المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " [ آل عمران : 102 ] .
…"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " [ النساء : 1 ] .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا "
[ الأحزاب : 70 ـ71 ]
أما بعد : فقد اطلعت على هذا الكتاب المسمى : (الموسوعة اليوسفية في بيان الأدلة الصوفية ) لمؤلفه : يوسف خطار محمد .
عندما وقع في يدي يوم السبت الموافق 7/3/1426هـ وقد ذكر مؤلفه أن الناس قد وقع بينهم صراع ونزاع قال : (( ففكرت أن أحسم هذا الأمر بشكل تام )) .
ونحن نعلم أن الله تعالى قد أمرنا بالاجتماع وحذرنا من الفرقة والاختلاف فقال : " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ " [ آل عمران : 103 ] ،
ونعلم يقيناً أن هذا الاجتماع الذي أمرنا الله تعالى به هو الاجتماع على الحق لا الاجتماع على الباطل ، والحق الذي لاشك فيه هو الإسلام الذي رضيه الله تعالى لنا : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا" [ المائدة : 3 ] ،(1/1)
وهو طريق نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال : (( عليكم بسنتي )) (1)، والذي قال : (( وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم )) (2) .
ونعلم يقيناً أن الله تعالى قد أخبرنا بوقوع التنازع بين الناس : " وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ " [ هود : 118 ـ 119 ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة ))(3).
ونعلم أن ربنا تبارك وتعالى أمرنا بالإصلاح بين المتنازعين وحثنا عليه :
" لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ
النَّاسِ " [ النساء : 114 ] ، وقال تعالى : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ " [ الحجرات : 10 ]
ونعلم يقيناً أن الإصلاح إنما هو الأمر بلزوم الصراط المستقيم الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم . قال تعالى : " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ " [ النساء : 59 ] فالرد إلى الله معناه: الرد إلى كتابه ، والرد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معناه: الرد إلى سنته كما قال ابن جرير الطبري وغيره .
فهذا هو المطلوب ممن أراد الإصلاح بين المتنازعين ،
وسوف نقوم بإذن الله تعالى بدراسة قضية من القضايا التي تكلم فيها المؤلف وهي قضية ( المولد ) بعد أن وقفنا معه سابقاً في قضية ( التوسل ) لننظر في حكمه الذي حكم به هل هو حكم وافق الحق وكان على صراط مستقيم ؟ أم أنه حاد عنه فأخطأ الطريق ؟
فإن كان الأول فالحمد لله أولاً وآخراً على توفيقه ؛ سائلين الله تبارك وتعالى للجميع الثبات على الحق .
__________
(1) …أبو داود (4607) ، والترمذي (2676) .
(2) …البخاري (5765) .(1/2)
(3) …أبو داود (4597) .
وإن كان الثاني أعدناه إلى الطريق الصحيح مع تذكيرنا له بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ))(1) .
وأوجه إلى المسلمين المحبين لدينهم والمحبين لسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم دعوة إلى القراءة بتأمل وإنصاف ، لأننا لا نتنازع على عَرَض من عَرَض الدنيا الفانية ، إنما التنازع في أمر من أمور الدين ، وهذا الأمر لاشك أن رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم قد بينه ووضحه ، فنحن نقوم بتلمس هذا التوضيح والبيان ، من أجل تحقيق العمل به ، لأن جميع من يرغب في رضا الله تعالى ومحبته فلابد أن يعلم أن طريقه هو :
قوله تعالى : " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ " [ آل عمران : 31 ] .
فنبدأ بما ذكره المؤلف مستعينين بالله تبارك وتعالى مع سؤالنا له التوفيق للصواب , اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .
الدليل الأول
قال المؤلف (ابن خطار):" قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا),وقال أيضا:( إنما أنا رحمة مهداة) فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الرحمة العظمى ، وقد أذن الله لنا بالفرح والسرور بمولد تلك الرحمة،قال تعالى:( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )فقد قال السيوطي في تفسير هذه الآية ناقلا عن ابن عباس رضي الله عنهما:(فضل الله: العلم , ورحمته: محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) ".
نقول : كل مسلم يعلم يقيناً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسله الله تعالى رحمة للناس كافة وأن الفرح بالطاعات وحصول النعم أمر مشروع لا إشكال فيه لكن هل قال المؤلف هذا كمقدمة لكلامه أو أنه يستدل به على مشروعية المولد ؟ .
الجواب : أنه يستدل به على مشروعية المولد .(1/3)
إذاً سننظر هل في هذا الذي ذكره دليل على مشروعية المولد ؟
__________
(1) …الترمذي (2499) .
أقول: أيها المسلم هذه الآية التي ذكرها المؤلف حتى تفهمها اقرأ ما قبلها قال تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ , قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " [يونس : 57ـ58] , ثم اقرأ قوله تعالى: " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا " [الإسراء: 82] .
لاحظت أيها المسلم أن الآية الثانية المراد بها هو القرآن بنص الآية الكريمة وقد وصفه الله تعالى بأنه شفاء ورحمة للمؤمنين .
وفي الآية الأولى أخبرنا ربنا - سبحانه وتعالى - أنه قد جاءتنا موعظة منه - سبحانه وتعالى - , ووصف هذه الموعظة أنها شفاء وهدى ورحمة للمؤمنين , فالموعظة إذاً التي في الآية الأولى هي: القرآن , بدلالة الآية الثانية قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسير الآيتين من سورة
يونس(1): (( يقول: من عند ربكم لم يختلقها محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفتعلها أحد فتقولوا : لا نأمن أن تكون لا صحة لها . وإنما يعنى بذلك جل ثناؤه : القرآن وهو الموعظة من الله )) .
ثم ذكر ابن جرير بعض الأقوال في معنى: ( بفضل الله وبرحمته ) فذكر قول أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال (بفضل الله ): القرآن , (وبرحمته ): أن جعلكم من أهله .
ومثله نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما, وذكر قول هلال بن يساف قال (فضل الله) : الإسلام , (ورحمته) : القرآن .
ومثله قول قتادة والحسن البصري .
وقال مجاهد:( قل بفضل الله وبرحمته ) : القرآن .
وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : فضله :الإسلام . ورحمته : القرآن .(1/4)
ثم ذكر أن هناك من قال:( فضل الله ): القرآن ، والرحمة: الإسلام .
وبه قال زيد بن أسلم والضحاك .
__________
(1) تفسير الطبري ( 6/568)
هذا الذي ذكره شيخ المفسرين رحمه الله تعالى في معنى : (وبرحمته) . ومنه أخذ القرطبي(1) ولم يذكر غيره .
وذكر البغوي(2) ما قاله الطبري وزاد ولم يذكر أنه محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
قرأت أخي المسلم قول أهل التفسير في الآية .
أقول: لا يمنع أن يدخل في معنى الآية: النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه هو الذي جاءنا بالقرآن وهو الذي جاءنا بالإسلام وبلغنا إياه , وإنما أوردت قول المفسرين هنا للتنبيه على أن القول المعتمد عندهم تفسير الرحمة بالقرآن أو الإسلام , ومع أنهم فسروها بهذا فلا نعلم أحداً من المسلمين قديماً ولا حديثاً يستدل بهذه الآية على مشروعية إقامة احتفال بليلة القدر أو بالعشر الأواخر من رمضان لأنها زمن نزول القرآن الذي
هو الرحمة المنزلة من عند ربنا - جل جلاله - , فلماذا تستدلون بهذه الآية على الاحتفال بالمولد ولا تحتفلون بنزول القرآن والآية إنما فسرت بالقرآن لا بمحمد عليه الصلاة والسلام .
إذاً قد اتضح للإخوة الكرام أن هذه الآية لا تصلح للاستدلال بها على مشروعية المولد.
والآية ليس فيها إلا الحث على الفرح .
فنقول :ألستم تفرحون بنزول القرآن ؟
لا نشك أن كل مسلم فرح بنزول هذه الرحمة وفرح ببعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
نقول لهم :فكيف كان فرحكم بالقرآن ؟
هذا الجواب الذي أجبتموه اجعلوه جواباً على السؤال التالي :
كيف تفرحون ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟
فكما أنه لا يلزم من فرحنا بنزول القرآن أن نحتفل بذلك , كذلك لا يلزم من الفرح بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نحتفل به .
ويدل على صدق هذا أنه لم يستدل أحد من السلف الصالح بهذه الآية على مشروعية الاحتفال بالمولد .
إذاً نحن نطالب المؤلف بدليل آخر يدل على ما يقول .
الدليل الثاني(1/5)
قال المؤلف (ابن خطار): " وقال تعالى : ( وكلا نقص عليك من
أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ) يظهر من ذلك أن الحكمة في قصص
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن ( 8/316) .
(2) معالم التنزيل ( 1/138) .
أنباء الرسل عليهم السلام تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا شك أننا اليوم
نحتاج إلى تثبيت أفئدتنا بأنبائه وأخباره أشد من احتياجه هو صلى الله عليه وآله وسلم " .
أيها المسلم : الثبات على الدين مطلب عظيم يحرص عليه كل مسلم لعلمه بفضل
هذا الدين وخوفه من أن يسلب منه لأن الأعمال بالخواتيم ثبت في سنن الترمذي (2143) أن أنس بن مالك - رضي الله عنه -قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر أن يقول:((اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) .
فهل هذا المطلب يحتاجه المسلم دوماً في كل لحظة أم أنه يحتاجه يوماً في السنة ؟ .
الجواب واضح لكل مسلم عاقل فنحن نحتاج إلى معرفة سيرة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في كل أحواله لنقتدي به صلى الله عليه وآله وسلم كما أمرنا الله - سبحانه وتعالى - فنعبد ربنا - عز وجل - على علم وبصيرة وهذا نحتاجه في كل وقت لا أنه في وقت دون آخر .
ثم نقول : أيها المسلم هذه الآية قرأها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وقرأها أصحابه - رضي الله عنهم - وقرأها من بعدهم فهل احتفل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلما نزلت عليه قصة من قصص الأنبياء؟ .
وهل حدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً للاحتفال ليَذْكُر فيه قصة نوح - عليه السلام - , ويوماً آخر لقصة إبراهيم - عليه السلام - ويوماً ثالثاً لقصة ... هل حصل هذا منه صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
وهل حصل هذا من أصحابه - رضي الله عنهم - مع قصته هو عليه الصلاة والسلام ؟ .
الجواب بالتأكيد : لا .
فكيف نفسر القرآن بما لم يفسره به رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه - رضي الله عنهم - ولا من بعدهم من الأئمة المتبوعين ؟! .(1/6)
فهذه الآية أيضاً لا تصلح دليلاً لك لذا سننظر في غيرها مما ذكرتَ
الدليل الثالث
قال المؤلف (ابن خطار): " وإن المولد الشريف يحث على الصلاة
والسلام المطلوبين بقوله تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا
أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) وما كان يبعث على
المطلوب شرعاً فهو مطلوب شرعاً " .
أيها القارئ الكريم : لا شك أنك تعلم أن تكثير الأمة بزيادة النسل أمر مقصود
شرعاً فإن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ))(1).
فهذا المطلوب الشرعي هل يبيح الزنا ؟ .
الجواب : لا .
إذاً هل يبيح المتعة ؟ .
الجواب : لا .
السؤال إذاً : لماذا لا يجوز ؟ أليس يحقق أمراً مقصوداً شرعاً ؟ .
نقول : نعم يحققه لكن بوسيلة محرمة ليست مشروعة .
أردت بهذا المثال أيها القارئ الكريم أن تعلم أن المطلوب الشرعي لا يتوصل إليه إلا بالوسيلة الشرعية وليس بكل وسيلة .
وعلى هذا فكل ما يبعث إلى المطلوب الشرعي فلا بد أن يكون هو نفسه مشروعاً
فما يقال : الغاية تبرر الوسيلة , هذه مقولة باطلة يستخدمها أهل الباطل لنشر باطلهم .
فالثراء والشهرة غاية عند كثير من الناس , فهل يبرر لهم هذا الربا والغش والرشوة ونحوها من المحرمات ؟ .
لماذا ؟ .
لأن الغاية لابد أن تكون مشروعة والوسيلة إليها لا بد أن تكون مشروعة أيضاً .
ثم نقول كما قلنا سابقاً عند الرد على استدلاله بالآية (قل بفضل الله وبرحمته): أنه
لم يفسرها بذلك نبينا صلى الله عليه وآله وسلم , ولا أصحابه - رضي الله عنهم - , ولا من تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا .
فهل غفل أولئك عن تفسير هذه الآية ؟ أم أنهم لم يعلموا تفسيرها ؟
أم أنهم علموا تفسيرها لكنهم لا يريدون العمل بها ؟ .
كل هذه الاحتمالات لا يمكن أن توجه لسلفنا الصالح وهم من هم في الورع والتقى والحرص على العلم والعمل .(1/7)
فنقول للمؤلف أيضا: ليس في هذا دليل وسنستمر معك لننظر في بقية كلامك
الدليل الرابع
قال المؤلف (ابن خطار): " وقال تعالى : ( قال عيسى بن مريم
اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا
وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين) فنزول المائدة اعتبر عيداً لأهل
الأرض للأولين والآخرين ليظهروا فرحهم فما أحرانا أن نفرح بمولده
صلى الله عليه وآله وسلم وهو الرحمة العظمى للعالمين قال تعالى:(وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين ) " .
__________
(1) أبو داود ( 2050 ) .
نقول : الجواب على هذا هو نفس الجواب السابق: أن هذه الآية قرأها السلف الصالح ولم يفسروها بعمل المولد أو الدعوة إليه .
وأما سؤال بني إسرائيل لعيسى بن مريم - عليه السلام - أن يدعو ربه لينزل عليهم مائدة تكون لهم عيداً , فهذا السؤال قد أقرهم الله - سبحانه وتعالى - عليه فيكون مشروعاً لهم .
هذا إذا قلنا أنهم فعلاً أصبحوا يحتفلون بيوم نزول المائدة .
لكن نحن مَنْ شَرَعَ لنا أن نحتفل بيوم المولد النبوي ؟ .
نحن سنستمر معك لنعلم الجواب منك .
لكن قبل أن ننتقل نريد أن نسألك : أنت قلت : (( فنزول المائدة اعتبر عيداً
لأهل الأرض للأولين والآخرين )) .
فهل تعلم اليوم الذي نزلت فيه المائدة ؟
وهل تحتفل أنت بذلك اليوم ؟
وهل ورد شرعنا بذلك ؟ .
بنو إسرائيل قالوا :( لأولنا وآخرنا) , فهم يقصدون أنفسهم لا أنهم يريدون كل من في الأرض بدليل أنه لم يرد في شرعنا مشروعية الاحتفال به .
الدليل الخامس
ثم قال المؤلف (ابن خطار): " إن الاحتفال بالمولد النبوي
الشريف تعبير عن الفرح والسرور بالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقد انتفع به الكافر
به صلى الله عليه وآله وسلم فقد جاء أنه يخفف عن أبي لهب كل يوم إثنين بسبب عتقه لثويبة
جاريته لما بشرته بولادة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال إمام القراء الحافظ شمس الدين بن الجزري رحمه الله تعالى في(1/8)
كتابه: (عرف التعريف بالمولد الشريف): (( قد رؤي أبو لهب بعد موته
في النوم فقيل له : ما حالك ؟ فقال : في النار ، إلا أنه يخفف عني كل
ليلة إثنين بإعتاقي ثويبة عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبإرضاعها له))
فإذا كان أبو لهب الكافر، الذي نزل القرآن بذمه يخفف عنه العذاب كل
ليلة إثنين بسبب فرحه بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما حال المسلم الموحد من أمة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي سر بمولده ، ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وآله وسلم ، إنه
سيكون له أجر عظيم عند الله - سبحانه وتعالى - " .
نقول : الكلام على الدعوة إلى الفرح والسرور قد سبق الرد عليه في بداية كلام المؤلف والجديد هنا أنه استدل بتخفيف العذاب عن أبي لهب بسبب فرحه بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مشروعية المولد وهذا من أغرب الاستدلالات .
أيها المسلم : هل فرح أبي لهب كان فرحاً شرعياً لأنه يعلم أن هذا المولود هو
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
أنا متأكد أن جوابك بالنفي .
فلماذا فرح إذاً ؟
الجواب : لأن هذا مولود لأخ له قد مات فهذا الفرح فرح طبعي بنزول نعمة على أخيه .
هل تكرر هذا من أبي لهب كل عام ؟ أي هل كان أبو لهب في يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يظهر الفرح والسرور , أم أنَّ هذا كان عند ميلاده وظهوره للدنيا فقط ؟
الجواب : هو الثاني .
إذاً لا يمكن أن يتكرر هذا لأحد , لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كغيره من البشر يولد مرة واحدة فقط . فأين الدليل على مشروعية المولد المتكرر من هذا الأثر ؟ .
ثم نقول : الصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبعهم بإحسان سمعوا هذه القصة أم لم يسمعوها ؟
لا شك أنهم سمعوها . فلماذا لم يعملوا المولد ولم يدعوا إليه ؟
لأنهم لا يرون أنه مشروع , هذا هو الجواب ببساطة .
هذا الذي ذكرناه على التسليم بصحة هذه الرواية , فإنها في صحيح البخاري(1/9)
(4813) من قول عروة بن الزبير , وعروة رحمه الله تعالى من التابعين وليس في كلامه أن هذا يحصل لأبي لهب في كل إثنين .
اقرأ أخي الكريم هذا بنفسك
قال عروة :((وثويبة مولاة لأبي لهب , كان أبو لهب أعتقها , فأرضعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما مات أبو لهب أُرِيَهُ بعض أهله بِشَرِ حِيْبَةٍ , قال له : ماذا لقيت ؟ قال أبو لهب : لم ألق بعدكم رخاء , غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة )) .
وقد ذكرها ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/108) فقال: ((وأخبرنا محمد ابن عمر عن غير واحد من أهل العلم قالوا : وكان رسول الله يصلها ـ أي ثويبة ـ وهو بمكة , وكانت خديجة تكرمها, وهي يومئذ مملوكة, وطلبت إلى أبي لهب أن تبتاعها منه لتعتقها, فأبى أبو لهب, فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة أعتقها أبو لهب, وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبعث إليها بصلة )) .
الشاهد منه : أن أبا لهب أعتق ثويبة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يخالف ما ذكره المؤلف .
قال ابن حجر في الفتح (9/145) :(( قوله: ( وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم) : ظاهره أنَّ عتقه كان قبل إرضاعها والذي في السير يخالفه وهو أن أبا لهب
أعتقها قبل الهجرة وذلك بعد الإرضاع بدهر طويل )) .
لاحظت أخي القارئ أن قول عروة بن الزبير ليس فيه أن أبا لهب أعتق ثويبةعندما أخبرته بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما فيه أنه أعتقها وأنها أرضعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم , هذا أولاً .
وثانياً : ليس في القصة أنه يشرب كل يوم إثنين وإنما فيها أنه سُقي , وهذا لا يقتضي التكرار .
فما ذكره بعضهم من أنه أعتقها لأنها أخبرته بمولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذا لا أصل له في القصة .
وعلى هذا فلا دليل في القصة أصلا لكونها ليست ثابتة .(1/10)
وقول عروة رحمه الله تعالى ثابت عنه لكن من المعلوم أنه من التابعين وليس من الصحابة فمن الذي أخبره بذلك ؟
الجواب : أخرج هذا الأثر عبد الرزاق بسنده عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة(1).
وأخرجه ابن أبي الدنيا عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة(2).
فلو قلنا بأن القصة موصولة فهي رؤيا منامية لرجل مجهول , فمَنْ هو هذا الذي رأى هذه الرؤيا ؟ .
قال بعضهم : الذي رآها هو العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - .
وهذا لم يصح في القصة .
ولو قلنا بصحته فهل رأى ذلك في حال كفره أم في حال إسلامه ؟
__________
(1) المصنف ( 15798 ) .
(2) كتاب المنامات ( 265 ) .
إن كان رآها في حال كفره لم يقبل قوله , وإن كان رآها في حال إسلامه لم يقبل أيضاً لأنه لم يعرضها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنعلم هل يقرها أم لا ؟
وعلى هذا فهي رؤيا كغيرها من الرؤى لا يثبت بها شرع ولا يجب الإيمان بها لأنها لم تثبت عن المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم وإنما ذُكِرَتْ عن غيره .
