فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف
تأليف
د. عبد الرحمن بن أحمد علوش المدخلي
مقدمة الطبعة الأولى
…الحمد لله المتفرِّد بالكمال والجلال ، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، والصلاة والسلام على النبي المعصوم وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
…لما كان الخطأ صفة ملازمة للبشر لا يسلم منه إلا من عصم ، أحببت أن أضع بين يدي طلبة العلم خاصة والمسلمين عامة قواعد وضوابط للتعامل مع الأخطاء والعثرات مستقاة من هدي خير القرون والتابعين لهم بإحسان ، الذين قال فيهم النبي ? : "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ..." الحديث1 .
…وقال الإمام مالك رحمه الله : "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" والذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع أمور عدة :
…أولها : عدم التفريق بين الإثم والخطأ عند بعض الناس ، ربما كانا متلازمين عند بعضهم ، وهذا مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة ، بل هو مذهب ضلال المعتزلة ومن وافقهم .
…قال شيخ الإسلام : "وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين"2 . وقال في موضع آخر : "أما الذين يقولون بأن المجتهد المخطئ آثم فهم أتباع بشر المريسي وكثير من المعتزلة البغداديين والقدرية ؛ لأن الخطأ والإثم عندهم متلازمة"3 .
…وقد رفع الله الإثم عن الأمة فيما أخطأوا فيه كما جاء في الحديث : "إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"4 .(1/1)
…وروى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : "لما نزلت هذه الآية {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي? أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ?للَّهُ}[البقرة: 284] قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء فقال النبي ? : "قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا" قال : فألقى الله الإيمان في قلوبهم ، فأنزل الله تعالى : {لاَ يُكَلِّفُ ?للَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ?كْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} (قال: قد فعلت) {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ?لَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} (قال : قد فعلت) {وَ?غْفِرْ لَنَا وَ?رْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا} (قال : قد فعلت)5 .
…الثاني: المنهج النشاز الذي ظهر في هذه الأعصار من تتبع الأخطاء والعثرات للبراء والفرح بها مع نسيان الفضائل والحسنات .
…الثالث : إني لم أجد دراسة علمية متخصصة في هذا الموضوع مع شدة الحاجة لذلك ، صحيح أن ثمة دراسات طرقت الموضوع من بعض جوانبه كدراسات في أدب الخلاف ، وأخرى في منهج أهل السنة في النقد والتقويم ، وثالثة في الرد على المخالف وفقه التعامل معه ، إلى غير ذلك ، وهذه الدراسات مع جودتها وقيمتها العلمية ليست متخصصة في موضوع البحث ، وأقرب رسالة وقفت عليها في هذا الموضوع للشيخ محمد المنجد حفظه الله بعنوان "الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس" وكدت لما وقفت عليها أترك المواصلة فيما بدأته ، إلا أني لما تصفحتها وجدت أنه عالج الموضوع من جانب ذكره لأساليب النبي ? في معالجة الخطأ ، والقضية تحتاج إلى بحث أوسع من حيث وجوب التثبت في إيقاع الخطأ والتعالم معه بعد وقوعه ، وبعد استحكامه والإصرار عليه ، كل ذلك على ضوء منهج السلف الصالح رحمهم الله ، ولا أنكر أني أفدت من رسالته فجزاه الله خيراً .(1/2)
…وقد أسميت هذه الورقات : "فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف" وأردت بالفقه اللغوي لا الاصطلاحي ، وقد جعلت هذا البحث في تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة .
…التمهيد : وأفردته لثلاث مقدمات :
……الأولى : تعريف الخطأ لغة واصطلاحاً والألفاظ ذات الصلة .
……الثانية : كل بني آدم خطاء إلى من عصم .
……الثالثة : درجات الأخطاء والمخطئين .
…الفصل الأول : قبل إثبات الخطأ والحكم به : وفيه مبحثان :
…المبحث الأول : التثبت والتبين قبل الحكم بالخطأ: وفيه أربعة مطالب :
… …المطلب الأول : طلب الإسناد عند سماع المنقول .
……المطلب الثاني : العلم بحال الناقل .
……المطلب الثالث : العلم بحال المنقول فيه .
……المطلب الرابع : العلم بطبيعة الخطأ المنقول .
…المبحث الثاني : إحسان الظن وحمل الكلام على المحمل الحسن .
…الفصل الثاني : عند ثبوت الخطأ ، وفيه ثلاث مباحث :
…المبحث الأول : النصح والتوجيه : وفيه خمسة مطالب :
……المطلب الأول : إخلاص النية والقصد عند النصح .
……المطلب الثاني : الهدوء في التعامل مع المخطئ .
……المطلب الثالث : إرشاد المخطئ وإعانته .
……المطلب الرابع : تقديم البدائل الصحيحة .
……المطلب الخامس : تأديب المخطئ إذا استلزم ذلك .
…المبحث الثاني : الآداب الشرعية عند النصح والتوجيه : وفيه ثلاثة مطالب :
……المطلب الأول : الحكمة في معالجة الخطأ .
……المطلب الثاني : مقارنة النفس بالغير عند صدور الخطأ .
……المطلب الثالث : الرجوع عن الخطأ إذا ظهر الحق والصواب .
…المبحث الثالث : الستر وعدم الإشاعة : وفيه ثلاثة مطالب :
……المطلب الأول : بيان الأخطاء دون التعرض للأشخاص ما أمكن ذلك .
……المطلب الثاني : التحذير من إشاعة الفاحشة .
……المطلب الثالث : التحذير من التعيير والتوبيخ .
…الفصل الثالث : بعد استحكام الخطأ والإصرار عليه : وفيه ستة مباحث :
…المبحث الأول : المخطئ المجتهد مأجور غير موزور .(1/3)
…المبحث الثاني : الخطأ اليسير مغتفر في جانب الخير الكثير .
…المبحث الثالث : خطأ الشخص لا يسري إلى غيره إلا وافقه وأقره .
…المبحث الرابع : الورع عند نقل الخطأ وعدم التحامل .
…المبحث الخامس : عدم تتبع الأخطاء والعثرات .
…المبحث السادس : الأثر المترتب على الخطأ بالنسبة للحقوق .
…الخاتمة : ولخصت فيها نتائج البحث .
…الفهارس .
…وقد حاولت عرض الموضوع وفق منهج علمي ، وأكثرت من الاستشهاد بالنصوص الشرعية وكلام أهل العلم في جلّ القضايا المطروحة ؛ لأنها منطلق البناء وأساسه ، وعزوت هذه النقول إلى مصادرها الأصلية قدر الاستطاعة ، وأما الأحاديث النبوية فقد خرجتها من مصادرها فما كان في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت به لكونهما محلاً للقبول عند جمهور أهل العلم ، وما كان في غيرهما فقد خرجته من مصادره ، قدر الاستطاعة مع محاولة الحكم عليه صحة وضعفاً من قبل أهل الاختصاص ، ولا أدعي أني جئت بمبتكرات جديدة في هذا البحث ، ولكنه الجمع والترتيب ، وهما من جملة مراتب التأليف فلعله يكون مفتاحاً لدراسات أكثر وأوسع استيعاباً .
…وبعد ، فهذا ما كنت أروم إيضاحه ، فإن وجدت أخي القارئ حسناً فدعوة بظهر الغيب ، وإن تكن الأخرى فشأن الكرام ستر العيب ، والله الهادي إلى سواء السبيل فبه أستعين .
كتبه
عبد الرحمن بن أحمد علوش المدخلي
ص.ب 86 صامطة
التمهيد
أولاً: تعريف الخطأ لغة واصطلاحاً :
…جاء في لسان العرب : الخَطَأ والخطاء : ضد الصواب ، وخَطَّأه تخطِئَةً وتَخْطِيئاً : نسبة إلى الخطأ ، وقال له : أخْطَأت ، والخَطَأ ما لم يتعمد ، والخِطْء : ما تعمد .
…وقال الأموي : المُخْطِئُ من أراد الصواب فصار إلى غيره ، والخاطئ من تعمد لما لا ينبغي6 .(1/4)
…وفي النهاية والمصباح : يقال خِطَئ في دينه خِطْأ إذا أثم فيه ، والخِطء : الذنب والإثم ، وأخطأ يُخْطِئ إذا سلك سبيل الخطأ عمداً أو سهواً ، ويقال : خَطِئ إذا تعمد ، وأخطأ إذا لم يتعمد ، ويقال لمن أراد شيئاً ففعل غيره أو فعل غير الصواب : أخطأ7 .
والخطأ في الاصطلاح:
…قال الجرجاني : "هو ما ليس للإنسان فيه قصد ، وهو عذر صالح لسقوط حق الله تعالى إذا حصل عن اجتهاد ويصير شبهة في العقوبة حتى لا يؤثم الخاطئ ولا يؤاخذ بحد ولا قصاص ، ولم يجعل عذراً في حق العباد حتى وجب عليه ضمان العدوان ووجب به الدية"8.
…وقال في التلويح : "هو فعل يصدر من الإنسان بلا قصد إليه عند مباشرة أمر مقصود سواه"9 .
الألفاظ ذات الصلة :
…1- الغلط : جاء في اللسان : الغلط كل شيء يعيا الإنسان عن جهة صوابه من غير تعمد ، وقد غالطه مغالطة ، وغَلط في الأمر يغلط غَلَطاً وأغلطه غيره ، والعرب تقول : غَلِط من منطقة وَغَلِتَ في الحساب غَلَطاً وغلتاً10 .
…والغلط في اصطلاح جمهور الفقهاء يأتي مساوياً للفظ الخطأ11 ، فقد جاء في حاشية العدوي على الخرشي تعريف الغلط بأنه تصور الشيء على خلاف ما هو عليه12 .
…2- النسيان والسهو و الغفلة والذهول : وهذه الألفاظ متقاربة في المعنى عند الفقهاء والأصوليين ، فقد نقل ابن عابدين عند شرح التحرير اتفاقهم على عدم الفرق بين السهو والنسيان .
…وقال ابن نجيم : المعتمد أنهما مترادفان ، وصرح البيجوري بأن السهو مرادف للغفلة . وأما الذهول فمن العلماء من جعله مساوياً للغفلة ، ومنهم من جعله أعم منها ، ومنهم من جعله أخص . وصلة هذه الألفاظ بالخطأ بأنها أسباب تؤدي إليه والخطأ ينتج عنها13 .
ثانياً: الخطأ صفة ملازمة لبني آدم إلا من عصمه الله :(1/5)
…قبل الخوض في ثنايا هذه الرسالة ، لا بد أن تستقر في الأذهان القاعدة السابقة ، ذلك أن الخطأ صفة ملازمة للبشر لا ينجو منه أحد إلا من عصمه الله من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم ، وقد قرر النبي ? ذلك بقوله : " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون "14 .
…ولو نجا من الخطأ أحد لنجا منه الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين هم أفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"15 .
…لذا تقررت هذه القاعدة عند السلف رحمهم الله وأصبحت عندهم قضية مسلمة ، لا تقبل المساومة ، نستيقن ذلك من خلال النقولات المتوافرة عنهم في ذلك ، ومن خلال تعاملهم مع الأخطاء والعثرات .
…فهذا الإمام الشافعي يقول : "قد ألفت هذه الكتب ولم آل فهيا ، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ ، إن الله تعالى يقول : {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ?للَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ?خْتِلاَفاً كَثِيراً}1617 .
…وقال تلميذه المزني : "لو عورض كتاب سعين مرة لوجد فيه خطأ ، أبى الله أن يكون كتابٌ صحيح غير كتابه"18 .
…وقال الإمام أحمد : "ما رأيت أحداً أقل خطأ من يحيى بن سعيد ، ولقد أخطأ في أحاديث ثم قال : "ومن يعرى من الخطأ والتصحيف"19 .
…وقال الإمام الترمذي : "وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان ، والتثبت عند السماع مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم"20.
…وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "ليس من شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفوراً لهم ، بل ليس من شرطهم ترك الصغائر . مطلقاً ، بل ليس من شرطهم ترك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه توبة"21 .
…وقال ابن القيم رحمه الله : "وكيف يعصم من الخطأ من خلق ظلوماً جهولاً ، ولكن من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته"22 .(1/6)
…وقال مهنا لأحمد : "كان غندر يغلط؟ قال : أليس هو من الناس؟!"23 .
…وقال عبد الرحمن بن مهدي : "من يبرئ نفسه من الخطأ فهو مجنون"24 .
…وقال الإمام مالك : "ومن ذا الذي لا يخطئ"25 .
…إذا تقرر ذلك فكيف يتعامل المسلم مع أخطاء الآخرين وعثراتهم؟
ثالثاً: درجات الأخطاء والمخطئين :
…من المعلوم أن الخطأ ليس بمنزلة واحدة ، فالخطأ إما أن يكون في أمر الدين أو الدنيا ، والخطأ الحاصل في أمر ديني ، إما أن يكون في الأصول أو الفروع ، ولا شك أن الخطأ الواقع في الأصول والعقائد أعظم وقعاً ، وأجدر بالتصحيح والتصويب من الخطأ الحاصل في الفروع ، والخطأ في المسائل الفرعية إما أن يكون في أمر مجمع عليه أو في مسألة اجتهادية ، وإما أن يكون في الكبائر أو الصغائر وبالنسبة للمخطئ لا بد من التفريق:
…- بين الخطأ الناتج عن اجتهاد صاحبه وبين خطأ العمد والغفلة والتقصير .
…- وبين خطأ ذوي الهيئات الذين لا يعرفون بالذنب ، وخطأ العاصي المسرف على نفسه .
…- وبين المجاهر بالخطأ والمستتر به .
…- وبين من يتوالى منه حدوث الخطأ وبين من يقع منه على فترات متباعدة .
…إلى غير ذلك من الاعتبارات المرعية عند التعامل مع الخطأ والمخطئ ، وهو ما سأحاول إلقاء الضوء عليه في ثنايا هذا البحث ، مستمداً من الله العون فهو حسبي ونعم الوكيل.
* * *
الفصل الأول
قبل إثبات الخطأ والحكم به
…إن المتتبع للمنهجية الشرعية التي امتثلها سلفنا الصالح وساروا عليها يجد أنهم لا يتعجلون في الحكم بالخطأ على شخص ما عند صدور ما يستدعي ذلك ، بل يسيرون في ذلك على منهج شرعي تربوي متكامل مبني على قواعد وضوابط تنظيرية وتطبيقية من أهمها :
المبحث الأول
التثبت والتبين قبل الحكم بالخطأ(1/7)
…إن الاستعجال في إصدار الأحكام على الآخرين أمر ممقوت يعرض صاحبه للزلل والخطأ والوقيعة في الآخرين ، وهو مخالف أيضاً للمنهج الرباني الآمر بالتثبت والتبين والتبصر ، كما أنه بعيد عن طريقة السلف الصالح المبنية على التثبت في صغير الأشياء وعظيمها ، وفي علوم الدين والدنيا ، وفي العادات والعبادات .
…فإذا تأملنا كتاب ربنا نجد أن الأمر بالتثبت قد ورد في آيات كثيرة منها:
…{ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُو?اْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو?اْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى? مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}26 .
…وفي قراءة متواترة قرأ بها حمزة والكسائي وخلف {فتثبتوا}27 ، قال الإمام الشوكاني رحمه الله : "المراد من التبيُّن التعرف والتفحص ، ومن التثبت الأناة وعدم العجلة ، والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر"28 ، ومن ذلك أيضاً قوله تعالى {يَا أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى? إِلَيْكُمُ ?لسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً}29 .
…ومنها قوله تعالى : {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ?لسَّمْعَ وَ?لْبَصَرَ وَ?لْفُؤَادَ كُلُّ أُولـ?ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}30 .
…بل شنع الله سبحانه وتعالى على المسترعين في نقل الأخبار والأقوال دون تثبت وتبين ، ودون تروٍّ ومشورة فقال تعالى : {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ?لأَمْنِ أَوِ ?لْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ?لرَّسُولِ وَإِلَى? أُوْلِي ?لأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ?لَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}31.
…وقد ذم النبي ? طائفة المتسرعين في النقل دون تثبت بقوله : "بئس مطية الرجل زعموا"32 .(1/8)
…قال الإمام البغوي تعليقاً على هذا الحديث : "إنما ذم اللفظة لأنها تستعمل غالباً في حديث لا سند له ، ولا تثبُّت فيه ، إنما هو يحكى على الألسن ، فأمر النبي ? بالتثبت فيما يحكيه والاحتياط فيما يرويه"33 .
…وقال الإمام الخطابي رحمه الله : "وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا تثبت فيه ، وإنما هو شيء يحكى على الألسن وعلى سبيل البلاغ ، فذم ? من الحديث ما كان هذا سبيله وأمر بالتثبت فيه والتوثق لما يحكيه من ذلك ، فلا يرويه حتى يكون معزياً إلى ثبت ومروياً عن ثقة ، وقد قيل : الراوية أحد الكاذبين"34 .
…وما أشبه من هذا حاله بمن ينقل معلوماته عن المجاهيل أو من التجمعات العامة ، فإذا سئل عن مصدر خبره قال : حدثني من لا أتهم ، أو أخبرني الثقة ، أو حدثني من لو كان البخاري حياً لجعله من شيوخه ، إلى غير ذلك من المبالغات والمجازفات ، وخلاصة القضية أن في نفسه قناعات مبنية على أوهام وأحقاد ، أراد إثباتها بهذه النقولات الهشة والأخبار الملفقة .
…وبالمناسبة ، فإن هذا التوثيق غير مقبول عند الأئمة فإنهم قالوا : "إذا روى الثقة العدل في حديثه فقال : حدثني الثقة من غير تسمية له أو قال : حدثني من لا أتهم ، فهل يقبل هذا ويكتفى به عند المحدثين أم لا يقبل؟
…الذي يقتضيه الإنصاف ويكون أبرأ للذمة وأمكن في العهدة أنه لا يقبل حتى يسميه ، لأنه لو كان هذا المبهم ثقة عند الراوي عنه فربما لو سماه لكان ممن جرحه غيره بجرح قادح ، ثم إن امتناعه عن تسميته ريبة توقع تردداً في القلب ، فلا يقبل إلا تسمية المروي عنه ، وهذا ما جنح له من الشافعية المتقدمين أبو بكر الصيرفي ، والماوردي والروياني من المحدثين الخطيب البغدادي وابن الصلاح والنووي والسيوطي وآخرون35 .(1/9)
…وقال ? : "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع"36 ، قال ابن حبان عند ذكر الخبر السابق : "في هذا الخبر الزجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم على اليقين صحته ثم يحدث به دون ما لا يصح"37 .
…وقد رسم النبي ? للأمة معالم هذا المنهج في الجوانب التطبيقية من سيرته ، فما كان ? يتسرع في التخطئة ، بل كان يسأل عن الظروف الملابسة للخطأ من حيث الدافع ، وحالة المخطئ ، ولعل في المواقف الآتية ما يجلي هذه المعاني :
…ما حدث لحاطب رضي الله عنه عندما كتب لكفار قريش عن مسير النبي ? ، لما جيء به إلى النبي ? لم يتعجل بالحكم عليه بل بادره بقوله : "ما حملك يا حاطب على ما صنعت؟..."38 الحديث .
