فوائد عقدية على كتاب التوحيد
لفضيلة الشيخ زيد البحري
الدرس السادس والعشرون
www.albahre.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . أما بعد :-
1- أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ( لأستغفرن لك ما لم أنهى ) وهذا لا يعارض النصوص التي جاءت بتحريم الاستغفار للمشركين ، فالجواب عن هذا الحديث :(1/1)
أولاً : أن استغفاره عليه الصلاة والسلام لعمه أبي طالب قبل النهي لأدلة منها 1- أن أبي طالب توفي بمكة والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال في غزوة أحد ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) فدل على أن استغفاره لعمه في هذا الحديث قبل أن ينهى إذ لو كان منهياً لما استغفر لقومه في غزوة أحد . 2- أن النبي عليه الصلاة والسلام استغفر للمنافقين في المدينة فقال عز وجل { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } 3- ومن الأدلة أن النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم قال ( استأذنت ربي أن استغفر لأمي فلم يأذن لي ) وكانت زيارته عليه الصلاة والسلام لقبرها كانت في المدينة أو بعد هجرته من مكة إلا المدينة، فخلاصة ما تقدم أن ما جاء في ستغفاره عليه الصلاة والسلام إنما كان قبل النهي ، وأما قوله في الحديث فأنزل الله عز وجل { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} وهذه الآية مدنية ، فالجواب عنها / أن الآية لم تنزل مقرونة بهذه الحادثة بل نزلت متأخرة وهي لم تنزل إلا مرة واحدة لأسباب تقدمت فإن هذه الآية { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } نزلت بعدما حصلت هذه الأسباب منها : استغفاره لعمه أبي طالب ، ثم استغفاره لقومه في غزوة أحد ، ثم طلبه أن يستغفر لأمه ، ومن الدلائل على أنها لم تنزل الآية في وقت حادثة أبي طالب انه قال في آخر الحديث ( وأنزل في أبي طالب { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } ) .
1- أن الشفاعة كما سلف نوعان
1- مثبتة ، 2- منتفية . فكذلك الهداية منها ما هو مثبت للخلق وهي هداية التبيين والإرشاد ، ومنها ما هو منتفي وهي هداية التوفيق والإلهام .
2- أن عبد الله بن أبي أمية قد أسلم ودخل في دين النبي عليه الصلاة والسلام .(1/2)
3- أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ( يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ) وجاء في رواية ( أشهد لك بها عند الله ) .
4- أن على المسلم ألا ينسب الشر إلى نفسه إذا ذكر شراً وقع من غيره ، ولذلك أبو طالب في حقيقة الأمر ماذا قال ؟ قال ( أنا على ملة عبد المطلب ) لكن الرواة قالوا ( هو على ملة عبد المطلب ) فلم ينسبوا هذا الشر إلى أنفسهم وهذا كثير من بينها قوله عليه الصلاة والسلام عند مسلم ( إن العبد إذا قرأ السجدة اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله ) لم يقل يا ويلي قال ( يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار )
5- أن النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين كما قال تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } حتى هو كما قال بعض العلماء هو رحمة على الكافر ، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام قتل هؤلاء الكفار وفي قتله لهم رحمة إذ لو بقوا لزادهم العذاب ، إن اسلموا فهو رحمة واضحة ، وإن لم يسلموا وقتلوا فإنهم لم يزد عليهم العذاب .
ثم ذكر المصنف رحمه الله باباً فقال :
باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين وذكر قوله تعالى { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه }
من الفوائد تحت هذه الآية :
1- أن معنى الغلو هو : مجاوزة الحد في الثناء إما مدحاً وإما قدحاً ، ولعل مراد المؤلف هنا المدح ، وإلا فإن اليهود قد غلت في عيسى عليه الصلاة والسلام إذ تجاوزوا الحد في قدحه وقالوا إنه ابن زانية .
2- أن على الأمة الإسلامية أن تجتنب ما وقعت فيه الأمم السابقة من الأخطاء ولذا ذكر عز وجل غلو أهل الكتاب حتى تحذر مما وقعوا فيه(1/3)
3- أن مجاوزة الحد في المدح قد تفضي بهذا المادح إلى أن يرفع الممدوح فوق منزلته إلى أن يوصله إلى منزلة الله عز وجل ، بل قد يكون أعلى من ذلك كما هو صنيع غلاة الصوفية .