ثم نقول : القصة معارضة لقول الله تعالى عن الكفار : " وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا " [الفرقان : 23] .
فإن قيل : إن هذا ليس جزاء للكافر على عمله وإنما هو إكرام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فالجواب : أن التخفيف عن أبي لهب لم يرد من طريق يُحتج به فهو لا يثبت أصلاً
وعلى هذا فلا نحتاج إلى البحث عن الجمع المناسب بين الآية والقصة .
وخلاصة الجواب : أن القصة الثابتة ليس فيها أنه أعتقها لأنها بشرته بمولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل الوارد في السير أنه أعتقها قبل الهجرة
بقليل كما قال ابن حجر رحمه الله تعالى أو بعد الهجرة كما قال ابن
سعد رحمه الله تعالى .
وعلى هذا فلا علاقة للقصة بالمولد .
الدليل السادس
ثم قال المؤلف (ابن خطار): " وإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعظم يوم مولده(1/11)
ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى عليه إذ سعد به كل موجود ".
نقول: هذا القول يكذبه الشرع والعقل والواقع ؛ فمن خالف النبي صلى الله عليه وآله وسلمولم يؤمن به
لم يسعد بوجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا في الدنيا ولا في الآخرة والقرآن والسنة مليئة بذكر شقاء هؤلاء .
والعقل يدل على ما دل عليه الشرع لأنهم لو سعدوا به لكانوا من أتباعه .
فمن أين جاءتهم السعادة وهم قد أعرضوا عن اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟! .
والواقع الذي عاشه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والغزوات التي قام بها والمحاولات المتكررة لقتله عليه الصلاة والسلام وما لاقاه من الأذى من قومه وغيرهم يدل على أن هؤلاء أبغضوه ولم يسعدوا به في الدنيا , ولذلك كانوا من الأشقياء في الآخرة " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى , قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا , قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى " [طه:124ـ 126] .
وهذا واضح ولله الحمد , لكنه غاب عن المؤلف وغاب عن الذين نقل عنهم هذا القول لكونهم اهتموا بالإنشاء وتزوير الكلام وتحسينه دون تأمل معناه, المهم أن يكتبوا ما يؤيد رأيهم , وعلى غيرهم أن يتأمل ويتدبر هل هو صواب أم لا ؟ .
ثم قال المؤلف (ابن خطار) : "وكان يعبر عن ذلك التعظيم
بالصيام كما جاء في الحديث عن أبي قتادة - رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل
عن صوم يوم الإثنين ؟ فقال : ( فيه ولدت ، وفيه أنزل علي ) ، وهذا
في معنى الاحتفال به إلا أن الصورة مختلفة ولكن المعنى موجود سواء
كان ذلك بصيام أو إطعام طعام أو اجتماع على ذكر أو صلاة على
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو سماع شمائله الشريفة " .(1/12)
أقول: استغفر الله العظيم ، أين الأصول والقواعد التي وضعها العلماء في كيفية التعامل مع النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها ؟ .
هذا الحديث يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صام يوم الإثنين شكراً لله تعالى , ويوم الإثنين يتكرر في كل شهر على الأقل أربع مرات أي أنه يتكرر في السنة على الأقل ثمان وأربعين مرة , فهل أنتم تحتفلون بالمولد ثمان وأربعين مرة في السنة ؟
الجواب : لا
إذاً لماذا لاتقفوا عند النص وتعملوا بما جاء فيه فتصوموا كما صام صلى الله عليه وآله وسلم فتؤجروا على النية الطيبة والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟! .
أما قولك: ((وهذا في معنى الاحتفال به)) .
أقول : هل هذا المعنى فهمه أهل اللغة العربية وأولى الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهم الصحابة - رضي الله عنهم - ـ أو لم يفهموه ؟ .
إن قلتَ : لم يفهموه . فهذه مصيبة أترك القارئ يردها عليك .
وإن قلتَ : بل فهموه .
فأقول : كيف علمت أنهم فهموه هذا الفهم ؟ .
هل أخبروك بذلك ؟ .
إن قلتَ : نعم .
نقول لك : هات هذا الخبر , مَنْ مِنَ العلماء نقله لك لننظر فيه ؟
وإن قلتَ : لا .
نقول : تأمل أيها المسلم كيف علم ما لم يُنقل له , وبينه وبين الصحابة قرون ؟! .
ثم نقول : لو كان هذا القياس صحيحاً , لماذا لم يأمرنا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
أيها القارئ الكريم : احكم بالحق ؛ أنا وقفتُ مع النص وقلتُ : نعم يدل على
مشروعية الصيام شكراً لله تعالى فنفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وهؤلاء يقولون : بل نحتفل . فمَنْ منا الذي تأدب مع النص ؟.
ومَنْ هو الذي لم يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل اقتدى به ؟ .
ثم نقول : تأمل أخي المسلم ؛ على قولهم : أن الحديث يدل على الاحتفال متى
احتفل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
الجواب : احتفل في النهار .
وكيف احتفل ؟ .(1/13)
الجواب : احتفل بالصيام .
وهؤلاء متى يحتفلون ؟ .
الجواب : يحتفلون في الليل .
وكيف يحتفلون ؟ .
الجواب : .........................................
لاحظت أخي الكريم خالفوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الزمن وخالفوه في الكيفية .
فأين العمل بالدليل الذي استدلوا به ؟! .
الدليل السابع
ثم قال المؤلف (ابن خطار) : "وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يلاحظ ارتباط
الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت فإذا جاء الزمان
الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكرها وتعظيم يومها لأجلها ولأنه ظرف
لها. وقد أصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه القاعدة بنفسه كما صح في الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم
لما وصل إلى المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء سأل عن ذلك
فقيل له: إنهم يصومونه لأن الله نجى فيه نبيهم وأغرق عدوهم فهم
يصومون شكراً لله على هذه النعمة فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( نحن أولى بموسى منكم
فصامه وأمر بصيامه) " .
جوابنا عن هذا هو كالجواب السابق : ماذا فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
الجواب : صام .
فنقول : صوموا كما صام نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ولا تزيدوا من عند أنفسكم ما لم يأمركم به ولا حثكم عليه , ولا فعله هو عليه الصلاة والسلام , ولا فعله السلف الصالح في القرون المفضلة .
الدليل الثامن
ثم قال المؤلف (ابن خطار) :" وعن أنس - رضي الله عنه - : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
عق عن نفسه بعد النبوة )، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه
في سابع ولادته والعقيقة لا تعاد مرة ثانية فيحمل ذلك على أن الذي
فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إظهاراً للشكر على إيجاده للعالمين ، وتشريع لأمته كما
كان يصلي على نفسه كذلك ".
تأمل أيها المسلم مثل هذه الأدلة , هل كونه صلى الله عليه وآله وسلم عق عن نفسه يدل على
مشروعية الاحتفال بالمولد ؟ .(1/14)
ومع هذا نقول : هب أن قولك صواب وأن فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذا دليل على مشروعية المولد .
فالسؤال: هل كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعق عن نفسه في كل سنة أم أنه فعل ذلك مرة واحدة ؟
الجواب : هو الثاني .
إذاً لماذا لا تفعلوا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
عق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نفسه مرة واحدة فاحتفلوا أنتم مرة واحدة فقط ؟ .
هذا إذا قلنا تنزلاً أن هذا يدل على مشروعية الاحتفال .
لاحظت أيها المسلم أنهم يستدلون بدليل ولا يعملون به , ولا بما يدل عليه ,
لتعلم أن القوم لا يهمهم الدليل , ولا يعملون بالأدلة , وإنما هذا من باب
التلبيس والتزيين للناس , لأن الذين يخالفونهم يطالبونهم بالدليل, فأصبحوا
يبحثون عن أي شيء يتمسكون به .
وبعض هؤلاء مهما بينت لهم ووضحت لهم عدم صحة الاستدلال بما يذكرونه
فسوف يحتفلون ولا يبالون لتعلم أن القضية في الحقيقة هي اتباع للرأي والهوى
فهم يعتقدون ثم يبحثون في الأدلة عما يؤيد رأيهم ـ ولو كان كما سمعت
وقرأت بمثل هذه الاستدلالات التي يتعلقون بها وهي لا تصلح لذلك ـ أما
أهل الحق فإنهم ينظرون في الأدلة الشرعية ليستخرجوا منها أحكاماً يعملون بها .
فلاحظ الفرق بين الطائفتين ـ كما هو ظاهر ـ في التعامل مع الأدلة .
هذا الذي ذكرته سابقاً على تقدير صحة الحديث فكيف إذا علمت أيها القارئ
الكريم أن هذا الخبر باطل لا يصح عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم .
فقد أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/300), والطبراني في الأوسط (1/298), وابن أبي الدنيا في كتاب النفقة على العيال (1/208) من طريق عبد الله بن محرر وهذا الراوي قد ضعفه الإمام أحمد , وابن المبارك , وابن معين , وأبو نعيم, والدارقطني, وغيرهم, وقال عنه ابن حبان : (( كان يكذب ولا يعلم ويقلب الأسانيد ولا يفهم ))(1) .
وقد ضعف هذا الحديث جمع من العلماء منهم :(1/15)
البيهقي في السنن الكبرى (9/300) .
والنووي في المجموع (8/323) .
وابن حجر في الفتح(9/595) .
وابن القيم في زاد المعاد(2/303) .
والصنعاني في سبل السلام(1/212) .
والشوكاني في نيل الأوطار(5/196) .
والمباركفوري في تحفة الأحوذي(5/97) .
فالحديث ضعيف لا يُحتج به . وقد روي من طريق آخر حسنه بعض العلماء(2) . والصواب هو ضعف هذا الحديث كما ذكر ذلك النووي وابن حجر .
ومع هذا نقول : لو صح الحديث فجوابه ما سبق .
الدليل التاسع
ثم قال المؤلف (ابن خطار) : " ويؤخذ من قوله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل يوم
الجمعة وعد مزاياه , وفيه ولد آدم , تشريف الزمان الذي ثبت أنه ميلاد
لأي نبي كان من الأنبياء عليهم السلام فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل النبيين وأشرف المرسلين " .
أيها المسلم المبارك : من هو الذي عَدَّ مزايا يوم الجمعة ؟ .
الجواب : الذي عدها هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قال المؤلف .
فالسؤال : لماذا لم يحتفل هو عليه الصلاة والسلام بيوم ميلاد آدم - عليه السلام - ؟ .
بل لماذا لم يحتفل بميلاده هو صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ولماذا لم يَدْعُ أصحابه إلى الاحتفال ؟.
__________
(1) انظر تهذيب الكمال (16/32) , الكامل في الضعفاء (4/133) , المجروحين (2/22) .
(2) انظر المحلى لابن حزم (7/528) , السلسلة الصحيحة للألباني (2627) .
كنت أناقش شخصاً في هذا فقال لي: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان شديد الحياء فلا يمكن أن يقول لأصحابه: احتفلوا بيوم ميلادي , فنحن ينبغي لنا أن نفهم ذلك ونحتفل به.(1/16)
فالجواب : أن هذا القائل يظن أنه قد أحسن القول, وهو في الحقيقة أساء إساءة عظيمة إلى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم , لأن لازم كلامه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كتم شيئاً من الدين ولم يبلغه لأمته , تقول عائشة رضي الله عنها لمسروق:(( يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية )) وذَكَرَتْ منها : (ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئاً من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية والله تعالى يقول : [ ياأيها الرسول بلغ ماأنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ] ) ))(1) . فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين لبلغه لنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم .
وقوله : (ينبغي لنا أن نفهم ذلك) هذا اتهام آخر للصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبعهم بإحسان
أنهم ما فهموا هذا الذي فهمه من يدعوا إلى الاحتفال بالمولد .
وهذا قول حكايته تغني عن الرد عليه لوضوح زيفه وخطئه .
الدليل العاشر
ثم قال المؤلف (ابن خطار) : " ويكون الفرح والسرور في ذكر
الإحياء للحوادث التاريخية الخطيرة ذات الإصلاح المهم في تاريخ
الإنسانية " .
نقول للمؤلف : قد حصلت حوادث تاريخية خطيرة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كإهلاك
أصحاب الفيل وهم أبرهة الحبشي وجنده . وحصلت حوادث أخرى خطيرة بعد البعثة كالهجرة والانتصار في غزوة بدر وغيرها من الحوادث المهمة في تاريخ المسلمين , فلماذا لا تحتفلون بها ؟ .
جواب كل مسلم أن يقول : لو كان الاحتفال بذلك من الدين لفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وحث على فعله .
نقول إذاً : لا يلزم من الفرح والسرور بالهجرة أو بالانتصار في بدر أو غيرها من الحوادث السارة أن نحتفل , بدليل أن المسلمين قد فرحوا بتلك الحوادث ولكنهم لم يحتفلوا .
فكذلك أيضاً لايلزم من الفرح بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاحتفال
الدليل الحادي عشر
__________
(1) مسلم ( 290 ) .(1/17)
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " كما يؤخذ تعظيم المكان الذي ولد
فيه نبي من أمر جبريل - عليه السلام - النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصلاة ركعتين ببيت لحم ثم قال له :
( أتدري أين صليت ؟ قال : لا ، قال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ) "
أقول : تأملت أيها القارئ قول المؤلف هل لاحظت أن ما ذكره هو تعظيم للمكان وكلامنا الآن عن الاحتفال بالمولد الذي هو تعظيم للزمان فالدليل لا يدل على ما أراد المؤلف إلا عن طريق القياس فهل قاس النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الصحابة أو التابعون أو من بعدهم ممن تبع سبيلهم على هذا جواز الاحتفال بمولد عيسى - عليه السلام - ؟ .
لاحظ أيها القارئ : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى حيث ولد عيسى - عليه السلام - , فلماذا لم يحتفل بيوم ميلاد عيسى - عليه السلام - ؟ أيعرف هؤلاء القياس ولا يعرفه الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
لاحظت أيها المسلم أن هذا الدليل الذي ذكره المؤلف يُلزمه أن يحتفل بعيد ميلاد عيسى - عليه السلام - فهل هذا من شرعنا ؟ .
هذا على تقدير صحة هذه الرواية فقد رواها النسائي في السنن الصغرى(448), والبيهقي في دلائل النبوة (644) , والطبراني في المعجم الكبير ( 6982 ), قال ابن كثير في تفسيره (3/21) : (( ولا شك أن هذا الحديث... مشتمل على أشياء منها ما هو صحيح كما ذكره البيهقي ومنها ما هو منكر كالصلاة في بيت لحم ))
وقال ابن القيم في الزاد (3/30) : (( وقد قيل : إنه نزل ببيت لحم وصلى فيه , ولم يصح ذلك عنه البتة )) .(1/18)
بل قد حكم عليه بالوضع ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (ص438)حيث قال : ((وحديث المعراج فيه ما هو في الصحيح وفيه ما هو في السنن أو في المسانيد وفيه ما هو ضعيف وفيه ما هو من الموضوعات المختلقات مثل ما يرويه بعضهم فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له جبرائيل هذا قبر أبيك إبراهيم انزل فصل فيه وهذا بيت لحم مولد أخيك عيسى انزل فصل فيه )) .
الدليل الثاني عشر
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " وإن المولد أمر استحسنه العلماء
والمسلمون في جميع البلاد ، وجرى به العمل في كل صقع ، فهو مطلوب شرعاً
للقاعدة المأخوذة من حديث ابن مسعود الموقوف : الذي ذكره أبو نعيم عند
ترجمته قال: ( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون
قبيحاً فهو عند الله قبيح ) " .
نقول : أيها المسلم مضت على أهل الإسلام ثلاثة قرون ما كان المولد يعرف عندهم فهل جهل أولئك القوم من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام هذا الأمر المستحسن , ثم يأتي من بعدهم ليستحسنوا ما لم يره الأوائل حسناً ؟! .
وقولك : (وإن المولد أمر استحسنه العلماء والمسلمون في جميع البلاد)
هل هذا نقل للإجماع ؟
إن قلتَ : نعم .
نقول : الواقع يدل على خطئك فليس كل العلماء ولا كل المسلمين يحتفلون بالمولد . ولم ينقل أحد من العلماء إجماع المسلمين على مشروعية المولد .
وإن قلتَ : لا .
قلنا : إذاً هي قضية مختلف فيها وإذا كان الأمر كذلك فالمرجع هو قوله تعالى : " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا "[النساء:59] .
فنقول لك :
" قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " [البقرة:111] .(1/19)
وأما الاستدلال بقول ابن مسعود - رضي الله عنه - , فنقول : قد ثبت عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : (( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفِيتُم ))(1).
فمن احتفل بالمولد هل اتبع أم ابتدع ؟ .
__________
(1) المعجم الكبير للطبراني (8666) , سنن الدارمي (212) .
وسأنقل لك أخي القارئ ما ذكره العلماء في معنى قول ابن مسعود- رضي الله عنه - : (( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح )) قال أبو حامد الغزالي: (( المراد به: ما رآه جميع المسلمين , لأنه لا يخلو أن يريد به جميع المسلمين أو آحادهم , فإن أراد الجميع فهو صحيح إذ الأمة لا تجتمع على حُسْنِ شيء إلا من دليل , والإجماع حجة وهو مراد الخبر ))(1).
وقال عبد الحي اللكنوي: (( وبالجملة فهذا الحديث نِعْمَ الدليل على حُسْنِ ما استحسنه الصحابة وغيرهم من المجتهدين وقُبْحِ ما استقبحوه. وأما ما استحسنه غيرهم من العلماء فالمرجع فيه إلى القرون الثلاثة أو إلى دخوله في أصل من الأصول الشرعية فما لم يوجد في القرون الثلاثة ولم يستحسنه أهل الاجتهاد ولم يوجد له دليل صريح أو ما يدخل فيه من الأصول الشرعية فهو ضلالة بلا ريب وإن استحسنه مستحسِن ))(2).
الدليل الثالث عشر
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " وإن معرفة شمائله ومعجزاته
وإرهاصاته تستدعي كمال الإيمان به عليه الصلاة والسلام ، وزيادة في المحبة ، إذ الإنسان مطبوع على حب الجميل، خلقاً وخلقاً ، علماً وعملاً ، حالاً واعتقاداً
ولا أجمل ولا أكمل ولا أفضل من أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وآله وسلم ، وزيادة المحبة وكمال
الإيمان مطلوبان شرعاً فما كان يستدعيهما مطلوب كذلك " .
نقول : زيادة المحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكمال الإيمان مطلوبان شرعاً , وهذا لا شك فيه , لكن ما هو الذي يزيد في الإيمان وما هو الذي ينقصه ؟ .
__________(1/20)
(1) المستصفى ص 172 . وانظر الإحكام لابن حزم (5/995) , والإحكام للآمدي (4/166) , والتبصرة للشيرازي
ص 495 , والإعتصام للشاطبي (1/540) .
(2) التعليق الممجد (1/355) .
كل مسلم متبع للسنة يعلم أن الطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم تزيد الإيمان وأن المعصية تنقصه , فإذا قلنا عن أمر أنه يزيد الإيمان فلا بد أن يكون طاعة , وإذا كان طاعة فلا بد أن يكون مشروعاً , وإذا كان مشروعاً, فلا بد أن يكون عليه دليل شرعي وإذا كان عليه دليل شرعي, فلا بد أن يكون السلف الصالح قد علموه وعملوا به ودعوا إليه لأن الصحابة - رضي الله عنهم - هم الذين نقلوا إلينا هذا الدين كاملاً , وعلى هذا نرجع لنقول للمؤلف:
أين هذا الدليل الذي يدل على مشروعية المولد ؟ .
ثم أقول: أخي المسلم لا بد أن تعلم أن علامة محبتك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هي اتباع سنته والعمل بها فقد نبهك ربك - سبحانه وتعالى - إلى أن من لازم المحبة الاتباع فقال تعالى: " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [آل عمران: 31] .
فهل تجد الاحتفال بالمولد في سنته وهديه صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
الدليل الرابع عشر
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " وإن الاحتفال بالمولد إحياء لذكرى
المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وذلك مشروع عندنا في الإسلام، فأنت ترى أن أكثر أعمال الحج
إنما هي إحياء لذكريات مشهورة ومواقف محمودة ، فالسعي بين الصفا والمروة
ورمي الجمار والذبح بمنى كلها حوادث ماضية سابقة ، يحيي المسلمون ذكراها
بتجديد صورتها في الواقع " .
تأمل أيها المسلم قول المؤلف : ((وذلك مشروع عندنا في الإسلام )) من الذي شرعه ؟ .
