قواعد وأسس في السنة والبدعة
الدكتور حسام الدين عفانه
قواعد وأسس في السنة والبدعةوذكر تقسيمات السنة والبدعة وحكم الابتداع وأسبابه وأسباب انتشار البدع ، ثم فصّلت الكلام على أهم البدع المنتشرة في ديارنا كبدع الأذان والصلاة والدعاء والاحتفالات والمواسم المبتدعة وخصصت البدع المتعلقة بالمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة بشيء من التفصيل .وصدرت الطبعة الأولى في القدس سنة 1422هـ 2001م .
المبحث الأول
الحث على اتباع السنة والتحذير من البدعة
وبيان أسباب الابتداع
أولاً : الآيات الكريمات التي تأمر بالاتباع وتنهى عن الابتداع :
1. قال الله تعالى :( وأن هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )(1).
قال القرطبي :[ هذه آية عظيمة ... فإنه لما نهى وأمر وحذر هنا عن اتباع غير سبيله فأمر فيها باتباع طريقه ](2).
فالصراط المستقيم المذكور في الآية الكريمة هو سبيل الله الذي دعا إليه وهو السنة والسبل هي سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع والأهواء (3).
2. وقال الله تعالى :( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (4).
قال الراغب الأصفهاني :[ والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو قوله ] (5).(1/1)
وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال :[ سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول ( . فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد . فقال : لا تفعل . قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر . قال : لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة . فقال : وأي فتنة هذه ؟ إنما هي أميال أزيدها . قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله( إني سمعت الله يقول :( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ] (1).
3.وقال الله تعالى:( وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (2)
4. وقال الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) (3). فأمر الله سبحانه وتعالى برد المتنازع فيه إلى قوله جل جلاله وإلى قول الرسول( .
5. وقال الله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (4).
قال الإمام مالك رحمه الله :[ ومن أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله( خان الدين لأن الله تعالى يقول :
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً] (1).
ولأن الله سبحانه وتعالى أخبر بأن الشريعة قد كملت قبل وفاة النبي ( فلا يتصور أن يجيء إنسان ويخترع فيها شيئاً لأن الزيادة عليها تعتبر استدراكاً على الله سبحانه وتعالى وتوحي بأن الشريعة ناقصة وهذا يخالف ما جاء في كتاب الله (2).(1/2)
6. وقال تعالى :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبونَ اللَّهَ فَاتَّبعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(3).
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي :[ تنبيه : يؤخذ من هذه الآية الكريمة أن علامة المحبة الصادقة لله ورسوله ( هي اتباعه ( فالذي يخالفه ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر إذ لو كان محباً له لأطاعه ومن المعلوم عند العامة أن المحبة تستجلب الطاعة ومنه قول الشاعر :
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع ](4).
7. وقال تعالى :( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) (5).
ثانياً : الأحاديث النبوية التي تأمر بالاتباع وتنهى عن الابتداع :
1. عن جابر بن عبد الله( قال :( كان رسول الله ( إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم . ويقول : بعثت أنا والساعة كهاتين ، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى . ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ) رواه مسلم (1).
وفي رواية عند النسائي :[ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ] وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني (2).
2. وعن عبد الله بن مسعود( قال :[ خطَّ لنا رسول الله( يوماً خطاً ثم قال : هذا سبيل الله ثم خطَّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ :( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) الآية ، رواه الدارمي وأحمد والنسائي وقال الألباني : حديث صحيح (3).(1/3)
3. وعن أبي نجيح العرباض بن سارية( قال :( صلى بنا رسول الله ( صلاة الفجر ثم وعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل :
يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا . فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح ورواه أحمد وابن حبان ، وهو حديث صحيح صححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي (1).
4. وعن عائشة رضي الله عنهما قالت :( قال رسول الله ( : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري ومسلم (2).
وفي رواية لمسلم :( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ ) (3).
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي :[ وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام كما أن حديث " الأعمال بالنيات " ميزان للأعمال في باطنها وهو ميزان للأعمال في ظاهرها فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء ] (4).
5. وعن بلال بن الحارث( قال :( سمعت رسول الله ( يقول : من أحيا سنة قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن ابتدع بدعة لا ترضي الله ورسوله فإن له مثل إثم من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئاً ) رواه الترمذي وابن ماجة . وقال الترمذي : هذا حديث حسن . وقال البغوي : هذا حديث حسن . وصححه الشيخ الألباني (1).(1/4)
6. وعن أبي شريح الخزاعي قال :( خرج علينا رسول الله ( فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ قالوا : بلى . قال : إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً ) رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد وقال الشيخ الألباني : صحيح (2).
7. وعن ابن عباس أن رسول الله ( خطب الناس في حجة الوداع فقال : إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه ] رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد. وقال الشيخ الألباني: حسن... وله أصل في الصحيح (3).
8. وعن أنس بن مالك ( قال :( قال رسول الله ( : إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ) رواه الطبراني وإسناده حسن وصححه الألباني (4).
ثالثاً : الآثار الواردة عن السلف في لزوم السنة وذم البدعة :
1. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :[ كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ] رواه البيهقي في المدخل وقال الشيخ الألباني : صحيح الإسناد (1).
2. وعن عبد الله بن مسعود ( قال :[ الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة ] رواه الدارمي والبيهقي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الألباني (2).
3. وعنه أيضاً قال :[ اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ] رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي ورواه الدارمي (3).
4. وعنه أيضاً قال :[ اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلاله ] رواه أبو خيثم في كتاب العلم وقال الشيخ الألباني هذا إسناد صحيح (4).
5. وعنه أيضاً قال :[ أيها الناس إنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالأمر الأول ] رواه الدارمي وصححه الحافظ ابن حجر وابن رجب الحنبلي (5).(1/5)
6. وعنه أيضاً قال :[ تعلموا العلم قبل أن يقبض وقبضه أن يذهب أهله ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع وعليكم بالعتيق ] رواه الدارمي ومعمر في الجامع وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1).
7. وعن حذيفة ( قال :[ يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقاً بعيداً فإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً ] رواه البخاري .
قال الحافظ :[ قوله يا مشعر القراء : المراد بهم العلماء بالقرآن والسنة العبّاد ] (2).
8. وعنه ( قال :[ كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله ( فلا تتعبدوا بها فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً فاتقوا الله يا معشر القرآء خذوا طريق من كان قبلكم ] رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة ، ومحمد بن نصر في السنة ، وأبو نعيم وابن عساكر وذكره أبو شامة في الباعث وعزاه لأبي داود وكذلك فعل السيوطي وغيره وقال الشيخ الألباني لم أجده في السنن (3).
9. وقال أبو العالية : [ عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يفترقوا ] ذكره ابن الجوزي وذكره السيوطي ورواه معمر في الجامع (4).
10. وقال الأوزاعي :[ اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم ] ذكره ابن الجوزي والسيوطي (1).
11. وقال عمر بن عبد العزيز ( :[ سن رسول الله وولاة الأمر من بعده سنناً الأخذ بها تصديق بكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها . من عمل بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً ] رواه ابن عبد البر وذكره الشاطبي في الاعتصام وقال إنه كان يعجب مالكاً جداً (2).(1/6)
قال الشاطبي :[ وبحق وكان يعجبهم فإنه كلام مختصر جمع أصولاً حسنة من السنة منها ما نحن فيه لأن قوله : ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها . قطع لمادة الابتداع جملة . وقوله : من عمل بها فهو مهتد . مدح لمتبع السنة وذم لمن خالفها بالدليل الدال على ذلك ، وهو قول الله سبحانه وتعالى
:( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )] (3).
12. وقال عمر بن عبد العزيز يوصي رجلاً :[ أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه ( وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته ... فعليك بلزوم سنته فإنها لك بإذن الله عصمة ...] رواه أبو داود ، وقال الشيخ الألباني : صحيح مقطوع (1).
13. وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال :[ اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين ] ذكره الشاطبي والسيوطي (2).
14. وعن عثمان الأزدي قال :[ دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما فقلت له أوصني . فقال : عليك بتقوى الله والاستقامة ، اتبع ولا تبتدع ] ذكره الخطيب في الفقيه والمتفقه ، والبغوي في شرح السنه ، وأبو شامة في الباعث ، والسيوطي في الأمر بالاتباع (3).
المبحث الثاني
تعريف البدعة لغة واصطلاحاً
أولاً : تعريف البدعة لغة :
قال ابن منظور : بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه أنشأه وبدأه ... البديع، والبدع : الشيء الذي يكون أولاً ، وفي التنزيل :( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) أي ما كنت أول من أرسل وقد أرسل قبلي رسل كثير .
والبدعة : الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال ، وأبدع وابتدع وتبدع : أتى ببدعة قال الله تعالى :( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ) وبدَّعه نسبه إلى البدعة .(1/7)
واستبدعه : عده بديعاً . والبديع المحدث العجيب . والبديع : المبدع وأبدعت الشيء اخترعته لا على مثال . والبديع : من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها ... ] (1).
وقال الراغب الأصفهاني :[ الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء ... والبديع يقال للمبدع نحو قوله :( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ). وقوله تعالى :( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) قيل معناه مبدعاً لم يتقدمني رسول ... والبدعة في المذهب إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدمة وأصولها المتقنة ] (2).
وقال أبو البقاء الكفوي :[ البدعة كل عمل عُمل على غير مثال سبق فهو بدعة ] (1).
ثانياً : تعريف البدعة اصطلاحاً :
اختلفت أنظار العلماء في تعريف البدعة وتحديد مفهومها فمنهم من حصر البدعة في باب العبادات فضيق مفهومها فقصرها على الابتداع في باب العبادات اصطلاحاً .
ومنهم من وسع مفهومها فأطلقها على كل محدث من الأمور وجعلها تنقسم إلى أقسام خمسة : فهي إما واجبة أو مندوبة أو مباحة أو مكروهة أو محرمة (2).
وقد سار على أحد هذين المنهجين علماء أجلاء وعلماء أعلام لكل وجهة هو موليها وكل منهم يقصد الوصول إلى ما اعتقد أنه الحق والصواب وكل منهم اجتهد فله أجران إن أصاب وأجر واحد إن خالف قوله الصواب وسأذكر المنهجين وأدلتهما وأبين ما أرى أنه الراجح مع الاستدلال .
مناهج العلماء في تعريف البدعة :
المنهج الأول في تعريف البدعة :
يرى جماعة من أهل العلم منهم الإمام عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء وابن الجوزي وأبو شامة المقدسي والنووي والعيني وابن الأثير والقرافي والحافظ ابن حجر والسيوطي وغيرهم (1) أن البدعة تطلق على كل محدثة لم توجد في كتاب الله سبحانه وتعالى ولا في سنة رسوله ( سواء أكانت في العبادات أم العادات وسواء أكانت محمودة أو مذمومة.(1/8)
ويرى هؤلاء العلماء أن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة فإن وافقت السنة فهي حسنة محمودة وإن خالفت السنة فهي سيئة مذمومة .
وبناء على هذا الأساس قالوا إن البدعة تنقسم إلى الأقسام الخمسة فهي إما أن تكون واجبة أو مندوبة أو مباحة أو مكروهة أو محرمة .
قال الإمام النووي :[ البدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله ( وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة .
قال الشيخ الإمام - المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع العلوم وبراعته - أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله في آخر كتاب القواعد : البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ، قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة أو في قواعد التحريم فمحرمة أو الندب فمندوبة أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة وللبدع الواجبة أمثلة منها الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله تعالى كلام رسول الله ( وذلك واجب لأن حفظ الشريعة واجب ولا يتأتى حفظها إلا بذلك وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الثاني حفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة . الثالث تدوين أصول الدين وأصول الفقه . الرابع الكلام في الجرح والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم وقد دلت قواعد الشريعة على أن حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على المتعين ولا يتأتى ذلك إلا بما ذكرناه . وللبدع المحرمة أمثلة منها : مذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة والرد على هؤلاء من البدع الواجبة . وللبدع المندوبة أمثلة منها إحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول ومنها التراويح والكلام في دقائق التصوف وفي الجدل ومنها جمع المحافل للاستدلال إن قصد بذلك وجه الله تعالى . وللبدع المكروهة أمثلة كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف . وللبدع المباحة أمثلة منها المصافحة عقب الصبح والعصر ومنها التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس(1/9)
والمساكن ولبس الطيالسة وتوسيع الأكمام وقد يختلف في بعض ذلك فيجعله بعض العلماء من البدع المكروهة ويجعله آخرون من السنن المفعولة في عهد رسول الله ( فما بعده وذلك كالاستعاذة في الصلاة والبسملة هذا آخر كلامه ] (1).
ومن أشهر ما اعتمد هؤلاء العلماء عليه ما يلي :
1. قول عمر ( الذي رواه الإمام البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عبد بن عبد القاري أنه قال :[ خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل ، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله ] (1) وقوله أوزاع أي جماعة متفرقون .
قال الحافظ ابن حجر :[ في بعض الروايات نعمت البدعة بزيادة تاء ] (2).
2. عن مجاهد قال :[ دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة وإذا أناس يصلون في المسجد صلاة الضحى ، قال : فسألناه عن صلاتهم فقال : بدعة ... ] رواه البخاري ومسلم (3).
وقال ابن أبي شيبة :[ حدثنا ابن علية عن الجريري عن الحكم بن الأعرج قال : سألت محمداً - كذا - عن صلاة الضحى وهو مسند ظهره إلى حجرة النبي ( ، فقال : بدعة ونعمت البدعة ] (4).
وقد ذكره الحافظ ابن حجر وعزاه لابن أبي شيبة وفيه : سألت ابن عمر ... الخ . قال الحافظ : إسناده صحيح (5).
قلت : ولعل ما في سند ابن أبي شيبة من قوله " محمداً " خطأ من النساخ .
وقال الحافظ: روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سالم عن أبيه قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها وما أحدث الناس شيئاً أحب إلي منها ] (1).
وهو في المصنف كما قال الحافظ (2).
قالوا إن ابن عمر سمى صلاة الضحى جماعة في المسجد بدعة واستحسنها (3).(1/10)
3. واحتجوا بالأحاديث التي تفيد انقسام البدعة إلى حسنة وسيئة فمن ذلك :
أ. حديث بلال بن الحارث ( قال :( سمعت رسول الله( يقول : من أحيا سنة قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن ابتدع بدعة لا ترضي الله ورسوله فإن له مثل إثم من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئاً ) رواه الترمذي وحسنه وقد مضى تخريجه .
ب. حديث المنذر بن جرير عن أبيه أن النبي ( قال : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) رواه مسلم (4).
ج. وفي رواية أخرى لحديث جرير قال : قال رسول ( :( من سن سنة خير فاتبع عليها فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقوص من أجورهم شيئاً ومن سن سنة شر فاتبع عليها كان عليه وزرها ومثل أوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئاً ) رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح (1).
د. وعن واثلة بن الأسقع ( عن النبي ( قال :( من سن سنة حسنة فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك ومن مات مرابطاً جرى عليه عمل المرابط حتى يبعث يوم القيامة ) رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به كما قال الحافظ المنذري ، وقال الشيخ الألباني : حسن (2).
قالوا إن هذه الأحاديث تدل على انقسام البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة . بل إن الإمام النووي يرى أن حديث جرير بن عبد الله :( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ... الخ ) يعتبر تخصيصاً لقوله ( : ( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة (3).
كما أنهم قد استدلوا بأدلة أخرى يطول المقام بذكرها .
المنهج الثاني في تعريف البدعة :(1/11)
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن البدعة مخالفة للسنة ومذمومة شرعاً لأنها محدثة لا أصل لها في الشرع وعلى هذا الإمام مالك والبيهقي والطرطوشي وشيخ الإسلام ابن تيمية والزركشي وابن رجب والشُّمَنِي الحنفي وغيرهم ، واختاره جماعة من العلماء المعاصرين (1).
وأساس هذا المنهج هو تعريف البدعة بالمحدث المخالف للسنة الذي جعل ديناً قويماً وصراطاً مستقيماً وعلى هذا مشى الشاطبي في أحد تعريفيه للبدعة حيث قال :[ فالبدعة إذا عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه . وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة وإنما يخصها بالعبادات ] (2).
وقال الشاطبي :[ فالطريقة والطريق والسبيل والسنن هي بمعنى واحد وهو ما رسم للسلوك عليه وإنما قيدت بالدين لأنها فيه تخترع وإليه يضيفها صاحبها وأيضاً فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسم بدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم .
ولما كانت الطرائق في الدين تنقسم - فمنها ما له أصل في الشريعة ومنها ما ليس له أصل فيها - خص منها ما هو المقصود بالحد وهو القسم المخترع أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع إذ البدعة إنما خاصتها أنها خارجة عما رسمه الشارع وبهذا القيد انفصلت عن كل ما ظهر لبادي الرأي أنه مخترع مما هو متعلق بالدين كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وأصول الدين وسائر العلوم الخادمة للشريعة . فإنها وإن لم توجد في الزمان الأول فأصولها موجودة في الشرع ] (1).
وقوله [ تضاهي الشرعية ] أي تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك بل هي مضادة لها من أوجه متعددة :(1/12)
منها وضع الحدود كالناذر للصيام قائماً لا يقعد ضاحياً لا يستظل والاختصاص في الانقطاع للعبادة ... ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولادة النبي ( عيداً .
ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته .
وقوله :[ يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى ] هو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها .
وذلك أن أصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العبادة والترغيب في ذلك لأن الله تعالى يقول :( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) فكأن المبتدع رأى أن المقصود هذا المعنى ولم يتبين له أن ما وضعه الشارع فيه من القوانين والحدود كاف ... وقد تبين بهذا القيد أن البدع لا تدخل في العادات فكل ما اخترع من الطرق في الدين مما يضاهي المشروع ولم يقصد به التعبد فقد خرج عن هذه التسمية ] (2).
استدل العلماء القائلون بذم البدعة بما يلي :
أولاً : إن الله سبحانه وتعالى قد أكمل هذا الدين قبل وفاة الرسول ( فقال سبحانه وتعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (1).
فلا يقبل من أي إنسان أن يزيد على الدين أو يخترع فيه شيئاً لأن هذه الزيادة والاختراع تعتبر استدراكاً على الله تبارك وتعالى وتوحي بأن الشريعة ناقصة وبأن محمداً ( لم يبلغ الرسالة تبليغاً كاملاً (2).
قال الإمام مالك بن أنس :[ من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله ( خان الرسالة لأن الله يقول : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً (3).(1/13)
ولأن الزيادة على الشريعة فيها إظهار الاستظهار على الشارع وهو قلة أدب معه لأن شأن العظماء إذا حددوا شيئاً وقف عنده وعدَّ الخروج عنه قلة أدب (4).
ثانياً : قالوا إن الأحاديث الواردة عن الرسول ( في البدعة كلها على سبيل الذم ، فمن ذلك ما تقدم في حديث جابر قال : ( كان رسول الله ( إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم . ويقول : بعثت أنا والساعة كهاتين ، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول : أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ) رواه مسلم ، وقد مضى .
وفي رواية للنسائي :( وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ).
وكذلك ما جاء في حديث العرباض بن سارية وفيه: ( صلى بنا رسول الله ( صلاة الفجر ثم وعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا . فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود والترمذي وهو حسن صحيح كما سبق .
قالوا إن قول الرسول ( : ( كل بدعة ) كلية عامة شاملة مسورة بأقوى أدوات الشمول والعموم " كل " والذي نطق بهذه الكلية صلوات الله وسلامه عليه يعلم مدلول هذا اللفظ وهو أفصح الخلق وأنصح الخلق للخلق لا يتلفظ بشيء لا يقصد معناه (1).
قال عبد الله بن عمر :[ كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ]
وقد مضى .
وقال الإمام أبو حنيفة :[ عليك بالأثر وطريقة السلف وإياك وكل محدثة فإنها بدعة ] ذكره ابن قدامة المقدسي في ذم التأويل (2).(1/14)
وقال الإمام أحمد :[ أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله ( والاقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة ] ذكره ابن قدامة المقدسي في ذم التأويل (1).
وقال ابن رجب الحنبلي :[ قوله ( :( كل بدعة ضلالة ) من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين وهو شبيه بقوله ( :( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ ) فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه ] (2).
وقال الحافظ ابن حجر بعد قوله ( :( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) قال :[ هذا قاعدة شرعية كلية بمنطوقها ومفهومها ، أما منطوقها فكأن يقال ، حكم كذا بدعة وكل بدعة ضلالة فلا تكون من الشرع لأن الشرع كله هدى فإن ثبت أن الحكم المذكور بدعة صحت المقدمتان وأنتجتا المطلوب ] (3).
وأجاب الإمام الشاطبي عندما سئل :[ هل كل بدعة حسنت أو قبحت ضلالة لعموم الحديث أم تنقسم على أقسام الشريعة ؟ فأجاب : إن قول النبي ( : ( كل بدعة ضلالة محمول عند العلماء على عمومه لا يستثنى منه شيء ألبتة وليس فيها ما هو حسن أصلاً إذ لا حسن إلا ما حسنه الشرع ولا قبيح إلا ما قبحه الشرع فالعقل لا يحسن ولا يقبح وإنما يقول بتحسين العقل وتقبيحه أهل الضلال ] (4).
ثالثاً : واحتجوا بما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( قال رسول الله ( : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري ومسلم وقد سبق .(1/15)
وفي رواية لمسلم :( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ ) قال الحافظ ابن رجب الحنبلي :[ وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام كما أن حديث " الأعمال بالنيات " ميزان للأعمال في باطنها وهو ميزان للأعمال في ظاهرها فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء ] (1).(1/16)
وقال الإمام الشوكاني : ( وهذا الحديث من قواعد الدين لأنه يندرج تحته من الأحكام ما لا يأتي عليه الحصر وما أصرحه وأدله على إبطال ما فعله الفقهاء من تقسيم البدع إلى أقسام وتخصيص الرد ببعضها بلا مخصص من عقل ولا نقل فعليك إذا سمعت من يقول هذه بدعة حسنة بالقيام في مقام المنع مسنداً له بهذه الكلية وما يشابهها من نحو قوله ( :( كل بدعة ضلالة ) طالباً لدليل تخصيص تلك البدعة التي وقع النزاع في شأنها بعد الاتفاق على أنها بدعة فإن جاءك به قبلته وإن كاع كنت قد ألقمته حجراً واسترحت من المجادلة . ومن مواطن الاستدلال لهذا الحديث كل فعل أو ترك وقع الاتفاق بينك وبين خصمك على أنه ليس من أمر رسول الله ( وخالفك في اقتضاءه البطلان أو الفساد متمسكاً بما تقرر في الأصول من أنه لا يقتضي ذلك إلا عدم أمر يؤثر عدمه في العدم كالشرط أو وجود أمر يؤثر وجوده في العدم كالمانع فعليك بمنع هذا التخصيص الذي لا دليل عليه إلا مجرد الاصطلاح مسنداً لهذا المنع بما في حديث الباب من العموم المحيط بكل فرد من أفراد الأمور التي ليست من ذلك القبيل قائلاً هذا أمر ليس من أمره وكل أمر ليس من أمره رد فهذا رد وكل رد باطل فهذا باطل فالصلاة مثلاً التي ترك فيها ما كان يفعله رسول الله ( أو فعل فيها ما كان يتركه ليست من أمره فتكون باطلة بنفس هذا الدليل سواء كان ذلك الأمر المفعول أو المتروك مانعاً باصطلاح أهل الأصول أو شرطاً أو غيرهما فليكن منك هذا على ذكر ] (1).
رابعاً : واحتجوا بما ورد عن السلف في ذم البدعة وأنهم قد فهموا من الأحاديث الواردة في ذم البدعة الإطلاق والعموم كقول ابن عمر : [ كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ] وقد مضى .
وقول ابن مسعود :[ اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ] وقد مضى أيضاً ،(1/17)
وقول حذيفة :[ كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله ( فلا تتعبدوها فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً فاتقوا الله يا معشر القرآء وخذوا طريق من كان قبلكم ] وقد مضى أيضاً .
وقول ابن عباس :[ عليك بتقوى الله والاستقامة ، اتبع ولا تبتدع ] وقد مضى أيضاً وغير ذلك من الآثار .
وبناء على ما تقدم فهؤلاء العلماء يرون أن كل بدعة في الدين ضلالة فلا تنقسم البدعة في الدين إلى حسنة وسيئة بل هي قسم واحد وهي البدعة السيئة وأن البدع لا تكون إلا قبيحة مذمومة .
كما أنهم قد استدلوا بأدلة أخرى يطول المقام بذكرها .
المنهج المختار في تعريف البدعة :
بعد إجالة النظر في أقوال العلماء واستعراض أدلتهم التي اعتمدوا عليها مما ذكرته في هذا البحث ومما لم أذكره واطلعت عليه في كتبهم ولم أنقله خشية الإطالة فإني أرجح قول الفريق الثاني من العلماء وهو حصر البدعة في باب العبادات والذي رجح هذا القول عندي ما يلي :
1. إن القول بأن البدعة في الدين تنقسم إلى حسنة وسيئة مما لا أصل له في الشرع فلا دليل عليه من قول الرسول ( فلم يرد لفظ البدعة على لسان رسول الله ( إلا على سبيل الذم .
وأما قول عمر ( : ( نعمت البدعة هذه ) فليس فيه ما يفيد أن لفظ البدعة بمجرده يطلق في الشرع على ما هو حسن وإنما يقصد بقول عمر ( البدعة بمعناها اللغوي فهي التي تنقسم إلى حسنة وسيئة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل فعل ابتداء من غير مثال سابق وأما البدعة الشرعية فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي ] (1).
وقال الإمام الشاطبي مجيباً ومعلقاً على قول عمر نعمت البدعة :[ بأن صلاة التراويح في رمضان جماعة في المسجد فقد قام بها النبي ( واجتمع الناس خلفه .(1/18)
فخرج أبو داود عن أبي ذر قال : ( صمنا مع رسول الله ( رمضان فلم يقم شيئاً من الشهر حتى بقي سبع ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا ؟ فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلنا : يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة ؟ قال ، فقال : إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة . قال : فلما كانت الرابعة لم يقم ، فلما كانت الثالث جمع أهله ونسائه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح . قال ، قلت : وما الفلاح ؟ قال السحور . ثم لم يقم بنا بقية الشهر ) ونحوه في الترمذي وقال فيه: حسن صحيح.
لكنه ( لما خاف افتراضه على الأمة أمسك عن ذلك ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي ( صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس . ثم صلى القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم النبي ( فلما أصبح قال : ( قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إلا أني خشيت أن يفرض عليكم ) وذلك في رمضان وخرجه مالك في الموطأ .
فتأملوا ففي هذا الحديث ما يدل على كونها سنة فإن قيامه أولاً بهم دليل على صحة القيام في المسجد جماعة في رمضان وامتناعه بعد ذلك من الخروج خشية الافتراض لا يدل على امتناعه مطلقاً لأن زمانه كان زمان وحيٍ وتشريع فيمكن أن يوحى إليه إذا عمل به الناس بالإلزام : فلما زالت علة التشريع بموت رسول الله ( رجع الأمر إلى أصله وقد ثبت الجواز فلا ناسخ له .
وإنما لم يقم ذلك أبو بكر( لأحد أمرين : إما لأنه رأى أن قيام الناس آخر الليل وما هم به عليه كان أفضل عنده من جمعهم على إمام أول الليل، ذكره الطرطوشي ، وإما لضيق زمانه ( عن النظر في هذه الفروع مع شغله بأهل الردة وغير ذلك مما هو أوكد من صلاة التراويح .(1/19)
فلما تمهد الإسلام في زمن عمر ( ورأى الناس في المسجد أوزاعاً - كما جاء في الخبر - قال : لو جمعت الناس على قارئ واحد لكان أمثل فلما تم له ذلك نبه على أن قيامهم آخر الليل أفضل ثم اتفق السلف على صحة ذلك وإقراره والأمة لا تجتمع على ضلالة .
وقد نص الأصوليون أن الإجماع لا يكون إلا عن دليل شرعي .
فإن قيل : فقد سماها عمر ( بدعة وحسنها بقوله : نعمت البدعة هذه وإذا ثبت بدعة مستحسنة في الشرع ثبت مطلق الاستحسان في البدع .
فالجواب : إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها
رسول الله ( واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر ( لا أنها بدعة في المعنى فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه ؟ …
لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه فقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها :( إن كان رسول الله ( ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم )] (1).
وقال ابن حجر المكي :[ وقول عمر ( في التراويح نعمت البدعة هي ، أراد البدعة اللغوية وهي ما فعل على غير مثال كما قال تعالى :( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) وليست البدعة شرعاً فإن البدعة الشرعية ضلالة كما قال ( ] (2).
2. قال الشاطبي :[ إن هذا التقسيم - تقسيم البدعة خمسة أقسام - أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي بل هو في نفسه متدافع لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثمَّ بدعة وكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها ... ] (3).
3. إن قول الرسول ( : ( كل بدعة ضلالة ) عام في كل بدعة أحدثت بعده ( للتقرب بها إلى الله عز وجل .(1/20)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ وهؤلاء المعارضون يقولون : ليست كل بدعة ضلالة ، والجواب : أما أن القول :( أن شر الأمور محدثاتها وأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) والتحذير من الأمور المحدثات : فهذا نص رسول الله ( فلا يحل لأحد أن يدفع دلالته على ذم البدع ومن نازع في دلالته فهو مراغم - أي مكابر معاند - وأما المعارضات : فالجواب عنها بأحد جوابين .
إما بأن يقال : ما ثبت حسنه فليس من البدع ، فيبقى العموم محفوظاً لا خصوص فيه .
وإما أن يقال : ما ثبت حسنه فهو مخصوص من هذا العموم فيبقى العموم محفوظاً لا خصوص فيه .
وإما أن يقال : ما ثبت حسنه فهو مخصوص من العموم والعام المخصوص دليل فيما عدا صورة التخصيص ، فمن اعتقد أن بعض البدع مخصوص من هذا العموم احتاج إلى دليل يصلح للتخصيص وإن كان ذلك العموم اللفظي المعنوي موجباً للنهي .
ثم المخصص : هو الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع نصاً واستنباطاً وأما عادة بعض البلاد أو أكثرها وقول كثير من العلماء أو العباد أو أكثرهم ونحو ذلك : فليس مما يصلح أن يكون معارضاً لكلام رسول الله ( حتى يعارض به .(1/21)
ومن اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناء على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا الاعتقاد ، فإنه لم يزل ولا يزال في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المحدثة المخالفة للسنة ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين فكيف بعمل طوائف منهم ؟ وإذا كان أكثر أهل العلم لم يعتمدوا عليهم عمل علماء أهل المدينة وإجماعهم في عصر مالك بل رأوا السنة حجة عليه كما هي حجة على غيرهم مع ما أوتوه من العلم والإيمان فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادت أكثر من اعتادها عامة أو من قيدته العامة أو قوم مترئسون بالجهالة لم يرسخوا في العلم ولا يعدون من أولي الأمر ولا يصلحون للشورى ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل عن غير روية أو لشبهة أحسن أحوالهم فيها : أن يكونوا فيها بمنزلة المجتهدين من الأئمة والصديقين ؟
والاحتجاج بمثل هذه الحجج والجواب عنها معلوم أنه ليس طريقة أهل العلم لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق كثير من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم والدين وقد يبدو لذوي العلم والدين فيها مستند آخر من الأدلة الشرعية والله يعلم أن قوله بها وعلمه لها ليس مستنداً آخر من الأدلة الشرعية وإن كان شبهة وإنما هو مستند إلى أمور ليست مأخوذة عن الله ولا عن رسوله من أنواع المستندات التي يستند إليها غير أولي العلم والإيمان وإنما يذكر الحجة الشرعية حجة على غيره ودفعاً لما يناظره .
والمجادلة المحمودة : إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال وأما إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل : فنوع من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل .(1/22)
وأيضاً فلا يجوز حمل قوله ( : ( كل بدعة ضلالة ) على البدعة التي نهى عنها بخصوصها لأن هذا تعطيل لفائدة هذا الحديث ، فإن ما نهى عنه من الكفر والفسوق وأنواع المعاصي قد علم بذلك النهي ، أنه قبيح محرم سواء كان بدعة أو لم يكن بدعة ، فإذا كان لا منكر في الدين إلا ما نهى عنه بخصوصه سواء كان مفعولاً على عهد رسول الله ( أو لم يكن وما نهى عنه فهو منكر سواء كان بدعة أو لم يكن : صار وصف البدعة عديم التأثير ، لا يدل وجوده على القبح ولا عدمه على الحسن بل يكون قوله : ( كل بدعة ضلالة ) بمنزلة قوله :( كل عادة ضلالة ) أو :( كل ما عليه العرب والعجم فهو ضلالة ) ويراد بذلك : أن ما نهى عنه من ذلك فهو الضلالة .
وهذا تعطيل للنصوص من نوع التحريف والإلحاد ليس من نوع التأويل السائغ وفيه من المفاسد أشياء .
أحدها : سقوط الاعتماد على هذا الحديث فإن ما علم أنه منهى عنه بخصوصه فقد علم حكمه بذلك النهي وما لم يعلم يندرج في هذا الحديث فلا يبقى في هذا الحديث فائدة مع كون النبي ( كان يخطب به في الجمع ويعده من جوامع الكلم .
الثاني : أن لفظ البدعة ومعناها يكون اسماً عديم التأثير فتعليق الحكم بهذا اللفظ أو المعنى تعليق له بما لا تأثير له كسائر الصفات العديمة التأثير .
الثالث : أن الخطاب بمثل هذا إذا لم يقصد إلا الوصف الآخر - وهو كونه منهياً عنه - كتمان لما يجب بيانه وبيان لما لم يقصد ظاهره فإن البدعة والنهي الخاص بينهما عموم وخصوص إذ ليس كل بدعة جاء عنها نهي خاص وليس كل ما جاء فيه نهي خاص بدعة فالتكلم بأحد الاسمين وإرادة الآخر تلبيس محض لا يسوغ للمتكلم إلا أن يكون مدلساً كما لو قال " الأسود " وعنى به الفرس أو " الفرس " وعنى به الأسود .(1/23)
الرابع : أن قوله :( كل بدعة ضلالة وإياكم ومحدثات الأمور ) إذا أراد بهذا ما فيه نهي خاص كان قد أحالهم في معرفة المراد بهذا الحديث على ما لا يكاد يحيط به أحد ولا يحيط بأكثره إلا خواص الأمة ومثل هذا لا يجوز بحال .
الخامس : أنه إذا أريد به ما فيه النهي الخاص كان ذلك أقل مما ليس فيه نهي خاص من البدع فإنك لو تأملت البدع التي نهى عنها بأعيانها وما لم ينه عنها بأعيانها وجدت هذا الضرب هو الأكثر واللفظ العام لا يجوز أن يراد به الصور القليلة أو النادرة .
فهذه الوجوه وغيرها توجب القطع بأن هذا التأويل فاسد لا يجوز حمل الحديث عليه سواء أراد المتأول أن يعضد التأويل بدليل صارف أو لم يعضده فإن على المتأول بيان جواز إرادة المعنى الذي حمل الحديث عليه من ذلك الحديث ثم بيان الدليل الصارف له إلى ذلك .
وهذه الوجوه تمنع جواز إرادة هذا المعنى بالحديث .
فهذا الجواب عن مقامهم الأول .
وأما مقامهم الثاني فيقال : هب أن البدع تنقسم إلى حسن وقبيح فهذا القدر لا يمنع أن يكون هذا الحديث دالاً على قبح الجميع لكن أكثر ما يقال أنه إذا ثبت أن هذا حسن يكون مستثنى من العموم وإلا فالأصل أن كل بدعة ضلالة .
فقد تبين أن الجواب عن كل ما يعارض به من أنه حسن وهو بدعة إما بأنه ليس ببدعة وإما بأنه مخصوص فقد سلمت دلالة الحديث .
وهذا الجواب إنما هو عما ثبت حسنه .
فأما أمور أخرى قد يظن أنها حسنة وليست بحسنة أو أمور يجوز أن تكون حسنة ويجوز أن لا تكون حسنة فلا تصلح المعارضة بها بل يجاب عنها بالجواب المركب .
وهو إن ثبت أن هذا حسن فلا يكون بدعة أو يكون مخصوصاً وإن لم يثبت أنه حسن فهو داخل في العموم .(1/24)
وإذا عرفت أن الجواب عن هذه المعارضة بأحد الجوابين فعلى التقديرين الدلالة من الحديث باقية لا ترد بما ذكروا ولا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله ( الكلية وهي قوله :( كل بدعة ضلالة ) بسلب عمومها وهو أن يقال : ليست كل بدعة ضلالة فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل ] (1).
4. ويضاف إلى ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية أن قول الرسول
( : ( كل بدعة ضلالة ) كلية عامة شاملة مسوَّرة بأقوى أدوات الشمول والعموم " كل " والذي نطق بهذه الكلية وهو الرسول ( يعلم مدلول هذا اللفظ وهو أفصح الخلق وأنصح الخلق للخلق لا يتلفظ إلا بشيء يقصد معناه (2).
5. لا تعارض بين قول النبي ( :( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) رواه مسلم ، وبين قوله( : ( كل بدعة ضلالة ) ، فإنه لا يمكن أن يصدر عن الصادق المصدوق قول يكذب قولاً آخر له ولا يمكن أن يتناقض كلام رسول الله ( أبداً وبيان دفع التعارض بين الحديثين أن الرسول ( يقول :( من سن في الإسلام ) والبدع ليست من الإسلام ، ويقول :( حسنة ) والبدعة ليست بحسنة وفرق بين السن والابتداع .
ويمكن أن يقال إن معنى قوله ( :( من سن ) أي من أحيا سنة كانت موجودة فعدمت فأحياها وعلى هذا فيكون " السن " إضافياً نسبياً كما تكون البدعة إضافية نسبية لمن أحيا سنة بعد أن تركت .(1/25)
ويمكن أن يقال أيضاً إن سبب ورود الحديث :( من سن ) وهو قصة النفر الذين وفدوا على النبي ( وكانوا في حالة شديدة من الضيق فدعا النبي ( إلى التبرع لهم فجاء رجل من الأنصار بصرة من فضة كادت تثقل يده فوضعها بين يدي الرسول ( ، فجعل وجه النبي ( يتهلل من الفرح والسرور وقال :( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) فهنا يكون معنى " السن " سن العمل تنفيذاً وليس سن العمل تشريعاً فصار معنى ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) من عمل بها تنفيذاً لا تشريعاً لأن التشريع ممنوع (1).
وأما الجواب عن تسمية ابن عمر لصلاة الضحى جماعةً بدعة فيقال:( إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المسجد وصلاتها جماعةً لا أنها مخالفة للسنة فصلاة الضحى ثابتة في السنة لا شك في ذلك ولا ريب (2).
إذا تقرر هذا فإن البدعة هي التعبد لله بما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى ولا جاء به الرسول ( ولم يأت عن الخلفاء الراشدين وهذا لا يكون إلا في العقائد والعبادات فالبدعة التي تعد بدعة في الدين هي البدعة في العقيدة أو العبادة قولية أو فعلية كبدعة نفي القدر وبناء المساجد على القبور وإقامة القباب على القبور وقراءة القرآن عندها للأموات والاحتفال بالموالد إحياء لذكرى الصالحين والوجهاء والاستغاثة بغير الله والطواف حول المزارات فهذه وأمثالها كلها ضلال لقول النبي ( : ( إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) لكن منها ما هو شرك أكبر يخرج من الإسلام كالاستغاثة بغير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية والذبح والنذر لغير الله إلى أمثال ذلك مما هو عبادة مختصة بالله ومنها ما هو ذريعة إلى الشرك كالتوسل إلى الله بجاه الصالحين والحلف بغير الله وقول الشخص ما شاء الله وشئت ولا تنقسم البدع في العبادات إلى الأحكام الخمسة كما زعم بعض الناس لعموم الحديث :( كل بدعة ضلالة )] (1).(1/26)
وأما الأمور العادية والدنيوية فالمحدث منها لا يسمى بدعة شرعاً وإن سمي بدعة لغة فلا تعد المحدثات الجديدة بدعاً في الدين مثل الطائرات ووسائل الاتصالات ومكبرات الصوت ... الخ .
وكذلك ما يعد من الوسائل كتعلم العلوم المختلفة كعلم النحو وكذا طبع المصحف وحفظه بوسائل الحفظ الحديثة كالأشرطة المسجلة والحاسوب ونحوها فهذه الوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد فإذا كانت الغايات مشروعة كانت وسائلها المؤدية إليها مشروعة وليست من البدع في شيء.
المبحث الثالث
الأصل في العبادة الاتباع
إن الأصل في باب العبادات هو اتباع الرسول ( بدون زيادة ولا نقصان فليس لأحد مهما كان أن يزيد في العبادة شيئاً ولا أن ينقص منها شيئاً وقد أمر الرسول ( في حديثين صحيحين مشهورين بالالتزام بالعبادة كما فعلها هو عليه الصلاة والسلام .
أولهما : قوله ( :( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وهذا بعض حديث رواه الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن أبي قلابة قال : حدثنا مالك - هو ابن الحويرث ( - قال :( أتينا رسول الله ( ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة وكان رسول الله ( رحيماً رفيقاً فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه . قال : ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ) (1).
فهذا الحديث الصحيح الصريح يقرر هذا الأصل وهو لزوم الاتباع في الصلاة كما كان النبي ( يصلي . فنؤدي الصلاة كما وردت عن رسول ( بلا زيادة ولا نقصان .
ثانيهما : قول الرسول ( :( خذوا عني مناسككم ) وهو حديث صحيح رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم بألفاظ متقاربة (2).(1/27)
روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي الزبير أنه سمع جابراً يقول: ( رأيت النبي ( يرمي على راحلته يوم النحر ويقول : لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ) (1).
قال الإمام النووي في شرحه للحديث : ( وأما قوله ( : ( لتأخذوا مناسككم ) فهذه اللام لام الأمر ومعناه خذوا مناسككم وهكذا وقع في رواية غير مسلم ، وتقديره هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس .
وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله ( :( صلوا كما رأيتموني أصلي )] (2).
ولفظ رواية النسائي :( رأيت رسول الله( يرمي الجمرة وهو على بعيره وهو يقول يا أيها الناس خذوا عني مناسككم فإن لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا ) (3).
فهذان الحديثان يدلان على أن الأصل في العبادات هو التوقيف على رسول الله ( فلا يثبت شيء من العبادات إلا بدليل من الشرع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ وجماع الدين أصلان أن لا يعبد إلا الله ولا نعبده إلا بما شرع لا نعبده بالبدع ، كما قال تعالى : …
( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) (4).
وذلك تحقيق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله ، ففي الأولى : أن لا نعبد إلا إياه .
وفي الثانية : أن محمداً هو رسوله المبلغ فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره وقد بين لنا ما نعبد الله به ونهانا عن محدثات الأمور وأخبر أنها ضلالة ، قال تعالى :( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )] (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً :[ إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان عبادات يصلح بها دينهم وعادت يحتاجون إليها .(1/28)
فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع .
وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى .
وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله والعبادة لا بد أن تكون مأموراً بها فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه محظور ؟ ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون : إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى :…
( أم لهم شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )](2).
وقال العلامة ابن القيم :[ ... ولا دين إلا ما شرعه الله فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر .
والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم .
والفرق بينهما أن الله سبحانه وتعالى لا يعبد إلا بما شرعه على ألسنة رسله فإن العبادة حقه على عباده وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه. وأما العقود والشروط والمعاملات فهو عفو حتى يحرمها .
ولهذا نعى الله سبحانه وتعالى على المشركين مخالفة هذين الأصلين وهو تحريم ما لم يحرمه والتقرب إليه بما لم يشرعه ... ] (1).
ومما يؤيد هذا الأصل ويدل عليه وقوف الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من السلف عند ما حدَّ رسول الله ( فمن ذلك :
1. ما ثبت عن عمر بن الخطاب ( :( أنه قبل الحجر الأسود وقال : إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر ولكني رأيت رسول الله ( يقبلك ) متفق عليه (2).
قال الإمام النووي :[ وأما قول عمر ( :( لقد علمت أنك حجر وإني لأعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع ) فأراد به بيان الحث على الاقتداء برسول الله ( في تقبيله ونبه على أنه لولا الاقتداء به لما فعله .(1/29)
وإنما قال :( وإنك لا تضر ولا تنفع ) لئلا يغتر بعض قريبي العهد بالإسلام الذين كانوا ألفوا عبادة الأحجار وتعظيمها رجاء نفعها وخوف الضرر بالتقصير في تعظيمها وكان العهد قريباً بذلك ، فخاف عمر ( أن يراه بعضهم يقبله ويعتني به فيشتبه عليه فبين أنه لا يضر ولا ينفع بذاته وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع بالجزاء والثواب ... ] (3).
2. وثبت عن عمر ( في حادثة تقبيل الحجر الأسود وما قال فيه أنه قال بعد ذلك :( فما لنا وللرمل ؟ إنما كنا راءينا المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال : شيء صنعه النبي ( فلا نحب أن نتركه ) رواه البخاري(1).
ومعنى قوله ( رائينا ) من الرؤية أي أريناهم بذلك أنا أقوياء قاله الحافظ ابن حجر (2).
وجاء في رواية أخرى عن عمر ( قوله :( فيم الرملان الآن والكشف عن المناكب وقد أظهر الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ؟ ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله ( ) رواه ابن ماجة بنحوه ورواه أحمد(3).
3. وعن يعلى بن أمية قال :( طفت مع عمر بن الخطاب فلما كنت عند الركن الذي يلي الباب مما يلي الحجر أخذت بيده ليستلم فقال : أما طفت مع رسول الله ؟ قلت : بلى . قال : فهل رأيته يستلمه قلت لا ؟ قال : فأبعد عنه فإن لك في رسول الله ( أسوة حسنة ) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الأوسط كما قال الهيثمي ، ورواه البيهقي أيضاً (4).
