً خالصاً من كل شائبة مهما دقت.
روى أبو سعيد الخدري ÷ عن رسول الله " قال:=إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا+(1).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب المظالم والغصب ـ باب قصاص المظالم (2260).(20/134)
وقال قتادة:=وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا يُشْبِهُ لَهُمْ إِلَّا أَهْلُ جُمُعَةٍ حِينَ انْصَرَفُوا مِنْ جُمُعَتِهِمْ+(1).
والمراد بهذا التقاص بينهم أي: =تتبع ما بينهم من المظالم، وإسقاط بعضها ببعض+(2)، حتى يخلصوا من الآثام بمقاصة بعضها ببعض، قال ابن حجر: =ويشهد لهذا الحديث قوله _ في حديث جابر الآتي ذكره في التوحيد:=لا يَحِلُّ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّة وَلأَحَدٍ قِبَلَهُ مَظْلِمَة+(3).
وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن الحسن قال:=بلغني أن رسول الله "
قال:=يُحْبَس أَهْل الْجَنَّة بَعْد مَا يَجُوزُونَ الصِّرَاط حَتَّى يُؤْخَذ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْض
ظُلامَاتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَلَيْسَ فِي قُلُوب بَعْضهمْ عَلَى بَعْض غِلٌّ+(4).
وهو شاهد كذلك _ كما يذكر ابن حجر _ لحديث أبي سعيد الخدري ÷(5).
وقد قيل إن القنطرة طرف الصراط مما يلي الجنة، وقيل إنها بينه وبين الجنة.
المطلب الحادي عشر: حاجة المسلم إلى شفاعة الرسول " عند الصراط:
روى أنس بن مالك ÷ قال:=سَأَلْتُ النَّبِيَّ " أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: أَنَا فَاعِلٌ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ قَالَ: اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ قَالَ قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ؟ قَالَ: فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ فَإِنِّي لا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ الْمَوَاطِنَ+(6).
__________
(1) ـ رواه أحمد (23/326) رقم (11281).
(2) ـ فتح الباري لابن حجر (7/343).
(3) ـ المرجع السابق.
(4) ـ فتح الباري لابن حجر (18/382).
(5) ـ المرجع السابق.
(6) ـ رواه الترمذي، وأحمد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج3 رقم 3625).(20/135)
المبحث الثالث عشر:
الجنة والنار مخلوقتان.
ذهب أهل السنة والجماعة إلى أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، وهذا من تمام الإيمان.
=قال الطحاوي ×:=والجنة والنار مخلوقتان+. قال شارح الطحاوية:=وأما قوله: إن الجنة والنار مخلوقتان، فاتفق أهل السنة والجماعة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية فأنكرت ذلك وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة.
قالوا: وخلق الجنة والنار قبل الجزاء عبث لأنها تكون معطلة مدداً متطاولة، فعطلوا النصوص وحرفوا وبدلوا، وضللوا من خالفهم.
وقد استدل أهل السنة والجماعة على خلق الجنة والنار بنصوص الكتاب والسنة. ومنها قول الله تعالى عن الجنة:[أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ](1)، وقوله تعالى: [أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ](2). وقال عن النار:[أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ](3)، والإعداد: التهيئة+(4).
وعقد البخاري في كتاب بدء الخلق في صحيحه باباً بعنوان:=باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة+؛ قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الموضع:=قوله: باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة+؛ أي موجودة الآن، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم من المعتزلة أنها لا توجد إلا يوم القيامة.
__________
(1) ـ آل عمران: 133.
(2) ـ الحديد: 21.
(3) ـ البقرة: 24.
(4) ـ شرح الطحاوية في العقيدة الوسطية (3/32)، وشرح لمعة الاعتقاد ص131، بتصرف.(21/1)
وأصرح دليل على ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد قوي عن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لِجِبْرِيلَ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا ثُمَّ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ ثُمَّ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ قَالَ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ ثُمَّ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لا يَبْقَى أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا+ (1).
__________
(1) ـ رواه أبو داود، وأحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم(5210).(21/2)
ومن الأدلة أيضاً على أنهما موجودتان الآن الأحاديث التي يذكر فيها النبي " أنه رأى الجنة والنار ورأى أهلهما، كحديث عبد الله بن عباس أنه قال: =خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ " فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ " وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا....+ الحديث، وفيه: قالوا: =رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ، فَقَالَ: =إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ+، قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:=بِكُفْرِهِنَّ+،قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ، قَالَ: =يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ+(1).
وعن أنس ÷ قال: قال رسول الله ":=.. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ
مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا+ قَالُوا:وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:=رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ+(2)، والمعدوم لا يُرى(3).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب النكاح _ باب كفران العشير (4798)، ومسلم _ كتاب الكسوف _ باب ما عرض على النبي " في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (1512).
(2) ـ رواه مسلم _ كتاب الصلاة _ باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما (464).
(3) ـ وقد أجاب ابن أبي العز إجابات شافية ورد ردوداً وافية على من زعم أنهما لم تخلقا بعد أو أنهما تبيدان، انظر: شرح الطحاوية:(2/618).(21/3)
وقد رأى رسولنا " سدرة المنتهى،ورأى عندها جنة المأوى، كما جاء في قصة الإسراء، وفي آخر الحديث:=.. ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى بِي السِّدْرَةَ الْمُنْتَهَى فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لا أَدْرِي مَا هِيَ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ+(1). وقال تعالى:[وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى](2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله " قال: =إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ+(3).
وعن البراء بن عازب ÷ أن رسول الله " قال:=..فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا..+(4).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب أحاديث الأنبياء ـ باب ذكر إدريس عليه السلام (3094)، ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب الإسراء برسول الله " (237).
(2) ـ النجم: 13ـ 15.
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب الجنائز ـ باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي (1290).
(4) ـ رواه أبو داود، وأحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1676).(21/4)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:=خسفت الشمس على عهد رسول الله "+. فذكرت الحديث وفيه: قال رسول الله ":=.. لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُهُ حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنْ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ..+(1)
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال:=خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ " فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ " وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا....+ الحديث، وفيه: قالوا: =رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ، فَقَالَ: =إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ+، قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:=بِكُفْرِهِنَّ+،قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ، قَالَ: =يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ+(2).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الصلاة ـ باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة (1136).
(2) ـ سبق تخريجه ص288.(21/5)
وعن أبي هريرة ÷ أن رسول الله " قال:= لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لِجِبْرِيلَ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا ثُمَّ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ ثُمَّ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ قَالَ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ ثُمَّ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لا يَبْقَى أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا+(1).
وفي صحيح مسلم من حديث أنس ÷ قال رسول الله ":=.. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا+ قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَارَسُولَ اللَّهِ قَالَ:=رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ+(2).
المبحث الرابع عشر:
مكان الجنة والنار.
المطلب الأول: مكان الجنة.
المطلب الثاني: مكان النار.
المطلب الأول: مكان الجنة:
__________
(1) ـ سبق تخريجه ص288.
(2) ـ سبق تخريجه ص289.(21/6)
ذكر في شرح لمعة الاعتقاد (1) أن مكان الجنة في أعلى عليين لقوله تعالى:[كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ](2)، ولقوله ": في حديث البراء المشهور في قصة فتنة القبر:=.. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ..+(3).
وما ذكر فيه نظر، لأن عليين درجة من درجات الجنة كما في حديث أبي سعيد الخدري ÷ قال: قال رسول الله ":=إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَرَوْنَ أَهْلَ عِلِّيِّينَ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ وَأَنْعَمَا+(4).
وفي رواية الترمذي عن أبي سعيد ÷ قال: قال رسول الله ":=إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لَيَرَاهُمْ مَنْ تَحْتَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ النَّجْمَ الطَّالِعَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا+(5).
فهذه الرواية فسرت الرواية التي قبلها، وبينت أن أهل عليين هم أهل الدرجات العلى، فعليين درجة من درجات الجنة، وليست هي مكان لجميع الجنة، والآية تدل على ذلك أيضاً لأنه تعالى قال:[إِنَّ كِتَابَ الأبرار لفي عليين] وأهل الجنة فيهم السابقون، وفيهم الأبرار المقتصدون، وفيهم الظالم لنفسه وكُلٌّ له درجته.
والصحيح أن مكان الجنة فوق السماء السابعة وتحت عرش الرحمن، أما كونها
فوق السماء السابعة فدل عليه القرآن، قال تعالى:[عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى](6).
__________
(1) ـ شرح لمعة الاعتقاد ص 132، للشيخ محمد بن عثيمين ×.
(2) ـ المطففين: 18.
(3) ـ رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1676).
(4) ـ رواه أبو داود، وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح (ج3 رقم 6049).
(5) ـ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني في جامع الترمذي (5/607) رقم (3658).
(6) ـ النجم: 14، 15.(21/7)
وسدرة المنتهى فوق السماء السابعة كما في حديث الإسراء المشهور، وفيه:=ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ " قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ " مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلالِ قَالَ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَاغَشِيَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً..+(1).
فهذا الحديث يدل على أن سدرة المنتهى بعد السماء السابعة، وبما أن الجنة عندها إذن فهي فوق السماء السابعة.
__________
(1) ـ رواه مسلم _ كتاب الإيمان _ باب الإسراء برسول الله " إلى السماوات (234).(21/8)
أما كون الجنة تحت عرش الرحمن فدل على ذلك السنة؛ فعن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا+ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ:=إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ
وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ+(1).
فأعلى درجات الجنة هي الفردوس _ كما في الحديث _ وفوقه عرش الرحمن، إذن فالجنة تحت عرشه سبحانه.
المطلب الثاني: مكان النار:
قال تعالى:[كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ* كِتَابٌ مَرْقُومٌ](2)، وفي حديث البراء:=.. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى..+ (3).
سجين: فعيل من السجن، وهو الضيق، كما يقال: فسيق،وشريب،وخمير، وسكير ونحو ذلك.
ولهذا أعظم الله أمره فقال:[وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ]: أي أمر عظيم وسجن مقيم وعذاب أليم، وقد فسر في الحديث بأنه في الأرض السفلى، وقال بعضهم: صخرة تحت الأرض السابعة، وقيل: بئر في جهنم، وقيل غير ذلك مما لا دليل عليه، ولا قول بعد قول رسول الله "+(4).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب الجهاد والسير _ باب درجات المجاهدين في سبيل الله (2561).
(2) ـ المطففين: 7ـ 9.
(3) ـ رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1676).
(4) ـ الفتح الرباني شرح المسند للبنا (7/77).(21/9)
والظاهر من الآية أن سجين: هو اسم للكتاب لأنه تعالى قال:[وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ* كِتَابٌ مَرْقُومٌ]، ولكن الحافظ ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى:[كِتَابٌ مَرْقُومٌ]، قال: =ليس تفسيراً لقوله:[وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ]، وإنما هو تفسير لما كتب لهم من المصير إلى سجين، أي مرقوم مكتوب مفروغ منه لا يزيد فيه أحد ولا ينقص منه أحد. قاله محمد بن كعب القرظي+(1) وهكذا قال الراغب(2)، والقاسمي(3).
وعليه فيكون قوله تعالى:[كِتَابٌ مَرْقُومٌ] تفسيراً لقوله:[إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ]: أي إن كتاب الفجار كتاب مرقوم، ويكون قوله:[وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ] جملة معترضة بين المفسَّر والمفسِّر.
وهذه الآية ليست صريحة في مكان النار كما استدل بها في شرح لمعة الاعتقاد(4).
وقد دلت الأحاديث أن النار يؤتى بها يوم القيامة فتكون في موضع قبل مكان الجنة؛ لأن الصراط منصوب على جسر جهنم، ومن تجاوزه فإنه يصل إلى الجنة، كما دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة التي ذكرت في مبحث الصراط، وعليه فالنار قبل الجنة.
فعن عبد الله بن مسعود عن رسول الله " قال:=يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا+(5).
دل أن جهنم لها مكان آخر، ثم يؤتى بها منه إلى مكانها الذي هو قبل الجنة.
وأما مكانها في الدنيا فإنه لا يوجد نص صريح يدل على ذلك، وهذه المسألة من مسائل الغيب التي لا تعلم إلا عن طريق الوحي؛ ولا وحي، فالأسلم في هذا الوقت هو التوقف.
المبحث الخامس عشر:
النار:
المطلب الأول: تعريف النار.
__________
(1) ـ تفسير القرآن ابن كثير (8/350).
(2) ـ مفردات ألفاظ القرآن ص399.
(3) ـ محاسن التأويل (7/282).
(4) ـ شرح لمعة الاعتقاد ص 133، للشيخ محمد بن عثيمين ×.
(5) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها(5076).(21/10)
المطلب الثاني: شبهة من قال إن النار لم تخلق بعد.
المطلب الثالث: أسماء النار.
المطلب الرابع:خزنة النار.
المطلب الخامس:أسماء خزنة النار.
المطلب السادس:صفات خزنة النار.
المطلب السابع: سعة النار وبعد قعرها.
المطلب الثامن: دركات النار.
المطلب التاسع: أبواب النار.
المطلب العاشر: وقود النار.
المطلب الحادي عشر: شدة حرها وعظم دخانها.
المطلب الثاني عشر: النار تتكلم وتبصر.
المطلب الثالث عشر: أشجار النار.
المطلب الرابع عشر: طعام أهل النار.
المطلب الخامس عشر: شراب أهل النار
المطلب السادس عشر: لباس أهل النار.
المطلب السابع عشر:هل يرى أحد النار قبل يوم القيامة؟.
المطلب الثامن عشر:تأثير النار في الدنيا.
المطلب التاسع عشر: النار خالدة لا تبيد.
المطلب العشرون: النار مسكن الكفار وهم مخلدون فيها.
المطلب الحادي والعشرون: الدعاة إلى النار.
المطلب الثاني العشرون: أعظم الذنوب لأصحاب النار.
المطلب الثالث والعشرون: أشخاص بأعيانهم في النار.
المطلب الرابع والعشرون: ذنوب متوعد عليها بالنار.
المطلب الخامس والعشرون: أهل النار.
المطلب السادس والعشرون: كثرة أهل النار.
المطلب السابع والعشرون: عظم خلق أهل النار.
المطلب الثامن والعشرون: أكثر من يدخل النار من النساء.
المطلب التاسع والعشرون: كيفية دخول أهل النار النار.
المطلب الثلاثون: كيف يتقي الإنسان النار.
المطلب الأول: تعريف النار:
هي الدار التي أعدها الله للكافرين به،المتمردين على شرعه، المكذبين لرسله، وهي عذابه الذي يعذب فيه أعداءه، وسجنه الذي يسجن فيه المجرمين.(21/11)
وصفها الله تعالى بالخزي الأكبر، والخسران العظيم، قال تعالى:[رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ](1)، وقال تعالى:[أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ](2)، وقال تعالى:[إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ](3).
وكيف لا تكون النار كما ذكرها الله تعالى وفيها من العذاب والآلام والأحزان ما تعجز عن تسطيره الأقلام، وعن وصفه الألسن، وهي مع ذلك خالدة، وأهلها فيها خالدون، والحق تبارك وتعالى أطال في ذم أهل النار في النار:[إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً](4)، [هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ](5).
المطلب الثاني: شبهة من قال إن النار لم تخلق بعد:
قال شارح الطحاوية:=وأما شبهة من قال إنها لم تخلق بعد وهي أنها لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطراراً أن تفنى يوم القيامة، وأن يهلك كل من فيها ويموت، لقوله تعالى:[كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ](6)، وقوله:[كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ](7).
__________
(1) ـ آل عمران: 192.
(2) ـ التوبة: 63.
(3) ـ الزمر: 15.
(4) ـ الفرقان: 66.
(5) ـ ص: 55، 56.
(6) ـ القصص: 88.
(7) ـ آل عمران: 185.(21/12)
وجاء في الحديث:=لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ+(1).
وجاء في الحديث:=مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ+(2). قالوا: فلو كانت مخلوقة مفروغاً منها لم تكن قيعاناً، ولم يكن لهذا الغراس معنى. قالوا: وكذا قوله تعالى عن امرأة فرعون:[إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ](3).
وقد أجاب العلماء عن هذه الشبهة وفندوها، وممن أجاب عليها شارح الطحاوية ×حيث قال: =فالجواب: إنكم إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور، فهذا باطل، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء، وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أموراً أخرى ـ فهذا حق لا يمكن رده، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر. وأما احتجاجكم بقوله تعالى:[كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ](4)، فأثبتم سوء فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن ـ نظير احتجاج إخوانكم بها على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما !! فلم توفقوا أنتم ولا إخوانكم لفهم معنى الآية، وإنما وفق لذلك أئمة الإسلام+(5).
المطلب الثالث: أسماء النار:
__________
(1) ـ رواه الترمذي، وحسنه الألباني في جامع الترمذي (5/510) رقم (3462).
(2) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (5/511) رقم (3464) .
(3) ـ التحريم: 5.
(4) ـ القصص: 88.
(5) ـ شرح الطحاوية في العقيدة السلفية(3/39).(21/13)
أسماء النار التي ذكرت في القرآن ثمانية، أولها وأشهرها النار، وأما البقية فهي كالتالي:
(1)سعير:قال تعالى:[بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً](1) وقال تعالى:[وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ](2).
__________
(1) ـ الفرقان: 11.
(2) ـ الملك: 5.(21/14)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله " وفي يده كتابان، فقال:=خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ " وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ فَقَالَ: =أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ؟+ فَقُلْنَا لا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا أَنْ تُخْبِرَنَا فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى:=هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلا يُزَادُ فِيهِمْ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا+، ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ:=هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلا يُزَادُ فِيهِمْ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا+، فَقَالَ أَصْحَابُهُ فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَقَالَ:=سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ " بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا ثُمَّ قَالَ فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنْ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ+(1).
(2) جهنم: قال تعالى:[وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ](2)
وقال تعالى:[إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً](3).
__________
(1) ـ رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (4/449) رقم (2141).
(2) ـ الملك: 6.
(3) ـ النبأ: 21.(21/15)
وعن أبي هريرة ونافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنهما حدثاه عن رسول الله " أنه قال:=إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ+(1)، وهذا الاسم من أكثر الأسماء وروداً في الكتاب والسنة.
أما بعد قعرها فيدل على ذلك حديث أبي هريرة ÷ قال:=كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ " إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِيُّ " :=تَدْرُونَ مَا هَذَا؟+ قَالَ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ:=هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا+(2).
(3) لظى: قال تعالى:[كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى](3)+، اللظى: اللهب الخالص+(4). وقال تعالى:[فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى](5)، التظاء النار: التهابها،وتلظيها:تلهبها،وقوله تعالى:[فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى]:أي تتوهج وتتوقد.
(4) سقر: قال تعالى:[سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ
* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ](6)، وقال تعالى:[يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ
عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ](7).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب مواقيت الصلاة _ باب الإبراد بالظهر في شدة الحر (502).
(2) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب في شدة حر جهنم وبعد قعرها (5078).
(3) ـ المعارج: 15ـ 18.
(4) ـ مفردات ألفاظ القرآن للراغب ص740.
(5) ـ الليل: 14، 15.
(6) ـ المدثر: 26ـ 30.
(7) ـ القمر: 48.(21/16)
وعن أبي هريرة ÷ قال:=جَاءَ مُشْرِكُوا قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ رَسُولَ اللَّهِ " فِي الْقَدَرِ فَنَزَلَتْ:[يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ]+(1).
=السقر: البعد، وسقرته الشمس: لوحته وآلمت دماغه بحرِّها، ويوم مسمقر شديد الحر+(2). وسميت سقر بذلك إما لبعد قعرها أو لشدة حرها، وكلا المعنيين ثابت لها.
(5) الهاوية: قال تعالى:[فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ](3).
__________
(1) ـ رواه مسلم _ كتاب القدر _ باب كل شيء بقدر (4800).
(2) ـ لسان العرب (4/372).
(3) ـ القارعة: 9ـ 11.(21/17)
وعن أبي هريرة ÷ أن النبي " قال:=إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ فَيَقُولُونَ مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنْ الأَرْضِ فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَ فُلانٌ مَاذَا فَعَلَ فُلانٌ فَيَقُولُونَ دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا فَإِذَا قَالَ أَمَا أَتَاكُمْ قَالُوا ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الأَرْضِ فَيَقُولُونَ مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ+(1). وسميت النار بالهاوية لبعد قعرها، فمن سقط يهوي فيها، ومعنى أمه هاوية: أي مستقره الهاوية.
(
__________
(1) ـ رواه النسائي، وصححه الألباني في سنن النسائي (4/8) رقم (1833).(21/18)
6) الحطمة: قال تعالى:[كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ](1). قال البخاري ×:=سورة:[وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ] الحطمة: اسم النار مثل سقر ولظى+(2).