نحن معك إلى الآن لم تأت بدليل يصح الاستدلال به على مشروعيته لذا لن نقبل الحكم بمشروعيته إلا ببينة شرعية .(1/21)
وسنستمر معك إن شاء الله تعالى إلى آخر كلامك لننظر هل عندك دليل شرعي على هذا أم لا ؟ .
وأما قوله : (( فأنت ترى أن أكثر أعمال الحج ....)) إلخ .
فنقول : قد اجتمع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع عشرات الآلاف من الصحابة - رضي الله عنهم - وخاطبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم جميعاً بقوله : (( لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ))(1), وتنقلوا معه من موضع إلى آخر ومن منسك إلى منسك وكلهم لم يفهم ما فهمه المؤلف ولا عمل بما يدعو إليه المؤلف بل ولا عمل به الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم , فهل يُعْقَل أن يكون كل هؤلاء لا يفهمون ولا يعلمون الحق ويفهمه المؤلف ـ أو من نقل عنهم ـ ؟!
القرون المفضلة الثلاثة لم يفهموا من أعمال الحج مشروعية إقامة المولد .
فهل يصح الاستدلال بهذا الدليل أيها القارئ الكريم ؟ .
الدليل الخامس عشر
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " وكل ما ذكرناه سابقاً من الوجوه في
مشروعية المولد إنما هو في المولد الذي خلا من المنكرات المذمومة التي يجب
الإنكار عليها أما إذا اشتمل المولد على شيء مما يجب الإنكار عليه كاختلاط
الرجال بالنساء , وارتكاب المحرمات , وكثرة الإسراف مما لا يرضى به صاحب
المولد الشريف صلى الله عليه وآله وسلم فهذا لا شك في تحريمه ومنعه لما اشتمل عليه من المحرمات ،
لكن تحريمه حينئذ يكون عارضياً لا ذاتياً كما لا يخفى على من تأمل ذلك " .
نقول للمؤلف : أنت تعلم أن أكثر الموالد التي تقام في كثير من بلاد المسلمين لا تخلو من هذه المنكرات التي ذكرتها .(1/22)
بل يتعدى ذلك إلى ما هو أعظم وأشد وهو وقوع الشرك بالله تعالى من كثير منهم وهم يتوسلون ويستغيثون بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله وقد سبق أن ناقشنا المؤلف في موضوع التوسل بالمخلوق الذي يرى هو مشروعيته مطلقاً بدون تفريق بين ما يقدر عليه المخلوق وبين ما لا يقدر عليه في كتاب أسميناه: (( ماذا يقولون عن التوسل )) .
__________
(1) مسلم ( 1297) .
فكان مقتضى الفقه في الدين ـ وأنت ترى أن المولد ليس بواجب وإنما هو بدعة حسنة عندك لم يأت بها دليل شرعي ـ أن يُمنع المولد من باب سد الذرائع الموصلة إلى المحرم بل الموصلة إلى الشرك .
وقولك : (( مما لا يرضى به صاحب المولد )) .
نقول لك : وأين الدليل الذي يدل أصلاً على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رضي أو يرضى بإقامة المولد ؟
هل هو في كتاب الله تعالى ؟
أم هو في السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
أم جاء هذا عن أحد من الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - ؟
أم نقل عن أحد من الأئمة رحمهم الله تعالى ؟ .
كل ذلك جوابه : لا
فنقول لك : إذا كنت تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرضى بالمعاصي والمنكرات, فاعلم أنه لا يرضى بالزيادة في الدين وفعل ما لم يأمر به .
فهو الذي قال:(( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))(1) .
وأوصى أمته كلها وأنت منهم بقوله :
(( عليكم بسنتي ))(2) .
أول من أحدث المولد
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " وأول من أحدث
ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري ابن زين الدين علي بن بكتكين ، أحد الملوك الأمجاد ، والكبراء الأجواد.... قال ابن كثير في تاريخه : كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ، ويحتفل به احتفالا هائلاً ، وكان شهماً ، شجاعاً ، عاقلاً ، عادلاً رحمه الله وأكرم مثواه ".(1/23)
أقول: سبحان الله هذا شيء عجيب , نحن مع المؤلف من أول كلامه ننتظر أن يأتي بدليل شرعي يدل على مشروعية المولد وإذا به هنا يقر ويعترف أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا في زمن الخلفاء الراشدين ولا في زمن التابعين ولا في زمن أتباع التابعين ولا في زمن الأئمة المتبوعين .
أيها القارئ الكريم :
__________
(1) البخاري (2550 ) .
(2) أبو داود (4607) , والترمذي (2676) .
اعلم أن هذا الملك قد توفي سنة (630 هـ ) كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية (13/136) , أي أن المولد أُحدث في القرن السابع , أي أنه مر على المسلمين ستمائة سنة لا يعرفون المولد ولا يعدونه من الإسلام , ثم بعد ذلك أصبح المولد من الإسلام , وأصبح الذين يقيمونه يوالون بسببه , ويبغضون ويعادون بسببه , فمن أنكر عليهم فعل المولد أبغضوه وعادوه .
فما رأيك أيها القارئ ؟
أقول : سبحان من جعل المؤلف يخط إدانته بيده .
أقول : أيها المسلم الحريص على سنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم , المحب له , إذا كان المؤلف يعلم هو ومن نقل عنهم أن أول من أحدث المولد هو ذلك الملك , بعد ستة قرون أي أنهم يقرون أن خيار هذه الأمة ما كانوا يفعلون المولد .
والله تعالى قد أكمل الدين فهل يمكن أن يكون المولد من الدين وقد أجمعت الأمة من ستة قرون على تركه ؟!
هل يُعقل هذا عندك أيها المسلم ؟ .
فلماذا إذاً يبحثون في القرآن والسنة وهم يعلمون أنه أمر محدث أحدثه ذلك الملك ؟ .
الجواب : ليبرروا عملهم ويظهروا اهتمامهم ـ زعموا ـ بالعمل بالأدلة الشرعية وكان الأولى بهم أن يسكتوا فلا يخطئوا أخطاء متعددة : فهم عملوا المولد وليس على مشروعيته دليل , لو كانوا يجهلون ذلك لكان الأمر أخف ولكنهم يعلمون عدم مشروعيته , ومع هذا يصرون على العمل به , هذا أولاً .(1/24)
ثانياً : يجتهدون ويصرون على إيجاد ما يؤيد رأيهم هذا فيستدلون بما صح وبما لم يصح , مع أن ما صح وما لم يصح لا يدل على قولهم ومع ذلك يصرون على الاستدلال به ليوهموا عوام المسلمين أن عندهم أدلة .
ثالثاً: يدعون الناس إلى العمل بالمولد ويزينون لهم ذلك وهم يعلمون أنه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا من هدي أصحابه ولا من هدي أهل بيته ستمائة عام .
رابعاً : التشنيع على من أنكر عليهم فعل المولد فيشيعون بين الناس أنهم لا يحبون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
أرأيت أيها القارئ أنهم لا يهتمون بالأدلة ولا يعتنون بها فما يذكرونه ويسمونه أدلة ما هو إلا من باب التلبيس والتدليس على الناس .
فهل نضع القلم ونكف عن البحث في أمر يُقِر فيه المخالف أنه ليس من فعل السلف ؟.
لاشك أن المنصف يكفيه هذا .
لكن للأسف هناك أناس تمكنت منهم هذه البدعة
تمكناً شديداً لذا سنستمرـ إن شاء الله تعالى ـ في النظر في بقية كلامه لإزالة هذا
التلبيس والتخليط ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة
أقوال العلماء في المولد
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " أقوال العلماء
في مشروعيةالاحتفال بالمولد النبوي الشريف " .
أقول : قبل أن نبدأ مع المؤلف ابن خطار في مناقشة ما نقله من كلام العلماء يجب أن نعلم أن زمن التشريع قد انتهى بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والدين قد كَمُل , قال الله تبارك وتعالى:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " [المائدة:3] .(1/25)
فوظيفة العلماء ليس هو التشريع لأن هذا من حقوق الله تعالى " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ " [الشورى:21] , وإنما عملهم هو إظهار شرع الله تعالى وتعليمه للناس , وعلى هذا نعلم أن كلام العالم ليس حجة بنفسه ـ لأنه بشر مثلنا فضل علينا بعلمه بالدين وأدلته ـ وإنما الحجة فيما يعتمد عليه من الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن تكلم بكلام ينسبه إلى الشرع لم نقبل منه حتى يأتي بالدليل الشرعي الذي يدل على صحة قوله وإلا رددنا قوله ولم نقبله .
بعد هذه المقدمة المهمة نبدأ فيما ذكره المؤلف
الشيخ ابن تيمية
قال ابن خطار : " 1ـ قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
(... فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) " .
نقول : نعم قد قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ذلك والمؤلف قد نقل هذا الكلام من غيره من غير تحقيق ولا رجوع إلى المرجع ليتأكد من كلام الشيخ فوقع في الخطأ كما وقع فيه من نقل عنهم وسوف أنقل لك أيها القارئ الكريم كلام الشيخ ابن تيمية من نفس الكتاب وهو: (( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم )) لترى الفرق بنفسك , قال الشيخ في الكتاب المذكور ( ص293) :(1/26)
((... وإنما الغرض أنَّ اتخاذ هذا اليوم(1) عيداً محدث لا أصل له , فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم من اتخذ ذلك عيداً حتى يحدث فيه أعمالاً , إذ الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيه الاتباع لا الابتداع وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة , مثل يوم بدر وحنين والخندق وفتح مكة ووقت هجرته ودخول المدينة , ... ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعياداً , وإنما يفعل مثل هذا النصارى , الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى - عليه السلام - أعياداً أو اليهود . وإنما العيد شريعة فما شرعه الله اتبع وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه , وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى - عليه السلام - , وإما محبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيماً له , والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد , لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيداً , مع اختلاف الناس في مولده فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع له , ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف - رضي الله عنهم - أحق به منا , فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيماً له منا , وهم على الخير أحرص , وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً , ... وأكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد
__________
(1) أي اليوم الثامن عشر من ذي الحجة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فيه بعد مرجعه من حجة الوداع .(1/27)
الذي يرجى لهم به المثوبة تجدونهم فاترين في أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عما أمروا بالنشاط فيه وإنما هم بمنزلة من يُحَلِّي المصحف ولا يقرأ فيه , أو يقرأ فيه ولا يتبعه , وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلى فيه , أو يصلي فيه قليلا , وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع , ويصحبها من الرياء والكبر والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها , ... فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )) .
تبين لك أخي القارئ أن الشيخ يعتبر المولد بدعة محدثه في حين أن المؤلف ومن نقل عنهم اقتصروا على نقل ما يفهم منه أن الشيخ يرى مشروعية المولد وهذا في الحقيقة من الغش والخداع للقراء .
ولو افترضنا أن الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى يرى مشروعية المولد فإن قوله مردود عليه وسنرد قولَه بقوله في كتابه : (( درء تعارض العقل والنقل )) (3/3) :
(( معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال وتقديم ذلك عليها , هو من فعل المكذبين للرسل , بل هو جماع كل كفر كما قال الشهرستاني في أول كتابه المعروف: بالملل والنحل ما معناه : أصل كل شر هو من معارضة النص بالرأي وتقديم الهوى على الشرع )) .
فلا يمكن أن نقدم قول أحد على قول حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقبل أن ننتقل إلى موضع آخر من كلام المؤلف ننبه على إشكال قد يرد عند البعض في قول الشيخ الذي نقله المؤلف وهو : أن من فعل المولد محبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فله أجر وليس عليه إثم وإذا كان الإنسان سالماً من الإثم فهذا يدل على الإباحة .(1/28)
فالجواب : أن المحبة التي قامت في قلب المسلم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي يحصل بها الثواب هي المحبة الحقيقية التي تدعوا إلى الاتباع لا الابتداع قال الشيخ : (( وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً )) فإن كان المسلم يجهل حكم المولد وفعله ظناً منه بمشروعيته فله أجر المحبة التي قامت في قلبه أما العمل الذي قام به وهو المولد فليس له فيه أجر قال الشيخ : ((والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيداً )) .
أما إذا كان المسلم يعلم أن المولد بدعة لم يرد به الدليل الشرعي ومع هذا يفعله فهذا لا أجر له بل هو آثم لأنه يعبد الله تعالى بما لم يشرعه وهو كاذب في دعواه المحبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ لو كان صادقاً لكان متبعاً لا مبتدعاً .
قال الشيخ في مجموع الفتاوى(1/80) : (( العبادات مبناها على الشرع والإتباع لا على الهوى والابتداع فإن الإسلام مبني على أصلين :
أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له .
والثاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله لا نعبده بالأهواء والبدع )) .
وقال (11/634) : (( فمن فعل ما ليس بواجب ولا مستحب على أنه من جنس الواجب أو المستحب فهو ضال مبتدع وفعله على هذا الوجه حرام بلا ريب )) .
وقال (11/472):(( والبدعة شر من المعصية كما قال سفيان الثوري : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية , فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها )) .
لماذا لا يُتاب منها ؟
لأن المبتدع يفعل البدعة تديناً لذلك تجده يحرص على فعلها ويدعو إليها ويوالي ويعادي بسببها , بخلاف من يفعل المعصية فهو لا يفعل ذلك تديناً بل هو يعلم تقصيره وتفريطه .
الشيخ ابن حجر الهيتمي
قال ابن خطار : " 2ـ وقد قال ابن حجر الهيثمي(1)
__________(1/29)
(1) هكذا ذكره المؤلف بالثاء المثلثة وهذا خطأ والصواب أنه بالتاء المثناة .
رحمه الله تعالى : ( والحاصل أن البدعة الحسنة متفق على ندبها ، وعمل المولد
واجتماع الناس له كذلك ، أي بدعة حسنة ) " .
الجواب : أن نقول : أين دليلكم على أن المولد بدعة حسنة ؟ .
أيها القارئ الكريم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً )) ونحن نشاهد هذا الاختلاف ونعيش فيه فما وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا وهو الناصح المشفق على أمته ؟
وصيته هي: (( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))(1) .
الآن أنت تسمع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( وكل بدعة ضلالة )) وكلمة (( كل )) من ألفاظ العموم تدل على أن كل بدعة شرعية فهي ضلالة , وهذا العموم إذا أردنا أن نخصصه ونقول : هناك بدع ليست من الضلال بل هي من الهدى لأنها بدع حسنة فنحن نحتاج إلى دليل , فلا يمكن أن أترك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :((وكل بدعة ضلالة)) وآخذ بقول عالم مهما بلغ علمه : أن هناك بدعة حسنة حتى يأتي بالدليل الشرعي الذي يدل على صدق دعواه .
ثم نقول : هذه البدعة الحسنة ـ كما تزعمون ـ هل كان سببها موجود في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزمن أصحابه من بعده أم لا ؟ .
لا شك أن الجواب : نعم .
فلماذا لم يفعلوا هذه البدعة إذاً مع أنها بدعة حسنة ؟
الجواب : لأنهم يتبعون ولا يبتدعون ويعلمون أن (( كل بدعة ضلالة )) .
الشيخ أبو شامة
قال ابن خطار : " 3 ـ ومن ثم قال الإمام أبو شامة شيخ(1/30)
الإمام النووي رحمهما الله تعالى:( ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور ، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله على ما مَنَّ به من إيجاد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين ) " .
__________
(1) أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما وهذا لفظ أبي داود في سننه ( 4047) .
نقول : ذكر الشيخ هنا أن المولد بدعة حسنة , وهذه ذكرنا الجواب عليها في الجواب السابق (ص38) .
وذكر أن إقامة المولد مشعر بالمحبة والتعظيم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . وذكر أيضاً أن في إقامة المولد إظهار لشكر الله تعالى على ما مَنَّ به من إيجاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا سبق الجواب عنه أيضاً (ص17) وما بعدها .
الشيخ السخاوي
ثم قال : " 4 ـ وقال السخاوي : ( لم يفعله أحد من
السلف في القرون الثلاثة ، وإنما حدث بعد ، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم ) ".
أقول: هذا اعتراف منه بأن المولد أمر محدث مبتدع لم يكن على عهد السلف .
فنقول لهم ما قاله ابن مسعود - رضي الله عنه - : (( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفِيتُم ))(1) .
أمر شرعي حسن ومع هذا يتفق السلف على عدم فعله هل يمكن هذا ؟! .
ثم نقول : هؤلاء العلماء ومنهم السخاوي هل هم أعلم أم أئمتهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ؟ .
لو وضعنا هؤلاء العلماء وهم إما حنفي أو مالكي أو شافعي أو حنبلي في كفة ووضعنا أئمتهم في كفة أخرى , أيُّ الكفتين سترجح ؟ .(1/31)
هؤلاء الأئمة آخرهم وفاة هو الإمام أحمد توفي عام (241هـ ) والمولد على قول السخاوي بعد المائة الثالثة وعلى قول المؤلف بعد المائة السادسة فهل نعمل بقول الأئمة الذين حثوا أتباعهم على اتباع السنة وحذروهم من البدعة أو نعمل بقول أتباعهم الذين استحسنوا ما لم يعمله أئمتهم بل لم يعمله نبيهم ولا أصحابه ولا أتباعهم ؟ .
وهل يمكن أن تجود أذهان هؤلاء بفعل المولد الذي يرونه تعظيماً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا تجود أذهان الأئمة به ؟ . أهؤلاء أكثر تعظيماً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأكثر حباً له من الأئمة ؟
أم أنهم أعلم بالأدلة الشرعية ومقاصدها منهم؟ .
أيها المسلم الكريم اترك الجواب لك .
الشيخ ابن الجوزي
__________
(1) سبق ص26 .
ثم قال : " 5 ـ وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : ( من
خواصه أنه أمان في ذلك العام ، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام ) " .
نقول : كيف علم ابن الجوزي رحمه الله تعالى أن من خواص إقامة المولد أنه أمان في ذلك العام هل علم ذلك بدليل شرعي أم علمه بالاستقراء والتتبع لأحوال كل من يقيمون المولد في كل البلدان ؟ .
لو قلتَ : علمه بالدليل الشرعي .
سنقول : ألستم تقولون أن أول من أقام المولد هو الملك المظفر ؟
يعني أنه حدث بعد انقطاع الوحي فقولك مردود .
ولو سلمنا سنقول : هات هذا الدليل .
وإن قلتَ : علمه بالاستقراء والتتبع .
قلنا : هذا ظاهر الكذب , فمَنْ هذا الذي يستطيع أن يتتبع أحوال كل من يقيمون المولد في كل بلد ؟ .(1/32)
ثم نقول : أنتم لم تأتوا بالدليل الشرعي الصحيح على مشروعية إقامة المولد , بل اعترفتم أنه محدث وبدعة , فللمخالف أن يقول لكم : أن فعل البدع سبب للمصائب والبلاء , والمتأمل لواقع المسلمين يلاحظ هذا , فقد حصل في الموالد في كثير من بلاد المسلمين مخالفات شرعية كثيرة , أهونها الاختلاط والإسراف, وأشدها وأقبحها الشرك بالله تعالى حيث يستغاث بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله - سبحانه وتعالى - , ويحصل فيها الغلو الذي ذمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يكاد يخلو مولد من قراءة قصيدة البردة وفيها :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
قرأتَ أيها المسلم هذه الأبيات , اقرأ الآن قوله - سبحانه وتعالى - : " قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ " [الأنعام: 50] , الله - سبحانه وتعالى - يقول لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم قل للناس:(ولا أعلم الغيب ) , وهذا يقول :(ومن علومك علم اللوح والقلم ) فهل هذا تعظيم يرضاه الله - سبحانه وتعالى - أو يرضاه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
كنت أتحدث مع شخص عن هذا الذي يقع في الموالد فذكرت هذه الأبيات , فقال لي هذا الرجل : قد سألت شيخي عن هذه الأبيات مَن المقصود بها ؟
فقال لي الشيخ : المقصود بها هو الله - سبحانه وتعالى - .
أقول : تأمل أيها القارئ كيف استغفله شيخه ولبَّس عليه .
فقلت له : هل يقال لله - سبحانه وتعالى - : ( يا أكرم الخلق ) وهو سبحانه الخالق لكل شيء ؟ .
فانتبه الرجل وسكت .