4- أن الغلو منهي عنه حتى دين الأنبياء السابقين .
5- تحريم الفتية بغير علم ، ولذا قال { ولا تقولوا على الله إلا الحق } وأما آخر الآية فقد مضى الحديث عنها في حديث عبادة بن الصامت( وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه )
ثم ذكر المصنف رحمه الله حديث ابن عباس قال : في الصحيح عن ابن عباس في قوله تعالى { وقالوا لا تذرن ألهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً }
قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت ) قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذا الحديث : قال غير واحد من السلف لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم .
من الفوائد :
1- أن هؤلاء تواصوا بالباطل إذ قالوا : { لا تذرن ألهتكم } فالواجب على أهل الخير يتواصوا على الخير ولذا قال عز وجل { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } .
2- أن كلام ابن عباس رضي الله عنهما من أنهم رجال صالحون يبطل كلام الواقدي في هذه الآية من أن هؤلاء المعبودين كانوا على صور حيوانات ، والواقدي مع سعة علمه إلا أنه متروك الحديث فهو من الضعفاء المتروكين لأنه حاطب ليل(1/4)
3- أن أول شرك وقع في الأرض سببه الغلو في الصالحين كما كان في قوم نوح عليه الصلاة والسلام فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما إن بين آدم ونوح عشرة قرون حتى دخل الشرك فبعث الله نوحاً عليه الصلاة والسلام أول رسول إلى الأرض قال عز وجل{كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } وقال تعالى { وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا } .
4- التحذير من البدع ، والغلو يجر الإنسان إلى أن يقع في البدع ، والبدع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم فجاء رجل بحفنة من تراب كادت يده أن تعجز عنها ثم تتابع الناس قال عليه الصلاة والسلام ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) فتكون هذه السنية من هذا الرجل الذي أتى بحفنة الطعام تكون سنة تمثيل لا سنة تشريع ، ولو قال قائل / إن بناء مدراس تحفيظ القرآن وإقامة المراكز الصيفية لنشر العلم وحث الناس على الخير من البدع ، فيقال : إن هناك قاعدة شرعية تقول : [ الوسائل لها أحكام المقاصد ] فما كان وسيلة إلى خير فإنه يكون خيراً فإن هذه الوسيلة تكون خيراً ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة كان يجتمع في دار ابن الأرقم لأن هو المكان المتاح وهو المكان المناسب فلا يقل أحد من أن العلم يكون في المسجد يحتج عليهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في مكة وكذلك كان يعلم أصحابه إذا أتى إليهم في بيوتهم .
5- الحذر من وساوس الشيطان فإن الشيطان أوحى لهؤلاء وحي شيطنة أن ينصبوا هذه الأنصاب في مجالسهم ليتذكروا بها العبادة فيعبدون الله ، وهذا وحي باطل فكيف تنساق معه النفوس وذلك لأن البدع لا تعين صاحبها على العبادة وإنما تثبطه عن العبادة لأن البدع لا خير فيها ، ومن نظر إلى المحتفلين بليلة الإسراء والمعراج وجد انهم ينشطون في هذه الليلة ويفترون في سائر ليالي السنة .(1/5)
6- ان على طالب العلم ألا ينظر إلى واقعه وبيئته فقد تكون البيئة التي يعيش فيها بيئة طيبة فعيه أن يحتاط للتوحيد وأن يسد أبواب الشرك وينظر إلى المستقبل فإن هؤلاء لما وضعوا هذه الأنصاب أرادوا بها خيراً لكنهم لم ينظروا نظر بعد إلى من سيأتي من ذريتهم ولذا كما سلف نقول : إنه يجوز الاستغاثة بالمخلوق بشروط ذكرت وهذا يقال عند طلاب العلم لكن عند عوام الناس إذا سئل هل يستغاث بغير الله ؟ يقال : لا يجوز أن يستغاث بغير الله وهلم جرا ،
7- أن قوله رضي الله عنه ( ونسي العلم عبدت ) دل على ضرورة تعلم العلم الشرعي ولا سيما في العقائد ، لأن بنسيان العلم وبتركه يحل الضلال .