وسميت النار بذلك: لأنها تحطم رأس وعظام كل من يدخلها.
وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ":=..وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ+(3).
(7) الجحيم: قال تعالى:[خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ](4).
وعن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ..+(5). وسميت النار بالجحيم لأنها نار عظيمة في مهواة، وهي نار توقد على نار، كما قال تعالى:[نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ](6)، أي التي أوقد عليها.
المطلب الرابع: خزنة النار:
__________
(1) ـ الهمزة: 4ـ 9.
(2) ـ رواه البخاري _ كتاب تفسير القرآن _ سورة [ويل لكل همزة لمزة].
(3) ـ رواه البخاري _ كتاب الجمعة _ باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة (1136)، ومسلم _ كتاب الكسوف _ باب صلاة الكسوف (1500).
(4) ـ الدخان: 47.
(5) ـ رواه النسائي، و صححه الألباني في سنن النسائي (4/129) رقم (2106)،وأصله في الصحيحين.
(6) ـ الهمزة: 6.(21/19)
يقوم على النار ملائكة خلقهم عظيم، وبأسهم شديد، لا يعصون الله الذي خلقهم، ويفعلون ما يؤمرون:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ](1).
وعدتهم تسعة عشر ملكاً، كما جاء ذلك صريحاً:[سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ](2).
وقد افتتن بهذا العدد بعض الكفار، وقالوا هذا عدد يمكن التغلب عليه، ولكن الله تعالى أخبر أن هذا فتنة فقال [وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا](3).
وهؤلاء التسعة عشر هم خزنة النار، كما قال تعالى:[وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ](4).
المطلب الخامس: أسماء خزنة النار:
أما كبير خزنة النار فهو مالك عليه السلام، جاء ذكره في الكتاب والسنة قال تعالى:[وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ](5)،[وَنَادَوْا يَا مَالِكُ]: ومالك هو خازن النار.
__________
(1) ـ التحريم: 6.
(2) ـ المدثر: 26ـ 30.
(3) ـ المدثر: 31.
(4) ـ غافر: 49.
(5) ـ الزخرف: 77.(21/20)
أخرج البخاري عن صفوان بن يعلى عن أبيه ÷ قال: سمعت رسول الله " يقرأ على المنبر:[وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ]، أي يقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه، فإنهم كما قال تعالى:[لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا]، وقال عز وجل:[وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا] فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك: [إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: مكث ألف سنة ثم قال: إنكم ماكثون، رواه ابن أبي حاتم، أي لا خروج لكم منها ولا محيد لكم عنها+(1).
وعن سمرة بن جندب ÷ قال:=كَانَ النَّبِيُّ " إِذَا صَلَّى صَلاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ قُلْنَا: لا قَالَ:=لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي..+، ثم قال: =.. وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ..+(2).
وأما أسماء الباقين فلم يثبت تسميتهم إلا أن الله سماهم الزبانية، قال تعالى:
[سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ](3).
__________
(1) ـ تفسير القرآن ابن كثير (7/241).
(2) ـ رواه البخاري _ كتاب الجنائز _ باب ما قيل في أولاد المشركين (1297).
(3) ـ العلق: 18.(21/21)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:=كَانَ النَّبِيُّ " يُصَلِّي فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ ": فَزَبَرَهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا بِهَا نَادٍ أَكْثَرُ مِنِّي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:[فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ]، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَاللَّهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ+(1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:=قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ " فَقَالَ:=لَوْ فَعَلَهُ لأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ+(2).
المطلب السادس: صفات خزنة النار:
ذكر الله تعالى من صفاتهم صفتين، وهاتان الصفتان شاملتان لجميع الصفات، وهما الغلظة والشدة، فخُلقهم غليظ، وخَلْقُهم شديد، فكل ما يمكن تصوره من الغلظة والشدة فهي فيهم، قال تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ](3).
__________
(1) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (5/444) رقم (3349) .
(2) ـ رواه البخاري _ كتاب تفسير القرآن _ باب قوله تعالى:[كلا لئن لم ينته لنسفعا...](4576).
(3) ـ التحريم: 6.(21/22)
وقد ذكر الله جل جلاله بعض المواقف التي تبين شيئاً من غلظتهم مع أصحاب النار، فزيادة على عذاب الكافرين في النار فإنهم يعذبونهم عذاباً نفسياً بالتوبيخ والتعنيف والتبكيت، فيلومونهم على كفرهم بالله وإعراضهم عن المرسلين، ويسألونهم سؤال توبيخ وتعنيف عن سبب هذا الكفر والإعراض، ويسألونهم هذا السؤال في ثلاثة مواطن؛ عند فتح أبواب جهنم لإدخالهم فيها، وعند دخولهم النار، وعند سؤال أهل النار خزنة جهنم أن يشفعوا لهم عند الله في تخفيف العذاب:
الموطن الأول: قال تعالى:[وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ](1).
الموطن الثاني: قال تعالى:[كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ
* قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ](2).
الموطن الثالث: قال تعالى:[وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ](3).
__________
(1) ـ الزمر: 71، 72.
(2) ـ الملك: 8ـ 11.
(3) ـ غافر: 49ـ 50.(21/23)
المطلب السابع: سعة النار وبعد قعرها:
النار واسعة بعيد قعرها، ومما يؤكد ذلك:
(1) أن الذين يدخلون النار أعداد لا تحصى، ثم إن الواحد منهم يعظم خلقه حتى إن ضرسه يكون مثل جبل أحد، وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام، فعن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=ضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ+(1) ومع ذلك تستوعب الكفرة والمجرمين من بداية الدنيا إلى نهايتها، وتطلب المزيد:[يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ](2).
جاء في الحديث الصحيح في احتجاج الجنة والنار، أن الله يقول للنار:=إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا فَأَمَّا النَّارُ فَلا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَلا يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا+(3).
وعن أنس بن مالك ÷ عن النبي " قال:=لا تَزَالُ جَهَنَّمُ [تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ] حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ+(4).
(2) يدل على بعد قعرها أن الحجر إذا ألقي من أعلاها احتاج إلى سنوات
حتى يصل إلى قعرها، ويدل على ذلك ما جاء في الصحيح عن أبي هريرة ÷
__________
(1) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها_ باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (5090)
(2) ـ ق: 30.
(3) ـ رواه البخاري ـ تفسير القرآن ـ باب قوله تعالى:[هل من مزيد](4472).
(4) ـ رواه البخاري _ كتاب الأيمان والنذورـ باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته (6168)، ومسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (5085).(21/24)
قال:=كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ " إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِيُّ ":=تَدْرُونَ مَا هَذَا؟+ قَالَ: قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:=هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا+(1).
وعن الحسن قال: قال عتبة بن غزوان على منبرنا هذا منبر البصرة عن النبي " قال:=إِنَّ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ لَتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَتَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا وَمَا تُفْضِي إِلَى قَرَارِهَا+(2).
(3) كثرة العدد الذين يأتون بالنار من الملائكة يوم القيامة، فعن عبد الله ابن مسعود ÷ عن رسول الله " قال:=يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا+(3).
(4) أن الشمس والقمر يكونان ثورين مكورين في النار، ففي =مشكل الآثار+ للطحاوي عن سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبو هريرة ÷ عن النبي " قال:=إن الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة+(4)، ورواه البيهقي في كتاب =البعث والنشور+، وكذا البزار والإسماعيلي والخطابي بإسناد صحيح على شرط البخاري، وقد أخرجه في صحيحه مختصراً بلفظ:=الشمس والقمر مكوران في النار+(5).
فتخيل أيها القارىء هذا العدد الكبير الذي يقود هذا المخلوق العظيم، ولا تسأل عن قوة الملائكة وشدتهم، فذلك لا يعلمه إلا خالقهم سبحانه.
المطلب الثامن: دركات النار:
__________
(1) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة _ باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها (5078).
(2) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (4/702) رقم (2575).
(3) ـ سبق تخريجه ص297.
(4) ـ رواه الطحاوي مشكل الآثار (1/190)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (ج3 رقم 5692).
(5) ـ رواه البيهقي وغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/242) رقم (124).(21/25)
النار تتفاوت في شدة حرها، وما أعده الله فيها من العذاب لأهلها، فليست على درجة واحدة، بل هي دركات، كما قال تعالى عن المنافقين:[إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ](1). والدرك يقابل الدرج، فالدرج لكل ما علا، والدرك لكل ما سفل، فيقال للجنة درجات، وللنار دركات.
وقد ذكر بعض أهل العلم تسمية دركات النار فقال: =الأولى جهنم، والثانية لظى، والثالثة الحطمة، والرابعة السعير، والخامسة سقر، والسادسة الجحيم، والسابعة الهاوية+ والصواب أن هذه أسماء للنار، والله أعلم.
وتختلف دركات أهل النار بحسب أعمالهم وسيئاتهم.
ويدل على أن الناس تختلف درجاتهم بحسب أعمالهم عموم قوله تعالى:[هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ](2)، وفي سورة الأنعام ذكر الله أهل الجنة والنار، ثم قال:[وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا](3)، وقال سبحانه:[أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ](4).
ومما يدل عليه أيضاً حديث سمرة بن جندب أن النبي " قال:=مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى
حُجْزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ+(5).
__________
(1) ـ النساء: 145.
(2) ـ آل عمران: 163.
(3) ـ الأنعام: 132.
(4) ـ آل عمران: 162، 163.
(5) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها(5080).(21/26)
وعن أبي سعيد الخدري ÷ قال: قال رسول الله ":=أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ وَمِنْهُمْ فِي النَّارِ إِلَى كَعْبَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ اغْتُمِرَ فِي النَّارِ إِلَى أَرْنَبَتِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي النَّارِ إِلَى صَدْرِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ اغْتُمِرَ فِي النَّارِ+ قَالَ عَفَّانُ: مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ قَدْ اغْتُمِرَ (1).
وقد ذكر الله لنا أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، قال تعالى:[إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً](2).
وأما أهون أهل النار عذاباً فهو رجل ينتعل نعلين يغلي منهما دماغه، فعن أبي سعيد الخدري ÷ أن رسول الله " قال:=إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ+(3).
وهذا الرجل هو عم النبي " أبو طالب، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله " قال:=أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ+(4). ولولا كرامة النبي " لكان في الدرك الأسفل من النار.
__________
(1) ـ رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج3 رقم 3686).
(2) ـ النساء: 145.
(3) ـ رواه مسلم _ كتاب الإيمان _ باب أهون أهل النار عذاباً (311).
(4) ـ رواه مسلم _ كتاب الإيمان _ باب أهون أهل النار عذاباً (312).(21/27)
فعن العباس بن عبد المطلب ÷ قال للنبي ":=مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ، قَالَ:=هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ وَلَوْلا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ+(1)،وهاتان النعلان عبارة عن جمرتين؛ عن النعمان بن بشير ÷ قال: سمعت النبي " يقول:=إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ+(2).
المطلب التاسع: أبواب النار:
أخبرنا ربنا سبحانه أن النار سبعة أبواب، قال تعالى:[لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ](3): أي أن لكل باب مجموعة من أتباع إبليس يدخلون معه بحسب عملهم، ثم يستقرون في النار.
وقد جاء أن الأبواب تفتح حين يرد الكفار على النار فيدخلونها خالدين: [وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ](4).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب المناقب _ باب قصة أبي طالب (3594)، ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب شفاعة النبي " لأبي طالب والتخفيف عنه (308).
(2) ـ رواه البخاري _ كتاب الرقاق _ صفة الجنة والنار (6077)، ومسلم _ كتاب الإيمان _ باب أهون أهل النار عذاباً (313).
(3) ـ الحجر: 44.
(4) ـ الزمر: 71.(21/28)
وهذه الأبواب تغلق على المجرمين، فلا مجال لخروجهم منها بعد دخولهم، فالأبواب مؤصدة عليهم، قال تعالى:[عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ](1)، وقال تعالى: [إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ](2)، فكأن الأبواب أطبقت ثم شدت بأوتاد من حديد.
وقد تفتح أبواب النار وتغلق قبل يوم القيامة، فقد أخبر النبي " أن أبواب النار تغلق في شهر رمضان، فعن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ+(3).
وعن أبي هريرة ÷قال: قال رسول الله ":=إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ
رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ..+(4).
دلت هذه الأحاديث بمفهومها أنها في غير رمضان مفتحة، وقد صرح النبي " بهذا المفهوم في حديث آخر وهو حديث أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَاشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ+(5).
__________
(1) ـ البلد: 20.
(2) ـ الهمزة: 8، 9.
(3) ـ رواه البخاري _ كتاب بدء الخلق _ باب صفة إبليس وجنوده(3035)، ومسلم _ كتاب الصيام _ باب فضل شهر رمضان (1793).
(4) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (3/66) رقم (682).
(5) ـ رواه البخاري ـ كتاب مواقيت الصلاة ـ باب الإبراد بالظهر من شدة الحر (504)، ومسلم ـ كتاب المساجد ومواضع الصلاة ـ باب استحباب الإبراد بالظهر (978).(21/29)
وأما في غير رمضان فهي مغلقة على أصحابها، كما قال تعالى: [إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ](1)، وقال تعالى:[عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ](2).
المطلب العاشر: وقود النار:
الأحجار والفجرة والكفار هم وقود النار، قال تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ](3).
وقال تعالى:[فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ](4).
والمراد بالناس الذين توقد النار بهم الكفرة والمشركون، وأما نوع الحجارة التي تكون للنار وقوداً فالله أعلم بحقيقتها،وقد ذهب بعض السلف إلى أن هذه الحجارة من كبريت، قال ابن مسعود ÷:=هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين+رواه ابن جرير وهذا لفظه، وابن أبي حاتم، والحاكم في مستدركه،وقال: على شرط الشيخين، وقال بهذا القول ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، وابن جريج(5).
وقال ابن رجب×:=وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة حجارة الكبريت توقد بها النار، ويقال:إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليس في غيرها: سرعة الإيقاد، ونتن الرائحة،وكثرة الدخان،وشدة الالتصاق بالأبدان،وقوة حرّها إذا حميت+(6)
ومما توقد به النار الآلهة التي كانت تعبد من دون الله:[إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا
خَالِدُونَ](7)، ومعنى حصبها: أي وقودها وحطبها.
المطلب الحادي عشر: شدة حرها وعظم دخانها:
__________
(1) ـ الهمزة: 8، 9.
(2) ـ البلد: 20.
(3) ـ التحريم: 6.
(4) ـ البقرة: 24.
(5) ـ تفسير القرآن لابن كثير (1/201).
(6) ـ كتاب التخويف من النار لابن رجب ص107.
(7) ـ الأنبياء: 98، 99.(21/30)
الناس عادة في الدنيا يتبردون من شدة الكرب بثلاثة أشياء: الماء، والهواء، والظل، وهذه الأشياء لا تغني عن أهل النار شيئاً، كما أخبر الله عز وجل عن ذلك بقوله:[وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ](1).
فهواء جهنم السموم، وهو الريح الحارة الشديدة، وماؤها الحميم الذي قد اشتد حره، وظلها اليحموم وهو قطعُ الدخان، وقد جاء وصف هذا الظل في آية أخرى في قوله تعالى:[انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنْ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ](2) أي سود.
وقد جاءت أوصاف النار بما تفزع له النفوس:[كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً](3)
وقال تعالى:[سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ](4).
إنها تأكل كل شيء،وتدمر كل شيء،ولا تبقي ولا تذر،تخرق الجلود، وتصل إلى العظام، وتصهر ما في البطون، وتطلع على الأفئدة.
وقد أخبرنا النبي " أن:=نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ+، قِيلَ يَارَسُولَ اللَّهِ: إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ:=فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا+(5).
__________
(1) ـ الواقعة: 41ـ 44.
(2) ـ المرسلات: 30، 31.
(3) ـ الإسراء: 97.
(4) ـ المدثر: 26ـ 28.
(5) ـ رواه البخاري ـ كتاب بدء الخلق ـ باب صفة النار (3025)، ومسلم ـ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ـ باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها (5077).(21/31)
وهذه النار لا يخبو أوارها مع تطاول الزمن ومرور الأيام:[فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً](1)،[كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً](2)، ولذلك لا يجد الكفار طعم الراحة ولا يخفف عنهم العذاب مهما طال العذاب: [فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ](3).
والنار تسعر كل يوم كما روى مسلم عن عمرو بن عبسة عن النبي " قال: =صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ..+(4).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ+(5).
وبلغ من حرارتها أنها اشتكت من حرارة نفسها لربها؛ فعن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=.. اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ+(6)، وإذا كان أهون أهلها عذاباً من يوضع تحت قدميه جمرة فيغلي منها دماغه، فما بالك بأشدهم عذاباً.
المطلب الثاني عشر: النار تتكلم وتبصر:
__________
(1) ـ النبأ: 30.
(2) ـ الإسراء: 97.
(3) ـ البقرة: 86.
(4) ـ رواه مسلم ـ كتاب صلاة المسافرين وقصرها ـ باب إسلام عمرو بن عبسة (1374).
(5) ـ سبق تخريجه ص319.
(6) ـ سبق تخريجه ص319.(21/32)
المطَّلع على نصوص الكتاب والسنة التي جاء بها وصف النار يلاحظ أنها مخلوق يبصر ويتكلم ويشتكي، وها هي تطلق الأصوات المخيفة إذا أقبل إليها أهلها من شدة غيظها وحنقها على هؤلاء الكفرة والمجرمين، قال تعالى:[إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً](1)، وقوله تعالى:[يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد](2).
وعن أنس ÷ عن النبي " قال:= وعن أنس بن مالك ÷ عن النبي " قال:=لا تَزَالُ جَهَنَّمُ [تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ] حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ+(3).
وعن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=..اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ+(4).
وعن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ+(5)، وهذا يدل على أن لها لساناً تتكلم به.
وأما رؤيتها للناس فيقول الله تعالى:[بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ
__________
(1) ـ الفرقان: 12.
(2) ـ ق: 30.
(3) ـ سبق تخريجه ص312.
(4) ـ سبق تخريجه ص322.
(5) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (4/701) رقم (2574).(21/33)
بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً](1)، فقوله [رَأَتْهُم]: يدل أنها تبصر، وقوله: [سَمِعُوا لَهَا] يدل أنها تتكلم، وقوله: [تَغَيُّظاً وَزَفِيراً]يدل أنها تغضب.
وأيضاً قوله تعالى:[إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ](2)، وقوله تعالى: [إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً](3).
فهي تشهق وتزفر من غيظها على الكافرين، بل تكاد تتميز: أي تتقطع من شدة غضبها عليهم.
المطلب الثالث عشر: أشجار النار:
في النار أشجار، ومن هذه الأشجار شجرة الزقوم، وهي شجرة لا نفع فيها، فهي لا ظل لها ينعمون به،ومنظرها بشع فطلعها كأنه رؤوس الشياطين، وما الظن بشجرة تنبت في أصل الجحيم، وإنما القصد من وضع هذه الشجرة هو تعذيبهم بها فيأكلون من ثمارها ظناً منهم أنه ينفعهم، فما يزيدهم إلا عذابا، فإذا أكلوا بدأ يغلي في بطونهم، فيفزعون يبحثون عن الماء ليطفيء الغليان الذي في بطونهم فيشربون من ماء الحميم يكرعون منه كرعاً فيقطع أمعاءهم ويتضاعف العذاب عليهم.
قال تعالى:[إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ](4)،وقال تعالى:[ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ](5).
__________
(1) ـ الفرقان: 11، 12.
(2) ـ الملك: 7، 8.
(3) ـ الفرقان: 12.
(4) ـ الدخان: 43ـ 46.
(5) ـ الواقعة: 51ـ 56.(21/34)
وقال تعالى:[أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ](1).
وهي الشجرة الملعونة في القرآن كما في قوله تعالى:[وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً](2).
فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:[وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ] قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله " ليلة أسري به إلى بيت المقدس، قال: [وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ] هي شجرة الزقوم+(3).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما :=أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ " قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ:[اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ":=لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ+(4) فطعمها علقم، فإذا دخل الجوف أخذ يغلي، وصدق الله:[إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ]، إنها حقاً فتنة وأي فتنة.
المطلب الرابع عشر: طعام أهل النار:
__________
(1) ـ الصافات: 62ـ 66.
(2) ـ الإسراء: 60.
(3) ـ أخرجه البخاري _ كتاب المناقب _ باب المعراج _ رقم (3675).
(4) ـ رواه الترمذي، وابن ماجة، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (ج3 رقم 5683).(21/35)
طعام أهل النار الزقزم والضريع [لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ](1)، وقال تعالى:[إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ](2).
وقد وصف سبحانه شجرة الزقوم في آية أخرى فقال:[ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإٍلَى الْجَحِيمِ](3).