لماذا يكذب عليه شيخه وهو يعلم أن المقصود هو الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .(1/33)
لأنه يعلم أن هذا الرجل لن يقبل بفطرته وهو يقرأ القرآن الكريم وفيه آيات كثيرة تبين أنه لا يعلم الغيب إلا الله - سبحانه وتعالى - وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم إلا ما علمه الله إياه , فلما خشي أن ينفر منه كذب عليه فلو كان هذا الشيخ يعلم أن هذا هو الحق فلماذا يكتمه وقد قال الله تعالى : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " [ آل عمران:187] .
فمن أين سيأتي الأمن إذا كان الله تعالى يُعصى بأشد وأقبح المعاصي وهو الشرك " إن الشرك لظلم عظيم " [ لقمان:13] ؟! .
فإن قيل : قوله هذا إنما يعني به الموالد التي ليس فيها هذه المنكرات .
نقول : أليس الابتداع في الدين من المنكرات ؟ .
ثم نقول : لو كان ما قاله ابن الجوزي حقاً فقد أعظموا الفرية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن الأمن والأمان من الأمور المطلوبة لكل إنسان فلماذا يكتم النبيصلى الله عليه وآله وسلم ذلك عنا ؟
الشيخ السيوطي
قال ابن خطار : " 6 ـ وقال السيوطي
رحمه الله تعالى : ( هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها ، لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار الفرح و الاستبشار بمولده الشريف ) .
وقال أيضا : ( يستحب لنا إظهار الشكر بمولده صلى الله عليه وآله وسلم والاجتماع وإطعام الطعام
ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات ) .
وقال أيضا : ( ما من بيت أو محل أو مسجد قرئ فيه مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا حفت
الملائكة أهل ذلك المكان وعمهم الله تعالى بالرحمة والرضوان ) " .
نقول : زعم السيوطي ـ رحمه الله تعالى ـ عدة أمور :
1ـ أن المولد بدعة حسنة .
2ـ أن فاعله يثاب عليه .
3 ـ أن إقامة المولد مستحب لأنه من إظهار الشكر .
4ـ أن الملائكة تحف المكان الذي يقام فيه المولد ويعمهم الله بالرحمة والرضوان .
أليست هذه الأمور محبوبة مرغوبة عند كل مسلم .(1/34)
لماذا يموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يعلمنا هذا ؟
مئات الآلاف من الأمة ماتوا خلال ستة قرون كلهم فاتهم هذا الفضل العظيم
من الذي يتحمل مسؤولية هذا ؟
هل يعقل هذا عندك أيها المسلم ؟!
هذا الذي ذكره السيوطي هي آثار الطاعة ــ أي طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهم يعترفون أن المولد لم يفعله السلف , والدين قد كمل بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف سيكون المولد من الطاعات ؟! .
بل للمخالف أن يقول : المولد بدعة شرعية .
والبدع الشرعية كلها ضلال لا يثاب فاعلها .
بل إن كان يعلم أنه بدعة ومع ذلك أصر على فعله , فهو آثم .
والملائكة تبغض المعاصي وأماكن المعاصي وتنفر منها .
فهل يمكن للملائكة أن تجتمع مع أناس يقولون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
(( ومن علومك علم اللوح والقلم )) ؟! .
الشيخ ابن الحاج
والشيخ ابن دحلان
قال المؤلف ( ابن خطار ) : " 7 ـ وقال ابن الحاج
رحمه الله تعالى : ( فكان يجب أن نزداد يوم الإثنين الثاني عشر في ربيع الأول من العبادات والخير شكراً للمولى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة وأعظمها ميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ) .
8 ـ وقال الشيخ أحمد زيني دحلان رحمه الله تعالى :
( ومن تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم الفرح بليلة ولادته وقراءة المولد ) " .
نقول : قول ابن الحاج : (( فكان يجب )) هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم هذا الواجب أو لا يعلمه ؟ . لا بد أن يقال : كان يعلمه .
فهل علمنا إياه أم لم يعلمنا ؟
إن قلتم : لم يعلمنا .
قلنا لكم : يسعكم ما وسع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإن كان قد سكت عنه فاسكتوا كما سكت صلى الله عليه وآله وسلم .
وإن قلتم : بل علَّمَنا .
قلنا : هات هذه الأدلة .(1/35)
أنتم قد أقررتم أن المولد لم يعمله أوائل هذه الأمة فهذا يدل على أن الطريقة الشرعية لشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة هي طريقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن استن بسنته واهتدى بهديه وهي صوم يوم الإثنين لا الاحتفال في ليلته فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال : (( ذاك يوم ولدت فيه ))(1) فهل عندكم دليل شرعي صحيح صريح يدل على ما تدعون إليه ؟ .
الحافظ العراقي
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " 9 ـ وقال الحافظ العراقي رحمه الله :
(إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت ، فكيف إذا انظم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشهر الشريف ، ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروهاً ، فكم من بدعة مستحبة بل قد تكون
واجبة ) " .
أقول : سبحان الله العظيم الحافظ العراقي مقر بأنه بدعة ومع هذا يقول: (( ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروهاً ، فكم من بدعة مستحبة بل قد تكون واجبة ))
نقول له : الاستحباب والوجوب من الأحكام الشرعية والأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل شرعي , وليس هنا دليل شرعي صحيح صريح يدل عليه فمن أين سيأتي الاستحباب ؟!
ومن باب أولى من أين سيأتي الوجوب ؟! .
أيها المسلم : لا تقل هذا عالم حافظ فكيف يخفى عليه ذلك ؟ .
لأننا سنقول لك : وكيف يخفى هذا على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أصحابه وعلى التابعين وعلى الأئمة الأربعة وغيرهم من سلف الأمة ؟
__________
(1) مسلم (2060) .
والحافظ العراقي هو عالم حافظ لكنه ليس بنبي معصوم , وإذا لم يكن معصوماً فهذا خطأ من أخطائه , ونحن لا نُخَطِّئ الناس بغير حجة فهذا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (( كل بدعة ضلالة )) والحافظ العراقي يقول : هناك بدعة مستحبة بل قد تكون واجبة فلا يمكن أن نقدم قوله على قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
الحافظ ابن حجر(1/36)
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " 10ـ وقال شيخ الإسلام
ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى : ( أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عملها المحاسن وجنب ضدها كان بدعة حسنة ، وإلا فلا , وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكراً لله تعالى ، فيستفاد منه الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع من العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم ، وعلى هذا فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من التلاوة والإطعام وإنشاد شيء من المدائح النبوية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة ، وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال : ما كان من ذلك مباحاً بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به ، وما كان حراماً أو مكروهاً فيمنع
وكذا ما كان خلاف الأولى ) " .
نقول: تأمل قول الحافظ ابن حجر: (( أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة )) فنحن يسعنا ما وسع سلفنا الصالح .
فالخير كل الخير في اتباع من سلف والشر كل الشر في ابتداع من خلف .(1/37)
ونحن مع احترامنا لابن حجر ومعرفتنا بمكانه وفضله فلن نقدمه على أهل العلم والفضل في القرون الثلاثة الأولى ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى إمام ابن حجر لأن ابن حجر شافعي المذهب فابن حجر كغيره من البشر ليس بمعصوم فنقول له : هذا الحديث الذي جعلته أصلاً للمولد هل علمه علماء القرون الثلاثة أم لم يعلموه ؟ . الجواب معلوم لأنه حديث صحيح مخرج في كتبهم .
فالسؤال إذاً : هل قصُرَت أفهامهم عما فهمه ابن حجر ؟ .
مَنْ قال : نعم , فقد أزرى بنفسه وأشار إليها بالجهل .
إذاً نقول : أيهم أهدى أهل القرون الثلاثة أم مَنْ جاء بعدهم ؟ .
الحافظ ابن حجر ولد عام (773هـ) وتوفي عام (852هـ) قبله ثمانية قرون
كلهم لم يفهموا ما فهمه ابن حجر ولم ينتبهوا له ـ وهوأمر شرعي ـ هل يعقل هذا ؟!
ونقول له أيضاً : لو سلمنا لك ما قلتَ وأن الحديث يدل على ذلك فكان الأولى أن
تقف عند ما دل عليه النص وهو الصوم في ذلك اليوم شكراً لله تعالى على نعمته ببروز هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما الزيادة عليه بل جعل الاحتفال مشروعاً في ليلته فخالفتم النص في الزمن فالنص في النهار وأنتم جعلتموه في الليل وخالفتموه
في الصفة إذ ليس في النص إلا الصيام وأنتم جعلتموه احتفالا
فهذا لا يدل عليه الدليل ونحن نطالبك بالدليل كما نطالب من قال بقولك (( هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) .
قف أيها القارئ الكريم هنا وتأمل ؛ المؤلف اجتهد في نقل ما يمكنه نقله من الأدلة ثم انتقل ليذكر لنا قول من قال بمشروعية المولد فهذا الحافظ العراقي والحافظ ابن حجر والسيوطي والسخاوي ليس عندهم آية ولا حديث ولا قول صحابي ولا قول تابعي ولا قول إمام من أئمة المسلمين , ليس عندهم إلا ما قرأت فلو كان عندهم لنقلوه بل كلهم يعترف أن المولد محدث لم يكن في القرون الأولى ونحن إذا كنا نتناقش في أمر ديني شرعي هل هو مشروع أم لا ؟(1/38)
فلا يجوز أن نثبت له صفة المشروعية إلا بدليل شرعي , وهم لا يملكونه .
فكيف نثبت عبادة ـ لم يشرعها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ـ بأقوال الناس ؟! .
الشيخ ابن عابدين
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " 11 ـ وقال ابن عابدين
في شرحه على مولد ابن حجر : ( اعلم أن من البدع المحمودة عمل المولد الشريف من الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وقال أيضاً : ( فالاجتماع لسماع قصة صاحب المعجزات عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات من أعظم القربات لما يشتمل
عليه من المعجزات وكثرة الصلوات ) " .
نقول : ليس في كلامه جديد عما سبق .
لكن قوله : (( فالاجتماع لسماع قصة صاحب المعجزات ....))
نقول له : المسلم المحب لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم يحتاج في كل الأوقات أن يتعرف على سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهديه من أجل أن يقتدي به , وحلقات العلم التي يقيمها علماء السنة في كل زمن من عهد السلف إلى يومنا هذا هدفها تعليم الناس ذلك فهذا لا يقتصر على ليلة واحدة من السنة , بل هو في كل يوم من أيامها .
فتخصيص ليلة بهذا وتسميته مولد والتقرب إلى الله تعالى بذلك نريد
منكم الدليل الشرعي عليه .
الشيخ حسنين مخلوف
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " 12ـ وقال الشيخ
حسنين محمد مخلوف شيخ الأزهر رحمه الله تعالى:( إن إحياء ليلة المولد الشريف، وليالي هذا الشهر الكريم الذي أشرق فيه النور المحمدي إنما يكون بذكر الله تعالى وشكره لما أنعم به على هذه الأمة من ظهور خير الخلق إلى عالم الوجود ، ولا يكون ذلك إلا في أدب وخشوع وبعد عن المحرمات والبدع والمنكرات ، ومن مظاهر الشكر على حبه مواساة المحتاجين بما يخفف
ضائقتهم وصلة الأرحام ، والإحياء بهذه الطريقة وإن لم يكن مأثورا في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ولا في عهد السلف الصالح إلا أنه لا بأس به و سنة حسنة ) " .(1/39)
نقول : هذا الإحياء لهذه الليلة هو تخصيص زمن معين بعبادة خاصة وهذا التخصيص هو في الحقيقة تشريع , والتشريع حق من حقوق الله تعالى لا يجوز أن يجعل لغيره (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) ولهذا لم يفعل السلف الصالح ـ باعتراف الشيخ ـ المولد مع كمال حبهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحرصهم على الخير لأنهم يعلمون أن هذا تشريع لم يأت به من جاء بالشرع صلى الله عليه وآله وسلم لذلك وقفوا على السنة وآثروا الاتباع على الابتداع وجاء من بعدهم فآثر الابتداع على الاتباع فأي الفريقين على الحق ؟
وأي الفريقين أولى بالصواب ؟ .
وعلى هذا فقول الشيخ : (( ولا يكون ذلك إلا في أدب وخشوع وبعد عن المحرمات والبدع والمنكرات)) هذه الشروط لا يمكن أن تتحقق في أي مولد يقام في أي مكان في العالم لأن إقامة المولد فيه سوء أدب مع الله تعالى لأنهم يعبدونه بما لم يشرعه لهم .
وفيه سوء أدب مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأنه بين لهم كل ما يحتاجون إليه في أمر دينهم وأمرهم باتباع سنته وحذرهم من البدع فلم يعملوا بوصيته بل خالفوها وحجتهم أنهم يحبونه ويعظمونه فهل هذه هي المحبة ؟! .
وفيه سوء أدب مع سلفنا الصالح بأنهم سُبِقُوا إلى خير لم يفعلوه هم مع وجود سببه عندهم .
فإقامة المولد هو نفسه بدعة , فكيف ستتحقق وصية الشيخ :
(( وبعد عن المحرمات والبدع )) ؟
الشيخ الشعراوي
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " 13ـ وقال الشيخ
محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى : ( وإكراما لهذا المولد الكريم ، فإنه يحق لنا أن نظهر معالم الفرح والابتهاج بهذه الذكرى الحبيبة لقلوبنا كل عام ،
وذلك بالاحتفال بها من وقتها ... ) " .(1/40)
نقول : ليس في كلامه جديد على ما سبق لكن المؤلف أراد أن يجمع أكبر عدد ممكن من الذين قالوا بمشروعية المولد فنقول له ضع كل من ذكرتهم ومعهم من لم تذكرهم في كفة , وضع الأئمة الأربعة فقط ـ ولم أقل الصحابة ومن بعدهم إلى ثلاثة قرون ـ في كفة أخرى .
فأي الكفتين سترجح عندك ؟ .
الشيخ الطرازي
ثم قال المؤلف ( ابن خطار ) : " 14 ـ وقال المبشر الطرازي
رحمه الله تعالى : ( إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أصبح واجباً أساسياً
لمواجهة ما استجد من الاحتفالات الضارة في هذه الأيام " .
نقول : سبحان الله العظيم ؛ هل تكون مواجهة المنكرات التي سماها:
(( الاحتفالات الضارة )) بإحداث ما لم يأذن به الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن من هدي السلف ثم لا نكتفي بهذا الإحداث بل نجعله (( واجباً أساسياً )) .
إن الشرع أمرنا بإنكار المنكر لإزالته أو تخفيفه , وما دعا إليه الشيخ لم يزل المنكر الأول بل أحدث منكراً آخر وهو هذه البدعة .
فهل تعالج المشكلات بمشكلات أخرى ؟
وهل تعالج الأخطاء بأخطاء أخرى ؟! .
هذا لا يقره العقلاء , فأين ذهبت العقول ؟ .
أهكذا يصنع التعصب للهوى بأصحابه ؟ .
هل ما ذكره الشيخ يعتبر دليلاً شرعياً يعتد به ؟ .
أيها المسلم تأمل هذا واسأل الله الثبات على الحق , فلو سار الناس على هذا المبدأ وهو معالجة الانحرافات بانحرافات أخرى فهل سيبقى الدين كما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
عودة ابن خطار إلى قصة ثويبة
ثم قال ابن خطار : " قصة عتق ثويبة :
يذكر العلماء في كتب الحديث والسيرة قصة عتق أبي لهب لجاريته ثويبة
لما أخبرته بولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن العباس بن عبد المطلب رأى أبا لهب في النوم بعد
وفاته فسأله عن حاله فقال : لم ألق خيراً بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي
ثويبة وإنه ليخفف علي في كل يوم إثنين .(1/41)
قلت : هذا الخبر رواه جملة من أئمة الحديث والسير ، مثل الإمام عبد الرزاق
الصنعاني ، والإمام البخاري ، والحافظ ابن حجر ، والحافظ البيهقي ، وابن
هشام ، والسهيلي ، والحافظ البغوي ، وابن الديبع ، والأشخر ، والعامري ،
وسأبين ذلك بالتفصيل : ... " .
نقول: قد سبق في (ص13) التنبيه إلى عدم وجود قوله : (( لما أخبرته بولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم )) في الخبر .
وكذلك عدم وجود قوله : (( وإنه ليخفف عليَّ في كل يوم إثنين )) أيضاً.
والمؤلف هنا ذكر جملة من أئمة الحديث والسير ممن ذكر هذه القصة , وسوف ننظر في المواضع التي ذكرها هل ذكروا فعلاً هاتين الزيادتين التي يستدل بهما المؤلف ومن نقل عنهم على مشروعية المولد أم لا ؟ .
ذكر الصنعاني والبخاري لقصة ثويبة
قال ابن خطار : " فأما الإمام عبد الرزاق الصنعاني فقد رواه في
المصنف ( 7 / 478 ) , وأما الإمام البخاري فقد رواه في صحيحه بإسناده إلى عروة بن الزبير مرسلاً في كتاب النكاح : باب
{ وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } " .
بدأ المؤلف بالإمام عبد الرزاق الصنعاني وسأنقل لك أيها القارئ الكريم ما ذكره الصنعاني في مصنفه (7/477) :
حيث ذكر الحديث وفيه : (( ... قال عروة : وكانت ثويبة مولاة لأبي لهب أعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم فقال له : ماذا لقيت ,أو قال وجدت ,؟ قال أبو لهب : لم ألق , أو أجد , بعدكم رخاء , أو قال : راحة غير أني سقيت في هذه مني لعتقي ثويبة وأشار إلى النقرة التي تلي الإبهام والتي تليها )) .
قرأت أخي المسلم ما ذكره الصنعاني هل فيه الزيادة ؟ .
الجواب : لا .(1/42)
لاحظت أيها القارئ الكريم أن المؤلف لا يريد إلا أن يهول الأمر على من يقرأ كتابه ويوهمه أن هناك علماء كُُثر ذكروا القصة كما ذكرها هو مع الزيادة وهذا ـ للأسف ـ دليل على اتباعه للهوى وعدم اهتمامه باتباع الدليل لأنه لو أراد الحق لكان أميناً في النقل .
وأما ما ذكره عن الإمام البخاري فقد سبق في (ص14) أن ذكرنا لك أخي الكريم لفظ البخاري , ارجع إليه وانظر فيه , هل وجدت فيه الزيادة ؟
الجواب : لا , ليس فيه تلك الزيادة .
إذاً لماذا يذكر المؤلف البخاري ويوهم أنه ذكر الزيادتين ؟
الجواب : لأن الهوى يعمي ويصم .
ذكر ابن حجر والبيهقي لقصة ثويبة
قال ابن خطار : " وأما ابن حجر
فقد ذكره في الفتح وقال : إنه رواه الإسماعيلي من طريق الذهلي عن أبي اليمان ، ورواه عبد الرزاق عن معمر وقال : وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة ، لكنه مخالف لظاهر القرآن ، قال الله تعالى:
{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً } , وأجيب : أولاً : بأن الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به ، وعلى تقدير أن يكون موصولاً فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه ، ولعل الذي رآه لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتج به .
وثانياً : على تقدير القبول ، فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مخصوصاً من
ذلك ، بدليل قصة أبي طالب أنه خُفِّف عنه فنقل من الغمرات إلى الضحضاح
وقال البيهقي : ما ورد من بطلان الخير للكفار فمعناه أنهم لا يكون لهم التخلص من النار ولا دخول الجنة ، ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات . وأما عياض فقال : انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب ، وإن كان بعضهم أشد عذاباً من بعض .(1/43)
قلت: وهذا لا يرد الاحتمال الذي ذكره البيهقي ، فإن جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر , وأما ذنب غير الكفر فما المانع من تخفيفه ؟.
وقال القرطبي: هذا التخفيف خاص بهذا وبمن ورد النص فيه ، وقال ابن المنير في الحاشية : هنا قضيتان :
أحدهما محال : وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره ، لأن شرط الطاعة أن تقع
بشرط صحيح ، وهذا مفقود من الكافر .
والثانية : إثابة الكافر على بعض الأعمال تفضلاً من الله تعالى ، وهذا لا يحيله
العقل ، فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبي لهب لثويبة قربة معتبرة ، ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء كما تفضل على أبي طالب ، والمتبع في ذلك التوقيف نفياً وإثباتاً .
قلت : وتتمة هذا أن يقع التفضل المذكور إكراماً لمن وقع من الكافر البر
له ونحو ذلك . والله أعلم " .
