قاعدة اهل السنة في معاملة الامة
للشيخ د . سفر بن عبد الرحمن الحوالي
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله القائل في كتابه ( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرقوا عن سبيله ) وصلى الله وسلم وبارك على على عبده ورسوله محمد الذي قال : تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك
أما بعد
أيها الاخوة الكرام فلأهمية الموضوع ولكبر الرسالة ولضيق الوقت نوجز ان شاء الله ما أمكن
الموضوع في الحقيقة هو قراءة من شرح يسير لرسالة لشيخ الاسلام أبن تيمية رحمه الله تعالى , ولعموم الفائدة فهذه الرسالة مجمل أعتقاد السلف في الجزء الثالث من الفتاوي , وهي رسالة صغيرةفي حجمها , ولكنها غنية قيمة في معناها ومضمونها , تبدأ في صفحة 278 من الجزء الثالث كما ذكرنا
والرسالة عنون لها شيخ الاسلام رحمه الله بعنوان " قاعدة أهل السنة والجماعة الأعتصام بالكتاب والسنة وعدم التفرقة " وقد يطلق عليها قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة , وهي ليست كتابا كتابا مفردا له أسم مستقل وأنما هي قاعدة كتبها شيخ الأسلام رحمه الله تعالى في شكل رسالة , وجدير بنا نحن في هذا الزمن ان نقرأئها وان نفهمها لأسباب كثيرة
السبب الأول : ان شيخ الاسلام رحمه الله تعالى امام عالم داعية زاهد موثوق ولايشك في ذلك أحد والحمد لله , وكل أهل السنة والجماعة اليوم متفقون على جلالته وامامته وقدره ومكانته , وكلامه حجة عندهم في هذه الأمور , وفي كل الأمور والقضايا التي تعرض لها رحمه الله تعالى , لا لأنه يأتي بشي من عنده ولكن لأنه يؤصل كلامه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأجماع السلف ويدلل عليه(1/1)
السبب الأخر : هو أن شيخ الاسلام رحمه الله تعالى قد عاصر قضايا وأحداث هي أشبه بما نعيشه نحن اليوم فقد عاش في تلك الأحداث الدامية عندما تسلط التتار على الأمة الاسلامية وسقطت الخلافة أو ضاعت هيبتها على الأقل , وهي من قبل كانت فاقدة القيمة وتمزقت الأمة أشتاتا وأحزابا وطوائف وتناحرت من كل جهة فكان هناك الصليبيون والتتار وهنالك الفرق المنتسبة لهذا الدين وهي منه براء كالباطنية , وقد كان لشيخ الاسلام رحمه الله مواقف مع كل هذه الفرق من الباطنية , من روافض , من علماء الكلام , من الفلاسفة , كل هذه الفرق له منها مواقف وله في ذلك كتب مشهورة معلومة في الرد عليها
ومن ناحية أخرى فيما يتعلق بالتعامل , وهذا أمر مهم جدا
الوضع الذي كانت عليه الحياة في زمنه رحمه الله , حيث لا خليفة قوي يضبط الأمة وحيث أمراء ودعاة وحكام يدعون الدين وهم خارجون عن أحكام الشريعة , كما هو حال في التتار الذين كانوا يحكمون بغداد , وكان هناك أمراء الزور والظلم والفساد كما كان الحال في بلاد الشام ومصر ولكن كانوا على جهاد لأولئك المرتدين وأشباههم , وهناك أيضا الطرق وضلالاتها وما تفرع عن ذلك فكان شيخ الاسلام رحمه الله يعيش هذه الأحداث, التي هي كما قلت أقرب ما تكون الىوضعنا الحالي وعصرنا الحاضر
ولذلك فالقاعدة التي كتبها رحمه الله في التعامل مع الأمة
كيف يتعامل أهل السنة والجماعة مع الأمة في الحالة الأستثنائية , قاعدة عظيمة جدا ومهمة , لأننا نحن الأن في حالة أشتثنائية
أما الحالة الأصلية , الأساس , فهي أن يكون المسلمون جميعا أهل سنة وجماعة وأن يكونوا جماعة واحدة يد على واحدة كما أمر سبحانه وتعالى , لكن هذا غير الواقع في ذلك الزمن وفي هذا الزمن
ونحن سنستعرض أن شاء الله بأيجاز يناسب قصر الوقت
هذه الرسالة أفتتحها رحمه الله تعالى بالأيات العظيمة من سورة ال عمران(1/2)
يا أيها الذين أمنوا أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن ألا وأنتم مسلمون * وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم أذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته أخوانا وكنتم على شفة حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم أياته لعلكم تهتدون * ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا وأختلفوا من بعدما جائتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم * يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين أسودت وجوههم أكفرتم بعد أيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين أبيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون
هذه الأيات جعلها في مقدمة الرسالة ليبين الأصل الذي يجب أن يكون عليه المسلمون , وهو الأجتماع لا الفرقة والأعتصام بالكتاب والسنة لا البدعة والشذوذ والأختلاف , هذا هو الأصل
وعقب على على ذلك بالأثر المنقول عن أبن عباس رضي الله عنهما
قال : قال أبن عباس وغيره تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة
فبين أهمية الأجتماع وخطر الأفتراقمن خلال هذه الأيات , وكيف ان هذا الأجتماع في الدنيا على الحق يورث بياض الوجه يوم القيامة والنعيم عند الله سبحانه وتعالى , وكيف تورث البدعة والشذوذ والأختلاف تلك النهاية المخزية بين يدي الله سبحانه وتعالى , وهي أسوداد الوجوه
يقول : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة
ثم قال رحمه الله : وفي الترمذي عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج انهم كلاب أهل النار , وقرأ هذه الأية ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه )
ثم قال : قال الأمام أحمد ابن حنبل: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه
قال شيخ الأسلام : وقد خرجها مسلم في صحيحه وخرج البخاري طائفة منها(1/3)
الأمام مسلم رحمه الله سرد الروايات في قتال الخوارج , ( العشر ) مرتبة مجموعة ليبين ضلالها وخطرها , وفعل ذلك الكثير من أهل السنة والحمد لله , و روا الأمام البخاري رحمه الله بعض منها
يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقرائته مع قرائتهم يقرأون القراّن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية , في رواية يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل الأوثان
والحديث عنهم معلوم من السنة ومن واقع التاريخ , وهو رحمه الله ذكر الخوارج عقب ذكر الأيات الدالة على وجوب الأعتصام بالكتاب والسنة , لحكمة بينها فيما بعد
قال :والخوارج هم أول من كفر المسلمين , يكفرون بالذنوب , ويكفرون من خالفهم في بدعتهم , ويستحلون دمه وماله
هذا جانب والجانب الأخر انها أيضا أول بدعة حدثت وأول فرقة حدثت في الأسلام ومعها قرينتها الرافضة
يقول : وهذه حال أهل البدع
الأن يضع معلما رحمه الله بين أهل السنة والجماعة وبين أهل البدعة في التعامل
فيقول : وهذا حال أهل البدع , يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها
هم وضعوها والذين خالفهم فيها كفروا , ولهذا لا يوجد طائفة من طوائف اهل البدع الا وتتفرق وتتمزق الى فئات أخرى
لأن الذي أباح للأول ان يؤسس بدعة ثم يجمع الناس عليها ويوالي ويعادي فيها , هذا المقتضى وهذا المبيح قائم موجود للجميع , فما المانع ان يؤسس الأخر أيضا بدعة جديدة ثم يوالي ويعادي فيها , لم كان ذلك حقا للأول وليس حقا لمن بعده
ومن هنا تفرقت الروافض فرقا كثيرة , وتفرقت الخوارج فرق كثيرة , وتفرقت الصوفية طرق كثيرة وهذه الفرق هي التي نهى الله تبارك وتعالى عن أتباعها
يقول : وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة ويطيعون الله ورسوله(1/4)
ولا يؤسسون من عندهم أصولا وانما يتبعون كتاب الله وسنة رسولة صلى الله عليه وسلم , ولهذا هم في جميع العصور جماعة واحدة , بل تجدون العجب العجاب , لما ظهرت فتنة الخوارج الأجماع عليها في جميع البلاد , لما ظهرت فتنة الروافض , لما ظهرت فتنة الباطنية
لما ظهر القول بخلق القراّن وأهل السنة متفرقون من الأندلس الى خراسان الى بلاد الهند , في بلاد فارس , في أواسط أسيا , في مصر , كلهم كلمتهم واحدة في هذه المسئلة وفي غيرها , سبحان الله , كيف يتفقون على كلمة واحدة وعلى موقف واحد ؟! رغم تباعدهم وعدم تلاقي أجسادهم ؟!
