(1/1)
(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
الكتاب الذي سوف نشرحه إن شاء الله كتاب التوحيد وطريقتنا في الشرح أو خطة الشرح هي:-(1/3)
الأصل في الشرح على كتاب تيسير العزيز الحميد لحفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهو سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ؛ وإذا كان هناك إضافات وزوائد أضفناها من كتابي الحفيد الثاني وهو عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ( كتاب فتح المجيد ، وكتاب قرة عيون الموحدين ) ثم كتاب الشيخ حمد بن على بن عتيق رحمه الله واسمه إبطال التنديد ، هؤلاء الثلاثة وهم الحفيدان والشيخ حمد رحمهم الله أحسن من شرح كتاب التوحيد .
مع ملاحظة أنني إن شاء الله سوف أضيف كلام المصنف رحمه الله نفسه مما هو موجود في الدرر السنية أو كتاب تاريخ ابن غنام ترتيب ناصر الدين الأسد أو مما في رسائل المصنف مما هو شرح أو تفصيل أو تقييد لكلامه هنا ، وهذا مهم جدا ويساعد على شرح كلام المصنف بكلامه نفسه في المواضع الأخرى ، وأحسن الشروح أن تشرح كلام الشخص بكلامه الآخر ، لأنه أدرى بكلامه من غيره ، وبما أنه جمع لكلام المصنف من هنا وهناك وجمع لكلام طلابه وجمع للقضايا المعاصرة وجمع للمذكرة المتداولة التي يسر الله لي فيها شرح كتاب التوحيد لهذا فقد سميته الجمع على تقصير مني وضعف ثم حرصت حسب فهمي واجتهادي أن أُجرد و أُرتب الكلام وأُهذبه فكان اسمه الجمع والتجريد ،وهناك معنى آخر لكلمة التجريد أي أننا جردنا الكتاب في مسائل التوحيد والعقيدة فقط دون مسائل الفقه ونحوها .
والسبب في اختيار الشراح الثلاثة : أنهم أقرب الناس ممن ألّف في شرح التوحيد لفهم مقاصد المصنف ، لأنهم إما دارس على الشيخ محمد بن عبدالوهاب مباشرة مثل الحفيد عبدالرحمن فقد درس عليه كتاب التوحيد من أوله إلى آخر أبواب السحر قال الشيخ عبد الرحمن في قرة عيون الموحدين ص 46 (قال : قال شيخنا ) يقصد جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهذا نص صريح أنه درس على جده .(1/4)
وإما دارس على طلاب وتلامذة الشيخ محمد رحمهم الله أمثال الحفيد سليمان ، وهذا هو المشهور حتى إن الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه وعلى والده في مقدمة كتاب تيسير العزيز الحميد لم يذكر من مشايخه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ويرجح هذا القول أنهم ذكروا أن مولد الشيخ سليمان عام 1200 هـ أي قبل وفاة جده بست سنين ،و لكن الحفيد سليمان ذكر في الباب الأول ص 44 قال : هكذا أُثبت بخط شيخنا اهـ والضمير يعود للمصنف ،مما يُشعر أنه درس على الشيخ محمد فقد يكون أنه درس على جده مدة وجيزة حيث أعطاه الله من التمييز المبكر ما يصح معه أن يقال أنه درس على جده والله أعلم .
أو درس على تلامذة تلامذة الشيخ محمد رحمهم الله أمثال حمد بن عتيق الذي يُعتبر من الجيل الثالث من أجيال هذه الدعوة السلفية المباركة وقد فهموا مقاصد المصنف وهم أقرب الناس لفهم مراد المصنف ومقاصده .
والشيخ سليمان وهو الحفيد الأول كما ذكرنا أعلاه ممن درس على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وإضافة على ذلك تعلّم على أيدي طلاب الشيخ محمد رحمهم الله ، وقد ألّف كتابين في شرح كتاب التو حيد ، الكتاب الأول هو تيسير العزيز الحميد بشرح كتاب التوحيد ، إلا أن هذا الكتاب لم يتمه المصنف وقد بقي عليه سبعة أبواب في آخر الكتاب تقريبا ، أما ستون بابا فقد شرحها .
وميزة شرح الشيخ سليمان أنه محدِّث ولديه معرفة في علم الحديث والرجال والتصحيح والتضعيف وله اجتهاد في هذا الباب ،وهذا مما جعل هذا الكتاب له ميزة أخرى في معرفة الصحيح والضعيف في باب أحاديث كتاب التوحيد .
الكتاب الثاني لسليمان وهي حاشية على كتاب التوحيد لكن هذه الحاشية تعتبر مفقودة لكن ذكر محقق كتاب فتح المجيد د.الوليد بن فريان أن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله حدّثه أنها قُرأت عليه منذ وقت بعيد في بلدة الدّلم .
وقد اُستشهد سليمان رحمه الله وهو شاب وعمره 33 سنة تقريباً.(1/5)
أما عبدالرحمن وهو الحفيد الثاني فقد ألّف كتابين : الأول فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد ويعتبر تلخيصاً لكتاب التيسير وتهذيباً ومكملاً له وزائداً عليه ، فقد زاد فيه فوائد ومباحث ولذا ما زاده عبدالرحمن مما نحتاجه سوف نذكره إن شاء الله ، والكتاب الثاني قرة عيون الموحدين وهو كتاب مختصر أشبه ما يكون بالحاشية .
أما كتاب الشيخ حمد بن علي بن عتيق فأسمه إبطال التنديد بشرح كتاب التوحيد وهو يعتبر شرحاً مختصراً ذكر فيه منقولات من كتاب الشيخ سليمان ( فغالب ما فيه نقلها من كتاب التيسير ) كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه ، وأهمية كتاب ابن عتيق تأتي من حيث أنه ينقل الأمور المهمة من كتاب التيسير .
ومن هنا نفهم أن كل الكتب تدور على كتاب الحفيد سليمان ما بين مختصر له أو مهذب له أو ناقل منه أو زائد عليه .
أما طبعات الكتب فكتاب التيسير طبعة مكتبة الرياض وكتاب فتح المجيد بتحقيق محمد حامد الفقي رحمه الله طبعة دار الكتب العلمية " السابعة " عام 1377 هـ وكتاب قرة عيون الموحدين ضمن مجموعة التوحيد طبعة مكتبة الرياض ، وكتاب إبطال التنديد الطبعة الثالثة مكتبة التوفيق بالرياض ، وتاريخ نجد ط دار الشروق تحقيق ناصر الدين الأسد .
مسألة: فيما يتعلق بالقسم الثاني من الكتاب .
فأبواب كتاب التوحيد قسمان :
القسم الأول: يتعلق بالآيات والأحاديث في كل باب .
القسم الثاني :ما يتعلق بعنوان الباب وهو ما يسميه المتقدمون الترجمة (ترجمة الباب) والمصنف يسمي عنوان الباب ( ترجمة ) كما قال في باب تفسير التوحيد في أول المسائل ، قال : وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب اهـ وكذا الحفيد سليمان يسميها ( ترجمة ) كما في باب الخوف من الشرك ص 94 ، قال رحمه الله تعالى : ( مع أن الترجمة تشمل النوعين ) اهـ .(1/6)
وما يتعلق بمسائل كل باب وهي عبارة عن الفوائد التي استنبطها الشيخ محمد بن عبدالوهاب من كل باب وسميناها فوائد اقتداءً بالشيخ عبدالله أبا بطين رحمه الله حيث قال : أما تعريف العبادة فقد عرفها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في فوائده على كتابه كتاب التوحيد اهـ ( الدرر السنية 2 /303 ، فتاوى الأئمة النجدية 1 / 117 للشيخ مدحت الفرج ) ، فكل باب بعد الانتهاء من آياته وأحاديثه يختمه بفوائد يسميها (مسائل ) ، وهذه الفوائد فيها علم كثير وفقه لا بد من الاهتمام بها و سوف نتعرض لها إن شاء الله بشرح كل باب فإنها تعين على فهم مراد المصنف وفهم اختياراته وفقه مقاصده من كل آيه وحديث ، وكما قيل : فقه الإمام البخاري في تراجمه وأبوابه وفقه الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتاب التوحيد في تراجمه ومسائله .
وهناك كتب إهتمت بهذه المسائل سوف نأخذ منها ما نحتاجه في فهم المسائل مما لا يوجد في الكتب السابقة إن شاء الله وهي على قسمين :
قسم متخصص في المسائل أُلِّف لشرح المسائل وهو كتاب الشيخ عبدالله الدّويش رحمه الله والمسمى : التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد .
وكتب أخرى ليست متخصصة لكنها تهتم كثيرا بالمسائل وهو كتاب التيسير للحفيد سليمان وفتح المجيد للحفيد عبد الرحمن وكتاب الدر النضيد للشيخ سليمان بن عبدالرحمن الحمدان رحمه الله .
أما عدد أبواب الكتاب فهو 67 باباً على خلاف يسير في العدد يأت توضيحه إن شاء الله ،
مسألة : اسم الكتاب بالكامل ( كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ) والمشهور تسميته على الاختصار باسم : كتاب التوحيد .(1/7)
وقد ألّفه الشيخ رحمه الله بعد وفاة والده في بلدة حريملاء بعد عام 1153 هـ ( تاريخ نجد ص 84 ) وذكر الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن رحمه الله في سيرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مجموعة الرسائل ( 3 / 380 ) أنه ألّف كتابه التوحيد في حريملاء ، ولعل هذا هو التأليف الرسمي الذي أظهر فيه الكتاب ، أما تأليف الكتاب كمسودة وبداية فقد كان قبل ذلك في مدينة البصرة ، قال الحفيد عبدالرحمن في رسالته في الرد على عثمان بن منصور في الدرر السنية ( 9 / 215 ) : إن جده ألّف في مدينة البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله وبتصنيفه القريب والبعيد ، أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث اهـ ففي البصرة بداية التأليف ثم أظهره في حريملاء رسميا ودرسه وشرحه لطلابه هناك معلنا بداية دعوته السلفية المباركة .وراجع منهاج التأسيس ص 9 ،
مسألة : سوف نهتم إن شاء الله كثيرا بمسائل المصنف نظرا لأهميتها في فهم المقصود ، كما أننا إن شاء الله سوف نهتم بقدر الطاقة وما تيسر بذكر قضايا معاصرة في كل باب بما يناسب ونحرص على ربطه بالواقع والحياة ، وندعوا إخواننا إلى ألا يبخلوا علينا بالملاحظة والتنبيه لما نخطئ فيه ونحن أقرب إلى الخطأ ، فما حصل من صواب فمن الله وحده وما حصل من خطأ فمني والشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، مع الاعتذار في البداية عن الأخطاء النحوية والإملائية غير المقصودة ، وسوف نقسم الكتاب إن شاء الله إلى أقسام كبار أو مجموعات متناسقة كل قسم أو مجموعة تكون متقاربة من حيث الموضوع و الهدف والمعنى .(1/8)
والقسم الأول من الكتاب هو عبارة عن ستة أبواب من أول الكتاب إلى نهاية باب تفسير التوحيد ، والمعنى الجامع لهذه الأبواب الستة أنها كالمقدمة للكتاب كله ففيها بيان أهمية التوحيد وفضله وأهمية تحقيقه وتفسيره وأهمية الدعوة إليه ، ثم ذكر التخويف من ضده وهو الشرك ،وراجع آخر هذا الكتاب ففيه السبب الواضح لجعل القسم الأول هذه الأبواب الستة ، مع ملاحظة أن معنى قسم لايعني جزءا ،فقد يكون القسم الأول جزءا كاملا كما هو الواقع في القسم الأول الذي معنا هنا ،وقد يكون الجزء عدة أقسام .
ملاحظة:
سوف يمر علينا إن شاء الله ذكر صحابةٍ و أئمةٍ ومشايخ فأحياناً نذكر أسمائهم مجردة من ذكر ما قبلها من قول( الصحابي أو الأمام أو الشيخ ) وبعدها أحيانا من قول رضى الله عنه أو رحمه الله طلباً للاختصار إلا أنه في مسالة الترضي أو الترحم عليهم نذكر ذلك في أول اسم له يمر علينا ثم نختصر ما بعده وهذا للإحاطة فإن نسينا فقد عُفي لنا الخطأ و النسيان ولله الحمد ، وليس هذا سوء أدب معهم رضي الله عنهم و رحمهم وغفر لهم فهم أئمتنا ومشايخنا فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا ً.
مسألة : أحب أن أنبه الإخوة الكرام إلى أن المذكِّرة المتداولة التي يسر الله لي فيها شرح كتاب التوحيد سوف أُ لحقها بهذا الكتاب إن شاء الله خصوصا ما يتعلق بالقضايا المعاصرة والفوائد المهمة ، وهذا الكتاب يُغني أن شاء الله عن المذكِّرة المتداولة لأنها مضمّنة فيه وجزء منه ،علما أن المعتمد في المذكرة المذكورة ما كانت بخط اليد ، أما المذكرة المكتوبة بالكمبيوتر أو بغيرها فليست معتمدة ، لأنها لم تعرض علي ولم أُصححها هذا للمعلومية .
مسألة : وقد يجد من قرأ المذكِّرة المتداولة في شرحي لكتاب التوحيد أقوالاً واختيارات قد تخالف ما في هذا الكتاب فعند الاختلاف ( وهو قليل ولله الحمد ) يكون ما في المذكرة قول قديم والاختيار الجديد ما في هذا الكتاب ،(1/9)
ومن أراد طبع هذا الكتاب يريد وجه الله فلا مانع عندي بشرطين :
1 ـ أن يكتب على غلاف الطبعة التي طبعها (وقف لله تعالى )،
2ـ أن يعرض عليّ النسخة قبل طبعها من أجل مطابقتها على النسخة الأصلية للتأكد من عدم الزيادة أو النقص ، فإن تعذر ذلك فلا مانع من مطابقة ما يُراد طبعه على النسخة الأصلية بشهادة بعض طلبة العلم الموثوقين ويكون عددهم اثنين بأسمائهم الصريحة في آخر الكتاب بعبارة ( طابقه على أصله فلان وفلان ) ، والله الهادي إلى سبيل الرشاد ، كما أحث الإخوة الكرام إلى أخذ الكتاب من أماكنه الموثوقة 0
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 0
كتبه علي بن خضير الخضير
الختم بتوقيعه
القصيم – بريدة
الباب الأول
كتاب التوحيد
المتن
وقول الله تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )
وقوله : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) 0
وقوله : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) 0
وقوله : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ) الآيات
وقوله : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) 0
قال ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ قوله تعالى: ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) – إلى قوله – ( وأن هذا صرا طي مستقيماً..) الآية.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله ؟" فقلت: الله ورسوله أعلم . قال : "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً" فقلت : يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا" أخرجاه في الصحيحين.
فيه مسائل:
الأولى : الحكمة في خلق الجن والإنس.
الثانية : أن العبادة هي التوحيد ؛ لأن الخصومة فيه.(1/10)
الثالثة : أن من لم يأت به لم يعبد الله ، ففيه معنى قوله( ولا أنتم عابدون ما أعبد ) .
الرابعة : الحكمة في إرسال الرسل.
الخامسة : أن الرسالة عمَّت كل أمة.
السادسة : أن دين الأنبياء واحد.
السابعة : المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت ؛ ففيه معنى قوله :
( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) .
الثامنة : أن الطاغوت عام في كل ما عُبِد من دون الله .
التاسعة : عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف ، وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك .
العاشرة : الآيات المحكمات في سورة الإسراء ، وفيها ثمانية عشرة مسألة،بدأها الله بقوله : ( لا تجعل مع الله إلهاً ءاخر فتقعد مذموماً مخذولا ً) ؛ وختمها بقوله: ( ولا تجعل مع الله إلهاً ءاخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً )، ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله: ( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ) .
الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالى بقوله:
( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) .
الثانية عشرة : التنبيه على وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته .
الثالثة عشرة : معرفة حق الله تعالى علينا .
الرابعة عشرة : معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه .
الخامسة عشرة : أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة .
السادسة عشرة : جواز كتمان العلم للمصلحة .
السابعة عشرة : استحباب بشارة المسلم بما يسره .
الثامنة عشرة : الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله .
التاسعة عشرة : قول المسئول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم .
العشرون : جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض .
الحادية والعشرون : تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار مع الإرداف عليه .
الثانية والعشرون : جواز الإرداف على الدابة .
الثالثة والعشرون: فضيلة معاذ بن جبل .
الرابعة والعشرون : عظم شأن هذه المسألة .(1/11)
الباب الأول
كتاب التوحيد
الشرح
فيه مسائل :
المسألة الأولى :
المصنف قال كتاب التوحيد ثم سرد الآيات ولم يقل باب ، في حين أن الذي بعده قال باب فضل التوحيد ، فأيهما الباب الأول هذا أم باب فضل التوحيد ؟ وهذا هو سبب الخلاف في عدد أبواب كتاب التوحيد ، هل هذا الذي معنا هنا هو مقدمة وما بعده هو الباب الأول أم هذا هو الباب الأول ، ولأقرب من صنيع المصنف أنه اعتبر هذا هو الباب الأول وباب فضل التوحيد هو الباب الثاني فقد قال في تاريخ نجد ص 408 ( في رسالة كتبها إلى بعض طلابه تكلم فيها عن تفاضل الناس في التوحيد والعلم فقال : إن هذه المسالة من أكثر ما يكون تكرارا عليكم وهى التي بُوّب لها الباب الثاني في كتاب التوحيد ) اهـ والباب الثاني هو الذي فيه ذكر التفاضل ، هذا الأمر الأول .
2ـ أنه جعل لهذا الباب مسائل مثل غيره فعامله معاملة الأبواب الأخرى .
3ـ أنه قال في مسائل الباب الثاني ، سعة فضل الله ، وفي مسائله ذكر كلمة فضل ثلاث مرات وهى تطابق ما قال في كلامه السابق .
4ـ وأيضا الشيخ سليمان في التيسير ص50 في الباب الثاني قال : (لما ذكر ( يقصد المصنف ) معني التوحيد (يقصد في الباب الذي قبل باب فضل التوحيد ) ناسب ذكر فضله وتكفيره للذنوب ) اهـ وكلام الشيخ سليمان يُشعر أن قبل باب فضل التوحيد قبله باب أول .
المسألة الثانية : ما هو قَصْد المصنف من هذا الباب ؟
تكلم الحفيد سليمان في ص50 من كتاب التيسير في قصد المصنف من هذا الباب فقال : ( ولما ذكر المصنف معنى التوحيد ناسب ذكر فضله وتكفيره للذنوب ) . اهـ
وعلى ذلك فالحفيد سليمان يرى أن الباب الأول بوّب لبيان معنى التوحيد، أما الحفيد الثاني والشيخ حمد فلم يذكرا ماذا قصد المصنف من هذا الباب حسب علمي ، لكن الذي يظهر لي أن المصنف لم يقصد هذا المعنى الذي اختاره الحفيد سليمان وذلك حينما تنظر لمسألتين :(1/12)
1-أن المصنف سوف يذكر باباً مستقلاً في بيان معنى التوحيد وهو الباب السادس ( باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله ) فيبعد أن يكرر المصنف الباب مرتين .
2-أنك إذا نظرت إلى مسائل المصنف وجدت أنه يريد أن يبين عظم التوحيد ، وكرر كلمة عظم ثلاث مرات ، قال في المسألة التاسعة عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام والتي أولها الشرك ، وقال في آخر مسألة وهي 24عظم شأن هذه المسألة (وهي حق الله على العباد) وقال في مسألة العاشرة ( ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل ) . وإذا نظرت إلي بقية المسائل مثل المسألة الأولى : وهي الحكمة من خلق الجن والإنس ، والمسألة الرابعة : وهي الحكمة من إرسال الرسل ، والمسألة الخامسة : أن الرسالة عمت كل أمة ، والمسألة السادسة : أن دين الأنبياء واحد ، وغيرها من المسائل تبين لك أن المصنف لا يريد بيان معنى التوحيد .
وإنما أراد المصنف أن يبين عظم شأن التوحيد وبيان أهميته ومكانته ومن ثم يمكن أن نقول إن قصد المصنف من هذا الباب هو (بيان مكانة التوحيد وأهميته وعظم شأنه وحُكمِه ) .
ومما يوضح أهمية التوحيد ماذكر المصنف في الباب وفي المسائل:
1-أنه من أَجْلِه خُلق الخلق لأهميته ومكانته وعظم شأنه .
2-أنه من أجلِه أُرسل الرسل لأهميته ومكانته وعظم شأنه .
3-ومن أهميته أنه جاء به كل رسول ولذا اتفقت جميع الرسل به والأنبياء .
4-ومن أهميته أنه فرض على الناس فأصبح فرضا عينيا لازما .
5-ومن أجل أهميته أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم عند موته كما في حديث ابن مسعود رضى الله عنه : من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم .
6- وهو حق الله اللازم .
7-وقضى الله به وجعله أمرا مقضيا شرعا 0
8-وكما أوجبه فقد حرم ضده وهو الشرك .
وإذا نظرت إلى هذه الأمور الثمانية السابقة أتضح لك فعلا مكانة التوحيد وأهميته وأن هذه الأمور السابقة جاءت من أجله .(1/13)
المسألة الثالثة : شرح عنوان الباب :
المصنف قال (كتاب التوحيد) كلمة كتاب تمر علينا كثيرا وهي مصدر بمعنى مكتوب أي مجموع مأخوذ من الكتيبة وهي : الجماعة من الناس إذا اجتمعوا ( التيسير ص 17 ، الفتح ص 11 ) وهو مضاف ويحتاج إلى تقدير، والحفيد سليمان ومثله الحفيد عبد الرحمن قدرا المحذوف باللام يعني :كتاب للتوحيد أي أشياء مكتوبة للتوحيد ، وعلى اختيار الحفيد سليمان : أشياء مجموعه لبيان معنى التوحيد ، وعلى الذي رجحنا : أشياء مجموعه لبيان أهمية التوحيد ومكانته وعظم شأنه .
بقي كلمة التوحيد: هل يراد منها العموم أو الخصوص ؟ 0
الثلاثة كلهم مجمعون أن الألف واللام للخصوص و أصرحهم في ذلك عبد الرحمن في قرة عيون الموحدين ص 9 حيث قال : إن التوحيد يقصد به الألوهية وكذا حمد في ص 17في كتابه إبطال التنديد ، وهذا منطبق على قصد المصنف ، أما صاحب التيسير فقال : الألف واللام في التوحيد للعهد الذهني ص 30 ، ولا أدري ماذا يقصد ؟ ( إلا إن قيل أن المقصود بالتوحيد الشيء الذهني الموجود في ذهن المصنف عند التأليف وهو توحيد الألوهية والعبادة إن كان هذا فربما والله أعلم ) 0
فإذا نظرت إلى المسائل وجدت أنه أراد توحيد الألوهية وتوحيد العبادة كما في المسألة الأولى والثانية والثالثة بل أغلب المسائل ذَكرت توحيد العبادة.
والخلاصة : أن المصنف أراد في هذا الباب أن يبين مكانة توحيد الألوهية وعظم شأنه وأهميته ، وإذا نظرت إلى الآيات التي ذكرها المصنف كلها في توحيد الألوهية ومثله الحديث فهو في توحيد الألوهية ،
وهناك أمر مهم في هذا الباب وهو بيان حكم التوحيد وأنه فرض عين لازم بل هو الركن الأول من أركان الإسلام 0
ثم قال المصنف ( وقول الله تعالى ) ثم ذكر خمس آيات وذكر حديثا أو حديثين ، و ( أو) هنا ليست للشك وسوف يأتي إن شاء الله في آخر الباب لماذا قلنا كلمة أو .(1/14)
ولكن هناك قاعدة قبل أن نبدأ بالآيات وهي (كلمة وقول الله تعالى ) الموجودة في نسخة التيسير والفتح في أول الكتاب ، فهل تكون قول بالجر أم بالضم وهل نقول( قولُه تعالى أو قولِه تعالى ) كما سيأتينا كثيرا في كل باب ، والحفيدان في التيسير ص 30 وفي الفتح ص 14 قالا يجوز هذا ويجوز هذا وذلك أن تقول ( قولُه تعالى ) أو ( قولِه تعالى ).
و (قولِ الله تعالى ) على الجر تكون معطوفة و (قولُ الله تعالى ) على الضم تكون على الابتداء، لكن إذا اخترت الجر فعليك أن تلتزم بكل الباب فقط بالجر وليس كل كتاب التوحيد من أوله إلى آخره وإنما كل باب بحسبه وإذا اخترت الضم فكذلك.وهذه قاعدة ينتبه لها في كل باب .
الآيات :
الآية الأولى : قول الله تعالى (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ).
هذه الآية استخرج عليها المصنف ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : وهي قوله ( الحكمة في خلق الجن والأنس )أي أن الآية بيّنت الحكمة من خلق الثقلين والحكمة هي: العبادة ( أي خُلقوا للتوحيد ) .
المسألة الثانية : ( أن العبادة هي التوحيد لأن الخصومة فيه)،هل العبادة هي التوحيد كما قال المصنف أو أعم من ذلك ؟: باعتبار الأصل العبادة أعم من التوحيد هذا الذي فعل الحفيد سليمان ص 30 وعبد الرحمن ص 14 فإنهما لما شرحا هذه الآية أتيا بتعريف أهل العلم للعبادة التعريف العام وذكرا تعريف ابن تيمية رحمه الله :أنه اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .لكن المصنف كلامه دقيق لأنه يعرف أن العبادة أعم لكنه عرف العبادة هنا بأهم شيء وهو أخص أفرادها وهو التوحيد لأن المصنف أراد من الآية ما يتعلق بالتوحيد،فقال إن العبادة هي التوحيد ، وعلل ذلك : لأن الخصومة فيه إهـ والضمير في فيه يعود إلى التوحيد والله خلقهم لعبادته بالتوحيد وغيره كالصلاة والزكاة …الخ ولكن اختصموا في التوحيد فدل على أن العبادة هي التوحيد(1/15)
المسألة الثالثة : وقال (أن من لم يأتِ به لم يعبد الله ) وجه الاستنباط بأنه ما خلقهم إلا لغاية واحدة وهي العبادة وأعظم ركن لهذه العبادة هو التوحيد فإذا لم يأتِ بهذا الركن العظيم لم يأتِ بهذه العبادة ثم قال المصنف ففيه معنى قوله تعالى : ( ولا أنتم عابدون ما أعبد) وقصد المصنف أن معنى ولا أنتم عابدون ما أعبد ( فيه) والضمير في( فيه) يعود إلى التوحيد أي أنه نفى عنهم العبادة لأنهم لم يأتوا بالتوحيد ، ومن لم يأت بالتوحيد لم يعبد الله .
أما مناسبة هذه الآية للباب فهذه الآية تدل على أهمية التوحيد وعظم شأنه لأنه من أجله خُلق الثقلان ولا تصح العبادة إلا بالتوحيد فدل على عظم التوحيد ،وأما الدليل على عدم صحة العبادة بدون التوحيد ما نقله الحفيد عبد الرحمن في قرة عيون الموحدين ص 11 ونقل الإجماع من الفقهاء على أن الإسلام شرط لصحة الصلاة وغيرها من الأعمال اهـ وعبادات المشرك إذا مات عليه ليست بصحيحة فلا يثاب عليها قال تعالى (لئن أشركت ليحبطن عملك ) وقوله ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) .
الآية الثانية :
قوله تعالى : (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا واجتنبوا الطاغوت).
واستخرج المصنف عليها خمس مسائل : الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة
المسألة الرابعة :الحكمة في إرسال الرسل وموضوع هذه المسألة قوله(أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) هو عبادة الله واجتناب الطاغوت .
المسألة الخامسة : أن الرسالة عمت كل أمة وهذا مأخوذ من قوله (في كل أمة رسولا ) فكل أمة جاءها رسول .
المسألة السادسة أن دين الأنبياء واحد والآية ذكرت أن دين الرسل واحد ، وهو عبادة الله واجتناب الطاغوت فهل الفائدة أعم من الدليل أو أخص ؟(1/16)
الدعوى : أن دين الأنبياء واحد والدليل في الرسل ،فكيف الإجابة على هذا ؟ في الحقيقة المصنف أتى باستنباط منا سب لأن الأنبياء أتوا على طريقة الرسل فكل رسول له أنبياء يأتون بعده على شريعته فيأتي النبي على نفس شريعة الرسول قبله وإذا كان على شريعته فهو على دينه ،فإذا كان دين الرسل واحد والأنبياء على نفس دين الرسل كان الأنبياء دينهم واحد.
والمصنف استخرج على هذه الآية مسألتين في أمر الكفر بالطاغوت .
المسألة السابعة : قال : المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت ففيه معنى قوله ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) .
المسألة الثامنة : أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله ، وأراد المصنف أن يبين أهمية التوحيد وعظم شأنه وأنه يدخل في ذلك الكفر بالطاغوت فهو عظيم الشأن ، ولذا قال : المسألة الكبيرة ، فسماها كبيرة وهي الكفر بالطاغوت ، وللمصنف باب مستقل سوف يأت إن شاء الله في مسألة الكفر بالطاغوت وبيان أهميته ، وهو باب تفسير التوحيد ، فإنه في آخره عظّم مسألة الكفر بالطاغوت ، وأنها من أركان التوحيد ، والباب الثاني باب قوله ( ألم تر إلى الذين يزعمون ) الآية ، وكذلك له رسالة مستقلة في الدرر السنية وفي أول مجموعة التوحيد باسم رسالة في الكفر بالطاغوت ورؤوسه وبيان ذلك .
قضية معاصرة :
وهي مسألة عظيمة خصوصا في وقتنا الحاضر أن يُهتم بركن الكفر بالطاغوت والبراءة منه ومعاداته وبغضه وتكفيره وأهله ، فيوجد دول طاغوتية وحكومات طاغوتية ومذاهب وأحزاب وصحف ومحاكم وأنظمة وأشخاص وقاده ومنظرين ومفكرين ووسائل إعلام .. كلها يطلق عليها طاغوت ، لا بد من البراءة منها وبغضها ومعاداتها واعتقاد بطلانها وتكفير أهلها ويأتي إن شاء الله مزيد إيضاح في بابه .(1/17)
وهذا هو أعظم خلل يقع في الجماعات والتيارات الإسلامية والقيادات الإسلامية من علماء وطلبة علم ودعاة وشباب عدم الاعتناء بهذا الأصل الأصيل إلا من رحم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، بل إن الاعتناء بهذا الأمر اليوم يُصنّف صاحبه في خانة الخوارج والحرورية والتيار التكفيري وأهل الغلو والإرهاب وكذا وكذا (ألقاب وألقاب )0
الآية الثالثة :
قوله تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) صاحب التيسير ص35 أغلق القوس عند نهاية ( إحسانا ) وقال بعدها هكذا ثبت في بعض الأصول ولم يذكر الآية بكمالها ، وصنع الحفيد سليمان أقرب إلى منهج المصنف وطريقته هنا في آيات وأحاديث الباب ، فإن المصنف يميل في المتن إلى الاختصار ، أما صاحب الفتح ص18فأكمل الآية إلى قوله ( كما ربياني صغيرا ) وفي قرة عيون الموحدين ص10 قال : الآية بالنصب ( أي أكمل الآية ) ، ومثله تماما الشيخ حمد في الإبطال ، وما فائدة هذا الكلام ؟ له فائدة حسب ما فهمت من طريقة المصنف والشراح أنه يريد منك أمرين :
1 –…عندما تقرأ المتن أو تُسمّعهُ لأحد فإنك تقتصر على ما في المتن وتقرأ إلى نهاية القوس إن وجد أو تقتصر على الشاهد .
2 –…أما إذا شرحت الآية مثلا ( وهذا الكلام للعلماء وطلبة العلم ) فأكمل الآية في الشرح لأن المصنف في الشرح استنبط عليها مسائل فدل على أنها مقصودة في الشرح والفوائد ، هذه قاعدة المصنف في مثل هذه الأمور ، ولكن نحن نستبيح الإخوة عذرا في عدم الإطالة لأنه حتى في الشرح لن نعرج على ذلك طلبا للاختصار ،وإنما نجرد الموضع في الحديث عن التوحيد فقط ولذا سمينا هذا الكتاب بالجمع والتجريد أي تجريده وتخليصه في قضايا التوحيد فقط ،(1/18)
المسائل على هذه الآية : المصنف استخرج على هذه الآية مسائل :وهي المسألة العاشرة مسألة واحدة فقط، وقال المصنف الآيات المحكمات في سورة الإسراء وفيها 18مسألة بدأها الله بقوله (ولا تجعل مع الله إلها آخر……) وختمها (ولا تجعل مع الله إلها آخر……) ونبهنا سبحانه إلى عظم شأن هذه المسألة اهـ والإشارة في هذه للتوحيد ( ولا تجعل مع الله إلها آخر ) .
هذه الفائدة التي استخرجها المصنف على الآية خصوصا قوله ( التنبيه على عظم شأن هذه المسألة وهي التوحيد ) ، أراد أن يقول أن التوحيد عظيم الشأن وكلمة عظيم هذه المرة الأولى التي استخدمها المصنف واستخدم كلمة عظم ثلاث مرات مما يؤكد على أن المصنف أراد بيان عظم التوحيد وأهميته وهذا الذي قلنا هو مقصود المصنف بالباب فأصبحت مناسبة الآية للباب أنها تبين أهمية التوحيد لأن الله قضى به قضاء شرعيا .
المسألة الثانية : مفردات الآية :- ( قضى ) : كل الثلاثة فسروا معنى قضى بكلام مجاهد رحمه الله قال :قضى بمعنى (وصى) . وذكر الحفيدان (في التيسير ص 35 وفي الفتح ص 17) ،تفسير ابن عباس رضى الله عنه لقضى بمعنى (أمر)،وقدمنا كلام مجاهد على كلام ابن عباس لأنه يوافق قراءة قرأ بها ُأبي وابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهم .
وقوله(ربك) : بماذا تفسر ؟ هل بمعنى الخالق أو المعبود ؟ تجمع المعنيين وهي مثل كلمة الإسلام والإيمان .
وقوله ( ألا تعبدوا إلا إياه ) : أي لا تتذللوا ولا تخضعوا إلا له وحده وتفسر العبادة هنا بالتوحيد اقتداءً بالمصنف لما فسر العبادة في أول آية ( بالتوحيد ).
الآية الرابعة :(1/19)
ما هي الآية الرابعة ؟ فيها خلاف بين الشراح الثلاثة في تحديد ذلك ، الحفيد سليمان ص36 قال الآية الرابعة ( قل تعالوا اتل ما حرم …الآية ) ،وأما البقية وهما الحفيد عبد الرحمن ص14 والشيخ حمد بن عتيق ص9 فقدما قوله تعالى ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) والمثير للاهتمام فعل الشيخ حمد حيث خالف الحفيد سليمان على خلاف العادة ، وقال عبد الرحمن في الفتح ص 20 وفي بعض النسخ المعتمدة من نسخ هذا الكتاب تقديم هذه الآية أي آية(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) على آية الأنعام ولهذا قدمتها لمناسبة كلام ابن مسعود فاعتمد على شيئين :
1ـأنها موجودة في بعض النسخ وصفها بأنها معتمدة موثقة .
2-أن آية (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم …)الآية أخّرها حتى تكون بقرب حديث ابن مسعود المناسب لها ، والأقرب من هذا الصنيع فعل الشيخ سليمان ويدل على ذلك :نفس صنيع المصنف حيث قدم في المسائل المسألة المستنبطة على آية ( قل تعالوا أتل ما حرم…) فقدمها على الفوائد المستنبطة على آية ( اعبدوا الله .. ) ، ثانيا : أن المصنف لو أراد أن يجعل آية الأنعام وحديث ابن مسعود في شيء واحد لجعل لهما فائدة واحدة ، لكنه استخرج مسائل على آية الأنعام ومسألة أخرى على حديث ابن مسعود هي المسألة الثانية عشرة وهي التنبيه على وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ، فكان فهم صاحب التيسير أقرب لمراد المصنف وعليه سوف نسير ونقول الآية الرابعة(قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلا تشركوا به شيئا .. ) الآية ، والمسألة سهلة لا يترتب عليها أمور شديدة وإنما هي محاولة لمعرفة ما هو ترتيب المصنف فقط لاغير وفيها من المسائل:ما استخرجه المصنف على هذه الآية ،استنبط المصنف من هذه الآية مسألة واحدة وهي المسألة التاسعة :
وقال (عظم شأن الثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف وفيها عشر مسائل وهي:(1/20)
1-النهي عن الشرك ، وقوله عظم : وجه التعظيم لأنه نهى عن الشرك وبدأ به فدل على عظم الشرك وإذا كان الشرك عظيماً فضده وهو التوحيد عظيم أيضاً وهنا نصل إلى مراد المصنف على عظم شأن التوحيد.
مفردات الآية : (قل تعالوا) قل يا محمد والواو في تعالوا للمشركين الذين يعبدون غير الله (وتعالوا) هلموا وأقبلوا (وأتل) بمعنى أخبركم (ما حرم عليكم ربكم) الشيء المحرم عليكم وهو الشرك (إلا تشركوا به شيئا ..) 0
مناسبة الآية للباب:هذه الآية تدل على أهمية التوحيد ومكانته حتى سماها المصنف بالمسألة العظيمة وهذه الآية دلت على أن التوحيد عظيم.
الآية الخامسة :
قوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) .
الشيخ سليمان بعد نهاية ( شيئا ) أغلق القوس ص44 وقال :هكذا أُثبت في نسخة بخط شيخنا ، ولم يذكر الآية ، وسكت في الفتح ، أما في قرة العيون ص11والإبطال ص11فقالا بعدها : الآية .
المصنف لم يذكر الآية وحتى الثلاثة لم يشرحوا بقية الآية فدل على أن المصنف لم يرد بقية الآية في المتن ، أما في الشرح والمسائل فأظن أنه أراد البقية ، وقد يشكل هذا الكلام لأن المصنف في المسائل في المسألة الحادية عشرة قال ( آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة بدأها الله بقوله ( واعبدوا الله……) ،فلما قال آية الحقوق العشرة كأنه أراد أن تكمل بقية الحقوق التسعة وهذا محتمل لكن صنيع الشراح الثلاثة خصوصا ما ذكره الحفيد سليمان يدل أنه أراد الشاهد فقط مع أن بعض الحقوق العشرة ذكرت في الآية التي قبلها في سورة الأنعام وذكرت في سورة الإسراء ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه……) فتكون هذه الحقوق سبق ذكرها في آيتين فلا حاجة للإعادة .
انتهينا من الآيات التي ذكر المصنف وهي خمس آيات أراد المصنف أن يبين عظم التوحيد وأهميته .(1/21)
بقي الأحاديث وهل الباقي حديث أو حديثان؟ أما على طريقة المصنف فإنه أراد حديثين : الحديث الأول حديث ابن مسعود قال (من أراد أن ينظر إلى وصية محمد…) الحديث الثاني حديث معاذ رضى الله عنه وفي كلا الحديثين أراد المصنف أن يبين أهمية التوحيد وعلى هذه الطريقة مشى الحفيد سليمان ، أما البقية فاعتبروا المصنف أتى بحديث واحد وهو حديث معاذ وأما حديث ابن مسعود فاعتبروه تابعا لآية (قل تعالوا أتل ما حرم…) ولم يجعلوه مستقلا وهذا اجتهاد منهم يخالف قصد المصنف ولذا الحفيد سليمان في هذا الباب في ترتيب آياته وأحاديثه أضبط من البقية .
ومما يدل على إرادة المصنف حديث ابن مسعود مستقلا أنه استخرج عليه مسألة مستقلة غير مسألة آية (قل تعالوا أتل …). فقال المسألة الثانية عشرة قال : التنبه على وصية الرسول صلى الله عليه وسلم عند موته . وهذه منطبقة تماماً على حديث ابن مسعود أما آية الأنعام (قل تعالوا أتل….) فجعل عليها مسألة مستقلة وهي المسألة التاسعة وجعل بينهما مسألتين العاشرة والحادية عشرة.
ثم نعود إلى ذكر الأحاديث في هذا الباب وهما حديثان .
الحديث الأول:
قال ابن مسعود:من أراد أن ينظر إلى وصية محمد(صلى الله عليه وسلم ) التي عليها خاتمة فليقرأ: قوله تعالى(قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا )إلى قوله(وأن هذا صراطي مستقيما ) الآية.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى : تخريج الحديث : وهذا الحديث في الاصطلاح موقوف وهو قول الصحابي وهذا الحديث لم يرفعه ابن مسعود فلم يقل ابن مسعود قال :قال رسول الله . لكن ظاهر صنيع المؤلف أنه موقوف في حكم الرفع ، والحفيدان يميلان إلى تصحيح هذا الأثر الموقوف.
بل حتى المصنف يصحح هذا الأثر بدليل :
1-…أنه ذكره بصيغة الجزم وقال : قال ابن مسعود والغالب على أهل العلم بصيغة الجزم أنه مقبول عندهم .(1/22)
2ـ أن المصنف أستخرج عليه مسألة فبنى عليه أحكام ، وبناية الأحكام فرع التصحيح ، وأيضاً صاحب التيسير ص45 نقل تحسين الترمذي لهذا الحديث 0
وهناك من أهل العلم من ضعف الحديث فالمسألة اجتهادية ونمشي على اختيار المصنف ، ولكن لفظ الترمذي فيه اختلاف يسير .
واستخرج مسألة على هذا الحديث ( وقال التنبيه على وصية الرسول عند موته ) وهي الحث على التوحيد والنهي عن الشرك .ومناسبة هذا الأثر يدل على عظم وأهمية التوحيد لأن الرسول أوصى به عند موته ولا يوصي إلا بالشيء العظيم لا سيما في آخر اللحظات
الحديث الثاني:
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :(كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟قلت الله ورسوله أعلم قال:حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا .وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. قلت يا رسول الله :أفلا أبشر الناس قال: لا تبشرهم فيتكلوا ) أخرجاه في الصحيحين
الشاهد منه قوله :( أتدري ما حق الله على العباد ) كي يدلل ( أي المصنف ) أن التوحيد حق لله .
وهذا الحديث تكلم عليه المصنف في تاريخ نجد ص443 :لما سُئل عن معنى حديث معاذ (حق الله على العباد)فقال المعنى عند السلف على ظاهره وهو من الأمور التي يقولون أمروها كما جاءت أعنى نصوص الوعد والوعيد لا يتعرضون للمشكل منه ) اهـ 0(1/23)
وهذا الحديث فيه مسائل: المسألة الأولى أن المصنف أهتم بهذا الحديث كثيراً واستخرج عليه أثني عشرة مسألة ( أي ما يقارب من نصف المسائل ) والذي يتعلق بالتوحيد منها ثلاثة 0 وتسعة تتعلق بالفقه أو بالفضائل وسوف نقتصر على ما يتعلق بالتوحيد منها والمسائل التي أستنبطها هي المسألة الثالثة عشرة : قال معرفة حق الله علينا . والمسألة الرابعة عشرة : معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه. والمسألة الأخيرة وهي الرابعة والعشرون : عظم شأن هذه المسألة وهي مسألة التوحيد لأنه حق لله.
وبقية المسائل من باب هو الطهور ماؤه الحل ميتته.
المناسبة : أراد المصنف أن يبين عظم مسألة التوحيد ومكانته وأنه حق لله لازم فرض عين على كل عبد .
قضية معاصرة :
لما عرفنا أهمية التوحيد ومكانته وعظم شأنه وركنيته فيجب على العلماء وطلبة العلم والدعاة والكتّاب والصحف الإسلامية وعلى الجماعات والتيارات الإسلامية ، وكذلك الدول الإسلامية أن يجعلوا أهم أولوياتهم هي قضية التوحيد وأول ما يبدأ به ويهتم به هو التوحيد وليس التوحيد فقط بل يظم إليه مسألة الكفر بالطاغوت والبراءة منه ومعاداته وبغضه وأهله كما أشرنا إلى ذلك في آية ( واجتبوا الطاغوت ) .
ومن الملاحظ في بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة أو التيارات المعاصرة أنهم لا يجعلون التوحيد من أول أولوياتهم أو برامجهم إنما يجعلونها مهم لكنه ليس الأهم ،وبعضهم لا يُعير له أي اهتمام ، وكذلك بعض العلماء في حلقات دروسهم أن يجعلوا للتوحيد مكان الصدارة ولا يخلوا حلقاتهم منه خصوصا كتاب التوحيد حيث إنه شامل في هذا الباب وعليهم أن يهتموا أيضا برسائل أئمة الدعوة رحمهم الله نظرا لأهميتها في شرح توحيد الألوهية ، وأيضا يُهتم بما يتعلق بأصول معتقد أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات والإيمان واليوم الآخر والقدر والوعد والوعيد وأسماء الدين وأحكامه وغيره من أصول أهل السنة والجماعة .(1/24)
أما المذاهب المنحرفة اليوم ومنها مذهب العصرانيين فلا يهتمون بالتوحيد ولا العقيدة ،ومثله الصوفية المعاصرة ،والطوائف البدعية المعاصرة 0
الباب الثاني
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
المتن
وقول الله تعالى: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ).
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ). أخرجاه.
ولهما من حديث عتبان رضى الله عنه : ( فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال موسى: يا رب، علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به . قال:قل يا موسى : لا إله إلا الله . قال : كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله الله في كفة، مالت بهن لا إله الله ) رواه ابن حبان، والحاكم وصححه.
وللترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( قال الله تعالى: يا ابن آدم؛ لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ).
فيه مسائل:
الأولى : سعة فضل الله.
الثانية : كثرة ثواب التوحيد عند الله.
الثالثة : تكفيره مع ذلك للذنوب.
الرابعة : تفسير الآية (82) التي في سورة الأنعام.
الخامسة : تأمل الخمس اللواتي في حديث عبادة.
السادسة : أنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده تبين لك معنى قول: ( لا إله إلا الله ) وتبين لك خطأ المغرورين.
السابعة : التنبيه للشرط الذي في حديث عتبان.
الثامنة : كون الأنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل لا إله إلا الله.(1/25)
التاسعة : التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات، مع أن كثيراً ممن يقولها يخف ميزانه.
العاشرة : النص على أن الأرضين سبع كالسموات.
الحادية عشرة : أن لهن عماراً.
الثانية عشرة : إثبات الصفات، خلافاً للأشعرية.
الثالثة عشرة : أنك إذا عرفت حديث أنس، عرفت أن قوله في حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله ) أنه ترك الشرك ، ليس قولها باللسان.
الرابعة عشرة : تأمل الجمع بين كون عيسى ومحمد عبدي الله ورسوليه.
الخامسة عشرة : معرفة اختصاص عيسى بكونه كلمة الله.
السادسة عشرة : معرفة كونه روحاً منه.
السابعة عشرة : معرفة فضل الإيمان بالجنة والنار.
الثامنة عشرة : معرفة قوله: ( على ما كان من العمل ).
التاسعة عشرة : معرفة أن الميزان له كفتان.
العشرون : معرفة ذكر الوجه.
الباب الثاني
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
الشرح
في عنوان الباب مسائل :
المسألة الأولى : في كلمة (باب )باب هذه ذكرها الحفيدان أنها خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا باب (في التيسير ص 50 ، وزاد صاحب الفتح أن ( باب ) يجوز أن تكون مبتدأ وخبره محذوف تقديره هذا ص 31) .
المسألة الثانية : في كلمة ( فضل ) الفضل هنا يقصد به الثواب والتكفير وهذا ما أشار إليه المصنف في المسألة الثانية قال ( المسألة الثانية كثرة ثواب التوحيد عند الله ) وهذا الثواب تفضل من الله وهذا أشار إليه المصنف في المسألة الأولى فقال (المسألة الأولى سعة فضل الله).
المسألة الثالثة : في كلمة (التوحيد) هل الألف واللام في التوحيد للعموم فيشمل أنواع التوحيد الثلاثة الأسماء والصفات والربوبية والألوهية أو أنه خاص ؟(1/26)
ذكر الحفيد عبد الرحمن في كتابه الآخر وهو قرة عيون الموحدين ص 15 أن التوحيد هنا للخصوص ويقصد به توحيد العبادة أي الألوهية وأما في كتابه الفتح فلم يتعرض له في تفسير كلمة التوحيد وكذا صاحب التيسير، وما قاله عبد الرحمن مطابق لمقصود المؤلف وهو ظاهر صنيع المؤلف ويدل على ذلك أدلة:
1-أن الأحاديث التي ذكرها المصنف كلها في توحيد الألوهية مثل حديث عبادة رضى الله عنه (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمتها ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) ومثل حديث عتبان رضى الله عنه (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)
2-أن الثلاثة قالوا لما ذكر التوحيد ناسب أن يذكر فضله والتوحيد المذكور في الباب الذي قبله هو توحيد الألوهية.
3-إنك إذا نظرت إلى مسائل المصنف وجدت أنها تشير إلى توحيد الألوهية.
وهل معنى فضل توحيد الألوهية هل هذا الفضل لتوحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ؟ لا ، ولا يمكن للإنسان أن يأتي بتوحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية والأسماء والصفات لأنهما لا ينفكان ، والثلاثة متلازمة لكنها مقصودة بالتضمن أما المطابقة فهو قصد الألوهية فقط كما سبق .
مسألة : والتقدير في قوله : ( فضل التوحيد ) بتقدير اللام ( أي فضل للتوحيد )كما سبق أن قلنا في أول الباب الأول .
مسألة : المصنف قال : باب فضل التوحيد ، ولم يقول باب فضل الموحدين ، فجعل الفضل للعمل ولم يجعله للعامل وهذا هو الأصل في مثل ذلك وهو أيضا أسهل أن تجعل الفضل للعمل لأنه لا يحتاج إلا لإثبات أدلة الفضل ، أما ذكر الفضل للعامل فهو من باب إجراء الوعد على المعين ، وهذا يحتاج إلى وجود الشروط وانتفاء الموانع .
وقوله : باب فضل التوحيد مثل قوله باب فضل الإسلام وباب فضل الصلاة وهكذا .(1/27)
المسألة الرابعة : ما يتعلق بالواو في قول المصنف في الباب ( وما يكفر ) .
الواو في قوله : وما يكفر من الذنوب هل هي من باب عطف العام على الخاص أو العكس ؟ أم ماذا ؟ المشهور عند المتأخرين غير الشراح الثلاثة أنها من باب عطف الخاص على العام ، فتكفير الذنوب بعض فضل التوحيد . أما الشراح الثلاثة فلم يتكلموا عن ذلك صراحة ، لكن يمكن أن يفهم من شرحهم ما هو نوع العطف ، وقبل الجواب لابد أن نعرف معنى كلمة ( ما ) في قوله : وما يكفر .
الذي ذكر الثلاثة في كلمة ( ما ) في قوله وما يكفر من الذنوب جوزوا فيها قولين :
القول الأول: أن (ما ) يجوز أن تكون موصولة ويكون المعنى بيان ما يكفره من الذنوب وزاد صاحب الفتح والعائد محذوف أي بيان الذي يكفره من الذنوب ص 31 .
القول الثاني : أن (ما ) مصدرية ويكون المعنى بيان تكفيره الذنوب ورجح الحفيدان القول الثاني (في التيسير ص50 وفي الفتح ص31 )، وأشار صاحب التيسير إلى سبب الترجيح قال : لأن الأول يوهم أن َثم ذنوبا لا يكفرها التوحيد وليس بمراد.أهـ ص50 .
فاختارا الثاني أي وبيان تكفيره الذنوب أي أن التوحيد يكفر كل الذنوب لا أنه يكفر من الذنوب وكلمة ( من ) تدل على التبعيض . وما ذكراه صحيح وهو اختيار المصنف ، والمصنف ذكر في المسألة الثالثة : تكفيره مع ذلك للذنوب فهو يكفر الذنوب ويدل عليه المسألة التاسعة وهي قوله : ( التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات )، والمسألة التاسعة عشرة ذكر الميزان أن له كفتان وهنا نرجع إلى السؤال المطروح سابقا فنقول على اختيار المصنف الظاهر من المسائل أنه من عطف التأكيد لأنه لم يذكر إلا فضلا واحد وهو تكفيره للذنوب كما في المسائل الثانية والثالثة والتاسعة والتاسعة عشرة .(1/28)
وكما في الآية والأحاديث التي ذكر في آية أن لهم الأمن والاهتداء والأحاديث الأربعة خصوصا حديث أبي سعيد رضى الله عنه في الرجحان والتكفير وحديث أنس رضى الله عنه في المغفرة أما حديث عبادة وعتبان رضى الله عنهما فإنه من آثار تكفير الذنوب فإذا كُفرت ذنوبه وغُفرت لم يدخل النار ابتداءً وحُرم عليها وبالتالي دخل الجنة ومن ثَم حصل له الأمن و الاهتداء في الآخرة وهذا التسلسل صحيح فمسألة الجنة والنار تابعة لمسألة التكفير ، والتكفير أسبق من دخول الجنة أو النار لأنه وقت الميزان ، والميزان قبل الصراط وقبل الجنة والنار فالنجاة منه نجاة مما بعده وعليه فالمصنف أراد فعلا تكفير الذنوب ولا نقول أنه لم يرد الباقي لانها تبع بخلاف غيره فإنهم جعلوا الفضائل الباقية ليست تبعا بل مستقلة ولذا جعل المصنف ثقله وتوجهه على مسألة التكفير لأنها أم الباب .