4. وفي رواية عند الإمام أحمد أن يعلى بن أمية قال :
( طفت مع عثمان ... ) فذكر نحو الحديث السابق ، قال الساعاتي : [ فلعل القصة وقعت ليعلى بن أمية مرتين مرة مع عمر ومرة مع عثمان . ورواه أبو يعلى بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح وسند الإمام أحمد فيه راوٍ لم يسمَّ ] (5).(1/30)
5. وعن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه طاف مع معاوية( بالبيت فجعل معاوية يستلم الأركان كلها فقال له ابن عباس :( لم تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله ( يستلمهما ؟ فقال معاوية : ليس شيء من البيت مهجوراً . فقال ابن عباس : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) فقال معاوية : صدقت ) رواه أحمد والترمذي ، وقال : ( حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن لا يستلم إلا الحجر الأسود والركن اليماني ) ورواه البخاري تعليقاً (1).
قال الشيخ الساعاتي معلقاً على كلام ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم : [ يعني - أي معاوية - أنها كلها أركان البيت فلا نستلم البعض ونترك البعض .
يريد ابن عباس أننا لم نترك استلام الركنين هجراً للبيت ولكننا رأينا رسول الله ( يفعل ذلك ففعلنا مثله ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) فرجع معاوية إلى قول ابن عباس رضي الله عنهم حينما ظهر له الدليل وقال صدقت . وهكذا شأن المؤمن إذ ظهر له الحق وكان مخالفاً لرأيه طرح رأيه واتبع الحق والرجوع إلى الحق فضيلة ] (2).
قال الحافظ ابن حجر :[ وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجوراً بأنا لم ندع استلامهما هجراً للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ؟ ولكن نتبع السنة فعلاً أو تركاً ولو كان ترك استلامهما هجراً لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجراً ولا قائل به ] (1).
6. وعن حذيفة بن اليمان ( قال :( كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله ( فلا تعبدوها فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً فاتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم ) وقد مضى .(1/31)
7. وقد ورد عن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر فقال :[ الحمد لله والسلام على رسول الله . قال ابن عمر : وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله ( ، علمنا أن نقول : الحمد لله على كل حال ] رواه الترمذي والحاكم وقال الحاكم : صحيح الإسناد غريب ووافقه الذهبي وحسنه الشيخ الألباني (2).
8. وورد عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيهما الركوع والسجود فنهاه فقال :[ يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة ؟! قال : لا ولكن يعذبك على خلاف السنة ] رواه البيهقي وعبد الرزاق والخطيب (3).
9. وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال :[ سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله( . فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد . فقال : لا تفعل . قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر . قال : لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة .
فقال : وأي فتنة هذه ؟ إنما هي أميال أزيدها . قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله( ؟ إني سمعت الله يقول : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ] ذكره الخطيب البغدادي والشاطبي (1).
10. قال الشيخ الألباني :[ روى الطبراني بسند صحيح عن طلحة بن مصرف قال :[ زاد ربيع بن خيثم في التشهد وبركاته :" ومغفرته "! فقال علقمة نقف حيث عُلِّمنا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .
وعلقمة تلقى هذا الاتباع من أستاذه عبد الله بن مسعود ( فقد ثبت عنه أن كان يعلم رجلاً التشهد فلما وصل إلى قوله :" أشهد أن لا إله الله " قال الرجل : وحده لا شريك له . فقال عبد الله : هو كذلك ولكن ننتهي إلى ما عُلِّمنا أخرجه الطبراني في الأوسط بسند صحيح ] (2).(1/32)
11. وعن علي ( قال :( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله ( يمسح على ظاهر خفيه ) رواه أبو داود والدارمي وصححه الحافظ ابن حجر والألباني (3).
وبناء على هذا الأصل المهم فإنه يشترط في العبادات الاتباع ولا يجوز الابتداع وحتى يكون الاتباع صحيحاً لا بد أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الأمور الستة التالية : [ الأول : السبب فإذا تعبد الإنسان لله عبادة مقرونة بسبب ليس شرعياً فهي بدعة مردودة على صاحبها مثال ذلك أن بعض الناس يحيي ليلة السابع والعشرين من رجب بحجة أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله ( فالتهجد عبادة ولكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعاً وهذا الوصف -موافقة العبادة للشريعة في السبب- أمر مهم يتبين به ابتداع كثير مما يظن أنه من السنة وليس من السنة .
الثاني : الجنس فلا بد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة مثال ذلك أن يضحي رجل بفرس فلا يصح أضحية لأنه خالف الشريعة في الجنس فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام الإبل ، البقر ، الغنم .
الثالث : القَدْر فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة فنقول : هذه بدعة غير مقبولة لأنها مخالفة للشرع في القدر ومن باب أولى لو أن الإنسان صلى الظهر مثلاً فصلى خمساً فإن صلاته لا تصح بالاتفاق .
الرابع : الكيفية فلو أن رجلاً توضأ فبدأ بغسل رجليه ثم مسح رأسه ثم غسل يديه ثم وجهه فنقول: وضوؤه باطل لأنه مخالف للشرع في الكيفية.(1/33)
الخامس : الزمان فلو أن رجلاً ضحى في أول أيام ذي الحجة فلا تقبل الأضحية لمخالفة الشرع في الزمان وسمعت أن بعض الناس في شهر رمضان يذبحون الغنم تقرباً لله تعالى بالذبح وهذا العمل بدعة على هذا الوجه لأنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إلا الأضحية والهدي والعقيقة أما الذبح في رمضان مع اعتقاد الأجر على الذبح كالذبح في عيد الأضحى فبدعة وأما الذبح لأجل اللحم فهذا جائز .
السادس : المكان فلو أن رجلاً اعتكف في غير مسجد فإن اعتكافه لا يصح وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد ولو قالت إمرأة أريد أن أعتكف في مصلى البيت فلا يصح اعتكافها لمخالفة الشرع في المكان . ومن الأمثلة لو أن رجلاً أراد أن يطوف فوجد المطاف قد ضاق ووجد ما حوله قد ضاق فصار يطوف من وراء المسجد فلا يصح طوافه لأن مكان الطواف البيت ، قال الله تعالى لإبراهيم الخليل :( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )] (1).
فائدة لطيفة : قال الشيخ تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي :[ وجدت بخط الوالد ( -يقصد والده وهو الإمام علي بن عبد الكافي السبكي - : فكرت عند الاضطجاع في قول المضطجع : باسمك اللهم وضعت جنبي وباسمك أرفعه ، فأردت أن أقول : إن شاء الله تعالى ، في " أرفعه " لقوله تعالى :( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) ثم قلت في نفسي : إن ذلك لم يرد في الحديث في هذا الذكر المنقول عند النوم ولو كان مشروعاً لذكره النبي ( الذي أوتي جوامع الكلم فتطلبت فرقاً بينه وبين كل ما يجريه الإنسان من الأمور المستقبلة المستحب فيها ذكر المشيئة .
ولا يقال : إن " أرفعه " حال ليس بمستقبل لأمرين : أحدهما : أن لفظه وإن كان كذلك لكنا نعلم أن رفع جنب المضطجع ليس حال اضطجاعه .(1/34)
والثاني : أن استحباب المشيئة عام فيما ليس بمعلوم الحال أو المضي . وظهر لي أن الأولى الاقتصار على الوارد في الحديث في الذكر عند النوم بغير زيادة وأن ذلك ينبه على القاعدة ويفرق بها بين تقدم الفعل على الجار والمجرور وتأخره عنه فإنك إذا قلت : أرفع جنبي باسم الله كان المعنى بالإخبار الرفع وهو عمدة الكلام وجاء الجار والمجرور بعد ذلك تكملة وإذا قلت : باسم الله أرفع جنبي كان المعنى الإخبار بأن الرفع كائن باسم الله وهو عمدة الكلام .
فافهم هذا السر اللطيف وتأمله في جميع موارد كلام العربية تجده يظهر لك به شرف كلام المصطفى ( وملازمة المحافظة على الأذكار المأثورة عنه عليه أفضل الصلاة والسلام ] (1).
المبحث الرابع
لا يجوز إثبات نوع من العبادات
لدخوله تحت الدليل العام بل لا بد من دليل خاص
وهذه مسألة مهمة ينبغي التنبيه عليها لأن كثيراً من المبتدعين يزعمون أن الدليل العام يؤيد بدعتهم فمثلاً يقولون إن تلاوة القرآن في المآتم
" الختمة " تدخل تحت الأدلة العامة التي تحض على قراءة القرآن الكريم.
ويقولون مثلاً إن الصلاة على النبي( بعد الأذان - كما يفعله كثير من المؤذنين بحيث أنهم يجعلونها جزءً من الأذان - مشروعة لأنها داخله تحت عموم قوله تعالى :( يا أيُها الذَينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (1).
والجواب على هذه المقولة إنه لا بد من دليل خاص للعبادات حتى تكون صحيحة وموافقة لما جاء به النبي( ولا يكفي الاستدلال بعموم الأدلة وكونها داخلة في هذا العموم فمثلاً لو قال شخص عندما رأى المصلين في المسجد يصلون سنة الفجر أشتاتاً في أنحاء المسجد فقال : يا جماعة هلا اجتمعتم وصلينا سنة الفجر في جماعة لأنه صح في الحديث قول النبي ( : ( يد الله على الجماعة ) ، أو لأن النبي ( يقول : ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس أو سبع وعشرين درجة ).(1/35)
فاستدلال هذا الرجل بالأدلة العامة لا يقبل ولا يصح ولا يجوز أن تدخل سنة الفجر في هذه العمومات ولو لم يثبت لدينا أن الرسول ( قال لا تصلوا سنة الفجر في جماعة . حيث لا يوجد لدينا حديث بهذا المعنى ، فصلاة سنة الفجر في جماعة بدعة وإن كان الشرع قد حث على الجماعة وعلى صلاة الجماعة وأن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد (1).
فقد يكون الفعل طاعة وعبادة في وقت ولا يكون كذلك في وقت آخر قال الحافظ ابن رجب الحنبلي :[ وليس ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقاً . فقد رأى النبي( : ( رجلاً قائماً في الشمس فسأل عنه ، فقيل : إنه نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل وأن يصوم فأمره النبي ( أن يقعد ويستظل وأن يتم صومه ) فلم يجعل قيامه وبروزه في الشمس قربة يوفى بنذرهما وقد روى أن ذلك كان في يوم جمعة عند سماع خطبة النبي( وهو على المنبر فنذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ما دام النبي( يخطب إعظاماً لسماع خطبة النبي( ولم يجعل النبي( ذلك قربة يوفى بنذره مع أن القيام عبادة في مواضع أخرى كالصلاة والأذان والدعاء بعرفة والبروز للشمس قربة للمحرم فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل المواطن وإنما يتبع في ذلك كله ما وردت به الشريعة في مواضعها وكذلك من تقرب بعبادة نهى عنها بخصوصها كمن صام يوم العيد أو صلى وقت النهي ] (2).(1/36)
وقال الحافظ المقدسي - أبو شامة - :[ وأما القسم الثاني : الذي يظنه معظم الناس طاعة وقربة إلى الله تعالى وهو بخلاف ذلك أو تركه أفضل من فعله فهذا الذي وضعت هذا الكتاب لأجله وهو ما قد أمر الشرع به في صورة من الصور في زمان مخصوص أو مكان معين كالصوم بالنهار والطواف بالكعبة أو أمر به شخص دون غيره كالذي اختص به النبي( من المباحات والتخفيفات فيقيس الجاهل نفسه عليه فيفعله وهو منهي عن ذلك ويقيس الصور بعضها على بعض ولا يفرق بين الأزمنة والأمكنة ويقع ذلك من بعضهم بسبب الحرص على الآثار من إيقاع العبادات والقرب والطاعات فيحملهم ذلك الحرص على فعلها في أوقات وأماكن نهاهم الشرع عن إيجاد تلك الطاعات فيها .
ومنها ما هو محرم ومنها ما هو مكروه ويورطهم الجهل وتزيين الشيطان في أن يقولوا هذه طاعات قد ثبتت في غير هذه الأوقات فنحن نفعلها أبداً فإن الله تعالى لا يعاقبنا على طاعة قد أمرنا بها وحثنا عليها وندبنا إلى الاستكثار منها وهذا مثل صلواتهم في الأوقات المكروهة للصلاة وهي خمسة أوقات أو ستة معلومة عند الفقهاء . ثبت نهي الشرع عن الصلاة فيها وكصومهم في الأيام المنهي عن الصوم فيها كصوم يومي العيد ويوم الشك وأيام منى التشريق وكوصالهم في الصيام الذي هو من خصائص المصطفى( وقد اشتد نكيره( على من تعاطى ذلك فهؤلاء وأمثالهم متقربون إلى الله تعالى بما لم يشرعه بل نهى عنه :( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ).(1/37)
وما أحسن ما قال ولي الله أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى : ليس لمن ألهم شيئاً من الخير أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر فإذا سمعه من الأثر عمل به وحمد الله تعالى حين وافق ما في قلبه . وقال أيضاً - رحمه الله - : ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياماً فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين : الكتاب والسنة .
وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في كتاب " الإحياء " : من توجه عليه رد وديعة في الحال فقام وتحرم بالصلاة التي هي أقرب القربات إلى الله تعالى عصى به فلا يكفي في كون الشخص مطيعاً كون فعله من جنس الطاعات ما لم يراع فيه الوقت والشرط والترتيب واغتر بعض الجهال المتعلمين منهم بقوله تعالى :( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ). وظن أن هذا يقتضي عموم السجود في جميع الأوقات وان كل سجود على الإطلاق يحصل به القرب من الله تعالى وهو قرب الكرامة واعتضد بما جاء قبل ذلك من التعجيب والإنكار في قوله تعالى :( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى ) وغفل عن أن السجود المقرب إلى الله تعالى هو السجود المأذون فيه وهو المشروع لا كل سجود من حيث الصورة .
والإنكار في الآية وقع على من نهى عن الصلاة المأذون فيها وهي المشروعة فتلك لا ينبغي لأحد أن ينهى عنها أما إذا صلى العبد صلاة قد علمنا نهي الشارع عنها فإنه يجب على كل أحد علم به نهيه عنها فإن الشارع هو الذي نهاه وقد ثبت : ( أن النبي( نهى عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ) أخرجاه في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
وقال عقبة بن عامر :( ثلاث ساعات كان رسول الله( ينهى أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيّف الشمس للغروب حتى تغرب ) أخرجه مسلم .(1/38)
وفيه من حديث أبي هريرة( قال : ( قال رسول الله( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ) زاد بعض الرواة -وليس في كتاب مسلم-( قيل : يا رسول الله : ولا ركعتي الفجر ، قال : ولا ركعتي الفجر ).
وفي رواية أن رجلاً قال :( يا رسول الله ! أي من ساعات الليل والنهار تأمرني أن لا أصلي فيها ؟ فقال : نعم إذا صليت الصبح فأقصر عن الصلاة ... ) الحديث ، وهو في السنن الكبير .
وفيه وفي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها :( أن النبي( كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال ) .
وفي صحيح البخاري وغيره أن عمر بن الخطاب ( كان :( ينهى عن الركعتين بعد العصر ويضرب الناس عليهما ! وقال ابن عباس : كنت أضرب الناس مع ابن الخطاب رضي الله عنهما عليهما ) .
وقال أيضاً : ( كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة فجذبني النبي( وقال : أتصلي الصبح أربع ).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما :( أنه رأى رجلاً يصلي بعد الجمعة ركعتين في مقامه فدفعه ). وفي رواية :( أنه أبصر رجلاً يصلي ركعتين في مقامه فدفعه ).
وفي رواية :( أنه أبصر رجلاً يصلي الركعتين والمؤذن يقيم فحصبه وقال: أتصلي الصبح أربعاً ) أخرجهن البيهقي في السنن الكبير .
وقد جاء في الصحيح هذا اللفظ مرفوعاً من حديث عبد الله بن مالك بن بجينة .
قال البيهقي : روينا عن عمر بن الخطاب ( أنه كان إذا رأى رجلاً يصلي وهو يسمع الإقامة ضربه .(1/39)
قلت : أيجوز لمسلم أن يسمع هذه الأحاديث والآثار ثم يقول : إن النبي ( نهى الناس عن الصلاة من حيث هي صلاة وإن عمر وابن عباس رضي الله عنهما داخلان تحت قوله :( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى ) وأن يقال لهما جواباً عن نهيهما : ( كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) فكذلك كل من نهى عما نهى الشرع عنه لا يقال له ذلك ولا يستحسنه من قائله ويسطره متبجحاً به إلا جاهل محرف لكتاب الله تعالى مبدل لكلامه قد سلبه الله تعالى لذة فهم مراده من وحيه وإن كان هذا من أوضح المواضع فكيف مما يدق معانيه وتلطف إشاراته !! ورده على الناهي عن ذلك ممتثلاً بقوله تعالى :( كَلَّا لَا تُطِعْهُ) يتضمن الرد على رسول الله ( فإنه هو الذي نهى وأمرنا بإنكار المنكر والله حسيب من افترى .
اللهم اجعلنا ممن يدخل في عموم ما روي عن رسولك ( مرسلاً ومرفوعاً من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وغيرهما :( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين )] (1).
ونقل السيوطي كلام أبي شامة المقدسي في كتابه الأمر بالاتباع وأقره عليه (2).
وقال الحافظ تقي الدين بن دقيق العيد :[ وقد اختلفت الأحاديث في أعداد ركعات الرواتب فعلاً وقولاً ، واختلفت مذاهب الفقهاء في الاختيار لتلك الأعداد والرواتب ، والمروي عن مالك : أنه لا توقيت في ذلك . قال ابن القاسم صاحبه : وإنما يوقت في هذا أهل العراق .(1/40)
والحق - والله أعلم - في هذا الباب - أعني ما ورد فيه أحاديث بالنسبة إلى التطوعات والنوافل المرسلة - أن كل حديث صحيح دل على استحباب عدد من هذه الأعداد أو هيئة من الهيئات أو نافلة من النوافل : يعمل به في استحبابه . ثم تختلف مراتب ذلك المستحب . فما كان الدليل دالاً على تأكده - إما بملازمته فعلاً أو بكثرة فعله وإما بقوة دلالة اللفظ على تأكد حكمه وإما بمعاضدة حديث آخر له أو أحاديث فيه - تعلو مرتبته في الاستحباب . وما يقصر عن ذلك كان بعده في المرتبة . وما ورد فيه حديث لا ينتهي إلى الصحة فإذا كان حسناً عمل به إن لم يعارضه صحيح أقوى منه ، وكانت مرتبته ناقصة عن هذه المرتبة الثانية أعني الصحيح الذي لم يدم عليه أو لم يؤكد اللفظ في طلبه . وما كان ضعيفاً لا يدخل في حيز الموضوع فإن أحدث شعاراً في الدين : منع منه . وإن لم يحدث فهو محل نظر يحتمل أن يقال : إنه مستحب لدخوله تحت العمومات المقتضية لفعل الخير واستحباب الصلاة ويحتمل أن يقال : إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة والفعل المخصوص : يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه وهذا أقرب والله أعلم .
وهاهنا تنبيهات :
الأولى : أنا حيث قلنا في الحديث الضعيف : إنه يحتمل أن يعمل به لدخوله تحت العمومات فشرطه : أن لا يقوم دليل على المنع منه أخص من تلك العمومات مثاله : الصلاة المذكورة في أول ليلة جمعة من رجب : لم يصح فيه الحديث ولا حسن فمن أراد فعلها - إدراجاً لها تحت العمومات الدالة على فضل الصلاة والتسبيحات - لم يستقم لأنه قد صح أن النبي ( :( نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام ) وهذا أخص من العموميات الدالة على فضيلة مطلق الصلاة .(1/41)
الثاني : أن هذا الاحتمال الذي قلناه - من جواز إدراجه تحت العمومات - نريد به في الفعل لا في الحكم باستحباب ذلك الشيء المخصوص بهيئته الخاصة ، لأن الحكم باستحبابه على تلك الهيئة الخاصة : يحتاج دليلاً شرعياً عليه ولا بد ، بخلاف ما إذا فعل بناء على أنه من جملة الخيرات التي لا تختص بذلك الوقت ولا بتلك الهيئة. فهذا هو الذي قلنا باحتماله .
الثالث : قد منعنا إحداث ما هو شعار في الدين . ومثاله : ما أحدثته الروافض من عيد ثالث سموه عيد الغدير . وكذلك الاجتماع وإقامة شعاره في وقت مخصوص على شيء مخصوص لم يثبت شرعاً وقريب من ذلك : أن تكون العبادة من جهة الشرع مرتبة وجه مخصوص فيريد بعض الناس : أن يحدث فيها أمراً آخر لم يرد به الشرع زاعماً أنه يدرجه تحت عموم . فهذا لا يستقيم . لأن الغالب على العبادات التعبد ومأخذها التوقيف . وهذه الصورة : حيث لا يدل دليل على كراهة ذلك المحدث أو منعه. فأما إذا دل فهو أقوى في المنع وأظهر من الأول. ولعل مثال ذلك ، ما ورد في رفع اليدين في القنوت فإنه قد صح رفع اليد في الدعاء مطلقاً فقال بعض الفقهاء : يرفع اليد في القنوت لأنه دعاء . فيندرج تحت الدليل المقتضي لاستحباب رفع اليد في الدعاء وقال غيره : يكره لأن الغالب على هيئة العبادة التعبد والتوقيف . والصلاة تصان عن زيادة عمل غير مشروع فيها فإذا لم يثبت الحديث في رفع اليد في القنوت : كان الدليل الدال على صيانة الصلاة عن العمل الذي لم يشرع : أخص من الدليل الدال على رفع اليد في الدعاء .(1/42)
... والتباين في هذا يرجع إلى الحرف الذي ذكرناه وهو إدراج الشيء المخصوص تحت العمومات أو طلب دليل خاص على ذلك الشيء الخاص. وميل المالكية إلى هذا الثاني . وقد ورد عن السلف الصالح ما يؤيده في مواضع ألا ترى أن ابن عمر رضي الله عنهما قال في صلاة الضحى : ( إنها بدعة ) لأنه لم يثبت عنده فيها دليل . ولم ير إدراجها تحت عمومات الصلاة لتخصيصها بالوقت المخصوص . وكذلك قال في القنوت الذي كان يفعله الناس في عصره :( إنه بدعة ) ولم ير إدراجه تحت عمومات الدعاء . وكذلك ما روى الترمذي من قول عبد الله بن مغفل لابنه في الجهر بالبسلمة :( إياك والحدث ) ولم ير إدراجه تحت دليل عام وكذلك ما جاء عن ابن مسعود ( فيما أخرجه الطبراني في معجمه بسنده عن قيس بن أبي حازم ، قال :( ذكر لابن مسعود قاص يجلس بالليل ويقول للناس : قولوا كذا وقولوا كذا ، فقال : إذا رأيتموه فأخبروني . قال : فأخبروه . فأتاه ابن مسعود متقنعاً . فقال : من عرفني فقد عرفني . ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود . تعلمون أنكم لأهدى من محمد ( وأصحابه يعني أو إنكم لمتعلقون بذنب ضلالة ) وفي رواية : ( لقد جئتم ببدعة ظلماء أو لقد فضلتم أصحاب محمد( علماً ) ، فهذا ابن مسعود أنكر هذا الفعل مع إمكان إدراجه تحت عموم فضيلة الذكر على أن ما حكيناه في القنوت والجهر بالبسملة من باب الزيادة في العبادات ] (1).
المبحث الخامس
تقسيم السنة النبوية إلى فعلية وتركية
وأثر الجهل بهذا الأصل في الابتداع
من المعلوم عند الأصوليين أن السنة النبوية هي : ما ثبت عن الرسول ( من قول أو فعل أو تقرير .
وأفعال الرسول ( جزء من السنة النبوية باعتبارها مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي وأفعال الرسول ( على أقسام :
منها الأفعال الجبلية التي صدرت عن الرسول عليه الصلاة والسلام بمقتضى خلقته وجبلته وطبيعته كلباسه وقعوده ونومه فهذه وأمثالها لا يجب على الأمة اتباعها .(1/43)
ومن الأفعال ما كان خاصاً به ( كزواجه أكثر من أربعٍ من النساء فهذه لا تشاركه فيها الأمة بالاتفاق .
ومن الأفعال التي صدرت عنه ما كان بياناً لمجمل كبيانه للصلاة والصيام والزكاة فهذا بالاتفاق بين أهل العلم يكون البيان تابعاً للمُبَين في الحكم من وجوب أو ندب أو إباحة .
والأفعال التي صدرت عن الرسول ( وعلمت صفة الفعل فجمهور العلماء على الاقتداء به على تلك الصفة فإن كان الفعل واجباً فالاقتداء به واجب وإن كان مندوباً فالاقتداء به مندوب وإن كان مباحاً فالاقتداء به مباحٌ .
وأما الأفعال التي صدرت عن الرسول ( وجهلت صفة حكمها أواجبة هي أو مندوبة أو مباحة فهي محل خلاف عند الأصوليين (1).
وهناك أفعال تركها الرسول( ولم يفعلها وهذه على نوعين :
الأول : أفعال تركها الرسول( لعدم توفر الدواعي لفعلها كجمع المصحف وتضمين الصناع ونحوها قال الشاطبي :[ أحدهما أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب يقدر لأجله كالنوازل التي حدثت بعد رسول الله ( فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها . وما أحدثه السلف الصالح راجع إلى هذا القسم كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع وما أشبه ذلك مما لم يجر له ذكر في زمن رسول الله ( ولم تكن من نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها . فهذا القسم جارية فروعه على أصوله المقررة شرعاً بلا إشكال فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل ] (1).
والثاني : أفعال تركها الرسول( مع توفر الدواعي لفعلها ومع ذلك لم يفعلها فدل على أن المشروع فيها هو الترك لا الفعل كترك الأذان للعيدين وتركه صلاة ليلة النصف من شعبان وتركه التلفظ بالنية وتركه أن يقول للمأمومين قبل بدء الصلاة استحضروا النية وغير ذلك .
قال الشوكاني :[ تركه ( للشيء كفعله له في التأسي به فيه ].(1/44)
وقال ابن السمعاني :[ إذا ترك الرسول( شيئاً وجب علينا متابعته فيه ألا ترى أنه ( لما ُقدم إليه الضب فأمسك عنه وترك أكله أمسك الصحابة وتركوه إلى أن قال لهم : إنه ليس بأرض قومي فأجدني أعافه وأذن لهم في أكله وهكذا تركه( لصلاة الليل جماعة خشية أن تكتب على الأمة ] (2).
وقال الشاطبي ما ملخصه :[ إن سكوت الشارع عن الحكم الخاص أو تركه أمراً وموجبه المقتضي له قائم وسببه في زمان الوحي موجود ولم يحدد فيه الشارع أمراً زائداً على ما كان من الدين فهذا القسم باعتبار خصوصه هو البدعة المذمومة شرعاً لأنه لما كان الموجب لشريعة الحكم موجود ثم لم يشرع كان صريحاً في أن الزائد على ما ثبت هنالك بدعة مخالفة لقصد الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حدّ هنالك بلا زيادة ولا نقصان منه ] (1).
قال الشيخ الألباني :[ ومن المقرر عند ذوي التحقيق من أهل العلم أن كل عبادة مزعومة لم يشرعها لنا رسول الله بقوله ولم يتقرب هو بها إلى الله بفعله فهي مخالفة لسنته، لأن السنة على قسمين : سنة فعلية وسنة تركية، فما تركه ( من تلك العبادات فمن السنة تركها ، ألا ترى مثلاً أن الأذان للعيدين ودفن الميت مع كونه ذكراً وتعظيماً لله عز وجل لم يجز التقرب به إلى الله عز وجل ، وما ذلك إلا لكونه سنة تركها رسول الله( وقد فهم هذا المعنى أصحابه ( فكثر عنه التحذير من البدع تحذيراً عاماً كما هو مذكور في موضعه حتى قال حذيفة بن اليمان ( :( كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله ( فلا تعبدوها ) وقال ابن مسعود( : ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ، عليكم بالأمر العتيق )] (2).
وقال العلامة القسطلاني :[ وتركه ( سنة كما أن فعله سنة فليس لنا أن نسوي بين فعله وتركه فنأتي من القول في الموضع الذي تركه بنظير ما أتى به في الموضع الذي فعله ] (3).(1/45)
وقال ابن النجار الحنبلي :[ التأسي برسول الله ( فعلك كما فعل لأجل أنه فعل وأما التآسي في الترك فهو أن تترك ما ترك لأجل أنه ترك ] (1).
وقال العلامة ابن القيم :[ فصل نقل الصحابة ما تركه ( وأما نقلهم لتركه ( فهو نوعان وكلاهما سنة . أحدهما : تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله ، كقوله في شهداء أحد : ولم يغسلهم ولم يصل عليهم . وقوله في صلاة العيد : لم يكن أذان ولا إقامة ولا نداء . وقوله في جمعه بين الصلاتين : ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة منهما . ونظائره .
والثاني : عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله فحيث لم ينقله واحد منهم البتة ولا حدث به في مجمع أبداً علم أنه لم يكن وهذا كتركه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة أو تركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين وهم يؤمنون على دعائه دائماً بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات وتركه رفع يديه كل يوم في صلاة الصبح بعد رفع رأسه من الركوع الثانية ، وقوله : اللهم اهدنا فيمن هديت . يجهر بها ويقول المأمومون كلهم : آمين . ومن الممتنع أن يفعل ذلك ولا ينقله عنه صغير ولا كبير ولا رجل ولا امرأة البتة وهو مواظب عليه هذه المواظبة لا يخل به يوماً واحداً وتركه الاغتسال للمبيت بمزدلفة ولرمي الجمار ولطواف الزيارة ولصلاة الاستسقاء والكسوف .
ومن هاهنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة فإن تركه( سنة كما أن فعله سنة فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا ترك ما فعله ولا فرق .
فإن قيل : من أين لكم أنه لم يفعله وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم ؟(1/46)
فهذا سؤال بعيد جداً عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه ولو صح هذا السؤال وقبل لاستحب لنا مستحب الأذان للتراويح وقال : من أين لكم أنه لم ينقل ؟ واستحب لنا مستحب آخر الغسل لكل صلاة ، وقال : من أين لكم أنه لم ينقل ؟ واستحب لنا مستحب آخر النداء بعد الأذان للصلاة يرحمكم الله ورفع بها صوته وقال : من أين لكم أنه لم ينقل ؟
واستحب لنا آخر لبس السواد والطرحة للخطيب وخروجه بالشاويش يصيح بين يديه . ورفع المؤذنين أصواتهم كلما ذكر الله واسم رسوله جماعة وفرادى وقال : من أين لكم أن هذا لم ينقل ؟ واستحب لنا آخر صلاة ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب وقال : من أين لكم أن إحياءهما لم ينقل ؟ وانفتح باب البدعة وقال كل من دعا إلى بدعة من أين لكم أن هذا لم ينقل ؟] (1).
وقال الشاطبي :[ والثاني أن يسكت عنه وموجبه المقتضي له قائم فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان فهذا الضرب السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجوداً ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه كان ذلك صريحاً في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ومخالفة لما قصده الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه ] (2).(1/47)
وقال الشاطبي أيضاً :[ وتقرير السؤال أن يقال في البدع مثلاً إنها فعل ما سكت الشارع عن فعله أو ترك ما أذن في فعله ، أو تقول : فعل ما سكت الشارع عن الأذن فيه أو ترك ما أذن في فعله أو أمر خارج عن ذلك . فالأول كسجود الشكر عند مالك حيث لم يكن ثم دليل على فعله والدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلوات والاجتماع للدعاء بعد العصر يوم عرفه في غير عرفات والثاني كالصيام مع ترك الكلام ومجاهدة النفس بترك مأكولات معينة والثالث كإيجاب شهرين متتابعين في الظهار لواجد الرقبة . وهذا الثالث مخالف للنص الشرعي فلا يصح بحال فكونه بدعة قبيحة بيّن.
وأما الضربان الأولان وهما في الحقيقة فعل أو ترك لما سكت الشارع عن فعله أو تركه فمن أين يعلم مخالفتهما لقصد الشارع أو أنهما مما يخالف المشروع ؟ وهما لم يتواردا مع المشروع على محل واحد بل هما في المعنى كالمصالح المرسلة والبدع إنما أحدثت لمصالح يدعيها أهلها ويزعمون أنها غير مخالفة لقصد الشارع ولا لوضع الأعمال أما القصد فمسلم بالفرض وأما الفعل فلم يشرع الشارع فعلاً نوقض بهذا العمل المحدث ولا تركاً لشيء فعله هذا المحدث كترك الصلاة وشرب الخمر بل حقيقته أنه أمر مسكوت عنه عند الشارع والمسكوت من الشارع لا يقتضي مخالفة ولا يفهم للشارع قصداً معيناً دون ضده وخلافه فإذا كان كذلك رجعنا إلى النظر في وجوه المصالح فما وجدنا فيه مصلحة قبلناه إعمالاً للمصالح المرسلة وما وجدنا فيه مفسدة تركناه إعمالاً للمصالح أيضاً وما لم نجد فيه هذا ولا هذا فهو كسائر المباحات إعمالاً للمصالح المرسلة أيضاً .
فالحاصل أن كل محدثة يفرض ذمها تساوي المحدثة المحمودة في المعنى فما وجه ذم هذه ومدح هذه ؟ ولا نص يدل على مدح ولا ذم على الخصوص .(1/48)
وتقرير الجواب ما ذكره مالك وأن السكوت عن حكم الفعل أو الترك هنا - إذا وجد المعنى المقتضي للفعل أو الترك إجماع من كل ساكت على أن لا زائد على ما كان . وهو غاية في هذا المعنى قال ابن رشد : الوجه في ذلك أنه لم يره مما شرع في الدين - يعني سجود الشكر - لا فرضاً ولا نفلاً إذ لم يأمر بذلك النبي ( ولا فعله ولا أجمع المسلمون على اختيار فعله والشرائع لا تثبت إلا من أحد هذه الوجوه قال : واستدلاله على أن رسول الله ( لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن ذلك لو كان لنقل ، صحيح إذ لا يصح أن تتوفر دواعي المسلمين على ترك نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمروا بالتبليغ ، قال : وهذا أصل من الأصول ... وهو أصل صحيح إذا اعتبر وضح به الفرق بين ما هو من البدع وما ليس منها ودل على أن وجود المعنى المقتضى مع عدم التشريع دليل على قصد الشارع إلى عدم الزيادة على ما كان موجوداً قبل ، فإذا زاد الزائد ظهر أنه مخالف لقصد الشارع فبطل (1).
ومن أوضح الأمثلة التي ساقها شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا القسم وهو ما تركه النبي ( مع قيام المقتضى له الأذان للعيدين فينبغي تركه وإن كان فيه مصلحة ظاهرة وهي دعوة الناس للصلاة وإعلامهم بها فهو غير مشروع ما دام أن النبي ( قد تركه رغم دخوله تحت بعض العمومات كما وضحه شيخ الإسلام بقوله :[ الأذان في العيدين فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء أنكره المسلمون لأنه بدعة فلو لم يكن كونه بدعه دليلاً على كراهته وإلا لقيل هذا ذكر لله ودعاء للخلق إلى عبادة الله فيدخل في العمومات كقوله تعالى :( اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) وقوله تعالى :( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) أو يقاس على الأذان في الجمعة فإن الاستدلال على حسن الأذان في العيدين أقوى من الاستدلال على حسن أكبر البدع بل يقال : ترك رسول الله( له مع وجود ما يعتقد مقتضياً وزوال المانع سنة كما أن فعله سنة .(1/49)
فلما أمر بالأذان في الجمعة وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة كان ترك الأذان فيهما سنة فليس لأحد أن يزيد في ذلك بل الزيادة في ذلك كالزيادة في أعداد الصلاة وأعداد الركعات أو الحج فإن رجلاً لو أحب أن يصلي الظهر خمس ركعات وقال : هذا زيادة عمل صالح لم يكن له ذلك ... وليس له أن يقول : هذه بدعة حسنة ، بل يقال له : كل بدعة ضلالة ونحن نعلم أن هذا ضلالة قبل أن نعلم نهياً خاصاً عنها أو أن نعلم ما فيها من المفسدة .
فهذا مثال لما حدث مع قيام المقتضى له وزوال المانع لو كان خيراً ، فإن كل ما يبديه المحدث لهذا من المصلحة أو يستدل به من الأدلة قد كان ثابتاً على عهد رسول الله ( ومع هذا لم يفعله رسول الله ( فهذا الترك سنة خاصة مقدمة على كل عموم وكل قياس .
ومثال ما حدثت الحاجة إليه من البدعة بتفريط من الناس تقديم الخطبة على الصلاة في العيدين فإنه لما فعله بعض الأمراء أنكره المسلمون لأنه بدعة واعتذار من أحدثه بأن الناس قد صاروا ينفضون قبل سماع الخطبة وكانوا على عهد رسول الله( لا ينفضون حتى يسمعوا أو أكثرهم فيقال له : سبب هذا تفريطك فإن النبي( كان يخطبهم خطبة يقصد بها نفعهم وتبليغهم وهدايتهم وأنت تقصد إقامة رياستك وإن قصدت صلاح دينهم فلست تعلمهم ما ينفعهم فهذه المعصية منك لا تبيح لك إحداث معصية أخرى بل الطريق في ذلك أن تتوب إلى الله وتتبع سنة نبيه وقد استقام الأمر وإن لم يستقم فلا يسألك الله عز وجل إلا عن عملك لا عن عملهم .
وهذان المعنيان من فهمهما انحل عنه كثير من شبه البدع الحادثة ) (1).(1/50)
إن الجهل بهذا الأصل المهم أوقع كثيراً من الناس في البدع فانظر إلى البدع التي يفعلها الناس اليوم ترى أن النبي ( قد تركها مع أن الدواعي لفعلها كانت موجودة على عهد النبي ( فانظر إلى تلفظ كثير من المصلين بالنية فتسمع الواحد منهم يقول بصوت مرتفع : نويت أن أصلي أربع ركعات فرض صلاة الظهر مقتدياً ... الخ ولم يؤثر مثل ذلك عن الرسول ( ولا علمه لأحد من أصحابه كما في حديث المسيء صلاته حيث قال له النبي ( إذا قمت إلى الصلاة فكبر ..الخ رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح . ولم يقل قل نويت أن أصلي كذا وكذا فلو كان ذلك مشروعاً لعلمه النبي ( لذلك الرجل فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم عند الأصوليين .
وكذلك قراءة القرآن الكريم على القبور رحمة بالميت تركه رسول الله ( مع قيام المقتضي للفعل وهو الشفقة على الميت وعدم المانع منه فتركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة .
وكيف يعقل أن يترك الرسول ( شيئاً نافعاً يعود على أمته بالرحمة ؟ وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم . فهل يعقل أن يكون هذا باباً من أبواب الرحمة ويتركه الرسول ( طوال حياته ولا يقرأ على ميت مرة واحدة ؟
وكذلك الاحتفال بمولده ( تركه ولم يفعله وكذا تركه الصحابة الأجلاء مع توفر الدواعي لفعله فإن يوم ميلاده كان يتكرر كل عام ومع ذلك لم يحتفل رسول الله ( بمولده ولا أمر أحداً من الصحابة بالاحتفال بذكرى مولده كما أمرهم بالصلاة والسلام عليه كما هو معروف فدل تركه ذلك على أن الاحتفال بمولده غير مشروع .
إذ لو كان الاحتفال بالمولد مشروعاً لبينه رسول الله( ولفعله .
ولو كان الاحتفال بمولده( مشروعاً لسبقنا إليه الصحابة رضي الله عنهم فوالله لقد كانوا أشد حباً لرسول الله( وأكثر أدباً مع رسول الله( من المسلمين الذين يحتفلون بالمولد .(1/51)
ثم إن بدعة الاحتفال بالمولد حدثت بعد مئات السنين على الإسلام فأين كان المسلمون طوال هذه السنوات الطويلة ؟ فقد قيل إن أول من احتفل بالمولد هو صاحب إربل الملك العظيم مظفر الدين كوكبرى الذي توفي سنة 630 هجري .
والسؤال أين كان العلماء والعباد والمسلمون طوال ستمائة عام ؟ لماذا لم يحتفلوا بالمولد ؟ وأين كان أهل القرون الثلاثة الأولى ؟ وقد شهد لهم رسول الله ( بالخيرية في قوله : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذي يلونهم ) رواه البخاري ومسلم واللفظ له (1).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي :[ ... فأما ما اتفق السلف على تركه فلا يجوز العمل به لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يعمل ] (2).
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز لأحد أن يأتي بعبادة لم يفعلها رسول الله( وأصحابه كما قال حذيفة : ( كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله ( فلا تعبدوها ) ومعنى كلام حذيفة( أي لا تتقربوا بها إلى الله عز وجل ذلك لأنها ليست عبادة أنتم تظنونها عبادة ولكن الدليل على أنها ليست عبادة لأنها لو كانت عبادة لجاء بها رسول الله( (3).
المبحث السادس
تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية
قسم الإمام الشاطبي البدعة إلى قسمين :
الأول : البدعة الحقيقية .
الثاني : البدعة الإضافية .
أما البدعة الحقيقية فهي التي لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم لا في الجملة ولا في التفصيل (1).
فالابتداع في البدعة الحقيقية من جميع وجوهها فهي بدعة محضة ليست فيها جهة تندمج بها في السنة فهي خارجة عن الشرع من كل وجه (2).
ومن أمثلة البدعة الحقيقية :
1. اختراع عبادة ما أنزل الله بها من سلطان مثل الطواف بمقامات الأولياء والصالحين كما يزعم الزاعمون .(1/52)
فإن الطواف المشروع في الإسلام هو الطواف بالكعبة المعظمة فقط لأنه الذي قامت عليه الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله( فلذا فإن طواف بعض الجهلة من العوام بمسجد قبة الصخرة باطل شرعاً .
وقد رأيت بعض النساء يطفن بمسجد قبة الصخرة في يوم جمعة من شهر رمضان في إحدى السنوات وهذا منكر عظيم ويبدو أنه وجد منذ عهد بعيد حيث ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن من البدع المحدثة والمنكرة الطواف بالصخرة فقال :[ ... ثم فيه أيضاً مضاهاة للحج إلى المسجد الحرام وتشبيه له بالكعبة ولهذا قد أفضى إلى ما لا يشك مسلم في أنه شريعة أخرى غير شريعة الإسلام وهو ما قد يفعله بعض الضلال من الطواف بالصخرة ... ] (1).
2. ما زعمه الدجالون من المتصوفة من القول بسقوط التكاليف الشرعية عند الوصول إلى مرتبة معينة من مراتب التصوف فلا تجب عليهم صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج . وتباح لهم المحرمات كالزنا واللواط وشرب الخمر وغيرها (2).
وهذا كله من الدجل والخرافات والأباطيل ومن تلبيس إبليس على هؤلاء الضالين المضلين .
3. بناء الأضرحة والنصب على القبور كما يشاهد الآن من إقامة نصب للشهداء فيبنون على القبر بناءً مرتفعاً بالحجارة والرخام على أشكال مختلفة ويكتبون عليه الآيات القرآنية بالخط المذهب الجميل ويجعلون حول هذه الأضرحة الهياكل المعدنية على أشكال القباب ونحوها .
وكل ذلك غير مشروع لما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال : [ قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ( أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته] رواه مسلم (3).(1/53)
4. تحريم الحلال أو تحليل الحرام اعتماداً على شبهات واهية ضعيفة فمن تحريم الحلال ما جاء في الحديث عن عبد الله بن عباس أن رجلاً أتى النبي ( فقال : ( يا رسول الله إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمت عليَّ اللحم فأنزل الله :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ) ) (1). رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب . وقال الشيخ الألباني : صحيح (2).
ومن تحليل الحرام ما يقوله أدعياء العلم من علماء السلاطين من اعتبار فوائد البنوك الربوية من الحلال ضاربين بعرض الحائط النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله( الواردة في تحريم الربا (3).
وأما البدعة الإضافية فهي التي لها شائبتان إحدهما لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة والأخرى ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية فلما كان العمل الذي له شائبتان لم يتخلص لأحد الطرفين وضعنا له هذه التسمية وهي البدعة الإضافية أي أنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنة لأنها مستندة إلى دليل وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل أو غير مستندة إلى شيء .
والفرق بينهما من جهة المعنى أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها مع أنها محتاجة إليه لأن الغالب وقوعها في التعبديات لا في العاديات المحضة (4).
وخلاصة قول الإمام الشاطبي في البدعة الإضافية أن الأمر يكون مشروعاً في الأصل وقامت الأدلة على مشروعيته ولكن الكيفية أو الهيئة التي يؤدى بها ليست مشروعة فمن هنا سميت هذه البدعة إضافية لأنها لم تتخلص لأحد الطرفين المخالفة الصريحة أو الموافقة الصريحة (1).
ومن الأمثلة على البدعة الإضافية ما يلي :(1/54)
1. الأذان للعيدين ولصلاة الكسوف فالأذان في أصله مشروع ولكن الأذان للعيدين والكسوف لم يثبت عن الرسول( .
2. ومن ذلك تخصيص الأيام الفاضلة بأنواع من العبادات التي لم تشرع لها تخصيصاً كتخصيص اليوم الفلاني بكذا وكذا من الركعات أو بصدقة كذا أو كذا أو الليلة الفلانية بقيام كذا وكذا ركعة أو بختم القرآن فيها أو ما أشبه ذلك (2).
3. ختم الصلاة على الهيئة المعروفة التي يفعلها كثير من الأئمة فإنه من جهة كونه قرآناً وذكراً ودعاءً مشروع ومن جهة ما عرض له من رفع الصوت في المسجد ومن جهة كونه لم يفعله الرسول( غير مشروع (3).
4. الصلاة والسلام على النبي( بعد الأذان بحيث تجعل جزءً من الأذان كما هو المعهود في كثير من المساجد فمن جهة فالصلاة والسلام على رسول الله ( مشروعان ثابتان . ومن جهة أخرى من حيث جعلهما جزءً من الأذان غير مشروعين . ولذا قال الشيخ ابن حجر المكي لما سئل عن الصلاة والسلام على النبي( بعد الأذان كما يفعله المؤذنون اليوم فأجاب بأن الأصل سنة والكيفية بدعة (4) كما سيأتي تفصيل كلامه في الفصل الثاني .