لأن المنبع واحد والمشرب واحد والمعتصم به واحد
فهذا والحمد لله يجعلهم يجعلهم دائما أمة واحدة في جميع العصور وفي جميع المواقف
قال : فيتبعون الحق , ويرحمون الخلق
يتبعون الحق الذي هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , ويرحمون الخلق , أرحم الناس بالناس هم أهل السنة والجماعة , ومن قال غير ذلك أو ظن ان الأمر غير ذلك فقد ظلم نفسه
أرحم الناس بالناس , حتى عندما قاتلوا الخوارج , أو قاتلوا غيرهم , فأنما قاتلوهم للقضاء على فتنهم ورحمة بالأمة من شرهم , وليهتدي من يهتدي منهم
ولهذا فأنهم عندما يقاتلون فئة وهي غير مرتدة , غير خارجة عن الدين , كما فعلوا في قتال الخوارج مثلا , فأنهم لا يجهزون على جريح ولا يلغون العقود والأحكام
وهذا سيأتي تفصيله أن شاء الله فيما بعد
ولا يقطعون سبيلا , أذ القتال نفسه قتال رحمة , حتى وهم يقاتلون أهل البدعة يعاملونهم بالمعاملة الشرعية المنصفة الراحمة
ثم قال رحمه الله في الحديث عن موضوع الفرقة : وأول بدعة حدثت في الاسلام بدعة الخوارج والشيعة حدثتا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب , فعاقب الطائفتين علي رضي الله عنه عاقب هاتين الطائفتين المبتدعتين , أما الخوارج , فقاتلوه , فقتلهم
الخوارج قاتلوه(1/5)
هنا مغزى , الخوارج لم يبدأهم بقتال مع انهم على هذه البدعة , قال دعوهم حتى يسفكوا الدم , وقصتهم مشهورة معروفة , فلما لقوا عبد الله بن خباب رضي الله عنه , وأضجعوه وذبحوه , وبقروا بطن الجارية , حينئذ سفكوا الدم الحرام , فأذا أستحقوا ان يقاتلوا , أما قبل ذلك فقد كانوا يصيحون ويرفعون أصواتهم بالصياح في جنبات المسجد , وهو على المنبر رضي اللع تعالى عنه يخظب ويقولون ( لا حكم الا لله , لا حكم الا لله ) أعتراضا على قضية التحكيم , ومع ذلك لم يكن يعاقبهم بل قال ( ان لكم ان لا نمنعكم مساجد الله , وان لا نمنعكم مال الله ) يعني الفيئ , يعني حقهم في بيت المال يأخذونه ولا يمنعون منه , ولا يمنعون من بيوت الله , ان يحضروا مع المسلمين
أعطاهم هذه الحقوق , لكن قال( حتى يسفكوا الدم الحرام وانهم لفاعلون ) , فلما سفكوا الدم , وتجمعوا وأمروا أميرا على سفك الدم الحرام , أصبح لهم شوكة و ولاية مستقلة عن أمارة المؤمنين فقاتلهم
أنظروا مع انه من حقه من أول مرة ان يقتل أو يقاتل , ولكن حتى وهو أمير المؤمنين , وهذا حق شرعي له , لم يجري في أبتداء قتالهم ولا في معاملتهم اثناء القتال كما أشرنا انفا الا وفق أصول شرعية منضبطة وهكذا يجب معاملة الأمة في كل شيئ
قال : وأما الشيعة فحرق غاليتهم بالنار وطلب قتل عبد الله أبن سبأ , فهرب منه , وأمر بجلد من يفضله على أبي بكر وعمر حد الفرية , ثمانين جلدة , وروي عنه من وجوه كثيرة انه قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر , ورواه عنه البخاري في صحيحه
وهذا أمر معلوم , موقفه رضي الله عنه من الشيخين
ثم ينتقل بعد ذلك , بعد ان فصل وجوب الأعتصام بالكتاب والسنة , وكيف حدثت الفرق , وكيف ان أول أول بدعة حدثت من أول فرقة ظهرت , وهي الخوارج , هي موضوع التعامل والعلاقة , وهي نظرتهم الى ان الأمة أرتدت(1/6)
قاعدة عظيمة من قواعد أهل السنة في التعامل مع الأمة , وهي انهم لا يدعون الجمعة والجماعة , لأن هذه الشعائر العظيمة هي دليل اجتماع المسلمين وقوة شوكتهم ومهابتهم تعظم وتقع في عيون أعدائهم بقدر ما تحيى هذه الشعائر
في الحقيقة من أعظم العلامات الدالة على اسلام أي مدينة أو بلدة أو عدم ذلك , أجتماع الناس في المساجد للصلاة وللجمعة وللجماعة
فيقول : من أصول أهل السنة والجماعة
وهذا أمر معلوم من عقيدتهم انهم يصلون الجمعة والأعياد والجماعة ولا يدعون الجمع والجماعة , كما فعل أهل البدع من الرافضة وغيرهم
ثم قدم لموضوع الأئمة في الصلاة وما يتعلق بالأمامة خلف المجهول أو المستور , أو خلف المبتدع , وما يتعلق بذلك من الأحكام , فذكره أيضا بتقدمة تدل على فقهه وحكمته رحمه الله , وهي ان الفرقة التي عندها أصل عدم حضور الجمع والجماعات , هي الرافضة , وليس هناك أحد من أهل السنة يرضى أن يشابههم أو ان ينتسب اليهم أو ان يكون مثلهم في أي شيئ
هؤلاء الرافضة بمناسبة ذكرهم
تعلمون ماهي شبهتهم
شبهة الرافضة في ترك الجمع والجماعات , ان هذه العبادات لا تصح الا خلف الأمام الحق الوصي
لما كان الأئمة موجودين , كانوا مستضعفين , لم يكونوا حاكمين ولا ظاهرين من بعد الحسن رضي الله عنه , فلما أختفى أخر أمام في السرداب
لا يوجد أمام
أذا الأمة تدع الجمعة وتدع الجماعة وتدع الأعياد , حتى يظهر الأمام
فربطوا هذه العبادات , كشأنهم في أكثر عباداتهم , بوجود الأمام المعصوم الوصي الذي أختياره وترشيحه وخلافته وأمامته , نصية من الله , كما يزعمون
ولهذا فصلاة الجمعة عند الرافضة انما أستحبها بعض أئمتهم , وقال بها بعضهم للمصلحة حتى يجتمع الناس , ولكن لا يدينون الله تعالى بها , على انها فرض عين , كما يفعل أهل السنة والجماعة(1/7)
قال : فأن كان الأمام مستورا ( يعني مستور الحال ) لم يظهر منه بدعة ولا فجور , صلى خلفه أي مسلم الجمعة والجماعة , بأتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين
ثم أوضح ذلك فقال : ولم يقل أحد من الأئمة انه لاتجوز الصلاة الا خلف من عرف باطن أمره
الخوارج , كانوا يمتحنون الناس , حتى انهم يتلقونهم في الطرقات , فأذا لقوه أمتحنوه , ما تقول في كذا ؟ , ما تقول في كذا ؟
فأن أعلن الولاء والبراء والا قتل أو عوقب بأي عقاب
ولما سيطرت المعتزلة في دولة المأمون , كانوا يمتحنون الناس أيضا , أمتحنوا العلماء وأمتحنوا القضاة , وأمتحنوا العامة , حتى كانوا لا يعقدون لرجل على أمراءة , الا أذا أقر بأن القراّن مخلوق
هذا الامتحان ليس من أصول أهل السنة والجماعةعلى الأطلاق
وكما قال رحمه الله ( لم يقل أحد من الأئمة , انه لا تجوز الصلاة الا خلف من علم باطن أمره ) , بحيث أنك تعلم أنه من أهل السنة والجماعة في الباطن
هذا خلاف القاعدة الأصل
توضيح ذلك , ان من كان من أهل السنة والجماعة في الظاهر , فهو منهم في الباطن , ولم نؤمر ان نشق قلوب الناس
يقول : بل ما زال المسلمون من بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم , يصلون خلف المسلم المستور
اذا كان هناك أمام يظهر منه بدعة و فجور , وأمكن للمأموم ان يؤدي الصلاة خلف غيره , فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم
يعني الأمام مبتدع ظهر منه بدعة أو أفسق أو فجور , وأنسان متساهل متهاون يصلي خلف هذا الأمام ما الحكم مع أمكان الصلاة خلف غيره ؟