…وروى النسائي رحمه الله عن عَبَّاد بن شُرَحْبيلَ رضي الله عنه قال : قدمت مع عمومتي المدينة ، فدخلت حائطاً من حيطانها ، ففركت من سُنْبُلِهِ ، فجاء صاحب الحائط فأخذ كسائي وضربني ، فأتيت رسول الله ? أستَعْدِِي عليه ، فأرسل إلى الرجل فجاءوا به فقال : "ما حملك على هذا؟" فقال : يا رسول الله إنه دخل حائطي فأخذ من سبنله فَفَرَكَهُ ، فقال رسول الله ? : "ما عَلَّمْتَهُ إذ كان جاهلاً ولا أطعمته إذ كان جائعاً ، اردُدْ عليه كساءَهُ" وأمر لي رسول الله ? بوَسْق أو نصف وسق39 .(1/10)
…وقد حدثت لعمر -رضي الله عنه- قصة رواها بنفسه فقال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله ? فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقْرِئْنيهَا رسول الله ? فكدت أساورُهُ في الصلاة ، فَتَصَبَّرتُ حتى سلم فَلَبَّبْتُهُ بردائه ، فقلت : من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال : أقرأنيها رسول الله ? . فقلت : كذبت ، فإن رسول الله ? قد أقرأنيها على غير ما قَرَأتَ ، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله ? ، فقلت : أني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تُقْرِئنيها ، فقال رسول الله ? : "أرسِلهُ ، اقرأ يا هشام" فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ ، فقال رسول الله ? : "كذلك أنزلت" ، ثم قال : "اقرأ يا عمر" ، فقرأت القراءة التي أقرأنيها ، فقال رسول الله ? : "كذلك أنزلت ، إن هذا القرآن أنزلَ على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه"40 .
…والذي نفيده من المواقف السابقة ما يلي :
…- أن النبي ? ما كان يتعجل في قبول التخطئة والحكم بها بمجرد ما تنقل له .
…_ أنه كان يحاول المتهم بالخطأ لمعرفة ظروفه ودوافعه .
…_ على طالب العلم أن لا يستعجل بتخطئة من حكى قولاً يخالف ما يعرفه إلا بعد التثبت ، فربما يكون ذلك القول قولاً معتبراً من أقوال أهل العلم41 .
…وسار الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان من خيار هذه الأمة على هذا المنهج ، قولاً وعملاً ، شعاراً وسلوكاً ، تنظيراً وتطبيقاً في كافة أمور حياتهم ، والآثار في هذا الباب أكثر من أن تحصر في هذا المختصر ، ولكن حسبي أن أورد طرفاً من ذلك لمن أراد السير على هذا الطريق ، والله الهادي إلى سواء سبيل .
…فمن ذلك ما ثبت عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا : "بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع"42 .(1/11)
…ولما طلب عمر بن الخطاب من أبي موسى الأشعري أن يأتيه على ما يقول بشاهد عندما روى له حديث الاستئذان ثلاثاً في القصة المشهورة قال له عمر : "أما إني لم أتهمك ولكن أحببت أن أتثبت"43 .
…قال الإمام الذهبي رحمه الله في تذكرة الحفاظ عن عمر بن الخطاب : "وهو الذي سنَّ للمحدثين التثبت في النقل ، وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب"44 .
…فأنت ترى أن الصحابة رضي الله عنهم ، وهم أزكى وأطهر مجتمع وجد على الأرض يرسمون للأمة مبدأ التثبت بأفعالهم قبل أقوالهم .
…وبهذا الفقه جاء التابعون ، وعلى خطاه ساروا .
…فهذا مالك بن أنس إمام دار الهجرة يجلي لنا هذه القضية بقوله : "اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ، ولا يكون إماماً أبداً وهو يحدث بكل ما سمع"45 .
…وقال عبد الرحمن بن مهدي : "لا يكون الرجل إماماً يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع"46.
…إذاً فقد ظهر لك أن من معالم هذا المنهج ألا يكون المسلم زاملة أخبار ، ووكالة أنباء ، وبوق نقل للشائعات، وما سمعته أذناه لا يقر له قرار حتى تنفرج عنه شفتاه كشأن من تعرفون؟!!
…ويبين الإمام النووي رحمه الله هذه المعالم بقوله تعليقاً على الآثار السابقة : "فيها الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان ، فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن"47.
…وقال أيضاً : "إذا حدث بكل ما سمع كثر الخطأ في روايته فترك الاعتماد عليه والأخذ عنه"48.
…ويبين الإمام الطبري رحمه الله أن هذه الخصلة من صفات الموقنين أهل الإيمان الذين أنعم الله عليهم بذلك فيقول : "وخص الله بذلك القوم الذين يوقنون ، لأنهم أهل التثبت في الأمور ، والطالبون معرفة حقائق الأشياء ، على يقين وصحة"49 .
…وقال الحسن البصري رحمه الله : "المؤمن وقَّاف حتى يتبين"50 .
…وقد قيل : "من كانت فيه ثلاث خصال لم يستقم له أمر : التواني في العمل ، والتضييع للفرص ، والتصديق بكل خبر".(1/12)
…بل يرى الحافظ ابن حجر رحمه الله أن هذا الأمر من لوازم العقلاء ، ويحذر من التساهل في ذلك تحذيراً من العواقب الوخيمة التي تلحق بالقائل والمقول فيه فيقول : "إن الذي يتصدى لضبط الوقائع من الأقوال والأفعال والرجال يلزمه التحري في النقل ، فلا يجزم إلا بما يتحققه ، ولا يكتفي بالقول الشائع ولا سيما إن ترتب على ذلك مفسدة من الطعن في حق أحد من أهل العلم والصلاح ، وإن كان في الواقعة أمر فادح سواء كان قولاً أو فعلاً أو موقفاً في حق المستور فينبغي ألا يبالغ في إفشائه ، ويكتفي بالإشارة لئلا يكون قد صدر منه فلتة ، ولذلك يحتاج المسلم أن يكون عارفاً بمقادير الناس وأحوالهم ومنازلهم فلا يرفع الوضيع ولا يضع الرفيع"51 .
…ويعد الحافظ ابن حبان عدم التثبت من صفات الحمقى الذين يجب الابتعاد عنهم إذ يقول : "من علامات الحمق التي يجب للعاقل تفقدها ممن خفي عليه أمره : سرعة الجواب ، وترك التثبت ، والإفراط في الضحك ، وكثرة الالتفات ، والوقيعة في الأخيار ، والاختلاط بالأشرار"52 .
…فيا ليت من جنَّد نفسه للوقيعة في أهل الخير والفضل ، دون تثبت ومستند يعي ذلك!!
…وإن عدم التثبت قد يؤدي بالشخص للوقوع في الكذب المحرم على الآخرين ، والافتراء عليهم وهو من الظلم المنهي عنه سواء كان يشعر الناقل بذلك أم لا .
…قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "فالكذب على الشخص كله حرام ، سواء كان الرجل مسلماً أو كافراً ، براً أو فاجراً ، لكن الافتراء على المؤمن أشد ، بل الكذب كله حرام"53.
…ويقول أيضاً : "والظلم محرم في كل حال ، فلا يحل لأحد أن يظلم أحداً ولو كان كافراً"54 .
…ويرفع علماؤنا المعاصرون الراية ، ويضربون على الوتر نفسه ، ويسيرون على خطى السابقين الأخيار مرشدين ومحذرين ، فالفقه هو الفقه والمنهجية هي المنهجية .(1/13)
…يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : "من الغلط الفاحش الخطر قبول قول الناس بعضهم ببعض ، ثم يبني عليه السامع حباً وبغضاً ، ومدحاً وذماً ، فكم حصل بهذا الغلط أمور صار عاقبتها الندامة ، وكم أشاع الناس عن الناس أموراً لا حقائق لها بالكلية .. فالواجب على العقل التثبت التحرز وعدم التسرع ، وبهذا يعرف دين العبد ورزانته وعقله"55.
…ويقول الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله محذراً من قبول كل ما يشاع ويقال : "والجماهير دائماً أسرع إلى إساءة الظن من إحسانه .. فلا تصدق كل ما يقال ولو سمعته من ألف فم ، حتى تسمعه ممن شاهده بعينه ، ولا تصدق من شاهد بعينه حتى تتأكد من تثبته فيما يشاهد ، ولا تصدق من تثبت فيما يشاهد حتى تتأكد من براءته وخلوه عن الغرض والهوى"56.
…وإن مما يساعد المسلم على التثبت والتبين أن يسلك منهج السلف في ذلك المبني على أمور منها:
1- طلب الإسناد عند سماع المنقول :
…فالإسناد من خصوصيات هذه الأمة التي امتن الله به عليها دون سائر الأمم ، قال الحافظ بن الصلاح : "أصل الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة ، وسنة بالغة من السنن المؤكدة"57 .
…وقال الإمام القسطلاني : "قال أبو بكر محمد بن أحمد :بلغني أن الله خص هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها من الأمم : الإسناد ، والأنساب ، والإعراب"58 .
…والمقصود بطلب الإسناد في هذا الباب معرفة القائل ومصدر الخبر عند تضارب الشائعات ، ليرد الإنسان عن نفسه التهم ، ويسكت المفتري ، ويتعرى المروجون للأباطيل ، فتسقط الثقة بأخبارهم عند عقلاء القوم ، الباحثين عن الحق والإنصاف .
…لذا توافرت النصوص عن سلفنا الصالح رحمهم الله في الحث على لزوم الإسناد والاهتمام به والمحافظة عليه , فمن ذلك :
…قول عبد الله بن المبارك رحمه الله : "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، فإذا قيل له من حدثك بقي"59 أي أفحم فظل ساكتاً لا يستطيع الجواب .(1/14)
…فتأمل رحمك الله في قوله "لقال من شاء ما شاء" فقد عد الإسناد لجاماً للثرثارين ، وباباً موصداً على المتسرعين ، وحصناً منيعاً في طريق المرجفين ، وبدونه تصبح الأمور خبط عشواء ، وتكون أعراض المسلمين كلأ مباحاً لأصحاب الأهواء ذوي النفوس المريضة ، والمقاصد السيئة ، اللهم سلِّم .
…وقال سفيان الثوري : "الإسناد سلاح المؤمن ، إذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل"60 .
…واشترط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تسمية القائل والناقل ، لإثبات صدق الخبر حيث قال : "من أراد أن ينقل مقالة عن طائفة فليسمِّ القائل والناقل ، وإلا فكل أحد يقدر على الكذب"61 .
…إنها الضوابط الشرعية المبنية على العدل والإنصاف التي لا يعتريها غموض ، أو يشوبها غبش . والاهتمام بالإسناد عند أئمتنا لم يقتصر على الأحاديث والآثار فقط بل حتى في الطرائف والأخبار المستملحة ، ومن ذلك ما ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق : أخبرنا أبو الحسن المظفر بن يحيى الشرابي : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد المرثدي : حدثنا أبو إسحاق الطلحي : حدثني أحمد بن إبراهيم قال دعا إنسان أشعب فقال أشعب : لا والله ما أجيئك ، أنا أعرف الناس بك وكثرة جموعك ، قال له : علي أن لا أدعو أحداً سواك ، فأجابه ، قال : فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم صبي وهو في غرفة فصاح أشعب : أي أبا فلان ، تعال ها هنا من هذا الصبي شرطت عليك أن لا يدخل علينا أحد ، قال : جعلت فداك يا أبا العلاء ، هذا ابني وفيه عشر خصال ، ما هن في صبي؟ قال ك وما هن فديتك؟ قال : لم يأكل مع ضيف قط ، قال : حسبي التسع لك62.
…هذا وإن من يبتلى بالكلام في الناس مع عدم التثبت مآله إلى الندامة والحسرة ، ومهدد بعقوبة في الدنيا قبل الآخرة .(1/15)
…قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى : "ما اعتمد أحد أمراً إذا هم بشيء مثل التثبت ، فإنه متى عمل بواقعة من غير تأمل للعواقب كان الغالب عليه الندم . ولهذا أمر الإنسان بالمشاورة لأن الإنسان بالتثبت يطول تفكيره فتعرض على نفسه الأحوال ، وكأنه شاور ...
…وأشدُّ الناس تفريطاً من عمل مبادرة في واقعة من غير تثبت ولا استشارة خصوصاً فيما يوجبه الغضب ، فإنه بنزقه طلب الهلاك أو استتبع الندم العظيم ، فالله الله ، التثبت التثبت في كل الأمور في عواقبها ، خصوصاً الغضب المثير للخصومة"63.
…بل صرَّح الإمام أحمد بما هو أوضح من ذلك حيث قال : "ما تكلم أحد في الناس إلا سقط وذهب حديثه ، قد كان بالبصرة رجل يقال له الأفطس كان يروي عن الأعمش والناس وكانت له مجالس ، وكان صحيح الحديث ، إلا أنه كان لا يسلم على لسانه أحد ، فهذب حديثه وذِكْرُه.
…وفي رواية الأثرم قال : إنما سقط بلسانه فليس نسمع أحداً يذكره ، وتكلم يحيى بن معين في أبي بدر فدعا عليه ،قال أحمد : فأراه استجيب له .
…
…قال ابن مفلح : والمراد بذلك والله أعلم عدم التثبت والغيبة بغير حق"64 .
…وقال أبو زرعة : كل من لم يتكلم في هذا الشأن على الديانة فإنما يعطب نفسه ، وكان الثوري ومالك يتكلمون في الناس على الديانة فينفذ قولهم ، وكل من يتكلم فيهم على غير الديانة يرجع الأمر عليه65 .
…فهل بعد هذه النصوص والضوابط والتحذيرات من أئمة السلف يطلق عاقل العنان للسانة لتفري في أعراض المسلمين ، لحجة واهية ، أو تأويل متكلف ، أو سوء ظن أو هوى غلاب ، أو طمع في الدنيا؟ لا أظن ذلك كذلك .
…ورحم الله القائل :
لا ترسلنَّ مقالة مشهورة *** لا تستطيع إذا مضت إدراكها
لا تبدينَّ نميمة نبئتها *** وتحفظن من الذي أنباكها66
2- العلم بحال الناقل :(1/16)
…إن من القواعد المعتبرة قبل قبول الخبر من ناقله البحث عن حاله من حيث العدالة والضبط وعدمها ، فإن توفرا قبل ، وإن اختل رُدَّ على قائله ، ولذلك قال الخطيب البغدادي رحمه الله : "إن أهل العلم أجمعوا على أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصادق المأمون على ما يخبر به"67 .
…لذا ينبغي التثبت من اجتماع الأمرين في الناقل قبل قبول خبره وهما :
…1- العدالة : امتثالاً لقوله تعالى : {ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُو?اْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو?اْ}68 ، وقوله تعالى : {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ?لشُّهَدَآءِ}69 . والكافر والفاسق ليسا من أهل الرضى في هذا الشأن ، وقد شدَّد الأئمة رحمهم الله في العدالة ، من حيث شروطها ، وضوابطها وقوادحها ، حتى أن من اطلع على ذلك داخله الشك في عدم وجود العدل المقبول عندهم في هذه الأعصار . فلم يكتفوا باشتراط الإسلام والعقل ، والتمييز في الناقل بل زادوا على ذلك أن يجتنب الكبائر وألا يصر على الصغائر ، وأن يبتعد عن خوارم المروءة ،والمقصود بها ألا يقع الإنسان عامداً في أمر يستنكف عنه أمثاله وأقرانه70.
…2- الضبط : وهو الشرط الثاني في الراوي ليكون ثق في خبره ، والمقصود بالضبط أن يكون الناقل متيقظاً غير مغفل ، حافظاً إن حدث من حفظه ، ضابطاً لكتابه إن حدث من كتابه ، وإذا شارك الرواة المتقنين لم يخالفهم71 .
…فقد يكون الرجل عدلاً مأموناً في دينه لكنه غير ضابط ، إما لسوء حفظ ، أو كثرة وهم ، أو غفلة أو نسيان أو نحو ذلك .
…وتأمل هذه النقولات عن السلف ليظهر لك هذا الأمر جلياً وتستيقن في قرارة نفسك أنه فقه قديم:
…قال ربيعة بن عبد الرحمن : "إن من إخواننا من نرجو بركة دعائه ، ولو شهد عندنا بشهادة ما قبلناها"72 ، فليست العدالة وحدها كافية لقبول الخبر ، إذا كان الناقل ينسى ما يسمعه ، أو يحدث به على غير الوجه الذي صدر كما قال الأول :(1/17)
أقول له سعداً فيسمعها بكراً *** ويحفظها زيداً ويكتبها عمرا
…وقال أبو الزناد : "أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم شيء من الحديث يقال : ليسوا من أهله"73 .
…أما إمام دار الهجرة فإنه يبين هذه المسألة غاية البيان فيقول : "لا يؤخذ العلم من أربعة ويؤخذ عمن سواهم ، لا يؤخذ من رجل صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ، ولا من سفيه معلن بالسفه وإن كان من أروى الناس ، ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه على حديث رسول الله ? ، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة ولا يعرف ما يحدث"74 .
…وثمة أمور نص أئمتنا أنه لا يقبل فيها جرح الجارح ، ويقاس على ذلك ناقل الخطأ ، فمن ذلك :
أ - أن يكون الناقل مجروحاً في نفسه : قال الحافظ ابن حبان : "من المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح"75 .
فهو في نفسه متهم ، فكيف يتحامل على الأخيار الذين هم أوثق منه؟!
…وإليك هذه الأمثلة عن أئمتنا لتتضح القضية ، وترسخ القاعدة :
…في ترجمة عمرو بن سليم الزرقي ، نقل الحافظ ابن حجر أن ابن خراش ضعفه .
…قال الحافظ : "ابن خراش مذكور بالرفض والبدعة فلا يلتفت إليه".
…وردَّ أيضاً تضعيف ابن قانع لمبشر بن إسماعيل الحلبي بأن ابن قانع ليس بمعتمد76 . وفي ميزان الاعتدال في ترجمة السري بن يحيى ، وهو ثقة وثقه أحمد ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة وجمع . قال الذهبي : قال أبو الفتح الأزدي : حديثه منكر ، فآذى أبو الفتح نفسه ، وقد وقف أبو عمر ابن عبد البر على قوله فغضب ، وكتب بإزائه : السري بن يحيى أوثق من مؤلف الكتاب مائة مرة ، يعني الأزدي77 .
…ومن ذلك أن الحافظ ابن حجر في ترجمة أحمد بن شبيب - بعد ما نقل عن الأزدي قوله فيه : "غير مرضي" - قال : "لم يلتفت أحد إلى هذا القول ، بل الأزدي غير مرضي"78 .(1/18)
…وذكر الإمام ابن مفلح في الآداب الشرعية أن أبا قتادة عبد الله بن واقد تكلم في بعض الثقات فتعقبه ابن مفلح بقوله : "أبو قتادة ضعيف متروك ...، ومن هذا حاله لا يحل له أن يتكلم في الجرح والتعديل لا سيما بغير إنصاف فيمن عظمه الأئمة وأثنوا عليه واتفقوا عليه ...إلخ79 .
…وحدث أحمد بن علي الأبار فقال : "رأيت بالأهواز رجلاً خف شاربه ، وأظنه اشترى كتباً وتعبأ للفتيا ، فذكروا أصحاب الحديث فقال : ليسوا بشيء ، وليس يسوون شيئاً ، فقلت له : أنت لا تحسن تصلي . قال : أنا؟ قلت : نعم ، قلت : أيش تحفظ عن رسول الله ? إذا افتتحت للصلاة ورفعت يديك؟ فسكت ، فقلت : وأيش تحفظ عن رسول الله ? إذا وضعت يديك على ركبتيك؟ فسكت ، فقلت : أيش تحفظ عن رسول الله ? إذا سجدت ، فسكت ، فقلت : مالك لا تتكلم ، ألم أقل إنك لا تحسن تصلي ، أنت إنما قيل لك تصلي الغداة ركعتين ، والظهر أربعاً فالزم ذا خير لك من أن تذكر أصحاب الحديث ، فلست بشيءٍ ولا تحسن شيئاً"80.
…فهل يقبل عاقل منصف بعد ذلك قدح مجروح العدالة في أهل العلم والفضل؟! لا أظن ذلك سيما إذا صاحبه سوء قصد وفساد طوية وغلبة هوى .
…ب- الاحتراز من قبول قدح القرين في قرينه المعاصر له:
فالمعاصرة توجب المنافرة في الجملة ، والأقران المتعاصرون يقع بينهم من الحسد والغيرة ما يحول دون العدل والإنصاف في الغالب ، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما : " لا تقبلوا أقوال الفقهاء بعضهم على بعض ، فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة"81 .