5. رفع الصوت بالأذكار في الجنازة فالذكر من حيث الأصل مشروع وثابت ولكن باعتبار ما عرض له أنه في الجنازة مخالف لهدي المصطفى ( لأن السنة في الجنازة المشي بصمت وسكوت للتفكر في حال الموت .(1/55)
6. تخصيص زمان معين بعبادة معينة والمداومة على ذلك ، فإن ذلك بدعة إضافية ومثاله ما ورد عن أبي البختري قال : أخبر رجل ابن مسعود ( أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب فيهم رجل يقول :[ كبروا الله كذا وسبحوا الله كذا وكذا واحمدوه كذا وكذا . قال عبد الله : فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فأخبرني بمجلسهم ، فلما جلسوا أتاه الرجل فأخبره فجاء عبد الله بن مسعود فقال : والذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلماً أو قد فضلتم أصحاب محمد( علماً. فقال عمرو بن عتبة : نستغفر الله . فقال : عليكم الطريق فالزموه ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً ] رواه عبد الرزاق والدارمي بإسناد جيد وهو أثر صحيح بمجموع طرقه (1).
ويظهر أن ابن مسعود أنكر على هؤلاء القوم واعتبر عملهم بدعة مع أن الذي فعلوه ما هو إلا تكبير وتسبيح وتحميد ولكن لما خصوا ذلك بزمان معين بدون دليل شرعي أنكره عليهم .
المبحث السابع
حكم البدعة
إن البدعة مذمومة شرعاً لأنها إما زيادة في الدين أو نقص منه أو تغيير فيه فهي تقع في دائرة النهي ولا تخرج عنها ، قال الشاطبي يرحمه الله في بيان حكم البدعة ما نصه :[ ... ثبت في الأصول أن الأحكام الشرعية خمسة نخرج عنها الثلاثة فيبقى حكم الكراهية وحكم التحريم فاقتضى النظر انقسام البدع إلى القسمين فمنها بدعة محرمة ومنها بدعة مكروهة وذلك أنها داخلة تحت جنس المنهيات - وهي - لا تعدو الكراهة والتحريم فالبدع كذلك ] (1).(1/56)
وليس المقصود بالكراهة في كلام الشاطبي الكراهة التنزيهية وإنما الكراهة التحريمية ، لأن الكراهة التنزيهية اصطلاح للمتأخرين لم يعرف عن المتقدمين من السلف فلم يقولوا فيما لا حرج فيه إنه مكروه ولم يكن من شأنهم أن يقولوا فيما لا نص فيه ، هذا حلال وهذا حرام لئلا يكونوا ممن قال الله تعالى فيهم :( وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) (2).
قال الشاطبي :[ فإذا وجدت في كلامهم - أي السلف - في البدعة أو غيرها " أكره هذا ولا أحب هذا وهذا مكروه " وما أشبه ذلك فلا تقطعن على أنهم يريدون التنزيه فقط فإنه إذا دل الدليل في جميع البدع على أنها ضلالة فمن أين يعد فيها ما هو مكروه كراهية التنزيه ؟ ] (3).
ويقرر الشاطبي أنه لا يصح أن يراد بالبدعة المكروه تنزيهاً من حيث أن مرتكب المكروه إنما قصده نيل غرضه وشهوته العاجلة متكلاً على العفو اللازم فيه ورفع الحرج الثابت في الشريعة فهو إلى الطمع في رحمة الله أقرب وأيضاً فليس عقده الإيماني بمتزحزح لأنه يعتقد المكروه مكروهاً كما يعتقد الحرام حراماً وإن ارتكبه فهو يخاف الله ويرجوه والخوف والرجاء شعبتان من شعب الإيمان .
فكذلك مرتكب المكروه يرى أن الترك أولى في حقه من الفعل وأن نفسه الأمارة زينت له الدخول فيه ويود لو لم يفعل فلا يزال إذا تذكر منكسر القلب طامعاً في الإقلاع سواء عليه أخذ في أسباب الإقلاع أم لا .
ومرتكب أدنى البدع يكاد يكون على ضد هذه الأحوال فإنه يَعُدُ ما دخل فيه حسناً بل يراه أولى مما حدَّ له الشارع فأين مع هذا خوفه أو رجاؤه؟ وهو يزعم أن طريقه أهدى سبيلاً ونحلته أولى بالاتباع ؟ (1)(1/57)
ويدل على أن البدعة لا تكون مكروهة تنزيهاً قوله( :( من رغب عن سنتي فليس مني ) وقد جاء هذا القول النبوي رداً على من قال من الصحابة :( أما أنا فأقوم الليل ولا أنام ) وعلى من قال :( أما أنا فلا أتزوج النساء ) وعلى من قال : ( أما أنا أصوم الدهر ولا أفطر ) وهذا قد ورد في حديث النفر الثلاثة الذين سألوا عن عبادة النبي(ا
الذي رواه البخاري ومسلم (2).
فأتى النبي ( بهذه العبارة وهي أشد شيء في الإنكار ولم يكن ما التزم به هؤلاء الثلاثة من الصحابة إلا فعل مندوب أو ترك مندوب إلى فعل مندوب آخر .
ويدل على ذلك أيضاً ما جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام :( رأى رجلاً قائماً في الشمس فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : نذر ألا يستظل ولا يتكلم ولا يجلس ويصوم ، فقال رسول الله ( : مره فليجلس وليتكلم وليستظل وليتم صومه ) رواه البخاري (1).
قال الإمام مالك :[ وقد أمره رسول الله ( أن يتم ما كان لله طاعة ويترك ما كان لله معصية ] (2).
ويدل على ذلك أيضاً ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن قيس بن أبي حازم قال :[ دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب بنت المهاجر فرآها لا تكلم ، فقال : مالها لا تكلم ؟ قالوا : حجت مصمتة . قال لها : تكلمي فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية ... ] (3).
فتأمل كيف جعل القيام في الشمس وترك الكلام من المعاصي مع أنهما من المباحات ولكن لما أجريت مجرى المشروعات صارت معصية لله عند الإمام مالك كما في الأول وعند أبي بكر( في الثاني .
فالبدعة معصية لله تعالى لأنها مضادة للشارع الحكيم ومراغمة له حيث نصب المبتدع نفسه منصب المستدرك على الشريعة وهذا لا يصح أبداً .
وكذلك فإن كل بدعة وإن قَلَّت تشريع زائد أو ناقص أو تغيير للأصل الصحيح سواء أكانت البدعة منفردة عن المشروع أو ملحقة بالمشروع فكل ذلك يكون قادحاً في المشروع (4).(1/58)
وما دامت البدعة معصية فهي محرمة ويؤيد هذا المعنى قوله ( :( كل بدعة ضلالة ) . وكذلك كل ما ورد في ذم البدع مما يقتضي التأثيم والتهديد والوعيد. وهذا من خصائص المحرم في الشرع ، فالبدعة محرمة ولكن وكما هو معلوم فليس جميع المحرمات في رتبة واحدة بل متفاوتة ، فقتل النفس بغير حق محرم والكذب محرم ولكن بينهما تفاوت فليس من يقتل بريئاً كمن يكذب ، وكذلك فإن البدعة محرمة وهي متفاوتة ومنقسمة إلى صغيرة وكبيرة والكبيرة ليست في درجة واحدة بل متفاوتة أيضاً .
فأما البدعة الصغيرة فهي البدعة الجزئية الواقعة في الفروع الجزئية بشرط أن تكون مبنية على شبهة تخيل أنها شرع ودين ، فإنها إذا كانت كذلك لا يتحقق دخولها تحت الوعيد بالنار الوارد في شأن البدعة وإن دخلت تحت الوصف بالضلال كما لا يتحقق ذلك في سرقة لقمة أو التطفيف بحبة وإن كان داخلاً تحت وصف السرقة بل المتحقق دخول عظائمها وكلياتها كمن سرق نصاباً موجباً للقطع (1).
ويرى الإمام الشاطبي أن البدعة لا تكون صغيرة إلا إذا توفرت فيها الشروط التالية :
الشرط الأول : أن لا يداوم عليها فإن الصغيرة من المعاصي لمن داوم عليها تكبر بالنسبة إليه ، لأن ذلك ناشىء عن الإصرار عليها والإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة ، ولذلك قالوا لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار .
الشرط الثاني : أن لا يدعو إليها فإن البدعة قد تكون صغيرة بالإضافة ثم يدعو مبتدعها إلى القول بها والعمل على مقتضاها فيكون إثم ذلك كله عليه فإنه الذي أثارها وسبَّب كثرة وقوعها والعمل بها فإن الحديث الصحيح قد أثبت أن كل من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً .(1/59)
الشرط الثالث : أن لا تفعل في المواضع التي هي مجتمعات الناس أو المواضع التي تقام فيها السنن وتظهر فيها شعائر الدين لأن إظهارها في مثل تلك الأماكن دعوة للعوام للاقتداء بالمبتدع فإن العوام أتباع كل ناعق لا سيما البدع التي وكل الشيطان بتحسينها للناس والتي للنفوس في تحسينها هوى وإذا اقتدى بصاحب البدعة الصغيرة كبرت بالنسبة إليه لأن كل من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها فعلى حسب كثرة الاتباع يعظم عليه الوزر .
كما وأن إظهار البدع في الأماكن التي تظهر فيها السنن كالمساجد يؤدي إلى الظن أنها من السنن لأن العوام يظنون ذلك .
وحكى ابن وضاح قال :[ ثوب المؤذن بالمدينة في زمان مالك فأرسل إليه مالك فجاءه فقال له مالك : ما هذا الذي تفعل ؟ فقال : أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر فيقوموا . فقال له مالك : لا تفعل ، لا تحدث في بلدنا شيئاً لم يكن فيه ، قد كان رسول الله ( بهذا البلد عشر سنين وأبو بكر وعمر وعثمان فلم يفعلوا هذا ، فلا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه ، فكف المؤذن عن ذلك وأقام زماناً ثم إنه تنحنح في المنارة عند طلوع الفجر فأرسل إليه مالك فقال له : ما الذي تفعل ؟ قال : أردت ان يعرف الناس طلوع الفجر . فقال له : ألم أنهك أن لا تحدث عندنا ما لم يكن ؟ فقال : إنما نهيتني عن التثويب . فقال له : لا تفعل ، فكف زماناً . ثم جعل يضرب الأبواب . فأرسل إليه مالك فقال: ما هذا الذي تفعل ؟ فقال: أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر . فقال له مالك : لا تفعل لا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه .
قال ابن وضاح : وكان مالك يكره التثويب - قال - وإنما أحدث هذا بالعراق . قيل لابن وضاح : فهل كان يعمل به بمكة أو المدينة أو مصر أو غيرها من الأمصار ؟ فقال : ما سمعته إلا عند بعض الكوفيين والأباضيين .(1/60)
فتأمل كيف منع مالك من إحداث أمر يخف شأنه عند الناظر فيه ببادي الرأي وجعله أمراً محدثاً وقال في التثويب : إنه ضلال وهو بين لأن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ولم يسامح للمؤذن في التنحنح ولا في ضرب الأبواب . لأن ذلك جدير بأن يتخذ سنة كما منع من وضع رداء عبد الرحمن بن مهدي خوف أن يكون حدثاً أحدثه ] (1).
الشرط الرابع : أن لا يستصغرها ولا يستحقرها - وإن فرضناها صغيرة - فإن ذلك استهانة بها والاستهانة بالذنب أعظم من الذنب لأن الإنسان إذا استعظم هذا الذنب من نفسه صغر هذا الذنب عند الله تعالى وكلما استصغره كبر عند الله تعالى لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه وكراهته له وذلك النفور يمنع من شدة تأثره به واستصغاره يصدر عن الألف به (2).
وأخيراً أذكر ما قاله الشيخ الألباني في حكم البدعة : …
[ يجب أن نعلم أن أصغر بدعة يأتي بها الرجل في الدين هي محرمة بعد تبين كونها بدعة وليس في البدع - كما يتوهم البعض - ما هو في رتبة المكروه فقط ] (1).
المبحث الثامن
أسباب الابتداع
وقد أرجع الشيخ الألباني أسباب الابتداع إلى عدة أمور :
الأول : أحاديث ضعيفة لا يجوز الاحتجاج بها ولا نسبتها إلى النبي( ومثل هذا لا يجوز العمل به عندنا على ما بينته في مقدمة " صفة صلاة النبي ( " وهو مذهب جماعة من أهل العلم كابن تيمية وغيره .
الثاني : أحاديث موضوعة أو لا أصل لها خفي أمرها على بعض الفقهاء فبنوا عليها أحكاماً هي من صميم البدع ومحدثات الأمور !(1/61)
قلت : وهذان السببان يعودان إلى الجهل بالسنة النبوية عامة ، والجهل بعلم مصطلح الحديث خاصة فكثير ممن يقعون في البدع لا يفرقون بين ما يصح الاستدلال به من الأحاديث وبين ما لا يصح فلا يعرفون الحديث الصحيح من الضعيف والموضوع . ويأخذون الحديث من أي مصدر كان حتى من كتب الموضوعات ، كمثل ذلك الخطيب الذي كان يخطب الجمعة فقال في خطبته : قال النبي ( في الحديث الموضوع كذا وكذا ... ، ولا يعرف هذا المسكين ما هو الحديث الموضوع ؟!
مع أن أهل العلم متفقون على أنه لا يجوز العمل بالحديث الموضوع لأنه كذب على رسول الله ( . ومن المعلوم أن كثيراً من البدع استندت إلى أحاديث موضوعة متهافتة (1).
الثالث : اجتهادات واستحسانات صدرت من بعض الفقهاء خاصة المتأخرين منهم لم يدعموها بأي دليل شرعي ، بل ساقوها مساق المسلمات من الأمور ، حتى صارت سنناً تتبع ! ولا يخفى على المتبصر في دينه أن ذلك مما لا يسوغ اتباعه، إذ لا شرع إلا ما شرعه الله تعالى ، وحسب المستحسن - إن كان مجتهداً - أن يجوز له هو العمل بما استحسنه ، وأن لا يؤاخذه الله به ، أما أن يتخذ الناس ذلك شريعة وسنة فلا ثم لا . فكيف وبعضها مخالف للسنة العملية ... .
رابعاً : عادات وخرافات لا يدل عليها الشرع ولا يشهد لها عقل وإن عمل بها بعض الجهال واتخذوها شرعة لهم ولم يعدموا من يؤيدهم ولو في بعض ذلك ممن يدعي العلم ويتزيا بزيهم (1).
ويضاف إلى ما قاله الشيخ الألباني أن من أسباب البدع أيضاً تحيكم العقل في النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة نبيه ( الواردة في العبادات مع أن العقل لا مدخل له في هذا الباب لأنه لا يستطيع أن يدرك أسرار التشريع في العبادات فلو سأل أعقل الناس نفسه لماذا نصلي المغرب ثلاث ركعات ولماذا نصلي العشاء أربعاً لما وجد جواباً مقبولاً عقلاً .
ولو سأل آخر نفسه لماذا نصلي التراويح جماعة ولا نصلي سنة العشاء جماعة ؟ مع أن كلاً منهما سنة .(1/62)
ولو قلنا لماذا نقرأ القرآن في الصلاة حال القيام ولا نقرأه حال الركوع والسجود ؟ والقرآن هو القرآن .
فالأصل في هذا الباب أن لا ينبغي للعقل أن يتقدم بين يدي الشرع ولا بد من الوقوف عند موارد النصوص ، فإن الله سبحانه وتعالى جعل للعقول في إدراكها حداً تنتهي إليه لا تتعداه ولم يجعل لهاء سبيلاً إلى الإدراك في كل مطلوب كما قال الشاطبي (2).
ويمكن اعتبار أسبابٍ أخرى للبدع فيها مجال للنظر (3).
المبحث التاسع
أسباب انتشار البدع
يمكن إرجاع انتشار البدع للأسباب الآتية :
1. سكوت كثير من أهل العلم والمنتسبين للعلم الشرعي كأئمة المساجد وأساتذة العلم الشرعي في الجامعات عن البدع لأنهم كما يزعمون لا يريدون إثارة العامة عليهم . ومن باب المحافظة على القديم وإبقائه على قدمه ؟!
2. عمل الكثير من أهل العلم والمنتسبين للعلم الشرعي وخاصة في بلادنا بالبدع وتأييدهم لها وعملهم على انتشارها لموافقتها أهوائهم أو مشاربهم الحزبي الضيقة فتقلدهم العامة لثقتها بهم فيقولون قال الشيخ الفلاني قال كذا وكذا وفعل كذا فيحتجون على صحة موقفهم بأقوال المشايخ وأفعالهم مع أنه لا دليل في ذلك ما لم يكن موافقاً للشرع .
3. تبني الحكام والمسؤولين للبدع وتشجيعها لموافقتها لأهوائهم ولخدمتها لأغراضهم كما هو مشاهد في حفلات الموالد والهجرة والإسراء والمعراج وغير ذلك من المواسم المنسوبة إلى الدين زوراً وبهتاناً كما سيأتي في الفصل الثاني .
4. نظراً لمضي مدة على انتشار البدع وتناقل الناس لها جيلاً بعد جيل صار مغروساً في أذهان العامة أن هذه البدع من الدين وصار اعتبار البدع من الدين قضية مسلمة فأصبح من الصعوبة بمكان وقف انتشارها إلا بجهود كبيرة وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى (1).
الفصل الثاني
البدع المنتشرة بين الناس في المساجد وغيرها
المبحث الأول
البدع المتعلقة بالأذان
وفيه مسائل :(1/63)
المسألة الأولى : قراءة القرآن قبل الأذان للصلوات الخمس وقبل الأذان للجمعة :
اعتاد كثير من المؤذنين أن يبثوا قراءة آيات من القرآن الكريم بواسطة آلة التسجيل عبر مكبرات الصوت قبل الأذان للصلاة بوقت يسير كعشر دقائق أو أقل أو أكثر .
وصارت هذه العادة التزاماً يومياً بحيث إن المؤذن لو أخل بذلك قوبل بالإنكار من بعض المصلين .
وهذا الأمر بدعة غير مشروعة مخالفة لهدي المصطفى( فما ثبت عن الرسول ( أنه أمر المؤذن أن يقرأ شيئاً من القرآن الكريم قبل الأذان ولا نقل مثل ذلك عن الصحابة والتابعين لهم .
ومن المقرر عند أهل العلم أنه لا يجوز تخصيص عبادة بوقت معين بدون دليل شرعي .
وقد أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن سؤال متعلق بحكم قراءة القرآن قبل الأذان ونصه :[ ما حكم الإسلام في قراءة القرآن يوم الجمعة قبل صلاة الظهر بمكبرات الصوت . إذا قلت هذا أمر غير وارد يقول لك تريد أن تمنع قراءة القرآن . وما رأيكم في الابتهالات الدينية تسبق أذان الفجر بقليل بمكبرات الصوت إذا قلت هذا أمر ليس له دليل يقول لك هذا عمل خير يوقظ الناس لصلاة الفجر .
الجواب : لا نعلم دليلاً يدل على وقوع ذلك في عهد الرسول( ولا نعلم أحداً من الصحابة عمل به وكذلك الابتهالات التي تسبق الأذان للفجر بمكبرات الصوت فكانت بدعة وكل بدعة ضلالة وقد ثبت أن النبي( قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) (1).
المسألة الثانية : الأذان بواسطة شريط مُسجَلٌ عليه الأذان :(1/64)
بعض المؤذنين وأئمة المساجد يعجبون بأصوات مؤذنين مشهورين فيسجلون أذانهم على شريط ثم عندما يحين وقت الأذان يبثون الأذان بواسطة مكبرات الصوت وهذا أمر مبتدع مخالف لهدي المصطفى( حيث ثبت في الحديث عن مالك بن الحويرث قال : ( أتيت الرسول( في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيماً رفيقاً فلما رأى شوقنا إلى أهلينا قال : إرجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم ) رواه البخاري ومسلم (1).
وعن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله( :( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً ) رواه البخاري ومسلم (2).
جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يلي :
[ إن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها ولا يجوز في أداء العبادة ولا يحصل به الأذان المشروع وإنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقت من أوقات الصلاة في كل مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبينا ورسولنا محمد ( إلى الآن والله الموفق ] (3)
وأجابت الهيئة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على سؤال يتعلق بالموضوع بقولها :
[ إنه لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يأذن من الشريط المسجل عليه بل الواجب أن يؤذن المؤذن للصلاة بنفسه لما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالأذان والأصل في الأمر الوجوب ] (1).
المسألة الثالثة : الصلاة على النبي( بعد الأذان بحيث تكون جزءً منه :
اعتاد كثير من المؤذنين أن يصلوا على النبي ( في أذانهم وصارت الصلاة على النبي ( جزءاً من الأذان وهذا الأمر الأصل فيه سنة والكيفية بدعة وبيان ذلك بما يلي :(1/65)
إن الصلاة والسلام على النبي ( سنة بعد الأذان لا فرق في ذلك بين مؤذن وغيره ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ( أنه سمع النبي ( يقول : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ) رواه مسلم (1).
ومن المعلوم أن ألفاظ الأذان وكلماته توقيفية لا يصح أن يزاد عليها أو ينقص منها شيء وكلمات الأذان تبدأ بقول المؤذن : ( الله أكبر ، الله أكبر ) ، وتنتهي بقوله : ( لا إله إلا الله ) فهذا هو المأثور من لدن رسول الله( وكان عليه الصحابة والتابعون وأهل القرون الثلاثة الأولى المشهود لهم بالخيرية .(1/66)
وبناء على ما سبق أقول إن الصلاة والسلام على رسول الله لا يصح أن تجعل جزءً من ألفاظ الأذان فإن جعلت جزءً منه كما يفعل كثير من المؤذنين فهي من هذا الوجه وبهذه الكيفية بدعة وإن كان الأصل فيها سنة فالمطلوب من المؤذن بعد انتهاء الأذان أن يصلي ويسلم على النبي( فإن فعل ذلك فقد أصاب السنة . وأما إذا جهر بالصلاة والسلام وجعلها جزءً من الأذان فقد ابتدع وأحدث حدثاً لم يكن على عهد رسول الله( وأصحابه والسلف الصالح من أئمة المسلمين وقد بين الشيخ علي محفوظ تاريخ هذه البدعة فقال :[ ومن البدع المختلف في حسنها وذمها الصلاة والسلام على النبي ( عقب الأذان جهراً ما عدا الصبح والجمعة اكتفاء بما يقع قبلهما وما عدا المغرب لضيق وقتها والذي أحدث ذلك هو محتسب القاهرة صلاح الدين عبد الله البرلسي وأمر به في مصر وأعمالها ليلة الجمعة فقط ثم صار ذلك عاماً على يد نجم الدين الطنبدي لسبب مذكور في كتب التاريخ ففي خطط المقريزي : وأما مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم " الفاطميين " إلى أن استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية سنة سبع وستين وخمسمائة وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي( وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله فأبطل من الأذان ( حي على خير العمل ) وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكة وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة( في مصر فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصلاة أيضاً على رأيهم وما عدا ذلك فعلى ما قلنا إلا أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين سلموا على رسول الله( وهو شيء أحدثه محتسب القاهرة صلاح الدين عبد الله بن عبد الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة فاستمر إلى أن كان في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ومتولي الأمر بديار مصر(1/67)
الأمير منطاش القائم بدولة الملك الصالح المنصور أمير حاج المعروف بحاج ابن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون فسمع بعض الفقراء الخلاطين سلام المؤذنين على رسول الله( في ليلة الجمعة وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه فقال لهم : أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان ؟ قالوا نعم فبات تلك الليلة ، وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله في منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله( في كل أذان فمضى إلى محتسب القاهرة وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي وكان شيخاً جهولاً سيء السيرة في الحسبة والقضاء متهافتاً على الدرهم ولو قاده إلى البلاء ، لا يحتشم من أخذ البرطيل والرشوة ولا يراعي في مؤمن إلاً ولا ذمة . قد ضرى على الآثام وتجسد من أكل الحرام . يرى أن العلم إرخاء العذبة ولبس الجبة ويحسب أن رضاء الله سبحانه في ضرب العباد بالدرقة وولاية الحسبة لم تحمد الناس قط أياديه ولا شكرت أبداً مساعيه بل جهالاته شائعة وقبائح أفعاله ذائعة . وقال له : رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم الصلاة والسلام عليك يا رسول الله كما يفعل في كل ليالي الجمع .(1/68)
فأعجب الجاهل هذا القول وجهل أن رسول الله ( لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة في شرعه حيث يقول : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) وقال رسول الله ( : ( إياكم ومحدثات الأمور ) فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر وبلاد الشام وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحل تركه وأدى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون ] (1).
وقال العلامة ملا علي القاري :[ ... فما يفعله المؤذنون الآن عقب الأذان من الإعلان بالصلاة والسلام مراراً أصله سنة والكيفية بدعة لأن رفع الصوت في المسجد ولو بالذكر فيه كراهة سيما في المسجد الحرام لتشويشه على الطائفين والمصلين والمعتكفين ] (1).
وبيَّن الحافظ ابن حجر أن ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي( ليس من جملة الأذان لا لغةً ولا شرعاً (2).
وقال ابن الحاج :[ وكذلك ينبغي أن ينهاهم - أي المؤذنين - عما أحدثوه من صفة الصلاة والتسليم على النبي( عند طلوع الفجر وإن كانت الصلاة والتسليم على النبي( من أكبر العبادات وأجلها فينبغي أن يسلك بها مسلكها فلا توضع إلا في مواضعها التي جعلت لها .
ألا ترى أن قراءة القرآن من أعظم العبادات ومع ذلك لا يجوز للمكلف أن يقرأه في الركوع ولا في السجود ولا في الجلوس أعني الجلوس في الصلاة لأن ذلك ليس بمحل للتلاوة .(1/69)
فالصلاة والتسليم على النبي( أحدثوها في أربعة مواضع لم تكن تفعل فيها في عهد من مضى والخير كله في الاتباع لهم رضي الله عنهم ... والصلاة والتسليم على النبي( لا يشك مسلم أنها من أكبر العبادات وأجلها وإن كان ذكر الله تعالى والصلاة والسلام على النبي( حسناً سراً وعلناً لكن ليس لنا أن نضع العبادات إلا في مواضعها التي وضعها الشارع فيها ومضى عليها سلف الأمة ] (3).
وقال الشيخ ابن حجر المكي :[ قد أحدث المؤذنون الصلاة والسلام عقب الأذان للفرائض الخمس إلا الصبح ... ولقد استفتي مشايخنا وغيرهم في الصلاة والسلام عليه( بعد الأذان على الكيفية التي يفعلها المؤذنون فأفتوا بأن الأصل سنة والكيفية بدعة وهو ظاهر ... ] (1).
وأشار الشيخ ابن حجر المكي إلى أن الصلاة والسلام على النبي( قبل الأذان ليست سنة فمن أتى ذلك معتقداً سنيته في ذلك المحل المخصوص نهي عنه ومنع منه لأنه تشريع بغير دليل ومن شرع بلا دليل يزجر عن ذلك وينهى عنه (2).
وسئل الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية عن الصلاة والسلام على النبي ( عقب الأذان ؟ فأجاب :[ أما الأذان فقد جاء في - الفتاوى - الخانية أنه ليس لغير المكتوبات وأنه خمس عشرة كلمة وآخره عندنا لا إله إلا الله وما يذكر بعده أو قبله كله من المستحدثات المبتدعة ابتدعت للتلحين لا لشيء آخر ولا يقول أحد بجواز هذا التلحين ولا عبرة بقول من قال : إن شيئاً من ذلك بدعة حسنة لأن كل بدعة في العبادات على هذا النحو فهي سيئة ... ] (3).
وقال الشيخ سيد سابق :[ الجهر بالصلاة والسلام على رسول الله( عقب الأذان غير مشروع بل هو محدث مكروه ] (4).(1/70)
وأجاب العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي الديار السعودية على سؤال حول الصلاة والسلام على النبي( بعد الأذان فأجاب :[ هذا المقام فيه تفصيل فإن كان المؤذن يقول ذلك بخفض صوت فذلك مشروع للمؤذن وغيره ممن يجيب المؤذن لأن النبي( قال :( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً ثم اسألوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ) أخرجه مسلم في صحيحه .
وروى البخاري في صحيحه ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال رسول الله( :( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة ) .
أما إن كان المؤذن يقول ذلك برفع صوت كالأذان فذلك بدعة لأنه يوهم أنه من الأذان والزيادة في الأذان لا تجوز لأن آخر كلمة:( لا إله إلا الله ) فلا يجوز الزيادة على ذلك . ولو كان ذلك خيراً لسبق إليه السلف الصالح بل لعلمه النبي ( أمته وشرعه لهم وقد قال عليه الصلاة والسلام :( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) أخرجه مسلم في صحيحه وأصله في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها . وأسأل الله سبحانه أن يزيدنا وإياكم وسائر إخواننا في الفقه في دينه وأن يمن علينا جميعاً بالثبات عليه إنه سميع قريب ] (1).(1/71)
وقال الشيخ محمد عبد السلام الشقيري :[ ثم اعلم أن الصلاة على النبي ( بعد النداء لم تكن بهذه الكيفية المعلومة الآن قطعاً بل كانت سراً وباللفظ الوارد الذي علمَّه لهم النبي( حينما سألوه بقولهم : قد علمنا السلام عليك فكيف نصلي ؟ فقال لهم( قولوا اللهم صل على محمد ) الحديث ، فهذه الكيفية مبتدعة محدثة لم يأمر بها رسول الله( ولم تفعل في حياته ولا مرة واحدة . ولم يفعلها بلال في جميع تأذيناته بين يدي النبي ( ولا مرة واحدة . ولا أحد من جميع مؤذني النبي ( ولم تفعل في عهد الخلفاء الراشدين أصلاً ولا في عصر سائر الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين ولا الأئمة الأربعة المعتبرين ، وإنما حدثت في عصر الملك صلاح الدين على يد رجل من الجاهلين المتصوفين وأنكرها بعض أهل العلم العاملين وهي لا تزال تنكرها قلوب العارفين بشرع الأمين حتى يأذن الله بإبطالها وإعادتها إلى أصلها على يد عبد من عباده الصالحين ] (1).
وزعم بعضهم أن الصلاة والسلام على النبي( بعد الأذان وبالكيفية التي يفعلها المؤذنون ليست بدعة لأنها تدخل في عموم قول الله تعالى :
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (2).
وعموم قول النبي ( :( من صلى عليَّ مرة صلى الله عليها بها عشراً ) رواه مسلم ، فهذا عام يشمل جميع الأوقات ويدخل في عمومه الصلاة والسلام بعد الأذان (3).
والجواب عن ذلك من وجهين :
الوجه الأول : إنه لا يصح الاستدلال بهذه النصوص العامة وتخصيصها بأفعال عامة الناس الذين ابتدعوا هذه البدعة .
ولا بد من دليل شرعي يخصص هذه العمومات ويقيد المطلق منها ولم يوجد .
الوجه الثاني : إن هذه الصلاة والتسليم على النبي( ما عرفت إلا في عصور متأخرة وابتدعت على يد بعض الجهلة من العامة فأين كان عنها الصحابة والتابعون وأهل القرون الثلاثة المفضلة .
فلو كانت مشروعة لسبقونا إليها وكل الخير في اتباع من سلف .(1/72)
وخلاصة الأمر أن علينا اتباع السنة وهي كما وردت بها الأحاديث وهي الصلاة والسلام على النبي ( بشرط أن لا تجعل جزءً من الأذان فنقول للمؤذن إذا انتهيت من الأذان فصل على النبي ( بعد ذلك ولا تجعلها جزءً من أذانك .
المسألة الرابعة : الذكر قبل أذان الفجر وقبل أذان العشاء ليلتي الإثنين والجمعة .
اعتاد بعض المؤذنين على التذكير قبل أذان صلاة الفجر وخاصة في شهر رمضان المبارك ومن هذه الأذكار :
- أن يتلو المؤذن قول الله تعالى :( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) (1).
- ومنها قول المؤذن قبل الأذان : سبحان الواحد الأحد سبحان الفرد الصمد ، سبحان الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .
ومن الأذكار التي يقولها بعض المؤذنين قبل أذان العشاء ليلة الجمعة :
[( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ).
أكرم مثوانا يا رب بحرمة ليلة الجمعة ، وأكرم مثوانا ببركة ليلة الجمعة ، فاطمة الزهراء هللت وكبرت بنبوؤة والدها المصطفى وحق ليلة الجمعة .
وخلقت لنا عقولاً . وأرسلت لنا رسولاً .
فمال عبادك يا الله لا يولون جهداً في الحصول عل ثواب ليلة الجمعة .
أنزلت لنا القرآن وحياً واقياً من لدن حكيم عليم ، فما تجاهلت !؟حتى أنزلت سورة سميتها سورة الجمعة .
يا رب ... قدس الأقداس سطعت أنوارها من أقصاها .
نور الأقصى من نور المصطفى فأكثروا يا زوار الأقصى من الصلاة على المصطفى ليلة الجمعة .
لا حول ولا قوة إلا بك يا الله عند ضعفي إن كنت قد حرمت من دخول المسجد الأقصى في ليلة الجمعة .
إلهي ومولاي ، أنت ربي ، أنت حسبي ، فأعطني الشهادة في سبيلك بحق حرمة ليلة الجمعة .(1/73)
ذرفت عيوني دمعاً من خشيتك يا الله فامنحني يا مولاي صبراً إذا حرمت من ذكرك في أقصاك (1) ليلة الجمعة .
موسى بشر محبي المصطفى وعيسى هتف في محبي المصطفى فاقسم الله لمحمد أن يكون هو البادي ليلة الجمعة .
يا مالك الكون إليك المرتجى والمنتهى .
فاجعل نهايتنا يا الله فاتحة خير بحق حرمة ليلة الجمعة .
أيها الأقصى منك شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأبشر يا مسجد الله أن لا متسع في جنباتك إلا لمؤمن هتف بحرمة ليلة الجمعة .
كيف لا أقصد أبوابك يا الله من مكان طهارة الإسلام ومسرى محمد خير الأنام .
وأنت أنزلت يا مولاي على حبيبي محمد :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) اشفع لنا يا بحر علم الله .
قصدت باب الرجاء والناس قد رقدوا وبت أشكو إلى مولاي ما أجد وقلت يا أملي في كل نائبة عليك من بكشف الضر اعتمد .
أشكو إليك يا رب اشكوا إليك أموراً أنت تعلمها ما لي على حملها صبر ولا جلد .
وقد مددت إليك يدي بالذل سائلة يا خير من مدت إليه يد
فلا تردنها إليك يا رب خائبة فبحر جودك يروي كل من يرد ].
وغير ذلك من الأذكار ، وهذه الأذكار وغيرها كلها من الأمور المبتدعة التي يجب تركها اقتداءً بسنة الرسول ( .
قال ابن الجوزي :[ ... ومنه أنهم يخلطون أذان الفجر بالتذكير والتسبيح والمواعظ ويجعلون الأذان وسطاً فيختلط ، وقد كره العلماء كل ما يضاف إلى الأذان ... وكل ذلك من المنكرات ](1).
وبيَّن الحافظ ابن حجر أن ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ليس من جملة الأذان لا لغة ولا شرعاً (2).
قال في شرح العمدة من كتب الحنابلة :[ يكره قول المؤذن قبل الأذان : ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ) الآية وكذلك إن وصله بعد بذكر لأنه محدث .
ويكره قوله قبل الإقامة: اللهم صل على محمد، ونحو ذلك من المحدثات .(1/74)
وفي الإقناع وشرحه من كتبهم أيضاً : وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك في المآذن فليس بمسنون . وما أحد من العلماء قال إنه يستحب بل هو من جملة البدع المكروهة لأنه لم يكن في عهده( ولا عهد أصحابه وليس له أصل فيما كان على عهدهم يردّ إليه فليس لأحد أن يأمر به ولا ينكر على من تركه ولا يعلق استحقاق الرزق به لأنه إعانة على بدعة ولا يلزم فعله ولو شرطه واقف لمخالفته السنة ] (3).
وقال الشيخ سيد سابق تحت عنوان ما أضيف إلى الأذان وما ليس منه : [ الأذان عبادة ومدار الأمر في العبادات على الاتباع فلا يجوز لنا أن نزيد شيئاً في ديننا أو ننقص منه وفي الحديث الصحيح :( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أي باطل . ونحن نشير إلى أشياء غير مشروعة درج عليها الكثير حتى خيل للبعض أنها من الدين وهي ليست منه في شيء ، من ذلك ... التسبيح في الفجر ] ثم نقل كلام صاحب الإقناع وشرحه المتقدم (1).
المسألة الخامسة :
قراءة سورة الإخلاص ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) ثلاثاً قبل إقامة الصلاة وكذلك قراءة ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) وقراءة ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) ثم يدعو المؤذن بقوله : [ لأمواتنا ولأمواتكم وللمسلمين الفاتحة ] ثم يقرؤها وبعد ذلك يقيم الصلاة . وهذه الصيغة يحافظ عليها بعض المؤذنين خاصة في صلاة الفجر وهي بدعة مخالفة لهدي المصطفى ( .(1/75)
قال الشيخ القاسمي :[ قراءة سورة الإخلاص ثلاثاً قبل إقامة الصلاة إعلاناً بأنه ستقام الصلاة فهي بدعة لا أصل لها ولا حاجة لها ] (1).
وهذه بدعة لأنها لم ترد عن رسول الله( ولا أمر أحداً من المؤذنين أن يفعلها قبل إقامة الصلاة . ولأن فيها تشويشاً على المصلين في المسجد وقد نهى النبي ( عن التشويش على المصلين ولو كان ذلك بقراءة القرآن الكريم كما ورد في الحديث :( أن رسول الله ( خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال : إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ) رواه مالك في الموطأ وروى مثله أبو داود وأحمد والبيهقي وصححه الشيخ الألباني (2).
المبحث الثاني
البدع المتعلقة بالنية
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الجهر بالنية :
اعتاد كثير من المصلين أن يتلفظوا بالنية جاهرين بها فتسمع أحدهم يقول قبل أن يحرم بصلاة الظهر : نويت أصلي أربع ركعات فرض صلاة الظهر جماعة مقتدياً بهذا الإمام مستقبلاً الكعبة الشريفة .
وهذا التلفظ جهراً بالنية بدعة سيئة مذمومة مخالفة لهدي الرسول( وتوضيح ذلك بما يلي :
أولاً : إن النية من عمل القلب وليست من عمل اللسان لذلك فإن كثيراً من أهل العلم يعرفون النية بأنها عزيمة القلب أو قصد القلب .
قال الإمام الخطابي :[ النية قصدك الشيء بقلبك وتحري الطلب منك له . وقيل عزيمة القلب ] (1).
وقال الإمام القرافي :[ هي قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله ] (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ والنية هي القصد والإرادة والقصد والإرادة محلهما القلب دون اللسان باتفاق العقلاء ] (3).
وقال العلامة ابن القيم :[ النية عمل القلب ] (4).
وقال أبو إسحاق الشيرازي :[ لأن النية هي القصد بالقلب ] (1).
وقال التيمي هي :[ وجهة القلب ] (2).(1/76)
وقال البيضاوي :[ النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقاً لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالاً أو مآلاً ] (3). وغير ذلك من التعريفات .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ والنية محلها القلب باتفاق العلماء فإن نوى بقلبه ولم يتكلم بلسانه أجزأته النية باتفاقهم ] (4).
وقال شيخ الإسلام أيضاً :[ محل النية القلب دون اللسان باتفاق أئمة المسلمين في جميع العبادات ] (5).
وقال السيوطي :[ محلها القلب في كل موضع ] (6).
وقال الشيخ أحمد الشويكي الحنبلي :[ ومحلها القلب ] (7). وهذا الذي عليه المحققون من العلماء (8).
ثانياً : إن الأصل في العبادات التوقيف على رسول الله( كما قررته سابقاً ولم ينقل عن النبي ( أنه تلفظ بالنية وكذلك لم ينقل عن النبي ( أنه علَّم أحداً من الصحابة التلفظ بالنية ولو كان التلفظ مشروعاً لنقل إلينا كما نقلت إلينا أدق أعمال الصلاة وغيرها .
قال العلامة ابن القيم :[ كان( إذا قام إلى الصلاة قال :( الله أكبر ) ولم يقل شيئاً قبلها ولا تلفظ بالنية البتة ولا قال : أصلي لله صلاة كذا مستقبل الكعبة أربع ركعات إماماً أو مأموماً . ولا قال : أداءً ولا قضاءً ولا فرض الوقت وهذه عشر بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظة واحدة منها البتة . بل ولا عن أحد من أصحابه ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة ] (1).
وقال العلامة القسطلاني :[ وبالجملة فلم ينقل أحد أنه ( تلفظ بالنية ولا علم أحداً من أصحابه التلفظ بها ولا أقره على ذلك بل المنقول عنه في السنن أنه قال :
[ مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ].
وفي الصحيحين أنه ( لما علم المسيء صلاته قال له :( إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ) فلم يأمره بالتلفظ بشيء قبل التكبير ] (2).(1/77)
وقال العلامة القسطلاني أيضاً :[ ... ولقد صلَّى( أكثر من ثلاثين ألف صلاة فلم ينقل عنه أنه قال : نويت أن أصلي صلاة كذا وكذا وتركه( سنة ، كما أن فعله سنة فليس لنا أن نسوي بين ما فعله وتركه فنأتي من القول في الموضع الذي تره بنظير ما أتى به في الموضع الذي فعله ... ] (3).
ونقل ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية قوله :[ ومن هؤلاء من يأتي بعشر بدع لم يفعلها رسول الله ( ولا أحد من أصحابه واحدة منها فيقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم نويت أصلي صلاة الظهر فريضة الوقت أداء لله تعالى إماماً أو مأموماً أربع ركعات مستقبل القبلة ، ثم يزعج أعضاءه ويثني جبهته ويقيم عروق عنقه ويصرخ بالتكبير كأنه يكبر على العدو ، ولو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلام يفتش هل فعل رسول الله ( أو أحد من أصحابه شيئاً من ذلك لما ظفر به إلا أن يجاهر بالكذب البحت ، فلو كان في هذا خيرٌ لسبقونا إليه ولدلونا عليه فإن كان هذا هدى فقد ضلوا عنه وإن كان الذي كانوا عليه هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال ] (1).
كما أنه ثبت أن الرسول ( لم يكن يتلفظ بالنية بل كان يبدأ الصلاة بالتكبير كما صح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت :( كان رسول الله ( يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ) رواه مسلم (2).
وثبت في الحديث عن أبي هريرة ( أن الرسول ( قال للمسيء صلاته عندما قال له :( علمني يا رسول الله ، قال له : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ... ) رواه البخاري ومسلم (3) .
وقال العلامة ملا علي القاري :[ وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قام إلى الصلاة فكبر فلو نطق بشيء آخر لنقلوه . وورد في حديث المسيء صلاته أنه قال له : ( إذا قمت إلى الصلاة فكبر ) فدل على عدم وجود التلفظ ] (1).
ثالثاً : لم يقل أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من العلماء الكبار بالتلفظ بالنية .(1/78)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ والجهر بالنية لا يجب ولا يستحب باتفاق المسلمين بل الجاهر بالنية مبتدع مخالف للشرع إذا فعل ذلك معتقداً أنه من الشرع فهو جاهل ضال ... ] (2).
وقال شيخ الإسلام أيضاً: [ إن التلفظ بالنية لا يجب عند أحد من الأئمة ] (3).
وقال الشيخ ابن أبي العز الحنفي :[ فإنه لم يقل أحد من الأئمة الأربعة لا الشافعي ولا غيره باشتراط التلفظ بالنية وإنما النية محلها القلب باتفاقهم ... ] (4).
وقال القاضي جمال الدين أبو الربيع سليمان بن عمر الشافعي :[ وأما الجهر بها وبالقراءة خلف الإمام ليس من السنة بل مكروه . فإن حصل به تشويش على المصلين فحرام ، ومن قال بأن الجهر بلفظ النية من السنة فهو مخطىء ولا يحل له ولا لغيره أن يقول في دين الله تعالى بغير علم .
ومنهم أبو عبد الله محمد بن القاسم التونسي المالكي ، قال : النية من أعمال القلوب فالجهر بها بدعة مع ما في ذلك من التشويش على الناس .
ومنهم الشيخ علاء الدين بن العطار عفا الله عنه قال : ورفع الصوت بالنية مع التشويش على المصلين حرام إجماعاً ومع عدمه بدعة قبيحة فإن قصد به الرياء كان حراماً من وجهين كبيرة من الكبائر والمنكر على من قال بأن ذلك من السنة مصيب ومصوبه مخطئ . ونسبته إلى دين الله اعتقاداً كفر وغير اعتقاد معصية .
ويجب على كل مؤمن تمكّن من زجره زجره ومنعه وردعه ولم ينقل هذا النقل عن رسول الله ( ولا عن أحد من أصحابه ولا عن أحد ممن يقتدى به من علماء الإسلام .
ومنهم الشيخ العلامة أبو عبد الله محمد بن الحريري الأنصاري ، قال في هذه المسألة : ما كان النبي( ولا أصحابه رضي الله عنهم ولا أحد من الأئمة الأربعة ولا علماء المسلمين يفعل مثل ذلك ... فإن زعم الفاعل لذلك أن هذا هو دين الله تعالى فقد كذب على الله تعالى وعلى رسول الله( وأدخل في دين الله ما ليس منه يستتاب بعد التعريف وتزاح عنه الشبهة التي عرضت له فإن تاب وإلا قتل بذلك ] (1).(1/79)
رابعاً : نسب بعض الشافعية وهو أبو عبد الله الزبيري للإمام الشافعي أنه يوجب التلفظ بالنية تعلقاً بأن الشافعي قال في كتاب " المناسك " ولا يلزمه إذا أحرم بقلبه أن يذكره بلسانه وليس كالصلاة التي لا تصح إلا بالنطق ، فتأول ذلك على وجوب النطق بالنية .
قال الماوردي :[ وهذا فاسد وإنما أراد - الشافعي - وجوب النطق بالتكبير ثم مما يوضح فساد هذا القول حجاجاً : أن النية من أعمال القلب فلم تفتقر إلى غيره من الجوارح كما أن القراءة لما كانت من أعمال اللسان لم تفتقر إلى غيره من الجوارح ] (2).