أنت الأن في بلد سنة ظاهرة والحمد لله , فتستطيع ان تدع هذا المبتدع وتصلي خلف السني, أو تدع هذا الفاجر وتصلي خلف التقي
ما حكم أنسان تهاون في هذا الأمر وصلى خلف مبتدع أو فاجر ؟
يقول : أكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم
يعني صلاته صحيحة لكن مع أثمه لترك التحري وترك الصلاة خلف التقي , أو السني مع أمكانه(1/8)
فترك أمر في أمكانه ان يفعله , وهو مندوب , أو واجب عليه وينبغي ان لا يضيعه , فلذلك يأثم
لكن هل الصلاة باطلة ؟
الصلاة صحيحة , لكن لا نقول له أوقعها , أذهب صلي خلف المبتدع , وأنما تقول لا تصلي خلف المبتدع , اما أذا وقع فهو صحيح مع اثمه , لتفريطه في ترك الصلاة خلفه, مع أمكان ان يصلي خلف من هو بريئ من البدعة
يقول : وهذا مذهب الشافعي وأبو حنيفة , وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد
أما أذا لم يمكن الصلاة الا خلف المبتدع أو الفاجر , كالجمعة التي أمامها مبتدع أو فاجر , وليس هناك الا جمعة أخرى
يعني لو كان في بلد وليس فيها الا جمعة واحدة وأمامها فاجر أو مبتدع , ماذا يفعل المأموم في هذه الحالة ؟
قال : تصلي خلف المبتدع والفاجر , عند عامة أهل السنة والجماعة
يصلي خلفه , وطبعا لا تعني الصلاة خلفه , الثناء عليه , بل لا تعني أقراره , بل لا يعني عدم المطالبة بتغيره
يجب على أهل السنة والجماعة ان يغيروا البدعة وان يغيروا هذا المنكر , وان يتعاونوا على أزالته ما أمكن
يقول : وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد ومالك وغيرهم من أئمة أهل السنة , بلا خلاف عندهم
يقول : وكان بعض الناس اذا كثرت الأهواء ( بلد كثرت فيها الأهواء والفتن والبدع ) كان يحب الا يصلي الا خلف من يعرفه , على سبيل الأستحباب , كما نقل ذلك عن أحمد , أنه ذكر ذلك لمن سئله
يعني , أنسان تعرف حاله وأنسان لا تعرفه , هذا تعرف حاله انه من أهل السنة وهذا تعرف حاله انه من أهل البدع , ويوجد أنسان لا تعرف حاله , من أهل السنة أم من أهل البدع , مستور
قلنا الأتفاق على أستحباب أو وجوب الصلاة خلف من يعلم أنه من أهل السنة , بحسب الظروف والأحوال
الإمام أحمد رحمه الله أستحب لمن سئل ان لا يصلي إلا خلف من يعرفه , من يعرف حاله(1/9)
في حالة كثرة كثرة الاهواء و انتشار الاهواء والضلالت يحث على أن يتحرى من ذلك, هذا المسألة منقولة عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى على سبيل الاستحباب يقول على سبيل الاستحباب ومعني ذلك, ان الصلاة لا تبطل وإنما استحبابا فقط
هنا نأتي إلى قضية تاريخية وهو ان بعض الناس كانوا يرون ان الصلاة لا تصح وهي الطائفة المسماة بالـ ( المرابطة ) هي في الحقيقة صوفية لكن كانت قربية إلى السنة اتباع عمر ابو عمر عثمان ابن مرزوق , هذه الطائفة لها ذكر في التاريخ كان ابو عمر عثمان ابن مرزوق من الدعاة ومربي من المربين جمع حوله اتباعا كثيرين وكان يعيش في ظل الدولة الباطنية التي تسمى الفاطمية , على كفرها وظلالها فكان لابد للدعاة وللعلماء ان يجمعوا الناس حولهم ليبقى لأهل السنة وجود و شوكة و قوة , فوجد مثل هؤلاء الدعاة الذين جمعوا حولهم بعض الاتباع ومنهم ابو عمر عثمان ابن مرزوق , وكان مشهورا بالصلاح والعبادة عند الناس, فاجتمع حوله الكثيرين من الناس على الرغم من مافي منهجه من خلل وتصوف
المهم اجتمعوا فكانت هذه واقعة , كأن ابو عمر عثمان ابن مزوق استند إلى مانقل عن الإمام أحمد في هذا الشأن وهو التحري خلف من يصلي خلفه فرئى أنهم يعيشون في ظل دولة باطنية زنادقة ملاحدة
يقول : ولما قدم ابو عمر عثمان ابن مرزوق إلى ديار مصر وكان ملوكها في ذلك الزمن مظهرين للتشيع , وكانوا باطنية ملاحدة وكان بسبب ذلك قد كثرت البدع وظهرت بالديار المصرية
امر اصحابه امر اصحابه الا يصلوا إلا خلف من يعرفونه
قال انتبهوا هؤلاء باطنية وائمتهم باطنية وكانوا كما تعلمون من حالهم عياذٍ بالله
كانوا يقولون من لعن وسب فله كيله واردب
يعني كانوا يتعبدون بشتم ولعن الشيخين أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من فوق المنابر
كيف تصلى خلف إمام يلعن أبا بكر وعمر مثلا , وقد لا يلعنهم وقد يلعنهم تقية لانها مفروضة عليه غصبا عنه من الدولة
فتن نعوذ بالله(1/10)
فما هو الحال, قال لهم لا تصلوا إلا خلف من تعرفون عقيدته وأنه برئ من هذه البدعة ومن الضلالات
يقول شيخ الإسلام رحمه الله : ثم بعد موته ( بعد موت عثمان ابن مرزوق ) فتحها ملوك السنة مثل صلاح الدين , وظهرت فيها كلمة السنة المخالفة للرافضة, ثم صار العلم والسنة يكثر بها , ويظهر
لكن مع ذلك بقيت طائفة المرابطة على القاعدة أيام الشيخ
هذه مشكلة كثير من الدعوات الإسلامية مع الاسف الشديد , يعني ما أصله الشيخ بقوا عليه , تغيرت الأحوال وتطورت من خير إلى شر ومن شر إلى خير , وهم على كلام المؤسس
هذه مصيبة فالمرابطة بقوا على كلام الشيخ , لا يصلون حتى يعرفوا عقيدة من يصلون خلفه بل قد يمتحنونه , مارأيك في كذا من الصفات , مارأيك في القدر , مارأيك في الشيخ عثمان , مارأيك في كذا
حتى يتئكدوا إن عقيدته , موافقة لعقيدتهم , وسلوكه موافق لسلوكهم , فيصلون خلفه
الحال اختلف كان الشيخ عثمان أيام غلبة الباطنية الملاحدة , فلما ذهبت دولتهم وجاءت دولة السنة أيام صلاح الدين , والحمد لله , والغي لعن الشيخين والسب , وظهرت شعائر السنة , انتهى ذلك الامر , فلم يعد له مبرر
هنا نقول من هذا الكلام ومما بعده , انه المدائن والامصار نستطيع أن نقول انها ثلاثة اصناف
الصنف الأول : هو المدن والامصار التي يغلب عليها الشرك الأكبر
يعني يظهر فيها الشرك الأكبر والبدع المكفرة
البدع المكفرة كبدعة هؤلاء الباطنيين وأمثالهم اذا غلبت على بلد من البلدان وظهرت وانتشرت وكان ائمة منهم , فما حكم الصلاة عندئذ ؟
في هذه الحالة لا تصح صلاة اهل السنة , يعني لا يجب عليهم أن يصلوا خلفهم
ان الاصل هو الوجوب
نقول لا تصح الصلاة خلف المعين المعلوم انه هذه الفرق الكافرة المرتدة , وإن كانوا يمتحنون الإسلام(1/11)
وعلى أهل السنة في هذه الحالة أن يصلوا وحدهم إن استطاعوا , فإن لم يستطيعوا لغلبة هؤلاء ( اهل الشر) فيصلون ولا جماعة , يعني لو كان واحدا لصلى وحده أو متفرقين , فإنه لا يجب عليهم في هذه الحالة ان يصلوا خلفهم , لماذا ؟
المسألة واضحة لأن صلاتهم باطلة
يا إخوان القاعدة من كانت صلاته باطلة في ذاتها فالصلاة ( صلاة المأموم خلفه) باطلة ولا يجوز له ان يصلى خلفه
بطلت لأن البدعة مكفرة
