كتاب
الإلمام بآداب دخول الحمام
للحافظ أبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن الحسيني الدمشقي
المتوفى سنة 765 هـ
تحقيق وتخريج
الدكتور نور الدين بن شكري بن علي بويا جيلار البردوري
أضواء السلف
الطبعة الأولى
1428 هـ - 2007 م(/)
كتاب الإلمام بآداب دخول الحمام وما يتعلق به من الأحكام
لأبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة ابن أبي المحاسن الحسيني، عفا الله عنه.
عمله في سنة 742
رواية مولانا الإمام الحافظ نفيس الدين أبي الربيع سليمان بن إبراهيم العلوي عنه. ورواية العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن علي المؤدب عنه.(1/25)
(1/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وحده
الحمد لله الذي أنزل من السماء طهوراً وخلق كل شيء فقدره تقديراً وصلوات الله وسلامه على نبيه المرسل إلى الكافة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
فهذا كتاب جليل ومختصر نفيس قضى الله عز وجل لي بتأليفه فيما يتعلق بالحمام وآداب دخوله وما يناسب ذلك لأن الحاجة ماسة إليه، إذ هو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد ترتب في هذا الزمان في دخوله مفاسد كثيرة فتعين التنبيه على الحق في رد المحدثات والبدع والمنكرات. والله الموفق للصواب.(1/27)
وأنا أذكر إن شاء الله عز وجل ذلك في عشرة فصول:
الفصل الأول: في ذكر بدو بناء الحمام.
الفصل الثاني: فيما ورد من إباحته للرجال دون النساء.
الفصل الثالث: فيما ورد من إباحته للنساء بشروط.
الفصل الرابع: في الأمر بالتستر في الحمام وغيره.
الفصل الخامس: في الاغتسال الواجبة والمستحبة وغيرها.
الفصل السادس: في صفة الغسل وما يتعلق به.
الفصل السابع: في الغسل بالسدر ونحوه وما يناسب ذلك.
الفصل الثامن: في الصلاة في الحمام وما يتعلق بذلك.
الفصل التاسع: في الأمر بتحسين الحلق في الحمام وغيره.
الفصل العاشر: في التنشيف وإعطاء الحمامي حقه.
(الفصل الأول): في ذكر بدء بناء الحمام:
1- (1) أخبرنا الإمام الحافظ أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي سماعاً عليه في سنة أربعين وسبعمائة، أخبرنا أبو الحسن علي بن البخاري، وأبو العباس أحمد بن أبي الخير الحداد، عن أبي جعفر الصيدلاني، أخبرنا أبو علي الحداد حضوراً، أخبرنا أبو نعيم الأصبهاني، أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، حدثنا أحمد بن خليد الحلبي، حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي، حدثنا عمر بن عبد الرحمن أبو حفص الأبار، حدثنا إسماعيل بن [عبد الرحمن] الكندي، عن أبي برزة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال:(1/28)
(1/29)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود عليهما السلام، فلما دخله فوجد حره قال: أوه من عذاب الله أوه أوه قبل أن لا ينفع أوه)).
2- ورويناه في كتاب ((عمل اليوم والليلة)) لابن السني من حديث صالح ابن الإمام أحمد، عن إبراهيم بن مهدي، حدثنا أبو حفص الأبار، عن إسماعيل الأودي، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أول من صنعت له الحمامات والنورة سليمان بن داود صلى الله عليهما، فلما دخله [وجد حره](1/30)
وحبر غمه قال: أوه من عذاب الله أوه ثم أوه قبل أن لا يكون أوه)) وكان سبب ذلك على ما ذكره أهل التفسير وأصحاب التواريخ قدوم بلقيس عليه قال الله عز وجل في آخر القصة من سورة النحل {قيل لها ادخلي الصرح} الآية. وذلك أن سليمان عليه السلام أراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفها لما قالت الشياطين: إن رجليها كحافر الحمار وأنها شعراء الساقين فأمر الشياطين فبنوا له صرحاً أي قصراً من زجاج، وقيل بيتاً من زجاج كأنه الماء بياضاً، وأجرى تحته الماء وألقى فيه كل شيء من دواب البحر: السمك والضفادع وغيرهما، ثم وضع سريره في صدره وجلس، وعكفت عليه الجن والإنس والطير ثم دعا بلقيس، فلما قيل لها ادخلي الصرح، فلما رأته حسبته لجة -وهي معظم الماء- وكشفت عن ساقيها لتخوضه إلى سليمان، فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً إلا أنها كانت شعراء الساقين، فلما رأى سليمان ذلك حيرت بصره عنها وناداها {إنه صرحٌ ممردٌ من قوارير، قالت: رب(1/31)
إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} فلما أسلمت أراد أن يتزوجها وكره ما رأى من كثرة شعر ساقيها فسأل الإنس ما يذهب هذا؟ قالوا: المواسي فقالت المرأة: لم تمسني حديدة قط، فكره سيلمان المواسي، وقال: إنها تقطع ساقها قال للجن فقالوا: لا ندري ثم قال للشياطين فقالوا: إنا نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء، فاتخذوا الحمام والنورة، فكان النورة والحمام من يومئذ.
ثم إن الأعاجم والروم لم يزالوا يعتادونه إلى هذا الزمان، وأما العرب فلم تكن تعرف في بلادهم إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الصحابة. وروي أن بعضهم دخله، وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أم الدرداء فقال: ((من أين يا أم الدرداء؟ قالت: من الحمام)) الحديث وهو ضعيف.(1/32)
3- (2) أخبرناه محمد بن عبد الرحمن المزي، أخبرنا المسلم بن علان، أخبرنا حنبل المكبر، أخبرنا أبو القاسم ابن الحصين، أخبرنا أبو علي ابن المذهب، حدثنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبد الله بن الإمام أحمد، حدثنا أبي، حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا زبان يعني ابن فائد عن سهل يعني ابن معاذ عن أبيه، أنه سمع أم الدرداء رضي الله عنها(1/33)
تقول: ((خرجت من الحمام فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أين يا أم الدرداء؟ فقلت: من الحمام، فقال: والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في بيت غير إحدى أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل)) ففي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، وابن فائدة هالك.(1/34)
وقد كره الإمام أحمد بناء الحمام وبيعه وشراءه وكراه، فقال عامة أصحابه: كراهة تنزيه، وخالفهم القاضي أبو يعلى فقال: بل كراهة تحريم كعمل الملاهي وبناء بيوت النار والبيع، قال ابن تيمية رحمه الله: ينبغي أن يحمل ذلك على البلاد الحارة التي لا يضطر أهلها إلى الحمامات، فأما بلاد الشام وما شاكلها من البلاد الباردة التي يحتاج أهلها إلى الحمامات لا سيما في الشتاء فلا يكره لهم اتخاذ الحمام، والله أعلم.(1/35)
قال النووي رحمه الله: والحمام مذكر لا يؤنث، نقله الأزهري في ((تهذيب اللغة)) عن العرب، ونقله غيره، وجمعه حمامات مشتق من الحميم وهو الماء الحار والله أعلم.
(الفصل الثاني): فيما ورد من إباحته للرجال دون النساء:
4- (3) أخبرنا أبو الفضل عبد الرحيم بن إبراهيم التنوخي، أخبرنا جدي أبو محمد إسماعيل بن أبي الميسر، أخبرنا أبو علي الرصافي، أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عبد الله بن شداد،عن أبي عذرة وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الرجال والنساء عن دخول الحمامات ثم(1/36)
رخص للرجال أن يدخلوها في الميازر)) رواه أبو داود في كتاب الحمام من ((سننه)) عن موسى ورواه الترمذي في الاستئذان من ((جامعه)) عن ابن بشارٍ، عن ابن مهدي، كلاهما عن حماد، وقال: لا نعرف حديث حماد، وإسناده ليس بذاك القويم.(1/37)
5- وبه قال الإمام أحمد، فحدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا سعيد، قال: حدثني أبو خيرة عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام)).
6- وبه قال حدثنا هارون يعني ابن معروف، حدثنا ابن وهب، حدثني عمرو بن الحارث، أن عمر بن السائب حدثه [أن] القاسم بن أبي القاسم السبئي حدثه عن قاص الأجناد بالقسطنطينية أنه سمعه يحدث أن عمر رضي الله عنه قال: ((يا أيها(1/38)
الناس، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام)) وهذا إسناد جيد، وقاص الأجناد قيل اسمه عبد الله بن زيد.(1/39)
7- ورواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في مسند عمر فقال: حدثنا محمد ابن سهل الرازي ببغداد، حدثنا مضارب بن هذيل الكلبي عن أبيه، حدثنا بقية، حدثني هشام بن عبد الله، حدثني ابن الحسن بن أبي كثير، عن أبيه، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام)) وهذا إسناد منكر.
8- وقد روى هذا الحديث عن عمر [من] قوله الإمام أحمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((لا تدخل الحمام إلا بمئزر، ولا يغتسل اثنان على حوض)).(1/40)
9- (4) وأخبرنا الحافظ أبو الحجاج المزي، أخبرنا محمد بن القواس، أخبرنا أبو القاسم ابن الحرستاني، أخبرنا علي بن مسلم السلمي، أخبرنا أبو نصر بن طلاب، أخبرنا الحافظ أبو الحسين الصيداوي، حدثنا أبو علي بن نعيم، حدثنا بكر بن سهل، حدثنا عمرو بن [هاشم]، حدثنا موسى بن وردان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(1/41)
((أنشد الله رجال أمتي [لا] يدخلوا الحمام إلا بمئزر، وأنشد الله نساء أمتي لا يدخلن الحمام)) غريب من ذي الوجه.
10- (5) أخبرنا أبو الفضل بن أبي اليسر، أخبرنا أبو الحسن البخاري، أخبرنا أبو حفص بن طبرزد، حدثنا إبراهيم بن محمد الكرخي وأبو الفتح الرومي قالا: أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب، أخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي، أخبرنا أبو علي اللؤلؤي، حدثنا الحافظ أبو داود، حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي المليح قال: ((دخل نسوةٌ من الشام على(1/42)
عائشة رضي الله عنها فقالت: من أين أنتن؟ قلن: من أهل الشام. قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤه الحمامات؟ قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله.(1/43)
قال أبو داود: وهذا حديث جرير وهو أتم ولم يذكر جريرٌ أبا المليح، قلت: ورواه الدارمي في مسنده، فقال: أخبرنا يعلى، أخبرنا الأعمش عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد قال: ((دخل على عائشة رضي الله عنها نسوةٌ من أهل حمص تستفتينها)) فذكر الحديث بدون ذكر أبي المليح، وهو غريب.
11- (6) أخبرنا أحمد بن علي الحصر، أخبرنا إبراهيم بن خليل، أخبرنا أبو الفضل الجنزوي، أخبرنا أبو الحسن الغساني، أخبرنا أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، أخبرنا جدي أبو بكر الحبر، أخبرنا الحافظ أبو بكر الخرائطي، حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا حفص بن غياص، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت سترها فيما بينها وبين الله عز وجل)).(1/44)
وهذا إسناد صحيح ولم يذكر الأعمش عمرو بن مرة.(1/45)
12- وبه قال الخرائطي حدثنا نصر بن داود، حدثنا أبو نعيم، حدثنا حمزة الثمالي، حدثني سالم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليها نسوة.. .. )) الحديث.
13- رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة، عن منصور، عن سالم عن أبي المليح نحو ما رواه أبو داود السجستاني.
ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد الطنافسي، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن منصور متابعة، ورواه الترمذي عن محمود بن غيلان، عن أبي داود فحسنه، فمداره على سالم بن أبي الجعد، وهو ثقة.
14- وقد رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها، قال الخرائطي حدثنا نصر بن داود، حدثنا محمد بن حسان السمتي، حدثنا فضيل بن عياض، عن مطرح بن يزيد، عن عبيد الله بن زحرٍ، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لا يحل لامرأة أن تدخل الحمام إلا من سقمٍ،(1/46)
فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني على مفرشها: قالت: حدثني خليلي صلى الله عليه وسلم على مفرشي هذا قال: إذا وضعت المرأة خمارها في غير بيت زوجها هتكت ما بينها وبين الله من سترٍ، ولم يتناها دون العرش)).
15- قال: وحدثنا القنطري علي بن داود حدثنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحرٍ، عن علي بن [يزيد] عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يحل لمؤمن أن يدخل الحمام إلا بمئزر، ولا يحل [لمؤمنة](1/47)
أن تدخل الحمام إلا من سقمٍ، [فإن] عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثتني وهي على فراشها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فراشي، أو موضع مفرش يقول: ((أيما مؤمنة وضعت خمارها في غير بيتها هتكت الحجاب فيما بينها وبين ربها تبارك وتعالى)).
16- رواه الإمام أحمد في ((مسنده)) من حديث أم سلمة رضي الله عنها فقال: حدثنا حسن الأشيب، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن السائب مولى أم سلمة: أن نسوةً دخلن [على] أم سلمة رضي الله عنها من أهل حمص فسألتهن ممن أنتن؟ فقلن: من أهل حمص، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيما امرأةٍ نزعت ثيابها في غير بيت زوجها خرق الله تعالى عنها ستراً)).(1/48)
17- روى الإمام أحمد هذه القصة من حديث عائشة أيضاً فقال: حدثنا عبيدة بن حميد، حدثنا يزيد بن [أبي] زياد، عن عطاء بن [أبي] رباح قال: أتين نسوةٌ من أهل حمص عائشة رضي الله عنها فقالت لهن: لعلكن من النساء اللواتي يدخلن الحمامات؟ فقلن لها: إنا لنفعل فقالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [يقول]: ((أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ما بينها وبين الله تعالى)).
ورواه هشام بن عروة، عن أبيه ولفظه: إن نسوة جئن عائشة رضي الله عنها زمن الحجاج من أهل الشام وأهل العراق، فأذنت للعراقيات قبل الشاميات، وقالت للشاميات: ألستن تدخلن الحمامات؟ قلن: بلى، أرضنا باردة فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيما امرأة تعرت في غير بيتها هتك الله ما بينها وبينه من سترٍ)).(1/49)
18- رواه الحافظ أبو بكر الخرائطي فقال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عبيد الله بن المنادي، حدثنا يونس المؤدب، حدثنا الحكم بن الصلت، حدثني يزيد [عن أبي] هدبة [الفارسي] عن هشام بن عروة فذكره بلفظه.(1/50)
19- (7) وأخبرنا الحافظ أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي، أخبرنا الحافظ عبد المؤمن الدمياطي، أخبرنا الحافظ يوسف بن خليل الدمشقي، أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي يعلى المحبوبي، أخبرنا أبي، أخبرنا علي بن محمد بن علي، أخبرنا عبد الرحمن بن عثمان، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن أحمد، أخبرنا يزيد بن عبد الصمد، حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا صدقة، عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(1/51)
((لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر يدخل حليلته الحمام، ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر يقعد على مائدة تدار عليها، أو تسقى عليها الخمر)).(1/52)
تابعه عبد الله بن لهيعة عن أبي الزبير:
20- (8) أخبرنا محمد بن إسماعيل الحنبلي، أخبرنا عبد الواسع الأبهري، أخبرنا ابن صباح المصري، أخبرنا عبد الله بن رفاعة السعدي، أخبرنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا أبو عبد الله شعيب بن عبد الله المنهال، حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسن الرازي، حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج القطان، حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم(1/53)
الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر)).(1/54)
21- (9) وأخبرنا الثقة أبو العباس الجزري، أخبرنا إبراهيم بن خليل الدمشقي، أخبرنا الفضل إسماعيل بن علي الجنزوي، أخبرنا علي بن أحمد الغساني، أخبرنا أحمد بن عبد الواحد بن محمد أبي الحديد، أخبرنا جدي أبو بكر محمد، أخبرنا الحافظ أبو بكر الخرائطي، أخبرنا [أبو] بكر، حدثنا محمد بن جابر حدثنا جبارة بن المغلس، حدثنا حماد بن شعيب، عن أبي الزبير [عن جابر] رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنه نهي أن يدخل الحمام إلا بإزار)).(1/55)
(1/56)
22- وبه قال الخرائطي، حدثنا نصر بن داود، حدثنا محمد بن حسان السمتي، حدثنا فضيل بن عياض، عن مطرح بن يزيد، عن عبيد الله بن زحرٍ، عن علي ابن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لا يحل لرجل أن يدخل الحمام إلا بمئزر)).