وقال الإمام النووي مخطئاً كلام الزبيري :[ قال أصحابنا غلط هذا القائل وليس مراد الشافعي بالنطق في الصلاة هذا بل مراده التكبير ] (1).
خامساً : قول من قال باستحباب التلفظ بالنية ليساعد اللسان القلب (2)، لا دليل عليه من الشرع ولم يقل بالاستحباب أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من الأئمة السابقين بل المنصوص عن الإمامين مالك وأحمد أنه لا يستحب التلفظ بالنية كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية (3).
وقد سأل أبو داود - في مسائل أحمد - الإمام أحمد فقال :[ يقول المصلي قبل التكبير شيئاً ؟ قال : لا ] (4).
ويجاب على قولهم باستحباب التلفظ بالنية بوجوه :
الأول : إن الاستحباب حكم شرعي لا يكون إلا بدليل ، ولا دليل . قال الإمام الأذرعي :[ ولا دليل للندب ] (5).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ ولو كان مستحباً لفعله النبي( ولعظمه المسلمون ] (6).
وقال شيخ الإسلام أيضاً :[ وكل ما يحدث في العبادات المشروعة من الزيادات التي لم يشرعها رسول الله( فهي بدعة بل كان( يداوم في العبادات على تركها ، ففعلها والمداومة عليها بدعة وضلالة من وجهين : من حيث اعتقاد المعتقد أن ذلك مشروع مستحب أي يكون فعله خير من تركه مع أن النبي ( لم يكن يفعله البتة فيبقى حقيقة هذا القول إنما فعلناه أكمل وأفضل مما فعله رسول الله( .(1/80)
وقد سأل رجل مالك بن أنس عن الإحرام قبل الميقات فقال : أخاف عليك الفتنة . فقال له السائل : أي فتنة في ذلك ؟ وإنما زيادة أميال في طاعة الله عز وجل .
قال : وأي فتنة أعظم من أن تظن في نفسك أنك خصصت بفضل لم يفعله رسول الله ( .
وقد ثبت في الصحيحين أنه قال :( من رغب عن سنتي فليس مني ) فأي من ظن أن سنة أفضل من سنتي فرغب عما سنيته معتقداً أنما رغب فيه أفضل مما رغب عنه فليس مني ، لأن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدي محمد ( ) كما في الصحيح عن النبي ( أنه كان يخطب بذلك يوم الجمعة .
فمن قال : إن هدي غير محمد ( أفضل من هدي محمد فهو مفتون بل ضال ، قال الله تعالى - إجلالاً له وتثبيت حجته على الناس كافة - :
( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
أي : وجيع .
وهو ( قد أمر المسلمين باتباعه ، وأن يعتقدوا وجوب ما أوجبه واستحباب ما أحبه وأنه لا أفضل من ذلك فمن لم يعتقد هذا فقد عصى أمره ، وفي صحيح مسلم عن النبي ( أنه قال :( هلك المتنطعون - قالها ثلاثاً - ) أي المشددون في غير موضع التشديد ، وقال أبي بن كعب وابن مسعود : اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة ] (1).
الوجه الثاني : ثبت أنه عليه الصلاة والسلام لم يتلفظ بالنية كما سبق وقد ذكرت أدلة ذلك تحت قولي ثانياً .
الوجه الثالث : إن المتلفظ بالنية يفعل ويداوم على فعل لم يفعله الرسول ( ولم يداوم عليه وهذا بدعة واضحة عند أهل العلم .
الوجه الرابع : لا مدخل للتلفظ بالنية في حصولها في القلب والتلفظ بها عبث والقصد أمر ضروري لفعل الفاعل :(1/81)
لقد ظن القائلون بالاستحباب أن للتلفظ مدخلاً في تحصيل النية بأن يؤكد عزيمة القلب وهذا خطأ فإن القائل - إذا قال نويت صلاة الظهر أو نويت رفع الحدث - إما أن يكون مخبراً أو منشئاً فإن كان مخبراً فإما أن يكون إخباره لنفسه أو لغيره وكل ذلك عبث لا فائدة فيه ، لأن الإخبار إنما يفيد إذا تضمن تعريف المخبر ما لم يكن عارفاً وهذا محال في إخباره لنفسه ، وإن كان إخباراً لغيره بالنية فهو عبث محض وهو غير مشروع ولا مفيد وهو بمثابة إخباره بسائر أفعاله من صومه وصلاته وحجه وزكاته بل بمنزلة إخباره له عن إيمانه وحبه وبغضه بل قد يكون في هذه الأخبار فائدة وأما إخبار المأمومين أو الإمام بالنية فعبث محض .
ولا يصح أن يكون ذلك إنشاءً فإن اللفظ لا ينشئ وجود النية وإنما إنشاؤها إحضار حقيقتها في القلب لا إنشاء اللفظ الدال عليها .
والذي يوجد حقيقتها في القلب العلم الذي يتقدمها ويسبقها فالنية تتبع العلم فمن علم ما يريد فعله لا بد أن ينويه ضرورة كمن قدم بين يديه طعام ليأكله فإذا علم أنه يريد الأكل فلا بد أن ينويه وكذلك الركوب وغيره .
ولو كلف العباد أن يعملوا بغير نية كلفوا ما لا يطيقون فإن كل أحد إذا أراد أن يعمل عملاً مشروعاً أو غير مشروع فعلمه سابق إلى قلبه وذلك هو النية وإذا علم الإنسان أنه يريد صلاة أو صوماً أو طهارة فلا بد أن ينويه - إذا علمه - ضرورة وإنما يتصور عدم النية إذا لم يعلم ما يريد مثل من نسي الجنابة واغتسل للنظافة أو للتبرد أو من يريد أن يعلّم غيره الوضوء ولم يرد أن يتوضأ لنفسه أو من لا يعلم أن غداً من رمضان فيصبح ناوياً للصوم وأما الذي يعلم أن غداً من رمضان وهو يريد الصوم فهذا لا بد أن ينويه ضرورة ولا يحتاج أن يتكلم به (1).
الوجه الخامس : إن القول بوجوب التلفظ أو استحبابه له آثار سيئة فقد أوقع كثيراً من الناس في الوسوسة في الصلاة وغيرها .(1/82)
قال ابن الجوزي :[ واعلم أن الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل العقل وجهل بالشرع ، ومعلوم أن من دخل عليه عالم فقام له وقال : نويت أن أنتصب قائماً تعظيماً لدخول هذا العالم لأجل علمه مقبلاً عليه بوجهي ، سفه في عقله فإن هذا قد تصور في ذهنه منذ رأى العالم ، فقيام الإنسان إلى الصلاة ليؤدي الفرض أمر يتصور في النفس في حالة واحدة لا يطول زمانه وإنما يطول زمان نظم هذه الألفاظ والألفاظ لا تلزم والوسواس جهل محض ، وإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر في قلبه الظهرية والأدائية والفرضية في حالة واحدة مفصلة بألفاظها وهو يطالعها وذلك محال ، ولو كلف نفسه ذلك في القيام للعالم لتعذر عليه فمن عرف هذا عرف النية] (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ بل التلفظ بالنية نقص في العقل والدين ، أما في الدين فلأنه بدعة وأما في العقل فلأنه بمنزلة من يريد يأكل طعاماً فيقول : نويت بوضع يدي في هذا الإناء أني أريد آخذ منه لقمة فأضعها في فمي فأمضغها ثم ابلعها لأشبع . مثل القائل الذي يقول : نويت أصلي فريضة هذه الصلاة المفروضة علي حاضر الوقت أربع ركعات في جماعة أداء لله تعالى ، فهذا كله حمق وجهل وذلك أن النية بليغ العلم ، فمتى علم العبد ما يفعله كان قد نواه ضرورة ، فلا يتصور مع وجود العلم بالعقل أن يفعل بلا نية ولا يمكن مع عدم العلم أن تحصل نية .
وقد اتفق الأئمة على أن الجهر بالنية وتكريرها ليس بمشروع بل من اعتاد ذلك فإنه ينبغي له أن يؤدب تأديباً يمنعه عن ذلك التعبد بالبدع وإذاء الناس برفع صوته لأنه قد جاء الحديث :( أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهرن بعضكم على بعض بالقراءة ) فكيف حال من يشوش على الناس بكلامه بغير قراءة ؟ بل يقول : نويت أصلي ، أصلي فريضة كذا وكذا ، في وقت كذا وكذا من الأفعال التي لم يشرعها رسول الله ( ] (1).(1/83)
وقال ابن الحاج :[ وما تقدم من أن النية لا يجهر بها فهو عام في الإمام والمأموم والفذ فالجهر بها بدعة على كل حال إذ أنه لم يرو أن النبي ( ولا الخلفاء ولا الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين جهروا بها فلم يبق إلا أن يكون الجهر بها بدعة ] (2).
وهذا الحكم وهو عدم جواز التلفظ بالنية وأنه بدعة يعم جميع العبادات من الطهارة والصلاة والصيام والاعتكاف والحج وغيرها .
المسألة الثانية : طلب الإمام من المأمومين أن يستحضروا النية :
اعتاد كثير من أئمة المساجد بعد إقامة الصلاة وقبل أن يكبروا تكبيرة الإحرام أن يقولوا للمصلين استحضروا النية .
وهذا الأمر باستحضار النية بدعة مخالفة لهدي الرسول( وما فعله ( ولا أحد من أصحابه .
والنية تكون في قلب الإنسان حاضرة ولا تحتاج إلى استحضار فهي حاصلة في قلبه وتحصيل الحاصل محال .
فالمصلون حينما تقام الصلاة ويقفون في الصفوف ويسمعون الإمام يأمر بتسوية الصفوف لا شك أن نياتهم حاصلة في قلوبهم فهم يوقنون أنهم سيصلون تلك الصلاة التي أقيمت فمن العبث أن يقال لهم استحضروا النية كما أنه من العبث أن يقال لمن وضع الطعام أمامه ليأكل قيل له استحضر نية الأكل فهذه النية موجودة في القلب ويستقبح القول باستحضارها لأنها حاضرة .
ويضاف إلى ذلك أنه لم ينقل عن النبي( أنه أمر الصحابة باستحضار النية وكان ( يؤمهم في كل يوم خمس مرات وصلى بهم إماماً آلاف الصلوات فلو وقع ذلك منه ( لنقله لنا الصحابة كما نقلوا لنا دقائق الأمور في صفة صلاته وغيرها من الأعمال والثابت أن الرسول( كان يأمر بتسوية الصفوف ثم يكبر تكبيرة الإحرام وقد ورد في ذلك عدة أحاديث منها :
1. عن أنس ( قال :( كان رسول الله ( يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول ، تراصوا واعتدلوا ) رواه البخاري ومسلم (1).(1/84)
2. عن النعمان بن بشير قال :( كان رسول الله ( يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال : عباد الله لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله وجوهكم ) رواه مسلم (1).
3. وفي رواية أخرى عن النعمان قال :( كان رسول الله( يسوي يعني صفوفنا إذا قمنا للصلاة فإذا استوينا كبر ) رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني صحيح (2).
ومثل ذلك ورد عن الصحابة رضي الله عنهم فقد روى مالك بإسناده عن نافع أن عمر ابن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف فإذا جاؤوه فأخبروه أن قد استوت كبر .
وروى مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه انه قال :[ كنت مع عثمان بن عفان فقامت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي فلم أزل أكلمه وهو يسوي الحصباء بنعليه حتى جاءه رجال قد كان وكلهم بتسوية الصفوف فأخبروه أن الصفوف قد استوت، فقال لي: استو في الصف ثم كبر ] (3).
فهذه الأحاديث عن رسول الله ( والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في صفة ما كانوا يفعلون قبل تكبيرة الإحرام من تسوية الصفوف والأمر بها ثم تكبيرة الإحرام ولم ينقل أنهم كانوا يقولون للمصلين استحضروا النية. وهذا واضح الدلالة لكل منصف أن هذا القول بدعة ينبغي تركها .
المبحث الثالث
ختم الصلاة الجماعي
اعتاد كثير من أئمة المساجد والمصلين بعد التسليم من صلاة الجماعة أن يستقبل إمام المسجد المصلين ثم يبدؤون بقراءة الأذكار المأثورة وغير المأثورة على هيئة الاجتماع ورفع الصوت .
فيسبحون ويحمدون ويكبرون ثم يقرؤون بعض السور بشكل جماعي ثم يدعو إمام المسجد وهم يؤمنون على دعائه ثم يختمون ذلك بقراءة الفاتحة لأرواح أموات المسلمين .
وهذه الهيئة المسماة ختم الصلاة بدعة غير مشروعة ومخالفة لما كان عليه الهدي النبوي كما سأبينه بعد قليل .(1/85)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ أما دعاء الإمام والمأمومين جميعاً عقيب الصلاة فهو بدعة لم يكن على عهد النبي ( ] (1).
وقال الشيخ علي محفوظ :[ ومن البدع المكروهة ختم الصلاة على الهيئة المعروفة من رفع الصوت به وفي المسجد والاجتماع له والمواظبة عليه حتى اعتقد العامة أنه من تمام الصلاة وأنه سنة لا بد منها مع أنه مستحب انفراداً سراً فهذه الهيئة محدثة لم تعهد عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ولا عن الصحابة وقد اتخذها الناس شعاراً للصلوات المفروضة عقب الجماعة وقد صرح كثير من الفقهاء بأن إحداث الشعار في الدين مكروه ولذا قال الإمام ابن الصلاح بكراهة ما يفعله الناس بعد فراغهم من السعي بين الصفا والمروة من صلاة ركعتين على متسع المروة وكيف يجوز رفع الصوت به والله تعالى يقول في كتابه الحكيم :( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) والتضرع من الضراعة وهي الذلة والخشوع والاستكانة والخفية بضم الخاء وكسرها الإسرار به فإنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء وانتصابهما على الحال أي ادعوه متضرعين بالدعاء مخفين له مسرين به ثم علل ذلك بقوله :( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) في الدعاء بترك ما أمروا به من التضرع والإخفاء كما لا يحب الاعتداء في سائر الأشياء والاعتداء تجاوز الحدود فيها فمن جاوز ما أمره الله به في شيء من الأشياء فقد اعتدى والله لا يحب المعتدين ولا يشملهم برحمته وإحسانه وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولاً أولياً وحسبك في تعيين الإسرار بالدعاء اقترانه بالتضرع في هذه الآية الكريمة فالإخلال به كالإخلال بالتضرع في الدعاء وإن دعاءً لا تضرع فيه ولا خشوع لقليل الجدوى فكذلك دعاء لا خفية فيه ولا إسرار ولا وقار ] (1).(1/86)
وقال العلامة ابن القيم :[ وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين فلم يكن ذلك من هديه( ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن ] (2).
وختم الصلاة بهذه الطريقة غير معروف عن الرسول( بل كان هديه( بعد الصلاة كما يلي :
قال الإمام النووي :[ وروينا في صحيح مسلم عن ثوبان ( قال : كان رسول الله ( إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام .
قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث : كيف الاستغفار ؟ قال : تقول أستغفر الله أستغفر الله .
وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة ( أن رسول الله ( كان إذا فرغ من الصلاة وسلَّم قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
وروينا في صحيح مسلم عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلّم : لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل ، وله الثناء الحسن لا إله إلا الله ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون .
قال ابن الزبير : وكان رسول الله ( يهلل بهن دبر كل صلاة ] (1).
وقال العلامة ابن القيم :[ فصل : فيما كان رسول الله ( يقوله بعد انصرافه من الصلاة وجلوسه بعدها وسرعة الانتقال منها وما شرعه لأمته من الأذكار والقراءة بعدها .
كان إذا سلّم استغفر ثلاثاً وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام . ولم يمكث مستقبل القبلة إلا مقدار ما يقول ذلك بل يسرع الانتقال إلى المأمومين . وكان ينفتل عن يمينه وعن يساره وقال ابن مسعود : رأيت رسول الله ( كثيراً ينصرف عن يساره .(1/87)
وقال أنس : أكثر ما رأيت رسول الله ( ينصرف عن يمينه والأول في الصحيحين والثاني في مسلم .
وقال عبد الله بن عمرو : رأيت رسول الله ( ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة. ثم كان يقبل على المأمومين بوجهه ولا يخص ناحيةً منهم دون ناحية وكان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس] (1).
ثم ذكر نحو كلام النووي السابق ثم قال :[ وندب أمته إلى أن يقولوا في دبر كل صلاة : سبحان الله ثلاثاً وثلاثين والحمد لله كذلك والله أكبر كذلك . وتمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
وفي صفة أخرى : التكبير أربعاً وثلاثين فيتم به المائة .
وفي صفة أخرى : خمساً وعشرين تسبيحة ومثلها تحميدة ومثلها تكبيرة ومثلها لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
وفي صفة أخرى : عشر تسبيحات وعشر تحميدات وعشر تكبيرات ] (2).
وقال الشيخ علي محفوظ :[ وغير خاف عليك أن ختم الصلاة على الحالة المعلومة من البدع الإضافية التي هي مثار الخلاف بين أنصار السنة والبدعة فإنه مشروع باعتبار غير مشروع باعتبار آخر فإنك إذا نظرت إليه من جهة كونه قرآناً وذكراً ودعاءً وجدته مشروعاً وإذا نظرت إليه من ناحية ما عرض له من الهيئة برفع الصوت ، واجتماع المستغفرين ، وفي المسجد والمواظبة عليه وجدته غير مشروع فما أكثر التباس الباطل بالحق على كثير من الناس اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه إنك رب التوفيق والهداية يا رحمن ] (1).
المبحث الرابع
بدعة المصافحة بعد الصلاة
وقول المصلي للآخر : تقبل الله منا ومنكم
كثير من المصلين وبمجرد انتهاء الإمام من التسليم يمدون أيديهم لمن هم على أيمانهم وشمائلهم لمصافحتهم قائلين : تقبل الله منَّا ومنكم .
وهذه بدعة مخالفة لهدي النبي( وبيان هذا من وجوه :(1/88)
الأول : إن المصافحة من السنن المتفق عليها عند لقاء المسلم مع أخيه المسلم .
فقد روى الإمام البخاري بإسناده عن قتادة قال( :( قلت لأنس ( أكانت المصافحة في أصحاب النبي( قال : نعم ) (1).
وجاء في الحديث عن البراء بن عازب( قال : قال رسول الله ( : (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يتفرقا ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وقال الشيخ الألباني : صحيح (2).
ووردت أحاديث أخرى في المصافحة ، ويؤخذ من هذه الأحاديث أن المصافحة سنة عند كل لقاء بين مسلمين .
الثاني : إن ما اعتاده الناس من المصافحة بعد الصلوات لا أصل له في الشرع على هذا الوجه بل هو بدعة لأن المصافحة مشروعة عند القدوم واللقاء ويستثنى من هذا من قدم إلى الصلاة ولم يجتمع بمن يصافحه قبل الصلاة فالمصافحة في حقهما مشروعة حينئذ .
وما قاله بعض العلماء من أن المصافحة عقب الصلوات بدعة مباحة فقد أجاب عليه الحافظ ابن حجر بقوله :[ قلت : وللنظر فيه مجال فإن أصل صلاة النافلة سنة ومع ذلك فقد كره المحققون تخصيص وقت بها دون وقت ، ومنهم من أطلق تحريم مثل ذلك كصلاة الرغائب التي لا أصل لها](1).
وأجاب على ذلك أيضاً العلامة علي القاري فقال :[ إن إتيان السنة في بعض الأوقات لا يسمى بدعة مع أن عمل الناس في الوقتين المذكورين ليس على وجه الاستحباب المشروع فإن محل المصافحة المشروعة أول الملاقاة وقد يكون جماعة يتلاقون من غير مصافحة ويتصاحبون بالكلام ومذاكرة العلم وغيره مدة مديدة ثم إذا صلوا يتصافحون فأين هذا من السنة المشروعة ؟ ولهذا صرح بعض علمائنا بأنها مكروهة حينئذ وأنها من البدع المذمومة ، نعم لو دخل أحد في المسجد والناس في الصلاة أو على إرادة الشروع فيها فبعد الفراغ لو صافحهم لكن بشرط سبق السلام للمصافحة فهذا من جملة المصافحة المسنونة بلا شبهة ] (2).(1/89)
إذا تقرر هذا فأقول إن المصافحة عقب الصلاة بدعة وليس لها دليل من سنة ولا أثر والالتزام بها هدي لم يدل عليه الشرع فيكون بدعة (3).
وقد نص على بدعتيها كثير من أهل العلم قال العز بن عبد السلام : [ المصافحة عقيب الصبح والعصر من البدع إلا لقادم لم يجتمع بمن يصافحه قبل الصلاة فإن المصافحة مشروعة عند القدوم ] (4).
وقال التركماني :[ وأما المصافحة في الصلاتين بعد صلاة العصر وبعد صلاة الصبح فبدعة من البدع التي استوى طرفاها لا أصل لها في الشرع واختار بعض العلماء تركها لأنها زيادة في الدين ] (1).
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن المصافحة عقيب الصلاة هل هي سنة أم لا ؟ فأجاب : الحمد لله ، المصافحة عقيب الصلاة ليست مسنونة بل هي بدعة ] (2).
ونقل ابن عابدين عن بعض فقهاء الحنفية قوله :[ تكره المصافحة بعد أداء الصلاة بكل حال لأن الصحابة رضي الله عنهم ما صافحوا بعد أداء الصلاة ولأنها من سنن الروافض ] (3).
وقال ابن الحاج :[ وينبغي ... أن يمنع ما أحدثوه من المصافحة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وبعد صلاة الجمعة بل زاد بعضهم في هذا الوقت فعل ذلك بعد الصلوات الخمس وذلك كله من البدع وموضع المصافحة في الشرع إنما هو عند لقاء المسلم لأخيه لا في أدبار الصلوات الخمس وذلك كله من البدع فحيث وضعها الشرع نضعها فينهى عن ذلك ويزجر فاعله لما أتى من خلاف السنة ] (4).(1/90)
وقال اللكنوي :[ إنهم قد اتفقوا على أن هذه المصافحة ليس لها أصل في الشرع ثم اختلفوا في الكراهة والإباحة والأمر إذا دار بين الكراهة والإباحة ينبغي الإفتاء بالمنع فيه لأن دفع مضرّة أولى من جلب مصلحة فكيف لا يكون أولى من فعل أمر مباح على أن المصافحين في زماننا يظنونه أمراً حسناً ويشنعون على مانعه تشنيعاً بليغاً ويصرون عليه إصراراً شديداً وقد مرّ أن الإصرار على المندوب يبلغه إلى حدّ الكراهة فكيف إصرار البدعة التي لا أصل لها في الشرع وعلى هذا فلا شك في الكراهة وهذا هو غرض من أفتى بالكراهة مع أن الكراهة إنما نقلها من نقلها من عبارات المتقدمين والمفتين فلا يوازيها روايات مثل صاحب " جمع البركات " …
و" السراج المنير " و" مطالب المؤمنين " من تساهل مصنفيها في تحقيق الروايات أمر مشهود وجمعهم كل رطب ويابس معلوم عند الجمهور والعجب من صاحب " خزانة الرواية " حيث قال فيها في عقد اللآلئ ، قال عليه السلام :( صافحوا بعد صلاة الفجر يكتب الله لكم بها عشراً ) وقال عليه الصلاة والسلام :( صافحوا بعد العصر تؤجروا بالرحمة والغفران ) ولم يتفطن أن هذين الحديثين وأمثالهما موضوعان وضعهما المصافحون فإن لله وإن إليه راجعون ] (1).
الثالث : إن قول المصلي لمن هو على يمينه وشماله عند مصافحته " تقبل الله " بدعة أيضاً [ ولم نعلم عن أحد من الصحابة أو السلف الصالح رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا فرغوا من صلاتهم التفت أحدهم عن يمينه وشماله مصافحاً من حوله مباركاً له بقبول الصلاة ولو فعل ذلك أحد منهم لنقل إلينا ولو بسند ضعيف ولنقله لنا أهل العلم الذين خاضوا في كل بحر فغاصوا في أعماقه واستخرجوا منه أحكامه الكثيرة ولم يفرطوا في سنة قولية أو فعلية أو تقريرية أو صفة ] (2).(1/91)
الرابع : إن هذه المصافحة وقولهم تقبل الله منا ومنكم تقطع على كثير من المصلين تسبيحهم وذكرهم المشروع ولا ينبغي للمسلم أن يقطع تسبيح أخيه المسلم إلا بسبب شرعي وهذه المصافحة ليست كذلك (3).
الخامس : إن كثيراً من المصلين الذين يداومون على هذه البدعة يتركون في مقابلها سنة ثابتة عن الرسول ( فنراهم يصافحون من حولهم من المصلين ثم بعد ذلك يقومون إلى صلاة السنة البعدية ثم يخرجون من المسجد ويتركون سنة التسبيح والأذكار الواردة بعد الصلوات المفروضات فهؤلاء أساؤوا حيث إنهم التزموا البدعة وتركوا السنة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
المبحث الخامس
بدع محدثة في دعاء القنوت
ثبت أن النبي ( قنت في الفجر بعد الركوع شهراً ثم ترك القنوت وثبت أنه ( كان يقنت في النوازل وترك القنوت عند عدمها وثبت أنه ( قنت في الوتر وتركه أحياناً أخرى (1).
وجاء في الحديث أن النبي علّم دعاء القنوت لابن بنته الحسن بن علي رضي الله عنهم ، قال الحسن ( : علمني رسول الله ( كلمات أقولهن في الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة (2).
وفي رواية عند البيهقي زيادة :( ولا يعز من عاديت ) بعد قوله :( ولا يذل من واليت ) (3).
وزاد النسائي في آخر الدعاء :( وصلى الله على النبي محمد ) وقال النووي : وإسناده حسن أو صحيح (4). وقال الترمذي :[ هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي واسمه ربيعة بن شيبان . ولا نعرف عن النبي ( في القنوت شيئاً أحسن من هذا ] وصححه الشيخ الألباني (1).
وقد أحدث الناس بدعاً كثيرة في القنوت أذكر منها :
أولاً : تقليب اليدين عند الدعاء وقول المأمومين بعض الكلمات عند دعاء الإمام كقولهم : حق ، حق ، أشهد ، ونحو ذلك .(1/92)
وهذا التقليب للكفين لم يرد عن الرسول ( في دعاء القنوت لا في قنوت الفجر ولا في قنوت الوتر وإنما ورد تقليب الكفين في دعاء الاستسقاء خاصة ولعل الحكمة في الإشارة بظهر الكفين في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقليب الحال كما قيل في تحويل الرداء كما أفاده الشوكاني (2).
ولم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم حال القنوت في الصلاة إلا التأمين وأما زيادة هذه الألفاظ نحو : حق ، وأشهد فليس لها مستند ، بل هي بدعة لأن الدعاء من العبادة والأصل في العبادة التوقيف (3).
ولو فعله الصحابة رضي الله عنهم لنقل إلينا كما نقل أنهم كانوا يؤمنون على دعاء النبي ( كما جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :[ قنت رسول الله ( شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الأخيرة يدعو على أحياء من بني سليم ويؤمن من خلفه ] رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح كما قال الإمام النووي (4).
ثانياً : مسح الوجه والبدن في دعاء القنوت :
إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من دعاء القنوت أمر مشهور بين عامة الناس ولكن هذا الأمر مع شهرته وانتشاره وعمل كثير من الناس به لا سند له عن رسول الله ( ولا عن السلف الصالح رضي الله عنهم وإن قال به بعض الفقهاء .
قال الإمام النووي رحمه الله عند حديثه عن هذه المسألة إن فيها وجهين: الأول أنه يستحب وذكر جماعة من الفقهاء الذين قالوا بذلك ثم قال النووي : والثاني لا يمسح وهذا هو الصحيح صححه البيهقي والرافعي وآخرون من المحققين (1).
ثم ذكر كلام البيهقي التالي وأنقله من سننه رحمه الله حيث قال :[ فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظ عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة وقد روي عن النبي ( حديث ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة .(1/93)
وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس ، فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق ] (2).
وأقول جزى الله أئمتنا وعلمائنا خيراً فإنهم وقَّافون عند موارد النصوص فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الابتداع .
وأما الحديث الذي أشار إليه البيهقي فهو ما رواه أبو داود في سننه بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول ( قال :( سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ) قال أبو داود روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضاً(1).
وقد علق الشيخ الألباني على هذه الرواية :( فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ) فقال :[ وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرةٌ ولم أجد لها حتى الآن شاهداً ... ] ثم قال :[ ... لا يصلح شاهداً للزيادة حديث ابن عمر مرفوعاً :( كان النبي ( إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه ) لأن فيه متهماً بالوضع - أي الكذب - وقال أبو زرعة : حديثٌ منكرٌ أخاف أن لا يكون له أصل ] (2).
وروى البيهقي بسنده عن علي الباشاني قال : سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه ، قال : لم أجد له ثبتاً أي مستنداً (3).
[ وسئل الإمام مالك عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء ، فأنكر ذلك وقال : ما علمت ] (4).
وقال المروزي : [ وأما أحمد بن حنبل ، فحدثني أبو داود قال : سمعت أحمد وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ من الوتر ، فقال : لم أسمع فيه بشيء . ورأيت أحمد لا يفعله ] (5).
وأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية عن سؤال حول مسح الوجه عند الدعاء فقال : [ وأما رفع النبي ( يديه في الدعاء فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة . وأما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة ] (1).(1/94)
وقال العز بن عبد السلام :[ ولا يمسح وجهه بيديه عقب الدعاء إلا جاهل ] (2).
وأما مسح غير الوجه بعد الدعاء كالصدر فلم يؤثر فيه شيء من حديث أو أثر كما قال د. بكر أبو زيد فقد حقق مسألة مسح الوجه وما يتعلق بها تحقيقاً موسعاً وأجاد فيه وأفاد (3).
وقال الإمام النووي : [ قلت : لا يستحب مسح غير وجهه قطعاً ، بل نص جماعة على كراهته ] (4).
المبحث السادس
بدع الجمعة
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الصلاة والسلام على رسول الله ( قبل أذان الجمعة :
ومن البدع ما يفعله المؤذنون من الصلاة والسلام على رسول الله قبل أذان الجمعة الثاني الذي يكون بين يدي الخطيب حيث إن المؤذن يبدأ بقراءة الآية الكريمة :( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (1) وبعد ذلك يشرع في الأذان .
وهذه بدعة وتشريع بغير دليل ولم ينقل ذلك عن رسول الله ( ولا أمر بذلك أحداً من مؤذنيه ولم يفعله أئمة الهدى من الصحابة والتابعين وقد نص الحافظ ابن حجر العسقلاني بأن ما أحدث قبل أذان الجمعة من الصلاة والسلام على النبي ( ليس من جملة الأذان وليس كذلك لا لغة ولا شرعاً (2).
وقال ابن الحاح : [ وينبغي له - أي الإمام - أن ينهى المؤذنين عما أحدثوه من أن الإمام إذا خرج على الناس في المسجد يقوم المؤذنون إذ ذاك ويصلون على النبي ( ويكررون ذلك مراراً حتى يصل إلى المنبر وإن كانت الصلاة على النبي ( من أجل العبادات ] (3).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : [ والسنة في الصلاة على النبي ( أن يصلي عليه سراً كالدعاء ، أما رفع الصوت بها قدام بعض الخطباء فمكروهٌ أو محرمٌ اتفاقاً ] (1).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل مؤذن يقول عند دخول الخطيب إلى الجامع :( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ... ) فقال رجل : هذا بدعة فما يجب عليه ؟(1/95)
فأجاب : جهر المؤذن بذلك كجهره بالصلاة والترضي عند رقي الخطيب المنبر أو جهره بالدعاء للخطيب والإمام ونحو ذلك لم يكن على عهد رسول الله ( وخلفائه الراشدين ولا استحبه أحدٌ من الأئمة ، وأشدُ من ذلك الجهر بنحو ذلك في الخطبة وكل ذلك بدعة والله أعلم ) (2) .
وذكر الشيخ ابن حجر المكي أن الصلاة والسلام على النبي ( قبل الأذان ليس من السنة ومن أتى بها معتقداً بسنيتها في ذلك المحل المخصوص ينهي عنه ويمنع منه
لأنه تشريع بغير دليل ومن شرع بلا دليل يزجر عن ذلك وينهى عنه (3) .
المسألة الثانية : نداء المؤذن بين يدي خطيب الجمعة بالحديث النبوي : ( إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ):
من البدع المنتشرة في كثير من المساجد يوم الجمعة أن المؤذن بعد انتهائه من الأذان الثاني - وهو الذي يكون بين يدي الخطيب - ينادي بالحديث عن أبي هريرة ( أن النبي ( قال :( إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ) وهذا الحديث ثابت وصحيح فقد رواه البخاري ومسلم (1)، ولكن مناداة المؤذن به في كل جمعة بدعة ليس لها مستند من الشرع . فالرسول ( لم يأمر أحداً من مؤذنيه أن ينادي بهذا الحديث بين يديه ( ولو فعل ذلك لنقل وكذا لم ينقل عن أئمة الهدى من الصحابة والتابعين .
وتسمى هذه البدعة وما قبلها الترقية قال الشيخ الألباني عند ذكره لبدع الجمعة :
[ الترقية ، وهي تلاوة آية :( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...) ثم حديث ( إذا قلت لصاحبك ... ) يجهر بذلك المؤذنون عند خروج الخطيب حتى يصل إلى المنبر ] (2).(1/96)
قال الشيخ علي محفوظ :[ ومن البدع ما يقع عقب هذا الأذان عند المنبر مما يسمى بالترقية وهو تلاوة آية :( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...) ثم حديث :( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت ) رواه البخاري ، ولا شك أنه من البدع المذمومة ، ففي الدر المختار أنها بدعةٌ مكروهةٌ تحريماً عند أبي حنيفة لا عند أبي يوسف ومحمد ، وأما التأمين عند الدعاء والترضي عن الصحابة والدعاء للسلطان فمكروهٌ اتفاقاً . وفي البحر : اعلم أن ما تعورف من أن المرقي للخطيب يقرأ الحديث النبوي وأن المؤذنين يؤمنون عند الدعاء ويدعون للصحابة بالترضي وللسلطان بالنصر إلى غير ذلك فكله حرام على مقتضى مذهب أبي حنيفة رحمه الله ، وأغرب منه أن المرقي ينهى عن الأمر بالمعروف بمقتضى الحديث الذي يقرؤه ثم يقول : أنصتوا رحمكم الله ، ولم أرَ نقلاً في وضع هذا المرقي في كتب أئمتنا .
وفي كتب السادة المالكية : ومن البدع المكروهة التي ابتدعها أهل الشام وهم بنو أمية الترقية وما يقوله المرقي من : صلوا عليه ، وآمين ، ورضي الله عنهم ، فهو مكروه وكذا قوله الحديث عند فراغ المؤذن قبل الخطبة ] (1).
وقال ابن الحاج : [ وينهى ... عما أحدثه من ندائه عند إرادة الخطيب الخطبة بقوله للناس : أيها الناس صح عن رسول الله ( أنه قال :( إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت ) أنصتوا رحمكم الله ] (2).
وقد يقول قائل إن ما يقوم به المؤذن من المناداة بهذا الحديث هي من باب تذكير المصلين حتى يكفوا عن الكلام أثناء خطبة الجمعة .(1/97)
والجواب : إن المناداة بهذا الحديث صارت من شعائر صلاة الجمعة ، بحيث إن المؤذن يحافظ عليها محافظة شديدة وقد اعتقد أكثر العامة أنه جزء من صلاة الجمعة وأذكر أن أحد خطباء الجمعة أنكر في مستهل خطبة الجمعة على المؤذن مناداته بالحديث بين يدي ذلك الخطيب فما كان من المصلين إلا أن أنكروا على الخطيب اعتراضه مع أن الخطيب هو المصيب والمتبع للسنة والمؤذن هو المخطئ والمبتدع .
ويقال أيضاً إن تذكير المصلين لا يكون باتخاذ هذا الحديث شعاراً ينادى به في كل جمعة والتذكير والتعليم يقوم بهما إمام الجمعة في خطبة الجمعة فإنه إن رأى أحداً يتكلم أثناء الخطبة طلب منه السكوت وذكر للناس الحكم الشرعي في الكلام أثناء الخطبة .
وقد قال جمهور أهل العلم بمنع جميع أنواع الكلام أثناء خطبة الجمعة لهذا الحديث ولغيره من الأحاديث التي تنهى عن الكلام أثناء الخطبة (1).
قال الإمام النووي :[ قال القاضي : قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء يجب الإنصات للخطبة ... ] (2).
المسألة الثالثة : دعاء المؤذن عند جلوس الخطيب بين الخطبتين :(1/98)
قال الشيخ القاسمي : [ ومن المقرر في الفروع أن الخطيب إذا ارتقى المنبر فلا تبتدأ صلاة ولا يجهر بدعاء وذلك تأهباً لسماع الخطبة وإجلالاً للمقام ، وتخشعاً لهذه العبادة الأسبوعية ، وهذا معلوم من موضوع الاحتفال لأداء فريضة الجمعة وقد اتفق الفقهاء على الحظر من الجهر بالذكر أو الاستغفار أو الدعاء أو النداء في تلك الحالة اتفاقاً لا خلاف فيه استدلالاً بما صح عن النبي ( أنه قال :( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت ). فأثبت له اللغو بذلك مع أنه ينهى عن منكر فكيف بمن لا يكون قوله كذلك لا جرم أنه أشد منه لغواً وإثماً . إذا تحقق ذلك تبين أن ما يقوله بعض المؤذنين يوم الجمعة بين يدي الخطيب إذا جلس من الخطبة الأولى : غفر الله لك ولوالديك ولنا ولوالدينا والحاضرين ... الخ منكر يلزم إنكاره لأنه ذكر غير مشروع في وقت هو وقت الصمت أو التفكر القلبي للاتعاظ فتفريق جمعية قلوب الحاضرين برفع الصوت بذلك والجرأة على الجهر به في هذا الموضوع الرهيب لا يختلف فقيه في نكارته فلذلك يلزم الخطيب ومن قدر على إزالته أن ينهى عنه أسوة كل منكر والله أعلم ] (1).
المسألة الرابعة : رفع الخطيب يديه عند الدعاء في الخطبة :
الدعاء خلال خطبة الجمعة من السنة فيدعو الخطيب للمسلمين والمسلمات ويستغفر لهم (1) ، فقد روي في الحديث عن سمرة بن جندب :( أن رسول الله ( كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات كل جمعة ) رواه الطبراني في الكبير والبزار بإسناد ضعيف كما قال الهيثمي ، وقال الحافظ ابن حجر : رواه البزار بإسناد لين (2).
ولكن رفع الخطيب يديه أثناء الدعاء ليس من السنة بل هو بدعة عند كثير من أهل العلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة لأن النبي ( إنما كان يشير بإصبعه إذا دعا ] (3).
وقال العلامة ابن القيم :[ وكان ( يشير بإصبعه السبابة في خطبته عند ذكر الله سبحانه وتعالى ودعائه ] (4).(1/99)
ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث أن عمارة بن رؤيبة رأى بشر بن مروان رفع يديه في الخطبة فقال :[ قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله ( ما يزيد أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبِّحة ] رواه مسلم(5).
قال الإمام النووي :[ هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة ] (6).
وقال الشيخ خليل السهارنفوري :[ وحاصله أن رسول الله ( إذا كان يخطب على المنبر ما يشير إلا بإلإصبع السبابة وما يشير بيديه فالإشارة باليدين خلاف السنة فهو مكروه ] (1).
وقال أبو شامة المقدسي : [ وأما رفع أيديهم عند الدعاء فبدعة قديمة ] (2).
وقال جلال الدين السيوطي : [ ... ورفع أيديهم عند الدعاء فبدعة قبيحة ] (3).
المبحث السابع
بدع العيدين
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قول المؤذن عند المناداة لصلاة العيد العبارة التالية : [ الصلاة جامعة على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان يا أمة الهادي عليه السلام ] ويكررها ثلاثاً :
وهذا النداء بدعة ، وتوضيح ذلك من وجوه :
الأول : من المعلوم أن النبي ( كان يصلي العيدين بدون أذان ولا إقامة فقد صح في الحديث عن ابن جريح قال أخبرني عطاء عن جابر وابن عباس رضي الله عنهم قالا :( لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى ) رواه البخاري ومسلم (1).
وزاد مسلم :[ ثم سألته بعد حين فأخبرني قال : أخبرني جابر بن عبد الله الأنصاري أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيء ، لا نداء يومئذ ولا إقامة ].
وأما المناداة لصلاة العيدين بقولهم :( الصلاة جامعة ) فلم تثبت عن النبي ( إلا بخبر مرسل وهو ما رواه الشافعي عن الزهري أنه قال : وكان النبي ( يأمر في العيدين المؤذن أن يقول : الصلاة جامعة ) وذكره البيهقي عن الشافعي أيضاً وهو مرسل ضعيف كما قال النووي (2).(1/100)
وقال الإمام النووي بعد أن ذكره :[ ويغني عن هذا الحديث الضعيف القياس على صلاة الكسوف فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة فيها :
منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال :( لما كسفت الشمس في عهد رسول الله ( نودي بالصلاة جامعة ) سيوفي رواية :( أن الصلاة جامعة ) رواه البخاري ومسلم .
وعن عائشة رضي الله عنها :( أن الشمس خسفت على عهد رسول الله ( فبعث منادياً الصلاة جامعة ) رواه البخاري ومسلم .
ويستحب أن يقال الصلاة جامعة لما ذكرناه من القياس على الكسوف ...](1).
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكره :[ وهذا مرسل يعضده القياس على صلاة الكسوف لثبوت ذلك فيها ] (2).
وقد أجاب العلماء على هذا الاستحباب بأن الحديث مرسل ضعيف كما ذكره الإمام النووي ، وبأنه لم يثبت ذلك من هدي الرسول( .
قال الإمام مالك إنه سمع غير واحد من علمائهم يقول : لم يكن في عيد الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمان رسول الله إلى اليوم ، قال مالك :[ وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا ] (3).
وقال ابن القيم :[ وكان ( إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول : الصلاة جامعة ، والسنة أنه لا يفعل شيء من ذلك ] (4).
وقال الشيخ ابن قدامة :[ وقال بعض أصحابنا : ينادى لها : الصلاة جامعة وهو قول الشافعي ، وسنة رسول الله ( أحق أن تتبع ] (1).
وقال الشيخ محمود خطاب السبكي :[ وما روي من أنه ( كان يأمر المؤذن أن يقول الصلاة جامعة فهو مرسل عن الزهري ضعيف كما ذكره النووي فلا تقوم به حجة .(1/101)
وما قيل من أنه يقال فيها ذلك قياساً على الكسوف لا يعول عليه لأن محل القياس مسألة لم يعلم فيها نص ، وصلاة العيد تكررت منه ( في مجمع من الصحابة ، ومثل هذا تتوفر الدواعي على نقله تواتراً فلا محل للقياس فيه . وروى مسلم عن عطاء عن جابر قال : ( أخبرني جابر أن لا أذان لصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا ما بعد يخرج ولا إقامة ولا شيء) وهو بعمومه يشمل نفي قولهم الصلاة جامعة ونحوها ] (2).
ولم يرتض الصنعاني هذا القياس فقال :[ وأما القول بأنه يقال في العيد عوضاً عن الأذان " الصلاة جامعة " فلم ترد به سنة في صلاة العيدين . قال في الهدى النبوي : وكان ( إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة : أي صلاة العيد من غير أذان ولا إقامة ولا قول الصلاة جامعة ، والسنة أن لا يفعل شيء من ذلك ، وبه يعرف أن قوله في الشرح : ويستحب في الدعاء إلى الصلاة في العيدين وغيرهما مما لا يشرع فيه أذان كالجنازة : الصلاة جامعة ، غير صحيح إذ لا دليل على الاستحباب ولو كان مستحباً لما تركه ( والخلفاء الراشدون من بعده ، نعم ثبات ذلك في صلاة الكسوف لا غير ، ولا يصح فيه القياس ، لأن ما وجد سببه في عصره ( ولم يفعله ففعله بعد عصره بدعة فلا يصح إثباته بقياس ولا غيره ] (1).
وقال الشيخ الصاوي :[ تنبيه لا ينادى الصلاة جامعة أي لا يندب ولا يسن بل مكروه أو خلاف الأولى لعدم ورود ذلك فيها فبالكراهة صرح في التوضيح وقال : ابن ناجي وابن عمر إنه بدعة وما ذكره الخرشي من أنه جائز هنا فغير صواب بل ما ورد ذلك إلا في صلاة الكسوف ومحل كونه مكروهاً أو خلاف الأولى إن اعتقد مطلوبية ذلك وأما مجرد قصد الإعلام فلا بأس به ] (2) وما قاله أخيراً غير مسلّم .
ونقل الحطاب عن ابن ناجي في شرح الرسالة قوله :[ الذي تلقيناه من مشايخنا أن مثل هذا اللفظ بدعة لعدم وروده ] (3).(1/102)
ويمكن أن يقال إن صلاة الكسوف قد ثبتت المناداة لها بالصلاة جامعة حيث إن الكسوف يحدث فجأة فيحتاج إلى مناداة الناس وتنبيههم إلى الصلاة .
وأما صلاة العيد فوقتها معلوم والناس يجتمعون لها فلا حاجة فيها لهذا النداء والله أعلم .
الثاني : إن قول المؤذن بأن الصلاة تقام على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بدعة ما أنزل الله بها من سلطان وهذا التقييد للصلاة بأنها على مذهب أبي حنيفة تقييد باطل ما جاء به الشرع فلم يعهد عن أبي حنيفة ولا عن غيره من الأئمة المتبوعين أنهم يقييدون الصلاة بأن تكون على مذهبهم ولا أعتقد أن أبا حنيفة لو كان حياً يرضى بذلك .
والأصل أن الصلاة تكون كما كانت صلاة النبي ( القائل :[ صلوا كما رأيتموني أصلي ] رواه البخاري (1) .
ومن المعلوم أن أبا حنيفة وغيره من الأئمة هم أتباع للنبي ( وليس النبي ( تابعاً لواحد منهم .