لأن هذا باطني أو مشرك مظهر للشرك الأكبر علانية , فهؤلاء لا يجوز الصلاة خلفهم ولا تصح الصلاة خلفهم
الحالة الأخرى , وهي مدن أهل السنة ( المدن والأمصار التي تغلب عليها السنة , وتظهر فيها ) وهذه التي فصل فيها القول , وسيتعرض له , وقد ذكرنا بعضها منه
وهو أنك تصلي خلف الأئمة جميعا , ولا تقول هذا لا أعرفه , حتى تتيقن
تستيقن ان هذا الأمام من غير أهل السنة , بل تستيقن أن هذا الأمام فيه بدعة مكفرة , تنقله عن الدين
أما غير ذلك فالاصل هو الصلاة خلفه , سواء كان برا أو فاجر , وأن كان صاحب بدعة
أما الحالة الثالثة , أذا كان البلد أو المصر , مختلط من أهل السنة ومن غيرهم من أهل البدع
ففي هذه الحالة يكون التحري هو الأصل
كما لو كان بلد نصف سكانه من الروافض , أو الخوارج , والنصف الأخر من أهل السنة , فيجب على أهل السنة ان يتحروا , ولا يصلوا الا خلف أمام مثلهم من أهل السنة
يقول رحمه الله : فالصلاة خلف المستور جائزة , بأتفاق علماء المسلمين , ( المستور , أي الذي لا يعلم حاله ) ومن قال أن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله , فقد خالف أجماع أهل السنة والجماعة
هنا ننبه الى أمر
الصلاة خلفه مثل الصلاة عليه
جنازة في مصر من أمصار المسلمين تقدم , فالأصل انه يصلى عليها , أذا كان من مصر يغلب عليه أهل السنة , أو حتى أستواء الطرفين , ولم يعلم يقينا أن هذه الجنازة من الفرق المرتدة , فأن علم حاله يقينا , أنه مرتد , فلا يجوز أن تصلي عليه(1/12)
وهذه ينشئ عنها قضية أخرى , وهي اذا علمت أنا أنه مرتد ولا يجوز لي ان أصلي عليه , فهل يجب علي أن أقول للناس , لا تصلوا عليه ؟
نقول هذه مسئلة أخرى , وهذه تتعلق بالمصالح والمفاسد , وما يترتب على ذلك
لأن الأمور هنا , الأصل فيها يصبح رجحان المصلحة أو المكسبة , كما فصل رحمه الله في هذه الرسالة
هناك أدلة نستعين بذكر واحد منها فقط , وهي قصة مشهورة
قصة عمر مع حذيفة رضي الله عنهما , كان عمر رضي الله عنه , ينظر الى حذيفة فأن صلى على جنازة , صلى , وأن لم يفعل لم يفعل
لأن حذيفة رضي الله عنه , يعلم المنافقين بأعيانهم , أطلعه النبي صلى الله عليه وسلم عليهم
لكن مع ذلك هل قال حذيفة , يا ناس هؤلاء منافقين لا تصلوا عليهم ؟
لم يقل هذا
وعمر وهو أمير المؤمنين , هل قال للناس ؟
لم يقل , وأنما هو نفسه لم يصلي عليهم
الرسالة عظيمة , وقيمة
يوجد قضايا لا بئس أن نبسطها
وهي قضايا مهمة جدا , في حكمة الدعوة , وفي حكمة المعاملة , وهذا عظيم جدا
وشيخ الاسلام في رسالة الحسبة , رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وفي هذه الرسالة , وفي رسائل كثيرة , بسطها , بل هي ظاهرة ظهور الشمس , لمن أراد الحق
تنبيه , فلتتأمل ولتنظر الى عمر رضي الله عنه , أمير المؤمنين , وقوته في الحق لا تخفى , وهو الذي لم يرفع المبتدعة رأسا في زمانه , لقوته في الحق رضي الله عنه
كان يستطيع أن يقول للناس لا تصلوا , ولن يصلوا
فكيف يقتصر على نفسه , ولا ينهى الناس
لأن هذا الأمر فيه سعة
صلاتك على الجنازة , تؤجر عليها , لأنك أمتثلت أمر النبي صلى الله عليه وسلم , ولا تعني شهادتك له بالأيمان
وحتى لو شهدت , قلت هذا رجل مؤمن, وهو في الحقيقة باطني , مرتد , أو رافضي , وأنت شهدت أن هذا مؤمن , على حد علمك , هل يؤاخذك الله عز وجل ؟
لا يؤاخذك الله , وهذا سيأتي له شواهد كثيرة
أذن يا أخوان ننظر للمسئلة , ما معنى الفقه وما معنى الحكمة في مثل هذه الأمور(1/13)
الشاهد ان الصلاة على خلف المستور , والصلاة على مستور الحال أيضا , بل ذهب الأئمة في كتب الفقه الى أبعد من هذا الحد , كما في المغني مثلا , وفي المجموع لو أختلط اموات المسلمين باموات الكفار , قال بعض العلماء يغسل الجميع ويصلى على الجميع , وقيل يصلى عليهم واحد , واحد
تغليبا لجانب الاسلام
اذا قتل مجموعة , وأختلطت جثث الكفار بجثث المسلمين , في غرق , في حريق , في أي شيئ , يصلى عليهم جملة , قال بعضهم يصلى عليهم واحدا واحد
المقصود ان الائمة نظرتهم , نظرة تغليب الأيمان
ولم يقل أحد ان الجميع يدفنون بلا صلاة , لوجود كفار بين هؤلاء المسلمين
مع ان نفس هؤلاء المسلمين , الله أعلم كيف يكون أيمانهم , لكن من لم تعرف حقيقته في الباطن , أنه مرتد , فالمعاملة على الظاهر , ولم يكلفنا الله تعالى غير هذا , ولا يحاسبنا على غيره
فأن أخطأ أحد ونسب مرتدا الى الأسلام , مجتهدا مخطأ , فهذا لا مؤاخذة عليه , والأدلة على ذلك سيأتي بعض منها ان شاء الله
قال : والصلاة خلف المستور , جائزة , بأتفاق علماء المسلمين , ومن قال ان الصلاة محرمة أو باطلة , خلف من لا يعرف حاله , فقد خالف أجماع أهل السنة والجماعة
يقول : وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم , يصلون خلف من يعرفون فجوره , وليس فقط من لا يعرفون حاله , كما صلى أبن مسعود خلف الوليد أبن عقبة أبن أبي معيط , وكان يشرب الخمر , وصلى الصبح أربعا وجلده عثمان أبن عفان , على ذلك
يعني قصة عثمان , وهي مشهورة , وبعض الناس يطعن في صحتها , على أساس كيف يصلي الصحابة الفجر , أربع ركعات , خلف أنسان مثل هذا , أنسان سكران
ما يلزم من يصححها ذلك , وهذه أحكام معروفة في الفقه , يتابع ( الأمام ) حتى يكمل الركعة أو الركعتين
فلما يسلم يسئلونه
لا يلزم بطلان القصة لهذا السبب, وانما من جهة السند , وهذا شىء اخر(1/14)
لكن شيخ الاسلام رحمه الله , كرر الاستدلال بها اكثر من مرة بناء على ان الكثير من الفقهاء استدلوا بها كدليل معتمد او كدليل استئناف , المهم ان مذاهب الفقهاء الاربعة لا تعتمد على هذا الدليل وحده لكن مذهبهم من مجموع الادلة هي صحة الصلاة خلف الفاجر
قال : و كان عبد الله عمرو و غيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج ابن يوسف
و هذه متفق على صحتها لا ينازع في ذلك أحد , انهم كانو يصلون خلف الحجاج , وكان الصحابة و التابعون يصلون خلف المختار ابن ابي عبيد , وكان متهم بالالحاد, و داعيا الا الضلال
لو قال قائل :كيف يصلون و هم اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله بن عمر و انس ابن مالك و امثالهم و عبد الله بن مسعود , كيف يصلون خلف هؤلاء ؟
نقول مع ظهور بدعتهم وفجورهم , لكنهم ليسوا مجرد أئمة صلاة , بل كانوا أئمة حكم , أو نواب عن ائمة الحكم , فلو لم يصلوا خلفهم , لحدثت فتنة عظيمة
المختار أبن عبيد الله , من ضلالاته أنه أدعى النبوة , وما شابه ذلك , ونقل تكفيره الكثير ممن عاصره