23- وبه قال حدثنا الرمادي، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب قال: ((نهانا عمر [بن الخطاب رضي الله عنه] أن ندخل الحمامات إلا وعلينا الأزر)).(1/57)
24- وبه قال: حدثنا علي بن داود القنطري، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي جعفر، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((إن [للحمامات] حجاباً لا يستر، وماءً لا يطهر، بنيان المشركين، وصرح الكفار بيتاً، وفخ الشيطان، لا يحل لرجل أن يدخله إلا بمنديل، مروا المسلمين أن يحبسوا نساءهم {الرجال قوامون على النساء}.(1/58)
25- (10) وأخبرنا عبد الرحيم بن أبي اليسر، أخبرنا جدي إسماعيل، أخبرنا عبد اللطيف الصيرفي، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر السكري، أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا عمرو ابن الربيع، حدثني يحيى بن أيوب، عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن ثابت بن شرحبيل، عن عبد الله بن [يزيد] الخطمي، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(1/59)
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم فلا تدخل الحمام)).
26- قال: ((فنميت ذلك إلى عمر بن عبد العزيز في خلافته فأرسل إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن سل محمد بن ثابت عن حديثه، فإنه رضيٌ، فسأله، ثم كتب إلى عمر، فمنع عمر النساء من الحمام)) رواه ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن ثابت.(1/60)
فهذه الآثار كلها تدل على إباحة الحمام للرجال دون النساء.
27- وروى ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح: ((أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل حمام الجحفة)).
28- وروى أيضاً عن أبي الدرداء، أنه كان يدخل الحمام ويقول: ((نعم البيت الحمام، يذهب الضبية يعني الوسخ، ويذكر النار)).
29- وعن ابن عمر نحوه، وجاء أن علياً وابنه الحسين وابن عمر وأبا هريرة وجرير بن عبد الله البجلي وعطاء وغير واحد دخلوه.
وحكى غير واحد الإجماع على جواز دخوله بشرطه.(1/61)
30- وروى أبو بكر البزار في مسنده من حديث طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((احذروا بيتاً يقال له الحمام، قالوا: يا رسول الله إنه ينقي الوسخ؟ قال: فاستتروا)).(1/62)
قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي في مسنده: هذا أصح إسناد حديث في هذا الباب على أن الناس يرسلونه عن طاوس، ورواه الخرائطي في كتاب شاذ من الاختلاف.
31- (11) أخبرناه أبو العباس الجزري، أخبرنا إبراهيم بن خليل، أخبرنا أبو الفضل الجنزوي، أخبرنا علي الغساني، أخبرنا أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، أخبرنا جدي محمد، أخبرنا الخرائطي، حدثنا أبو بكر الترمذي، حدثنا محمد بن عبد الله [الرقاشي]، حدثنا أبو سهل، حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(1/63)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((بئس البيت الحمام فقال قائل: أو قائلون: إنه ليتداوى به المريض ويذهب فيه الوسخ قال: فإن فعلتم فلا تفعلوا إلا وأنتم مؤتزرون)).
32- وبه قال: أخبرنا أحمد بن إسحاق الوزان، حدثنا محمد بن [إدريس ابن] المنذر أبو حاتم، حدثنا أبو الأصبغ الحراني، حدثنا محمد بن [سلمة]، عن محمد بن إسحاق، عن ابن طاوس، وعن أيوب السختياني عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تبنون بيتاً يقال له الحمام، قالوا: يا رسول(1/64)
الله يذهب بالدرن وينفع المريض قال: فمن دخله فليستتر)).(1/65)
33- وبه قال وأخبرنا الحسن بن [يزيد] الجصاص حدثنا شبابة بن سوار، حدثنا المغيرة بن مسلم، عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه،(1/66)
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نعم البيت الحمام إذا دخله الرجل المسلم ذكره النار تعوذ بالله من النار، وبئس البيت العرس، لأن الرجل إذا دخله رغبه في الدنيا وزهده في الآخرة)) وهذا حديث منكر.
34- وقال يزيد بن هارون، حدثنا الأصبغ بن زيد، عن يحيى بن عبيد الله قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(1/67)
((نعم البيت يدخله الرجل المسلم الحمام، وذلك أنه إذا دخله سأل الله الجنة واستعاذ بالله من النار)).
35- رواه ابن السني في كتاب [عمل] يوم وليلة عن أبي القاسم البغوي، حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن عبيد الله فذكره.
36- وقال الخرائطي: حدثنا أبو الحرب الرسعني، حدثنا هشام بن خالد الأزرق، حدثنا الوليد، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحولٍ قال: ((لما قدم(1/68)
أبو الدرداء وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا الحمامات وطلوا بالنورة)).(1/69)
37- وسئل الحسن عن الحمام؟ فقال لا بأس به إذا كان بمئزر، فقيل: إنا نرى فيه قوماً عراةً فقال: الإسلام أعز من ذلك.
38- وروى البخاري ((أن الشعبي دخل الحمام وهو صائم)).
(الفصل الثالث): فيما ورد من إباحته للنساء بشروط:
39- (12) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد العرضي المسند بقراءتي عليه قال: أخبرنا العباس بن أحمد بن علي بن سرور المقدسي، أخبرنا داود بن ملاعب، أخبرنا القاضي أبو الفضل الأرموي، أخبرنا أبو القاسم بن البسري، أخبرنا أبو النصر الزينبي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عثمان الصيدلاني، حدثنا الحسين بن السميدع، حدثنا محمد بن المبارك، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن ابن رافع التنوخي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:(1/70)
(1/71)
((ألا إنكم تستفتحون أرض العجم وفيها بيوت تدعى الحمامات وهي حرامٌ على رجال أمتي إلا بإزارٍ وعلى نساء أمتي إلا نفساء أو سقمٍ)).
40- ورواه أبو داود في سننه فقال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن بن رافع، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتاً يقال لها(1/72)
الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلا بالإزار، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء.
41- ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبدة بن سليمان وعن علي بن محمد، عن يعلى بن عبيد، وجعفر بن عون أربعتهم عن عبد الرحمن.
ورواه عبد الرزاق في مصنفه عنه عن عبد الله بن [يزيد]، عن ابن [عمرو] يرفعه بمثله، فمداره على عبد الرحمن بن زياد، فوثقه يحيى القطان ويعقوب بن شيبة. وقال: رجل صالح من الأمارين بالمعروف والناهين عن المنكر. وأما الإمام أحمد ويحيى والنسائي فضعفوه، وقال الترمذي رأيت محمد بن إسماعيل يعني البخاري يقوي أمره ويقول: هو مقارب الحديث. وأما شيخه عبد الرحمن بن رافع فتابعيٌ لا بأس به ذكره ابن حبان في ((الثقات))، وقال البخاري في حديثه مناكير، وقد روي هذا الحديث أيضاً من روايته جابر وأنس وغيرهما من الصحابة.(1/73)
42- فقال أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حفص بن غياص عن أسامة بن زيد، عن مكحول قال: ((كتب عمر إلى أمراء الأجناد: أن لا يدخل رجلٌ الحمام إلا بمئزرٍ ولا امرأة إلا من سقمٍ)).
43- وقال ابن عدي: حدثنا زيد بن عبد الله بن زيد، حدثنا أحمد بن محمد ابن سيار، حدثنا يحيى بن سعيد العطار، حدثنا محمد بن عبد الملك، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنه قال: ((ذكرت الحمامات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هي(1/74)
حرامٌ على أمتي فقال: يا رسول الله إن فيها كذا وكذا فقال: لا يحل لإمرئٍ مسلم يدخل إلا بإزار، وعلى إناث أمتي إلا من سقمٍ أو مرضٍ)).
[خلاصة أقوال العلماء في دخول الحمام]
وقد تقدم أن غير واحد من العلماء ذكر الإجماع على إباحته بشرطه، وذكر بعضهم في دخوله خلافاً بين الصحابة على أقوال:
أحدها: الجواز مطلقاً، وهو قول أبي الدرداء وابن عباس وغيرهما.
والقول الثاني: المنع مطلقاً وهو محكي عن ابن عمر. روي عنه أنه قال: ((الحمام من النعيم الذي أحدثوا)) وهذا يقتضي أن تركه أولى.
الثالث: المنع منه إلا لمريضة أو نفساء، وهو مروي عن ابن عمر أيضاً وعائشة.
الرابع: منع النساء مطلقاً دون الرجال بالأزر، وقد روي في ذلك أحاديث تقدم جملةٌ منها.(1/75)
44- وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من ربها إذا هي في قعر بيتها)) رواه ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه وغيرهما.
(الفصل الرابع): في الأمر بالتستر في الحمام وغيره:
45- (13) أخبرتنا فاطمة بنت إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر بقراءتي عليها قالت أخبرنا إبراهيم بن خليل الدمشقي سنة سبع وخمسين وستمائة، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الحسن الخرقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن السلمي، أخبرنا الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي العرابي، أخبرنا أبو محمد الأصبهاني، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد البصري، حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، حدثنا معاذ بن معاذ وإسماعيل بن علية، عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه عن جده رضي الله عنه(1/76)
قال: ((قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ فقال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن(1/77)
استطعت أن لا يرينها أحدٌ فلا يرينها قلت: فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: فالله أحق أن يستحيي منه من الناس)).
رواه أبو داود في كتاب الحمام من سننه عن القعنبي، عن أبيه، وعن ابن بشار، عن يحيى بن سعيد جميعاً عن بهزٍ، ورواه الترمذي في الاستئذان من جامعه عن ابن بشار، عن يحيى وحسنه، وعن أحمد بن منيع، عن معاذ بن معاذ، ويزيد بن هارون كلاهما عن بهز به، وقال: غريب. ورواه ابن ماجه في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون، وأبي أسامة كلاهما عن بهز بنحوه، ورواه البخاري في الطهارة من صحيحه تعليقاً في باب من اغتسل مستتراً قال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: ((فالله أحق أن يستحيي منه)).(1/78)
46- وقال أبو داود [حدثنا] ابن نفيل، حدثنا زهير، عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن عطاء، عن يعلى رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً(1/79)
يغتسل بالبراز، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله حييٌ ستيرٌ يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر)).
47- (14) وأخبرنا أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن الحموي، أخبرنا أبو الحسن ابن البخاري، عن أبي جعفر الصيدلاني وأبي المكارم اللبان، قالا: أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، أخبرنا أبو بشر يونس بن حبيب العجلي، أخبرنا أبو داود الطيالسي، أخبرنا أبو هلال محمد بن سليم، عن الحسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام فقال: ((كان من حياءه لا يغتسل إلا مستتراً)).(1/80)
48- وفي صحيح البخاري: ((إن موسى كان رجلاً حيياً، ما يرى من جسده شيء)).
49- (15) وأخبرنا محمد بن الخباز، أخبرنا الحافظ أبو طاهر [السلفي]، أخبرنا القاسم بن الفضل الثقفي، حدثنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل، حدثنا محمد بن يعقوب الأصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، حدثنا محمد بن فضيل، عن محمد بن سعد الأنصاري، عن حبيب بن سالم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(1/81)
(1/82)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن موسى إذا اغتسل اعتسل وحده فقالت بنوا إسرائيل أو من قال منهم: ما يفعل ذلك إلا أنه آدر فبينما هو ذات يوم يغتسل وقد وضع ثيابه على حجر، فجمع الحجر بثيابه فاتبعه موسى وهو يقول ثوبي حجر ثوبي حجر قال: فضرب الحجر ست ضربات أو سبع ضربات فإنهن لندبٌ بالحجر، فلما نظرت بنو إسرائيل إليه مجرداً علموا أنه ليس كما قالوا: فذلك قوله تعالى {فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً}.
هذا حديث غريب من ذي الوجه، وأصله في الصحيحين:
50- وقال البخاري: حدثنا إسحاق بن نصر وقال مسلم: حدثنا محمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كانت بنوا إسرائيل يغتسلون [عراةً ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى عليه السلام يغتسل] وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، قال: فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه قال: فجمح موسى عليه السلام بإثره يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى نظرت بنو إسرائيل إلى (سوأة) موسى وقالوا: والله ما بموسى من بأس، فقام الحجر حتى نظروا إليه قال: فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضرباً)).(1/83)
قال أبو هريرة: ((والله إنه بالحجر ندبٌ ستة أو سبعةٌ ضرب موسى بالحجر)).
فقد كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراةً ينظر بعضهم إلى سوأة بعض فنسخ ذلك.
51- وفي صحيح البخاري: ((أن أيوب عليه السلام بينما هو يغتسل يوماً خر عليه جرادٌ من ذهبٍ)).
52- (16) وأخبرنا عبد الله بن أبي التائب، سماعاً عليه في سنة خمس وعشرين وسبع مائة، أخبرنا أبو [عمرو] عثمان بن خطيب القرافة سماعاً، عن أبي طاهر السلفي، أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسين الربعي، أخبرنا أبو محمد بن مخلد، أخبرنا دعلج بن أحمد، أخبرنا محمد بن علي بن [ميمون] حدثنا سعيد، حدثنا عبيد الله ابن عبد العزيز الليثي قال: حدثني عبد العزيز بن المطلب عن أبيه عن مولاة المطلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينظر إلى عورة أخيه)).(1/84)
(1/85)
53- وقال مسلم، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا [زيد] بن الحباب، عن الضحاك بن عثمان، أخبرني زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة)).
54- رواه الخرائطي عن أحمد بن عصمة النيسابوري، حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا ابن أبي فديك، عن الضحاك به.(1/86)
55- وقال أبو داود، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن عثمان بن حكيم، عن أبي أمامة بن سهل، عن المسور بن مخرمة قال: حملت حجراً ثقيلاً [فبينما] أمشي فسقط عني إزاري فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (([خذ عليك] ثوبك، ولا تمشوا عراةً)).
56- ورواه مسلم ولفظه عن المسور قال: أقبلت بحجرٍ أحمله ثقيل وعلى إزارٌ خفيفٌ قال: فانحل إزاري، ومعي الحجر فلم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراةً)).
57- وقال الترمذي: حدثنا أحمد بن محمد البغدادي، حدثنا الأسود بن عامرٍ، عن أبي محياة يحيى بن يعلى، عن ليث بن أبي سليم، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، مرفوعاً: ((إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم.. .. )).(1/87)
58- وروى البخاري ومسلم من حديث أم هانئ بنت أبي [طالب] رضي الله عنها قالت: ((ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوبٍ)).
59- وقال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا موسى القارئ، حدثنا زائدة، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريبٍ، عن ابن عباسٍ، عن ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماءً وسترته فاغتسل)).
60- وقال الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حفص بن غياثٍ، عن [الحسن] بن عبيد الله قال: ((مررت إلى الحمام فرآني أبو صادق فقال: معك إزارٌ؟ فإن علياً رضي الله عنه كان يقول: من كشف عورته أعرض عنه الملك)).(1/88)
61- وعن عمرو بن أبي عمروٍ مولى المطلب: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الناظر والمنظور إليه)).
62- وقال الخرائطي حدثنا محمد بن جابر، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا زياد بن الربيع، عن صالح الدهان، قال: دخل جابر بن زيد: ((الحمام فوجد قوماً عراةً فقال: سبحان الله أمسلمون هؤلاء؟ ثم وضع يديه على عينيه وخرج)).(1/89)
63- قال الخرائطي: وحدثنا الرمادي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، حدثنا جسر القصاب قال: ((سأل رجلٌ الحسن وأنا شاهدٌ فقال: يا أبا سعيد،(1/90)
الرجل يدخل الحمام وعليه مئزر، وفي الحمام من ليس عليه مئزر؟ فقال: ما يستطيع أحدكم أن يأخذ كفاً من تراب فيضرب [به] عورته؟ قيل: يا أبا سعيد، إن الحمام ليس فيه تراب؟ قال: رغم الملاح يدلون غراميلهم)).
64- قال: حدثنا الترقفي، حدثنا رواد بن الجراح، عن عبد العزيز بن أبي الرواد، عن نافع، قال: ((كان ابن عمر لا يدخل الحمام، قلت: فكيف كان يصنع بعانته؟ قال: كان يأمر بعض جواريه فتحلقها)).(1/91)
65- قال: وحدثنا عمر بن شبة، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع: (([أن] ابن عمر لم يكن يدخل الحمام)).