8- أن هذه الأصنام التي كانت تعبد في قوم نوح انتقلت إلى قبائل في العرب أتى بها عمرو بن لحي ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام ( رأيته يجر قصبه في النار ) يعني أمعاءه ,
9- أن قوله تعالى عن هؤلاء في تواصيهم { وقالوا لا تذرن ألهتكم } قالوا { ولا تذرن وداً ولا سواعاً ويغوث ويعوق ونسراً } دل على أن لهم آلهة كثيرة لكن من أبرزها هذه المذكورات .
أن الشياطين عندهم وحي كما قال عز وجل { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً } لكنه وحي مزخرف في طياته البطلان .
10- أن قوله ( أوحى الشيطان ) أن نسبته إلى الشيطان تدل على أنه وحي خبيث فاسد ، لأن ما ينسب إلى الشيطان ليس بخير وإنما هو شر .
11- أن الشيطان له شراك عجيب إذ قال : ( انصبوا إلى مجالسهم ) والنصب هو الارتفاع وذلك حتى تكون ظاهرة واضحة بينة لكي تتعلق القلوب بها ، فكأنه أوحى إليهم أن يرفعوها .(1/6)
12- ان هلاك الدين يتبعه هلاك الدنيا فمن هلك في دينه هلكت دنياه ولا محالة ، ويدل ذلك أن العلم لما نسي عبدت من دون الله عز وجل فدل على أن الدين يهلك ، أن دين الإنسان يهلك متى ؟ إذا لم يتعلم لأنه لا دين صحيح إلا بالعلم بالصحيح ، فإذا نسي العلم وترك هلك الدين وفي هلاك الدين تهلك الدنيا ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين ( قصة من قتل تسعة وتسعين نفساً ، فإن العابد قال : ليس لك توبة فهذا العابد ليس بعالم فهلك في دنياه بسبب جهله .
13- أن ابن القيم رحمه الله أشار إلى أن هؤلاء جمعوا بين فتنتين 1- فتنة التصوير ، 2- وفتنة العكوف على القبر ، وكأن هؤلاء صوروهم على قبورهم وعكفوا عليها .
14- أن ترك العلم إذا طال بالإنسان قسى قلبه وإذا قسى القلب هلك العبد ولذا عاتب الله عز وجل الصحابة في قوله تعالى { ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون } ثم قال { اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها } فكما أن الأرض تحيا بإنزال المطر منه جل وعلا فكذلك القلوب لا تقسوا وإنما تحيا باستقبال هذا الغيث الذي هو الذكر والقرآن ،
ثم ذكر رحمه الله / حديث عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) أخرجاه .
من الفوائد :
1- أن قول المصنف أ خرجاه يعني البخاري ومسلم ، وفي الحقيقة أن هذا الحديث لم يخرجه الإمام مسلم وإنما أخره البخاري .
2- التحذير فيما وقع فيه النصارى من الغلو ، وأي غلو ؟غلو قدح أو غلو مدح ؟ غلو مدح .
3- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على سد طرق الشرك ولذا قال ( لا تطروني ) أي لا تبالغوا في مدحي كما أطرت النصارى ابن مريم .(1/7)
4- أن تعظيمنا للنبي عليه الصلاة والسلام يكون بوصفنا له بأنه عبد لله وأنه رسوله ولذا قال : ( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )
5- أن ( الكاف ) كما سبق معنا في النحو قد تكون للتشبيه وقد تكون للتعليل ، قال : لا تطروني كم أطرت النصارى ) فكما هنا ليست للتشبيه ، فليس مراده عليه الصلاة والسلام أن ينهى عن أن يمدح كمدح النصارى لابن مريم لأنه رفعوه ، وإنما مراده عليه الصلاة والسلام أن يدعو مدحه حتى لا يفضي بهم هذا المدح الجائز إلى ما وصلت إليه النصارى فتكون الكاف هنا للتعليل .