هذا المختار لم يكن يظهر الكفر , كان يقول أنه داعية الى أهل البيت , وأن الأمام الحقيقي , هو محمد أبن الحنفية ( محمد أبن علي أبن أبي طالب )يقال له أبن الحنفية , لأن أمه أمرأءة من بني حنيفة
ويدعي المختار أن هذا هو الأمام
وكثير من الأئمة يقولون أن محمد أبن الحنفية أفضل من بني أمية
في سنة70 او71 من الهجرة , حج الناس في وقت واحد مع , ثلاث الوية , وثلاث امراء
وقفوا في عرفات , لواء لابن الزبير , ولواء لبني امية , ولواء لمحمد ابن الحنفية
الفرقة وقعت , فهل يزيدها الصحابة فرقة اخرى
لا , فراوا , ان يصلون خلف هؤلاء حتى يفرج الله تعالى عن الامة , ويأتي بأمام , يجمع شملها
وقد أجتمع شملها بعد ذلك , والحمد لله(1/15)
يقول : ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله , ولا بذنب أخطا فيه , كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة , فأن الله تعالى قال ( امن الرسول بما انزل اليه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير ) , وقد ثبت في الصحيحين , ان الله تعالى اجاب هذا الدعاء , وغفر للمؤمنين خطئهم , قال النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله , قد فعلت
فغفر الله تبارك وتعالى لهذه الامة الخطأ والنسيان , فهي غير مؤاخذة به
ولذلك لا يجوز تكفير المسلم , بما فعله من الذنوب , التي هي دون الشرك او الكفر , ولا يجوز تكفيره بخطأ , أخطأ فيه , وان كان في المسائل العلمية , مما له علاقة حتى في امور الاعتقاد
لكن هل في أي مسئلة ؟
لا , مما تنازع فيه أهل القبلة , يعني مثلا , هناك خلاف في مراتب القدر
هناك طوائف تنازع في المرتبة الاولى , وهي مرتبة العلم
ما حكم هذه الفرقة , من انكر العلم , هذا كافر , متفق على كفره
اذا هذه مسئلة لا تحتاج الى توضيح , من أنكر علم الله , فقد كفر
لكن أختلفوا في مسئلة أفعال العباد , هل هي مخلوقة ؟
الخلاف في افعال العباد , لا يخرج صاحبه رأسا من الدين
بل يكون مبتدع ضالا , او قد يكون مخطئا مجتهدا
مسئلة ثانية
لا يقر , ولا يقال لأحد , لا ترد عليه ولا تبين خطئه , واتركوه يقول ما يشاء
كما تنازع في الايمان مثلا
أهل السنة والجماعة , مجمعون على ان الايمان قول وعمل , وهذا أمر معروف
والذين قالوا , الأيمان هو أقرار باللسان , وان الاعمار لوازم , وثمرات ولا تدخل في حقيقته هل يخرجهم ذلك من الملة ؟
لا يجوز ان يكفروا به
وقد يخطئ مخطئ من أهل السنة والجماعة , فيجتهد , فيقرب بين وجهتي نظر , او يرجح مذهب الفقهاء مثلا يكون مخطئ , ولا يقال عنه الا مخطئ , ويرد عليه , ويرد الى الحق
وكذا , في الأمور الاخرى
حسب الحكمة , ومراعاة الضوابط(1/16)
ثم يقول : والخوارج المارقون , الذين امر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم
قال : قاتلهم أمير المؤمنين , علي ابن أبي طالب , أحد الخلفاء الراشدين , وأتفق على قتالهم , أئمة الدين من الصحابة والتابعين , ومن بعدهم , ولم يكفرهم , علي ابن أبي طالب , وسعد أبن أبي وقاص , وغيرهما من الصحابة , بل جعلوهم مسلمين , مع قتالهم , ولم يقاتلهم حتى سفكوا الدم الحرام , وأغاروا على أموال المسلمين , فقاتلهم لدفع ظلمهم , وبغيهم , لا لأنهم كفار
هذا سبق ان قلناه , ولهذا لم يسبي حريمهم , ولم يغنم اموالهم , وعاملهم معاملة المسلمين
وهم قد ورد النص الصريح في قتالهم
أمرهم علي رضي الله عنه , ان يبحثوا عن ذي الثدية
بحثوا , قالوا ما وجدناه
قال والله ما كذبت وما كذبت , يقسم رضي الله عنه
يعني فيهم رجل له مثل الثدي في عضده , كما في الحديث
فوجدوه في ساقية , في ناحية المعركة , فجاوا به
المقصود , مع وضوح قتالهم , كالشمس في رابعة النهار , ومع ورود انهم يمرقون من الدين , وان صلاتهم , وصيامهم , لا تنفعهم , وانهم كلاب أهل النار
مع ذلك عوملوا معاملة المسلمين , في احكام القتال , كما قلنا , لم يقاتلوا حتى أجتمعوا وأمروا أميرا , فخرجوا عن الجماعة , ثم سفكوا الدم الحرام , ولما قوتلوا لم تسبى نسائهم وذراريهم , ولم تغنم أموالهم ولم تبطل عقودهم في النكاح , وما أشبه ذلك من المعاملات
يقول : واذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والأجماع , لم يكفروا مع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم , فكيف بالطوائف المختلفين , الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم(1/17)
يعني اذا اشتبه الحق على بعض العلماء واستبان الحق لبعضهم , فلا يجوز لهم ان يكفروا بعضهم , وان يضللوا بعضهم بعضا والمشكلة الاكبر من هذه , هي ان يقوم ممن ليس من العلماء , ويضلل العلماء , وهذه أشد العلماء أنفسهم اذا اختلفوا في مسائل فأنه لايجوز ان يبغي بعضهم على بعض , ولا ان يضلل بعضهم بعض والقاعدة في هذه الأمور جميعا , هي العدل , والقسط , وقد امرنا ان نكون شهداء لله قوامين بالقسط , وقواميين لله , شهداء بالقسط , كما جاء في الاية الاخرى , وهو الميزان الذي يجب ان يكون عند أهل السنة وعند شبابهم جميعا
لما فقد الميزان , والله تعالى يقول ( الا تطغوا في الميزان واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) , ليس المقصود هنا مجرد الميزان الذي يكال به التمر والدقيق والشعير , ليس هذا فقط
الميزان هو ميزان حياتك جميعا , لا تزن الامور جميعا الا بالعدل
وحصل عند المسلمين , الضلال من جهتين , كما ذكر يرحمه الله , من جهة الافراط ومن جهة التفريط
اما التي من جهة التفريط , وهي عند اكثر المسلمين , مع الأسف , فأنهم يزكون ويشهدون للأنسان بالخير , ايا كان حتى وان لم يصلوا , يقال ما أطرفه وما أظرفه , ما أجلده , ما أعقله , وليس في قلبه مثقال حبة من أيمان , والعياذ بالله , ويتهاونون في هذا الامر , حتى أنهم قد يعدون بعض المرتدين , وبعض المجرمين , من المؤمنين المتقين
وهذا الحال غالب على أكثر الناس , نسأل الله العفو والعافية , وهذا لا يجوز , لأن الميزان يجب ان يكون بما شرع الله سبحانه وتعالى
والطائفة الأخرى , التي أحدثت من جهة الافراط والغلو , وهؤلاء يأتي منهم البغي , ويأتي منهم العدوان
وأهل السنة والجماعة براء من هذا وهذا
ومنهجهم ومذهبهم , وتعاملهم دائما هو بالقسط والميزان وبالحق
ولهذا اهل السنة , ولو اذاهم من اذاهم , ولو وصل الامر أن يقتلهم, لا يظلمونه ولا ينكرون حقا أو فضلا , ولا يغمطونه حقا عنده(1/18)
الحجاج مثلا , كان نائب لبني أمية , قتل من أهل السنة , سعيد بن جبير , وقتل من القراء , وقتل من قتل
هل جحد وأنكر أهل السنة أنه ارسل الجيوش وفتحت البلاد , وادخلت في دين الله عز وجل أمم كفر كثيرة ؟