…وقال مالك بن دينار : "يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء إلا قول بعضهم في بعض فلهم أشد تحاسداً من التيوس"82 .
…وهذه القضية واضحة لكل منصف متجرد عن الهوى ، والواقع يشهد لها ، وكتب التراجم تحمل بين طياتها جملاً من هذا الضرب ، ولهذا لم يعتد الأئمة بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض .(1/19)
…قال الإمام الذهبي في ترجمة عفان الصفار : "كلام النظير والأقران ينبغي أن يتأمل ويتأني فيه"83 .
…ويقول أيضاً : "كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة ، أو لمذهب أو لحسد ، وما ينجو منه إلا من عصم الله ، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين ، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس ، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا"84 .
…ويقول الحافظ ابن حجر : "إن كلام الأقران غير معتبر في حق بعضهم بعضاً إذا كان غير مفسر"85 ، وهذه القاعدة من قواعد العدل والإنصاف التي امتثلها علماؤنا في النواحي التطبيقية تنبيهاً لمن يأتي بعدهم .
…قال الحافظ الذهبي في ترجمة محمد بن إسحاق المعروف بابن منده الأصبهاني : "أقذع الحافظ أبو نعيم في جرحه لما بينهما من الوحشة ، ونال منه واتهمه فلم يلتفت إليه لما بينهما من العظائم نسأل الله العفو ، فلقد نال ابن منده من أبي نعيم وأسرف أيضاً"86 .
…وقال في ترجمة أبي الزناد عبد الله بن ذكوان : "لا يسمع قول ربيعة فيه ، فإنه كان بينهما عداوة ظاهرة"87 .
…قال السبكي رحمه الله : "... وإياك ثم إياك أن تصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة والثوري ، أو بين مالك وابن أبي ذئب ، أو بين أحمد بن صالح والنسائي ، أو بين أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وهلم جرا إلى زمن العز بن عبد السلام والتقي ابن الصلاح ، فإنك إن شغلت بذلك خفت عليك الهلاك ، فإن القوم أئمة أعلام ولكل منهم محامل ، وربما لم نفهم بعضها ، فليس لنا إلا الترضي عنهم والسكوت عما جرى بينهم"88 .
…ولعل من القرائن التي يعرف بها أن كلام القرين في قرينه هو من باب الحسد والتحامل لا من باب العدل والإنصاف ما يلي :
…- الغضب الشديد ساعة صدور كلام العالم في آخر :(1/20)
…قال ابن عبد البر : "وقد كان بين أصحاب رسول الله ? وجلة العلماء عند الغضب كلام هو أكثر من هذا ، ولكن أهل العلم والميزان لا يلتفتون إلى ذلك ؛ لأنهم بشر يغضبون ويرضون ، والقول في الرضا غير القول في الغضب ، ولقد أحسن القائل : لا يعرف الحلم إلا ساعة الغضب"89 .
…- وجود المنافسة في البلد أو التخصص العلمي :
…عليه يحمل طعن ابن أبي ذئب على الإمام مالك فإنهما جميعاً كانا عالمي المدينة في زمانهما"90.
…- الاختلاف المذهبي :
…وهذا واقع بين العلماء ، فقد يكون اختلاف المذهب سبباً في الطعن ، قال ابن عدي في كلامه على أبي بشر الدولابي : "هو متهم فيما يقوله في نعيم بن حماد لصلابته في أهل الرأي"91 .
…- وجود الإحن والشحناء والمخاصمات :
…قال الإمام الذهبي : "لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر ، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينه وبينه شحناء وإحنة ، وقد علم أن كثيراً من كلام الأقران بعضهم في بعض مهدر لا عبرة به ، لا سيما إذا وثق الرجل جماعة ، يلوح على قولهم الإنصاف"92 .
…فقد ظهر مما سبق أن الواجب على المسلم أن يتأنى ويتبصر عند سماع تخطئة أو رد من عالم على آخر ، أو من أحد طلبة العلم على أخيه ، ولا يتعجل في قبول ما يصدر من ذلك ، وينبغي له أن يسمع وجهة الطرفين ، فربما يكون الآخر قد فقئت عيناه جميعاً ، فإذا ظهر له أن للحسد نصيباً فيما صدر ، وأن القضية من قبيل كلام الأقران المتعاصرين بعضهم في بعض فليتوقف عند ذلك ، ويعامل كل طرف بما هو أهله دون النظر لما يثار وينقل ، وليمتثل قوله تعالى : {وَ?لَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ?غْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ?لَّذِينَ سَبَقُونَا بِ?لإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}93 .(1/21)
…على أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها ، فقد يكون كلام القرين في قرينه من أوثق ما يقبل ، وذلك إذا خلا عن تعصب وحسد ، واقترن بالبينة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، ولم يكن ثمة تحامل وأيد ذلك العقلاء المنصفون ، فعند ذلك يقدم كلام القرين على غيره ؛ لأنه شاهد الواقعة وعاصرها .
…قال الإمام الشافعي : "وأما الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول : كفُّوا عن حديثه ، لأنه يغلط أو يحدث بما لا يسمع ، وليست بينه وبين الرجل عداوة فليس هذا من الأذى الذي يكون به القائل لهذا فيه مجروحاً عنه لو شهد بهذا عليه ، إلا أ، يعرف بعداوة له فترد بهذه العداوة لا بهذا القول"94 .
3- العلم بحال المنقول فيه :
…والأصل في هذا الأدلة الشرعية الواردة في تقدير أهل الفضل والعلم ، وإنزالهم منازلهم ، فقد فقه أئمتنا هذه القضية فتوقفوا في قبول كثير من التهم نظراً لحال المنقول فيه ، وإن قبلوا شيء من ذلك غمروه في بحر حسناته كما سيأتي .
…قال أبو عمر ابن عبد البر القرطبي : "... هذا باب غلط فيه كثير من الناس وضلَّت به نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك ، والصحيح في هذا الباب : أن من صحَّت عدالته وتثبت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم ، لم يُلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب قوله من جهة الفقه والنظر . وأما من لم تثبت إمامته ولا عُرفت عدالته ، ولا صحت لعدم الحفظ والإتقان روايته: فإنه ينظر فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه ، ويجتهد في قبول ما جاء به على حسب ما يؤدي النظر إليه .(1/22)
…والدليل على أنه لا يقبل فيمن اتخذه جمهور من جماهير المسلمين إماماً في الدين قول أحد من الطاعنين : إن السلف رضوان الله عليهم قد سبق من بعضهم في بعض كلام كثير في حال الغضب ، ومنه على جهة التأويل مما لا يلزم القول فيه ما قاله القائل فيه ، وقد حمل بعضهم على بعض بالسيف تأويلاً واجتهاداً لا يلزم تقليدهم في شيء منه دون برهان ولا حجة توجبه ..."95.
…قال الإمام السبكي :"والحذر الحذر من هذا الحسبان ، بل إن الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته ، وكثر مادحوه ومزكوه ، وندر جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة ، ولو فتحنا هذا الباب وأخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة ، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون"96 .
…فمن الأمثلة على ذلك:
…أجمع النقَّاد على توثيق قيس بن أبي حازم حتى قالوا عنه : "كاد أن يكون صحابياً" ، إلا أن بعض النقاد تكلموا فيه فقال الإمام الذهبي : "أجمعوا على الاحتجاج به ، ومن تكلم فيه فقد آذى نفسه ، نسأل الله العافية وترك الهوى"97 .
…ولما أورد العقيلي علي ابن المديني الإمام الحجة الحافظ في الضعفاء قال الذهبي : "ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء فبئس ما صنع ...، ولو تركت حديث علي وصاحبه محمد وشيخه عبد الرزاق وعثمان بن أبي شيبة ...، لغلقنا الباب ، وانقطع الخطاب ولماتت الآثار واستولت الزنادقة ولخرج الدجال ، أفمالك عقل أي عقيلي ، أتدري فيمن تتكلم ...، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات ، بل أوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك ...إلخ"98 .(1/23)
…وقال أيضاً في ترجمة صاحب الأندلس الناصر لدين الله: "وقد كنت ذكرت ترجمته مع جدهم فأعدتها بزوائد وفوائد ، وإذا كان الرأس عالي الهمة في الجهاد احتملت له هنات وحسابه على الله ، أما إذا أمات الجهاد وظلم العباد وللخزائن أباد فإن ربك لبالمرصاد"99.
…وقال الحسين الكرابيسي : "مَثَلُ الذين يَذْكرون أحمد بن حنبل مَثَلُ قومٍ يجيئون إلى أبي قبيس يريدون أن يهدموه بنعالهم"100 .
…وقال الإمام الذهبي في ترجمة الإمام الشافعي - رحمه الله - : "ونال بعض الناس منه غضاً فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة ، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى ، وقلَّ من برز في الإمامة ورَدََّ عل من خالفه إلا عودي ، نعوذ بالله من الهوى"101 .
…وقال أيضاً في ترجمة الفضيل بن عياض - رحمه الله - : "قلت : إذا كان مثل كبراء السابقين قد تكلم فيهم الروافض والخوارج ومثل الفضيل يُتكلم فيه ، فمن الذي يسلم من ألسنة الناس؟ لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله ، لم يضره ما قيل فيه ، وإنا الكلام في العلماء يفتقر إلى وزن بالعدل والورع"102 .
…وقال الإمام السبكي: "عرفناك أن الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسَّره ، في حق من غلبت طاعته على معاصيه ، ومادحوه على ذاميه ، ومزكوه على جارحيه ، إذا كانت هناك منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء أو غير ذلك"103 .
…ولك بعد ذلك أن تعجب من تطاول غلمان صغار على أفاضل أفنوا حياتهم في خدمة الدين ، وقضوا أعمارهم في درب الدعوة والجهاد ، فما مثلهم وهؤلاء إلا كما قال الأول :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
…وقول الآخر:
يا ناطح الجبل العالي ليكلمه *** أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل(1/24)
…إن هذا الضرب من الشباب الذين لم يتأدبوا بآداب الإسلام لا يضرون إلا أنفسهم ، ولا تكون الدائرة إلا عليهم كما قال ابن ناصر الدين : "لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أعراض منتقصيهم معلومة ، ومن وقع فيهم بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب"104.
…ورحم الله إبراهيم بن أدهم إذ يقول : "كنا إذا رأينا الشاب يتكلم مع المشايخ في المسجد أيسنا من كل خير عنده"105 ، أي يناظرهم ويجادلهم ، فإذا كان اليهود والنصارى والبوذيون يجلُّون ويقدرون علماءهم إلى درجة التقديس ...
…أفلا يليق بنا أن نحترم علماءنا وهم ورثة الأنبياء؟!!!
…وهل نقبل بعد ذلك قدح الصغار في الكبار ؟!
…وكلام القاعدين في المجاهدين؟
…لا أظن عاقلاً يقبل ذلك .
…ولله در الإمام ابن جرير عندما يقول : "لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ، ثبت عليه ما دعي به ، وسقطت عدالته ، وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار ، لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه"106 .
…وقال الإمام الذهبي رحمه الله : "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفور له ، قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ولا من هو أكبر منهما ، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة"107.
…وقال في ترجمة الإمام ابن خزيمة - رحمه الله - : "ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده - مع صحة إيمانه ، وتوخيه لاتباع الحق - أهدرناه وبدعناه ، لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه"108 .
…4- العلم بطبيعة الخطأ المنقول:
…من القواعد المعتبرة أن التخطئة للآخرين ينبغي أن تكون مبنية على الدليل الشرعي مع وضوح البينة ، ولا ينبغي أن يصدر ذلك عن جهل أو أهواء وأمزجة .(1/25)
…إذا تقرر هذا فعندما يُنْقل خطأ عن شخص ما ، عالم أو غير عالم ، تتوارد على الذهن السليم احتمالات شتى ، من ذلك أن يكون الخطأ غير خطأ عند التحقيق ، فإن البعض قد يخطئ الآخرين بما يظنه خطأ ، وقد أورد أئمة الجرح والتعديل في مصنفاتهم فصلاً عمن جرح غيره بما ليس بجارح .
…ومن ذلك ما بلغ الشافعي رحمه الله أن رجلاً آخر فسأله عن السبب فقال : رأيته يبول قائماً ، قيل له : وما في ذلك ما يوجب الجرح؟ فقال : لأنه يقع الرشش وعلى ثوبه ثم يصلي ، فقيل له : هل رأيته يصلي؟ قال : لا ، ولكن أظنه سيفعل109.
…ومن ذلك أن شعبة بن الحجاج ترك الرواية عن رجل فقيل له : لم تركت حديث فلان؟ فقال : رأيته يركض على برذون فتركته110 ، ومن المعلوم أن هذا ليس بجرح موجب لتركه .
…ومن ذلك أن الحكم بن عتيبة سئل : لِم لم ترو عن زاذان؟
…قال : كان كثير الكلام111 .
…فإذا كانت هذه الأمور لم تقبل عند أئمة الجرح والتعديل ففي غير رواة الحديث من باب أولى ؛ لأن رواية الحديث أشد تحرزاً من غيرها .
…وضرب آخر يخطئ غيره بحسب فهمه ، والأفهام تتفاوت فقد يكون فهم فهماً غير صحح كما قيل:
وكم من عائب قولاً صحيحاً *** وآفته من الفهم السقيم
…أو يكون جاهلاً بحقائق أقوال الناس وعدم فهمها على وجهها ، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - : "وكثيرٌ من الناقلين ليس قصده الكذب ، لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم ، وسائر ما به يُعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس ، ويتعذر على بعضهم"112 .
…وقال السبكي رحمه الله : "فكثيراً ما رأيت من يسمع لفظةً فيفهمها على غير وجهها ، فيُغير على الكتاب والمؤلف ومن عاشره واستنَّ بسنته ... مع أن المؤلف لم يُرد ذلك الوجه الذي وصل إليه هذا الرجل"113 .(1/26)
…وقد تكون التخطئة للآخرين في المسائل الخلافية الاجتهادية التي يكون الخلاف فيها سائغاً ، وإنما يخطئ غيره في هذه المسائل أحد رجلين : رجل جاهل بقضايا الخلاف ، واختلاف وجهات النظر ، واجتهادات الأئمة فهو كما قال سحنون بن سعيد : "يكون عند الرجل باب واحد من أبواب العلم فيظن العلم كله عنده"114 .
…ولقد رأينا من يتطاول على غيره ويتهمه بالبدعة والفسوق ، ولو سألته عن فروض الوضوء وأركان الصلاة وشروط لا إله إلا الله ما أجابك بحرف من ذلك .
…بل لو سألته عن معنى البدعة والفرق بينهما وبين الفسوق لما أجاب .
…ورجل آخر احتكر الصواب فشعاره : قولي صواب لا يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب .
…ولو تأملنا أقوال الأئمة في هذه المسألة لوجدنا فيها الغنية فمن ذلك :
…قال سفيان الثوري : "إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه"115 .
…وقال أيضاً : "ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحداً من إخواني أن يأخذ به"116 .
…وقال الإمام أحمد : "من أفتى الناس ليس ينبغي أن يحمل الناس على مذهبه ويشدد عليهم"117.
…ويؤكد هذا الإمام النووي بقوله : "إن المختلف فيه لا إنكار فيه ، ولكن إن ندبه على وجه النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق"118 .
…وقال ابن قدامة المقدسي : "لا ينبغي لأحد أن ينكر على غيره العمل بمذهبه فإنه لا إنكار على المجتهد"119 .
…وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في جامع العلوم والحكم عند شرحه لحديث "من رأى منكم منكراً فيلغيره...":
…"والمنكر الذي يجب إنكاره ما كان مجمعاً فأما المختلف فيه فمن أصحابنا من قال لا يجب إنكاره على من فعله مجتهداً أو مقلداً لمجتهد تقليداً سائغاً..."120 .
…وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - : "مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر ، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه"121.(1/27)
…وقال أيضاً : "إن ما فيه خلاف إن كان الحكم المخالف يخالف سنة أو إجماعاً وجب الإنكار عليه وكذلك يجب الإنكار على العامل بهذا الحكم وإن كانت المسألة ليس فيها سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ فإنه لا ينكر على المخالف لرأي المنكر ومذهبه"122 .
…ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى في آخر كتاب الروح "والفرق بين الحكم المنزل الواجب الاتباع والحكم المؤول الذي غايته أن يكون جائز الاتباع ،أن الحكم المنزل هو الذي أنزله الله على رسوله وحكم به بين عباده وهو حكمه الذي لا حكم سواه .
…وأما الحكم المؤول فهو أقوال المجتهدين المختلفة التي لا يجب اتباعها ولا يكفر ولا يفسق من خالفها ، فإن أصحابها لم يقولوا هذا حكم الله ورسوله ، بل قالوا اجتهدنا برأينا فمن شاء قبله ومن شاء لم يقبله ، ولم يلزموا به الأمة ، بل قال أبو حنيفة : "هذا رأيي فمن جاءني بخير منه قبلناه" ولو كان هو عين حكم الله لما ساغ لأبي يوسف وغيرهما مخالفته فيه"123
…ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالته إلى علماء مكة : "... ثم اعلموا وفقكم الله إن كانت المسألة إجماعاً فلا نزاع ، وإن كانت مسائل اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في من يسلك الاجتهاد"124.
…فقط ظهر مما سبق أن المسائل الخلافية الاجتهادية لا إنكار فيها .
…على أنه ينبغي التنبيه في هذه المسألة لقضية مهمة وهي أن بعضاً من الناس يفهم هذه القاعدة على إطلاقها فيقول : لا إنكار في المختلف فيه ، وهذه قاعدة موسعة وضع لها الأئمة ضوابط وقيوداً كي لا يجيرها أهل الزيغ والأهواء والضلال ويستخدموها من أجل نشر مذاهبهم الضالة ، فمن تلك القيود:
…1- أن المبتدع لا يدخل في هذه القاعدة بل يجب الإنكار عليه وبيان بدعته على قدر الاستطاعة سواء كانت بدعته في الأصول أو الفروع شريطة ثبوت بدعته بالأدلة الشرعية ، وأن تقام عليه الحجة ويصر عليها125 .(1/28)
…2- أن من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه إما لهوى في نفسه أو إرضاءً لغيره أو نحو ذلك فإنه يعامل بما يعامل به أهل البدع من وجوب الإنكار والهجر والتأديب ونحو ذلك126.
…3- أن من يأخذ بالقول المرجوح أو الضعيف في أي مسألة من المسائل المتعلقة بالأحكام الشرعية فإنه يجب الإنكار عليه بالطريقة التي تناسب حال الفعل ، وبما يؤدي إلى تحقيق الغرض من الإنكار ، وقد ذم شيخ الإسلام المنحرفين عن منهج الأئمة الذين يتمسكون بالأقوال المرجوحة127 .ا.هـ.
…وقد يكون مخطئاً لكنه معذور في ذلك إما لكونه جاهلاً يحتاج إلى تعليم كما حدث في قصة معاوية بن الحكم السلمي عندما تكلم في صلاته كيف أن النبي ? لم يزجره ولم يعبس في وجهه ولم يشتمه بل قال له : "... إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"128 .
…فالجاهل يحتاج إلى تعليم ، وصاحب الشبهة يحتاج إلى بيان ، والغافل يحتاج إلى تذكير ، والمصرّ يحتاج إلى وعظ ، فلا يسوغ أن يسوى بين العالم بالحكم والجاهل به في المعاملة والإنكار ، بل إن الشدة على الجاهل كثيراً ما تحمله على النفور ورفض الانقياد بخلاف ما لو علّمه أولاً بالحكمة واللين ؛ لأن الجاهل عند نفسه لا يرى أنه مخطئ ، فلسان حاله يقول لمن يُنكر عليه : أفلا علمتني قبل أن تهاجمني129 .