66- وروي عن نافع: ((أن ابن عمر دخل الحمام وعليه إزار، فلما دخل، فإذا هو بهم عراةٌ، قال: فجعل وجهه نحو الجدار ثم قال: ائتني بثوبي يا نافع! قال: فالتف به وغطى على وجهه، ثم ناولني يده فقدته حتى خرج منه، ثم لم يدخله بعد ذلك. وقيل له بعد: ما لك لا تدخل الحمام؟ فكره ذلك فقيل إنك مسترٌ! فقال: إني أكره أن أرى عورة غيري)).(1/92)
67- وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: ((ما أقمت صلبي في غسلٍ منذ أسلمت)) وقال أيضاً: ((إني لأغتسل في البيت المظلم فأحني ظهري إذا أخذت ثوبي حياءً من ربي عز وجل)).
وروي نحوه أيضاً عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
68- وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث علي بن زيد، عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: ((أن موسى بن عمران عليه السلام كان إذا أراد أن يغتسل لم يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء ونص أحمد على كراهته دخول الماء بغير مئزر)).
وبه قال ابن أبي ليلى وقال إسحاق بن راهويه: هو بالإزار أفضلِ، لأن الحسن والحسين عليهما السلام دخلا الماء وعليهما بردان، فقيل لهما في ذلك فقالا: ((إن للماء سكاناً ففي الجملة الغسل عرياناً بغير إزار في الجميع حرام. وفي الخلوة لا بأس به،(1/93)
وإلى جواز الغسل عرياناً ذهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء، وحملوا أحاديث بهزٍ ومن بعده على الندب لا على الوجوب، والله أعلم.
إذا تقرر ذلك، فهل الفخذ عورة أم لا؟ فيه أقوال:
أحدها: إنها عورة، وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة ورواية أحمد.
69- بدليل الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجرهدٍ، وفخذ جرهدٍ مكشوفةٌ، فقال له: غط فخذك، فإن الفخذ عورة))، ورواه البخاري في صحيحه تعليقاً.
70- ورواه أبو داود فقال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهدٍ، عن أبيه قال: كان جرهدٌ من أصحاب الصفة قال: ((جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفةٌ، فقال: أما علمت أن الفخذ عورةٌ؟)).
71- ورواه أبو داود الطيالسي في ((مسنده)) كذلك عن مالك، عن سالم أبي النضر، عن ابن جرهد: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وقد كشف عن فخذه، فقال: يا جرهد خمر فخذك، فإنها من العورة)).(1/94)
ورواه الدارمي في مسنده عن الحكم بن المبارك، عن مالك بلفظه ومعناه فمداره على الإمام مالك رضي الله عنه.
72- وقال أبو داود السجستاني: حدثنا علي بن سهل، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت))(1/95)
هكذا رواه في الحمام وفي الجنائز واستنكره. ورواه ابن ماجه في الجنائز عن بشر بن آدم، عن روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن حبيبٍ فذكره.
73- وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وفخذه خارجةٌ فقال: غط فخذك، فإن فخذ الرجل من عورته))، وهذا سند جيد.
74- وقال الإمام أحمد أيضاً، حدثنا أبو عامر، حدثنا زهير، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الله بن جرهد الأسلمي أنه سمع أباه جرهداً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((فخذ المرء المسلم عورةٌ)).
75- ورواه الترمذي في الإستيذان؛ وعن محمد بن جحش بن أم زينب(1/96)
بنت جحش: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على معمر وهو بفناء المسجد محتبياً كاشفاً عن طرف فخذه فقال [له] النبي صلى الله عليه وسلم : خمر فخذك يا معمر، فإن الفخذ عورة)) رواه البخاري.
والقول الثاني في الفخذ: إنها ليست بعورة، وهو المشهور من مذهب أحمد ورواية عن مالك، وإليه ذهب داود الظاهري، واختاره أبو سعيد الأصطخري من أصحاب الشافعي، واستدلوا:
76- (17) بما أخبرناه أبو عبيد الله محمد بن الصارم الحنفي بقرائتي عليه، أخبرنا محمد بن عبد المؤمن الصوري، أخبرنا داود بن ملاعب، أخبرنا أبو عبد الله بن الرطبي، أخبرنا أبو القاسم البسري، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا إسماعيل بن العباس الوراق، حدثنا أحمد بن منصور الرمدي، حدثنا أبو معمر، عن عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز ابن صهيب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر قال: فصلينا(1/97)
(1/98)
عندها الغداة بغلس فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأنظر إلى بياض فخذيه)) رواه البخاري، ((وقال: فانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى إني لأنظر إلى بياض فخذه)).
ورواه الإمام أحمد في مسنده فقال: فانكشف فخذه.
قوله: فانحسر وانكشف دليل على أن ذلك لم يقصده صلى الله عليه وسلم وقد ينكشف عورة الإنسان بريحٍ أو ضيق طريق أو غير ذلك فلا يكون الكشف منسوباً إلى فعله. وقد روى برفع الإزار على أنه فاعل فيكون لمعنى الحسر إما لضيق الزقاق أو لزحمته أو غير ذلك جمعاً بين الأحاديث وروى بنصب الإزار على أنه مفعول فيكون هو كشفه اختياراً وفيه بعد.(1/99)
قال البخاري: وحديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط حتى يخرج من اختلافهم)).
77- (18) أخبرنا محمد بن إسماعيل بن الحموي أخبرنا أبو الفتح عمر بن محمد، أخبرنا أبو صادق بن صباح، أخبرنا أبو محمد بن رفاعة، أخبرنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي، حدثنا سعدان، حدثنا سفيان، عن ابن المنكدر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع، عن جبير بن الحويرث، قال: ((رأيت أبا بكر الصديق واقفاً على قزح وهو يقول: أيها(1/100)
الناس أصبحوا أيها الناس أصبحوا ثم دفع وإني لأنظر إلى فخذه قد انكشف مما يخرش بعيره بمحجنه)).(1/101)
واستدلوا أيضاً بحديث عائشة رضي الله عنها قالت:
78- ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له، وهو على تلك الحال ثم عمر كذلك، فلما دخل عثمان غطاها)) رواه مسلم هكذا بالشك وأجيب عن ذلك بأنه مشكوك في المكشوف هل هو الساقان أم الفخذان؟ فلا يلزم منه الحرام بجواز كشف الفخذ. قالوا: فقد رواه الإمام أحمد فقال: كان كاشفاً عن فخذيه، من غير شك، ورواه أيضاً من حديث حفصة أم المؤمنين.
79- قالت: ((دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فوضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر يستأذن، فأذن له على هيئته)) وذكره نحو حديث عائشة: ((فلما استأذن عثمان فتجلل بثوبه ثم أذن له)).
القول الثالث: إنها عورةٌ في الجماعة، فأما مع الواحد والاثنين فلا، بدليل حديثي عائشة وحفصة رضي الله عنهما المذكورين آنفاً، قالوا: ولهذا أمر جرهد بتغطية فخذه لما كان في ملأ من الناس، لأن من ذهب إلى أنها عورة فاستدل بحديث جرهد ومعمر، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهما بتغطيتها لأنهما كانا في جماعة، ومن ذهب إلى أنها ليست بعورة استدل بحديث عائشة وحفصة، ولا ريب أن أبا بكر وعمر تستحي منهما الملائكة أيضاً كما تستحي من عثمان، إذ هما أفضل منه اتفاقاً، فلما دخل عثمان وصاروا جماعة غطاها.(1/102)
القول الرابع: إنها عورة في المسجد وليست بعورة في الحمام، وهذا رواه الطبراني عن الأوزاعي بسندٍ صحيح، فالصحيح إنها عورة مخففة ليست كالقبل والدبر، فكشفهما مع الواحد والاثنين أخف خطراً من كشفهما في الجمع الكثير، وبهذا يجمع بين الأحاديث إن شاء الله والله أعلم. وهل السرة والركبة عورة أم لا؟ والصحيح أنهما ليستا بعورة، لما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبته)) الحديث. فلو كانت الركبة عورة لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتغطيتها، كما أمر جرهداً ومعمراً.
80- وروينا في مسند الإمام أحمد أن عمير بن إسحاق قال: ((كنت مع الحسن بن علي عليهما السلام، فلقينا أبو هريرة، فقال للحسن: أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل [قال] فقال بقميصه [قال]: فقبل سرته)).(1/103)
فإذا أتى الداخل إلى الحمام استحب له أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويقدم [رجله اليسرى] في الدخول واليمنى في الخروج، فإذا أراد أن ينزع ثوبه قال: بسم الله.(1/104)
81- (19) لما أخبرناه أبو عبد الله بن الخباز، أخبرنا عبد اللطيف بن محمد، أخبرنا أبو الحسن علي بن الصابوني، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا القاسم بن [الفضل] الثقفي، حدثنا الحافظ أبو بكر بن مردويه إملاء، حدثنا أحمد بن عثمان الأدمي، حدثنا موسى بن سهل، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن الفضل، عن زيد العمي، عن جعفر العبدي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سترها من الجن وعورات بني آدم إذا رفع الرجل ثوبه أن يقول: بسم الله)).(1/105)
82- ورواه ابن أبي الدنيا في باب مكايد الشيطان من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً قال: ((ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا نزع الرجل ثوبه أن يقول: بسم الله، ولا ينزع ثوبه حتى يشد المئزر في وسطه)).(1/106)
وعورة الرجل والمرأة في الحمام سواء، فلا بد من ستر القبل والدبر. وهل يسلم على من في الحمام أم لا؟ فيه أقوال: أحدها، نعم، والثاني، لا، والثالث: إنه يسلم على المستتر، ولا يسلم على المكشف. حكاه البخاري عن حماد، عن إبراهيم النخعي رحمه الله، وتوقف الإمام أحمد في هذه المسألة وقال: لا أحفظ فيها شيئاً.
ويحرم على المسلمة التعري [بحضرة] الكتابية، قال الله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرههن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلى لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو أخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن}.
83- وعن قيس بن الحارث رضي الله عنه قال: ((كتب عمر إلى أبي عبيدة بن الجراح أنه بلغني أن نساءً من نساء المسلمين قبلك يدخلن الحمامات مع نساء المشركين فانه عن ذلك أشد النهي، فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن يرى عورتها غير أهل دينها)).(1/107)
وعن قيس رضي الله عنه أيضاً قال: ((كتب عمر إلى أبي عبيدة: بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات ومعهن نساءٌ من أهل الكتاب، فازجر عن ذلك، وحل دونه فقال أبو عبيدة وهو غضبان، ولم يكن رضي الله عنه غضوباً: اللهم أيما امرأة دخلت الحمام من غير علة ولا سقم تريد بذلك أن تبيض وجهها، فسود وجهها يوم تبيض الوجوه)).
ويكره الدخول إلى الحمام فيه قوم عراةٌ بغير إزارٍ، روى ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين كراهة ذلك لئلا يرى عورتهم.
84- وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن وكيع عن هشام بن [الغاز]، عن عبادة بن نسي، عن قيس بن [الحارث] رضي الله عنه، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: ((لأن أموت ثم أنشر ثم أموت ثم أنشر ثم أموت أحب إلي من [أن] أرى عورة الرجل أو يراها مني)). وقد امتنع ابن عمر رضي الله عنهما من الدخول إلى الحمام لهذا السبب.
85- وقال الخرائطي: حدثنا نصر بن داود، حدثنا أبو ثابت [المدني]، حدثنا إبراهيم الرافعي، حدثنا ابن الدورقي إبراهيم بن [علي بن] حسين بن أبي(1/108)
رافع، عن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن [أبيه] عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((عورة الرجل على الرجل كعورة المرأة على الرجل، وعورة المرأة على المرأة كعورة الرجل على المرأة)). وهذا حديث مرسل.
فاعلم أن عورة الرجل ما بين سرته وركبته عند [جمهور] العلماء وقال بعض أصحاب الشافعي: لا عورة إلا القبل والدبر، وهذا كله بالنسبة إلى النظر واللمس. وأما جميع البدن فإنه يحرم لمسه ونظره إليه إذا كان بشهوة، سواء في ذلك الوجه وغيره، وسواء الأمرد والملتحي وغيرهما، فينبغي للداخل إلى الحمام ستر عورته بما لا يصف البشرة وأن يغير ما يراه من المنكرات أمكنه بيده وإلا فبلسانه وإلا بقلبه، ويكون ذلك برفقٍ فيقول: استتروا ستركم الله، ومن دخل الحمام بغير سترةٍ فسق ولا تقبل شهادته سواء كان رجلاً أو امرأة، وإذا رأى عارياً بغير سترة يرجع أو يطرح بصره إلى الأرض أو يستقبل الحائط لئلا ينظر إلى محرم كما فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وينبغي [أن] لا يدخله عند الغروب وبين العشائين، إنها وقت انتشار الشياطين.(1/109)
86- وقد ((أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكف الصبيان حتى يذهب مجمة العشاء)).
وينبغي إذا دخله أن يتذكر به عذاب جهنم فيستعيذ بالله من النار، ويسأله الجنة.
87- فقد قال سفيان بن عيينة: ((كانوا يستحبون إذا دخلوا الحمام أن يقولوا: يا بر يا رحيم من علينا وقنا عذاب السموم)).
88- وعن عمر رضي الله عنه: ((أنه لما وضع يده في الحوض قال: بسم الله نعم البيت الحمام لمن أراد أن يتذكر، وبئس البيت الحمام لمن نزع الله منه الحياء)).
ويجب منع الذميات من دخول الحمام مع المسلمات، كما تقدم بيانه. وكذلك الإماء الكافرات، أما المملوك العفيف فقال جماعة من أصحاب الشافعي: وهو كالمحرم في النظر. وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يكون محرماً ولا كالمحرم فيحرم دخوله مع(1/110)
سيده في الحمام سواء كان مميزاً أو بالغاً أم الطفل الذي لا يميز فيجوز بلا خلاف. وأما البالغ الممسوح فجوزه بعضهم ومنعه بعضهم. وكذلك المجبوب بقيت أنثياه، والخصي الذي بقي ذكره، والعنين العاجز عن الجماع، والمخنث والشيخ القمه فجوز قوم نظر هؤلاء إلى النساء ومنعه آخرون، وأما من جوز نظرهم إليهن قال: لأنهم ليسوا من أولي الإربة، ومن منعه قال لعموم قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} قال ابن الصباغ في ((الشامل)): لا يجوز للخصي النظر إلى بدن المرأة إلا أن يكبر ويهرم وتذهب شهوته. وكذلك المخنث.
ويحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية سواء كان في حمام أو بيت أو طريق، وكذلك الخلوة بالأمرد الحسن حرامٌ.
فإن قيل: شهامة الرجولية تمنع دخول الشيطان بينهما فقال: ليس الواقع في الغالب كذلك، ولئن سلمنا عدم الغلبة فلا نسلم عدم شغل القلب به، ولئن سلمنا عدم ذلك فلا نسلم عدم التذاذ بالعين بالنظر إلى جميع بدنه من وجهه وغيره، وذلك وسيلة إلى الوقوع في المحرم، وكل حالة يجوز فيها النظر إلى الأمرد وإلى المرأة الأجنبية للحاجة الشرعية كالطبيب والمعلم والشاهد ونحو ذلك، إنما يجوز بمقدار الحاجة، وما زاد على مقدار الحاجة فلا يجوز.(1/111)
ويحرم مس المرأة الأجنبية لغير حاجة شرعية وينتقض الوضوء بمسها بشهوة عند أحمد ومالك. وقال الشافعي: ينتقض بشهوة وبغير شهوة، وأما الأمرد مسه بشهوة، وهل ينتقض الوضوء بمسه فيه خلاف ويحرم الجلوس في الحمام الذي فيه صور حيوانٍ وما فيه روح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الدخول إلى بيت عائشة حتى هتك الستر الذي فيه التصاوير.
89- وقال صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام: ((إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة)).
فإن جلس من غير إنكار كان آثماً بجلوسه فإن كانت التصاوير شجراً ونحوه مما لا روح فيه لا بأس، فإن اضطر إلى دخول الحمام الذي فيه الصور أسرع في المرور إلى داخله.