6- أن النصارى إذا ذكروا يقال نصارى ، فلا يقال عن النصراني أنه مسيحي ، فقول البعض عن هذا مسيحي خطأ لأن المسيحي هو المتبع لعيسى عليه الصلاة والسلام ولا يكون متبعاً لعيسى عليه الصلاة والسلام حتى يدخل في دين الإسلام ، لأن عيسى يأمر بأن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم بل إن عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل يحكم بالإسلام بل يسمون بالنصارى كما هنا قال : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ) وهم عبروا عن أنفسهم بأنهم نصارى كما قال تعالى في سورة المائدة { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم }
7- أن النبي صلى الله عليه وسلم محبب إليه وصف العبودية أكثر من الرسالة ، ولذا قال ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) لم ؟ حتى يكون الإنسان في طريق متوسط في حقه عليه الصلاة والسلام فهو عبد لا يعبد ، ورسول لا يكذب ،
ثم ذكر رحمه الله حديثاً فقال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو )
من الفوائد :
1- من أن هلاك الدين هلاك للدنيا فإنهم هلكوا لما وقعوا في الغلو .
2- ان من أدوات القصر إنما ، فكأنه حصر الهلاك يعني هلاك من كان قبلنا في سبب واحد ، وهو الغلو.(1/8)
3- أن النبي صلى الله عليه وسلام أظهر في مكان الإضمار وهذا ما يسمى بالإطناب يعني يمكن أن يقول إياكم والغلو فإنه أهلك من كان قبلكم لكن لما أعاد كلمة الغلو مرة أخرى دل على أن لهذه الزيادة فائدة وهي توكيد وتقرير خطر الغلو في الدين .
أن كلمة الغلو شاملة فليست منحسرة في العقائد ، بل حتى في العبادات فلا يجوز أن يغالي المسلم في عبادته ولذا قال عليه الصلاة والسلام في سبب هذا الحديث لما أمر أبن عباس أن يلقط له حصى الجمار ، كحصى الخزف ، ( قال : أمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين ) بل حتى إن الغلو في العادات مذموم لما جاء أولئك النفر ومن بينهم من قال ( أصوم ولا أفطر ، وأصلي ولا أرقد ، وقال آخر: لا أتزوج النساء ، وقال آخر : لا آكل لحم ، قال عليه الصلاة والسلام : إني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ،
ثم ختم المصنف رحمه الله هذا الباب بحديث ابن مسعود فقال : ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثاً .
من الفوائد :
1- أن قوله عليه الصلاة والسلام ( هلك المتنطعون ) إما أن يكون خبراً بمعنى أن هؤلاء المتنطعين المتشددين المتعمقين قد هلكوا ، أو انه دعاء منه عليه الصلاة والسلام عليهم جاء بصورة الخبر ، يعني أن دعوته قد تحققت ووقعت .
2- ان النبي صلى الله عليه وسلم أعاد هذه الجملة ثلاث مرات ، هلك المتنطعون – هلك المتنطعون – هلك المتنطعون ، مما يدل على خطورة التنطع .
3- أن ( أل ) دخلت على المتنطعين فتشمل أي متنطع ، في قوله – في عمله في عادته في سائر أحواله فالتنطع مذموم .(1/9)
4- أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند مسلم من قال هلك الناس فهو أهلكهم ، وضبطت فهو أهلكَهم .فمعنى فهو أهلكَهم : يعني أنه أوقعهم في الهلاك ، ومعنى فهو أهلكُهم : يعني هو أول من وقع في الهلاك ، فقد يتعارض هذا مع ما ذكر هنا / ويجاب عن ذلك : بأنه لا يتعارض وذلك كما قال النووي رحمه الله من أن الإنسان إذا أخبر بهلاك الناس افتخاراً بعبادته فإنه مذموم ، أما لو رأى انهماك الناس في الدنيا وانصرافهم عن الآخرة فقال لا يذم بدليل / أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( هلك المتنطعون ) لم ؟ لأن هؤلاء المتنطعين قد انصرفوا عن دينهم .
ثم ذكر رحمه الله باباً فقال / باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده .
من الفوائد المأخوذة من هذا العنوان :
أن هذا الباب له تعلق بالباب السابق كيف ؟
الباب السابق لما حذر من الغلو وناسب أن يعقبه بهذا الباب الذي ذكر فيه أمثلة للغلو ، ولماذا الغلو ؟
لأن الغلو يفضي بصاحبه إلى الشرك .
ثم ذكر رحمه الله تحت هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها ،
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ( أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور ، فقال : أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً ، وصوروا فيه تلك الصور ،أولئك شرار الخلق عند الله ) .
وهذا كلام للشيخ رحمه الله
فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين ، فتنة القبور وفتنة التماثيل ،
من الفوائد تحت هذا الحديث :
1- أن المسلم يجوز له أن يروي ما رآه في دول الكفر من العجائب ولكن لا يذكره إلا عند عالم يبين له الصواب من الخطأ كما فعلت أم سلمة رضي الله عنها لما أخبرت عن هذه الكنيسة .
2- ان الصور سبب للغلو في أصحابها وأن الغلو في أصحابها سبب للوقوع في الشرك .(1/10)
3- ان قوله عليه الصلاة والسلام ( بنوا على قبره مسجداً ) ، فاتخاذ القبور مساجد إما أن يكون حسياً أو معنوياً فأما الحسي أن يبني المسجد على القبر ، وأما المعنوي هو أن يتعبد الإنسان لله عز وجل عند هذا القبر والتعبد لله عز وجل عند القبر يفضي بصاحبه إلى الشرك ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام ( لا عقر في الإسلام ) وذلك أنهم كانوا يذبحون لله عند القبور فنهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يذبحوا ، لم ؟ لأنه ربما يفضي بهم الأمر إلى أن يذبحوا لصاحب القبر فيقعون في الشرك الأكبر ، ومثله إخراج الصدقة ، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله : إن إخراج الصدقة مع الميت من البدع ، وكذلك قال في الذكر وفي سائر أنواع العبادات .
4- أن من افتتن بالصور وبالقبور أنه من شرار الخلق عند الله عز وجل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم ذكر رحمه الله حديثاً فقال :ولهما عنها أي عائشة ، قالت ( لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها ، فقال وهو كذلك : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر ما صنعوا ، ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ) أخرجاه
من الفوائد :
1- جواز اللعن بالوصف لا بالتعيين ولذا قال ( لعن الله اليهود والنصارى ) وقد سبق الحديث عن ذلك تحت حديث ( لعن الله من ذبح لغير الله ) .(1/11)
2- ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يبرز قبره وهذا من حرصه عليه الصلاة والسلام على حماية التوحيد ، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها ( خشي ) يعني هو عليه الصلاة والسلام خشي أن يتخذ مسجداً ، ثم ان الصحابة رضي الله عنهم كانوا على طريقته في حرصه على التوحيد ، ولذلك ضبط هذا اللفظ بضابط وهو ( خشي أن يتخذ مسجداً ) فكأن الخشية وقعت من الصحابة رضي الله عنهم فتكون الخشية واقعة من النبي صلى الله عليه وسلم ومن صحابته ، ومن ثم فإنهم أجمعوا على عدم إخراجه من بيته عليه الصلاة والسلام .
3- ان الأحقية للأسبق فلو كان المسجد أسبق من القبر فإن القبر ينبش ، وإن كان القبر هو الأول ثم بني المسجد فإن المسجد يهدم لأنه مسجد ضرار لم يبن على تقوى من الله عز وجل ، لكن لو قال قائل / إن قبر النبي عليه الصلاة والسلام موجود في المسجد النبوي ، فالجواب عن هذا من وجوه : أولاً : ان المسجد لم يبن على القبر لأن الذي بناه هو النبي عليه الصلاة والسلام يستحيل أن يبنيه على نفسه ,
ثانياً : أن قبره كان في بيت عائشة رضي الله عنها وكان بيت عائشة رضي الله عنها منعزلاً عن المسجد لكنه قريب منه لكنه كان في معزلٍ عنه ، فلما حصلت التوسعة في العهد الأموي وسع في الجهة الشرقية دخلت فيه الحجرة ، وكانت هذه التوسعة ليست محل إجماع لأن بعض كبار التابعين كابن المسيب رحمه الله عارض أن يوسع حتى لا تدخل الحجرة ضمن المسجد لكن قوة السلطة أجبرت الناس على هذا ,
ثالثاً : أن هذه الحجرة لما أدخلت لم تترك هكذا بل أحيطت بثلاثة جدران كما قال ابن القيم رحمه الله فأصبحت مثلثة الشكل بحيث لو صلى الإنسان أمامها لا يكون مصلياً وأمامه القبر . لكن لو قال قائل / لماذا لا ينبش القبر ؟
الجواب عن هذا أن نبشه يكون في محاذير .