وقال في موضع آخر[ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ* فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ* هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ](4).
وقد أخبرنا النبي " عن شناعة الزقوم وفظاعته، فقال:=لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ+ (5).
__________
(1) ـ الغاشية: 6، 7.
(2) ـ الدخان: 43ـ 46.
(3) ـ الصافات: 62ـ 68.
(4) ـ الواقعة: 51ـ 56.
(5) ـ سبق تخريجه ص323.(21/36)
ويؤخذ من هذه الآيات أن هذه الشجرة شجرة خبيثة، جذورها تضرب في قعر النار، وفروعها تمتد في أرجائها، وثمر هذه الشجرة قبيح المنظر ، ولذلك شبهه سبحانه برؤوس الشياطين، إلا أنهم يلقى عليهم الجوع فلا يجدون مفراً من الأكل منها،فيأكلون حتى تمتلىء بطونهم، فإذا امتلأت بطونهم أخذت تغلي في أجوافهم، فيجدون لذلك آلاماً مبرحة، فإذا بلغت الحال بهم هذا المبلغ سارعوا إلى شرب الحميم وهو الماء الحار الذي تناهى حرّه وغليانه، فشربوا منه كشرب الإبل التي تشرب وتشرب ولا تروى لمرض أصابها، وعند ذلك يقطع الحميم أمعاءهم [وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ](1)، فهذا هو مقرهم وضيافتهم، أعاذنا الله من النار.
وإذا أكل أهل النار هذا الطعام الخبيث من الضريع والزقوم غَصّوا به لقبحه وخبثه [إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً](2)، والطعام ذو الغصة هو الذي يغص به آكله، إذ يقف في حلقه.
ومن طعام أهل النار الغسلين قال تعالى:[فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ](3)، وقال تعالى:[ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ](4).
والضريع: شوك، والغسلين والغساق: بمعنىً واحد، وهو ما سال من جلود أهل النار من القيح والصديد.
وقيل: ما يسيل من فروج النساء الزواني.
وقال القرطبي ×:=قال محمد بن كعب: هو عصارة أهل النار+(5).
المطلب الخامس عشر: شراب أهل النار:
__________
(1) ـ محمد: 15.
(2) ـ المزمل: 12، 13.
(3) ـ الحاقة: 35ـ 37.
(4) ـ ص: 57، 58.
(5) ـ تفسير القرطبي (15/222).(21/37)
إن أهل النار إذا دخلوا فيها أصابهم الجوع والعطش، فإذا أكلوا من شجرة الزقوم أصابهم عطش شديد، فيشربون من الحميم، كما قال تعالى:[خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ](1)، وقال تعالى:[فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ](2).
قوله تعالى:[فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ]: أي على الزقوم ليطفأ غليانه، و[الْهِيمِ]:=هي الإبل العطاش، واحدها أهيم والأنثى هيماء، ويقال: هائم وهائمة، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة: الهيم الإبل العطاش الظماء، وعن عكرمة أنه قال: الهيم الإبل المراض تمص الماء مصاً ولا تروى، وقال السدي: الهيم داء يأخذ الإبل فلا تروى أبداً حتى تموت، فكذلك أهل النار لا يروون من الحميم أبداً+(3).
وقال تعالى:[ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإٍلَى الْجَحِيمِ](4).
والآيات في هذا كثيرة.
المطلب السادس عشر: لباس أهل النار:
أما لباس أهل النار فقد أخبرنا الله تعالى أنه يُفصّلُ لأهل النار حلل من النار، كما قال تعالى:[فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ](5)، وكان إبراهيم التيمي إذا تلا هذه الآية يقول:=سبحان من خلق من النار ثياباً+.
وقال تعالى:[وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ](6).
__________
(1) ـ الدخان: 47ـ 49.
(2) ـ الواقعة: 54، 55.
(3) ـ تفسير القرآن لابن كثير (7/538).
(4) ـ الصافات: 67، 68.
(5) ـ الحج: 19.
(6) ـ إبراهيم: 49، 50.(21/38)
وروى مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري ÷ عن النبي " قال: =النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ+(1)، وخرجه ابن ماجة ولفظه:=النَّائِحَةَ إِذَا مَاتَتْ وَلَمْ تَتُبْ قَطَعَ اللَّهُ لَهَا ثِيَابًا مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعًا مِنْ لَهَبِ النَّارِ+(2).
المطلب السابع عشر: هل يرى أحد النار قبل يوم القيامة:
الثابت أن رسول الله " رأى النار، جاء ذلك في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ":=إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ...+(3).
وفي صحيح البخاري عن أسماء رضي الله عنها أن رسول الله " قال:=دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا لا أَطْعَمَتْهَا وَلا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ+ قَالَ نَافِعٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ:=مِنْ خَشِيشِ أَوْ خَشَاشِ الْأَرْضِ+(4).
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب الجنائز ـ التشديد في النياحة (1550).
(2) ـ رواه ابن ماجة،وصححه الألباني في سنن ابن ماجة (1/503) رقم (1581).
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب النكاح ـ باب كفران العشير (4798)، ومسلم ـ كتاب الكسوف ـ باب ما عرض على النبي " في صلاة الكسوف (1512).
(4) ـ رواه البخاري ـ كتاب الأذان ـ باب ما يقول بعد التكبير (703).(21/39)
وعن جابر ÷ عن رسول الله " قال:=.. لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا..+(1).
هذا في الدنيا، أما في البرزخ فتعرض على العباد مقاعدهم في الجنة والنار كما دلت عليه النصوص من السنة.
المطلب الثامن عشر: تأثير النار في الدنيا:
جاء في الصحيح:=..اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ+(2).
وروى البخاري أيضاً عن أبي سعيد الخدري ÷ قال: قال النبي ":=أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ+(3).
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب الكسوف ـ ما عرض على النبي " في صلاة الكسوف (1508).
(2) ـ سبق تخريجه ص319.
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب بدء الخلق ـ باب صفة النار وأنها مخلوقة (3019).(21/40)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما:=أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ " قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ:[اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] (1) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ":=لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ+(2).
المطلب التاسع عشر: النار خالدة لا تبيد:
النار خالدة لا تفنى ولا تبيد، قال الطحاوي ×:=والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان ولا تبيدان+(3).
وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن النار خالدة لا تبيد، وأهلها فيها خالدون، ولا يخرج منها إلا عصاة الموحدين، أما الكفرة والمجرمون والمنافقون فهم حطب جهنم خالدون فيها.
وقد خالف أهل البدع في هذا الأمر وزعموا أن النار تفنى ومنهم الجهمية.
وكذا خالف المعتزلة والخوارج، وقالوا: إن كل من دخل النار يخلد فيها ولو من عصاة الموحدين.
كما خالف اليهود في ذلك وزعموا أنهم يعذبون في النار وقتاً ثم يخرجون منه:[وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً](4).
كما خالف بعض أهل السنة في ذلك وقالوا أن الله يخرج من شاء منها ثم يبقيها أمداً ثم يفنيها، فقد جعل الله لها أمداً محدداً، وهذا القول منسوب لشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، لكنه قول غير صحيح.
وقد قيل أنهما رجعا عنه، وفي كلامهما ما يفيد أن النار لا تفنى، وهذا يؤكد أنهما رجعا عن هذا القول والله أعلم.
المطلب العشرون: النار مسكن الكفار وهم مخلدون فيها:
__________
(1) ـ آل عمران: 102.
(2) ـ رواه الترمذي، وابن ماجة، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (ج3 رقم 5683).
(3) ـ شرح الطحاوية في العقيدة السلفية (3/33، 40).
(4) ـ البقرة: 80.(21/41)
النار تعتبر مسكناً للكفار والمشركين، وهي لهم سكن ومأوى، كما أن الجنة مسكن للمؤمنين، قال تعالى:[أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ](1)، وقال تعالى:[فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ](2)، وقال تعالى:[أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ](3) وقال تعالى:[إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ](4)، وقال تعالى: [وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ](5).
والآيات في هذا الباب كثيرة لا تحصى.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي " قال:=يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ يَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ خُلُودٌ+(6).
وروي عن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=يُقَالُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ لا مَوْتَ وَلِأَهْلِ النَّارِ يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لا مَوْتَ+(7).
وهذا يقال بعد ذبح الموت، كما في حديث ابن عمر عند البخاري، قال: قال
__________
(1) ـ يونس: 8.
(2) ـ الحديد: 15.
(3) ـ العنكبوت: 68.
(4) ـ الزخرف: 74.
(5) ـ فاطر: 36.
(6) ـ رواه البخاري _ كتاب الرقاق _ باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب (6062).
(7) ـ نفس المرجع السابق (6063).(21/42)
رسول الله ":=إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبَحُ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ+(1).
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري ÷ قال: قال رسول الله ":=يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَاتَّفَقَا فِي بَاقِي الْحَدِيثِ فَيُقَالُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ قَالَ وَيُقَالُ يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا قَالَ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ قَالَ فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ قَالَ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ": [وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ](2)+(3).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب الرقاق _ باب صفة الجنة والنار (6066).
(2) ـ مريم: 39.
(3) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها ـ باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء(5087).(21/43)
وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري ÷ يرفعه قال:=إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُتِيَ بِالْمَوْتِ كَالْكَبْشِ الْأَمْلَحِ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُذْبَحُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فَلَوْ أَنَّ أَحَدًا مَاتَ فَرَحًا لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا مَاتَ حُزْنًا لَمَاتَ أَهْلُ النَّارِ+(1).
المطلب الحادي والعشرون: الدعاة إلى النار:
أصحاب المبادىء الضالة، والمذاهب الباطلة هم الدعاة إلى النار:[أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ](2)، وقال تعالى:[وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ](3).
وهكذا زعيم هؤلاء وإمامهم الشيطان الداعية الأول للنار، الذي أقسم أن يغوي الناس وجنَّد نفسه لهذا الأمر:[ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ](4)، وقال تعالى:[إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ](5).
ويتبعه كل قادة الشر والضلال، ومنهم الذين يدعون أقوامهم إلى عبادتهم من دون الله وعلى رأسهم فرعون:[يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ](6)، وكل من دعا إلى عقائد ومبادىء مخالفة للإسلام هم دعاة إلى النار، لأن الطريق الوحيد الذي ينجي من النار ويدخل الجنة هو طريق الإيمان.
ولقد ضرب الله مثلاً لمؤمن آل فرعون عندما كان يدعوهم إلى الله وتوحيده والإيمان به وكانوا يدعونه إلى فرعون وكفره وشركه[وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ] (7).
__________
(1) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (4/693) رقم (2558).
(2) ـ البقرة: 221.
(3) ـ القصص: 41.
(4) ـ ص: 82ـ 85.
(5) ـ فاطر: 6.
(6) ـ هود: 98.
(7) ـ غافر: 41.(21/44)
وعن حذيفة بن اليمان ÷ قال:=كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ " عَنْ الْخَيْرِ
وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ:=نَعَمْ+ قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ:=نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ+، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ:=قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ+،قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: =نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا+، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ:=هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا+، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ:=تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ+، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ، قَالَ:=فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ+(1).
المطلب الثاني والعشرون: أعظم الذنوب لأصحاب النار:
أفاض القرآن ببيان جرائم أصحاب النار التي استحقوا بسببها النار، ومنها:
(
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب الفتن _ باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة (6557)، ومسلم _ كتاب الإمارة _ باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن (3434).(21/45)
1) الكفر والشرك: فالذين كفروا ينادون فيقال لهم إن مقت الله لكم أعظم من مقتكم لأنفسكم [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ * ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ](1).
وأخبرنا الله عز وجل أن خزنة النار يسألون الكفار عند ورودهم النار قائلين: [أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ](2) فيكون الجواب [قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ] (3).
وقال تعالى في المكذبين بالكتاب المشركين بالله[الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ * ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ](4).
وقال تعالى في الكفرة المشركين المسوين آلهتهم برب العالمين[فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ
__________
(1) ـ غافر: 10ـ 12.
(2) ـ غافر: 50.
(3) ـ الملك: 9.
(4) ـ غافر: 70ـ 76.(21/46)
وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ](1).
(2) عدم القيام بالتكاليف الشرعية مع التكذيب بيوم الدين: فأهل الجنة يقولون لأهل النار [مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ](2)، فيجيبون قائلين:[قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ](3).
(3) طاعة رؤساء الضلال وزعماء الكفر: فيما قرروه من مبادىء الضلال وخطوات الكفر التي تصد عن دين الله ومتابعة المرسلين، قال الله تعالى في ذلك [وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ](4).
وعندما يدخل الكفار النار، وتقلب وجوههم فيها يتندمون لعدم طاعتهم الله ورسوله، وطاعتهم السادة الكبراء قال تعالى:[وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا](5).
(4) النفاق: وعد الله المنافقين النار، وبين أن مكانهم من النار هو الدرك الأسفل:[إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ](6).
(5) الكبر: وهذه صفة يتصف بها عامة أهل النار، قال تعالى:[وَالَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ](7)، وقد جاء في الصحيح أن النار يدخلها الجبارون والمتكبرون.
__________
(1) ـ الشعراء: 94ـ 98.
(2) ـ المدثر: 42.
(3) ـ المدثر: 43ـ 47.
(4) ـ فصلت: 25.
(5) ـ الأحزاب: 67.
(6) ـ النساء: 145.
(7) ـ الأعراف: 36.(21/47)
ففي صحيح البخار ي ومسلم وسنن الترمذي عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله ":=أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ+(1).
وفي رواية لمسلم:=.. كُلُّ جَوَّاظٍ زَنِيمٍ مُتَكَبِّرٍ+(2).
ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل:[أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ](3) وقوله: [ فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ](4).
المطلب الثالث والعشرون: أشخاص بأعيانهم في النار:
أخبرنا الله عن الكفار والمشركين والمنافقين أنهم في النار، وذكر بعض الأشخاص بأعيانهم، وبين أنهم من أهل النار، ومن معتقد أهل السنة والجماعة أن لا نشهد لأحد بعينه في النار إلا من شهد الله له ورسوله "(5)، لذلك كان لزاماً علينا أن نعرف من الذين شهد الله لهم ورسوله " بالنار، وبتتبع آيات القرآن تبين لنا الذين سماهم الله من أهل النار:
(
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب تفسير القرآن ـ باب قوله تعالى:[عتل بعد ذلك زنيم](4537)، ومسلم ـ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ـ باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (5092).
(2) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب النار يدخلها الجبارون (5093)، والعتل هو الغليظ الجافي الذي لا ينقاد للخير، والزنيم: الدعي الملصق بالقوم وليس منهم، أو هو اللئيم في أخلاق الناس، والجواظ: الذي جمع ومنع.
(3) ـ الزمر: 60.
(4) ـ الأحقاف: 20.
(5) ـ شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (2/537) بتصرف.(21/48)
1) إبليس: أما إبليس فالآيات فيه كثيرة ودخوله النار من المعلوم بالدين بالضرورة، بل معلوم في جميع الأديان، كمثل قوله تعالى:[كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ](1) وقال تعالى لإبليس:[قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ](2).
(2) فرعون وجنوده: أخبرنا سبحانه وتعالى عن فرعون وجنوده أنهم في النار [يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ](3)، وقال تعالى: [وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنْ الْمَقْبُوحِينَ](4)،وقوله تعالى:[فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ
تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ](5).
__________
(1) ـ الحشر: 16، 17.
(2) ـ ص: 84، 85.
(3) ـ هود: 98.
(4) ـ القصص: 41، 42.
(5) ـ غافر: 46، 47.(21/49)
* قارون وهامان: قال تعالى:[وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ](1)، وقال تعالى: [فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ](2)، وهذه عقوبة معجلة في الدنيا.
(3) امرأة نوح وامرأة لوط: كما أخبرنا تعالى عن امرأة نوح وامرأة لوط، فقال:[ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ](3).
(4) أبو لهب وامرأته: كما أخبرنا تعالى عن أبي لهب وامرأته، فقال: [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ](4).
(5) الوليد بن المغيرة: وهو المقصود بقوله تعالى:[ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً
__________
(1) ـ العنكبوت: 39، 40.
(2) ـ القصص: 81.
(3) ـ التحريم: 10.
(4) ـ المسد: 1ـ 5.(21/50)
* وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ](1).
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي "، فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالاً، قال: لم؟ قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمداً لتعرضه لما قبله، قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك إنك منكر له أو إنك كاره له، قال: ماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا برجز ولا بقصيدة مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره، فنزلت: [ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً](2).
* عمرو بن عامر الخزاعي: كما أخبرنا الرسول " عنه فقال: =رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ+(3).
__________
(1) ـ المدثر: 11ـ 26.
(2) ـ رواه الحاكم، وقال الذهبي: صحيح، وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية ص159.
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب تفسير القرآن ـ باب قوله تعالى:[ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام](4257)، ومسلم ـ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ـ باب النار يدخلها الجبارون (5097).(21/51)
وكما أخبرنا ربنا تبارك وتعالى عن الأقوام السابقين، مثل قوم نوح، وعاد،
وثمود، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة، وغيرهم ممن ذكرهم في كتابه العزيز.
المطلب الرابع والعشرون: ذنوب متوعد عليها بالنار:
جاءت النصوص تبين أن الله توعد على ذنوب في النار، وكذا رسوله "، ومن هذه الذنوب:
أولاً: الافتراق الحاصل في هذه الملة: وأنها على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، فعن معاوية بن أبي سفيان ÷ أنه قال: ألا إن رسول الله " قام فينا فقال:=أَلا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ " قَامَ فِينَا فَقَالَ أَلا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ+(1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية × فيه:=هو حديث صحيح مشهور+، وصححه الشاطبي في =الاعتصام+، وقد جمع الشيخ الألباني طرقه وتكلم على أسانيده، وبين أنه حديث صحيح لا شك في صحته(2).
ثانياً: الجور في الحكم: قال ":=الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ+(3)، فمن جار في الحكم أو قضى للناس على جهل فهو في النار، ومن عرف الحق وقضى به فهو في الجنة.
__________
(1) ـ رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (2641).
(2) ـ خرجه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/404) برقم (204).
(3) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (3/613) رقم (1322).(21/52)
ثالثاً: الكذب على رسول الله ": فعن المغيرة بن شعبة ÷ قال: سمعت النبي " يقول:=إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ+(1)، وعن علي بن أبي طالب ÷ قال: قال رسول الله ":=لا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجْ النَّارَ+(2)، وعن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ+(3).
رابعاً: الكبر: فعن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ+(4)، وعن ابن مسعود ÷ قال: قال رسول الله ":=لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ+(5).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الجنائز ـ باب ما يكره من النياحة على الميت (1209).
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب العلم ـ باب إثم من كذب على النبي " (103)، ومسلم ـ المقدمة ـ باب تغليظ الكذب على رسول الله " (2).
(3) ـ رواه مسلم ـ المقدمة ـ باب تغليظ الكذب على رسول الله " (4).
(4) ـ رواه أبو داود، وابن ماجة، وأحمد، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (ج3 رقم 5110).
(5) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب تحريم الكبر وبيانه (131).(21/53)
خامساً: قتل النفس بغير الحق، قال تعالى:[وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً](1) فلا يجوز في دين الله قتل النفس المسلمة إلا بإحدى ثلاث كما في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن ابن مسعود أن رسول الله "قال:=لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي
وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ+(2).
وقد حذر النبي " المسلمين أن يقاتل بعضهم بعضاً،وأخبر أن القاتل والمقتول
في النار، فعن أبي بكرة ÷قال: قال رسول الله ":=إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ+ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ:=إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ+(3).
__________
(1) ـ النساء: 93.
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الديات ـ باب قوله تعالى:[أن النفس بالنفس والعين بالعين..](6370).
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب الإيمان ـ باب قوله تعالى:[وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..](30)، ومسلم _ كتاب الفتن _ باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما (5139).(21/54)
ولذا فإن العبد الصالح أبى أن يقاتل أخاه، خشية أن يكون من أهل النار، فباء القاتل بإثمه وإثم أخيه[وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ](1).
سادساً: أكل الربا: وهي من الذنوب التي توبق صاحبها، وقد قال الله في الذين يأكلونه بعد أن بلغهم تحريم الله له[وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ](2)، وقال تعالى[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ](3) وقد عده الرسول "من السبع الموبقات، ففي الصحيحين عن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ+، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ: =الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ
الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ+(4).
__________
(1) ـ المائدة: 27ـ 29.
(2) ـ البقرة: 275.
(3) ـ البقرة: 131، 132.
(4) ـ رواه البخاري ـ كتاب الوصايا ـ باب قوله تعالى:[إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما](2560)، ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب بيان الكبائر وأكبرها (129).(21/55)
سابعاً: أكل أموال الناس بالباطل وأكل أموال اليتامي: قال تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً](1).