نقول : لم يذكر ابن حجر في الفتح إلا ما ذكره الإمام البخاري , أي أنه لم يذكر الزيادة . أريد أيها القارئ الكريم منك أن ترجع إلى (ص47) من هذا الكتاب لتنظر هناك إلى كلام ابن حجر الذي نقله المؤلف وناقشناه في ذلك الموضع .
رجعت إليه وتأملته لاحظت قول ابن حجر: (( و ظهر لي تخريجها على أصل ثابت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكراً لله تعالى )) لو كان في قصة ثويبة دليل على مشروعية المولد لذكر ذلك ابن حجر لكنه استدل بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصيام يوم عاشوراء فعلى أي شيء يدل هذا ؟ .
المؤلف نقل كلام ابن حجر السابق يعني أنه يعلمه لا يجهله فما الذي دهاه ؟
"$pk¨Xخ*sù لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ " .
وقد ذكر المؤلف ( ابن خطار ) من أئمة الحديث الذي ذكروا قصة ثويبة : البيهقي ولكن المؤلف لم يذكر روايته وسوف أذكرها لك أخي القارئ لتتأملها :(1/44)
ذكر البيهقي الحديث في السنن الكبرى (7/162) وفيه : ((... قال عروة : ثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما مات أبو لهب ...)) بقية الحديث رواه بنحو رواية البخاري.
لاحظت أخي القارئ أن رواية البيهقي ليس فيها الزيادة التي يستدل بها المؤلف.
ذكر ابن هشام وابن الديبع لقصة ثويبة
وقدذكر المؤلف أيضاً ابن هشام ولم يذكر لفظه وقد بحثت عن هذه القصة في سيرة ابن هشام فلم أجدها ويظهر أن المؤلف نقل ذلك عن غيره أن ابن هشام ذكرها ولم يكلف نفسه عناء البحث والتأكد من صحة ما ينقل .
ولا يعنينا هذا كثيراً لأننا نريد ما يثبت الخبر من كتب السنة أما كتب السيرة فإنها تذكر الروايات والقصص بغير أسانيد في الغالب ويتساهل العلماء في ذلك , أما إذا كانت هذه الروايات والقصص نريد أن نستنبط منها أحكاماً فلا بد من ثبوتها بالسند الصحيح .
قال المؤلف : " وأما الحافظ عبد الرحمن بن الديبع
الشيباني صاحب الأصول فقد رواه في سيرته وقال معلقاً : ( قلت :
فتخفيف العذاب عنه إنما هو كرامة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما خفف عن أبي طالب لا
لأجل العتق لقوله تعالى: { وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون } ) " .
تعليقنا على هذا الكلام هو ما سبق .
ذكر البغوي والعامري والسهيلي
قصة ثويبة
قال ابن خطار : " أما الحافظ البغوي فقد رواه في
شرح السنة (9 / 76) .
وأما العامري فقد رواه في بهجة المحافل ، وقال شارحه الأشخر :
قيل : هذا خاص به إكراماً له صلى الله عليه وآله وسلم كما خفف عن أبي طالب بسببه .
وقيل: لا مانع من تخفيف العذاب عن كل كافر عمل خيراً .
وأما السهيلي فقد رواه في الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام وقال بعد نقل الخبر: فَنَفَعَه ذلك وهو في النار كما نفع أخاه أبا طالب(1/45)
[ ذبه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو أهون أهل النار عذاباً وقد تقدم في باب أبي طالب ](1) أن هذا النفع إنما هو نقصان من العذاب ، وإلا فعمل الكافر كله محبط بلا خلاف أي لا يجده في ميزانه ، ولا يدخل به جنة " .
أقول : أما البغوي رحمه الله تعالى ذكر هذا الحديث بنحو ما ذكره البخاري فليس فيه الزيادة التي ذكرها المؤلف .
وأما كتاب العامري فهو كتاب في السيرة ذكر فيه الزيادة بغير سند
فكيف نأخذ حكماً شرعياً من خبر لا يثبت عن المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم
__________
(1) مابين القوسين سقط من كتاب المؤلف وقد استدركته من الأصل وهو كتاب الروض للسهيلي .
وأما السهيلي فقد ذكر في كتابه نفس رواية البخاري , ثم قال : (( وفي غير البخاري أن الذي رآه من أهله هو أخوه العباس ...)) وذكر الخبر وفيه الزيادة لكن بغير أن يذكر سنداً أو يذكر المصدر الذي أخذ منه هذا الخبر .
فهل يؤخذ الدين وأحكامه من مثل هذه الأخبار التي لا نعرف صحتها من ضعفها ؟
لاحظت أخي المسلم أن أئمة الحديث لم يذكروا ما ذكره المؤلف من الزيادات وقد ذكرنا سابقا (ص14) ضعف هذه الزيادات من حيث الرواية لكن المؤلف عاد فذكر القصة مرة أخرى فماذا يريد ؟
يريد أن يثبت القصة عنوة حتى أنه تناسى الأمانة العلمية في النقل فأوهم القارئ أن البخاري والبيهقي والبغوي والصنعاني كلهم ذكر هذه الزيادة , وهي ليست عندهم .
ومع هذا سنريح المؤلف وسنقول : أتريد أن نقول بثبوت هذه الزيادة ؟ .
لو قلنا بثبوتها وأرحناك فليس فيها دليل على مشروعية الاحتفال بالمولد كما سبق أن ذكرنا (ص14) .(1/46)
وأنت بدعواك ومحاولتك الاستدلال بها تناقض نفسك , فأنت قد نقلت كلام العلماء مقراً لهم أن المولد لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة المفضلة بل قد ذكرت أنت أن أول من أحدث المولد هو صاحب إربل الملك المظفر فمعنى ذلك أنك تقر عدم ورود دليل على مشروعية المولد ثم تأتي الآن مستميتاً في محاولة إثبات القصة على أنها دليل على مشروعية المولد , فهل تعلم أن محاولتك هذه فيها اتهام للسلف؛ إما بجهلهم لهذا الدليل وعدم علمهم به أصلاً , أو علمهم به لكنهم لم يفهموه , أو فهموه لكن ليس عندهم الهمة والاجتهاد والحرص على العمل به .
وكل هذه الاحتمالات باطلة .
لهذا أقول لك : اتق الله - سبحانه وتعالى - ما هكذا تناقش المسائل الشرعية علمياً .
خاتمة المؤلف (ابن خطار) في الكلام
على قصة ثويبة
قال ابن خطار : " وحاصل البحث أن هذه
القصة مشهورة في كتب الأحاديث وفي كتب السير ، ونقلها حفاظ معتبرون معتمدون ويكفي في توثيقها كون البخاري نقلها في صحيحه المتفق على جلالته ومكانته وكل ما فيه من المسند صحيح الثبوت بلا خلاف ، حتى المعلقات والمرسلات فإنها لا تخرج عن دائرة المقبول ، ولا تصل إلى المردود ، وهذا يعرفه أهل العلم المشتغلون بالحديث والمصطلح " .
أقول للقارئ : تأملت في كلام المؤلف يريد أن يظهر للقارئ اطلاعه على علم المصطلح ومعرفته به وأنا أقول له: لن اتهمك بالكذب لكني آسف أشد الأسف أنك لم تعمل بما تعلم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ " [الصف:2ـ3] .
ألست تعلم أن أهل العلم المشتغلين بالحديث والمصطلح لا يجيزون ما فعلته وهو نسبة القصة مع زيادتها إلى مَنْ لم يخرجها ؟
وأنت هنا نسبت القصة مع زيادتها إلى البخاري وهو لم يذكر الزيادة ؟ فإن كنت لا تعلم فتلك مصيبة, وإن كنت تعلم فالمصيبة أعظم .(1/47)
ثم قال المؤلف: " ثم إن هذه المسألة من المناقب
والفضائل والكرامات التي يذكرها العلماء في كتب الخصائص والسير ، ويتساهلون في نقلها , ولا يشترطون فيها الصحيح بالمعنى المصطلح عليه ، ولو ذهبنا إلى اشتراط هذا الشرط لما أمكننا ذكر كثير من حوادث سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة وبعد البعثة مع أنك تجد كتب الحفاظ الذين عليهم العمدة وعلى صنيعهم المعول ، والذين منهم عرفنا ما يجوز وما لا يجوز ذكره من الحديث الضعيف نجد
كتبهم مملوءة بالمقطوعات والمراسيل وما أخذ عن الكهان وأشبهاهم في
خصائص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك مما يجوز ذكره في هذا المقام " .
أقول : كلامك هذا غير مقبول ولن أطيل في نقاشه لكني أسألك : هؤلاء العلماء الحفاظ هل يجيزون أن نأخذ الأحكام الشرعية من تلك الأخبار والحوادث ولو كانت مأخوذة من الكهان وأشباههم وننازع العباد فيها ونأمرهم بها ؟ .
إن قلت : نعم يجيزون ذلك فهذه مصيبة واتهام لهؤلاء العلماء لأنه يلزم من ذلك أمر خطير وهو التشريع بأحاديث وأخبار لا نعلم ثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
إيراد ابن خطار شبهات
على قصة ثويبة
(الشبهة الأولى)
قال المؤلف : " أما قول من قال : إن هذا الخبر يُعارض
قوله تعالى : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً ) ،
فهذا قول مردود بما قاله العلماء ونقلناه عنهم سابقاً ، وتحرير الكلام في هذا
المقام هو أن الآية تدل على أن أعمال الكفار لا ينظر إليها وليس فيها أنهم
سواء في العذاب ، وأنه لا يخفف عن بعضهم العذاب كما هو مقرر عند العلماء
وكذلك الإجماع الذي حكاه عياض ، فإنه في عموم الكفار ، وليس فيه أن الله
تعالى لا يخفف العذاب عن بعضهم لأجل عمل عملوه ، ولهذا جعل الله تعالى(1/48)
جهنم دركات ، والمنافقون في الدرك الأسفل منها . ثم إن هذا الإجماع يرده النص الصحيح ، ولا يصح إجماع مع مخالفة النص كما هو معلوم للطلبة وذلك أنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمه العباس حين سأله عن عمه أبي طالب وما هو جزاؤه إذ كان يحوطه ويغضب له فقال : ( إنه لفي ضحضاح من النار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل ) فها هو أبو طالب قد نفعه دفاعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أجل ذلك من غمرات النار إلى ضحضاح منها
فالتخفيف عن أبي لهب من هذا الباب أيضا لا منكر فيه ، والحديث يدل على
أن الآية المذكورة فيمن لم يكن لهم عمل يوجب التخفيف ، وكذلك الإجماع
وفي حديث أبي طالب المذكور دلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتصرف الآن وقبل يوم
القيامة في أمور الآخرة ، ويشفع لمن تعلق به ودافع عنه " .
نقول : ليتك أيها المؤلف تعلم ذلك المعلوم لدى الطلبة وتعمل به .
أنتَ الآن تزعم أن من ضَعَّفَ الخبر من حيث الرواية ثم أَيَّد قوله بمعارضة الخبر لعموم الآية أن قوله مردود .
فأريد منك أن تتأمل قولك ؛ الخبر ضعيف , فهل يصح أن نخصص عموم آية بخبر ضعيف ؟
إذاً هم بعد أن أثبتوا ضعف الخبر بينوا أن مما يدل على ضعفه مخالفته لعموم الآية . أما تخفيف العذاب عن أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما(1) .
فنقول بحبوط عمل الكافر يوم القيامة قال تعالى : (( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك )) [الزمر:65] , فلا ينفع الكافر يوم القيامة ما عمله من الصالحات وأما أبو طالب فقد جاء الدليل الصحيح الثابت الذي يدل على تخفيف العذاب عنه . وإن زعمت أن غيره مثله فأتنا بدليل شرعي صحيح صريح كالذي جاء في أبي طالب أما بمثل الخبر الذي تستميت للدفاع عنه فلا يصلح لذلك كما هو معلوم للطلبة .(1/49)
وأما قولك : (( وفي حديث أبي طالب المذكور دلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتصرف
الآن وقبل يوم القيامة في أمور الآخرة ، ويشفع لمن تعلق به ودافع عنه))
فهذه قضية أخرى تحتاج إلى وقفة معك ولن أخرج عن موضوع الكتاب وهو ما يتعلق بالمولد لكني سأوجه إليك هذا السؤال :
هل فهم العباس - رضي الله عنه - مافهمته أنت ؟ وهل فهم هذا أحد من الصحابة الكرام ؟
بل أقول: هل فهمه أحد من أئمة الإسلام أبو حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد أو الليث بن سعد أو الأوزاعي أو البخاري أو مسلم أو ... ؟
لن تستطيع أن تأتي بواحد منهم قال بما قلت , وإذا كان أولئك الأئمة على الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ .
(الشبهة الثانية)
قال المؤلف (ابن خطار) : " وأما قول من قال : إن هذا الخبر
رؤيا منام لا يثبت بها حكم ، فإن هذا القائل ، هداه الله للصواب ، لا يفرق بين
الأحكام الشرعية وغيرها ، أما الأحكام الشرعية فإن الخلاف واقع بين الفقهاء :
هل يجوز أخذ الأحكام وتصحيح الأخبار برؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام أم لا ؟
وأما غيرها فإن الاعتماد على الرؤيا في هذا الباب لا شيء فيه مطلقاً , وقد
اعتمد عليها الحفاظ وذكروا ما جاء في رؤيا أهل الجاهلية قبل بعثة رسول الله
__________
(1) البخاري (3699 ) , مسلم ( 339 ) .
صلى الله عليه وآله وسلم المنذرة بظهوره وأنه سيقضي على الشرك وما هم عليه من فساد وكتب
السنة مملوءة بهذا وفي مقدمتها كتاب دلائل النبوة وعدوها من الإرهاصات التي
لا مانع من الاستدراك في شأنها بالرؤيا ولولا ذلك لما ذكروها " .
أقول : عذراً أيها القارئ الكريم ارجع لقول المؤلف واقرأه مرة أخرى , كرر القراءة عدة مرات مع التأمل , ما رأيك ؟
لاحظ قوله : ((فإن هذا القائل ، هداه الله للصواب ، لا يفرق بين الأحكام الشرعية وغيرها )) لم يبين المؤلف ماذا يقصد بقوله :(( وغيرها )) .(1/50)
ثم تأمل كلامه , واضح أنه يرى أن الرؤى المنامية إذا كانت متعلقة بالأحكام الشرعية فلها حكم يخصها حيث قال : ((فإن الخلاف واقع بين الفقهاء : هل يجوز أخذ الأحكام وتصحيح الأخبار برؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام أم لا ؟ )).
لا شك أنه معلوم عندك أيها القارئ أن المؤلف لا يقصد الرؤى التي يراها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام لأن رؤيا الأنبياء وحي فهي حق لا إشكال فيه .
لكنه يقصد لو أن مسلماً رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام يأمره وينهاه بأمر لم يرد به نص من القرآن والسنة فهل تعتبر هذه الرؤيا حجة في إثبات هذا الأمر أم لا ؟ .
لم يبين المؤلف هذا الخلاف ولم يذكر الراجح عنده فيه(1)(2).
وأما إذا كانت الرؤى متعلقة بغير الأحكام الشرعية فهو يرى الاعتماد عليها وأنها حجة .
تأمل أيها القارئ كلامه , هل يريد أن يقول أن مسألة تخفيف العذاب عن الكافر ليست من الأحكام الشرعية فيقبل فيها المنامات ؟ .
أم يريد أن يقول أن مسألة الاحتفال بالمولد ليست من الأحكام الشرعية فيقبل فيها المنامات ؟ .
كلا الأمرين من الأحكام الشرعية .
فالأمر الأول من مسائل الغيب التي لا يجوز التحدث فيها إلا بوحي .
فهل تلك المنامات وحي ؟
__________
(1) انظر مسألة المنامات هل يؤخذ منها أحكام شرعية أم لا ؟ في الإعتصام للشاطبي (1/198) , وإرشاد الفحول للشوكاني ص219 .
والأمر الثاني نقل المؤلف ما أمكنه في هذا الكتاب من أجل إثبات مشروعيته فقد نقل قول من قال : أنه بدعة حسنة , ومن قال : مستحب , بل نقل قول المبشر الطرازي : (( إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أصبح واجباً أساسياً )).
وكلمة : (بدعة حسنة) و (مستحب) و (واجب) من الأحكام الشرعية كما هو معلوم لدى الطلبة .
وأما قوله : (( وفي مقدمتها كتاب دلائل النبوة وعدوها من الإرهاصات التي لا مانع من الاستدراك في شأنها بالرؤيا ولولا ذلك لما ذكروها )) .(1/51)
فنقول : كتاب دلائل النبوة الذي ذكرته من هو مؤلفه ؟
أقول : ليس هذا عندي بمهم ربما أراد أن يقول : كتب دلائل النبوة فقال: (( كتاب )) .
لكن قوله : ((وعدوها من الإرهاصات التي لا مانع من الاستدراك في شأنها بالرؤيا ولولا ذلك لما ذكروها )) .
أيها المسلم كرر قراءة هذا الكلام , هل فهمته ؟ .
ماذا يريد بقوله : (( الاستدراك )) ؟ الاستدراك على مَنْ؟!
هل هو استدراك على الشرع أم ماذا ؟ .
أريد منك أيها المؤلف أن تنقل لنا قول أحد من العلماء
الذين قالوا بهذا لنفهم ماذا تريد
(الشبهة الثالثة)
قال المؤلف : " فقول القائل في شأن رؤيا العباس :
إنها ليست بحجة ولا يثبت بها حكم ولا خبر ، خروج عن عمل الأمة
من الحفاظ وغيرهم ، والمراد به التهويل لا غير ،
وما هكذا يكون شأن الباحث عن الحق والأمر لله " .
نعم ـ والله ـ الأمر لله من قبل ومن بعد .
أيها القارئ الكريم: أقرأ كلام المؤلف جيداً ولاحظ التناقض في كلامه فقد قال سابقاً : (( وأما قول من قال : إن هذا الخبر رؤيا منام لا يثبت بها حكم ، فإن هذا القائل ، هداه الله للصواب ، لا يفرق بين الأحكام الشرعية وغيرها ، أما الأحكام الشرعية فإن الخلاف واقع بين الفقهاء ... )) .
والآن يقول : (( فقول القائل في شأن رؤيا العباس: إنها ليست بحجة ولا يثبت بها حكم ولا خبر ، خروج عن عمل الأمة من الحفاظ وغيرهم )) .
في الكلام السابق لم يجعل رؤيا العباس من الأحكام الشرعية بل اعتبرها داخلة في قوله : (( وغيرها )) , وفي هذا الكلام يرى أن من قال : لا يثبت بها حكم ولا خبر , أنه (( خروج عن عمل الأمة )) .
فهو ينقل كلام غيره دون تدبر ولا تأمل , لذلك لا يلاحظ التعارض والتناقض بل يريد أن يظهر للناس أن لديه أدلة كثيرة على مشروعية المولد .
فأقول له : ما أردت إلا التهويل لا غير .
فهل هذا شأن الباحث عن الحق ؟.
(الشبهة الرابعة)
ثم قال المؤلف: " وأما من قال: إن الرائي والمخبر(1/52)
هو العباس في حال الكفر ، والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم ، فإن
هذا القول مردود ، لا رائحة للعلم فيه ، وهو باطل ، ذلك لأنه لم يقل أحد أن
الرؤيا من باب الشهادات مطلقاً ، وإنما هي بشارة لا غير فلا يشترط فيها دين
ولا إيمان بل ذكر الله تعالى في القرآن معجزة يوسف - عليه السلام - عن رؤيا ملك مصر
وهو وثني لا يعرف ديناً سماوياً مطلقاً ، ومع ذلك جعل الله تعالى رؤيته المنامية
من دلائل نبوة يوسف - عليه السلام - ، وفضله ، وقرنها بقصته ، ولو كان ذلك لا يدل على شيء لما ذكرها الله تعالى ، لأنها رؤيا مشرك وثني لا فائدة فيها لا في التأييد ولا في الإنكار . ولهذا ذكر العلماء أن الكافر يرى الله تعالى في المنام ويرى في ذلك ما فيه إنذار له وتوبيخ وتقريع ، والعجب كل العجب من قول القائل : إن العباس رأى ذلك في حال كفره والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم ، فإن هذا القول يدل على عدم المعرفة بعلم الحديث إذ المقرر في المصطلح أن الصحابي أو غيره إذا تحمل الحديث في حال كفره ثم روى ذلك بعد إسلامه أُخِذَ ذلك عنه ، وعُمل به .