المحذور الأول : مخالفة أمره عليه الصلاة والسلام بعدم إخراجه من بيت عائشة(1/12)
المحذور الثاني : أنه لو أخرج لكان قبره سهل الوصول فيتخذ وثناً يعبد ، وهذا يخالف دعوته عليه الصلاة والسلام إذ قال ( اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد )
المحذور الثالث : أنه يخشى على جسده الشريف من أن ينبش وأن يعتدى عليه فيما لو وضع في مكان عام .
المفسدة الرابعة : أن فيه مخالفة لما أخبر به عليه الصلاة والسلام من أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون وهو مات في غرفة عائشة .
المحذور الخامس : مخالفة إجماع المسلمين إذا إن الأمر استقر على ما كان عليه ، والمسلمون يعلمون بأن القبر ليس في المسجد وأنه خارج المسجد في غرفة عائشة رضي الله عنها .
4- أن النبي عليه الصلاة والسلام ( عان من سكرات الموت ) ولذا طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها وهذا التشديد عليه ، عليه الصلاة والسلام لا يعارض ما جاء في حديث البراء من ان روح الميت تخرج كما تخرج القطرة من في السقاء ، وذلك لانه عليه الصلاة والسلام له منزلة عند الله عز وجل فأحب الله أن يرفع منزلته بتشديد البلاء عليه كما شدد عليه البلاء في الدينا كان يوعك كما يوعك الرجلان ، ولأن في معاناته عليه الصلاة والسلام فائدة دينية وهي أن الإنسان يعرف أن هناك شدة في سكرت الموت ـ فهذه السكرات والشدة نزلت بالنبي عليه الصلاة والسلام فلا يأمن الإنسان ان يقع له مثل أو أعظم ما وقع للنبي عليه الصلاة والسلام .
ثم ذكر رحمه الله حديث جندب /(1/13)
ولمسلم عن جندب بن عبد الله ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ( إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ ابراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) قال الشيخ رحمه الله : فقد نهى عنه في آخر حياته ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله ( والصلاة عندها ) يعني عند القبور من ذلك ، يعني من اتخاذ مساجد ، وإن لم يبن مسجد ، وهو معنى قولها ( خشي أن يتخذ مسجداً )
هذا كلام الشيخ رحمه الله
قال فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجداً بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجداً كما قال صلى الله عليه وسلم ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) ، يريد الشيخ من ذلك من أن الصلاة والعبادة عن القبر تجعله مسجداً ولو لم يحصل بناء ولذا قال ( وكل موضع قصدت الصلاة فيه اتخذ مسجداً بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجداً كما قال عليه الصلاة والسلام ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )
من الفوائد تحت هذا الحديث :
1- أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن اتخاذ القبور مساجد قبل أن يموت بخمس ليال وقد نهى عنه في حياته حال صحته كما مر معنا في حديث عائشة لما ذكرت أن أم سلمة ذكرت كنيسة ونهى عنه وهو في سكرات الموت ، ولو قال قائل ما فائدة ذكر هذه الأوقات ؟ الفائدة ألا يرتاب أحد في ثبوت هذا الحكم وأنه ثابت لم يتعرض لنسخ ، فإن الحكم الذي أصدره عليه الصلاة والسلام بهذا الأمر في حال صحته كما في حديث عائشة لما ذكرت أم سلمة تلك الكنيسة استمر قبل موته بخمس ليال ثم استمر إلى حالة وجود السكرات مما يدل على أن هذا الحكم ثابت وأن لا مبرر ولا دليل لمن اتخذ القبور .(1/14)
2- فيه الرد على الروافض الذين زعموا أن علياً أحق بالخلافة من أبي بكر ، بل قالوا إنه أفضل من أبي بكر وهذا مخالف لهذا الحديث ، لم ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ) وفيه إشارة إلى خلافته رضي الله عنه .