هل أنكروا له , أنه لما مات لم يخلف الا مصحفا , وبضعة دراهم , لم يكن يأخذ من بيت المال شيئا ؟
هل أنكر أبدا أي فضيلة من فضائله لم تغمط
تذكر هذه وتذكر هذه
وعندكم كتب السنة وكتب الرجال وكتب التاريخ , التي كتبها أهل السنة , والحمد لله
ميزان صحيح لا يزوغ أبدا
فالشاهد أن تعامل اهل السنة , بحسب النص , كما أمر الله , وكما امر رسوله صلى الله عليه وسلم
ولو لا ان الله سبحانه وتعالى , أمر اهل السنة , بالصلاة خلف البر والفاجر , وعلى البر والفاجر , والغزو والجهاد مع البر والفاجر , لفعلوا مثل ما فعل المعتزلة و الخوارج
يقولون مادام أذنب , نتركه , سواء أئمة الحكم , أو الصلاة , وغير ذلك
ولو يجوز لهم أن يداهنوا , مع ظهور الكفر والردة والأنحراف , لكانوا مداهنين , كما يفعل غيرهم
ولكن لا هذا ولاهذا , وأنما يزنون الأمور بميزان الشرع , كما شرع الله سبحانه وتعالى , ولهذا , أوذوا وسجنوا وعذبوا , ولم يرضوا أن تنتهك هذه العقيدة , ومع ذلك مواقفهم في الصبر مشهودة معلومة , والحمد لله
ولم تخرجهم عن منهجهم في التمسك بالنص , والحكم بالميزان القسط
يقول : واذا كان المسلم , متأول في القتال , أو التكفير , لم يكفر بذلك
مسلم مخطئ تأول فكفر مسلما , أو قاتل مسلما متأولا , هل يكفر ؟
لا , من عدل أهل السنة , حتى لو أخطأ , فأعتدى , أو أتهم , أو كفر شخصا ما , لا يقابل بالظلم , ولا بالبغي , وانما يعامل , بالعدل , وبالحق
يقول : يستدل على ذلك بدليلين صحيحين
الأول : قول عمر رضي الله عنه , لحاطب أبن أبي بلتعة
قال عمر يارسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق , فحكم عمر رضي الله عنه بأنه منافق , ورأى أستحلال دمه(1/19)
عمر رضي الله عنه , لماذا فعل ذلك , يقول القضية واضحة , ما هي أجتهاد , ماهي تأويل من عنده , مسئلة واضحة
كيف يكتب كتاب الى أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويخبرهم ان النبي صلى الله عليه وسلم , قادم اليهم , يغزوهم
هذه ليست خيانة لواحد , ولهذا يقول عمر رضي الله عنه ( يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه ) , قال في حديث أخر , قد خان الله ورسوله والمؤمنين
كيف نتركه يعيش , خان الله ورسوله وخان المؤمنين , وجاسوس للكفار الصرحاء , الذين يعبدون الأصنام , ويحاربون رسول الله صلى الله عليه وسلم
يمكن واحد يقول : المسئلة واضحة جدا جدا , وهذه مشكلة أحيانا , يجب ان تسمع , قد لا تكون واضحة , أستمع للطرف الأخر , قد يريك ان هذا غير واضح , ان ما تراه واضحا خطأ
النبي صلى الله عليه وسلم , رده بالدليل الواضح , الذي هو فعلا واضح ولا شك فيه ( ان حاطبا شهد بدرا ) مستحيل ان يكون من اهل بدر منافق , لأن الله أطلع على أهل بدر فقال : أعملوا ما شئتم , فقد غفرت لكم
لما أخبره , أيقن عمر رضي الله عنه ورجع
الدليل الثاني : في حديث الأفك الطويل , لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
انظروا يا أخوان كيف خلقه صلى الله عليه وسلم في معاملة الناس , وكيف مع الأسف , خلقنا نحن
هل أنتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه, هل ثأر لنفسه , مع أنه لو فعل ذلك , فأنما يفعله بأمر الله , وبأذن الله سبحانه وتعالى , ولا مؤاخذة عليه
لكن مع ذلك , قام وجمع الناس , وخاطبهم , وقال : من يعذرني في رجل اذاني في أهل بيتي, ولا أعلم عن أهل بيتي الا خيرا
يريد ان يرى رأي المسلمين , رأي الأنصار والمهاجرين , في هؤلاء الذين أفتروا على أم المؤمنين هذا الأفك العظيم , والفرية العظيمة
فقام اليه سيد الأوس سعد أبن معاذ رضي الله عنه , وقال أنا يا رسول الله , ان كان منا معشر الأوس , ضربت عنقه , وان كان من أخواننا الخزرج تأمرني بأمرك , أفعل ما تشاء(1/20)
فقام سيد سيد الخزرج سعد أبن عبادة , وكان مؤمنا , ولكن أخذته الحمية
أنظروا , هذه القصة فيها عبر كثيرة
الصحابة بشر , ويختلفون أيضا
فقال : أنا سيد الخزرج , وهذا سيد الأوس يضرب عنق رجل من قبيلتي
قال لسعد ابن معاذ : كذبت , والله لا تفعل ذلك , ولا أدعك تفعل
فأحتدم النقاش , وأختصموا , فقام أسيد بن خضير رضي الله عنه , وكان أبن عم سعد أبن معاذ , فقال : أنك منافق
قال والله لأفعل , ولكنك منافق تجادل عن المنافقين , يقولها لسعد أبن عبادة , رضي الله عنه
سعد أبن معاذ , سيد الأوس , وهو من تعلمون قيمته , وفضله , وما ورد في مناقبه
وسعد أبن عبادة , من المؤمنين , ومشهود له بالخير , ولكن أخذته الحمية
( كيف سيد الأوس يقتل رجل من الخزرج , وأنا موجود , كان المفروض أن يقول : وان كان من الخزرج تأمر سعد أبن عبادة فيفعل ما يشاء )
وأسيد أبن خضير يقول : يا سعد أتك منافق , تجادل عن المنافقين
سبحان الله يا أخوان , دائما الشيطان يمكن أن ينزغ بين المؤمنين , كما ذكر الله تعالى
وهو حديث صحيح , كما تعلمون , بل ورد تقريبا في كل كتب السنة , وليس فقط في الصحيحين
قال : فأختلف القوم , حتى هموا ان يقتتلوا
يعني كاد يقع القتال بين الأوس والخزرج , بسبب هذا الموقف
الشاهد , ان عمر رضي الله عنه , قال لحاطب : انك منافق , قد خان الله ورسوله والمؤمنين
وان أسيد قال لسعد : انك منافق تجادل عن المنافقين
مالذي رتب النبي صلى الله عليه وسلم , على قول هذا , أو قول هذا ؟ لا شيئ , لماذا ؟ لأن كل منهما , أصل كلامه , الغيرة على دين الله , والأنتصار للحق , ولم يقصدا مجرد الهوى والطعن , أو التكفير , مع ان النفاق الذي قصداه , هو النفاق الأكبر
لذلك ما قال صلى الله عليه وسلم هنا : قد باء بها أحدهما
ولم يقل أحدهم : هذا قد كفرني يا رسول الله
الكل قدر الموقف , علموا الدافع(1/21)
والمقصود من هذا , هو انه حتى لو أخطأ المخطئ , فكفر , أو بدع , أو ضلل , وكان أجتهادا منه , غرضه الحق والدفاع عن الحق , وأقامة الدين
يخطأ في أجتهاده , لكن لا يكون من الخوارج , اذ كفر بالذنب لخطأ في أجتهاده , ويخطأ في موقفه , ويرد الى الحق
قال شيخ الاسلام رحمه الله : فهؤلاء البدريون فيهم من قال لأخر منهم : انك منافق
يعني عمر بدري , وحاطب
ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم , لا هذا ولا هذا , بل شهد للجميع بالجنة
يقول : وكذلك ثبت في الصحيحين عن اسامة أبن زيد رضي الله عنه , قتل رجل بعد ما قال لا اله الا الله
قصة معلومة معروفة
قال : عظم ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم , وقال يا أسامة اقتلته بعد ما قال لا اله الا الله , وأخذ يكررها
حتى قال أسامة : تمنيت ان أكون اسلمت حينئذ