وتبقى مسألة ملفتة للنظر وهي أن أحاديث الباب لم تأتِ بلفظ التكفير للذنوب خصوصا الحديث الأخير أتى بلفظ المغفرة . فلماذا المصنف آثر كلمة وما يكفر من الذنوب على لفظة مغفرته للذنوب ؟... لا أعلم لكن ممكن أن يقال أن المغفرة أفضل من التكفير والمغفرة في حق من لم يأتِ بشرك لا صغير ولا كبير لأن هذا مدلول النكرة في قولة ( ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ) أما التكفير ففيه تفصيل كما سوف يأتي توضيحه إن شاء الله تعالى ،وعلى ذلك فالمصنف اختار اللفظ الأعم الذي يشمل المغفرة والتكفير ،
ثم نرجع ونقول إن ظاهر صنيع المصنف كما ذكرنا أعلاه ،أنه من باب عطف التأكيد بقي الشراح الثلاثة ؟ الشراح الثلاثة مشوا على ما مشى عليه المصنف وهو عطف التأكيد لكن مع تفصيل وتوضيح مبني على اختيارهم لكلام ابن تيمية رحمه الله الذي فصّل في المسألة .
أما لماذا اختار الشراح الثلاثة التفصيل ؟ .. لأن التفصيل أرجح وأضبط لفهم المسألة عندهم(1/29)
أما المصنف فإنه أشار إشارة مقتضبة للتفصيل (مع أنه لم يقصد التفصيل المحض إنما أراد الرد على من قد يغتر ) عندما قال المسألة التاسعة التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات مع أن كثيرا ممن يقولها يخف ميزانه اهـ . فقولة يخف ميزانه دل على أن فيه تفصيل فمن قال لاإله إلا الله أو أتى بالتوحيد فمنهم من يحصل له هذا الفضل فيرجح ميزانه ويُكفر عنه ذنوبه ومنهم من يخف ميزانه فلا ينال هذا الفضل بسبب نقص في توحيده .
لكن قبل أن نشرح الآيات والأحاديث نذكر قواعد وأصول لفهم أحاديث الوعد التي في الباب .
1-…قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 6/427 في أحاديث الوعد أنها على ظاهرها ثم قد يتخلف المقتضى عن المقتضى لمانع لايقدح في اقتضائه كسائر أحاديث الوعد مثل من فعل كذا دخل الجنة ، دل على أن ذلك العمل سبب لدخول الجنة وإن تخلف عنة مقتضاه لكفر أو فسق اهـ . وكذا ذكره في أحاديث الوعيد 6/427 ..وكذلك أحاديث الوعيد إذا قيل من فعل كذا دخل النار فإن المقتضى يتخلف عن التائب وعن من أتى بحسنات تمحو السيئات وعن غيرها .
2-…وذكر ابن تيمية في كتابة الإيمان صفحة 154 قاعدة في عامة الأسماء أنة يتنوع مسماها بالإطلاق والتقييد وضرب مثالا باسم الإيمان والإسلام ، والإيمان والعمل ، ولفظ العبادة والتقوى والبر .
3-…قال ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد 4/16 قال الأمر المطلق والجرح المطلق والعلم المطلق ... غير مطلق الأمر والجرح والعلم من وجوه :
أ - أن الأمر المطلق لا ينقسم إلى أمر وندب وغيره ومطلق الأمر ينقسم إلى أمر إيجاب وأمر ندب ، فمطلق الأمر ينقسم والأمر المطلق غير منقسم 0(1/30)
ب - أن الأمر المطلق فرد من أفراد مطلق الأمر ولا ينعكس ثم ذكر فروقا أخرى ... وقال ومن أمثلة هذه القاعدة الإيمان المطلق ومطلق الإيمان ، فالإيمان المطلق لا يطلق إلا على الكامل الكمال المأمور به ومطلق الإيمان يطلق على الناقص والكامل ولهذا نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان المطلق عن الزاني وشارب الخمر والسارق ولم ينفِ عنه مطلق الإيمان لئلا يدخل في قوله ( والله ولي المؤمنين ) ولا في قوله ( قد أفلح المؤمنون ) ولا في قوله ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) إلى آخر الآيات ، ويدخل في قوله ( فتحرير رقبة مؤمنة ) وفي قوله ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) وفي قوله ( لا يقتل مؤمن بكافر ) وأمثال ذلك اهـ ملخصا.
4-…قال الشيخ عبد الطيف بن عبدالرحمن رحمة الله في مجموع الرسائل والمسائل 3/7 فصل : ولفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور والموالاة والمعاداة والركون والشرك ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة قد يراد بها مسماها المطلق وحقيقتها المطلقة وقد يراد بها مطلق الحقيقة ، والأول هو الأصل عند الأصوليين والثاني لا يحمل الكلام عليه الا بقرينة لفظية أو معنوية وإنما يعرف ذلك بالبيان النبوي وتفسير السنة ... قال وكذلك اسم المؤمن والبر والتقي يراد بها عند الإطلاق والثناء غير المعنى المراد في مقام الأمر والنهي(1/31)
ألا ترى أن الزاني والسارق والشارب يدخلون في عموم قوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ) وقوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ) الآية وقوله ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ) الآية ولا يدخلون في مثل قوله ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ) وقوله ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) .. ثم قال أما إلحاق الوعيد المرتب على بعض الذنوب والكبائر فقد يمنع منه مانع في حق المعين كحب الله ورسوله والجهاد في سبيله ورجحان الحسنات ومغفرة الله ورحمته وشفاعة المؤمنين والمصائب المكفرة في الدور الثلاثة اهـ .
والفائدة من كلام الأئمة الثلاثة السابقين رحمهم الله أن آيات وأحاديث الوعد التي في مقام المدح والثناء تتناول أهل الكمال ومن غلب عليهم الكمال ( إلحاقا للغالب بالكل في الاسم والثناء والوعد لا في كل الأحكام ) وعليه فأحاديث الباب يقصد بها الكامل في التوحيد أو الذي يغلب عليه التوحيد وإن كان عنده سيئات أقل وهذا الأخير هو المقصود في هذا الباب أصالة والذي بعده يأتي من باب أولى .
ثم نعود الآن لكي نفهم الباب دون تفصيل وإنما على ما أورد المصنف أصلا وابتداءً دون الإشارات التي ذكرها الشراح الثلاثة تفصيلا وتدقيقا فنقول :
الآية والأحاديث في الباب من أحاديث الوعد .
إذا كانت من الوعد فالمقام مقام ثناء ومدح .
وبما أنها للثناء والمدح فهي تحمل على إما أهل الكمال أو أهل الغالب الذين خيرهم أرجح من نقصهم فإن كان نقصهم أكثر أو كان نقصهم مساوي فليسوا من أهل هذه الأحاديث .(1/32)
أن من أُطلق عليهم اسم ( أهل لاإله إلا الله ، أو من قال لاإله إلا الله ، أو اسم الموحد ، أو أهل التوحيد ، أو كلمة من شهد إن لا إله إلا الله ، أو لقيني لا يشرك بي شيئا و غيرها من أمثلة هذه الألفاظ والأسماء ) في هذا الباب فهم أُضيفوا إلى هذا الكلام إضافة مصاحبة وإكثار فهم أهل لاإله إلا الله وما سموا أهلها إلاّ لاختصاصهم بها وملازمتهم لها وإكثارهم العمل بها فهي إضافة اختصاص ومدح وتشريف مثل قولنا أهل القرآن وأهل الجهاد وأهل العلم الإضافة هنا إضافة اختصاص وإكثار وملازمة لذا فهذه الإضافة لها معنى يختلف في ما لو جاءت في سياق الخبر أو الوعيد من مثل أحاديث (يخرج من النار من قال لاإله إلا الله وأمثال ذلك من الألفاظ ) فإنها ليست من باب المدح بل من باب الإخبار والوعيد فتفسر على أهل الكبائر وعلى أهل النقص وعلى أهل من كان سيئاتهم أكثر من حسناتهم وهؤلاء ليسوا مقصودين في هذا الباب ولا يحتاج إلى تفصيلهم واستثنائهم من أحاديث الباب .
فإذا فهمنا هذه الأُطر الأربعة سهل فهم أحاديث الباب لأنها تحمل على أشخاص معينين لهم صفات معينة في سياق معين هو سياق المدح والثناء ومن ثَم فلا حاجة إلى التفصيل .
قد يقول قائل لماذا كل هذا الكلام والتأصيل ؟ ولماذا لا نفعل ما فعل ابن تيمية والشراح من التفصيل ؟ قلت نحن أمام أمور لابد في شرحنا لهذا الكتاب من مراعاتها ومن أن نفهم ماذا أراد المصنف بالضبط ، ثم ماذا قال الشراح ، وهل هو مطابق لمراد المصنف أم زائد عليه أم بعيد عنه أم مرجوح ، ثم أصل المسألة كيف تُشرح بغض النظر عن كونها في هذا الكتاب أم غيره ، وهذا يسبب لنا أحيانا إطالة .
فمسألة فضل التوحيد كأصل في المسألة هذا معروف لكن ماذا قصد المصنف هنا هذا الذي سبب الإطالة والشرح . والآن نغلق الموضوع وننتقل إلى الآيات والأحاديث ولكن وفق التحديد السابق .
الآيات
الآية الأولى :(1/33)
قول الله تعالى:(والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) المصنف لم يذكر بعدها الآية لأنه لم يقصد تكميلها .والثلاثة على عدم الإكمال ،
أما سبب الآية : فنقل صاحب التيسير ( ص 50 وكذلك صاحب الفتح ص 32 ) : الخلاف في هذه الآية في سببها ومن القائل ( الذين آمنوا ) ؟ فالذي اختاره الجمهور ورجحه ابن جرير رحمه الله أن الله عز وجل قالها فصلا للقضاء بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقومه وهو الذي اختاره المصنف حيث قال في تفسير هذه الآية في سورة الأنعام قال: البشارة العظيمة والخوف الكثير في فصل الله هذه الخصومة إذا عرف ما جرى للصحابة وما فسرها لهم النبي صلى الله عليه وسلم ،تاريخ نجد ص518
القول الآخر : أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الذي أجاب عن نفسه ، وهذا ملخص كلام الشراح الثلاثة .
وقوله ( الذين آمنوا ) يقصد بالإيمان هنا التوحيد من باب تفسير الشيء ببعض أفراده وهذا الذي ذكره صاحب الفتح ص 32 أما سليمان فلم يذكره .
و نقل صاحب الفتح عن ابن جرير قوله ( الذين آمنوا ) قال : الإيمان هو إخلاص العبادة لله وحده ، ونقل عن ابن كثير رحمه الله : الذين أخلصوا العبادة لله وحده ولم يشركوا به شيئا ( ملخصا من الفتح ) .
أما تفسير قوله تعالى ( ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) فقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الظلم هو الشرك .
قوله ( أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) عند المتأخرين هذا هو الفضل الموجود في الآية أن الموحد له الأمن والاهتداء ، وهذه الآية لم يظهر لي أن المصنف استخرج عليها مسائل وهذا أمر ملفت للنظر على خلاف عادة المصنف ، وله دلالة أنه أراد منها من الفوائد مثل ما أراد من غيرها وهو تكفير الذنوب ولم يرد منها شيئا مستقلا إنما أراد أنها تحقق الأمن والاهتداء الذي هو نتيجة تكفير الذنوب .
تنبيه لمنهج المصنف في مفردات الآيات والأحاديث :(1/34)
لنأخذ مثلا وهو قوله تعالى ( الذين آمنوا ) : ما معنى آمنوا ؟ وهل المقصود أن نشرحها بمعنى الإيمان وهل ندخل الإيمان في مسمى الإسلام ؟ الحقيقة في هذا الباب لا حاجة لكل ذلك لأن المصنف أراد شيئا معينا ولم يرد تفسير الآية كما قال المفسرون فيُسرَد تفسيرها وينقل كلام ابن جرير والبغوي وابن كثير رحمهم الله وغيرهم لا وإنما أراد شيئا معينا ، ياترى ما هو الشيء المعين ؟ قصد بالذين آمنوا :أي وحدوا ولذلك صاحب الفتح أشار إلى ذلك ونقل كلام ابن جرير وابن كثير ، ونقل كلام الربيع بن أنس رحمه الله في معنى ( الذين آمنوا ) أنه الإخلاص لله أي أخلصوا العبادة لله وحده ولم يشركوا بالله شيئا وأما صاحب التيسير فلم يعرج على كلمة (آمنوا ) ،
وبالمناسبة فينبغي في شرح كتاب التوحيد إذا أراد أن يشرحه شارح فإذا شرح ما فيه من آيات وأحاديث فلا يتناولها كما يتناولها المفسر وشارح الحديث بجميع جوانبها وما فيها من أشياء وإنما يقتصر على ما أراد المصنف من التوحيد ونحن هنا أعطينا نموذجا لذلك في كلمة ( آمنوا ) وقلنا إن قصد المصنف وحدوا لأن ذلك هو المقصود مع أن كتب التفسير أطالت في كلمة ( آمنوا ) ،وهو الذي جعلنا نُسمى هذا الكتاب بالتجريد حتى يتمحض ويُجرد في التوحيد اختصارا وعدم إطالة وحتى يحصل التركيز وهذا هو منهج المصنف ،وهذه المرة الثالثة التي نبين فيها لماذا سمينا هذا الكتاب بالجمع والتجريد
مسألة : وهذا الكلام الذي سوف أنقله هو دليل على التوجه نحو التفصيل في أحاديث الوعد في كلام الشراح الثلاثة ، أما تفصيل ابن تيمية رحمه الله فيختلف عن تفصيل الشراح ، لأن ابن تيمية تناولها في كتاب الإيمان وفيه ذكر مسائل الوعد والوعيد والاسم والحكم ،فلا بد من التفصيل في ذلك ، أما هم فهم في باب واحد واضح المعالم وهو باب الوعد ، فيكون السياق مفرَق بينهما .(1/35)
فقوله ( ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) فكلمة ظلم فسرها النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق ، والشراح الثلاثة كلهم شرحوا هذه الآية بكلام ابن تيمية المذكور في كتاب الإيمان وخلاصة تفسيره لها مما نقلوه عن ابن تيمية رحمه الله : ( إن من وحد ولم يلبس توحيده بشرك أكبر فهذا له أصل الاهتداء والأمن ويأمن مما وعد به المشركون من الخلود وأن من أتى بجنس الشرك وهو الشرك الأصغر يفوته من الأمن والاهتداء بحسبه فيكون الأمن من تأبيد العذاب ،وأن من أتى بالتوحيد الكامل ومات على ذلك فله الأمن التام والاهتداء التام ) .
وانفرد الشيخ حمد بن عتيق عن الحفيدين في الإبطال ص 13 بفائدة بديعة فقسم الأمن إلى قسمين :
1- الأمن المطلق : وهو من مات على التوحيد ولم يصر على الكبائر فهذا له أمن كامل
( ولاحظ كلمة لم يصر على الكبائر ) .
2-الأمن المقيد : وهو من مات على التوحيد مع الإصرار على الكبائر فله الأمن من الخلود في النار .
لكن هناك كلمة قالها ابن تيمية في شرحه لهذه الآية ونقلها عنه هؤلاء الثلاثة ( التيسير ص 52 وفي الفتح ص 33 وفي الإبطال ص 13) ونص هذه العبارة :وإن كان مراده جنس الشرك فيقال ظلم العبد نفسه كبخله لحب المال ببعض الواجب هو شرك أصغر،وحبه ما يبغضه الله حتى يقدم هواه على محبة الله شرك أصغر ونحو ذلك فهذا فاته من الأمن والاهتداء بحسبه اهـ ، ولذلك لما عقب صاحب التيسير على كلام ابن تيمية لم يشر إلى شيء من ذلك .
وسبب الأشكال :أن من نقص توحيده بالشرك الأصغر فإن ابن تيمية يرى أنه يفوته من الأمن بحسبه وسكت الثلاثة عن نقص التوحيد بالشرك الأصغر ،وتكلموا على من نقص توحيده بالمعاصي أنه تحت المشيئة .والله أعلم .
الحديث الأول :(1/36)
حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من شهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له ،وأن محمدا عبده ورسوله ،وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ،والجنة حق والنار حق ،أدخله الله الجنة على ماكان من العمل ))أخرجاه .
المسائل التي استخرجها المصنف على هذا الحديث : المصنف رحمه الله اهتم بهذا الحديث كثيرا وأطال في الفوائد المستنبطة منه حتى أنه ذكر ما يقارب من ثلث المسائل على هذا الحديث فقال:الخامسة:تأمل الخمس اللواتي في حديث عبادة .المصنف طلب منا التأمل فيها وبعد تأملنا لها نذكرها :وهي:
1- شهادة أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له .
2-وأن محمدا عبد الله ورسوله 0
3 -وأن عيسى عبد الله ورسوله
4-وأن الجنة حق 0
5-والنار حق .
ثم قال :السادسة وهي :مشتركة بينها وبين حديث عتبان : أنك إذا جمعت بينه أي حديث عبادة وبين حديث عتبان وما بعده وهو حديث أبي سعيد وأنس تبين لك معنى قول لا إله إلا الله ، ومن هذه الأحاديث الأربعة ما هو المعنى ؟ أنه يقولها بلسانه وبقلبه وجوارحه صادقا مخلصا وأن يترك الشرك .
فالإطلاق الذي في حديث عبادة من شهد أن لا إله إلا الله ، مقيد بالإخلاص كما في حديث عتبان (يبتغي بذلك وجه الله)ومقيد بترك الشرك كما حديث أنس (لقيتني لا تشرك بي شيئا)
والمصنف أشار في إحدى مسائله في تاريخ نجد ص 409 أنه لا يكفي قول لاإله إلا الله دون ترك الشرك بل هذان أصلان لابد منهما ومتلازمان فقال : (نهى نوح عليه السلام بنيه عن الشرك وأمرهم بلا إله إلا الله فليس هذا تكرار بل هذان أصلان مستقلان كبيران وإن كانا متلازمان فالنهى عن الشرك يستلزم الكفر بالطاغوت ولاإله إلا الله والإيمان بالله وهذا وإن كان متلازما فنوضحه لكم ، ثم وضح ذلك بأمثلة ،أهـ(1/37)
ثم قال المصنف :ويتبين لك خطأ المغرورين .فمن هم المغرورون! الذين قصدهم المصنف؟ المغرورون هم الذين أخذوا حديث عبادة على إطلاقه ولم يقيدوه ،قالوا:يكفي أن يقال لا إله إلا الله فهؤلاء هم المغرورون ولايشترط الإخلاص والصدق فيها ولا العمل ولا البراءة من الشرك وأهله ، وهذا الصنف هم عباد القبور وهؤلاء هم الغلاة فيهم وهم أخطرهم كالرافضة المعاصرة والصوفية الغلاة بجميع طوائفهم
الصنف الثاني:المرجئة أنه يكفي عندهم توحيد الاعتقاد أن يقول بقلبه وهم الأشاعرة والماتريدية ، أما الكرامية فقالوا يكفي أن يقولها بلسانه 0 أما الجهمية فقالوا يكفي العلم بهذه الكلمة ولولم يقلها ،ومن المغرورين المرجئة المعاصرة التي لاتهتم بالكفر بالطاغوت والبراءة منه وأهله ،
وظهر في الآونة الأخيرة تيار ونابتة جديدة هم من قسم المغرورين المعاصرين وهم المسمون بالعصرانيين وهؤلاء في باب التوحيد من غلاة المرجئة لأن التوحيد عندهم الكلمة ، من قال لاإله إلا الله بلسانه فهذا يكفي ،فهم كرامية هذا العصر ولا كرامة لهم ،
ولهم عقائد ومناهج و أصول في العقيدة والفقه هي :
1 ـ ففي باب التوحيد والإيمان من غلاة المرجئة (كرامية ) ويضاف إلى ذلك التميّع والانهزامية فيهما ،
2ـ السعي إلى إلغاء باب الكفر بالطاغوت وباب المرتد من كتب الفقه وإلغاء باب التكفير بحق وتسمية ذلك تطرف وغلو ،وخارجية وحرورية وتيار تكفيري ،
3ـ إلغاء باب الجهاد وتسميته تطرف وغلو ،واستبداله بالجهاد السياسي الهش على الطريقة العلمانية ،
4ـ في باب المصدر والتلقي ،فهم معتزلة يقدمون العقل على النقل ،وزادوا على المعتزلة القدماء بالسير على ما يسمى بالمنهج التجريبي وهو أن الأصل الشك في كل شئ حتى المسلمات العقدية إلى أن تثبت ،وزادوا على المعتزلة تقديم الهوى ومتطلبات العصر الحديث على النص ،(1/38)
5ـ وفي باب الفقه تتبع الرخص ، والأخذ بأسهل ما قيل وأنسب وأخف ما قيل بحيث يركبون من ذلك فقها جديدا ويميلون فقهيا إلى أن يوافق الاطروحات العلمانية وما يوافق النظام العالمي الجديد ،وما يوافق الأهواء ، وتسمية ذلك فقه تيسير ،خصوصا قضايا المرأة والحكم والسياسة وما يُسمونه بالفن والغناء والتمثيل وما يتعلق بالحرية ،والتصوير ،والأزياء واللباس
وطريقتهم في ذلك استعراض خلاف العلماء ،وكل قول قيل وكل شاردة وواردة وكل هفوة وزلة ، فما وافق الوقت والعصر فهو الراجح فهذه أسباب الترجيح عندهم وهذا أصل مبتدع في هذا الباب ومن باب المكر والحيلة فبدل أن يقولوا هذا يوافق العصر والهوى يجعلون لافتة لهم للوقاية من الشناعة والذم فيقولون قال به العالم الفلاني ،
6 ـ موقفهم من الإجماع التشكيك والرد ،لأنه عائق في بعض القضايا المهم عندهم ،
7ـ موقفهم من الاجتهاد فتحه على مصراعيه لكل من هب ودب ،واتخاذه ذريعة رسمية لكي يقولوا ما يناسبهم باسم الاجتهاد ،
8ـ موقفهم من الصحابة والسلف عموما التحقير والازدراء
9ـ موقفهم من التاريخ الإسلامي تناوله بحقد وتشويه ودس
10ـ موقفهم من أي دولة إسلامية ترفع شعار الإسلام الصحيح وتطبق الشريعة تطبيقا صادقا ، موقفهم موقف العداء كموقف العلمانيين وكموقف الغرب التشويه والتشنيع والاتهام بالغلو والتطرف ،
11ـ من أصولهم محاولة تعويد الناس على الخلاف وإطلاع العامة على ذلك لكي لا ينبذهم الناس ويرفضونهم وإنما يتسترون خلف لأفتة أن المسألة فيها خلاف فلماذا التشدد والمعارضة
12ـ موقفهم من العلماء وطلبة العلم مختلف حسب مصالحهم ،فالعلماء وطلبة العلم عندهم ثلاثة أقسام :(1/39)
أـ قسم يحاولون إسقاطهم وتشويه سمعتهم وذلك عبر ثلاث مراحل المرحلة الأولى محاولة إلصاق تهمة أنهم يكفرون الحكام ، فإذا لم تنجح هذه المرحلة انتقلوا إلى المرحلة الثانية وهو اتهامهم بأنهم يكفرون العلماء وقد تقتضي المرحلة أن يُعيّنوا علماء مشهورين لإتمام قوة الإسقاط ، فإذا لم تنجح هذه المرحلة انتقلوا إلى مرحلة اتهامهم بأنهم يكفرون المجتمعات وعموم الناس وهذا آخر سهم في هذا الباب ،وبالطبع يحاولون اصطياد كلمات من المتشابه والكلام العام لهؤلاء العلماء المراد إسقاطهم أو حمّال الأوجه للتدليل على صدق الاتهام ،
ب ـ القسم الثاني علماء لهم اجتهادات واختيارات لكن لم يُراعوا فيها السياسة الشرعية ،فهولاء يحاول العصرانيون اجتذابهم وتبنيهم لأن هذه الاختيارات تخدم مذهبهم ،
ج ـ القسم الثالث يعتبرونهم حياديين بالنسبة لهم ، لا لهم ولا عليهم فهؤلاء إن كانوا من المشهورين اهتموا بحيادهم وفرحوا به ،لأن المرحلة تقتضي تقليل الجبهات ،وإن كانوا ليسوا من المشهورين فيتركونهم ،
13ـ موقفهم من الصحوة محاولة تمييعها وتشتيتها وتهيئتها لتقبل الواقع والتنازلات ،
14ـ موقفهم من المرتدين و أهل البدع مهزوز ، فيميلون إلى التعاطف معهم والدفاع عنهم وعن رموزهم ، والتعاطف مع الأقليات المنحرفة ،
15ـ رفع شعار الحرية والحوار لكن بغير الضوابط الشرعية ،
16ـ موقفهم من الشعائر الدينية والأركان الخمسة أما بالنسبة للتوحيد فقد سبق ،
أ ـ أما الصلاة فيميلون إلى التسهيل فيها حسب الإمكان والمتاح من الأقوال التيسيرية ،فصلاة الجماعة في المسجد سنة ويجوز إمامة المرأة للرجال ،ويجوز الجمع مطلقا ،وتارك الصلاة مطلقا ولو مدى الحياة لا يكفر ،(1/40)
ب ـ الزكاة وهى الشعيرة الوحيدة التي يميلون إلى التشدد فيها على خلاف بينهم أيضا،لأن الذي يناسب المعنيين اليوم مع التدهور الاقتصادي الإكثار في جبي الأموال ،وتوسيع الأموال الزكوية ،مع أن بعضهم أكثر تعاطفا مع الناس فيميل إلى التقليل من ذلك
ج ـ الحج ولهم منسك عجيب فيه قائم على تقصد الترخص ،فالوقوف في عرفة ومزدلفة يكفي فيه لحظات ودقائق ،ويجوز تقديم الهدي قبل عرفة ويجوز الذبح بغير بهيمة الأنعام ،والرمي للجمرات على مدار أربع وعشرين ساعة ،وليس بواجب لأنه من الشعائر الخاصة بإبراهيم عليه السلام ،ويجوز تقديم طواف الإفاضة قبل عرفة قياسا على تقديم المفرد والقارن للسعي ،والرمي صباح يوم الثاني عشر ثم التوكيل في بقية الحج ، وهذا المنسك قابل للتطوير نحو تيسير أكثر إذا تم اكتشاف قول شاذ في المستقبل ،
د ـ في الصيام أيضا تقصد للترخصات ،
والخلاصة أنهم اتخذوا دينهم لعبا ،
هذه هي أُصولهم وقد يستحدثون أُصولا أُخرى لأنهم لازالوا في طور التكوين وعمرهم الزمني لا يتجاوز سنوات وقد ساهمت بعض الصحف والفضائيات في نشر مذهبهم ،ولهم قيادات عالمية وإقليمية ومحلية في كل مكان فيه صحوة قوية ، ويبدؤون مع المبتدئ بتعويده على الخلاف وتشكيكه في كل قول فقهي وأن المسألة فيها خلاف وتعويده على الانهزامية والنقاش في المسلمات كخطوة أُولى لتعويده على ما يسمى بالمنهج التجريبي ،
وسوف نتناولهم في كتابنا هذا إن شاء الله كلما سنحت الفرصة تحذيرا للناس منهم براءة للذمة ومجاهدتهم بقدر الاستطاعة نسال الله الإعانة والتوفيق ،وسوف نكتب إن شاء الله رسالة مستقلة فيهم ،(1/41)
واستنبط المصنف على هذا الحديث المسألة الرابعة عشرة قال : تأمل الجمع بين كون محمد وعيسى عبدي الله ورسوليه .والمقصود أنهما ليسا بإلهين فلا يعبدان ويصرف لهما شيء من أنواع العبادة . والمسألة الخامسة عشرة :معرفة اختصاص عيسى بكونه كلمة الله ومحمد اختص بأنه خاتم الأنبياء وغيره إذ له خصائص كثيرة وموسى كليم الله . ومعنى كونه كلمة الله ؟ أي كان بكلمة من الله من باب إضافة المخلوق إلى خالقه وليس هو كلمة الله من باب إضافة الصفة إلى الموصوف هذا خطأ .
والمسألة السادسة عشرة :معرفة كونه روحا منه .أي أنه روح مخلوق من الله (فمن)هنا ليست تبعيضية ،بل مثل قوله تعالى ( وسخر لكم مافي السموات ومافي الأرض جميعا منه )
المسألة السابعة عشرة :معرفة فضل الإيمان بالجنة والنار .قال الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله حيث جعله شرطا لدخول الجنة وقرنه بالشهادتين وما بعدهما.
وذكرنا لهذه المسائل الست يكفي في فهم الحديث وماذا يقصد منة المصنف والذي يهم في الحديث مسألتان فقط : المسألة السادسة والمسألة الثامنة عشرة .(1/42)
المسألة السادسة :فقصد المصنف أن يبن أن معنى شهادة أن لاإله إلا الله في حديث عبادة أي قالها مخلصا صادقا متبرئا من الشرك فيكون أتى بالتوحيد فإذا أتى بالتوحيد انتقلنا إلى المسالة الثامنة عشرة : وهي قوله معرفة على ماكان من العمل ، أي أن الموحد : يدخل الجنة على ماكان من عمله لكن ما معنى قوله على ماكان من العمل ؟ ذكر الحفيدان ( في التيسير ص 64 وفي الفتح ص 44 ) أن المقصود من العمل السيء أي على ماكان من العمل السيء ، فيكون الألف واللام في العمل للخصوص وكلاهما نقلا كلام القاضي عياض رحمه الله أن الحديث مخصوص فيمن جاء بالتوحيد فله من الأجر ما يرجح على سيئاته والشاهد كلمة( سيئاته )0 وهذا الكلام أقرب لقصد المصنف رحمه الله ، حيث قال : باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب ، وقوله الذنوب هي معنى على ماكان من العمل في حديث عبادة وزاد صاحب الفتح قولا آخر للحافظ بن حجر رحمه الله (أن الألف واللام للعموم فيكون العمل من صلاح أو فساد) ، وزاد قولا آخر أن العمل للخصوص ويقصد به العمل الصالح ويكون معنى أنه إذا أتى بالتوحيد دخل الجنة ولكن مراتبهم ودرجاتهم في الجنة حسب أعمالهم الصالحة .
ولكن أقرب الأقوال ما اقتصر عليه الحفيد سليمان في التيسير ص 64 فهو الأقرب لمفهوم المصنف لكن هنا قاعدة ادخرتها إلى هذا الموضع وإن كان محلها في ذكر القواعد السابقة في أحاديث الوعد ، ولكن أحسست أنني أطلت هناك الكلام فأجّلت ذكرها حتى نصل إلى هذا الموضع اللائق بها وهي لفتة على قوله ( على ما كان من العمل ) حيث قلنا أن الراجح من العمل أي السيئ أو السيئات ، لكن يجب أن يفهم أن السيئات بالنسبة لفضل التوحيد من حيث الكمية على ثلاث مراتب :
1 – أن تكون كمية السيئات كثيرة جدا ، بحيث ترجح على حسنة التوحيد وما معه من حسنات .
2 – أن تكون كمية السيئات مساوية لكفة حسنة التوحيد وما معه من الحسنات الأخرى(1/43)
3 - أن تكون كمية السيئات أقل من حسنة التوحيد وما معه من الحسنات ، ولا يتحقق فضل التوحيد الا في الحالة الثالثة وهي المقصودة بالحديث ( على ما كان من العمل ) أي ومعه سيئات ولكن اقل من حسنة التوحيد .
أما إن جاء بالتوحيد لكن مع المرتبة الأولى أو الثانية ، هنا لا ينطبق عليه أحاديث وآيات الباب ، إنما يصبح من أهل الوعيد وليس من أهل الوعد ، وإن كنا وقعنا في التفصيل وتلبسنا بما انتقدنا به الشراح سابقا والله المستعان , و المصنف أشار إلى مسألة الرجحان في تاريخ نجد ص 434فقال ( مراده أي وهب بن منبه لما قال مفتاح الجنة لاإله إلا الله الرد على من ظن دخول الجنة بالتوحيد وحده بدون أعمال وأما إذا أتى به وبالأعمال وأتى بسيئات ترجح على حسناته أو تحبط عمله فلم يتعرض وهب لذلك بنفي ولا إثبات لأن السائل لم يُرده )
فلو قال قائل إذا قلتم بمسألة المراتب أعلاه لم يتميز التوحيد بفضل زائد لأنه في الحالة الثالثة السابقة أصبح الفضل ليس للتوحيد وحده بل له وللحسنات الكثيرة فلم يتمحض في الفضل ؟ 0
وهذا كلام وجيه ودقة وانتباه ،ولكن ينبغي أن يُفهم أن الحسنات تتفاوت ،فحسنة التوحيد أعظم من حسنة الصلاة وحسنة الصلاة أعظم من حسنة الزكاة وهكذا ،فهذه ميزة لحسنة التوحيد ولذا إحباط حسنة التوحيد لما يقابلها من السيئات أعظم من إحباط حسنة الصلاة وهكذا حسب الترتيب هذا أولا ،(1/44)
ثانيا :إن حسنة التوحيد أعظم باعتبار الثقل فهي أثقل من غيرها لأنها تغلب 99مما يقابلها فتطيش بها كما جاء في حديث البطاقة و يأتى نصه إن شاء الله فإن السجل من التوحيد يغلب 99سجلا ، والديوان الواحد من التوحيد يغلب 99ديوانا من السيئات وهذه ميزة تختلف عن بقية الحسنات كحسنة الصلاة وحسنة الزكاة وبقية الأركان وشعب الإيمان وهكذا إلى أن تصل أن الديوان الواحد في حسنة (ما ) يقاوم ديوانا واحدا في سيئة ما وهكذا أما حديث البطاقة فهو(يصاح برجل من أُمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعو ن سجلا كل سجل منها مد البصر ثم يقال أتنكر من هذا شيئا ؟فيقول :لايارب فيقال ألك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول لا فيقال بلى إن لك عندنا حسنات وإنه لاظلم عليك فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال إنك لاتظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة )رواه الترمذى وحسنه وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (في التيسير ص 72والفتح ص 52)
ثالثا :مثلا إن الحسنات الراجحة إذا كانت معها حسنة التوحيد فهي باعتبار الكمية أقل فيما لو كانت هذه الحسنات نفسها مع حسنة الصلاة مثلا فبركتها مع حسنة التوحيد أعظم من غيرها وهكذا ،فقليلُها مع حسنة التوحيد أكثر منه مع حسنة الصلاة ونحوها ،ولذا قال المصنف لما فسر سورة الأنعام آية 50-55 قال :الثالثة عشرة ( كون اليسير كثيرا مع الإخلاص ) 0(1/45)
رابعا :إن التخلص من الشرك والإتيان بحسنة التوحيد كاملة (أي بأصل ذلك وواجبه ومعنى الواجب ترك الشرك الأصغر ومعنى الأصل ترك الأكبر) إذا أتى بهذه الحسنة على ذلك فإنها تقض على جميع السيئات ،وهذا خاص بحسنة التوحيد لأن الحسنات الأُخرى كالصلاة مثلا إذا أتى بأصلها وواجبها لا تقض على جميع السيئات وهذه خاصية مهمة تجعل لحسنة التوحيد ميزة عن غيرها والدليل على ذلك حديث أنس في آخر الباب لمن ترك الشركين أتاه الله بقراب الأرض مغفرة ولله أعلم 0
فإن قال قائل من أين لكم الأدلة على القليل والأقل كما ذكرتم في الكميات السابقة ، قلنا هذا وفق القواعد العامة التي تخصص عموم هذه…الأحاديث ، لأن القاعدة أن أحاديث الوعد إنما هي لأهل الكمال أو من غلب عليه الكمال ، وقولنا غلب الكمال هو الذي نعني بقولنا أن الكمال أكثر والسيئات أقل .وما ذكرنا هو اختيار القاضي عياض وابن تيمية وابن القيم وابن رجب والمنذري والمصنف والشراح الثلاثة رحم الله الجميع ، ( راجع التيسير ص68-69 ،والفتح ص 48-47)
الحديث الثاني :
و لهما من حديث عتبان رضى الله عنه :(( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )) .
هذا الحديث يمكن أن يؤخذ نموذجا لما سبق فيما قلنا ، فمثلا طريقة الشراح الثلاثة(1/46)
و معظم المتأخرين إذا تناولوا هذا الحديث تناولوه بالتفصيل فقالوا مثلا : إن كلمة ( النار ) فيها تفصيل على حسب القول لـ : لا اله الا الله ، الذي فيه تفصيل ، فإن قالها بكمال واجتماع شروط حرم على النار دخولا وخلودا وإن قالها بنقص فكلمة النار تحمل إما على نار الكفار فيحرم عليها أو يحرم على النار خلودا ، أما على الطريقة التي ذكرنا يقال : إن الحديث من أحاديث الوعد ، والمقام مقام مدح وثناء ممن قال لا اله الا الله ، ويقصد به أهل الكمال أو من قالها وغلب عليها الكمال وحسناته أكثر ، لأن هذا هو مقتضى المدح والثناء ، فيحرم على النار على ظاهر الحديث ، وقال المصنف في تاريخ نجد ص443 :لما سُئل عن معنى حديث معاذ (حق الله على العباد)فقال المعنى عند السلف على ظاهره وهو من الأمور التي يقولون أمروها كما جاءت أعنى نصوص الوعد والوعيد لا يتعرضون للمشكل منه ) اهـ 0
وهذا الحديث استخرج المصنف عليه مسائل :
وهي المسألة السادسة وهي مشتركة استخرجها من حديث عبادة وعتبان وقد مرت علينا قبل قليل وأراد المصنف بقوله ( يبتغي بذلك وجه الله) التقييد وهو قيد مهم .
واستخرج المسألة السابعة قال ( التنبيه للشرط الذي في حديث عتبان ) ما هو الشرط ؟ هو قوله يبتغي بذلك وجه الله وهو ما يعرف بشرط الإخلاص والصدق المنافي للشرك والنفاق وسماه المصنف شرطا. والشرط هو : ما يلزم من عدمه العدم 0 وإذا لم يوجد الإخلاص ولا الصدق لم تنفع هذه الكلمة .(1/47)
وهل يشترط أن يموت على ذلك ؟ الحديث له روايات فجاء عند البخاري رحمه الله ( لن يوافى عبد يوم القيامة قال لاإله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) ومعنى لن يوافى : أي لن يموت عبد على هذه الكلمة ، إذا الموت عليها شرط في التحريم على النار والشراح الثلاثة يميلون إلى قيد الموت عليه ، ولذا نقلوا كلام ابن تيمية في ذلك ( في التيسير ص 68 ، 69 وفي الفتح ص 47 ) و أصرحهم في ذلك ابن عتيق ، حيث كرر قيد الموت ثلاث مرات في مقدمة الباب ، لكن ظاهر صنيع المصنف أنه لم يرد قيد الموت ولذا لم يذكر هذه الزيادة ، إنما القيد في أحاديث الوعد في هذا الباب أن يكون حسنة التوحيد والحسنات الأخرى أكثر من السيئات
واستخرج المصنف أيضا المسألة الثالثة عشرة : أنك إذا عرفت حديث أنس عرفت أن قوله في حديث عتبان : ( فإن الله حرم على النار من قال لاإله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) أنه ترك الشرك ليس قولها باللسان . أما من قال لاإله إلا الله ولم يترك الشرك فلا ينفع .
وذكر أيضا المسألة العشرين : قال : معرفة ذكر الوجه لقوله ( يبتغي بذلك وجه الله ) أي إثبات صفة الوجه لله تعالى .
واستخرج عليها المسألة الثانية عشر ة: إثبات الصفات خلافا للأشعرية . و الصفة التي ثبتت بهذا الحديث هي صفة الوجه لله تعالى ، والموجود في فتح المجيد قال : ( خلافا للأشعرية ) وهو الموجود في قرة عيون الموحدين ، وفي بعض الكتب المطبوعة قالوا(خلافا للمعطلة)وهي في نسخة كتاب الدر النضيد ص 32 للشيخ ابن حمدان رحمه الله ،
ولاشك إن التعبير بالمعطلة أكمل حتى يدخل فيه غير الأشعرية ممن عطل كالمعتزلة والماتريدية والجهمية لكن المقصود ماذا كتب المصنف ، والموجود في النسخة المعتمدة : (خلافا للاشعرية) .
الحديث الثالث :(1/48)
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال موسى يارب علمني شيئا أذكرك أدعوك به. قال : قل يا موسى لا إله إلا الله قال: كل عبادك يقولون هذا. قال يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأراضين السبع في كفه، ولا إله إلا الله في كفه مالت بهن لاإله إلا الله ) رواه ابن حبان والحاكم وصححه .
المسألة الأولى : تخريج الحديث :
المصنف يصحح هذا الحديث ومثله الشراح الثلاثة وقد أقر الحفيد سليمان في التيسير ص 73 تصحيح ابن حبان والحاكم ، وهناك من أهل العلم من يضعف هذا الحديث لأنه من رواية أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضى الله عنه ، وأبو السمح هو دراج بن سمعان ضعيف في أبي الهيثم . علما بأن الحديث له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما رواه أحمد هذا ما يتعلق بتخريج الحديث والخلاف الذي وقع في تصحيحه
أما المسائل التي استخرجها المصنف على هذا الحديث :
المسألة الثامنة :وهي كون الأنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل لاإله إلا الله . وأيها أعم المسألة أم الدليل ؟ المسألة أعم من الدليل لأن الحديث في موسى عليه الصلاة والسلام والمصنف قال الأنبياء وهذا أعم ، وإذا كانت المسألة أعم من الدليل بقي جزء من المسألة ليس عليها دليل لكن يقال استنباط المصنف صحيح لأن فضل لاإله إلا الله المعيّن لا يُعرف إلا من جهة الوحي وقبل أن يوحى لكل نبي لا يُعرف ، ولا بد في كل شريعة ذكر فضل هذه الكلمة، ثم النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه بمعرفة هذا الفضل المعيّن لم يكن يعلم هذا الفضل ، وقول المصنف ( التنبيه على فضل لاإله إلا الله ) فالكلام على فضلها أما معرفة لا إله إلا الله : فلا يمكن أن يُبعث نبي ابتداء إلا ويعلمها لأن أول مهمته الدعوة إلى هذه الكلمة وكيف يدعو وهو لا يعلمها ، أما فضلها كم لها من حسنة وكم تكفر من الذنوب قد يُعلّم بها وينبه على فضلها فيما بعد .(1/49)
ولذلك في هذا الحديث موسى عليه الصلاة والسلام يعرف معنى لاإله إلا الله وهو أول من جاء بها إلى بني إسرائيل أما الفضل الخاص فنُبه عليه 0
( قال إن عبادك يقولون هذا ) ثم نبه الله على فضلها فتنبه بعد ذلك لفضلها ،
والخلاصة : إن الأنبياء يعرفون معنى لاإله إلا الله وأما فضلها الخاص ، وكم لها من حسنة ونحوه إنما يخبرون عن ذلك بالوحي .
واستنبط المصنف المسألة التاسعة قال ( التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات مع أن كثيرا ممن يقولها يخف ميزانه ) . فهذه الكلمة إذا قيلت بإخلاص وصدق وترك للشرك كما نبه المصنف على هذه القيود رجَحَت بجميع المخلوقات ومنها السيئات إن كانت أقل كما قلنا سابقا وقد نص على رجحان السيئات الحفيد عبدالرحمن في قرة عيون الموحدين صـ24. قال: ( إن لاإله إلا الله ترجح بجميع المخلوقات وجميع السيئات وأن ذلك هو ترك الشرك قليله وكثيره . اهـ المقصود 0
وقول المصنف ( مع أن كثيرا يقولها يخف ميزانه ) لماذا خف ميزانه مع قوله لا إله إلا الله ؟السبب هو نقصان شروطها فقد يقولها غير مخلص وقد يقولها غير صادق ، وقد يقولها ويأتي بسيئات تغلب وتثقل في ميزانه .
فهذه ثلاثة أسباب في خفة ميزان من يقول لاإله إلا الله وأشار إلى ذلك ابن تيمية فيما نقله عنه صاحب التيسير ص 68 ، 69 وفي الفتح ص 47 وابن عتيق في الإبطال في آخر الباب ، وسوف نوضحها اكثر لأن الحفيدين أطالا في ذلك لما شرحا حديث عتبان . فنقول وهو ملخص الشراح الثلاثة وهو معنى كلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب والقاضي عياض والمنذري ، قاله في التيسير ص 69 وغيرهم من العلماء ، قال في الفتح : وهو قول كثير من العلماء ص 48 ،
والقاعدة في هذا الباب أن من أتى بلا إله إلا الله مع شروطها ومات على ذلك فهذا الشخص هو أكمل الموحدين في هذا الباب وهو الذي تغفر ذنوبه التي كانت قبل ذلك و بالتالي يدخل الجنة ويحرم على النار مطلقا ويكون هذا فضل التوحيد في حق هذا الرجل.(1/50)
1- من قال لاإله إلا الله وترك الشرك الأصغر والأكبر ولم يأتِ بذنوب وسيئات واستمر على هذه الحالة حتى مات فهذا مثل القسم الذي قبله فيكون ممن غفرت ذنوبه بل هو أكمل مما قبله.
2-من أتى بلا إله إلا الله مخلصا من الشرك الأكبر دون الأصغر بمعنى أن عنده شركا أصغر وليس عنده شرك أكبر وعنده حسنات كثيرة راجحة فهذا الرجل عنده أشياء طيبه وعنده أشياء غير طيبه الشيء الطيب عنده براءته من الشرك الأكبر + الحسنات الراجحة ( وتنبه إلى كلمة راجحة ) والذي ليس جيدا عنده أنه تلبس بالشرك الأصغر فهل يخف ميزانه كما قال المصنف أو يثقل ميزانه ؟ نقول عندنا ميزان له كفتان سوف يوضع في الكفة الأولى حسنة التخلص من الشرك الأكبر ويوضع معها الحسنات ثم يؤتى بالشرك الأصغر فيحبط الشرك الأصغر جزء من هذه الحسنات لكن لم يقضِ عليها كلها لأن الحسنات كثيرة فيذهب منها جزء بقدر الشرك الأصغر فيبقى منها جزء ولو بسيط فيكون الميزان الذي فيه حسنة التخلص من الشرك الأكبر والحسنات التي بقيت فتثقل ويكون ممن ثقل ميزانه .
أما إن أتى بحسنة التوحيد والتخلص من الشرك الأكبر مع سيئات و مع حسنات و مع شرك أصغر والحسنات أقل هنا يكون ممن خف ميزانه.ولذلك قلنا في الحسنات ( الحسنات الراجحة ) يعني التي تقاوم ما أحبط الشرك الأصغر منها ويبقى بعده حسنات.
ثم نرجع ونقول قول المصنف ( إن كثيرا ممن يقولها يخف ميزانه ) إما إنه قالها بدون صدق وإخلاص أو بالصدق والإخلاص ولكن كسب بعدها سيئات كثيرة ، أو قالها بالصدق والإخلاص من الشرك الأكبر دون الأصغر وأتى بعدها بسيئات كثيرة أو حسنات قليلة أقل من السيئات .
ومرة أُخرى حتى لا نُنتقد في هذا الجانب فقد فصّلنا هذا التفصيل لأننا نشرح كلامهم فنفصل تفصيلهم ومع ذلك نقول الأصل في أحاديث الوعد أن تفهم حسب أُصولها إلا عند الحاجة أو عند شرح كلام من يُفصّل 0(1/51)
واستنبط المصنف أيضا المسألة العاشرة : النص على أن الأراضين سبع كالسماوات ، لقوله في الحديث ( والأراضين السبع في كفة ).
المسألة الحادية عشرة : أن لهن عمارا ،هل الضمير يعود على السماوات أو على الأرض؟ يحتمل أنه يعود على السماوات ( فإن لهن عمارا ) بنص الحديث ،ويحتمل أنه يعود على الأرض وهذا يحتاج إلى دليل لأن الحديث نص على السماوات ، قال : الأراضين السبع في كفة ولم ينص على عمار لكن لايعني أنه ليس للأرض عمارا فالإنس والجن هم عمار الأرض إن قصد بالتعمير العبادة ،وجميع الخلق عمار للأرض إن قصد السكن . والمصنف أشار إلى هذه المسألة في أول كشف الشبهات لما ذكر أن المشركين يشهدون بالربوبية ، فقال ( والسماوات السبع ومن فيهن والأراضين السبع ومن فيها كلها عبيده ) ، واستنبط المسألة التاسعة عشرة قال : معرفة أن الميزان له كفتان .
ملاحظة : المصنف اختار حديث أبي سعيد مع أن هناك حديث البطاقة أصرح منه وأقرب للموضوع ،لكن هناك سبب لعدم ذكر حديث البطاقة وهو أنه مشكل على المصنف ، ذكر ذلك في تاريخ نجد ص439 لما سُئل عن حديث البطاقة قال :ذكر الشيخ (يعنى ابن تيمية) أنه رزق عند الخاتمة قولها على ذلك الوجه والأعمال بالخواتيم مع أن علىّ بقية إشكال والله أعلم أهـ 0
الحديث الرابع :
وللترمذي رحمه الله وحسنه عن أنس رضى الله عنه :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (قال الله تعالى يابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ،ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ) .
الحديث حسنه الترمذي برقم ( 3534 ) ولكن قال : حسن غريب ، وقال الحفيد سليمان في التيسير ص 74 قال : قال ابن رجب : إسناده لا بأس به .(1/52)
واستنبط عليه المصنف مسائل : ذكر الحفيد عبدالرحمن في الفتح ص 54 أن المسالة الأولى والثانية والثالثة مأخوذة من هذا الحديث ، أما الحفيد سليمان فقال : هذه الثلاثة مأخوذة من مجموع أحاديث الباب ( التيسير ص 75 ) لكن لا فرق لأنها إذا أُخذت من كل الأحاديث فهذا الحديث من جملتها .
المسألة الأولى : سعة فضل الله لقوله ( لأتيتك بقرابها مغفرة ) .
المسألة الثانية :كثرة ثواب التوحيد عند الله ، لقوله ( لأتيتك بقرابها مغفرة ) والتوحيد ثوابه كثير حتى إنه غطى ذنوبا هي ملء الأرض .