ومن أكل أموال الناس بالباطل أكل أموال اليتامى ظلماً، وقد خص الحق أموالهم بالذكر لضعفهم وسهولة أكل أموالهم، ولشناعة هذه الجريمة قال تعالى فيهم [إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً](2).
__________
(1) ـ البقرة: 29، 30.
(2) ـ النساء: 10.(21/56)
ثامناً: التصوير: فالمصورون أشد عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون خلق الله، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود ÷ قال: سمعت رسول الله " يقول: =إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ+(1)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله " يقول:=كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ+(2)، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله " قال في النمرقة التي فيها تصاوير:=إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ+(3)، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي " قال:=أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ+(4)، وعن أبي هريرة ÷ قال: سمعت رسول الله " يقول:=قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً+(5).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب اللباس ـ باب عذاب المصورين يوم القيامة (5494)، ومسلم ـ كتاب اللباس والزينة ـ باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة (3943).
(2) ـ رواه مسلم ـ كتاب اللباس والزينة ـ باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة (3945).
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب النكاح ـ باب هل يرجع إذا رأى منكراً في الدعوة (4783)، ومسلم ـ كتاب اللباس والزينة ـ باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة (3941).
(4) ـ رواه البخاري ـ كتاب اللباس ـ باب ما وطىء من التصاوير (5498)، ومسلم ـ كتاب اللباس والزينة ـ باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة (3937).
(5) ـ رواه البخاري ـ كتاب التوحيد ـ باب قوله تعالى:[والله خلقكم وما تعملون...](7004)، ومسلم ـ كتاب اللباس والزينة ـ باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة (3947).(21/57)
عاشراً:الركون إلى الظالمين: ومن أسباب دخول النار الركون إلى الظالمين أعداء الله وموالاتهم:[وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ](1).
الحادي عشر: الوعيد الشديد للكاسيات العاريات: وهن الفاسقات المتبرجات اللواتي يفتنَّ عباد الله، ولا يستقمنَّ على طاعة الله، فعن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا+(2).
قال القرطبي ×:=والكاسيات العاريات كثيرات في زماننا+، ولعله لم يسبق أن انتشرت فتنتهن كما انتشرت في زماننا، وهنَّ على النعت الذي وصفه الرسول ":=كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ+.
الثاني عشر: المعذب للحيوان: فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي " قال: =دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ+(3)، فإذا كان هذا حال من يعذب هرة، فكيف من يتفنن في تعذيب العباد؟ فكيف إذا كان التعذيب للصالحين منهم بسبب إيمانهم وإسلامهم كما يفعل في كثير من بلاد الكفار.
__________
(1) ـ هود: 113.
(2) ـ رواه مسلم ـ كتاب اللباس والزينة ـ باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات (3971).
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب بدء الخلق ـ باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم (3071)، ومسلم ـ كتاب البر والصلة والآداب ـ باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها (4750).(21/58)
الثالث عشر: الذين يشربون أو يأكلون في آنية الذهب والفضة: فعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله " قال:=مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ+،وفي رواية أخرى:=..أَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ..+(1).
وعن حذيفة ÷ قال: سمعت رسول الله " يقول:=لا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ+(2).
الرابع عشر: الوعيد للمنتحر: فعن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا+(3).
وعن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ+(4).
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب اللباس والزينة ـ باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره (3847).
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الأشربة ـ باب آنية الفضة (5202)، ومسلم ـ كتاب اللباس والزينة ـ باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء (3850).
(3) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه (158).
(4) ـ رواه البخاري ـ كتاب الجنائز ـ باب ما جاء في قاتل النفس (1276).(21/59)
الخامس عشر: وجاء الوعيد للذي لا يخلص في طلب العلم: ومن الأحاديث التي تدل على عظم ذنب هذه المعصية، ما رواه أبو هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لا يَتَعَلَّمُهُ إِلا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا+(1).
وعن جابر ÷ قال: قال رسول الله ":=لا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ+(2)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله " قال:=مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ اللَّهِ أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ+ (3).
__________
(1) ـ رواه أبو داود، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1 رقم 105).
(2) ـ رواه ابن ماجة،وابن حبان،والبيهقي،وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(ج1 رقم 105)
(3) ـ رواه الترمذي، وابن ماجة، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (ج1 رقم85).(21/60)
ويكفي تحذيراً من هذه الكبيرة ما ورد عن أبي هريرة ÷ أنه سمع النبي " يقول: =..إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ+(1).
وغير ذلك من الأعمال التي توعد الله عليها بالنار.
المطلب الخامس والعشرون: أهل النار :
أهل النار هم الذين لا يخرجون منها أبداً، وقد ذكر الله تبارك وتعالى الكثير من الأصناف وسماهم أصحاب النار، وبالنظر إلى الآيات الكريمات يتبين لنا أن هذه الأصناف ترجع إلى نوعين هما:
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار (3527).(21/61)
الأول: الكفار والمشركون، حتى المنافق فإنه يرجع في الحقيقة إلى الكافر _ لأنه يبطن الكفر ويظهر الإسلام _ والمرتد أيضاً كافر، قال تعالى:[وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ](1).
والمخلدون في النار من أهل الكتاب إما كفار أو مشركون، قال تعالى:[إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ](2).
والكفر غير الشرك كما دلت عليه هذه الآية، لأن العطف يقتضي المغايرة، فالكافر: هو الذي يجحد الإله، أو يجحد حقوقه(3)، قال تعالى:[وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ](4). وقال تعالى:[وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ](5)،
[وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ](6).
الثاني: المشرك: هو الذي يجعل مع الله إلهاً آخر(7)، قال تعالى:[فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ](8).
__________
(1) ـ البقرة: 217.
(2) ـ البينة: 6.
(3) ـ ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة، للقرني ص138، والموسوعة الفقهية الكويتية (5/8)، والتنبيهات المختصرة للخريصي ص 119.
(4) ـ البقرة: 39.
(5) ـ الأعراف: 36.
(6) ـ غافر: 6.
(7) ـ معارج القبول للحكمي (1/369)، والتنبيهات المختصرة للخريصي ص99، وضوابط التكفير للقرني ص101، والموسوعة الفقهية الكويتية (5/6).
(8) ـ العنكبوت: 65.(21/62)
قوله:[دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ] أي موحدين، وقابل هذا التوحيد بقوله:[إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ]، فدل أن الشرك ضد التوحيد، فإن كان التوحيد هو إفراد الله بالدعاء والعبادة، فالشرك جعل إله آخر مع الله في الدعاء والعبادة.
وحكم المشرك أنه مخلد في نار جهنم، قال تعالى:[لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ](1).
والكفر والشرك ينطبق عليهما اصطلاح: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا(2) فأحيانا يطلق الكفر ويراد به الشرك، وأحياناً يطلق الشرك ويراد به الكفر، وذلك أن المشرك جحد انفراد الله تعالى بالألوهية؛ فهو كافر من هذه الناحية، والكافر اتخذ إلهه هواه فهو مشرك من هذه الناحية، ولكن إذا اجتمع الكفر والشرك؛ فإن الفرق بينهما كما بينا سابقاً.
ومن إطلاق الكفر على الشرك قوله تعالى:[وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً
إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ
سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ](3).
__________
(1) ـ المائدة: 72.
(2) ـ الموسوعة الفقهية الكويتية (5/8) والتنبيهات المختصرة للخريصي ص119.
(3) ـ الزمر: 8.(21/63)
وقال تعالى:[قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ](1)، وقوله:[تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ](2).
ومن إطلاق الشرك على الكفر:[قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ](3).
هذا وقد بين الله تعالى لنا أن ما دون الشرك من المعاصي فإنه يغفرها كما قال تعالى:[إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً](4). فهذا يدل أن الشرك لا يغفر، وكذلك الكفر فهو لا يغفر، والاستدلال عليه من جهتين هما:
أولاً: أن الشرك إذا أطلق وحده دخل الكفر معه، فيكون الكفر داخلاً في هذه الآية.
ثانياً: أن الله تعالى قال:[وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ]، والكفر ليس دون ذلك بل
هو مساو للشرك في الإثم، ويدل على هذا صراحة قوله تعالى:[إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ](5).
وبهذا يتبين لنا أنه لا يبقى في النار خالداً أبداً إلا الكافر والمشرك، وقد دلت على ذلك أيضاً أحاديث في هذا المعنى، منها:
__________
(1) ـ فصلت: 9.
(2) ـ غافر: 42.
(3) ـ فصلت: 6، 7 .
(4) ـ النساء: 48.
(5) ـ محمد: 34.(21/64)
عن أنس ÷ عن النبي " قال:=يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ+، وفي رواية أخرى:=مِنْ إِيمَانٍ+(1).
وعن أبي ذر ÷ قال: قال رسول الله ":=أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي أَوْ قَالَ بَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ+ (2).
وعن أبي سعيد الخدري ÷قال: قال رسول الله ":=اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا+قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا:[إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب الإيمان _ باب زيادة الإيمان ونقصانه (42) واللفظ له، ومسلم _ كتاب الإيمان _ باب أدنى أهل الجنة منزلة (285).
(2) ـ رواه البخاري _ كتاب الجنائز _ باب ما جاء في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله (1161).(21/65)
تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا]..+(1).
المطلب السادس والعشرون: كثرة أهل النار:
جاءت النصوص الكثيرة تدل على كثرة أهل النار، وقلة أهل الجنة، وذلك لكثرة الكافرين الذين رفضوا دعوة الرسل _ عليهم الصلاة والسلام _ قال تعالى: [وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ](2)، وقال تعالى:[لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ](3).
ويدل على ذلك أيضاً أن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، ومنهم من يأتي معه الرجل والرجلان، ومنهم من يأتي ومعه الرهط _ أي الجماعة من الناس دون العشرة _ ففي صحيح مسلم عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ عن النبي " قال:=عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ..+(4).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب التوحيد ـ باب قول الله تعالى:[وجوه يومئذ ناضرة](6886)، ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب معرفة طريق الرؤية (269).
(2) ـ سبأ: 20.
(3) ـ ص: 85.
(4) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب (323).(21/66)
وجاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي سعيد ÷ قال: قال رسول الله ":=يَقُولُ اللَّهُ يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ قَالَ يَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ [وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ]+ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا يَارَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ:=أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنَّ مَثَلَكُمْ فِي الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ+(1).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب قوله تعالى:[إن زلزلة الساعة شيء عظيم](6049)، ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب قوله يقول الله لآدم أخرج بعث النار (327).(21/67)
والسبب في كثرة أهل النار عدم اتباعهم لرسل الله، وركونهم إلى الشهوات [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ](1)، وجاء في الحديث:=حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَحُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ+(2).
المطلب السابع والعشرون: أكثر من يدخل النار النساء:
عصاة الموحدين منهم من يدخل النار على قدر عمله، ثم يخرج منها بشفاعة الرسول ".
__________
(1) ـ آل عمران: 14.
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب حجبت النار بالشهوات (6006).(21/68)
وأكثر هؤلاء الداخلين من النساء، حيث جاء في الحديث الصحيح:=اطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ+(1)، وجاء في الحديث الآخر:=يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ +(2)، وفي الصحيح من حديث أسامة بن زيد ÷:=وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ+(3).، وفي صحيح مسلم عن عمران بن حصين ÷ عن النبي " قال:=إِنَّ أَقَلَّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ+(4).
وهذا لا ينافي أن الرجل له أكثر من زوجة في الجنة، لأن اللواتي يدخلن النار من ذرية آدم،أما الزوجات في الجنة فمنهن من نساء الدنيا،ومنهن من الحور العين.
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب بدء الخلق ـ باب ما جاء في صفة الجنة (3002)،ومسلم _ كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار _ باب أكثر أهل الجنة الفقراء (4920).
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الزكاة ـ باب الزكاة على الأقارب (1369)، ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب بيان نقص الإيمان بنقص الطاعات (114).
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب النكاح ـ باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه (4797)،رواه مسلم ـ كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار _ باب أكثر أهل الجنة الفقراء (4919).
(4) ـ رواه مسلم ـ كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار _ باب أكثر أهل الجنة الفقراء (4921).(21/69)
وإنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى، والميل إلى عاجل زينة الدنيا، لنقصان عقولهن أن تنفذ بصائرها إلى الأخرى، فيضعفن عن عمل الآخرة والتأهب لها، ولميلهن إلى الدنيا والتزين لها، ومع ذلك هنَّ أقوى أسباب الدنيا التي تصرف الرجال عن الآخرة، لما فيهن من الهوى والميل لهن، فأكثرهن مُعْرضات عن الآخرة بأنفسهن،صارفات غيرهن عنها،سريعات الانخداع لداعيهن من المعرضين عن الدين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الأخرى وأعمالها من المتقين+(1).
ومع ذلك ففيهن صالحات كثير، يقمن حدود الله، ويلتزمن شريعته، ويُطعن الله ورسوله، ويدخل منهن الجنة خلق كثير، وفيهن من يسبقن كثيراً من الرجال بإيمانهن وأعمالهن الصالحة.
المطلب الثامن والعشرون: عظم خلق أهل النار:
أهل النار يدخلونها على صورة ضخمة هائلة لا يقدر قدرها إلا الذي خلقهم، جاء في الحديث:=مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ للرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ+(2).
وعن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=ضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ+(3).
وقال زيد بن أرقم:=إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَيَعْظُمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَكُونَ الضِّرْسُ مِنْ أَضْرَاسِهِ كَأُحُدٍ +(4).
__________
(1) ـ التذكرة للقرطبي (1/369).
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب صفة الجنة والنار(6069)،ومسلم ـ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ـ باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (5091).
(3) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب النار يدخلها الجبارون (5090).
(4) ـ رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1628).(21/70)
وعن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=إِنَّ غِلَظَ جِلْدِ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ وَإِنَّ مَجْلِسَهُ مِنْ جَهَنَّمَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ+(1).
وروى أبو هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ وَعَرْضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانَ وَمَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ مِثْلُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ+ (2).
وهذا التعظيم لجسد الكافر ليزداد عذابه وآلامه، يقول النووي × في شرحه لأحاديث مسلم في هذا الباب:=هذا كله لكونه أبلغ في إيلامه، وكل هذا مقدور لله تعالى يجب الإيمان به لإخبار الصادق به+(3).
وقال ابن كثير × معلقاً على ما أورده من هذه الأحاديث:=ليكون ذلك أنكى في تعذيبهم، وأعظم في تعبهم ولهيبهم، كما قال تعالى [لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ](4)+(5).
المطلب التاسع والعشرون: كيفية دخول أهل النار النار:
لقد بين الله تعالى لنا كيفية دخول أهل النار في آيات كثيرة، وسوف نوضحها بإذن الله تعالى كالتالي: عندما يُكتب على العبد الشقاوة ويكون من أهل النار يأمر الله تعالى الملائكة أن تقيده وتغله، قال تعالى:[خُذُوهُ فَغُلُّوهُ](6).
__________
(1) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي(4/703) رقم (2577).
(2) ـ رواه أحمد، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3890).
(3) ـ شرح النووي على مسلم (9/232).
(4) ـ النساء: 56.
(5) ـ النهاية لابن كثير (1/199).
(6) ـ الحاقة: 30.(21/71)
والغل: هو ما يقيد به، وهذا القيد يكون في عنقه، كما قال تعالى:[أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ](1)، وقال تعالى:[وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](2).
وهذه الأغلال عبارة عن سلاسل الحديد، كما قال تعالى:[ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ](3)، ثم تجمع الملائكة نواصيهم مع أقدامهم:[يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ](4).
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:=يجمع بين رأسه ورجليه ثم يقصف كما يقصف الحطب+(5).
قوله تعالى:[فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ]، أي يجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ويلقونه في النار كذلك، وقال الأعمش عن ابن عباس رضي الله عنهما:=يؤخذ بين ناصيته وقدميه فيكسر كما يكسر الحطب في التنور، وقال الضحاك: يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره، وقال السدي: يجمع بين ناصية الكافر وقدميه فتربط بقدمه ويفتل ظهره+(6).
ثم يساقون إلى النار سوقاً شديداً ويدفعون إليها دفعاً:[يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ](7)، والدع : معناه: الدفع الشديد.
__________
(1) ـ الرعد: 5.
(2) ـ سبأ: 33.
(3) ـ غافر: 70ـ 72.
(4) ـ الرحمن: 41.
(5) ـ البعث والنشور للبيهقي ص286.
(6) ـ تفسير القرآن لابن كثير (7/499).
(7) ـ الطور: 13، 14.(21/72)
ثم إذا اقتربوا منها فتحت أبوابها في وجوههم بغتة حتى يصيبهم عذاب الفزع [وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا](1)، ثم يلقون فيها إلقاءً، من مكان ضيق وهم مكتفون:[وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً](2)مقرنين:أي مشدودين ومربوطين،وهذا الربط بالأصفاد وهي الأغلال [وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ](3). وهذا الإلقاء إنما يكون على وجوههم، قال تعالى:[وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ](4)، وقال تعالى:[ أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ](5) ثم يلقى بعضهم على بعض،قال تعالى: [فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ](6)، ومعنى كبكبوا: ألقي بعضهم على بعض. ثم يكون بعد ذلك أنواع العذاب وأصناف النكال وأشد الآلام.
المطلب الثلاثون: كيف يتقي الإنسان النار:
بعد ما تبين لنا من صفة النار، وما أعد الله تعالى فيها من العذاب لمن يدخلها، وبعد أن بين لنا صفات أهلها وحذرنا منها؛ بين لنا سبحانه كيف نتقيها وما الأسباب المانعة من النار، فمن ذلك:
أولاً: الدعاء: بأن يلهج المؤمن بطلب النجاة من النار، فإن الله لا يخيب من رجاه، قال تعالى:[وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ](7).
__________
(1) ـ الزمر: 71.
(2) ـ الفرقان: 13.
(3) ـ إبراهيم: 49.
(4) ـ النمل: 90.
(5) ـ الزمر: 24.
(6) ـ الشعراء: 94، 95.
(7) ـ البقرة: 201.(21/73)
وقال تعالى:[الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ](1).
وقال تعالى:[وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ
غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً](2).
وعن أنس بن مالك ÷ قال: قال رسول الله ":=مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ الْجَنَّةُ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنْ النَّارِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ النَّارُ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ النَّارِ+(3).
__________
(1) ـ آل عمران: 191ـ 195.
(2) ـ الفرقان: 75، 76.
(3) ـ رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6275).(21/74)
وعن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنْ النَّارِ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ قَالَ هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ+(1).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب الدعوات _ باب فضل ذكر الله (5929)، ومسلم _ كتاب الذكر والدعاء والتوبة _ باب فضل مجالس الذكر (4854).(21/75)
ثانياً: الأعمال الصالحة: والمراد بالعمل الصالح ما كان خالصاً لوجه الله موافقاً لسنة رسول الله "، كما قال تعالى:[قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً](1). وقال تعالى:[بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ](2).
قال ابن كثير ×:=قال أبو العالية والربيع:[بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ]، يقول: من أخلص لله، وقال سعيد بن جبير:[بَلَى مَنْ أَسْلَمَ]،أخلص=وجهه+، قال:دينه، [وَهُوَ مُحْسِنٌ] أي اتبع فيه الرسول "، فإن للعمل المتقبل شرطين: أحدهما: أن يكون خالصاً لله وحده.
والآخر: أن يكون صواباً موافقاً للشريعة.
فمتى كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يتقبل، ولهذا قال رسول الله ":=مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ+(3)
وأما إن كان العمل موافقاً للشريعة في الصورة الظاهرة ولكن لم يكن يخلص عامله القصد لله فهو أيضاً مردود على فاعله، هذا حال المرائين والمنافقين، كما قال تعالى:[إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً](4)، وقال تعالى:[فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ](5).
__________
(1) ـ الكهف: 110.
(2) ـ البقرة: 112.
(3) ـ رواه مسلم ـ كتاب الأقضية ـ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (3243).
(4) ـ النساء: 142.
(5) ـ الماعون: 4ـ 7.(21/76)
ولهذا قال تعالى:[ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً](1)، وقال تعالى:[إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ](2).
لما ذكر الله تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم بالله، عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ورسوله " وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا، كما قال تعالى:[لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ](3) وقال:[هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ](4)، فكما أحسنوا العمل في الدنيا أحسن الله مآبهم وثوابهم ونجاهم من العذاب وحصل لهم جزيل الثواب+(5).
ثالثاً: الاستغفار: والاستغفار هو طلب المغفرة، وهو نوع من أنواع الدعاء، ولكنه أخص منه، فهو خاص بطلب مغفرة الذنوب التي هي سبب لدخول النار، قال تعالى: [ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ](6).
__________
(1) ـ الكهف: 110.
(2) ـ الأنبياء: 101.
(3) ـ يونس: 26.