قال الغزالي رحمه الله: ومن آداب دخول الحمام: أن لا يعجل بدخول البيت الحار حتى يعرق في الأول، وأن لا يكثر صب الماء بل يقتصر على قدر الحاجة فهو المأذون فيه، وأن يذكر بحرارته حرارة نار جهنم لشبهه بها، وأن لا يكثر الكلام، وأن يشكر الله على هذه النعمة، وهي النظافة، ويكره من جهة الطلب صب الماء البارد على الرأس عند الخروج من الحمام وشربه)).(1/112)
قلت: ومما يتعين الاحتراز منه دخول الحمام على الامتلاء.
90- فقد روينا عن الحارث بن كلدة أنه قال: ((أربعة أشياء تهدم البدن: الغثيان على البطنة، ودخول الحمام على الأمتلاء، وأكل القديد، ومجامعة العجوز)) وينبغي أن يستغفر الله تعالى إذا خرج من الحمام.
91- فقد روي [من] ابن معين أن روح بن زنباع كان إذا دخل الحمام وخرج منه أعتق رقبة، وقيل: كان السلف رضي الله عنهم يقولون: يوم الحمام يوم إثم والله أعلم.(1/113)
(الفصل الخامس): في الاغتسال الواجبة والمستحبة وغيرها:
قال الله جل ذكره {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا}.
92- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول)).
93- (20) أخبرنا الثقة أبو العباس الجزري، حدثنا أبو عبد الله المرداوي، أخبرنا هبة الله البوصيري، أخبرنا أبو صادق المديني أخبرنا محمد بن الحسين النيسابوري، أخبرنا محمد بن عبد الله بن حيويه، حدثنا أحمد بن شعيب النسائي، أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا خالد، حدثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت الحسن يحدث عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم اجتهد فقد وجب الغسل)) وفي لفظ ((وإن لم ينزل)).(1/114)
(1/115)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل)).
وعن عائشة رضي الله عنها: ((كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نسخ ذلك)) فالذي يوجب اغتسال الحي أربعة متفق عليها وهي: إيلاج حشفة الذكر في فرج، وخروج المني، والحيض والنفاس. أما إيلاج الحشفة فهو إدخالها بكمالها في فرج حيوان آدمي أو غيره قبله أو دبره ذكراً أو أنثى حي أم ميت صغير أو كبير.
وقد بين الشيخ أبو حامد فرج المرأة والتقاء الختانين فقال: هو وغيره ختان الرجل الموضع الذي يقطع منه في حال الختان، وهو ما دون حزة الحشفة، أما ختان المرأة فاعلم أن مدخل الذكر هو مخرج الحيض والولد والمني، وفوق مدخل الذكر ثقبٌ مثل أحليل الرجل وهو مخرج البول وبين هذا الثقب وبين مدخل الذكر جلدةٌ رقيقة وفوق مخرج البول جلدة رقيقة مثل ورقةٍ بين الشفرتين، والشفران تحيطان بالجميع، فتلك الجلدة الرقيقة تقطع منها في الختان وهي ختان المرأة، فحصل أن ختان المرأة مستعلٍ وتحته مخرج البول وتحت مخرج البول مدخل الذكر.(1/116)
قال أصحابنا: والتقاء الختانين أن تغيب الحشفة في الفرج، فإذا غابت فقد حاذى ختانه ختانها، والمحاذاة هي التقاء الختانين.
وليس المراد بالتقاء الختانين التصاقهما وضم أحدهما إلى الآخر، فإنه لو وضع موضع ختانه على موضع ختانها ولم يدخله في مدخل الذكر لم يجب غسلٌ بإجماع الأمة هذا نحو كلام الشيخ أبي حامد.
وقال النووي: إذا أولج ذكره في قبل امرأة أو دبرها أو دبر رجل أو خنثى أو صبي أو في قبل بهيمة أو دبرها وجب الغسل بلا خلاف. وسواء كان المولج فيه حياً أو ميتاً أو مجنوناً أو مكرهاً، ويجب على المولج والمولج فيه المكلفين، وعلى الناسي والمكره، وأما الصبي إذا أولج في امرأة أو دبر رجل أو أولج رجلٌ في دبرها فيجب الغسل على المرأة والرجل، وكذا إذا استدخلت امرأة ذكر صبي فعليها الغسل، ويصير الصبي في هذه الصور جنباً، وكذا الصبية إذا أولج فيها رجل أو صبيٌ، وكذا لو أولج صبيٌ في صبي وسواء في هذا الصبي المميز وغيره، فإذا صار جنباً لا تصح صلاته ما لم يغتسل، ولو أولج مجنونٌ أو أولج فيه صار جنباً، فإذا أفاق لزمه الغسل، ولو استدخلت امرأة ذكر رجل وجب الغسل عليه وعليها، سواء كان عالماً بذلك مختاراً أو نائماً أو مكرهاً نص عليه الشافعي في ((الأم)) واتفق عليه أصحابه. ولو استدخلت ذكراً مقطوعاً ففي [وجوب] الغسل عليها وجهان، ولا حد عليها بلا خلاف، ولو استدخلت ذكر بهيمة لزمها الغسل كما لو أولج في بهيمة، صرح به الشيخ أبو محمد الجويني وطائفة.(1/117)
وإذا كان المولج غير مختونٍ فأولج الحشفة لزمه الغسل بلا خلاف. ولو كف خرقةً على ذكره وأولجه بحيث غابت الحشفة ولم ينزل، ففيه ثلاثة أوجه:
أصحها: يجب الغسل عليها، لأن الأحكام فيه متعلقة بإيلاج وقد حصل. والثاني: لا يجب الغسل ولا الوضوء لأنه لم يلمس بشرة. والثالث: إن كانت الخرقة غليظة تمنع اللذة لم يجب، وإن كانت رقيقة لا تمنعها وجب.
ولو كان له ذكران فإن كان يبول منهما وجب الغسل بإيلاج أحدهما، وإن كان يبول بأحدهما تعلق الحكم به دون الآخر. وإذا أتت المرأة المرأة فلا غسل ما لم ينزل. وقال الشافعي في ((الأم)) والأصحاب: إذا أولج ذكره في فم المرأة وأذنها وإبطها وبين أليتها ولم ينزل فلا غسل، ونقل فيه ابن جرير الإجماع، وإذا وطئ امرأة ميةً فقد ذكرنا أنه يلزمه الغسل. وهل يجب إعادة غسل الميتة إن كانت غسلت، فيه وجهان: أصحهما عند الجمهور لا يجب لعدم التكليف.
وأما خروج المني فإنه يوجب الغسل من الرجل والمرأة في النوم واليقظة.
94- لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من حلمٍ غسلٌ إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء)) متفق عليه.
فانعقد الإجماع على وجوب الغسل بخروج المني، ولا فرق عند الشافعي وأصحابه بين خروجه بجماعٍ أو احتلامٍ أو استمناءٍ أو نظرٍ أو بغير سببٍ سواء خرج بشهوةٍ أو(1/118)
غيرهما، وسواء تلذذ بخروجه أم لا، وسواء خرج كثيراً أم يسيراً، وسواء خرج في النوم أو اليقظة من الرجل و المرأة العاقل والمجنون، وإن رأى منياً في فراشٍ ينام فيه هو وغيره ممن يمكن أن يمني فلا غسل عليه لاحتمال أنه من صاحبه، ولا يجب غسل صاحبه لاحتمال أنه من الآخر، فلا يجوز أن يصلي أحدهما خلف الآخر قبل الاغتسال، والمستحب لكل واحد منهما أن يغتسل.
وإن رأى المني في فراش ينام فيه، ولا ينام فيه غيره أو في ثوبه الذي يلبسه ولا يلبسه غيره أو ينام فيه ويلبسه حتى لم يبلغ سن الاحتلام فليلزمه الغسل، نص عليه الشافعي في ((الأم)) واتفق عليه أصحابه.
ولا يجب الغسل من المذي وهو الماء الذي يخرج بأدنى شهوة.
95- لحديث علي عليه السلام قال: ((كنت رجلاً مذاءً فجعلت اغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تفعل إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغسل)) رواه أبو داود والنسائي، وأصله في الصحيحين ولفظه فيهما، قال علي: ((فأمرت المقداد بن الأسود فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يغسل ذكره ويتوضأ))، وفي رواية في الصحيح ((وانضح فرجك)).(1/119)
واختلف العلماء فيما إذا اغتسل الجنب وخرج منه مني بعد ذلك، فقال الشافعي: إذا أمنى واغتسل ثم خرج منه على القرب [مني] بعد غسله لزمه الغسل ثانياً سواء كان ذلك قبل أن يبول بعد المني أو بعد بوله، وبه قال الليث بن سعد وأحمد بن حنبل في إحدى الروايات عنه. وقال أبو حنيفة: إن كان بعد البول فلا غسل عليه، وقبله فيه الغسل، وهو رواية ثانية عن الإمام أحمد، وعنه رواية ثالثة: إنه يجب الغسل على الإطلاق. وقال مالك وسفيان الثوري وأبو يوسف وإسحاق بن راهويه: لا غسل عليه على الإطلاق. وعن الإمام أحمد رواية نحوه وهي أشهر الروايات عنه، وحكاه ابن المنذر عن علي وابن عباس رضي الله عنهما وعطاء والزهري وغيرهم.
واختلفوا في إيجاب الغسل على من أسلم؟ فقال مالك وأحمد في المشهور عنه يجب. وقال أبو حنيفة هو مستحب، وقال الشافعي في الأم: إذا أسلم الكافر [استحب] له أن يغتسل ويحلق رأسه.
وأجمعوا على [أن دم] الحيض يوجب الغسل وكذلك النفاس قال الله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، والمحيض هنا هو [الحيض] وهو مصدر(1/120)
حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً كالسير والمسير. وأصل الحيض الانفجار والسيلان، فإذا حاضت المرأة حرم وطؤها حتى تغتسل عند أكثر أهل العلم، وقد قرأ عاصم وحمزة والكسائي بتشديد الطاء والهاء في قوله تعالى {يطهرن} يعني يغتسلن، وقرأ الباقون بسكون الطاء وضم الهاء مخفف يعني حتى يطهرن من المحيض، وينقطع دمهن، فإذا تطهرن يعني اغتسلن فأتوهن أي جامعوهن من حيث أمركم الله، وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا انقطع دمها لأكثر الحيض، وهو عنده عشرة أيام يجوز للزوج غشاءها قبل الغسل وقال مجاهد وطاوس: إذا غسلت فرجها جاز للزوج غشيانها، وأكثر أهل العلم على تحريم الوطء ما لم تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء، لأن الله تعالى علق جواز وطئها بشرطين بانقطاع الدم والغسل فقال: {حتى يطهرن} يعني من الحيض، فإذا تطهرن يعني اغتسلن فأتوهن، ومن قرأ يطهرن بالتشديد فالمراد منه الغسل كقوله تعالى {وإن كنتم جنباً فاطهروا} أي اغتسلوا، فدل على أن قبل الغسل لا [يحل] الوطء.
فأجمع العلماء على وجوب الغسل بسبب الحيض وبسبب النفاس، وممن نقل الإجماع فيهما ابن المنذر وابن جرير الطبري وآخرون.(1/121)
قال إمام الحرمين: قال الأكثرون: يجب الغسل بانقطاع الدم، وقال أبو بكر الإسماعيلي: يجب بخروجه وهو غلط، لأن الغسل مع دوام الحيض غير ممكن، ومالا يمكن لا يجب، وقطع الشيخ أبو حامد بوجوبه بالانقطاع والبغوي بالخروج، وكل من أوجب بالخروج قاسوه على البول والمني، والأصح وجوب الغسل بانقطاع الحيض. قال الشافعي رحمه الله في الحيض: وتغتسل الحائض إذا طهرت والنفساء إذا انقطع دمها، ففي هذا إشارة إلى أن دم النفاس لا يتقدر أقله فمتى ارتفع فعل الولادة وإن قل وجب الغسل ودم الحائض لو ارتفع قبل يوم وليلة لا يكون حيضاً بل يكون استحاضة.
96- (21) أخبرتنا زينب بنت الكمال، أخبرنا محمد الخطيب، أخبرنا أبو القاسم البوصيري، أخبرنا مرشد المديني، أخبرنا محمد بن الحسين، أخبرنا ابن حيويه، حدثنا الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي أخبرنا هشام بن عمار، حدثنا سهل بن هاشم، حدثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي)).(1/122)
97- وبه قال النسائي: أخبرني عمران بن يزيد، حدثنا إسماعيل بن عبد الله أخبرنا الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة وعمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((استحيضت أم حبيبة سبع سنين، واشتكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي ثم صلي)).(1/123)
98- وبه حدثنا قتيبة، عن مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسارٍ، عن أم سلمة رضي الله عنها: ((أن امرأةً كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيض من الشهر [قبل أن يصيبها الذي أصابها] فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلي)).
99- وبه قال: أخبرني محمد بن قدامة، حدثنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابرٍ في حديث أسماء بنت عميس حين نفست بذي الحليفة بمحمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: ((مرها أن تغتسل وتهل)).
أما إذا ولدت المرأة ولم تر دماً ففيه وجهان لأصحاب الشافعي، أصحهما يجب الغسل. قال الماوردي في كتاب الحيض: القول بالوجوب هو قول ابن سريج ومالك وأبي حنيفة، وعن أحمد روايتان كالوجهين.(1/124)
قال الماوردي: وتوجد الولادة بلا دم في نساء الأكراد كثيراً. قال النواوي: ولو خرج منها ولد بعد ولد وقلنا: يجب الغسل فاغتسلت للأول قبل خروج الثاني، وجب الغسل للثاني اتفق عليه أصحابنا. ولو ألقت علقة أو مضغة ففي وجوب الغسل الوجهان، الأصح: الوجوب، ذكره المتولي وآخرون.
ويسن الغسل للعيدين اتفاقاً سواءً الرجال والنساء والصبيان، لأنه يراد للزينة وكلهم من أهلها، بخلاف الجمعة لأنه لقطع الرائحة فاختص بحاضرها على الصحيح.
ومن المسنون الغسل لصلاة خسوف القمر وكسوف الشمس، والاستسقاء، والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا، وللإحرام ولدخول مكة وللوقوف بعرفة وللمبيت بمزدلفة، ولرمي الجمار في أيام التشريق الثلاثة، وللطواف بالبيت، نص الشافعي رحمه الله على هذه الأغسال في ((الأم)) وأضاف إليها في القديم الغسل لطوافي الزيارة والوداع.
100- قال ابن ماجه: حدثنا نصر بن علي، حدثنا يوسف بن خالد، حدثنا أبو جعفر الخطمي، عن عبد الرحمن بن عقبة بن الفاكه، عن جده الفاكة بن سعدٍ رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم الفطر ويوم النحر، قال: فكان الفاكه يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام)).(1/125)
وقال أحمد بن زكريا بن عدي، أخبرنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الله بن محمد ابن عقيل، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي وأشنان ودهنه بشيء من زيتٍ غير كثير.(1/126)
قال البغوي وغيره: ويسن للحائض والنفساء جميع أغسال الحج إلا غسل الطواف لكونها لا تطوف، ويسن الغسل للجمعة.
101- وقال الإمام أحمد: يجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((غسل [يوم] الجمعة واجب على كل محتلم)). متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من أتى الجمعة فليغتسل)).
102- وقال الحافظ أبو داود الطيالسي، حدثنا زمعة، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام كاغتساله من الجنابة، يغسل جسده، ورأسه يجعل ذلك يوم الجمعة)).(1/127)
قال صاحب ((المهذب)): غسل الجمعة عندنا سنة وعند الجمهور؛ وأوجبه بعض السلف. وفيمن يستحب له أربعة أوجه الصحيح أنها تستحب لمن حضر الجمعة سواء الرجل والمرأة ومن تجب عليه ومن لا تجب.
103- قلت: روى النسائي من حديث نافع أن أيوب السختياني سأله: ((هل على النساء غسل يوم الجمعة؟ قال نافع: قال ابن عمر: إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة)).
104- وروى أبو داود والنسائي حديث نافع، عن ابن عمر، عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((على كل من راح إلى الجمعة الغسل)).