…وقد يكون المخطئ لم يبلغه الدليل .
…أو بلغه لكن لم يثق بقائله .
…أو بلغه ونسيه .
…أو بلغه وفهم منه خلاف المراد .
…أو بلغه وهو منسوخ ولم يعلم بالناسخ .
…أو يعتقد أنه معارض بما هو أقوى منه من نص أو إجماع .
…إلى غير ذلك من الأسباب التي نص عليه الأئمة130.(1/29)
…وبالجملة فإن التثبت دليل تقوى الرجل وخوفه من الله تعالى ، ولذلك كان السلف يمدحون المتثبت المتوثق في أمور الحكم على الأشخاص ، قال الإمام أحمد بن حنبل : "ما رأيت رجلاً أوزن بقوم من غير محاباة ، وأشد تثبتاً في أمور الرجال من يحيى بن سعيد"131.
…وبناءً على ما سبق نلحظ أن التثبت سنة جارية في كل حال ، إلا أنه يتأكد في حالتين :
…الأولى : وجود قرينة تشكك في الخبر ، مثل : فسق القائل أو غرابة القول أو كونه مناقضاً لأصل تأكد وثبت بدليل قاطع .
…الثانية : وقوع الفتن والشرور ، واضطراب الأحوال وتبلبل الأذهان ، فإن ذلك إذا وقع في زمان ما أوجب التثبت والتبين لما يستدعيه زمن الفتن والشرور من كثرة الكذب والافتراء132 .
المبحث الثاني
إحسان الظن وحمل الكلام على المحمل الحسن ما دام يحتمل ذلك
…إن من القواعد المهمة ، والآداب الراقية التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم عندما يتعامل مع أخطاء إخوانه المسلمين حسن الظن بهم ، وحمل أمرهم على السلامة والستر ما لم يأته ما يغلبه ، وذلك قبل الحكم عليهم بالخطأ ، وذلك لما يلي :
…1- أن هذا المنهج هو الذي توافرت على تقريره النصوص الشرعية
…قال تعالى : {ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُواْ ?جْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ?لظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ?لظَّنِّ إِثْمٌ}133 .
…وقال تعالى : {لَّوْلا? إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ?لْمُؤْمِنُونَ وَ?لْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـ?ذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ}134 .
…قال رسول الله ? : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"135 .
…وقال : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ،ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف راحلته"136 .(1/30)
…وقد حث الصحابة والتابعون الأمة على اتباع هذا المنهج . فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : "ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا شراً ، وأنت تجد لها في الخير محملاً"137 .
…وعن سعيد بن المسيب قال : "كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله ? "أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتيك ما يغلبك ، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً ..."138 .
…وقال أبو قلابة الجرمي : "إذا بلغك عن أخيك شيئاً تكرهه فالتمس له عذراً جهدك ، فإن لم تجد له عذراً فقل : لعل لأخي عذراً لا أعلمه"139 .
…وبسلوك هذا المنهج وصلوا رحمهم الله إلى سلامة الصدر - التي عزَّ وجودها - والتي كانت منقبة عندهم يمدحون من اتصف بها ، ويحمدون الله تعالى على بلوغها .
…فهذا زيد بن أسلم يحدثنا عن أبي دجانة رضي الله عنه أنه دخل عليه مرة وهو مريض وكان وجهه يتهلل ، فقيل له : ما لوجهك يتهلل؟ فقال : ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني ، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً"140 .
…وقال إياس بن معاوية : "كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم غيبة"141 .
…وقال الفضيل بن عياض : "لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صلاة ولا صيام ، وإنما أدرك بسخاء النفس وسلامة الصدر والنصح للأمة"142 .
…فهل يظن منصف بعد تلك النقول المشرفة أن الدعوة إلى إحسان الظن منهج مخترع لم يسبق إليه؟!!
…2- إن هذا المنهج هو الذي سار عليه السلف وامتثلوه في حياتهم العملية راسمين لنا صوراً مشرقة في التعامل مع الآخرين ، فمن ذلك :
…أن الربيع بن سليمان أحد تلاميذ الإمام الشافعي دخل على الشافعي ذات يوم يعوده من مرض ألم به فقال له : "قوَّى الله ضعفك ، فقال الشافعي : لو قوَّى ضعفي لقتلني ، فقال الربيع : والله ما أردت إلا الخير ،فقال الشافعي : أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير..."143 .(1/31)
…وهذا أبو إسحاق الشيرازي نزع عمامته ذات مرة وكانت بعشرين ديناراً ، وتوضأ في دجلة ، فجاء لص فأخذها وترك عمامة رديئة بدلها ، فطلع الشيخ فلبسها وما شعر حتى سألوه وهو يدرس فقال : لعل الذي أخذها محتاج144 .
…وقرأ عثمان بن أبي شيبة: جعل السفينة في رحل أخيه فقيل له : إنما هو السقاية فقال : أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم . علق الإمام الذهبي على ذلك بقوله : فكأنه كان صاحب دعابة ، ولعله تاب وأناب145 .
…وهكذا ينبغي أن يكون النظر لأهل الفضل والخير ، وهذا من فقه المقاصد والنيات الذي يجهله كثير من الناس عندما يحكمون على الآخرين بالنظر إلى الخطأ مجرداً عن حال الشخص ونيته ومقصده ، فربما تكون زلة لسان ولا يقصد المعنى الخبيث ، كما بين ذلك ابن القيم رحمه الله حيث يقول : "والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما أعظم الباطل ، ويريد بها الآخر محض الحق ، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عنه"146 .
…ولهذا لم يحكم بالكفر على الذي أخطأ من شدة الفرح فقال : "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" ؛ لأنه لم يقصد تأليه نفسه .
…ومن تلك الأمثلة الرائعة أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما حكى مقالة الجنيد "التوحيد إفراد القدم من الحدث" قال شيخ الإسلام : "قلت: هذا الكلام فيه إجمال ، والمحق يحمله محملاً حسناً ، وغير المحق يدخل في أشياء..." ، وأما الجنيد فمقصوده التوحيد الذي يشير إليه المشايخ ، وهو التوحيد في القصد والإرادة ، وما يدخل في ذلك من الإخلاص والتوكل والمحبة ، وهو أن يفرد الحق سبحانه - وهو القديم - بهذا كله فلا يشركه في ذلك محدث"147 .(1/32)
…فانظر - رحمك الله - إلى هذا العدل والإنصاف الذي سار عليه هؤلاء الأعلام ، وكيف حملوا العبارات المحتملة على المحامل الحسنة ، مع إمكانهم أن يحملوها على المحمل الآخر ، لكن سلامة الصدر وسخاء النفس والنصح للأمة تأبى عليهم ذلك ، فليت من يتصيدون الأخطاء ، ويفرحون بالعثرات ويعاملون العلماء الدعاة بسوء الظن يفقهون هذا المنهج .
…ورحم الله القلاعي إذ يقول : "فقد يوحش اللفظ وكله ود ، ويكره الشيء وليس من فعله بد ، هذه العرب تقول : لا أبا لك في الأمر إذا هم ، وقاتله الله ولا يريدون الذم ، وويل أمه للأمر إذا تم ، ومن الدعاء : تربت يمينك ، ولذوي الألباب أن ينظروا في القول إلى قائله ، فإن كان ولياً فهو الولاء وإن خشن ، وإن كان عدواً فهو البلاء وإن حسن"148.
* * *
الفصل الثاني
عند ثبوت الخطأ
…إذا سلك المسلم الوسائل السابقة في التثبت وظهر له أن الخطأ واقع فكيف يتعامل معه بعد ثبوته؟
…إن المتأمل في النصوص الشرعية الواردة في ذلك يجد أن معالجة الخطأ قائمة على أمرين هما
…1- النصح .
…2- الستر .
…وسيكون الحديث عن هذين الأمرين في المباحث التالية :
المبحث الأول
النصح والتوجيه
…إن من حق المسلم على أخيه المسلم أن ينصح له إذا رأى منه خطأ أو عيباً وذلك امتثالاً للأحاديث والآثار الوارد في ذلك ، فمنها حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي ? قال : "الدين النصيحة ، قلنا : لمن؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"149 .
…وحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : "بايعت رسول الله ? على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم"150 .
…إذاً فالنصح حق واجب وهو دليل على صدق الإخاء كما قال بلال بن سعد رحمه الله : صديق إذا لقيك أخبرك بعيب فيك خير من صديق إذا لقيتك وضع في يدك درهمين"151.(1/33)
…بل كانوا يسألون غيرهم النصح والتوجيه كما قال بلال ابن سعد لأحد إخوانه : "أي أخي بلغنا أن المؤمن مرآة أخيه فهل تستريب من أمري شيئاً"152 .
…وكان عمر بن عبد العزيز يطلب النصيحة من عمرو بن مهاجر فيقول له : "يا عمرو ، إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلابيبي ثم هزني ، ثم قل لي : ماذا تصنع؟"153 .
…ويدخل تحت هذا المبحث مطالب هي بمثابة منائر في طريق النصح فمن ذلك :
1- إخلاص النية والقصد عند النصح والتوجيه فإنما الأعمال بالنيات:
…قال الحافظ ابن رجب : "وأما في باطن الأمر فإن كان مقصوده في ذلك مجرد تبين الحق ، ولئلا يغتر الناس بمقالات من أخطأ في مقالاته ، فلا ريب أنه مثاب على قصده ، وندخل بفعله هذا بهذه النية في النصح لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم ، وأما إن كان مراد الراد بذلك إظهار عيب من رد عليه وتَنَقُّصَه وتبيين جهله وقصوره في العلم ونحو ذلك كان مجرماً ، سواء كان رَدُّه لذلك في وجه من ردَّ عليه أو في غيبته ، وسواء كان في حياته أو بعد موته ، وهذا داخل فيما ذمه الله تعالى في كتابه وتوعد عليه في الهمز واللمز ، وداخل أيضاً في قول النبي ? : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته"154 إلى أن قال : "ومن عرف منه" أنه أراد برده على العلماء النصيحة لله ورسوله فإنه يجب أن يعامل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمة المسلمين ، ومن عرف منه أنه أراد برده عليهم التنقص والذم وإظهار العيب فإنه يستحق أن يقابل بالعقوبة ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة"155 .(1/34)
…قال الشيخ مرتضى الزبيدي في مبحث جواز غيبة الفاسق: "إنَّ ذكر الفاسق بما فيه ليحذره الناس : مشروط بقصد الاحتساب وإرادة النصيحة دفعاً للاغترار به ، فمن ذكر أداً من هذا الصنف تشفياً لغيظه أو انتقاماً لنفسه أو لنحو ذلك من الحظوظ النفسانية فهو آثم . صرَّح بذلك تاج الدين السبكي عن والده تقي الدين ابن السبكي ، قال تاج الدين : كنت جالساً بدهليز دارنا ، فأقبل كلب ، فقلتُ : اخسأ كلبَ بنَ كلب ، فزجرني والدي من داخل البيت ، فقلت : أليس هو كلبَ بن كلب؟ قال : شرْطُ الجواز عدَمُ قصد التحقير ، فقلت : هذه فائدة"156 .
…وبعد إخلاص النية والمقصد عليه اتباع الوسائل والأساليب الشرعية في معالجة الخطأ ، فمن ذلك :
2- الهدوء في التعامل مع المخطئ وإظهار الرحمة به:
…بعد إخلاص النية والمقصد ، على الناصح اتباع الوسائل والأساليب الشرعية ومنها الهدوء في التعامل للوصول إلى الهدف الأسمى من النصح وهو إخراجه من دائرة الخطأ إلى دائرة الصواب والخير ، فالناصح الصادق يتعامل مع المخطئ تعامل الطبيب المريض لا تعامل الشرطي مع اللص ، ولعل في هذين الموقفين من سيرة النبي ? ما يجلي لنا ذلك:
…عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله ? إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله ? مَهْ مَهْ! قال : قال رسول الله ? : "لا تُزْرِمُوهُ دعوه" فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله ? دعاه فقال له : "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر ، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن" ، قال : فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوٍ من الماء فشَنّهُ عليه157 .(1/35)
…وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : بينما نحن جلوس عند النبي ? إذ جاء رجل فقال : يا رسول الله هلكت ، قال "مالك؟ قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم ، فقال رسول الله ? : "هل تجد رقبة تعتقها" ، قال : لا ، قال : "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين" ، قال : لا ، فقال : "فهل تجد إطعام ستين مسكيناً" ، قال : لا ، قال : فمكث النبي ? فبينما نحن على ذلك أتى النبي ? بعَرَقٍ فيها تمر - والعَرَقُ المِكْتَلُ- قال : "أين السائل؟" فقال : أنا ، قال : "خذها فتصدق به" ، فقال الرجل : أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابَتَيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي . فضحك النبي ? حتى بدت أنيابه ثم قال : "أطعمه أهلك"158 .
3- إرشاد المخطئ وإِعانته على تصحيح خطئه ، وتعليمه عملياً إذا اقتضى ذلك:
…ومن الأمثلة على ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وكان مع رسول الله ? قال : فدخل النبي ? فرأى رجلاً جالساً وسط المسجد مُشبِّكاً بين أصابعه يُحَدِّثُ نفسه ، فَأومأ إليه النبي ? ، فلم يفطن ، قال : فالتفت إلى أبي سعيد فقال : "إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه فإن التشبيك من الشيطان ، فإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه"159 .
…ومن الأمثلة أيضاً قصة المسيء صلاته حيث أرشده النبي ? إلى الصفة الشرعية للصلاة ، وذلك بعد أن طلب منه أن يعيد الصلاة مراراً وفي كل مرة يقول له : "ارجع فصل فإنك لم تصلِّ"160 .
…وقد يقتضي إرشاد المخطئ إعانته على تصحيح خطئه كما في قصة الأعرابي الذي واقع امرأته في نهار رمضان كما تقدم .(1/36)
…وقد يضطر الناصح إلى تعليم المخطئ عملياً ، لما للتعليم العملي من قوة في التأثير على التعليم النظري ، ولعل من أمثلة ذلك ما رواه جبير بن نفير عن أبيه أنه قدم على رسول الله ? فأمر له بوَضوء فقال : "توضأ يا أبا جبير" ، فبدأ أبو جبير بفيه ، فقال له رسول الله ? : "لا يبتدئ بفيك يا أبا جبير ، فإن الكافر يبتدئ بفيه" ، ثم دعا رسول الله ? بوَضوء ، فغسل كفيه حتى أنقاهما ، ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه ثلاثاً ، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً ، واليسرى ثلاثاً ، ومسح رأسه وغسل رجليه161 .
4- تقديم البدائل الصحيحة للخطأ:
…وهذا ليس شرطاً لترك الخطأ بل ينبغي على المؤمن أن يوطن نفسه على الامتثال للحق دون اشتراط البدائل ؛ فإن أصحاب النبي ? لما نزل عليهم قوله تعالى : {يَـ?أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ?لْخَمْرُ وَ?لْمَيْسِرُ وَ?لأَنصَابُ وَ?لأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ?لشَّيْطَانِ فَ?جْتَنِبُوهُ...}الآيات .
…قالوا : انتهينا ربنا ، انتهينا ربنا ولم يشترطوا البديل ؛ لأن تقديم البديل هو بحسب القدرة والإمكان ، فقد يكون الأمر أحياناً خطأ يجب الامتناع عنه ، ولا يوجد في الواقع بديل مناسب . على أن إيجاد البديل المناسب أفضل وأشمل وألصق بالطريقة الشرعية في إيجاد البدائل ، فإن الشريعة لما حرمت بعض الأمور الجاهلية أوجدت البدائل ، فشعرت النكاح لما حرمت الزنا وأباحت البيع لما حرمت الربا ...إلخ .
… ومن الأمثلة على إيجاد البدائل ما يلي:(1/37)
…عن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع النبي ? في الصلاة فقلنا : السلام على الله من عباده ، السلام على فلان وفلان (وفي رواية النسائي السلام على جبريل ، السلام على ميكائيل) فقال النبي ? : "لا تقولوا السلام على الله ، فإن الله هو السلام ، ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ،السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو"162 .
…ومثال آخر : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاء بلال إلى النبي ? بتمر بَرْنِيٍّ فقال له النبي ? : "من أين هذا؟" قال بلال : كان عندنا تمر رَدِيٌّ ، فبعتُ منه صاعين بصاع لِنُطْعِمَ النبي ? ، فقال النبي ? عند ذلك "أوَّه أوَّه ! عينُ الربا لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتَرِه"163 .
5- تأديب المخطئ إذا استلزم الأمر ذلك:
…فالناصح أشبه ما يكون بالطبيب يختار من العلاج ما يناسب حال المريض ، وقد لا يزول المرض إلا بشيء من الشدة والغلظة فكذلك الناصح .
…ومن الأساليب النبوية في ذلك:
…إظهار الغضب من المخطئ كما في حديث أبي مسعود الأنصاري قال : جاء رجل إلى رسول الله ? فقال : يا رسول الله إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا فيها ، فما رأيت النبي ? أشد غضباً في موعظةٍ منه يومئذ ، ثم قال : "يا أيها الناس إن منكم منفِّرين فأيكم ما صلى بالناس فليوجز فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة"164 .
…ومن ذلك عتاب المخطئ كما حصل في قصة حاطب رضي الله عنه .(1/38)
…ومن ذلك الإعراض عن المخطئ لعله يرجع عن خطئه لما رواه النسائي رحمه الله عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً قدم من نجران إلى رسول الله ? وعليه خاتم من ذهب ، فأعرض عنه رسول الله ? وقال : "إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار"165 .
…ومن ذلك هجر المخطئ ، وهو من الأساليب النبوية المؤثر خصوصاً إذا عظم الخطأ والذنب ، وذلك لما يحدثه الهجران والقطيعة من الأثر البالغ في نفس المخطئ ، ومن أمثلة ذلك ما حصل لكعب بن مالك وصاحبيه الذين خُلفوا في قصة غزوة تبوك : فبعد أن تأكد للنبي ? أنه لم يكن لهم عذر واعترفوا بذلك قال كعب رضي الله عنه : ونهى النبي ? المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض ،فما هي التي أعرف . فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشَبَّ القوم وأجلدهم ، وكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ، ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول ? فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه رد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه فأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليَّ ، وإذا التَفَتُّ نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال عليَّ من جفوة الناس مشيت حتى تَسَوَّرتُ جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام ، فقلت : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت . فعدت له فنشدته فسكت ، فعدت له فنشدته فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار ... إلى أن قال رضي الله عنه في قصته: حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسولنا ? عن كلامنا ، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي ،وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفَى على(1/39)
جبل سَلْعٍ بأعلى صوته : "يا كعب بن مالك أبشر"166.
…ومن ذلك أيضاً الدعاء على المخطئ المعاند : ومن أمثلة ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث سلمة بن الأكوع أن رجلاً أكل عند رسول الله ? بشماله فقال : "كل بيمينك" قال : "لا أستطيع" ، قال : "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر ، قال : "فما رفعها إلى فيه"167 .
…قال النووي رحمه الله تعالى : وفي هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر .
…وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال حتى في حال الأكل168 169.
المبحث الثاني
…الآداب الشرعية ، والحكم النبوية التي ينبغي مراعاتها وامتثالها عند النصح والتوجيه من الطرفين :
1- الحكمة في معالجة الخطأ حتى لا يؤدي إلى خطأ أكبر منه ، أو يعالج الخطأ بخطأ آخر .
…قال تعالى : {?دْعُ إِلِى? سَبِيلِ رَبِّكَ بِ?لْحِكْمَةِ وَ?لْمَوْعِظَةِ ?لْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِ?لَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}170 .