(4) ـ الرحمن: 60.
(5) ـ تفسير القرآن لابن كثير (1/385).
(6) ـ الأنفال: 33.(21/77)
رابعاً: خوف الله والدار الآخرة: فمن خاف ذلك اليوم أمنَّه الله تعالى فيه، فإن الله تعالى لا يجمع على عبد خوفين في الدنيا وفي الآخرة،قال تعالى:[عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً](1) وقال تعالى:[إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ](2)، وقال تعالى:[وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ](3)، وقال تعالى: [وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ](4).
وعن أبي هريرة ÷قال: قال رسول الله ":=لا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَلا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ+(5).
__________
(1) ـ الإنسان: 6ـ 12.
(2) ـ الملك: 12.
(3) ـ الرعد: 21، 22.
(4) ـ الرحمن: 46.
(5) ـ رواه الترمذي، والنسائي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج2 رقم 1269).(21/78)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله " يقول:=عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ+(1).
وعن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا
صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ+(2).
خامساً: الصدقة: قال تعالى:[وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى](3).
__________
(1) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (4/175) رقم (1639).
(2) ـ رواه البخاري _ كتاب أحاديث الأنبياء _ باب حديث الغار (3222)، ومسلم _ كتاب التوبة _ باب في سعة رحمة الله وأنها سبقت غضبه (4950).
(3) ـ الليل:17ـ 21.(21/79)
وعن أبي سعيد الخدري ÷ قال:=خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ " فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ:=أَيُّهَا النَّاسُ تَصَدَّقُوا فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ+ فَقُلْنَ وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:=تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ..+(1).
السادس: طاعة الله ورسوله ": وعموماً فمن أطاع الله ورسوله " فقد فاز ونجا من النار،قال تعالى:[وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً](2).
وعن أبي هريرة ÷ أن رسول الله " قال:=كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى+(3).
المبحث السادس عشر:
الجنة:
المطلب الأول: تعريف الجنة.
المطلب الثاني: دخول الجنة.
المطلب الثالث: الشفاعة في دخول الجنة.
المطلب الرابع: تهذيب المؤمنين وتنقيتهم قبل دخول الجنة.
المطلب الخامس: أول من يدخل الجنة.
المطلب السادس: الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
المطلب السابع:الجنة خالدة وأهلها خالدون.
المطلب الثامن:أسماء الجنة.
المطلب التاسع: خزنة الجنة.
المطلب العاشر:صفة الجنة.
المطلب الحادي عشر: أبواب الجنة.
المطلب الثاني عشر: درجات الجنة.
المطلب الثالث عشر: تربة الجنة.
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب الزكاة _ باب الزكاة على الأقارب (1369).
(2) ـ الفتح: 17.
(3) ـ رواه البخاري _ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة _ باب الإقتداء بسنن الرسول " (6737).(21/80)
المطلب الرابع عشر: أنهار وعيون الجنة.
المطلب الخامس عشر: قصور ومساكن الجنة.
المطلب السادس عشر: أشجار وثمار الجنة.
المطلب السابع عشر: طعام أهل الجنة وشرابهم.
المطلب الثامن عشر: لباس أهل الجنة وحليهم.
المطلب التاسع عشر: الحور العين في الجنة.
المطلب العشرون: أوصاف أهل الجنة وأعمالهم.
المطلب الحادي والعشرون: أعلى أهل الجنة.
المطلب الثاني والعشرون: من ذكر أسماؤهم في دخول الجنة.
المطلب الثالث والعشرون: آخر من يدخل الجنة.
المطلب الأول: تعريف الجنة:
الجنة: هي دار الجزاء العظيم، والثواب الجزيل الذي أعده الله لأوليائه وأهل طاعته، وهي نعيم كامل، نسأل الله الكريم من فضله، قال تعالى:[فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](1).
وجاء في الحديث القدسي:=قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ+ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: [فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ]+(2).
ويظهر هذا النعيم بمقارنته بنعيم الدنيا الفاني، فإن متاع الدنيا بجانب نعيم الآخرة تافه حقير لا يساوي شيئاً، ففي صحيح البخاري عن سهل بن سعد الساعدي ÷ قال: قال رسول الله ":=مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا+(3).
__________
(1) ـ السجدة: 17.
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب بدء الخلق _ باب قوله تعالى:[فلا تعلم نفس ما أخفي لهم..](4406).
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب بدء الخلق _ باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3011).(21/81)
ولذا كان دخول الجنة، والنجاة من النار في حكم الله وتقديره هو الفلاح العظيم، والفوز الكبير، قال تعالى: [فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ](1)، وقال تعالى:[وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ](2)، وقال تعالى:[وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ](3).
المطلب الثاني: دخول الجنة:
__________
(1) ـ آل عمران: 185.
(2) ـ التوبة: 72.
(3) ـ النساء: 13.(21/82)
يخلص المؤمنون إلى الجنة بعد أن يمروا بأهوال وكربات، لكنهم يساقون معززين مكرمين تستقبلهم الملائكة، وتفتح لهم أبواب الجنة:[وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ](1)، وقوله تعالى:[يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ](2)، وقال تعالى:[وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ](3)، فعند ذلك يفرح المؤمنون فرحاً لاينازعهم فيه أحد أبداً.
المطلب الثالث: الشفاعة في دخول الجنة:
__________
(1) ـ الزمر: 73.
(2) ـ الزخرف: 68ـ 73.
(3) ـ النحل: 30ـ 32.(21/83)
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن المؤمنين عندما يطول عليهم الموقف في يوم الجزاء يطلبون من الأنبياء الشفاعة لهم في دخول الجنة، فيمتنع الأنبياء جميعهم وينتهي الأمر إلى رسول الله " فيشفع لهم، ويقبل الله شفاعته، ويأذن لهم بدخول الجنة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبو مالك عن ربعي عن حذيفة قَالا: قال رسول الله ":=يَجْمَعُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمْ الْجَنَّةُ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ يَا أَبَانَا اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ فَيَقُولُ وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ إِلا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ...+، وذكر فيه تدافع الأنبياء لها، قال:=فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا " فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ..+ (1).
المطلب الرابع: تهذيب المؤمنين وتنقيتهم قبل دخول الجنة:
وقد جاء في الأحاديث أنهم عندما يجوزون الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، فينقون ويهذبون ويقتص لبعضهم من بعض، ويتخلصون من مظالم الدنيا ليدخلوا الجنة أطهاراً أبراراً، روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري ÷ قال: قال رسول الله ":=يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا+(2).
المطلب الخامس: أول من يدخل الجنة:
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإيمان _ باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (288).
(2) ـ رواه البخاري _ كتاب الرقاق _ باب القصاص يوم القيامة (6054).(21/84)
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن أول من يدخل الجنة رسول الله "،لما رواه مسلم في صحيحه عن أنس ÷ قال: قال رسول الله ":=أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ+(1)، وروى مسلم أيضاً عن أنس ÷ قال: قال رسول الله ":=آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ+(2).
وأول من يدخل من الأمم أمة محمد "، ثبت في الصحيحين وسنن النسائي عن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ..+(3).
وأول الأمة دخولاً الجنة أبو بكر الصديق ÷، كما جاء في سنن أبي داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ":=أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَرَانِي بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ " أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي+(4).
المطلب السادس: الذين يدخلون الجنة بغير حساب:
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب قول النبي " أنا أول الناس يشفع (290).
(2) ـ نفس المرجع السابق (292).
(3) ـ رواه مسلم ـ كتاب الجمعة ـ باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (1413).
(4) ـ رواه أبو داود، وضعفه الألباني في سنن أبي داود (4/213) رقم (4652).(21/85)
جاء في الأحاديث أن من أمة محمد " سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب، ففي مسند أحمد بإسناد صحيح عن أبي بكر ÷ أن رسول الله "قال: =أُعْطِيتُ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَقُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَاسْتَزَدْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعِينَ أَلْفًا+(1).
وقد جاء أن عددهم سبعون ألفاً، ومع كل ألف سبعون وثلاث حثيات من حثيات ربي، قال تعالى: [وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ](2).
وفي مسند أحمد وسنن الترمذي وصحيح ابن حبان عن أبي أمامة بإسناد صحيح أن رسول الله " قال:=وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِهِ+(3).
__________
(1) ـ رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1057).
(2) ـ الواقعة: 10ـ 12.
(3) ـ رواه الترمذي، وأحمد، وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم(7111).(21/86)
وقد وصف " السبعين ألفاً الأوائل وبين علاماتهم، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي ":=عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ هَؤُلاءِ أُمَّتِي قَالَ لا وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قَالَ هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ قُلْتُ وَلِمَ قَالَ كَانُوا لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ+ فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ: =اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ+ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ: =سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ+(1).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب الرقاق _ باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب (6059).(21/87)
وجاء في الأحاديث أن أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها،ولا يتمخطون،ولا يتغوطون،آنيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوه، ورشحهم المسك، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ": =أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلا يَمْتَخِطُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ لا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ وَلا تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا+(1).
وروى البخاري عن سهل بن سعد ÷ عن النبي " قال:=لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ لا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ+(2).
وأول ثلاثة يدخلون الجنة: =شهيد، وعفيف متعفف، وعبدٍ أحسن عبادة الله ونصح مواليه+.
المطلب السابع: الجنة خالدة وأهلها خالدون:
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب بدء الخلق _ باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3006).
(2) ـ نفس المرجع السابق (3008).(21/88)
الجنة خالدة لا تفنى ولا تبيد، وأهلها فيها خالدون لا يرحلون عنها، ولا يظعنون ولا يموتون [لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ](1) وقال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً](2).
وقد أخبر النبي " عن ذبح الموت بين الجنة والنار، ثم يقال لأهل الجنة ولأهل النار:=.. يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ+(3).
ومقتضى النصوص الواردة أن الجنة تخلق خلقاً غير قابل للفناء، وكذلك أهلها، ففي الحديث عن أبي هريرة ÷ عن النبي "قال:=مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لا يَبْأَسُ لا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلا يَفْنَى شَبَابُهُ+(4).
واستمع إلى النداء الرباني الذي ينادي به أهل الجنة بعد دخولهم الجنة:=..إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: [وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ](5)+(6).
ولم يقل أحد بفناء الجنة إلا الجهم بن صفوان إمام المعطلة، وليس له سلف، وقوله باطل شنيع، فخلود الجنة مما يعلم بالضرورة، وقد قطعت به النصوص من الكتاب والسنة.
__________
(1) ـ الدخان: 56.
(2) ـ الكهف: 107، 108.
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب تفسير القرآن ـ باب قوله تعالى:[وأنذرهم يوم الحسرة ..](4361) .
(4) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب في دوام نعيم الجنة (5068).
(5) ـ الأعراف: 43.
(6) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب دوام نعيم الجنة (5069).(21/89)
المطلب الثامن: أسماء الجنة:
(1) الجنة: وهو الاسم المشهور لها، قال تعالى:[لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ](1).
والجنة في اللغة: كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض:[وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ](2).
وسميت الجنة بذلك: إما تشبيهاً بالجنة في الأرض _ وإن كان بينهما بون _، وإما لستره نعمها عنا المشار إليها بقوله تعالى:[فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](3)+(4).
وهناك أسماء تأتي مقترنة بهذا الاسم (الجنة):
الأول: =جنة الخلد+:[قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً](5)، وسميت بذلك لخلود أهلها فيها.
الثاني: =جنة النعيم+:[وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ](6)، وسميت بذلك لما فيها من النعيم المقيم الكريم.
الثالث:=جنة المأوى+:[عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى](7)، وسميت بذلك لأنها مأوى المؤمنين. وأما قوله تعالى:[جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ](8)، فهي درجة من
درجات الجنة كما سيأتي.
(2)دار السلام:[لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](9) وقال تعالى:[وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ](10).
__________
(1) ـ الحشر: 20.
(2) ـ الكهف: 39.
(3) ـ السجدة: 17.
(4) ـ المفردات للراغب ص204.
(5) ـ الفرقان: 15.
(6) ـ الشعراء: 85.
(7) ـ النجم: 15.
(8) ـ ص: 50.
(9) ـ الأنعام: 127.
(10) ـ يونس: 25.(21/90)
وعن النواس بن سمعان ÷ قال: قال رسول الله ":=إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا عَلَى كَنَفَيْ الصِّرَاطِ زُورَانِ لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ عَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ [وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] وَالأَبْوَابُ الَّتِي عَلَى كَنَفَيْ الصِّرَاطِ حُدُودُ اللَّهِ فَلا يَقَعُ أَحَدٌ فِي حُدُودِ اللَّهِ حَتَّى يُكْشَفَ السِّتْرُ وَالَّذِي يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبِّهِ+(1).
وسميت دار السلام لأمور أربعة:
الأول: لأنها سالمة من كل المنغصات والمكدرات ومن كل بلية وآفة ومكروه، وهذا يؤخذ من اشتقاق الكلمة.
الثاني: لأنها دار السلام: ومن أسمائه سبحانه وتعالى[السَّلامِ]، قال سبحانه: [هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ](2)،فهي دار السلام: يعني دار الله، فهو سبحانه الذي سلمها وسلم أهلها.
الثالث: ولأن [تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ](3)، [تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً](4).
__________
(1) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (5/144) رقم (2859).
(2) ـ الحشر: 23.
(3) ـ إبراهيم: 23.
(4) ـ الأحزاب: 44.(21/91)
وأول ما تستقبلهم به خزنة الجنة هو السلام:[حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ](1)،[جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ](2).
والرب سبحانه يسلم عليهم من فوقهم:[لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ](3).
الرابع: كلامهم فيها سلام: أي لا لغو فيها ولا فحش ولا باطل، لا يقولونه ولا يسمعونه، قال تعالى:[لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً](4)، وقال تعالى:[ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً](5).
(3) دار المتقين: قال تعالى:[وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ](6)،
وسميت دار المتقين لأنهم أهلها.
(4) دار الآخرة: قال تعالى:[وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ](7)
والغالب أن تذكر بلفظ التعريف للدار، فيقال:=الدار الآخرة+.
قال تعالى:[تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا
__________
(1) ـ الزمر: 73.
(2) ـ الرعد: 23، 24.
(3) ـ يس: 57، 58.
(4) ـ مريم: 62.
(5) ـ الواقعة: 25، 26.
(6) ـ النحل: 30.
(7) ـ يوسف: 109.(21/92)
فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ](1)، وقال تعالى:[وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ](2)، وقال تعالى:[وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ](3).
وقال تعالى:[وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ](4)، وقال تعالى:[وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً](5).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:=لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ " بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ:=إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ+ قَالَتْ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ قَالَتْ ثُمَّ قَالَ:=إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ:[يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا إِلَى أَجْرًا عَظِيمًا](6) قَالَتْ فَقُلْتُ فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَتْ ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ " مِثْلَ مَا فَعَلْتُ.. +(7)، والمراد بالدار الآخرة الجنة عند جميع
المفسرين(8).
وأحياناً تذكر من غير إضافة لفظ دار، فيقال عنها: الآخرة، قال تعالى:
[
__________
(1) ـ القصص: 83.
(2) ـ الأنعام: 32.
(3) ـ الأعراف: 169.
(4) ـ العنكبوت: 64.
(5) ـ الأحزاب: 29.
(6) ـ الأحزاب: 28، 29.
(7) ـ رواه البخاري _ كتاب تفسير القرآن _ باب قوله [وإن كنتن تردن الله ورسوله..]، ومسلم _ كتاب الطلاق _ باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بنية (2696).
(8) ـ حادي الأرواح لابن القيم ص131.(21/93)
وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى](1)، ولكن الغالب أن تذكر مع لفظ دار، فيقال: =الدار الآخرة، أو دار الآخرة+، وسميت بذلك لأنها آخر دار للمتقين بعد دار الدنيا والبرزخ.
(4) الحسنى: قال تعالى:[لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ....](2). وقال ": =إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ+حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَزَادَ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ:[لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ] (3).
(5) دار المقامة: قال تعالى:[وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ](4).
ودار المقامة: يعني دار الإقامة (5)، حيث إنهم يقيمون فيها ولا يظعنون.
المطلب التاسع: خزنة الجنة:
الجنة لها خزنة يستقبلون أهل الإيمان بالترحيب والسلام والبشارة، ويفتحون لهم الأبواب.
__________
(1) ـ الأعلى: 17.
(2) ـ يونس: 26.
(3) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة سبحانه وتعالى (266).
(4) ـ فاطر: 34، 35.
(5) ـ مفردات القرآن للراغب ص693.(21/94)
قال تعالى:[وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ] (1).
وأول من يفتح له باب الجنة ليدخلها هو نبينا محمد ".
فعن أنس بن مالك ÷ قال: قال رسول الله ":=آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ+(2).
المطلب العاشر: صفة الجنة:
الجنة فيها من النعيم ما يفوق الوصف، ويقصر دونه الخيال، وليس لنعيمها حد، ويكفي أن نقول لا مثل لها أبداً.
وصفها رسولنا " لما سئل عنها فقال:=..لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ لا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ لا يَمُوتُ لا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلا يَفْنَى شَبَابُهُمْ+(3)، وصدق الله تعالى إذ يقول:[وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً](4).
وما أخفاه الله عنا من نعيم الجنة شيء عظيم لا تدركه العقول [فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](5).
__________
(1) ـ الزمر: 73.
(2) ـ رواه مسلم _ كتاب الإيمان _ باب في قول النبي ":=أنا أول الناس يشفع في الجنة...+ رقم (292).
(3) ـ رواه أحمد، والترمذي، والدارمي، وخرجه الألباني في مشكاة المصابيح (ج3 رقم 5630)، وقال صحيح بشواهده.
(4) ـ الإنسان: 20.
(5) ـ السجدة: 17.(21/95)
وقد جاء في الصحيح عن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ+ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: [فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ] (1)+(2).
ورواه مسلم من عدة طرق عن أبي هريرة ÷، وجاء في بعض طرقه: =يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ(3) مَا أَطْلَعَكُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ [فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ]+(4).
ورواه مسلم عن سهل بن سعد الساعدي قال:=شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ " مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى ثُمَّ قَالَ " فِي آخِرِ حَدِيثِهِ:=فِيهَا مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ [تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](5)+(6).
__________
(1) ـ السجدة: 17.
(2) ـ سبق تخريجه ص372.
(3) ـ بله: دع ما أطلعكم الله عليه، فالذي لم يطلعكم عليه أعظم، وكأنه أضرب عنه استقلالاً له في جنب ما لم يطلع عليه.
(4) ـ رواه مسلم ـ كتاب الجنة وصفة نعيم أهلها (5052).
(5) ـ السجدة: 16، 17.
(6) ـ رواه مسلم ـ كتاب الجنة وصفة نعيم أهلها (5053).(21/96)
وعن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=لَقَابُ قَوْسٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ وَقَالَ لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ+(1).
وعن سهل بن سعد الساعدي ÷ قال: قال رسول الله ":=مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا+(2).
وللمؤمن في الجنة ما يشاء من النعيم، وله كل ما يتمنى ويطلب، بل له فوق هذا بكثير، قال تعالى:[وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ](3)، وقال تعالى:[لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ](4).
المطلب الحادي عشر: أبواب الجنة:
للجنة أبواب يدخل منها المؤمنون يوم القيامة كما يدخل منها الملائكة، قال تعالى:[جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الأَبْوَابُ](5)، وقال تعالى:[وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ](6).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب الجهاد والسير _ باب الغدوة والروحة في سبيل الله (2584).
(2) ـ رواه البخاري _ كتاب بدء الخلق _ باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3011).
(3) ـ النحل: 30، 31.
(4) ـ ق: 35.
(5) ـ ص: 50.
(6) ـ الرعد: 23، 24.(21/97)
وأخبرنا ربنا تبارك وتعالى أن هذه الأبواب تفتح عندما يصل المؤمنون إليها، فتستقبلهم الملائكة، وتحييهم، وتهنئهم بسلامة الوصول:[حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ](1).
وعدد أبواب الجنة ثمانية، فعن عمر بن الخطاب ÷ قال: قال رسول الله ": =مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ+(2).
ومن هذه الأبواب: باب الريان، وهو خاص بالصائمين، ففي الصحيحين عن سهل بن سعد ÷ أن رسول الله " قال:=فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ+(3).
__________
(1) ـ الزمر: 73.
(2) ـ رواه مسلم _ كتاب الطهارة _ باب الذكر المستحب عقب الوضوء (345).
(3) ـ رواه البخاري _ كتاب بدء الخلق _ باب صفة أبواب الجنة (3017).(21/98)
وهناك باب للمكثرين من الصلاة، وباب للمتصدقين، وباب للمجاهدين، بالإضافة إلى باب الريان، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ+ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ÷ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ:=نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ+(1).