المسألة الثالثة :قال تكفيره مع ذلك للذنوب ، هذا فيه إشكال لأن الحديث مغفرة الذنوب والمصنف قال تكفيره الذنوب ( والمغفرة غير التكفير ) و كلمة تكفير الذنوب والمغفرة هاتان الكلمتان عند المصنف إذا اجتمعتا افترقتا وإذا افترقتا اجتمعتا مثل الإسلام والإيمان ، ويؤدي أحدهما معنى الآخر عند الافتراق،
والمصنف قصد بتكفير الذنوب هي مغفرة الذنوب ، هذا الظاهر من صنيعه ،ويأتي مزيد كلام إن شاء الله 0مع أن هناك حديث فسر المغفرة وهو حديث جابر في الباب بعده مرفوعا من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة رواه مسلم وهذا في معنى حديث أنس السابق فالمغفرة هي دخول الجنة 0(1/53)
والحديث اختصره المصنف وفيه ذكر أسباب مغفرة الذنوب وهي الدعاء والاستغفار والموت على ترك الشرك ففي الدعاء والاستغفار في نص الحديث قال : غفرت لك ولا أبالي ، وفي ترك الشرك زاد أن يأتيه بقرابها مغفرة ، وزاد الحفيد سليمان ما رواه مسلم من حديث أبي ذر رضى الله عنه مرفوعا ، يقول الله : من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا .. الحديث ، وفيه ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بقرابها مغفرة ، وزاد الحفيد عبدالرحمن في الفتح ص 55 عن ابن مسعود مرفوعا : لما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى فاعطي ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس ، وخواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات . رواه مسلم
وأشار الحفيدان ( في التيسير ص 74 وفي الفتح ص 54 ) إلى أن تفسير الشرك في الحديث يشمل الأكبر والأصغر ، فقالا : إن الشرط في الحديث في حصول الوعد السلامة من الشرك كثيره وقليله صغيره وكبيره اهـ وقال ابن القيم في النونية إن الشرك في الحديث عام للأكبر والأصغر( وهو الغفور فلو أتى بقرابها من غير شرك بل من العصيان * لأتاه بالغفران ملء قرابها سبحانه هو واسع الغفران * ) وقد قلنا سابقا إن المصنف فسر المغفرة في هذا الحديث بالتكفير للذنوب ، وأما الحفيد عبدالرحمن في الفتح ص 54 فقد فسر المغفرة بكلام ابن القيم وهي : العفو وغسل الذنوب ، و نذكر كلاما هنا لكن على غير اختيار المصنف ويظهر لي أنه الأقرب للتفريق بين حديث أنس وحديث أبي سعيد الخدري ، فإن التوحيد أحيانا يرجح بالذنوب كما في حديث أبي سعيد وأحيانا يغطيها ويمحوها كما في حديث أنس ، فحديث أنس أفضل من حديث أبي سعيد ،لأن حديث أنس شرط المغفرة لمن ترك أيضا الشرك الأصغر ،أما حديث أبي سعيد فهو في الرجحان أن ثقُلت الكفة بترك الشرك الأكبر مع حسنات راجحة على التفصيل السابق ، ولله أعلم 0(1/54)
واستنبط المصنف المسألة الثالثة عشرة : أنك إذا عرفت حديث أنس عرفت أن قوله في حديث عتبان (فإن الله حرم على النار من قال لاإله الله يبتغي بذلك وجه الله )أنه ترك الشرك ليس قولها باللسان، وحديث أنس فيه قيد مهم وهو أنه لابد من المغفرة من ترك الشرك ،وأشار الحفيدان ( التيسير ص 74 والفتح ص 54 ) إلى أن كلمة الشرك في حديث أنس عامة تشمل الأكبر والأصغر فمن مات تاركا للشرك الأكبر والأصغر غفرت ذنوبه التي قبل الموت مهما بلغت إلا أن الحفيدين في ( التيسير ص 75 والفتح ص 54 ) شرحا هذا الحديث ونقلا كلام ابن رجب رحمه الله أن هذا الحديث تحت المشيئة ، ونصه ( قال ابن رجب : من جاء مع التوحيد وقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة ، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل ، فإن شاء غفر له وإن شاء أخذه بذنوبه ) لكن قال ابن رجب بعد ذلك : فإن كمل توحيد العبد وقام بشروطه بقلبه ولسانه وجوارحه أو بقلبه ولسانه عند الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب . اهـ وكلام ابن رجب فيه إشكال ولاسيما صدر كلامه ،ولا أدري كيف الإجابة على ذلك !
والخلاصة في اختيار المصنف في هذا الحديث : أن من أتى بالتوحيد وترك الشرك كبيره وصغيره حصل له التكفير الذي هو بمعنى المغفرة .
قضايا معاصرة :
لا أذكر في هذا الباب على اختيار المصنف قضية معاصرة لأن الباب يتعلق بمسألة تكفير الذنوب ومغفرتها ، وهذا أمر أخروي وليس دنيوي معاصر ، لكن يمكن أن يستنتج قضية معاصرة خارج قصد المصنف من الآية الأولى على ماختاره المتأخرون وهي الأمن والاهتداء لمن حقق التوحيد ولذلك فلتبشر الجماعات والتيارات الإسلامية والدول الإسلامية المتنبه لتحقيق التوحيد بالأمن والاهتداء إلى الحق وإلى طريق السلف وإلى الصراط المستقيم .(1/55)
ولتبشر بتحقق الأمن على مستوى الجريمة والأخلاق ويحصل لها الأمن السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي والوظيفي بالنسبة للعطالة والبطالة وغيرها والأمن الفكري وغير ذلك قال تعالى في وعده للذين آمنوا (وليُبدلنهم من بعد خوفهم أمنا )وفي وعده تعالى لمن قام بكتبه (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) ،
والخلاصة :التي تقرب لك فهم الباب أن هذا الباب مثل باب الكبائر والصغائر فإن القاعدة أن المسلم إذا اجتنب الكبائر غفرت وكفرت له الصغائر كما دل على ذلك الكتاب والسنة واجماع السلف ،فكذلك إذا اجتنب الشركين غفرت وكفرت عنه الكبائر والصغائر من باب أولى ،أما إذا اجتنب الأكبر فقط فهناك فيه تفصيل وتوضيح 0
الباب الثالث
المتن
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
وقال تعالى ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين )
وقال : ( والذين هم بربهم لا يشركون ) .(1/56)
عن حصين بن عبد الرحمن قال : كنت عند سعيد بن جبير فقال : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ فقلت : أنا، ثم قلت : أما إني لم أكن في صلاة، ولكني لُدِغت، قال: فما صنعت؟ قلت : ارتقيت قال: فما حملك على ذلك ؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي ، قال وما حدثكم الشعبي ؟ قلت : حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة . قال : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع . ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، ثم نهض فدخل منزله0 فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم : فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا ً ، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه فأخبروه ، فقال: ( هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) فقام عكاشة بن محصن فقال :يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: ( أنت منهم ) ثم قام رجل آخر فقال : ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : ( سبقك بها عكاشة ) .
فيه مسائل:
الأولى : معرفة مراتب الناس في التوحيد.
الثانية : ما معنى تحقيقه.
الثالثة : ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يكن من المشركين .
الرابعة : ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك .
الخامسة : كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد.
السادسة : كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل.
السابعة : عمق علم الصحابة لمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل.
الثامنة : حرصهم على الخير.
التاسعة : فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية.
العاشرة : فضيلة أصحاب موسى.(1/57)
الحادية عشرة : عرض الأمم عليه، عليه الصلاة والسلام.
الثانية عشرة : أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها.
الثالثة عشرة : قلة من استجاب للأنبياء.
الرابعة عشرة : أن من لم يجبه أحد يأتي وحده.
الخامسة عشرة : ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة، وعدم الزهد في القلة.
السادسة عشرة : الرخصة في الرقية من العين والحمة.
السابعة عشرة : عمق علم السلف لقوله : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ، ولكن كذا وكذا ، فعلم أن الحديث الأول لا يخالف الثاني .
الثامنة عشرة : بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه.
التاسعة عشرة : قوله : ( أنت منهم ) علم من أعلام النبوة .
العشرون : فضيلة عكاشة .
الحادية والعشرون : استعمال المعاريض .
الثانية والعشرون : حسن خلقه صلى الله عليه وسلم .
الباب الثالث
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
الشرح
هذا هو الباب الثالث من أبواب التوحيد 0
قال المصنف (باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب )هذا العنوان ، وبعض أهل العلم يسمي العنوان الترجُمة وكلاهما بمعنى واحد .والمصنف وضع مسألتين على العنوان : قال المسالة الأولى : معرفة مراتب الناس في التوحيد .
المسألة الثانية:ما معنى تحقيقه؟ وقلنا هاتين المسألتين على عنوان الباب لأنه جعلها قبل المسألة الخاصة بالآية المتعلقة بإبراهيم عليه الصلاة والسلام و آية إبراهيم عليه السلام هي أول آية في الباب ولذا قلنا المسألة الأولى والثانية في العنوان وإن شئت قل تتعلق بالباب كله(1/58)
شرح العنوان :من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب :- من :شرطية حرف شرط وبعضهم يسميها أداة شرط . حقق :فعل الشرط . دخل الجنة :جواب الشرط . حقق التوحيد :التحقيق هو أمر زائد على أصل التوحيد ،فإتقان الأصل يسمى تحقيقاً والتحقيق بمعنى الإتقان والتكميل والإتيان به على حقيقته مثل قولنا باب الإيمان ثم نقول باب تحقيق الإيمان فباب تحقيق الإيمان باب فضل وتكميل لأصل الإيمان،مثل قولك باب العبودية ثم تقول باب تحقيق العبودية أي إتيان العبودية على أكملها وهي المبالغة في تطبيق الأوامر وترك النواهي هذا تحقيق العبودية،ومثل قولك باب الإسلام ثم تقول باب تحقيق الإسلام ،ومثل قولك باب الصلاة ثم تقول باب تحقيق الصلاة .
الخلاصة :أن التحقيق يقصد به الإتقان والإتمام والإتيان بالشيء على كماله.
وقد يسأل سائل ما الفرق بين هذا الباب والذي قبله:نقول الباب الذي قبله في فضل من أتى بالتوحيد وهو إفراد الله بالعبادة ،وهذا الباب فيمن حقق أصل التوحيد وبلغ الكمال في إفراد الله بالعبادة . وقول المصنف (حقق التوحيد)الإضافة هنا بتقدير اللام يعني تحقيق للتوحيد وهذه قاعدة في كل ما أُضيف إلى التوحيد في أبواب المصنف وقد مر علينا في الباب الأول ذكر ذلك ، ومن قال به من الشراح الثلاثة ،
والتوحيد هنا هل يراد به العموم أو الخصوص؟ ظاهر صنيع المصنف ومثله الشراح الثلاثة على أنها للخصوص وأي الخصوص من هذه الثلاثة الربوبية أم الألوهية أم الأسماء والصفات؟ هذا الباب تكمله للباب الذي قبله والباب الذي قبله فيه الألف واللام لتوحيد الألوهية فتكون الألف واللام للخصوص أي من حقق توحيد الألوهية دخل الجنة بغير حساب هذه واحدة.(1/59)
الأمر الثاني : أن الأدلة التي أتى بها المصنف كلها في توحيد الألوهية لكن ليس معنى قولنا للخصوص أنه يمكن أن يحقق توحيد الألوهية دون بقية التوحيدين الربوبية والأسماء والصفات ؟ لا يمكن لأنه لا ينفك بعضها عن بعض لكن أردنا أن نبين ماذا قصد المصنف بالألف واللام في التوحيد على وجه المطابقة، فإنه أراد الألوهية أما على وجه التضمن أراد ضمنا الربوبية والأسماء والصفات .
وقوله (دخل الجنة) هذا أخروي أم دنيوي ؟ حكم أخروي وتسمى مسألة الثواب والعقاب والألف واللام في الجنة للخصوص لكن أي الخصوص الذهني أم الذكري أم الحضوري؟ للخصوص الذهني لأنه لم يسبقه ذكر ولا حضور فهو للعهد الذهني فهي الجنة المعروفة في أذهان المسلمين ونزيد أيضا بأنه يدخل جنة خاصة وهي أفضل الجنان لأن الجنة اسم جنس يدخل فيها أنواع من الجنان وجنة الفردوس نوع وهي أعلى الجنة وهناك جنة للمقتصد قال تعالى(ومن دونهما جنتان )فمن حقق التوحيد فهو من السبعين ألف وهؤلاء هم أول من يدخل الجنة من بابها الأيمن كما جاء في الحديث (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ) وهم أهل الفردوس الأعلى، ونوع منهم ممن حقق التوحيد وهم أقل من هذا الصنف وهم المقتصد وهم أهل قوله تعالى (ومن دونهما جنتان )وهم الصنف الثاني في قوله تعالى (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات)وقوله (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ) وهم الطائفة الأُخرى المقصودة بهذا الباب ، أما الباب الذي قبله المقصود بهم الظالم لنفسه الذي أتى بأصل التوحيد وترك الشرك الأكبر ومعه حسنات راجحة ، أو أتى بأصل التوحيد مع ترك الشركين مع السيئات على ما سبق شرحه .
وقول المصنف (بغير حساب) هنا نفى الحساب لكن هل يعذب ؟(1/60)
نفي الحساب أبلغ من نفي العذاب وإذا كان لا يحاسب فمن باب أولى لا يعذب ، بل لو قال بغير عذاب قلنا يمكن أن يحاسب أما إذا نفى الحساب فمن باب أولى العذاب ويسمى مفهوم الموافقة ومفهوم من باب أولى ، ولذلك اتفق الشراح (في التيسير ص76 وفي الفتح ص57 وفي أول الإبطال )على قولهم بغير حساب أي ولاعذاب، ونفي الحساب هل يستلزم نفي ما قبل الحساب ؟ لأن مراتب يوم القيامة قبل الحساب كثيرة مثل مرتبة الحشر والجمع والوقوف، فهل يقفون مع الناس قبل بدء الحساب ؟ 0 نعم يحشرون ويجمعون ويقفون مع الناس قبل مجيء الله تعالى للحساب لكن إذا بدأ الحساب ذُهب بهم إلى الجنة كما جاء في الحديث الصحيح ،هذا بالنسبة للسبعين وما زيد عليهم تفضلا من الله ،أما المقتصد فلا شك أنه لا يعذب ولا يحاسب حسابا شديدا أو حساب فضح ونحوه بقي نوع من الحساب وهو اليسير ،فالله أعلم
نرجع إلى استنباطات المصنف : فيه مسائل :الضمير في ( فيه ) يعود إلى ما مضى من الآيات والأحاديث. مسائل جمع مسألة .
المسألة الأولى :مراتب الناس في التوحيد .بمعنى أنك إذا قرأت ما في الباب من الآيات والأحاديث عرفت مراتب الناس في التوحيد وأنها متفاوتة، وقوله مراتب :جمع مرتبة والأصل في المرتبة أن بعضها أعلى من بعض وبعضها أفضل من بعض بخلاف كلمة أقسام أو أنواع فلا يُفهم من ذلك أن بعض الأقسام أفضل من بعض،والله أعلم .
لكن كم هذه المراتب؟ أما المصنف على وجه التحديد لم يذكر عدد المراتب لكنه قال أن هذه الأمة تختلف من حيث الكمية والكيفية وهذه المسألة التاسعة:قال فضلية هذه الأمة بالكمية والكيفية. ويهمنا منها كلمة الكيفية لأنه يقصد بالكيفية تفاضلهم واختلافهم في الصفات كما قال صاحب قرة عيون الموحدين صفحه(29).(1/61)
ولا يزال السؤال قائماً كم مراتبه؟ الشيخ سليمان (في التيسير ص76 )في مقدمة الباب ذكر مرتبة واحدة فقال:إن المراد بتحقيق التوحيد هو معرفته والاطلاع على حقيقته علماً وعملاً وحقيقة ذلك هو انجذاب الروح إلى محبة الله. وقال أيضاً:فلا يكن في قلبه شيء لغير الله ولا إرادة لما حرم ولا كراهية لما أمر.وقال صاحب الفتح:(ص57 )تحقيقه تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي.هذا كلامه في الفتح وقال في قرة العيون:(ص25 )تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والإصرار على الذنوب. فيفسر كلامه بعضه بعضا فالمقصود بالمعاصي أي الإصرار عليها لا الوقوع فيها فإن الوقوع في المعصية لا ينافي التحقيق إلا إن أصر.وجاء صاحب كتاب إبطال التنديد حمد بن عتيق في أول الباب وجمع بين القولين وقال: إن تحقيق التوحيد على قسمين أي على مرتبتين: المرتبة الأولى:ما ذكرها صاحب التيسير وهذه أعلى المراتب.
المرتبة الثانية: ما ذكرها صاحب الفتح وهي دون ذلك ، إذاً أصبحت المراتب واحدة على اختيار الحفيد سليمان وواحدة على اختيار الحفيد عبد الرحمن واختار حمد بن عتيق أنها اثنتان. فما هو اختيار المصنف ؟ أقرب الأقوال السابقة ما ذكره حمد أنها مرتبتان لكن لو نظرنا إلى كلمة مراتب الناس فهي جمع وأقل الجمع ثلاثة وهو المشهور (إلا فيما استثني مثل الجماعة في الصلاة اثنان وفي الفرائض اثنان ، وقوله تعالى:فقد صغت قلوبكما جمع القلب وهو هنا اثنان ) والأصل في الجمع ثلاثة ونحتاج إلى أن نمعن النظر في المسائل مع أن الغالب في المراتب أنها ثلاث :أفضل وأقل وأوسط والمصنف ذكر ثلاثة أدلة فيحتمل أن كل دليل مرتبة وذكر على كل دليل مسألة وذكر ثلاث مسائل مهمة هي المسألة الثالثة والرابعة والخامسة ولذا فإن من المحتمل أن المراتب ثلاثة أما من جعلها مرتبة واحدة فهذا مرجوح .
فتكون المراتب ثلاث :(1/62)
المرتبة الأولى:ما في الآية الثانية ودليلها قوله تعالى (والذين هم بربهم لا يشركون).
المرتبة الثانية:دليله قوله تعالى (ولم يك من المشركين)في ذكر إبراهيم عليه السلام .
المرتبة الثالثة:دليلها الحديث في السبعين ألف .
وترتيبنا هذا اجتهادي ويحتمل أن يُقال هي ثلاث وترتب على نفس ترتيب المصنف فالثانية تكون الأولى، وما ذكرنا الأولى تكون الثانية، أما الثالثة فهذا اتفاق مع المصنف ويأتي شرح كل مرتبة في وقته ويأتي إن شاء الله شرح المراتب والحديث عنها في حينها.
مسألة قول المصنف (بغير حساب) هنا نفى الحساب لكن أي الحسابين ومن المعلوم أن الحساب قسمان :
1-حساب يسير.
2-حسابُ مناقشة.
هذا الذي في حق المسلمين ويدل عليه ما جاء في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قوله صلى الله عليه وسلم (من نوقش الحساب عذب،فقلت يا رسول الله أليس الله يقول(فسوف يحاسب حسابا يسيرا)قال ذلك العرض) .
فأيهما المنفي ؟ أما حساب التعذيب فلاشك أنه منفي في قصد المصنف فلا يحاسب حساب مناقشة لأن هذا فيه تعذيب والمصنف والشراح نفوا التعذيب ، وأما حساب العرض وهو ما يسمى بالتقرير حينما يضع الله على عبده المؤمن كنفه فيقرره فيقول أتذكر كذا أتذكر كذا ، فهل هذا منفي أم لا؟ الجواب :أما أهل السبعين ألف فهؤلاء منفي عنهم الحساب بنص الحديث ،أما غيرهم من أهل هذا الباب فالله أعلم .
وهناك حساب على الكفار والمنافقين وهذا قطعا لا يريده المصنف .
نأتي إلى الآيات والأحاديث :
الآية الأولى :
وقال تعالى:(إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين)(1/63)
هذه الآية استخرج عليها المصنف مسألة واحدة وهي المسألة الثالثة قال :ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يك من المشركين. واقتصار المصنف على قوله (لم يك من المشركين) يدل أن المصنف لم يرد الآية كلها وإنما أراد آخرها وهو نفي كونه من المشركين ،وقد ذكر الشراح الثلاثة ونقلوا شرح المصنف لهذه الآية ( الشيخ سليمان ص78 ومثله عبدالرحمن في الفتح ص59 وحمد ص18) في قوله (ولم يك من المشركين) قال المصنف خلافا لمن كثر سوادهم وزعم أنه من المسلمين أهـ وقال في تفسير سورة يونس في قوله (ولا تكونن من المشركين )قال :فلابد أن يتبرأ من المشركين فلا يكثر سوادهم أهـ تاريخ نجد ص 542 .
وتفسير المصنف يشعر بأنه لم يرد كل النفي بقوله تعالى (ولم يك من المشركين )وإنما نفى تكثير سوادهم ويقصد به مجالستهم ومخالطتهم مخالطة أنس وصداقة والسكنى معهم كذلك وعدم هجرهم والإقامة بين ظهرانيهم وهذا هو المقصود بمسألة تكثير السواد و هذا هو الذي أراده المصنف في هذا الباب بالذات، وإلا آية ( لم يك من المشركين) لها معاني أخرى فليس منهم لافي الاعتقاد ولافي العمل ولا بما في القلب لكن هذه المعاني وإن كانت صحيحة فليست مقصودة في باب تحقيق التوحيد فليست هذه من باب التحقيق بل من باب أصل التوحيد وهي مسألة البراءة من المشركين ومعاداتهم وبغضهم وتكفيرهم واعتقاد بطلانهم وهذا أصل من أصول التوحيد، وليس من أصول تحقيق التوحيد .
مسألة :لم يذكر المصنف كلمة الآية ؟ لأنه لم يرد أن تكمل الآية ولا أن تشرحها .
وهذه الآية تصور مرتبة من مراتب تحقيق التوحيد ومن حققها فقد حقق مرتبة من مراتب التوحيد وهى مرتبة في باب البراءة وهى شعبة من شعب تحقيق المعاداة والتبرؤ من المشركين وطبيعة هذه المرتبة هجر المشركين والابتعاد عنهم وعدم مسا كنتهم ومخالطتهم ويُقصد سكنى الأنس والصداقة.(1/64)
وكذا الإقامة بين أظهرهم إقامة أنس ومداهنة فمن فعل ذلك فقد نقص تحقيقه للتوحيد ومن لم يفعل ذلك فهو محقق للتوحيد في باب مسألة السواد . ويدل على هذه المرتبة قوله تعالى(إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض )…إلى قوله( قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ).وقوله(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة…الآية)ومن الأحاديث حديث (أنا بريء ممن جامع المشركين أو ساكنهم ) في السنن ،
ومسألة السواد هي التي يسميها بعض العلماء مسألة الموالاة الصغرى ومن أمثلتها : مخالطة المشركين ومؤانستهم ومسا كنتهم وتقديمهم على المسلمين ومنها جعلهم رؤساء على المسلمين ومنها اتخاذهم عمالا عند المسلمين ،ومنها إقامتهم في جزيرة العرب كأفراد ضعفاء ،أما إقامتهم في جزيرة العرب بقوة وقدرة وسيطرة فهذا الدم الأحمر والسم الزعاف والمسألة العظيمة التي ليست من مسألتنا هنا إنما شأنها آخر ، و قد جاء في الأثر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه أنكر على أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أنه اتخذ نصرانيا عاملاً وكتب إليه بهذه الآية (يأيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء ) هذا ما يتعلق بهذه الآية ومرتبتها .
وهذه فيها قضية معاصرة في أفراد الصحوة أو الجماعات أو التيارات أو الدول الإسلامية أنه لابد أن تهتم بهذا التحقيق للتوحيد بعدم تكثير سواد العصرانيين أو العلمانيين والحداثيين والملحدين بجميع أصنافهم أو تكثير سواد الطغاة ، فإن هذا نقص في تحقيق توحيدهم فلابد من عدم تكثير سوادهم أو الأنس بهم أو مداهنتهم ونحو ذلك بل لابد من البراءة منهم براءة مباعدة وهجر ومجانبة لهؤلاء الملاحدة ،وهذا حسب القدرة والاستطاعة (فاتقوا الله ماستطعتم )(1/65)
أما براءة التكفير والبغض والمعاداة واعتقاد بطلانهم فهذا أصل من أصول التوحيد لابد منه وهو غير أصل تحقيق التوحيد الذي نحن فيه ،فلا بد من التفريق بين الاثنين حتى لانُفهم خطأ،أو يقع الناس في الخطأ 0
الآية الثانية:
وقول الله تعالى(والذين هم بربهم لا يشركون).
والمصنف أراد هذه الآية ولم يكملها وهذه الآية استخرج عليها المصنف مسألة واحدة أيضا وهي المسألة الرابعة :قال ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك . وهذه تصوّر المرتبة الثانية من مراتب تحقيق التوحيد لكن ما هذه المرتبة ؟ المصنف قال سلامتهم من الشرك لكن أي الشرك الأكبر أم الأصغر ؟يقال سبق توضيح ذلك في أول هذا الباب فالألف واللام في قوله سلامتهم من الشرك ليست للعموم بل للخصوص وهذا أشار إليه الحفيد عبدالرحمن في الفتح(ص57) لما قال بمراتب التوحيد في أول الكتاب قال (تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك) وذكر أيضا في صـ114 من كتاب الفتح (أن الشرك الأصغر ينافي كمال التوحيد فمن اجتنبه فهو الموحد حقا) الشاهد قوله: حقا أي حقق التوحيد .وكذا الحفيد سليمان (ص78) في شرحه لهذه الآية قال: ولما كان المؤمن قد يعرض له ما يقدح في إيمانه من شرك جلي أو خفي نفى عنهم ذلك ومن كان كذلك فقد بلغ من تحقيق التوحيد النهاية ،الشاهد قوله: ما يقدح في إيمانه من شرك جلي أو خفي. والشرك الأصغر يقدح في الإيمان أما الأكبر فإنه يقضي على الإيمان .(1/66)
إذاً اتفق الحفيدان على أن المقصود بالشرك هو الأصغر ويدل عليه من كلام المصنف قوله سادات الأولياء فالغالب أن الذي يقع من سادات الأولياء الشرك الأصغر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خاطب سادات الأولياء :(وإن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) فأخوف ما يخاف على سادات الأولياء الشرك الأصغر ويحصل الثناء على الأولياء إذا تركوا الشرك الأصغر . ويدل عليه أيضا نفس الآية، فالآية وصف للسابقين كما قال صاحب التيسير(ص78) قال :لما ذكر هذه الآية أن الله تعالى وصف المؤمنين السابقين إلى الجنات أعظمها الثناء عليهم بأنهم بربهم لا يشركون أي شيئا من الشرك في وقت من الأوقات فإن الإيمان النافع مطلقا لا يوجد إلا بترك الشرك مطلقا أهـ . وإذا استعرضت ما قبل هذه الآية وما بعدها تبين لك أنها في صفات المؤمنين السابقين اهـ
ومن هنا نعرف طبيعة المرتبة الثانية من مراتب تحقيق التوحيد وهي ترك الشرك الأصغر وأن من ترك الشرك الأصغر فقد كمل توحيده وحقق توحيده وهذه المرتبة ذكرها صاحب الفتح وتابعه على ذلك صاحب إبطال التنديد 0
و لكن في النفس شئ من الكلام السابق خصوصا ما صرح به الحفيدان من أن المقصود من التحقيق هنا ترك الشرك الأصغر .
والذي يظهر لي أن النفي هنا في قولة (لا يشركون ) ليس نفيا محضا إنما نفي يراد به الإثبات أي لا يشركون لكمال توحيدهم وتعلقهم بالله ولمبالغة بعدهم عن الشرك . وسبب هذا الكلام أن ترك الشرك الأصغر ليس من باب تحقيق التوحيد بل من باب الإتيان بأصل التوحيد الواجب .
وقد يحتمل أن قولة ( لا يشركون ) تحمل على الشرك الخفي حسب اختيار المصنف (وهو تقسيمه الشرك إلى أكبر وأصغر وخفي )، أو أنها من باب الاستدلال بالأكبر (ولا أعني الشرك الأكبر بل كل شيء له أكبر وأصغر ) على ما هو أصغر منه .(1/67)
أو يقال أن نفي الشرك عنهم هنا مثل نفي ذلك عن إبراهيم علية السلام في قوله ( ولم يك من المشركين )ومثل نفيه عن الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله (ولا تكونن من المشركين )
أو يحمل على كلام الحفيد سليمان (ص78) أنه نفى أن يقع منهم شرك في أي وقت من الأوقات أهـ ، أي لا يتصور منهم الشرك بل هم الغاية في البعد عن الشرك ، ومما يدل على أنه لا يراد به الوقوع في الشرك الأصغر قول الحفيد عبد الرحمن في أول الباب أن تحقيق التوحيد هو ترك شوائب الشرك ولم يصرح بأنه ترك الشرك الأصغر وتفسير الحفيد عبد الرحمن أقرب لروح الباب ويمكن أن يفسر به كلام المصنف ومن ثَم نخرج من الأشكال وتتضح المسألة .(1/68)
ويكون الشيخ عبد الرحمن رحمه الله بلغ الغاية في الدقة في تعبيراته حينما قال (شوائب الشرك ) ولم يقل الشرك عندما ذكر مراتب تحقيق التوحيد في مقدمة الباب ، لكن عندما شرح الآية (ص61)ترك هذه اللفظة المتقنة الدقيقة وتابع الحفيد سليمان في شرحها ، ولا أدري لماذا تنازل عن هذه الدقة ولم ينوّه عنها في شرح الآية ؟ ومن الأمثلة التي يُراد بها شوائب الشرك و أحيانا تُسمى شعب الشرك ،قول الحجاوى في الإقناع 1/237وأما التمسح بالقبر والصلاة عنده أوقصده لأجل الدعاء عنده معتقدا أن الدعاء هناك أفضل من الدعاء في غيره أو النذر له أو نحو ذلك ،قال الشيخ (أي ابن تيمية )فليس هذا من دين المسلمين بل هو مما أُحدث من البدع القبيحة التي هي من شعب الشرك ) أهـ وقوله (أوالنذر له أي النذر لله عند القبر كما كرر كلمة عنده عدة مرات ) ، وقال الشيخ محمد في تاريخ نجد ص455 في مسالة (وأما المسائل التي ذكر في الجنائز من لمس القبر والصلاة عنده وقصده لأجل الدعاء أو كذا وكذا فهذا نوع ،أما بناء القباب عليها (أي فقط دون عبادتها )فيجب هدمها ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر وكذلك الصلاة عنده وقصده لأجل الدعاء فكذلك لا أعلمه يصل إلى ذلك ولكن من أسباب حدوث الشرك 000 ثم قال أول ما حدث الصلاة عند القبور والبناء عليها من غير شرك ثم بعد ذلك بقرون وقع الشرك 00ثم ذكر أن أول ما جرى إدخال بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه قبره لأجل التوسعة ولم يقصدوا تعظيم الحجرة ولكن تعظيم المسجد ومع هذا أنكر علماء المدينة حتى قتل خبيب بن عبد الله بن الزبير بسب إنكاره ذلك )(1/69)
ونعود إلى الكلام السابق فنقول : أما الحفيد سليمان فلم يذكر هذه المرتبة، والأقرب اختيار صاحب الفتح أنها مرتبة من جاء بها حقق توحيده لكن الحفيد عبدالرحمن في الفتح قال في هذه المرتبة (تصفيته وتخليصه من شوائب الشرك والبدع والمعاصي )وفي قرة العيون قال (الإصرار على المعاصي).فكيف نوجه هذا الكلام ؟ أما قوله شوائب الشرك فهذا يُقصد به الشرك الأصغر لكلامه الآخر في الفتح والقرة كما سبق لكن هل يقال للشرك الأصغر (شوائب الشرك) أو هو شرك ؟ أما باعتبار الأكبر فيسمى شوائب شرك يعني أنه شوائب الشرك الأكبر كما أن شوائب الكبائر هي الصغائر0 والشرك الأصغر بريد ووسيلة للوصول إلى الأكبر، هذا إن فسرنا كلام الحفيد عبد الرحمن بعضة ببعض كما قلنا هنا ، وهناك احتمال أقوى وأقرب أشرنا إليه قبل أسطر وهو أن شوائب الشرك هي وسائل الشرك الأصغر أو ما قد يؤدي إلى الشرك الأصغر وهذا أحسن وأقرب للآية في وصف السابقين والله أعلم .
لكن يبقى الأشكال في كلمة البدع ؟هل الألف واللام للعموم أو للخصوص؟ لم نطلع على تفسير لمقصد الحفيد عبدالرحمن لكن يمكن الاجتهاد لفهم ماذا يريد ،
فالذي يظهر والله أعلم أن الألف واللام في البدع للخصوص هذا الظاهر والله أعلم، ويقصد به البدع المتعلقة بالشرك الأصغر أي البدع التي تسمى شركا أصغر مثل دعاء الله عند القبور فدعاء الله عند القبور جمهور أهل العلم يسميها بدعة من شوائب الشرك تؤدي إلى الشرك أي تؤدي أن يدعوهم من دون الله ،وبعض أهل العلم يسميه شركا أصغر وليست بالمعنى الاصطلاحي فقط بل هي بدعة وشرك أصغر وهذا عندي أقرب ويأتي بحث هذه المسألة في أبواب قريبة أن شاء الله تعالى .(1/70)
بقي كلمة المعاصي:في الفتح (ص57) قال المعاصي وفي قرة العيون قال الإصرار على المعاصي أما إذا أخذنا ما في القرة (ص25) الإصرار على المعاصي فلاإشكال لأن الإصرار على المعاصي يقدح في تحقيق التوحيد ولذا تعبيره في كتاب القرة أحسن لأن الذي يقدح في التوحيد ليس وقوع المعصية بل الإصرار عليها لأن الإصرار عليها يدل على محبته لها وتعلقه بها وهذا يزاحم محبته لله وتعلقه بالله فيكون النقص من هذا الوجه . أما كلمة المعاصي التي ذكرها في الفتح ففيها إشكال ولذا الأحسن أن نفسر ما أطلقه في كتابه الفتح بما قيده في كتابه قرة العيون 0
وهل نقول بالنسبة للمعاصي أن الألف واللام للخصوص كما قلنا في البدع أومن شوائب الشرك أو يقال أنها عامة في جميع المعاصي ؟ ليس عندي راجح في المسألة لكن الاحتمال الأقوى أنها للعموم ولا أذكر أن هناك معصية تسمى شركا أصغر بالمعنى الخاص لكن بعض السلف قد يطلق على بعض المعاصي اسم الشرك الأصغر مثل ما قال ابن تيميه (فيقال ظلم العبد نفسه كبخله لحب المال ببعض الواجب هو شرك أصغر وحبه ما يبغض الله حتى يقدم هواه على محبة الله شرك أصغر ونحو ذلك ولهذا كان السلف يدخلون الذنوب في هذا الظلم بهذا الاعتبار)، قاله في كتاب الإيمان لما فسر قوله تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) وهي مذكورة في كتاب التيسير صـ52 وظاهر كلام ابن تيميه أنها تسمى شركاً أصغر ويقصد بها المعاصي التي يفعلها من باب المحبة لها وتقديمها على محبة الله.
ومثال ذلك :إنسان سرق مالاً من رجل من باب العداوة لهذا الرجل ومن باب البغض له فهذه معصية محضة ليس فيها شرك ، وشخص سرق من آخر بناء على طلب من زوجته أو طلب من صديقه فدفعه محبته لها أوله إلى السرقة فهذه ليست معصية محضة فقط بل معصية فيها شرك.(1/71)
مثال آخر: إنسان يبخل بما يجب عليه فلم ينفق على زوجته لأنه يبغضها فهذه معصية محضة وإنسان يبخل بما يجب عليه لأنه يحب المال فهذه معصية فيها شوائب شرك وهذا نفس المثال الذي ذكره ابن تيميه 0 فإذا كان هذا المقصود فيقال الألف واللام في المعاصي للخصوص فيقصد بها المعاصي التي فيها شرك كما مثّلنا.
مسألة :هناك فرق بين البدع التي هي من الشرك الأصغر وبين المعصية التي يطلق عليها شرك أصغر ، فما تُعبّد لله به وهو من قسم الشرك الأصغر ومن شوائبه مثل دعاء الله عند القبور فهذا بدعة وأما المعصية فلا يكون فيها تعبد لله إنما ارتكاب المنهي عنه الصريح الذي ورد في النصوص تسميته شرك أصغر أو في معنى المنصوص كما مثلنا سابقا .
والخلاصة عندي في هذه المرتبة أن تحقيق التوحيد هو ترك شوائب الشرك وشعبه التي هي وسائل إلى الشرك الأصغر على الشرح السابق 0
ننتقل الآن إلى الحديث الوحيد في الباب ،
وهو حديث طويل :(1/72)
عن حصين بن عبد الرحمن رحمه الله قال : كنت عند سعيد بن جبير رحمه الله فقال : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة فقلت أنا ثم قلت أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت قال :فما صنعت قلت ارتقيت قال : فما حملك على ذلك قلت حديث حدّثناه الشعبي قال : وما حدّثكم الشعبي قلت حدّثنا عن بريدة بن الحصيب رضى الله عنه أنه قال : (لارقية إلا من عين أو حمة ).فقال :قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدّثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاُ يدخلون الجنّة بغير حساب ولاعذاب . ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكّاشة بن محصن فقال يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني منهم فقال أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال ادعُ الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكّاشة).
لكن الشاهد منه في آخره قوله صلى الله عليه وسلم لمّا ذكر السبعين ألف الذين يدخلون الجنّة بغير حساب قال هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، وهذا الحديث استخرج عليه المصنف معظم المسائل ما يقارب من 80% من المسائل على هذا الحديث فقد استخرج ثمانية عشرة مسألة على هذا الحديث ابتداء من المسألة الخامسة إلى الثانية والعشرين وهي آخر المسائل . والذي يهمنا من هذه المسائل والتي تتعلق بهذا الباب التالي وهي:
المسألة الخامسة : كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد .(1/73)
والسادسة: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل .
والسادسة عشرة: الرخصة في الرقية من العين والحُمة .
والتاسعة:فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية .هذه أربع أما بقية المسائل فهي عادية بالنسبة للباب وإنما هي من باب الطهور ماؤه الحل ميتته .
فنرجع الآن ونقول : ماذا يقصد المصنف من هذا الحديث وماذا يمكن أن نفهم من مقاصده في المسائل ؟ لاشك أن هذا الحديث يمثل مرتبة من مراتب تحقيق التوحيد .بل يمكن أن يقال أن المصنف أهتم به كثيرا بتكثير مسائلة بل جعل جزء من عنوان الباب من هذا الحديث من قوله بغير حساب وهذه وردت في الحديث 0
والمصنف يعتبر هذا الحديث يمثل مرتبة ومثله صاحب التيسير جعله يمثل مرتبة وكذا صاحب إبطال التنديد أما الحفيد عبد الرحمن فلم يجعله مرتبة وما أدري لماذا لم يعتبره الشيخ عبد الرحمن صراحة أنها مرتبة؟ وعلى ذلك فالجمهور من الشراح جعلوها مرتبة ، وحتى الشيخ عبد الرحمن عند شرح الحديث تُحس أنه يعتبرها مرتبة لكن لم يصرح بذلك بوضوح لا في المقدمة ولا غيرها .
قول المصنف كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد قبل أن نحدد ما هي طبيعة هذه المرتبة عند المصنف وعند غيره، لابد أن نشرح المسائل ومنها يتضح مراد المصنف ومراد غيره.
قال المصنف المسألة الخامسة:كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد.وانتبه في هذه المسألة إلى العطف بحرف (الواو) العاطفة فإنه قال الرقية والكي والأصل أن العطف يقتضي المغايرة فالرقية غير الكي وتركهما من تحقيق التوحيد هذا الأمر الذي ينتبه له أولاً.(1/74)
ثانياً:المصنف قال ترك الرقية وهذا فيه إشكال لأن لفظ الحديث ليس فيه ترك الرقية وإنما فيه الإسترقاء وترك الرقية غير الإسترقاء ، وترك الرقية أن لا يستعملها مطلقاً والإسترقاء أن يستعملها لكن لا يطلب من يرقيه ، وأيهما أقرب من الحديث؟ الثاني فالحديث نفى الإسترقاء ومن هنا يتضح الاختلاف في تحديد طبيعة هذه المرتبة، فعلى اختيار المصنف ترك الرقية أصلا ، بمعنى أن التداوي بالرقية جائز ومرخص فيه لكن التحقيق ترك الرقية أصلاً ولذا قال في المسألة السادسة عشرة الرخصة في الرقية من العين والحمة أهـ ،
لكن تركها أفضل وأكمل في تحقيق التوحيد وقول المصنف هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله في التداوي فإن المشهور عند الإمام أحمد أن التداوي مباح وتركه أفضل وأما مذهب الجمهور فإن التداوي مستحب( راجع التيسير ص87 والفتح ص69).
وقوله والكي: على اختيار المصنف أن الكي مكروه وتركه من تحقيق التوحيد فلذلك لم يذكر الرخصة فيه لما ذكر المسألة السادسة عشرة.
وقول المصنف ( والجامع لتلك الخصال هو التوكل) هذه المسألة هي حجر زاوية اختيار المصنف وتصويره لهذه المرتبة والخلاصة أن المصنف يرى أن هذه المرتبة هي أن ترك التداوي أفضل إن كان توكلاً على الله واستسلاما للقضاء والقدر وتلذذاً بذلك فإن من تركه فقد حقق التوحيد، وبعبارة أُخرى إنه تحقيق التوكل على الله 0إلّا أن بعض التداوي بعضه مرخص فيه كالرقية وبعضه مكروه كالكي أما الشرّاح الثلاثة فمن الغريب انهم لم يوافقوا المصنف على ذلك اللهم إلا الحفيد عبد الرحمن في مسالة الكي في كتاب الفتح(ص67) على ماسوف نذكر إن شاء الله .(1/75)
لكن ماذا اختار الشرّاح؟ الشرّاح الثلاثة يرون أن هذه المرتبة هي ترك طلب التداوي فلا يسترقون أي يطلبون من أحد أن يرقيهم ولايكتون أي يطلبون من يكويهم توكلا على الله وعزة نفس حتى لا تتعلق قلوبهم بغير الله وحتى لا يستعطفون ويستذلون لغير الله لكن لا يطلبون ذلك وإنما يتداوون بأنفسهم أي يرقي نفسه ويكوي نفسه أو يرقيه غيره أو يكويه غيره بدون طلب منه(التيسير ص84 وما بعدها وفي الفتح ص67 وفي الأبطال ص20 ) هذا تصويرهم لهذه المسألة وذكروا أنه اختيار ابن تيميه وابن القيّم رحمهما الله .
والأقرب في المسألة هو التفصيل كما اختار الحفيد عبدالرحمن في الفتح وهو التفريق بين الرقية والكي ،والرقية الأفضل ترك طلبها وهذا هو نص الحديث (لا يسترقون )والسين تدل على الطلب وأما الكي فتحقيق التوحيد هو ترك الكي كله لأن الحديث قال (ولا يكتوون) وليس فيه السين التي تدل على الطلب أو سوف التي تدل على الطلب فليس فيه أداة من أدوات الطلب ولذا فالكي في نفسه مكروه سواء عن طلب أو عن غيره والطلب في الكي يزيده كراهية بخلاف الإسترقاء فالمكروه فيه الطلب. ومن الأدلة التي تدل على أن الكي في نفسه مكروة: حديث ابن عباس عند البخاري (الشفاء في ثلاث شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنا أنهى عن الكي )وفي لفظ(وما أحب أن أكتوي).
قال ابن القيم (لقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع :
أحدها:فعله .
والثاني:عدم محبته له.
والثالث:الثناء على من تركه .
والرابع: النهي عنه .
ولاتعارض بينهما بحمد الله فإن فعله له عليه السلام يدل على جوازه وعدم محبته له لايدل على المنع منه،وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل وأما النهي عنه على سبيل الاختيار والكراهية )أ.هـ وكلام ابن القيم نقله الحفيدان في نفس الباب. وتكون القاعدة عندي في ذلك أن تحقيق التوحيد في هذه المسألة هي ترك الأمور المكروهة مع الحاجة إليها
والأمور المكروهة على أقسام:(1/76)
1-ليست مكروهة بذاتها ولكن المكروه فيها شيء معين كالرقية فليست مكروهة في ذاتها لكن المكروهُ فيها الطلب ، ويقاس عليه كل طلب وسؤال تذلل وحاجة ولذا بايع الرسول صلى الله عليه وسلم نفرا من أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئا منهم أبا بكر الصديق رضى الله عنه .
2-مكروهة في ذاتها والطلب فيها يزيدها كراهية وهذا مثل الكي ، ومثله المعالجة في الوقت الحاضر بالكهرباء لأنها نوع من الكي ، والله أعلم ،
ويمكن جعل تقسيم آخر للمكروهات في تعاطي الدواء أو في الحاجات:
1-تداوي مكروة لأن فيه استعطاف وطلب وهذا مثل الإسترقاء .
2-تداوي مكروة لأنه ورد النهي فيه بذاته كالكي .
3-مكروة التداوي فيه لأن فيه شبهه وهذه الكراهية فيه لأمر خارج.
4-مكروة لأنه ذريعة لما هو أشد منه.
5-يكره التداوي به لأنه توسع.
فهذه الخمسة كلها مكروهات في التداوي وفي الحاجة ، والذي يتعلق في الباب الأول والثاني هذا الذي هو له تعلق بالتوحيد. والثالث وما بعده له تعلق بالزهد والاحتياط ،أما التداوي بالمحرمات فهذا باب آخر ينقص التوحيد ولم يقصده المصنف كالتداوي بالخمر أو التداوي بالموسيقى .
مسألة: على باب من حقق التوحيد وهي أنا عرفنا أن الطلب من المخلوقين على وجه الاستعطاف هذا ينقص تحقيق التوحيد لكن ينبغي أن يعرف أن الطلب من الأشخاص أقسام :
1-الطلب من الوالد والابن ومن الزوج والزوجة والخادم والصديق هذا في الغالب ليس فيه استعطاف ولاتذلل ولا تحس بقلبك أنه أرفع منك ولذا طلب الرقية أو الحاجة منهم لايدخل في هذا الباب:وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من زوجاته وخادمه ما يحتاج إليه وهذا متواتر عنه صلى الله عليه وسلم .
2-الطلب من الأجنبي عنك فهذا فيه استعطاف واستذلال وتحتاج إذا طلبت منه أن تنمق العبارات وتأتي بعبارات فيها مجاملة واستعطاف وهذا هو الذي ينقص تحقيق التوحيد لأن الحكم يدور مع علته وهي الطلب المصاحب للاستعطاف.
قضايا معاصرة :(1/77)
1-طلب القرض من الأجنبي هل هو من هذا الباب ؟لا ،لا يدخل من هذا الباب لأنك ترد بدله ،ولذا قد اقترض النبي صلى الله عليه وسلم ورد رباعيا خياراً،ومن هذا الباب البيع والشراء إذا طلبت من يبيعك فلا يعتبر من هذا الباب ولا يعتبر هذا طلب فيه استعطاف .
2ـ طلب الحقوق والديون لا يعتبر من هذا الباب لأن هذا حق ودين لك فلك طلبه ولا يعتبر من الطلب المذموم ،ومثله طلب الفرد من الرعية حقه من الحاكم أو من بيت المال ،وكذا طلب المؤجر حقه من المستأجر ليس من هذا الباب ، وكذا طلب حقه من الوقف والميراث و الوصية لأنه حق له ، وكذا سؤال المسافر الضيافة لمن تجب عليه كما استطعم موسى عليه الصلاة والسلام والخضر أهل القرية ،وهذه استخرج المصنف عليها مسألة في تفسير سورة الكهف على قوله (استطعما أهلها )قال :أنه لابأس بالسؤال في بعض الأحوال لقوله ( استطعما أهلها )،اهـ تاريخ نجد ص 558 ،
وكذا سؤال الغريم فله أن يطلب دينه ممن هو عليه 0
وكذا سؤال العلم لايدخل من هذا الباب قال تعالى( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون). (راجع لمزيد الفائدة كتاب التوسل والوسيلة لابن تيميه ص 42،43 تحقيق الأرنؤؤط )
فأصبح الطلب باعتبار موضوعه ومادته أقسام –( والذي ذكرنا أولا ًباعتبار الأشخاص) – وهذا باعتبار الموضوع :
1-طلب الحقوق والديون لا تنقص تحقيق التوحيد .
2-سؤال العلم لا ينقص تحقيق التوحيد .
3-…سؤال القرض وما كان له بدل يُذهب منّته كالقرض وأشباه ذلك لاينقص تحقيق التوحيد.
4-الطلب الذي فيه تبرع وليس من الأمور السابقة فهذا هو الذي طلبه ينقص تحقيق التوحيد كطلب الهبة وطلب الرقية المجانية ،وطلب الحاجات على التفصيل السابق ..(1/78)
ومن القضايا المعاصرة من المذكرة ص31 مسألة طلب العلاج ،فهل منه الذهاب إلى الطبيب للعلاج ؟ إن كان الطبيب يعالج بالأُجرة وأنت دفعت له أُجرة من أجل علاجه لك ،أو كان هذا الطبيب قد وضعه الوالى فليس هذا من هذا الباب العدم وجود العلة وهى التعلق به أو الإستذلال والاستعطاف ،واما إن كان يُعالجك مجانا فهو من هذا الباب لأنه يصاحبه عادة استعطاف وتذلل0
مسألة :احرص على أن من عمل لك عملا أن تُكافأه حتى لايكن في قلبك ذلٌ لأحد 0
مسألة :هل طلب الدعاء من الناس من هذا الباب يدخل في مسألة لا يسترقون فالأولى تركه (بمعنى أن تقول لشخص أمامك حي قادر أُدعو الله لي ) هذه المسألة فيه خلاف بين المتأخرين على قولين :الأول وهو اختيار ابن تيمية أن فيه تفصيل على حالين :
أن يكون قصدك بطلب الدعاء أن ينتفع مَنْ طلبت منه الدعاء فيدعو لنفسه وتنتفع أيضا أنت فيدعو لك فهذا مستحب وفاعله مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم 0
أن يكون قصدك بطلب الدعاء أن تنتفع أنت وحدك دون النظر في مصلحة من طلبت الدعاء منه فهذا الطلب غير مستحب ومن السؤال المرجوح كما قال ابن تيمية 0(كتاب التوسل والوسيلة ص 49 تحقيق الأرنؤؤط ) 0
القول الثاني :أنه ليس من السؤال المرجوح ولا ينافي قوله لا يسترقون ويدل عليه أدلة منها :حديث الباب فقد طلب عكاشة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ولو كان ينقص تحقيق التوحيد لأنقص تحقيق توحيد عكاشة مع أن عكاشة ممن ثبت أنه من أهل السبعين ألف
ومنها أم سُليم طلبت من الرسول أن يدعو الله لابنها أنس رواه البخاري
ومنها طلب أبو هريرة من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحببه وأمه إلى عباده المؤمنين رواه أحمد في المسند 1/320(1/79)
ومنها سؤال الأعمى من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له ليرد عليه بصره ومنها مافي الصحيح مرفوعا ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا وكل الله به ملكا ولك بمثل ) أما الرد على أدلة المخالفين فيقال أن قوله لا يسترقون هذا في الطلب في أمور الدنيا أما أُمور الآخرة ومنها الدعاء فهو حسن ومرغب في السعي في أُمور الآخرة 0وهذا القول الأخير هو الأقرب ،
مسألة: والطلب نوعان :
1-…طلب بلسان المقال وهو أن تطلب بلسانك صراحة .
2-طلب بلسان الحال وهو أن لا تطلب بلسانك ولكن حالك ومجيئك وجلوسك طلب
وكلا النوعين واحد في هذا الباب .
مسالة : أصحاب هذه المرتبة وهم من ترك التعلق بغير الله وترك المكروهات في باب التوحيد مع حاجتهم إليها توكلاً على الله واعتزازاً به،
وهؤلاء ماهي أقسامهم باعتبار الحد والعد ؟
على ثلاثة أقسام :
1-السبعون ألف الذين جاء ذكرهم في هذا الحديث .
2-أهل الزيادة والتفضل من الله وهم مع كل ألف سبعين ألف وهذه هي الزيادة التي سألها الرسول ربه فأجابه لذلك كما يأتي في الحديث.
3-أهل الحثيّات هؤلاء ليس لهم عد إنما هم كما شاء الله حيث يحثو ثلاث حثيّات تفضلاً منهم
أما أدلة ذلك فقد ذكر صاحب التيسير ص 83 قال: روى أحمد والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا قال :فاستزدت ربي فزادني مع كل ألف سبعين ألفاً .قال الحافظ وسنده جيد وذكر أنه جاء من طرق يقوي بعضها بعضا.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي أمامة رفعه :وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً مع كل ألف سبعين كذا ألفا لاحساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيّات من حثيّات ربي .
والخلاصة من كلام المصنف أن المسلم عليه لكي يحقق توحيده :(1/80)
أن يقاطع المشركين ويبتعد عنهم ويهجرهم ولا يكثر سوادهم ،وهذا ما يُسمى بتحقيق البراءة من المشركين ،وهذه جعل المصنف عليها مسألة في باب الدعاء إلى التوحيد وهى المسألة السادسة ،قال :وهى من أهمها إبعاد المسلم عن المشركين لا يصير منهم ولو لم يشرك ، وقال المصنف أيضا في تفسير سورة الأنعام عند قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام (وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ) إلى قوله (وما أنا من المشركين )قال المصنف فيه تصريحه بالبراءة من المشركين بقوله وما أنا من المشركين اهـ تاريخ نجد ص 517 0
2ـ أن يبتعد عن شوائب الشرك وما يقربه إلى الشرك الأصغر ،
3ـ عدم الافتقار أو تعلق قلبه بالمخلوقين عند الحاجة أو أن تفعل المنهيات من أجل ذلك ،فإن فيه نوع شرك كما قال ابن تيميه ( فإن سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد :مفسدة الافتقار إلى غير الله وهى من نوع الشرك اهـ
التوسل والو سيله ص ، 47 والمقصود أن لا يطلب وإن احتاج إلى الطلب فلا يتذلل للمخلوق ولا يتعلق قلبه به وهذا كله من باب تحقيق التوكل على الله . هذا خلاصة كلام المصنف .