…وقال الحافظ ابن رجب : "وأما بيان خطأ من أخطأ من العلماء قبله ، إذا تأدب في الخطاب ، وأحسن في الرد والجواب فلا حرج عليه ولا لوم يتوجه إليه"171 .
…فإن من قواعد الشريعة تحمل أدنى المفسدتين لدرء أعلاهما ، وقد كان النبي ? يرى بمكة أكبر المنكرات وأكبر الأصنام ولا يغيرها ، وسكت عن المنافقين ولم يقتلهم مع ثبوت كفرهم ، وصبر على أذاهم لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه .
…قال ابن القيم رحمه الله : "إن النبي ? شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله...".
…إلى أن قال : "فإذا رأيت أهل الفجر والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة ، إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمي النشاب وسباق الخيل ونحو ذلك ...(1/40)
…وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه ونور ضريحه- يقول : "مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر ، فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه ، وقلت له : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم"172 .
…ومن هنا يظهر لك خطأ من يتصدى لإنكار المنكر وتصحيح الأخطاء دون مراعاة هذا الفقه ، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً .
2- مقارنة النفس بالغير عند صدور الخطأ:
…والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى : {لَّوْلا? إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ?لْمُؤْمِنُونَ وَ?لْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـ?ذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ}173 .
…فقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن بعض الأنصار أن امرأة أبي أيوب قالت له حين قال أهل الإفك ما قالوا : ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال : بلى وذلك الكذب ، أكنت أنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت : لا والله ، قال : فعائشة والله خير منك وأطيب ، إنا هذا كذب وإفك باطل174.
…قال القرطبي رحمه الله : "المعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم ، فإن كان ذلك يبعد فيهم فذلك في عائشة وصفوان أبعد"175 .
…وقال الإمام الطبري رحمه الله : "وقال بأنفسهم ؛ لأن أهل الإسلام كلهم بمنزلة نفس واحدة ؛ لأنهم أهل ملة واحدة"176 .
…وقال النحاس : "معنى بأنفسهم بإخوانهم ، فأوجب الله على المسلمين إذا سمعوا رجلاً يقذف أحداً ويذكره بقبيح لا يعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه "177 .(1/41)
…ويذكر الإمام القرطبي عند هذه الآية لطيفة نفسية تكتب بماء الذهب حيث يقول : "ولأجل هذا قال العلماء : إن الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان ، ومنزلة الصلاح التي حلها المؤمن ، ولُبْسة العفاف التي يستتر بها المسلم لا يزيلها عنه خبر محتمل وإن شاع ، إذا كان أصله فاسداً أو مجهولاً"اهـ178 .
…لذا فإن الواجب على المسلم إذا سمع إشاعة أو خطأ منسوباً لأخيه أن يقيس الأمر على نفسه ، وهذا من باب حسن الظن بالمسلم ، فإذا كان يزكي نفسه ويظن أنها تترفع عن الوقوع في الخطأ فإن حسن الظن بأخيه يلزمه أن يكون الأمر تجاهه كذلك ، وإلا فقد يقع المسلم من حيث لا يشعر في آفة العجب بالنفس والاحتقار للغير ، وهذه من الآفات العظام التي حذر منها أطباء القلوب ، وتوافرت النصوص الشرعية في التنفير منها .
…قال ابن القيم رحمه الله : "إن شهود العبد ذنوبه وخطاياه ، موجب له أن لا يرى لنفسه على أحد فضلاً ولا له على أحد حقاً ، فإنه يشهد عيوب نفسه وذنوبه فلا يظن أنه خير من مسلم يؤمن بالله ورسوله ويحرم ما حرم الله ورسوله"179 .
…وقال أبو وهب المروزي : "سألت ابن المبارك : ما الكبر؟ قال : أن تزدري الناس ، فسألته عن العجب ؟ قال : أن ترى أن عند شيئاً ليس عند غيرك ، لا أعلم في المصلين شيئاً شراً من العجب"180 .
…ومن درر ما كتبه ابن حزم رحمه الله تعالى قوله : "من امتُحن بالعُجْب فليفكر في عيوبه! فإن أعجب بفضائله ، فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنيئة! فإن خفِيَت عليه عيوبه جُملةً حتى يظن أنه لا عيب فيه ، فليعلم أن مصيبته إلى الأبد ، وأنه أتم الناس نقصاً وأعظمهم عيوباً وأضعفهم تمييزاً!
…وأول ذلك أنه ضعيف العقل جاهلٌ ولا عيب أشد من هذين ؛ لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه ؛ فغالبها وسعى في قمعها .(1/42)
…والأحمق هو الذي يَجهل عيوب نفسه : إما لقلة علمه وتمييزه ، وضعف فكْرته ، وإما لأنه يقدِّرُ أن عيوبه خصالٌ ، وهذا أشدُّ عيبٍ في الأرض ؛ وفي الناس كثير يَفْخرون بالزنا واللياطة والسرقة والظلم ، فيُعْجَبُ بتأتّي هذه النحوس له ، وبقوَّته على هذه المخازي!!"181.
…وقال أيضاً: "واعلمْ يقيناً أنه لا يَسْلم إنسيٌّ مِنْ نقص ، حاشا الأنبياء -صلوات الله عليهم-. فمن خفيتْ عليه عيوب نفسه فقد سقط ، وصار من السُّخف والضعة والرذالة والخسة وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم ، بحيث لا يتخلف عنه متخلف من الأرذال ، وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة ، فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه ، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة .
…وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء منها ، فيجتنبها ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته .
…وأما النطق بعيوب الناس فعيب كبير ، لا يسوغ أصلاً ، والواجب اجتنابه ، إلا في نصيحة من يتوقع عليه الأذى بمداخلة المعيب ، أو على سبيل تبكيت المعجَب فقط في وجهه لا خلْف ظهره ، ثم يقول للمعجَبِ : ارجع إلى نفسك ، فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك ، ولا تُمَثِّل بين نفسك وبين من هو أكثر عيوباً منها فتستسهل الرذائل وتكون مقلداً لأهل الشر ، وقد ذُمَّ تقليد أهل الخير ، فكيف تقليد أهل الشر؟! ولكن مثّل بين نفسك وبين من هو أفضل منك ، فحينئذ يتلفُ عُجْبك ، وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يُولّد عليك الاستخفاف بالناس - وفيهم ، بلا شك ، من هو خير منك - فإذا استخففت بهم بغير حق استخفوا بك بحق ؛ لأن الله تعالى يقول : {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}182 ، فتُولّد على نفسك أن تكون أهلاً للاستخفاف بك ، بل على الحقيقة ، مع مقتِ الله - عز وجل - وطمس ما فيك من فضيلة..."183.
3- الرجوع عن الخطأ إذا ظهر الحق والصواب :(1/43)
…سبقت الإشارة إلى أن الخطأ صفة ملازمة للبشر ، فإذا استيقن المسلم ذلك وجب عليه أن يرجع عن الخطأ إذا ظهر له الحق ، وهذا من كمال الورع والصدق ، فالرجل الصادق لا يقف عاجزاً ضعيفاً أمام نفسه حينما يتبين له الخطأ ، ولا يتصور أن ذلك قد ينقص قدره أو يضعف وزنه ، بل يسارع جاداً إلى الأخذ بزمام الحق ، ويعض عليه النواجذ ، وهذا يحتاج إلى تلاشٍ لحظوظ النفس وتقديس الذات .
…والسلف الصالح يرسمون لنا منهجاً واضحاً مشرقاً في هذه القضية فهذا عمر بن الخطاب يكتب إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما - : "ولا يمنعنَّك قضاءٌ قضيت فيه اليوم فراجعت فيك رأيك ، فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحقَّ ، فإن الحق قديم لا يبطله شيء ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل"184 .
…وقال الإمام الشوكاني - رحمه الله تعالى : "من آفات التعصب الماحقة لبركة العلم: أن يكون طالب العلم قد قال بقول في مسألة ، كما يصدر ممَّن يفتي ، أو يصنِّف ، أو يناظر غيره ، ويشتهر ذلك القول عنه ، فإنه قد يصعب عليه الرجوع عنه إلى ما يخالفه ، وإن علم أنه الحق وتبيَّن له فساد ما قاله .ولا سبب لهذا الاستصعاب إلا تأثير الدنيا على الدين ، فإنه قد يسوِّل له الشيطان أو النفس الأمارة أن ذلك ينقصه ،ويحط من رتبته ، ويخدش في تحقيقه ، ويغض من رئاسته ،وهذا تخيل مختل ، وتسويل باطل ، فإن الرجوع إلى الحق يوجب له من الجلالة والنبالة وحسن الثناء ما لا يكون في تصميمه على الباطل ، بل ليس في التصميم على الباطل إلا محض النقص له والإزراء عليه بالاستصغار لشأنه .(1/44)
…فإن منهج الحق واضح المنار يفهمه أهل العلم ، ويعرفون براهينه ، ولا سيما عند المناظرة ، فإذا زاغ عنه زائغ تعصباً لقول قد قاله أو رأي رآه ، فإنه لا محالة يكون عند من يطلع على ذلك من أهل العلم لأحد الرجلين : إما متعصب مجادل مكابر ، إن كان له من الفهم والعلم ما يدرك به الحق ويتميَّز به الصواب . أو جاهل فاسد الفهم باطل التصور ، إن لم يكن له من العلم ما يتوصل به إلى معرفة بطلان ما صمَّم عليه وجادل عنه . وكلا هذين المطعنين فيه غاية الشين"185 .
…وقال الزمخشري : "إياك والمكابرة والمغالطة وأنهاك عن الأغاليط وأربأ بك عن التخاليط"186 .
…والهوى قد يعمي الإنسان فلا يقبل الحق الواضح الأبلج ، لذا حذر أئمتنا رحمهم الله تعالى من هذا المسلك .
…قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وطاعة رسوله ، يدور على ذلك ويتبعه أين وجده ، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة ، فلا ينتصر لشخص انتصاراً مطلقاً عاماً إلا لرسول الله ? ، ولا طائفة انتصاراً مطلقاً عاماً إلا للصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-، فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار ، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا ، فإذا أجمعوا لم يُجمعوا على خطأ قط ، بخلاف أصحاب عالم من العلماء ، فإنهم قد يُجمعون على خطأ ، بل كل قول قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة لا يكون إلا خطأ ، فإنالدين الذي بعث الله به رسوله ليس مُسلَّماً إلى عالم واحد وأصحابه ، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيراً لرسول الله ? وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم"187.(1/45)
…ولعل من الأمثلة التي يستشهد بها في هذا الباب لتكون نبراساً للباحثين عن الهدى ما حدث في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى في امرأة ماتت وتركت زوجاً وأماً وإخوة أشقاء أنه لا شيء للإخوة الأشقاء وأن الإخوة لأم لهم الثلث ، فاحتج عليه الإخوة الأشقاء وقالوا : إن إخواننا من الأم ورثوا بأمهم وهي هي أمنا . وهب أن أبانا كان حماراً أو حجراً ملقى في اليم أي كأنه لم يكن . فما كان من عمر إلا أن شرك بينهم . فقيل له : إنك قضيت في أول عام بخلاف هذا . فقال : ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي188 .
…ومن الأمثلة التي يحسن ذكرها في هذا المقام : أن الإمام إسحاق بن راهويه ناظر الإمام الشافعي ، والإمام أحمد بن حنبل حاضر - رحمهم الله أجمعين - في جلود الميتة إذا دبغت . فقال الشافعي : دباغها طهورها . فقال إسحاق : ما الدليل؟ فقال الشافعي : حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن ميمونة ، أن النبي ? مرَّ بشاة ميتة فقال : "هلا انتفعتم بجلدها؟".
…فقال إسحاق : حديث ابن عكيم ، كتب إلينا رسول الله ? قبل موته بشهر : "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" أشبه أن يكون ناسخاً لحديث ميمونة ؛ لأنه قبل موته بشهر .
…فقال الشافعي : هذا كتاب وهذا سماع .
…فقال إسحاق : إن النبي ? كتب إلى كسرى وقيصر وكان حجة عليهم عند الله ، فسكت الشافعي .
…فلما سمع ذلك أحمد بن حنبل ذهب إلى حديث ابن عكيم وأفتى به ، ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي فأفتى بحديث ميمونة189 .
…وروى التنوخي - رحمه الله تعالى - قال : "كان ابن الأنباري النحوي يُملي من حفظه ، وما أملى من دفتر قط . حكى الدارقطني : أنه حضره يُصحِّف في اسم ، قال : فأعظمت له أن يُحمل عنه وهم ، وهبتُه ، فعرَّفت مستمليه ، فلمَّا حضرت الجمعة الأخرى ، قال الأنباري : إنا صحفنا الاسم الفلاني ، ونبهنا عليه ذلك الشاب على الصواب"190 .(1/46)
…وهذا أبو يوسف سأل مالك بن أنس عن مقدار الصاع ومسألة الأحباس - الوقف - وصدقة الخضروات ، فأخبر مالك رضي الله عنه ما دلت عليه السنة في ذلك ، فقال أبو يوسف : رجعت لقولك يا أبا عبد الله ، ولو رأى صاحبي- يعني أبا حنيفة - ما رأيت لرجع كما رجعت191 .
…ومن الأساليب النبوية الثابتة عن المعصوم ? في هذا الباب :
…تذكير المخطئ بفضل من أخطأ عليه ليندم ويعتذر ولا يعود للفعل مرة أخرى .
…يدل على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله في كتاب التفسير من صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كانت بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر ، فانصرف عنه عمر مُغضباً ، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له ، فلم يفعل ، حتى أغلق بابه في وجهه ، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله ? فقال أبو الدرداء : ونحن عنده قال رسول الله ? : "أما صاحبكم هذا فقد غامر" (أي : دخل في خصومة) قال : وندم عمر على ما كان منه ، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي ? وقص على رسول الله ? الخبر ، قال أبو الدرداء : وغضب رسول الله ? وجعل أبو بكر يقول : والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم . فقال رسول الله ? : "هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ إن قلت : يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً فقلتم : كدبت . وقال أبو بكر صدقت"192 .(1/47)
…وروى البخاري القصة أيضاً في كتاب المناقب من صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند النبي ? إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال ? : "أما صاحبكم فقد غامر" ، فسلم وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعتُ إليه ، ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي ، فأقبلت إليك . فقال : "يغفر الله لك يا أبا بكر" ثلاثاً ، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثمَّ أبو بكر؟ فقالوا : لا ، فأتى إل النبي ? . فسلم ، فجعل وجه النبي ? يَتَمَعَّر حتى أشفق أبو بكر ، فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم ، مرتين ، فقال النبي ? : "إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي" فما أوذي بعدها193 .
…وفي موقف أبي بكر رضي الله عنه درس عظيم في مراجعة المرء نفسه .
ومن الأساليب النبوية أيضاً:
…مطالبة المخطئ بالتحلل ممن أخطأ عليه .
…يدل على ذلك ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كانت العرب تخدم بعضها بعضاً في الأسفار ، وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخدمهما ، فناما ، فاستيقظا ، ولم يهيئ لهما طعاماً ، فقال أحدهما لصاحبه : إن هذا لنؤوم ، فأيقظاه ، فقالا ائت رسول الله ? فقل له إن أبا بكر وعمر يُقرئانك السلام وهما يستأدمانك (أي يطلبان الإدام للطعام) فقال : أقرئهما السلام وأخبرهما أنها قد ائتدما! ففزعا فجاءا إلى النبي فقالا : يا رسول الله بعثنا إليك نستأدمك فقلت : قد ائتدما ، فبأي شيء ائتدمنا؟ قال : "بلحم أخيكما ، والذي نفسي بيده لأرى لحمه بين أنيابكما" ، يعني لحم الذي استغاباه ، قالا : فاستغفر لنا ، قال : "هو فليستغفر لكما"194.
المبحث الثالث
الستر وعدم الإشاعة(1/48)
…الأصل في هذا قوله تعالى : {إِنَّ ?لَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ?لْفَاحِشَةُ فِي ?لَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ?لدُّنْيَا وَ?لآخِرَةِ وَ?للَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}195 قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : "هذا تأديب لمن سمع شيئاً من الكلام السيئ فقام بذهنه شيء منه وتكلم به فلا يشيعه ولا يذيعه"196 وقال الشيخ عبد الرحمن بن السعدي : "فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة واستحلاء ذلك بالقلب فكيف بما هو أعظم من ذلك من إظهاره ونقله ، وسواء كانت الفاحشة صادرة أو غير صادرة"197 .
…وقد حث النبي ? على الستر فقال : "ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"198 .
…وإن من لوازم الستر :
1- بيان الأخطاء دون التعرف للأشخاص ما أمكن ذلك .
…فإن الهدف من بيان الأخطاء هو إعلاء كلمة الله وزوال المفاسد ، وهذا يتحقق في الغالب دون ذكر للأسماء .
…والمتأمل في منهج النبي ? في التنبيه على الأخطاء يجد أنه عليه الصلاة والسلام في معظم أحواله يكتفي بالبيان العالم كقوله : "ما بال أقوام ، أو ما بال رجال" ونحو ذلك ، ومن ذلك ما ورد في قصة الثلاثة الذين جاؤوا إلى بيوت النبي ? ليسألوا عن عبادته فقال أحدهم : أما أنا فأصوم ولا أفطر ، وقال الآخر : أما أنا فأقوم الليل ولا أنام ، وقال الثالث : أما أنا فلا أتزوج النساء ، فلما علم النبي ? قال : "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا"199 .
…ومن ذلك حديث القبرين اللذين مر عليهما رسول الله ? فقال : "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير"200 .
…فلم يذكر اسمي الرجلين ، بل أشار إلى ما وقعا فيه من الخطأ محذراً من ذلك ، فحصل المقصود والغرض .(1/49)
…قال الحافظ ابن حجر تعليقاً على هذا الحديث : "لم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما ، والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما ، وهو عمل مستحسن ، وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به"201 .
…ولما أرادت عائشة رضي الله عنها شراء جارية اسمها بريرة رفض أهلها بيعها إلا بشرط أن يكون الولاء لهم ، فلما علم النبي ? قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : "ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق"202.
…وعن عائشة رضي الله عنها قالت : صنع النبي ? شيئاً فرخَّص فيه فتنزَّه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي ? فخطب فحمد الله ، ثم قال : "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية"203.
…وعن أبي هريرة أن رسول الله ? رأى نخامة في قبالة المسجد فأقبل على الناس ، فقال : "ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخّعُ أمامه؟ أيحب أحدكم أن يُستَقبَل فيُتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه ، فإن لم يجد فليقل هكذا" ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض204 .
…وروى النسائي في سننه عن النبي ? أنه صلى صلاة الصبح فقرأ الروم ، فالتبَسَ عليه ، فلما صلى قال : "ما بال أقوام يصلون معنا لا يحسنون الطهور ، فإنما يَلبِسُ علينا القرآن أولئك"205 .
…والأمثلة في هذا الباب كثيرة يجمعها استخدام أسلوب التعريض ، وعدم فضح صاحب الخطأ .
…وعلى هذا النهج سار الصحابة فمن بعدهم ، ففي قصة الخلاف الذي وقع بين الزبير ورجل من الأنصار في السقي، وفيه أنهما تحاكما إلى النبي ? فقال للزبير : "اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك" فقال الأنصاري : "أن كان ابن عمتك"206 .(1/50)
…وهذا خطأ في حقه ? ، ولكن لم ترد رواية صحيحة معتمدة في تعيين اسم هذا الأنصاري ، وفي هذا يقول القاسمي رحمه الله : "لله در أصحاب الصحاح حيث أبهموا في قصة الزبير اسم خصمه ستراً عليه ، كي لا يغضي من مقامه ، وهكذا فليكن الأدب ، وكفانا في هذا الباب إيهام التنزيل في كثير من قصصه الكريمة207.