وقد أخبر النبي " أن الذي يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يرفع بصره إلى السماء، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
روى مسلم عن عمر بن الخطاب ÷ قال: قال رسول الله ": =مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ+(2).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب الصوم _ باب الريان للصائمين (1764)، ومسلم ـ كتاب الزكاة ـ باب من جمع الصدقة وأعمال البر (1705).
(2) ـ سبق تخريجه ص390.(21/99)
وقد أخبرنا الحبيب " أن الله تعالى خص الذين لا حساب عليهم بباب خاص بهم دون غيرهم، وهو باب الجنة الأيمن، وبقيتهم يشاركون بقية الأمم في الأبواب الأخرى، ففي الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة ÷ في حديث الشفاعة =فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأَبْوَابِ+ ثم بين " في هذا الحديث سعة أبواب الجنة، وأن ما بين جانبي الباب كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبُصرى، ففي الحديث السابق المتفق عليه يقول الرسول ":=.. ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى+(1).
وروى مسلم عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن غزوان ÷ قال:=ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنْ الزِّحَامِ..+ (2).
المطلب الثاني عشر: درجات الجنة:
الجنة درجات كثيرة،كما قال تعالى:[هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ](3)، وتختلف هذه الدرجات باختلاف العمل، فكلما كان عمل الإنسان أكثر وموافقاً للسنة كان أجره أكثر ودرجته في الجنة أعلى، قال تعالى:[وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ](4).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب تفسير القرآن ـ باب قوله تعالى:[ذرية من حملنا مع نوح..](4343)، ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (287).
(2) ـ رواه مسلم ـ كتاب الزهد والرقائق (5268).
(3) ـ آل عمران: 163.
(4) ـ الأحقاف: 19.(21/100)
وعن أبي سعيد الخدري ÷ عن النبي "قال:=إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ+ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ:=بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ+(1).
وأعلى درجات الجنة هي الفردوس الأعلى، وقد ذكرها الله سبحانه في كتابه في قوله:[أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ](2)، وبين الرسول " منزلة هذه الدرجة.
فعن أبي هريرة ÷قال: قال رسول الله ":=مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا+ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ قَالَ:=إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ
وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ+(3).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب بدء الخلق _ باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3016)، ومسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف (5059).
(2) ـ المؤمنون: 10، 11.
(3) ـ رواه البخاري _ كتاب التوحيد _ باب:[وكان عرشه على الماء..](6873).(21/101)
وقد بين لنا النبي " أن درجة الفردوس تتكون منها أربع جنان، إحدى هذه الجنان هي جنة عدن، فعن عبد الله بن قيس ÷ أن النبي " قال:=جِنَانُ الْفِرْدَوْسِ أَرْبَعٌ ثِنْتَانِ مِنْ ذَهَبٍ حِلْيَتُهُمَا وَآنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَثِنْتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَحِلْيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَشْخَبُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ ثُمَّ تَصْدَعُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْهَارًا+(1).
وفي حديث أبي هريرة ÷ السابق بين أن الفردوس يتفجر منها أنهار الجنة، وهنا ذكر أن الأنهار تشخب أي تخرج وتتفجر(2) من جنة عدن، وبالجمع بين الحديثين يتبين لنا أن جنة عدن إحدى جنان الفردوس الأربع التي ذكرت في الحديث.
وأعلى درجات الفردوس هي الوسيلة، وهي منزلة خاصة لشخص واحد فقط هو نبينا محمد ".
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي " يقول:=إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ+(3).
المطلب الثالث عشر: تربة الجنة:
__________
(1) ـ رواه أحمد، وضعفه الألباني في السلسلة الصحيحة (ج7 رقم 3464).
(2) ـ لسان العرب (1/485).
(3) ـ رواه مسلم _ كتاب الصلاة _ باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه (577).(21/102)
جاءت النصوص في وصف تربة الجنة، وأنها المسك، وجاء ذكر أنهارها، وأنها أربعة، وليست كلها ماء بل منها الماء، ومنها اللبن، ومنها الخمر، ومنها العسل المصفى، قال تعالى:[مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى] (1).
وعن أنس بن مالك عن أبي ذر رضي الله عنهما في حديث المعراج قال: قال رسول الله ":=أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ+(2).
وعن أبي سعيد ÷ قال: قال رسول الله ":=قَالَ رَسُولُ اللَّهِ " لابْنِ صَائِدٍ مَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ دَرْمَكَةٌ(3) بَيْضَاءُ مِسْكٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ صَدَقْتَ+(4).
وعن جابر بن عبد الله ÷ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ " لِلْيَهُودِ =إِنِّي سَائِلُهُمْ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ وَهِيَ الدَّرْمَكُ فَلَمَّا جَاءُوا..+،=.. قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ " =مَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ؟+ قَالَ فَسَكَتُوا هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالُوا خْبْزَةٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ "=الْخُبْزُ مِنْ الدَّرْمَكِ+(5).
__________
(1) ـ محمد: 15.
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب أحاديث الأنبياء ـ باب ذكر إدريس عليه السلام (3094)، ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب الإسراء برسول الله " (237).
(3) ـ الدرمكة: واحدة الدرمك، وهو الدقيق الحواري الخالص البياض.
(4) ـ رواه مسلم ـ كتاب الفتن وأشراط الساعة (5212).
(5) ـ رواه الترمذي، وضعفه الألباني في جامع الترمذي (5/429) رقم (3327).(21/103)
وعن أبي هريرة ÷ قال: قلنا يا رسول الله:=الجنة ما بناؤها؟ قال:=لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ لا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ لا يَمُوتُ لا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلا يَفْنَى شَبَابُهُمْ+(1).
المطلب الرابع عشر: أنهار الجنة وعيونها:
أخبرنا الله تبارك وتعالى بأن الجنة تجري من تحتها الأنهار، فقال تعالى: [وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ..](2)، وقال:[أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ..](3).
وأخبرنا النبي " عن أنهار الجنة ليلة أسري به، فعن أنس بن مالك لعله قال عن مالك بن صعصعة رجل من قومه قال:=حَدَّثَ نَبِيُّ اللَّهِ "أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الأَنْهَارُ قَالَ أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ+(4).
__________
(1) ـ سبق تخريجه ص387.
(2) ـ البقرة: 25.
(3) ـ الكهف: 31.
(4) ـ رواه مسلم _ كتاب الإيمان _ باب الإسراء برسول الله " (238).(21/104)
وعن أنس ÷ قال: قال رسول الله ":=رُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ+(1)، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ":=سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ+(2).
ومن أنهار الجنة: الكوثر الذي أعطاه الله تعالى لرسوله "[إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ](3)، وقد رآه الرسول " وحدثنا عنه.
ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك ÷ عن النبي " قال:=بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ
فِي الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ هَذَا
الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ فَإِذَا طِينُهُ أَوْ طِيبُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ+(4).
وعن أبي عبيدة عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ:=سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى [إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ] قَالَتْ: نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ " شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ+(5).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الأشربة ـ باب شرب اللبن (5179).
(2) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها _ باب ما في الدنيا من أنهار الجنة (5073).
(3) ـ الكوثر: 1.
(4) ـ رواه البخاري _ كتاب الرقاق _ باب في الحوض (6095).
(5) ـ رواه البخاري ـ كتاب تفسير القرآن (4583).(21/105)
و يدل على ذلك أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس ÷:=بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ "ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:=أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ] ثُمَّ قَالَ =أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟+ فَقُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:=فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ+(1).
وحديث أنس ÷ عند أحمد في مسنده عن الرسول " قال:=أُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ فَإِذَا هُوَ نَهَرٌ يَجْرِي وَلَمْ يُشَقَّ شَقًّا فَإِذَا حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى تُرْبَتِهِ فَإِذَا هُوَ مِسْكَةٌ ذَفِرَةٌ وَإِذَا حَصَاهُ اللُّؤْلُؤُ+(2).
وفي رواية أخرى في المسند عن أنس يرفعه:=هُوَ نَهَرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ تُرَابُهُ الْمِسْكُ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ تَرِدُهُ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا مِثْلُ أَعْنَاقِ الْجُزُرِ+(3).
وأنهار الجنة ليست ماء فحسب، بل منها الماء، ومنها اللبن، ومنها الخمر،
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب الصلاة ـ باب حجة من قال البسملة آية من كل سورة سوى براءة (607).
(2) ـ رواه أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6/47) رقم (2513).
(3) ـ رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (4614).(21/106)
ومنها العسل المصفى، قال تعالى [مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى](1).
وعن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي " قال:=إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ وَبَحْرَ الْعَسَلِ وَبَحْرَ اللَّبَنِ وَبَحْرَ الْخَمْرِ ثُمَّ تُشَقَّقُ الأَنْهَارُ بَعْدُ+(2)،فأنهار الجنة تنشق من تلك البحار التي ذكرها النبي ".
وأخبرنا أيضاً النبي " عن نهر يسمى بارق يكون على باب الجنة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله " قال:=الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا+(3).
وفي الجنة من العيون الكثير، قال تعالى [إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ](4)، وقال تعالى:[إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ](5)، وقال تعالى في وصف الجنتين اللتين أعدهما لمن خاف مقام ربه [فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ](6)، وقال في وصف الجنتين اللتين دونهما:[فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ](7).
وهذه العيون مختلفة المطاعم والمشارب، وقد جاء ذكر بعض العيون في القرآن،
وهي عين الكافور، وعين التسنيم، وعين السلسبيل، فقال تعالى:[إِنَّ الأَبْرَارَ
يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً](8).
__________
(1) ـ محمد: 15.
(2) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (4/699) رقم (2571).
(3) ـ رواه أحمد، والطبراني، والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (3742).
(4) ـ الحجر: 45.
(5) ـ المرسلات: 41.
(6) ـ الرحمن: 50.
(7) ـ الرحمن: 66.
(8) ـ الإنسان: 5، 6.(21/107)
وقال تعالى:[كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ*يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ*إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ](1).
وقال تعالى:[وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً](2).
المطلب الخامس عشر: قصور ومساكن الجنة:
وفي الجنة قصور وخيام ومساكن وغرف يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، قال تعالى:[وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ](3)، وقد سمى الله تعالى هذه المساكن في بعض آيات القرآن بالغرفات، قال تعالى [فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ](4).
وقال في جزاء عباد الرحمن:[أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً](5)، وقال تعالى واصفاً لهذه الغرف:[لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ](6).
__________
(1) ـ المطففين: 22ـ 28.
(2) ـ الإنسان: 17، 18.
(3) ـ التوبة: 72.
(4) ـ سبأ: 37.
(5) ـ الفرقان: 75، 76.
(6) ـ الزمر: 20.(21/108)
وقد وصف رسولنا " هذه الغرف لنا، ففي الحديث الذي يرويه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه عن أبي مالك الأشعري ÷ أن رسول الله " قال:=إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَلانَ الْكَلامَ وَتَابَعَ الصِّيَامَ وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ+(1).
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن قيس ÷ قال: قال رسول الله ": =الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاثُونَ مِيلا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ لا يَرَاهُمْ الآخَرُونَ+، وفي رواية:=سِتَّونَ مِيلا+(2).
ورواه مسلم عن عبد الله بن قيس عن النبي " قال:=إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلا لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ فَلا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا+، وفي رواية له:=فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ+(3) .
__________
(1) 5ـ رواه أحمد،وابن حبان،وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:حديث حسن صحيح(ج1رقم617).
(2) ـ رواه البخاري _ كتاب بدء الخلق _ باب صفة الجنة (3004).
(3) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب في صفة خيام الجنة (5070، 5071).(21/109)
وقد أخبرنا الرسول " عن صفات قصور بعض أزواجه، وبعض أصحابه، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة ÷ قال:=أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ " فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ+(1).
وفي صحيحي البخاري ومسلم عن جابر÷قال: قال رسول الله ":=رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَسَمِعْتُ خَشَفَةً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ هَذَا بِلالٌ وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا فَقَالَ لِعُمَرَ فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ فَقَالَ عُمَرُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟+(2).
وأخبر النبي " أن من بنى مسجداً لله في الدنيا بنى الله له بيتاً في الجنة، ففي
صحيحي البخاري ومسلم عن عثمان بن عفان ÷ قال: سمعت النبي "
يقول:=مَنْ بَنَى مَسْجِدًا قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ+(3).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب المناقب ـ باب تزويج النبي " خديجة وفضلها (3536)، ومسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب فضل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (4460).
(2) ـ رواه البخاري ـ كتاب المناقب ـ مناقب عمر بن الخطاب ÷ (3403)، ومسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب من فضائل عمر بن الخطاب ÷ (4460).
(3) ـ رواه البخاري ـ كتاب الصلاة ت باب من بنى مسجدا (431)، ومسلم ـ كتاب المساجد ومواضع الصلاة ـ باب فضل بناء المساجد والحث عليها (828).(21/110)
وفي صحيح مسلم عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله " يقول:=مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ+(1).
المطلب السادس عشر: أشجار وثمار الجنة:
وفي الجنة من الأشجار والثمار مالا يخطر بالبال، فهي كثيرة متنوعة: [وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ](2).
وقال تعالى[إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً](3)، وقال تعالى [فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ](4).
وأشجار الجنة كثيرة الثمار، دائمة العطاء، قال تعالى:[مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا](5)، وقال تعالى[وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ](6).
وقد حدثنا النبي " أحاديث عجيبة عن صفة بعض شجر الجنة، ومدى عظمتها، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري ÷ قال:=إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا+(7).
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب صلاة المسافرين وقصرها ـ باب فضل السن الراتبة قبل الفرائض (1199).
(2) ـ الواقعة: 27ـ 33.
(3) ـ النبأ: 31، 32.
(4) ـ الرحمن: 68.
(5) ـ الرعد: 35.
(6) ـ الواقعة: 32، 33.
(7) ـ رواه البخاري _ كتاب الرقاق _ باب صفة الجنة والنار (6069)، ورواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها (5056).(21/111)
وروى البخاري عن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، واقرؤوا إن شئتم: [وَظِلٍّ مَمْدُودٍ].
وأيضاً هناك شجرة أخرى أخبرنا عنها النبي " بشيء مما رآه:=رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ سِدْرَةُ
الْمُنْتَهَى...+(1).
وأيضاً شجرة طوبى، فعن أبي سعيد الخدري ÷ عن رسول الله ": أنه قال له رجل: يا رسول الله، مَا طُوبَى؟ =شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا+(2).
وجميع أشجار الجنة لها ظل ظليل، كما قال سبحانه:[وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً](3).
وسيقان أشجار الجنة من ذهب، فعن أبي هريرة ÷ قال: قال رسول الله ": =مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلا سَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ+(4).
وأما ثمار الجنة فهي كثيرة متنوعة، فعند أهل الجنة جميع أنواع الفواكه، كما قال سبحانه:[يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ](5)، وقال:[لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ](6).
وهذه الفواكه متوفرة لهم في كل وقت، كما قال سبحانه:[مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا](7).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب المناقب ـ باب المعراج (3598).
(2) ـ رواه أحمد، وابن حبان، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (3918).
(3) ـ النساء: 57.
(4) ـ رواه الترمذي، وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (5647).
(5) ـ الدخان: 55.
(6) ـ يس: 57.
(7) ـ الرعد: 35.(21/112)
ولا تمنع عنهم أبداً، فمتى اشتهوها أكلوها ولا يمنعهم عنها أحد؛ قال تعالى: [وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ](1).
وهذه الثمار لا تحتاج لتعب ولا كلفة في جنيها، بل هي قريبة دانية متى اشتهاها أخذها من غير عناء، قال تعالى:[وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ](2)، يعني وثمار الجنتين قريبة دانية منهم، وهذا كقوله تعالى: [وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً](3).
وعندما تأتيهم هذه الثمار يجدونها تتشابه في الظاهر، وهي في الحقيقة مخالفة لبعضها في الطعم، فتشابهت في الأشكال واختلفت الحقائق والطعوم والروائح(4) قال تعالى:[كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ](5).
المطلب السابع عشر: طعام أهل الجنة وشرابهم:
إن الله تعالى أعد لعباده الصالحين في الجنة ألذ وأشهى أنواع الطعام والشراب، ومعروف أن من ملذات الدنيا وشهواتها الطعام، ولكنه يحتاج إلى الوقت والجهد من أجل تحضيره، ويحتاج وقت لهضمه وإخراجه، وأيضاً يخرج في أبغض صورة وأنتن رائحة، ولكن في الآخرة تنال ألذ الشهوات وأطيب الطعومات وليس فيها من منغصات الدنيا كما مر بنا، فالجنة لا جوع فيها ولا عطش، كما قال تعالى: [إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى](6)؛ فهي دار السعادة والهناء، والراحة والسرور، واللذة والحبور.
__________
(1) ـ الواقعة: 32، 33.
(2) ـ الرحمن: 54.
(3) ـ الإنسان: 14.
(4) ـ صفة الجنة لابن كثير ص104، وحادي الأرواح ص209، وصفة الجنة والنار للأشقر ص177.
(5) ـ البقرة: 25.
(6) ـ طه: 118، 119.(21/113)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي " يقول:=إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلا يَتْفُلُونَ وَلا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ+ قَالُوا فَمَا بَالُ الطَّعَامِ قَالَ:=جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ+(1).
ومن طعام أهل الجنة الفواكه بأنواعها،قال تعالى:[وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ](2) ومن هذه الفاكهة العنب:[إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً](3).
__________
(1) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب في صفات الجنة وأهلها (5066).
(2) ـ الواقعة: 20.
(3) ـ النبأ: 31، 32.(21/114)
وعن عتبة بن عبد السلمي قال:=جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ " فَسَأَلَهُ عَنْ الْحَوْضِ وَذَكَرَ الْجَنَّةَ ثُمَّ قَالَ الأَعْرَابِيُّ: فِيهَا فَاكِهَةٌ؟ قَالَ:=نَعَمْ وَفِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى+ فَذَكَرَ شَيْئًا لا أَدْرِي مَا هُوَ قَالَ: أَيُّ شَجَرِ أَرْضِنَا تُشْبِهُ؟ قَالَ:=لَيْسَتْ تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ أَرْضِكَ+، فَقَالَ النَّبِيُّ ":=أَتَيْتَ الشَّامَ+ فَقَالَ: لا، قَالَ:=تُشْبِهُ شَجَرَةً بِالشَّامِ تُدْعَى الْجَوْزَةُ تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ وَيَنْفَرِشُ أَعْلاهَا+قَالَ: مَا عِظَمُ أَصْلِهَا؟ قَالَ: =لَوْ ارْتَحَلَتْ جَذَعَةٌ مِنْ إِبِلِ أَهْلِكَ مَا أَحَاطَتْ بِأَصْلِهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ تَرْقُوَتُهَا هَرَمًا+ قَالَ: فِيهَا عِنَبٌ؟ قَالَ:=نَعَمْ+ قَالَ: فَمَا عِظَمُ الْعُنْقُودِ؟ قَالَ:=مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الأَبْقَعِ وَلا يَعْثُرُ+ قَالَ فَمَا عِظَمُ الْحَبَّةِ؟ قَالَ:=هَلْ ذَبَحَ أَبُوكَ تَيْسًا مِنْ غَنَمِهِ قَطُّ عَظِيمًا؟+قَالَ: نَعَمْ،قَالَ:=فَسَلَخَ إِهَابَهُ فَأَعْطَاهُ أُمَّكَ قَالَ اتَّخِذِي لَنَا مِنْهُ دَلْوًا+ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الأَعْرَابِيُّ: فَإِنَّ تِلْكَ الْحَبَّةَ لَتُشْبِعُنِي وَأَهْلَ بَيْتِي، قَالَ:=نَعَمْ وَعَامَّةَ عَشِيرَتِكَ+(1).
__________
(1) ـ رواه الطبراني، والبيهقي، وابن حبان، وأحمد مختصرا، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج3 رقم 3729).(21/115)
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:=خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ " فَصَلَّى، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ، قَالَ:=إِنِّي أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا+(1).
وهذه الفاكهة ليست قليلة بل هي فاكهة كثيرة:[لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ](2).
ولا يتعب نفسه في إحضارها وجنيها بل يطلب ذلك ويحضرها الخدم له: [مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ](3).
ومن ثمار أهل الجنة التمر، فعن جابر بن عبد الله ÷:=أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ "
فَقَالَ: إِنَّ لِفُلانٍ فِي حَائِطِي عَذْقًا وَإِنَّهُ قَدْ آذَانِي وَشَقَّ عَلَيَّ مَكَانُ عَذْقِهِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ " فَقَالَ: بِعْنِي عَذْقَكَ الَّذِي فِي حَائِطِ فُلانٍ، قَالَ: لا، قَالَ:=فَهَبْهُ لِي+، قَالَ: لا، قَالَ:=فَبِعْنِيهِ بِعَذْقٍ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: لا، فَقَالَ النَّبِيُّ":=مَا رَأَيْتُ الَّذِي هُوَ أَبْخَلُ مِنْكَ إِلا الَّذِي يَبْخَلُ بِالسَّلامِ+(4).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الأذان ـ باب رفع البصر إلى الأمام في الصلاة (706).