ومن العجيب الغريب أنهم يزعمون أن الصلاة على مذهب أبي حنيفة ثم يخالفونه في مسألة مشهورة وهي الجهر بالبسملة في الصلاة وقد صليت أكثر من مرة في مسجد كبير ينادى فيه لصلاة العيد بالعبارة المذكورة ثم صلى إمام المسجد صلاة العيد وخالف مذهب أبي حنيفة فجهر بالبسملة في أربعة مواضع من صلاة العيد قبل قراءة الفاتحة وقبل السورة في الركعة الأولى وكذلك فعل في الركعة الثانية .
مع أنه من المعلوم أن مذهب أبي حنيفة الإسرار ببسم الله الرحمن الرحيم في هذه المواضع .
قال صاحب المختار :[ ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ويخفيها ثم إن كان إماماً جهر بالقراءة في الفجر والأوليين من المغرب والعشاء وفي الجمعة والعيدين ] (2).
الثالث : إن الالتزام بأداء صلاة العيد على مذهب أبي حنيفة والذي ينص على أن التكبيرات الزوائد ثلاث في الأولى بعد تكبيرة الإحرام ثم يقرأ الفاتحة وسورة وفي الركعة الثانية يبدأ بالقراءة ثم يكبر التكبيرات الثلاث الزوائد وتكبيرة للركوع (3).(1/103)
إن هذه الكيفية مرجوحة عند المحققين من العلماء والراجح هو مذهب جمهور أهل العلم أنه يكبر سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية وتكون التكبيرات الزوائد قبل القراءة في الركعتين ويدل على ذلك ما يلي :
1. عن عائشة رضي الله عنها :( أن رسول الله ( كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس ) رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني : صحيح (1).
2. وعن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده :( أن النبي ( كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الآخرة خمساً قبل القراءة ) رواه الترمذي ثم قال :[ حديث جد كثير حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي ( واسمه عمرو بن عوف المزني ، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي ( وهكذا روي عن أبي هريرة أنه صلى بالمدينة نحو هذه الصلاة وهو قول أهل المدينة وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق ] (2).
وصححه الشيخ الألباني (3).
3. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال النبي ( :( التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما ) رواه أبو داود ، وقال الإمام النووي :[ رواه أبو داود وآخرون بأسانيد حسنة فيصير بمجموعها صحيحاً . قال الترمذي في كتاب العلل : سألت البخاري عنه فقال : هو صحيح ) (1) وقال الشيخ الألباني : هو صحيح (2).
وغير ذلك من الأحاديث .
قال ابن القيم :[ وكان - ( - يبدأ بالصلاة قبل الخطبة فيصلى ركعتين يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح ... فإذا فرغ من القراءة كبر وركع ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود كبر خمساً متوالية فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين والقراءة يليها الركوع ] (3).(1/104)
وهذا هو مذهب أكثر العلماء فقد نقل عن جماعة من الصحابة كعائشة وعمر وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وجابر وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ونقل عن غيرهم أيضاً .
وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز والزهري والمزني والأوزاعي وإسحاق ومكحول والليث (4).
وقال الحافظ ابن عبد البر :[ وقد روي عن النبي ( أنه كبر في العيدين سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية من طرق حسان من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ... ومن حديث جابر ... ومن حديث عائشة ... ومن حديث عمرو بن عوف ... ومن حديث ابن عمر ... ومن حديث أبي واقد الليثي كلها عن النبي ( ... ] (5).
وقال الشيخ المباركفوري بعد أن ذكر ما احتج به الحنفية :[ ... فلا يصلح هذا الحديث للاستدلال وليس في هذا حديث مرفوع صحيح في علمي والله تعالى أعلم ... فالأولى للعمل هو ما ذهب إليه أهل المدينة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم لوجهين :
الأول : أنه قد جاء فيه أحاديث مرفوعة عديدة وبعضها صالح للاحتجاج والباقية مؤيدة لها .
وأما ما ذهب إليه أهل الكوفة فلم يرد فيه حديث مرفوع غير حديث أبي موسى الأشعري وقد عرفت أنه لا يصلح للاحتجاج .(1/105)
والوجه الثاني : أنه قد عمل به أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقد تقدم في كلام الحافظ الحازمي أن أحد الحديثين إذا كان عمل به الخلفاء الراشدون دون الثاني فيكون آكد وأقرب إلى الصحة وأصوب بالأخذ... ] (1). ثم ذكر قول الحنفية ثم قال :[ ليس يروى عن النبي( من وجه قوي ولا ضعيف مثل قول هؤلاء ... ] . ويضاف إلى ما سبق أن الأخذ بمذهب الحنفية في هذه المسألة يوقع كثيراً من المصلين في الخطأ أثناء الصلاة وذلك في الركعة الثانية حيث إن الإمام يبدؤها بالقراءة فيقرأ الفاتحة ثم سورة ثم يكبر التكبيرة الأولى من التكبيرات الثلاث الزوائد فيظن كثير من المصلين أنها تكبيرة الركوع فيركعون وعندما يكبر الإمام التكبيرة الثانية من الزوائد يعلمون أنها لم تكن للركوع فيرفعون . فيحدث بسبب ذلك أخطاء في الصلاة وبلبلة في صفوف المصلين .
وأخيراً يقال إن الناس معتادون في هذه البلاد على تقليد مذهب الشافعي في جميع الصلوات وأئمة المساجد ملتزمون بهذا التقليد فتراهم في صلاة الفجر يقنتون كما هو مذهب الشافعي فلماذا في صلاة العيد ينتقلون لمذهب أبي حنيفة ؟! إنها التقاليد الموروثة منذ زمن الدولة العثمانية .
المسألة الثانية : فرقة التكبير وما تقوم به من أمور مبتدعة :
وتوضيح ذلك أن مجموعة من المؤذنين والقراء يجلسون على شكل حلقة ثم يبدؤون بالتكبير الجماعي ويرددون بعض الأذكار ثم يصيح أحدهم في نهاية كل وصلة تكبير بصوت مرتفع الفاتحة ، وهكذا يعيدون الكرة مرة بعد مرة ثم ينقطعون فيتلو أحد القراء آيات من القرآن الكريم ثم يعودون إلى التكبير ويصيح أحدهم الفاتحة وهكذا دواليك وتستمر المجموعة في الزعق والصياح إلى أن يحين موعد الصلاة فيقوم أحدهم وينادي بقوله :[ الصلاة جامعة على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان يا أمة الهادي عليه السلام ].
وهذه الأمور مبتدعة وبيان ذلك فيما يلي :(1/106)
إن أصل التكبير مشروع في العيدين وهو من السنن الثابتة عن النبي( وهو نوعان عند أهل العلم .
الأول : التكبيرات الزوائد في صلاة العيد .
الثاني : التكبير في غير صلاة العيد وهو قسمان :
القسم الأول : التكبير المرسل أو المطلق وهو الذي لا يتقيد بحال بل يؤتى به في المنازل والمساجد والطرق ليلاً ونهاراً وفي غير ذلك .
القسم الثاني : المقيد وهو الذي يقصد الإتيان به في أدبار الصلوات وهو مشروع في عيد الأضحى دون عيد الفطر لأنه لم ينقل عن النبي( (1).
ومن الأحاديث الثابتة في التكبير ما جاء في الحديث عن محمد بن أبي بكر الثقفي قال : ( سألت أنساً ونحن غادون من منى إلى عرفات عن التلبية كيف كنتم تصنعون مع النبي ( ؟ قال : كان الملبي يلبي لا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه ) رواه البخاري (1).
وعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت :( كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها حتى نخرج الحيض فيكنَّ خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته ) رواه البخاري ومسلم (2).
قال الإمام النووي :[ وقولها :( يكبرن مع الناس ) دليل على استحباب التكبير لكل أحد في العيدين وهو مجمع عليه ] (3).
وقال الإمام البخاري :[ باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة وكان عمر ( يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً ، وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه وتلك الأيام جميعاً وكانت ميمونة تكبر يوم النحر وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد ] (4).
إذا ثبت هذا فإن التكبير في جملته مشروع فأما قراءة القرآن بين كل وصلة من التكبيرات فلم يرد في ذلك أثر وإنما كان الصحابة يقتصرون على التكبير فقط وما كانوا يقولون بعد انتهاء وصلة التكبير ( الفاتحة )،(1/107)
فإن هذه بدعة فليس هذا المقام محلاً لقراءة الفاتحة وسيأتي تفصيل الكلام على هذه البدعة عند الكلام على البدع المتعلقة بقراءة القرآن الكريم.
المبحث الثامن
بدع الجنائز
تشييع الجنازة واتباعها وحضور دفنها من السنن الثابتة عن الرسول( فقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة( أن الرسول ( قال : ( حق المسلم على المسلم خمس ، ردُّ السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس ) رواه البخاري ومسلم (1).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ( قال :( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ).
ويقول :( والذي نفسي بيده ما توادَّ اثنان فيفرَّق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ).
وكان يقول :( للمسلم على المسلم ست يشمته إذا عطس ويعوده إذا مرض وينصحه إذا غاب أو شهد ويسلّم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه ويتبعه إذا مات ) رواه أحمد بإسناد حسن كما قال الشيخ الألباني (2).
وعن أبي سعيد الخدري ( أنه سمع رسول الله ( يقول :
( خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة ، من عاد مريضاً وشهد جنازة وصام يوماً وراح إلى الجمعة وأعتق رقبة ) رواه ابن حبان وقال الشيخ الألباني صحيح (3).
وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه كان قاعداً عند ابن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال : يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ؟ يقول : إنه سمع رسول الله ( يقول : من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها واتبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد ومن صلَّى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد ).
فأرسل ابن عمر خباباً إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال : قالت عائشة صدق أبو هريرة فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يديه الأرض ثم قال : لقد فرطنا في قراريط كثيرة ) . رواه مسلم (1).(1/108)
وعن ثوبان ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من صلى على جنازة فله قيراط وإن شهد دفنها فله قيراطان ، القيراط مثل أحد ) رواه مسلم (2).
وجاء في الحديث أيضاً عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله ( : ( من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل : وما القيراطان ، قال : مثل الجبلين العظيمين ) رواه البخاري ومسلم (3).
وينبغي للمسلم الذي يحضر الجنازة عند تشييعها ودفنها ، أن يستذكر مصيبة الموت وأن يتعظ ويتفكر في هذا الميت ، وأن حال هذا المشيع سيصير إلى مثل ما صار إليه الميت ، وهذا التذكر يدفع الإنسان إلى محاسبة النفس والنظر والتفكر في أحواله ، فإن كان محسناً ازداد إحساناً وإن كان مسيئاً رجع وثاب إلى الرشد ، وهذا التفكر والاتعاظ مقصود من حضور الجنائز فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري( أن النبي ( قال :( عودوا المرضى واتبعوا الجنائز تذكّركم الآخرة ) رواه أحمد وابن حبان وصححه وقال الهيثمي : رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات (1)، وقال الشيخ الألباني : إسناده حسن (2).
وقد روي في الحديث :( أنه عليه الصلاة والسلام ، كان إذا اتبع جنازة أكثر الصمت ، ورؤي عليه الكآبة وأكثر حديث النفس ) رواه وكيع في الزهد وابن المبارك في الزهد أيضاً والطبراني وذكره السيوطي (3)، وله شاهد صحيح . فعن البراء بن عازب ( قال :( خرجنا مع رسول الله ( في جنازة فانتهينا إلى القبر فجلس كأن على رؤوسنا الطير ) رواه ابن ماجة ، وقال الشيخ الألباني : صحيح (4).
وقال الفضيل بن عياض :[ كانوا إذا اجتمعوا في جنازة يعرف فيهم ثلاثة أيام ]. ورأى عبد الله بن مسعود ( رجلاً يضحك في جنازة فقال :
[ أتضحك مع الجنازة ! لا أكلمك أبداً ].(1/109)
وكره العلماء أن يتكلم أحد في الجنازة ولا بقول القائل : استغفروا لأخيكم ، فقد سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً في جنازة يصيح ويقول : استغفروا لأخيكم ، فقال ابن عمر : لا غفر الله لك.
وسُئل سفيان بن عيينة عن السكوت في الجنازة وماذا يجيء به ؟ قال :
[ تذكر به حال يوم القيامة ، ثم تلا قوله تعالى : ( وَخَشَعَتْ الاصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ) ] (5).
وقال قتادة :[ بلغنا أن أبا الدرداء ( نظر إلى رجل يضحك في جنازة فقال له : أما كان فيما رأيت من هول الموت ما يُشغلك عن الضحك ].
وكان مطرف يلقى الرجل من خاصة أهله في الجنازة فعسى أن يكون غائبا فما يزيده على السلام ثم يعرض عنه اشتغالاً بما هو فيه .
ذكر هذه الآثار السيوطي (1) ثم قال :[ فهذا خوف هؤلاء السادات من الموت فأما اليوم فغالب من تراه يشهد الجنازة يلهون ويضحكون ، وما يتكلمون إلا في ميراثه وما خلفه لورثته ](2).
وقال الإمام النووي رحمه الله :[ يستحب له - أي الماشي مع الجنازة - أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى والفكر فيما يلقاه وما يكون مصيره وحاصل ما كان فيه ، وأن هذا آخر الدنيا ومصير أهلها ، وليحذر كل الحذر من الحديث بما لا فائدة فيه ، فإن هذا وقت فكر وذكر يقبح فيه الغفلة واللهو والاشتغال بالحديث الفارغ ، فإن الكلام بما لا فائدة فيه منهيٌ عنه في جميع الأحوال فكيف هذا الحال .
واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضوان الله عليهم السكوت في حال السير مع الجنازة ، فلا يرفع صوتاً بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك ، والحكمة فيه ظاهرة وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال ، فهذا هو الحق ولا تغترنّ بكثرة من يخالفه ، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض ( ما معناه : الزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين ] (3).(1/110)
وبعد أن بينت ما هي السنة في تشييع الجنازة أذكر بعض البدع والمخالفات التي تقع في الجنائز وفي ذلك مسائل :
المسألة الأولى : رفع الصوت بالذكر أثناء تشييع الجنازة :
كقول أحدهم : وحدوا الله . فيجيبه المشيعون بقولهم : لا إله إلا الله .
وكقول بعضهم : استغفروا لأخيكم ، ونحو ذلك من العبارات وهذه بدعة لأن هذه الأذكار ليس محلها حال تشييع الجنازة وقد كرهها كثير من العلماء .
ذكر أبو شامة المقدسي عن سعيد بن المسيب أنه قال في مرضه :[ إياي وحاديهم هذا الذي يحدو لهم يقول : استغفروا لأخيكم ] وكرهه الحسن والنخعي وابن جبير وأحمد وإسحاق وقال البيهقي :[ وروينا عن سعيد والحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي أنهم كرهوا أن يقال في الجنازة استغفروا له غفر الله لكم ] (1).
وقال الشيخ علي محفوظ :[ ومن البدع السيئة الجهر بالذكر أو بقراءة القرآن أو البردة أو دلائل الخيرات ونحو ذلك .
وكل هذا مكروه للإجماع على أن السنة في تشييع الجنازة السكوت وجمع الفكر للتأمل في الموت وأحواله وعليها عمل السلف رضوان الله عليهم](2).
ويلحق بهذه البدعة ما تعارف عليه كثير من الناس في زماننا هذا أثناء نقل الميت بسيارة مخصصة لنقل الموتى من قراءة القرآن الكريم بواسطة آلة تسجيل في السيارة مع تركيب جهاز مكبر للصوت وقراءة آيات مخصوصة من القرآن الكريم .
كما وأنهم اعتادوا على أن يكتبوا آيات معينة من القرآن الكريم على السيارات الخاصة بنقل الموتى .
وأما تشييع الجنائز على أنغام الموسيقى الحزينة ورفع الأعلام وحمل أكاليل الورود وحمل صور الميت وحمل بعض الأموات على عربة مدفع فكل ذلك من الأمور الممنوعة شرعاً .
المسألة الثانية : بدعة التلقين بعد الدفن :(1/111)
بعد دفن الميت وتسوية القبر عليه يقوم رجل ويلقن الميت بقوله :[ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ، كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ، الموت باب وكل الناس داخله الموت كأس وكل الناس شاربه واعلم يا عبد الله وابن أمته أنك مت وأن الموت حق وأن دخول القبر حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن سؤال الملكين حق ، فإذا جاءك الملكان الموكلان بك وبالناس أجمعين فلا يزعجاك ولا يرعباك واعلم أنهما خلق من خلق الله كما أنت خلق من خلقه، فإذا سألاك ما ربك ، وما قبلتك ، وما دينك ، وما منهاجك ، وما الذي عشت ومت عليه ؟ فقل لهما بلسان طلق لبق من غير تلجلج ولا وجل ولا خوف منهما ولا جزع فقل لهما الله ربي حقاً ، الله ربي حقاً ، الله ربي حقاً ، ومحمد نبيي صدقاً ، وإبراهيم الخليل أبي وملته ملتي والكعبة قبلتي ، وعشت ومت على قول لا إله إلا الله ، محمد رسول الله فإذا عادا وسألاك ثانيةً ماذا تقول في الرجل المبعوث فينا وفيكم وفي الخلق أجمعين فاعلم أنهما يعنيان النبي محمد( فقل لهما هو نبينا وشفيعنا ورسولنا محمد أتانا بالحق دين الهدى فاتبعناه وآمنا برسالته وصدقناه آمين آمين آمين ، يا مؤنس كل وحيد ويا حاضراً لست تغيب آنس اللهم وحدته وارحم غربته ولقنه حجته وعرِّفه نبيه .
اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله ونقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس واغسله بالماء والثلج والبرد ووسع مدخله وأكرم نزله اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله وللمسلمين ] ثم يقول الملقن للناس : انصرفوا مأجورين والتعزية من السنة يرحمكم الله .(1/112)
وهذا التلقين مبتدع وليس له سند من السنة عن الرسول( وقد نص على أنه بدعة طائفة من أهل العلم ، قال العز بن عبد السلام :[ لم يصح في التلقين شيء وهو بدعة وقوله ( :( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) محمول على من دنا موته ويئس من حياته ] (1).
ونُقِل عن الإمام مالك القول بكراهة التلقين بعد الموت (2).
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ فأما التلقين بعد الدفن فلم أجد فيه عن أحمد شيئاً ولا أعلم فيه للأئمة قولاً سوى ما رواه الأثرم قال : قلت لأبي عبد الله : فهذا الذي يصنعون إذا دفن الميت : يقف الرجل ويقول : يا فلان ابن فلان اذكر ما فارقت عليه شهادة أن لا إله إلا الله ؟! فقال : ما رأيت أحداً فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء إنسانٌ فقال ذلك ، قال : وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه ... ] (3).
وقال الشيخ المرداوي بعد أن ذكر أن مذهب الحنابلة إثبات التلقين بعد الدفن : [ ... والنفس تميل إلى عدمه ... ] (4).
وقال شمس الحق العظيم آبادي :[ والتلقين بعد الموت قد جزم كثير أنه حادث ] (5).
وقال العلامة ابن القيم :[ ولم يكن يجلس - أي الرسول ( - يقرأ عند القبر ولا يلقن الميت كما يفعله الناس اليوم ] (6).(1/113)
وقد احتج المثبتون للتلقين بعد الدفن بما روي في الحديث عن جابر بن سعيد الأزدي قال :[ دخلت على أبي أمامة وهو في النزع فقال لي : يا أبا سعيد إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله ( أن نصنع بموتانا فإنه قال : إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل : يا فلان ابن فلانة ! فإنه يستوي قاعداً فليقل : يا فلان ابن فلانة فإنه سيقول أرشدني رحمك الله فليقل : اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول له ما نصنع عند رجل قد لقن حجته ؟ فيكون الله حجيجهما دونه ] قال الشيخ الألباني : منكر ، أخرجه القاضي الخلعي في الفوائد 55/2 . قلت - أي الألباني -:[ وهذا إسناد ضعيفٌ جداً لم أعرف أحداً منهم غير عتبة بن السكن . قال الدار قطني : متروك الحديث . وقال البيهقي : واهٍ منسوبٌ إلى الوضع . والحديث أورده الهيثمي وقال :[ رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده جماعة لم أعرفهم ].
فالعجب من قول الحافظ في التلخيص بعد أن عزاه للطبراني : وإسناده صالح .... فأنى لهذا الإسناد الصلاح والقوة وفيه هذا الرجل المجهول ؟! بل فيه جماعة آخرون مثله في الجهالة ... ثم ذكر الشيخ الألباني أن النووي وابن الصلاح والحافظ العراقي وابن القيم قد ضعفوا الحديث (1).
وقال العلامة ابن القيم بعد أن ساق الحديث :[فهذا حديث لا يصح رفعه] (2). وذكر ابن علان قول الحافظ ابن حجر بعد تخريج حديث أبي أمامة: [ هذا حديث غريب وسند الحديثين من الطريقين ضعيفٌ جداً ] (3).
وقال الصنعاني :[ ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل به بدعة ولا يغتر بكثرة من يفعله ] (1).(1/114)
وقال الشيخ الألباني :[ واعلم أنه ليس للحديث ما يشهد له ، وكل ما ذكره البعض إنما هو أثر موقوف على بعض التابعين الشاميين لا يصلح شاهداً للمرفوع بل هو يعله وينزل به من الرفع إلى الوقف وفي كلمة ابن القيم السابقة ما يشير إلى ما ذكرته عند التأمل ، على أنه شاهد قاصر إذ غاية ما فيه : أنهم كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره : يا فلان قل لا إله إلا الله ، قل أشهد أن لا إله إلا الله " ثلاث مرات " قل : ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد .
فأين فيه الشهادة على بقية الجمل المذكورة في الحديث مثل "ابن فلانة " و"أرشدني " وقول الملكين "ما نصنع عند رجل " ... وجملة القول أن الحديث منكر عندي إن لم يكن موضوعاً .... ولا يرد هنا ما اشتهر من القول بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فإن هذا محله فيما ثبت مشروعيته بالكتاب أو السنة الصحيحة ، وأما ما ليس كذلك فلا يجوز العمل فيه بالحديث الضعيف لأنه تشريع ولا يجوز ذلك بالحديث الضعيف لأنه لا يفيد إلا الظن المرجوح اتفاقاً فكيف يجوز العمل بمثله ؟! فليتنبه لهذا من أراد السلامة في دينه فإن الكثيرين عنه غافلون نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق ] (2).
وقد احتج المثبتون للتلقين بما جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري ( أن النبي ( قال :( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) رواه مسلم (3).
وهذا الحديث ليس فيه التلقين بعد الموت وبعد الدفن وإنما هو في التلقين عند الاحتضار .
قال الإمام النووي :[ قوله :( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) معناه من حضره الموت والمراد ذكروه لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه كما في الحديث :( من كان آخر كلامه لا إله الله دخل الجنة ) والأمر بهذا التلقين أمر ندب وأجمع العلماء على هذا التلقين ] (1).
وسبق كلام العز بن عبد السلام أن هذا الحديث محمولٌ على من دنا موته ويئس من حياته .(1/115)
وقال صاحب الهداية الحنفي :[ ولُقن الشهادتين لقوله ( :( لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله ) والمراد الذي قرب من الموت ] (2).
ومما يؤيد تفسير الميت بالمحتضر كما ذهب إليه كثير من أهل العلم ما ورد في الحديث عن معاذ بن جبل ( قال : قال رسول الله ( :( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) رواه أبو داود والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وحسنه الشيخ الألباني (3).
ومما يؤيد ذلك أيضاً ما جاء في الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( : ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنه من كان آخر كلمته لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوماً من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه) رواه ابن حبان والبزار وقال محقق صحيح ابن حبان : حديث صحيح (4).
والمشروع عند الانتهاء من دفن الميت هو الاستغفار للميت والدعاء له ، قال العلامة ابن القيم : [ وكان - أي الرسول( - إذا فرغ من دفن الميت قام على قبره هو وأصحابه وسأل له التثبيت وأمرهم أن يسألوا له التثبيت ] (1).
ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عثمان( قال : ( كان النبي ( إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ) رواه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال النووي إسناده جيد وصححه الألباني أيضاً (2).
فيجوز الوقوف عند قبر الميت بعد دفنه وإهالة التراب عليه للاستغفار والدعاء له بل ذلك مستحب كما دل عليه الحديث السابق ولم يرد في بيان صفة الاستغفار والدعاء للميت بعد الدفن حديث يعتمد عليه فيما نعلم وإنما ورد الأمر بمطلق الاستغفار والدعاء له بالتثبيت فيكفي في أمثال هذا الأمر أي صفة استغفار ودعاء له كأن يقول : اللهم اغفر له وثبته على الحق ونحو ذلك (3).
المسألة الثالثة : قراءة الختمة للأموات :(1/116)
من البدع المنتشرة في أيامنا هذه ما يفعله عامة الناس بعد دفن ميتهم إذ يجلسون بعد صلاة العصر في يوم الوفاة ويومين بعده فيقرؤون السور الأخيرة من القرآن الكريم ابتداءً من سورة الضحى إلى سورة الناس ثم يقرؤون سورة الفاتحة وفواتح سورة البقرة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة وبعض الآيات الأخرى ثم يأتون ببعض الأذكار ويهللون مئة مرة ونحو ذلك .
وهنالك بعض المشايخ المتخصصين في القراءة على الأموات الذين يحترفون هذا العمل فيحضرونهم ومعهم مكبرات الصوت فيقرؤون الختمة بأجر متفق عليه وبعد الانتهاء يأكلون ما أعد لهم من طعام أو حلويات ويشربون القهوة والشاي وغيرها ، ويفعلون هذه البدعة ثلاثة أيام اعتباراً من يوم الدفن ، ثم يفعلونها ثلاثة أيام خميس تالية ثم في الأربعين وبعضهم يفعلها في ذكرى مرور سنة على وفاة الميت وبعضهم يزيد على ذلك .
وهذه كلها من البدع المخالفة لهدي الرسول( وبيان ذلك فيما يلي :
أولاً : لم ينقل عن رسول الله ( ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم فعل مثل ذلك فهذه الختمة طريقة مبتدعة في قراءة القرآن وفي الذكر .
ثم إن تخصيص هذه الأوقات وهي ثلاثة أيام من يوم الدفن وثلاثة أيام خميس ويوم الأربعين ، بهذه الختمة وهذه الأذكار لم يقم عليه دليل من الشرع ولا يصح عند العلماء تخصيص زمان معين بعبادة معينة إلا بدليل شرعي ولا دليل على ذلك .
ثانياً : إن أهل العلم متفقون على أنه لا يجوز التكسب بالقرآن الكريم وهذا التكسب واضح في الأجور التي تدفع لجماعة المقرئين والذين يحددون الأسعار بناء على حالة الميت وأهله من حيث الغنى والفقر فهذه الأموال التي يأخذها هؤلاء الذين يتكسبون بالقرآن محرمة عليهم ويدل على ذلك ما يلي :(1/117)
1. ما جاء في الحديث عن عبادة بن الصامت ( قال :( علمت ناساً من أهل الصفة القرآن والكتاب فأهدى إليَّ رجل منهم قوساً فقلت : ليست بمال وأرمي بها في سبيل الله ، لآتين رسول الله ( فلأسألنه فأتيته ، فقلت : يا رسول الله رجل أهدى إليَّ قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله تعالى قال : إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها ) رواه أبو داود وابن ماجة والبيهقي وصححه الشيخ الألباني (1).
وجاء في رواية أخرى عند أبي داود أن النبي( قال : ( جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها ) (2).
2. وعن عمران بن حصين أنه مرَّ على قارئ يقرأ ثم سأل ، فاسترجع ثم قال : سمعت رسول الله ( يقول : من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن ، وحسنه الشيخ الألباني (3).
3. وعن سهل بن سعد الساعدي ( قال :( خرج علينا رسول الله ( يوماً ونحن نقترئ فقال : الحمد لله كتاب الله واحد وفيكم الأحمر وفيكم الأبيض وفيكم الأسود اقرؤه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوَّم السهم يتعجل أجره ولا يتأجله ) رواه أبو داود ولأحمد نحوه ، وقال الشيخ الألباني : حسن صحيح (1).
وقوله يقيمونه كما يقوم السهم أي يبالغون في القراءة كمال المبالغة لأجل الرياء والسمعة والمباهاة والشهرة (2).
وهذه الأحاديث تدل على أنه لا يجوز أخذ الأجرة على مجرد قراءة القرآن وقد نص أهل العلم على ذلك ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ وأما الاستئجار لنفس القراءة والإهداء فلا يصح ذلك ... فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله تعالى إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه لا ما فعل لأجل عروض الدنيا ... وأما إذا كان لا يقرأ إلا لأجل العروض فلا ثواب لهم على ذلك وإذا لم يكن في ذلك ثواب فلا يصل إلى الميت ... ] (3).(1/118)
ونقل ابن عابدين عن الفتاوى التاترخانية أن دفع الأجرة للقارئ باطل (4).
وذكر ابن عابدين أيضاً عن بعض الحنفية قوله :[ يمنع القارئ للدنيا والآخذ والمعطي آثمان ] (5).
ونقل أيضاً عن بعض الحنفية :[ وبالجملة الممنوع بيع الثواب ونية القراءة لأجل المال غير صحيحة بل هو رياء لقصده أخذ العوض في الدنيا .
ثم قال : والحاصل أن ما شاع في زماننا من قراءة الأجزاء بالأجرة لا يجوز لأن فيه الأمر بالقراءة وإعطاء الثواب للآمر والقراءة لأجل المال فإذا لم يكن للقارئ ثواب لعدم النية الصحيحة فأنى يصل الثواب إلى المستأجر ولولا الأجرة ما قرأ أحدٌ لأحدٍ في هذا الزمان بل جعلوا القرآن العظيم مكسباً ووسيلةً إلى جمع الدنيا إنا لله وإنا إليه راجعون ... ] (1).
المسألة الرابعة : إحياء ذكرى الأربعين :
من البدع المنتشرة في بلادنا وغيرها إحياء ذكرى الأربعين أي أربعون يوماً على موت فلان ففي يوم الأربعين يجددون الأحزان ويعلنون عن ذلك اليوم للملأ وأحياناً يتم الإعلان بالصحف ويدعون الناس للحضور ويعملون ختمة للميت ثم يتناولون ما لذ وطاب من الطعام ، وهذه الأمور من البدع المنكرة .
[ والأصل الأصيل لهذه المآتم أنها من مخترعات قدماء المصريين بل هو من أهم معتقداتهم فقد كانوا إذا مات فيهم أحدٌ دفنوه ثم يعودون إليه بعد أربعين يوماً لينظروا حال جسده فإن كانت الأرض قد أثرت في جسده فأبلته ظنوا أن روحه قد حلت في شيء حقير وذلك لسوء عمله وإذا لم تؤثر الأرض في جسده ظنوا أن روحه قد حلت في شيء عظيم فيصنعون عنده الطعام والشراب اعتقاداً منهم بعودته إلى الحياة مرة أخرى ومما لا شك فيه أن هذا المعتقد باطل من جهة الشرع والعقل ] (1).(1/119)
وينبغي أن يعلم أنه ليس من منهج الإسلام تجديد الأحزان مرة بعد مرة بل إن بعض العلماء قد كرهوا التعزية بعد ثلاث ، قال الإمام النووي : [ قال أصحابنا وتكره التعزية بعد الثلاثة لأن المقصود منها تسكين قلب المصاب والغالب سكونه بعد الثلاثة فلا يجدد له الحزن ] (2).
كما أن أهل الميت يتكلفون إعداد الطعام والشراب لهؤلاء الناس المجتمعين في الأربعين وهذا قد يكلفهم كثيراً من المال وقد يؤدي ذلك إلى ضياع أموال الأيتام مما هو مخالف للشرع .
وقد نص كثير من العلماء على بدعية هذه الأربعين وذكرى مرور سنة أو أكثر على وفاة الميت ، وقد بين الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية سابقاً بدعية ذلك فقال :[ إن إقامة مأتم ليلة الأربعين بدعة سيئة مذمومة شرعاً وإن عامة الناس يحرصون على إقامة مأتم ليلة الأربعين فيعلنون عنه في الصحف ويستأجرون القراء ويفد المعزون ولا سند لشيء من ذلك في الشريعة الغراء فلم يكن من هدي النبوة ولا من عمل الصحابة رضي الله عنهم ولا من المأثور عن التابعين إقامة هذا المأتم بل لم يكن معروفاً عند جمهور المسلمين وإنما هو أمر استحدث أخيراً ابتداعاً لا اتباعاً وفيه من الابتداع ما نُهي عنه شرعاً وفيه إضاعة الأموال في غير سبيلها المشروع وفيه مع ذلك تجديد الحزن وتكرير العزاء وهو مكروه شرعاً ](1).
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي الديار السعودية جواباً على سؤال حول أصل الذكرى الأربعينية ما نصه :[ الأصل فيها أنها عادة فرعونية كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم وهي بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام يردها ما ثبت من قول النبي ( :( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ )] (2).
المسألة الخامسة : بدعة التأبين :(1/120)
من البدع المنتشرة في بلادنا إقامة حفلات التأبين للميت وخاصة إذا كان الميت ذا مكانة رفيعة في المجتمع فيعين يوم للاحتفال بتأبينه وتوزع رقاع الدعوة فإذا حانت ساعة الاحتفال استهله قارئ بتلاوة آيات من الذكر الحكيم وفي أحيان أخرى استهلوه بالوقوف دقيقة لذكرى الميت أو قراءة الفاتحة على روحه ، ثم تلقى الكلمات والخطب .
وهذا الاحتفال بدعة تدور بين الكراهة والحرمة والغالب عليها التحريم لما يقع فيها من المخالفات الشرعية والكذب في وصف حال الميت ومدح الفسقة تاركي الصلاة ووصفهم بأوصاف عظيمة ويزداد الأمر سوءاً عندما يكون المؤبن المادح من المنتسبين للعلم الشرعي المتزيين بزي المشايخ فيذكرون في الميت من الأوصاف جلها من الكذب الصراح وفيها تزوير للحقائق كقولهم إن الأمة قد خسرت بموته خسارة لا تعوض وأن العلم قد تيتم وأنه قد قضى حياته في أعمال البر والتقوى ويعددون من المحاسن ما هو كذب وافتراء محض فالناس يعلمون أن الميت كان على العكس من ذلك فقد كان معلوماً من أمره ترك الصلوات وما دخل المسجد وإلا وهو في النعش (1).
وذكر الشيخ علي محفوظ أنه لما توفي الخليفة ببغداد أيام الملك الصالح عمل الملك له عزاءً جمع فيه الأكابر والأعيان والقراء والشعراء فأنشد بعض الشعراء في مرثيته:
مات من كان بعض أجناده الموت ومن كان يختشيه القضاء
فأنكر عليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى وأمر بتأديبه وحبسه وأقام بعد التعزير في الحبس زماناً طويلاً ثم استتابه بعد شفاعة الأمراء والرؤساء فيه وأمره أن ينظم قصيدة يثني فيها على الله تعالى كفارة لما تضمنه شعره من التعرض للقضاء بقوله : من كان بعض أجناده الموت ، تعظيماً لشأن هذا الميت ، وأن مثله ما كان ينبغي أن يخلو منه منصب الخلافة ومتى تأتي الأيام بمثل هذا ونحو ذلك .(1/121)
وقوله : يختشيه القضاء ، يشير إلى أن الله تعالى كان يخاف منه وهذا كفرٌ أو قريبٌ منه ، رحم الله الشيخ فهكذا تكون الرجال وهكذا تكون العلماء وحسبك أن الله تعالى وصف الشعراء بقوله :( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ) هي أودية الهجاء المحرم ونحوه مما لا يحل قوله ] (1).
والتأبين بدعة سواء كان قبل الدفن حيث يقف المشيعون على المقبرة فيقوم المؤبنون بإلقاء الكلمات أو كان التأبين بعد الدفن مباشرة أو في ذكرى الأربعين أو غير ذلك .
كما أن افتتاح الاحتفال بالوقوف دقيقة حداداً على الميت أمر غير جائز شرعاً وقد أجاب العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي الديار السعودية عن سؤال يتعلق بالوقوف حداداً مع الصمت تحيةً للأموات فأجاب : [ ما يفعله بعض الناس من الوقوف زمناً مع الصمت تحية للشهداء أو الوجهاء أو تشريفاً وتكريماً لأرواحهم من المنكرات والبدع المحدثة التي لم تكن في عهد النبي ( ولا في عهد أصحابه ولا السلف الصالح ولا تتفق مع آداب التوحيد ولا إخلاص التعظيم لله بل اتبع فيها بعض جهلة المسلمين بدينهم من ابتدعها الكفار وقلدوهم في عاداتهم القبيحة وغلوهم في رؤسائهم ووجهائهم أحياءً وأمواتاً وقد نهى النبي( عن مشابهتهم .
والذي عرف في الإسلام من حقوق أهله الدعاء لأموات المسلمين والصدقة عنهم وذكر محاسنهم والكف عن مساويهم إلى كثير من الآداب التي بينها الإسلام وحث المسلم على مراعاتها مع إخوانه أحياءً وأمواتاً وليس منها الوقوف حداداً مع الصمت تحية للشهداء أو الوجهاء بل هذا مما تأباه أصول الإسلام ] (1).
المسألة السادسة : وضع جريد النخيل والزهور والورود على القبور :(1/122)
اعتاد كثير من الناس أن يضعوا جريد النخيل على القبور وخاصة في يومي العيد عند زيارتهم للقبور وبعضهم يضع أكاليل الزهور والورود على القبور في يومي العيد وفي غيرهما كما اعتاد كثير من الناس أن يحملوا أكاليل الورود في الجنازة ثم بعد الدفن توضع على القبر .
وبعضهم وخاصة من الحكام وأتباعهم يذهبون إلى ما يسمى نصب الجندي المجهول أو نصب زعيم أو كبير فيضعون عليه أكاليل الزهور ، وهذه كلها من البدع والمحدثات وبيان ذلك بما يلي :
إن حمل أكاليل الورود في الجنازات ووضعها على القبر بعد الدفن ما هو إلا تقليد أعمى لغير المسلمين وكذلك وضع الأكاليل على ما يسمى نصب الجندي المجهول أو نصب الشهداء أو قبور الزعماء هو تقليد لغير المسلمين وقد نهينا عن تقليدهم .
وقد يستدل بعضهم على جواز وضع الجريد على القبور بما جاء في الحديث عن ابن عباس عن النبي ( :( أنه مر بقبرين يعذبان فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة فقالوا : يا رسول الله لم صنعت هذا ؟ فقال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ) رواه البخاري ومسلم (1).
والاستدلال بهذا الحديث على أن وضع الجريد على القبور مشروع غير مسلم ، قال الإمام الخطابي :[ وأما غرسه - ( - شق العسيب على القبر وقوله ( ولعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ) فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي ودعائه بالتخفيف عنهما وكأنه ( جعل مدة بقاء النداوة فيهما حداً لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنها وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنىً ليس في اليابس والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه والله أعلم ] (1).(1/123)
وما قاله الخطابي يدل على أن وضع الجريد على القبر خاص بالنبي( لأن الله سبحانه وتعالى أعلمه أن الميتين يعذبان في قبرهما ولا أحد بعد رسول الله ( يعلم هل الأموات يعذبون في قبورهم أم ينعمون ؟ لأنه لا وحي بعد محمد ( .
وقال ابن الحاج :[ فالجواب عن قوله عليه الصلاة والسلام :( لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ) راجع إلى بركة ما وقع من لمسه عليه الصلاة والسلام لتلك الجريدة وقد نص على ذلك الإمام الطرطوشي رحمه الله في كتاب " سراج الملوك " له ، لمَّا ذكر هذا الحديث فقال عقبه : وذلك لبركة يده عليه الصلاة والسلام وما نقل عن واحد من الصحابة رضي الله عنهم فلم يصحبه عمل باقيهم رضي الله عنهم إذ لو فهموا ذلك لبادروا بأجمعهم إليه ولكان يقتضي أن يكون الدفن في البساتين مستحباً ] (2).
وذكر صاحب عون المعبود أن مما يؤيد ما ذهب إليه الخطابي :[ ما ذكره مسلم في آخر الكتاب في الحديث الطويل حديث جابر في صاحبي القبر فأحببت بشفاعتي أن يرفع ذلك عنهما ما دام العودان رطبين ] (3).(1/124)
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر معقباً على كلام الخطابي المذكور سابقاً : [ وصدق الخطابي وقد ازداد العامة إصراراً على هذا العمل الذي لا أصل له وغلوا فيه خصوصاً في بلاد مصر تقليداً للنصارى حتى صاروا يضعون الزهور على القبور ويتهادونها بينهم فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحيةً لهم ومجاملةً للأحياء وحتى صارت عادة شبيهة بالرسمية في المجاملات الدولية فتجد الكبراء من المسلمين إذا نزلوا بلدةً من بلاد أوروبا ذهبوا إلى قبور عظمائها أو إلى قبر من يسمونه الجندي المجهول وضعوا عليها الزهور وبعضهم يضع الزهور الصناعية التي لا نداوة فيها تقليداً للإفرنج واتباعاً لسنن من قبلهم ولا ينكر ذلك عليهم العلماء أشباه العامة بل تراهم أنفسهم يصنعون ذلك في قبور موتاهم ولقد علمت أن أكثر الأوقاف التي تسمى أوقافاً خيريةً موقوفٌ ريعها على الخوص والريحان الذي يوضع في القبور وكل هذه بدع ومنكرات لا أصل لها في الدين ولا مستند لها من الكتاب والسنة ويجب على أهل العلم أن ينكروها وأن يبطلوا هذه العادات ما استطاعوا ] (1).
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر أيضاً :[ والصحيح أن وضع الجريدة كان خاصاً بالنبي ( وخاصاً بهذين القبرين بدليل أنه ( لم يفعلها إلا هذه المرة ولم يفعلها أصحابه لا في حياته ولا بعده وهم أفهم للدين وأحرص على الخير ] (2).
وقال الشيخ محمود خطاب السبكي :[ ولم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام فعل هذا الوضع على قبر أحد غير هذين فدل ذلك على أنها واقعة حال وشفاعة خاصة وليست سنة عامة ويدل على ذلك أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة غير بريدة ولا سيما الخلفاء الراشدين أنه وضع جريداً ولا غيره على القبور ولو كان ذلك سنة ما تركه أولئك الأئمة وقد قال( :
( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ) الحديث رواه المصنف - أي أبو داود - وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والترمذي وقال حديث حسن صحيح .(1/125)
وحجة بريدة ( ليست حجة على غيره كما هو معلوم فما قاله الخطابي ومن ذكر معه هو الأولى ولا سيما أن غالب الناس اعتقد في وضع الجريدة ونحوه اعتقاداً تأباه الشريعة المطهرة كما هو معروف من حالهم ونطقهم ] (1). وأثر بريدة الذي أشار إليه السبكي هو ما ذكره البخاري تعليقاً : [ وأوصى بريدة الأسلمي أن يجعل في قبره جريدتان ] (2).
قال الحافظ ابن حجر :[ وقد وصله ابن سعد من طريق مورق العجلي ... وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه ولم يره خاصاً بذينك الرجلين قال ابن رشيد :[ ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما فلذلك عقبه بقول ابن عمر إنما يظله عمله ] (3).
وذكر الإمام العيني أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يرى أن وضع الجريد على القبرين خاص بهما (4).
وقال الشيخ محمد رشيد رضا عن حديث الجريدتين [ فإنه واقعة حال في أمرٍ غيبي غير معقول المعنى والظاهر أنه من خصائص النبي ( ] (5).
وقال الشيخ الألباني :[ لو كانت النداوة مقصودة بالذات لفهم ذلك السلف الصالح ولعملوا بمقتضاه ولوضعوا الجريد والآس ونحو ذلك على القبور عند زيارتها ولو فعلوا لاشتهر ذلك عنهم ثم نقله الثقات إلينا لأنه من الأمور التي تلفت النظر وتستدعي الدواعي نقله فإذ لم ينقل دل على أنه لم يقع وأن التقرب به إلى الله بدعة ... ] (1).
وأجابت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء على السؤال المتعلق بوضع الجريد على القبور ونصه :[ قال ابن عباس : مرّ النبي ( بقبرين فقال :( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة . ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة ، قالوا : يا رسول الله : لم فعلت ؟ قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ) رواه البخاري .(1/126)
فهل يصح لنا الاقتداء بالنبي ( في ذلك ؟ وهل يجوز وضع ما شابه الجريدة من الأشياء الرطبة الخضراء قياساً على الجريدة أو يجوز غرس شجرة على القبر لتكون دائمة الخضرة لهذا الغرض ؟
الجواب : إن وضع النبي( الجريدة على القبرين ورجاءه تخفيف العذاب عمن وضعت على قبرهما واقعة عين لا عموم لها في شخصين أطلعه الله على تعذيبهما وأن ذلك خاص برسول الله( وأنه لم يكن منه سنة مطردة في قبور المسلمين وإنما كان مرتين أو ثلاثاً على تقدير تعدد الواقعة لا أكثر ولم يعرف فعل ذلك عن أحد من الصحابة وهم أحرص المسلمين على الاقتداء به( وأحرصهم على نفع المسلمين إلا ما روي عن بريدة الأسلمي : أنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان ولا نعلم أن أحداً من الصحابة رضي الله عنهم وافق بريدة على ذلك ، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ] (2).
ويجب أن يعلم أنه ليس من منهج الإسلام في إكرام الشهداء الذين يستشهدون في سبيل الله إقامة ما يسمى بنصب الشهداء أو نصب الجندي المجهول أو نحو ذلك من المسميات فهذه أمور مبتدعة ووافدة إلى ديار الإسلام .
المسألة السابعة : زيارة القبور يومي العيدي :
جرت عادة كثير من الناس زيارة القبور يومي العيد ويكون ذلك بعد انتهاء صلاة العيد فيخرجون من المساجد - حيث إنهم يصلون العيد في المساجد والسنة أن تصلى في مصلى العيد وهو غير المسجد - فيذهبون إلى المقابر لزيارتها رجالاً ونساءً ويحملون معهم الحلويات والقهوة والشاي والزهور والورود ويضعون جريد النخل على القبور ويختلط الرجال بالنساء وتنتهك الحرمات ويهان الأموات بالجلوس على القبور وكل ذلك على خلاف السنة النبوية وبيان ذلك فيما يلي :
إن الأصل في زيارة القبور أنها سنة مشروعة ثابتة عن النبي( فقد ثبت في الحديث عن بريدة ( أن النبي ( قال :( نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) رواه مسلم (1).(1/127)
وفي رواية لأبي داود :( نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة ) قال الشيخ الألباني : صحيح (2).