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم مع ما ذكر في هذا الحكم في حال صحته وقبل موته بخمس ليال ، وفي ثنايا موته إلا أنه عليه الصلاة والسلام في حال الموت أكد عدة مرات بأداة التنبيه ألا لأن من أدوات التوكيد عن أهل البلاغة ألا , ولذا قال : ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ) ثم ختم حديثه بقوله ( فإني أنهاكم عن ذلك ) .
4- ان هذا الحديث وغيره قد فضح الروافض الذين يعظمون القبور ، ولذا حالهم في المدينة فيتجهون إلى مقبرة البقيع ويرفعون أيديهم ويتوسلون ويدعون أهلها من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كفر صريح ، ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله كل بدعة في الدين إنما نشأت من الروافض ، عمروا المشاهد يعني القبور وهجروا المساجد .
5- أن الحكم المعلق بوصف يوجد بوجوده وينتهي بانتفائه بقطع النظر إلى النية ، مثال ذلك / النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) ، لو قال قائل : أنا أتشبه بهم في لباسهم لكني لا أريد التشبه بقلبي ،فنقول وقعت في الذنب لم ؟ لأن الشرع علق الحكم بوصف ، ما هو الوصف ؟ هو التشبه ، متى ما حصل هذا الوصف حصل الحكم فإن نويت كان الإثم أكبر وأعظم ، ولذا من يعبد الله عند القبور ، ويقول ابتغاء وجه الله ولا أريد أن أتشبه باليهود ، فنقول : النبي عليه الصلاة والسلام علق اللعن بالوصف وهو اتخاذ القبور مساجد سواء نويت أن تكون مشابها لليهود أو لم تكن فإن نويت كان الإثم والذنب أعظم(1/15)
6- أن الروافض على ثلاثة أقسام كما قال شيخ الإسلام رحمه الله قال في الصنف الأول : صنف لا شك في كفرهم وهم الذين جعلوا علياً إلها ، وهؤلاء هم أوليائهم .
الصنف الثاني : هم الزيدية ، والزيدية يرون أن أبا بكر أحق بالخلافة من على رضي الله عنه ، لكنهم يرون أن علياً أفضل من أبي بكر وعمر ، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله هم أقرب إلى السنة لكنه يقول : إنهم سلم يصعد به إلى الرفض ، بمعنى ان الزيدية بوابة .
الصنف الثالث : وهو الذي عليه أكثرهم هو تقديم علي على أبو بكر رضي الله عنه في الخلافة والفضل وهم يسبون الصحابة دون أهل البيت .
7- ان قوله عليه الصلاة والسلام( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ) لا يعني أن الحكم محصور في قبور الأنبياء بل هو شامل لكل قبر ، ولذا قال ( ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ) عمم ، بل جاء في رواية قال : ( كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ) ومن ثم لو انه اتخذ قبر كافر – ضالاً- مسجداً ، فإن هذا الحكم ثابت ، وهناك فوائد تتعلق بالخلة سبق الحديث عنها عند قول الماتن ، وقال الخليل عليه الصلاة والسلام {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } .
ثم ختم المصنف رحمه الله هذا الباب بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال /
ولأحمد بسند جيد ، عن ابن مسعود مرفوعاً ( إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد ) رواه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه .
من الفوائد :
1- أن شرار الخلق نوعان ، نوع تدركهم الساعة وهم أحياء ، والنوع الثاني : وهو موضع الشاهد من اتخذوا القبور مساجد .(1/16)
2- ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الحديث الشرك ووسيلته ، معنى ذلك / أن الشرك يكون في جملة من تدركهم الساعة وهو أحياء كيف ؟ لأن النصوص الأخرى جاءت بأن القيامة لا تقوم إلا على الكفار ، إذ تأتي ريح باردة من قبل الشام وفي رواية من قبل اليمن ، فتقبض روح كل مسلم ، وأما وسيلة الشرك في جملة ( والذين يتخذون القبور مساجد ) فمن اتخذ القبور مساجد يفضي به إلى أن يكون مشركاً والمشرك هو الذي تقوم عليه الساعة .