وقد استخرجت قاعدة في هذا الباب أعم من كلام المصنف وهى :
أن تحقيق التوحيد هو الاعتناء بفعل المستحبات المتعلقة بالتوحيد، وترك المنهيات المتعلقة بالتوحيد، كما أن تحقيق الإيمان هو فعل المستحبات المتعلقة بالإيمان وترك المنهيات المتعلقة بالإيمان ومثل تحقيق الصلاة وهو فعل المستحبات المتعلقة بالصلاة وترك المنهيات المتعلقة بالصلاة وهكذا تحقيق الصيام والزكاة وبقية الأركان وشعب الإيمان ، وأما معنى ترك المنهيات في التوحيد أي ترك شوائب الشرك وشعبه ، وأما معنى تحقيق المستحبات في باب التوحيد فإن كل نوع من أنواع التوحيد له أصل لابد منه وله واجب يتم به كماله الواجب وله مستحب يتم به كماله المستحب ، وهذا الأخير هو الذي نسميه هنا تحقيق التوحيد فمثلا :(1/81)
1ـ التوكل نوع من أنواع التوحيد له أصل وهو الاعتماد على الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ،وله واجب وهو عدم الاعتماد على الأسباب كما سوف يأتى إن شاء الله توضيحه في بابه ،وله تحقيق وهو عدم التعلق بغير الله وعدم الافتقار إلى غير الله أو التذلل إلى أحد من خلق الله ،وهذا الأخير هو المقصود بهذا الباب وهذا فيه نوع شرك كما قال ابن تيمية
2 ـ مثله نوع الخوف له أصل وواجب وتحقيق كمال مستحب ،فالأصل أن لا تخاف من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ،والواجب أن لا يترك واجبا أو يفعل محرما خوفا من الناس ،وله تحقيق في ترك منهيات هذا النوع وهو تعلق قلبه بغير الله خوفا فتترك من أجله المستحب أو تفعل المنهي ونحو ذلك والأخير هو تحقيق التوحيد في باب الخوف ،وهكذا في باب المحبة وفي باب الطاعة والرجاء وفي كل نوع من أنواع التوحيد ،ومثله في الألفاظ فيُحقق التوحيد في ألفاظه وعباراته ،ومثله باب العبادات العملية مثل الذبح لله ونحوه فالتحقيق فيه أن تبلغ الغاية في الإخلاص ، وفي الطاعات لا ترجو جزاء ولا شكورا ولا أي حظ من حظوظ النفس أو الدنيا ،هذا التحقيق في هذا المجال 0هذا بالنسبة للتوحيد باعتبار أفراد أنواع التوحيد كالتوكل والمحبة والخوف 0000الخ ،
أما التحقيق باعتبار لوازم التوحيد وتوابعه فمثلا ما يتعلق بالموحدين وما يتعلق بضدهم وهم المشركون ،فالتحقيق في الموحدين فعل ما أُمر به من نصرتهم وموالاتهم وإعانتهم وهكذا ،وهذا له أصل وواجب وتحقيق ،
ومثله بالنسبة للمشركين والبراء منهم له أصل وواجب وتحقيق ،فالأصل بغضهم ومعاداتهم والبراء منهم وتكفيرهم وهذا من أصول التوحيد ،وله واجب مثل التصريح بكفرهم مع القدرة ،وله تحقيق هو الذي ذكره المصنف هنا مثل الابتعاد عنهم وهَجرهم وعدم تكثير سوادهم وهكذا
وهكذا بالنسبة للطاغوت نفس الخطوات السابقة(1/82)
ومثله مسألة الشرك فله أصل وهو ترك الشرك الأكبر لا يصح التوحيد إلا بذلك ،وله واجب وهو ترك الشرك الأصغر ،وله تحقيق وهو ترك شوائب الشرك كما قال الحفيد عبد الرحمن على التفصيل السابق ،وكما نقلنا من كلام ابن تيميه 0ومنها البدع والمعاصي المتعلقة بالشرك لها أصل وواجب وتحقيق كما سبق
0ومن ثَم فمن حقق ذلك بوجه عام كما ذكرنا فحُق له أن يكون من السبعين ألف الذين منّ الله عليهم بذلك ،أو يكون ممن هو دونهم من أهل الاقتصاد وأهل اليمين ، ومن يهدي الله فهو المهتدي ، وذلك فضل الله يُؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 0
مسألة :هناك تحقيق يتعلق بأنواع التوحيد ،فإذا قلنا أنواع التوحيد ثلاثة
فالتحقيق بهذا الاعتبار ثلاثة :
1ـ تحقيق توحيد الأسماء والصفات
2ـ تحقيق توحيد الربوبية
3ـ تحقيق توحيد الألوهية وهو هذا الباب الذي معنا 0
الباب الرابع
المتن
باب الخوف من الشرك
وقول الله: ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )
وقال الخليل عليه السلام: ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام )
وفي الحديث: ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) ، فسئل عنه فقال: ( الرياء ) وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار ) رواه البخاري.
ولمسلم عن جابر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار ).
فيه مسائل:
الأولى : الخوف من الشرك.
الثانية : أن الرياء من الشرك.
الثالثة : أنه من الشرك الأصغر.
الرابعة : أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين.
الخامسة : قرب الجنة والنار.
السادسة : الجمع بين قربهما في حديث واحد.
السابعة: أنه من لقيه لا يشرك به شيئاً دخل الجنة. ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار ولو كان من أعبد الناس.(1/83)
الثامنة : المسألة العظيمة: سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام.
التاسعة : اعتباره بحال الأكثر، لقوله: (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس)
العاشرة : فيه تفسير (لا إله إلا الله) كما ذكره البخاري.
الحادية عشرة : فضيلة من سلم من الشرك.
الباب الرابع
باب الخوف من الشرك
الشرح
المسألة الأولى : ما يتعلق بالعنوان وفيه مسائل:
المسألة الأولى : قول المصنف باب الخوف ،لماذا عبر المصنف بالخوف وهو عمل الأصل فيه أنه في القلب ولم يعبر بالترك ،فقال باب ترك الشرك ؟ الجواب: يقال التعبير بالخوف أبلغ وأنفع وهو يُثمر ما بعده، من الترك وغيره ،
المسألة الثانية:قوله الشرك: هل الألف واللام للعموم أو للخصوص ؟ لمعرفة ذلك لابد من الإطلاع على مسائل المصنف وماذا قال الشراح الثلاثة ؟ والذي يظهر أن فيه نوع اختلاف بين المصنف والشراح في المقصود بكلمة الشرك هل هي للعموم أو للخصوص ؟ أما المصنف فالذي يظهر مما أورد من آيات وأحاديث أنه يقصد العموم لذا أتى بآيات وأحاديث على الشرك الأكبر وبحديث على الأصغر وهذا يدل أنه يقصد العموم .
الدليل الثاني :أن المصنف في المسائل ذكر مسائل عن الشرك الأكبر وهي المسألة الثامنة والسابعة والعاشرة وأتى بمسائل عن الشرك الأصغر وهي المسألة الثانية والثالثة والرابعة فدل على أنه يريد في كلمة الشرك العموم .(1/84)
الدليل الثالث: أن المصنف أتى بهذا الباب في مقابله البابين الذين قبله وهو باب فضل التوحيد وباب تحقيق التوحيد وهذان البابان فيمن أتى بأصل التوحيد وكمال التوحيد الواجب فأتى بهذا الباب لبيان ضده وضد أصل التوحيد الشرك الأكبر وضد كمال التوحيد الواجب الشرك الأصغر أو شوائبه على التفصيل السابق فجمع ضديهما بباب واحد. واختيار المصنف هذا تابعه الحفيد عبد الرحمن في الفتح خصوصاً لما شرح حديث الرياء فقال في ص76 (فإذا كان الشرك الأصغر مخوفا على أصحاب رسول الله فكيف لا يخافه وما فوقه). الشاهد:قوله فكيف لا يخافه أي الأصغر فجعل الأصغر مخوفا وما فوقه أي أراد الأكبر،وأما الحفيد سليمان وابن عتيق فقد اختار أن الألف واللام للخصوص ويقصد به الشرك الأكبر مع أنهما لم يجزما بذلك. ولذا قال الحفيد سليمان ص94 لماّ ذكر حديث الرياء قال( فدل على أنه ينبغي للإنسان أن يخاف على نفسه الشرك الأكبر إذا كان الأصغر مخوفا على الصالحين من الصحابة مع كمال إيمانهم فينبغي للإنسان أن يخاف الأكبر لنقصان إيمانه ومعرفته بالله فهذا وجه إيراد المصنف له مع أن الترجمة (العنوان) تشمل النوعين) .أ.هـ
الشاهد:قوله تشمل النوعين فإذا كان الحفيد سليمان جعل الحديث المروي في الرياء أتى به المصنف للتحذير من الأكبر فلم يبق شيء في الأحاديث والآيات يدل على الأصغر فيكون كلامه أن الترجمة تشمل النوعين احتمالاً أي أن الألف واللام في الشرك للعموم هذا ظاهرها لكن المصنف أتى بحديث الرياء وهو من الشرك الأصغر للتحذير من الأكبر وتابعه على ذلك ابن عتيق .
والخلاصة: أن الأقرب كلام المصنف وفهم الحفيد عبد الرحمن ومن أقوى الأدلة في ذلك أن المصنف أتى بحديث في الشرك الأصغر لكي يبين أن الشرك الأصغر يخاف منه وإلا لوكان يريد الشرك الأكبر ما أتى بهذا الحديث أما الحفيد سليمان فإنه جعل المصنف أتى بهذا الحديث من باب أولى ولم يأتِ به مقصودا لذاته وإنما مقصودا لغيره.(1/85)
والمسائل المستخرجة هي : المسألة الأولى: الخوف من الشرك .وهذا هو نص العنوان باب الخوف من الشرك .وقال المصنف في تاريخ نجد ص 545 ( بيان عظمة الشرك ولو قصد صاحبه التقرب إلى الله وذلك ما فعل الله بأهل الأرض لما عبدوا ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا ) اهـ أي أن الله أهلك الأرض كلها بمشركيها لما أشركوا ونجا نوحا عليه السلام والموحدين معه ،
و ما هو تعريف الشرك؟ الشرك لغة: مأخوذ من المشاركة وهو ماكان اثنين فصاعداً ،ومنه الشريك .
شرعاً:فهو أن تجعل لله نداً.وهذا تعريف نبوي للشرك وفي الحديث (أكبر الكبائر أن تجعل لله نداً وهو خلقك) وقال تعالى(فلا تجعلوا لله أندادا) وقال صلى الله عليه وسلم لمن قال ما شاء الله وشئت (قال أجعلتني لله ندا).
ويأتي إن شاء الله نقل الإجماع في تعريفه ،
وروى أبو يعلى( وفيه ضعف) عن حذيفة بن اليمان عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(الشرك أخفى من دبيب النملة قال أبو بكر يا رسول الله وهل الشرك إلا ما عبد من دون الله أو ما دعي مع الله…)الحديث. وتفسير أبي بكر هنا للشرك الأكبر أقره عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والخلاصة أن تعريف الشرك عموماً: أن تجعل لله نداً.
أما تعريفه على التفصيل:فهو يختلف باختلاف أنواعه على النحو التالي :
1-الشرك الأكبر: وهو عبادة غير الله أو ما دعي مع الله وهذا تعريف أبي بكر السابق الذي أقره الرسول عليه الصلاة والسلام ،وبعبارة أخرى صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله .وهذا التعريف مجمع عليه عند أهل السنة . قال الشيخ محمد في تاريخ نجد ص 223 قال إن الشرك عبادة غير الله والذبح والنذر له ودعاؤه قال ولا أعلم أحدا من أهل العلم يختلف في ذلك (بتصرف)
2-الشرك الأصغر:وهو أن تجعل نصيبا لغير الله مالم يبلغ شرك العبادة.(1/86)
وعرف الشرك الأصغر الحفيد سليمان وقال في ص29 من التيسير (الثاني الشرك الأصغر كيسير الرياء والتصنع للمخلوق وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة ولطلب المنزلة والجاه عند الخلق تارة فلله من عمله نصيباً ولغيره نصيب) أ.هـ والشاهد آخره فإنه عرف الشرك الأصغر بالمثال والحد فالمثال قوله كيسير الرياء وما عطف عليه أما تعريفه بالحد والحقيقة فقوله فلله من عمله نصيب أي أن يجعل لغير الله نصيبا مالم يبلغ شرك العبادة ولابد من هذا القيد لأنه إذا بلغ شرك العبادة انقلب إلى أكبر ،
مثاله: رجل صلى فريضة الظهر لغير الله ورجل صلى سنة الظهر لكن حسنها لكي يمدحه الناس فالأول يسمى شرك عبادة وهذا أكبر لأن العبادة كلها صرفها لغير الله وهي صلاة الظهر، والثاني شرك في العبادة ولننتبه لحرف (في)الدال على الظرفية فالثاني العبادة لله لكن جعل فيها شركا أصغر مثال آخر :رجل ذبح لغير الله ورجل ذبح لله لكن تحدث بذبيحته أو أراها الناس كي يمدحوه لأنها كبيرة وغالية. فالأول شرك أكبر لأنه بلغ حد العبادة فصرف نوعا من العبادة لغير الله،والثاني أشرك فيها وإلا فهي لله ولم يصرفها لغير الله بل صرفها لله لكن جعل فيها شركا وهو الرياء وهكذا .
وهناك فرق بين شرك العبادة بدون أن نضع فيها حرف في، وهناك فرق بين كلمة شرك في العبادة إذا وضعنا فيها حرف في. فالأول أكبر والثاني أصغر وهذا في الجملة لا بالجملة(1/87)
وتعريف الشرك الأصغر كما ذكرنا أجمع عليه أئمة الدعوة من لدن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى آخرهم ، وذهب بعض أهل العلم إلى أوسع من ذلك فجعلوا الشرك الأصغر : أن تجعل نصيباً لغير الله مالم يبلغ شرك العبادة وكل وسيلة من قول أو فعل تؤدي إلى الشرك الأصغر0 فجعل كل وسيلة تؤدي للأكبر هي أصغر وهذا هو اختيار الشيخ السعدي رحمه الله في كتابه القول السديد قال(وأما الشرك الأصغر فهو جميع الأقوال والأفعال التي يتوسل بها إلى الشرك كالغلو في المخلوق الذي لا يبلغ رتبة العبادة وكالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك ) .
والأقرب من التعاريف التعريف الأول لأنه هو الذي تدل عليه اللغة والنصوص . والله أعلم
ويظهر الخلاف بين التعريفين في المثال الآتي:
مثل الغلو في الصالحين كمدحهم مدحاً زائداً فيه غلو وهو الإطراء بألفاظ فيها غلو( وليس فيها ألفاظ شركية ) فعلى التعريف الأول هذا المثال من باب البدع وعلى التعريف الثاني من الشرك الأصغر .
مثال آخر : عبادة الله عند القبور كمن دعا الله عند قبر رجل صالح أو ذبح لله عند قبر رجل صالح فعلى التعريف الأول هو من البدع وهو الذي اختاره أئمة الدعوة وهو قول الجمهور وعلى التعريف الثاني هو من الشرك الأصغر . والمثال الأخير بالذات سوف نذكره إن شاء الله في باب لا يذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله ،وفي باب من تبرك بشجر أو حجر وسوف نذكر هناك ما هو الراجح في هذا المثال بالذات هل يسمى بدعة أو شركاً أصغر ؟ ،
لكن يظهر لي والله أعلم أن أئمة الدعوة عندهم ثلاثة أشياء : شرك أكبر ، شرك أصغر كما ذكرنا سابقا وعندهم شئ آخر يُسمونه شوائب الشرك أو شعب الشرك فربما الخلاف فيم يُسمى شوائب الشرك فهل هو قسيم للشرك الأصغر أو قسم منه ربما هذا هو سبب الخلاف بين القولين ، وقد ذكرنا في باب تحقيق التوحيد ما يتعلق بشوائب وشعب الشرك ،
الآية الأولى :(1/88)
قول الله:(إن الله لا يغفر إن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
المصنف رحمه الله لم يذكر مسألة صريحة على هذه الآية من المسائل لكن يمكن جعل المسألة الأولى تدخل في هذه الآية، والمسألة الأولى هي:الخوف من الشرك. وإن كانت هذه المسألة تصلح للجميع والمصنف أتى بهذه الآية لكي يبين أن الشرك لا يغفر و إذا كان لا يغفر فيجب أن يخاف منه ويهمنا من الآية كلمتين الكلمة الأولى:لا يغفر، والكلمة الثانية:أن يشرك به.
نبدأ بالثانية قبل الأولى لأن لها أثر على الكلمة الأولى في تفسير المغفرة فالذي يظهر من صنيع المصنف أنه أراد بكلمة أن يشرك به أي الشرك الأكبر وتابعه على ذلك الشراح الثلاثة بدون استثناء ،ولذا نقل الحفيدان ( في التيسير ص90، وفي الفتح ص72 )شرح ابن كثير لهذه الآية على أنها في الشرك الأكبر .وكلامه صحيح ويدل على ذلك أدلة أنها في الأكبر :الدليل الأول: سياق الآية فإن هذه الآية ذُكرت مرتان في سورة النساء وسياقها وما بعدها يدل على أنها في الأكبر قال تعالى:(أن الله لا يغفر أن يشرك به… )وبعدها قال(ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيما)وفي الآية الثانية (فقد ضل ضلالاً بعيداً).
الدليل الثاني :فعل المصنف فإن المصنف بدأ بها والعادة أن البداية بالأهم والأعظم .
الدليل الثالث :إجماع الشراح على ذلك .
والذي يظهر لي أن ما ساقوه من أدلة صحيح لكن دلت السنة على أن هذه الآية يدخل فيها الشرك الأصغر أيضا ويدل عليه أدلة منها:
1-ما ذكره المصنف في نفس الباب من حديث محمود بن لبيد قال(أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر وسُئل عنه فقال الرياء يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم أذهبوا إلى الذين كنتم تراؤن في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)رواه أحمد والطبراني . قال الحفيد سليمان في التيسير(وقد رواه الطبراني بإسناد جيد ) .(1/89)
والشاهد من الحديث :أن الرياء لم يغفره الله بل يؤاخذ عليه ولذا قال للمرائي اذهب إلى الذي كنت ترائي في الدنيا .
الدليل الثاني :ما جاء في حديث أبي هريرة عند مسلم وفيه عن الثلاثة الذين وقعوا في الرياء وهم المقاتل والقارئ للقرآن والجواد كلهم يُقال لهم كذبت إنما ليقال كذا ثم يُلقى في النار …الحديث) والشاهد من الحديثين أن جنس الرياء يؤاخذ عليه يوم القيامة ويناقش عليه ولا يغفره الله .
الدليل الثالث :حديث عائشة عند أحمد والبيهقي في شعب الإيمان وصححه الحاكم وحديث أنس عند البزار وفيهما قال صلى الله عليه وسلم (الدواوين ثلاثة: فديوان لا يغفر الله منه شيئا وديوان لا يعبأ الله به شيئا ،وديوان لا يتركه الله منه شيئا ، فأما الذي لا يغفر الله منه شيئا فالإشراك قال تعالى(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) الحديث . الشاهد من الحديث آخره وهو ديوان لا يغفره الله المقصود به الشرك الأصغر ولماذا قلنا الأصغر لأن الحديث في المسلمين بدليل قوله ديوان لا يعبأ الله به أي قد يغفره وهذه ذنوب العصاة أما الكفار فلا يغفر الله ذنوبهم .
الدليل الرابع : حديث عباده في الصحيح في مبايعة الرسول للأنصار بيعة العقبة بايعهم بيعة النساء أن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يسرقوا إلى آخره. وفي آخره( ومن فعل من ذلك شيئاً فأقيم عليه الحد فهو كفارته ومن ستره الله فهو إلى الله أن شاء غفر له وأن شاء عذبه) . والشاهد من الحديث أنه سكت عن الشرك الأصغر لأن قوله فمن أقيم عليه الحد:هذا الشيء الذي له حدود كحد السرقة وحد الزنى، أما الشرك الأصغر فليس له حد فلا يدخل في هذه العبارة . ثم قال فمن ستره الله في الدنيا فهو إلى الله :أي في الشيء الذي له حدود فلما سكت عنه دل على أنه غير الحدود فسبيله ليس سبيل الحدود.(1/90)
قال ابن عبد البر في التمهيد جزء 23 ص298 في حديث ابن شهاب: ومن أصاب من ذلك شيئاً ـ أي الحديث الذي قبل قليل ـ يريد مما في الحدود عدا الشرك وقد بان ذلك في الحديث الذي قبل هذا وذلك مقيد بقول الله تعالى(إن الله لا يغفر أن يشرك به) ومقيد بالإجماع على أن من مات مشركا فليس في المشيئة ولكنهم في النار وعذاب الله.أ.هـ والذي يهم من كلام ابن عبد البر أوله قوله (يريد مما في الحدود عدا الشرك) أما آخر كلام ابن عبد البر بقوله (أن من مات مشركا فليس في المشيئة)وهنا يقصد الشرك الأكبر لأنه هو الذي يطلق عليه مات مشركا أما من كان فيه شرك أصغر فيقال مات وفيه شرك ولا يسمى مشركا وأيضا حديث عبادة في المسلمين فإنه بايعهم على أن لا يشركوا لأن أخوف ما يخاف على الصالحين الشرك الأصغر
الدليل الخامس :ما رواه ابن أبى عاصم في السنة ص384.457 وحسنه الألباني رحمه الله عن ابن عمر قال كنا نوجب لأهل الكبائر النار وفي رواية ما زلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى نزلت (إن الله لا يغفر أن يشرك به ) والشاهد أن قوله ويغفر مادون ذلك ،أن هذه في الكبائر أما ما قبلها ففيما فوق الكبائر وهو الأكبر والأصغر ، وهذا فهم الصحابة كما قال ابن عمر (كنا ) ،
الدليل السادس قول ابن مسعود رضي الله عنه (لأن أحلف بالله كاذبا أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقا). قال الحفيد سليمان في التيسير ص530: ذكره ابن جرير غير مسند في التفسير وقد جاء عن ابن عباس وابن عمر نحوه ورواه الطبراني بإسناد موقوف،قال المنذري ورواته رواة الصحيحين.(1/91)
والشاهد أنه جعل الحلف بغير الله وهو شرك أصغر أعظم من الكبائر وهذا بالإجماع ومعلوم أن مذهب أهل السنة والجماعة أن الكبائر تحت المشيئة والشرك الأصغر أعظم من الكبائر فكيف يعطى حكمها وهو أعظم منها كما أن الشرك الأكبر أعظم منه فلم يعطَ حكمه ولذا فالشرك الأصغر في منزلة بين المنزلتين وهو جنس مستقل بنفسه فليس هو مثل الأكبر فيعطى حكمه وكذلك ليس هو مثل الكبائر فيعطى حكمها فاستقل بحكم خاص وهو أن الله لا يغفره لكن لا يكفر فاعله ولا يخلد في النار .
وهناك تعليل :وهو (أن الشرك مسبة لله تعالى وتنقص وجعل ند لله ولو من وجه أصغر والكبائر المحضة نقص في النفس وضعف فكيف يُجعل ضعف النفس ونقصها مثل ما هو مسبة لله وتنقص ولو من وجة أصغر ، لا يستوون ،
ويمكن من هذا الاستدلال أن يقال أن الآية تشمل الشركين ويكون التقدير(أن الله لا يغفر شركا به) فيكون أن وما دخلت عليه من الفعل المضارع-أن يشرك- في تأويل مصدر-شركا أو الشرك-وشرك نكره في سياق النفي والنكرة في سياق النفي تعم ويمكن من النقاش السابق أن نستخرج الراجح في مسألة هل الشرك الأصغر تحت المشيئة أم لا وهل يغفره الله أم لا؟ على قولين:
القول الأول:وهو أن الشرك الأصغر تحت المشيئة أن شاء غفره وأن شاء عذبه.(1/92)
القول الثاني: أن الشرك الأصغر ليس تحت المشيئة بل حكم الله أنه لا يغفره وهذا هو الراجح وأدلته ما سبق مما ذكرنا واختاره الحفيد عبد الرحمن كما في قرة عيون الموحدين ص34 قال:أما الشرك الأكبر فلا عمل معه ويوجب الخلود في النار وأما الأصغر كيسير الرياء هذا لا يكفر إلا برجحان السيئات بالحسنات.أهـ واختاره أيضا ابابطين فإنه لما ذكر كلام ابن تيمية فيما نقل عنه تلميذه ابن مفلح في الفروع أن الشرك قد لا يغفر وإن كان أصغر فعقّب ابا بطين فقال وذلك والله أعلم لعموم قوله تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) مع أن الشيخ رحمه الله لم يجزم أنه يغفر لمن ذكرهم وإنما قال قد يغفر ) اهـ كلام ابا بطين في الدرر 10/388 واختاره أيضا عبد الرحمن بن قاسم كما في حاشيته على كتاب التوحيد ص 50قال (والشرك الأصغر حكمه أنه لا يغفر لصاحبه إلا بالتوبة لعموم (إن الله لا يغفر أن يشرك به ) ويدخل تحت الموازنة اهـ واختاره أيضا شيخنا الشيخ حمود حفظه الله ،
أما اختيار المصنف فقد قال في تاريخ نجد ص 439 ما يدل على أن المصنف يفرق بين الشرك الأصغر والكبائر فقال (وأما معنى كل ذنب عُصى الله به شرك أو كفر فالشرك والكفر نوع والكبائر نوع آخر والصغائر نوع آخر ، ومن أصرح ما فيه حديث أبي ذر فيمن لقي الله بالتوحيد قوله وإن زنى وإن سرق، مع أن الأدلة كثيرة وإذا قيل من فعل كذا فقد أشرك أو كفر فهو فوق الكبائر ، وما رأيت مني ما يخالف ما ذكرت لك فهو بمعنى الذي هو أخفى من دبيب النمل ) اهـ وهذا صريح أن المصنف يرى أن الشرك الأصغر فوق الكبائر ، وأن الكبائر نوع غير الأصغر،كما أنها نوع غير الصغائر، فكل نوع مستقل في الاسم والحكم ،
وابن تيميه له أقوال في ذلك ،
وينبني على هذا الحوار مسألة: وهي هل إذا قلنا أنه لا يغفر أن صاحبه كافر ومشرك؟ الجواب لا لأن الإجماع على أن الشرك الأصغر لا يخلد صاحبه في النار ولا يكفر به.(1/93)
مسألة:هل معنى ذلك أنه يدخل النار؟ الجواب لا يلزم ذلك وإنما نقول أن الله لا يغفره بمعنى أنه سوف يحاسب عليه في الآخرة وسوف يحبط شيء من الحسنات فيذهب بحسنات الشخص مقابل ما معه من شرك أصغر وهي ما تسمى بمسألة المقاصة والموازنة في أعمال العبد وهذا هو اختيار الحفيد عبد الرحمن في قرة عيون الموحدين ص34 قال:أما الشرك الأكبر فلا عمل معه ويوجب الخلود في النار وأما الأصغر كيسير الرياء هذا لا يكفر إلا برجحان السيئات بالحسنات.أهـ واختاره ابن قاسم كما ذكرنا سابقا ،
ويدل عليه الأحاديث التي سبقت في المرائي ، فإن المرائي لا يترك بل يحاسب ويعذب بالذل ويقال له اذهب إلى من كنت ترائيه في الدنيا فلا يجد عنده فيعذب بهذا الذهاب وبهذه الفضيحة مما يدل أن جنس الرياء لا يغفره الله.
مسألة: وهل يعذب في القبر وفي عر صات القيامة؟ الجواب نتقيد بلفظ الآية فنقول إن الله لا يغفره وإن كان رياء عذبه عذاباً خاصاً ويؤاخذ عليه في الميزان وأما مسألة النار والعذاب بها فهذه إلى الله ونحن نقول يؤاخذ ولا يغفر تمسكاً بلفظ الآية ولفظ الأحاديث وكل كلامنا السابق إذا لم يتب ومات على ذلك أما إذا تاب من الشرك الأصغر فإن الله يغفره بالتوبة .
مسالة : هل يقال أيضا أن الكفر الأصغر لا يغفر مثل الشرك الأصغر ؟ الجواب : لا ، لأنه لم تأتِ نصوص في الكفر صيغتها مثل صيغة الشرك الأصغر ، لم يأت أن الله لا يغفر أن يكفر به ، بل إن مفهوم آية (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) تدل أن الكفر الأصغر لم يدخل في الآية (أن يشرك ) بل دخل في عموم (مادون ذلك )(1/94)
مسالة : هل يُعذر بالجهل في الشرك الأصغر؟ ،المصنف له كلام على هذه المسألة في كتاب التوحيد في باب من الشرك لبس الحلقة والخيط 000الخ ) قال إنه لم يعذر بالجهالة ، أي في التغليظ عليه وزجره بالكلام تعزيرا ، والتغليظ شئ وعدم العذر شئ آخر ، وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الرسائل والمسائل القسم الأول من الجزء الأول ص200-202 قال لما سئل عن من حلف بغير الله جهلا منه أنه شرك لا عنادا ولا معتقدا أن عظمته تساوي عظمة الله فقال الظاهر أن الذي يجهل مثل ذلك يعذر بالجهل(1) لأن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغ الرسالة ،
مسألة قول الله تعالى(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).هذه مقيدة بالموت والتقدير إن الله لا يغفر أن يشرك به إذا مات عليه،أما إن تاب فيتوب الله عليه ،
مسألة:مناسبة هذه الآية للباب:يقال إذا كان الشرك لا يغفر فهذا مما يوجب الخوف منه.
الآية الثانية:
وقال الخليل عليه السلام(واجنبني وبني أن نعبد الأصنام).
استخرج المصنف عليها مسألتين فقال: المسألة الثامنة وسماها المسألة العظيمة سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام والمسألة التاسعة اعتباره بحال الأكثر بقوله (ربِ إنهن أضللن كثيراً من الناس).
وقبل أن نتكلم عن المسائل المصنف في المتن قال (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) ولم يقل الآية مع أنه في المسائل استخرج مسألة على تكملة الآية فهذه والله أعلم طريقة عند المصنف أنه أحياناً في المتن يقتصر على الشاهد ولا يذكر كلمة الآية لأنه في المتن أراد منك عند تسميع الباب وعند تلاوة الباب أن لا تذكر إلا الشاهد فقط الذي أمامك لكن إذا جئت تشرح الآية أو تدرّس الآية فأكمل ذلك والتكملة مقصودة في الشرح والاستنباط لا في التلاوة والتسميع ومر علينا مثل هذا في أول باب في كتاب التوحيد ونعود إلى الآية ومسائلها:
__________
(1) هذا في الشرك الأصغر ،لأن الحلف الذي ذكر هنا شرك أصغر ،(1/95)
المصنف رحمه الله سمى هذه الآية المسألة العظيمة فلماذا؟ المصنف رحمه الله أحياناً يطلق على بعض المسائل أنها عظيمة أو كبيرة أو ما أعزها وهذه الأوصاف لها ثمرة وفائدة وأتوقع أنها تكون هي أم الباب كما ذكرنا ذلك في الباب الأول لما كرر كلمة عظم عدة مرات في المسائل وعلى ذلك فأهم آية في هذا الباب هي هذه الآية ووجه ذلك أنه إذا كان إبراهيم عليه السلام خاف الشرك وهو إمام الموحدين ومن أبعد الناس عن الشرك فيجب علينا أن نخاف من الشرك أضعافاً مضاعفة ونبتعد عن الشرك أضعافا مضاعفة . وهذه الآية هي في الشرك الأكبر لأن عبادة الأصنام لا تكون إلا أكبر وهذا الذي أراد المصنف وأجمع عليه الشراح .
وقوله المسألة التاسعة :اعتباره بحال الأكثر لقوله تعالى(ربِ إنهن أضللن كثيراً من الناس). أي أن الأكثر وقع في الشرك الأكبر في زمن المصنف فما بالك في زماننا والشراح كملوا شرح الآية فمن أراد التوسع يمكن أن يرجع إلى ذلك ،أما طريقتي هنا فأميل إلى التجريد ،
انتهينا من قسم الآيات وننتقل إلى قسم الأحاديث .
وهي ثلاثة أحاديث :
الحديث الأول:
وفي الحديث: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر .فسئل عنه فقال:الرياء).
المصنف اختصر الحديث كما قال الحفيدان (التيسير ص93، وفى الفتح ص 75 ) وذكرا تكملة الحديث قال صاحب التيسر (أورده المصنف مختصرا وقد رواه الأمام أحمد والطبراني وابن أبي الدنيا والبيهقي.ولفظ أحمد (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله قال:الرياء يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم أذهبوا إلى الذين كنتم تراؤن في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء).
والمصنف رحمه الله اهتم بهذا الحديث فاستخرج عليه ثلاث مسائل بل أربع وهي كتالي :
1-الخوف من الشرك .
2-أن الرياء من الشرك .
3-أنه من الشرك الأصغر .
4-أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين .(1/96)
ما يقارب من ثلث المسائل وهذا مما يؤكد أن المصنف أراد أن يخوّف من الشرك الأصغر وأن الحديث مقصود لذاته وأن كلمة الشرك في العنوان تشمل الشرك الأصغر خلافاً لحفيده سليمان ومن تابعه وقد أشرنا إلى ذلك في أول الباب ووجه المناسبة أن الصالحين يخاف عليهم من الشرك الأصغر فيجب على الصالحين أن يستمر حذرهم منه ، وأيضاً ويجب على العصاة من باب أولى أن يخافوا منه وقوله صلى الله عليه وسلم الرياء هذا من باب تعريف الشيء ببعض أفراده من باب التعريف بالمثال وهذه طريقة نبوية أن يعرف الشيء ببعض أفراده ومشى عليها السلف فيما بعد ولذا فالذي استقريته من طريقة السلف في التعريفات أنهم يختلفون عن أهل البدع في التعريفات وعن المتكلمين وأهل المنطق فطريقة السلف التعريف بقدر الحاجة وبقدر ما يُفهم ، وبقدر ما يحدث من بدع ولذا فهم لا يهتمون بالتعريف ابتداءً لكن إذا وقعت بدعة أو احتاجوا عرفوا بقدر ذلك .
مثال على ذلك: الإيمان ففي البداية في عصر الصحابة ومعاصريهم لم يعرفوا الأشياء لأنها معروفة بسليقتهم وهم عرب يعرفون الأشياء من منطلق ما شاهدوه من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم ،فلما حدثت بدعة الإرجاء وقالت المرجئة إن الإيمان قول ردوا عليهم بأن عرفوا الإيمان بأنه قول وعمل ، ولما حدثت المرجئة الثانية و اقتصروا على الاعتقاد في الإيمان قال السلف المعاصرون لذلك الإيمان قول وعمل واعتقاد وأضافوا على كلمة عمل ، العمل بالأركان وهكذا ولذا ينبغي الانتباه عند التعامل مع نصوص السلف في التعريفات حتى لا يستدرك عليهم الإنسان شيئاً لم يقصدوه ويقول هذا التعريف ليس بكامل مانع وإنما يبحث عن الأحداث والأسباب التي أوجدت ذلك .
ولم نقصد الإطالة في هذا الموضوع وإنما جاء استطراداً وحتى نحيل عليه فيما بعد إذا جاء شيء شبيه بهذا .
نعود إلى مسائل المصنف :(1/97)
المسالة الثانية:أن الرياء من الشرك. وهل الألف واللام في الرياء للعموم أو للخصوص؟ قبل ذلك المصنف تقيد بلفظ الحديث فقال الرياء من الشرك ولكن المشهور من كلام العلماء انهم يقيدون ذلك بيسير الرياء هو الذي يجعلونه شركاً أصغر هذا منطوقه ، ومفهوم المخالفة أن أكثر الرياء أ و كثير الرياء ليس بأصغر، ويقيناً ليس من الكبائر ، فإذا لم يكن من الكبائر ولا من الأصغر بقي أن نقول ويحتمل من الأكبر ، أو يقال أنه شيء مسكوت عنه فيسكت عنه حتى يأتي من النصوص ما يبين حكم الكثير والأكثر ، وقال الحفيد سليمان في التيسير ص 472 في باب الرياء قال ظاهر الحديث إن الرياء من الأصغر مطلقا وهو ظاهر قول الجمهور ، وقال ابن القيم وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء اهـ قال الحفيد ففسر ابن القيم الشرك الأصغر باليسير من الرياء فدل على أن كثيره أكبر اهـ كلام الحفيد ،
مع أن قوله تعالى(وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) في المنافقين تدل على أن كثير الرياء من الأكبر لأنه من علامة المنافقين ومن علامة الكفارأيضا قال تعالى(الذين هم يراؤن ويمنعون الماعون)وقال (الذين ينفقون أموالهم رئا الناس ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر) ويأتي مزيد بحث في باب الرياء في منتصف الكتاب أن شاء الله تعالى.
وقول المصنف:من الشرك :من تبعيضية والألف واللام من الشرك للخصوص أي من الشرك الأصغر بل هو نص المسألة الثالثة: أنه من الشرك الأصغر. وكلمة أصغر كلمة نبوية جاءت في الحديث وليس تسميتها أصغر أنه أمر هين أو من الصغائر بل هو أكبر من الزنا ومن شرب الخمر ومن الكبائر وأعظم منها قال ابن مسعود لأن أحلف بالله كاذباً (وهذه كبيرة )أحب ألي من أن أحلف بغيره صادقاً ( وهذا شرك أصغر )ولكن سُمي أصغر للتمييز بينه وبين الشرك الأكبر فالشرك فيه أكبر وأصغر والذنوب فيها كبائر وصغائر ولله الأمر من قبل ومن بعد ويحكم الله ما يريد .(1/98)
أما المسألة الرابعة:فقال المصنف أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين . الضمير في منه يعود إلى أقرب مذكور وهذه القاعدة في الضمائر وأخوف أفعل تفضيل والحديث يدل على أن الصالحين يخاف عليهم من أشياء لكن أخوفها الشرك الأصغر فيخاف عليهم من الذنوب ويخاف عليهم من الصغائر ومن الإصرار عليها ولكن أخوف ما يخاف عليهم حينئذ الشرك الأصغر .
قول المصنف في المسائل :(الصالحين) ماذا يريد بالصالحين؟ قد يقال أنه يريد العموم ويريد بالصالح من فعل الطاعات وترك المحرمات ،وقد يراد بالصالح ما هو أخص من ذلك أي من الموحدين والثاني أقرب لأن السياق في باب التوحيد وهو الكلام في الشرك الأصغر فيقال أنه أخوف ما يخاف على الموحدين الشرك الأصغر،فيخاف عليهم من الوقوع في شوائب الشرك وشعبه ، وفي الشرك الأصغر لكن وقوعهم في الأصغر أخوف وأعظم من وقوعهم في الشوائب ،
وفيه قضية معاصرة:وهي أخوف ما يخاف على العلماء وطلبة العلم وقيادات الصحوة أن يقعوا في الشرك الأصغر من العمل لأجل المدح والثناء أو كسب الأفراد أو تحقيق مصالح دنيوية ، أو في داء حب الشهرة والوجاهة فيعملون من أجل ذلك ،
ومن الأمور المعاصرة في الرياء : الرياء السياسي ، ورياء الحكام من أجل كسب الرعية ومن أجل المدح بأنهم دولة إسلامية أو حكام مسلمون ، ورياء الانتخابات السياسية ،ورياء كسب الناخبين المسلمين ، ورياء العلمانيين ،ورياء العصرانيين 0
الحديث الثاني :
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار)رواه البخاري.
ملاحضة : لفظ الحديث هنا كما قال في الفتح ، وهو الموافق لما في البخاري أما لفظ الحديث في التيسير ففيه اختلاف يسير ،
هذا الحديث استخرج عليه المصنف مسائل وهي المسألة العاشرة قال:فيه تفسير لا إله إلا الله كما ذكره البخاري .ولا يظهر لي أن هناك غير هذه المسألة على هذا الحديث .(1/99)
قول المصنف (فيه)الضمير في فيه هل يعود إلى أقرب مذكور أم أبعد مذكور ؟لو كان أقرب مذكور كان يقصد به المسألة التاسعة وهي الآية ولو كانت الآية لقال فيها . والظاهر أنه يعود على أبعد مذكور وهو نفس حديث ابن مسعود قال : فيه تفسير لا إله إلا الله.
و قول المصنف (تفسير) هذه المرة الثانية التي تمر علينا كلمة تفسير في المسائل ومرت قبل هذا في الباب الثاني ونسينا أن ننبه على ذلك فنتكلم عنه هنا : المصنف أحيانا يقول مسألة وفيه تفسير الآية أو تفسير كذا و هناك فرق بين كلمة تفسير و كلمة مناسبة وكلمة فائدة أو مسألة : فكلمة المناسبة أخص من التفسير ثم طريقة المصنف في كلمة التفسير يقصد أن تفسير الحديث أو الآية بقدر المقصود من الباب لا تفسرها بنفس تفسير المفسرين في تفاسيرهم أو المحدثين في شروحهم.
وقول المصنف :فيه تفسير لا إله إلا الله كما ذكره البخاري .أهـ هنا أمر ملفت للنظر وهو لماذا المصنف نص على البخاري ؟
المصنف متأثر بالبخاري تأثرا واضحا في كتابه التوحيد ،وأبوابه تشبه أبواب البخاري والطريقة هي الطريقة فرحمهما الله جميعا ،ومما يدل على أن المصنف مطلع على صحيح البخاري خصوصا ما يتعلق بالتوحيد والعقيدة مثل باب الاعتصام وباب التوحيد وباب الإيمان في صحيح البخاري ، أنه لما ذاكر أحد علماء الأحساء في أول الأمر معه ذكّره بما دار بينهما من المذاكرة في الحديث من صحيح البخاري ونبهه على مسائل في كتاب الاعتصام والتوحيد وغيره ) تاريخ نجد ص 209 ،
والآن نعود إلى نفس السؤال ماذا ذكر البخاري رحمه الله ؟ البخاري ذكر حديث ابن مسعود في كتاب التفسير في باب (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً) وفسر الحفيد سليمان ذلك فقال في التيسير ص97(يعني أن معنى لا إله إلا الله ترك الشرك وإفراد الله بالعبادة والبراءة ممن عبد سواه كما بينه الحديث)أ.هـ ولا أدري من أين استنبط الحفيد سليمان هذا من كلام البخاري ،(1/100)
وفسر الدويش في كتابه التوضيح المفيد ص 47 فقال : العاشرة فيه تفسير لاإله إلا الله كما ذكره البخاري أي أنها تقتصي إفراد الله بالعبادة و أن لا يشرك به شيء من خلقه ولا يجعل ندا منهم ، أما ابن حمدان في الدر النضيد ص 48فذكره كما ذكره المصنف ولم يعلق عليه وفي الفتح لم يذكر شيئا ،
والذي يظهر لي أن المصنف يقصد أن معنى لا إله إلا الله هي أن يترك دعاء الند ولا يدعوا ندا ،لأن البخاري ذكره في باب (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ) فذكر الأنداد والحديث ذكر الأنداد فلا بد أن يكون تفسير الشهادة فيها كلمة الند من أجل الآية والحديث ،ولذا تفسيرنا أخص مما قال الشراح ،لأن المصنف قيد التفسير بما ذكره البخاري فلا بد أن هذه الإحالة لها معنى وهى ذكر كلمة الند في تفسير الشهادة ،
مسألة : الشراح حملوا الحديث على أن المقصود بالند الند الأكبر (يدعوا من دون الله ندا)أي أكبر فحملوه على الشرك الأكبر وهذا هو الصحيح وهو اختيار المصنف والبخاري بل هو اختيار ابن مسعود. لكن لما استطردوا في شرح الند ذكروا أقسام الند .
والذي يظهر لي أن المصنف أراد كلاماً أخص مما قال سليمان المذكور أعلاه،والبخاري جعل معنى الحديث هو معنى آية (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً) الآية ويكون على فهم المصنف أن تفسير ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً أي في الدعاء والمحبة وهو نفس ما جاء في باب تفسير التوحيد حيث جعل هذه الآية (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً) التي ذكرها البخاري جعلها في باب تفسير التوحيد وشهادة ألا إله إلا الله ومن الآية أيضا جعل باباً مستقلاً في منتصف الكتاب جعل عنوانه هو نفس الآية وهو ما يسمى باب المحبة.
والمناسبة: من الحديث أن من دعا ندا أو أحب نداً دخل النار فهذا يوجب الخوف من الشرك
مسألة: قلنا أن الشراح لما استطردوا في شرح الند ذكروا أقسام الند وسوف أسوق عباراتهم أن شاء الله في ذلك وفيها ملاحظة،(1/101)
ونبدأ أولاً بالحفيد سليمان حيث قال في التيسير ص(95) قال:وأعلم أن دعاء الند على قسمين:أكبر وأصغر،فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه وهو الشرك الأكبر.والأصغر كيسير الرياء وقول الرجل ما شاء الله وشئت ونحو ذلك وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل ما شاء الله وشئت قال:أجعلتني لله ندا أهـ
وقال الحفيد عبد الرحمن في الفتح ص(77) وأعلم أن اتخاذ الند على قسمين:الأول: أن يجعل لله شريكاً في أنواع العبادة أو بعضها كما تقدم وهو شرك أكبر. الثاني:ما كان من نوع الشرك الأصغر كقول الرجل ما شاء الله وشئت ولولا الله وأنت وكيسير الرياء. وفي قرة العيون ص(34) لم يذكر تقسيم الند وكذا لم يذكره ابن عتيق.
وهذا الاستطراد الذي ذكره الحفيدان ليس شرحاً للحديث وإنما هو من باب تكملة الفائدة وإلا فقد اتفقوا على أن كلمة الند في هذا الحديث تُحمل على الشرك الأكبر، لكن الملفت للنظر قول الحفيد سليمان أن دعاء الند على قسمين وذكر القسم الثاني وهو يسير الرياء وقول ما شاء الله وشئت،وهذان المثالان ليس فيهما دعاء للند فكيف يكون يسير الرياء دعاءا للند وقول ما شاء الله وشئت دعاء للند هذا فيه إشكال ومن المعلوم أن الدعاء عبادة إذا صرفت لغير الله فهو شرك أكبر ولا يتأتّى دعاء الند من الأصغر
ولذا فإن عبارة الشيخ عبد الرحمن أدق حيث قال أن اتخاذ الند على قسمين وذكر الأكبر والأصغر وفيه فرق بين اتخاذ الند ودعاء الند.
وماذا يعني قولنا أن الحديث حمله ابن مسعود رضي الله عنه والبخاري والمصنف والشراح على أنه في الشرك الأكبر؟
الفائدة أنك إذا شرحت الحديث فلا تجعل من معاني الحديث أنه في الشرك الأصغر، فلا تقل يدعو نداً ثم تفسره على الأصغر أو تضرب له أمثلة للأصغر ثم تأتي إلى كلمة دخل النار فتفصل في كلمة النار أي أنه لا يخلد فيها فهذا الشرح بهذه الطريقة وبهذا التفصيل خطأ لسببين:(1/102)
1-أن كلمة يدعو خاصة بالأكبر ولا يمكن أن تفسر على الأصغر لأن الدعاء عبادة وإذا صرفت لغير الله فهو أكبر بالإجماع.
2-أن ابن مسعود راوي الحديث حمله على الأكبر بدلالة مفهوم المخالفة فلما روى الحديث مرفوعا (من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار) قال ابن مسعود وقلت أنا ومن مات وهو لا يدعو لله ندا دخل الجنة.
ولو قال قائل لماذا لا يفسر الند هنا بالأصغر كما قال تعالى (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) فقد فسرها ابن مسعود بالشرك الأصغر.الجواب أن فيه فرق بين الحديث والآية فالحديث فيه (يدعو ندا ) والآية فيها (لا تجعل ندا ) وفرق بين تدعو وتجعل ولذا فرق بينهما الحفيد عبد الرحمن كما سبق.
الحديث الثالث:
ولمسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار)
المصنف استخرج على هذا الحديث أربع مسائل ،المسألة الخامسة و السادسة و السابعة والحادية عشرة ،
فالخامسة وهى قرب الجنة والنار لأنه ليس بينه وبينها إلا أن يموت ، والسادسة :الجمع بين قربهما في حديث واحد ،فهما أتيا في حديث واحد كما ترى 0السابعة :أنه من لقيه لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ولو كان أعبد الناس ،وهذا نص الحديث ،وهذه المسألة قال عنها المصنف في تاريخ نجد ص 519 المسألة العظيمة التي لم يعرفها أكثر ممن يدعي الدين وهو تكفير من أشرك وحبوط عمله ولو كان من أزهد الناس وأعبدهم ) ،(1/103)
المسألة :الحادية عشرة : فضيلة من سلم من الشرك ، وهاتان المسألتان متقاربتان ومعناهما واحد ،فما هو المعنى ؟ الشراح الثلاثة حملوا الحديث على الشرك الأكبر (في التيسير ص 96،وفي الفتح ص 78،وفي الإبطال ص 23) ولذا نقلوا كلام القرطبي رحمه الله (أي لم يتخذ معه شريكا في الإلهية ولا في الخلق ولا في العبادة000 وأن من مات على الشرك لايدخل الجنة ولا يناله من الله رحمة ويخلد في النار ونقلوا كلام النووي رحمه الله : (أما دخول المشرك إلى النار فهو على عمومه فيدخلها ويخلد فيها) وحمله على الأكبر هو ظاهر صنيع المصنف لقوله دخل النار ولو كان أعبد الناس وهذه العبارة تُقال في الأكبر ،
وأقول أيضا أن لفظ الحديث في الأكبر فقوله ( لقيه يشرك به ) الجملة حالية أي لقيه حالة كونه مشركا ،ومن وقع في الأصغر لا يسمى مشركا إنما يُقال فيه شرك وأما من وقع في الأكبر فيُسمى مشركا ،
ومناسبة الحديث : أن من مات على الشرك الأكبر دخل النار فهذا يوجب الخوف من الشرك الأكبر 0
وفي الختام من هذا الباب نتعرض لمسألة عظيمة مهمة من مسائل الشرك وهى :
هل من وقع في الشرك الأكبر يُسمى مشركا بمجرد الفعل والوقوع ويُخاف عليه من ذلك ولو كان جاهلا أو مقلدا أو متأولا أو مخطئا أم لا ؟(1/104)
وينبنى على ذلك ،هل الجهل عذر في الشرك الأكبر ؟أم ليس بعذر كما هو مذهب السلف كما سوف يأتي إن شاء الله تعالى ، ومثله التأويل والتقليد والخطأ ،وهذا يجرنا إلى بسط هذه المسألة العظيمة التي هي من أهم أبواب تعلّم التوحيد وفهم الشرك ،وهى أيضا من أهم أبواب التفريق بين الأسماء والأحكام تارة ، وعدم التفريق في موضع آخر تارة ، وهذا يستوجب ذكر المسألة من خلال فصول ونقول وتعليقات نذكر فيها قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقول طلابه من لدن الشيخ إلى الآن ، وقبل ذلك قول ابن تيمية وابن القيم ،وقبل ذلك قول السلف عموما ونقل الإجماعات في ذلك وكلام أهل العلم ، والقياسات في ذلك والآن ندخل في المسألة فنقول :
الفصل الأول
نقولات توضيحية من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتضح فيها قوله في هذه المسألة
(ملاحظة إن شاء الله سوف نضع حاشية أسفل الصفحة للتعليق على الأشياء التي تحتاج إلى ذلك للأهمية بعد الانتهاء مما يتعلق بالشيخ محمد ، أما ما يتعلق به فأغلب التعليق تابع لما ننقل عنه ) ،
1ـ و قبل النقولات نحب أن نبين أن الشيخ محمد له كتاب مستقل متخصص في هذه المسألة وهو كتاب (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ) وتأمل نصه في عنوان الكتاب على تكفير تارك التوحيد الذي هو بالضرورة فاعل للشرك ،ففي العنوان تكفير المعين إذا أشرك ،وقد تهجم على من قال أن ابن تيمية لا يكفر المعين في باب الشرك ،
2ـ كتاب كشف الشبهات في مواضع منه التصريح بعدم العذر في الشرك الأكبر بالجهل
3ـ أيضا في رسالة النواقض العشر له رحمه الله ، لم يَعذر فيها بالجهل وذلك لما ذكر نواقض الإسلام العشر نص على استواء حكم الجاد والهازل والخائف حال الوقوع فيها إلا المكره ولم يستثني غير المكره مثل الجاهل أو المتأول أو المخطئ اهـ . راجع فتاوى الأئمة النجدية 3/188 ،(1/105)
4- ومن النقولات قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب(في الدرر السنية 8/118) لما ذكر المرتدين وفرقهم فمنهم من كذب النبي صلى الله عليه وسلم ورجعوا إلى عبادة الأوثان ومنهم من أقر بنبوة مسيلمة ظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه في النبوة ومع هذا أجمع العلماء أنهم مرتدون ولو جهلوا ذلك ومن شك في ردتهم فهو كافر .