وانظر أمثلة ذلك في كتب المصطلح لتعرف بعد صاحب هذا عن العلم وإنما الهوى هو الذي حمل المعترض على الدخول فيما لا يتقنه " .
أقول : قد أزكمت أنوفنا برائحة علمك ونحن نرى كيفية نقلك واستدلالك فيحق عليك قول القائل : (( رمتني بدائها وانسلت )) .
فقولك : ((ذلك لأنه لم يقل أحد أن الرؤيا من باب الشهادات مطلقاً ، وإنما هي بشارة لا غير فلا يشترط فيها دين ولا إيمان )) أنسيت أنك أخذت من هذه الرؤيا حكماً شرعياً ؟ فهل يؤخذ الحكم الشرعي من خبر كافر ونحن لا ندري أصدق فيما قاله أم لا ؟ وهل ضبط ما رآه في منامه أم لا ؟ .
وأما الرؤيا التي رآها الملك في قصة يوسف - عليه السلام - فليس فيها حكم شرعي وإنما تتعلق بأمر من أمور دنياهم فلا تدخل في مسألتنا .(1/53)
ثم نقول : فضل يوسف - عليه السلام - لم يظهر في رؤيا الملك وإنما ظهر في صدق تأويله لرؤيا الملك وهذا الفضل قد ظهر عليه من قبل قال تعالى : " وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ گ " [ يوسف:6] فقد عبر رؤيا من كان معه في السجن بل قد عبر ما رآه هو في منامه " إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ " [ يوسف:4] , وقال في آخر السورة : " وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا " .
وقولك: ((ولهذا ذكر العلماء أن الكافر يرى الله تعالى في المنام ))
تأمل أيها القارئ هذه العبارة هل يعي المؤلف ما يقول أم أنه يهذي بما لا يدري ويهرف بما لا يعرف ؟! .
وقولك : (( والعجب كل العجب من قول القائل : إن العباس رأى ذلك في حال كفره والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم ، فإن هذا القول يدل على عدم المعرفة بعلم الحديث )) .
نقول : قد رأينا قربك من علم المصطلح وسعة علمك واطلاعك على علم الحديث رواية ودراية كأنك تعتقد أن كل من يقرأ كتابك لا يعي ولا يفهم وإنما سيعد الصفحات والأسطر فإن كانت كثيرة دلت على قوة حجتك وسعة علمك.
اتق الله أيها المؤلف
استدلالك بالأحاديث الضعيفة بل والموضوعة كثير .
تأويلاتك للمتون ضعفه ظاهر .
تحريفك لكلام بعض العلماء قرأناه في كتابك .
وسبحان الله الذي أنطقك ليخط بنانك وصفاً يصدق عليك وهو قولك : ((لتعرف بعد صاحب هذا عن العلم وإنما الهوى هو الذي حمل
المعترض على الدخول فيما لا يتقنه)) .
نسأل الله تعالى أن يهديك ومن معك إلى الصراط المستقيم.
ثم أقول لك : كل هذا الذي كتبته ببنانك تريد منه أن تثبت القصة , وقد قلنا لك أن القصة لو ثبتت لا تصلح للاحتجاج بها على مشروعية المولد وقد بينا لك ذلك سابقا فارجع إليه .
مفهوم خاطئ(1/54)
ثم قال المؤلف: " القيام في نهاية المولد :
مفهوم خاطئ : يظن بعض من يحضر المولد النبوي ويقوم مع القائمين أن الناس
يقومون معتقدين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدخل إلى المجلس في تلك اللحظة بجسده الشريف
حقيقة ، وأن البخور والطيب الذي يوضع هو له ، فهذه الظنون باطلة لا أصل لها نعم نحن نعتقد أنه صلى الله عليه وآله وسلم حي حياة برزخية كاملة لائقة بمقامه ، وأن روحه جوالة في ملكوت الله - سبحانه وتعالى - ، ويمكن أن تحضر مجالس الخير ، وكذلك أرواح الأولياء والصالحين من أتباعه ، وقد قال مالك : ( بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت ) ، وقال سلمان الفارسي : ( أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت ) " .
نقول : وهذا من الأدلة الكثيرة التي تدل على توسعك في علم الحديث .
أيها المؤلف اتق الله - سبحانه وتعالى - تثبت أمراً من أمور الغيب ببلاغ عن الإمام مالك , قول الإمام مالك : ( بلغني ... ) أهذا في علم المصطلح الذي تشبعت به ـ كما تريد أن توهم القراء ـ يصح الاستدلال به على أمر غيبي ؟ .
هذا ابن عبد البر رحمه الله تعالى يقول في التمهيد ( 24/300) في حديث أخرجه الإمام مالك في موطئه بلاغاً عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - : (( وهو مع هذا منقطع جداً ولا يوجد مسنداً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حديث معاذ )) .
وقال ابن حجر في الفتح (3/101) ضمن كلامه عن حديث : (( لا أصل له فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد )) .
فهذا يدل على أن بلاغات مالك إن وجدت موصولة فهي حجة وإلا لم يحتج بها. ولن أناقش معك هذه المسألة الآن , لأن مناقشتها فرع عن إثبات الاحتفال بالمولد وأنت إلى الآن لم تأت بما يصلح للاستدلال به على مشروعية المولد .
فكيف نتناقش في صفته والأصل لم يثبت بعد ؟ .(1/55)
لكن أقول للقارئ ارجع إلى كتاب الروح لابن القيم (ص244ــــ 296) فقد ذكر هذه المسألة وذكر خلاف العلماء فيها وقال فيها : (( فهذه مسألة عظيمة تكلم فيها الناس واختلفوا فيها وهي إنما تتلقى من السمع فقط ))
أي : تُتلقى من الأدلة الشرعية الصحيحة لأنها من أمور الغيب وعلى هذا فلن نقبل إلا القول الذي دل عليه النص من القرآن أو السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
واعتقادك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حي حياة برزخية لائقة بمقامه هذا حق نحن نعتقده أيضاً ونؤمن به لكن على حسب ما ورد في الأدلة الشرعية الصحيحة , وعلى هذا فاعتقادك أن روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمكن أن تحضر مجالس الذكر , بل وإلحاق أرواح الأولياء والصالحين به في ذلك , فهذا نطالبك بالدليل المعتبر به شرعاً الذي يدل على صحة ما تقول .
ثم أقول لك أيها المؤلف : هذا المفهوم الخاطئ الذي أشرت إليه , هو من المفاسد
الكثيرة الناتجة عن منهجك ـ أنت ومن نقلت عنهم ـ الذي لا ينضبط بالأدلة الشرعية الصحيحة وإنما تعتقدون أولاً , ثم تبحثون في الأدلة عما يؤيد ما اعتقدتموه فإن وجدتم ما تتمسكون به ـ ولو كان لا دلالة فيه ـ وإلا مضيتم على ما أنتم عليه , فمن حق هؤلاء الذين فهموا هذا الفهم الذي وصفته بـ( الخاطئ ) أن يقولوا لك : أليست روح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمكن أن تحضر مجلس الذكر وكذلك روح الأولياء والصالحين ؟ .
ستقول لهم : بلى يمكن أن يحضروا هذه المجالس .
سيقولون لك : أليس جسد النبي صلى الله عليه وآله وسلم باق كما هو لا تأكله الأرض ؟ .
ستقول لهم : بلى .
سيقولون : إذاً ما الذي يمنع أن يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجسده ؟ .
فماذا ستقول لهم ؟ .
هل ستقول : كيف عرفتم أنه جاء بجسده ؟ .
إن قلت ذلك لهم قلنا نحن : وكيف عرفت أنت أنه يأتي إلى مجالس الذكر ؟ .
فإن قلت لهم : لا دليل عندكم .(1/56)
قلنا لك : وأنت لا دليل عندك أيضاً .
وعلى هذا فاتركوهم يقولوا ما شاءوا لأنهم لا ينضبطون بالشرع ولا يتقيدون به كما عودتموهم .
حكم القيام في المولد
قال المؤلف (ابن خطار) : " وإن القيام في المولد ليس
سنة ولا واجباً ، وإنما هي حركة جرت عادة الناس بها واستحسن ذلك من استحسنه من أهل العلم ، يقول البرزنجي مؤلف أحد الموالد النبوية ما نصه : ( وقد استحسن القيام عند ذكر مولده الشريف أئمة ذوو رواية وروية فطوبى لمن كان تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم غاية مرامه ومرماه ) .
ويقول أيضا :
وقد سن أهل العلم والفضل والتقى قياماً على الأقدام مع حسن إمعان
بتشخيص ذات المصطفى وهو حاضر بأي مقام فيه يذكر بل دان " .
أقول : أيها القارئ الكريم استرجع قل : إنا لله وإنا إليه راجعون .
أيها المؤلف إلى الآن لم تستطع إثبات مشروعية المولد ثم تناقش قضية تقع فيه وتريد إيهام القارئ أنك مهتم بالأدلة الشرعية فتقول : ( وإن القيام في المولد ليس سنة ولا واجباً ) لأنك لم تجد دليلاً يدل عليه , فهل وجدت دليلاً شرعياً صحيحاً يدل على مشروعية المولد ؟!
ثم ذكرتَ أن هذا القيام هو مما جرت به عادة الناس ثم بعد ذلك استحسنه بعض العلماء , ألست تعلم أن الاستحسان حكم شرعي لا يكون إلا بدليل ؟
قال الإمام الشافعي : ( من استحسن فقد شرع )(1)
فأين الدليل على هذا الاستحسان ؟ .
تتمة الكلام
على حكم القيام
ثم قال المؤلف: " فأنت تراه يقول : ( وقد سن
__________
(1) الأم (7/270) .(1/57)
أهل العلم ) ولم يقل سن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الخلفاء الراشدون ، ولم يقل : ( سنة مطلقة) ، بل قال : ( وقد سن أهل العلم ) وبعدها يقول : ( بتشخيص ذات المصطفى ) أي أن هذا القيام لتصور شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذهن ، وهذا التصور شيء محمود ومطلوب بل لا بد من أن يتوفر في ذهن المسلم الصادق في كل حين ليكمل اتباعه له صلى الله عليه وآله وسلم ، وتزيد محبته فيه صلى الله عليه وآله وسلم ويكون هواه تبعاً لما جاء به ، فالناس يقومون احتراماً وتقديراً لهذا التصور الواقع في نفوسهم عن شخصية ذلك الرسول العظيم مستشعرين جلالة الموقف وعظمة المقام ، وهو أمر عادي كما تقدم ولذلك فإن من لم يقم لا شيء عليه ، ولا يكون آثماً شرعاً " .
أقول : سبحان الله , ألست معنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ))(1) هذه هي وصية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم للعلماء وغيرهم فلا يجوز للعالم كائناً من كان أن يسن ويشرع من عند نفسه , فعمل العالم ووظيفته أن يبلغ الناس ما شرعه الله تعالى وأمر به لا أن يسن للناس من عند نفسه .
ثم تبريرك هذا بقولك : (... فالناس يقومون احتراماً وتقديراً لهذا التصور... )
يدل على ضعف علمك بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعمل السلف الصالح , فهم بالتأكيد كانوا يُكثرون من ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع ذلك لم يرد أنهم كانوا يقومون عند ذكره صلى الله عليه وآله وسلم فهل أنتم أكثر احتراماً وتقديراً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم ؟ .
أم نقول أنتم أجرأ على الابتداع في الدين واستحسان ما لم يأذن به الله - سبحانه وتعالى - ؟ .(1/58)
هل تعلم أن السلف الصالح أعلم بما يحبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبما يبغضه منكم , ولذلك ما كانوا يقومون له صلى الله عليه وآله وسلم وهو حي لعلمهم أنه يكره ذلك قال أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لم يكن شخص أحب إليهم من رسول صلى الله عليه وآله وسلم , قال : وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك ))(2).
أمر يكرهه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنتم تستحبونه وتدعون الناس إليه .
__________
(1) سبق ص31 .
(2) الترمذي ( 2754 ) .
هل هذه هي المحبة الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟! .
والمؤلف يتناقض في كلامه فهو يقول : ((وهو أمر عادي كما تقدم ولذلك فإنَّ من لم يقم لا شيء عليه ، ولا يكون آثماً شرعاً )) فهو يعتبر القيام من العادات
وينقل كلام البرزنجي الذي يرى أنه سنة سنها أهل العلم والفضل والتقى , بل المؤلف يبرر القيام فيقول : (( أي أن هذا القيام لتصور شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذهن وهذا التصور شيء محمود ومطلوب )) هل هو مطلوب عادة أم عبادة ؟
لا بد أن يقول : مطلوب عبادة .
ثم يقول : (( فالناس يقومون احتراماً وتقديراً لهذا التصور الواقع في نفوسهم عن شخصية ذلك الرسول العظيم مستشعرين جلالة الموقف وعظمة المقام ))
إذاً هذا القيام عبادة لا عادة , لأن تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحترامه وتقديره عبادة لا عادة .
أيها القارئ الكريم لماذا يتعارض كلام المؤلف هكذا ؟
الجواب : لأنه لو قال عبادة فسوف يوجه إليه السؤال ؛ أين الدليل ؟
فهرب المؤلف من هذا الإلزام ليصطلح هو ـ نقلا عن غيره ـ أن هذا التصرف عادة لا عبادة .(1/59)
ونحن لن نناقشك في هذا كثيراً فأنت تريد أن تسميه عادة نقول : سمه ما شئت , لكن سنقول لك: عادة هؤلاء القوم أولى بالاتباع أم عادة السلف الصالح - رضي الله عنهم - الذين حرصوا على عدم إيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم حياً ولا ميتاً , فهم لا يقومون له , وعدم قيامهم له هو الاحترام والتقدير حقيقة لأنهم يفعلون ما يرضيه ويبتعدون عما يكره .
ثم قال المؤلف (ابن خطار) : " فالقيام كما قدمنا أمر استحسنه
العلماء شرقاً وغرباً ، والقصدية تعظيم صاحب المولد ، وجرى به العمل في
سائر البلاد وما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن كما مر في حديث ابن
مسعود - رضي الله عنه - " .
نقول للمؤلف: أنت تحتج بحديث ابن مسعود كثيراً وقد سبق أن تكلمنا عنه(1)
فهل كل المسلمين في الشرق والغرب استحسنوا هذا أم أنك تتكلم عن طائفتك وجماعتك فقط ؟ .
__________
(1) انظر ص26 وما بعدها .
أما الأول فلا يمكن أن تزعمه , فالثاني هو المراد , فلماذا تلزم بقية المسلمين بما استحسنته جماعتك ؟ وأنتم إنما تستحسنون من عند أنفسكم بغير دليل من الشرع ولا من فعل السلف بشهادتك أنت في مسألة المولد .
فقولك: ( استحسنه العلماء شرقاً وغرباً ) فيه تلبيس على المسلمين وغش لهم وتهويل لنصرة مذهبك الذي ذهبت إليه وهذا ليس من المنهج الحق في بحث المسائل . فاتق الله جل وعلا أن تزعم أن جميع المسلمين يستحسنون ما يكرهه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ثم أقول لك : لو حصل أن العلماء بعد القرن الثالث كلهم اجتمعوا على هذا فهل إجماعهم حجة ؟ .
ألم تقل أنت : (( ولا يصح إجماع مع مخالفة النص كما هو معلوم للطلبة ))(1)
فكيف يصح إجماعهم على مخالفة حديث أنس - رضي الله عنه - ؟.
بل كيف يصح إجماعهم وهو يخالف إجماع الصحابة ؟.
أيها المسلم : أي الإجماعين تُقَدِّم : إجماع السلف أم إجماع الخلف ؟ .(1/60)
فإذا كان الإجماع لا يصح مع مخالفة النص كما هو معلوم للطلبة , فهل المؤلف يعلم ذلك نظرياً ولا يحسن تنزيله على المسائل أم أنه الهوى والتعصب الذي يعمي ويصم ؟ .
ثم قال المؤلف: " وقال الشيخ علي بن برهان الدين
الحلبي الشافعي : وقد وجد القيام عند ذكر اسمه صلى الله عليه وآله وسلم من عالم الأمة
ومقتدي الأئمة ديناً وورعاً ، الإمام تقي الدين السبكي ، اجتمع عنده جمع كثير
من علماء عصره ، فأنشد قول البوصيري في مدحه صلى الله عليه وآله وسلم :
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب على ورق من خط أحسن من كتب
وأن تنهض الأشراف عند سماعه قياماً صفوفاً أو جثياً على الركب
فعند ذلك قام السبكي رحمه الله وجميع من في المجلس فحصل أنس كبير بذلك
المجلس ويكفي مثل ذلك في الاقتداء " .
نقول : قد صح عندنا ترك القيام من أفضل هذه الأمة وأعلمها بمراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهم أفضل الأمة ديناً وورعاً ومحبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويكفينا الاقتداء بهم - رضي الله عنهم - .
__________
(1) انظر ص63 .
فإن رضي المؤلف ومن ينقل عنهم لأنفسهم الاقتداء بالسبكي وترك الصحابة فلسنا نفعل مثلهم .
أيها القارئ الكريم أي الفريقين أهدى سبيلاً
الذي يقتدي بالسلف , أم الذي يقتدي بالخلف ؟ .
أيها المسلم انتبه أن تقول أو يقال لك : رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم كان شديد الحياء وعظيم التواضع لذلك كره أن يقوم له الصحابة , فإذا مات فإننا نفعل ذلك عند ذكره إكراماً وتقديراً له صلى الله عليه وآله وسلم .
لأننا سنقول في الجواب على ذلك : كيف علمت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كره ذلك حياء ؟
هل أخبرك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ؟ هل أخبرك بهذا أحد من أصحابه - رضي الله عنهم - ؟ .
لو قلت : هو معلوم لا يحتاج إلى إخبار .(1/61)
سأقول : هذا المعلوم عندك ألا يعلمه الصحابة - رضي الله عنهم - ؟ أم أنت أعلم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه - رضي الله عنهم - ؟ .
إن قلت : هو معلوم عندهم .
سنقول : لماذا لم يعملوا به فيقوموا عند ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غيبته فإذا حضر لم يقوموا له حتى لا يؤذوه ؟ .
ولماذا لم يفعلوا ذلك بعد موته ؟ .
أم ستقولون أنكم أكثر احتراماً وتقديراً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهم ؟.
احمد الله أيها المسلم على الهداية واسأله الثبات على الحق فهؤلاء يعدون أنفسهم من العلماء ويخالفون السنة ويستحسنون ويستقبحون من عند أنفسهم فأي علم هذا الذي تعلموه ؟ هل هو العلم الذي عَلِمَهُ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من أصحاب نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ؟ هل هو العلم الذي علمه الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الحق والهدى ؟ أم أنه علم آخر مختلف ؟ .
قال بعض أهل العلم :
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس خلف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين النصوص وبين رأي سفيه
كلا ولا في نصب الخلاف جهالة … بين الرسول وبين رأي فقيه(1)…………
كيفية الاحتفال بالمولد
قال المؤلف (ابن خطار) : " إن الاحتفال بالمولد
__________
(1) إعلام الموقعين (1/79) .(1/62)
النبوي الشريف ليست له كيفية مخصوصة لا بد من الالتزام وإلزام الناس بها بل إنَّ كل ما يدعو إلى الخير ويجمع الناس على الطاعة ويرشدهم إلى ما فيه منفعتهم في دينهم ودنياهم يحصل به تحقيق المقصود من المولد النبوي ولذلك فلو اجتمعنا على شيء من المدائح التي فيها ذكر الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم وفضله وجهاده وخصائصه ولم نقرأ قصة المولد النبوي التي تعارف الناس على قراءتها واصطلحوا عليها حتى ظن بعضهم أن المولد النبوي لا يتم إلا بها ثم استمعنا إلى بعض المواعظ والإرشادات وقراءة القرآن الكريم , فإن ذلك داخل تحت الاحتفال بالمولد النبوي الشريف " .
نقول للمؤلف : لماذا ( ليست له كيفية مخصوصة ) ؟
سيقول : لأنه لم يرد دليل شرعي على هذا .
سنقول له : وهل ورد دليل شرعي على مشروعية المولد ؟ .
ثم عدم ورود كيفية مخصوصة له يدل على عدم مشروعيته , إذ لو كان المولد مطلوباً شرعاً لجاء الدليل ببيان صفته وكيفيته , والمؤلف معترف بأنه ما كان السلف يعرفون المولد ولا يحتفلون به .