ثم ذكر رحمه الله باباً فقال :
باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثاناً تعبد من دون الله
من الفوائد تحت هذا العنوان :
أن هذا الباب متمم للباب السابق لأن الباب السابق يتحدث عن صور عن الغلو والذي قبله يتحدث مرة أخرى عن الغلو ، وكأن المؤلف يشير إلى أن الغلو له خطر عظيم ولا سيما إذا كان هذا الغلو في الصالحين .
فذكر تحت هذا الباب حديثاً رواه مالك في الموطأ /
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد اشتد غضب الله علة قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )
من الفوائد :
1- أن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام استجيبت له كما قال ابن القيم رحمه الله فلم يتخذ قبره وثناً يعبد وذلك أنه أحيط بثلاثة جدران ، أما كون شخصه عليه الصلاة والسلام اتخذ وثناً فإنه لا يدخل في هذه الدعوة لأنه خصص فقال : ( اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد ) .
2-ما سبقت في أبواب وهي أن الوثن ما كان منحوتاً على صورة أو لم يكن ، والقبر ليس منحوتاً على صورة فصدق عليه أن يكون وثناً .
3- أن قوله عليه الصلاة والسلام ( اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد ) أتى بكلمة الواقع لأن الوثن يراد به العبادة .(1/17)
4- إثبات صفة الغضب لله عز وجل في قوله ( اشتد غضب الله ) ، وفيه رد على من قال إن الغضب هو إرادة الانتقام وهذا تحريف لأن الله عز جل فرق بين الانتقام وبين الغضب فقال عز وجل { فلما آسفونا انتقمنا منهم } { آسفونا } يعني أغضبونا { انتقمنا منهم } فجعل الانتقام غير الغضب ، وإنما يكون الانتقام أثراً من آثار الغضب .
5- ان قوله ( اشتد غضب الله ) يدل على أن غضب الله متفاوت بحسب الذنب ، ولذا قال عز وجل { كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } ولذا في حديث الشفاعة يقول الأنبياء ( إن الله غضب غضباً لم يغضب قبله ولن يغضب مثله )
6- ان صنيع الأمم السابقة مع أنبيائهم وصالحيهم سبب لمقت الله وغضبه ، فيجب علينا أن تحذر مما وقعوا فيه .
ثم ذكر المصنف رحمه الله أثراً فقال :
ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور ، عن مجاهد { أفرءيتم اللت والعزى } قال : كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره ، وكذا قال أبو الجوزاء ، عن ابن عباس : كان يلت السويق للحاج
من الفوائد :
1- ان الله عز وجل ذكر رجلا كان يلت السويق للحاج فمن فعله ومن صنيعه لقب بالات ، فكان آخر أمره أنهم عكفوا على قبره وعبدوه من دون الله عز وجل ،ثم أكدوا هذا الاشتقاق بسبب فعله أكدوه إذ قالوا: إن هذا الات مأخوذ من اسم الله الذي هو الإله كما سيأتي معنا في باب قوله تعالى { ولله الأسماء الحسنى } .
ثم ختم رحمه الله الباب بحديث ابن عباس قال ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ) رواه أهل السنن .
من الفوائد :(1/18)
1- أن هذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله وتضعيفه له يؤيد ما ذهب إليه من أن زيارة النساء للمقبرة سنة ما لم تبالغ فإن بالغت فإنه يحرم عليها ، لأنه يصحح لفظ ( لعن الله زوارات القبور) ، ( وزوارت صيغة) مبالغة فيقول : إن النهي ورد فيمن بالغلت في الزيارة أما كلمة ( زائرات ) فإنها لا تدل على المبالغة ولكنه يخالفه في تصحيح هذا الحديث شيخ الإسلام رحمه الله .(1/19)