قال الشافعي والأصحاب: ويدخل وقت غسل الجمعة بطلوع الفجر ويبقى إلى صلاة الجمعة، والأفضل أن يكون وقت الرواح إليها، فلو اغتسل قبل الفجر لم يحتسب، هكذا قطع به الأصحاب في جميع الطرق. ولو اغتسل للجمعة بعد الفجر ثم أجنب لم يبطل غسل الجمعة عند جمهور العلماء. ويسن الغسل من غسل الميت.(1/128)
105- قال النسائي: حدثنا محمد المثنى، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت ناجية بن كعب، عن علي رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن أبا طالب مات قال: اذهب فواره قال: إنه مات مشركاً قال: اذهب فواره، فلما واريته رجعت إليه فقال لي: اغتسل)).
ورويناه في مسند أبي داود الطيالسي بلفظه ومعناه، وقال السدي: كان علي ابن أبي طالب إذا غسل ميتاً اغتسل رواه في الأم.
106- وقال أبو داود أيضاً: حدثنا ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من غسل ميتاً فليغتسل ومن حمل جنازةً فليتوضأ)) تابعه الإمام أحمد، عن يحيى وحجاج، عن ابن أبي ذئب بلفظه.
107- ورواه أبو داود السجستاني قال: حدثنا حامد بن يحيى البلخي، عن سفيان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن إسحاق مولى زائدة، عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: ((من غسل ميتاً فليغتسل)) الحديث.(1/129)
قال أبو داود: هذا منسوخ، ورواه الترمذي وقال: هذا منسوخ، ورواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن، وقد روي عن أبي هريرة موقوفاً.
ومن المستحب الغسل لمن أراد حضور مجمع الناس، نص عليه الشافعي رضي الله عنه. ويسن للكافر إذا أراد الإسلام أن يغتسل.
108- قال قيس بن عاصم المنقري رضي الله عنه: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام، فأمرني أن أغتسل بماءٍ وسدرٍ)) رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن.
وينقسم دخول الحمام إلى أربعة أقسام: واجب ومستحب ومباح وحرام. فالواجب الغسل لما قدمناه من جنابة أو حيض أو نفاس أو حصول نجاسة على البدن(1/130)
ويتعذر إزالة ذلك في البيت أو بالماء البارد، فهذا يجب به دخول الحمام، لأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
والمستحب: من يدخله للأغسال المسنونة المقدم ذكرها، فهذا أيضاً يستحب له الاغتسال في الحمام إذا لم يستطع الاغتسال في البيت كما تقدم والمباح: من يدخله لاتساخ رأسه أو يديه أو للتداوي، فهذا أيضاً يباح له الاغتسال في الحمام بشرطه.
والقسم الرابع: من يدخله للمفخرة والترفه ويكثر من استعمال الماء، ويسرف فيه، ولا يبالي بما يبدو من عورته ولا بما يراه من المنكرات، فهذا يحرم دخوله الحمام. فإذا نوى الداخل بدخوله الغسل الواجب أو المستحب أو تنظيف رأسه، أو بدنه، فإن ذلك مندوبون إليه، الرجال مأمورون به قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه وجسده))، أخرجاه في الصحيحين.
109- وقال أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري، عن طاوس قال: قلت لعبد الله بن عباس: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال]: ((اغتسلوا يوم الجمعة، واغسلوا رؤوسكم، وإن لم تكونوا جنباً، ومسوا من الطيب فقال ابن عباس: أما الطيب فلا أدري، وأما الغسل فنعم)).(1/131)
فإن كانت امرأة قد وجب عليها غسل جنابة أو حيض أو نحوه، وهي لا تستطيع الاغتسال بالبيت تعين عليها الإتيان إلى الحمام وأن لا تمشي وسط الطريق، فقد نهاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تحقيق الطريق.
وإن كن جماعة فلا تمشي الواحدة إلى جانب الأخرى، بل تمشي واحدة خلف واحدة بسكينة وانضمام، من غير إظهار زينة أو طيب أو بتبرج ومزاحمة للرجال، كما تفعله كثير من نساء زماننا هذا.
110- قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن عاصم بن عبيد الله قال: سمعت عبيداً مولى أبي رهم يحدث أن أبا هريرة رأى امرأة في طريق من طرق المدينة [فسطع] منها ريح الطيب فقال لها أبو هريرة: المسجد تريدين؟ قالت: نعم قاله أوله تطيبت؟ قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من امرأة تطيبت للمسجد فيقبل الله عز وجل لها صلاة حتى تغتسل منه كاغتسالها من الجنابة فارجعي، [قال] فرأيتها مولية)).(1/132)
111- وقالت عائشة رضي الله عنها: ((لو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل)) متفق عليه. فهذا قولها في نساء زمانها، فكيف لو رأيت نساء هذا الزمان؟!
ويترتب في إتيان النساء الحمام مفاسد، منها ترك الصلاة، ومنها إظهار الزينة التي أمرن بإخفائها، ومنها التشوش على الرجال بما يظهر من تحت الأزر من حلي وقماشٍ ملون، أو مشية تمايل، أو رائحة طيب، أو لبس خف ونحو ذلك من الفضائح التي تفعلها نساء هذا الزمان، فإن ذلك مما يفتح طرق الشيطان، ويتأذى به كثير من الناس.
112- قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: ((أخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذ تسورن الذهب ولبسن رياط الشام وعصب اليمن، فأتعبن الغني، وكلفن الفقير ما لا يجد)) رواه الإمام أحمد.(1/133)
113- وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن إبليس لما أهبط إلى الأرض قال: رب اجعل لي بيتاً، قال: الحمام، قال: فاجعل لي مجلساً، قال: الأسواق ومجامع الطرق قال: فاجعل لي مصائد، قال: النساء)).
114- وروينا من حديث الأعمش، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات و[المستوشمات] والمتنمصات للحسن المغيرات خلق الله)) أخرجه في الصحيحين.
115- وأخرجاه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)).
116- وعن [أبي] سعيد الخدري رضي الله عنه [عن النبي صلى الله عليه وسلم ] قال: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) رواه مسلم.(1/134)
117- وقال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا المستمر بن الريان الأيادي حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدنيا فقال: ((إن الدنيا حلوة خضرة، فاتقوها، واتقوا النساء، ثم ذكر [نسوة ثلاثاً] من بني إسرائيل، امرأتين طويلتين تعرفان، وامرأةً قصيرةً لا تعرف، فاتخذت رجلين من خشب و[صاغت خاتماً]، فحشته من أطيب الطيب المسك وجعلت له غلقاً، فإذا مرت بالملأ أو بالمجلس قالت به ففتحته ففاح ريحه)) قال المستمر: بخنصره اليسرى فأشخصها دون أصابعه الثلاث)).
118- وعن ابن مسعود رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما يكون من ربها إذا هي في قعر بيتها)) رواه أبو داود والترمذي وترجم له في ((جامعه)) فقال: باب كراهية خروج النساء.
ومن المفاسد المترتبة على دخول النساء الحمام أن المرأة المفسدة قد لا تتمكن من فعل ما تريد إلا بحجة الحمام، فإن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، قال الله تعالى {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً} وقال في النساء {إن كيدكن عظيم} فتعوذ بالله من مكرهن، قال لقمان عليه السلام وهو يعظه: يا بني اعص النساء في المعروف حتى(1/135)
لا يأتينك بالمنكر، واتق شرارهن وكن من خيارهن على حذرٍ فإنهن لا يسارعن إلى خيرٍ بل هن إلى الشر أسرع.
قال الشاعر:
دهتك بعلة الحمام نعم ... ومال بها الطريق إلى يزيد
فينبغي للرجل الحازم أن لا يمكن أهله من دخول الحمام إلا معه خلوة وقد استحب ذلك جماعة من السلف فقال: الدرهم الذي أخلي به الحمام أحب إلي من الدرهم الذي أتصدق به.
وبدخول الحمام في الليل خلوة يترتب مصالح أجلها عدم فوات الصلاة، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه من القول والعمل والنية والهدى، إنك تهدي من تشاء إلى طريق مستقيم.
وينبغي للمرأة أن لا تدخل الحمام إلا بنية التطهر من الحيض أو الجنابة أو النفاس، ولا تدخل إلا بمئزر سابغ وأن لا تدخله إلا مع زوجها أو نحوه من محارمها، وأن تسمي الله تعالى عند الدخول وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتقول: اللهم طهرني ظاهراً وباطناً وتغتسل.
119- (22) كما أخبرني أبو الفضل بن الحموي، أخبرنا ابن البخاري، أخبرنا الصيدلاني واللبان إجازة قالا: أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا الحافظ أبو نعيم، أخبرنا أبو محمد بن فارس، أخبرنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا قيس بن(1/136)
الربيع، عن إبراهيم بن المهاجر البجلي، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أتت فلانة بنت فلان الأنصارية فقالت: يا رسول الله كيف الغسل من(1/137)
الجنابة؟ قال: تبدأ إحداكن فتتوضأ، فتبدأ بشق رأسها الأيمن ثم الأيسر حتى تنقي شؤون رأسها ثم قال: تدرون ما شؤون الرأس؟ قالت: البشرة قال: صدقت ثم تفيض على بقية جسدها فقالت: يا رسول الله وكيف الغسل من المحيض؟ قال: تأخذ إحداكن سدرتها وماءها فتطهر بها، فتحسن الطهور، ثم تبدأ بشق رأسها الأيمن ثم الأيسر حتى تنقي شؤون الرأس ثم تفيض على سائر جسدها ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها قالت: يا رسول الله كيف أتطهر بها؟ فقلت لها أنا يا سبحان الله تتبعين أثار الدم)).
ويجوز إتيان النساء قبل إحداث غسل:
120- (23) أخبرنا أبو العباس الكردي، أخبرنا محمد المرداوي، أخبرنا عبد الله البوصيري، أخبرنا مرشد المديني، حدثنا محمد النيسابوري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أبو عبد الرحمن النسائي، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن حميد الطويل، عن أنس رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد)) متفق عليه.(1/138)
وبه قال النسائي، أخبرنا محمد بن عبيد، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد)).
وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أبي رافع بإسناد فيه مقال ((أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه)).
ويجوز مباشرة الحائض وملامستها خلافاً لبعض أهل الكتاب.
121- قال الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه: ((كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهن لم يؤاكلوهن ولم يشاربهن ولم يجامعوهن في البيوت فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} الآية. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن ويجامعوهن في البيوت، وأن يصنعوا بهن كل شيء ما خلا النكاح، فقالت اليهود: ما يدع محمد شيئاً(1/139)
من أمرنا إلا خالفنا، فقام أسيد بن حضير وعباد بن بشر فأخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا: أتجامعهن في الحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تمعراً شديداً حتى ظننا أنه غضب عليهما فقاما فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية لبنٍ فبعث في آثارهما فردهما فسقاهما فعرفا أنه لم يغضب عليهما.
122- قال: حدثنا عبيد الله بن سعيد، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن يحيى، حدثنا أبو سلمة، أن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم سلمة رضي الله عنها حدثتها قالت: ((بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفست؟ فقلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة)).
قال: وأخبرنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاساً يحدث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (([كنت أنا و] رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامثٌ حائض، فإن أصحابه مني شيء غسل مكانه لم يعده وصلى فيه)).(1/140)
123- قال: وأخبرنا قتيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو ابن شرحبيل، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تشد إزارها ثم يباشرها)).
(الفصل السادس): في صفة الغسل وما يتعلق به:
124- روينا في الصحيحين من حديث ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((سترت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل من الجنابة، فبدأ فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه، ثم مسح بيديه على الحائط أو الأرض، ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه، ثم أفاض على جسده الماء، ثم تنحى فغسل قدميه)).
125- وعن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة، فبدأ فغسل كفيه، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أدخل يده فخلل بها أصول شعره، حتى خيل إلي أنه استبرأ البشرة ثم صب على رأسه الماء، ثم أفاض على سائر جسده)). رواه مسلم.(1/141)
وأجمع العلماء على أن الصلاة لا تصح إلا بطهارة إذا وجد السبيل إليها، وأجمعوا على أن الطهارة تجب بالماء عند وجوده على كل من لزمته الصلاة، فإن عدم الماء فببدله لقوله تعالى {فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً}، ونقلنا عند عدم الماء إلى التيمم بالصعيد الطيب. وأجمعوا على أنه إذا تغير الماء على أصل خلقته بطاهر يغلب على أجزائه مما يستغنى عنه الماء غالباً لم تجز الطهارة به إلا أبا حنيفة، فإنه يجوز الوضوء بالماء المتغير بالزعفران ونحوه. واختلفوا في الماء إذا كان دون القلتين، وخالطته النجاسة، والقلتان تقدير مائة رطل، وثمانية أرطال بالدمشقي. قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد في إحدى روايتيه هو نجس. وقال مالك وأحمد في الرواية الأخرى: إنه طاهر ما لم يتغير.
وقال ابن تيمية رحمه الله: وأما الماء المسخن بالنجاسة فليس بنجس باتفاق الأئمة إذا لم يحصل له ما ينجسه. وأما كراهته ففيها نزاع، ولا كراهة فيه في مذهب الشافعي وأبي حنيفة، وكذلك مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما. وكرهه مالك وأحمد في الرواية عنهما، وهذه الكراهة لها مأخذان:(1/142)
أحدهما: احتمال وصول النجاسة إليه، فيبقى مشكوكاً فيه شكاً مستنداً إلى أمارة ظاهرة، فعلى هذا المأخذ متى كان بين الوقود والماء حاجزٌ حصين كمياه الحمامات لم يكره، لأنه قد [تيقن] أن الماء لم تصل إليه نجاسة. وهذه طريقة طائفة من أصحاب أحمد كالشريف أبي جعفر، وابن عقيل وغيرهما.
والثاني: إن سبب الكراهة كونه سخن بإيقاد النجاسة واستعمال النجاسة مكروه عندهم، والحاصل بالمكروه مكروه. وهذه طريقة القاضي وغيره. فعلى هذا إنما الكراهة إذا كان التسخن حصل بالنجاسة، فأما إذا كان غالب الوقود طاهراً وشك فيه لم تكن هذه المسألة.
وأما دخان النجاسة: فهذا ينبني على أصل وهو أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة مثل أن يصير ماء يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحاً طيبة كغيرها من الملح أو يصير الوقود رماداً وقصر ملاً ونحو ذلك ففيه للعلماء قولان: أحدهما: لا يطهر كقول الشافعي وهو أحد القولين في مذهب مالك وهو المشهور عند أصحاب أحمد. وهو إحدى الروايتين عنه.
والرواية الأخرى أنه طاهر، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك في [أحد] القولين [وإحدى] الروايتين عن أحمد ومذهب أهل الظاهر وغيرهم وهو الصواب المقطوع به.(1/143)
فإن هذه الأعيان لم يتناولها نصوص الحل وهي أيضاً في معنى ما اتفق عليه حله فالنص والقياس يقتضي حلها، وأيضاً فقد اتفقوا كلهم على أن الخمر إذا [صارت] خلاً [صار] حلالاً طاهراً، واستحالة هذه الأعيان أعظم من استحالة الخمر خلاً، والذين فرقوا بينهما قالوا: الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة بخلاف الدم والميتة، ولحم الخنزير، وهذا الفرق ضعيف، فإن جميع النجاسات إنما نجست أيضاً بالاستحالة، فإن الدم مستحيل عن أعيان طاهرة، وكذلك العذرة والبول والحيوان النجس مستحيل عن مادة طاهرة مخلوق منها، وأيضاً فإن الله حرم الخبائث لما قام بها من وصف الخبيث، كما أنه أباح الطيبات لما قام بها من وصف الطيب، وهذه الأعيان المتنازع فيها ليس فيها شيءٌ من وصف الخبيث، وإنما فيها وصف الطيب، فإذا عرف هذا فعلى أصح الروايتين فالدخان والبخار المستحيل عن النجاسة طاهر لأنه أجزاء هوائية ونارية ومائية؛ وليس فيها شيء من وصف الخبيث.
وعلى القول الآخر فلا بد أن يعفى عما يشق الاحتراز منه كما يعفى عما يشق الاحتراز منه من طين الشوارع وغبارها هذا إذا كان الوقود نجساً، فأما الوقود الطاهر كالخشب والقصب والشوك فلا يؤثر ذلك باتفاق العلماء، وكذلك أرواث ما يؤكل لحمه من الإبل والبقر والغنم والخيل، فإنها طاهرة في أصح قولي العلماء كما قد بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع.(1/144)
وأما روث مالا يؤكل لحمه كالبغال والحمير فهذه نجسة عند جمهور العلماء وقد ذهب طائفة إلى طهارتها، وأنه لا ينجس من الأرواث والأبوال إلا [بول الآدمي وعذرته].