من شدة وقع هذا الزجر النبوي عليه
يقول : ومع هذا , لم يوجب عليه قودا , ولا دية , ولا كفره
يمكن رجل يقول : ( كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر ) , اذا نقتل أسامة بهذا الرجل
لا ليس الأمر كذلك , أسامة قتله متأول , مجتهدا
يقول : انما قالها خوفا من القتل , يتمنع بها من السيف
هذا أجتهاده
لو كان قال : هذا رجل مسلم معصوم الدم وبريئ , لكن انا سأقتله
نعم هنا يقع القود , ويقع القصاص , وتكون التهمة
قتله لعلمه انه لم يقلها من قلبه
قال صلى الله عليه وسلم : او شققت عن قلبه ؟
كيف عرف انه قالها تعوذا , أو خوفا
أنت مخطأ وموقفك غير صحيح
لكن هل جاء أولياء المقتول , الى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقالوا , يا رسول الله , انه قتل أبانا , بعد ان شهد ان لا اله الا الله , نريد ان نقتله , او نريد الدية ؟
لا , انظروا الى العدل والصواب والحكمة , فهو لم يصب حين قتله , ولكن أيضا لا يعني ذلك انه يقاد به , لماذا ؟
لأنه فعلها مجتهدا , متأولا
يقول رحمه الله : فهكذا السلف , قاتل بعضهم بعضا , من أهل الجمل وصفين , ونحوهم , وكلهم مسلمون مؤمنون(1/22)
كما قال تعالى ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) , الى أخر الأية
قال : فقد بين الله تعالى انهم مع أقتتالهم , وبغي بعضهم على بعض , أخوة مؤمنون , وأمر بالأصلاح بينهم بالعدل
ولهذا كان السلف , مع الأقتتال , يوالي بعضهم بعضا , موالاة الدين ( هذه الأخلاق العالية للصحابة رضي الله عنهم ) , ليسوا فقط أفضل الأمة في حالة الأتفاق , بل أفضل الأمة في المواقف عند الأختلاف أيضا , يقاتل بعضهم بعضا , ولما كان منهم من يقتل الأخر , يقتله لأنه في أجتهاده أنه ينصر دين الله
لكن هل قطعوا الموالاة فيما بينهم ؟
يقول : ولهذا كان السلف رغم الأقتتال , يوالي بعضهم بعضا , موالاة الدين , ولا يتعادون معاداة الكفار , فيقبل بعضهم شهادة بعض
لا كما قال الخبيث : لو شهدوا على باقة بقل , أو على درهم , لم أقبل شهادتهم
يعني أهل الجمل , أو صفين
قال رحمه الله : ويأخذ بعضهم العلم عن بعض
أنظروا كيف لم يقل علي رضي الله عنه : لا تأخذوا الدين من أهل صفين
يأخذ بعضهم العلم عن بعض , وبعد الفتنة , رجعت الأمور الى مجاريها , يأخذون العلم عن الصحابة والسلف أجمعين , من غير ان يقولوا , هذا كان من أصحاب كذا , وهذا كان من أصحاب كذا
هذه النفوس العالية , التي أرتفعت , وأصبحت أهل لأن تحمل أمانة هذا الدين وأن وقع بينها الخلاف , وان وقع البغي , وان وقع الأقتتال , وان وقع ما وقع , فكانوا يشهد بعضهم لبعض , أو على بعض , وتقبل شهادتهم , ويأخذ بعضهم عن بعض
قال : ويتوارثون , ويتناكحون , ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض
رغم وقوع أشد أنواع الأختلاف , وهو القتال بالسيف
ثم يأتي رحمه الله تعالى بأدلة تبين ان الفرقة واقعة , والخلاف واقع , ولا بد ان يقع
وانما الواجب علينا ان نتقي الله , اذا وقع الخلاف , ونحسن التعامل(1/23)
قال : وثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم , سأل ربه الا يهلك امته بسنة عامة , فأعطاه ذلك , وسأله الا يسلط عليهم عدوا من غيرهم , فأعطاه ذلك , وسأله الا يجعل بأسهم بينهم , فلم يعط ذلك , واخبر ان الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم , يغلبهم كلهم , حتى يكون بعضهم يقتل بعضا , وبعضهم يسبي بعضا
يعني لا بد ان يقع
وثبت في الصحيحين , لما نزل قوله تعالى ( قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بئس بعض ) , قال هاتين اهون , او قال ايسر
والحديث مشهور
المقصود ان الفرقة حق , وواقعة , وهي عذاب لم يرفع عن هذه الامة
بل ذكر النبي صلى الله عليه وسلم , في الحديث الصحيح , وفي اخره قال : هذه الامة عذابها الفرقة , وفتنتها المال
عذاب هذه الامة , الفرقة
اكبر ما عذبت به , في تاريخنا الطويل الفرقة
ليست الحروب الصليبية , ولا التتار , ولا اليهود
سبحان الله , اكبر عذاب ( وهو مشاهد الان ) الفرقة والاختلاف
نسأل الله ان يجمعنا على الحق انه سميع مجيب
يقول : الفرقة واقعة
لكن الدين والاصل هو الأجتماع , وهو الذي يجب ان يدعى اليه دائما
قال : هذا مع ان الله امر بالجماعة , ونهى عن البدعة والاختلاف
يعني امر واجب شرعي , غير امر الله القدري
امر الشرع ان نكون امة واحدة , وان نعتصم بحبل الله , وقال الله تعالى ( ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيئ ) , هذا امر شرعي ديني , وهو واجب
لكن الامر الكوني الذي قضاه الله وقدره , هو وقوع الخلاف
حتى ان الرسول صلى الله عليه وسلم , وهو أحب خلق الله اليه , تضرع وصلى صلاة رغبة ورهبة ودعا الله , ولم يعطى هذه
لم يعطى , ولكن قال هذه اهون , او هذه ايسر
( ان تختلف الامة , ايسر ) اذا هي امة مرحومة , مع الاختلاف هي مرحومة(1/24)
لكنها ايضا معذبة من جهة انه لم يسلط عليها عدو يستبيحها , ولا يسلط عليها , ولا ياخذها من فوقها ولا من تحت ارجلها
معذبة لانها تذنب , ولان الله لا يحابي احدا , ليس بأمانيكم ولا اماني اهل الكتاب من يعمل سوء يجزى به
فهذه الامة تعمل السوء , فتجزى وتعاقب بالعذاب , الذي هو اشد انواع العذاب , وهو الفرقة , وانواع اخرى من العقوبة العامة
ثم ذكر ما امر به النبي صلى الله عليه وسلم , من الاجتماع
الى ان قال : فالواجب على المسلم , اذا صار في مدينة من مدائن المسلمين , ان يصلي معهم الجمعة والجماعة , ويوالي المؤمنين ولا يعاديهم, واذا راى بعضهم ضالا او غاويا , و امكن ان يهديه ويرشده فعل ذلك
نحن امة دعوة , ولهذا قال في الايات , ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
فنحن دعاة , ندعو الضال , وندعو الغاوي , وندعو المرتد , وندعو انفسنا , وندعو الى الخير , هذا واجبنا
قال : ان امكن , والا لا يكلف الله نفسا الا وسعها , واذا كان قادرا على ان يولي في امامة المسلمين الأفضل ولاه , وان قدر على ان يمنع ظهور البدع والفجور , منعه
يعني , هذا واجب على الامة
الأمامة الكبرى , الخلافة
الأصل ان يولى من اجتمعت فيه الشروط الشرعية , والأمة اذا قدرت على ذلك , فأن ذلك متعين وواجب عليها
الأمامة الصغرى , بالصلاة
يجب على الامة ان تسعى لتعين الائمة الأتقياء البررة , الذين يخلون من الفجور والبدع
لكن ما امكن ذلك
( لا يكلف الله نفسا الا وسعها )
يقول : وان لم يقدر على ذلك , فالصلاة خلف الاعلم بكتاب الله وسنة نبيه , الاسبق الى طاعة الله ورسوله , أفضل