5ـ وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرر ( 9 / 405-406 ) قال : لما نقل كلام ابن تيمية في التكفير : وكلام ابن تيمية(1) في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الأشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره(2) قبل أن تبلغه الحجة ، وأما إذا بلغته الحجة حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو معصية ، وصرح ابن تيمية رضي الله أيضا أن كلامه في غير المسائل الظاهرة فقال في الرد على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيرا قال : وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها ولكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة (3)من المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها وكفر من خالفها مثل عبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ومثل إيحابه للصلوات الخمس وتعظيم شأنها ومثل تحريم الفواحش والزنا والخمر والميسر ، ثم تجد كثيرا من رؤسهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين ، ثم ذكر مسألة تكفير المعين بعد بلوغ الحجة وقال لا نعلم عن واحد من العلماء خلافا في هذه المسألة .
__________
(1) هنا يدل أن الشيخ محمد قد فهم وهضم مذهب ابن تيمية في هذا وهو يمشى على منواله 0
(2) لاحظ أن النفي لاسم التكفير ، لا ، لاسم الشرك ،
(3) هذا هو ضابط الأمور الظاهرة ،أحيانا تُسمى المعلوم من الدين بالضرورة 0(1/106)
6ـ رسائل ونصوص للشيخ محمد بن عبد الوهاب تدل على أن الشيخ لا يعذر بالجهل ويُسمي من فعل الشرك مشركا ومن المشركين ،ويُقصَد باسم الكفر عند الشيخ أحيانا بمعنى الشرك إذا لم تقم عليه الحجة ،أما إذا قامت الحجة فيسميه مشركا كافرا ، وقد تَعْجَب من هذا وهو التفريق بين أسماء قبل الحجة و أسماء بعدها لكن هذا هو الحق ومذهب أهل السنة كما نقله ابن تيمية راجع الفتاوى 20/37-38 في صفحتين فيها درر تكتب بماء الذهب كما يقال ،وهى طريقة ابن القيم وأئمة الدعوة ، وكلهم ونقلوا الإجماع عليه كما سوف ترى ذلك كثيرا إن شاء الله إذا استكملت القراءة إلى آخر كلام أئمة الدعوة،
والآن نعود إلى النصوص هي :
النص الأول :
ما ذكره المصنف في نفس كتابه كشف الشبهات ص9 ، ط: دار الثقافة للطباعة ، حيث قال : " فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه قد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل .. " انتهى.(فلم يمنع من التكفير كونه جاهلا )
النص الثاني :(1/107)
رسالة في الرد على ابن صباح ، ذُكرت في تاريخ نجد تحقيق ناصر الدين الأسد ص468 في الرد على من اتهمه بتهم ، ورد على ذلك ، إلا أنه قال في أثنائها : "الحمد لله ، أمَّا بعد : فما ذكره المشركون ( لاحظ هنا سماهم مشركين ) عنّي أنني أنهى عن الصلاة على النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ، أو أني أقول لو أن لي أمراً هدمت قبة النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ، أو أني أتكلم في الصالحين ، أو أنهى عن محبتهم ، كل هذا كذب وبهتان افتراه عليّ الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل ، مثل أولاد شمسان وأولاد إدريس الذين يأمرون الناس أن ينذروا لهم وينخونهم ويندبونهم ، كذلك فقراء الشياطين الذين ينتسبون إلى الشيخ عبد القادر وهو منهم بريء كبراءة علي بن أبي طالب من الرافضة ، فلما رأوني آمر الناس بما أمرهم به نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- ألاّ يعبدوا إلا اللَّه وأن من دعى عبد القادر فهو كافر، وعبد القادر منه بريء ، وكذلك من نخى الصالحين أو الأولياء أو ندبهم أو سجد لهم ... " انتهى .
والشاهد قوله : " وأن من دعى عبد القادر فهو كافر " فهذا نص بأنه يُكفّر من دعى عبد القادر وأمثاله ( ولاحظ أنه وصفه بأنه يعبد عبد القادر ومن فعل الشرك أعطى اسمه ،فيُسمى مشركا كافرا ) ،
ثم قال في آخر الرسالة : " فإذا كان من اعتقد في عيسى بن مريم مع أنه نبي من الأنبياء وندبه ونخاه فقد كفر ، فكيف بمن يعتقد في الشياطين كالكلب أبي حديدة وعثمان ، الذين في الوادي ، والكلب الآخر في الخرج وغيرهم في سائر البلدان ... " انتهى .
والشاهد قوله : " من اعتقد في عيسى بن مريم فقد كفر " .
ثم قال في آخر الرسالة في الاعتقاد في الصالحين : " بل هو عبادة الأصنام من فعله كفر ... " انتهى .(علق الحكم بالفعل والفعل الذي فعله هو عبادة الأصنام ،ويستحيل شرعا أن يُسمى عابد الأصنام أو القبور مسلما ولو كان جاهلا )
النص الثالث(1/108)
موجود في تاريخ نجد ص474 في أوراق كتبها في الرد على ابن سحيم قال فيها : " فإذا كفّرنا من قال إن عبد القادر والأولياء ينفعون ويضرون قال كفّرتم الإسلام ، وإذا كفّرنا من يدعو شمساناً وتاجاً وحطّاباً قال كفّرتم الإسلام..."انتهى.
والشاهد منه : أن الشيخ يكفّر من عَبَد عبد القادر ، ويكفّر من دعى شمسان -وهو أحد الصوفية الموجودين في الخرج زمن من المصنف - .
النص الرابع :
وهي رسالة أرسلها إلى محمد بن عيد - أحد علماء ثرمدا - موجودة في تاريخ نجد ص263 ، قال بعد كلام : " ولكن أقطع أن كفر من عبَد قبة أبي طالب لا يبلغ عُشر كفر المويس وأمثاله ... " انتهى.
والشاهد : أنه قطع بكفر من عبد القبور ولم يعذره بالجهل .
النص الخامس :
رسالة أرسلها إلى الشيخ عبد اللَّه بن عيسى قاضي الدرعية ، وهي موجودة في تاريخ نجد الرسالة الرابعة عشر ص324 ، أرسلها منكراً عليه كيف أشكل عليه تكفير الطواغيت ، فقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : " فقد ذكر لي أحمد أنه مشكل عليكم الفُتيا بكفر هؤلاء الطواغيت مثل أولاد شمسان وأولاد إدريس ، والذين يعبدونهم مثل طالب وأمثاله ... " انتهى
ويتضح من هذا النص تكفيره لمن عبد الطواغيت ،بل إنكاره على من لم يكفر الطواغيت ،أو من عبد الطواغيت ،ولاحظ أنه سماهم طواغيت وسمى طالبا وأمثاله مَنْ يعبد الطواغيت ولايمكن أن يكون من عبد الطواغيت مسلما ولو كان جاهلا فضلا عن كونه موحدا لأن اسم الشرك يتناوله ويصدق عليه ) ،
النص السادس :
رسالة أرسلها إلى عبد الرحمن بن ربيعة - أحد علماء ثادق - وهي الرسالة العشرون في تاريخ نجد ص341 ، قال بعد كلام : " فمن عبد اللَّه ليلاً ونهاراً ثم دعا نبياً أو ولياً عند
قبره ، فقد اتخذ إلهين اثنين ولم يشهد أن لا إله إلا اللَّه ، لأن الإله هو المدعو ، كما يفعل المشركون اليوم عند قبر الزبير أو عبد القادر أو غيرهم، وكما يفعل قبل هذا عند قبر زيد وغيره ... " انتهى .(1/109)
والشاهد : أنه سمّاهم مشركين لمن عبد أصحاب القبور المذكورة وسماهم أيضا أنهم ممن اتخذ الهين اثنين )
النص السابع :
رسالة أرسلها إلى سليمان بن سحيم قاضي الرياض ، وهي الرسالة التاسعة في تاريخ نجد ص304 ، قال بعد كلام : " وإنّا كفّرنا هؤلاء الطواغيت أهل الخرج وغيرهم للأمور التي يفعلونها هم ، منها أنهم يجعلون آباءهم وأجدادهم وسائط، ومنها أنهم يدعون الناس إلى الكفر ، ومنها أنهم يُبغّضون عند الناس دين محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- .... " انتهى .
والشاهد : " أنه كفّر من جعل بينه وبين اللَّه وسائط . وقال في نفس الرسالة ص305 مورداً إشكالاً على ابن سحيم ، قال : " وما تقول في الذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب مثل اعتقاد كثير من الناس في عبد القادر وغيره..." انتهى ( ولاحظ أنه كفر أهل الخرج بفعل الوسائط فجعل مناط الحكم الفعل و أجرى اسم الفعل عليهم وهو الشرك )
النص الثامن :
رسالة جوابية رداً على اتهامات ضده ، موجودة في تاريخ نجد ص274، وهي مجموعة من التهم والأقاويل ضد الشيخ .
أقر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ببعضها أنه يقول بها ، ومنها : " تكفير الناذر إذا أراد به التقرب لغير اللَّه وأخذ النذور كذلك ، ومنها أن الذبح للجن كفر والذبيحة حرام ، ولو سمى اللَّه عليها إذا ذبحها للجن ، فهذه خمس مسائل كلها حق وأنا قائلها ... " إلى أن قال : " فصار ناس من الضالين يدعون أناساً من الصالحين في الشدة والرخاء مثل عبد القادر الجيلاني ، وأحمد البدوي ، وعدي بن مسافر ، وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح ... " ثم ذكر أن أهل العلم أنكروا عبادة الصالحين ، إلى أن قال : " وبيّن أهل العلم إن أمثال هذا هو الشرك الأكبر..." انتهى .
والشاهد : أنه سمى من عبد هذه القبور الثلاثة ضالين ، وأنه الشرك الأكبر ، إلى أن قال : " فتأمل هذا إذا كان كلامه هذا في علي فكيف بمن ادعى أن ابن عربي وعبد القادر إله ... " انتهى .
النص التاسع :(1/110)
رسالة أرسلها إلى أحد علماء الأحساء واسمه أحمد بن عبد الكريم ، وهي الرسالة الحادية والعشرون في تاريخ نجد ص346.
وكان أحمد بن عبد الكريم الأحسائي لما التبس عليه فعل عباد القبور مع جهلهم ،وكان الاحسائي هذا ينكر تكفير المعين لمن عبد القبور لجهله ويُجيز تكفير النوع لا العين أي فعله كفر وشرك وليس هو بمشرك ولا كافر لأنه جاهل ، وناقشه الشيخ في رسالة طويلة قال فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "وتأمل تكفير ( ابن تيمية ) لرؤسائهم فلاناً وفلاناً بأعيانهم ، وردتهم ردة صريحة .
و تأمل تصريحه بحكاية الإجماع على ردة الفخر الرازي عن الإسلام مع كونه عند علمائكم من الأئمة الأربعة ، هل يناسب هذا لما فهمت من كلامه أن المعين لا يكفر، ولو دعى عبد القادر في الرخاء والشدة ، ولو أحب عبد اللَّه بن عون وزعم أن دينه حسن مع عبادته أبي حديدة ... ،
وقال في الرسالة أيضا بعد ذكر من كفره السلف قال : واذكر كلامه في الإقناع وشرحه في الردة كيف ذكروا أنواعا كثيرة موجودة عندكم ، ثم قال منصور البهوتي : وقد عمت البلوى في هذه الفرق وأفسدوا كثيرا من عقائد أهل التوحيد نسأل الله العفو والعافية . هذا لفظه بحروفه ، ثم ذكر قتل الواحد منهم وحكم ماله هل قال واحد من هؤلاء من الصحابة إلى زمن منصور البهوتي إن هؤلاء يكفر أنواعهم(1) لا أعيانهم الدرر السنية ( 10 / 63 ـ 74 ) ،فانظر إلى تكفير الشيخ محمد من عَبَد عبد القادر أعلاه ،
( والطوائف التي ذكرها البهوتي في باب المرتد هي : أهل الحلول والاتحاد ، والرافضة والباطنية والقرامطة ) ،
النص العاشر :
وهي رسالة في تفسير كلمة التوحيد في مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مجلد العقيدة القسم الأول ص363.
__________
(1) أي أن الشيخ محمد لا يفرق بين النوع والعين في مسائل الشرك الأكبر والأمور الظاهرة ،وهنا نقل إجماع المسلمين عليه من لدن الصحابة إلى عصر البهوتي مؤلف كتاب الروض المربع 0(1/111)
قال الشيخ : " وأنت ترى المشركين من أهل زماننا ولعل بعضهم يدّعي أنه من أهل العلم وفيه زهد واجتهاد وعبادة ، إذا مسّه الضر قام يستغيث بغير اللَّه مثل معروف أو عبد القادر الجيلاني ،وأجلِّ من هؤلاء مثل زيد بن الخطاب والزبير ، وأجلِّ من هؤلاء مثل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاللَّه المستعان ، وأعظم من ذلك أنهم يستغيثون بالطواغيت والكفرة والمردة مثل شمسان وإدريس ، ويقال له الأشقر ويوسف وأمثالهم انتهى .
والشاهد : تسميته لمن عبد هؤلاء بالمشركين حيث قال في أول الرسالة "وأنت ترى المشركين ... " الخ ،حيث وصفهم أنهم يستغيثون بغير الله فهل يمكن أن يكونوا مسلمين ويُعطون اسم الإسلام والإيمان وهم يعبدون غير الله هذا مستحيل شرعا فان الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ) ،
النص الحادي عشر :
وهذا النص يعتبر هو مسك الختام الذي يوضح المسألة توضيحاً جيداً ، يتضح فيها أن الشيخ لا يعذر بالجهل في الشرك الأكبر ، وسوف يذكر ذلك في الرسالة، ويُسمى من وقع في الشرك الأكبر جهلاً مشركا إلا في المسائل الخفية ، وعبادة القبور هي من المسائل الظاهرة لا الخفية أما التكفير فإذا قامت عليه الحجة وهو من لم تبلغه الدعوة فيكفر وهم الثلاثة ، أما غير الثلاثة فقد قامت عليهم الحجة فيلحقهم اسم الشرك والكفر ،
وهذه الرسالة كتبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب لبعض تلامذته في الدرعية لمّا كان الشيخ في العيينة في أول دعوته ، وتلامذته هم : عيسى بن قاسم ، وأحمد بن سويلم، وهي موجودة في تاريخ نجد ص410.
وتعجب الشيخ محمد بن عبد الوهاب كيف يَشُكُّون في تكفير الطواغيت وأتباعهم، وهل قامت عليهم الحجة أم لا ؟(1/112)
وأنكر الشيخ محمد عليهم لما توقفوا في تكفير(1) الطواغيت وأتباعهم لأنهم جهال لم تقم عليهم الحجة فقال ما ذكرت لكم من قول الشيخ ( ابن تيميه ) كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة فهذا من العجب كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا فإن الذي لم تقم عليه (2)الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرّف وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة .
، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة اللَّه مع قيامها عليهم ، كما قال تعالى : ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )ً.
وقيام الحجة وبلوغها نوع ، وفهمهم إياها نوع آخر ، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها نوع آخر .. " ،
__________
(1) ويجب أن يلاحظ على كلام الشيخ محمد انه أنكر على طلابه عدم إجراء اسم الكفر على الطواغيت ،أما اسم الطواغيت واسم المشركين فهو وهم يُجرونه عليهم ،ولذا دائما انتبه للشيخ عند النفي فهو دقيق فهو ينفي اسم الكفر لااسم الشرك أو اواسم مشركين ،وسوف نكرر هذا الكلام كثيرا حتى يُهضم جيدا ،وهنا الكلام منصب على نفي التكفير فقط أما اسم الإسلام فهو منتف عنهم ولاكرامة
(2) ـ أي لم تقم الحجة في لحوق اسم الكفر المعذب عليه أو الذي يُقتل به ،أما هؤلاء الثلاثة ومعهم من نشأ في بلاد الكفر فهؤلاء إذا فعلوا الشرك لحقهم اسمه لكن لم تقم عليهم الحجة في القتل والقتال والتعذيب ،واسم الكفر 0(1/113)
ثم ذكر أناساً قامت عليهم الحجة لكن لم يفهموها ، فذكر الخوارج ، وذكر الغالية الذين حرّقهم علي، وذكر غلاة القدرية ، ثم قال : " وإذا علمتم ذلك فهذا الذي أنتم فيه ، وهو الشك في أناس يعبدون الطواغيت ويعادون دين الإسلام ويزعمون أنه ردة لأجل أنهم ما فهموا..." انتهى. –
وخلاصة هذه الرسالة :
أن الشيخ أنكر على بعض طلابه التوقف في تكفير( لاحظ لفظ التكفير ) الجهال بحجة أنهم ما فهموا ولأنهم جهال ، وأن هذا غلط ، وأفاد طلابه ألاّ يتوقفوا في تكفير الجهال إلا ثلاثة : من كان حديث عهد بإسلام ، ومن نشأ وعاش في بادية وفي بعض رسائله أضاف شخصاً آخر وهو من نشأ وعاش في بلاد الكفر ، وفي المسائل الخفية ، وبيّن لهم أن عبادة القبور ليست من المسائل الخفية ،
ويجب أن يُفهم أن الشيخ محمد قال بعدم تكفير الثلاثة فنفى عنهم لحوق اسم الكفر لأن هؤلاء الثلاثة لم يسمعوا الحجة ولم تبلغهم أما اسم الشرك واسم المشركين فيلحق هؤلاء الثلاثة ويُسمون مشركين وعابدي غير الله واتخذوا مع الله آلهة ويُنفى عنهم اسم الإسلام ، كل ذلك يلحقهم لانهم يفعلون الشرك فاسمه يتناولهم ويصدق عليهم ،
أما اسم الكفر وأحكام الكفار من القتل والتعذيب فلا يلحقهم لأنه لم تقم عليهم الحجة ،لأن الكفر معناه جحد أو تكذيب للرسول فيكون أتاه خبر الرسول ثم جحده أو كذبه أو عانده أو تولى عنه أو أعرض ،ومعنى أتاه خبر الرسول أي قامت عليه الحجة ،أما اسم الشرك فهو عبادة غير الله وليس له ارتباط بالحجة كما قال ابن تيمية في الفتاوى 20/38-37 وهو مبحث مهم جدا قال اسم المشرك يثبت قبل الرسالة (أي قبل الحجة )لأنه يشرك بربه ويعدل به ،ويجب أن تفهم أن الشيخ إذا قال لا أكفر كذا وكذا أنه ينفي اسم الكفر فقط (وانتبه لهذا التفقيط ) لكن لا يلزم لمن نفى عنه التكفير أنه مسلم أو يُعطى حكم الإسلام أو المسلمين فلا لأن الشيخ يفرق بين ذلك ،(1/114)
وبعد استعرضنا لنصوص الشيخ محمد بن عبد الوهاب اتضح أن الشيخ يكفر بالجهل بعد ظهور دعوته إلا أشخاصاً معينين لا يكفرهم لكن لا يسميهم مسلمين أو موحدين بل مشركين كأهل البادية وحد ثاء العهد ومن عاش ونشا في بلاد الكفر ، وأنه لا يعذر ما عدا ذلك في اسم الكفر أما اسم الشرك لمن يفعله فلا يعذر أحدا لا الثلاثة ولاغيرهم
ويتضح أيضاً أن النصوص التي يفهم منها عدم التكفير أنها تحمل على أنه لم تبلغه الحجة ولكي يتضح الأمر أكثر فأكثر ،(1/115)
ننقل كلام الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن وهو من أحفاد الشيخ ، حيث تعرّض الشيخ إسحاق لهذه القضية في كتابه (تكفير المعين) ص16، ولا غريب فإن أولى الناس أن يفهموا كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب هم طلابه وأحفاده وهم يدركون علم الشيخ أكثر من غيرهم، فقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بعد كلام : " فنذكر من ذلك شيئاً يسيراً لأن المسألة وِفَاقِيَّةٌ ، والمقام مقام اختصار . فلنذكر من كلامه ما ينبهك على الشبهة التي استدل بها من ذكرنا في الذي يعبد قبة الكواز وأن الشيخ توقف في تكفيره ،(لاحظ التوقف في اسم التكفير أما كونه مشركا فلم يتوقف الشيخ فيه لأنه سماه يعبد قبة كذا وكذا ولايمكن أن يعبد غير الله ويُسمى مسلما أبدا لأن الإسلام والشرك ضدان لا يجتمعان)، ونذكر أولاً مساق الجواب ، وما الذي سيق لأجله وهو أن الشيخ محمداً رحمه اللَّه ومن حكى عنه هذه القصة يذكرون ذلك معذرة له عمّا يدعيه خصومه عليه من تكفير المسلمين ،(والشيخ لا يكفر المسلمين لأن كلمة مسلمون كلمة عامة وفيهم من لم تقم عليه الحجة في استحقاق اسم الكفر) وإلا فهي نفسها دعوى لا تصلح أن تكون حجة بل تحتاج لدليل وشاهد من القرآن والسنة ... " إلخ . ثم قال في ص19 : " وتوقفه رحمه اللَّه -أي توقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب- في بعض الأجوبة يُحمل على أنه لأمر من الأمور ، وأيضاً فإنه كما ترى توقف مرة كما في قوله : ( وأمَّا من أخلد إلى الأرض فلا أدري ما حاله ) فياللَّه العجب كيف يترك قول الشيخ في جميع المواضع مع دليل الكتاب والسنة وأقوال ابن تيمية وابن القيم ، كما في قوله : من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة" ويقبل في موضع واحد مع الإجمال ... " انتهى .
ومن كلام الشيخ إسحاق يمكن أن نستخلص أمورا :(1/116)
الأمر الأول : أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إذا نفى أنه يكفر عبّاد القبور فإنه يقصد بذلك نفي العموم ، لان فيهم من لم تقم عليه الحجة مثل الثلاثة فلا يسميهم كفارا لكن اسم الشرك والمشركين يلحقهم لانهم يفعلونه ويصدق عليهم فمن عبد القبور عموما يطلق عليه بالعموم مشرك ولا يُستثنى أحد أما اسم الكفر ففيه تفصيل بالنسبة لعباد القبور حسب قيام الحجة ،فالشيخ دقيق في هذه الأسماء ويفرق بينهما باعتبار الحجة كما سوف يأتي أن شاء الله مزيد إيضاح في كلام طلابه صريحا خصوصا كلام الملازمين له،
بمعنى أنه ليس كل فرد عبد القبور يكفر لكن كل فرد عبد القبور يُسمى مشركا بل هناك ثلاثة أفراد يعبدون القبور ولا يكفرون لعدم قيام الحجة لكن ليسوا مسلمين ، وهو حديث عهد ، ومن عاش ونشأ في البادية ، ومن عاش ونشأ في بلاد كفر ، وإذا كفّر كل فرد يعبد القبور فسوف يُدخل هؤلاء الثلاثة ، وفي هذا الإطار يجب أن يفهم كلامه ،
الأمر الثاني أن توقف الشيخ في اسم الكفر لا الشرك في بعض المواضع لأمر ما ، لكن ليس هو الأصل .
الفصل الثاني
الإجابة عن الرسائل والنصوص التي احتج بها من لم يفهم كلام الشيخ محمد بن
عبد الوهاب وهى : (سوف نجعل التعليق إن شاء الله بين قوسين أثناء الكلام )
1ـ النص الأول :
رسالة أرسلها إلى الشريف وهي موجودة في كتاب ( تاريخ نجد ) تحقيق وتهذيب ناصر الدين الأسد ص407، ط: دار الشروق .(1/117)
وهذه الرسالة استغرقت صفحتين ونصف في مقدمتها قال الشيخ : " سألني الشريف عمّا نقاتل عليه وعمّا نكفر به الرجل ، (لاحظ أن السؤال عن التكفير والقتال ) فأجبته : .... " ثم ذكر من يكفره الشيخ وهم أربعة (يأتي في آخر الرسالة سبب التكفير ) ، ثم بعد ذلك انتقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الرد على شبهةٍ أُثيرت ضده ، وهو أنه يكفر بالعموم فألحق هذه المسألة في نفس الرسالة فقال: " وأمَّا الكذب والبهتان فمثل قولهم إنا نكفر بالعموم (لأن التكفير مرتبط بالحجة ولا يُعلم هل الجميع قامت عليهم الحجة أم لا ) ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ، وإنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل ومثل هذا وأضعاف أضعافه ، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين اللَّه ورسوله ، وإن كنا لا نكفر (لاحظ أن النفي للتكفير والقتل له ، أما كونه مشركا فنعم لأنه يعبد غير الله لذا قال يعبد الصنم الذي على القبر ومن عبد الصنم لا يُسمى مسلما ) من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي ، وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم (فالجهل مانع من التكفير والقتل والتعذيب لكن ليس مانعا من لحوق اسم الشرك لهؤلاء لأنه سماهم عُبّاد غير الله ) فكيف نكفر من لم يشرك باللَّه إذا لم يهاجر إلينا ولم يَكفر ويقاتل ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، بل نكفر تلك الأنواع الأربعة لأجل محادتهم لله ورسوله ، ( لانهم عرفوا ،ومن حاد وعاند فقد قامت عليه الحجة فيستحق اسم الكفر ) فرحم اللَّه امرأ نظر لنفسه وعرف أنه ملاق اللَّه الذي عنده الجنة والنار ، وصلى اللَّه على محمد وعلى آله وصحبه وسلم... " انتهى بحروفه .
والشاهد من قوله : " وإن كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم " .(ونفي التكفير ليس معناه إعطاء اسم (مسلم) أو تسميته مسلما بل هو مشرك جاهل )
النص الثاني :(1/118)
رسالة قديمة أرسلها وهو في العيينة وكانت في أول الدعوة إلى السويدي العراقي واسمه عبد الرحمن بن عبد اللَّه ، وهو أحد علماء أهل العراق ، موجودة في تاريخ نجد ص320
وهي رسالة رد بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب على بعض تساؤلات السويدي ، وكان السويدي سأل الشيخ عمّا يقول فيه الناس حيث أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يُتهم بتهم منها أنه يكفر جميع الناس ( سبق أن تكلمنا عن هذا التعميم في الرسالة التي قبلها )، فرد الشيخ على هذه التهمة وقال ما نصه : " منها - أي من التهم التي أتهم بها الشيخ محمد وأنكرها- ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة ويا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل ؟ هل يقول هذا مسلم أو كافر؟ أو عارف أو مجنون ؟ " . ثم رد على تهمة هدم قبة النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ، ومسألة إحراق كتاب ( دلائل الخيرات ) ، ثم عاد للرد على تهمة التكفير بالعموم فقال : " وأمَّا التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله ، فهذا هو الذي أكفره(لاحظ لأنه عرف وجحد فاستحق اسم الكفر لان الكفر هو الجحود وهذا جحد )، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك ..." انتهى .(أي ليسوا جاحدين بل أكثرهم إما جهال أو متأولين ولكن لا ينفعهم ذلك في باب الشرك ) فقوله : " فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه " ، وهذه صفة المعاند ، وهذه الرسالة - رسالة السويدي - ذُكرت في كتاب مصباح الظلام في ص43 ،
النص الثالث :
رسالة أرسلها إلى محمد بن عيد - أحد علماء مدينة ثر مدا - وهي موجودة في تاريخ نجد ص263 ، وهي رسالة طويلة استغرقت سبع صفحات وهي رسالة جوابية رد بها الشيخ على رسالة لمحمد بن عيد .
ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بدايتها أنه عُرف بأربع مسائل وسرد المسائل الأربعة وهي :
1 - أنه بيّن التوحيد .
2 - بيان الشرك .(1/119)
3 - أنه يكفر من بان له التوحيد .(لاحظ كلمة بان له أي أنه لا يكفر إلا من عرف وبان له لأن التكفير مرتبط بالحجة ولم يقل أنه ليس مشركا إذا فَعَل الشرك ،فالشرك لا يرتبط بكلمة ـ بان له ـ ) ،
4 - أنه يأمر بقتال من بان له التوحيد (لاحظ وأيضا القتل والقتال مرتبط بالحجة ) والشاهد من ذلك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما قال أنه يكفر من بان له التوحيد قال ما نصه : " والثالثة : تكفير من بان له أن التوحيد هو دين اللَّه ورسوله ثم أبغضه ، ونفّر الناس عنه وجاهد من صدق الرسول فيه ومن عرف الشرك ، وأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بُعث لإنكاره وأقر بذلك ليلاً ونهاراً ثم مدحه وحسّنه للناس وزعم أن أهله لا يخطئون لأنهم السواد الأعظم ، وأمَّا ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن والموالاة ، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة ، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين اللَّه ورسوله..."انتهى.
فيُلاحظ من كلام الشيخ خصوصاً السطر الأخير وبالتحديد قوله : " أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة " (فالجاهل الذي لم تقم عليه الحجة ( فاعل الشرك) لا يكفر ولكن لا يسمى مسلما ولا موحدا وفرق بين مسمى الكفر ومتعلقاته وبين مسمى الشرك ومتعلقاته وكما قال ابن تيمية إن الله فرق بين أسماء وأحكام بين ما قبل الرسالة وما بعدها ،الفتاوى 20/-37-38 )
النص الرابع :
ما ذكره عنه بعض تلامذته ، فقد ذكر عنه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في كتابه مصباح الظلام ص324 ، حيث تكلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وقال : " إنه لم يكفر (لاحظ النفي للتكفير فقط ) إلا بعد قيام الحجة وظهور الدليل حتى أنه رحمه اللَّه توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من ينبهه ( ومع أنه لم يكفره فقد سماه عابدا للقبر ،ولا يمكن أن يكون عابدا لغير الله ويُسمى مسلما لأن الإسلام والشرك ضدان لا يجتمعان ) ،(1/120)
وفي كتاب منهاج التأسيس ص187 قال الشيخ عبد اللطيف : " كان شيخنا يُقرر في مجالسه ورسائله أنه لا يكفر إلا من عرف دين الرسول وبعد معرفته تبين في عداوته . وتارة يقول إذا كنا لا نكفر من يعبد قبة الكواز ، ويقول -أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب- في بعضها : وأمَّا من أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ما حاله " .
وقال -أي الشيخ عبد اللطيف- : " حتى إنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير اللَّه من أهل القبور أو غيرهم ، إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها ..(لاحظ أولا أن النفي للتكفير ، ثم لاحظ أنه قال في هؤلاء الذين نفى عنهم التكفير أنه قال عنهم يعبد قبة كذا أو يدعو غير الله من أهل القبور فهل يُعقل أن يعبدوا غير الله ويُسميهم مسلمين ؟؟ )
واما من أخلد إلى الأرض فلم يسمه كافرا ولا مسلما وتوقف فيه لكن أيضا يسميه مشركا لأنه عبد غير الله فاسم الشرك يصدق عليه ويتناوله ) ،
والخلاصة في كلام الشيخ محمد :
1 ـ أنه لم يُسمِ أي واحد ممن عبد غير الله مسلما أبدا ،
2 ـ أنه نفى مسمى الكفر والقتل فقط لاغير ،
3ـ أنه وصفهم بأنهم يعبدون غير الله ويدعون غيره ، فأثبت لهم صفة المشرك لكن الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة وإن وصفه بكونه مشركا وعابدا لغير الله فلا يسميه ويصفه بالكفر إلا بعد قيام الحجة 0
الفصل الثالث
نقولات توضيحية من كلام طلاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب :
أولا المباشرين له الملازمين له (وفيه أحد عشر نقلا ونصا ) :
7ـ عن أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحمد بن ناصر قالوا في الدرر 10/136-138 لما سئلوا أن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرا جهلا منه بذلك فلا تكفرونه حتى تقوم عليه الحجة الرسالية فهل لو قتل من هذا حالة قبل ظهورهذه الدعوة موضوع أولا ؟(1/121)
فأجابوا قائلين إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله أو عدم من ينبهه لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة ولكن لا نحكم بأنه مسلم(1) بل نقول عمله هذا كفر يبيح المال والدم وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص(2) لعدم قيام الحجة عليه ولا يقال إن لم يكن كافرا فهو مسلم بل نقول : عمله عمل الكفار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة الرسالية وقد ذكر أهل العلم : أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات ولم يجعلوا حكمه حكم الكفار ولا حكم الأبرار ، الدرر10/137،
8ـ قال الشيخ حسين وعبد الله أبناء محمد بن عبد الوهاب في الدرر السنية 10/142 في من مات قبل هذه الدعوة ولم يدرك الإسلام وهذه الأفعال التي يفعلها الناس اليوم ولم تقم عليه الحجة ما الحكم فيه؟ ،
فأجابا أن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفا بفعل الشرك ويدين به ومات على ذلك فهذا ظاهرة أنه مات على الكفر(3) ولا يدعى له ولا يضحى له ولا يتصدق عليه أما حقيقة أمره(4) فإلى الله تعالى فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله تعالى .
( هنا أجازوا كونه في الظاهر على الكفر )
__________
(1) لاحظ هنا لم يحكم بإسلامه ولا يُسميه مسلما ،
(2) أي باسم الكفر ،واحكام الكفر من القتل أو القتال أو التعذيب ،أما إثبات اسم الشرك له وما يتبعه من عدم الاستغفار له فلم يُنف ،
(3) لاحظ سمياه قبل مشركا لانه يفعل الشرك ويدين به ،وقوله مات على كفر أي كفر شرك ولذا قالا بعده لايضحى له وهذه أحكام المشركين (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى )
(4) لاحظ لم يسمياه مسلما(1/122)
9ـ وقال الشيخ عبد العزيز قاضي الدرعية في الرسائل والمسائل النجدية 5/576 قال في جواب له لما سئل عن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرا جهلا منه بذلك فلا تكفرونه حتى تقوم عليه الحجة ؟
فقال إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله ولعدم من ينبهه لا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة ولكن لا نحكم بأنه مسلم(1) ، بل نقول عمله هذا كفر يبيح المال والدم وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص لعدم قيام الحجة عليه ولا يقال إن لم يكن كافرا فهو مسلم بل نقول عمله عمل الكفار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة الرسالية إليه وقد ذكر أهل العلم أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات ولم يجعلوا حكمهم حكم الكفار ولا حكم الأبرار .
10- أما الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فله كتاب مستقل في ذلك وهو كتاب الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة وهي في الدرر 10/149 في ذكر كلام العلماء المجتهدين أصحاب المذاهب الأربعة فيما يكفر به المسلم ويرتد وأنهم أول ما يبدون في باب حكم المرتد بالكلام في الشرك الأكبر وتكفيرهم لأهله وعدم عذرهم بالجهل ،
فذكر كلام الشافعية وذكر منهم ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر في الكبيرة الأولى ونص على عدم العذر بالجهل في قوله بيان الشرك وذكر جملة من أنواعه لكثرة وقوعها في الناس وعلى السنة العامة من غير أن يعلموا ( أي جهال ) أنها كذلك ونقل كلام النووي في شرح مسلم في الذبح لغير الله تعظيما أنه شرك وصار بالذبح مرتدا (وهذا تعيين لأن المنع من الذبيحة لمعين بها ) ، ونقل كلام أبي شامة في الباعث ،
__________
(1) لاحظ لم يسميه مسلما ،فضلا عن موحدا فضلا عن مؤمنا 0ولا يلزم من نفي الكفر إثبات انه مسلم ، وهذا في كلامهم جميعا(1/123)
ونقل كلام صاحب كتاب تبين المحارم في باب الكفر وذكر أنواع من الشرك الأكبر منها من سجد لغير الله أو أشرك بعبادته شيئا من خلقه أنه كفر بالإجماع ويقتل إن أصر على ذلك ،ونقل كلام الشيخ قاسم في شرح الدرر فيمن دعاء غير الله أو نذر له وأنه كفر ، ومن كلام المالكية نقل كلام أبي بكر الطرطوشي وصرح أن الذي يفعل في زمانه من العمد إلى الشجر ونحوه أنه مثل فعل المشركين ،
ثم ذكر كلام الحنابلة ، فذكر كلام ابن عقيل في تكفيره من عظم القبور وخاطب الموتى بالحوائج أنهم كفار بذلك ، ونقل كلام ابن تيمية وابن القيم ووالده وأطال في ذلك في تكفير من أشرك بالله وعدم عذره بالجهل ، اهـ ملخصا
11ـ وقال أيضا في الرسائل والمسائل القسم الأول من الجزء الأول (ص79) قال أما من مات وهو يفعل الشرك جهلا لا عناد فهذا نكل أمره(1) إلى الله تعالى ولا ينبغي الدعاء له والترحم عليه والاستغفار له وذلك لأن كثيرا من العلماء يقولون من بلغه القرآن فقد قامة عليه الحجة كما قال تعالى ( لأنذركم به ومن بلغ)
__________
(1) ولم يسمه مسلما ،ولذا قال بعدها لا ينبغي الدعاء له ولو كان مسلما لما قال ذلك ،بل أعطاه حكم المشركين من عدم الدعاء له(1/124)
وقد قال قبل ذلك ولكن في أزمنة الفترات(1) وغلبة الجهل لا يكفر الشخص المعين بذلك حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ويبين له ويعرف أن هذا هو الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله فإذا بلغته الحجة وتليت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ثم أصر على شركه(2) فهو كافر بخلاف من فعل ذلك جهالة منه ولم ينبه على ذلك فالجاهل فعله كفر ولكن لا يحكم بكفره(3) إلا بعد بلوغ الحجة فإذا قامت عليه الحجة ثم أصر على شركه فقد كفر ولو كان يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصلى ويزكي ويؤمن بالأصول الستة ..وراجع الدرر 10/274
__________
(1) هنا قال الفترات بالجمع ،وهذا مذهب أئمة الدعوة يرون أن زمن الفترات قد يتكرر بعد البعثة وكل زمن غلب فيه الجهل وعظم ولم توجد دعوة قائمة فهو زمن فترة وفي حكمها ،
(2) لاحظ سماه مصرا على الشرك وهو قبل الإصرار أصلا فاعل للشرك فسماه مشركا ونفى عنه اسم التكفير ،
(3) لاحظ نفى التكفير ولا يلزم من نفي التكفير إثبات اسم الإسلام(1/125)
12ـ وقال أيضا الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الرسائل والمسائل القسم الأول من الجزء الأول ص201، قال لما سئل عن من حلف بغير الله جهلا منه أنه شرك لا عنادا ولا معتقدا أن عظمته تساوي عظمة الله فقال الظاهر أن الذي يجهل مثل ذلك يعذر بالجهل(1) لأن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغ الرسالة إلى أن قال وكذلك إذا فعل شيئا من الشرك غير الحلف جهلا منه وخطأ فإذا نبه على ذلك تنبه وتاب ونزع كما جرى لقوم موسى عليه السلام وكما جرى للصحابة الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أجعل لنا ذات أنواط وأما من يفعل ذلك جهلا لا عنادا وماتوا عليه قبل أن يبلغهم أنه شرك هل يحكم بإسلامهم ويرجى لهم العفو من الله والمغفرة وينفعهم استغفار الأحياء لهم؟ فهذه المسألة أحسن الأجوبة فيها أن يقال الله أعلم بهم(2) كما قال موسى عليه السلام لما قيل له ( فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى).
13 ـ ونقل عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الدرر 10/274 إن سؤال الميت والاستغاثة به في قضاء الحاجات وتفريج الكربات من الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله واتفقت الكتب الإلهية والدعوات النبوية على تحريمه وتكفير فاعله والبراءة منه ومعاداته لكن زمن الفترات لا يكفر الشخص المعين بذلك حتى تقوم عليه الحجة الرسالة ويبين له ويعرف أن هذا هو الشرك الأكبر فان أصر على شركه فهو كافر ) باختصار ،
__________
(1) هذا في الشرك الأصغر ،لأن الحلف الذي ذكر هنا شرك أصغر ،
(2) لاحظ لم يسميهم مسلمين وهذا هو الشاهد ،(1/126)
14- قال الشيخ حمد بن ناصر(في الدرر 10/336) وأما من كان يعبد الأوثان ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدين فهذا ظاهره الكفر(1) وإن كان يحتمل انه لم تقم على الحجة الرسالية لجهله وعدم من ينبهه لأنا نحكم على الظاهر وأما الحكم على الباطن فذلك إلى الله والله تعالى لا يعذب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه كما قال تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وأما من مات منهم مجهول الحال(2) فهذا لا نتعرض له ولا نحكم بكفره ولا بإسلامه(3) وليس ذلك مما كلفنا به(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون )
15 ـ وقال أيضا في الدرر 11/75-77 قال إذا تقرر هذا فنقول إن هؤلاء الذين ماتوا قبل ظهور هذه الدعوة الإسلامية وظاهر حالهم الشرك(4) لا نتعرض لهم ولا نحكم بكفرهم ولا بإسلامهم(5) .فتاوى الأئمة النجدية 3/99.
16ـ واعتبر الشيخ حمد بن ناصر أن الرافضة كفار أصليين ولا يُعذرون بالجهل ،( الدرر 10/335 ) ،
نقولات من كلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن
(وهو من الطلاب الذين درسوا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب مباشرة في أول طلبه للعلم في آخر حياة جده )
وله كتب مستقلة في هذا الباب ،فقد عاصر من أثار شبة أن الجهل عذر في الشرك الأكبر أمثال داود بن جرجيس ،وعثمان بن منصور وأمثالهم كما سوف يأتي إن شاء الله وله رسائل خاصة وعامة في هذا الباب ،
__________
(1) لأنه يعبد الأوثان ،والكفر المسمى هنا كفر شرك
(2) لاحظ لم يسميه مسلما مع انه مجهول الحال ولم يسميه مسلما ولا مؤمنا ونفى عنه الكفر ولم يثبت له الإسلام لأنه يعبد الأوثان
(3) لاحظ لم يسميه مسلما فضلا عن مؤمنا فضلا عن موحدا
(4) إذا هم مشركون ، ومن ظاهر حاله الشرك فليس بمسلم
(5) وهنا نفى الكفر والإسلام وبقي يتناوله اسم الشرك لأنهم يفعلونه وماتوا عليه ،(1/127)
17 ـ فمن كتبه(1) في ذلك :كتاب القول الفصل النفيس في الرد على داود بن جرجيس ، و أحيانا يُسمى تأسيس التقديس ،
18 ـ كتاب المورد العذب في كشف شبه أهل الضلال (الدرر9/128،109ط دار الإفتاء )
19 ـ كتاب إرشاد طالب الهدى في الدرر 8/204،
20ـ الرد على ابن منصور في الدرر 9/،،200،194،187
21ـ رسالة في الرد على شبه من الأحساء في الدرر 9/151،135ط دار الإفتاء ،
22ـ رسالة في شرح أصل الإسلام وقاعدته في مجموعة التوحيد ،
23ـ رسالة في التحذير من التكفير في الدرر 9/179،163ط دار الإفتاء ،
24 ـ قال( في فتاوى الأئمة النجدية 3/155) والمقصود: بيان ما كان عليه شيخ الإسلام وإخوانه من أهل السنة والجماعة من إنكار الشرك الأكبر الواقع في زمانهم وذكرهم الأدلة من الكتاب والسنة على كفر من فعل(2) هذا الشرك أو اعتقده فإنه بحمد الله يهدم ما بناه ( هذا الجاهل المفتري) على شفا جرف هار .
25 ـ وقال 3/162 في جواب لأبن تيمية في الفتاوى المصرية في الفلاسفة بعد ما ذكر ما هم عليه قال فهم أكفر من اليهود ومن النصارى ، فعلّق على فتواه فقال ولم يقل شيخ الإسلام أنهم يعذرون بالجهل(3) بل كفرهم وقال أنهم ارتدوا ، قال ومن أضمره فهو منافق لا يستتاب عند أكثر العلماء .
26 ـ وقال ويقال وكل كافر قد أخطأ والمشركون لا بد لهم من تأويلات ويعتقدون أن شركهم بالصالحين تعظيم لهم ينفعهم ويدفع عنهم فلم يعذروا(4) بذلك الخطأ ولا بذلك التأويل ، فتاوى الأئمة النجدية3/168 .
__________
(1) المرجع في كتب ورسائل الشيخ عبد الرحمن ، كتاب المجدد الثاني (أي عبد الرحمن المذكور )للشيخ خالد الغنيم
(2) لاحظ علق الكفر بفعل الشرك ، ونقل الإجماع عليه
(3) ويقاس عباد القبور على هؤلاء بجامع المخالفة في الضرورات والمعلومة من الدين
(4) هنا لم يعذر المشركين ولا عباد القبور بالتأويل والجهل نوع من التأويل بل لم يحصل التأويل الخاطئ إلا من الجهل(1/128)
27 ـ ونقل عن ابن القيم في طبقات الناس في الطبقة السابعة عشر طبقة المقلدين وجهال الكفار(1) وأتباعهم قال اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع(2) أنه لا يحكم لهؤلاء بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مامن مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) ولم يعتبر في ذلك غير المربى(3) والمنشأ على ما عليه الأبوان (وقال فما لم يأت العبد بهذا أي التوحيد فليس بمسلم وإن لم يكن كافرا معاند ا فهو كافر جاهل(4) ،قاله في مقلدي الكفار) ، فتاوى الأئمة النجدية3/170 0
نقولات من كلام الشيخ عبد الله ابا بطين :
وله كتب في عدم العذر في الشرك الأكبر بالجهل ،
28ـ ومن كتبه المستقلة في ذلك كتاب الانتصار وهو من أهم الكتب في ذلك وقد رد فيه على داود بن جرجيس وأذنابه في ذلك ،
29ـ وله رسائل في تكفير المعين في الشرك الأكبر وعدم عذره بالجهل منها رسالة في الدرر 10/360 في تكفير المعين وعدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر ،
30 ـ وله رسالة أيضا أرسلها إلى إبراهيم بن عجلان في هذا الموضوع وهو عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر وهي في الدرر 10/376 0
31ـ وقال الشيخ أبا بطين أيضا في الدرر السنية 10/352 فلا عذر لأحد بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في عدم الإيمان به وبما جاء به بكونه لم يفهم حجج الله ،
32ـ ونقل عن ابن تيمية في الدرر السنية 10/355 أنه لم يتوقف في الجاهل ،
__________
(1) أي الأصليين
(2) أي في الكفار الأصليين
(3) أي يُسمى طفلا يهوديا وطفلا نصرانيا وهكذا وسماه يهوديا من اجل المربى والمنشأ أي العمل لانه يعمل عملهم ،واسم اليهودي ونحوه ليس له علاقة بالحجة ،
(4) ولم يكن الجهل مانعا من التكفير(1/129)
33ـ وقال إن من لم يكفر إلا المعاند إذا ارتكب كفرا فهذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة ، في الدرر السنية 10/359 ،
34ـ وقال في الدرر السنية 12/69-70 وقد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو شك في كفرهم ونحن نتيقن أن أكثرهم جهال .
35 - ونقل الشيخ أبا بطين في مجموعة الرسائل والمسائل 1/ 660 ، عن القاضي عياض في كتابه الشفاء في فصل بيان ما هو من المقالات كفر إلى أن قال أن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة غير الله أو مع الله فهي كفر إلى أن قال والذين أشركوا بعبادة الأوثان أو أحد الملائكة أو الشياطين أو الشمس أو النجوم أو النار أو أحد غير الله من مشركي العرب أو أهل الهند أو السودان أو غيرهم إلى أن قال أو أن ثم للعالم صانعا سوى الله أو مدبرا فذلك كله كفر بإجماع المسلمين ) فانظر حكاية إجماع المسلمين على كفر من عبد غير الله من الملائكة وغيرهم .
36- وقال الشيخ أبا بطين في الدرر السنية 12/72-73 ، وفي مجموعة الرسائل 1/659 قال فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولا أو مجتهدا أو مخطئا أو مقلدا أو جاهلا(1) معذور مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك مع أنه لا بد أن ينقض أصله فلو طرد أصله كفر بلا ريب كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك .
__________
(1) هنا لم يعذره بالجهل وما قبله ،واعتبر اعذاره بالجهل تناقض ومخالفة للإجماع(1/130)
37- وقال أيضا في الدرر 10/359 قال فكيف يقول هذا (أي الذي يعذر بالجهل في نواقض التوحيد) في من يشك في وجود الرب سبحانه وتعالى أو في وحدانيته أو يشك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو في البعث بعد الموت فإن طرد أصله في ذلك فهو كافر بلا شك كما قرره موفق الدين أي ابن قدامة في كلامه المتقدم وإن لم يطرد أصله في ذلك فلم لا يعذر بالشك في هذه الأشياء وعذر فاعل الشرك الأكبر المناقض لشهادة إلا إله إلا الله التي هي أصل دين الإسلام بجهله فهذا تناقض ظاهر .
38- قال أبا بطين في الرسائل والمسائل 2/211-213 قال أما حكم من مات في زمان الفترات ولم تبلغه دعوة رسول فإن الله سبحانه أعلم بهم واسم الفترة لا يختص(1) بأمة دون أمة كما قال الإمام أحمد في خطبة على الزنادقة والجهمية : الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة(2) من الرسل بقايا من أهل العلم ، ويروى هذا الفظ عن عمر)
ونقل أبا بطين عن ابن القيم الطبقة الرابعة عشر : قوم لا طاعة لهم ولا معصية ولا كفر ولا إيمان(3) قال وهؤلاء أصناف منهم من لم تبلغه الدعوة بحال ولا سمع لها بخبر ومنهم المجنون الذي لا يعقل شيئا ومنهم الأصم الذي لا يسمع شيئا ومنهم أطفال المشركين الذين ماتوا قبل أن يميزوا فاختلفت الأمة في حكم هذا الطبقة وأختار هو ما اختار شيخه ابن تيميه أنهم يكلفون يوم القيامة ونقل ابابطين عن ابن كثير إن القول بالامتحان إن هذا القول حكاة الأشعري عن أهل السنة .
__________
(1) هذه اختياره وعليه أئمة الدعوة أن زمن الفترة يمكن أن يعود مرة أخرى إذا غلب وعظم الجهل ولم يكن قائم بالدعوة
(2) هذا اختيار الإمام احمد أن زمن الفترة في كل زمان
(3) انظر إلى كلام ابن القيم حيث جعل أن هناك من يُوصف ويُنفى عنه الطاعة والمعصية والكفر والأيمان هذه أربعة أمور نفاها ابن القيم عنه لكن لم ينف عنه اسم الشرك والمشركين ولو كان يسميه مسلما لم يقل هذا الكلام(1/131)
39ـ وقال أبا بطين في رسالة الانتصار ص11 وأرسل الله جميع الرسل يدعون إلى التوحيد ومعرفة ضده وهو الشرك الذي لا يغفر ولا عذر لمكلف في الجهل(1) بذلك اهـ
40ـ وقال وأول شئ يبدأ به العلماء في باب حكم المرتد الشرك يقولون من أشرك بالله كفر لأن الشرك عندهم أعظم أنواع الكفر ولم يقولوا إن كان مثله لا يجهله(2) كما قالوا فيما دونه اهـ .
41 ـ ونقل ابا بطين في الدرر 10/392 عن ابن جرير عند تفسير قولة تعالى ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) قال ابن جرير وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور(3) اهـ
42ـ وقال ابا بطين في الدرر السنية 10/393 لما نقل حديث عدي ابن حاتم ما عبدناهم وقال صلى الله عليه وسلم(أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه ..الحديث ) قال أبا بطين فذمهم الله سبحانه وسماهم مشركين مع كونهم لم يعلموا أن فعلهم معهم هذا عبادة لهم فلم يعذروا بالجهل(4) اهـ .
43 ـ وقال لما نقل كلام ابن تيميه الإجماع على أن من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم فيسألهم أنه كافر مشرك يتناول الجاهل(5) وغيره اهـ.وانظر الدرر ايضا 10 /355
__________
(1) وهذا صريح في عدم العذر بالجهل
(2) 35 مكرر كالذي قبله
(3) لاحظ أن هنا اظافة وهوانه اختيار أيضا ابن جرير عدم العذر بالجهل لكن ومع ملاحظة أن الشيخ ابا يطين ذكره بالمعنى عن ابن جرير ،ونص كلام ابن جرير في تفسير سورة الأعراف عند ذكر تلك الآية
(4) وهذا صريح في العذر بالجهل
(5) 37 صريح كالذي قبله مكرر(1/132)
44-وقال أبا بطين في الدرر 12/69- 74 ، وأيضا 10/365) قال فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورا لجهلة فمن الذي لا يعذر ولازم هذه الدعوة أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند مع أن صاحب هذه الدعوة لا يمكنه طرد أصلة بل لا بد أن يتناقض فإنه لا يمكن أن يتوقف في من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو شك في البعث أو غير ذلك من أصول الدين والشاك جاهل وقال ولازم هذا أن لا نكفر جهلة اليهود والنصارى والذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم ولا الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار لأنا نقطع أنهم جهال وقد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو شك في كفرهم ونحن نتيقن أن أكثرهم جهال.