وعن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله ( :( زوروا القبور فإنها تذكر الموت ) رواه مسلم (3)، وغير ذلك من الأحاديث .
فزيارة القبور سنة ثابتة ولكن الشارع الحكيم لم يخصص زماناً معيناً لزيارتها فتخصيص يومي العيد لزيارتها بدعة مكروهة لأنه تخصيص للعبادة بوقت معين بدون دليل شرعي . وقد تكون حراماً إذا رافقتها الأمور المنكرة التي تقع في أيامنا هذه من خروج النساء متبرجات واختلاطهن بالرجال ويضاف إلى ذلك انتهاك حرمات الأموات من الجلوس على القبور ووطئها بالأقدام .
قال ابن الحاج :[ ومن عادته الذميمة - أي إبليس - أنه لا يأمر بترك سنة حتى يعوض لهم عنها شيئاً يخيل إليهم أنه قربة عوَّض لهم عن سرعة الأوبة زيارة القبور قبل أن يرجعوا إلى أهليهم يوم العيد وزين لهم ذلك وأراهم أن زيارة القبور من الموتى في ذلك اليوم من باب البر وزيادة الود لهم وأنه من قوة التفجع عليهم إذ فقدهم في مثل هذا العيد .
وفي زيارة القبور في غير هذا اليوم من البدع المحرمات ما تقدم ذكره في زيارة القبور فكيف به في هذا اليوم الذي فيه النساء يلبسن ويتحلين ابتداء ويتجملن فيه بغاية الزينة مع عدم الخروج فكيف بهن في الخروج في هذا اليوم فتراهن يوم العيد على القبور متكشفات قد خلعن جلباب الحياء عنهن فبدل لهم موضع السنة محرماً ومكروهاً ... ] (1).(1/128)
قلت رحم الله ابن الحاج إذا كان هذا ما وصفه في زمانه من أحوال النساء فكيف لو رأى ما يحصل في زماننا من تهتك وعري وانحلال وفساد فإنا لله وإنا إليه راجعون. ويضاف إلى ذلك أن النساء ممنوعات من زيارة القبور على الراجح من أقوال أهل العلم فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله ? :( لعن الله زائرات القبور ) رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد وابن حبان وقال محققه إسناده حسن ، وقال الشيخ الألباني : صحيح (2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :( لعن رسول الله? زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان وقال محققه إسناده صحيح ، وقال الشيخ أحمد شاكر : حسن (1).
وعن علي? قال :( خرج رسول الله? ، فإذا نسوة جلوس فقال : ما يجلسكن ؟ قلن : ننتظر الجنازة ، قال : هل تغسلن ؟ قلن : لا ، قال هل تدلين فيمن يدلي ؟ قلن : لا ، قال : فارجعن مأزورات غير مأجورات ) رواه البيهقي وابن ماجة وفي سنده اختلاف (2).
وغير ذلك من الأحاديث التي دلت على تحريم زيارة النساء للقبور ، فهذه أحاديث صريحة في معناها ، فإن رسول الله ( لعن النساء على زيارة القبور ، واللعن على الفعل من أول الدلائل على تحريمه ، ولا سيما وقد قرنه في اللعن بالمتخذين عليها المساجد والسرج .(1/129)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :[ فإن قيل فالنهي عن ذلك منسوخ، كما قال أهل القول الآخر ، قيل هذا ليس بجيد ، لأن قوله ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) هذا خطاب للرجال دون النساء فإن اللفظ لفظ مذكر وهو مختص بالذكور ، أو متناول لغيرهم بطريق التبع فإن كان مختصاً بهم فلا ذكر للنساء وإن كان متناولاً لغيرهم كان هذا اللفظ عاماً وقوله: ( لعن الله زوَّارات القبور ) خاص بالنساء دون الرجال ، ألا تراه يقول ( لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج )، فالذين يتخذون عليها المساجد والسرج لعنهم الله ، سواء أكانوا ذكوراً أو إناثاً وأما الذين يزورون فإنما لعن النساء الزوارات دون الرجال ، وإذا كان هذا خاصاً ولم يعلم أنه متقدم على الرخصة كان متقدماً على العام عند عامة أهل العلم كذلك لو علم أنه كان بعدها ] (1).(1/130)
قال الشيخ أحمد محمد شاكر :[ وقد تأول بعضهم هذا الحديث في لعن زائرات القبور ، فقال الترمذي فيما سيأتي في الجنائز :" وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا قبل أن يرخص النبي ( في زيارة القبور ، فلماء رخص دخل في رخصته الرجال والنساء . وقال بعضهم إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن " ويشير الترمذي بذلك إلى حديث :( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) رواه مسلم وأبو داود والنسائي . قال في عون المعبود (ج3ص212) " الأمر للرخصة أو للاستحباب وظاهره الإذن في زيارة القبور للرجال. قال الحافظ في الفتح : واختلف في النساء ، فقيل : دخلن في عموم الأذن وهو قول الأكثر ومحله ما إذا أمنت الفتنة ، وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة ، وقيل : الإذن خاص بالرجال ولا يجوز للنساء زيارة القبور ، انتهى ". قال العيني :" وحاصل الكلام أن زيارة القبور مكروهة للنساء بل حرام في هذا الزمان ، ولا سيما نساء مصر ، لأن خروجهن على وجه الفساد والفتنة ، وإن ما رخصت الزيارة لتذكر أمر الآخرة وللاعتبار بمن مضى وللتزهد في الدنيا انتهى ".
هذا قول العيني في منتصف القرن التاسع فماذا يقول لو رأى ما رأينا في منتصف القرن الرابع عشر وإنا لله وإنا إليه لراجعون . والقول الصحيح الذي نرضاه تحريم زيارة القبور على النساء مطلقاً فإن النهي ورد خاصاً بهن والإباحة لفظها عام والعام لا ينسخ الخاص ، بل الخاص حاكم عليه ومقيد له ] (2).
المسألة الثامنةُ : قراءة القرآن على القبور :
يقصد كثير من الناس القبور لزيارتها في يومي العيد كما سبق ويجلسون حول القبر ومعهم المصاحف فيقرؤون ما تيسر من القرآن الكريم وخاصة سورة " يس " .
وقراءة القرآن على القبور من البدع المنتشرة وليست عبادة مشروعة على الصحيح من أقوال أهل العلم حيث إنها لم تثبت عن الرسول( ولا عن الصحابة رضي الله عنهم .(1/131)
قال الشيخ علي محفوظ :[ ومن هذا الأصل العظيم تعلم أن أكثر أفعال الناس اليوم من البدع المذمومة كقراءة القرآن الكريم على القبور رحمة بالميت : تركه النبي( وتركه الصحابة مع قيام المقتضي للفعل وهو الشفقة بالميت وعدم المانع منه ، فعلى هذا الأصل المذكور يكون تركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة - وكيف يعقل أن يترك الرسول( شيئاً نافعاً يعود على أمته بالرحمة وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، فهل يعقل أن يكون هذا باباً من أبواب الرحمة ويتركه الرسول طول حياته ولا يقرأ على ميت مرة واحدة مع العلم بأن القرآن الحكيم ما نزل للأموات وإنما نزل للأحياء نزل ليكون ترغيباً للمطيع وترهيباً للعاصي ، نزل لتهذيب نفوسنا وإصلاح شؤوننا أنزل الله عز وجل القرآن كغيره من الكتب السماوية ليعمل على طريقه العاملون ويهتدي بهديه المهتدون ، كما قال تعالى :( إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَثبيرًا وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) فهل سمعتم أن كتاباً من الكتب السماوية قرئ على الأموات أو أخذت عليه الأجور والصدقات ، والله يقول لنبيه :( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) لهم أن يتصدقوا على موتاهم لكن لا ثمناً للقرآن ](1).
ومذهب جمهور العلماء على أن القراءة على القبور غير مشروعة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية عنه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ ولا يحفظ عن الشافعي في هذه المسألة كلام لأن ذلك كان عنده بدعة وقال مالك ما علمت أحداً يفعل ذلك فعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلونه ] (2).(1/132)
جاء في الشرح الكبير :[ وكره قراءة بعده أي بعد موته وعلى قبره لأنه ليس من عمل السلف ].
وقال الدسوقي معلقاً عليه :[ قوله لأنه ليس من عمل السلف أي فقد كان عملهم التصدق والدعاء لا القراءة ] (3) .
ولم يصح شيء عن النبي ( في قراءة القرآن على القبر بخلاف ما ذكره بعض العلماء في الاستدلال على جواز القراءة عند القبر فمما ذكروه :
1. ما ذكره ابن عابدين عند تعليقه على قول صاحب الدر : قوله " ويقرأ يس "
لما ورد :( من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات ) (4).
فهذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله( أخرجه الثعلبي في تفسيره من طريق محمد بن أحمد الرياحي ... الخ السند .
وبين الشيخ الألباني أن هذا الإسناد مظلم هالك مسلسل بالعلل ثم بين حال رواته (1).
وتكلم على الحديث أيضاً الحافظ السخاوي وقال إنه لا يصح (2).
2. ما روي في الحديث :( من مرَّ بالمقابر فقرأ :( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات ) ، فهذا الحديث قال عنه الشيخ الألباني :[ موضوع أخرجه أبو محمد الخلال في " فضائل الإخلاص " والديلمي في مسند الفردوس ... وذكره السيوطي في ذيل الأحاديث الموضوعة ] (3).
وقال الشيخ الألباني أيضاً :[ وأما حديث ( من مرَّ بالمقابر فقرأ :( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات ) فهو حديث باطل موضوع ، رواه أبو محمد الخلال في القراءة على القبور والديلمي عن نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن علي الرضا عن آبائه وهي نسخة موضوعة باطلة لا تنفك عن وضع عبد الله هذا أو وضع أبيه كما قال الذهبي في الميزان وتبعه الحافظ ابن حجر في اللسان ثم السيوطي في ذيل الأحاديث الموضوعة وذكر له هذا الحديث وتبعه ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة ] (1).(1/133)
3. ما روي في الحديث ( من زار قبر والديه كل جمعة فقرأ عندهما يس غفر له بعدد كل آية وحرف ).
قال الشيخ الألباني :[ موضوع رواه ابن عدي وأبو نعيم ... وقال ابن عدي : باطل ليس له أصل بهذا الإسناد ... ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات من رواية ابن عدي فأصاب ] (2).
إذا ثبت هذا فإن المشروع عند زيارة القبور هو السلام على الأموات وتذكر الآخرة والدعاء والاستغفار وأما قراءة القرآن فلا ويدل على ذلك ما ورد عن النبي ( في هديه ( لزيارة القبور .
قال العلامة ابن القيم :[ فصل في هديه ( في زيارة القبور ، كان إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم وهذه هي الزيارة التي سنها لأمته وشرعها لهم وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية ) (3).
وهذا الحديث الذي ذكره ابن القيم رواه مسلم عن بريدة ولفظه :( كان رسول الله ( يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول - في رواية أبي بكر - : السلام على أهل الديار ).
وفي رواية زهير :( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية ) (4).
وصح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :( كان رسول الله ( كلما كان ليلتها من رسول ( يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ) (1) وغير ذلك من الأحاديث .
فإن قيل إنه قد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أوصى إذا دفن أن يُقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها كما ذكره جماعة من أهل العلم في قصة منقولة عن الإمام أحمد (2).(1/134)
قال العلامة ابن القيم :[ وقال الخلال في الجامع ، كتاب القراءة عند القبور أخبرنا العباس بن محمد الدوري حدثنا يحيى بن معين حدثنا مبشر الحلبي حدثني عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال : قال أبي إذا أنا مت فضعني في اللحد وقل : بسم الله وعلى سنة رسول الله وسُنَّ عليَّ التراب سناً واقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة فإني سمعت عبد الله بن عمر يقول ذلك ، قال عباس الدوري: سألت أحمد ابن حنبل قلت : تحفظ في القراءة على القبر شيئاً ؟ فقال : لا وسألت يحيى بن معين فحدثني بهذا الحديث .
قال الخلال : وأخبرني الحسن بن أحمد الوراق حدثني علي بن موسى الحداد وكان صدوقاً ، قال : كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر فقال له أحمد : يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة ، فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد بن حنبل يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي ؟ قال : ثقة ، قال : كتبت عنه شيئاً ، قال : نعم ، فأخبرني مبشر عن عبد الحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها وقال : سمعت ابن عمر يوصي بذلك ، فقال له أحمد فارجع وقل للرجل يقرأ ] (1).
قال الشيخ الألباني :[ فالجواب عنه من وجوه :
الأول : أن في ثبوت هذه القصة عن أحمد نظر ، لأن شيخ الخلال الحسن بن أحمد الوراق لم أجد له ترجمة فيما عندي الآن من كتب الرجال وكذلك شيخه على بن موسى الحداد لم أعرفه وإن قيل في هذا السند أنه كان صدوقاً فإن الظاهر أن القائل هو الوراق هذا وقد عرفت حاله .
الثاني : أنه إن ثبت ذلك عنه فإنه أخص مما رواه أبو داود عنه ، وينتج من الجمع بين الروايتين عنه أن مذهبه كراهة القراءة عند القبر إلا عند الدفن .(1/135)
الثالث : أن السند بهذا الأثر لا يصح عن ابن عمر ولو فرض ثبوته عند أحمد وذلك لأن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج معدود في المجهولين، كما يشعر بذلك قول الذهبي في ترجمته من الميزان : ما روى عنه سوى مبشر هذا ، ومن طريقه رواه ابن عساكر ... وأما توثيق ابن حبان إياه فمما لا يعتد به لما اشتهر به من التساهل في التوثيق ولذلك لم يعرج عليه الحافظ في التقريب ، حين قال في المترجم : مقبول ، يعني عند المتابعة وإلا فلين الحديث كما نص عليه في المقدمة ومما يؤيد ما ذكرنا أن الترمذي مع تساهله في التحسين لما أخرج له حديثاً آخر وليس له عنده غيره سكت عليه ولم يحسنه !
الرابع : أنه لو ثبت سنده عن ابن عمر فهو موقوف لم يرفعه إلى النبي
( فلا حجة فيه أصلاً ] (2).
المبحث التاسع
بدعة الاحتفال بموسم النبي موسى عليه السلام
من البدع القديمة والمتجددة الاحتفال بما يسمى بموسم النبي موسى ويكون ذلك في أواخر فصل الشتاء من كل عام وتستمر الاحتفالات أسبوعاً كاملاً .
وكانت الاحتفالات في السابق تأخذ صفة الاحتفال الرسمي إذ كان ولاة الدولة العثمانية يشاركون ويشرفون على هذه الاحتفالات ويحافظون على الأمن والنظام كما أن مفتي القدس الذي كانت تعينه الدولة العثمانية كان له دور واضح في هذه الاحتفالات (1).(1/136)
وسأنقل وصفاً للاحتفال بموسم النبي موسى كتبه من حضر تلك الاحتفالات في عدة أعوام ، قال د. كامل العسلي تحت عنوان : وصف الاحتفالات بموسم النبي موسى في القرن العشرين " :[ كان موسم النبي موسى عيداً شعبياً عاماً اشترك فيه سكان المدن والقرى في فلسطين وخاصة من مناطق القدس ونابلس والخليل وقرى الجبال وكان هناك برنامج زمني للاحتفالات نظن أنه وضع في جزء منه على الأقل في القرن الأخير بعد أن اشتد التنافس بين أهالي منطقتي نابلس والخليل خاصة في الاشتراك في الاحتفالات وأيهما يكون له مكان السبق والصدارة فيها فتم ترتيب مواعيد لقدوم الزوار ولا نعرف تاريخاً دقيقاً لوضع برنامج الزيارة والمشاركة لمختلف الجهات ولكننا نقول بصورة عامة إن أسبوع موسم النبي موسى كان يحدد وفق عيد الفصح عند المسيحيين الأرثوذكس وكان يأتي في الأسبوع الذي يسبق أسبوع عيد الفصح في كل عام ... ذكرنا هذا لنبين أن موسم النبي موسى يختلف من سنة لأخرى تبعاً لموعد عيد الفصح المتغير بحيث يبدأ قبل أسبوع واحد من يوم الجمعة الحزينة التي تسبق عيد الفصح بيومين ولو أردنا أن نضع بعد ذلك جدولاً زمنياً لاحتفالات النبي موسى لقلنا إن الاحتفالات تبدأ يوم الخميس قبل الجمعة الحزينة بثمانية أيام بقدوم موكب أهالي نابلس وفي يوم الجمعة يبدأ الاحتفال الرسمي بزفة العلم من الحرم الشريف !! إلى النبي موسى ويوم الأحد يصل موكب أهل الخليل وقراها ويوم الإثنين تغادر أعلام القدس ونابلس والخليل إلى النبي موسى وتمتد زيارة النبي موسى من يوم الجمعة إلى يوم الخميس التالي أي سبعة أيام وفي يوم الخميس يعود الموكب إلى القدس باحتفال كبير كذلك وفي يوم الجمعة الذي يطلق عليه اسم ( جمعة العليمات ) تعاد الأعلام إلى أماكنها علم النبي موسى وعلم المسجد الأقصى وعلم النبي داود في احتفالات تقام لذلك خصيصاً وتبدأ الوفود بمغادرة القدس على الأثر ] (1).(1/137)
ثم قال د. العسلي:[ موسم النبي موسى كما يصفه الدكتور توفيق كنعان :
يبدأ الموسم نفسه يوم الجمعة الذي يسبق يوم الجمعة الحزينة عند كنسية الروم الأرثوذكس وينتهي يوم الخميس التالي ويسمى هذا اليوم ( جمعة النزلة ) بينما يطلق على يوم الجمعة الذي يسبقه اسم ( جمعة المناداة ) لأن المناداة على الموسم أو الإعلان رسمياً عن أن موسم النبي موسى يبدأ يوم الجمعة التالية تبدأ في هذا اليوم وتسمى ليلة الخميس السابقة لجمعة النزلة ( ليلة الوقفة ) وكل من ينوي الاشتراك في الموسم يتأهب للأيام القادمة ... تبدأ الزفة بإحضار علم النبي موسى من المكان الذي يحفظ فيه طوال السنة ... وفي هذا المكان يجتمع الوجهاء وكثير من الموظفين ويسلم العلم إلى المفتي على طبق وبعد قراءة الفاتحة ينشر المفتي العلم ثم يثبت في الزانة ... تتحرك الزفة ببطء إلى الحرم الشريف وتدخل إليه من باب الحبس ... وكان يصاحب الزفة زمن الأتراك فرقة موسيقى عسكرية وحرس شرف وبعد صلاة الظهر تترك الزفة الحرم ... ويمضي المفتي الأكبر وحملة الأعلام وخدام النبي موسى الآخرون قدماً إلى خارج الحرم ... وفي هذه الأثناء تكون الطريق غاصة بجماهير النظارة وكذلك الشرفات والشبابيك والمقبرة والبساتين الواقعة على طرف الطريق ... وفيه يتجمع الشباب في مجموعات فمنهم من يعزف ومنهم من يرقص أو يغني في الطريق ويحمل الجمهور أعلاماً كثيرة تمثل الأولياء المختلفين في المدينة والقرى المجاورة وكل علم له أتباعه ... وحالما يصبحون على مرمى النظر من مقام النبي موسى يعيدون ترتيب صفوفهم ويرفعون العلم ويبدأ الموكب الرسمي من جديد ويشرعون أولاً في عمل أكوام صغيرة من الحجارة كقناطر - وتسمى أيضاً شواهد لأنها تشهد يوم الدين للذين قاموا بالزيارة - ويقرؤون الفاتحة ويرسل الدرويش الذي يكون على رأس الموكب أحد أتباعه ليعلن قدومهم للدراويش الآخرين الذين سبقوا إلى النبي موسى ويدعى هذا الرسول بالنجاب(1/138)
ويربط الشيخ الذي يرسله منديلاً حول رقبته لا يفكه إلا الشيخ الذي يستقبل في المقام ويركض النجاب إلى المقام مباشرة وهو يضرب طول الوقت على نقارته ... ويقوم أكبر الدراويش سناً بفك المنديل المربوط حول عنقه وهو يتلو الفاتحة ... أما ترتيب مواكب الزفة فيكون عادة على الوجه التالي :
يسير حامل العلم أولاً ويتبعه الموسيقيون ويليهم بعض شباب المجموعة يحيطون بقائدهم ويرقصون حسب الإيقاع الذي يحدده وكل رقصة تكون مصحوبة بالغناء يغني قائد المجموعة مقطعاً فيكرره الآخرون ويلوح بسيف أو عصا أو بمنديل في الهواء ويرقص معهم وهكذا يحدد لهم الإيقاع ويكون الموسيقيون أحياناً كلهم أو بعضهم في الحلقة وفي أثناء الغناء والرقص يصفق أعضاء المجوعة بأيديهم وفق إيقاع ثابت ... ويتقدم هؤلاء ببطء إلى أن يبلغوا المقام وترحب بعض النساء من النظارة بالقادمين بالزغاريد أو بالأغاني القصيرة التي تنتهي بقرقعة حادة بالألسنة ومن الممتع أن نلاحظ أن الغناء والرقص والتصفيق واستعمال الآلات الموسيقية ومشاركة جميع الطبقات هي اليوم مثل ما كانت عليه قبل آلاف السنين ].
ثم ذكر أنواع الرقصات التي كانت تؤدى في الموسم وأسماء الآلات الموسيقية ثم قال :[ والإيقاع الذي يحدثه الطبل والكاسات يكون له دائماً تقريباً معنى محدد مثل
الله الله الله حي
آآآ- آآآ
دا-يم دا-يم
-آ-آ
قي-وم قي-وم -آ-آ ].
ثم ذكر بعض العبارات التي كانت على الأعلام ومنها :[ مددك يا سيدي أحمد البدوي . سيدي أحمد الرفاعي ولي الله ].
ثم قال :[ وباستثناء نساء المدن اللاتي يلزمن الغرف معظم الوقت أو يقفن على الشرفة المكشوفة في الطابق الأول فإن جميع الزائرات الأخريات يشاركن الرجال النشاطات المختلفة ويختلطن بهم باستمرار ... وهكذا ينقضي الأسبوع بالألعاب والأغاني والاحتفالات بصورة ممتعة ] (1).(1/139)
بعد هذا الوصف الذي كتبه د. توفيق كنعان وهو رجل نصراني يظهر لنا أن هذا الاحتفال في لبه ولحمته وسداه مخالف لدين الله سبحانه وتعالى ولسنة رسول الله ( وأنه ترتكب فيها المخالفات الشرعية الكثيرة باسم الدين وأن الإسلام بريء من هذه الاحتفالات التي تنسب إلى الدين زوراً وبهتاناً .
فالذي يظهر من هذا الوصف أنه كان موسم رقص وطرب واختلاط بين النساء والرجال بل إن النساء كن يرقصن في الحلقات أمام الرجال وأن هذا الموسم كان عليه مسحة من الصوفية المنحرفة .
ولبيان بدعية الاحتفال بموسم النبي موسى لا بد من بيان الأمور التالية :
أولاً : أين دفن موسى عليه السلام ؟
قال الإمام البخاري في صحيحه :" باب وفاة موسى وذكره بعد " ثم ساق بإسناده إلى أبي هريرة ( قال :( أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكَّه فرجع إلى ربه فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت . قال : ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال : أي رب ؟
ثم ماذا ؟ قال : الموت . قال : فالآن . قال : فسأل الله أن يدينه من الأرض المقدسة رمية بحجر ، قال أبو هريرة : فقال رسول الله : لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر ] ورواه مسلم أيضاً (1).
قال الحافظ ابن حجر :[ وقوله فيه :( رمية حجر ) أي قدر رمية حجر أي أدنني من مكان الأرض المقدسة هذا القدر أو أدنني إليها حتى يكون بيني وبينها هذا القدر وهذا الثاني أظهر وعليه شرح ابن بطال وغيره ... حكى ابن بطال عن غيره أن الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليعمى قبره لئلا تعبده الجهال من ملته ] (1).(1/140)
وقال الإمام العيني :[ واختلف أهل السير في موضع قبره فقيل بأرض التيه وهارون كذلك ولم يدخل موسى الأرض المقدسة إلا رمية حجر رواه الضحاك عن ابن عباس وقال : لا يعرف قبره ورسول الله ( أبهم ذلك بقوله ( إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر ) ، ولو أراد بيانه لبيَّن صريحاً وقال ابن عباس لو علمت اليهود قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله .
وقيل : بباب لد بالبيت المقدس .
وقيل : قبره بين عالية وعويلة عند كنيسة توماء .
وقيل : بالوادي في أرض ماء بين بصرى والبلقاء .
وقيل : قبره بدمشق ذكره ابن عساكر عن كعب الأحبار .
والأصح أنه بالتيه قدر رمية حجر من الأرض المقدسة ] (2).
وقال الحافظ ابن حجر :[ وزعم ابن حبان أن قبر موسى بمدين بين المدينة وبيت المقدس وتعقبه الضياء بأن أرض مدين ليست قريبة من المدينة ولا من بيت المقدس. قال - أي الضياء -: وقد اشتهر عن قبر بأريحاء عنده كثيب أحمر أنه قبر موسى وأريحاء من الأرض المقدسة ] (3). قلت وظاهر حديث أبي هريرة السابق يرد القول المشهور الذي ذكره الضياء لأن أريحا من الأرض المقدسة وظاهر الحديث أنه لم يدخل الأرض المقدسة وإنما سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة .
قال الحافظ ابن كثير :[ وقد زعم بعضهم أن موسى عليه السلام هو الذي خرج بهم من التيه ودخل بهم الأرض المقدسة .
وهذا خلاف ما عليه أهل الكتاب وجمهور المسلمين ، ومما يدل على ذلك قوله : لما اختار الموت : رب أدنني إلى الأرض المقدسة رمية حجر وحانت وفاته عليه السلام أحب أن يتقرب إلى الأرض التي هاجر إليها وحث قومه عليها ولكن حال بينهم وبينها القدر ، رمية بحجر ولهذا قال سيد البشر ورسول الله إلى أهل الوبر والمدر : فلو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر ] (1).
وقال مجير الدين الحنبلي :[ ومات موسى ولم يعرف أحد من بني إسرائيل أين قبره ولا أين توجه ] (2).(1/141)
وقال القسطلاني معلقاً على الحديث السابق :[ وهذا ليس صريحاً في الإعلام بقبره الشريف ومن ثم حصل الاختلاف فيه فقيل بالتيه وقيل بباب لد ببيت المقدس أو بدمشق أو بواد بين بصرى والبلقاء أو بمدين بين المدينة وبيت المقدس أو بأريحا وهي من الأرض المقدسة ] (3).
ونقل الشيخ عبد الغني النابلسي عن رسالة لمحمد بن طولون سماها " تحفة الحبيب فيما ورد في الكثيب " ذكر فيها أن قبر موسى عليه السلام في مسجد القدم قبالة الكثيب الأحمر في دمشق الشام . ونقل عن ابن عساكر أن قبر موسى عليه السلام في مسجد القدم ونقل عن ابن جبير أن قبر موسى عليه السلام في مسجد القدم .
ونقل عن أبي إسحاق الفزاري الشافعي مثل ذلك وذكر أن له رسالة اسمها :[ تبيين الأمر القديم المروي في تعيين قبر موسى الكليم ] جزم فيها بأن قبر موسى في دمشق الشام في مسجد القدم المذكور (1).
وبعد هذا العرض الموجز لما قاله العلماء في بيان موضع قبر موسى عليه السلام يظهر للباحث المنصف أنه لا يعرف على وجه التحديد محل قبر موسى عليه السلام وكل ما ذكر في تحديد موضع قبره ظنون ضعيفة ليس لها مستند صحيح ثابت وحديث الصحيحن لا يحدد موضع قبره عليه السلام ، قال الرحالة الهروي : [ ... والصحيح أن قبره لا يعرف والله أعلم ] (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ وأما قبور الأنبياء فالذي اتفق عليه العلماء هو قبر النبي ( فإن قبره منقول بالتواتر وكذلك قبر صاحبيه وأما قبر الخليل فأكثر الناس على أن هذا المكان المعروف هو قبره وأنكر ذلك طائفة ، وحكي الإنكار عن مالك وأنه
قال : ليس في الدنيا قبر نبي يعرف إلا قبر نبينا ( ... ] (3).
ثانياً : شد الرحال إلى القبور والمقامات :(1/142)
لو سلمنا جدلاً أن قبر موسى عليه السلام معلوم وأنه في المكان المعروف اليوم بمقام النبي موسى فيحرم شد الرحال إليه لما ثبت في الحديث عن أبي هريرة ( عن النبي قال :( لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجد الرسول ( ومسجد الأقصى ] رواه البخاري ومسلم (1).
قال الحافظ ابن حجر :[ قوله :( لا تشد الرحال ) بضم أوله بلفظ النفي والمراد النهي عن السفر إلى غيرها . قال الطيبي : هو أبلغ من صريح النهي كأنه قال : لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به ] (2).
وكذلك فإنه يحرم شرعاً اتخاذ القبور مساجد سواء أكانت قبور أنبياء أو غيرهم فلا يجوز أن تبنى المساجد والمقامات على القبور وتتخذ محلاً للصلاة ومحلاً للزيارة والدعاء وغير ذلك . فقد جاء في الحديث عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم أن الرسول ( قال :( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر ما صنعوا . رواه البخاري ومسلم (3).
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة أن رسول الله ( قال :( قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) رواه البخاري ومسلم (4).
وثبت في الحديث عن جندب قال :( سمعت النبي ( قبل أن يموت بخمس وهو يقول : إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك ) رواه مسلم (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية معقباً على هذه الأحاديث :[ ولهذا اتفق السلف على أنه لا يستلم قبراً من قبور الأنبياء وغيرهم ولا يتمسح به ولا يستحب الصلاة عنده ولا قصده للدعاء عنده أو به لأن هذه الأمور كانت من أسباب الشرك وعبادة الأوثان ] (2).(1/143)
وقال شيخ الإسلام أيضاً :[ ولا تستحب الصلاة لا الفرض ولا النفل عند قبر نبي أو غيره بإجماع المسلمين بل ينهى عنه وكثير من العلماء يقول هي باطلة لما ورد في ذلك من النصوص وإنما البقاع التي يحبها الله ويحب الصلاة والعبادة فيها هي المساجد التي قال الله تعالى فيها :
( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاصَالِ )
وقال تعالى :( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَءَاتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) وسئل النبي (: ( أي البقاع أحب إلى الله ؟ قال : المساجد . قيل: فأي البقاع أبغض إلى الله ؟ قال : الأسواق ) . وقال ( : ( من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح ) .وقال ( :( إن العبد إذا تطهر فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة كانت خطوتاه إحداهما ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة ) .
فدين الإسلام هو اتباع ما بعث الله به رسوله من أنواع المحبوبات واجتناب ما كرهه الله ورسوله من البدع والضلالات وأنواع المنهيات ] (1).
وروى الحافظ ابن وضاح القرطبي بإسناده عن الأعمش قال :[ حدثني مروان بن سويد الأسدي قال : خرجت مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة فلما أصبحنا صلَّى بنا الغداة ثم رأى الناس يذهبون مذهباً فقال: أين يذهب هؤلاء ؟ قيل : يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه رسول الله ( هم يأتون يصلون فيه . فقال : إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعاً من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل ومن لا فليمض ولا يعتمدها ] (2).(1/144)
وذكر رواية أخرى عن المعرور بن سويد قال :[ خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدره الناس يصلون فيه. فقال عمر : ما شأنهم ؟ فقالوا : هذا مسجد صلَّى فيه رسول الله ( فقال عمر : أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعاً ، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض ... ] ثم قال ابن وضاح :[ وكان مالك ابن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي( ما عدا قباء وحده . قال ابن وضاح : وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها وكذلك فعل غيره ممن يقتدى به ، وقدم وكيع أيضاً مسجد بيت المقدس فلم يَعْدُ فعل سفيان ] (3).
ثالثاً : متى حدث الاحتفال بموسم النبي موسى :
إن موسم النبي موسى أحدث في العصور المتأخرة ولم يكن معروفاً قبل ذلك وإنما ابتدعت هذه البدعة بعد إنشاء المقام في المكان المعروف بالنبي موسى وأول من أقام قبة وبنى مسجداً في ذلك المكان هو الظاهر بيبرس سنة 668 هـ عند عودته من الحج وزيارة بيت المقدس ثم زيد على البناء سنة 875 هـ ثم كملت عمارته سنة 885 هـ (1).
وقد زعم بعض الكاتبين أن السلطان صلاح الدين الأيوبي هو أول من أنشأ موسم النبي موسى لمواجهة التجمعات الصليبية التي كانت تقام في عيد الفصح (2).(1/145)
ولكن هذا الزعم ليس عليه دليل صحيح ، يقول الدكتور كامل العسلي :[ وعلى أية حال فإنه من المهم أن نؤكد أننا لم نجد في الكتب القديمة التي وضعت في العصر ألأيوبي ومنها كتاب العماد الأصفهاني وابن واصل والبهاء ابن شداد وأبي شامة المقدسي أي إشارة إلى الموسم ولا إلى علاقة صلاح الدين الأيوبي أو ورثته بالموسم كما أنه ليس في الكتب التي وضعت زمن الأيوبيين ولا في الكتب التي وضعت زمن المماليك أو العثمانيين حسب علمنا ما يشير إلى أن الاحتفال بالنبي موسى كان ذا صبغة سياسية . ومع الأسف فلا توفر لنا المادة التاريخية صورة واضحة مفصلة للاحتفال نستطيع أن نتبين فيها أهدافاً سياسية بل بالعكس فإن القليل الذي وصل إلينا في الكتب يدل على أن طابع الاحتفال كان طابعاً دينياً وترويحياً ولا علاقة له بالسياسة .(1/146)
إن أول إشارة لموسم النبي موسى وقعنا عليها في الكتب ، وردت في " إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى " لشمس الدين السيوطي المتوفى بعد سنة 880 هـ ... وقد دون السيوطي كتابه هذا سنة 875 هـ والإشارة الثانية وجدناها في مخطوط " الدر النظيم في أخبار سيدنا موسى الكليم " لأبي البقاء نجم الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة المتوفى بعد سنة 901 هـ ... أما الإشارة الثالثة بحسب الترتيب الزمني فنجدها عند مجير الدين الحنبلي الذي يحدد لنا لأول مرة موعد الزيارة ومدتها في كتابه " الأنس الجليل " الذي كتبه سنة 900-901 هـ ... ويلاحظ أن هؤلاء الكتاب الثلاثة لم يشيروا إلى هدف للزيارة سوى الزيارة والتبرك والأكل والشرب ... إن المقتطفات التي أوردناها هي أهم ما وقعت أيدينا عليه عن تطورات الموسم في عهد المماليك والمعلومات الواردة فيها نزرة وليس فيها كبير غناء ولم نجد في كتابات القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي أية إشارة إليه ومع ذلك فيبدو أن زيارة النبي موسى اكتسبت أهمية متزايدة بعد بناء المقام في القرن السابع/الثالث عشر ووصلت شعبية المقام ذروتها في عصر المماليك في القرن التاسع وأوائل القرن العاشر الهجري ... ] (1).
وهذا الكلام يؤكد لنا أن موسم النبي موسى أمر مبتدع ليس له أصل صحيح ولا يجوز شرعاً إضفاء أية قدسية عليه فليس له أي مستند لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله ( .
المبحث العاشر
البدع المتعلقة بالمسجد الأقصى
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : بدعة تسمية المسجد الأقصى حرماً :
شاعت تسمية المسجد الأقصى المبارك بالحرم عند عامة الناس في ديار فلسطين وعند بعض الكاتبين المعاصرين فنجدهم يطلقون على المسجد الأقصى الحرم أو الحرم الشريف (1).(1/147)
وهذه التسمية غير صحيحة لأن المعلوم عند أهل العلم أنه لا يوجد عند المسلمين إلا حرمان وهما حرم مكة وحرم المدينة وهذا باتفاق أهل العلم وعند الشافعية أضافوا ثالثاً وهو وادي وج بالقرب من الطائف وإليك تفصيل ذلك :
أولاً : قال الله تعالى : ( وَقَالُوا إِنْ نتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا ءَامِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )(2) .
والمقصود بالحرم في هذه الآية الكريمة هو حرم مكة المكرمة (3).
وقال تعالى :(أو لم يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءَامِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ) (1).
والمقصود أيضاً بالحرم في هذه الآية الكريمة هو حرم مكة المكرمة (2).
وثبت في الحديث عن عبد الله بن زيد( عن النبي ( :( أن إبراهيم حرّم مكة ودعا لها وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكة ) متفق عليه (3).
وحرم مكة وحرم المدينة ثابتان بالأدلة الصحيحة واتفق أهل العلم على ذلك وأما وادي وج بالقرب من الطائف فقد اعتبره الشافعية حرماً وخالفهم بقية العلماء (4).
واحتج الشافعية بما ورد في حديث الزبير( قال :( لما أقبلنا مع رسول الله ( من لية حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله ( في طرف القرن الأسود حذوها فاستقبل نخباً ببصره وقال : مرة واديه ووقف حتى اتقف الناس كلهم ثم قال : إن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره لثقيف) رواه أبو داود وأحمد والبيهقي (5).
وقوله :( من لية ) هو جبل قرب الطائف ، ( وطرف القرن ) جبل قرب الطائف أيضاً وقوله :( فاستقبل نخباً ) هو واد بالطائف وقوله :( اتقف ) أي حتى وقف الناس وقوله :( وعضاهه ) هو كل شجر فيه شوك (1).(1/148)
وهذا الحديث ضعيف ضعفه جماعة من أهل العلم .
قال البخاري : لا يصح . ونحوه قال الأزدي وذكر الخلال أن أحمد ضعّفه، وضعّفه ابن حبان وضعّفه النووي (2).
والراجح من أقوال أهل العلم أن " وج " ليس بحرم لضعف الحديث كما سبق .
وبناءً على ما تقدم لا يصح إطلاق اسم الحرم إلا على الحرمين حرم مكة وحرم المدينة ولا يجوز شرعاً إطلاق اسم الحرم على المسجد الأقصى المبارك ولا على المسجد الإبراهيمي في الخليل وتسميتهما حرماً بدعة لا أصل لها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ وليس ببيت المقدس مكان يسمى حرماً ولا بتربة الخليل ولا بغير ذلك من البقاع إلا ثلاثة أماكن أحدها : هو حرم باتفاق المسلمين وهو حرم مكة شرفها الله تعالى والثاني حرم عند جمهور العلماء وهو حرم النبي ( من عير إلى ثور بريد في بريد فإن هذا حرم عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد وفيه أحاديث صحيحة مستفيضة عن النبي ( والثالث " وج " وهو واد بالطائف فإن هذا روي فيه حديث رواه أحمد في المسند وليس في الصحاح وهذا حرم عند الشافعي لاعتقاده صحة الحديث وليس حرماً عند أكثر العلماء وأحمد ضعف الحديث المروي فيه فلم يأخذ به وأما ما سوى هذه الأماكن الثلاثة فليس حرماً عند أحد من علماء المسلمين فإن الحرم ما حرّم الله صيده ونباته ولم يحرم الله صيد مكان ونباته خارجاً عن هذه الأماكن الثلاثة ] (1).
وقال شيخ الإسلام أيضاً :[ ... والأقصى اسم للمسجد كله ولا يسمى هو ولا غيره حرماً وإنما الحرم بمكة والمدينة خاصة . وفي وادي وج بالطائف نزاع بين العلماء ] (2).
ولم تثبت تسمية المسجد الأقصى حرماً عن أحد من العلماء المحققين ولما تكلم الإمام بدر الدين الزركشي عن الأحكام المتعلقة بالمسجد الأقصى لم يذكر منها شيئاً في تسميته حرماً وإنما سماه المسجد الأقصى كما هو شأن بقية العلماء (3).(1/149)
كما أن الشيخ مجير الدين الحنبلي لم يستعمل كلمة الحرم في وصف المسجد الأقصى في كتابه " الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل " وكذلك الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه " الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية ".
المسألة الثانية : بدع الصوفية في المسجد الأقصى والأناشيد الدينية والفرق المنشدة :
اعتادت بعض فرق الصوفية القدوم إلى المسجد الأقصى بجماعات كثيرة العدد وهم يعلقون مسابح كبيرة الحجم في رقابهم ويعقدون ما يسمونه مجالس ذكر أو مديح للرسول ( وبعض هؤلاء يستعملون الدفوف في إنشادهم داخل المسجد الأقصى .
كما وأن بعض فرق الإنشاد والتي يسمونها زوراً وبهتاناً - فرق الإنشاد الديني - ينشدون أناشيدهم باستعمال الدفوف مع رفع الأصوات ويردد عوام المصلين معهم ويتحول المسجد الأقصى إلى ما يشبه جوقة غنائية كبيرة .
وهذه المظاهر تشاهد في المسجد الأقصى عند عقد الاحتفالات التي يسمونها دينية كما في احتفالهم بالإسراء والمعراج والمولد النبوي وذكرى الهجرة وغيرها .
وهذه الأمور كلها من البدع المخالفة لهدي المصطفى ( ولما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأولي العلم والتحقيق .
وتظهر معالم هذه البدع فيما يلي :
أولاً : أنه لم يثبت أن النبي( قد اتخذ سبحة فضلاً أن يجعلها في رقبته ولا ثبت هذا التعليق عن الصحابة ولا عن التابعين وإنما تعليق السبحات في الأعناق من المبتدعات ومن التشبه برجال الدين من الملل الأخرى .
قال الشيخ علي محفوظ :[ ومن بدعهم - أي الصوفية - وضع السبحة في العنق أو اليد بدون الذكر فهو من فعل المرائين الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ويعرفوا من طريق الوهم والتضليل والطريق إلى الله عز وجل هي متابعة رسول الله( وما سوى ذلك ضلال نعوذ بالله منه ] (1).
ثانياً : إن هذا الإنشاد الديني كما يسمونه لا يجوز فعله في المساجد لأن المساجد لها آدابها وأحكامها التي يجب المحافظة عليها .(1/150)
قال السيوطي :[ ومن ذلك - أي من البدع - الرقص والغناء في المساجد وضرب الدف أو الرباب أو غير ذلك من آلات الطرب فمن فعل ذلك في المسجد فهو مبتدع ضال مستحق للطرد والضرب لأنه استخف بما أمر الله بتعظيمه .
قال الله تعالى :( في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) أي تعظم ( وَيُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ) أي يتلى فيها كتابه وبيوت الله هي المساجد قد أمر الله بتعظيمها وصيانتها عن الأقذار والأوساخ ... والغناء والرقص فمن غنى أو رقص فهو مبتدع ضال مضل مستحق للعقوبة ] (2).
وإذا كان رفع الصوت بقراءة القرآن منهي عنه في المسجد فما بالك بهذه الأناشيد التي ترافقها الدفوف وما بالك بفعلها قبل صلاة الجمعة بمناسبة الاحتفالات التي يسمونها دينية ، حيث يكون المسجد ممتلئاً بالمسلمين الذين ينتظرون صلاة الجمعة فيشوش هؤلاء المنشدون على عباد الله .
قال الشيخ علي محفوظ :[ ومنها إقامة حلقات الذكر المحرف في المساجد أيام المولد مع ارتفاع أصوات المنشدين مع التصفيق الحاد من رئيس الذاكرين ( بل الراقصين ) وقد يضربون على البازة أو السلامية أثناء الذكر وفي المسجد وكل ذلك غير مشروع بإجماع العلماء ولم يكن على عهد رسول الله ( ولا عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من الصحابة والتابعين ولا عهد الأئمة الأربعة المجتهدين رضي الله عنهم أجمعين ] (1).
كما أن في هذا الإنشاد تشبهاً بالنصارى الذين يفعلون شبهه في كنائسهم.
ثم إن هذا الإنشاد الديني ليس له أصل صحيح يعتمد عليه فليس من جملة القرب الشرعية .
وقد سئل العز بن عبد السلام عن مثل ذلك :[ ما يقول سيدنا في جماعة من أهل الخير والصلاح والورع يجتمعون في وقت فينشد لهم منشد أبياتاً في المحبة وغيرها ، فمنهم من يتواجد فيرقص ومنهم من يصيح ويبكي ومنهم من يغشاه شبه الغيبة عن إحساسه فهل يكره لهم هذا العمل أم لا ؟ فأجاب :
الرقص بدعة لا يتعاطاه إلا ناقص العقل ولا يصلح إلا للنساء ] (2).(1/151)
ونص الفقهاء على أنه لا يجوز شغل المساجد بالغناء والرقص (3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ ومن أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية سماع الغناء والملاهي وهو سماع المشركين قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ) قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وغيرهما من السلف " التصدية " التصفيق باليد والمكاء مثل الصفير فكان المشركون يتخذون هذا عبادة وأما النبي( وأصحابه فعبادتهم ما أمر الله به من الصلاة والقراءة والذكر ونحو ذلك ، والاجتماعات الشرعية ولم يجتمع النبي( وأصحابه على استماع غناء قط لا بكف ولا بدف ولا تواجد ولا سقطت بردته بل كل ذلك كذب باتفاق أهل العلم بحديثه .
وكان أصحاب النبي ( إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ والباقون يستمعون وكان عمر بن الخطاب ( يقول لأبي موسى الأشعري : ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون ومرًّ النبي ( بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال له :( مررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك فقال : لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيراً ) أي لحسنته لك تحسيناً كما قال النبي ( :( زينوا القرآن بأصواتكم ) وقال ( :( لله أشهد أذناً أي استماعاً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته ) وقال ( لابن مسعود :( اقرأ عليَّ القرآن فقال : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ فقال : إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى انتهيت إلى هذه الآية :( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا ) قال : حسبك فإذا عيناه تذرفان من البكاء .(1/152)
ومثل هذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم كما ذكره الله في القرآن فقال :( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) وقال في أهل المعرفة : ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ) ومدح سبحانه أهل هذا السماع بما يحصل لهم من زيادة الإيمان واقشعرار الجلد ودمع العين فقال تعالى :( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) وقال تعالى :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ).