وعلى القول المشهور وقول الجمهور إذا شك في الروثة: هل هي من روث ما يؤكل لحمه أم من روث ما لا يؤكل لحمه، ففيها قولان للعلماء هما وجهان في مذهب أحمد: أحدهما: يحكم بنجاستها لأن الأصل في الأرواث النجاسة، والثاني وهو الأصح: أنه يحكم بطهارتها، لأن الأصل في الأعيان [الطهارة] ودعوى أن الأصل في الأرواث النجاسة ممنوع؛ ولم يدل على ذلك نصٌ ولا إجماع، ومن ادعى أصلاً بلا نص ولا إجماع فقد أبطل، فإذا لم يكن معه إلا القياس فبول ما يؤكل لحمه طاهر، فكيف يدعي أن الأصل بنجاسة الأرواث؟
وأما الماء الذي يجري على أرض الحمام مما يفيض ومما ينزل من أبدان المغتسلين غسل النظافة وغسل الجنابة وغير ذلك، فإنه طاهر، وإن كان فيه من الغسل بالسدر والأشنان والخطمي ما فيه إلا إذا علم في بعضه بول أو قيء أو غير ذلك من النجاسات، فذلك الماء الذي خالطته هذه النجاسات له حكمه، وأما ما قبله وما بعده فلا يكون له حكمه بلا نزاع. لا سيما وبعض هذه المياه جارية بلا ريب، بل ماء الحمام الذي هو فيه إذا كان الحوض فائضاً فإنه جارٍ في أصح قولي العلماء وقد نص على ذلك أحمد وغيره من العلماء. انتهى قوله.(1/145)
واتفق العلماء على تحريم استعمال أواني الذهب والفضة وحكم المضبب بهما حكمهما إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة قال النواوي رحمه الله في شرح المهذب: استعمال الإناء من ذهب أو فضة حرام على المذهب الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور. قال: وقال أصحابنا يستوي في التحريم جميع أنواع الاستعمال من الأكل والشرب والوضوء والغسل والبول في الإناء، والأكل بملعقة الفضة، ويستوي في التحريم الرجال والنساء قال: وهذا لا خلاف فيه لعموم الأدلة وشمول العين الذي حرم بسببه. قال: ويكره استعمال أواني الكفار وثيابهم سواءً فيه أهل الكتاب وغيرهم. قال: والنية شرط في صحة الوضوء والغسل والتيمم هذا مذهبنا. وبه قال الزهري، وربيعة شيخ مالك، ومالك، والليث بن سعدٍ، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وأبو عبيد، وداود. قال صاحب الحاوي: وهو قول جمهور أهل الحجاز.
وقال أبو حنيفة والثوري: يصح الوضوء والغسل بغير نية. قلت: ومحل النية بالقلب باتفاق العلماء، فلو نوى بقلبه ولم يتكلم بلسانه أجزأته النية، فإذا اتفقت النية بالقلب واللسان فهو الجمل وكيفيتها أن ينوى رفع الحدث واستباحة الصلاة وقيل: إن مالكاً كره النطق باللسان فيما فرضه النية.
قال الإمام أحمد بن تيمية رحمه الله: قد تنازع العلماء هل يستحب التلفظ بالنية على قولين: فقالت طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد: يستحب التلفظ بها(1/146)
لكونها أوكد. وقالت طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما: لا يستحب التلفظ بها، لأن ذلك بدعة لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدٌ من أمته تلفظ بها، ولا علم ذلك أحدٌ من المسلمين، ولو كان مشروعاً لم يهمله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع أن الأمة مبتلاةٌ به كل يوم وليلة. قال: وهذا القول أصح [الأقوال] بل التلفظ بالنية نقصٌ في العقل والدين. أما في الدين فإنه بدعةٌ، وأما في العقل فلأن هذا بمنزلة من إذا أراد أن يأكل طعاماً فقال: أنوي بوضعي يدي في هذا الطعام أني أجد لقمة فأضعها في فمي فأمضغها ثم أبلعها لأشبع فهذا حمق وجهل، وذلك أن النية يتبع العلم فمتى علم العبد ما يفعل كان قد نواه ضرورة فلا يتصور مع وجود العلم بالعقل أن يفعل بلا نية، إنما يتصور عدم النية إذا لم يعلم ما يريد، مثل من نسي الجنابة واغتسل للنظافة أو من يريد أن يعلم غيره الوضوء ولم يرد أن يتوضأ لنفسه.
قال: فالعلماء متفقون على أنه لا يشرع الجهر بالنية، وإنما النزاع بينهم في التكلم بها سراً هل يكره أو يستحب؟ انتهى قوله.
قال الإمام أبو زكريا النووي رحمه الله: وقت نية الغسل عند إفاضة الماء على أول جزءٍ من البدن، ولا يضر عزوبها بعده، ويستحب استصحابها إلى الفراغ كالوضوء. قال: فإن غسل بعض البدن بلا نية ثم نوى أجزأه ما غسل بعد النية، ويجب إعادة ما غسل قبلها. قال: وإذا نوت المغتسلة عن الحيض استباحة وطء الزوج فثلاثة أوجه: الأصح يصح غسلها ويستبيح الوطء والصلاة وغيرهما، لأنها نوت مالا يستباح إلا بطهرة.(1/147)
واتفق العلماء على استحباب التسمية في طهارة الحدث، ثم اختلفوا في وجوبها، فاتفقوا على أنها غير واجبة، إلا أحمد في إحدى الروايتين عنه، لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة إلا بوضوء ولا صلاة لمن لم يذكر اسم الله عليه)).
126- رواه أبو داود وابن ماجه من رواية يعقوب بن سلمة الليثي، عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال البخاري: ولا يعرف ليعقوب سماع من أبيه، ولا لأبيه من أبي هريرة رضي الله عنه.
وروي أبو داود أن [ربيعة] وذكر تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا وضوء لمن لم يذكر الله عليه، أنه الذي يتوضأ ويغتسل ولا ينوي وضوءاً للصلاة ولا غسلاً للجنابة)). وثبت عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: لا أعلم في التسمية في الوضوء حديثاً ثابتاً. قال أصحاب الشافعي: فإن ترك التسمية في أول الوضوء أتى(1/148)
بها في أثنائه، فإن تركها حتى فرغ فقد فات محلها فلا يأتي بها، وطهارته صحيحة سواء تركها سهواً أو عمداً، وهذا مذهب جماهير العلماء، فإذا أراد المغتسل الاغتسال استحب له أن يسمي الله عز وجل، وينوي استباحة الصلاة أو استباحة أمر لا يستباح إلا بالغسل كقراءة القرآن أو الجلوس في المسجد، ويكفي النية بالقلب إجماعاً، ويغسل كفيه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاث مرات.
127- لما رويناه في مسند أبي داود الطيالسي، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثني من سمع أبا سلمة يحدث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استيقظ من منامه فلا يغمس يده طهوره حتى يفرغ على يديه ثلاث غرفاتٍ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك حتى يفرغ على يديه ثلاثاً)).
128- رواه النسائي في سننه الكبير فقال إسماعيل بن مسعود، حدثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مراتٍ فإنه لا يدري أين باتت يده)) متفق عليه.(1/149)
وهل هذا الأمر في نوم الليل أو النوم مطلقاً، والظاهر أنه من نوم الليل، ((فإنه لا يدري أين باتت يده)) رواه مسلم.
129- حدثنا حسن الحلوني وعبد بن حميد ومحمد بن رافع قالوا: حدثنا عبد الرازق قال: وأخبرنا محمد بن حاتم، عن محمد بن بكر قالا: حدثنا ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن ثابت، عن عياضٍ عن أبي هريرة فذكره أيضاً من حديث أبي الزبير، عن جابر، عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال: ((فليفرغ على يده ثلاث مراتٍ قبل أن يدخلها في إنائه)).
130- رواه ابن ماجه عن حرملة، عن [ابن] وهبٍ عن ابن لهيعة، عن عقيل بن خالد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه أبو داود السجستاني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: ((إذا أقام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء)) الحديث. فلفظة ((باتت)) تدل على نوم الليل خاصة لحديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم ويؤكده أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه لقوله: ((إذا قام من الليل))، لكن حديث عائشة رضي الله عنها يدل على إطلاق الأمر في نوم الليل وغيره والله أعلم.(1/150)
ويبدأ المغتسل بعد غسل يديه خارج الحوض، فيتوضأ وضوءه للصلاة ويبالغ في تخليل لحيته، ((فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا [توضأ] أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل)) رواه البيهقي في سننه.
131- وقالت عائشة رضي الله عنها: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ [بيمينه] على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ [الماء] ويدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفناتٍ، ثم أفاض على سائر جسده. ثم غسل رجليه)) متفق عليه.
132- وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من جنابةٍ يغسل يديه ثلاثاً، ثم يأخذ بيمينه فيصب على شماله فيغسل فرجه(1/151)
حتى ينقيه ثم يغسل يده غسلاً حسناً، ثم يمضمض ثلاثاً ويستنشق ثلاثاً ويغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً ثم يصب الماء على رأسه [الماء] ثلاثاً ثم يغتسل، فإذا خرج غسل قدميه)).
133- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: حدثتني خالتي ميمونة قالت: ((أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً، ثم أدخل [يده] في الإناء [ثم] أفرغ به على فرجه، فغسله بشماله ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفناتٍ ملء [كفه] ثم غسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه ذلك، فغسل رجليه ثم أتيته بالمنديل فرده)) رواه مسلم.
فهذه صفة الغسل كما وصفته عائشة وميمونة رضي الله عنهما وظاهر حديث ميمونة يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أكمل وضوءه بغسل رجليه بعد الغسل، وأن السنة إذا غسل ما على فرجه من أذى أن يدلك يده بالأرض، ثم يغسلها، ولو اقتصر على النية وجم بالماء جسده ورأسه أجزأه بعد أن يتمضمض ويستنشق.(1/152)
قال الشافعي رضي الله عنه في ((المختصر)): فإن ترك الوضوء والمضمضة، والاستنشاق فقد أساء ويستأنف المضمضة والاستنشاق، قال القاضي حسين وغيره: سماه مسيئاً لترك هذه السنن، فإنها مؤكدة، فتاركها مسيء بلا محالة.
وإن نوى بغسله الطهارتين أجزأه عنهما. وإن نوى غسل الجنابة لم يجزءه عن الجمعة، وإن نوى غسل الجمعة لم يجزءه عن الجنابة في أصح قولي الشافعي.
قال صاحب المهذب: ولا يجب الترتيب في أعضاء المغتسل لكن يستحب البداءة بالرأس ثم بأعالي البدن، وبالشق الأيمن، ويجب إيصال الماء إلى غضون البدن من الرجل والمرأة، وداخل السرة وباطن الأذنين والإبطين وما بين الأليتين، وأصابع الرجلين وغيرهما مما له حكم الطاهر.
وهذا كله متفق عليه، ومما قد يغفل عنه باطن الأليتين والإبط والعكن، والسرة، فليتعهد كل ذلك، ويتعاهد إزالة الوسخ الذي يكون في الصماخ قال الشافعي في الأم والأصحاب: يجب غسل ما ظهر من صماخ الأذن دون ما بطن، ولو كان تحت أظفاره وسخ لا يمنع وصول الماء إلى البشرة لم يضر، وإن منع، ففي صحة غسله خلاف، وإذا كان على بعض أعضائه أو شعره حناءٌ، أو عجينٌ أو طيبٌ أو شمعٌ أو نحوه، فمنع وصول الماء إلى البشرة أو إلى نفس الشعر لم يصح غسله ولو كان شعره(1/153)
متلبداً بحيث لا يصل الماء إلى باطن الشعر لم يصح غسله إلا بنفشه حتى يصل الماء إلى جميع أجزائه، هكذا نص عليه الشافعي في الأم وقطع به الأصحاب.
ولو انشق جلده بجراحة وانفتح فمها وانقطع دمها، وأمكن إيصال الماء إلى باطنها الذي يشاهد بلا ضرر، وجب إيصاله في الغسل والوضوء. قال أبو محمد الجويني: الفرق بينه وبين الفم والأنف أنهما باقيان على الاستيطان، وإنما يفتح فمه لحاجة ومحل الجراحة صار طاهراً فأشبه مكان الافتضاض من المرأة الثيب، وقد نص الشافعي على أنه يلزمها إيصال الماء إلى ما برز بالافتضاض.
ولا يجب على المغتسل غسل داخل عينيه، ولو أحدث المغتسل في أثناء غسله لم يؤثر ذلك في غسله بل يتمه ويجزيه، فإن أراد الصلاة لزمه الوضوء، نص عليه الشافعي في الأم والأصحاب.
وحكاه ابن المنذر، عن عطاءٍ وعمرو بن دينار وسفيان الثوري واختاره ابن المنذر. ويجزئ المرأة غسلٌ واحد عن الجنابة والحيض، وتنقض شعرها من الحيض وليس عليها ناقضة للغسل من الجنابة إذا روت أصوله.(1/154)
134- (24) لما أخبرتنا زينب بنت الكمال، أخبرنا محمد المرداوي، أخبرنا هبة الله البوصيري، أخبرنا أبو صادق المديني، أخبرنا أبو الحسن النيسابوري، أخبرنا أبو الحسن ابن حيويه، حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي، أخبرنا سليمان بن منصور، عن سفيان، عن أيوب بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه عند الغسل من الجنابة؟(1/155)
فقال: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثياتٍ من ماء، ثم تفيضين عليك بالماء فتطهرين)) رواه مسلم.
وإن لم يصل الماء إلى أصل الضفيرة إلا بنقضها لزمها نقضها، لأن إيصال الماء إلى الشعر والبشرة واجب. وهذا متفق عليه عند جمهور العلماء قال الشافعي: وأتسحب أن تغلغل الماء في أصول الشعر، وإن يغمر ضفائرها. وقال أصحاب الشافعي: ولو كان لرجل شعر مضفور، فهو كالمرأة في هذا، قال صاحب التهذيب: وإن كانت تغتسل من الحيض استحب لها أن تأخذ فرصة من المسك فتتبع بها موضع الدم لحديث عائشة رضي الله عنها، يعني المتقدم. وإن لم تجد مسكاً فطيباً غيره، وهذا التطيب متفق على استحبابه.
قال البغوي وآخرون: تأخذ مسكاً في خرقة أو صوفة أو قطنة أو نحوها وتدخلها فرجها، والنفساء كالحائض في هذا، نص عليه الشافعي وأصحابه قال البندنيجي وابن الصباغ وطائفة: إن لم تجد شيئاً من الطيب تأخذ طيناً أو نحوه لقطع الرائحة الكريهة، فالمقصود بذلك تطييب المحل، وتستعمل ذلك بعد الغسل لحديث عائشة رضي الله عنها.(1/156)
135-أن أسماء بنت شكل رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض فقال: ((تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها)) رواه مسلم بهذا اللفظ.
واتفق العلماء على استحباب ذلك للزوجة وغيرها، ويكفي في الوضوء المد من الماء، وفي الغسل الصاع، والمد رطل وثلث بالبغدادي، وأكثر ما قيل في وزن الرطل البغدادي مائة وثلاثون درهماً، والصاع أربعة أمداد، فمن نقص عن ذلك وأسبغ أجزأه، ومن لم يكتف بذلك فقد اعتدى، وأساء، وظلم. قال الله تعالى {إن الله لا يحب المعتدين} وقال تعالى {إن المسرفين هم أصحاب النار}.
136- وعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد)) خرجاه في الصحيحين.(1/157)
137- وقال النسائي: أخبرنا قتيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي جعفر قال: تمارينا في الغسل عند جابر بن عبد الله فقال جابر: ((يكفي من الغسل من الجنابة صاعٌ من ماء قلنا: ما يكفي صاع ولا الصاعان، قال جابر: قد كان يكفي من كان خيراً منكم وأكثر شعراً)) متفق عليه.
138- وفي صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في إناءٍ واحدٍ تسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك)).
139- ورواه النسائي فقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، حدثنا معمر وابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وهو قدر الفرق)).