فنقول له : إذا كنت أنت ومن نقلت عنهم استحسنتم المولد بغير دليل شرعي لا من القرآن ولا من السنة ولا من فعل السلف الصالح فكل طائفة سوف تستحسن أموراً في المولد تلزم أتباعها به فليس من حقك أن تنكر عليهم لأن المرجعية الشرعية المعتبرة عند كل المسلمين لم تلتفت ـ أنت ولا من نقلت عنهم ـ إليها عندما استحسنتم المولد فليس قولك حجة عليهم وليس قولهم حجة عليك
وضاعت السنة بينكم والله المستعان .
شبهات حول
الاحتفال بالمولد
(الشبهة الأولى)
قال المؤلف (ابن خطار) : " الشبهة الأولى : قول القائل :
إن الاحتفال بالمولد لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر الأول , فهو بدعة محرمة يجب الإنكار عليها " .(1/63)
نقول : هذا من تسمية الأمور بغير اسمها فهذه الحجة الواضحة التي أقررتم بها في رد مشروعية الاحتفال بالمولد تسمى :(( شبهة )) , والذي تذكرونه من الشبهات لإثبات مشروعيته تسمى : (( أدلة )) ؟! .
لكننا مع هذا سنسير معك لننظر ما هو جوابك عما سميته (( شبهة )) .
قال المؤلف: " فالجواب : أنه ليس كل ما لم يفعله السلف
ولم يكن في الصدر الأول فهو بدعة محرمة , ولو كان الأمر كذلك لحرم جمع أبي بكر وعمر وزيد - رضي الله عنهم - القرآن وكتبه في المصاحف خوفاً على ضياعه بموت الصحابة القراء - رضي الله عنهم - , ولحرم جمع عمر - رضي الله عنه - الناس على إمام واحد في صلاة
القيام مع قوله: (نعمت البدعة هذه) , وحرم التصنيف في جميع العلوم النافعة ,
واتخاذ الربط , والمدارس والمستشفيات والإسعاف ودار اليتامى والسجون ...
بل يجب أن يعرض ما أحدث على أدلة الشرع فما اشتمل على مصلحة فهو
واجب أو على محرم فهو محرم , أو على مكروه فهو مكروه , أو على مباح فهو
مباح , أو على مندوب فهو مندوب , وللوسائل حكم المقاصد فكل ما تشمله
الأدلة الشرعية ولم يقصد بإحداثه مخالفة الشريعة ولم يشتمل على منكر فهو من الدين ومن ثم قيد العلماء حديث ( كل بدعة ضلالة ) بالبدعة السيئة , ويدل
على ذلك قولهصلى الله عليه وآله وسلم : (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل
بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء) .
وقال الإمام الشافعي - رضي الله عنه - : ( ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً
فهو البدعة الضالة , وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو المحمود)
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى : ( البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن
في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة , ويدل على ذلك أيضاً قول سيدنا عمر - رضي الله عنه - السابق : نعمت البدعة هذه ) " .(1/64)
نقول : نعم ليس كل ما لم يفعله السلف يكون بدعة , فالأمور المتعلقة بمعاملات الناس في دنياهم الأصل فيها الإباحة ويدل لذلك حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَرَّ بقوم يُلَقِّحُون فقال لو لم تفعلوا لصَلُحَ , قال: فخرج شِيصاً , فمر بهم فقال : ((ما لنخلكم ؟)) قالوا : قلتَ كذا وكذا , قال : ((أنتم أعلم بأمر دنياكم))(1), وعند ابن ماجة(2471) من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ : ((إن كان شيئاً من أمر دنياكم فشأنكم به وإن كان من أمور دينكم فإليَّ )) , فهذه الأمور لا تكون بدعة عند عدم فعل السلف لها لأنها أمور تتغير وتتجدد من زمن لآخر ومن مكان لآخر .
وأما ما يتعلق بالعبادات فالأصل فيه التحريم كما مر في الحديث السابق : (( وإن كان من أمور دينكم فإليَّ )) , وحديث : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) فهل مسألة الاحتفال بالمولد من أمور الدنيا أم من أمور الدين ؟
وأما ما ذكره المؤلف من أمثلة فسوف ننظر فيها :
مسألة : جمع المصحف :
أيها القارئ الكريم : قصة جمع المصحف ثبتت في صحيح البخاري(4701) من حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال : (( أرسل إليَّ أبو بكر - رضي الله عنه - مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عنده , قال أبو بكر : إنَّ عمر أتاني فقال : إنَّ القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن . قلت لعمر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عمر : هذا والله خير , فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر ... )).
__________
(1) مسلم (2363 ) .(1/65)
تأمل كيف تردد أبو بكر - رضي الله عنه - في هذه القضية لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعلها ولا زال عمر - رضي الله عنه - يراجعه إلى أن شرح الله صدره لذلك , وتأمل جرأة المؤلف ومن معه في إحداث أمر في الدين والبحث عن مبررات لتسويغه ونشره بين المسلمين .
فإن قيل : هذا الدليل يدل على مشروعية إحداث المولد لأنه خير وقد قال عمر لأبي بكر : هذا والله خير , فاقتنع أبو بكر .
نقول : هذا ـ والله الذي لا إله إلا هو ـ عليكم لا لكم فلو كان المولد من الخير فلا يمكن أن تجمع الأمة على تركه ثلاثة قرون , بل أكثر من ذلك .
ونحن نعلم أن أبا بكر وعمر لهما سنة متبعة كما جاء في الحديث : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي))(1) , وحديث : ((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ))(2) , فهذه القضية قد أجمع الصحابة - رضي الله عنهم - عليها , ومن المعلوم أنَّ إجماعهم حجة , فهل أجمعوا على مشروعية المولد ؟ .
ثم نقول : حفظ القرآن قد جاءت الأدلة بالحث عليه فحفظ القرآن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حفظ صدر وحفظ كتاب , فالذي فعله أبو بكر - رضي الله عنه - هو جمع القرآن من الصدور ومن الرقاع حفاظا عليه من الضياع فأين الابتداع هنا ؟! .
وأما مسألة جمع عمر - رضي الله عنه - الناس على إمام واحد :
فهذا ليس بأمر جديد في الدين فلا أظن القراء ولا المؤلف يجهلون قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة )) فهذا الحديث قد أخرجه
جمع من المحدثين في كتبهم في باب قيام شهر رمضان منهم :
أبو داود(1375) , والترمذي(806) , والنسائي في المجتبى(1605) , وكذلك في الكبرى(1287) , وابن ماجه(1327) , والبيهقي في السنن الكبرى(1298) , وصحيح ابن خزيمة (2206) , وصحيح ابن حبان(2547) , والدارمي(1777) .
__________
(1) سبق ص31 .
(2) الترمذي (3662) , وابن ماجة ( 97) .(1/66)
قال أبو داود في المسائل(ص62) : سمعته أيضاً ـ أي الإمام أحمد ـ يقول : يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( إنَّ الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته )) .
فهذا إقرار من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالقول على مشروعية الجماعة في قيام الليل في شهر رمضان . بل أقر ذلك أيضا بفعله فالحديث السابق له سبب سأذكره لك بلفظ أبي داود : (( عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع , فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل , فلما كانت السادسة ؛ لم يقم بنا , فلما كانت الخامسة ؛ قام بنا حتى ذهب شطر الليل , فقلنا : يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة ؟ قال : فقال : ( إنَّ الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة ) . قال : فلما كانت الرابعة ؛ لم يقم , فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ...)) .
وسبب تركه صلى الله عليه وآله وسلم للقيام بهم جاء في حديث عائشة رضي الله عنها وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ))(1). قال الشاطبي رحمه الله تعالى : (( ففي هذا الحديث ما يدل على كونها سنة ؛ فإن قيامه أولاً بهم دليل على صحة القيام في المسجد جماعة في رمضان , وامتناعه بعد ذلك من الخروج خشية الافتراض لا يدل على امتناعه مطلقاً لأن زمانه كان زمان وحي وتشريع , فيمكن أن يوحى إليه إذا عمل به الناس بالإلزام,
فلما زالت علة التشريع بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ رجع الأمر إلى أصله , وقد ثبت الجواز , فلا ناسخ له ))(2) .
__________
(1) البخاري (882) , ومسلم (761) .
(2) الاعتصام (1/249) .(1/67)
وقال الشوكاني : (( أقول : أما صلاة التراويح فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى في ليال من رمضان وائتم به جماعة من الصحابة وعلم بهم فترك ذلك مخافة أن تفترض عليهم وهذا ثابت في أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما وبهذا يتقرر أن صلاة النوافل في ليالي رمضان جماعة سنة لا بدعة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتركها إلا لذلك العذر ))(1).
اتضح لك أيها المسلم أن صلاة التراويح جماعة سنة لا بدعة .
أما قول عمر - رضي الله عنه - : (نعمت البدعة هذه ) , فجوابه ما قاله ابن كثير في تفسيره :
((والبدعة على قسمين : تارة تكون بدعة شرعية كقوله : ( فإن كل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة ) .
وتارة تكون بدعة لغوية كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عند جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: (نعمت البدعة هذه) ))(2).
فلا يمكن أن يكون مراده البدعة الشرعية لأنه يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صلاها وأقرها فهي سنة أحياها - رضي الله عنه - لأنه علم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خشي أن تفرض عليهم فلما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحصل الأمن من أن تفرض , دعا إليها عمر - رضي الله عنه - والصحابة متوافرون وأجمعوا على ذلك .
ولو قلنا بأنه أمر ابتدعه عمر - رضي الله عنه - فعمر له سنة متبعة وقد أجمع الصحابة على ذلك , فهل في المولد إجماع كهذا ؟ .
وأما مسألة التصنيف في جميع العلوم النافعة :
هذه الوسيلة وهي التصنيف وسيلة لأمر مشروع وهو العلم فمادة هذه العلوم موجودة
في زمن النبوة والذي حصل هو فرز لهذه المادة ووضعها تحت مسمى تفسير , وأخرى تحت مسمى فقه , وثالثة تحت مسمى حديث ,..., وهكذا وذلك ليسهل على الناس طلب العلم .
__________
(1) السيل الجرار (1/329) .
(2) انظر جواب الشاطبي على هذا في كتابه الاعتصام (1/250) .(1/68)
وهذه الوسيلة قد حصلت في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - يكتب أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك(1), والقرآن كان يكتب على الرقاع والألواح ونحوها ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وجُمع المصحف في زمن أبي بكر - رضي الله عنه - , ويذكر كثير من أهل اللغة أن أبا الأسود الدؤلي وضع شيئاً من علم النحو بمشورة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -(2), وكثر التصنيف في عهد سلفنا الصالح فصنف الإمام مالك الموطأ , والإمام الشافعي صنف الأم والرسالة , والإمام أحمد صنف المسند , وظهرت كتب الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها من المصنفات ولم ينكر ذلك أحد منهم , فإجماعهم على مشروعية هذه الوسيلة التي وجد سببها في زمنهم يدل على أن هذه الوسيلة لا تدخل في البدعة الشرعية المذمومة , لكن المولد وجد سببه في زمنهم ولم يتخذوا الاحتفال وسيلة فيكون ذلك داخلا في البدعة الشرعية المذمومة .
وأما مسألة اتخاذ الربط :
أجاب على ذلك الشاطبي رحمه الله تعالى فقال : (( إن عنى بالربط ما بني من الحصون والقصور قصداً للرباط فيها فلا شك أن ذلك مشروع بشرعية الرباط ولا بدعة فيه )) أي : الرباط في سبيل الله تعالى لحفظ ثغور المسلمين فقد جاء الدليل الشرعي بالحث عليه من ذلك ما ثبت في صحيح البخاري(2735) : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها )) .
كما ثبت في الشرع الحث على الجهاد في سبيل الله فما استجد من الوسائل التي تستعمل فيه كالدبابات والطائرات وغيرها لا تكون بدعة مذمومة بل هي بدعة لغوية تعني الشيء الجديد المستحدث .
وحتى لا أطيل عليك أيها القارئ ارجع لبقية كلام الشاطبي في كتابه الاعتصام(1/257) .
__________
(1) انظر الحديث في مسند أحمد (6510) .(1/69)
(2) انظر كتاب المزهر في علوم اللغة للسيوطي (2/341) , والمثل السائر في أدب الكاتب والشاعر (1/30) .
وأما مسألة اتخاذ المدارس والمستشفيات والإسعاف ودار اليتامى والسجون...
قال الشاطبي(1/263): (( وأما المدارس فلا يتعلق بها أمر تعبدي يقال في مثله: بدعة ؛ إلا على فرض أن يكون من السنة أن لا يقرأ العلم إلا بالمساجد , وهذا لا يوجد , بل العلم كان في الزمان الأول يبث بكل مكان ؛ من مسجد أو منزل أو سفر أو حضر أو غير ذلك حتى في الأسواق , فإذا أعد أحد من الناس مدرسة يعين بإعدادها الطلبة فلا يزيد ذلك على إعدادها له منزلاً من منازله , أو حائطاً من حوائطه أو غير ذلك , فأين مدخل البدعة هنا ؟! )) .
فما قاله في المدارس يقال في المستشفيات والإسعاف ودار اليتامى والسجون...
وأما قول المؤلف : (( بل يجب أن يعرض ما أحدث على أدلة الشرع فما اشتمل على مصلحة فهو واجب أو على محرم فهو محرم , أو على مكروه فهو مكروه ,أو على مباح فهو مباح , أو على مندوب فهو مندوب )) .
فجوابه ما قاله الشاطبي (1/246) : (( من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده إذ لو كان هناك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة ؛ لما كان ثَمَّ بدعة , ولكان العمل داخلا في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها , فالجمع بين كون الأشياء بدعاً وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين )) .
وعلى هذا فلا يصح أن نزعم وجود بدعة شرعية حسنة لأن وصفها بالبدعة الشرعية يجعلها داخلة في عموم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((كل بدعة ضلالة)).(1/70)
وأما حديث : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ) لم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (من ابتدع) وإنما قال : ( من سنَّ ) فإذا نظرنا إلى سبب هذا الحديث علمنا أنه لا تعارض بين الحديثين فالبدعة الشرعية مذمومة مطلقاً , وأما السنة فيوضح معناها سبب الحديث كما في صحيح مسلم(1017) عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : ( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم لِمَا رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب ) فحث الناس على الصدقة قال جرير - رضي الله عنه - : (( فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت, قال : ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب , حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتهلل كأنه مذهبة , فقال : (( من سن في الإسلام ... )) .
أرأيت أيها المسلم ؛ ليس في الحديث ما يمكن أن يقال عنه : (بدعة) الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حث الناس على الصدقة , ولا شك أن منهم من يريد أن يتصدق لكنه لا يدري ما هي طريقة وأسلوب جمع الصدقة , فبادر ذلك الأنصاري فأتى بتلك الصرة ووضعها بجوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآه الناس فعل ذلك فعلوا مثله فكان هذا الرجل هو أول من سن للناس ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (من سن....) الحديث . فأين البدعة هنا ؟! .
وأما قول الإمام الشافعي فلا يخالف ما ذكرنا فقوله : ( ما أحدث وخالف كتاباًأو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضالة ) المراد بها البدعة الشرعية .
وقوله : ( وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو المحمود ) والمراد بها هنا : البدعة اللغوية .(1/71)
وأما قول النووي فمردود بما قاله الشاطبي رحمهما الله تعالى .
(الشبهة الثانية)
قال المؤلف (ابن خطار) : " الشبهة الثانية :
قول القائل : إن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم في شهر ربيع الأول , هو نفس الشهر الذي
توفي فيه ، فلماذا يكون الفرح بولادته ولا يكون الحزن بوفاته ؟ .
والجواب على ذلك : كما قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى : أن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم أعظم النعم علينا ووفاته أعظم المصائب لنا والشريعة حثت على إظهار شكر النعم والصبر والسكوت والكتم عند المصائب ، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة ، ولم يأمر عند الموت بذبح ولا بغيره ، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وآله وسلم دون إظهار الحزن " .
نقول : سبق أن ذكرنا أن هذا الأمر وهو الفرح بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجود في زمن السلف الصالح ولم يحتفلوا به فلا يمكن أن يكون من الدين ويجمع السلف على تركه .
وقد نقل المؤلف كلام السيوطي مقراً له حيث قال : ( وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة ) نقول : نعم أمر بذلك , فهل أمر بالاحتفال ؟ .
الجواب : لا لم يأمر به .
ثم قال : ( ولم يأمر عند الموت بذبح ولا بغيره ) هذا هو الحق أن يقف المسلم مع الدليل فأنتم ترون عدم مشروعية الذبح ولا غيره عند الموت لأن الشارع لم يأمر به , فهل ورد عن الشارع الأمر بالاحتفال عند الولادة ؟ .
كم أتمنى أن تقفوا مع الدليل دائماً ولا تتقدموا عليه , فلو فعلتم ذلك لما كثر الكلام وزاد , ولكفانا ما كفى السلف الصالح رحمهم الله تعالى .
(الشبهة الثالثة)
قال المؤلف : " قول القائل : إن الاحتفال بمولده(1/72)
نوع من الإطراء والتقديس له صلى الله عليه وآله وسلم مما يؤدي إلى رفع مقامه عن كونه بشراً وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد الله ورسوله ) . فالجواب : أن هذا الاستدلال غير صحيح لأن الإطراء المنهي عنه هو المشابه لإطراء النصارى بأن المسيح هو ابن الله ، حاشاه تعالى من ذلك ، أما إطراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الاحتفال بمولده فلا يعدو عن ذكر فضائله النبوية ، وأخلاقه المحمدية ، وقد مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أناس من الصحابة ، وأثنوا عليه في حياته وبعد مماته ، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أحد منهم ذلك بل وربما أيدهم ، فهذا كعب بن زهير لما قال أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصيدته المشهورة : ( بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ) وأتمها ، نجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خلع عليه عباءته وألبسه إياها جزاء لصنيعه،وهذا عبد الله بن رواحة يقول مادحاً النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الصبح ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع
وكذلك استقبال أهل المدينة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منشدين : طلع البدر علينا ....
فهل كان مدح هؤلاء الصحابة وغيرهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثنائهم عليه أمراً مخالفاً
للشرع ؟ وإذا كان كذلك فهل يسكت عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يرضى
عمن مدحه فكيف لا يرضى عمن جمع شمائله الشريفة ؟! " .
نقول : نعم كان الصحابة يمدحون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرضى منهم ما يوافق الحق ويرد عليهم ما خالفه , تأمل أيها المسلم هذه الحادثة :(1/73)
ثبت في صحيح البخاري (3779) عن الربيع بنت معوذ أنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداة بنُِيَ عليَّ فجلس على فراشي..وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية : وفينا نبي يعلم ما في غد , فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين ) .
لماذا أنكر عليها مدحها له ؟ .
الجواب : لأن هذا المدح يخالف الشرع فقد ثبت في صحيح البخاري(4420) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : لا يعلم ما في غد إلا الله ... )) .
لا أظن أن مسلماً ينكر مشروعية مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما لا يخالف الشرع , وإنما الخلاف في مشروعية الاحتفال بالمولد ولو كان مشتملاً على مدح لا يخالف الشرع , فكيف إذا كان المولد لا يخلو من قراءة قصيدة البوصيري وفيها :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
ومما يقال في الموالد أيضاً :
وناده إن أزمة أنشبت أظفارها واستحكم المعضل
يا أكرم الخلق على ربه وخير من فيهم به يسأل
قد مسني الكرب وكم مرة فرجت كرباً بعضه يذهل
عجل بإذهاب الذي اشتكي فإن توقفت فمن ذا أسأل
فهل هذا المدح يرضاه الحبيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟! .
تأمل أيها القارئ هذه الأبيات وقارن بينها وبين الحادثة السابقة والحديث الذي ذكرناه بعدها .
وقول المؤلف : (( لأن الإطراء المنهي عنه هو المشابه لإطراء النصارى بأن المسيح هو ابن الله ، حاشاه تعالى من ذلك )) .(1/74)
حصر المؤلف الإطراء المنهي عنه في وصفه صلى الله عليه وآله وسلم أنه ابن الله , وهذا حصر مردود , بل الإطراء المنهي عنه هو كل مدح بالباطل قال ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح(6/490) : (( والإطراء : المدح بالباطل , تقول : أطريت فلاناً : مدحته فأفرطت في مدحه . قوله: ( كما أطرت النصارى ابن مريم ) أي: في دعواهم فيه الإلهية وغير ذلك )) .