(2) ـ الزخرف: 73.
(3) ـ ص: 51.
(4) ـ رواه أحمد، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج3 رقم 2716).(21/116)
وأيضاً من طعام أهل الجنة لحم الطير:[وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ](1)، وعن أنس بن مالك ÷:=سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ": مَا الْكَوْثَرُ قَالَ:=ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ+، قَالَ عُمَرُ:=إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ+، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ":=أَكَلَتُهَا أَحْسَنُ مِنْهَا+(2).
وأما شراب أهل الجنة، فإنه شراب طهور طيب لا كما يفعل بعض الضالين الذين يشربون النجاسة، فتجدهم يشربون الخمر وبعضهم يشرب الدم المسفوح، وبعضهم يشرب العرق وغير ذلك من النجاسات والقاذورات، وأما أهل الجنة فشرابهم طاهر طهور طيب، قال تعالى:[عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً](3).
ومن هذه الأشربة الطيبة الخمر: فقد ذكر الله تبارك وتعالى خمر الجنة ونفى عنها جميع آفات خمر الدنيا، قال تعالى:[بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ](4)، وقال تعالى:[وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ](5)، وقال تعالى:[وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ](6).
__________
(1) ـ الواقعة: 20، 21.
(2) ـ رواه الترمذي،وخرجه الألباني في جامع الترمذي(4/680) رقم(2542)،وقال:حديث حسن صحيح.
(3) ـ الإنسان: 21.
(4) ـ الواقعة: 18، 19.
(5) ـ الطور: 22، 23.
(6) ـ محمد: 15.(21/117)
وقال تعالى:[يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ](1)، وهذه الكأس من خمر الجنة، والمعين: الجاري الكثير، ولون هذه الخمر بيضاء أي حسنة المنظر، وهي ذات لذة، والغول صداع في الرأس، وقيل: وجع في البطن، وهي ليس فيها هذا ولا هذا، ينزفون: أي لا يسكرون منها فلا تذهب عقولهم وتبقى لذاتها.
والخمر هي المقصود بقوله تعالى:[رَحِيقٍ مَخْتُومٍ]، قال تعالى:[يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ](2)، والرحيق: هي الخمر الصافية، ومن لذة الخمر أنها تختم بالمسك.
وعن أبي سعيد الخدري ÷ قال: قال رسول الله ":=.... أَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ...+(3).
ومن شراب أهل الجنة أيضاً العسل واللبن والماء: قال تعالى:[مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ...](4).
وعن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي " قال:=إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ وَبَحْرَ الْعَسَلِ وَبَحْرَ اللَّبَنِ وَبَحْرَ الْخَمْرِ ثُمَّ تُشَقَّقُ الأَنْهَارُ بَعْدُ+(5).
__________
(1) ـ الصافات: 45ـ 47.
(2) ـ المطففين: 25ـ 27.
(3) ـ رواه الترمذي، وأبو داود، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم(2249).
(4) ـ محمد: 15.
(5) ـ سبق تخريجه ص409.(21/118)
وأيضاً من شراب أهل الجنة الكافور: قال تعالى:[إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِير](1).
وأيضاً من شرابهم الزنجبيل التي تتفجر من عين السلسبيل: قال تعالى: [وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً](2).
وهذا الطعام والشراب يأتيهم في أوقات البكور وهو أول النهار وفي العشي وهو آخر النهار، قال تعالى:[لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً](3).
المطلب الثامن عشر: لباس أهل الجنة وحليهم:
قال تعالى:[إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى](4).
إن اللباس في الجنة من أعظم اللذات، فأهل الجنة لا يحرمون أي نوع يريدون، ولا تبلى ثيابهم أبداً؛ فعن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لا يَبْأَسُ لا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلا يَفْنَى شَبَابُهُ+(5)، ولهم أفضل وأجمل أنواع الثياب، فمنها:
الحرير بأنواعه الرقيق منه والغليظ، قال تعالى:[وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً](6)، وقال تعالى:[وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ](7)، وقال تعالى:[أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً](8).
__________
(1) ـ الإنسان: 5، 6.
(2) ـ الإنسان: 17، 18.
(3) ـ مريم: 62.
(4) ـ طه: 118، 119.
(5) ـ رواه مسلم _ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها _ باب في دوام نعيم أهل الجنة (5068).
(6) ـ الإنسان: 12.
(7) ـ الحج: 23.
(8) ـ الكهف: 31.(21/119)
وعن حذيفة بن اليمان ÷ قال: سمعت رسول الله " يقول:=لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ+(1).
وأما حلي أهل الجنة فهي من الذهب والفضة واللؤلؤ، قال تعالى:[يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً](2).
وعن سعد بن أبي وقاص عن النبي " قال:=لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ ظُفُرٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ بَدَا لَتَزَخْرَفَتْ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ فَبَدَا أَسَاوِرُهُ لَطَمَسَ ضَوْءَ الشَّمْسِ كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ+(3).
وقال تعالى:[وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ..](4).
المطلب التاسع عشر: الحور العين في الجنة:
الحور العين غير نساء الدنيا، وإن كانت نساء الدنيا يصبحن في الجنة كالحور العين في الجمال أو يزيد، يدل على ذلك قوله تعالى:[إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً](5)، أي أنشأهن الله بعد الكبر والعجز والضعف في الدنيا، فصرن في الجنة شباباً أبكاراً عرباً متحببات إلى بعولتهن(6).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب الأطعمة _ باب الأكل من إناء مفضض (5006)، ومسلم _ كتاب اللباس والزينة _ باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء (3850).
(2) ـ الحج: 23.
(3) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (4/678) رقم (2538).
(4) ـ الإنسان: 21.
(5) ـ الواقعة: 35.
(6) ـ صفة الجنة لابن كثير ص127.(21/120)
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله " أتته عجوز من الأنصار فقالت: يارسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال:=إن الجنة لا يدخلها عجوز+، فذهب رسول الله " ثم رجع إلى عائشة، فقالت: لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة، فقال:=إن ذلك كذلك، إن الله إذا أدخلهن حولهن أبكاراً+(1).
وقد ذكر الله صفات حور العين في القرآن بعدة صفات، منها: قوله تعالى: [وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ](2)، قيل: إنه بيض النعام المكنون في الرمل، وهو عند العرب أحسن ألوان البياض، وقيل: المراد به اللؤلؤ قبل أن يبرز من صدفه(3).
وقال تعالى:[وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ](4)،المكنون: أي المخبأ، الذي لم يغير صفاء لونه ضوء الشمس ولا عبث الأيدي، ولم تؤثر على لونه.
أي كأنهن اللؤلؤ الرطب المكنون في بياضه وصفائه، وهو في هذه الحال في غاية ما
يكون من الحسن والجمال، فشبه الله تعالى الحور العين باللؤلؤ المكنون لحسنهن
وبهائهن ونظافتهن وحسن منظرهن وملبسهن، وبياض الحور العين غاية في البياض حتى إن إحداهن لو خرجت إلى الدنيا لملأ نورها أرجاء المعمورة.
__________
(1) ـ رواه البيهقي،والطبراني في الأوسط،وابن أبي شيبة,وأبو نعيم،وحسنه الألباني في غاية المرام رقم(375).
(2) ـ الصافات: 48، 49.
(3) ـ صفة الجنة لابن كثير ص127.
(4) ـ الواقعة: 22، 23.(21/121)
فعن أنس ÷ عن النبي "قال:=لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ يَعْنِي سَوْطَهُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا+(1).
والنصيف هو الخمار، فإذا كان الخمار خيراً من الدنيا وما فيها، فما بالك بالتي تلبس الخمار.
وقال تعالى:[كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ](2).
الياقوت والمرجان: حجران كريمان جميلان، ولهما منظر حسن بديع.
قال الشوكاني:=شبههن سبحانه في صفاء اللون مع حمرته بالياقوت والمرجان+(3)
وقال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم:=في صفاء الياقوت وبياض المرجان+(4).
وعن عبد الله بن مسعود ÷ عن النبي " قال:=إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً حَتَّى يُرَى مُخُّهَا وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ [كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ] فَأَمَّا الْيَاقُوتُ فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكًا ثُمَّ اسْتَصْفَيْتَهُ لأُرِيتَهُ مِنْ وَرَائِهِ+(5).
ومن صفات الحور العين الخَلْقٍية:
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب الجهاد والسير _ باب الحور العين وصفتهن (2587).
(2) ـ الرحمن: 58.
(3) ـ فتح القدير (5/140).
(4) ـ تفسير القرآن لابن كثير (7/504).
(5) ـ رواه الترمذي، وضعفه الألباني في جامع الترمذي (4/676) رقم (2533).(21/122)
أنهن مطهرات من الأنجاس: قال تعالى:[وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ](1)، أي من الحيض والنفاس والبول والغائط والبصاق والمخاط والنخامة والمني والمذي والحدث، وكل قذى وأذى يكون في نساء الدنيا(2).
بل حتى إذا وطئها زوجها رجعت بعد نزعه طاهرة مطهرة؛ فعن أبي هريرة ÷ عن رسول الله " أنه سئل: أَنَطَأُ في الجَنَّةِ؟ قَالَ:=نَعَمْ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ دَحْمَاً دَحْمَاً، فَإذَا قَامَ عَنْهَا رَجَعَتْ مُطَهرَةٌ بِكْرَاً+(3).
أنهن أتراب في السن:قال تعالى:[إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً](4)، وقال تعالى:[وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ](5).
أتراب: أي أقران أسنانهن واحدة، مستويات على سن واحدة وميلاد واحد من الشباب والحسن، والمعنى من الإخبار باستواء أسنانهن أنهن ليس فيهن عجائز قد فات حسنهن، ولا ولائد لا يطقن الوط+(6).
وأيضاً: هن أبكار:كما قال تعالى:[إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً](7)
والبكر أفضل من الثيب، فالأرض التي لم يرع فيها خير من أرض قد رعي فيها، وهذه البكارة تعود كلما قام عنها زوجها ـ كما ذكرنا سابقاً ـ.
وهن كواعب أيضاً: قال تعالى:[وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً](8).
__________
(1) ـ البقرة: 25.
(2) ـ البدور السافرة ص554، وحادي الأرواح ص258.
(3) ـ رواه ابن حبان، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ج7 رقم 3351).
(4) ـ الواقعة: 35ـ 37.
(5) ـ ص: 52.
(6) ـ حادي الأرواح ص261.
(7) ـ الواقعة: 35، 36.
(8) ـ النبأ: 33.(21/123)
كواعب:جمع كاعب،والكاعب هي المرأة التي تكعب ثديها،أي نَهَد واستدار(1) والمراد أن ثديهن نواهد كالرمان ليست متدلية إلى أسفل، ويسمين: نواهد وكواعب(2). وحسب المؤمن شهادة خالقهن سبحانه وتعالى في قوله:[فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ](3).
ومن صفات الحور العين الخُلُقية:
* أنهن قاصرات الطرف: قال تعالى:[ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ](4)، وقال تعالى:[وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ](5)، وقال تعالى: [وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ](6).
وأجمع المفسرون على أن المعنى: قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم.
قال مجاهد: قصرن أبصارهن وقلوبهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم.
* أنهن متحببات: قال تعالى:[إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً*فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً* عُرُباً أَتْرَاباً](7).
عرب: جمع عروبة (8) أو عربة أو عروب، وهي المرأة الحسناء المتوددة المتحببة لزوجها (9) العاشقة له.
* جميع الأخلاق الحسنة الطاهرة:قال تعالى:[وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ](10).
أي مطهرة من الدنس الخارجي والداخلي.
وقال ابن القيم ×:=طهر باطنها من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة، وطهر لسانها من الفحش والبذاء، وطهر طرفها من أن تطمح لغير زوجها، وطهرت أثوابها من أن يعرض لها دنس أو وسخ+(11).
__________
(1) ـ لسان العرب (1/719)، والمفردات للراغب ص713، ومقاييس اللغة (5/186).
(2) ـ حادي الأرواح ص267.
(3) ـ الرحمن: 70.
(4) ـ الرحمن: 56.
(5) ـ الصافات: 48، 49.
(6) ـ ص: 52.
(7) ـ الواقعة: 35ـ 37.
(8) ـ مفردات القرآن للراغب ص557.
(9) ـ لسان العرب (1/591).
(10) ـ البقرة: 25.
(11) ـ حادي الأرواح ص258.(21/124)
* التنعم بهن من ملامستهن والحديث معهن وسماع غنائهن، والتلذذ بجمالهن، والتمتع بشم رائحتهن الزكية: فهذا لازم وحتمٌ، فإنهن خلقن من أجل التلذذ بهن، قال تعالى:[إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ](1)، قال ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومجاهد وغيرهم: =شغلهم افتضاض الأبكار+(2).
وعن أبي هريرة ÷ عن رسول الله " أنه سئل: أَنَطَأُ في الجَنَّةِ؟ قَالَ:=نَعَمْ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ دَحْمَاً دَحْمَاً، فَإذَا قَامَ عَنْهَا رَجَعَتْ مُطَهرَةٌ بِكْرَاً+(3).
وقوله تعالى:[فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ] أي مشغول بمحادثتها وكلامها ومسامرتها وممازحتها، ومذهول من طيب كلامها ومشغول بها عن الالتفات لغيرها، قال القرطبي ×:=قوله تعالى:[فَاكِهُونَ] الفاكهة:المزاح والكلام الطيب، والمتفكه: المتنعم+(4).
وقوله تعالى:[ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ](5)، قال يحيى ابن أبي كثير:=الحبرة: اللذة وسماع الغناء+(6)
وقوله تعالى:[إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ](7)، قال ابن عباس رضي الله عنهما:=شغلهم بسماع الأوتار+(8).
__________
(1) ـ يس: 55، 56.
(2) ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/30)، وتفسير القرآن لابن كثير (3/575).
(3) ـ سبق تخريجه ص416.
(4) ـ تفسير القرطبي (15/31).
(5) ـ الزخرف: 70.
(6) ـ أخرجه البيهقي في البعث والنشور ص211، وانظر: حادي الأرواح ص291.
(7) ـ يس: 55.
(8) ـ تفسير ابن كثير (3/575).(21/125)
وعن علي ÷ قال: قال رسول الله ":=إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ يُرَفِّعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعْ الْخَلائِقُ مِثْلَهَا قَالَ يَقُلْنَ نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلا نَبِيدُ وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلا نَبْؤُسُ وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلا نَسْخَطُ طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ+(1).
وقال تعالى:[وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ](2) أي حتى العين لها نصيب من التلذذ بالنظر إليهن والتمتع بحسنهن وبهائهن.
وأيضاً من ضمن التمتع بالحور العين شم الروائح الطيبة منهن، وهذا مما يزيدها حباً لزوجها، وهو من كمال اللذة والاستمتاع بهن، والحور العين لهن من ذلك أوفى نصيب، حيث إن عبق طيبها لو خرج إلى الأرض لملأها مسكاً.
فعن أنس ÷ عن النبي "قال:=لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ يَعْنِي سَوْطَهُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا+(3).
المطلب العشرون: أوصاف أهل الجنة وأعمالهم:
__________
(1) ـ رواه الترمذي، وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح (ج3 رقم 5649).
(2) ـ الزخرف: 71.
(3) ـ سبق تخريجه ص415.(21/126)
جاءت النصوص بأوصاف أهل الجنة وأعمالهم، ومنها قوله تعالى[وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ](1)، وقوله تعالى[وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً](2)، وقال تعالى [وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ](3)، والآيات في هذا كثيرة .
المطلب الحادي والعشرون: أعلى أهل الجنة:
هم الأنبياء،ثم الصديقون،ثم الشهداء،ثم الصالحون؛ قال تعالى:[وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً](4)، أي معهم في الجنة وإن لم يكونوا معهم في الدرجة.
__________
(1) ـ البقرة: 25.
(2) ـ النساء: 56.
(3) ـ التوبة: 72.
(4) ـ النساء: 69.(21/127)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله " يقول:=مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ+ وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ[مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ] فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ+(1).
وقد تقدم الكلام على أن أعلى أهل الجنة هم أهل الفردوس، وأن أعلى درجات الفردوس هي درجة الوسيلة وهي منزلة لا تنبغي إلا لعبد واحد وهو نبينا ".
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب تفسير القرآن _ باب قوله تعالى:[فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم..] (4220)، ومسلم _ تفسير القرآن _ باب:[فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم..](4310).(21/128)
وعن المغيرة بن شعبة ÷ قال: سمعت رسول الله " قال:=سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً قَالَ هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ ادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ فَيُقَالُ لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ قَالَ رَبِّ فَأَعْلاهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ قَالَ وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:[فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](1)+(2).
المطلب الثاني والعشرون: من ذكر أسمائهم في دخول الجنة:
أولاً: الرجال: جاء النص على أشخاص بأسمائهم أنهم يدخلون الجنة، فمنهم جعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب.
فعن أبي هريرة ÷ أن رسول الله " قال:=رَأَيْتُ جَعْفَرًا يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلائِكَةِ+(3).
__________
(1) ـ السجدة: 17.
(2) ـ رواه مسلم _ كتاب الإيمان _ باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (276).
(3) ـ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (5/654) رقم (3763).(21/129)
وعن ابن عباس أن النبي " قال: =دَخَلّتُ الجَنَّةَ البَارِحَةَ، فَنَظَرْتُ فِيهَا فِإِذَا جَعْفَرُ يَطِيرُ مَعَ المَلائِكَةِ، وَإِذَا حَمْزَةَ مُتَّكِىٌء عَلَى سَرِيرٍ+(1).
ومنهم عبد الله بن سلام؛ فعن معاذ بن جبل ÷ قال: سمعت رسول الله "يقول عن عبد الله بن سلام:=إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ+(2).
ومنهم زيد بن حارثة؛ فعن بريدة ÷ أن النبي قال: =دَخَلّتُ الجَنَّةَ فَاسْتَقْبَلَتْنِي جَارِيةً شَابَةً،فَقُلْتُ:لمَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ:لِزَيدِ بنْ حَارِثَةَ+(3).
ومنهم زيد بن عمرو بن نفيل؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ":=دَخَلّتُ الجَنَّةَ فَرَأَيْتُ لِزَيْدِ بِنْ عَمْرُو بِنْ نُفَيْلٍ دَرَجَتَيْنِ+(4).
ومنهم حارثة بن النعمان؛ روى الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله " قال:=دَخَلّتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيْهَا قِرَاءَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: حَارِثَةَ بِنْ النُعْمَان، كَذَلِكُمُ الَّبِرِّ، كَذَلِكُمُ الَّبِرِّ+(5).
__________
(1) ـ رواه الطبراني، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3363).
(2) ـ رواه أحمد، والترمذي، والطبراني، والحاكم، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (ج3 رقم6231)
(3) ـ رواه الروياني، والضياء، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/474) رقم (1859).
(4) ـ رواه ابن عساكر، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3367).
(5) ـ رواه الحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/582) رقم (913).(21/130)
ومنهم بلال بن بباح؛ فعن أبي أمامة ÷ عن النبي " قال:=دَخَلّتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشَفَةً بَيْنَ يَديَّ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيل مَا هَذِهِ الخَشَفَةَ؟ قَالَ: بِلالٌ يَمْشِي أَمَامَكَ+(1)، وعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ عن النبي " قال:=دَخَلّتُ الجَنَّةَ لَيْلَةَ أُسْرِيَّ بِي، فَسَمِعْتُ مِنْ جَانِبِها وَجْسَاً، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: بِلالُ المُؤَذِن+(2).
ومنهم أبو الدحداح؛ فعن جابر بن سمرة ÷ أن رسول الله " قال:=كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ أَوْ مُدَلًّى فِي الْجَنَّةِ لابْنِ الدَّحْدَاحِ+،وفي رواية:=لأَبِي الدَّحْدَاحِ+(3)، وأبو الدحداح هذا هو الذي تصدق ببستانه =بيرحاء+ أفضل بساتين المدينة عندما سمع النبي " يقول:[مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ](4).
ومنهم ورقة بن نوفل؛ فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله " قال:=لا تَسُبُوا وَرَقَةَ بِنْ نَوْفَلَ، فِإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ لَهُ جَنّةً، أَوْ جَنَّتَينِ+(5)، وورقة آمن بالرسول " عندما جاءته خديجة بالرسول " في أول أمره، وتمنى على الله أن يدرك ظهور أمر الرسول " لينصره.