140- وفي صحيح البخاري: أن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: ((ذكر غسل الجنابة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً، وأشار بيديه كلتيهما)).
141- ورواه مسلم ولفظه: ((وأما أنا فأفيض على رأسي ثلاثة أكف)).(1/158)
142- وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
143- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: لا تسرف فقال: يا رسول الله أفي الماء إسراف؟ قال: نعم، ولو كنت على نهرٍ جارٍ)) رواه أحمد وابن ماجه.
وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد: يزيد الرجل على ثلاث في الوضوء؟ قال لا والله إلا رجل مبتلى.
وينبغي للمغتسل إذا فضل عنه فضلة من ماء أن يعيدها إلى الحوض لينتفع بها غيره.
144- فقد روى أبو عبيد القاسم بن سلام في ((كتاب الطهور)) له من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((مر بنهرٍ فنزل فأخذ منه، ثم تنحى(1/159)
فتوضأ، ففضل من ذلك الماء فضلةً فرده إلى النهر وقال: يبلغه الله إنساناً أو دابة وأشباهه ينفعهم الله به)).
فليعلم المرء المسلم أن ماء الحمام مالٌ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وليحذر من البول في مغتسله.
145- فإن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يبول أحدكم في مستحمه، ثم يغتسل فيه أو يتوضأ فيه، فإن عامة الوسواس منه)). رواه أبو داود.
146- وقال النسائي: حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن داود الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن قال: لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة أربع سنين قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول أحد في مغتسله، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة أو المرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعاً)).(1/160)
147- ورواه أبو داود عن أحمد بن يونس، عن زهير وعن مسدد، عن أبي عوانة كلاهما عن داود به. ولا يشترط في صحة الغسل غسل الحوض، ما حوله، ولا أن يمسه أحد كما يفعله جماعة من الموسوسين الخارجين عن طريق الله وطريق رسوله الداخلين في قبول قول الشيطان وطاعته، فقد قدمت بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه قصعة ليتوضأ منها فقالت امرأته: إني غمست يدي فيها، وأنا جنب. فقال: الماء لا يجنب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ونساؤه وأصحابه يتوضأون في الأقداح والأتوار ويغتسلون في الجفان:
148- (25) أخبرنا أبو العباس المقرئ، أخبرنا أبو عبد الله الخطيب، أخبرنا أبو القاسم البوصيري، أخبرنا أبو صادق المديني، أخبرنا أبو الحسن النيسابوري، أخبرنا أبو الحسن بن حيوية، حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي، أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وأنا من إناء واحد نغترف منه جميعاً)).(1/161)
149- وبه قال النسائي: حدثنا عبد الله الأعلى، حدثنا خالد، حدثنا شعبة، أخبرني عبد الرحمن بن القاسم، قال: سمعت القاسم يحدث عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة)).
150- وبه أخبرنا محمد بن بشار، عن محمد، وحدثنا شعبة عن عاصم، عن معاذة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحدٍ يبادرني وأبادره حتى يقول: دعي لي وأقول أنا دع لي)).(1/162)
وبه قال سويد بن نصر، أخبرنا عبد الله، عن سعيد بن يزيد قال: سمعت عبد الرحمن بن هرمز الأعرج يقول: حدثني ناعمٌ مولى أم سلمة سئلت: ((أتغسل المرأة مع الرجل؟ قالت: نعم إذا كانت كيسةً رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل من مركنٍ واحدٍ نفيض على أيدينا حتى ننقيهما ثم نفيض عليها الماء)).
151- وبه قال أخبرنا محمد بن بشارٍ، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد، عن أم هانئ رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناءٍ واحدٍ من قصعةٍ فيها أثر العجين)).
152- (26) أخبرنا أبو الفضل ابن الحموي، حدثنا أبو الحسن ابن البخاري إنباء، حدثنا جعفر الصيدلاني، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، أخبرنا أبو محمد بن فارس، أخبرنا أبو بشر العجلي، أخبرنا أبو داود الطيالسي، حدثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل من إناءٍ واحد من الجنابة)).(1/163)
153- وبه قال أبو داود: حدثنا شريك، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن ميمونة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل أو قالت توضأ بفضل غسلها من الجنابة)).
154- (27) وأخبرنا أبو إسحاق ابن النحاس، أخبرتنا زينب بنت مكي، أخبرنا حنبل الرصافي، أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي، حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله، أخبرنا سفيان، عن سماكٍ عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من الجنابة، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم بفضله، فذكرت ذلك له فقال: ((إن الماء لا ينجسه شيء)).(1/164)
155- وبه قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا الثوري، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((إن امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم استحمت من جنابة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من فضلها، فقالت: إني اغتسلت منه، فقال: إن الماء لا ينجسه شيء)).(1/165)
156- وفي صحيح البخاري رحمه الله: ((أن عمر رضي الله عنه [توضأ] بالحميم من بيت نصرانية)).
157- وعن جابر رضي الله عنه قال: ((كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها ولا يعاب ذلك علينا)). ويكره الوضوء بعد الغسل إذا لم يحدث.
158- لما رويناه في مسند أبي داود الطيالسي، حدثنا شريك وزهير، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل))، رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.(1/166)
159- وعن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل، ثم يصلي الركعتين صلاة الفجر، ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل)) رواه أبو داود.
فحاصله: أنه لا يشرع وضوآن في غسل سواء كان جنباً محدثاً أم جنباً فقط والله أعلم.
ومن سنن الغسل استصحاب النية إلى آخره، والابتداء بالميامن، فيغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، وهذا متفق على استحبابه، وكذا الابتداء بأعلى البدن، واستقبال القبلة، وتكرار الغسل ثلاثاً ثلاثاً. ويستحب إفاضة الماء على جميع البدن ثلاث مرات، صرح به خلق من العلماء وعدوه سنة.
قال النووي: مذهبنا أن دلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، ولو أفاض الماء عليه فوصل بدنه ولم يمسه بيديه أو انغمس في ماء كثير، أو وقف تحت ميزاب، أو تحت المطر ناوياً، فوصل شعره أجزأه وضوؤه وغسله. وبه قال العلماء كافة إلا مالكاً والمزني فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء.
والوضوء سنة في الغسل وليس بشرط ولا واجب، وبه قال العلماء كافةً إلا ما حكي عن أبي ثور وداود الظاهري إنهما شرطاه. ونقل ابن جرير الإجماع على أنه لا يجب، دليله أن الله أمرنا بالغسل ولم يذكر وضوءاً.
160- وقوله صلى الله عليه وسلم لأم سليم رضي الله عنها: ((يكفيك أن تفيضي عليك الماء)).(1/167)
161- وحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: ((تذاكرنا الغسل من الجنابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فيكفيني أن أصب الماء على رأسي ثلاثاً ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدي)) رواه الإمام أحمد وأصله في الصحيحين.
162- وقوله صلى الله عليه وسلم : ((للذي تأخر عن الصلاة معه في سفر في قصة المزادتين واعتذر بأنه جنبٌ فأعطاه إناءً وقال: اذهب فأفرغه عليك)).
163- وحديث أبي ذر رضي الله عنه: ((فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك)).
وكل هذه الأحاديث صحيحة معروفة. وأما وضوء النبي صلى الله عليه وسلم في غسله فمحمول على الاستحباب جمعاً بين الأدلة والله أعلم.
قال صاحب المهذب: وإن كانت امرأة تغتسل من الجنابة كان غسلها كغسل الرجال. قال النووي: وهذا متفق عليه.
(الفصل السابع): في الغسل بالسدر ونحوه وما يناسب ذلك:
وهذا الفصل هو القسم الثالث من الفصل الخامس.
فإذا دخل المغتسل إلى الحمام للغسل من الجنابة أو لحيض أو لاتساخ رأسه أو بدنه أو للتداوي، فإنه يستحب له أن يغتسل بالسدر أو الخطمي.(1/168)
164- (28) لما أخبرناه محمد بن إسماعيل، أخبرنا علي بن أحمد، عن أبي جعفر الأصبهاني، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، أخبرنا أبو محمد بن فارس، أخبرنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا حماد بن سلمة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف، فيخرج رأسه من باب المسجد فأغسله بالخطمي وأنا حائض)).(1/169)
165- وعن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب)).
166- وعن إبراهيم النخعي قال: ((كانوا يغسلون رؤوسهم بالسدر من الجنابة، يمكث أحدهم ساعة، ثم يغتسل من الجنابة))، ذكره البيهقي.
ويكره غسل بعض الأعضاء أكثر من بعض، بل يسوى بينهم، وأن يعطى كل عضو حقه من التدليك.
167- قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((وإن لجسدك علياً حقاً فآت كل ذي حق حقه)).
وينبغي أنه لا يمكن أحداً من غسل عورته، بل يتولى غسلها هو بنفسه، ولا بأس بما جرت به العادة من ذلك القيم، طهر المتغسل، وأخرج الوسخ بالكف ونحو ذلك، فيباح إذا لم ينظر إلى العورة أو يمسها، ولا بأس بالتكنس في الحمام وغيره، لأنه من باب التداوي.(1/170)
168- (29) فقد أخبرنا عبد الرحيم بن أبي اليسر، أخبرنا جدي إسماعيل، أخبرنا أبو طاهر الخشوعي، أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني، أخبرنا الحسين بن محمد الحنائي، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد، أخبرنا يعقوب بن أحمد الجصاص، حدثنا محمد بن سنان، حدثنا يعقوب بن محمد، حدثنا عبد العزيز بن عمران، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه قال: ((أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذ كنا(1/171)
(1/172)
بالكديد، وكان ماء ظنوناً نزل عليه الناس يسقون، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل وكان أجيرٌ لي استأجرته يقود فرساً لي حتى وقعت على الطريق أنتظره. فلما رأى الذي في وجهي من الغضب، أشفق أن يقع به فقال لي: أيها الرجل على رسلك، فإنه كان في الناس أمر بعدك فأقبلت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده في ظل شجرة عند غليم أسيد يغمز ظهره فقال: تقحمت من الناقة)).
169- رواه الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة ولفظه: ((فإذا غلام أسود يغمز ظهره فسألته فقال: إن الناقة اقتحمت بي)).
ويجوز الإطلاء بالنورة للرجال والنساء أما النساء فإنهن مأمورات بإظهار الزينة للزوج، وهذا من بابه، وأما الرجال فيجوز لهم أيضاً لما:(1/173)
170- رويناه في سنن ابن ماجه قال: حدثنا علي بن محمد، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي هاشم الرماني، عن حبيب بن أبي ثابت أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اطلى بدأ بعورته فطلاها [بالنورة] وسائر جسده أهله))، وهذا سند صحيح ورجاله ثقات.
171- وروى ابن ماجه أيضاً عن علي بن محمد وإسحاق بن منصور، عن كامل أبي العلاء عن حبيب عن أم سلمة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلى [وولي] عانته بيده)) وهذا سند لا بأس به.
172- ورواه أبو داود الطيالسي فقال: حدثنا كامل بن العلاء عن حبيب ابن أبي ثابت، عن أم سلمة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنور ويلي عانته بيده)).(1/174)
173- ورواه أبو بكر الخرائطي فقال: حدثنا القنطري، حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن كهيل، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أم سلمة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينوره الرجل، فإذا بلغ مراقه تولى هو ذلك بيده)).
174- وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا هشيم وشريك، عن ليث بن أبي المشرفي، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اطلى ولى عانته)) وهذا مرسل.
175- وقال أبو داود في ((المراسيل)): حدثنا أبو كامل الجحدري، عن عبد الواحد هو ابن زياد، عن صالح بن صالح، عن أبي معشر، وزياد بن كليب: ((أن رجلاً نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ العانة كف [الرجل] ونور رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه)).(1/175)
176- وعن مكحول قال: ((لما قدم أبو الدرداء وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشام دخلوا الحمامات واطلوا بالنورة)).
177- وروى ابن أبي شيبة عن مالك بن إسماعيل، عن كامل، عن حبيب، قال: ((دخل الحمام عطاء، وطاوس، ومجاهد واطلوا فيه)).
178- وقال ابن أبي شيبة أيضاً، حدثنا محمد بن فضيل عن حصين، عن عبد الله بن شداد قال: {فلما رأته حسبته لجةً وكشفت عن ساقيها} فإذا امرأة شعراء [قال:] فقال سليمان: ما يذهب هذا؟ قالوا: النورة قال: فجعلت النورة من يومئذ)).
وقد كره طائفة من السلف الإطلاء بالنورة:
179- رواه أبو بكر الخرائطي وقال: حدثنا حماد بن الحسن بن عنبسة الوراق، حدثنا عبد العزيز بن الخطاب، حدثنا حميد يعني يعقوب مولى بني هاشم -وكان ثقة- عن العباس بن الفضل، عن القاسم، عن أبي حازم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((أيها الناس اتقوا الله ولا تكذبوا فوالله ما اطلى نبي)).(1/176)
180- وروى ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن محمد بن قيس الأسدي، عن علي بن أبي عائشة قال: ((كان عمر رجلاً أهلب، وكان يحلق عنه الشعر وذكرت له النورة فقال: النورة من النعيم)).
181- وقال ابن أبي شيبة أيضاً، أخبرنا أزهر، عن ابن عون قال: ((كان الحسن رجلاً إزباً، وكان لا يطلي)) وقال أيضاً: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن هشامٍ، عن الحسن -هو البصري- قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لا يطلون)) وهذا من مراسيل الحسن، وقد تكلم فيها بعضهم، وهذا معارض لما تقدم من الإباحة والله أعلم.(1/177)
(الفصل الثامن): في الصلاة في الحمام وما يتعلق بذلك:
183- (30) أخبرنا أبو عبد الله المزي، أخبرنا أبو الغنائم بن علان، أخبرنا أبو علي المكبر أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أخبرنا أبو علي التميمي، أخبرنا أبو بكر القطيعي، حدثنا أبو عبد الرحمن بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عبد الملك الحراني، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن يحيى بن عمارة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كل الأرض مسجدٌ وطهورٌ، إلا المقبرة والحمام)).(1/178)
183- ورواه أبو داود عن مسدد، عن عبد الرحمن بن زياد عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة كلاهما عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد رضي الله عنه به. ورواه ابن ماجه في سننه، عن محمد بن يحيى به.
184- (31) وأخبرناه الحافظ أبو الحجاج المزي، أخبرنا الحاكم أبو الفرج بن أبي عمر المقدسي، أخبرنا أبو حفص بن طبرزد المؤدب، أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أخبرنا أبو طالب بن غيلان، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا إسحاق هو ابن الحسن، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الأرض مسجد إلا المقبرة والحمام)) وهذا سنده صحيح على شرط البخاري.(1/179)
اختلف العلماء في جواز الصلاة في الحمام فذهب الشافعي ومالك، وأبو حنيفة إلى جوازها مع الكراهة، وقال أحمد في المشهور عنه: أنها لا تصح مطلقاً في مسلخه ووسطه، وقيل: إن ضاق عليه الوقت صلى فيه، وإلا فلا، لأن مراعاة الوقت أولى من مراعاة المكان، فإن كان في الوقت سعةٌ أسرع الاغتسال، وخرج إلى المسجد فإن خشي فوات الوقت في ذهابه إلى المسجد صلى ظاهر الحمام، لأن ظاهره في الكراهة أسهل من داخله وهو قول الجمهور.(1/180)
واستدل مانعوا الصلاة في الحمام أنه مأوى الشياطين ومحل كشف العورات، ومخالفة النجاسات، وقد ورد النهي عن الصلاة في الموضع الذي يحضره الشيطان.
185- وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ((عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته، فإن هذا منزل حضر فيه الشيطان قال: ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ، ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة)).
وروى نحوه قتادة وعمران بن حصين، وكلها في الصحيح.
فقالوا: قد فعل هذا في مكان حل فيه الشيطان في وقت، فكيف بمكان هو مأواه دائماً.
186- وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: ((لا تصلوا فيها، فإنها من الشياطين)) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
187- وقال أحمد: حدثنا وكيع [عن سليمان] عن أبي سفيان بن العلاء وهو أخو أبي عمرو بن العلاء، عن الحسن، عن عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا حضرت الصلاة وأنتم في مرابض الغنم فصلوا، وإذا حضرت وأنتم في أعطان الإبل فلا تصلوا، فإنها خلقت من الشياطين)).(1/181)
188- ورواه النسائي، عن الفلاس، عن يحيى القطان، عن أشعث بن عبد الملك.
189- ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن هشيم، عن يونس بن عبيد، كلاهما عن الحسن -وهو البصري- عن ابن مغفل رضي الله عنه ولفظه: ((صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت [من الشياطين])).
وفي الباب عن عمر وجابر بن سمرة وأبي هريرة وعقبة بن عامر، والبراء بن عازب وابن عمر وسبرة بن معبد وغيرهم رضي الله عنهم.
190- وقال ابن معين: حدثنا حجاج، حدثني شعبة، عن منصور، عن حبيب بن [أبي] الأشرس، عن أبي ظبيان، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ((أنه كان يكره أن يصلي في الحمام)).
وقال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: من حبس في مكان نجس، وكان في حمام أو غير ذلك مما نهي عن الصلاة فيه ولا يمكنه الخروج منه حتى تفوت الصلاة، فإنه يصلي في الوقت ولا تفوت الصلاة ليصلي في غيره، فالصلاة في الوقت فرض بحسب الاستطاعة وإن كنت صلاته ناقصة خير من تفويت الصلاة وكذلك المرأة إن قدرت على أن(1/182)
تغتسل وتصلي خارج الحمام فعلت وإن خافت أن تفوتها الصلاة استترت في الحمام وصلت ولا تفوت الصلاة، وإذا دخل وقت الصلاة بطلوع الفجر ولم يمكنه إذا اغتسل أن يصلي حتى تطلع الشمس لكون الماء بعيداً أو أبواب الحمام مغلقة ولكونه فقيراً ليس معه أجرة الحمام فإنه يتيمم ويصلي في الوقت ولا يؤخر الصلاة حتى يفوت الوقت، وأما إذا لم يستيقظ إلا وقد ضاق الوقت عن الاغتسال وإن كان الماء موجوداً، فهذا يغتسل ويصلي عند طلوع الشمس عند أكثر العلماء، فإن الوقت في حق النائم من حين يستيقظ بخلاف اليقظان، فإن الوقت في حقه من طلوع الفجر، ولا بد من الصلاة في وقتها، ولا يجوز لأحد تأخيرها عن الوقت أصلاً انتهى قوله.
فإذا ضاق الوقت على المصلي وتعين عليه الصلاة في الحمام، إذا قلنا بمراعاة الوقت فإنه يشد المئزر ويطرح على عاتقه طرفاً منه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) متفق عليه.
191- وعن ابن أبي سلمة قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد ملتحفاً مخالفاً مشتملاً به في بيت أم سلمة واضعاً [طرفيه] على عاتقه)).
وفي لفظ: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد ملتحفاً مخالفاً بين طرفيه على منكبيه)).(1/183)
192- وعن أبي الزبير المكي: أنه رأى جابر بن عبد الله يصلي في ثوب واحد متوشحاً به وقال جابر رضي الله عنه: ((إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك)).
وهذه أخبار كلها صحيحة ولم يقل البخاري متوشحاً إنما قال ملتحفاً وذكر أن الزهري قال: الملتحف والمتوشح هو المخالف بين طرفيه وهو الاشتمال على منكبيه.
193- وفي صحيح البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه)) ونص الإمام أحمد على عدم جواز الصلاة وليس على عاتقه شيء، فإن لم يكن معه أزارٌ يسع أن يشتمل في وسطه فيشد مئزره في وسطه شداً وثيقاً، ويطرح على عاتقه خرقة، وإن كانت امرأة فتستر جميع بدنها إلا الوجه وفي الكفين خلاف.
(الفصل التاسع): في الأجر بتحسين الحلق في الحمام وغيره:
194- روينا في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خياركم أحسنكم أخلاقاً)).
195- وروينا في مسند الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله)).
وعنها رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار)).(1/184)
196- وروى هشام بن عروة، عن أبيه قال: ((مكتوب في الحكمة، لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك بسطاً تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء)).
فينبغي أن يعامل الناس في الحمام بالخلق الحسن والمروءة والرفق وإعانة الضعيف والشيخ الكبير، وأن يدلك ظهر من لا يستطيع ذلك نفسه، ويساعده بما معه من قوة أو حاجة إذا طلبت منه، ولا يمنع أحداً من الاغتراف من الحوض الحابس عليه، ولا يزدري بأحدٍ.
197- فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن احتقار الناس فقال: ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) فينبغي أن لا يحقر أحداً ممن يراه شيخاً أو ضعيفاً أو ذا عيال بل يساعدهم ويعينهم على تطهيرهم.
198- قال أبو داود الطيالسي، حدثنا قيسٌ، عن زياد بن علاقة قال: سمعت جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [يقول]: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)).
199- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء)).(1/185)
وعن النبي صلى الله عليه وسلم : ((من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا)).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)). وينبغي أن لا يؤذي أحداً برائحة كريهة في الحمام، ولا في غيره، ولا يتقيأ بحضرة الناس.
200- فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم : ((يأتي المرء إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه)). وينبغي أن لا يقيم أحداً من مجلسه ويجلس فيه.
201- فقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه [آخر] ولكن تفسحوا وتوسعوا)) متفق عليه.
202- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يقيم أحدكم أخاه فيجلس في مجلسه)).
203- وقال سالم: ((كان الرجل يقوم لابن عمر من مجلسه فما يجلس في مجلسه)) رواه مسلم.(1/186)
ولا بأس بما جرت به العادة من إمساك القيم الفوطة للمغتسل يستره بذلك.
204- (32) لما أخبرنا محمد بن الحموي، أخبرتنا زينب بنت مكي، أخبرنا حنبل الرصافي، أخبرنا ابن الحصين، حدثنا ابن .. أخبرنا القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا حجاج، حدثنا شريك [عن حسين بن عبد الله]، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً، فوضع له غسلاً، ثم أعطاه ثوباً فقال: استرني وولني ظهرك)) وهذا إسناد صحيح.(1/187)
205- (33) وحدثنا أحمد الكردي، حدثنا محمد المرداوي، أخبرنا هبة الله البوصيري، أخبرنا مرشد المديني، أخبرنا أبو الحسن النيسابوري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي، أخبرنا مجاهد بن موسى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن يحيى بن الوليد، عن محل بن خليفة قال: حدثني أبو السمح رضي الله عنه قال:(1/188)
((كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني قفاك فأوليه قفاي فأستره به)). ورواه أبو داود وابن ماجه عن مجاهد بن موسى موافقة.
206- وبه قال النسائي: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، عن عبد الرحمن، عن مالك، عن [سالم]، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، عن أم هانئ رضي الله عنها: ((أنها ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة تستره بثوبٍ فسلمت فقال: من [هذا]؟ قلت: أم هانئ، فلما فرغ من غسله قام يصلي ثمان ركعاتٍ في ثوبٍ ملتحفاً به)).(1/189)
207- ورواه مسلم ولفظه: ((قام النبي إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به، وقالت ميمونة رضي الله عنها: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماءً وسترته فاغتسل)) رواه مسلم وقد استحب جماعة من السلف الاغتسال من دخول الحمام.
208- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن حماد، عن إبراهيم: ((أن علياً رضي الله عنه كان يغتسل إذا خرج من الحمام)). قال عبد الرزاق: وكان معمر يفعله.
209- وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم أنه كان يدخله يعني الحمام، فإذا كان عند خروجه استقبل الميزاب، فاغتسل ثم خرج، قال وحدثنا وكيع عن ربيعة بن كلثوم قال: سمعت الحسن يقول: ((إذا خرجت من الحمام فاغتسل)) ثم رواه عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
210- وقال عبد الرزاق، عن الثوري، [عن الأعمش] عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((إني لأحب أن أغتسل [من خمس] من الحجامة والحمام والجنابة والموسى ومن غسل الميت أو يوم الجمعة)) فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: ما كانوا يرون غسلاً واجباً إلا غسل الجنابة، وكانوا يستحبون غسل الجمعة.(1/190)
قلت: لعل العلة في الاغتسال من دخول الحمام أن ماءه يختلف فيه الأيدي وأنه يسخن بالنجاسات، وقد ورد الأمر بالوضوء مما غيرت النار وهذا مذهب غريب. والجمهور من السلف و[الخلف] على خلافه.
211- ((وقد كان آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)).
212- وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا هشيم، عن سيار قال: ((رأيت الشعبي خرج من الحمام فجعل يخوض ماء الحمام ولم يغسل قدميه قال: فقلت في ذلك فقال: إني رجل ينظر إلي، وكان رحمه الله ينكر قول من رأى الغسل في ذلك ويقول: لم أدخله إذا؟)).
قال البغوي: أما الحجامة فورد فيها أثر، وأما الحمام فقيل: أراد به أن تنور يغتسل وإلا فلا. قيل: استحب الغسل منه لاختلاف الأيدي فيه. قال البغوي: وعندي أن معنى الغسل منه أنه إذا دخله فعرق استحب أن لا يخرج حتى يغتسل. هذا كلام البغوي رحمه الله.
(الفصل العاشر): في التنشف وإعطاء الحمامي حقه:
وفي التنشف من الغسل والوضوء أقوال:
أحدها: إنه يكره وهو مروي عن ابن عمر وابن أبي ليلى.(1/191)
213- لحديث ميمونة رضي الله عنها: ((أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بخرقة بعد الغسل فلم يردها، وجعل ينقض الماء بيده)). متفق عليه.
214- قال الطبري: حدثنا عيسى بن عثمان، حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن سالم، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثتني ميمونة خالتي ((أنها وضعت غسلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى الإناء فغسل يديه، ثم غسل فرجه، ثم ضرب بيده اليسرى على الأرض، ثم غسلها ثم توضأ، فأتيته بمنديل فلم يقبله))، قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: إنما كانوا يكرهون المنديل بعد الوضوء مخافة العادة.
والقول الثاني: إنه لا يكره وهو مذهب مالك وسفيان الثوري.
215- لحديث قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما قال: ((زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا، فذكر له الحديث إلى أن قال: فأمر له سعد بغسلٍ، فوضع فاغتسل، ثم ناوله أو قال: ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورسٍ فاشتمل بها ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم [يديه] وهو يقول: اللهم اجعل أشرف صلواتك ورحمتك على آل سعد ابن عبادة)).(1/192)
216- وعن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: ((لما كان عام الفتح أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به، ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى. وفي لفظ: فسترته ابنته فاطمة بثوبه، فلما اغتسل أخذه فالتحف به ثم قام فصلى ثماني سجداتٍ، وذلك ضحى)) رواه مسلم.
والقول الثالث: أنه يجوز في الغسل دون الوضوء، ويحكى هذا عن ابن عباس واحتج بحديث قيس المتقدم. والله أعلم.
وأما التنشف بعد الوضوء:
217- فروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء)) وقد ترجم الترمذي رحمه الله لذلك باباً في ((جامعه)) فقال: باب المنديل بعد الوضوء، ثم قال: وحديث عائشة ليس بالقائم ولا يصح في هذا الباب شيء قال: وقد رخص قوم من الصحابة ومن بعدهم في المنديل بعد الوضوء، ومن كرهه إنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن، وهذا مروي عن سعيد بن المسيب والزهري، والله أعلم.(1/193)
218- (34) أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا أبو إسحاق الأرموي، أخبرتنا كريمة القرشية، أخبرنا أبو [يعلى] ابن الحبوبي، أخبرنا أبو القاسم المصيصي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت، حدثنا أحمد بن بكير، حدثنا يعلى، حدثنا سفيان، عن ليث، عن رزيق، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا بأس بالمنديل بعد الوضوء)).(1/194)
219- وقال الترمذي: حدثنا قتيبة، عن رشدين بن سعدٍ، عن عبد الرحمن ابن زيادٍ بن أنعمٍ، عن عتبة بن حميدٍ، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنمٍ، عن معاذ رضي الله عنه قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ فمسح وجهه بطرف ثوبه)).(1/195)
قال الترمذي: لين وإسناده ضعيف ورشدين وابن أنعم ضعيفان في الحديث. قال النووي في ((شرح المهذب)): أما حكم التنشف ففيه طرق متباعدة للأصحاب تجمعها خمسة أوجه: الصحيح منها أنه لا يكره قال المحاملي وغيره: وليس للشافعي نص في المسألة. قال أصحابنا: وسواء التنشيف في الوضوء والغسل هذا كله إذا لم تكن له حاجة إلى التنشف لخوف البرد أو التصاقٍ بنجاسةٍ أو نحو ذلك، فإن كان فلا كراهة قطعاً ولا يقال إنه خلاف المستحب.
وحكى ابن المنذر إباحة التنشف عن عثمان بن عفان، والحسن بن علي وأنس وبشير بن أبي مسعود، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، والضحاك، ومالك والثوري، وأصحاب الرأي، وأحمد، وإسحاق.
وحكى كراهته عن جابر بن عبد الله وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن المسيب والنخعي، ومجاهد، وأبي العالية، وعن ابن عباس كراهته في الوضوء دون الغسل، ونقل المحاملي الإجماع أنه لا يحرم وإنما الخلاف في الكراهية والله أعلم.
قال الماوردي رحمه الله: فإن كان معه من يحمل الثوب الذي يتنشف به وقف عن يمين المتطهر. ويستحب للمغتسل أن يتشهد عقيب الغسل كما يتشهد عقيب الوضوء فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
220- فقد روى مسلم في صحيحه وغيره من حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله صادقاً من قلبه فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)).(1/196)
فإذا خرج أعطى الحمامي حقه وأكرم قيمه.
221- فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) رواه ابن ماجه.
وقد استحب الغزالي إعطاء الحمامي أجره قبل الدخول. وهل يلزم الزوج شراء ماء الطهارة لزوجته؟ فيه خلاف. قال البغوي وغيره: إن كان الغسل لاحتلامها لم يلزمه، وإن كان لجماع الزوج أو نفاس المرأة لزم الزوج في أصح الوجهين لأنه بسببه، وإن كان لحائض لم يلزمه في أصح الوجهين لأنه من مؤن التمكين وهو واجب عليها.
قال صاحب ((المهذب)): وفي أجرة الحمام وجهان مشهوران، أحدهما: لا يجب إلا أنه إذا عسر الغسل إلا في الحمام لشدة بردٍ وغيره.
والثاني: واختاره الغزالي وأصحهما وبه قطع البغوي والروياني وآخرون في كتاب النفقات الوجوب إلا أن يكون من قوم لا يعتادون دخوله. قال الماوردي: إنما يجب في كل شهر مرة.(1/197)
واختلف الناس في الأجرة المأخوذة في الحمام عما هي؟ والراجح أنها في استعمال الماء المسخن والعلب وحفظ الثياب وسكنى الحمام وهو اختيار شيخ الإسلام السبكي وفاقاً لابن أبي عصرون وغيره، والرجوع في ذلك إلى العرف والعادة من التسامح بذلك لأنه مما تدعو الحاجة إليه ويعسر ضبطه والله يعلم المفسد من المصلح ولم يجعل علينا في الدين من حرج. والله الموفق. فهو حسبنا في كل حال وكفى وصلواته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه كلما ذكرهم الذاكرون، وكلما غفل عن ذكرهم الغافلون وكافة النبيين والمرسلين، والملائكة المقربين، وآل كل، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، والحمد لله رب العالمين.(1/198)
وفرغ من زبره نهار الخميس سادس عشر من رمضان المعظم سنة عشر وثمانمائة من هجرته على صاحبها أفضل الصلاة، نحمد له وحده.
طالع جميع كتاب الإلمام بآداب دخول الحمام العبد الذليل والراجي عفو ربه الكريم أحمد بن عبد الرحمن بن عمر الشويكي الحنبلي، عفا الله عنهم وعن جميع المسلمين ولمصنفها ولكاتبها، غرة شهر الله المحرم سنة تسع وعشرين وتسعمائة.
نقلاً من خط مصنفه الإمام جمال الأئمة وتاج الأمة أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني، نفع الله به وبآبائه الطاهرين أجمعين آمين. قال رحمه الله: فرغت منه في سنة 742 بدمشق.
-انتهى كتاب الإلمام-
وفي حاشية الورقة ما نصه:
فائدة: قال القفال: يعطي الحمامي في الصيف نصف درهم، وفي الشتاء ثلثي درهم، والحق أنه يختلف باختلاف الأوقات.(1/199)