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم , في الحديث الصحيح : يئم القوم اقرئهم لكتاب الله , فان كانوا بالقراءة سواء , فاعلمهم بالسنة , فان كانوا بالسنة سواء فأقدمهم هجرة الى اخر الحديث
يعني ما نتصوره وما نتخيله وما نطمح اليه , دائما الأفضل(1/25)
هذا الدين انزله الله سبحانه وتعالى نظريات , وامور تطبق في الواقع , فلذلك الأصل ان نسعى لايجاد الامام المتقن , فاذا لم يوجد , يصلي بهم افضلهم , وهكذا اي امر من الامور , في ولاية من الولايات , وهكذا
ولا بد ان نوقن انفسنا , انه بعد عصر الخلفاء الراشدين , لا يوجد خير لا شر فيه , لا يوجد شيئ الا فيه نسبة من الشر
يقول : وان كان في هجره لمظهر البدعة والفجور ( مصلحة راجحة ) هجره
اذا كان اهل السنة في مدينة من المدن نسبتهم قليلة , وواحد منهم اخطأ , او اجتهد
فلا يهجر , لان معنى ذلك انني هجرت نفسي
لا يوجد في المدينة الا قليل من اهل السنة , وكلنا غرباء
هل المصلحة ان يهجر ؟
موضوع الهجر , مرتبط ايضا بالمصلحة والمفسدة , ومن هنا لا اشكال بين فعله عليه الصلاة والسلام , وبين ما فعله الصحابة والتابعون , في هذا الامر
النبي صلى الله عليه وسلم ( مثلا ) هجر الثلاثة الذين خلفوا ( تخلفوا عن غزوة تبوك ) , والجيش كان قوامه على بعض الروايات اربعون الفا , ولم يحدث قتال , والاسلام كان قد ظهر , وما ينقص الجيش ابدا انه نقص منه ثلاثة انفار , بعضهم كبير , طاعن في السن , يمكن لو حضر لم ينفع بشيئ
لكن النبي صلى الله عليه وسلم هجرهم
لكنه لم يهجر من تخلفوا عن بدر ولا من تخلفوا عن الأحزاب
والرسول صلى الله عليه وسلم , كل افعاله حكمة , ولا ينطق عن الهوى
فلماذا ؟
هنا الحكمة طبعا
كان الهجر وقت القوة , وقت الظهور
لان الحكمة انك لا تشذ , الامة اجمعت , وحتى المنافقون خرجوا مع الجيش , فتتخلف انت , على فضلك
اذا تهجر
وهجره في هذه الحالة , يشعره بالشذوذ ( حتى ان اقرب اقربائه لا يرد عليه السلام) , كان الألم شديدا
لكن في امة لا تلتزم بالحق , وامة اهل الحق فيها فئة قليلة , وامة ليس الحق فيها واضح ( بحيث من خالف الحق يعد شاذ ) , اذا طبق فيها حكم الهجر , فهذا خطأ
وهذا الذي كان في اول الاسلام , مثلا(1/26)
وكذلك كان حال ائمة السنة , اول ماظهر اهل البدع , كانوا يهجرون هجرا مطلقا
لو قرائتم في كتب اهل السنة مثل لعبد الله ابن احمد , او اي كتاب
تجد ( اقسمت بالله الا يضمني وهو الا سقف المسجد ) , والاخر يقول , ولا نصف كلمة
هذا في القرن الثاني , مثلا
اذا كانت السنة قوية وظاهرة , المبتدع يهجر , لكن الذي حصل في القرون المتاخرة , ان الخلفاء اصبحوا معتزلة , والقضاة معتزلة , والوزراء معتزلة , اعتزلت الامة كلها تقريبا
في هذه الحالة اضطر اهل السنة ان يخالطوهم , واضطروا ان يكلموهم , واضطروا ان يغيروا المعاملة
لماذا ؟
لان الحكمة هنا , غير هناك
اهل السنة هنا وهناك نفسهم , والمنهج واحد ( والحمد لله ) , لكن المصلحة
هذا يحتاج الى كلام طويل , لكن نقتصر على انه يقول : وان كان في هجره لمظهر البدعة والفجور مصلحة راجحة , هجره
كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا , حتى تاب الله عليهم
يقول : واما اذا ولي غيره , يغير اذنه
انت لم تستأمر في تعيين هذا الامام , فعين امام فاسق , ومبتدع , وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية , كان تفويت هذه الجمعة والحماعة , ضلالا
ورد بدعة ببدعة
الذي يفعل هذا الفعل , رد بدعة هذا المامام المبتدع , ببدعة اخرى , وهي ترك الصلاة , ترك الجمعة والجماعة
لكن اذا كان في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية , كما لو كان المأموم ممن له شأن أو يقتدى به ( ولو صلى خلفه , قيل فلان صلى خلفه , فيضلل اهل السنة , ويقتدون به ) يجوز له
يقول : حتى ان مصلي الجمعة خلف الفاجر , اختلف الناس في اعادته الصلاة
هل يعيد الصلاة اذا صلى خلف فاجر او مبتدع ؟
قال : حتى قال احمد ابن حنبل ( من اعادها فهو مبتدع ) وهذا اظهر القولين
نقل عن الامام احمد في مسئلة اعادة الصلاة قولين, القول الاول , الاعادة
ونقلوا انه كان وهو في السجن يعيد الصلاة سرا
والقول الثاني , عدم الاعادة(1/27)
وقد رجح شيخ الاسلام رحمه الله في اكثر من موضع عدم الاعادة
فما تجدونه في كتاب كشف الشبهتين , وامثاله من رسائل ائمة الدعوة السلفية ( دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله ) وترجيحهم لا أعادة الصلاة , لانهم هم اخذوا برواية وشيخ الاسلام رجح رواية اخرى
ولا اختلاف ( ان شاء الله ) لان كلامهم بالنسبة للروافض والجهمية الذين ينكرون علو الله وينكرون الصفة ,وشيخ الاسلام رحمه الله كلامه في المبتدعة الذين هم دون ذلك
فالحمد لله ليس هناك اشكال
يقول : لان الصحابة ( هذا وجه الترجيح ) لم يكونوا يعيدون الصلاة , اذا صلوا خلف اهل الفجور والبدع , ولم يأمر الله تعالى احد قط اذا صلى بحسب استطاعته , ان يعيد الصلاة
اذا صليت صلاة , بحسب استطاعتك , فلا تكلف ان تعيدها
قال : ولهذا كان اصح قولي العلماء
دخل الان في مسائل فقهية , نذكرها على سبيل تقوية الدليل
ان من صلى بحسب استطاعته , لا يعيد , حتى المتيمم لخشية البرد , او المتيمم من عدم وجود الماء , والمحبوس , لا يجب على احد منهم ان يعيد الصلاة , اذا صلى
ثم استدل على ذلك بالحديث
يقول : ولقد ثبت في الصحيح ان الصحابة صلوا بغير ماء ولا تيمم , لما فقدت عائشة عقدها , ولم يامر النبي صلى الله عليه وسلم بالأعادة , هذه واحدة
بل ابلغ من ذلك انه من كان يترك الصلاة جهلا بوجوبها , لم يكن يأمره بالقضاء
فهذا عمر وعمار رضي الله عنهما , عمر لم يصلي وعمار تمرغ في التراب كما تتمرغ الدابة , فلم يأمرهما بالقضاء
وابو ذر يجنب ولا يصلي , ولم يأمره بالقضاء
والمستحاضة لما استحاضت , حيضة شديدة منكرة , منعتها الصلاة والصوم , لم يأمرها بالقضاء
والذين صلوا الى بيت المقدس بمكة وغيرها , بعد ان نسخ التوجه الى الكعبة , لم يامرهم بالأعادة
الى اخره
يقول : فالمتاول , والجاهل المعذور , ليس حكمه حكم المعاند الفاجر , بل قد جعل لكل شيئ قدرا(1/28)
هذه الادلة في كتب الفروع والاحكام , ثابتة , ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة بالقضاء , لانهم اما متاولون , واما جهلة بالحكم
فالمتاول والجاهل المعذور , ليس حكمه حكم المعاند الفاجر
ولحكم الجاهل , متى يعذر ومتى لا يعذر تفصيل اخر
ونسأل الله سبحانه وتعالى ان ينفعنا جميعا بما نسمع وما نقول
والحمد لله رب العالمين(1/29)