وأما السماع المحدث سماع الكف والدف والقصب فلم تكن الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر الأكابر من أئمة الدين يجعلون هذا طريقاً إلى الله تبارك وتعالى ولا يعدونه من القرب والطاعات بل يعدونه من البدع المذمومة حتى قال الشافعي : خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن وأولياء الله العارفون يعرفون ذلك ، ويعلمون أن للشيطان فيه نصيباً وافراً ولهذا تاب منه خيار من حضره منهم ] (1).
المسألة الثالثة : بدعة الطواف بمسجد قبة الصخرة :(1/153)
بدعة الطواف بالصخرة بدعة قديمة ذكرها عدد من العلماء المتقدمين وما زالت موجودة إلى وقتنا الحاضر وقد شاهدت بأم عيني عندما كنت طالباً في المدرسة الثانوية الشرعية مجموعة من النسوة يطفن بمسجد الصخرة وكان ذلك في شهر رمضان وفي يوم جمعة .
والطواف بالصخرة محرمٌ شرعاً وبدعة منكرةٌ فالإسلام لم يشرع لنا إلا الطواف ببيت الله الحرام بمكة المكرمة فقط وكل طواف بما سواه منكر ومحرم شرعاً .
قال الشيخ ابن الحاج :[ وليحذر مما يفعله بعضهم من هذه البدعة المستهجنة وهو أنهم يطوفون بالصخرة كما يطوفون بالبيت العتيق ] (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ والعبادات المشروعة في المسجد الأقصى هي من جنس العبادات المشروعة في مسجد النبي ( وغيره من سائر المساجد إلا المسجد الحرام فإنه يشرع فيه زيادة على سائر المساجد بالطواف بالكعبة واستلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود وأما مسجد النبي ( والمسجد الأقصى وسائر المساجد فليس فيها ما يطاف به ولا فيها ما يتمسح به ولا ما يقبل فلا يجوز لأحد أن يطوف بحجرة النبي ( ولا بغير ذلك من مقابر الأنبياء والصالحين ولا بصخرة بيت المقدس ولا بغير هؤلاء كالقبة التي فوق جبل عرفات وأمثالها بل ليس في الأرض مكان يطاف به كما يطاف بالكعبة ومن اعتقد أن الطواف بغيرها فهو شر ممن يعتقد جواز الصلاة إلى غير الكعبة ] (2).
ووصف السيوطي الطواف بالصخرة بأنه من فعل أهل الضلال (3).
المسألة الرابعة : بدعة التمسح بالصخرة :
معلوم أن مسجد قبة الصخرة أقيم على الصخرة التي قيل إن النبي( عرج منها إلى السموات العلى وزعم بعض الناس أنه يوجد على الصخرة أثر قدمه الشريف( (1).
وهذا الكلام ليس بثابت بل هو من أوهام العوام لأنه لا يعلم على وجه القطع المحل الذي عرج منه النبي( إلى السماء وإنما المعروف أنه عرج به ( من المسجد الأقصى والمسجد الأقصى يطلق على كل المكان المعروف (2).(1/154)
كما أن الزعم بوجود أثر قدمه الشريف( على الصخرة ما هو إلا محض كذب وافتراء على رسول الله ( .
وما ساقه الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته حول ذلك (3) ما هو إلا دجل وخرافات ليس لها أصل علمي صحيح تقوم عليه لا بخبر أحاد ولا بالتواتر كما زعم الشيخ المذكور حيث إنه زعم أن ذلك ثابت بطريق التواتر (4) بل ذلك مجرد شائعات اكتسبت شهرة عند العامة ولا أصل لكل هذه الخرافات فهي كذب مختلق (5).
وقد نص المحققون من العلماء والحفاظ على إنكار صحة آثار القدم النبوية على الأحجار وإن من علامات زيف آثار القدم ما قرره صاحب كتاب الآثار النبوية - أحمد تيمور باشا - حين قابل بين المعروف من تلك الآثار حيث قال :[ المعروف الآن من هذه الأحجار سبعة أربعة منها بمصر وواحد بقبة الصخرة ببيت المقدس وواحد بالقسطنطينة وواحد بالطائف وهي حجارة سوداء إلى الزرقة في الغالب عليها آثار أقدام متباينة في الصورة والقدر لا يشبه الواحد منها الآخر ] (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ وما يذكره بعض الجهال فيها
- أي في الصخرة - من أن هناك أثر قدم النبي وأثر عمامته وغير ذلك فكله كذب ] (2).
وقد روي في فضل الصخرة أحاديث كثيرة وكلها باطلة مكذوبة موضوعة، قال العلامة ابن القيم :[ وكل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى والقدم الذي فيها كذب موضوع مما عملته أيدي المزوريين الذين يروجون لها ليكثر سواد الزائرين ] (3).
ومن هذه الأحاديث :
1. ما روي عن عبادة ( أنه عليه الصلاة والسلام قال :( صخرة بيت المقدس على نخلة والنخلة على نهر من أنهار الجنة وتحت النخلة آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران تنظمان سموط أهل الجنة إلى يوم القيامة) ذكره المنهاجي السيوطي ومجير الدين الحنبلي وعبد الغني النابلسي(4).
قال العلامة محدث العصر الشيخ الألباني يرحمه الله إنه حديث موضوع ونقل عن الذهبي أن راوي الحديث محمد بن مخلد حدث بالأباطيل ثم ذكر هذا الحديث (5).(1/155)
وقال الهثيمي بعد أن ذكر الحديث :[ وفيه محمد بن مخلد الرعيني وهذا الحديث من منكراته ] (1).
2. وما روي عن علي بن أبي طالب عن النبي ( قال :( سيدة البقاع بيت المقدس وسيد الصخور صخرة بيت المقدس ) ذكره المنهاجي السيوطي ومجير الدين الحنبلي (2). وهذا الحديث تفوح منه رائحة الكذب .
3. وما روي عن أبي هريرة ( أن النبي ( قال ( الأنهار كلها والسحاب والرياح من تحت صخرة بيت المقدس ) ذكره مجير الدين الحنبلي وعبد الغني النابلسي (3).
وفي رواية أخرى ( المياه العذبة والرياح اللواقح من تحت صخرة بيت المقدس ) (4)
4. ومن الخرافات العجيبة ما ذكره عبد الغني النابلسي أن الصخرة معلقة في السماء لا يمسكها إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض ... الخ (5) وهذا عين الكذب والافتراء .
5. ومن الخرافات ما ذكره عبد الغني النابلسي أيضاً أن النبي( لما صعد إلى السماء من الصخرة ليلة المعراج صعدت الصخرة خلفه فأمسكتها الملائكة فوقفت بين السماء والأرض (6).
وهذا كذب ودجل بلا خجل ولا يصدقه إلا من في عقله خبل .
قال الشيخ علي محفوظ بعد أن ذكر هذه الخرافة :[ وهذا من الأكاذيب المشهورة ولا أصل له في الدين ] (1).
6. ومن الخرافات أيضاً ما نقله الشيخ عبد الغني النابلسي عن عطاء قال : [ وكانت صخرة بيت المقدس طولها في السماء اثني عشر ميلاً ويقال إنه ليس بينها وبين السماء إلا ثمانية عشر ميلاً وكان أهل أريحا يستظلون بظلها وكان عليها ياقوتة تغزل نساء البلقان على ضوئها بالليل . قال : ولم تزل كذلك حتى غلبت عليها الروم بعد أن خربها بختنصر ] (2).
وهذا عين الكذب والإفتراء المحض . وغير ذلك من الخرافات والأحاديث الباطلة .
وقد شاعت هذه الأحاديث والأقاويل بين عامة الناس وعند من كتبوا في فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى مما أثر في نفوس العامة فصاروا يتمسحون بالصخرة أو يقبلونها ويقدسونها وكل ذلك من البدع المنكرة .(1/156)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ فصخرة ببيت المقدس لا يسن استلامها ولا تقبيلها باتفاق المسلمين بل ليس للصلاة عندها والدعاء خصوصية على سائر بقاع المسجد والصلاة والدعاء في قبلة المسجد الذي بناه عمر بن الخطاب للمسلمين أفضل من الصلاة والدعاء عندها ] (3).
ومن المعلوم عند العلماء المحققين أنه لا يشرع تقبيل أي شيء من الجمادات إلا الحجر الأسود لما ثبت في الصحيحين أن عمر( قال : ( والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله ( يقبلك ما قبلتك ) (4).
وقد سبق أنه لم يثبت شيء في فضل الصخرة على وجه الخصوص وإنما الثابت ما ورد في فضائل المسجد الأقصى فمن ذلك : قوله تعالى :( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (1).
عن أبي هريرة ( أن النبي قال :( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول ( ومسجد الأقصى ) رواه البخاري ومسلم (2).
وقد وردت بعض الأحاديث في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى فمن ذلك :
1. عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله ( :( الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة ) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن كما قال الهيثمي (3). ورواه البزار وقال إسناده حسن (4).
وذكر المنذري الحديث وقال رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه وذكر أن البزار قال : إسناده حسن ، وعقب المنذر على ذلك بقوله : كذا قال (5).
والذي يظهر من كلام الشيخ الألباني على الحديث أنه يميل إلى تضعيفه (1). وقال الشيخ صالح آل الشيخ :[ وتحسين إسناده عندي مشكل لأن سعيد بن بشير ليس ممن يحتج بحديثه وقد تفرد به ] (2).(1/157)
وقال د.صالح الرفاعي :[ والخلاصة أن حديث أبي الدرداء حديث حسن إلا قوله : ( وفي مسجد بيت المقدس خمسمئة صلاة ) فإن هذه الجملة ضعيفة ] (3).
2. وعن ميمونة مولاة النبي ( قالت :( قلت يا رسول الله ! أفتنا في بيت المقدس . قال : أرض المحشر والمنشر إئتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره . قلت أرأيت إن لم نستطع أن أتحمل إليه ! قال : فتهدي له زيتاً يسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه ) رواه ابن ماجة وأحمد والطبراني وغيرهم قال الذهبي : هذا حديث منكر جداً (4).
وتراجع الشيخ الألباني عن تصحيح هذا الحديث حيث كان قد صححه في فضائل الشام ثم قال :[ ثم بدا لي أنه غير جيد السند فيه علة تقدح في صحته ] (5).
وقال الشيخ الألباني في موضع آخر :[ وأما حديث إن الصلاة في بيت المقدس بألف صلاة فهو حديث منكر كما قال الذهبي ... ] (6).
3. وعن أنس بن مالك ( قال : قال رسول الله ( ( صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة وصلاته في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة ) رواه ابن ماجة وقال البوصيري في الزوائد : إسناده ضعيف (1). وقال العلامة ابن القيم :[ وهو حديث مضطرب " إن الصلاة فيه بخمسين ألف صلاة " وهذا محال لأن مسجد رسول الله ( أفضل منه والصلاة فيه تفضل على غيره بألف صلاة ] (2).
وقال الذهبي [ هذا منكر جداً ] (3).(1/158)
4. وعن أبي ذر ( قال :( تذاكرنا ونحن عند رسول الله( أيهما أفضل أمسجد رسول الله ( أم بيت المقدس ؟ فقال رسول الله( : صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه ببيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً ) رواه الحاكم والطبراني والطحاوي وغيرهم . وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي (4). وقال الهيثمي :[ رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح ] (5). وصححه الشيخ الألباني بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى (6).
وقال د. صالح الرفاعي :[ والحديث في إسناده قتادة وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث ... فيخشى أن يكون دلسه لا سيما أن في متنه غرابة كما قال المنذري فالحديث ضعيف الإسناد ولأن قتادة لم يصرح بالتحديث ] (1).
وقد بين الشيخ الألباني أن للحديث طريقان آخران فلذا صححه (2).
وقد وردت أحاديث أخرى ضعيفة في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى (3).
والذي يظهر لي أن أحسنها حالاً الحديث الأخير حديث أبي ذر ثم الحديث الأول وهو حديث أبي الدرداء وقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية :[ ... وأما في المسجد الأقصى فقد روي أنها بخمسين صلاة وقيل بخمسمائة صلاة وهو الأشبه ] (4).
وقال ابن القيم :[ وقد روي في بيت المقدس التفضيل بخمسمائة وهو أشبه ] (5).
المبحث الحادي عشر
بدعة الاحتفال بالمولد النبوي
من البدع المنتشرة في بلاد العالم الإسلامي وفي بلادنا بدعة الاحتفال بالمولد النبوي بل أصبح يوم المولد النبوي عيداً رسمياً تعطل فيه الدوائر والمؤسسات الرسمية والمصانع أعمالها ويسمونه عيد المولد النبوي .
وتقام الاحتفالات وتلقى الخطابات وتعقد حلقات الإنشاد وتقرأ قصة المولد وقد يصاحب ذلك بعض المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء وما يتبع ذلك من الرقص والتصفيق والتبرج وعزف الفرق الموسيقية داخل ساحات المسجد .(1/159)
إن هذه الاحتفالات بدعة ولا يجوز فعلها ولا يصح اعتبار المولد عيداً من أعياد المسلمين ويدل على عدم جواز كل ذلك ما يلي :
أولاً : إن هذا العمل ليس له أصل في الكتاب ولا في السنة ولم يفعله السلف الصالح بل ذلك من [ البدع المحدثة في الدين لأن الرسول ( لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله على الجميع ولا التابعون لهم بالإحسان في القرون المفضلة وهم أعلم الناس بالسنة وأكمل حباً لرسول الله ( ومتابعة لشرعه ممن بعدهم وقد ثبت عن النبي ( أنه قال :( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أي مردود عليه وقال في حديث آخر :( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين :( وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) وقال عز وجل :( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وقال سبحانه :( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وقال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الاوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالانْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) وقال تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلامَ دِينًا ) والآيات في هذا المعنى كثيرة وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين(1/160)
لهذه الأمة وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه وعلى رسوله ( والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة ] (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن المولد :[ فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منَّا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ( وتعظيماً له منَّا وهم على الخير أحرص ] (2).
وقال الشيخ تاج الدين الفاكهاني :[ لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين ] (1).
وقال الونشريسي تحت عنوان " التحبيس - الوقف - على إقامة ليلة المولد ليس بمشروع " :[ وسئل الأستاذ أبو عبد الله الحفار عن رجل حبس أصل توت على ليلة مولد سيدنا محمد ( ثم مات المحبس فأراد ولده أن يتملك أصل التوت المذكور فهل له ذلك أم لا ؟(1/161)
فأجاب : وقفت على السؤال فوقه وليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم أصحاب رسول الله ( والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة لأن النبي ( لا ُيعظم إلا بالوجه الذي شرع فيه تعظيمه ، وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله لكن يتقرب إلى الله جل جلاله بما شرع ، والدليل على أن السلف لم يكونوا يزيدون فيها زيادة على سائر الليالي أنهم اختلفوا فيها، فقيل إنه ( ولد في رمضان ، وقيل في ربيع ، واختلف في أي يوم ولد فيه على أربعة أقوال ، فلو كانت تلك الليلة التي ولد في صبيحتها تحدث فيها عبادة بولادة خير الخلق ( لكانت معلومة مشهورة لا يقع فيها اختلاف ، ولكن لم تشرع زيادة تعظيم ألا ترى أن يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس وأفضل ما يفعل في اليوم الفاضل صومه وقد نهى النبي( عن صوم يوم الجمعة مع عظيم فضله فدل هذا على أنه لا تحدث عبادة في زمان ولا في مكان إلا إن شرعت ، وما لم يشرع لم يفعل ، إذ لا يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما أتى به أولها ولو فتح هذا الباب لجاء قوم فقالوا : يوم هجرته إلى المدينة يوم أعز الله فيه الإسلام فيجتمع فيه ويتعبد ، ويقول آخرون الليلة التي أسري به فيها حصل له من الشرف مالا يقدر قدره فتحدث فيها عبادة ، فلا يقف ذلك عند حدّ ، والخير كله في اتباع السلف الصالح الذين اختارهم الله له فما فعلوا فعلناه وما تركوا تركناه فإذا تقرر هذا ظهر أن الاجتماع في تلك الليلة ليس بمطلوب شرعاً بل يؤمر بتركه ووقوع التحبيس عليه مما يحمل على بقاءه واستمراره ما ليس له أصل في الدين فمحوه وإزالته مطلوب شرعاً ] (1).
وقال الونشريسي أيضاً :[ وسئل سيدي أحمد القباب عما يفعله المعلمون من وقد الشمع في مولد النبي( واجتماع الأولاد للصلاة على النبي( ويقرأ بعض الأولاد ممن هو حسن الصوت عشراً من القرآن وينشد قصيدة في مدح النبي( ويجتمع الرجال والنساء بهذا السبب ...(1/162)
فأجاب بأن قال: جميع ما وصفت من محدثات البدع التي يجب قطعها ومن قام بها أو أعان عليها أو سعى في دوامها فهو ساعٍ في بدعة وضلالة ، ويظن بجهله أنه بذلك معظم لرسول الله( قائم بمولده ، وهو مخالف سنته مرتكب لمنهيات نهى عنها( ، متظاهر بذلك محدث في الدين ما ليس منه ، ولو كان معظماً له حق التعظيم لأطاع أوامره فلم يحدث في دينه ما ليس منه ، ولم يتعرض لما حذر الله تعالى منه حيث قال : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )] (2).
ثانياً : إن الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيداً فيه تشبه بأهل الكتاب فالنصارى يحتفلون بعيد مولد عيسى عليه السلام كما يزعمون في نهاية كل عام ميلادي ، وكذلك اليهود يحتفلون بأعياد زعموها لأنبيائهم فإذا احتفل المسلمون بعيد المولد النبوي غير المشروع فقد تشبهوا بأهل الكتاب وقد نهينا عن التشبه بهم ، قال العلامة ابن القيم :[ ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلاد ويوم التعميد وغير ذلك من أحواله ] (1).
ثالثاً : إن الاحتفال بالمولد أمر محدث لم تعرفه القرون الأولى الفاضلة وأول من أحدث هذه البدعة أحد خلفاء الدولة الفاطمية من الرافضة وهو المعز لدين الله وذلك سنة 362 هـ بالقاهرة فقد أحدث ستة موالد وهي : المولد النبوي ومولد الإمام علي ومولد فاطمة ومولد الحسن والحسين ومولد الخلفية المعاصر وبقيت هذه الموالد إلى أن أبطلها الأفضل أمير الجيوش بن بدر الجمالي سنة 488 هـ ثم أعيد الاحتفال بها سنة في خلافة الآمر بأحكام الله سنة 524 هـ ، وكان أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي بالعراق صاحب إربل الملك أبو سعيد كوكبوري في القرن السابع الهجري (2).(1/163)
والسؤال أين كان المسلمون خلال عدة قرون عن هذا الاحتفال لو كان مشروعاً؟ وأين كان الصحابة والتابعون وسلف الأمة عن هذا الاحتفال لو كان مشروعاً ؟
والله لو كان الاحتفال بالمولد النبوي مشروعاً لسبقونا إليه فإنهم أشد حباً لله ولرسوله ( ممن جاء بعدهم وهم أشد اتباعاً ممن خلفهم .
رابعاً : إن يوم مولد النبي (ليس معلوماً على الوجه القطعي فقد اختلف العلماء في تعيين يوم مولده فمنهم من قال ولد يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول وهذا القول هو المشهور .
وقيل في الثاني منه وقيل في الثامن منه وقيل في العاشر وقيل في السابع عشر منه وقيل في الثامن عشر منه .
ورجح بعض العلماء المحدثين أنه ( ولد في التاسع من ربيع الأول وحسب ذلك فلكياً (1).
وبناء على هذا الاختلاف فإن جعل الاحتفال بالمولد في الثاني عشر من ربيع الأول لا أصل له من الناحية التاريخية فهو تحكم بدون مستند (2).
ووقوع هذا الخلاف في يوم مولده يدل على أن الصحابة رضي الله عنهم لم يروا أن لذلك اليوم شعاراً خاصاً به لأنهم لو كان يعلمون أن لهذا اليوم شعاراً خاصاً لعينوه واهتموا به ولصار معلوماً مشهوراً ولما لم يكن ذلك دل على عدم مشروعية الاحتفال من أصله .
خامساً : إن احتفال كثير من المحتفلين بالمولد النبوي يتضمن في الغالب مفاسد ومنكرات عديدة منها :
أ. إن كثيراً من القصائد والمدائح التي يُتَغَنى بها في المولد لا تخلو من ألفاظ الشرك وعبارات الغلو في الرسول ( كما في قصيدة البوصيري :
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به *** سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي *** صفاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم
فمثل هذه الأوصاف لا تصح إلا الله عز وجل فكيف تكون الدنيا والآخرة من جود النبي( ؟ وكيف يكون علم اللوح والقلم من علم النبي( ؟ وماذا أبقى هذا الشاعر لله تعالى ؟!! (1)(1/164)
لا شك أن هذا من الغلو وقد نهى النبي( عن الغلو بقوله :( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله ) رواه البخاري (2).
وصح عن النبي ( أنه قال :( إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح صححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه النووي والألباني وغيرهم (3).
ب. ومن البدع القبيحة التي تقع في بعض الاحتفالات بالمولد النبوي قيام الحاضرين تعظيماً وإكراماً عند ذكر ولادته ( وخروجه إلى الدنيا لأنهم يعتقدون حضور الرسول ( لاحتفالهم كما زعموا .
قال العلامة الشيخ عبد العزيز باز في إبطال هذه البدعة :[ ومن ذلك أن بعضهم يظن أن رسول الله ( يحضر المولد ولهذا يقومون له محيين ومرحبين وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل فإن الرسول( لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ولا يتصل بأحد من الناس ولا يحضر اجتماعاتهم بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة كما قال الله تعالى في سورة المؤمنين : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) وقال النبي ( : ( أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع ) عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث كلها تدل على أن النبي( وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به ] (1).
المبحث الثاني عشر
بدعة الاحتفال بعيد الميلاد(1/165)
من البدع المنكرة التي انتشرت بين الناس إقامة حفلات عيد الميلاد لأبنائهم وبناتهم فكلما مرّ عام على موعد ولادة الشخص ابناً كان أو بنتاً أو زوجاً أو زوجة يقيمون له حفلة عيد ميلاد فيصنعون الحلوى وما يسمى بكعكة عيد الميلاد ويضعون عليها الشموع بعدد سنوات العمر التي مضت وينشدون أنشوده مخصوصة لهذا الاحتفال باللغة الإنجليزية ، وهي :
Happy birth day to you ...
وهذا الاحتفال بدعةٌ ومنكرٌ وتشبهٌ بالنصارى فإن أصل فكرة عيد الميلاد نبتت من النصارى الذين يحتفلون بعيد ميلاد عيسى عليه السلام في كل عام ، فتقام له الاحتفالات في الكنائس في أواخر الشهر الأخير من العام الميلادي عند بعض طوائف النصارى وتحتفل طوائف أخرى به في أوائل الشهر الأول من العام ومما يؤسف له أن بعض المسلمين يشاركون في هذه الاحتفالات معهم في كنائسهم ، وآخرون من المسلمين يقيمون حفلات الرقص والغناء في هذه الأيام ويتخلل هذه الاحتفالات كثير من المنكرات أقلها اختلاط الرجال بالنساء المتبرجات ويتخللها الرقص وشرب الخمور وأمور أخرى يخجل الإنسان من ذكرها فنسأل الله العفو والعافية.
وقد حذر العلماء منذ عهد بعيد من مشاركة المسلمين لأهل الكتاب في احتفالاتهم الدينية وشعائرهم ويظهر من استقراء الكتب التي تحدثت عن هذه المسألة أن بعض العوام من المسلمين ممن ضعف إيمانهم وكثر جهلهم بأحكام الإسلام كانوا يشاركون النصارى احتفالاتهم أو يظهرون مظاهر عيدهم فقد حذر الإمام أبو بكر الطرطوشي المتوفى سنة 530 هـ المسلمين من المشاركة في هذه الاحتفالات (1).
وكذلك فعل شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ وتلميذه العلامة ابن القيم والشيخ إدريس التركماني وكذلك فعل جلال الدين السيوطي وغيرهم (2).
وقد اتفق أهل العلم على تحريم حضور أعياد أهل الكتاب والتشبه بهم فيها وقد نص على ذلك فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم (3).(1/166)
ومن نصوص العلماء في ذلك ما يلي :
1. ما ورد عن عمر بن الخطاب ( قال :( لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم ) رواه عبد الرزاق والبيهقي وإسناده صحيح كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم (4).
2. وعن عمر أيضاً أنه قال : ( اجتنبوا أعداء الله في دينهم ) رواه البيهقي (5).
3. وعن عبد الله بن عمرو ( قال :( من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة ) رواه البيهقي (1).
4. وقد ورد عن جماعة من التابعين في تفسير قوله تعالى :( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) (2). أن ذلك أعياد المشركين ، فقد ورد عن محمد بن سيرين أنه قال في تفسير الزور بأنه الشعانين - وهو عيد للنصارى - .
وورد عن مجاهد أنه قال :[ هو أعياد المشركين ونحوه ورد عن الربيع بن أنس والضحاك وأبي العالية وطاووس ] (3).
5. قال أبو القاسم هبة الله بن الحسين الطبري الفقيه الشافعي :[ ولا يجوز للمسلمين أن يحضروا أعيادهم لأنهم على منكر وزور وإذا خالط أهل المعروف أهل المنكر بغير الإنكار عليهم كانوا كالراضين به المؤثرين له فنخشى من نزول سخط الله على جماعتهم فيعم الجميع نعوذ بالله من سخطه ] (4).
6. وقال أبو الحسن الآمدي :[ لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود ، نص عليه أحمد في رواية مهنا . واحتج بقوله تعالى :( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) قال : الشعانين وأعيادهم (5).
7. وقال الشيخ إدريس التركماني :[ ومن قلة التوفيق والسعادة ما يفعله المسلم الخبيث في يوم يعرف بالميلاد فيشتري لأولاده القصب والشمع والقفص ... فيقع في البدع ويخرج عن طريق النبي المختار صلوات الله عليه وسلامه آناء الليل وأطراف النهار وفي فعلته هذه قد تشبه بالكفار ... ] (1).(1/167)
8. وقال الشيخ إدريس التركماني أيضاً :[ وقد أجمع الأئمة على ما شرط عمر بن الخطاب ( وسائر الصحابة أن أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم وشعائرهم في بلاد المسلمين فإذا منعهم الشرع فمن لم ينكر عليهم في إظهار ذلك وشاركهم في شيء من أفعالهم أو ساعدهم بإعارة شيء أو كثر سوادهم حشر معهم ] (2).
9. وقال جلال الدين السيوطي :[ ومما يفعله كثير من الناس في أيام الشتاء ويزعمون أنه ميلاد عيسى عليه السلام فجميع ما يصنع أيضاً في هذه الليالي من المنكرات مثل : إيقاد النيران وإحداث طعام وشراء شمع وغير ذلك فإن اتخاذ هذه المواليد موسماً هو دين النصارى ليس لذلك أصل في دين الإسلام ولم يكن لهذا الميلاد ذكر في عهد السلف الماضين بل أصله مأخوذ عن النصارى وانضم إليه سبب طبيعي وهو كونه شتاء المناسب لإيقاد النيران ] (3).
وقال السيوطي أيضاً :[ ومن ذلك أعياد اليهود أو غيرهم من الكافرين أو الأعاجم والأعراب الضالين لا ينبغي للمسلم أن يتشبه بهم في شيء من ذلك ولا يوافقهم عليه .
قال الله تعالى لنبيه محمد( :( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الامْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ). وأهواء الذين لا يعلمون هو : ما يهوونه من الباطل فإنه لا ينبغي للعالم أن يتبع الجاهل فيما يفعله من هوى نفسه .(1/168)
قال الله تعالى لنبيه ( :( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) . فإذا كان هذا خطابه لنبيه ( فكيف حال غيره إذا وافق الجاهلين أو الكافرين وفعل كما يفعلون مما لم يأذن به الله ورسوله !! ويتابعهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم!! وترى اليوم كثيراً من علماء المسلمين الذين يعلمون العلم الظاهر وهم منسلخون منه في الباطن يصنعون ذلك مع الجاهلين في مواسم الكافرين بالتشبه بالكافرين ] (1).
10. وقال السيوطي أيضاً :[ واعلم أنه لم يكن على عهد السلف السابقين من المسلمين من يشاركهم في شيء من ذلك فالمؤمن حقاً هو السالك طريق السلف الصالحين المقتفي لآثار نبيه سيد المرسلين المقتدي بمن أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين جعلنا الله منهم بمنه وكرمه إنه جواد كريم ولا ينظر الرجل إلى كثرة الجاهلين الواقعين في مشابهة الكافرين والعلماء الغافلين وموافقتهم فقد قال السيد الجليل الفضيل بن عياض ( : عليك بطريق الهدى وإن قلَّ السالكون واجتنب طريق الردى وإن كثر الهالكون . اللهم اجعلنا من المهتدين المتبعين لآثار سبيل الصالحين ولا تجعلنا من الهالكين المتبعين لآثار سبيل الكافرين الضالين بمنك وكرمك إنك جواد كريم ] (1).
11. وسئل الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :[ عن حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسمس ؟ وكيف نرد عليهم إذا هنؤونا بها ؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة ؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئاً مما ذكر بغير قصد ؟ وإنما فعله إما مجاملةً أو حياءً أو إحراجاً أو غير ذلك من الأسباب ؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك ؟(1/169)
فأجاب فضيلته بقوله : تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق كما نقل ذلك ابن القيم - يرحمه الله - في كتابه " أحكام أهل الذمة " حيث قال : وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول : عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه . وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه . انتهى كلامه - يرحمه الله - . وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر ورضى به لهم وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال الله تعالى :( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) وقال تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا ) وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا . وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك لأنها ليست بأعياد لنا ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى لأنها إما مبتدعة في دينهم وإما مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً( إلى جميع الخلق وقال فيه :( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في(1/170)
ذلك من مشاركتهم فيها .
وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي ( :( من تشبه بقوم فهو منهم ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " : مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء . انتهى كلامه - يرحمه الله - ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملةً أو تودداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب لأنه من المداهنة في دين الله ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم .
والله المسئول أن يعز المسلمين بدينهم ويرزقهم الثبات عليه وينصرهم على أعدائهم إنه قوي عزيز ] (1).
المبحث الثالث عشر
بدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج
جرت عادة المسلمين في هذه الديار وغيرها على الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب من كل عام وفي هذا اليوم تعطل الدوائر والمؤسسات والمدارس والجامعات وتقام الاحتفالات في المساجد وقبل بيان بدعية هذه الاحتفالات أقول إن حادثة الإسراء والمعراج حق وصدق لا شك في ذلك ولا ريب وقد ثبت ذلك بكتاب الله سنة نبيه ( وأشارت إلى ذلك أول آية من سورة الإسراء حيث يقول الله تعالى :( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (1).(1/171)
وأما أنه ( أسري به في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب فلم يثبت ذلك بسند صحيح فقد اختلف العلماء في وقت الإسراء والمعراج على أقوال كثيرة ، قال الحافظ ابن حجر :[ وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث ثم اختلفوا فقيل قبل الهجرة بسنة قاله ابن سعد وغيره وبه جزم النووي وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه وهو مردود فإن في ذلك اختلافاً كثيراً يزيد على عشرة أقوال ] (2).
ثم ذكر الحافظ هذه الأقوال وهي :
1. قبل الهجرة بثمانية أشهر .
2. قبل الهجرة بستة أشهر .
3. قبل الهجرة بسنة .
4. قبل الهجرة بأحد عشر شهراً .
5. قبل الهجرة بسنة وشهرين .
6. قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر .
7. قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً .
8. قبل الهجرة بثلاث سنوات .
9. قبل الهجرة بخمس سنوات .
وكما أنهم اختلفوا في تحديد السنة التي حدثت فيها حادثة الإسراء والمعراج فكذلك اختلفوا في الشهر الذي وقعت فيه ، فقيل :
كان ذلك في السابع والعشرين من رجب . وقيل في شهر رمضان . وقيل في شهر شوال . وقيل في شهر ربيع الأول . وقيل في شهر ربيع الثاني . وقد ذكر هذه الأقوال كلها الحافظ ابن حجر (1).
وقال الإمام أبو الخطاب ابن دحية :[ وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب . قال الإمام أبو إسحاق الحربي : أسري برسول الله ( ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول ] (2).
وقد بحث المسألة أيضاً الإمام القرطبي في تفسيره وذكر الاختلاف الكبير في تحديد وقت الإسراء والمعراج وزاد أنه قد روي أن الإسراء كان بعد مبعثه بخمس سنين (3).
وأضاف الحافظ ابن كثير أن من العلماء من يرى أن الإسراء والمعراج وقع قبل الهجرة بستة عشر شهراً وكان ذلك في شهر ذي القعدة وذكر أن بعض الناس ادعى أن ذلك كان أول ليلة جمعة من شهر رجب وعقب على ذلك بأنه لا أصل (1).(1/172)
وقال العلامة أبو شامة المقدسي :[ وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب ] (2) ، وهذه العبارة سبقت في كلام ابن دحية .
وقال الإمام النووي :[ وكان الإسراء سنة خمس أو ست من النبوة وقيل سنة اثنتي عشرة منها وقيل بعد سنة وثلاثة أشهر منها وقيل غير ذلك . وكان ليلة السابع والعشرين من شهر ربيع الأول ] (3).
وقال العلامة ابن القيم ناقلاً عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية :[ ولم يقم دليل معلوم لا شهرها ولا على عشرها ولا على عينها بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ليس فيها ما يقطع به ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره ] (4).(1/173)
وقال العلامة ابن القيم أيضاً:[ ولا يجوز لأحد أن يتكلم فيها بلا علم ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها لا سيما على ليلة القدر ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت وإن كان الإسراء من أعظم فضائله ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان ولا ذلك المكان بعبادة شرعية بل غار حراء الذي ابتدأ فيه بنزول الوحي وكان يتحراه قبل النبوة لم يقصده هو ولا أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامه بمكة ولا خص اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها ولا خص المكان الذي ابتدأ فيه بالوحي ولا الزمان بشيء ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلاد ويوم التعميد وغير ذلك من أحواله وقد رأى عمر بن الخطاب ( جماعة يتبادرون مكاناً يصلون فيه فقال : ما هذا ؟ قالوا : مكان صلَّى فيه رسول الله( . فقال : أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد ؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، فمن أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض ] (1) وقد ذكر محققا الكتاب أن أثر ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وسنده صحيح (2).(1/174)
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي :[ وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ولم يصح شيء من ذلك فروي أن النبي ( ولد في أول ليلة منه وأنه بعث في السابع والعشرين منه وقيل في الخامس والعشرين ولا يصح شيء من ذلك وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي( كان في سابع وعشرين من رجب وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره وروي عن قيس بن عباد قال: في اليوم العاشر من رجب ] (3). وبعد هذا العرض للأقوال الواردة في وقت حادثة الإسراء والمعراج أقول إنه لم يثبت بحديث صحيح ولا خبر صحيح عن صحابي توقيت هذه الحادثة لا في السابع والعشرين من رجب ولا غيره وبناء على ذلك ، فإن تحديد السابع والعشرين من رجب على أنه وقتها غير صحيح وينقصه الدليل الثابت وقد رأينا أن أهل العلم لم يثبتوا تلك الروايات الواردة في تعيين وقت هذه الحادثة وحتى لو سلمنا جدلاً أن وقت حادثة الإسراء والمعراج معلوم لا يجوز للمسلمين الاحتفال بهذه المناسبة لأن ذلك لم يرد عن رسول الله ( ولا يجوز لهم أن يعتبروها عيداً من أعياد المسلمين تتعطل فيه الأعمال وتقام فيه الاحتفالات لأن ذلك زيادة في الدين وشرع لم يأذن به الله .(1/175)
قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز :[ وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي( عند أهل العلم بالحديث ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات فلم يجز لهم أن يحتفلوا بها لأن النبي( وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبينه الرسول( للأمة إما بالقول أو الفعل ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا فقد نقلوا عن نبيهم ( كل شيء تحتاجه الأمة ولم يفرطوا في شيء من الدين بل هم السابقون إلى كل خير فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه والنبي ( هو أنصح الناس للناس وقد بلَّغ الرسالة غاية البلاغ وأدى الأمانة فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله النبي( ولم يكتمه فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليس من الإسلام في شيء وقد أكمل الله لهذا الأمة دينها وأتم عليها النعمة وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلامَ دِينًا ) ، وقال عز وجل في سورة الشورى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وثبت عن رسول الله ( في الأحاديث الصحيحة التحذير من البدع والتصريح بأنها ضلالة تنبيهاً للأمة على عظم خطرها وتنفيراً لهم من اقترافها ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة( عن النبي( أنه قال :( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية(1/176)
لمسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) وفي صحيح مسلم عن جابر ( قال :( كان رسول الله ( يقول في خطبته يوم الجمعة : أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد( وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة )] (1).
وقال الشيخ علي محفوظ :[ ومنها ليلة المعراج التي شرف الله تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروباً كثيرة كالاجتماع في المساجد وإيقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك واجتماعهم للذكر والقراءة وتلاوة قصة المعراج وكان ذلك حسناً لو كان ذكراً وقراءة وتعليم علم لكنهم يلعبون في دين الله فالذاكر على ما عرفت والقارئ على ما سمعت فيزيد فيه ما ليس منه وينقص منه ما هو فيه وما أحسن سير السلف فإنهم كانوا شديدي المداومة على ما كان عليه الرسول ( لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة ويعتقدون الخروج عنه ضلالة لا سيما عصر الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير رضي الله عنهم أجمعين ] (2).
المبحث الرابع عشر
بدعة الاحتفال بالهجرة
ومن البدع المحدثة بدعة الاحتفال بذكرى هجرة الرسول( في اليوم الأول من شهر محرم من كل عام حيث يتخذ هذا اليوم عيداً وعطلةً رسميةً وهو بدعةٌ . وأول من احتفل برأس السنة الهجرية هم الفاطميون في مصر كما اشر إلى ذلك المقريزي حيث قال :[ موسم رأس السنة : وكان للخلفاء الفاطميين اعتناء بليلة أول محرم في كل عام لأنها أول ليالي السنة وابتداء أوقاتها ... ] (1).
ومن المعلوم لدى أهل الحديث والسيرة أن النبي( هاجر من مكة إلى المدينة في أوائل شهر ربيع الأول من السنة الثالثة عشرة لبعثته( حيث وصل إلى قباء إحدى ضواحي المدينة النبوية لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول يوم الاثنين كما قال الحافظ ابن كثير (2).(1/177)
وقال العلامة القسطلاني :[ وجزم ابن إسحاق أنه خرج أول يوم من ربيع الأول فعلى هذا يكون بعد البيعة بشهرين وبضعة عشر يوماً وكذا جزم الأموي في المغازي عن ابن إسحاق فقال : كان مخرجه من مكة بعد العقبة بشهرين وليال . قال : وخرج لهلال ربيع الأول ، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ] (3).
ولم تكن هجرته( في الأول من المحرم كما يظن كثير من الناس وإنما حدث في عهد عمر بن الخطاب( أن اتخذ التاريخ واختار الصحابة( التأريخ بهجرة المصطفى( ، قال الإمام البخاري في الصحيح : ( باب التاريخ من أين أرخوا ؟) ثم روى بسنده عن سهل بن سعد قال : [ ما عدّوا من مبعث النبي( ولا من وفاته ما عدُّوا إلا من مقدمه المدينة] وقال الحافظ ابن حجر :[ وإنما أخروه - التاريخ - من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسب أن يجعل مبتدأ . وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم ] (1).
وبناءً على ما تقدم فإن الأول من المحرم هو بداية السنة الهجرية وليس هو موعد هجرة الرسول ( وعلى كلا الحالين لا يجوز اتخاذ الأول من المحرم عيداً وتخصيصه بنوع من العبادة أو الذكر لأن هذا الأمر بدعة لم يفعلها الرسول ( ولم يفعلها أحد من خلفائه ولا من صحابته فلا يصح اتخاذه عيداً .(1/178)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ إذ الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع لا الابتداع وللنبي (خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة مثل يوم بدر وحنين والخندق وفتح مكة ووقت هجرته ودخول المدينة وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعياداً وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً أو اليهود وإنما العيد شريعة فما شرعه الله اتبع وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه ] (2).
ويستدل أيضاً على عدم شرعية الاحتفال بذكرى الهجرة بما يلي :
1. إن ما جرى في الزمان من الأحداث والوقائع كالهجرة النبوية وليلة الإسراء والمعراج وغزوات النبي( وغيرها من الأحداث العظيمة لا يوجب ذلك أن تتخذ ذكريات هذه المناسبات مواسم وأعياداً يحتفل بها أو تعظم على غيرها وتخصص ببعض العبادات وذلك لأنها لم تعظم أو تخصص من قبل الشرع .
2. من القواعد الشرعية المعروفة أن العبادة توقيفية كما قال تعالى :( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الامْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (1).
وقال نبيه ( :( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ولا ريب أن الأعياد والمواسم الدينية من مسائل العبادة وكذا طلب البركة والخير والأجر في زمان معين وليس في الشريعة الإسلامية ما يجيز التبرك أو الاحتفال بتلك المواسم ولذا لم يؤثر ذلك عن رسول الله ( ولا عن صحابته ولا عن التابعين لهم بإحسان . ففعل ذلك من البدع التي أحدثها الناس في الدين مع ما فيها من التشبه بأهل الكتاب ومع ما قد تتضمنه من المفاسد .(1/179)
3. إذا كانت إقامة الاحتفالات والأعياد بهذه المناسبات من باب شكر الله تعالى أو تعظيم نبيه ( كما يدعي بعضهم ، فالجواب على هذا : أن شكر الله تعالى إنما يكون بطاعته وعبادته عز وجل على وفق شرعه سبحانه وتعالى كما أن تعظيم النبي ( واحترامه يكون بطاعته أيضاً ومحبته والصلاة عليه واتباع سنته عليه أفضل الصلاة والسلام وعدم الابتداع في الدين .
4. ليس المقصود من الاقتداء بالرسول( والاتعاظ بسيرته والانتفاع بأحداثها وما فيها من دروس وعبر أن يكون ذلك مجرد ذكريات فقط تقام لها الاحتفالات والخطب في أيام محددة من السنة ثم تنسى إنما المطلوب أن يكون النظر في سيرته( والانتفاع بما وقع فيها من أحداث ووقائع شريفة واستخراج الدروس والعبر منها أن يكون ذلك طوال أيام السنة ولياليها على الوجه الشرعي فلا يختص بأوقات محددة ] (1).
المبحث الخامس عشر
بدع موسمية أخرى(1/180)
وهنالك بدع موسمية أخرى منتشرة تعطل فيها الأعمال والجامعات والمدارس وفي ذلك تعطيل لمصالح الناس وضرر يعود على طلاب العلم بسبب هذه الأعياد المزعومة كعيد رأس السنة الميلادية وهو اليوم الأول من شهر كانون الثاني من كل عام حيث إنه يوم عيد وعطلة رسمية في كثير من البلاد وكذلك عيد العمال ويقع في اليوم الأول من شهر أيار من كل عام وكذلك عيد الأم في الحادي والعشرين من آذار من كل عام وعيد الاستقلال وعيد الشجرة وعيد الحب الذي هو مظهر من مظاهر الفسق والفجور وغير ذلك من الأعياد ، فهذه الأعياد كلها مبتدعة لا يجوز للمسلم أن يحتفل بها أو أن يلقي لها بالاً وقد صح في الحديث قول النبي ( :( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) وليس الاحتفال بهذه المناسبات من عمله ( ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم ولا من عمل سلف الأمة بل هو تشبه بأهل الكتاب وغيرهم من الناس (1). والمسلمون عندهم عيدان شرعيان فقط يحتفل بهما وهما عيد الفطر وعيد الأضحى فقد ورد في الحديث عن أنس( قال :( قدم رسول الله ( المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال : ما هذان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول( : إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر ) رواه أبو داود والنسائي وأحمد وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا إسناد على شرط مسلم وصححه الشيخ الألباني (2).
المبحث السادس عشر
البدع المتعلقة بقراءة القرآن الكريم
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : ما يتعلق بسورة الفاتحة :(1/181)
اعتاد كثير من الناس على قراءة سورة الفاتحة عند الانتهاء من إلقاء درس أو موعظة وعند الانتهاء من قراءة سورة من القرآن فعندما يختم القارئ قراءته يقول للسامعين الفاتحة وكذلك عند عقد الزواج وعند الانتهاء من الصلاة والسلام على النبي ( بعد الأذان وعند المرور بالقرب من المقبرة وعند ختم الصلاة وعند الاتفاق على صفقة بيع أو شراء ، وعند إتمام صلح بين متخاصمين يقرؤون الفاتحة وغير ذلك من المواضع.
ولا شك أن سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم وهي السبع المثاني كما قال تعالى :(َوَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ ) (1).
قال القرطبي :[ سميت بذلك لأنها تثنى في كلى ركعة ] (2).
وقد ثبت فضل سورة الفاتحة في عدة أحاديث منها :
عن أبي سعيد بن المعلى ( قال:( مرَّ بي النبي ( وأنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت . ثم أتيت فقال : ما منعك أن تأتي ؟ فقلت : كنت أصلي ، فقال : ألم يقل الله ( يا أيها الذين آمنوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) ثم قال : ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد . فذهب النبي ( ليخرج فذكرته فقال : الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) رواه البخاري (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :( بينما جبريل قاعد عند النبي( سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم ، فنزل منه ملك ، فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل إلا اليوم، فسلَّم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته ) رواه مسلم (2). وغير ذلك من الأحاديث .(1/182)
وقراءة الفاتحة وغيرها من سور القرآن الكريم عبادة من العبادات والأصل في العبادات التلقي عن رسول الله( ولم ينقل عن رسول الله( أنه كان يقرأ الفاتحة بعد وعظه وإرشاده ولا بعد صلاة الجنازة ولا عند الزواج ولا في المناسبات التي شاع فيها قراءة الفاتحة في زماننا هذا .