45 – وقال الشيخ أبا بطين في الدرر السنية ( 10 / 394 ، 395 ) قال : وقولك حتى تقوم عليهم الحجة الرسالية من إمام أو نائبه معناه أن الحجة الإسلامية لا تقبل إلا من إمام أو نائبة وهذا خطأ فاحش لم يقله أحد من العلماء بل الواجب على كل أحد قبول الحق ممن قاله كائنا من كان ومقتضى هذا أن من ارتكب أمرا محرما شركا فما دونه بجهل وبين له من عنده علم بأدلة الشرع أن ما ارتكبه حرام وبين له دليله من الكتاب والسنة أنه لا يلزمه قبوله إلا أن يكون ذلك من إمام أو نائبه وأن حجة الله لا تقوم عليه إلا أن يكون ذلك من الإمام أو نائبه وأظنك سمعت هذا الكلام من بعض المبطلين وقلدته فيه ما فطنت لعيبه وإنما وظيفة الإمام أو نائبه إقامة الحدود واستتابة من حكم الشرع بقتله كالمرتد في بلاد الإسلام وأظن هذه العبارة مأخوذة من قول بعض الفقهاء في تارك الصلاة أنه لا يقتل حتى يدعوه الإمام أو نائبه إلى فعلها والدعاء إلى فعل شيء غير بيان الحجة على خطئه أو صوابه أو كونه حقا أو باطلا بأدلة الشرع فالعالم مثلا يقيم الأدلة الشرعية على وجوب قتل تارك الصلاة ثم الإمام أو نائبه يدعوه إلى فعلها ويستتيبه اهـ .(1/133)
46 –…وقال الشيخ أبا بطين في مجموعة الرسائل والمسائل ، 1 / 657،( في رسالة له في تكفير المعين الذي أشرك بالله ولو جاهلا ) قال : فالأمر الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع العلماء على أن مثل الشرك بعبادة الله غيره سبحانه كفر فمن ارتكب شيئا من هذا النوع أو حسنه فهذا لا شك في كفره ولا بأس بمن تحققت منه أشياء من ذلك أن تقول كفر فلان بهذا الفعل(1) ويبين هذا أن الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتد أشياء كثيرة يصير بها المسلم مرتدا كافرا ويستفتحون هذا الباب بقولهم : من أشرك بالله فقد كفر وحكمه أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، والاستتابة إنما تكون مع معين ،
47ـ وقال فيها أيضا : وكلام العلماء في تكفير المعين كثير وأعظم أنواع هذا الشرك عبادة غير الله وهو كفر بإجماع المسلمين ولا مانع من تكفير من اتصف(2) بذلك لأن من زنا قيل فلان زان ومن رابا قيل فلان رابا . اهـ وانظر مجموعة المسائل 1/657
__________
(1) لاحظ علقه بالفعل و أجاز إجراء الاسم عليه
(2) لاحظ ربطه باتصافه بذلك ولم يعذره بالجهل(1/134)
48ـ وقال الشيخ أبا بطين في الدرر10/401 قال : نقول في تكفير المعين ظاهر الآيات والأحاديث وكلام جمهور العلماء يدل على كفر من أشرك بالله فعبد معه غيره ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره(1) قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) وقال تعالى ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وهذا عام في كل واحد من المشركين ، وجميع العلماء في كتب الفقه يذكرون حكم المرتد وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة الشرك فقالوا : إن من أشرك بالله كفر ولم يستثنوا الجاهل(2) ، ومن زعم لله صاحبه أو ولدا كفر ولم يستثنوا الجاهل ، ومن قذف عائشة كفر ، ومن استهزأ بالله أو رسله أو كتبه كفر إجماعا لقوله تعالى ( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) ويذكرون أنواعا كثيرة مجمعا على كفر صاحبها ولم يفرقوا بين المعين(3) وغيره ثم يقولون : فمن ارتد عن الإسلام قتل بعد الاستتابة ، فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته ، فالاستتابة بعد الحكم بالردة والاستتابة إنما تكون لمعين ويذكرون في هذا الباب حكم من جحد وجوب واحدة من العبادات الخمس أو استحل شيئا من المحرمات كالخمر والخنزير ونحو ذلك أو شك فيه يكفر إذا كان مثله لا يجهله ولم يقولوا ذلك في الشرك ونحوه مما ذكرنا بعضه بل أطلقوا كفره ولم يقيدوه بالجهل ولا فرقوا بين المعين وغيره وكما ذكرنا أن الاستتابة إنما تكون لمعين ، وهل يجوز لمسلم أن يشك في كفر من قال إن لله صاحبة أو ولدا أو إن جبريل غلط في الرسالة أو ينكر البعث بعد الموت أو ينكر أحدا من الأنبياء ؟ وهل يفرق مسلم بين المعين (4)
__________
(1) أي في مجال الشرك لافرق بين المعين وغيره والتفريق بينهم خلاف كلام هؤلاء الذين ذكرهم
(2) صريح في عدم العذر بالجهل بل ذكر الإجماع عليه
(3) هذه حكاية إجماع في عدم التفريق بين المعين وغيره في الشرك الأكبر بل بدعية ذلك
(4) انظر إلى تشديده على عدم التفريق بين المعين وغيره ،وصرح عن مسالة مهمة في الاستتابة أنها لاتكون إلا مع معين ،فإذا قيل استتابه فافهم أن ذلك مع معين ولابد ثم قال انه لا يقال استتابه إلا لمن سُمي أي جرى عليه اسم الشرك أو الكفر قبل ذلك ولابد(1/135)
وغيره في ذلك ونحوه وقد قال صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه ، وهذا يعم المعين وغيره ، وأعظم أنواع تبديل الدين الشرك بالله وعبادة غيره .. إلى أن قال ونحن نعلم أن من فعل ذلك ( الشرك ) ممن ينتسب للإسلام أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل ، فلو علموا أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد وأنه من الشرك الذي حرم الله لم يقدموا عليه ، فكفرهم جميع العلماء ولم يعذروهم بالجهل(1) كما يقول بعض الضالين : إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال .. إلى أن قال : وأما قول الشيخ ( ابن تيمية ) : ولكن لغلبة الجهل في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيره .. الخ فهو لم يقل انهم معذورون(2) لكن توقف منه في إطلاق الكفر(3) عليهم قبل التبيين فيجمع بين كلامه بأن يقال : إن مراده إننا إذا سمعنا من إنسان كلام كفر أو وجدناه في كلام بعض الناس المنظوم أو المنثور إننا لا نبادر في تكفير من رأينا منه ذلك أو سمعناه حتى نبين له الحجة الشرعية ، هذا مع قولنا إن هؤلاء الغلاة الداعين للمقبورين أو الملائكة أو غيرهم الراغبين إليهم بقضاء حوائجهم مشركون(4) كفار .
__________
(1) وهذا صريح جدا لاتعليق بعده
(2) هذا قيد مهم
(3) لاحظ اىاسم الكفر فقط ومع ذلك لا يسمون مسلمين لأنهم يفعلون الشرك كما قال قبل كلامه ذلك
(4) لاحظ لم يسمه كافرا لكن سماه مشركا(1/136)
49 – وقال أبا بطين في الدرر ( 10 / 360 ، 375 ) قال : إن قول الشيخ تقي الدين : إن التكفير والقتل موقوف على بلوغ الحجة(1) يدل من كلامه على أن هذين الأمرين وهما التكفير والقتل ليسا موقوفين على فهم الحجة مطلقا بل على بلوغها ففهمها شيء وبلوغها شيء آخر ، فلو كان هذا الحكم موقوفا على فهم الحجة لم نكفر ونقتل إلا من علمنا أنه معاند خاصة ، وهذا بين البطلان بل آخر كلامه رحمه الله يدل على أنه يعتبر فهم الحجة في الأمور التي تخفى على كثير من الناس وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة كالجهل ببعض الصفات
وأما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد والإيمان بالرسالة فقد صرح رحمه الله في مواضع كثيرة بكفر أصحابها وقتلهم بعد الاستتابة ولم يعذرهم بالجهل(2) مع أننا نتحقق أن سبب وقوعهم في تلك الأمور إنما هو الجهل بحقيقتها فلو علموا أنها كفر تخرج من الإسلام لم يفعلوها ...
ثم ذكر أمثلة في كل من غلا في نبي أو صالح فجعل فيه نوعا من الألوهية .. إلى أن قال : ونحو هذه الأقوال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل ..،
__________
(1) انظر إلى فهمهم لكلام ابن تيمية ،وهذا النص يخصص إطلاقا ته في مواضع أخرى
(2) انظر لحكايته كلام ابن تيمية وهو صريح أن ابن تيمية لا يعذر بالجهل في الأمور المناقضة للتوحيد والأيمان بالرسالة أو الأشياء التي هي من خصائص الربوبية كما يأتي(1/137)
إلى أن قال : فانظر إلى قول ابن تيمية لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقل حتى يتبين لهم ونتحقق منهم المعاندة بعد المعرفة .. إلى أن قال : فانظر إلى تفريقه بين المقالات الخفية والأمور الظاهرة فقال في المقالات الخفية التي هي كفر : قد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة فالأمر ظاهر في الفرق بين الأمور الظاهرة والخفية فيكفر بالأمور الظاهرة حكمها مطلقا وبما يصدر منها من مسلم جهله كاستحلال محرم أو فعل أو قول شركي بعد التعريف ، ولا يكفر بالأمور الخفية جهلا كالجهل ببعض الصفات فلا يكفر الجاهل بها مطلقا وإن كان بها داعية كقوله للجهمية : انتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال .
وقوله عندي يبين أن عدم تكفيرهم ليس أمرا مجمعا عليه لكنه اختياره ، وقوله في هذه المسألة خلاف المشهور في المذهب ، فإن الصحيح من المذهب تكفير المجتهد الداعي إلى القول بخلق القران أو نفي الرؤية أو الرفض ونحو ذلك وتفسيق المقلد ،
قال المجد : الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها كمن يقول بخلق القران أو أن علم الله مخلوق أو أن أسماءه مخلوقة أو أنه لا يرى في الآخرة أو يسب الصحابة تدينا أو أن الإيمان مجرد اعتقاد وما أشبه ذلك ، فمن كان عالما بشيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره نص أحمد على ذلك في مواضع ,. اهـ انظر كيف حكموا بكفرهم مع جهلهم(1) والشيخ رحمه الله يختار عدم كفرهم ويفسقون عنده ،
__________
(1) هذا هو الشاهد عدم العذر بالجهل وهو قول من ذكر(1/138)
ونحوه قول ابن القيم رحمه الله فإنه قال : وفسق الاعتقاد كفسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ويحرمون ما حرم الله ويوجبون ما أوجب الله ولكن ينفون كثيرا مما أثبت الله ورسوله جهلا وتأويلا وتقليدا للشيوخ ويثبتون مالم يثبته الله ورسوله كذلك ، وهؤلاء كالخوارج المارقة وكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهم ، وأما غلاة الجهمية فكغلاة الرافضة(1) ليس للطائفتين في الإسلام نصيب ولذلك أخرجهم جماعة من السلف من الثنتين والسبعين فرقة وقالوا : هم مباينون للملة اهـ انتهى كلام ونقل ابا بطين .
قلت : والأقرب التفريق بين زمن ابن تيمية وزمن من قبله من حيث ظهور الحجة وظهور العلم والاختلاف في الاختيارين سببه الاختلاف في الزمانين .وزمن ابن تيمية زمن غلبة جهل وزمن فترة ،
نقولات من كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ
وله كتب في هذا الشأن حيث عاصر أناسا يرون العذر بالجهل في الشرك الأكبر
50ـ ومن أعظم كتبه في ذلك كتاب منهاج التأسيس في الرد على داود بن جرجيس
وله رسائل في ذلك موجودة في الدرر ، و مجموع الرسائل نذكر منها مقتطفات إن شاء الله 51ـ قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن (أهل العلم والإيمان لا يختلفون في أن من صدر منه قول أو فعل يقتضي كفره أو شركه أو فسقه أنه يحكم عليه بمقتضى ذلك وإن كان يقر بالشهادتين )الرسائل والمسائل 3/225 ،
__________
(1) فالسلف كفروا غلاة الجهمية وغلاة الرافضة ،وقاس عليهم ائمة الدعوة عباد القبور بجامع ارتكاب ما علم من الضرورة التكفير به ،والقياس هنا قياس شبه اما مع الرافضة فهو قياس اولى(1/139)
52– قال الشيخ عبد اللطيف في الدرر السنية ( 12 / 260 ، 264 ) قال : وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد رأى كفرا بواحا كالشرك بالله وعبادة ما سواه والاستهزاء به تعالى أو آياته أو رسله أو تكذيبهم أو كراهية ما أنزل الله من الهدى ودين الحق أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله ونحو ذلك ، فالمكفر بهذا وأمثاله مصيب مأجور مطيع لله ورسوله .. إلى أن قال : والتكفير بترك هذه الأصول وعدم الإيمان بها من أعظم دعائم الدين يعرفه كل من كانت له نهمة في معرفة دين الإسلام ... وقال : وما نقله القاضي عن مالك من حمله الحديث عن الخوارج موافق لإحدى الروايتين عن أحمد في تكفير الخوارج واختارها طائفة من الأصحاب وغيرهم لأنهم كفروا كثيرا من الصحابة واستحلوا دمائهم وأموالهم متقربين بذلك إلى الله فلم يعذروهم بالتأويل الباطل لكن أكثر الفقهاء على عدم كفرهم لتأويلهم وقالوا : من استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل كفر وإن كان استحلالهم ذلك بتأويل كالخوارج لم يكفر .
53– وقال الشيخ عبد اللطيف في منهاج التأسيس ص 315 : إن كلام الشيخين ( ابن تيمية وابن القيم ) في كل موضع فيه البيان الشافي أن نفي التكفير بالمكفرات قوليها وفعليها فيما يخفى دليله ولم تقم الحجة على فاعله وأن النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه قبل قيام الحجة وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النزاع بين الأمة وأما دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وقصدهم في الملمات والشدائد فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه أو الحكم بأنه من الشرك الأكبر(1) وتقدم عن الشيخ ( بن تيمية ) أن فاعله يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
__________
(1) انظر إلى فهمهم لكلام ابن تيمية وابن القيم بل نقل الإجماع وانه لا ينازع فيه أحد(1/140)
54– وقال الشيخ عبد اللطيف في المنهاج ( ص 320 ) قال : وكيف لا يحكم الشيخان ( ابن تيمية وابن القيم ) على أحد بالكفر أو الشرك وقد حكم به الله ورسوله (1)وكافة أهل العلم وهذان الشيخان يحكمان أن من ارتكب ما يوجب الكفر والردة والشرك يحكم عليه بمقتضى ذلك وبموجب ما اقترف كفرا أو شركا أو فسقا إلا أن يقوم مانع شرعي يمنع من الإطلاق وهذا له صور مخصوصة لا يدخل فيها من عبد صنما أو قبرا أو بشرا أو مدرا لظهور البرهان وقيام الحجة بالرسل اهـ .
نقولات من كلام الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن
55ـ وله رسالة عظيمة اسمها (تكفير المعين ) في عدم العذر بالجهل وأنه من البدع المحدثة التفريق بين القول والقائل في الشرك الأكبر ،وكل النقل الآتي كله من هذه الرسالة ،وقد ابتلي في عصره بطائفة من أهل الاحساء تعذر بالجهل وينتسبون إلى طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فبين أنهم ليسوا على طريقة الشيخ محمد ولا ابن تيمية ولا ابن القيم ولا غيرهم من السلف ونقل أكثر من إجماع في ذلك ،
56- ومن رسالة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن في حكم تكفير المعين قال فقد بلغنا وسمعنا من فريق ممن يدعي العلم والدين وممن هو بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب أن من أشرك بالله وعبد الأوثان لا يطلق عليه الكفر والشرك بعينه(2) وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض الأخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل دعا النبي صلى الله عليه وسلم و استغاث به فقال له الرجل لا تطلق عليه الكفر حتى تعرفه ، فتاوى الأئمة النجدية 3/116.
__________
(1) انظر نقله عن الكافة وان من عبد صنما أو بشرا كما قال هو انه لا يعذر أبدا بالجهل
(2) هذا صريح جدا في عدم العذر بالجهل ،وهل بعد هذا صراحة(1/141)
57ـ وقال أيضا في كتابه وذلك أن بعض من أشرنا إليه باحثته عن هذه المسألة فقال نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها ومن فيها فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك(1) واعتبر أن هذا القول بدعه ثم قال وذكر الذي حدثني عن هذا أنه سأله بعض الطلبة عن ذلك وعن مستندهم فقال : نكفر النوع ولا نعين الشخص إلا بعد التعريف ومستندنا ما رأيناه في بعض رسائل الشيخ محمد (قدس الله روحه )على أنه امتنع من تكفير من عبد قبة الكواز وعبد القادر من الجهال لعدم من ينبه ،قال ذلك إسحاق على وجه الإنكار على هذا القول الباطل ،
58ـ وقال ومسألتنا هذه وهي : عبادة الله وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة ، وهي أصل الأصول وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول(2) إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفي دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية : كالصرف والعطف ، وكيف يعرفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين(3) ولا يدخلون في مسمى الإسلام وهل يبقى مع الشرك عمل .
59ـ وقال ( ومن يشرك بالله فقد حبط عمله ) إلى غير ذلك من الآيات ولكن هذا المعتقد يلزم منه معتقد قبيح وهو : أن الحجة لم تقم على هذه الأمة بالرسول والقرآن نعوذ بالله من سوء الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب والرسول.
__________
(1) لاحظ ذلك ،وما يأتي بعده انه اعتبره بدعة
(2) لاحظ نسبه للائمة ان التعريف ليس في مسائل الأصول
(3) وهذا صريح ليس بعده صراحة في أن عباد القبور ليسوا مسلمين ولا يعذرون بالجهل(1/142)
60ـ وقال وهذه الشبهة التي ذكرنا قد وقع مثلها أو دونها لأناس في زمن الشيخ محمد رحمه الله ولكن من وقعت له يراها شبهة ويطلب كشفها وأما من ذكرنا فإنهم يجعلونها أصلا ويحكمون على عامة المشركين بالتعريف ويجهّلون من خالفهم فلا يوفقون للصواب
61ـ وقال فتأمل قوله في : تكفير هؤلاء العلماء وفي كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأنه صريح في كلام ابن القيم رحمه الله وفي حكايته عن صاحب الرسالة وحكم عليه بآية المنافقين وأن هذا حكم عام . وقال ثم تجد كثيرا من رؤسائهم وقعوا في هذه الأنواع : فكانوا مرتدين وكثيرا تارة يرتد عن الإسلام ردة صريحة إلى أن قال : وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في الردة كما صنف : الرازي في عبادة الكواكب وهذه الردة عن الإسلام باتفاق المسلمين ( أي ولم يعذره بالتأويل ،والتأويل مثل الجهل في الأحكام بل ما أول إلا جاهل )
62ـ وقال ثم تأمل كلام شيخ الإسلام في حكمه عليهم بالكفر وهل قال : لا يكفرون حتى يعرفوا أو لا يسمون : مشركين(1) بل فعلهم شرك كما قال من أشرنا إليه .
__________
(1) انتبه الى هذا في كلام ابن تيمية ،وهو تسمية من فعل الشرك انه مشرك(1/143)
63ـ وقال ثم تأمل حكاية الشيخ عن شيخ الإسلام في كلامه على المتكلمين ومن شاكلهم : وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها حتى يعرف لكن يكون ذلك في الأمور الظاهرة إلى أن قال : إن اليهود والنصارى والمشركين يعلمون أن محمدا بعث بها وكفر من خالفها مثل : أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سواه من النبيين والملائكة ثم تجد كثيرا من رؤسائهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين إلى أن قال الشيخ : فتأمل كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية وبين ما نحن فيه في كفر المعين وتأمل تكفيره رؤسائهم فقف وتأمل كما قال الشيخ . وقال وقد ذكر الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى في شرح التوحيد في مواضع منه : أن من تكلم بكلمة التوحيد وصلى وزكى ولكن خالف ذلك بأفعاله وأقواله من دعاء الصالحين والاستغاثة بهم والذبح لهم أنه شبيه باليهود والنصارى في تكلمهم بكلمة التوحيد ومخالفتهم ،
64ـ فعلى هذا يلزم من قال بالتعريف للمشركين(1) : أن يقول بالتعريف باليهود والنصارى في تكلمهم بكلمة التوحيد ومخالفتها ولا يكفرهم إلا بعد التعريف وهذا ظاهر بالاعتبار جدا .
__________
(1) انظر إلى هذا التلزيم المفحم(1/144)
65ـ وقال أنه سقط السؤال وفرضه في التكفير في المسائل التي وقع فيها نزاع وخلاف بين أهل السنة والجماعة والخوارج والروافض فإنهم كفروا المسلمين وأهل السنة بمخالفتهم فيما ابتدعوه وأصلوه ووضعوه وانتحلوه ما أسقط هذا خوفا من أن يقال دعا أهل القبور وسؤالهم والاستغاثة بهم من هذا الباب ولم يتنازع فيها المسلمون بل هي مجمع على أنها من الشرك المكفر(1) كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيميه وجعلها مما لا خلاف في التكفير بها فلا يصح حمل كلامه هنا على ما جزم هو بأنه كفر مجمع عليه ولو صح حمل هذا العراقي لكان قوله قولا مختلفا وقد نزهه الله وصانه عن هذا فكلامه متفق يشهد بعضه لبعض . وقال فمن اعتقد في بشر أنه إله أو دعا ميتا وطلب منه الرزق والنصر والهداية وتوكل عليه وسجد له فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه . وقال فبطل استدلال العراقي وانهدم من أصله كيف يجعل النهي عن تكفير المسلمين متناولا لمن يدعو الصالحين ويستغيث بهم مع الله ويصرف لهم من العبادات ما لا يستحق إلا الله وهذا باطل بنصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة. وقال وقد سئل عن مثل هؤلاء الجهال فقرر : أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها يكفر(2) بعبادة القبور وأما من أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ما حاله . وقال وقد سبق من كلامه ما فيه كفاية مع أن العلامة ابن القيم رحمه الله جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته وتأهلوا لذلك وأعرضوا ولم يلتفتوا ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل فهو عنده من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة رسول من الرسل ، وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم ـ وسيأتيك كلامه ـ وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه
__________
(1) انظر الى حكاية الإجماع
(2) لاحظ أن الكلام هل يطلق عليه اسم الكفر ام لا ؟،اما اسم الشرك وانه مشرك فهذا ثابت لم يتعرض له(1/145)
يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة أن لا إله إلا الله وبقاء الإسلام ومسماة مع بعض ما ذكره الفقهاء في باب حكم المرتد أظهر من بقائه مع عبادة الصالحين ودعائهم اهـ.
66ـ وقال فتأمل قوله رحمه الله : دعاء القبور وسؤالهم والاستغاثة بهم ليست من هذا الباب ولم يتنازع فيها المسلمون بل مجمع على أنها من الشرك المكفر كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيميه نفسه وجعله مما لا خلاف بالتكفير به. وقال وتفطن أيضا فيما قال الشيخ عبد الطيف فيما نقله عن ابن القيم أن أقل أحوالهم أن يكونوا مثل أهل الفترة الذين هلكوا قبل البعثة ومن لا تبلغه دعوة نبي من الأنبياء إلى أن قال : وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم(1) ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة ألا إله إلا الله اهـ
نقولات من كلام عبد الله وإبراهيم ابناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان:
وقد تكلموا عن ذلك كثيرا وقد عاصروا من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر ،واكثر من أبلى بلاء حسنا في ذلك الشيخ سليمان بن سحمان حيث ألف كتبا في ذلك منها :
67 ـ كتاب كشف الشبهتين ،
68ـ وكتاب كشف الأوهام والالتباس
69ـ وكتاب تمييز الصدق من المين ،وهى ثلاثة كتب عظيمة جدا في هذا الباب بل هي تلخيص لكلام أئمة الدعوة في ذلك وهى توضيح لكلام الإمامين الجليلين ابن تيمية وابن القيم
70ـ قال عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان (وأما الجهمية وعباد القبور فلا يستدل بمثل هذه النصوص على عدم تكفيرهم إلا من لا يعرف حقيقة الإسلام 00وقالوا لأن ما قام به من الشرك يناقض ما تكلم به من كلمة التوحيد )
__________
(1) لاحظ نفى عنهم الإسلام وهذا هو الشاهد والمهم ومحل النزاع(1/146)
71 ـ ومسلك هؤلاء الأئمة الثلاثة قياس كفر عباد القبور على تكفير السلف للجهمية وعدم عذر السلف للجهمية في التكفير بالجهل 0الدرر 10/432،
72ـ وذكر الشيخ عبد الله وإبراهيم أبناء عبد الطيف وسليمان بن سحمان في الدرر
(10/437-433 ) قالوا إن أهل العلم والحديث لم يختلفوا في تكفير الجهمية إلى أن قالوا وقد ذكر شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم في غير موضع أن نفي التكفير بالمكفرات قوليها وفعليها فيما يخفى دليله ولم تقم الحجة على فاعلة وأن النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه قبل قيام الحجة وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النزاع بين الأمة وأما دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وقصدهم في الملمات والشدائد فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه والحكم بأنه من الشرك الأكبر(1) فليس في تكفيرهم وتكفير الجهمية قولان .
73 ـ وفي الدرر 10/434 فسروا توقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب في من كان على قبة الكواز وعدم تكفير الوثني حتى يدعوهما فإنه لم يكفر الناس ابتداء إلا بعد قيام الحجة والدعوة لأنه إذ ذاك في زمن فترة وعدم علم بآثار الرسالة ولذلك قال لجهلهم وعدم من ينبههم فأما إذا قامت الحجة فلا مانع من تكفيرهم وإن لم يفهموها ) اهـ ولاحظ أن الكلام في التكفير ، أما نفي الإسلام عنهم فينفيه وإن لم يكفرهم لأنهم يفعلون الشرك واسمه يتناولهم ويصدق عليهم فيلحقهم اسم الشرك ،
__________
(1) لاحظ حكاية الإجماع وذكر نفي الخلاف بين السلف في تكفير الجهمية وعباد القبور(1/147)
74ـ وقال الشيخ عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان في الدرر السنية ( 10 / 432 ، 435 ) قالوا : وأما الجهمية وعباد القبور فلا يستدل بمثل هذه النصوص ( من صلى صلاتنا ونظائرها من النصوص النبوية ) على عدم تكفيره إلا من لم يعرف حقيقة الإسلام وما بعث الله به الرسل الكرام ، لأن حقيقة ما جاءوا به ودعوا إليه وجوب عبادة الله وحده لا شريك له ، وإخلاص العمل له وألا يشرك في واجب حقه أحد من خلقه وأن يوصف بما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال فمن خالف ما جاءوا به ونفاه وأبطله فهو كافر ضال وإن قال لا اله إلا الله وزعم أنه مسلم لأن ما قام به من الشرك يناقض ما تكلم به من كلمة التوحيد فلا ينفعه التلفظ بقول لا اله إلا الله لأنه تكلم بما لم يعمل به ولم يعتقد ما دل عليه ، وأما قوله : نقول بأن القول كفر ولا نحكم بكفر القائل فإطلاق هذا جهل(1) صرف لأن هذه العبارة لا تنطبق إلا على المعين ،
75ـ وقال الشيخ سليمان بن سحمان في كشف الشبهتين ص64 قال إن الشرك الأكبر من عبادة غير الله وصرفها لمن أشركوا به مع الله من الأنبياء والأولياء والصالحين فإن هذا لا يعذر أحد في الجهل به بل معرفته والإيمان به من ضروريات الإسلام ،
76ـ ونقل ابن سحمان عن شيخه الشيخ عبد الطيف في منهاج التأسيس ص102-105 قال ولذلك حكم على المعينين من المشركين من جاهلية العرب الأميين لوضوح الأدلة وظهور البراهين وفي حديث بني المنتفق (إذا مررت على قبر دوسي أو قرشي فقل إن محمد يبشرك بالنار ) هذا وهم أهل فترة فكيف بمن نشأ من هذه الأمة وهو يسمع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأحكام الفقهية في إيجاب التوحيد والأمر وتحريم الشرك والنهي عنه اهـ
__________
(1) لاحظ لهذا(1/148)
77ـ ونقل عن مشايخه مقررا لهم كما في فتاوى الأئمة النجدية 3/195-196 (وأما مسألة عبادة القبور ودعائهم مع الله فهي مسألة وفاقية التحريم وإجماعية المنع والتأثيم فلم تدخل في كلام الشيخ ( ابن تيميه) لظهور برهانها ووضوح أدلتها وعدم اعتبار الشبهة فيها وقال قد تقدم أن عامة الكفار والمشركين من عهد نوح إلى وقتنا هذا جهلوا وتأولوا وأهل الحلول والاتحاد كابن عربي وابن الفارض والتلمساني وغيرهم من الصوفية تأولوا وعباد القبور والمشركون الذين هم محل النزاع(1) تأولوا إلى أن قال والنصارى تأولت وقال من المعلوم بالضرورة من الدين أن الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان وعلية يستحيل تحت أي شبهة من الشبة أن يكون المشرك مسلما(2) لأن ذلك يؤدي إلى اجتماع النقيضين ووقوع المحال اهـ.
78ـ ونقل الشيخ ابن سحمان في كشف الشبهتين ص92- عن شيخه عبد اللطيف مقررا له قوله : فلا يعذر أحد في عدم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل(3) ، وقد أخبر سبحانه بجهل كثير من الكفار ومع تصريحه بكفرهم ..
__________
(1) لاحظ نقل الاجماع من لدن نوح وان الجهل ليس عذرا وان السلف لم يعذروا هذه الطوائف بالجهل وهم خمسة
(2) لاحظ انه قال باستحالة أن يكون المشرك مسلما ولذا يستحيل شرعا أن يكون عباد القبور مسلمين وان نطقوا بالشهادة وصلوا وصاموا ،فكيف بمن قال أن من ذبح لغير الله أو دعا غير الله انه مسلم جاهل فجمع بين النقيضين
(3) لاحظ عدم العذر بالجهل في هؤلاء ومثلهم من لم يؤمن بألوهية الله(1/149)
79ـ وقال في كشف الشبهتين ص 93-94 : أما مسألة توحيد الله وإخلاص العبادة له فلم ينازع في وجوبها أحد من أهل الإسلام ولا أهل الأهواء(1) ولا غيرهم ، وهي معلومة من الدين بالضرورة ، كل من بلغته الرسالة وتصورها على ما هي عليه ، وكذلك الجهمية الذين أخرجهم أكثر السلف من الثنتين والسبعين فرقة .. إلى أن قال : فالشخص المعين إذا صدر منه ما يوجب كفره من الأمور التي هي معلومة من ضروريات دين الإسلام مثل : عبادة غير الله سبحانه وتعالى ومثل جحد علو الله على خلقه ونفي صفات كماله ونعوت جلاله الذاتية والفعلية ومسألة علمه بالحوادث والكائنات قبل كونها ، فإن المنع من التكفير والتأثيم بالخطأ في هذا كله رد على من كفر معطلة الذات ومعطلة الربوبية ومعطلة الأسماء والصفات ومعطلة إفراده تعالى بالإلهية(2) والقائلين بأن الله لا يعلم الكائنات قبل كونها كغلاة القدرية ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية ومن قال بالأصلين النور والظلمة ، فإن من التزم هذا كله فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى ،
80 ـ وقال في كشف الشبهتين ص 95 إن كلام شيخ الإسلام إنما يعرفه ويدريه من مارس كلامه وعرف أصوله ، فإنه قد صرح في غير موضع أن الخطأ قد يغفر لمن لم يبلغه الشرع ولم تقم عليه الحجة في مسائل مخصوصة إذا اتقى الله ما استطاع واجتهد بحسب طاقته ، وأين التقوى وأين الاجتهاد الذي يدعيه عباد القبور والداعون للموتى والغائبين والمعطلون للصانع عن علوه على خلقه ونفي أسمائه وصفاته ونعوت جلاله اهـ
__________
(1) هذا يدل أن أهل الأهواء ملتزمين بالتوحيد وليس من مذهبهم الشرك بالله قبل الرافضة لأنهم هم الوحيدون من أهل الأهواء الذين لم يلتزموا التوحيد وعندهم شرك اكبر
(2) هؤلاء المعطلة الخمسة حكمهم واحد في عدم العذر بالجهل :1ـمعطلة الذات ،2ـ معطلة الربوبية ،3ـ معطلة الأسماء والصفات ،4ـ معطلة إفراده بالعبادة و هؤلاء هم المقصودون 5ـ معطلة علم الله 0(1/150)
81 ـ وقال الشيخ ابن سحمان في كشف الشبهتين ص 79 –80 في ذكر مذهب ابن تيمية في عدم التكفير في المسائل الخفية حتى تقوم الحجة وأما المسائل الظاهرة الجلية المعلومة من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله .
82 ـ وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ، قال جامع الفتاوى في الفهرس هل يعذر بالجهل بالتوحيد ثم قال سئل (أي الشيخ محمد بن إبراهيم )ولو كان جاهلا فقال الشيخ :التوحيد ما فيه جهل ، هذا ليس مثله يُجهل إنما هذا معرض عن الدين يجهل الإنسان الشمس ؟ الفتاوى 12/198 0
نقولات من كلام اللجنة الدائمة وغيرها :
83 ـ في فتوى اللجنة (1/220) أجابوا قائلين كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر ما جاء به في الشريعة إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق يعتبر كافرا مرتدا عن الإسلام مشركا مع الله غيره في العبادة ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده لإتيانه ما ينقض قوله من سجوده لغير الله لكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم وتقام عليه الحجة ويمهل ثلاثة أيام عذرا إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته... فالبيان وإقامة الحجة للاعذار إليه قبل إنزال العقوبة به لا ليسمى كافرا بعد البيان فإنه يسمى كافرا بما حدث منه من سجود لغير الله(1) أو نذره قربه أو ذبحة شاة مثلا لغير الله اهـ
84- وقال الشيخ ابن باز (رحمه الله ) الأمور قسمان قسم يعذر فيه بالجهل وقسم لا يعذر فيه بالجهل فإذا كان من أتى ذلك بين المسلمين وأتى الشرك بالله وعبد غير الله فإنه لا يعذر لأنه مقصر لم يسع ولم يتبصر في دينة فيكون غير معذور في عبادته غير الله . فتاوى ابن باز(ج4/26-27) 0
__________
(1) اما كلام اللجنة وفقهم الله ورحم من مات منهم فهو واضح وضوح الشمس ،ومثله كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بعد هذا الكلام فهو واضح أيضا 0(1/151)
85 ـ وهو قول شيخنا الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله ورعاه 0
مسالة في تاريخ هذه الشبهة : لم تظهر هذه الشبهة قبل عصر ابن تيمية لأن كل من ادعى العذر فإن اقدم ما يستدل به من الاقوال كلام ابن تيمية انه يعذر ، ثم ظهرت هذه الشبهة في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب على محورين :1 ـ أناس ضلال أثاروها فرد عليهم في مفيد المستفيد ، 2 ـ أخف لأنها ظهرت في أناس من باب الاشتباه وكانوا يطلبون الحق ،أمثال بعض طلابه في الدرعية ،وفي الاحساء ثم خمدت فيما بعد ،
ثم ظهرت في الجيل الثاني في زمن الحفيد عبد الرحمن بن حسن ،تبناها داود بن جرجيس وعثمان بن منصور فتصدى لها الشيخ عبد الرحمن وساعده ابنه عبد اللطيف في مصنفات معروفة ،وساعدهم أيضا الشيخ ابابطين ، ثم ظهرت في الجيل الثالث فتصدى لها الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن والشيخ ابن سحمان في مصنفات وفتاوى وساعد على ذلك أبناء الشيخ عبد اللطيف وهما عبد الله وإبراهيم ، ولازالت موجودة وتتجددكل عصر ،
و هناك في العصر الحاضر من أظهر أن مسألة العذر بالجهل فيها خلاف، ثم يحكي الخلاف على قولين ، وهذا موجود في بعض الكتب المعاصرة ، مع أنه إذا ذكر الخلاف لاينسبه إلى أحد ، وإنما نسبة مطلقة ، و منشأ هذا الفهم هو ظنهم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب له قولان في المسألة حيث نظروا إلى بعض نصوص الشيخ محمد ففهموا منها العذر بالجهل ،
وهومبني على توهم وظن وفهم خاطئ ، وهذا تكلمنا عليه في فصول سابقة وأجبنا عمن فهم هذه النصوص وذكرنا الفهم الصحيح لذلك ،(1/152)
والخلاصة أن حكاية الخلاف في مسالة العذر بالجهل محدث لم يظهر إلا في العصر هذا ، أما العصور السابقة فإنها تذكر على أنها اجتهاد لا يُساق فيه خلاف ، وهذه مثل مسألة من قال إن تكفير الجهمية فيه خلاف على قولين ثم يحكي الخلاف ولا ينسبه إلى أحد إنما هو ظن خاطئ مبني على فهم خاطئ لبعض كلام ابن تيمية ، وهذه ظهرت في عصر الشيخ سليمان بن سحمان فرد عليهم أن المسالة وفاقية في تكفير الجهمية وليس فيها خلاف كما في كتابه رفع الالتباس وكتاب كشف الشبهتين ، وقد نقلنا نصوصه في ذلك في الفصول السابقة ، وأيضا تصدى لذلك عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف ، قالوا:( وأما دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وقصدهم في الملمات والشدائد فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه والحكم بأنه من الشرك الأكبر فليس في تكفيرهم وتكفير الجهمية قولان )،
(النجدية 3/66 ) والله اعلم ،
فصل
في نقولات من كلام أهل العلم في مسألة الجهل :
1ـ وفي الصحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوم نوح عليه السلام (فلم نُسى العلم عُبدت ) اهـ فعُبدت وقت الجهل ،فسُمّوا عابدين لغير الله مع جهلهم ،
2ـ في بدائع الصنائع 7/132(كتاب السير ،باب الأحكام التي تختلف باختلاف الدارين قال : فإن أبا يوسف روى عن أبى حنيفة كان يقول لاعذر لأحد من الخلق في جهله معرفة خالقه لأن الواجب على جميع الخلق معرفة الرب سبحانه وتعالى وتوحيده لما يرى من خلق السماوات والأرض وخلق نفسه وسائر ما خلق الله سبحانه وتعالى فأما الفرائض فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية اهـ
3ـ قال الشيخ عبد اللطيف في مصباح الظلام ص 123 وفي كتاب السنة لعبد الله بن أحمد : حدثني أبو سعيد بن يعقوب الطالقاني أنبانا المؤمل بن إسماعيل سمعت عمارة بن زازان قال :بلغني أن القدرية يحشرون يوم القيامة مع المشركين فيقولون والله ما كنا مشركين فيقال لهم إنكم أشركتم من حيث لاتعلمون اهـ ، لاتعلمون أي جهالا ،(1/153)
4ـ قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره عن قوله تعالى في سورة الأعراف ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) قال إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله وظُهراء جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى و حق وأن الصواب ما أتوه وركبوه وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية اهـ ونقل ابا بطين عن ابن جرير عند تفسير قولة تعالى ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) قال ابن جرير وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور اهـ الدرر 10/392 وراجع أيضا كلام ابن جرير في سورة الكهف آية 104
5 ـ ابن كثير رحمه الله نقل نفس كلام ابن جرير السابق نقله موافقا عليه ومقررا له عند تفسير الآية المذكورة ،
6ـ قال البغوي رحمه الله عند تفسير نفس الآية المذكورة قال ( وفيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء أهـ
7ـ قال البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان في باب المعاصي من أمر الجاهلية قال :ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنك امرؤ فيك جاهلية وقال الله عز وجل ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) ،(1/154)
8ـ قال ابن منده رحمه الله في كتابه التوحيد 1/314 : باب ذكر الدليل على أن المجتهد المخطئ في معرفة الله عز وجل ووحدانيته كالمعاند ،ثم قال :قال الله تعالى مخبرا عن ضلالتهم ومعاندتهم (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم قي الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )
ثم نقل أثر علي بن أبي طالب لما سُئل عن الأخسرين أعمالا فقال :كفرة أهل الكتاب كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم عز وجل وابتدعوا في دينهم وأحدثوا على أنفسهم فهم يجتمعون في الضلالة ويحسبون أنهم على هدى ويجتهدون في الباطل ويحسبون أنهم على حق ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وقال علي رضى الله عنه منهم أهل حروراء ،
ثم ذكر أثر سلمان الفارسي رضى الله عنه لما ذكر للرسول حال النصارى قبل البعثة أنهم كانوا يصومون ويصلون ويشهدون أنك ستبعث فقال الرسول صلى الله عليه وسلم هم من أهل النار ،
9 ـ قال البربهاري رحمه الله في كتابه شرح السنة رقم 49 قال (ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل أو يرد شيئا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يذبح لغير الله أو يصلى لغير الله وإذا فعل شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام وإذا لم يفعل شيئا من ذلك فهو مؤمن مسلم بالاسم لا بالحقيقة اهـ
و نقل قبل ذلك قول عمر رضى الله عنه قال عمر ( لاعذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى ولا في هدى تركه حسبه ضلالة فقد بُينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر ) ،
10ـ قال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/528 ،
باب سياق ما روي في تكفير المشبهة قال : تكلم داود الجواربي في التشبيه فاجتمع فيها أهل واسط منهم محمد بن يزيد وخالد الطحان وهشيم وغيرهم فأتوا الأمير وأخبروه بمقالته فأجمعوا على سفك دمه ،
ونقل عن يزيد بن هارون قال :الجهمية والمشبهة يستتابون كذا رماهم بأمر عظيم اهـ(1/155)
ونقل عن نعيم بن حماد قال من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، ونقل عن إسحاق بن راهويه قال من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم اهـ
( ومن عبد غير الله فقد شبه الله بخلقه فجعل بعض خلق الله إله يعبد) ،
11ـ وقال القرطبي في تفسيره 7/319 عند آية الميثاق قال في آخرها ( ولا عذر للمقلد في التوحيد ) اهـ
12ـ قال القاضي عياض رحمه الله في كتابه الشفاء في آخره في فصل بيان ما هو من المقالات كفر وما يتوقف أو يختلف فيه وما ليس بكفر ، و أول ما بدأ به قال كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة أحد غير الله أو مع الله فهي كفر اهـ
13ـ قال أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله فيمن دعا صاحب التربة و دس الرقاع على القبور أنه شرك أكبر ،وقد نقل أئمة الدعوة عنه هذا كثيرا على وجه الإقرار له ،قال الشيخ محمد في تاريخ نجد ص266 (وابن عقيل ذكر أنهم كفار بهذا الفعل( أعني دعوة صاحب التربة ودس الرقاع ) وقال الشيخ ابا بطين (تقدم كلام ابن عقيل في جزمه بكفر الذين وصفهم بالجهل فيما ارتكبوه من الغلو في القبور نقله عنه ابن القيم مستحسنا له )الدرر 10/386 ،
14ـ قال الشوكاني في إرشاد الفحول في باب الاجتهاد ( ما يكون الغلط فيه مانعا من معرفة الله ورسوله كما في إثبات العلم بالصانع والتوحيد والعدل قالوا فهذه الحق فيها واحد فمن أصابه أصاب الحق ومن أخطأه فهو كافر ) وقال أيضا (ليس مجرد قول لا اله إلا الله من دون عمل بمعناها مثبتا للإسلام فإنه لو قالها أحد من أهل الجاهلية وعكف على صنمه يعبده لم يكن ذلك إسلاما ) الدر النضيد ص 40 ،
15ـ قال ابن فرحون في تبصرة الحكام في باب الردة قال (مسألة ومن عبد شمسا أو قمرا أو حجرا أو غير ذلك فانه يقتل ولا يستتاب )(1/156)
16ـ قال ابن قدامة في روضة الناظر في باب الاجتهاد قال ( وزعم الجاحظ أن مخالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن إدراك الحق فهو معذور غير آثم وهذا باطل يقينا وكفر بالله تعالى ورد عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فإنا نعلم قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتباعه وذمهم على إصرارهم ونقاتل جميعهم ونقتل البالغ منهم ونعلم أن المعاند العارف مما يقل وإنما الأكثر مقلدة اعتقدوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا معجزة الرسول ثم ذكر آيات في ذلك) 0
17ـ: أما الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فله كتاب مستقل في ذلك وهو كتاب الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة وهي في الدرر 10/149 في ذكر كلام العلماء المجتهدين أصحاب المذاهب الأربعة فيما يكفر به المسلم ويرتد وأنهم أول ما يبدون في باب حكم المرتد بالكلام في الشرك الأكبر وتكفيرهم لأهله وعدم عذرهم بالجهل ،
فذكر كلام الشافعية وذكر منهم ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر في الكبيرة الأولى ونص على عدم العذر بالجهل في قوله بيان الشرك وذكر جملة من أنواعه لكثرة وقوعها في الناس وعلى السنة العامة من غير أن يعلموا ( أي جهال ) أنها كذلك ونقل كلام النووي في شرح مسلم في الذبح لغير الله تعظيما أنه شرك وصار بالذبح مرتدا (وهذا تعيين لأن المنع من الذبيحة لمعين بها ) ونقل كلام أبي شامة في الباعث ،
ونقل كلام صاحب كتاب تبين المحارم في باب الكفر وذكر أنواع من الشرك الأكبر منها من سجد لغير الله أو أشرك بعبادته شيئا من خلقه أنه كفر بالإجماع ويقتل إن أصر على ذلك ،ونقل كلام الشيخ قاسم في شرح الدرر فيمن دعاء غير الله أو نذر له وأنه كفر ، ومن كلام المالكية نقل كلام أبي بكر الطرطوشي وصرح أن الذي يفعل في زمانه من العمد إلى الشجر ونحوه أنه مثل فعل المشركين ،(1/157)
ثم ذكر كلام الحنابلة ، فذكر كلام ابن عقيل في تكفيره من عظم القبور وخاطب الموتى بالحوائج أنهم كفار بذلك ، ونقل كلام ابن تيمية وابن القيم ووالده وأطال في ذلك في تكفير من أشرك بالله وعدم عذره بالجهل ، اهـ ملخصا
مسألة : بعد ذكر الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال أهل العلم على عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر ، نذكر ما دل عليه القياس في ذلك وهو نوعان قياس الأولى ،وقياس الشبه
أولا : قياس الأولى :
1ـ إجماع الصحابة على كفر مسيلمة وأتباعه بأعيانهم وعدم عذرهم بالجهل لما ادعى أنه شريك للرسول في النبوة ،ووجه القياس عدم عذره في هذه المشاركة فكيف بمن ادعى مشاركة الله في عبادته هو وأتباعه ،هذا من باب أولى ،
2ـ الإجماع على كفر المختار الثقفي وأتباعه لما ادعى المشاركة في النبوة ، كما قلنا في مسيلمة وأتباعه ، هذا من باب أولى ،
3ـ إجماع الصحابة على عدم عذر مانعي الزكاة بالجهل لأنهم منعوا حقا من حقوق لااله إلا الله ،فأولى منه من امتنع عن لااله إلا الله التي هي الأصل ،
4ـ عدم عذر من نكح امرأة أبيه بالإجماع بالجهل بل لم يُستفسر منه لأن الأمر سيان في ذلك ، لأنه غير ملتزم لحقوق لااله إلا الله فكيف بالإله إلا الله ،
ثانيا : قياس الشبه :
1ـ أجمع السلف على كفر أهل الحلول والاتحاد ، لأنهم ادعوا أن الله قد حل في بعض خلقه تعالى الله عن ذلك ،فكذلك يشبهه من ادعى أن الألوهية حلت في الصالحين فعبدهم ،
2ـ إجماع السلف على كفر المشبهة الذين شبهوا الله بخلفه في الأسماء أو الصفات فمثله من شبه أحدا من خلق الله بالله في وصف الألوهية له فعبده من دون الله ،
3ـ إجماع السلف على كفر الجهمية المعطلة وكفر القدرية منكري ومعطلي صفة العلم لله فيشبهه من عطل صفة الألوهية عن الله وأعطاها بعض خلق الله ،(1/158)
4ـ قياسه قياس شبة على من استهزاء بالله فانه بالإجماع كافر ولا يعذر بجهله والمشرك بإشراكه مستهزئ بالله كما قال السلف قال تعالى ( وسبحان الله وما أنا من المشركين)
مسالة :في اللوازم باطلة :
يلزم على القول بالعذر بالجهل في الشرك الأكبر لوازم باطلة منها
1ـ يلزم إعذار جهلة اليهود والنصارى وعوامهم ،وهذا خلاف الإجماع ،
2ـ يلزم إعذار أهل الفترات أو بعضهم لجهلهم وهذا خلاف الإجماع ،
3ـ يلزم إعذار جهلة المنافقين وعوامهم وهذا خلاف إجماع السلف
4ـ يلزم إعذار كل من أنكر ربوبية الله جهلا وهذا خلاف إجماع السلف
5ـ يلزم إعذار من أنكر علم الله جهلا أو تأويلا ، وهذا خلاف إجماع السلف
6ـ يلزم إعذار من عطل أسماء الله أو صفاته كالجهمية وهذا خلاف إجماع السلف ،
7ـ يلزم على هذا القول أن الحجة لم تقم على أحد من هذه الأمة لا بالرسول ولا بالقرآن
قال الشيخ ابن سحمان في توضيح بطلان اللوازم السابقة قال في كتابه كشف الشبهتين (فإن المنع من التكفير والتأثيم بالخطأ في هذا كله (أي الشرك الأكبر ) رد على من كفر معطلة الذات ومعطلة الربوبية ومعطلة الأسماء والصفات ومعطلة إفراده تعالى بالإلهية والقائلين بأن الله لا يعلم الكائنات قبل كونها كغلاة القدرية ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية ومن قال بالأصلين النور والظلمة ، فإن من التزم هذا كله فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى ،اهـ 0
الباب الخامس
المتن
باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
وقوله تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني )(1/159)
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له ( إنك تأت قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ، وفي رواية : إلى أن يوحدوا الله ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بنيها وبين الله حجاب ) أخرجاه .
ولهما عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر ( لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات الناس يدو كون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبى طالب فقيل هو يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية وقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ) يدو كون : أي يخوضون .
فيه مسائل :
الأولى : أن الدعوة إلى الله طريق من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم
الثانية : التنبيه على الإخلاص لأن كثيرا لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه .
الثالثة : أن البصيرة من الفرائض .
الرابعة : من دلائل حسن التوحيد أنه تنزيه لله تعالى عن المسبة .
الخامسة : أن من قبح الشرك كونه مسبة لله .
السادسة وهي من أهمها : إبعاد المسلم عن المشركين لا يصير منهم ولو لم يشرك .
السابعة : كون التوحيد أول واجب .
الثامنة : أن يبدأ به قبل كل شيء حتى الصلاة .
التاسعة : أن معنى : أن يوحدوا الله معنى شهادة أن لا اله إلا الله .(1/160)
العاشرة : أن الإنسان قد يكون من أهل الكتاب وهولا يعرفها، أو يعرفها أو لا يعمل بها
الحادية عشرة : التنبيه على التعليم بالتدريج .
الثانية عشرة : البداءة بالأهم فالأهم
الثالثة عشرة : مصرف الزكاة .
الرابعة عشرة : كشف العالم الشبهة عن المتعلم .
الخامسة عشرة : النهي عن كرائم الأموال .
السادسة عشرة : اتقاء دعوة المظلوم .
السابعة عشرة : الإخبار بأنها لا تحجب .
الثامنة عشرة : من أدلة التوحيد ما جرى على سيد المرسلين وسادات الأولياء من المشقة والجوع والوباء .
التاسعة عشرة : قوله : لأعطين الراية.. الخ علم من أعلام النبوة .
العشرون : تفله في عينيه علم من أعلامها أيضا .
الحادية والعشرون : فضيلة علي رضي الله عنه .
الثانية والعشرون : فضل الصحابة في دوكهم تلك الليلة وشغلهم عن بشارة الفتح
الثالثة والعشرون : الإيمان بالقدر لحصولها لمن لم يسع لها ومنعها عمن سعى .