__________
(1) ـ رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم(3369).
(2) ـ رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3372).
(3) ـ رواه مسلم ـ كتاب الجنائز ـ باب ركوب المصلي على الجنازة إذا انصرف (1605).
(4) ـ البقرة: 245.
(5) ـ رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (7320).(21/131)
ومنهم العشرة المبشرون بالجنة، فقد نص الرسول " على أن عشرة من أصحابه من أهل الجنة، ففي مسند أحمد عن سعيد بن زيد، وسنن الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي " قال:=أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ+(1).
وجاء النص على أن أبا بكر سيد كهول الجنة، فقد روى جمع من صحابة النبي " منهم علي بن أبي طالب،وأنس بن مالك، وأبو جحيفة، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري أن الرسول " قال:=أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ+(2).
والحسن والحسين سيدا شباب الجنة، فعن أبي سعيد الخدري ÷ قال: قال رسول الله ":=الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ+(3).
__________
(1) ـ رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني في جامع الترمذي (5/647) رقم (3747).
(2) ـ رواه الترمذي، وأحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/467) برقم (824).
(3) ـ رواه الترمذي، وأحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/438) برقم (797).(21/132)
وعن حذيفة ÷ قال:=أَتَيْتُ النَّبِيَّ " فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى النَّبِيُّ " الْعِشَاءَ ثُمَّ انْفَتَلَ فَتَبِعْتُهُ فَعَرَضَ لَهُ عَارِضٌ فَنَاجَاهُ ثُمَّ ذَهَبَ فَاتَّبَعْتُهُ فَسَمِعَ صَوْتِي فَقَالَ:=مَنْ هَذَا؟+، فَقُلْتُ: حُذَيْفَةُ قَالَ:=مَا لَكَ+ فَحَدَّثْتُهُ بِالأَمْرِ،فَقَالَ:=غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلأُمِّكَ+، ثُمَّ قَالَ:=أَمَا رَأَيْتَ الْعَارِضَ الَّذِي عَرَضَ لِي قُبَيْلُ؟+ قَالَ: قُلْتُ بَلَى، قَالَ:=فَهُوَ مَلَكٌ مِنْ الْمَلائِكَةِ لَمْ يَهْبِطْ الأَرْضَ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَاسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ وَيُبَشِّرَنِي أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ+(1).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن الرسول " قال:=الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ+(2)، وجاء النص في هؤلاء وغيرهم.
ثانياً: نساء أهل الجنة:
وهما مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، قال تعالى:[وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ](3)
__________
(1) ـ رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم(1328).
(2) ـ رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1328).
(3) ـ التحريم: 11، 12.(21/133)
قال البخاري: باب قول الله تعالى:[وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا..]،إلى قوله:[وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ]؛ ثم ساق حديث أبي موسى ÷ قال: قال رسول الله ":=كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ+(1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:=خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ " فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ قَالَ:=تَدْرُونَ مَا هَذَا؟+،فَقَالُوا:اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ": =أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ+(2) رضي الله عنهن أجمعين.
وأمهات المؤمنين أيضاً من سيدات نساء أهل الجنة لأنهن مع النبي " في الجنة، قال تعالى:[يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً](3).
__________
(1) ـ رواه البخاري _ كتاب المناقب ـ باب فضل عائشة رضي الله عنها (3485)، ومسلم _ كتاب فضائل الصحابة _ باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (4459).
(2) ـ رواه أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/13) رقم (1508).
(3) ـ الأحزاب: 28، 29.(21/134)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:=لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ " بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ:=إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ+ قَالَتْ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ قَالَتْ ثُمَّ قَالَ:=إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ:[يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا إِلَى أَجْرًا عَظِيمًا](1) قَالَتْ فَقُلْتُ فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَتْ ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ " مِثْلَ مَا فَعَلْتُ.. + (2).
المطلب الثالث والعشرون: آخر من يدخل الجنة:
__________
(1) ـ الأحزاب: 28، 29.
(2) ـ سبق تخريجه ص384.(21/135)
أخبرنا النبي " عن قصة آخر رجل يخرج من النار ويدخل الجنة، وما جرى من حوار بينه وبين ربه، وما أعطاه الله من الكرامة العظيمة التي لم يصدق أن الله أكرمه بها لعظمها، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ÷ قال: قال رسول الله ":=إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ كَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا ـ أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا ـ فَيَقُولُ تَسْخَرُ مِنِّي أَوْ تَضْحَكُ مِنِّي وَأَنْتَ الْمَلِكُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ " ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَكَانَ يَقُولُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً+(1).
__________
(1) ـ رواه البخاري ـ كتاب الرقاق ـ باب صفة الجنة والنار (6086)، ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب آخر أهل النار خروجا (272).(21/136)
ولمسلم قال: قال رسول الله ":=إِنِّي لأَعْرِفُ آخَرُ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْ النَّارِ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا زَحْفًا فَيُقَالُ لَهُ انْطَلِقْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ فَيَذْهَبُ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الْمَنَازِلَ فَيُقَالُ لَهُ أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقَالُ لَهُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى فَيُقَالُ لَهُ لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةَ أَضْعَافِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ " ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ+(1).
ومن أراد التفصيل في هذه الموضوعات فليراجع ما كتبه العلامة ابن القيم × في كتابه الرائع =حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح+، وهذا الكتاب متخصص في الجنة ونعيمها.
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه ألا يحرمنا دخولها، وأن يجمعنا فيها ووالدينا، وأحبابنا وأقاربنا ومن يحبنا ومن نحبه، وجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
__________
(1) ـ رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب آخر أهل النار خروجا (273) .(21/137)
فهرس الكتاب
م ... الموضوع ... الصفحة
1 ... المقدمة:.............................................................................................. ... 4
2 ... المبحث الأول: الروح:........................................................................ ... 8
3 ... المطلب الأول: ملك الموت يتولى قبض الأرواح....................................... ... 10
4 ... المطلب الثاني: ما هي الروح؟............................................................... ... 14
5 ... المطلب الثالث: معاني الروح في القرآن.................................................. ... 16
6 ... المطلب الرابع: هل الروح محدثة مخلوقة، ودليل ذلك؟............................ ... 18
7 ... المطلب الخامس: حقيقة النفس والروح.................................................. ... 19
8 ... المطلب السادس: هل النفس واحدة أم ثلاث؟........................................ ... 21
9 ... المطلب السابع: ما هي أنواع تعلق الروح بالبدن؟.................................... ... 22
10 ... المطلب الثامن: هل تموت الروح؟......................................................... ... 25
11 ... المطلب التاسع: كيفية نزع الروح؟......................................................... ... 28
12 ... المطلب العاشر: خروج روح المؤمن واحتضاره....................................... ... 31
13 ... المطلب الحادي عشر: خروج روح الكافر واحتضاره............................... ... 34
14 ... المطلب الثاني عشر: كيف تتمايز الأرواح بعد مفارقة الأجساد؟................ ... 38
15 ... المطلب الثالث عشر: الروح في البرزخ................................................... ... 40
16 ... المطلب الرابع عشر: تخاصم الروح والجسد يوم القيامة............................. ... 42
17 ... المطلب الخامس عشر:مستقر الأرواح.................................................... ... 43(22/1)
18 ... المطلب السادس عشر: هل تتزاور أرواح الموتى؟.................................... ... 46
19 ... المطلب السابع عشر: معرفة الموتى بأحوال الأحياء................................... ... 50
20 ... المطلب الثامن عشر: هل خلقت الروح قبل الجسد؟................................ ... 54
21 ... المطلب التاسع عشر: ما ينفع الميت من الأعمال....................................... ... 64
22 ... المطلب العشرون: إهداء ثواب العبادات للغير.......................................... ... 66
23 ... المطلب الحادي والعشرون: قراءة القرآن وإهداء ثوابها للميت................... ... 70
24 ... المطلب الثاني والعشرون: الاستئجار لقراءة القرآن وإهداؤه للميت............ ... 72
25 ... المطلب الثالث والعشرون: من أعظم ما ينفع الميت (الدعاء والصدقة)........ ... 73
26 ... المبحث الثاني: عذاب القبر ونعيمه:...................................................... ... 75
27 ... المطلب الأول: مشروعية قبر الإنسان ودفنه............................................. ... 76
28 ... المطلب الثاني: سؤال الميت في قبره (فتنة القبر)......................................... ... 78
29 ... المطلب الثالث:عذاب القبر................................................................... ... 81
30 ... المطلب الرابع: هل السؤال والعذاب للروح وحدها أم لها وللجسد؟......... ... 84
31 ... المطلب الخامس:نعيم القبر. .................................................................. ... 85
32 ... المطلب السادس: الدور ثلاثة. .............................................................. ... 87
33 ... المطلب السابع: سؤال منكر ونكير. ........................................................ ... 89
34 ... المطلب الثامن: هل يمتحن الأطفال في قبورهم؟....................................... ... 92
35 ... المطلب التاسع: أسباب عذاب القبر؟..................................................... ... 94(22/2)
36 ... المطلب العاشر: الأسباب المنجية من عذاب القبر؟.................................... ... 100
37 ... المطلب الحادي عشر: زيارة القبور. ....................................................... ... 102
38 ... المطلب الثاني عشر: القبور لا تأكل أجساد الأنبياء................................... ... 107
39 ... المطلب الثالث عشر: هل يدوم عذاب القبر؟........................................... ... 108
40 ... المطلب الرابع عشر: ضغطة القبر. ......................................................... ... 109
41 ... المبحث الثالث: قيام الساعة: ............................................................... ... 111
42 ... المطلب الأول: قرب قيام الساعة وكونها تأتي فجأة.................................. ... 112
43 ... المطلب الثاني: أسماء يوم القيامة وصفاته والسر في كثرة أسمائه................ ... 114
44 ... المطلب الثالث: متى يبدأ يوم القيامة؟.................................................... ... 124
45 ... المبحث الرابع: النفخ في الصور: .......................................................... ... 126
46 ... المطلب الأول: النفخ في الصور. ............................................................ ... 127
47 ... المطلب الثاني: الصور الذي ينفخ فيه. ................................................... ... 129
48 ... المطلب الثالث: النافخ في الصور. .......................................................... ... 131
49 ... المطلب الرابع: اليوم الذي تكون فيه الصعقة........................................... ... 132
50 ... المطلب الخامس: كم مرة ينفخ في الصور؟.............................................. ... 133
51 ... المطلب السادس: الذين لا يصعقون عند النفخ في الصور.......................... ... 137
52 ... المبحث الخامس: البعث: .................................................................... ... 139(22/3)
53 ... المطلب الأول: التعريف بالبعث. ........................................................... ... 140
54 ... المطلب الثاني: البعث خلق جديد. ........................................................ ... 144
55 ... المطلب الثالث: أول من تنشق عنه الأرض............................................. ... 146
56 ... المطلب الخامس: المكذبون بالبعث. ....................................................... ... 147
57 ... المطلب السادس: أدلة البعث والرد على المكذبين..................................... ... 149
58 ... المبحث السادس: الحشر: .................................................................... ... 162
59 ... المطلب الأول: تعريف الحشر. .............................................................. ... 163
60 ... المطلب الثاني: أصناف المحشورين. ........................................................ ... 165
61 ... المطلب الثالث: حشر الناس حفاة عراة. ................................................. ... 167
62 ... المطلب الرابع: حشر الكفار على وجوههم. ........................................... ... 169
63 ... المطلب الخامس: صفة الحشر. .............................................................. ... 171
64 ... المطلب السادس: أرض المحشر. ............................................................. ... 172
65 ... المطلب السابع: حشر الخلائق والحيوانات. ............................................. ... 175
66 ... المطلب الثامن: كسوة العباد في ذلك اليوم. .............................................. ... 177
67 ... المطلب التاسع: حشر الكفار إلى النار. ................................................... ... 178
68 ... المبحث السابع: العرض والحساب والجزاء: ........................................... ... 182
69 ... المطلب الأول: المراد بالعرض والحساب والجزاء....................................... ... 183(22/4)
70 ... المطلب الثاني: مشهد الحساب. ............................................................. ... 186
71 ... المطلب الثالث:هل يسأل الكفار، ولماذا يسألون؟.................................... ... 188
72 ... المطلب الرابع: قواعد يحاسب على ضوئها العباد..................................... ... 191
73 ... المطلب الخامس: أول ما يحاسب عليه العبد (من أعماله)......................... ... 198
74 ... المطلب السادس: أنواع الحساب. .......................................................... ... 199
75 ... المبحث الثامن: الميزان: ....................................................................... ... 202
76 ... المطلب الأول: تعريف الميزان. .............................................................. ... 203
77 ... المطلب الثاني: المراد به عند أهل السنة. .................................................. ... 205
78 ... المطلب الثالث:ما الذي يوزن في الميزان؟................................................. ... 207
79 ... المطلب الرابع: الأعمال التي تثقل في الميزان. .......................................... ... 211
80 ... المطلب الخامس: كتابة الأعمال وإيتاء الكتب. ........................................ ... 213
81 ... المبحث التاسع: المقام المحمود: ............................................................. ... 215
82 ... المبحث العاشر: الشفاعة: ................................................................... ... 219
83 ... المطلب الأول: تعريف الشفاعة. ........................................................... ... 220
84 ... المطلب الثاني: من يملك الشفاعة؟......................................................... ... 223
85 ... المطلب الثالث: من الذي يشفع؟........................................................... ... 224(22/5)
86 ... المطلب الرابع: شروط الشفاعة. ............................................................ ... 227
87 ... المطلب الخامس: أنواع الشفاعة. ........................................................... ... 228
88 ... المطلب السادس: ثبوت الشفاعة في بعض الأعمال................................... ... 235
89 ... المطلب السابع: الأمور التي تمنع الشفاعة................................................ ... 237
90 ... المطلب الثامن: أهلها. ......................................................................... ... 239
91 ... المبحث الحادي عشر: الحوض: ............................................................ ... 246
92 ... المطلب الأول: تعريف الحوض. ........................................................... ... 247
93 ... المطلب الثاني: الإيمان به. ..................................................................... ... 248
94 ... المطلب الثالث: الأدلة على إثبات الحوض.............................................. ... 249
95 ... المطلب الرابع: الذين يردون الحوض، والذين يذادون عنه........................ ... 252
96 ... المطلب الخامس: مسافة الحوض. .......................................................... ... 255
97 ... المطلب السادس: صفة الحوض ومزاياه. ................................................ ... 257
98 ... المبحث الثاني عشر: الصراط: ........................................................... ... 258
99 ... المطلب الأول: تعريف الصراط. ........................................................... ... 259
100 ... المطلب الثاني: الإيمان بالصراط. ........................................................... ... 261
101 ... المطلب الثالث: الأدلة على الصراط. ..................................................... ... 263(22/6)
102 ... المطلب الرابع: صفة الصراط. ............................................................... ... 266
103 ... المطلب الخامس: مرور الناس عليه. ....................................................... ... 268
104 ... المطلب السادس: هل يمر جميع الخلق على الصراط؟.............................. ... 272
105 ... المطلب السابع: الورود على الصراط..................................................... ... 276
106 ... المطلب الثامن: أول من يجوز على الصراط............................................. ... 280
107 ... المطلب التاسع: ضرب السور بين المؤمنين والمنافقين.................................. ... 282
108 ... المطلب العاشر: القنطرة: ..................................................................... ... 283
109 ... المطلب الحادي عشر: حاجة المسلم إلى شفاعة الرسول " عند الصراط:.. ... 285
110 ... المبحث الثالث عشر: الجنة والنار مخلوقتان:............................................ ... 286
111 ... المبحث الرابع عشر: مكان الجنة والنار: ................................................. ... 292
112 ... المطلب الأول: مكان الجنة. .................................................................. ... 293
113 ... المطلب الثاني: مكان النار. ................................................................... ... 296
114 ... المبحث الخامس عشر: النار: ............................................................... ... 298
115 ... المطلب الأول: تعريف النار. ................................................................ ... 300
116 ... المطلب الثاني: شبهة من قال إن النار لم تخلق بعد.................................... ... 301
117 ... المطلب الثالث: أسماء النار. ................................................................. ... 303(22/7)
118 ... المطلب الرابع:خزنة النار. .................................................................... ... 307
119 ... المطلب الخامس: أسماء خزنة النار. ....................................................... ... 308
120 ... المطلب السادس: صفات خزنة النار. ..................................................... ... 310
121 ... المطلب السابع: سعة النار وبعد قعرها. .................................................. ... 312
122 ... المطلب الثامن: دركات النار. ................................................................ ... 315
123 ... المطلب التاسع: أبواب النار. ................................................................. ... 318
124 ... المطلب العاشر: وقود النار. .................................................................. ... 320
125 ... المطلب الحادي عشر: شدة حرها وعظم دخانها....................................... ... 321
126 ... المطلب الثاني عشر: النار تتكلم وتبصر. ................................................ ... 323
127 ... المطلب الثالث عشر: أشجار النار. ........................................................ ... 325
128 ... المطلب الرابع عشر: طعام أهل النار. ..................................................... ... 327
129 ... المطلب الخامس عشر: شراب أهل النار. ................................................ ... 329
130 ... المطلب السادس عشر: لباس أهل النار. ................................................. ... 330
131 ... المطلب السابع عشر: هل يرى أحد النار قبل يوم القيامة؟......................... ... 331
132 ... المطلب الثامن عشر: تأثير النار في الدنيا.................................................. ... 332
133 ... المطلب التاسع عشر: النار خالدة لا تبيد................................................. ... 333(22/8)
134 ... المطلب العشرون: النار مسكن الكفار وهم مخلدون فيها........................... ... 334
135 ... المطلب الحادي والعشرون: الدعاة إلى النار............................................. ... 336
136 ... المطلب الثاني العشرون: أعظم الذنوب لأصحاب النار............................ ... 338
137 ... المطلب الثالث والعشرون: أشخاص بأعيانهم في النار............................... ... 341
138 ... المطلب الرابع والعشرون: ذنوب متوعد عليها بالنار................................ ... 344
139 ... المطلب الخامس والعشرون: أهل النار.................................................... ... 352
140 ... المطلب السادس والعشرون: كثرة أهل النار............................................. ... 356
141 ... المطلب السابع والعشرون: عظم خلق أهل النار...................................... ... 358
142 ... المطلب الثامن والعشرون: أكثر من يدخل النار من النساء......................... ... 360
143 ... المطلب التاسع والعشرون: كيفية دخول أهل النار النار؟........................... ... 362
144 ... المطلب الثلاثون: كيف يتقي الإنسان النار؟............................................ ... 364
145 ... المبحث السادس عشر: الجنة: .............................................................. ... 370
146 ... المطلب الأول: تعريف الجنة. ................................................................ ... 372
147 ... المطلب الثاني: دخول الجنة. ................................................................. ... 373
148 ... المطلب الثالث: الشفاعة في دخول الجنة. ................................................ ... 374
149 ... المطلب الرابع: تهذيب المؤمنين وتنقيتهم قبل دخول الجنة......................... ... 375
150 ... المطلب الخامس: أول من يدخل الجنة. .................................................. ... 376(22/9)
151 ... المطلب السادس: الذين يدخلون الجنة بغير حساب.................................. ... 377
152 ... المطلب السابع:الجنة خالدة وأهلها خالدون............................................. ... 379
153 ... المطلب الثامن: أسماء الجنة. ................................................................. ... 381
154 ... المطلب التاسع: خزنة الجنة. .................................................................. ... 386
155 ... المطلب العاشر:صفة الجنة. ................................................................... ... 387
156 ... المطلب الحادي عشر: أبواب الجنة. ........................................................ ... 390
157 ... المطلب الثاني عشر: درجات الجنة. ....................................................... ... 393
158 ... المطلب الثالث عشر: تربة الجنة. ............................................................ ... 395
159 ... المطلب الرابع عشر: أنهار وعيون الجنة................................................... ... 397
160 ... المطلب الخامس عشر: قصور ومساكن الجنة............................................ ... 401
161 ... المطلب السادس عشر: أشجار وثمار الجنة............................................... ... 404
162 ... المطلب السابع عشر: طعام أهل الجنة وشرابهم........................................ ... 407
163 ... المطلب الثامن عشر: لباس أهل الجنة وحليهم......................................... ... 412
164 ... المطلب التاسع عشر: الحور العين في الجنة............................................... ... 414
165 ... المطلب العشرون: أوصاف أهل الجنة وأعمالهم...................................... ... 420
166 ... المطلب الحادي والعشرون: أعلى أهل الجنة............................................ ... 421
167 ... المطلب الثاني والعشرون: من ذكر أسماؤهم في دخول الجنة...................... ... 423(22/10)
168 ... المطلب الثالث والعشرون: آخر من يدخل الجنة...................................... ... 428
169 ... فهرس الكتاب..................................................................................... ... 430(22/11)