وكل ذلك من الأمور المبتدعة المخالفة لهدي المصطفى( ، قال الشيخ محمد رشيد رضا :[ فاعلم أن ما اشتهر وعمَّ البدو والحضر من قراءة الفاتحة للموتى لم يرد في حديث صحيح ولا ضعيف فهو من البدع المخالفة لما تقدم من النصوص القطعية ولكنه صار بِسُكُوتِ اللابسين لباس العلماء وبإقرارهم له ثم بمجاراة العامة عليه من قبيل السنن المؤكدة أو الفرائض المحتمة ] (3).
وقال الشيخ الألباني :[ ... ومما سبق تعلم أن قول الناس اليوم في بعض البلاد :" الفاتحة على روح فلان " مخالفٌ للسنة المذكورة فهو بدعةٌ بلا شك ] (1).
وقراءة الفاتحة بنية قضاء الحاجات وتفريج الكربات وهلاك الأعداء بدعة لم يأذن بها الدين ... وقراءة الفاتحة عند خطبة الزواج واعتقاد الناس أن قراءتها عهد لا ينقض بدعة واعتقاد فاسد جاهل (2).
وأجابت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية برئاسة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن سؤال حول حكم القول : الفاتحة على روح فلان ، أو الفاتحة إن الله ييسر لنا ذلك الأمر وبعد ذلك بعد الميلاد يقرؤون سورة الفاتحة أو بعد أن يقرأ القرآن وينتهي من قراءته يقول الفاتحة ويقرؤها الحاضرون ، وكذلك جرى العرف على قراءة الفاتحة قبل الزواج فما حكم ذلك ؟ فأجابت اللجنة :
[ قراءة الفاتحة بعد الدعاء أو بعد قراءة القرآن أو قبل الزواج بدعة لأن ذلك لم يثبت عن النبي( ولا عن أحد من صحابته( وقد ثبت عن النبي ( أنه قال : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ )] (3).
المسألة الثانية : ما يتعلق باستماع القرآن الكريم:(1/183)
يقول الله تعالى :( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (1).
فالمطلوب من السامعين للتلاوة الإنصات والتدبر والتفكر في الآيات المتلوة ، ولكن كثيراً من السامعين يخلون بهذا الأدب فتراهم يجلسون أمام قارئ القرآن ويتحدثون فيما بينهم وإذا استمعوا فتسمعهم يقولون للقارئ عند قراءته آية : الله الله . الله يفتح عليك . ما شاء الله . تبارك الله . اللهم صلِ على النبي ( ، وغير ذلك من الألفاظ وكل هذا من سوء الأدب مع كتاب الله سبحانه وتعالى ومن الأمور المبتدعة ، قال العز بن عبد السلام :[ الاستماع للقرآن والتفهم لمعانيه من الآداب المشروعة المحثوث عليها والاشتغال عن ذلك بالتحدث بما لا يكون أفضل من الاستماع ، سوء أدب على الشرع ] (2).
وقال السيوطي :[ يسن الاستماع لقراءة القرآن وترك اللغط والحديث بحضور القرآءة قال الله تعالى :( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )] (3).
وقد صح في الحديث عن عبد الله بن مسعود ( قال : قال لي رسول الله ( :( اقرأ عليَّ . قلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : نعم . فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية :( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) قال : حسبك الآن ، فالتفت فإذا عيناه تذرفان ) رواه البخاري (1).
وفي رواية لمسلم قال عبد الله: ( فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل )(2).
ولنا في رسول الله ( أسوة حسنة ، أما ما يفعله كثير من الناس اليوم في مجال القرآن فهو أمرٌ منكرٌ مبتدع (3).(1/184)
قال الشيخ محمد عبد السلام :[ وقولهم لقارئ القرآن السيط : الله الله ، كمان ، كمان يا أستاذ ، هيه هيه ، الله يفتح عليك . حرمه الله بقوله : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) والحق أنهم لم يلتذوا بألفاظ القرآن لأنهم لم يفقهوا لها معنى بل ما كانت لذتهم إلا من حسن نغمة القارئ والدليل على ذلك أنه لو قرأ قارئ ليس حسن الصوت، السورة بعينها ، التي كانت تتلى عليهم لانفضوا من حوله سابين لاعنين له ولمن جاء به قائلين : جايب لنا فقي حسه زي حس الوابور .
ولقد وصف الله المؤمنين من عباده بأنهم :( إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) وقال فيهم أيضاً :( تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )] (4).
فهرس المحتويات
الموضوع
رقم الصفحة
أقوال في الاتباع والابتداع
المقدمة
الفصل الأول : قواعد وأسس في السنة والبدعة
المبحث الأول : الحث على اتباع السنة والتحذير من البدعة وبيان أسباب الابتداع
أولاً : الآيات الكريمات التي تأمر بالاتباع وتنهى عن الابتداع
ثانياً : الأحاديث النبوية التي تأمر بالاتباع وتنهى عن الابتداع
ثالثاً : الآثار الواردة عن السلف في لزوم السنة وذم البدعة
المبحث الثاني : تعريف البدعة لغة واصطلاحاً
أولاً : تعريف البدعة لغة
ثانياً : تعريف البدعة اصطلاحاً
مناهج العلماء في تعريف البدعة
المنهج الأول في تعريف البدعة
أدلة القائلين بالمنهج الأول
المنهج الثاني في تعريف البدعة
أدلة القائلين بالمنهج الثاني
المنهج المختار في تعريف البدعة
المبحث الثالث : الأصل في العبادة الاتباع
الأدلة من السنة على هذا الأصل(1/185)
الأدلة من آثار الصحابة على هذا الأصل
المبحث الرابع : لا يجوز إثبات نوع من العبادات لدخوله تحت الدليل العام بل لا بد من دليل خاص
المبحث الخامس : تقسيم السنة النبوية إلى فعلية وتركية وأثر الجهل بهذا الأصل في الابتداع
المبحث السادس : تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية
البدعة الحقيقية
البدعة الإضافية
المبحث السابع : حكم البدعة
المبحث الثامن : أسباب الابتداع
المبحث التاسع : أسباب انتشار البدع
الفصل الثاني : البدع المنتشرة بين الناس في المساجد وغيرها
المبحث الأول : البدع المتعلقة بالأذان
المسألة الأولى : قراءة القرآن قبل الأذان للصلوات الخمس وقبل الأذان للجمعة
المسألة الثانية : الأذان بواسطة شريط مسجل عليه الأذان
المسألة الثالثة : الصلاة على النبي ( بعد الأذان بحيث تكون جزءً منه
المسألة الرابعة : الذكر قبل أذان الفجر وقبل أذان العشاء ليلتي الإثنين والجمعة
المسألة الخامسة : قراءة سورة الإخلاص قبل إقامة الصلاة
المبحث الثاني : البدع المتعلقة بالنية
المسألة الأولى : الجهر بالنية
المسألة الثانية : طلب الإمام من المأمومين أن يستحضروا النية
المبحث الثالث : ختم الصلاة الجماعي
المبحث الرابع :بدعة المصافحة بعد الصلاة وقول المصلي للآخر تقبل الله منا ومنكم
المبحث الخامس : بدع محدثة في دعاء القنوت
تقليب اليدين عند الدعاء
مسح الوجه والبدن في دعاء القنوت
المبحث السادس : بدع الجمعة
المسألة الأولى : الصلاة والسلام على رسول الله ( قبل أذان الجمعة
المسألة الثانية : نداء المؤذن بين يدي خطيب الجمعة بحديث الإنصات
المسألة الثالثة : دعاء المؤذن عند جلوس الخطيب بين الخطبتين
المسألة الرابعة : رفع الخطيب يديه عند الدعاء في الخطبة
المبحث السابع : بدع العيدين
المسألة الأولى : قول المؤذن عند المناداة لصلاة العيد ( الصلاة جامعة )
المسألة الثانية : فرقة التكبير وما تقوم به من أمور مبتدعة(1/186)
المبحث الثامن : بدع الجنائز
المسألة الأولى : رفع الصوت بالذكر أثناء تشييع الجنازة
المسألة الثانية : بدعة التلقين بعد الدفن
المسألة الثالثة : قراءة الختمة للأموات
المسألة الرابعة : إحياء ذكرى الأربعين
المسألة الخامسة : بدعة التأبين
المسألة السادسة : وضع جريد النخيل والزهور والورود على القبور
المسألة السابعة : زيارة القبور يومي العيد
المسألة الثامنة : قراءة القرآن على القبور
المبحث التاسع : بدعة الاحتفال بموسم النبي موسى عليه السلام
وصف الاحتفال
أولاً : أين دفن موسى عليه السلام
ثانياً : شد الرحال إلى القبور والمقامات
ثالثاً : متى حدث الاحتفال بموسم النبي موسى
المبحث العاشر : البدع المتعلقة بالمسجد الأقصى
المسألة الأولى : بدعة تسمية المسجد الأقصى حرماً
المسألة الثانية : بدع الصوفية في المسجد الأقصى والأناشيد الدينية والفرق المنشدة
المسألة الثالثة : بدعة الطواف بمسجد قبة الصخرة
المسألة الرابعة : بدعة التمسح بالصخرة
خرافات متعلقة بالصخرة
المبحث الحادي عشر : بدعة الاحتفال بالمولد النبوي
الأدلة على بدعيته
المبحث الثاني عشر : بدعة الاحتفال بعيد الميلاد
المبحث الثالث عشر : بدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج
المبحث الرابع عشر : بدعة الاحتفال بالهجرة
الأدلة على عدم شرعيته
المبحث الخامس عشر : بدع موسمية أخرى
المبحث السادس عشر : البدع المتعلقة بقراءة القرآن الكريم
المسألة الأولى : ما يتعلق بسورة الفاتحة
المسألة الثانية : ما يتعلق باستماع القرآن الكريم
فهرس الآيات
فهرس الأحاديث
فهرس الآثار
فهرس المصادر والمراجع
فهرس الموضوعات
انتهى
(1) سورة الأنعام الآية 153 .
(2) تفسير القرطبي 7/137 .
(3) انظر الإبداع ص 92-93 .
(4) سورة النور الآية 63 .
(5) المفردات في غريب القرآن ص 156 .
(1) الاعتصام 1/132 .
(2) سورة الحشر الآية 7 .
(3) سورة النساء الآية 59 .
(4) سورة المائدة الآية 3 .(1/187)
(1) الاعتصام 2/53 .
(2) الموسوعة الفقهية 8/23 .
(3) سورة آل عمران الآية 31 .
(4) أضواء البيان 1/217 ، وانظر تفسير المنار 3/284 .
(5) سورة الشورى الآية 21 .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2/464 .
(2) سنن النسائي 3/188-189 ، صحيح سنن النسائي 1/346 .
(3) كتاب السنة ص 13 ، مشكاة المصابيح 1/59 ، سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان 2/241 .
(1) عون المعبود 11/234 ، تحفة الأحوذي 7/365 ، صحيح ابن حبان 1/178 ، الفتح الرباني 1/188 ، المستدرك 1/288 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 6/230 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 3/379 .
(3) صحيح مسلم مع شرح النووي 3/380 .
(4) جامع العلوم والحكم ص 81 .
(1) سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 10/106-107 ، سنن ابن ماجة 1/76 ، شرح السنة 1/233 ، صحيح سنن ابن ماجة 1/41-42 .
(2) صحيح الترغيب والترهيب ص 20-21 .
(3) المصدر السابق ص 21 ، المستدرك 1/284 .
(4) المصدر السابق ص 25-26 .
(1) إصلاح المساجد ص 13 ، وانظر البدعة وأثرها السيء في الأمة ص 42 .
(2) الباعث ص 13 ، الأمر بالاتباع ص 48 ، صحيح الترغيب والترهيب ص 21 ، سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان 2/288 .
(3) مجمع الزوائد 1/181 ، سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان 2/258 .
(4) كتاب العلم ص 122 .
(5) سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان 2/184 ، الأمر بالاتباع ص 59-60 .
(1) سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان 2/115 ، المصنف لعبد الرزاق 11/252 ، جامع بيان العلم وفضله 1/152، وانظر الأمر بالاتباع ص 59 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 17/15 .
(3) الباعث ص 15-16 ، الاتباع ص 62 ، إصلاح المساجد ص 12 ، السلسلة الضعيفة 1/374 .
(4) تلبيس إبليس ص 8 ، الأمر بالاتباع ص 49 ، المصنف لعبد الرزاق 11/367 .
(1) تلبيس إبليس ص 9 ، الأمر بالاتباع ص 49 .
(2) جامع بيان العلم وفضله 2/187 ، الاعتصام 1/87 .
(3) الاعتصام 1/87 .(1/188)
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 12/238-239 ، صحيح سنن أبي داود 3/873 .
(2) الاعتصام 1/83 ، الأمر بالاتباع ص 152 .
(3) الفقيه والمتفقه 1/173 ، شرح السنة 1/214 ، الباعث ص 15 ، الأمر بالاتباع ص 61
(1) لسان العرب مادة بدع 1/341-342 .
(2) المفردات ص 38-39 .
(1) الكليات ص 226 .
(2) انظر مسالك العلماء في تعريف البدعة في المصادر الآتية : قواعد الأحكام 2/172 ، الاعتصام 1/37 ، تهذيب الأسماء واللغات 3/22 ، الباعث ص 13 ، اقتضاء الصراط المستقيم ص 270 ، الأمر بالاتباع ص 81 ، تلبيس إبليس ص 16 ، فتح الباري 5/156 ، جامع العلوم والحكم ص 335 ، الفروق 4/202 ، تهذيب الفروق 4/217 ، الإبداع ص 26 ، البدعة ص 195 ، إصلاح المساجد ص 14 ، إتقان الصنعة ص 7 ، السنة والبدعة ص 195 ، السنن والمبتدعات ص 15 ، كلمة علمية هادئة في البدعة وأحكامها ص 12 ، فتاوى العقيدة ص 611 ، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 2/321 ، الموسوعة الفقهية 8/21.
(1) قواعد الأحكام 2/172 فما بعدها ، فتاوى العز بن عبد السلام ص 328 ، تلبيس إبليس ص 16-17 ، تهذيب الأسماء واللغات 3/22-23 ، الباعث ص 28 ، الفروق 4/202-205 ، النهاية 1/106 ، عمدة القاري 8/245 ، فتح الباري 5/156-157 ، الأمر بالاتباع ص 89 ، الإبداع ص 31 .
(1) تهذيب الأسماء واللغات 3/22-23 ، وانظر كلام العز بن عبد السلام الذي ذكره النووي في قواعد الأحكام 2/172-174 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 5/155-156 .
(2) فتح الباري 5/156 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 4/439 ، صحيح مسلم بشرح النووي 3/381-382 .
(4) مصنف ابن أبي شيبة 2/405 .
(5) فتح الباري 3/295 .
(1) فتح الباري 3/295 .
(2) مصنف عبد الرزاق 3/78-79 .
(3) انظر البدعة ص 205 ، البدعة والمصالح المرسلة ص 92 ، الموسوعة الفقهية 8/22 .
(4) صحيح مسلم مع شرح النووي 3/84-85 .
(1) سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 10/103 .(1/189)
(2) صحيح الترغيب والترهيب ص 30 .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم 3/86 .
(1) الفروق 4/202 ، تهذيب الفروق 4/229 ، الحوادث والبدع ص 21 ، اقتضاء الصراط المستقيم ص 270-271 ، جامع العلوم والحكم ص 335 ، البدع والمصالح المرسلة ص 103-107 .
(2) الاعتصام 1/37 .
(1) المصدر السابق 1/37 .
(2) المصدر السابق 1/37-41 .
(1) سورة المائدة الآية 3 .
(2) انظر البدعة والمصالح المرسلة ص 111 .
(3) الاعتصام 2/53 .
(4) تهذيب الفروق 4/218 .
(1) انظر الإبداع في كمال الشرع ص 12 .
(2) مجلة الحكمة عدد 11 ص159 .
(1) المصدر السابق .
(2) جامع العلوم والحكم ص 336 .
(3) فتح الباري 17/11 .
(4) فتاوى الشاطبي ص 180-181 نقلاً عن مجلة الحكمة عدد 11 ص 160 .
(1) جامع العلوم والحكم ص 81 .
(1) نيل الأوطار 2/89 .
(1) اقتضاء الصراط المستقيم ص 276 .
(1) الاعتصام 1/193-195 ، وانظر الحوادث والبدع ص 51-52 ، الإبداع ص 78-80
(2) الفتاوى الحديثية ص 281 .
(3) الاعتصام 1/191-192 .
(1) اقتضاء الصراط المستقيم ص 270-274 .
(2) الإبداع في كمال الشرع ص 18 .
(1) المصدر السابق ص 18-20 بتصرف .
(2) فتح الباري 3/295 ، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 2/343 ، 3/382 .
(1) فتاوى اللجنة الدائمة 2/321 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 2/252 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 3/419 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 5/310 ، سنن النسائي 5/270 ، سنن ابن ماجة 2/1006 .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 3/419 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 3/420 .
(3) سنن النسائي 5/270 .
(4) سورة الكهف الآية 110 .
(1) العبودية ص 170-171 .
(2) القواعد النورانية ص 78-79 .
(1) إعلام الموقعين 1/344 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 4/217 ، صحيح مسلم بشرح النووي 3/396 .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم 3/397 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 4/217 .
(2) فتح الباري 4/217 .(1/190)
(3) سنن ابن ماجة 2/984 ، الفتح الرباني 12/20 .
(4) مجمع الزوائد 3/240 ، الفتح الرباني 12/32 ، سنن البيهقي 5/77 .
(5) مجمع الزوائد 3/240 ، الفتح الرباني 12/32 .
(1) الفتح الرباني 12/41 ، تحفة الأحوذي 3/505 ، صحيح البخاري مع الفتح 4/219-220 .
(2) الفتح الرباني 12/41 .
(1) فتح الباري 4/220 .
(2) سنن الترمذي 5/76 ، المستدرك 5/377 ، صحيح سنن الترمذي 2/353 .
(3) سنن البيهقي 2/466 ، مصنف عبد الرزاق 3/52 ، الفقيه والمتفقه 1/147 .
(1) الفقيه والمتفقه 1/148 ، الاعتصام 1/132 .
(2) انظر صفة صلاة النبي ( ص 145 هـ 2 .
(3) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 1/192 ، سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان 4/264 التلخيص الحبير 1/ 160 ، صحيح سنن أبي داود 1/33 .
(1) الإبداع في كمال الشرع ص 20-23 .
(1) طبقات الشافعية 10/287 .
(1) سورة الأحزاب الآية 56 .
(1) انظر فتاوى الألباني ص 49-50 .
(2) جامع العلوم والحكم ص 82-83 .
(1) الباعث ص 38-43 .
(2) الأمر بالاتباع ص 153-166 .
(1) إحكام الإحكام 1/199-202 .
(1) أصول السرخسي 2/86 ، كشف الأسرار 3/200 ، حاشية التفتازاني على شرح العضد 2/22 ، فواتح الرحموت 2/180 ، شرح الكوكب المنير 2/178 .
(1) الموافقات 2/409 .
(2) إرشاد الفحول ص 42 .
(1) الاعتصام 1/361 .
(2) حجة النبي ( ص 100-101 .
(3) الإبداع ص 36 .
(1) شرح الكوكب المنير 2/196 .
(1) إعلام الموقعين 2/389-391 .
(2) الموافقات 2/410 .
(1) الموافقات 2/411-414 .
(1) اقتضاء الصراط المستقيم ص 279-281 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 6/187 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 6/68 .
(2) فضل علم السلف على الخلف ص 31 نقلاً عن البدعة وأثرها السيء ص 18 .
(3) انظر فتاوى الألباني ص 188 .
(1) الاعتصام 1/286 .
(2) الإبداع ص55 .
(1) اقتضاء الصراط المستقيم ص 309-310 .
(2) انظر الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ص 62،686 ، البدعة ص 323 .(1/191)
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 3/32 .
(1) سورة المائدة الآيتان 87-88 .
(2) سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 8/329 ، صحيح سنن الترمذي 3/46 .
(3) راجع كتاب د. يوسف القرضاوي " فوائد البنوك هي الربا الحرام " .
(4) انظر الاعتصام 1/286-287 .
(1) البدعة ص 324 .
(2) الاعتصام 2/12 .
(3) الإبداع ص 59 .
(4) الفتاوى الفقهية الكبرى 1/131 ، الإبداع ص 59 .
(1) المصنف 3/221-222 ، سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان 2/247 ، الأمر بالاتباع ص 84 .
(1) الاعتصام 2/36-37 .
(2) سورة النحل الآية 116 .
(3) الاعتصام 2/55 .
(1) الاعتصام 2/56 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 11/5 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 3/525 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 14/401 .
(2) الاستذكار 15/49 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 8/148 ، وقد نسب الشيخ علي محفوظ هذا القول إلى الرسول ( وهو خطأ انظر الإبداع ص 145 .
(4) انظر الاعتصام 2/60-61 .
(1) الإبداع ص 147 .
(1) الاعتصام 2/69-70 . والتثويب الذي كرهه الإمام مالك هو ما أحدثه بعض المؤذنين بعد النبي ( إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم قال بين الأذان والإقامة : قد قامت الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح فهذا هو التثويب الذي كرهه أهل العلم ، انظر سنن الترمذي مع شرحه التحفة 1/507 ، وما قاله الشاطبي في الموضع المذكور أول هذا الهامش .
(2) الاعتصام 2/65-72 .
(1) حجة النبي ( ص 103 .
(1) انظر البدع الحولية ص 51-52 .
(1) مناسك الحج والعمرة ص 44-45 .
(2) الاعتصام 2/318 .
(3) انظر أسباباً أخرى للبدع في البدع الحولية ص 37 فما بعدها .
(1) انظر البدع الحولية ص 71-75 .
(1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية 3/353 ، وانظر فتاوى إسلامية 1/381 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 2/251 ، صحيح مسلم بشرح النووي 2/302 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 2/236- 237 ، صحيح مسلم بشرح النووي2/118 .
(3) انظر القول المبين ص 176 .(1/192)
(1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية 6/66-67 .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2/66 .
(1) الإبداع ص 172-174 ، وانظر حاشية ابن عابدين 1/390 .
(1) مرقاة المفاتيح 2/349-350 .
(2) فتح الباري 2/232 .
(3) المدخل 2/255-256 .
(1) الفتاوى الكبرى الفقهية 1/131 .
(2) المصدر السابق 1/131 .
(3) الإبداع ص175 .
(4) فقه السنة 1/122 .
(1) فتاوى إسلامية 1/240-241 .
(1) السنن والمبتدعات ص 234 .
(2) سورة الأحزاب الآية 56
(3) انظر إتقان الصنعة ص 49-50 .
(1) سورة الإسراء الآية 111 .
(1) قوله أقصاك بالإضافة إلى كاف المخاطب والمقصود بها الله جل جلاله وهي إضافة غير صحيحة لأن المعني يصير أقصاك أي أبعدك .
(1) تلبيس إبليس ص137 .
(2) فتح الباري 2/232 .
(3) نقلاً عن إصلاح المساجد ص 133-134 .
(1) فقه السنة 1/121-122 .
(1) إصلاح المساجد ص 105-106 .
(2) موطأ مالك 1/90 ، المنهل العذب المورود 7/262 ، صحيح سنن أبي داود 1/247 ، وانظر الاستذكار 4/161-162 .
(1) مقاصد المكلفين ص 24 .
(2) الذخيرة 1/240 ، وانظر الأمنية في إدراك النية للقرافي أيضاً ص 17 .
(3) مجموع الفتاوى 22/236 .
(4) بدائع الفوائد 3/192 نقلاً عن مقاصد المكلفين ص 30 .
(1) المهذب مع المجموع 3/276 .
(2) مقاصد المكلفين ص 30 .
(3) المرجع السابق ص 31 .
(4) مجموع الفتاوى 18/262 .
(5) مجموع الفتاوى 22/217-218 .
(6) الأشباه والنظائر ص 76 .
(7) التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 1/233 .
(8) انظر فتح الباري 1/14 ، مرقاة المفاتيح 1/94 ، الفروع 1/139 ، الإنصاف 1/142 ، زاد المعاد 1/201 ، دليل الفالحين 1/54 ، المواهب اللدنية 1/72 ، الهداية مع شرح فتح القدير 1/232 .
(1) زاد المعاد 1/201 .
(2) المواهب اللدنية 4/72 .
(3) المصدر السابق 4/73 ، وانظر مرقاة المفاتيح 1/97 .
(1) إغاثة اللهفان 1/138-139 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 2/159 .(1/193)
(3) صحيح البخاري مع الفتح 3/383 ، صحيح مسلم بشرح النووي 2/82 .
(1) مرقاة المفاتيح 1/95 .
(2) مجموع الفتاوى 22/218 .
(3) المصدر السابق 22/221 .
(4) الاتباع ص 62 .
(1) مجموعة الرسائل الكبرى 1/254-256 ، وانظر مقاصد المكلفين ص 123-124 .
(2) الحاوي الكبير 2/91-92 .
(1) المجموع 3/277 ، وانظر مجموع الفتاوى 22/221 ، زاد المعاد 1/201 ، الاتباع ص 62 ، مقاصد المكلفين ص 125 .
(2) مغني المحتاج 1/343 .
(3) مجموع الفتاوى 22/221 ، وانظر مقاصد المكلفين ص 126 .
(4) مسائل أحمد ص 31 نقلاً عن الأمر بالاتباع ص 295 .
(5) مغني المحتاج 1/343 .
(6) مجموع الفتاوى 22/222 .
(1) المصدر السابق 22/223-224 .
(1) مقاصد المكلفين ص 132-133 .
(2) تلبيس إبليس ص 138-139 .
(1) مجموع الفتاوى 22/231-232 .
(2) المدخل 2/282 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 2/349 ، صحيح مسلم بشرح النووي 2/117 .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2/117 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 2/259 ، صحيح سنن أبي داود 1/131 .
(3) الموطأ 1/146-147 ، وانظر مصنف عبد الرزاق 2/47 ، الاستذكار 6/187 ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 2/16 .
(1) مجموع الفتاوى 22/519 .
(1) الإبداع ص 283-284 .
(2) زاد المعاد 1/257 .
(1) الأذكار ص 58 .
(1) زاد المعاد 1/295-297 .
(2) المصدر السابق 1/298-299 ، وانظر عمل اليوم والليلة ص 180 فما بعدها .
(1) الإبداع ص 285 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 13/294 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 14/80 ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 7/429 سنن ابن ماجة 2/1220 ، صحيح سنن الترمذي 2/353 ، السلسلة الصحيحة 2/44 .
(1) فتح الباري 13/294 .
(2) مرقاة المفاتيح 8/458 .
(3) معجم المناهي اللفظية ص 206 .
(4) فتاوى العز بن عبد السلام ص 389 .
(1) اللمع في الحوادث والبدع 1/283 .
(2) مجموع الفتاوى 23/339 .
(3) حاشية ابن عابدين 6/381 .
(4) المدخل 2/223 .(1/194)
(1) القول المبين ص 296 .
(2) القول المبين ص 293 .
(3) المصدر السابق ص 296 .
(1) انظر زاد المعاد 1/271 فما بعدها .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 4/211 ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/460-461 ، سنن النسائي 3/248 ، سنن ابن ماجة 1/370 .
(3) سنن البيهقي 2/209 .
(4) سنن النسائي 3/248 ، الخلاصة 1/455 .
(1) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/461 ، إرواء الغليل 2/172 .
(2) نيل الأوطار 4/10 .
(3) انظر السنن والمبتدعات ص 62 ، القول المبين ص 132 ، المسجد في الإسلام ص 247
(4) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 4/224 ، الخلاصة 1/461 .
(1) المجموع 3/501 ، وانظر روضة الطالبين 1/360 .
(2) السنن الكبرى 2/212 .
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 4/251 .
(2) السلسلة الصحيحة 2/146 .
(3) السنن الكبرى 2/212 .
(4) كتاب الوتر للمروزي ص 236 نقلاً عن الأجزاء الحديثية ص 83 .
(5) كتاب الوتر ص 236 ، نقلاً عن الأجزاء الحديثية ص 84.
(1) مجموع الفتاوى 22/ 519 .
(2) فتاوى العز بن عبد السلام ص392 .
(3) الأجزاء الحديثية ص 43-103.
(4) روضة الطالبين 1/360 ، وانظر الفتح الرباني 3/316 .
(1) سورة الأحزاب الآية 56 .
(2) فتح الباري 2/232 ، وانظر الإبداع ص 168 .
(3) المدخل 2/424 .
(1) الاختيارات العلمية ص 48 .
(2) الفتاوى الكبرى 1/129 .
(3) الفتاوى الكبرى الفقهية 1/131 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/65 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 2/453 .
(2) الأجوبة النافعة ص 67 .
(1) الإبداع ص 168-169 .
(2) المدخل 2/425 .
(1) فتح الباري 3/66 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 2/453 .
(1) إصلاح المساجد ص 70 ، وانظر الأجوبة النافعة ص 69.
(1) انظر المجموع 4/521 .
(2) مجمع الزوائد 2/ 190-191 ، سبل السلام 2/57 ، وانظر إعلاء السنن 8/75.
(3) الاختيارات العلمية ص 48 .
(4) زاد المعاد 1/428
(5) صحيح مسلم بشرح النووي 6/162 .(1/195)
(6) شرح النووي على صحيح مسلم 6 /162 .
(1) بذل المجهود 6/106 .
(2) الباعث ص 142 .
(3) الأمر بالاتباع ص 247 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/105 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 2/482 .
(2) الأم 1/235 ، معرفة السنن والآثار 5/64 ، المجموع 5/14 .
(1) المجموع 5/14 ، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 2/483 .
(2) فتح الباري 3/104 .
(3) موطأ مالك 1/160 .
(4) زاد المعاد 1/442 .
(1) المغني 2/281 .
(2) المنهل العذب المورود 6/325 .
(1) سبل السلام 1/123 .
(2) بلغة السالك 1/175 .
(3) مواهب الجليل 2/570 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 2/252 .
(2) الاختيار لتعليل المختار 1/50 .
(3) الاختيار لتعليل المختار 1/86 .
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 4/5 ، صحيح سنن أبي داود 1/213 ، إرواء الغليل 3/107 .
(2) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 3/65-67 .
(3) صحيح سنن الترمذي 1/166 .
(1) الخلاصة 2/831 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 4/6 ، صحيح سنن أبي داود 1/213 .
(3) زاد المعاد 1/443-444 .
(4) المجموع 5/16 ، المغني 2/282 ، فتح المالك 3/347 ، عون المعبود 4/10 ، نيل الأوطار 3/339-340 .
(5) فتح المالك 3/346-347 .
(1) تحفة الأحوذي 3/71 .
(1) المجموع 5/31-32 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/114-115 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 3/115 ، صحيح مسلم بشرح النووي 2/485 .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم 2/485 .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 3/114 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/356 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/319-320 .
(2) صحيح الترغيب والترهيب 3/369 .
(3) صحيح الترغيب والترهيب 3/369 .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 3/16-17.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 3/16-17.
(3) صحيح البخاري مع الفتح 3/440-441 ، صحيح مسلم بشرح النووي 3/14-15 .
(1) الفتح الرباني 19/162 ، صحيح ابن حبان 7/221 ، مجمع الزوائد 3/29 .
(2) أحكام الجنائز ص 67 .(1/196)
(3) الزهد لابن المبارك ص 82 ، مجمع الزوائد 3/29 ، الأمر بالاتباع ص 252 .
(4) انظر صحيح سنن ابن ماجة 1/259 ، وانظر المشكاة 15/537 .
(5) سورة طه الآية 108 .
(1) الأمر بالاتباع ص253-255 .
(2) الأمر بالإتباع ص 255 .
(3) الأذكار ص 136 وانظر يسألونك 3/41-43 .
(1) الباعث ص 150 ، وانظر الأمر بالاتباع ص 253-254 ، سنن البيهقي 4/74 .
(2) الإبداع ص 222 .
(1) فتاوى العز بن عبد السلام ص 427 .
(2) نقله صاحب كفاية الطالب الرباني نقلاً عن الآيات البينات للألوسي ص 63 .
(3) المغني 2/377 .
(4) الإنصاف 2/549 .
(5) عون المعبود 8/268 .
(6) زاد المعاد 1/522 .
(1) السلسلة الضعيفة 2/64-65 .
(2) زاد المعاد 1/523 .
(3) الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 4/196 .
(1) سبل السلام 2/234 .
(2) سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/65 .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 2/519 .
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 2/519 .
(2) الهداية 2/68 .
(3) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 8/267 ، المستدرك 2/175 ، إرواء الغليل 3/149
(4) صحيح ابن حبان 7/272 .
(1) زاد المعاد 1/522 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 9/30 ، سنن البيهقي 4/56 ، المستدرك ؟؟ ، المجموع 5/292 ، صحيح سنن أبي داود 2/620 .
(3) فتاوى إسلامية 1/308 .
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 9/203 ، سنن ابن ماجة 2/730 ، سنن البيهقي 6/125 ، صحيح سنن أبي داود 2/655 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 9/205 .
(3) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 8/189 ، صحيح سنن الترمذي 3/10 .
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 3/42 ، الفتح الرباني 15/126 ، صحيح سنن أبي داود 1/157 .
(2) عون المعبود 3/42 .
(3) مجموع الفتاوى 24/315-316 .
(4) رسالة شفاء العليل ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 1/168 .
(5) المصدر السابق 1/175 .
(1) المصدر السابق 1/180 .
(1) الأربعين والخمسين والذكرى السنوية ص 12 .(1/197)
(2) المجموع 5/306 .
(1) فتاوى شرعية 2/262-263 باختصار .
(2) فتاوى إسلامية 1/312 ، وانظر الإبداع ص 230 .
(1) انظر الإبداع ص 242-243 .
(1) الإبداع ص 243 .
(1) فتاوى إسلامية 1/311 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/468 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 1/532 .
(1) معالم السنن 1/18 .
(2) المدخل 3/294-295 .
(3) عون المعبود 1/25 .
(1) تعليق الشيخ أحمد شاكر على سنن الترمذي 1/103 .
(2) تعليق الشيخ أحمد شاكر على إحكام الأحكام 1/107 .
(1) المنهل العذب المورود 1/83-84 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 3/465 .
(3) فتح الباري 3/466 .
(4) عمدة القاري 6/252 .
(5) تفسير المنار 8/264 .
(1) أحكام الجنائز ص 201 .
(2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية 3/326-327 .
(1) صحيح مسلم مع رشح النووي 3/40 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 9/41 ، صحيح سنن أبي داود 2/623 .
(3) صحيح مسلم مع شرح النووي 3/40 .
(1) المدخل 1/280 .
(2) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/136 ، سنن ابن ماجة 1/502 ، الفتح الرباني 8/161 ، صحيح ابن حبان 7/452 ، إرواء الغليل 3/232 .
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 9/41 ، سنن الترمذي 2/136 ، سنن النسائي 4/95 ، صحيح ابن حبان 7/454 .
(2) سنن البيهقي 4/77 ، سنن ابن ماجة 1/503 وانظر ما قاله في الزوائد عن الحديث .
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 24/361-360 ، وانظر يسألونك 3/ 46-47 .
(2) تعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على سنن الترمذي 2/137-138 .
(1) الإبداع ص 44 .
(2) اقتضاء الصراط المستقيم ص 380 ، وانظر الإنصاف 2/557-558، الفروع 2/302.
(3) حاشية الدسوقي 1/423.
(4) حاشية ابن عابدين 2/242-243.
(1) سلسلة الأحاديث الضعيفة 3/397-398 .
(2) الأجوبة المرضية 1/170 .
(3) سلسلة الأحاديث الضعيفة 3/452-453 ، وانظر الأجوبة المرضية 1/170 .
(1) أحكام الجنائز ص 193 .(1/198)
(2) سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/66-67 ، وانظر الأجوبة المرضية 1/171 .
(3) زاد المعاد 1/526 .
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 3/39 .
(1) المصدر السابق 3/35-36 .
(2) المغني 2/422 ، الروح ص 10 .
(1) الروح ص 10 .
(2) أحكام الجنائز ص 192-193 ، وانظر السلسلة الضعيفة 1/67 .
(1) انظر موسم النبي موسى في فلسطين ص 94،96،98-99 .
(1) موسم النبي موسى في فلسطين ص101-102 .
(1) موسم النبي موسى ص 101-119 بتصرف واختصار .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/450 ، 7/251-252 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/512 .
(1) فتح الباري 3/450 .
(2) عمدة القاري 11/141 .
(3) فتح الباري 7/252 .
(1) البداية والنهاية 1/296 .
(2) الأنس الجليل 1/199 .
(3) إرشاد الساري 2/494 .
(1) الحضرة الأنسية 2/546-550 .
(2) الإشارات للهروي ص 13 نقلاً عن موسم النبي موسى ص 19.
(3) مجموع الفتاوى 27/444 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/306 ، صحيح مسلم بشرح النووي 3/517 .
(2) فتح الباري 3/306 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 2/78 ، صحيح مسلم بشرح النووي 2/184-185 .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 2/79 ، صحيح مسلم بشرح النووي 2/184 .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2/185 .
(2) مجموع الفتاوى 27/31 .
(1) المصدر السابق 27/62-63 .
(2) البدع والنهي ص 48 .
(3) المصدر السابق ص 49-50 .
(1) الأنس الجليل 1/199-200 ، طبقات الأولياء والصالحين في الأرض المقدسة 2/69-70 بلادنا فلسطين 2/576 .
(2) المفصل في تاريخ القدس ص 176-177 ، موسم النبي موسى ص 86 .
(1) موسم النبي موسى ص87-89 .
(1) انظر على سبيل المثال الحضرة الأنسية 1/289،484،485،491 وغيرها والعناوين من عمل محقق الكتاب .
(2) سورة العنكبوت الآية 67 .
(3) انظر تفسير القرطبي 13/300 .
(1) سورة القصص الآية 57 .
(2) انظر تفسير القرطبي 13/363 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 5/250 ، صحيح مسلم بشرح النووي 3/491 .(1/199)
(4) المجموع 7/483 ، زاد المعاد 3/508 .
(5) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 6/9 ، سنن البيهقي 5/200 ، الفتح الرباني 23/300 .
(1) عون المعبود 6/9 .
(2) المجموع 7/480 ، التلخيص الحبير 2/280 ، الجوهر النقي 2/200 ، زاد المعاد 3/508 بذل المجهود 9/378 .
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 27/14- 15 .
(2) اقتضاء الصراط المستقيم ص 434 .
(3) إعلام الساجد بأحكام المساجد ص 191 فما بعدها .
(1) الإبداع ص 324 ، وانظر السنن والمبتدعات ص 256 ، السلسلة الضعيفة 1/117 .
(2) الأمر بالاتباع ص 275 .
(1) الإبداع ص 253-254 .
(2) فتاوى العز بن عبد السلام ص 318-319 .
(3) مجموع الفتاوى 4/16 .
(1) مجموع الفتاوى 11/295-298 .
(1) المدخل 4/256 .
(2) مجموع الفتاوى 27/10 . (3) الأمر بالاتباع ص 183.
(1) الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية 1/347 ، الأنس الجليل 2/54 .
(2) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 273 ، زاد المعاد 3/42 ، بيت المقدس ص 375 .
(3) الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية 1/355-367 .
(4) المصدر السابق 1/359 .
(5) التبرك أنواعه وأحكامه ص 353 .
(1) المصدر السابق ص 353 .
(2) مجموع الفتاوى 27/13 ، وانظر اقتضاء الصراط المستقيم ص 317-318 .
(3) المنار المنيف ص 87 .
(4) إتحاف الأخصا 1/130 ، الأنس الجليل 1/357 ، الحضرة الأنسية 1/318.
(5) السلسلة الضعيفة 3/406-407 .
(1) مجمع الزوائد 9/218 .
(2) إتحاف الأخصا 1/132 ، الأنس الجليل 1/357 .
(3) الأنس الجليل 1/352 ، الحضرة الأنسية 1/314 .
(4) الأنس الجليل 1/352 .
(5) الحضرة الأنسية 1/329-330 .
(6) المصدر السابق 1/332 .
(1) الإبداع ص 330 .
(2) الحضرة الأنسية 1/333 .
(3) مجموع الفتاوى 27/135-136 .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 4/208 ، صحيح مسلم بشرح النووي 3/396 .
(1) سورة الإسراء الآية 1 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 4/306 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 3/517 .
(3) مجمع الزوائد 4/7 .(1/200)
(4) فتح الباري 4/309 .
(5) الترغيب والترهيب 2/175 .
(1) إرواء الغليل 4/342-343 ، تمام المنة ص 293 .
(2) التكميل ص 48-49 .
(3) الأحاديث الواردة في فضائل المدينة ص 409 .
(4) سنن ابن ماجة 1/451 ، الفتح الرباني 23/293 ، ميزان الاعتدال 2/90 نقلاً عن الأحاديث الواردة في فضائل المدينة ص 423 .
(5) انظر فضائل الشام ص 15 ، تحذير الساجد ص 198 .
(6) تمام المنة ص 294 .
(1) سنن ابن ماجة 1/353 .
(2) المنار المنيف ص 92-93 .
(3) ميزان الاعتدال 4/520 نقلاً عن المصدر السابق .
(4) المستدرك 5/712 .
(5) مجمع الزوائد 4/7 .
(6) تحذير الساجد ص 198 ، تمام المنة 294 ، السلسلة الصحيحة 6/2/954 .
(1) الأحاديث الواردة في فضائل المدينة ص 422-423 .
(2) السلسلة الصحيحة 6/2/954-955 .
(3) انظر إعلام الساجد ص 201-202 ، تحذير الساجد ص 197 .
(4) مجموع الفتاوى 27/8 .
(5) المنار المنيف ص 93 .
(1) التحذير من البدع ص 3-4 .
(2) اقتضاء الصراط المستقيم ص 295 .
(1) عمل المولد ص 20-21 نقلاً عن التبرك أنواعه وأحكامه ص 362 ، وانظر الحاوي 1/190-191 فقد نقل كلام الفاكهاني .
(1) المعيار المعرب 7/99-100 .
(2) المعيار المعرب 12/48-49 .
(1) زاد المعاد 1/59 .
(2) الإبداع ص 251 ، التبرك أنواعه وأحكامه ص 360-361 ، وانظر البدع الحولية ص 137 فما بعدها .
(1) انظر تفصيل ذلك في المواهب اللدنية 1/140-142 ، شرح الزرقاني على المواهب 1/246-248 ، لطائف المعارف ص 184-185 .
(2) انظر فتاوى العقيدة ص 621 .
(1) فتاوى العقيدة ص 619-620 ، التبرك أنواعه وأحكامه ص 365-366 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 7/300 .
(3) الفتح الرباني 12/169 ، سنن النسائي 5/268 ، سنن ابن ماجة 2/1008، صحيح ابن حبان 9/183 ، المستدرك 2/120 ، المجموع 8/171، السلسلة لصحيحة 3/278 .
(1) التحذير من البدع ص 6 .
(1) الحوادث والبدع ص 150 .(1/201)
(2) انظر اقتضاء الصراط المستقيم ص 180 فما بعدها ، أحكام أهل الذمة 2/156 ، اللمع في الحوادث والبدع 1/293 فما بعدها ، الأمر بالاتباع ص 144 فما بعدها .
(3) انظر أحكام أهل الذمة 2/156 ، التشبه المنهي عنه ص 335 .
(4) السنن الكبرى 9/234 ، مصنف عبد الرزاق 1/411 ، اقتضاء الصراط المستقيم ص 199 أحكام أهل الذمة 2/156 .
(5) السنن الكبرى 9/234 .
(1) السنن الكبرى 9/234 .
(2) سورة الفرقان الآية 72 .
(3) اقتضاء الصراط المستقيم ص 181 ، تفسير ابن كثير 3/328-329 .
(4) أحكام أهل الذمة 2/156 .
(5) اقتضاء الصراط المستقيم ص 201 ، أحكام أهل الذمة 2/157 .
(1) اللمع في الحوادث والبدع 1/293 .
(2) المصدر السابق 1/296-297 .
(3) الأمر بالاتباع ص 145 .
(1) المصدر السابق ص 146 .
(1) المصدر السابق ص 152 .
(1) فتاوى العقيدة ص 246-248 .
(1) سورة الإسراء آية 1 .
(2) فتح الباري 8/201 .
(1) فتح الباري 8/280 .
(2) أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب ص 53-54 .
(3) تفسير القرطبي 10/210 .
(1) البداية والنهاية 3/107 .
(2) الباعث ص 116 .
(3) فتاوى الإمام النووي ص 28 .
(4) زاد المعاد 1/57 .
(1) زاد المعاد 1/58-59 .
(2) المصدر السابق 1/59 .
(3) لطائف المعارف ص 233 .
(1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية 3/45 .
(2) الإبداع ص 272 .
(1) الخطط والآثار للمقريزي 1/490 نقلاً عن البدع الحولية ص 397 .
(2) البداية والنهاية 3/188 .
(3) المواهب اللدنية 1/288 ، وانظر شرح الزرقاني على المواهب اللدنية 2/101-102 .
(1) فتح الباري 8/270 .
(2) اقتضاء الصراط المستقيم ص 294 .
(1) سورة الجاثية الآية 18 .
(1) التبرك أنواعه وأحكامه ص 379 .
(1) انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية 3/59 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 3/341 ، سنن النسائي 3/179 ، الفتح الرباني 6/118-119 ، اقتضاء الصراط المستقيم ص 184 ، صحيح سنن أبي داود 1/210 .(1/202)
(1) سورة الحجر الآية 87 .
(2) تفسير القرطبي 1/112 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 9/453 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 2/416-417 .
(3) تفسير المنار 8/268 .
(1) أحكام الجنائز ص 33 .
(2) السنن والمبتدعات ص217 ، انظر يسألونك 4/267-268 .
(3) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية 2/384 .
(1) سورة الأعراف الآية 204 .
(2) فتاوى العز بن عبد السلام ص 485-486 ، وانظر التبيان في آداب حملة القرآن ص 49.
(3) الإتقان 1/145 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 10/471 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 2/413 .
(3) انظر اللمع في الحوادث والبدع 1/57 ، بدع القرآء ص 22 ، الإبداع ص 231 .
(4) السنن والمبتدعات ص 219-220 .
??
??
??
??(1/203)