الرابعة والعشرون : الأدب في قوله ( على رسلك )
الخامسة والعشرون : الدعوة إلى الإسلام قبل القتال .
السادسة والعشرون : أنه مشروع لمن دعوا قبل ذلك وقوتلوا .
السابعة والعشرون : الدعوة بالحكمة لقوله ( أخبرهم بما يجب )
الثامنة والعشرون : المعرفة بحق الله في الإسلام .
التاسعة والعشرون : ثواب من اهتدى على يديه رجل واحد .
الثلاثون : الحلف على الفتيا .
الباب الخامس
باب الدعاء إلى شهادة ألا إله إلا الله
الشرح
والعنوان فيه مسائل :(1/161)
المسألة الأولى : كل الشراح الثلاثة على الاتفاق على كلمة الدعاء ،ويقصد بالدعاء أي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله ،وقد نص المصنف على لفظة الدعوة وذكرها ست مرات في المسائل ( ففي المسالة الأولى قال أن الدعوة إلى الله طريق من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ) وقال في المسالة الثانية (لأن كثيرا لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه ) وفي المسالة الخامسة والعشرون (الدعوة إلى الإسلام ) وفي المسالة السادسة والعشرون (أنه مشروع لمن دعوا ) وفي المسالة السابعة والعشرون (الدعوة بالحكمة ) بل إنه جعلها مما يجب على كل مسلم ومسلمة كما في مقدمة كتابه ثلاثة الأصول وحتى الشراح الثلاثة ذكروا لفظ الدعوة في شرحهم 0
المسألة الثانية : ماذا يقصد المصنف بهذا الباب ؟ يقصد بيان قواعد وأصول في الدعوة إلى التوحيد (وهو الدعوة إلى الإخلاص وإفراده تعالى بالعبادة وترك الشرك والكفر بالطاغوت ،ويتبع ذلك الدعوة إلى شروط لاإله إلا الله ) ويتضح ذلك في المسائل التي ذكرها المصنف فقد ذكر أكثر من تسعة عشر قاعدة وأصل في الدعوة إلى التوحيد ، والآية المذكورة والأحاديث في الباب عبارة عن قواعد في هذا المجال .
قال الحفيد سليمان ص 97وقاله صاحب الفتح أيضا ص 80 (أن المصنف نبه أن لا يقتصر على نفسه كما يظن الجهال بل يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ) وذكره ابن عتيق ص24 0(1/162)
وهذا فيه قضية معاصرة وهى الدعوة إلى تعبيّد الناس لله تعالى وحده وإقامة الشريعة وحدها والكفر بالطاغوت وترك الدعوة إلى الديمقراطية الغربية وإلى المجالس التشريعية الشركية والدعوة إلى ترك ومحاربة المنهج العلماني في الاقتصاد والسياسة والتعليم والعسكرية والنواحي الاجتماعية وجميع نواحي الحياة ،وترك المنهج الحداثي في الأدب والشعر لمخالفته للشريعة ،والدعوة إلى ترك المنهج العصراني المعتزلي الحديث القائم على رد النصوص بالعقل( وهذا اعتزال قديم جديد ) وبالهوى والأوضاع المعاصرة المحلية أو الإقليمية أو العالمية (وهذا هو المنهج التيسيري الجديد عندهم ) ،
وخلاصة هذا الباب أن المصنف تكلم عن حكم الدعوة ، وأنها طريق الرسل والأتباع وتكلم عن سنن في طريق الدعوة ، ولمن تكون الدعوة ، وعلاقة الدعوة بالحجة والقتال وفضائل الدعوة ،وعن أصول الدعوة وقواعدها من الابتداء بالتوحيد أولا والإخلاص والبصيرة فيها والحكمة فيها وتحريم أي وسيلة شركية في الدعوة من التعدي على حق الله أو حق المخلوق والتدرج والأولوية في الدعوة وكشف الشبهات وعدم الاهتمام بالنتائج إذا فعلت الأسباب بصدق هذه تسعة أصول وقواعد في هذا المجال 0
الآيات :
وقوله تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) الحفيد سليمان أغلق القوس عند كلمة (ومن اتبعني ) ولم يقل الآية ،أما ابن عتيق فقد قال بعد (ومن اتبعني )قال الآية ،أما الحفيد عبد الرحمن فأكمل الآية إلى قوله (وما أنا من المشركين ) والله أعلم 0 و المصنف استخرج على هذه الآية ست مسائل وهي :
المسألة الأولى : أن الدعوة إلى الله طريق من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
المسألة الثانية : التنبيه على الإخلاص لأن كثيرا لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه .
المسألة الثالثة : أن البصيرة من الفرائض .
المسألة الرابعة : من دلائل حسن التوحيد أنه تنزيه الله تعالى عن المسبة .(1/163)
المسألة الخامسة : أن من قبح الشرك كونه مسبة لله .
المسألة السادسة : وهي من أهمها إبعاد المسلم عن المشركين لا يصير منهم ولو لم يشرك كل هذه المسائل الست كلها في الموضوع المتعلق بالتوحيد وليس فيها أي مسألة تتعلق بالفقه وهذا من النوادر في طريقة المصنف ، والملاحظة الثانية على المصنف في هذا الباب أنه ذكر مسائل كثيرة جدا بل إن هذا الباب أطول باب في عدد المسائل حيث بلغت مسائله ثلاثون مسألة ،
أما بالنسبة للمسألة الأولى وهي : أن الدعوة إلى الله طريق من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه تعتبر قاعدة من قواعد الدعوة إلى الله أنها طريقة الرسل وأتباعهم فلا بد أن يدعو إلى الله ويعتمد جانب الدعوة والاشتغال بها ولابد أن يكون جزء من وقت العالم والداعية وشباب الصحوة مبذولا في الدعوة ، وأول هذه الدعوة هي الدعوة إلى التوحيد . قال الشراح (التيسير ص98،والفتح ص81،والإبطال ص24 ) قالوا أنها طريقة الرسول وسنته ، ونقله في التيسير عن ابن كثير ، و في الفتح عن ابن جرير ،
مسألة وطريقة الدعوة النبوية كما في السيرة :
1ـ تصحيح العقيدة ونشر التوحيد ومحاربة الشرك بجميع أنواعه
2ـ تصحيح المنهج والمصادر من الاعتماد على الكتاب والسنة والإجماع والقياس بعلم السلف وفهمهم والاهتمام بالدليل وعدم التعصب للأشخاص أو المذاهب
4ـ نشر الدعوة لما سبق
5ـ مع إظهار الحق والبراءة من الكفار والطاغوت والمفاصلة حتى تتميز الصفوف
6ـ مع الصبر على حسب القدرة والاستطاعة
7ـ ثم النصرة متى ما هيأ الله نصرة قوية متمحضة للحق ليس لها أهداف دنيوية
8ـ ثم الجهاد
مسألة :ما هو وجه هذه المسألة للباب ؟ الباب في التوحيد والآية أعم في عموم الدعوة (أدعو إلى الله ) وحتى ذِكْر المصنف للمسألة ذكرها بلفظ الآية وهى العموم ،وهذا المسلك سليم لأن الباب أخص من الدعوى وهذا مقبول في الإستدلالات0(1/164)
مسألة :قوله (أدعو إلى الله) هذه استخرج عليها المصنف :المسألة الثانية : التنبيه على الإخلاص لأن كثيرا لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه ، وهي القاعدة الثانية من قواعد الدعوة وهي الإخلاص في الدعوة فيدعو إلى الله لا إلى حزب أو تجمع أو تيار أو دولة أو جمعية أو أصول مبتدعة أو قبيلة أو جنسية وإنما يدعو إلى الله متجردا في ذلك ،وهذه قضية معاصرة 0 وقوله (على بصيرة ) ملخص ما قال الشراح (التيسير ص98،والفتح ص81،والإبطال ص24) أن البصيرة هي العلم واليقين و أضاف التيسير والإبطال أنها البرهان وفسره في التيسير بالبرهان العقلي ،لأن العلم إذا اجتمع مع البرهان ،فالعلم أي الشرعي والبرهان أي العقلي ،والمصنف استخرج على ذلك : المسألة الثالثة : وهى أن البصيرة من الفرائض ،أي أن الدعوة بعلم فرض وواجب وزاد في الفتح نقلا عن ابن القيم أن البصيرة هي أعلا درجات العلماء ،والبصيرة التي تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر اهـ
وهذا التفسير للبصيرة من باب الكمال ،و لكن المصنف أراد من البصيرة هنا مطلق العلم لا العلم المطلق ، ولذلك ذكر حكمها وهي أنها فرض والبصيرة التي هي أعلا درجات العلماء فرض كفاية وهو العلم المطلق ، أما مطلق العلم فهذا الذي هو فرض على كل من دعا أن يدعو إلى شئ له فيه علم ،وهذه أيضا قاعدة في الدعوة أن يدعو إلى الله عن علم لا عن جهل
مسألة فيها قضية معاصرة في البصيرة وهى أن يكون علماء أهل السنة ودعاتهم على بصيرة من مسألة التلاعب السياسي في الفتاوى ، التي تحاول استغلال بعض الفتاوى أو الخطب أو البرامج الدينية للعلماء أو الدعاة لمصالح السياسية أو الحكام أو النظام العالمي الكفري الجديد أو لتحجيم بعض الأمور الشرعية أو ضد المجاهدين وغير ذلك ،وهناك ولله الحمد من علماء ودعاة السنة من هو متنبة لذلك ،(1/165)
وقوله (ومن اتبعني ) وخلاصة الضمير كما قاله الثلاثة (التحقيق أن العطف يتضمن المعنيين فأتباعه هم أهل البصيرة وهم الدعاة )
وقوله (وسبحان الله وما أنا من المشركين ) هذه استخرج عليها المصنف مسألتين : مسألة الرابعة : من دلائل حسن التوحيد أنه تنزيه الله تعالى عن المسبة ، المسألة الخامسة : أن من قبح الشرك كونه مسبة لله ،ولماذا ذكر المصنف هذه الفائدتين ؟،بل قبل ذلك ما الفائدة من تذييل الآية التي في الدعوة بذلك ؟ الجواب فيه فائدة عظيمة و أصل من أصول وقواعد الدعوة وهى أن الدعوة يجب أن تكون بعيدة عن الشرك فلا يجوز ونحن ندعو إلى الله أن نتلبس بشيء من الشرك أو الكفر في طريق الدعوة ،فليس الغاية تبرر الوسيلة فإذا كان الشرك قبيحا ومسبة لله فكيف يكون طريقا إلى الله وإلى الدعوة إليه ، وهذه فيها قاعدة من قواعد الدعوة تدل على أن الشرك ليس من وسائل الدعوة إلى الله ،
وفيه قضية معاصرة وهي الدخول في البرلمانات الشركية من أجل الدعوة إلي الله ومن أجل مصلحة الدعوة ، ومثله الدخول مع الحكومات الشركية لهذا الغرض والتحالف مع العلمانيين أو التطلع إلى مكاسب سياسية ، والشاهد لهذه القاعدة : قوله (و سبحان الله وما أنا من المشركين ) أي : يدعو إلى الله منزها الله أن يدعو إليه بشرك أو بكفر .
،وهذه فيها قضية معاصرة كبيرة وهى ما يسمى باستغلال أي وسيلة من أجل مصلحة الدعوة وأصحاب هذه الطريقة دخلوا من أجل ذلك في المجالس الشركية من برلمان وغيره من المسميات الجاهلية ومما يدل على خطورة من ارتكب شيئا من الشركيات أو الكفريات أو المعاصي من أجل مصلحة الدعوة الأمور التالية :
1 ـ قوله تعالى (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) وهذا يشمل حتى مساومتهم في المكاسب السياسية ، بل الآية في سياق الصدع بالحق حتى لو عرضوا عليك مكاسب تخالف الشرع ،(1/166)
2 ـ وقال تعالى (اتبع ما أوحي إليك من ربك لاإله إلا هو وأعرض عن المشركين ) ولفظ الإعراض عام ،
3ـ قال تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) وجه الدلالة أنه أمر بقول الحق ولو ترتب عليه الأمر الآخر ،
4ـ وقال تعالى (والفتنة أكبر من القتل ) وقال تعالى (والفتنة أشد من القتل ) قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :قال أبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس : الشرك أشد من القتل ،
قال الشيخ ابن سحمان الفتنة هي الكفر فلو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يذهبوا لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتا يحكم بخلاف شريعة الإسلام )،
قال الشيخ ابن عتيق ردا على من قاس الاضطرار على الإكراه في الكفر قال تعالى (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه )فشرط بعد حصول الضرر أن لا يكون المتناول باغيا ولا عاديا والفرق بين الحالتين لا يخفى وقال وهل في إباحة الميتة للمضطر ما يدل على جواز الردة إختيارا ؟وهل هذا إلا كقياس تزوج الإخت والبنت بإباحة تزوج الحر المملوك عند خوف العنت وعدم الطول فقد زاد هذا المشبه على قياس الذين قالوا (إنما البيع مثل الربا ) راجع كتاب هداية الطريق ص151 ونحن نقول وهل في إباحة الميتة للمضطر ما يدل على جواز الدخول في المجالس الشركية اختيارا وتولى العلمانيين والحكومات الطاغوتية بحجة مصلحة الدعوة ، (قل أأنتم أعلم أم الله ) ،
5ـ قال تعالى (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) فلم يجز إلا حالة الإكراه ،فأين الدليل على جواز قول الكفر أو المعصية أو فعله في غير إكراه كمصلحة الدعوة ؟
6ـ أن هذا الطريق بدعة وضلال ويخالف إجماع السلف كما سوف يأتي أن شاء الله في كلام العالم الرباني ابن تيمية رحمه الله 0(1/167)
7ـ ماثبت في عرض عتبة بن ربيعه بتكليف من زعماء قريش حيث قال للرسول صلى الله عليه وسلم (فرقت جماعتنا وعبت ديننا وشتمت الآباء وشتمت الآلهة وفضحتنا في العرب ،أيها الرجل إن كنت إنما بك الرياسة عقدنا لك فكنت رأسنا(أي تكون رئيس الحكومة أو رئيس الوزراء ) وأن كنت تريد شرفا سودناك علينا (أي رئيس البرلمان ) وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا (أي تكون ملكا أو رئس الجمهورية )
فلم يقبل الرسول وتلا عليه ( أول سورة فصلت ) لأنه عرض مقابل جوهر هذا الدين وهى القيام بالتوحيد والكفر بالطاغوت ومحاربة الأنظمة الطاغوتية الشركية وتسفيهها ونقدها والبراءة منها ، قال الألباني رحمه الله هذه القصة أخرجها ابن إسحاق في المغازي 1/185 من سيرة ابن هشام بسند حسن عن محمد بن كعب القرظي مرسلا ووصله عبد بن حميد وأبو يعلى والبغوي من طريق أخرى من حديث جابر رضى الله عنه كما في تفسير ابن كثير 4/19،90 وسنده حسن إن شاء الله ، وصححها غيره من علماء السيرة المعاصرين ،
ولو عرض هذا العرض على من يرون الدخول في البرلمانات الشركية ،لسارعوا يهرولون حيث الملك والسلطان والحكومة لهم مع التنازل عن قضية التوحيد والكفر بالطاغوت ، وما يتبعها من ولاء وبراء ،
8ـ قصة وفد بني عامر بن صعصعة وهي لما عرض عليهم نفسه ،وقبول هذا الدين ،فقالوا :أرايت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء ،فأبوا عليه رواه ابن إسحاق وعنه ابن هشام في باب عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل ج1/ ، فطلبوا الملك منه أو تداول السلطة أو التحالف مع العلمانيين فأبى 0(1/168)
9ـ طلب وفد ثقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاؤا مسلمين فطلبوا أن يبقي أصنامهم حتى يدخل الإسلام في قلوب العامة فرفض إبقاءها ولو لحظة مع أن في إبقاءه لها بعض الشيء مصلحة للدعوة من تكثير السواد ودخول أكبر كمية للإسلام والأمن من الارتداد
10ـ وثبت من قصته مع بني شيبان بن ثعلبة لما عرض عليهم الدين قالوا :وواعدوه أن يحموه مما يلي العرب لامما يلي كسرى فقال الرسول صلى الله عيه وسلم :إن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه ، قال الصوياني في كتابه السيرة النبوية كما في الأحاديث الصحيحة ص204، إسناده جيد ثم ذكر من رواه من أهل السيرة اهـ ورواه البيهقي في الدلائل ج1/ باب عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل ،
11ـ حديث سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نفر ستة فقال المشركون أُطرد هؤلاء عنك فلا يجترئون علينا فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وحدث به نفسه فأنزل الله (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه )الآية ،رواه مسلم في فضائل الصحابة ،(1/169)
ولو طلبت الحكومات الشركية من بعض الإسلاميين طرد المجاهدين أو الدعاة أو فصلهم مقابل مكاسب سياسة لسارعوا لذلك ،مع أنه منهي عنه (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه )الآية فهم طلبوا مجلسا أو اجتماعا دوري من الرسول صلى الله عليه وسلم مقابل طرد نفر من أهل التوحيد مع أن عقد اجتماعات مع أهل الشرك فيه مصلحة لكن كان بثمن محرم وهذا الكلام الذي قلنا ينطبق أيضا على قصة ابن أم مكتوم التي بعدها قال الشيخ محمد في تاريخ نجد ص554 في تفسير آية(واصبر نفسك ) الآية في سورة الكهف قال : (فيه النهي عن طلوع العين عنهم إرادة لمجالسة الأجلاء ) وقال أيضا في تفسير سورة الأنعام في آية(ولا تطرد ) قال ( فيه أن طردهم يخاف أن يوصل الرجل الصالح إلى درجة الظالمين ففيه التحذير من ايذاء الصالحين وقال أن منعهم من الجلوس مع العظماء في مجلس العلم هو الطرد المذكور )
12 ـ قصة عبد الله بن أم مكتوم أتى إلى الرسول صلى الله عليه سلم فجعل يقول أرشدني وعند رسول الله رجل أو رجال من عظماء المشركين فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر فنزلت (عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) ،
الجامع الصحيح 1/ 398
13ـ قصة الهجرة إلى الحبشة فما هاجروا إلا بسبب التوحيد ولوكان الرسول يجد مندوحة في التنازل والمساومة من أجلهم لما تركه 0
14 ـ وحديث (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة فلا يقبل من الطرق الدعوية إلا ما كان طيبا ليس فيه شرك ولا كفر ولا معصية 0(1/170)
15ـ رسالة ابن تيمية (في الفتاوى 11/620 ) المسماة السماع وفيها سئل عن شيخ من المشايخ كان يقيم سماعا بدف بشعر مباح لأصحاب الكبائر فيتوب منهم جماعة (فهل يباح هذا الفعل لما يترتب عليه من المصالح ) فسئل عن حكم ذلك ؟ فأجاب إن ما يهدي الله به الضالين ويرشد به الغاوين ويتوب به على العاصيين لابد أن يكون فيما بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم والشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعين عن الكبائر فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي يدل على أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة أو عاجز عنها ،فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية وقد علم بالاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلا الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية التي ليس فيها ذكر من الاجتماع البدعي ،وقال إنه لا يجوز لهذا الشيخ أن يجعل الأمور التي هي إما محرمة ؟أو مكروهة ؟أو مباحة ؟قربة وطاعة وقال إن فاعل هذا ضال مفتر باتفاق علماء المسلمين مخالف لإجماع المسلمين ( أي الذي يجعل هذا العمل طريقا إلى الدعوة إلى الله ودينا) باختصار،
فإذا كان هذا في السماع الذي هو من باب البدع أو المحرمات فما بالك بالشرك والكفر يُفعل ويُجعل طريقا إلى الدعوة وإقامة حكم الله ؟
16ـ إجماع السلف على تحريم وضع الأحاديث في الفضائل وإن تضمن ذلك مصلحة إقبال الناس على القرآن أو الطاعات ونحوها 0
17ـ إجماع من يُعتد به من أهل السنة على تحريم إقامة الموالد البدعية وإن تضمن ذلك مصلحة إقبال بعض الناس وهدايتهم أو توبتهم(1/171)
18ـ مما يدل على المنع قاعدة التفريق بين الإكراه والضرورة ،فالضرورة أجاز الله فيها فعل المحرم غير المتعدي كأكل الميتة والخنزير وشرب الخمر لدفع غصة ونحوها لكن لم يبح الكفر والشرك من أجل الضرورة ،بل لا يبيح الشرك والكفر إلا الإكراه (إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) ولم يقل إلا من اضطر ،وهذا الكلام مجمع عليه وهو التفريق بينهما
19ـ ما يترتب على هذا الأمر من مفاسد مثل إضفاء الشرعية على هذه المجالس وإعطائها صبغة مقبولة ،
20 ـ وننقل أيضا كلمات ودرر للإمام ابن تيمية رحمه الله عن هذا الموضوع زيادة على ما قاله سابقا ، فقال في الفتاوى 14/476( إن الشرك والقول على الله بغير علم والفواحش ما ظهر منها وما بطن والظلم لا يكون فيها شئ من المصلحة ) وقال ( إن إخلاص الدين لله والعدل واجب مطلقا في كل حال وفي كل شرع )
وقال في الفتاوى 14/477 ( وما هو محرم على كل أحد في كل حال لا يباح منه شئ وهو الفواحش والظلم والشرك والقول على الله بلا علم ) وقال في الفتاوى 14/470-471:( إن المحرمات منها ما يُقطع بأن الشرع لم يُبح منه شيئا لا لضرورة ولا غير ضرورة كالشرك والفواحش والقول على الله بغير علم والظلم المحض ، وهي الأربعة المذكورة في قوله تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ) فهذه الأشياء محرمة في جميع الشرائع وبتحريمها بعث الله جميع الرسل ولم يُبح منها شيئا قط ولا في حال من الأحوال ولهذا أنزلت في هذه السورة المكية ) ،
وقال في الفتاوى 14/474 ( أما الإنسان في نفسه فلا يحل له أن يفعل الذي يعلم أنه محرم لظنه أنه يعينه على طاعة الله ) ،(1/172)
21ـ وقال أيضا (في الفتاوى 14/468 وما بعدها) فيمن ظن أنه لايمكن السلوك إلى الله تعالى إلا ببدعة ( فكيف بشرك وكفر؟ ) قال: وكذا أهل الفجور والمترفين يظن أحدهم أنه لايمكن فعل الواجبات إلا بما يفعله من الذنوب ولا يمكنه ترك المحرمات إلا بذلك وهذا يقع لبشر كثير من الناس ومنهم من يقول لايمكن أداء الصلوات واجتناب الكلام المحرم من الغيبة وغيرها إلا بأكل الحشيشة ، ومنهم من يظن أن محبته لله ورغبته في العبادة لا يتم إلا بسماع القصائد وسماع أصوات النغمات وبها تتحرك دواعي الزهد والعبادة مالا يتحرك بدون ذلك ، ومنهم بعض الشيوخ الذين يدعون الناس إلى طريقهم بالسماع المبتدع كالدف والرقص ونحوه ، ومنهم من يفعله بأذكار واجتماع وتسبيحات وقيام وإنشاد أشعار وغير ذلك ويقولون توّبناهم بذلك وأحيانا يقولون لا يمكننا إلا ذلك وإن لم نفعل هذا القليل المحرم حصل الوقوع فيما هو أشد منه تحريما وفي ترك الواجبات ما يزيد أثمه على إثم هذا المحرم القليل في جنب ما كانوا فيه من المحرم الكثير ويقولون إن الإنسان يجد في نفسه نشاطا وقوة في كثير من الطاعات إذا حصل له ما يحبه وإن كان مكرها حراما ، ثم أجاب عن هذه الشبة بمقامين ، وانتهى إلى المنع من ذلك 0
22 ـ نقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن الشيخ ابن تيمية قوله (وجمهور هؤلاء المشركين بالقبور يجدون عند عبادة القبور من الرقة والخشوع والدعاء وحضور القلب ما لايجده أحدهم في مساجد الله )تاريخ نجد ص 57 ، فهل يقال بجواز ذلك لأن فيه مصلحة رقة قلوب الناس وخشوعهم ؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم ،(1/173)
23ـ واقعة حصلت في عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ذُكرت في تاريخ نجد ص 472 وهى أن بعض الناس يوم الجمعة يُحْدِث أشياء لكي يَعْرف الناس أن اليوم هو الجمعة بأصوات معروفه فقال الشيخ محمد (إن ابن صالح سألني عن التذكير ؟ فقلت إنه بدعة فذكر أن عندنا من لا يعرف الجمعة إلا به وذكرت له أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم منا بصالح أمته وهو سن الأذان ونهى عن الزيادة ) فهل عند هؤلاء تجوز هذه البدعة لأن فيها مصلحة تنبيه الناس ؟؟
24ـ وقال الحفيد سليمان في التيسير ص 503 (في الآية دليل على وجوب اطراح الرأي مع السنة وإن ادعى صاحبه أنه مصلح وأن دعوى الإصلاح ليس بعذر في ترك ما أنزل الله ) اهـ
فإذا كان الشرك قبيحا ومسبة لله فكيف يكون طريقا إلى الله والى الدعوة إليه ، (فماذا بعد الحق إلا الضلال ) وهذه فيها قاعدة من قواعد الدعوة تدل على أن الشرك ليس من وسائل الدعوة إلى الله ، والشاهد لهذه القاعدة : قوله (وسبحان الله وما أنا من المشركين ) أي : يدعو إلى الله منزها الله أن يدعو إليه بشرك أو بكفر .
وينبني على هذه المسألة ما هو مثلها مما هو مخالف للشريعة كاستخدام التلفاز أو ما يُسمى بالفيديو الإسلامي والصحف العلمانية والفضائيات العلمانية ، والنوادي الأدبية والرياضية الشركية والكفرية ونحوها ومثل الدخول في المؤسسات والهيئات والدوائر الحكومية المبنية على مخالفة الشريعة ،أو الوظائف الحكومية التي يُمارس فيها المعصية أو الكفر والشرك ،ومثل الدخول والعمل في البنوك الربوية ونحوها قال تعالى (لاتقم فيه أبدا )وحديث : الرجل الذي نذر أن يعمل طاعة في مكان فقال الرسول هل فيها وثن هل فيها عيد من أعياد الكفار ؟
ومثل طرق جماعة التبليغ البدعية في الدعوة إلى الله ،(1/174)
مسألة :وهى قريبة مما سبق وقد تختلط بها وهى مسألة استغلال الحرية المتاحة للدعوة دون تنازلات ولا شركيات ولا كفريات ولا معاصي ،فيما لو قام الحكام العلمانيون بالسماح بشيء من الحرية من أجل إظهار مصداقية لهم وشعبية ، فهنا لابأس من استغلال ذلك بشرط عدم الشرك أو التحالف معهم أو مدحهم ونحوه بل تستغل هذه مع التصريح بالبراءة من الطاغوت ونقد الشركيات والكفريات الرسمية والبراءة من النظام الكافر والمحاكم الطاغوتية وهذا يشبه الحرية التي أتيحت للمسلمين بعد صلح الحديبية فاستغلها المسلمون حتى إنه أسلم في وقت الصلح والهدنة أضعاف مضاعفة كما قال الزهري وقبل ذلك كما سماه الله فتحا ،
المسألة السادسة : وهي من أهمها إبعاد المسلم عن المشركين لا يصير منهم ، ولا في برلمانهم ومجالسهم الشركية ،ولو لم يشرك والشاهد لها قوله تعالى ( وما أنا من المشركين ) وهنا ذكر هذه المسألة ولم يرع مصلحة الدعوة كما يقال في الاختلاط بالمشركين اختلاط أنس وصداقة والتساهل معهم وموالاتهم من أجل الدعوة إلى الله قال المصنف في تاريخ نجد ص 517 (لما ذكر محاجة إبراهيم لقومه قال صرح لهم بما ذكر ولم يُدار مع كثرتهم ووحدته )اهـ وهذه هي أم المسائل ،
الأحاديث:
الحديث الأول
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له : انك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا اله إلا الله ( وفي رواية إلى أن يوحدوا الله ) فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) أخرجاه .
استخرج المصنف على هذا الحديث أحد عشر مسألة ، وهي المسائل التالية :
المسألة السابعة كون التوحيد أول واجب ،(1/175)
المسألة الثامنة : أن يبدأ به قبل كل شيء حتى الصلاة
المسألة التاسعة أن معنى يوحد الله معنى شهادة أن لا اله إلا الله .
المسألة العاشرة : أن الإنسان قد يكون من أهل الكتاب وهو لا يعرفها أو يعرفها ولا يعمل بها ،
الحادية عشرة : التنبيه على التعليم بالتدريج ،
الثانية عشرة : البداءة بالأهم فألاهم ،
الرابعة عشرة : كشف العالم الشبهة عن المتعلم ،
والذي يهم من هذه المسائل سبع مسائل : السابعة كون التوحيد أول واجب ،قال المصنف في أحد مسائله في تاريخ نجد ص455 قال : (بعدما ذكر حديث معاذ هذا قال فتدبر هذا وأرعه سمعك وأحضر قلبك إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمره أن يدعوهم إلى الصلوات الخمس إلا إن استجابوا للتوحيد ) وقال ص341 (فإذا كان الرجل لايُدعى إلى الصلوات الخمس إلا بعد ما يعرف التوحيد وينقاد له فكيف بمسائل جزئية اختلف فيها العلماء ) ،
وقال الحفيدان (التيسير ص101،والفتح ص 82):إن أول واجب هو إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه وهو أول ما دعت إليه الرسل و قال ابن عتيق بل هو أفرض الفرائض ، ونقلوا كلام ابن تيمية في الإجماع قال ( قد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام وأول ما يُؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فبذلك يصير الكافر مسلما والعدو وليا والمباح دمه وماله معصوم الدم والمال ) وهذه قاعدة من قواعد الدعوة إلى الله وهو منهج الرسول وأتباعه ،الدعوة إلى التوحيد أولا وإلى شهادة أن لا اله إلا الله وإلى تحكيم الشريعة ،
وهذه فيها قضية معاصرة مما يكشف بعض الانحرافات في الدعوات والتيارات التي لا تهتم بهذه الأولوية وإنما تقدم أولويات أخرى من الاهتمام أولا بالتجميع والتكتل أو تقديم الثقافة الفكرية أو السلوكيات قبل ذلك ونحوها ، والشاهد من الحديث لهذه المسألة قوله : فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله .(1/176)
والمسألة الثامنة وهي : أن يبدأ به قبل كل شيء حتى الصلاة : وهذه المسألة مكملة للمسألة التي قبلها ، فهي مثلها ،(حيث أرشد معاذ إلى أن يبدأ في أول الأركان بعد التوحيد بالصلاة ثم الزكاة وهكذا )
المسألة التاسعة أن معنى يوحد الله معنى شهادة أن لا إله إلا الله ،في هذه المسألة بين المصنف قصده في الباب لما قال الدعاء إلى الشهادة أي التوحيد ولذا جاء المصنف بلفظين (أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لاإله إلا الله ) وفي رواية ( إلى أن يوحدوا الله ) وزاد الحفيدان (التيسير ص100 والفتح ص83 ) وفي رواية (أول ما تدعوهم إليه عبادة الله ) كل هذا لبيان أن الباب في الدعوة إلى التوحيد والألوهية وإفراده بالعبادة والكفر بالطاغوت ، ثم تكلم في التيسير عن الطاغوت ص 100وفي الفتح ص83 عن شروط لاإله إلا الله ،
المسألة العاشرة : أن الإنسان قد يكون من أهل الكتاب وهو لا يعرفها أو يعرفها ولا يعمل بها ، قال المصنف :كما في تاريخ نجد ص 491 : وأما قوله : (غير المغضوب عليهم) فالمغضوب عليهم هم العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم اهـ 0 قال في التيسير ص101 وفي الفتح ص85 أن الإنسان قد يكون قارئا عالما وهو لا يعرف معنى لاإله إلا الله أو يعرفه ولا يعمل به نبه عليه المصنف ،ونقول أيضا وقد يوجد ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرفها أو يعرفها ولا يعمل بها ،(1/177)
ومن القضايا المعاصرة فيها أنه يوجد في بعض القياديين وأهل التجمعات من لا يعرفها أو لا يعمل بها ،وكذلك الدول منهم من يدعى هذه الكلمة وهو لا يعمل بها بل لديهم شرك في المحاكم الوضعية وفي مناهج التعليم وفي الحياة السياسية فهؤلاء لا يستحقون اسم الدولة الإسلامية ولايعني ذلك أننا نكفر مجتمعات أو شعوب وسكان هذه الدول ؟لا ،فنحن لا نكفر بالعموم ولا بالتسلسل ولا نكفر من لم يكفره الله ورسوله ومكة كانت زمن الرسول صلى الله عليه وسلم بلاد كفر مع أن فيها مسلمون قال تعالى (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم )الآية ،
وإنما أردنا الحديث عمن يزعم الباطل ويتشدق بالحق وهو خلاف ذلك والله أعلم ،وقد قال الحفيد عبد الرحمن في قرة العيون ص38 فيه أن الزكاة لا تنفع إلا من وحد الله وصلى الصلوات ،ونحن نقول أن ادعاء الإسلام لا ينفع إذا لم يوحد الله التوحيد الصحيح لا المدَعى
وقد أفتى أئمة الدعوة النجدية في بلدان كانت معاصرة لهم تبنت الشرك فسموها بلاد شرك وكفر ، ولم يسموها دولا إسلامية ،
ومن القضايا المعاصرة في هذه تيار العصرانيين الذين هم جهلة في هذه الكلمة يظنون أن معناها هو مجرد التلفظ بها ،وبعضهم لا يعمل بها بل يوالون الطغاة ،ويدافعون عنهم ،بل ويوالون النظام العالمي الجديد ،بل إن اطروحاتهم هي نفس اطروحاته ولكن من وراء لافتات إسلامية ،(1/178)
الحادية عشرة : التنبيه على التعليم بالتدريج (هذه والتي بعدها أخذها المصنف من قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ فان هم أطاعوك لكذا ثم انتقل لما بعدها الصلاة ثم الزكاة وهكذا ): وهذه قاعدة من قواعد التعليم وهي التدرج ، والألف واللام في التعليم للخصوص أي التعليم الشرعي ، وأول ما يبدأ به تعليم التوحيد والكفر بالطاغوت حتى إذا أتقن هذا الباب انتُقل إلى تعليم الأركان الأربعة وأولها تعليم الصلاة ثم الزكاة وهكذا ،ويكون التدرج بحسب الأهمية الشرعية ،لاحسب المنهج العصراني أو المنهج العلماني القائم على تضخيم المواد العلمية وتهميش المواد الإسلامية وتكبير الرجل الغربي وتقزيم المسلم ،
المسألة الثانية عشرة وهي البداءة بالأهم فالأهم ،هنا سكت المصنف فلم يبين هل ذلك في التعليم أو الدعوة لكن فسر ذلك صاحب التيسير ص101 أنه في كليهما ،وهذا هو المنهج الإسلامي ، أما المنهج العلماني في التعليم فهو جعل مادة التوحيد ثانوية و هامشية أو مادة لانجاح فيها ولارسوب أو يجعلونها في آخر اليوم الدراسي أو يجعلون ما قبله من المواد الدراسية وما بعده يقضي على ما اكتسبه من توحيد .
مسألة تابعة لما قبلها :في الدعوة قال الشيخ محمد في تاريخ نجد ص 473 (اعلم أن الأمر أمران : أمر تأمر به ، وأمر يفعله الغير وتحتاج إلى الإنكار فيه ، والثاني نتوسع فيه إلا أن نرى منكرا صريحا اهـ ) وقال ص 497 (الثامنة :الرفق في الأمر وفعله بالتدرج كما فعل عمر بن عبد العزيز اهـ ) ،والمصنف أشار في بعض كتبه أن طريقة عمر بن عبد العزيز في التغيير البداءة بالأهم فالأهم كما قال عمر رويدا يابن نباته لأفرغن لك ، وقال ابن تيمية ( يفرق بين ما يفعله الإنسان ويأمر به ويبيحه وبين ما يسكت عن نهي غيره وتحريمه عليه ثم تكلم عن النهي لو ترتب عليه منكر أشد ) الفتاوى 14/468 ،(1/179)
الرابعة عشرة : كشف العالم الشبهة عن المتعلم (أخذها المصنف من توضيح النبي صلى الله عليه وسلم أنهم أهل كتاب ): وفي هذه المسألة ما يسمى الردود العلمية من كتب أو فتاوى أو محاضرات أو ندوات يقصد بها الرد على الشبه في التوحيد وفي غيرها ، وهي باب من أبواب الدعوة إلى الله تعالى ،وقال صاحب التيسير ص99 فيه التنبيه على أنه ينبغي للإنسان أن يكون على بصيرة في دينه لئلا يبتلى بمن يورد عليه شبهه من علماء المشركين ففيه التنبيه على الاحتراز من الشبه والحرص على طلب العلم ) ،
الحديث الثاني
ولهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ، فبات الناس يد وكون ليلتهم أيهم يعطاها ؟ فلما أصبحوا قال أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل هو يشتكي عينيه ،قال فارسلوا إليه فأتي به فبصق في عينيه ودعا له فبرئ كان لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية فقال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم )
يد وكون أي : يخوضون .
والمصنف ذكر على هذا الحديث ثلاثة عشر مسألة الذي يتعلق بالتوحيد منها : ست مسائل وهي :
المسألة الثامنة عشرة من أدلة التوحيد ما جرى على سيد المرسلين وسادات الأولياء من المشقة والجوع والوباء ، والشاهد (ماجرى للرسول والصحابة في هذه الغزوة وغيرها ) وهذا فيه سنة من سنن الله في طريق الدعوة إلى الله أنه لا بد من الابتلاء والمصائب والاتهامات والسجون والمعتقلات والحصار الاقتصادي ضد الصحوة وعلمائها ودولها وغير ذلك .
الثالثة والعشرون :الإيمان بالقدر لحصولها لمن لم يسع لها ومنعها عمن سعى وهذه أصل في الدعوة والشاهد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (أين علي بن ابي طالب فقيل يشتكي عينيه )،(1/180)
وهى عدم الاهتمام بالنتائج ،وإنما عليك السعي والجد والاجتهاد بصدق في الأسباب والعمل بها ثم النتائج على الله ،فقد يبارك الله في الأسباب القليلة فيجعل لها مصالح عظيمة ،وقد تفعل الأسباب الكثيرة فتكون لها نتائج قليلة ولله الأمر من قبل ومن بعد 0
المسألة الخامسة والعشرون :الدعوة إلى الإسلام قبل القتال والشاهد ( ثم ادعهم إلى الإسلام ) : وهذه قاعدة من قواعد الدعوة أنه لا بد من قيام الحجة قبل القتل والقتال والتعذيب إذا لم يكن قد دعوا من قبل ، أما إذا دعوا من قبل فتكرار الدعوة مرة أخري سنة .(التيسير ص110 ،والفتح ص92 )
المسألة السادسة والعشرون : أنه مشروع لمن دعوا قبل ذلك وقوتلوا ، والشاهد (ثم ادعهم إلى الإسلام ) ووجه كونه سنة لأنه دعوة ليهود خيبر ،وقد دعوا قبل ذلك ، وعرفوا ماذا يُراد منهم ، ومعنى مشروع أي مستحب .(التيسير ص110 ،والفتح ص92 )
وفيها قضية معاصرة وهى هل يُدعى اليوم في باب القتال والجهاد العام ؟ الجواب لا فقد عرف الأعداء هذا الدين وماذا يُراد منهم ،
وسئل الإمام أحمد هل يُدع أحد اليوم (أي في زمنه )فقال لا أعرف اليوم أحدا يُدعى قد بلغت الدعوة كل أحد فالروم قد بلغتهم الدعوة وعلموا ما يُراد منهم (المغني والشرح 10/380 ) ، قال الترمذي في باب الدعوة قبل القتال 5/267 ( وقال أحمد لا أعرف اليوم أحدا يُدعى ) فإذا كان هذا زمن أحمد فما بالك بزماننا ؟
المسألة السابعة والعشرون : الدعوة بالحكمة لقوله : أخبرهم بما يجب عليهم ، وهذه أصل وقاعدة من قواعد الدعوة وهى الدعوة بحكمة ،(1/181)
ولكن ماذا يُريد المصنف بالحكمة هنا ؟لم يتعرض الشراح إلى ذلك 0لكن المصنف فسر ذلك لما ذكر موضع الشاهد من الحديث (أخبرهم بما يجب ) فالحكمة في قصده أي أن يبدأ بعد التوحيد بالواجبات ،قال ( بما يجب ) أي بالصلاة ثم الزكاة وهكذا ،فمن بدأ بالدعوة بعد التوحيد بالواجبات فهو حكيم أما من أهمل التوحيد رأس الأمر أو أهمل الواجبات ودعى للسنن أو للمهم وترك الأهم أو للأدنى وترك الأعلى فليس حكيم بل بضد ذلك ،
وفيها قضية معاصرة وهى الخطأ في تفسير الحكمة فهي عند بعضهم هي التعايش مع المكفرات المنكرات وغض الطرف عنها بحجج واهية ،وعند بعضهم الحكمة ترك ما يجب من القيام بالتوحيد والبراءة من المشركين والملحدين وفضحهم والتصدي لهم ،و التساهل والتنازلات والوقوف في وجه الدعوة السنية بحجج واهية للقضاء عليها وتركيعها للحكام ، وأما الحكمة الشرعية التي أراد الله ورسوله فنسلّم بها ونخضع لها ولكن الشأن في المناط ،والرسول صلى الله عليه وسلم في مكة تصدى للشرك والمشركين وتبرّأ منهم هو وصحبه الكرام ،ولولا البراءة والكفر بالطاغوت لما كانت الهجرة إلى الحبشة ولما جهر أبو بكر وأبو ر وغيرهما وضربوا على ذلك ،بل أعظم قضية هي إفراد الله بالعبادة والحكم والتشريع والكفر بالطاغوت ،فإذا ميّعت هذه الأصول باسم الحكمة فماذا بقي ؟
أما الحكمة عند العصرانيين فهي الانصهار مع المجتمع الجديد بكل اطروحاته في المرأة أو السياسة أو الفن أو الحرية والحكمة عندهم تقصد الترخصات باسم فقه التيسير ، والحكمة في بقية أصول الإيمان والعقيدة إجراء تخفيضات عليها وإعمال المنشار فيها لتقليلها قدر الإمكان حتى تتسع لدخول فرق الضلال في مسمى أهل السنة ،الخ(1/182)
المسألة الثامنة والعشرون : المعرفة بحق الله في الإسلام ، والشاهد (وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه ) وفسرها الشراح (التيسير ص110 ،والفتح ص94،والإبطال ص27 ) أنها الصلاة ثم الزكاة وهكذا ،وهذه هي حقوق لا إله إلا الله ،ويُفهم من ذلك أن المصنف فسر الإسلام في هذا الحديث بالتوحيد والشهادة ،أما ما فوق ذلك فهو حقوق لهذه الكلمة ،فجعل الحقوق بعدها وخارجة عن ماهيتها ،ومن لوازمها ،فالذبح لله توحيد والنذر له وإفراده بالعبادة توحيد ،أما الصلاة فمن حقها ففرَق بينهما عند الاجتماع ،فحقوق لا إله إلا الله من توابع هذه الكلمة وهى أمر زائد عن هذه الكلمة عند الاجتماع ،ولذا الإسلام أحيانا يُفسر بكلمة لاإله إلا الله أحيانا بالاستسلام لله بالحقوق 0
المسألة التاسعة والعشرون : ثواب من اهتدى على يديه رجل واحد ، والشاهد قوله
(فوا لله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم )قال في التيسير ص111 ،والفتح ص96 : فيه فضل من اهتدى على يديه وثواب ذلك 0
مسألة :الباب في دعوة صنفين :
ـ مشركي العرب وعليه الآية الأولى وهى مكية في كفار قريش،والعبرة بالعموم .
2ـ في اليهود وهم الذين جاء ذكرهم في الحديثين في الباب ،ويقاس عليهم عباد القبور فنحرص في الوقت الحاضر على دعوتهم ،والحكومات المشركة ، ويقاس عليه التيارات والتجمعات المشركة في باب الحكم والتشريع والمنحرفة في باب عدم البراءة من الطاغوت و أهله ،وهما صنفان في الكافر الأصلي ومثاله اليهود والمرتد ومثالها من يدعى الانتساب إلى هذه الكلمة (الضال المشرك الجاهل أو المتأول )(1/183)
مسألة :هناك فرق بين جانب الدعوة وجانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجانب الجهاد ،هذه الشعائر الثلاثة العظيمة متقاربة في المعنى وبعضها يدخل في بعض عند الإطلاق لكن عند التخصيص فبينهما فرق فجانب الدعوة هو الذي يأخذ مجال الترغيب والتدرج ، وهو عام باعتبار الأفراد وعام باعتبار الزمان وهو مُقدَّم الأمر والنهى والجهاد
أما الأمر والنهى فهو خاص أثناء وجود المنكر ومصاحب له وأقرب إلى جانب الترهيب ويحتاج إلى قدرة وقوة ، أما جانب الجهاد فهو ذروة سنام الشعائر الثلاث وهو وقت القوة ويحتاج لتميز وقوة ،وعلى كل حال فهذه الثلاث متتابعة كل شعيرة تُفضي للشعيرة التي بعدها
مسألة في دعوة المتأول والمبتدع والموقف منها ومسائل في التأويل : قال الشيخ محمد في تاريخ نجد ص527 :منها أن التأويل الفاسد في رد النصوص ليس عذرا لصاحبه كما أنه سبحانه لم يعذر إبليس في شبهته التي القاها كمالم يعذر من خالف النصوص متأولا مخطئا بل كان ذلك التأويل زيادة كفره ،
ومنها أن مثل هذا التأويل ليس على أهل الحق أن يناظروا صاحبه ويبينوا له الحق كما يفعلون مع المخطئ المتأول بل يُبادر إلى عقوبته بالعقوبة التي يستحقها بقدر ذنبه والإعراض عنه إن لم يقدر عليه كما كان السلف الصالح يفعلون هذا وهذا فإنه سبحانه لما أبدى له إبليس شبهته فعل به ما فعل ولما عتب على الملائكة في قيلهم أبدى لهم شيئا من حكمته وتابوا ،
وقد وقعت هذه الثلاث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته التي فتح الله فيها مكة فإنه لما أعطى المؤلفة قلوبهم ووجدت عليه الأنصار عاتبهم واعتذروا وقبل عذرهم وبيّن لهم شيئا من الحكمة ولما قال له الرجل العابد إعدل قال له كلاما غليظا واستأذنه بعض الصحابة في قتله ولم ينكر عليه لكن ترك قتله لعذر ذكره ولما فعل خالد بن الوليد ببني جذيمة ما فعل رد عليهم ما أخذ منهم ووداهم ولا نعلم أنه عاتب خالدا ولا منعه من تأميره على الناس ،(1/184)
ومنها أن الشبه إذا كانت واضحة البطلان لاعذر لصاحبها فإن الخوض معه في إبطالها تضييع للزمان وإتعاب للحيوان مع أن ذلك لا يردعه عن بدعته
وكان السلف لا يخوضون مع أهل الباطل في رد باطلهم كما عليه المتأخر ون بل يعاقبونهم إن قدروا وإلا اعرضوا عنهم ، وقال أحمد لمن أراد أن يرد عليهم اتق الله ولا تنصب نفسك لهذا فان جاءك مسترشدا فأرشده ) انتهى كلام الشيخ محمد بنصه 0
مسألة معاصرة :
وهى قضية المواجهة والمصادمة مع المخالف ، في أثناء الدعوة إلى التوحيد !، وهذه من طبيعة هذا الدين لابد من ذلك ،وقد أشار إلى ذلك المصنف في رسالة له اسمها ستة مواضع من السيرة الموضع الثاني قال :00 إلى أن صرح بسب دينهم وتجهيل علمائهم فحينئذ شمروا له ولأصحابه عن ساق العداوة 000 إلى أن قال فإذا عرفت هذا عرفت أن الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض قال تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) الآية ،ونقول أنه لابد من مواجهة الطغاة والملحدين وملل الإلحاد بل هذا جزء من البراءة من المشركين والكفر بالطاغوت التي هي نصف لااله إلا الله ،
ولايعني هذا المواجهة المسلحة ! لا، وإنما كما حصل للرسول مع الكفرة فواجههم بالتصريح وانتقاد الشرك والحكومة المشركة وأوضح الحق مع أنه منهي عن القتال (ألم ترى إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم )الآية و يمكن أن نستعرض السيرة ، وينبغي أن نعرف أن أسباب الهجرة للحبشة هي هذه القضية ،
لكن مع ملاحظة القدرة والضعف ، والأخذ بالعزيمة أو الرخصة ،وتحتاج إلى اجتهاد ومداولة ، مع التفريق في هذا الباب بين الدعوة والأمر والنهي والتزام التوحيد وبين الجهاد المسلح 0
ومن مسائل المذكرة في هذا الباب : هل وسائل الدعوة توقيفية أو اجتهادية ؟(1/185)
هذه المسالة فيها كلام قديم وحديث ،لكن قبل أن ندخل في صلب الموضوع نبين بعض المصطلحات : فماذا يقصد بالوسيلة وماذا يقصد بالدعوة ؟،
الوسيلة هي قال ابن الأثير في النهاية 5/185 : ما يتوصل به إلى الشيء ،
والدعوة بالمفهوم العام :بيان التوحيد والشرك وبيان الحلال والحرام والتذكير بما يُقرب من الآخرة وفعل الطاعة وترك المعصية ، ويجب التفريق بين مصادر الدعوة ومن أين تؤخذ ،فمصادرها الكتاب والسنة والإجماع والقياس وأقوال الصحابة ،
وكيف توصّل الخير ؟ هنا ندخل في موضوع الوسائل : فبعض العلماء يرى أنها توقيفية وبعضهم يرى أنها اجتهادية وبعضهم يرى أنها توقيفية ولا مانع من الاجتهاد 0 فإن كان المقصود من توقيفية أنها موقوفة على الشرع ويجب أن لا تخالف الكتاب والسنة وطريقة السلف فهذا صحيح ،وهى بهذا المعنى توقيفية قال تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شئ ) وقال صلى الله عليه وسلم :(من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد )
وإن كان المقصود بالتوقيفي أنه يُقتصر على ماكان في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ويترك ما حدث بعده مما لم يكن في زمانه وإنما مَردُه لتحسّن الصنعة مع أن أصله كان موجودا ويدخل في العموم المعنوي لما كان في عصره ،فإن كان هذا معنى توقيفي ؟فليست كذلك، فمثلا الكتاب والتأليف للعلماء من أعظم وسائل الدعوة ومع ذلك لم تكن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ،إنما حدثت فيما بعد وأجمع عليه العلماء ،والذي في عصره كان كتابة كتب الرسائل ،ولم يكن التأليف في عصره ولا من بعده بل كان عمر ينهى عن الكتابة من أجل المحافظة على القرآن، ومع ذلك فلا شك أن أصول الدعوة توقيفي ، لكن الشأن في الأمور الحديثة ،
وأصول الدعوة النبوية باعتبار طريقة إيصال الحق إلى الناس ثلاثة طرق :(1/186)
1ـ إما عن طريق أن يتجمع لك الناس إما بالواجب الشرعي كتجمعهم لسماع خطبة الجمعة أو الموعظة بعد الصلوات الخمس أو الواجب الكفائي على قول أو العيني على قول في خطبة العيدين والاستسقاء ، أو المسنون كخطية عرفة أو الكسوف على قول ،
2ـ وإما أن لا يتجمعوا لك ولكن تذهب إليهم وعليه أصل غشيان الناس في تجمعاتهم وأسواقهم ومنها أيضا إرسال الوفود للدعوة والتعليم ،
3ـ واما أن لا يجتمعوا إليك ولا تذهب إليهم لكن هناك واسطة تنقل منك إليهم ، وهذا قليل في العهد النبوي لكنه موجود ومنه كتابة الرسائل ، هذه هي الأصول وكل ما استحدث إن كان جائزا فهو مبني على ذلك ،
فمن الوسائل التوقيفية التي اُتخذت طريقا إلى إيصال الخير : الخطب للجمعة والعيدين وغيرهما ، والمكاتبات والرسائل ، و الكتب ، وغشيان الناس في مجالسهم وتجمعاتهم وأسواقهم ونحوها ، و الدروس العلمية ، والقصة (أو ما يُسمى بالقُصّاص أي الذين يعضون بالقصة ، وهذه حصلت في عصر بعض الصحابة فأقروها ،)
أما الوسائل الحديثة أي الطرق الحديثة التي اُتخذت لإيصال الخير مثل :الشريط الإسلامي ، والصحف الإسلامية الصحيحة المبنية على مذهب السلف الصالح ، والهاتف فيمكن عن طريقه إلقاء محاضرة أو ندوة أو درس علمي إسلامي، والشبكة العالمية (الإنترنت ) إذا أُنشأ موقع إسلامي صحيح على نهج السلف، و المطويات النافعة ، و إنشاء إذاعة إسلامية مستقلة على مذهب السلف وغيرها ،
والخلاصة :أن وسائل الدعوة توقيفية باعتبار المحرم والمكروه والبدعة واللهو المباح ونحوها أما باعتبار المباح غير ما ذكر فلا مانع ،وهنا نقطة يجب الانتباه لها وهى أن وسائل اللهو المباح ليس طريقا للدعوة وهذه تكلم عنها ابن تيمية في الفتاوى 14/468 مثل القصائد ونحوها ، ويأتي ذكر نصه في ذلك ،(1/187)
والحقيقة أن الوسائل الحديثة المباحة ( مع الانتباه للتقييد السابق ) ، هي حديثة باعتبار الشكل وإلا من حيث المعنى فهي قديمة فكلها مقيسة إما على الخطابة أو الكتب والرسائل لكن تختلف طريقة النقل ،
مسألة هناك فرق بين وسائل الدعوة ووسائل الترغيب والجذب ، فالهدية ونحوها مثلا من وسائل الترغيب ،ومنها المسابقات الجائزة ،ومنها الجوائز والمال من وسائل الجذب ومثل سهم المؤلفة قلوبهم مثلا ، و الأخلاق الطيبة كالصفح والتسامح الشرعيين ، والألعاب المباحة وهكذا
بقي مسائل أخرى لازالت محل أخذ ورد مثل هل التمثيل أو الكرة أو الأناشيد أو الرحلات أو الفيديو أو التلفاز 000الخ من وسائل الدعوة ؟ ( والكلام هل هي من وسائل الدعوة أم لا ، أما كونها من وسائل الترغيب أو الجذب أو اللهو فهذا أمر آخر لم نتكلم فيه هنا وله موضع آخر ) وهذه تكلمنا على بعضها فيما سبق في نفس الباب وبينا أنها بدعة مثل الأناشيد فقد مرّ كلام ابن تيمية في مسألة السماع وبدعته ومن جعله طريقا للدعوة ،وكذا تكلمنا عن التلفاز وما يُسمى بالفيديو الإسلامي ، ونزيد على ذلك كلاما له في الفتاوى 14/468 فيمن ظن أن السلوك إلى الله لا يمكن إلا ببدعة فقال (ومنهم من يظن أن محبته لله ورغبته في العبادة لا يتم إلا بسماع القصائد وسماع أصوات النغمات وبها تتحرك دواعي الزهد والعبادة مالا يتحرك بدون ذلك )
مسألة : من الوسائل المحرمة اتخاذ المناهج الكلامية والطرق الفلسفية وسيلة للدعوة ، ومثله اليوم الطرق العلمانية ،وقد تحدثنا عن ذلك لما ذكرنا حكم العمل من خلال البرلمانات الشركية ، وكذا الطرق العصرانية للعصرانيين في الدعوة إن صح أنهم يهتمون بالدعوة ،
مسألة : طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوة الكفار هي بيان أصول الدين بالأدلة العقلية الدالة على ثبوت الله وتوحيده وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المعاد إمكانا ووقوعا ) وراجع الفتاوى لابن تيمية 16/251 ،(1/188)
مسألة : نسمع بعض الدعوات والكلمات غير المناسبة مثل:
1ـ توحيد الصف قبل كلمة التوحيد وهذه من مقولات أهل البدع،
2ـ مقولة التجميع ثم التوحيد ،وهذه بدعة معاصرة
3ـ مقولة هل نحن دعاة أم قضاة ، وهذه من الكلمات التي فيها حق وباطل وتحتاج إلى تفصيل ، واستفسار ،
4ـ لنتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ، وهذه فيها تفصيل إن كان الخلاف سائغا وفيما هو في محل الاجتهاد الشرعي وماكان فيه خطأ وصواب والدائر بين الأجر والأجرين فنعم ، أما الاختلاف الذي فيه سنة وبدعة فلا وأشد منه الخلاف الذي فيه كفر وإسلام فلا ثم لا،
لكن في مسألة ما الخلاف فيه يكون سنة وبدعة لا يُنفَى مطلق التعاون ، ولا يُعطون التعاون المطلق فيجوز إقامة الشعائر الظاهرة معهم إن كانت السلطة لهم فمذهب السلف إقامة الشعائر مع كل بر وفاجر( ليس فجور كفر) ، مع نصحهم واعتقاد أنهم مبتدعة ،ولا يُوالون موالاة الموحدين أهل السنة وإنما وسطية في هذا الباب ، أما فجور الكفر فمع الإكراه وأن يغلبهم بعصاه فنعم مع إعادة العبادة مرة أخرى كما صلى السلف خلف الجهمية إن غلبوهم ويعيدون
مسألة : لابد من التفريق بين المعاني الآتية وعدم التفريق بينها يؤدى إلى مزالق وهى : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،الجهاد ،التعليم ،التغيير ،الوعظ ،الترغيب ،الترهيب ،الإنذار ،التحذير ،والاستتابة ،وإقامة الحجة ،المداهنة والمداراة ،
مسألة : من المسائل المعاصرة هل الدعوة جماعية أم فردية ؟ والجماعية بشكل تنظيم أم أحزاب أم تيار عام ، أم رسمي عن طريق الحكام بتكليف منهم وتنظيم ؟، ثم أي الحكام ؟
مسألة : هل يُبدأ في الدعوة بالحكام والولاة أو الرعية والناس ، أو يجمع بين ذلك أو كل يعمل حسب استطاعته ؟،(1/189)
مسألة :هل يُعمل من خلال اللافتات الرسمية ،والمنظمات الدولية أو الإقليمية والأسابيع البدعية ،أو التي فيها تشبة بالكفار ؟ ،وهذه تكلمنا عليها عند حديثنا عن الدعوة والعمل من خلال البرلمانات الشركية ،
مسألة : هناك فرق بين وسائل الدعوة وبين وسائل التغيير والضغط مثل المسيرات والمظاهرات ،والإضرابات ، والاعتصامات ،
والقاعدة في كل المسائل السابقة ما خالف الشرع أو منهج السلف وطريقتهم فلا يجوز ويضرب به عرض الحائط و ماكان مباحا ولا يخالف الشرع فلا مانع إعمالا لقاعدة الأصل الإباحة ، وقاعدة ما سكت عنه فهو عفو، وقاعدة الأصل براءة الذمة ، وإلا لم يجز لقوله صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهم رد )
مسألة : لابد من الاهتمام بجانب دعوة المرأة ،وإخراج داعيات نشيطات في هذا الجانب فإن أهل السنة اليوم في سباق مع العلمانيين والعصرانيين في تجاذب المرأة ،
مسألة زاد الحفيد عبد الرحمن في الفتح ص 81 نقلا عن ابن القيم أن مراتب الدعوة باعتبار المدعو ثلاثة :
1ـ أن يكون المدعو طالبا للحق فهذا يُدعى بالحكمة
2ـ أن يكون مشتغلا بضد الحق لكن لو عرفه آثره واتبعه فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب
3ـ من كان معاندا معارضا فهذا يجادل بالتي هي أحسن فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجلاد إن أمكن اهـ
مسألة معاصرة وهى أسلوب الدعوة والأمر للمعروف والنهى للمنكر مع الولاة والرؤساء والأمراء للقبائل وغيرهم هل يكون سرا أو علنا ؟
هذا سوف يأتي إن شاء الله في باب(من أطاع الأمراء في التحليل والتحريم المخالف للشرع )(1/190)
مسألة : ومن الطرق البدعية في الدعوة ما يفعله بعضهم من الاختلاط بأهل المعاصي والبدع والمنحرفين ومآكلتهم ومشاربتهم وحضور منكراتهم ومجالسهم التي يمارسون فيها المعاصي وربما حضور بدعهم ، والسكوت عن الإنكار ، كل ذلك بدعوى التدرج بهم ودعوى حتى نتمكن من قلوبهم ويطمئنون لنا ثم بعد ذلك ندعوهم ،وهذه الطريقة مثل الطريقة التي نهى عنها ابن تيمية في مسألة السماع واعتبرها من الضلال في الدعوة فراجع ذلك ، وهذه يستخدمها بعضهم في دعوة الحكام والرافضة والعصرانيين والعلمانيين ، فينغمس فيهم ويحضر أفراحهم وأتراحهم حتى يتمكن ثم يدعوهم ،فيعصي الله مرارا
لكي يُطوّع الناس لله ؟؟ هذا إن سلم ولم ينحرف مثلهم 0
الباب السادس
المتن
باب تفسير التوحيد وشهادة إن لا إله إلا الله
وقول الله تعالى : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) الآية ،
وقوله : ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ) الآية ، وقوله تعالى ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) الآية ،
وقوله ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ) الآية ،
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من قال لا اله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) .
وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب فيه أكبر المسائل وأهمها وهي تفسير التوحيد وتفسير الشهادة وبينها بأمور واضحة :
منها :آية الإسراء فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر 0
ومنها آية براءة بين فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله وبين أنهم لم يؤمروا إلا بأن يعبدوا الها واحدا مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه طاعة العلماء والعباد في المعصية لا دعاؤهم إياهم0(1/191)
ومنها قول الخليل عليه السلام للكفار ( إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ) فاستثنى من المعبودين ربه وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة هي تفسير شهادة أن لا اله إلا الله فقال ( وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون )
ومنها آية البقرة في الكفار الذين قال فيهم ( وماهم بخارجين من النار ) ذكر أنهم يحبون
أند ادهم كحب الله فدل على أنهم يحبون الله حبا عظيما ولم يدخلهم في الإسلام فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده ولم يحب الله ؟،
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم :( من قال لا اله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) وهذا من أعظم ما يبين معنى لا اله إلا الله ، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الاقرار بذلك بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله ، فإن شك أوتردد (وفي الفتح والإبطال أو توقف) لم يحرم ماله ودمه ، فيالها من مسألة ما أعظمها وأجلها وياله من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع .
الباب السادس
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا اله إلا الله
الشرح
وفي العنوان مسائل :
المسالة الأولى :ماذا أراد المصنف من هذا الباب ؟ قبل ذلك لقد اعتنى المصنف بهذا الباب إعتناء كبيرا وشرحه بالتفصيل وتولى هو بنفسه شرحه كما سوف يأتى إن شاء الله ، وهذه من النوادر في طريقة المصنف وما ذاك إلا لأهمية الباب ،
وأراد بالباب أن يبين معنى التوحيد ومعنى هذه الكلمة وكرر كلمة (بين وبيان وبينها )(1/192)
ست مرات وهذا يدل أنه قصد بهذا الباب البيان لمعنى التوحيد ولذا قال في المسائل وشرح هذه الترجمة :ما بعدها من الأبواب فيه أ كبر المسائل وأهمها وهى التوحيد وتفسير الشهادة وبينها بأمور واضحة منها ثم بدأ يذكر الآيات ، وأيضا في تاريخ نجد ص 46 فصل كامل في تفسير التوحيد فليراجع ،
و قال في التيسير ص112 ( أراد البيان والتعريف بهذا الأمر الذي خُلقت له الخليقة ) وفي الفتح ص97 قال (في هذا الباب مزيد بيان بخصوصها لمعنى كلمة الإخلاص وما دلت عليه من توحيد العبادة ) وقال في القرة ص42( بيان معنى هذه الكلمة هو ما أتى به من آيات وحديث ) ،
و أراد في نفس الوقت الرد على القبورية الجهلة الذين انحرفوا في ذلك ، دل ّعليه كلام المصنف حيث قال في المسائل (فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين ) وقد رد عليهم المصنف في كتابه كشف الشبهات في أوله وفي آخره ، وقال صاحب التيسير ص112 (وأراد الرد على الجاهلين الذين يظنون أنه اسم ليس له معنى أو قول ليس له حقيقة الذين يظنون أن التحقيق فيها النطق بكلمة الشهادة من غير اعتقاد القلب و الحاذق منهم يظن أن معنى لاإله هو الخالق المتفرد بالملك وأنه الإقرار بتوحيد الربوبية وفي ص113 ذكر الصنف الثالث وهو من يعرف ولا يعمل )
وقال في الفتح ص97 (وفيها الحجة على من تعلق على الأنبياء والصالحين يدعوهم ويسألهم ) وقال في القرة ( ص42 ) أراد الرد على الجهال (أي الذين انحرفوا في تفسير معنى التوحيد ) ،وقال ص42 و إقامة الحجة على من غلط في معنى لاإله إلا الله من أهل الجهل والإلحاد ،
وخلاصة ما تقدم : أن المصنف قصد الرد في هذا الباب على ثلاثة أصناف هم :
1 ـ غلاة المرجئة في باب التوحيد وهم الذين يرون أنه يكفي التلفظ بها ، ومن قالها فهو موحد ،وهؤلاء قديما كانوا يُسمون الكرامية ،واليوم يُسمون غلاة القبورية وغلاة الصوفية وظهر طائفة اليوم على هذا الاعتقاد يُسمون العصرانيين ،(1/193)
2ـ من قال يكفي التلفظ مع الاعتقاد ،وهم أحسن حالا من الذين قبلهم حيثوا جعلوه مركبا من شيئين ،والذين قبلهم جعلوه شيئا واحد فقط ، وهذا موجود اليوم في بعض الطوائف المبتدعة المعاصرة ،
3 ـ المعاندون وهم من يعرف معنى التوحيد وأنه قول وعمل واعتقاد لكنهم لا يعملون بالتوحيد،بل و عندهم شركيات و لكن يتعذرون بعدم العمل بأنهم لا يقدرون أو يخافون من ذهاب الحكم أو الجاه أو الدنيا أو المناصب أو يخافون من الدول العظمى عندهم ، وهؤلاء تكلم عليهم المصنف بالتفصيل في آخر كشف الشبهات وقد ابتلى بهم المصنف في وقته ، وابتلينا بهم أيضا في وقتنا اليوم 0
المسألة الثانية :الألف واللام في كلمة (التوحيد)هل هي للعموم أو الخصوص ؟ بل هي للخصوص وهذا واضح من الآيات فكلها في توحيد الألوهية وأيضا الحديث النبوي في الباب في توحيد الألوهية و كذا شرح المصنف في المسائل للباب ، هذه ثلاثة أدلة تدل على أن المقصود توحيد الألوهية ، وأيضا كلام الشراح عموما يدل أنه قصد توحيد الألوهية
المسألة الثالثة :ما المقصود من العطف في عنوان الباب ؟ عطف كلمة الشهادة على كلمة التوحيد عطف ترادف وهو ظاهر صنيع الشراح حيث قال صاحب التيسير ص111 (قال عطف كلمة التوحيد على الشهادة عطف تغاير للفظين وإلا المعنى واحد ) وقال الحفيد عبد الرحمن في كتابيه (الفتح ص96 ،والقرة ص42 ) قال هو من عطف الدال على المدلول ،وفسر ذلك في القرة فقال (لأن التوحيد هو معنى هذه الكلمة العظيمة وذلك يتبين بما ساقه من الآيات والحديث لما فيها من زيادة البيان وكشف ما أشكل من ذلك ) وقال في إبطال التنديد لابن عتيق ص 28قال ( التوحيد هو معنى شهادة أن لاإله إلا الله )
والقاعدة في هذا الباب أن كل آية أو حديث فيها معنى من تفسير توحيد الألوهية ،
أما معنى الألوهية ومعنى الإله وما يتعلق بذلك فإليك كلام المصنف في ذلك :
1ـ قال( المألوه هو المعتمد عليه ) تاريخ نجد ص 243(1/194)
2ـ قال (التأله هو القصد لجلب النفع ودفع المضرة بالعبادة ) تاريخ نجد ص 433
3ـ قال ( إله الناس أي معبودهم الذي لامعبود لهم غيره ) تاريخ نجد ص 600
4ـ وقال ( الإله أي المعبود ) تاريخ نجد ص 486
5ـ وقال (الألوهية هي التي تسميها العامة في زماننا : السر والولاية والإله معناه الولي الذي فيه السر وهو الذي يسمونه الفقراء الشيخ ويسمونه العامة السيد وأشباه ذلك ) تاريخ نجد ص 398
6ـ وله رسالة مستقلة في معنى لا اله إلا الله في الدرر2/58 وفي مجموعة التوحيد ، وهي في تاريخ نجد ص 397 ،
أما الإله في عصرنا الحاضر فهو الحاكم والدولة والنظام والقانون والأمير ورئيس القبيلة والمنظرين ورئيس الحزب والمجلس والمحكمة الوضعية والهيئة الشركية والثلاثة الأخيرة سواء كانت محلية أو إقليمية أو عالمية ،
ومن الأصول العظيمة التي قررها المصنف في هذا الباب وهو مذهب السلف ضرورة التفريق بين الربوبية والألوهية ومن ذلك
أ ـ قال واعلم رحمك الله أنه لا يعرف هذه الآية حق المعرفة (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) إلا من يميز بين الربوبية وتوحيد الألوهية ، تاريخ نجد ص 560 ،
ب ـ بل أن القواعد الأربعة التي ألفها المصنف هي في التفريق بين الاصلين ،
الآيات :
الآية الأولى: و قول الله تعالى (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه )صاحب التيسيرص133 أغلق القوس عند كلمة (عذابه ) وفي القرة ص42 وفي الإبطال ص28 أغلقاه قبل ذلك عند كلمة (أقرب ) ،أما في الفتح فهو الوحيد الذي أكمل إلى قوله (محذورا ) والملاحظ أن الجمهور على عدم إكمال الآية ، وعدم الإكمال هي طريقة المصنف في المتن فقط دون الإكمال في المسائل فقد يُطيل ويُكمّل ،(1/195)
وقبل أن نبدأ في ذكر ماهى المسائل التي استخرجها المصنف على الآيات فيه ملاحظة جديدة لم يسبق لها ورود وهى أن المصنف في هذا الباب لم يذكر فيه مسائل كالعادة إنما جعل مسألة واحدة فرّع عليها كلمة منها يكررها عند كل آية أو حديث حيث قال (وفيه أكبر المسائل ) ثم بدأ يقول ومنها ،ومنها وهكذا دون قول المسألة الأولى وهكذا ، وكرر كلمة ( منها ) خمس مرات ، ومعنى كلمة منها فسرها صاحب التيسير فقال ص117 منها ( أي من الأمور المبينة لتفسير التوحيد وشهادة أن لا اله إلا الله )،وقرره على هذا التفسير صاحب الفتح ص109 ،
مسألة تابعة وهى : الضمير في قوله( فيه أكبر المسائل ) الضمير في كلمة ( فيه ) أي في الباب ، أما كلمة أكبر المسائل أي أكبرها في الكتاب كله ، فإن أكبر المسائل في علم التوحيد وأم المسائل فيه أن تعرف معنى التوحيد ، وفي كتابه كشف الشبهات بين أنه ينبغي الفرح العظيم إذا عرفت التوحيد معرفة صحيحة ،
ثم جعل المصنف الآيات والحديث بيان لمعنى التوحيد ،حيث شرح معنى تفسير التوحيد على النحو التالي :(1/196)
على الآية الأولى قال المصنف : ومنها آية الإسراء بيّن فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر ، والمصنف فسر هذه الآية كما في تاريخ نجد ص 470 كما قال ابن تيمية وقال إنه قول المفسرين ، أما كلام الشراح (التيسير ص113 وهو أكثرهم إطالة ،والفتح ص99 ، والقرة ص43 والإبطال ص 28) في معنى الآية ذكروا فيها قول ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما ومن التابعين إبراهيم ومجاهد وعطاء والضحاك ،ومن المفسرين ما قاله ابن كثير والطبري الحنفي ثم قال ويجمع ذلك كله كلام ابن تيمية قال (وهذه الأقوال كلها حق فإن الآية تعم من كان معبوده عابدا لله من الملائكة أو الجن أو من البشر ، والسلف في تفسيرهم يذكرون جنس المراد بالآية على نوع التمثيل والآية خطاب لكل من دعا دون الله مدعوا وذلك المدعو يبتغي إلى الله الوسيلة ويرجو رحمته ويخاف عذابه فكل من دعا ميتا أو غائبا من الأنبياء والصالحين سواء كان بلفظ الاستغاثة أو غيرها فقد تناولته هذه الآية كما تتناول من دعا الملائكة والجن ومعلوم أن هؤلاء كلهم يكونون وسائط فيما يقدره الله بأفعالهم ومع هذا فقد نهى الله عن دعائهم اهـ وقالوا إن هذا المعنى هو قول جميع المفسرين 0
مسألة : كيف تكون هذه الآية تفسرا للتوحيد مع أن المصنف في المسائل قال إن هذه الآية رد على المشركين ؟بيّن ذلك صاحب التيسير ص115 حيث قال بعد شرح الآية في الباب ( فتبين أن معنى التوحيد وشهادة أن لا اله إلا الله هو ترك ما عليه المشركون من دعوة الصالحين والإستشفاع بهم إلى الله في كشف الضر وتحويله وأنه لابد من مفارقة لدين المشركين ) وقال في الفتح ص97 (إن هذه الآية تقرر معنى التوحيد وأن دعاءهم من دون الله شرك ينافي التوحيد ،وبيان أن التوحيد أن لايُدعى إلا الله وحده ) وعليه فالمصنف أراد من هذه الآية شيئين :(1/197)
1 ـ أن يبين أن من تفسير التوحيد ترك ما عليه المشركون (ونقول أيضا وما عليه الديمقراطيون والعلمانيون والحداثيون والقوميون وجميع ملل الكفر المعاصرة ) ،
ـ أراد بها الرد على المشركين الذين انحرفوا في ذلك ،
مسالة : إنفرد صاحب الفتح ببيان معنى الوسيلة في الآية فقال ص 98وفي القرة ص43 )أنها الطاعة والعمل الصالح ونقل عن قتادة قوله ( تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه ) ونقل كلام ابن القيم (أنها التوسل بالأعمال الصالحة ) ونقل عن ابن كثير أنه قول جميع المفسرين هكذا قال (ولم أجده في تفسير ابن كثير عند شرح آية الإسراء )فربما أنه في موضع آخر ،
وفيه قضية قديمة معاصرة :وهى الانحراف في مفهوم معنى الوسيلة حيث يظنها المبتدعة المعاصرة أن معناها أن تجعل لك واسطة أي أحد الصالحين الأموات يتوسط لك عند الله وهو وسيلتك في هذا ،وبعضهم يقول أن معناها أن تدعو الله عند قبر صالح فيكون وسيلتك إلى الله ،وكل هذا انحراف و ضلال ،بل معنى الوسيلة ما ذكره صاحب الفتح ونقل الإجماع عليه 0
الآية الثانية :
و قوله ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ) صاحب التيسير ص115 أغلق القوس هنا ثم قال الآية أي أكمل الآية ،وتماما مثله صاحب القرة ص44 وابن عتيق في الإبطال ص28،أما في الفتح فقد أكمل الآية إلى قوله (يرجعون ) وعلى ذلك فالجمهور على الوقف عند (فطرني ) ،أما في المسائل فالمصنف أراد بقية الآية حيث أكملها فقال (وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة هي تفسير شهادة أن لاإله إلا الله فقال (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون )،
ومعذرة من الاخوة في الإطالة في ذلك ومحاولة التقصي في مثل هذا لأن لي هدف في ذلك وهو أن يتنبه من يُريد تغييب وتسميع الآيات متى يقف ؟ وأين يقف ؟ ومتى يكمل الآية؟،والله أعلم ،(1/198)
هنا جعلها المصنف الآية الثانية وفي المسائل أخّرها وقدم عليه في الاستنباط الآية التي بعدها وأظن المسألة عادية ،
ونرجع الآن إلى ماذا قال في شرح الآية في المسائل قال : (ومنها :قول الخليل عليه السلام للكفار (إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ) فاستثنى من المعبودين ربّه ،وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة :هي تفسير شهادة أن لاإله إلا الله ،فقال (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ) ،
وهنا أشار بصراحة إلى أن تفسير التوحيد هي البراءة من المعبودين إلا الله تعالى ففيه النفي والإثبات و أراد أن يبين أن البراءة من الكفار والملحدين والطواغيت من تفسير التوحيد وقال كما في تاريخ نجد ص 505 (إن من الناس من يدعي أنه لا يشرك وأنه مخلص ولكن لا يتبرأ من المشركين ، وملة إبراهيم الجمع بين النوعين ) وقال ص 517 (تصريح إبراهيم بالبراءة منهم بقوله :وما أنا من المشركين ) اهـ وقال ص 593 في التفسير (الأمر بالتصريح للكفار بالبراءة من معبود يهم ،والتصريح لهم ببراءتهم من عبادة الله ، والتصريح لهم بالبراءة من معبود يهم ) اهـ كل هذا في تفسير سورة قل يا أيها الكافرون ،
أما الشراح فقد قال في التيسير ص115 إن معنى الآية خلع الأوثان والتبرّأ منها وفي ص116 أن معناها البراءة مما يعبد من دون الله وإفراده بالعبادة وفي الفتح قال ص100 وفي القرة ص44 إن الخليل عليه الصلاة والسلام ذكر الكلمة بمعناها وهى البراءة من المعبودات وهى تدل على التوحيد دلالة مطابقة ، أما في الإبطال فلم يذكر شرح هذه الآية بتاتا !
مسألة :والكلمة التي جعلها باقية :قال في القرة ص44 هي كلمة لا اله إلا الله بالإجماع ومجموع ما قال المصنف والشراح أن من معنى التوحيد خلع الأمور التالية الأوثان و الأنداد ، والأصنام ، والطواغيت ، والكواكب ، والهياكل ،والنظراء والأشباه(1/199)
ونحن نزيد أشياء معاصرة هي : خلع المحاكم القانونية والأنظمة الطاغوتية واللوائح والمحافل والمجالس الطاغوتية الشركية وكذا المذاهب والتوجهات والتيارات الكفرية والمناهج العلمانية ولايمكن أن يكون توحيد أو دعوة سنية أو سلفية أو تنتسب لأهل السنة والجماعة بدون ذلك 0
الآية الثالثة :
وقوله ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )الآية ،كل الشراح الثلاثة لم يكملوا الآية ،إنما أغلقوا القوس عند كلمة (من دون الله ) وأعقبوا ذلك بكلمة الآية ،لكن في المسائل أكمل فقال :إنهم لم يُؤمروا إلّا بأن يعبدوا إلها واحدا ، المصنف هنا قال الآية أي أكمل الآية ،لأنه اقتصر على الشاهد في المتن واستخرج المصنف على الآية كلاما فقال في شرح هذه الآية ومنها :آية براءة بيّن فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباب من دون الله وبيّن أنهم لم يؤمروا إلا بأن يعبدوا إلها واحدا مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه : طاعة العلماء والعباد في المعصية لادُعاؤهم إياهم )،هذا تفسير المصنف لاتخاذ الأرباب وهى الطاعة في المعصية ،
ووافقه الحفيد عبد الرحمن في الفتح ص101 (أنه الطاعة في المعصية )وزاد عليه تقسيم ابن تيمية لهذه المسألة حيث قسم ذلك إلى قسمين موجودة ص106 ،ولأنه سوف يأتي في بابه أن شاء الله لن نطيل في ذلك ، وزاد أيضا كلام ابن جرير قال : (الأنداد الأكفاء من الرجال تطيعونهم في معاصي الله ) ، إلا أن صاحب الفتح ص106 قال كلاما هو (فظهر بهذا أن الآية دلت على أن من أطاع غير الله ورسوله وأعرض عن الأخذ بالكتاب والسنة في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله وأطاعه في معصية الله واتبعه فيما لم يأذن به الله فقد اتخذه ربا معبودا ) ،والإشكال أنه عطف كلمة (أطاعه في معصية )على كلمة (التحليل والتحريم )فهل العطف للمغايرة المعنوية أو عطف ترادف أو عطف تأكيد ؟
لا أدري ! و الله أعلم !(1/200)
أما الحفيد سليمان في التيسير ص117 ومثله ابن عتيق في كتابه الإبطال ص12 ففسراه بالطاعة في التحليل والتحريم ،وتفسيرهما هذا يخصص عموم (المعصية )في كلام المصنف وحفيده ، وعليه فليست الألف و اللام للعموم ، بل للخصوص ،ويكون المعنى أي طاعة العلماء والعباد في معصية التحليل والتحريم ، وكل الشراح فسروا الآية بحديث عدي بن حاتم رضى الله عنه المعروف ،بل ذكر صاحب التيسير ص117 إجماع المفسرين على تفسير الآية بحديث عدي فقال (وهكذا قال جميع المفسرين ) وبقول السدي ، ولن نطيل في هذا لأنه سوف يأتي إن شاء الله باب مستقل في ذلك وهو باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله ،
لكن الذي يعنينا الآن ما علاقة هذه الآية بالباب ولماذا ذكرها المصنف ؟ أجاب عن ذلك صاحب التيسير ص117،(ووافقه صاحب الإبطال ص 29 فقال :ومراد المصنف رحمه الله بإيراد الآية هنا أن الطاعة في تحريم الحلال وتحليل الحرام من العبادة المنفية من غير الله تعالى ولهذا فسرت العبادة بالطاعة وفسر الإله بالمعبود المطاع ،فمن أطاع مخلوقا في ذلك فقد عبده إذ معنى التوحيد وشهادة أن لا اله إلا الله يقتضي إفراد الله بالطاعة وإفراد الرسول بالمتابعة وهذا أعظم ما يبين التوحيد وشهادة أن لا اله إلا الله لأنها تقتضي نفي الشرك في الطاعة )
وفي هذا قضية معاصرة وهى أن من أطاع المحاكم الوضعية والحكام الطواغيت مختارا فيما يخالف الشرع ومن أطاع الأنظمة الشركية والهيئات الكفرية العظمى والصغرى مختارا فيما يخالف الشرع ومن أطاع المجالس الشركية والدول العظمى أو الصغرى مختارا فيما يخالف الشرع فما أفرد الله بالطاعة وما عرف تفسير التوحيد
ومنها الانتباه إلى مذهب العصرانيين في ذلك فإن منهجهم أمام الطغاة التميع ،بل أمام النظام العالمي الجديد التميع ،وتبني اطروحاته 00
الآية الرابعة :(1/201)
وقوله (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ) في التيسير ص117 وابن عتيق ص29 وصاحب الفتح كلهم أغلقوا القوس هنا ،أما الحفيد عبد الرحمن ففي القرة ص45 تابع البقية و أغلقه مثلهم ، واما في الفتح ص 108 فأغلقه عند (أشد حبا لله )
و المصنف في الشرح استخرج على الآية الثالثة من تكملة ذلك كما يأتي ،
قال المصنف في شرح هذه الآية :ومنها آية البقرة في الكفار الذين قال فيهم (وماهم بخارجين من النار ) ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله فدل على أنهم يحبون الله حبا عظيما ولم يدخلهم في الإسلام فكيف بمن أحب النّد أكبر من حب الله ؟فكيف بمن لم يُحب إلا النّد وحده ولم يحب الله ؟
قال في التيسير ص117 وفي الفتح ص109 ومنها أي من الأمور المبنية لتفسير التوحيد وشهادة أن لاإله إلا الله آية البقرة الذين قال الله فيها ثم ذكر ما ذكر المصنف سابقا، وقال في التيسير ص117 أن معنى الشهادة إفراده بأصل الحب ،وقال في الفتح ص109 قال شيخ الإسلام ابن تيمية ما معناه فمن رغب إلى الله في قضاء حاجة أو تفريج كربة لزم أن يكون محبا له ومحبته هي الأصل في ذلك ) اهـ وهذه قاعدة أن المحبة هي الأصل لبعض العبادات كالرغبة والرجاء والطاعة والتنفيذ والالتزام ،وهذه العبادات تدل على المحبة بطريق اللازم ، والشاهد من قصد المصنف وشرح الشراح أن التوحيد هو إفراد الله بالمحبة ويأتي أن شاء الله باب مستقل في المحبة جعل المصنف عنوانه هذه الآية ،
والقاعدة أن من أحب شيئا ففعل من أجله كفرا أو شركا فقد اتخذه إلها فليس من أهل لاإله إلا الله ولم يعرف التوحيد ولم يعمل به هذه هي القاعدة 0 والقضايا المعاصرة في هذا كثيرة معلومة ، تأتي في بابه إن شاء الله
الأحاديث :(1/202)
قال وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من قال لاإله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل ) أما هذا الحديث فقد أطال فيه المصنف واهتم به كثيرا ،
فقال في شرحه والتعليق عليه :ومنها قوله صلى الله عليه وسلم (من قال لاإله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) وهذا من أعظم ما يبين معنى (لاإله إلا الله )فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لاشريك له بل لا يحرم ماله ودمه حتى يُضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه فيالها من مسألة ما أعظمها وأجلها وياله من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع أهـ
فذكر المصنف في تعليقه على هذا الحديث شروط لاإله إلا الله كالتالي :
1ـالتلفظ بهذه الكلمة وهو ما يسمى القول
2ـ العلم بهذه الكلمة وهو ما سماه المصنف :معرفة معناها
3ـ الإقرار بهذه الكلمة ، فلو قال قائل ما لفرق بين التلفظ والإقرار في كلام المصنف ؟ قيل الفرق بينهما عند الاجتماع أن التلفظ أو القول يُحمل على اللسان والإقرار يُحمل على إقرار القلب وهو ما يسمى أحيانا التصديق (أي تصديق القلب )
4ـ العمل بهذه الكلمة لقول المصنف (ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لاشريك له ) ومعنى العمل هو إفراد الله بالعبادة وترك الشرك(1/203)
5ـ الكفر بالطاغوت وهو الذي ركز عليه المصنف ، هذه خمسة ،وقال صاحب الفتح ص112 (فلا يصح قولها بدون هذه الخمس التي ذكرها المصنف رحمه الله أصلا ) وقد أجمع العلماء على ما قال المصنف في هذا الحديث وما اشترطه المصنف فقد قال صاحب التيسير ص119 (أجمع العلماء على معنى ذلك فلابد في العصمة من الإتيان بالتوحيد والتزام أحكامه وترك الشرك ،وقال أيضا ص121 أجمع العلماء على أن من قال لااله إلا الله وهو مشرك أنه يقاتل حتى يأتي بالتوحيد )
وبعض طلاب الشيخ يُضيف إليها شروطا أُخرى كلها داخلة في الشروط التي ذكر المصنف ولا مشاحة في التقسيمات وعدد الشروط إذا كانت صحيحة أو متداخلة 0
وقول المصنف (و هذا من أعظم ما يبين معنى لاإله إلا الله ) الضمير في كلمة هذا تعود على ماذا ؟ هل تعود على الباب أو الحديث ،الأقرب أنها تعود على أقرب مذكور وهو الحديث ،
ولن نطيل في هذا الموضوع ولن نعرج على كلام الشراح لأن المصنف اجتهد رحمه الله اجتهادا واضحا في شرح هذا الحديث وشرحه شرحا كافيا شافيا ولله الحمد ، سوف يُفرد له المصنف بابا مستقلا هو باب (ألم تر إلى الذين يزعمون )الآية كما أنه أفرد له رسالة مستقلة بعنوان (رسالة في الكفر بالطاغوت ورؤسه ) في مجموعة التوحيد ،
ثم في آخر الباب هنا ذكر المصنف أمورا لا يحصل معها الكفر بالطاغوت وهما اثنان:
1ـ الشك في الكفر بالطاغوت ،
2ـ التوقف في الكفر بالطاغوت ،هكذا قال في الفتح ص115 وفي القرة ص27 ، شك أو توقف ، أما في التيسير ص119 وفي الإبطال ص30 فقالا شك أو تردد ،والأقرب للمعنى ما قال في الفتح ، لأن شك بمعنى تردد ،
ويتولد مما قال المصنف في الشك والتوقف أشياء هي أشد منهما دلالته من باب أولى من فعلها فانه لم يكفر بالطاغوت وهى :
*ـ الإيمان بالطاغوت ،
*ـ تصحيح الطاغوت ،
*ـ إلزام الناس به
* ـ مدح الطاغوت و أهله ومحبتهم
* ـ فرض الطاغوت وحمايته
* ـ من وآلى وعاد في الطاغوت ،(1/204)
وهذه أمور تتعلق بالطاغوت ،
وهناك أمور تتعلق بأهل الطاغوت من عدم بغضهم ومعاداتهم والبراءة منهم وتكفيرهم ونحوه ويأتي ذكرها إن شاء الله فيما بعد ،
وفي هذا قضية معاصرة وهى أنه لابد من الكفر بالطواغيت المعاصرة مثل المحاكم القانونية سواء أكانت إقليمية أو محلية أو عالمية ومثل الحكومات الطاغوتية ،ومثل الحكام المشركين والبراءة منهم ومعاداتهم ، والمجالس التشريعية البرلمانية وأمثالها ،ومثل وسائل الإعلام الطاغوتية ومثل الكتب والأحزاب والنوادي الطاغوتية ،
ونحو ذلك كما أشرنا إليه سابقا ولايمكن أن تُسمى دعوة سلفية أو سنية أو منتسبة إلى أهل السنة والجماعة أو الحديث وهى لاتهتم بمسألة الكفر بالطاغوت اهتماما عظيما وتحرر هذه المسالة وتكررها دائما وأبدا ،ليلا ونهارا سرا وعلانية بل لم ترسل الرسل إلا من أجلها (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )،
وما حورب وأبغض الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلّا لما أظهر قضية التوحيد والكفر بالطاغوت وتكفيرهم وجهادهم مع القدرة ، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،ولذا جاء ( في التيسير ص123 وفي الفتح ص113 )وفيه أن الإنسان قد يقول لاإله إلا الله ولا يكفر بما يُعبد من دون الله ،
ومن مسائل المذكرة في هذا الباب :
1ـ مسألة موالاة الكفار وأقسامها وأمثلتها ،2ـ مسألة السكن مع الكفار ، 3ـ حكم العمل عند الكفار أو الطواغيت 4ـ حكم التجنس بجنسية الكفار 6ـ حكم الهجرة من وإلى بلاد الكفار 7ـ حكم لبس الصليب وتكفير أهل العلم بذلك 8ـ استخدام العمال والسائقين وغيرهم من عموم العمالة الكافرة في جزيرة العرب 9ـ حكم الإحسان والعدل في الكفار 10ـ حكم دخول الأحزاب العلمانية والكفرية ،
هذه عشر مسائل سوف نتكلم فيها إن شاء الله في باب الكفر بالطاغوت ( ألم تر إلى الذين يزعمون ) إن شاء الله نظرا لكثرتها وذلك الباب أنسب لها ،(1/205)
والخلاصة في هذا الباب : أن المصنف فسر توحيد الألوهية ومعنى الشهادة بتفسيرين ،تفسير خاص مختصر يجمع أصول معنى هذه الكلمة ،وشرح مطول لها هو مجموع الأبواب التي بعده (ولذا قال وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب ) أي أن ما بعدها من الأبواب شرح مطول لتفسير هذه الكلمة ،
وهذا الباب سلك فيه المصنف الاختصار حيث فسر توحيد الألوهية بأصوله ،وهذا من الدقة والفهم الذي أعطيها هذا الإمام المبارك بل هذه من الكرامات العلمية التي يهبها الله من يشاء من عبادة والله ذو الفضل العظيم ،
فالتوحيد إفراد الله بالدعاء( استغاثة أو استعاذة أو التجاء أو شفاعة وتوسط )وبالطاعة وبالمحبة والبراءة من الشرك والطاغوت ومن المشركين والطواغيت ،وهذه الأربعة هي أصول توحيد الألوهية ،
وبالمقابل هذه الأربعة إذا صُرفت لغير الله فهي أصول شرك الألوهية ، ولذا في مجموعة التوحيد في أول رسالة قال وأنواع الشرك أربعة شرك الدعوة (أي الدعاء )وشرك الطاعة ،وشرك المحبة وشرك النية ، وما بعد هذا الباب سوف يكون شرحا لمعنى توحيد الألوهية ،لكن شُرح بطريقة أخرى بينها الشيخ ابن عتيق في كتابه إبطال التنديد ص30 فقال (يعنى أن المصنف قال ما بعد هذه الترجمة من الأبواب شرح للتوحيد وشهادة أن لااله إلا الله ببيان ضده فقد قيل فبضدها تتبين الأشياء فلا بد في معرفة التوحيد من معرفة ضده ) وهذه الكلمة قالها الشيخ محمد بن عبد الوهاب قبل كما في تاريخ نجد ص 489 فاعلم أرشدك الله أن الحق لا يتبين إلا بالباطل كما قيل وبضدها تتميز الأشياء ) اهـ وقال مرة (إن التوحيد لا يعرفه إلا من عرف الجاهلية ) تاريخ نجد ص 259(1/206)
وإذا كانت المسالة هكذا أن ما بعدها غيرُها فمعناه أننا سوف ننتقل إلى طريقة أخرى وتوجة آخر في عنوان الباب و المتن والمسائل وفي الشرح وهذا الذي جعلنا نحس أننا بعد هذا الباب سوف ننتقل إلي شئ جديد فناسب أن نجعل ما تقدم قسما مستقلا ،وجزءا أول وما بعده يكون قسما آخر وجزءا آخر ،ونقف هنا على هذه الطريقة ويكون هذا الباب نهاية القسم الأول ،والباب الذي بعده وهو السابع في ترتيب المصنف للكتاب هو بداية القسم الثاني أو الجزء الثاني ،
والله ولى التوفيق والهادي إلى سبيل الرشاد،
ولله الحمد والمنّة ،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الموحدين أجمعين 0
الفهارس العامة
الموضوع الصفحة
تقديم سماحة العلامة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي..................................2
نبذة مختصرة عن حياة المؤلف .....................................................3
المقدمة وفيها منهج المؤلف وطريقته ...............................................5
الباب الأول
الباب الأول كتاب التوحيد ( المتن ) ...............................................10
الباب الأول كتاب التوحيد ( الشرح )...............................................12
مقدمة الباب وفيها ترتيب الباب والمقصد منه ......................................12
القاعدة في ( قولُه تعالى ) و( قولِه تعالى )..........................................14
الآية الأول ومسائلها ...............................................................14
الآية الثانية ومسائلها ..............................................................15
قضية معاصرة في ركن الكفر بالطاغوت والبراءة منه .............................16
الآية الثالثة ومسائلها ..............................................................16
طريقة المصنف في نهاية الآيات ، وكلمة الآية ....................................17(1/207)
الآية الرابعة ومسائلها ، والخلاف في ترتيبها......................................18
الآية الخامسة ومسائلها............................................................19
عدد أحاديث الباب ................................................................19
الحديث الأول ومسائله ، وتخريجه ... ............................................20
الحديث الثاني ومسائله ............................................................20
قضية معاصرة في أهمية التوحيد .................................................21
الباب الثاني
الباب الثاني باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب ( المتن ) ....................22
الباب الثاني باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب ( الشرح )....................24
مسائل عنوان الباب ...............................................................24
قواعد وأصول لفهم أحاديث الوعد.................................................26
الأطر الأربعة لفهم أحاديث الباب ..................................................28
الآية الأول ومسائلها ..............................................................29
تنبيه لمنهج المصنف في مفردات آيات وأحاديث كتاب التوحيد .....................29
الحديث الأول ومسائله ............................................................31
المغرورون في معرفة التوحيد ...................................................32
عقائد ومناهج أصول وفقه العصرانيين ...........................................32
متابعة لمسائل الحديث الأول .....................................................34
السيئات بالنسبة لفضل التوحيد من حيث الكمية ثلاث مراتب ......................35
عظم حسنة التوحيد وبيان ذلك ....................................................36(1/208)
الحديث الثاني ومسائله ...........................................................37
الحديث الثالث ومسائله وتخريجه .................................................38
قاعدة هذا الباب ..................................................................40
سبب ترك حديث البطاقة .........................................................41
الحديث الرابع ومسائله ...........................................................41
اختصار المصنف للحديث ........................................................42
الخلاصة في اختصار المصنف لهذا الحديث ......................................43
قضية معاصرة ..................................................................43
الباب الثالث
الباب الثالث باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ( المتن )...............44
الباب الثالث باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ( الشرح )..............46
مسائل العنوان ...................................................................46
معنى التحقيق ...................................................................46
عدد مراتب التحقيق، وذكر ذلك( الأولى والثانية )................................48
المرتبة الثالثة ...................................................................49
الآية الأولى ومسائلها ...........................................................49
مسالة السواد ...................................................................50
قضية معاصرة في مسألة تكثير السواد .........................................50
الآية الثانية ومسائلها ...........................................................51
عودة الى المراتب .............................................................52(1/209)
شوائب الشرك وشعبه ..........................................................52
عودة إلى المراتب .............................................................53
البدع والمعاصي المتعلقة بالشرك ..............................................53
أمثلة للمعاصي الشركية .......................................................54
الحديث الأول .................................................................54
مسائل الحديث الأول..........................................................55
الخلاف في مسألة كيفية التحقيق في الرقية والكي ..............................56
أقسام ترك الأمور المكروهة في الحاجة والعلاج ..............................57
قضايا معاصرة في مسائل تحقيق التوحيد .....................................58
أنواع الطلب وأثره على التحقيق .............................................58
طلب العلاج و أثره على التحقيق .............................................59
طلب الدعاء من الغير وحكمه ...............................................59
أنواع الطلب ................................................................60
أقسام أهل التحقيق باعتبار العدد ............................................60
خلاصة المصنف في التحقيق وقواعده في ذلك..............................60
القواعد العامة المستخرجة لبيان عموم التحقيق..............................61
التحقيق باعتبار أقسام التوحيد ..............................................62
الباب الرابع
باب الخوف من الشرك ( المتن )...........................................63
باب الخوف من الشرك ( الشرح )..........................................64
مسائل العنوان .............................................................64(1/210)
المسائل المستخرجة على العنوان ...........................................64
تعريف الشرك الأكبر الأصغر...............................................65
الفرق بين شرك العبادة و الشرك في العبادة..................................66
الخلاف في تعريف الشرك الأصغر ........................................66
أمثلة على الخلاف .........................................................66
الآية الأولى ومسائلها ......................................................67
دخول الشرك الأصغر في هذه الآية ........................................67
مسألة هل الشرك الأصغر تحت المشيئة .....................................69
مسألة هل يعذب فاعل الشرك الأصغر في القبر والعرصات .................70
مسألة هل الكفر الأصغر تحت المشيئة ......................................70
مسألة هل يعذر بالجهل في الشرك الأصغر .................................71
مسألة متى يغفر الشرك الأصغر؟ ............................................71
الآية الثانية ومسائلها ........................................................71
الحديث الأول ومسائله ......................................................72
طريقة السلف في التعريفات ....................................................72
عودة إلى مسائل الحديث الأول .................................................73
قضية معاصرة فيما يتعلق بالشرك الأصغر .....................................74
الحديث الثاني ومسائله .........................................................74
معنى كلمة تفسير عند المصنف ................................................75
مسائل تتعلق بكلمة( الند ).......................................................76(1/211)
الحديث الثالث ومسائله ..........................................................77
مسألة الجهل في الشرك الأكبر وفيها فصول .....................................78
الفصل الأول :
في نقولات توضيحية للشيخ محمد بن عبد الوهاب في عدم العذر بالجهل
في الشرك الأكبر ............................................................. 78
رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذه المسألة ..............................79
نصوصه في ذلك : النص الأول ،والثاني والتعليق عليه .........................80
النص الثالث ، والرابع ، والخامس ، والسادس والتعليق عليه ....................81
النص السابع ، والثامن ، والتاسع ، والتعليق عليه ...............................82
النص العاشر والتعليق عليه .....................................................83
النص الحادي عشر والتعليق عليه ...............................................84
خلاصة الرسالة الأخيرة ........................................................85
توضيح الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن لكلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عدم
العذر بالجهل والأمور المستخلصة من ذلك......................................86
الفصل الثاني :
الإجابة عن الرسائل والنصوص التي احتج بها من لم يفهم كلام
الشيخ محمد بن عبد الوهاب : النص الأول والتعليق عليه.........................87
النص الثاني ، والثالث والتعليق عليه ............................................88
النص الرابع والتعليق عليه.......................................................89
خلاصة كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب .......................................90
الفصل الثالث :
في نقولات توضيحية من كلام طلاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عدم
العذر بالجهل في الشرك الأكبر، أولا :الملازمين له (حسين وعبد الله(1/212)
أبناء الشيخ محمد وحمد بن معمر وعبد العزيز بن حصين........................90
نقولات من كلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن في عدم العذر بالجهل................93
نقولات من كلام الشيخ عبد الله ابابطين في عدم العذر بالجهل......................94
نقولات من كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في عدم العذر بالجهل........100
نقولات من كلام الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن في عدم العذر بالجهل.............102
نقولات من كلام الشيخ عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف والشيخ سليمان
بن سحمان في عدم العذر بالجهل.................................................105
نقولات من كلام اللجنة الدائمة للإفتاء ، والشيخ عبد العزيز بن باز ..............108
تاريخ شبهة العذر بالجهل في الشرك الأكبر ، ومتى بدأت ؟......................109
الفصل الرابع :
في نقولات من كلام أهل العلم في مسألة الجهل ...............................110
الاستدلال بالقياس على عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر ....................113
لوازم باطلة على العذر بالجهل في الشرك الأكبر................................114
الباب الخامس
الباب الخامس باب الدعاء إلى شهادة أن لا اله إلا الله ( المتن ) ................115
الباب الخامس باب الدعاء إلى شهادة أن لا اله إلا الله ( الشرح )...............117
مسائل العنوان ...............................................................117
قضية معاصرة في الدعوة وهي تعبيد الناس لله تعالى والكفر بالطاغوت ........117
الآية الأولى ومسائلها .........................................................118
طريقة الدعوة النبوية كما في السيرة .........................................119
قضية معاصرة في مسألة البصيرة في الدعوة ................................119
قضية معاصرة وهي الدخول في البرلمانات والمجالس الشركية ونحوها(1/213)
من باب مصلحة الدعوة......................................................120
باب تابع لهذه المسألة .......................................................125
الحديث الأول ومسائله ......................................................126
قضية معاصرة في عدم الاهتمام في الدعوة إلى التوحيد والكفر بالطاغوت.....127
عدم اهتمام العصرانيين بالتوحيد والكفر بالطاغوت............................128
قاعدة البداءة بالأهم فالأهم.....................................................128
قاعدة التدرج في الدعوة والتعليم ..............................................128
من قواعد الدعوة كشف الشبهات .............................................129
الحديث الثاني ومسائله .......................................................129
قضية معاصرة في الدعوة اليوم في باب القتال ................................130
قضية معاصرة في الدعوة بالحكمة ، ومعناها والانحراف في ذلك .............130
مسألة في التفريق بين الأمر والنهي والدعوة والجهاد ..........................131
مسألة في دعوة المتأول والمبتدع والموقف منه في كلام المصنف .............131
قضية معاصرة في المواجهة مع المخالف صاحب المنعة والشوكة .............132
مسألة في وسائل الدعوة توقيفية أم اجتهادية ...................................133
أصول الدعوة النبوية في طريق إيصال الحق للناس ...........................134
مسألة الفرق بين وسائل الدعوة ووسائل الجذب والترغيب ....................135
مسألة المنع من اتخاذ المناهج الكلامية والطرق الفلسفية
وطرق العصرانيين في الدعوة ..............................................135
طريق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوة الكفار ..........................135(1/214)
مسألة انتقاد بعض الكلمات البدعية في الدعوة .................................136
مسائل أخرى معاصرة في الدعوة متفرقة .....................................136
مسألة مراتب الدعوة بالنسبة للمدعو ..........................................137
الباب السادس
الباب السادس باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا اله إلا الله ( المتن ) ..........139
الباب السادس باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا اله إلا الله ( الشرح ).........140
مسائل العنوان ..............................................................140
الهدف من الباب .............................................................140
الرد على ثلاث طوائف هنا .................................................140
معنى الإله في كلام المصنف ................................................141
من الأصول التفريق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية .....................142
الآية الأولى ومسائلها .......................................................142
معنى الوسيلة وفيها قضية معاصرة ..........................................143
الآية الثانية ومسائلها.........................................................144
الآية الثالثة ومسائلها..........................................................145
قضية معاصرة في الطاعة ..................................................146
الآية الرابعة ومسائلها........................................................146
الحديث الأول ومسائله .......................................................147
شروط لا اله إلا الله كما ذكرها المصنف ......................................147
حكم الشك أو التوقف في الكفر بالطاغوت .......................................148(1/215)
الحكم في أمور أشد من الشك أو التوقف في الكفر بالطاغوت .....................148
خلاصة الباب ...................................................................149
الخاتمة .........................................................................150
الفهرس .........................................................................151(1/216)