لاحظ قول ابن حجر : ( وغير ذلك ) أي أن الإطراء لا ينحصر في دعواهم فيه الإلهية , بل يشمل كل مدح بالباطل , ولذلك أنكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الجارية قولها :
(وفينا نبي يعلم ما في غد) مع أنها لم تزعم أنه إله , لكنه أنكر عليها لأنها مدحته بالباطل .
كبار العلماء ومصنفاتهم في المولد
(الحافظ محمد القيسي)
قال المؤلف (ابن خطار) : " الحافظ محمد بن أبي بكر بن عبد الله
القيسي الشافعي المعروف بالحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي المولود سنة (777) هـ المتوفى سنة ( 842 ) هـ ، قال عنه الحافظ ابن فهد في لحظ الألفاظ ذيل تذكرة الحفاظ : هو إمام مؤرخ له الذهن الصافي السليم ، تولى مشيخة أهل دار الحديث بالأشرفية بدمشق . وترجم الحافظ جمال الدين عبد الهادي الحنبلي في كتابه (الرياض اليانعة ) ، لابن ناصر الدين ، وقال : كان معظماً للشيخ ابن تيمية محباً له مبالغاً في محبته قد صنف في المولد النبوي الشريف أجزاء عديدة ذكرها ص(4) كشف الظنون ص(319 ) ، ومنها جامع الآثار في مولد النبي المختار ، ومنها اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق " .
نقول : أيهما أعلم وأحفظ هذا الحافظ ((محمد بن أبي بكر بن عبد الله القيسي الشافعي )) أم إمامه (( محمد بن إدريس الشافعي )) ؟ .
الجواب معلوم عند كل أحد .
هل نقل عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه حث على فعل المولد أو فعله أو صنف فيه ؟.
الجواب : لا لم ينقل عنه ذلك .
لماذا لم ينقل عنه ذلك ؟(1/75)
إذاً هل يعقل أن يكون الاحتفال بالمولد من الدين ولا يعرفه الشافعي ولا يشير إليه ولا يحث عليه خصوصاً أن المولد متكرر في كل سنة ؟! .
قد تقول : أليس الرجال يعرفون بالحق لا أن الحق يعرف بالرجال ؟.
أقول : بلى صدقت .
ستقول : فما المانع أن يكون المفضول وهو الحافظ ((محمد بن أبي بكر بن عبد الله القيسي الشافعي )) أصاب الحق وأخطأه الإمام الشافعي ؟.
أقول : لا مانع من ذلك فليس الشافعي رحمه الله تعالى معصوماً من الخطأ , لكن كيف نعرف المصيب من المخطئ ؟ أليس الحكم بينهما يكون بتطبيق قوله تعالى :
" فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا "[النساء:59] .
لا بد أن تقول : بلى .
أقول : نظرنا في القرآن الكريم ونظرنا في السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونظرنا في عمل السلف الصالح لمدة ثلاثة قرون ـ بل أكثر من ذلك باعتراف المؤلف وغيره ـ لم نجد ما يدل على مشروعية المولد .
ستقول : هذا الحكم لو كان هناك نزاع في المسألة , ومسألة المولد كما أننا نقر أنه لم ينقل عن الشافعي إثبات لها فلابد أن تقر أنه لم ينقل عنه إنكارها .
أقول : نعم أنا أقر أنه لم يرد عنه إنكار المولد بخصوصه لكنه ينكر البدع المخالفة للشرع , ومع ذلك أقول : ماذا تريد بهذا ؟.
أريد أن تعلم أن السلف لم يرد عنهم إنكار المولد .
أقول : لماذا لم يرد عنهم إنكار المولد ؟.
ستقول : لأنه لم يكن معروفاً عندهم , فجاء من بعدهم ونظر في الأدلة الشرعية فوجد أنها تحث على تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقديره فأقاموا المولد تحقيقاً لهذا المقصود الشرعي ولم يحصل منهم مخالفة للسلف وإنما ابتدعوا بدعة حسنة لتحقيق هذا المقصود
أقول : يا أخي المسلم ـ بارك الله فيك ـ أليس هذا المقصود الشرعي معلوم عند السلف الصالح ؟.(1/76)
لا بد أن تقول : بلى هو معلوم عندهم .
أقول : هل قصرت أفهامهم أن يصلوا إلى هذه الوسيلة في تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟.
ستقول : نحن لا نقول قصرت أفهامهم وإنما نقول : ألهم الله تعالى بمنه وكرمه من بعدهم فعرفوا هذه الوسيلة فعملوا بها .
أقول : ألم يمر معنا قول المؤلف : ((وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت فإذا جاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكرها وتعظيم يومها لأجلها ولأنه ظرف لها . وقد أصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه القاعدة بنفسه كما صح في الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما وصل إلى المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء سأل عن ذلك فقيل له: إنهم يصومونه لأن الله نجى فيه نبيهم وأغرق عدوهم فهم يصومون شكراً لله على هذه النعمة فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( نحن أولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه) )) ؟ .
إذاً هذه الوسيلة كانت معلومة من قبل عند اليهود , وكذلك عند النصارى فهم يحتفلون بمولد عيسى - عليه السلام - .
لا بد أن تقول : بلى قد مر معنا هذا .
وسوف تسألني : لكن ماذا تريد منه ؟ .
أقول : أريد أن أبين لك أن هذه الوسيلة كانت معلومة عند السلف لأنهم يطلعون على أحوال أهل الكتاب لكنهم لم يفعلوها لأنها لم تشرع لهم .
ستقول : هم لم يفعلوها لكنهم لم ينكروها .
أقول : يا أخي كيف تريدهم أن ينكروا شيئاً لم يقع بعد ولا عُرِف عندهم ؟!
هم قد أنكروا الابتداع في الدين عموما وهذه المسألة تدخل في عموم تحذيرهم من البدع .
ستقول : يا أخي لا تقل هذا لِلَّهِ هم حذروا من البدع السيئة المذمومة التي تخالف الشرع , أما مسألتنا فلا تدخل في كلامهم لأنها توافق المقصود من الشرع وهو تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرت لك .(1/77)
أقول : عدنا مرة أخرى لما سبق أن ذكرناه وتكلمنا عنه , فاسمع هداني الله وإياك للصواب : تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر مشروع لا شك فيه لكن هل يشرع لنا أن نعظمه بكل ما نرى أنه تعظيم أم أن هذا يرجع إلى الشرع ؟
لا شك أنه يرجع إلى الشرع .
أقول : نعم أحسنت في الجواب .
فأريد أن تنصت لي قليلا لأزيد لك في البيان ؛ التعظيم كلمة يدخل فيها أفراد كثيرة من الأقوال والأعمال الظاهرة بل حتى الباطنة , فكل ما يفهم منه التعظيم يدخل في هذه الكلمة . أليس كذلك ؟
بلى , لكن
أقول : معذرة , دعني أكمل كلامي .
تفضل .
أقول : السؤال الآن لو تركنا الأمر مفتوحاً مأذوناً فيه فقد يقع بعضهم في الزلل بدعوى التعظيم كما وقعت النصارى في الشرك عندما زعموا أنهم يعظمون المسيح - عليه السلام - فقالوا : (هو ابن الله) , قال تعالى : " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِن اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي ں@ƒدنآuژَ خ) اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ " [المائدة:72] .
وتأمل هذه الوقائع في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
ثبت في سنن أبي داود ( 4806) عن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - أنه قال : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا : أنت سيدنا , فقال : ((السيد الله تبارك وتعالى)) , قلنا : وأفضلنا وأعظمنا طولاً , فقال : (( قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان )) .
قال محدثي : لكن يجوز أن نقول ..
قلت : يا أخي أنا لا أريد أن أتكلم الآن عن موضوع التسييد هل يجوز أم لا؟(1/78)
إنما أريد أن تنتبه إلى أن هؤلاء تكلموا بما تكلموا به بقصد تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع هذا لم يقبل منهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك .
أي أن هناك أنواع من التعظيم لا يرضاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف نرضاها نحن ؟! .
وانتظر قليلا أذكر لك وقائع أخرى :
ثبت في مسند الإمام أحمد (1/283) والبخاري في الأدب المفرد (783) أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما شاء الله وشئت , فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( أجعلتني مع الله نداً ؟ لا بل ما شاء الله وحده )) .
لاحظ ؛ هاتين الواقعتين متعلقة بالأقوال لم يرضها النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وتأمل هذه في الأفعال :
ثبت في مسند الإمام أحمد (1/381) عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قدم معاذ - رضي الله عنه - اليمن ,أو قال الشام, فرأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها , فروأ(1) في نفسه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق أن يعظم فلما قدم قال : يا رسول الله رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها فروأت في نفسي أنك أحق أن تعظم , فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها .. )) .
تأمل هنا هذا الصحابي - رضي الله عنه - أراد تعظيم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكن بوسيلة غير شرعية فنهاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد سبق معنا (ص77) حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال : (( لم يكن شخص أحب إليهم من رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال : وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك )) .(1/79)
وسؤالي الذي أوجهه إليك الآن : هؤلاء الصحابة - رضي الله عنهم - أرادوا تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقيام له لكنه يكره ذلك فتركوه طاعة له صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يمكنك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تعلم أنه يحب هذه الوسيلة من التعظيم ـ أي الاحتفال بالمولد ـ ؟ .
إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كره أن يقال له : ما شاء الله وشئت , وكره أن يقال له : سيد , سواء قلت كره ذلك تواضعاً , أو غيره , المهم أنه كره ذلك مع أنه سيدنا بدون شك , وكره القيام له فهل يَقْبَل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يخصص يوم مولده ويحتفل به ؟ .
ماذا ستقول ؟
إن قلتَ : نعم يقبل ذلك .
سأقول لك : هل اطلعت على الغيب لتعلم ذلك .
إن قلتَ : بل علمته بالدليل .
سأقول لك : هل سمع الصحابة - رضي الله عنهم - هذا الدليل أم لا ؟ .
لا يمكن أن تقول : لا .
سأقول لك : هل فهم الصحابة - رضي الله عنهم - منه مشروعية الاحتفال بالمولد ؟ .
لا يمكن أن تقول : نعم .
إذاً هل نقدم فهم الصحابة - رضي الله عنهم - أم فهم غيرهم ممن يرى مشروعية المولد ؟
هل انتبهت أخي المسلم نحن نحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونعظمه ونعلم أن وسيلة ذلك هو
__________
(1) أي فكر .
اتباع سنته صلى الله عليه وآله وسلم , فإذا كان يوم القيامة وسألني ربي : لماذا لم تحتفل بالمولد ؟(1/80)
أقول : يا رب نظرت في كلامك الذي أمرتنا أن نعمل به فلم أجد فيه الأمر بالاحتفال به , ونظرت في سنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي أمرته أن يبين لنا ما يقربنا إليك وأمرتنا أن نتبعه ونقتدي به فلم أجد فيها الأمر بالاحتفال به , ونظرت إلى عمل الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - الذين اصطفيتهم لصحبة رسولك صلى الله عليه وآله وسلم وأكرمتهم بنصرة دينك والحرص على مرضاتك فلم أجدهم احتفلوا به ولا دعونا إلى فعله . ونظرت في أقوال التابعين لهم بإحسان ومنهم الأئمة الأربعة الذين شهدت الأمة لهم بالإمامة فلم أجدهم فعلوه ولا دعوا إلى فعله .
فأحببت أن أتبعهم وخفت أن أفعل في دينك ما لا يرضيك.
لكن لو سألك أنت فقال لك : لماذا تحتفل بالمولد ولم آمرك به في القرآن ولا أمرك به رسولي ولم يفعله الخلفاء الراشدون ؟ .
ماذا ستقول ؟.
هل ستقول : رأيت من العلماء من يفعله ويدعوا إليه وصنف في فضله وأنا عامي لا علم لي وقد قلت في كتابك : " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "
ألا ترى أنها حجة لا تُقبل , لأنه سيُقال لك قد سمعت من علماء آخرين إنكار ذلك والتحذير منه وسمعت ممن دعاك إلى فعله أنهم يعترفون أن القرون المفضلة لم يعملوا به فلماذا لم تتبع هؤلاء وأنت تعلم أنك ستسأل :
" مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ "
ولن تسأل عن العلماء .
فما هو جوابك ؟
الحافظ العراقي والسخاوي
وابن كثير وابن الديبع
قال المؤلف: " الحافظ العراقي: وهو الإمام الكبير
عبد الرحيم بن حسين بن عبد الرحمن المصري الشهير بالحافظ العراقي ،
المولود سنة ( 725 )هـ ، المتوفى سنة ( 808 ) هـ ، برع في الحديث والإسناد
والحفظ وهو العلامة الحجة ، صنف مولداً شريفاً سماه : ( المورد الهني في
المولد السني ) ذكره ضمن مؤلفاته .(1/81)
الحافظ السخاوي : وهو محمد بن عبد الرحمن القاهري المعروف بالسخاوي، المولود سنة ( 831 ) هـ ، المتوفى سنة ( 902 ) هـ , بالمدينة المنورة ، وترجم له الشوكاني في كتابه : ( البدر الطالع) وقال عنه : من الأئمة الكبار . وقال عنه ابن فهد : لم أر في الحفاظ المتأخرين مثله . وقال عنه الشوكاني : لو لم يكن له من التصنيف إلا كتاب : ( الضوء اللامع ) ، لكان دليلاً على إمامته ، وقال صاحب كشف الظنون: للحافظ السخاوي جزء في المولد الشريف
الحافظ ابن كثير : وهو عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير صاحب التفسير، قال الذهبي في المختص: الإمام المحدث البارع ثقة متقن محدث متفنن ، وترجم له العسقلاني في كتابه : ( الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة ) فقال : اشتغل بالحديث ومتونه ورجاله ، وأخذ عن ابن تيمية ، ففتن بحبه وامتحن بسببه، كثرت تصانيفه في البلاد ، صنف الإمام ابن كثير مولداً نبوياً طبع أخيراً بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد
الحافظ ابن الديبع : وجيه الدين بن عبد الرحمن بن علي بن محمد الشيباني اليمني الزبيدي الشافعي ، والديبع بلغة السودان : هو لقب جده الأعلى ، ولد في محرم سنة ( 866 ) هـ , وتوفي يوم الجمعة ثامن رجب الفرد سنة ( 944 ) هـ ، وكان أحد أئمة الزمان ، حدث بالبخاري أكثر من مائة مرة ، وصنف مولداً مشهوراً " .
نقول : الحافظ العراقي أيضاً شافعي المذهب , فجوابنا عليه كالجواب السابق .
والحافظ السخاوي أيضا شافعي المذهب , فجوابنا كالجواب السابق .
وكذلك القول في ابن كثير وابن الديبع فكلاً منهما شافعي المذهب .
الحافظ ملا
علي القاري
قال المؤلف : "الحافظ ملا علي القاري بن سلطان
بن محمد الهروي : المتوفى سنة ( 1014 ) هـ ، صاحب شرح المشكاة ،
ترجم له الشوكاني في ( البدر الطالع ) وقال : أحد مشاهير الأعلام ومشاهير
أولي الحفظ والإفهام ، وقد صنف في مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً ، قال صاحب(1/82)
كشف الظنون: اسمه ( المورد الروي في المولد النبوي ) " .
نقول : أيهما أعلم وأفقه (الحافظ ملا علي القاري بن سلطان بن محمد الهروي) أم إمامه : (الإمام أبو حنيفة النعمان) ؟ .
هل نقل عن الإمام أبي حنيفة أنه حث على المولد أو عمله أو صنف فيه ؟ .
الجواب : لا .
لماذا ؟ .
هل يمكن أن يكون المولد من الدين ولا يشير إليه أبو حنيفة رحمه الله تعالى
ولا يذكره مع أنه يتكرر في كل عام ؟! .
هذا ولم أكلف نفسي عناء البحث عن ثبوت ما نسب من هذه الكتب إلى هؤلاء
العلماء لأنها إن ثبتت نسبتها لهم فالجواب هو ما سبق , وإن لم تثبت عنهم وافق
هذا ما علمناه من الحق في عدم ثبوت الاحتفال بالمولد شرعاً .
الخاتمة
أيها المسلم الحبيب إلى قلبي أنت تعلم أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) فانطلاقاً من هذا الحديث سطرت ما قرأتَه رغبة في معرفة الحق والدعوة إليه والعمل به فلم أجد مع القائلين بالمولد حجة يستطيع المسلم أن يقابل بها ربه يوم القيمة .
أخي الكريم لنتفق على أن أضع يدي في يدك ونتعاون سوياً ونتناصح للعمل بهدي نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد ـ والله الذي لا إله إلا هو ـ بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين , وتركنا على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء , ولنحرص على وصية ابن مسعود - رضي الله عنه - : (( اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة )) , فلماذا التنازع والتناحر على أمر لم يرد في القرآن ولا في السنة ولم يعمله الصحابة باتفاق الطرفين .
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يصلح نياتنا وذرياتنا وأن يغفر زلاتنا
اللهم أرنا الحق حقاً , وارزقنا اتباعه , وأرنا الباطل باطلاً , وارزقنا اجتنابه
والحمد لله أولاً وآخراً
المحتويات
الموضوعالصفحة
المقدمة . 3
الرد على استدلاله بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين . 6(1/83)
الرد على استدلاله بذكر قصص الأنبياء .9
الرد على استدلاله بما ورد من الحث على الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .10
الرد على استدلاله بدعاء عيسى - عليه السلام - إنزال مائدة من السماء .12
الرد على استدلاله بما ورد من التخفيف عن أبي لهب .13
الرد على استدلاله بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعظم يوم مولده بالصيام .17
الرد على استدلاله بصيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء وأمره بذلك .20
الرد على استدلاله بما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن نفسه .21
الرد على استدلاله بذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخصائص يوم الجمعة . 23
الرد على استدلاله بأن الفرح مطلوب عند ذكرى الحوادث الهامة . 24
الرد على استدلاله بأمر جبريل - عليه السلام - النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي في بيت لحم .25
الرد على استدلاله بقول لابن مسعود - رضي الله عنه - .26
الرد على استدلاله بأن فعل المولد مما يزيد الإيمان .28
الرد على استدلاله ببعض أعمال الحج .29
الرد على زعمه أن المولد المشتمل على المحرمات محرم لا لذاته . 30
أول من أحدث المولد . 32
استدلاله بقول لابن تيمية .35
استدلاله بقول لابن حجر الهيتمي 38
استدلاله بقول لأبي شامة . 39
استدلاله بقول للسخاوي .40
استدلاله بقول لابن الجوزي . 41
استدلاله بقول للسيوطي .43
استدلاله بقول لابن الحاج ودحلان . 45
استدلاله بقول للحافظ العراقي .46
استدلاله بقول لابن حجر . 47
استدلاله بقول لابن عابدين . 49
استدلاله بقول لحسنين مخلوف .50
استدلاله بقول للشعراوي .52
استدلاله بقول للطرازي .53
عودة المؤلف لقصة عتق أبي لهب لثويبة والرد على ذلك .54
ذكرالصنعاني والبخاري لقصة ثويبة .55
ذكر ابن حجر والبيهقي لقصة ثويبة .56
ذكر ابن هشام وابن الديبع لقصة ثويبة .58
ذكر البغوي والعامري والسهيلي للقصة .59
خاتمة المؤلف في الكلام على القصة .61(1/84)
ذكره لشبهات وردت على القصة : الشبهة الأولى .63
الشبهة الثانية .65
الشبهة الثالثة .68
الشبهة الرابعة .69
مفهوم خاطئ 72
حكم القيام في المولد75
كيفية الاحتفال بالمولد81
شبهات حول الاحتفال بالمولد: (الشبهة الأولى)82
مسألة جمع المصحف83
مسألة جمع عمر - رضي الله عنه - الناس على إمام واحد84
مسألة التصنيف في جميع العلوم النافعة86
مسألة اتخاذ الربط87
مسألة اتخاذ المدارس والمستشفيات ...88
الشبهة الثانية90
الشبهة الثالثة91
ذكره بعض العلماء الذين صنفوا في المولد: (الحافظ القيسي). 94
مناقشة مفيدة94
الحافظ العراقي والسخاوي وابن كثير وابن الديبع101
الحافظ ملا علي القارئ103
الخاتمة104
المحتويات .105(1/85)