2- التحذير من إشاعة الفاحشة:
…ومن هذا الباب تحذير الصحابة والتابعين لهم بإحسان من إشاعة الفاحشة والعيوب ، ومن ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : "الذي يعمل الفاحشة والذي يشيعها بمنزلة واحدة"208 .
…وقال : "قائل الفاحشة والذي يشيع بها في الإثم سواء"209 .
…وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : "إيما رجل أشاع على امرئ مسلم كلمة هو منها بريء ليشينه بها كان حقاً على الله أن يعذبه بها يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفادِ ما قال"210. وقال شبيل بن عوف : "من سمع بفاحشة فأفشاها فهو فيها كالذي أبداها"211 .
…وقال الفضيل بن عياض : "من سمع بفاحشة فأفشاها كان كمن أتاها ، فإن الفاحشة لتشيع في الذين آمنوا حتى إذا بلغت إلى الصالحين كانوا خزَّانها"212.
…وقال الحافظ ابن رجب : "... أما الإشاعة وإظهار العيوب فهو مما حرمه الله ورسوله قال تعالى : {إِنَّ ?لَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ?لْفَاحِشَةُ فِي ?لَّذِينَ آمَنُواْ..} الآيتين ، والأحاديث في فضل السر كثيرة جداً .
…وقال بعض العلماء لمن يأمر بالمعروف : "واجتهد أن تستر العصاة ؛ فإن ظهور عورتهم وهنٌ في الإسلام ، أحق شيء بالستر العورة .
…فلهذا كانت إشاعة الفاحشة مقترنة بالتعيير ، وهما من خصال الفجار ؛ لأن الفاجر لا غرض له في زوال المفاسد ولا في اجتناب المؤمن للنقائص والمعايب ، إنما غرضه في مجرد إشاعة العيب في أخيه المؤمن وهتك عرضه ، فهو يعيد ذلك ويبديه ، ومقصوده تنقص أخيه المؤمن في إظهار عيوبه ومساويه للناس ليدخل عليه الضرر في الدنيا ..."213 .(1/51)
…وإن من يتعمد إشاعة السوء على أخيه المسلم ويتتبع عيوبه يخشى عليه أن يقع في الوعيد الشديد الوارد في حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي ? قال : "لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك"214 .
…ومما يعين على تجنب هذا الخلق الذميم التعود على التناصح في السر كما قال الإمام الشافعي رحمه الله :
تعمَّدني بنصحك في انفرادٍ *** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوعٌ *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري *** فلا تجزع إذا لم تلق طاعة
…وكان السلف رحمهم الله يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه - أي في الملأ - ويحبون أن يكون سراً فيما بين الآمر والمأمور ، فإن هذا من علامات النصح ، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له ، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها ...
…فشتان بين من قصده النصيحة وبين من قصده الفضيحة ، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلا على من ليس من ذوي العقول الصحيحة215 .
…كما ينبغي التنبيه على أن تعمد النصيحة في العلن للمستتر بذنبه فيه إغلاق لباب العودة والتوبة عليه ، إذ تأخذه العزة بالإثم بعد أن شهر به في المنتديات والمجامع ، وفي ذلك إعانة للشيطان عليه .
…وقد ذكر الدكتور عبد الله الطريقي أن هذا الأصل مأخوذ من القواعد الشرعية الآتية :
…1- أن الهدف الأسمى من المحاورات والمناظرات والردود ونحوها هو إعلاء كلمة الله وكشف الزيغ والانحراف ، وذلك يتحقق في الغالب دون ذكر للأسماء .
…2- أن الستر مطلب شرعي في حق المسلم الذي يظهر منه الصلاح ، ولم يجاهر بالمعصية .
…3- الأصل تحريم أعراض المسلمين وعدم التعرض لهم بنقد أو جرح سواء كان غيبة أو سخرية ، إلا ما أبيح من ذلك مما له سبب شرعي .(1/52)
…4- أن الإسلام يؤكد على أهمية الاجتماع والاتفاق ويحذر من الفرقة والشذوذ والتنازع ، ومعلوم أن نقد الشخص أو الفرقة بعينها لا بد أن يوجد النفرة والوحشة ، ومن ثم قد يترتب عليه نزاع أو شقاق إلى آخر ما ذكر216 .
…ولكن الملاحظ أن بعض المنتقدين لا يفرق بني نقد الرأي وصاحب الرأي ، فتجده يحمل على صاحب الرأي ويوجه له العبارات الجارحة والكلمات النابية مثل عبارة إنه قليل الفهم أو جاهل أو إن فيه غباوة أو يستشهد بقول الشاعر:
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً *** لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
…وهذا فيه تعدٍّ على الأشخاص ، وليس هذا من النقد الموضوعي ، لأن النقد الموضوعي هو الذي يتجه إلى الموضوع ذاته لا إلى قائله ، وبعضهم يدعو على مخالفه بقوله : أهلكه الله ، أراح المسلمين منه217 .
…وقال اللكنوي : ومن عاداتهم الخبيثة : أنهم كلما ناظروا أحداً من الأفاضل في مسألة من المسائل ، توجهوا إلى جرحه بأفعاله الذاتية ، وبحثوا عن أعماله العَرَضية ، وخلطوا ألف كذباتٍ بصدق واحد ، وفتحوا لسان الطعن عليه بحيث يتعجَّب منه كل ساجد ، وغرضهم منه إسكات مخاصمهم بالسب والشتم ، والنجاةُ من تعقب مقابلهم بالتعدي والظلم ، بجعل المناظرة مشاتمة ، والمباحثة مخاصمة218.
…هذا هو الأصل ، إلا أنه قد تكون هناك مصلحة راجحة من التشهير كأن يشيع المنكر ويذيع بين العام والخاص فلا يجدي عندئذ إنكاره في السر ويتعين المصير إلى العلن قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "فإذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه علانية ولم يبق له غيبة"219.
…وقال الدكتور بكر أبو زيد : "الأصل هو الستر والعمل على دفع دواعي الفرقة والوحشة وعدم الموافقة ، فالرد ينصب على المقالة المخالفة المذمومة لا على قائلها".(1/53)
…ثم يبين أنه إذا كانت المقالة فاحشة جداً كبدعة الخوارج ، أو كان المخطئ أو المبتدع يدعو إلى خطئه وبدعته ويزينها في قلوب العوام فهنا يجوز ذكر وتعيين الأسماء ، بل قد يجب ذلك220 .
…والتناصح بهذه الصورة هو نهاية الكمال ؛ فإن الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه مكملاً لغيره221 .
3- التحذير من التعيير والتوبيخ :
…فلا يعني وجوب التشهير بالمجاهر ، جواز تعبيره وتوبيخه بالذنب ، فشتان بين الأمرين ، وقد توافرت النصوص عن السلف في التحذير من هذا الخلق الذميم .
…قال الفضيل بن عياض رحمه الله : "المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويُعَيِّر"222.
…فالتعيير بالذنب مذموم ، وقد نهى النبي ? أن تُثرَّب الأمة الزانية مع أمره بجلدها ، فتجلد حداً ولا تعيَّر بالذنب ولا توبَّخ به .
…ومن ارتضى هذا المنهج يخشى عليه من الوعيد الشديد الوارد عن السلف في عقوبة من عيَّر أخاه بذنب ، قال الحسن البصري : "من عير أخاه بذنب تاب منه لم يمت حتى يبتليه الله به"223 .
…ولما ركب ابن سيرين الدَّين وحبس به قال : "إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا ، عيرت رجلاً منذ أربعين سنة فقلت له : يا مفلس"224 .
…ومن أظْهرِ التعيير إظهار السوء وإشاعته في قالب النصح ، وزعم أنه إنما يحمله على ذلك العيوب ، إما عاماً وإما خاصاً . وكان في الباطن إنما غرضه التعيير والأذى فهذا من إخوان المنافقين الذين ذمهم الله في كتابه في مواضع ، فإن الله ذم من أظهر فعلاً وقولاً حسناً وأراد به التوصل إلى غرض فاسد يقصد في الباطن ، وعد ذلك من خصال النفاق كما في سورة براءة التي هتك فيها المنافقين وفضحهم بأوصافهم الخبيثة {وَ?لَّذِينَ ?تَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ?لْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ} الآية225 .
* * *
الفصل الثالث
بعد استحكام الخطأ والإصرار عليه(1/54)
…إذا كان الخطأ في الفروع وأصر صاحبه عليه ، إما لكونه مجتهداً يرى الصواب فيما صار إليه أو لم يقتنع بالتصويب لحال الناصح أو أسلوبه ، أو لغير ذلك من الاعتبارات فكيف يعامل المخطئ في هذه الحالة؟
…إن ثمة قواعد ذكرها سلفنا الصالح رحمهم الله يمكن أن يستضاء بها في هذا الباب ، وتكون نبراساً للباحث عن العدل والإنصاف ، منها :
المبحث الأول
المخطئ المجتهد مأجور غير مأزور:
… …إذا تأكد العقلاء أن الخطأ من لوازم البشر فلا يخلو إما أن يكون المخطئ مجتهداً أو غير ذلك ، فالأول هو المأجور الذي لا يُثَرب عليه ، والأصل في ذلك حديث النبي ? : "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب له أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"226 .
…وعلى هذا لا بد أن نفرق بين تعاملنا مع الأخطاء بين من أخطأ عن تعمد وقصد ، وبين من أخطأ عن اجتهاد وإرادة للحق ، فالأول مأزور والثاني مأجور وشتان بين الأمرين ، وهذا المسلك هو الذي سار عليه أئمتنا رحمهم الله .
…قال الآمدي رحمه الله تعالى : "اتفق أهل الحق من المسلمين على أن الإثم محطوط عن المجتهدين في الأحكام الشرعية .وذهب بشر المريسي وابن عليَّة ، وأبو بكر الأصم ، ونُفاةُ القياس كالظاهرية والإمامية : إلى أنه ما من مسألة إلا والحق فيها متعين ، وعليه دليل قاطع ، فمن أخطأه فهو آثم غير كافر ولا فاسق . وحجَّة أهل الحق في ذلك : ما نقل نقلاً متواتراً لا يدخله ريبة ولا شك ، وعُلِمَ علماً ضرورياً من اختلاف الصحابة فيما بينهم في المسائل، مع استمرارهم على الاختلاف إلى انقراض عصرهم ، ولم يصدر منهم نكير ولا تأثيم لأحد ، لا على سبيل الإبهام ولا التعيين . مع علمنا بأنه لو خالف أحد في وجوب العبادات الخمس وتحريم الزنا والقتل لبادروا إلى تخطئته وتأثيمه"227.(1/55)
…وقال شيخ الإسلام تعليقاً على قوله تعالى : {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ?لْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ?لْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}.
…قال : هذان نبيان كريما حكما في حكومة واحدة ، فخص الله أحدهما بفهمهما مع ثنائه على كل منهما بأن آتاه حكماً وعلماً ، فكذلك العلماء المجتهدون للمصيب منهم أجران وللآخر أجر ، وكل منهم مطيع بحسب استطاعته ، ولا يكلف الله ما عجز عن علمه"228 .
…ويقول الإمام القرطبي : "وقال جمهور أهل السنة وهو المحفوظ عن مالك وأصحابه رضي الله عنهم : إن الحق في مسائل الفروع في الطرفين ، وكل مجتهد مصيب ، والمطلوب إنما هو الأفضل في ظنه ، والدليل على هذه المقالة أن الصحابة فمن بعدهم قرر بعضهم خلاف بعض ، ولم ير أحد منهم أن يقع الانحمال على قوله دون مخالفه . ومنه ردّ مالك رحمه الله للمنصور أبي جعفر عن حمل الناس على الموطأ . فإذا قال عالم في أمر حلال فذلك هو الحق فيما يختص بذلك العالم عند الله تعالى وبكل من أخذ بقوله وكذا في العكس ... وعلى هذا يحملون قوله عليه السلام : "إذا اجتهد العالم فأخطأ" أي فأخطأ الأفضل229 .
…وقال شيخ الإسلام : "مذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ"230 .
…وقال أيضاً : "ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة وإن كان ذلك في المسائل العلمية ، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة ، وإذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل مع كونه لم يطلب العلم ، فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته وبينته على اجتهاداته ولا يؤاخذ بما أخطأ تحقيقاً لقوله : {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا}"231 .(1/56)
…وقال أيضاً : "المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يُكفَّر بل ولا يفسق - إذا اجتهد فأخطأ - وهذا مشهور عند الناس في المسائل العلمية ، وأما مسائل العقائد : فكثير من الناس كفَّر المخطئين فيها ، وهذا القول لا يُعرف عن أحد من أئمة المسلمين ، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم كالخوارج والمعتزلة والجهمية ، ووقع في ذلك كثير من أتباع الأئمة كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم"232 .
…وقال في موضع آخر : "فأما الصديقون والشهداء والصالحون ، فليسوا معصومين ، وهذا في الذنوب المحققة ، وأما ما اجتهدوا فيه فتارة يصيبون وتارة يخطئون . فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران . وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجر على اجتهادهم ، وخطؤهم مغفور لهم . وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين ، فتارة يغلون فيهم يقولون : إنهم معصومون ، وتارة يجفون عنهم ويقولون : إنهم باغون بالخطأ . وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون"233 .
…وقال أيضاً : "والمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب والسنة"234 .
…وقال ابن أبي العز الحنفي : "والقول قد يكون مخالفاً للنص وقائله معذور . فإن المخالفة بتأويل لم يسلم منها أحد من أهل العلم ،وذلك التأويل وإن كان فاسداً فصاحبه مغفور له لحصوله على اجتهاده ، فإن المجتهد إذا اجتهد وأصاب له أجران : أجر على اجتهاده ، وأجر على إصابته الحق ، وإذا اجتهد فأخطأ : فله أجر على اجتهاده ، وخطؤه مغفور له ، فمخالفة النص إن كانت عن قصد فهي كفر ، وإن كانت عن اجتهاد فهي من الخطأ المغفور.."235 .(1/57)
…وقال ابن القيم رحمه الله : "ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة ، وهو من الإسلام وأهله بمكان ، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها ، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته في قلوب المسلمين"236 .
…قد تكلم علماء العصر في هذه المسألة فساروا على نفس المنهج ، إذ النبع واحد .
…قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : "وأما موقفنا من العلماء المأولين ، فنقول : من عرف منهم بحسن النية وكان له قدم صدق في الدين واتباع السنة فهو معذور بتأويله السائغ ، فالقول الخطأ إذا كان صادراً عن اجتهاد وحسن قصد لا يذم قائله ، بل يكون له أجر على اجتهاده"237 .
…ولكن هذا الاجتهاد الذي يرفع به الوزر ، ويثبت به الأجر للمجتهد ، هو : ما كان واقعاً من أهل الاجتهاد ، أما العوام فإنهم وإن زعموا الاجتهاد فليس لهم ذلك ؛ لافتقارهم لأدواته ، وإنما عملهم : من القول بالرأي المبني على الظنون والتخرصات والأهواء .
…قال الإمام الشاطبي - رحمه الله - : "الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان : أحدهما الاجتهاد المعتبرُ شرعاً وهو الصادر عن أهله الذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر الاجتهاد إليه...
…والثاني : غير المعتبر ، وهو : الصادر عمن ليس بعارفٍ بما يفتقر الاجتهاد إليه ؛ لأن حقيقته أنه رأيٌ بمجرد التشهي ، والأغراض وخبطٌ في عماية واتباعٌ للهوى . فكل رأي صادرٍ على هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره ؛ لأنه ضد الحق الذي أنزله الله كما قال تعالى : {وَأَنِ ?حْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ?للَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ}238 ، وقال تعالى : {ي?دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ?لأَرْضِ فَ?حْكُمْ بَيْنَ ?لنَّاسِ بِ?لْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ?لْهَوَى? فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ?للَّهِ}... الآية239 ، وهذا على الجملة لا إشكال فيه"240 .(1/58)
…وهذا الاجتهاد من غير أهل العلم وقع في عهد النبي ? في قصة الذين أفتوا المشجوج في البرد بوجوب الغسل .
…فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : خرجنا في سفرٍ فأصاب رجُلاً منا حجرٌ فشجه في رأسه ، فاحتلم ، فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصةً في التيمم؟ قالوا : ما نجد رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل ومات . فلما قدِمنا على النبي ? أُخبِرَ بذلك ، قال : "قتلوه ، قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا ، وإنما شفاء العي السؤال"241.
…قال شيخ الإسلام : "أخطأوا بغير اجتهاد ، إذ لم يكونوا من أهل العلم"242 .
…فتأمل يا رعاك الله في تلك النقولات كيف أن أئمتنا لم يشنعوا على المجتهدين إذ وقعوا في خطأ أو زلة ، فأين هذا المنهج السامي ممن يبدِّعون ويفسقون من وقع في أي خطأ دون النظر إلى نيته ومقصده ، ودون التفريق بين المجتهد الذي يبحث عن الحق وينشده وبين صاحب الهوى القاصد للخطأ والمصر عليه ، ومشكلة هؤلاء اعتقادهم أن حكمهم ورأيهم هو حكم الله عز وجل ، وحكم غيرهم هوى وزيغ وضلال ، وهذا من التعصب الأعمى الممقوت الذي نسأل الله عز وجل أن يعافي المسلمين منه .
المبحث الثاني
الخطأ اليسير مغتفر في جانب الخير الكثير
…إن من القواعد السنية السلفية أن المسلم يوزن بسيئاته وحسناته ، فأيهما غلب كان الحكم له ، كما قال تعالى : {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـ?ئِكَ هُمُ ?لْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـ?ئِكَ ?لَّذِينَ خَسِرُو?اْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}243 .
…فأنت ترى أن الله أخبر أن من كانت حسناته هي الراجحة على سيئاته مع الندم على السيئات كان على سبيل النجاة وطريق الفوز والفلاح ، ومن مالت سيئاته بحسناته كان العطب والعذاب به أولى .(1/59)
…فالخطأ طبيعة بشرية ، ولكن من الناس من يكون خطؤه قليلاً أو غير مقصود بالنسبة لصوابه كما قال ابن عبد البر : "لا يسلم العالم من الخطأ ، فمن أخطأ قليلاً وأصاب كثيراً فهو عالم ، ومن أصاب قليلاً وأخطأ كثيراً فهو جاهل"244.
…وكما قال سفيان الثوري : "ليس يكاد يفلت من الغلط أحد ، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط ، وإن كان الغالب عليه الغلط ترك"245 .
…وهذا الصنف هو الذي عناه النبي ? بقوله : "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود"246 .
…قال الشافعي : "ذوو الهيئات الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة"247 .
…وبهذا المنهج عامل النبي ? حاطب بن أبي بلتعة حينما كتب لكفار قريش عن تحركه لغزوهم .(1/60)
…عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : "بعثني رسول الله ? وأبا مرثد والزبير - وكلنا فارس - قال : "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتابٌ من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين" فأدركناها وهي تسير على بعير لها ، حيث قال رسول الله ? فقلنا : الكتاب ، فقالت : ما معي من كتابٍ ، فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً فقلنا : ما كذب رسول الله ? لتُخْرِجِنَّ الكتاب أو لنجردنك ، فلما رأيت الجِدَّ أهوت إلى حُجْزَتها - وهي محتجزة بكساء - فأخرجته فانطلقنا بها إلى رسول الله ? فقال عمر : يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني لأضرب عنقه ، فقال النبي ? : "ما حملك على ما صنعت؟" قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله ? ، أردت أن تكون لي عند القوم يدٌ يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحدٌ من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله ،فقال ? : "صدق ولا تقولوا له إلا خيراً" فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ، فقال : "أليس من أهل بدر؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم" فدمعت عينا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم248 .
…قال ابن القيم رحمه الله : "وقد -ارتكب أي حاطب- مثل ذلك الذنب العظيم فأخبر النبي ? أنه شهد بدراً ، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتيب أثره عليه ما له من المشهد العظيم ، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات"249.
…وثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً كان على عهد النبي ? كان اسمه وكان يلقب حِماراً ، وكان يضحك رسول الله ? ، فأتي به يوماً فأمر به فجلد ، فقال رجل من القوم : اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به ، فقال النبي ? : "لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله"250 أي : الذي علمته .(1/61)
…فهذا الصحابي زلت قدمه ولكن لا يعني أنه فاسد بالكلية بل له من الصفات الحميدة ما توجب محبته وموالاته ، وعلى هذا النهج سار خير الأمة من التابعين فمن بعدهم يقول سعيد بن المسيب : "إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ،ولكن من الناس من لا ينبغي أن نذكر عيوبه ،ومن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله251 .
…وقال الحافظ ابن رجب : "والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه"252 .
…وقال الإمام أحمد : "ما رأيت أحداً أقل خطأ من يحيى بن سعيد ولقد أخطأ في أحاديث ثم قال : ومن يعرى من الخطأ والتصحيف"253 .
…وقال الإمام الترمذي : "وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم"254 .
…وقال الحافظ المقدسي : "ولو كان كل من وهم في حديث اتهم لكان هذا لا يسلم منه أحد"255 .
…وقال سفيان بن سعيد الثوري : "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ، ومن لم يحفظ من أخبارهم إلا ما بدر من بعضهم في بعض على الحسد والهفوات والتعصب والشهوات دون أن يعي فضائلهم حُرم التوفيق ودخل في الغيبة وحاد عن الطريق"256 .
…وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "... والذين شهدوا هذا اللغو متأولين من أهلي الصدق والإخلاص والصلاح ، غمرت حسناتهم ما كان لهم فيه وغيره من السيئات والخطأ"257 .
…ويقول الإمام الذهبي رحمه الله : "ونحب السنة وأهلها ، ونحب العالم على ما فهي من الاتباع والصفات الحميدة ، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن"258 .(1/62)
…ونراه رحمه الله يسير وفق هذا المنهج في الجانب العلمي التطبيقي عندما يترجم للأئمة الأعلام ، فمن ذلك قوله في ترجمة أبي بكر القفال قال : "قال أبو الحسن الصفار : سمعت أبا سهل الصعلوكي ، وسئل عن تفسير أبي بكر القفال فقال : قدسه من وجه ، ودنَّسه من وجه : أي دنسه من جهة نصره للاعتزال ،قلت - أي الذهبي-: قد مر موته ،والكمال عزيز وإنما يمدح العالم بكثرة ما له من الفضائل فلا تدفن المحاسن لورطة ، ولعله رجع عنها ، وقد يغفر له باستفراغه الوسع في طلب الحق ولا قوة إلا بالله"259 .
…وقال -أيضاً- في ترجمة قتادة -رحمه الله- : "لعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يُريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ، وبذل وسعه ، والله حكم عدل لطيف بعباده ،ولا يسأل عما يفعل ، ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق ، واتسع علمه ، وظهر ذكاؤه ، وعرف صلاحه وورعه واتباعه ، يغفر له زلله ، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه ، نعم لا ونقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك"260 .
…ويبين رحمه الله خطأ الإخلال بهذا المنهج والعواقب المترتبة على ذلك فيقول في ترجمة محمد بن نصر المروذي : "ولو أنَّا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له ،قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ولا من هو أكبر منهما . والله هو هادي الخلق وهو أرحم الراحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة"261 .
…وقال في ترجمة الإمام ابن خزيمة- رحمه الله - :"ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده - مع صحة إيمانه ، وتوخّيه لاتباع الحق - أهدرناه وبدعناه ، لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه262 .
…فتأمل رحمك الله في هذا العدل والإنصاف . اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا .(1/63)
…وقال ابن القيم رحمه الله : "... فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة ، وأهدرت محاسنه ، لفسدت العلوم والصناعات وتعطلت معالمها"263 .
…وعلَّق على بعض ألفاظ الهروي في منازل السائرين فقال : "في هذا اللفظ قلق وسوء تعبير ، يجبره حسن حال صاحبه وصدقه ، وتعظيمه لله ورسوله ، ولكن أبى الله أن يكون الكمال إلا له"264 .
…وقال الحافظ ابن كثير في ترجمة شيخ الإسلام : "وبالجملة فقد كان رحمه الله من كبار العلماء وممن يخطئ ويصيب ، ولكن خطأه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي ، وخطؤه مغفور له"265 .
…وقال شيخ الإسلام : "ليس من شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين في بعض الصغائر مطلقاً، بل ليس من شرطهم ترك الكبائر والكفر الذي تعقبه توبة"266.
…وقال ابن الأصفهاني : "ليس يجب أن نحكم بفساد كتاب لخطأ ما وقع فيه من صاحبه كصنيع العامة إذا وجدوا من أخطأ في مسألة حكموا على صنعته بالفساد"267 .
…بل إن هذه القاعدة مؤصلة عند العرب قبل الإسلام : روى الخطيب البغدادي عن الشعبي قوله : "كانت العرب تقول : إذا كانت محاسن الرجل تغلب مساوئه فذلكم الرجل الكامل ، وإذا كانا متقاربين فذلكم المتماسك ، وإذا كانت المساوئ أكثر من المحاسن فذلكم المتهتك"268 .
…فدل ذلك على أن هذا المنهج مرتكز في الفطرة ، وموجود عند الأصفياء من بني البشر ، ومعلوم عند العرب في جاهليتهم ، فجاء الإسلام فأقر ذلك بعد أن قوَّمه وهذبه .
…وإليك أخي القارئ هذا الأنموذج العملي لتقرير ما سبق:(1/64)
…قال عبد الله بن الزبير الحميدي : "كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بمكة فقال لي ذات يوم : ها هنا رجل من قريش له بيان ومعرفة ، فقلت له : من هو؟ قال : محمد بن إدريس الشافعي ، وكان أحمد قد جالسه بالعراق ، فلم يزل بي حتى اجترني إليه ، ودارت مسائل ، فلما قمنا قال لي أحمد بن حنبل : كيف رأيت؟ فجعلت أتتبع ما كان أخطأ فيه وكان ذلك مني بالقرشية - أي بالحسد - فقال لي أحمد بن حنبل : فأنت لا ترضى أن يكون رجل من قريش يكون له هذه المعرفة وهذا البيان تمر مائة مسألة يخطئ خمساً أو عشراً ، اترك ما أخطأ وخذ ما أصاب"269 .
…فأين نحن من هذا العدل والإنصاف؟!!
…وقال الإمام الشافعي : "لا أعلم أحداً أعطي طاعة الله ثم لم يخلطها بمعصية الله إلا يحيى بن زكريا عليهما السلام ، ولا عصى الله فلم يخلط بطاعة ، فإن كان كان الأغلب الطاعة فهو العدل ، وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح"270 .
…قال ابن حبان : "العدل إذا ظهرت عليه أكثر أمارات الجرح استحق الترك ، كما أن من ظهرت عليه أكثر أمارات التعديل استحق العدالة"271 .
…وقال ابن الأثير رحمه الله : "... إنما السيد من عدَّت سقطاته وأخذت غلطاته فهي الدنيا لا يكمل فيها شيء"272 .
…وقال ابن القيم رحمه الله : "وكيف يعصم من الخطأ من خُلق ظلوماً جهولاً ، ولكن من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته"273 .
…وقال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : "... ومتى لم تتبين لكم المسألة لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتى يتبين لكم خطؤه ، بل الواجب السكوت والتوقف ، فإذا تحققت الخطأ بينتموه ولم تهدروا جميع المحاسن لأجل مسألة أو مائة أو مائتين أخطأت فيهن فإني لا أدعي العصمة"274 .(1/65)
…وللإمام ابن القيم في هذه المسألة كلام نفيس يكتب بماء الذهب حيث قال رحمه الله : "من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر ، فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل من غيره ، ويعفى عنه ما لا يعفى من غيره ، فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى الخبث ... إلى أن قال : ... وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أن من له ألوف الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها...، وكما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنه بألف شفيع
…وقول الآخر :
وإن يكن الفعل الذي ساء واحداً *** فأفعاله اللاتي سررن كثير
…والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته فأيهما غلب كان التأثير له"275.
…ونختم هذا المبحث بهذا النقل عن شيخ الإسلام الذي يؤصل فيه هذه القاعدة فيقول : "وإنه كثيراً ما يجمع في الفعل الواحد ، أو في الشخص الواحد الأمران : فالذم والنهي والعقاب قد يتوجه إلى ما تضمنه أحدهما ، فلا يغفل عما فيه من النوع الآخر كما يتوجه المدح والأمر والثواب إلى ما تضمنه أحدهما ، فلا يغفل عما فيه من النوع الآخر ، وقد يمدح الرجل بترك بعض السيئات البدعية الفجورية لكن قد يسلب مع ذلك ما حمد به غيره على بعض الحسنات البرية ، فهذه طريق الموازنة العادلة ، ومن سلكه كان قائماً بالقسط الذي أنزل الله له الكتاب بالميزان"276.
المبحث الثالث
خطأ الشخص لا يسري إلى غيره إلا إذا وافقه وأقره(1/66)
…إن من مبادئ الإسلام القائمة على العدل والحق والعلم أن خطأ الشخص لا يسري إلى غيره إلا إذا تواطأ معه ، وأقره على الخطأ ووافقه ، والأصل في ذلك قوله تعالى : {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى?}277 وعليه فإنه من الظلم والجهل أن يعمم خطأ الأفراد على الجماعات والهيئات والحكومات ، والمتأمل في كتاب الله عز وجل يجد العدل والإنصاف في الأحكام على الجماعات من الناس ، ومن ذلك:
…قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى ?لَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ?لْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى? كِتَابِ ?للَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى? فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ}278 .
…وقال تعالى : {وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ?للَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ?لَّذِينَ أُوتُواْ ?لْكِتَابَ كِتَابَ ?للَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}279 .
…وقال تعالى : {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ?لْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً..}280 الآية .
…وقال تعالى : { يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى? قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}
…وقال تعالى : {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِ?لْحَقِّ وَلَـ?كِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}281 .
…إلى غير ذلك من الآيات ، والمتأمل فيها يجد أنها جاءت بلفظ فريق ، كثير ، وهذا يدل على أن طائفة من الناس أو أكثرهم قاموا بتلك المخالفات ووقعوا فيها ، وهذا لا يدل على شمولية الحكم على كل طائفة .(1/67)
…ويحسن بنا أن نورد هنا ما ذكره الدكتور زيد بن عبد الكريم الزيد حيث قال : "ولأجل هذا لا يصلح أن تنتقد جماعة لخطأ وقع فيه بعض من ينتمي إليها ، حتى ولو كان هذا الخطأ صدر من رئيسها ، إذ ليست كل أقواله وأفعاله تنسب إلى الجماعة وتتحمل تبعتها ، وإن من يعيب جماعة من الجماعات الإسلامية لخطأ بعض أفرادها فمثله كمثل من يعيب جهلاً وظلماً الإسلام ، ألسنا نقول للناس لا تنظروا إلى الأفراد؟ ولكن انظروا إلى الإسلام بصفته وحياً في القرآن والسنة ، وعندها ستجدونه شرعاً فريداً"282.
…ولهذا نرى تخبط كثير من الناس في هذا المنهج يتهمون أمة كاملة في عقائدها ونياتها ومقاصدها بسبب خطأ بعض أفرادها ، وقد بين الدكتور عبد الله الرحيلي خطأ هذا المنهج فقال : "من النظرة المنهجية الصحيحة تجاه قضية ما - كقضية الجهاد في أفغانستان على سبيل المثال - أن لا تسقط قضية شعب بخطأ فرد - أو أفراد - وأن لا نضحي بجهاد أمة مثلاً بسبب خطأ طارئ ، وإلا نكن قد أسقطنا الخير بالشر"283اهـ.
المبحث الرابع
الورع عند نقل الخطأ وعدم التحامل
…الأصل في هذا قوله تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى? أَلاَّ تَعْدِلُواْ ?عْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى?}
…قال شيخ الإسلام : "وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم الكفار ، وهو بغض مأمور به فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه - فكيف في بغض مسلم بتأويل وشبهة أو بهوى نفس؟! فهو أحق ألا يظلم بل يعدل عليه284 .
…وبالعدل قامت السماوات والأرض ، وقد حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً .
…لذا فإن الواجب على المسلم أن يلتزم هذا الميزان عندما ينقل أخطاء الآخرين .(1/68)
…يوضح لنا ذلك ما نقله زيد بن أسلم عن أبيه قال : "قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا أسلم لا يكن حبك كلفاً ، ولا بغضك تلفاً ، قلت : وكيف ذلك ؟ قال : إذا أحببت فلا تكْلَف كما يَكْلَف الصبي بالشيء يحبه ، وإذا أبغضت فلا تبغض بغضاً تحب أن يتلف صاحبك ويهلك"285 .
…وقال أبو الأسود الدؤلي :
وأحبب إذا أحببت حُبَّاً مقارباً *** فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت غير مباين *** فإنك لا تدري متى أنت راجع
…وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : "أحبب حبيبك هوناً ما فربما يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك يوماً ما فربما يكون حبيبك هوماً ما"286.
…ومن النشاز عن هذا المنهج أن بعضاً من الناس إذا أحب شخصاً انقلبت سيئاته إلى حسنات ، وإذا أبغض آخر تحولت حسناته إلى سيئات ، فهو بين قديس وإبليس ، كما قال الشاعر :
نظروا بعين عداوة لو أنها *** عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا
…وقال الآخر :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا
…والمنهج الوسط في ذلك أن تنقل الأخطاء كما وقعت دون زيادة وتضخيم . وذلك أن جرح الآخرين ونقدهم إنما أجيز للضرورة الشرعية فلا يتجاوز قدرها ، ولذلك حكموا بأنه لا يجوز الجرح بما فوق الحاجة287 .
…وقد قال الذهبي رحمه الله : "والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع"288.
…وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "وكذلك بيان من غَلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية ، فهذا إذا تكلَّم فيه الإنسان بعلم وعدل ، وقصد النصيحة ، فالله يُثيبه على ذلك ، لا سيما إذا تكلَّم فيه داعياً إلى بدعة ، فهذا يجب بيان أمره للناس ، فإنَّ دفع شره عنهم أعظم من دفع شرّ قاطع الطريق"289 .
…ومن الورع في ذلك ما ذكره السخاوي رحمه الله في فتح المغيث : "أنه لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد"290 .(1/69)
…وقال في كتابه النفيس : "الإعلان بالتوبيخ لمن ذمَّ أهل التواريخ "ص68-69" وإذا أمكنه الجرحُ بالإشارة المفهمة أو بأدنى تصريح لا تجوزُ له الزيادةُ على ذلك ، فالأمورُ المرخَّص فيها للحاجة لا يُرتَقى فيها إلى زائدٍ على ما يُحَصَّلُ الغَرَض . وقد رَوَينا عن المُزَني قال : سَمِعَني الشافعي يوماً وأنا أقول : فلان كذاب ، فقال لي : يا إبراهيم اكسُ ألفاظك ، أحسِنها ، لا تقل : كذاب ، ولكن قُلْ : حديثُه ليس بشيء .
…ونحوهُ أنَّ البخاري كان لمزيد وَرَعِه قلَّ أن يقول : كذَّاب أو وضَّاع . أكثَرُ ما يقول : سكتوا عنه ، فيه نظر ، تركوه ، ونحو هذا . نعم ربما يقول : كذَّبه فلان ، أو رماه فلان بالكذب".
…وقال العز بن عبد السلام : "لا يجوز للشاهد أن يَجرح بذنبين مهما أمكن الاكتفاء بأحدهما ، فإن القدح إنما يجوز للضرورة ، فيقدر بقدرها ، ووافقه عليه القرافي ، وهو ظاهر"291 .
…ومن الورع أن ينقل الخطأ باللفظ الصادر دون تعرض للمعنى والتفسير ويعلل ذلك ابن الوزير بأن حكاية كلام الخصوم بالمعنى فيه ظلم لهم لأن الخصم اختار لفظاً وعبارة ارتضاها لبيان مقصده292 .
…وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن من تمام المعرفة بأقوال الناس نقل ألفاظهم بدقة فيقول : "وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم ، وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس ، ويتعذر على بعضهم"293 .
…وقال أيضاً : "والناقل الذي لا غرض له إما أن يحكي الأمور بالأمانة ، وإما أن يعطي كل ذي حق حقه"294.
…وهذا الإمام الذهبي يطبق هذا المنهج ، فقد نقل في ترجمة أبي عبد الله الحاكم أن ابن طاهر قال فيه : سألت أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري عن الحاكم فقال : إمام في الحديث رافضي خبيث ، قلت - أي الذهبي -: الله يحب الإنصاف ما الرجل برافضي بل شيعي فقط295.(1/70)
…وإنما يحيد الإنسان عن الحق والعدل باتباعه للهوى ، وقد توافرت النصوص والآثار في التحذير من هذه الآفة ، فقد قال ابن تيمية -رحمه الله- في ذمه للهوى : "وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه ، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ، ولا يرضى لرضا الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله . بل يرضى إذا حصل ما يرضاه هواه ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ، ويكون مع ذلك معه شبهة دين : أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة ، وأنه الحق ، وهو الدين ، فإذا قُدِّر أن الذي معه الحق المحض دين الإسلام ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته ، أو الرياء ليُعظم هو ويثنى عليه أو فعل ذلك شجاعةً وطبعاً ، أو لغرض من الدنيا : لم يكن لله ، ولم يكن مجاهداً في سبيل الله ، فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره معه حق وباطل ، وسنة وبدعة ، ومع خصمه حق وباطل ، وسنة ، بدعة؟!"296.
…ومن الورع والعدل إنكار موضع الخطأ فقط إذا كان الكلام يجمع خطأ وصواباً ، فتعميم التخطئة مخالف لهدي المصطفى ? .
…يدل على ذلك ما أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : جاء النبي ? فدخل حين بُنِي علي ، فجلس على فراشي كمجلسي منك ، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ، إذ قالت إحداهن : وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال : "دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين"297 .
…وفي رواية الترمذي فقال رسول الله ? : "اسكتي عن هذه وقولي الذي كنت تقولين قبلها"298 .
…وفي رواية ابن ماجه ، فقال : "أما هذا فلا تقولوه ما يعلم ما في غد إلا الله"299 .(1/71)
…ومن الورع العدل وعدم المحاباة في التنبيه على الأخطاء : قال الله تعالى : {وَإِذَا قُلْتُمْ فَ?عْدِلُواْ} وقال : {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ?لنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِ?لْعَدْلِ} ولم يمنع كون أسامة بن زيد حب النبي ? وابن حبه أن يشتد عليه الإنكار حينما حاول أن يشفع في حد من حدود الله ، فقد روت عائشة -رضي الله عنها- أن قريشاً أهمَّهُم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي ? في غزوة الفتح ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ?؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله ? ؟ فأتي بها رسول الله ? ، فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلوَّن وجه رسول الله ? فقال : "أتشفع في حد من حدود الله"، فقال أسامة : استغفر لي يا رسول الله . فلما كان العشي قام رسول الله ? فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : "أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها300 .
…ومن الورع عند النقل للأخطاء أن لا تتهم النيات بل ينقل الخطأ كما حدث ولا يتجاوزه إلى غيره .
…فإن من قواعد الإسلام البينة أن القلوب علمها عند الله تعالى ، وعلى الناس ألا يأخذوا إلا بالظاهر والله يتولى السرائر ، وقد جاءت الآثار بذلك فمنها : عن أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنه- قال : بعثنا رسول الله ? في سرية ، فصبحنا الحرقات من جهينة ، فأدركت رجلاً ، فقال : لا إله إلا الله ، فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي ? فقال رسول الله ? : "أقال لا إله إلا الله وقتلته؟!" قال : قلت : يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح! قال : "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا!". فما زال يكررها ، حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ301.(1/72)
…وفي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- في ذكر أوصاف الخوارج: قال خالد : وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟! فقال رسول الله ? : "إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم"302.
…وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة"303 .
المبحث الخامس
عدم تتبع الأخطاء والعثرات
وألا يجعل المسلم نفسه حكماً على الآخرين
…إن منهج تتبع الأخطاء والعثرات مرفوض شرعاً ، ثبت عن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ? : "إنك إن تتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت تفسدهم"304 .
…وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ? : "يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع أو الجدل في عينه"305 .
…وأخرج الإمام مالك في الموطأ أنه بلغه أن عيسى عليه السلام كان يقول : "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون . ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب ، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد ، فإنما الناس مبتلى ومعافى ، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية"306.
…وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن من علامات أهل السعادة والموفقين للتوبة الإمساك عن عيوب الناس والفكر فيها فإنه من شغل بعيب نفسه ، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس ، هذا من علامة الشقاوة كما أن الأول من أمارات السعادة307 .
…وهذه القاعدة يمكن أن تستفاد أيضاً من الأحاديث الواردة في النهي عن التجسس ، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ? قال : "إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث . ولا تَحسسوا ولا تجسَّسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً"308 .(1/73)
…فالتجسس وتتبع العثرات والسقطات يدل على فساد القصد وسوء الطوية ،ورحم الله الرافعي إذ يشبه أهل هذا الصنف "بأن منهم من تجدهم قوماً سوساً كطبع السوس لا ينال شيئاً إلا نخره أو عابه . وقوماً دوداً كطبع الدود لا يقع في شيء إلا أفسده أو قذَّره"309.
…إنه طبع الدود والذباب الذي ارتضاه طائفة من البشر فأصبح همهم وغرضهم وديدنهم تتبع السقطات والعثرات مع التغافل عن الحسنات . ورحم الله الشعبي إذ يقول : "لو أصبت تسعاً وتسعين ، وأخطأت واحدة ، لأخذوا الواحدة وتركوا التسع والتسعين"310.
…وختاماً كن مع الناس كالنحل ، الذي يقع على أحسن الزهور وأطهر الزروع ؛ فيجتني منها ما يفيده ،وما يخدم به الناس . ودع مساوئهم وأخطاءهم . ولا تكن كالذباب الذي يقع على أقذر الأشياء وينشرها في الناس ويؤذي بها الأحياء .
…صِنْفٌ من الناس يصوِّب نظره إلى عنصر الخير في الناس ويتعامل معهم على أساسه ، وينشره فيهم ، فهو كالنحل الذي لا يقع إلا على الزهور والرياحين الزاكية النظيفة ؛ فيجتني منها ما ينفعه وينفع الآخرين .
…وصِنْفٌ آخر يصوِّب نظره إلى عنصر الشر في الناس وإلى الرذائل فيهم ، ويتعامل معهم على أساسه ، وينشره فيهم فيؤذي نفسه ويؤذي الآخرين ، فهو كالذباب الذي لا يقع إلى على أقذر الأشياء وينشرها بين الناس ويؤذي بها الأحياء . فكن كالأول تسعَدْ وتُسْعِد ، ولا تكن كالثاني ، تَشْقَ وتُشْقِ311 .
المبحث السادس
الأثر المترتب على الخطأ بالنسبة للحقوق
…الأصل في الشريعة الإسلامية أن المسؤولية الجنائية لا تكون إلا عن فعل متعمد حرمه الشارع ، ولا تكون عن الخطأ لقوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـ?كِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}312 ولقوله ? : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"313.(1/74)
…وجمهور الفقهاء على أن الخطأ عذر في إسقاط بعض حقوق الله تبارك وتعالى وليس فيها كلها ، فاعتبره الشارع عذراً في سقوط الإثم عن المجتهد ، وشبهة دارئة في العقوبات ، وأما حقوق العباد فلا تسقط بالخطأ ، فيجب ضمان المتلفات خطأ .
…قال الزركشي : المراد من قوله ? : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" أما في الحكم فإن حقوق الآدميين العامد والمخطئ فيها سواء ، وكذلك في بعض حقوق الله تعالى314 .
…وقال القرطبي : "عند الكلام على قوله تعالى : {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} المعنى : اعف عن إثم ما يقع منا على هذين الوجهين أو أحدهما ، وهذا لم يختلف فيه أن الإثم مرفوع ، وإنما اختلف فيما تعلق على ذلك من الأحكام هل ذلك مرفوع لا يلزم منه شيء أو يلزم أحكام ذلك كله؟ اختلف فيه. والصحيح أن ذلك يختلف بحسب الوقائع ، فقسم لا يسقط باتفاق كالغرامات والديات والصلوات المفروضات .
…وقسم يسقط باتفاق كالقصاص والنطق بكلمة الكفر ، وقسم ثالث يختلف فيه كمن أكل ناسياً في رمضان ، أو حنث ساهياً وما كان مثله مما يقع خطأ ونسياناً ويعرف ذلك في الفروع"315 .
…وممن ذهب إلى أن الفعل الواقع خطأ غير مؤاخذ عليه مطلقاً إلكِيا الهراسي الذي قال عند الكلام على قوله تعالى : {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} يقتضي رفع المؤاخذة بالمنسي ، والمؤاخذة منقسمة إلى مؤاخذة في حكم الآخرة وهو الإثم والعقاب ، وإلى مؤاخذة في حكم الدنيا وهو إثبات التبعات والغرامات ، والظاهر نفي حكم جميع ذلك ، وقوله عليه الصلاة والسلام : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" يقتضي رفع الخطأ مطلقاً ورفع حكمه316 .
…والذي عليه جمهور العلماء والأئمة أن ضمان المتلفات والديات وكل ما يتعلق بحقوق العباد لا يسقط بحال حتى أنهم أطبقوا على أن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء317 .(1/75)
…وبالجملة فموطن تفصيل هذه القضايا في كتب الفقه ، وما أردت بهذه الرسالة أن تكون فقهية صرفة ، وإنما أردت أن أجمع قواعد عامة كلية يستفيد منها العامة والخاصة ، والله من وراء القصد .
الخاتمة
وأخيراً :
…بعد هذه الجولات في ثنايا هذا البحث أحب أن أورد بعض الثمرات والنتائج:
…1- أن الخطأ والإثم متغايران لا يجتمعان .
…2- أن إثبات الخطأ على الآخرين ليس أمراً ميسوراً ، وكلأً مباحاً ، بل دون ذلك قواعد وأسس وضوابط حري بالمسلم أن يسلكها إن أراد النجاة .
…3- أن إحسان الظن بالمسلم وحمل أمره على أحسن المحامل هو الأصل في تعاملات المسلمين إلا ما شذ عن ذلك .
…4- أن من تمام الأخوة التناصح والستر فصديقك من صَدَقَك لا من صدَّقَك ، وإن مما يهدم هذا البناء الشامخ إشاعة الأخطاء والتعبير بها .
…5- أن المخطئ المجتهد مأجور غير مأزور فلا ينكر عليه ولا يعاب .
…6- أن الخطأ اليسير مغتفر في جانب الخير الكثير ، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث .
…7- أن أخطاء الأشخاص لا تسري على جماعاتهم وفرقهم إلا إذا كان من أساسيات منهجهم أو أقروه على ذلك ولم ينكروا عليه .
…8- الورع عند نقل الأخطاء والحكم بها فبالعدل قامت السماوات والأرض .
…9- أن تتبع الأخطاء والعثرات والفرح بها منهج مرفوض شرعاً .
…10- أن الحق أبلج والباطل لجلج ولا يضل إلا من في قلبه هوى ، فقد رأينا كيف أصَّل علماؤنا تلك القواعد ، وكيف وضعوا ذلك الفقه النيِّر .
والله من وراء القصد .
…وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
* * *
1 أخرجه البخاري [ج5 ص258 رقم2651] ومسلم [ج4 ص1962 رقم2533].
2 مجموع الفتاوى [ج35 ص69].
3 مجموع الفتاوى [ج19 ص204] وانظر الإحكام للآمدي [ج4 ص24].
4 رواه ابن ماجة [ج1 ص659 رقم2043] وأحمد [ج2 ص255] وابن حبان [ج16 ص202 رقم7219] والحاكم [ج2 ص216] وقال : على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .
5 صحيح مسلم [ج1 ص116 رقم126] .(1/76)
6 لسان العرب ، مادة خطأ ، [ج1 ، ص65] وما بعدها .
7 النهاية في غريب الحديث ، [ج2 ، ص44] ، والمصباح المنير ، مادة "خطو" .
8 التعريفات ، [ص99 ، 100].
9 التلويح ، [ج2 ، ص195].
10 لسان العرب ، مادة غلط ، [ج7 ، ص363].
11 انظر ، منهاج الطالبين ، [ج2 ، ص115] ، والمهذب [ج1 ، ص233] ، وحاشية ابن عابدين [ج7 ، ص422].
12 حاشية العدوي على الخرشي ، [ج7 ، ص122].
13 الموسوعة الفقهية ، [ج19 ، ص130] ، مادة خطأ .
14 أخرجه الترمذي [كتاب صفة القيامة ، رقم 2499] وقال : حديث غريب ، وابن ماجة [كتاب الزهد ، رقم 4215] والدارمي [كتاب الرقاق ، رقم 2727] وأحمد [ج3 ، ص198] وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة [ج2 ، ص418].
15 أخرجه مسلم [كتاب التوبة ، رقم 2749] والترمذي [صفة الجنة ، رقم 252].
16 النساء : 82 .
17 الآداب الشرعية ، [ج2 ، ص141] .
18 مسند أبي يعلى ، [ج1 ، ص465].
19 الآداب الشرعية ، ج[2 ، ص141] ، وسير أعلام النبلاء ، [ج9 ، ص181].
20 كتاب العلل الصغير في آخر كتاب الترمذي ، [ج5 ، ص747 - 748].
21 مجموع الفتاوى ، [ج11 ، ص66-67].
22 مدارج السالكين ، [ج2 ، ص522].
23 الآداب الشرعية ، [ج2 ، ص141].
24 المصدر السابق ، [ج2 ، ص142].
25 المصدر السابق ، [ج2 ، ص142].
26 الحجرات : 6 .
27 الموضح في وجوه القراءات ، [ج3 ، ص1195] ، النشر ، [ج2 ، ص251] ، المهذب في القراءات العشر ، [ج2 ، ص247].
28 فتح القدير ، [ج5 ، ص60].
29 النساء : 94 .
30 الإسراء : 36 .
31 النساء : 83 .
32 رواه أبو داود [كتاب الأدب باب في قول الرجل زعموا ، رقم 4972] وأحمد [ج4 ، ص119] والبغوي [ج12 ، ص361] وأورده الألباني في الصحيحة برقم 866 .
33 شرح السنة [ج12 ، ص361].
34 معالم السنة [ج4 ، ص130].(1/77)
35 .انظر ، فتح المغيث [ج1 ، ص288] ، والكفاية [ص150] ، ومقدمة ابن الصلاح ، [ص143] ، وتدريب الراوي [ص205] ، والخلاصة للطيبي ، [ص90] ، وإرشاد الفحول ، [ص67] .
36 رواه مسلم [المقدمة باب النهي عن الحديث بكل ما سمع ، ج1 ، ص10 ، رقم5] وأبو داود [كتاب الأدب ، رقم 4993] من حديث أبي هريرة .
37 المجروحين ، [ج1 ، ص6].
38 رواه البخاري [ج11 ، ص46 ، رقم 6259] ومسلم [ج4 ، ص1941 ، رقم 2494] وأبو داود [ج3 ، ص47 ، رقم 2650] وسيأتي تخريجه .
39 سنن النسائي [كتاب أدب القضاة باب الاستعداء ، ج8 ، ص240 ، رقم 5409] وفي صحيح سنن النسائي [برقم 4999].
40 صحيح البخاري [ج2 ، ص851 ، رقم 2288] ومسلم [ج1 ، ص560 ، رقم 818].
41 انظر الأساليب النبوية في التعامل مع الأخطاء ، [ص41-43].
42 صحيح مسلم المقدمة ، [ج1 ، ص11].
43 تذكرة الحفاظ ، [ج1 ، ص80].
44 تذكرة الحفاظ ، [ج1 ، ص6].
45 صحيح مسلم ، المقدمة [ج1 ، ص11].
46 صحيح مسلم ، المقدمة {ج1 ، ص11].
47 شرح صحيح مسلم ، [ج1 ، ص75].
48 المصدر السابق ، [ج1 ، ص75].
49 تفسير الطبري ، [ج2 ، ص557].
50 فتاوى شيخ الإسملا ، [ج10 ، ص382].
51 إنصاف أهل السنة [ص75] وأحال على ذيل التبر المسبوك للسخاوي ، [ص4].
52 روضة العقلاء ، [ص119].
53 مجموع الفتاوى ، [ج28 ، ص223].
54 المصدر السابق ، [ج19 ، ص440].
55 منهج شرعي في تلقي الأخبار وروايتها .
56 أخلاقنا الاجتماعية ، [ص60].
57 علوم الحديث ، [ص231].
58 قواعد التحديث ، [ص185] وانظر المواهب اللدنية ، [ج5 ، ص395].
59 صحيح مسلم ، المقدمة [ج1 ، ص15] شرح علل الترمذي [ج1 ، ص359].
60 المجروحين ، [ج1 ، ص27] وانظر فتح المغيث ، [ج3 ، ص5] وتدريب الراوي ، [ص359].
61 منهاج السنة ، [ج2 ، ص413].
62 تاريخ بغداد ، [ج7 ، ص40].
63 صيد الخاطر ، [ص374].
64 الآداب الشرعية ، [ج2 ، ص140].
65 المصدر السابق ، [2/140].
66 الحماس الذي نريد ، [ص44].(1/78)
67 الكفاية ، [ص103].
68 الحجرات : 6 .
69 البقرة : 282 .
70 انظر تدريب الراوي ، [ص300] ومكانة الصحيحين ، [ص106].
71 انظر علوم الحديث لابن الصلاح ، [ص94] ، وتدريب الراوي [ص301].
72 الآداب الشرعية ، [ج2 ، ص144].
73 صحيح مسلم ، المقدمة ، [ج1 ، ص15].
74 انظر الانتقاء لابن عبد البر ، [ص16] ، والتمهيد [ج1 ، ص66] والمحدث الفاصل [ص403].
75 المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل ، [ص265].
76 المصدر السابق ، [ص443].
77 ميزان الاعتدال ، [ج2 ، ص118] ، وانظر تهذيب التهذيب [ج3 ص461].
78 تهذيب التهذيب ، [ج1 ص36].
79 انظر الآداب الشرعية [ج2 ص140-141].
80 الكفاية للخطيب البغدادي ، [ص4-5].
81 جامع بيان العلم وفضله ، [ج2 ص1093].
82 المصدر السابق ، [ج2 ، ص1092].
83 ميزان الاعتدال ، [ج3 ، ص81].
84 المصدر السابق ، [ج1 ، ص111].
85 تهذيب التهذيب ، [ج8 ص81].
86 ميزان الاعتدال ، [ج3 ص479].
87 المصدر السابق ، [ج2 ص418].
88 الرفع والتكميل ، [ص429].
89 جامع بيان العلم وفضله [ج2 ، ص155].
90 انظر سير أعلام النبلاء ، [ج7 ص143].
91 سير أعلام النبلاء ، [ج14 ، ص310].
92 سير أعلام النبلاء ، [ج7 ص40-41].
93 الحشر : 10 .
94 الأم ، [ج6 ، ص206].
95 جامع بيان العلم وفضله [ج2 ص152].
96 قاعدة في الجرح والتعديل ، [ص13] تحقيق عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله .
97 ميزان الاعتدال ، [ج3 ، ص393].
98 المصدر السابق [ج3 ، ص138-140].
99 سير أعلام النبلاء [ج15 ص564].
100 سير أعلام النبلاء [ج11 ص204].
101 المصدر السابق [ج10 ص8-9].
102 المصدر السابق [ج8 ص448].
103 طبقات الشافعية [ج1 ، ص190].
104 الرد الوافر [ص197].
105 الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع [ج1 ص201].
106 هدي الساري [ص428].
107 سير أعلام النبلاء [ج14 ص40].
108 المصدر السابق [ج14 ، ص374].
109 قاعدة في الجرح والتعديل [ص54].
110 الكفاية [ص138].
111 تهذيب التهذيب [ج3 ص303].(1/79)
112 مجموع الفتاوى [ج6 ص303].
113 قاعدة في الجرح والتعديل [ص93].
114 ترتيب المدارك [ج2 ص615].
115 الفقيه والمتفقه [ج2 ص69].
116 الفقيه والمتفقه [ج2 ص69].
117 الآداب الشرعية [ج1 ص186].
118 انظر الآداب الشرعية [ج1 ص170] والفقه الغائب [ص183].
119 الآداب الشرعية [ج1 ص186].
120 جامع العلوم والحكم [ص306].
121 الفتاوى [ج20 ص207].
122 الفقه الغائب [ص183].
123 الروح [ج2 ص774] تحقيق بسام العموش .
124 الدرر السنية [ج1 ص43].
125 انظر الإنكار في مسائل الخلاف [ص63-67].
126 انظر فتاوى شيخ الإسلام [ج20 ص214] والإنكار في مسائل الخلاف [ص71].
127 انظر مجموع الفتاوى [ج20 ص185].
128 صحيح مسلم ، رقم 537 .
129 الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس [ص19].
130 انظر للاستزادة كتاب "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" لشخ الإسلام ابن تيمية ، وكتاب "الإيقاف على سبب الاختلاف" للسندي ، وكتاب "الخلاف بين العلماء وموقفنا منه" لابن عثيمين .
131 سير أعلام النبلاء [ج10 ص154].
132 انظر قواعد في التعامل مع العلماء [ص128-129].
133 الحجرات : 12 .
134 النور : 12 .
135 رواه البخاري [كتاب الآداب رقم 6064] ومسلم [كتاب البر والصلة رقم 2563] .
136 رواه أبو داو [رقم 4880] والترمذي [رقم2032] وأحمد [ج4 ص420] والبيهقي في سننه [ج1 ص247] وفي دلائل النبوة [ج6 ص256] وهو صحيح .
137 أورده السيوطي في الدر المنثور [ج6 ص99] وعزاه لأحمد في الزهد ولم أجده فيه .
138 أخرجه أبو الشيخ في التوبيخ والتنبيه [ص189 رقم157] وأورده السيوطي في الدر المنثور [ج6 ص99] وعزاه للبيهقي في الشعب .
139 حلية الأولياء [ج2 ص285].
140 أخرجه ابن سعد في الطبقات [ج3 ص557] وأورده الذهبي في السير [ج6 ص243].
141 أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق [ص388 رقم73].
142 غربة الإسلام لابن رجب [ص87].
143 آداب الشافعي للرازي [ص274].
144 سير أعلام النبلاء [ج18 ص459].(1/80)
145 ميزان الاعتدال [ج3 ص38].
146 مدارج السالكين [ج3 ص521].
147 الاستقامة [ج1 ص92].
148 أحكام صفة الكلام للقلاعي [ص79].
149 رواه مسلم [كتاب الإيمان رقم 55] والنسائي [كتاب البيعة رقم 4197 4198] وأبو داود [كتاب الأدب رقم 4944].
150 رواه البخاري [كتاب الإيمان رقم 57] ومسلم [كتاب الإيمان رقم 56 ] والترمذي [كتاب البر والصلة رقم 1925].
151 البداية والنهاية [ج9 ص348].
152 تاريخ داريا [ص77].
153 تاريخ بغداد [ج5 ص98].
154 سبق تخريجه.
155 الفرق بين النصيحة والتعيير [ج13 ص14].
156 شرح الإحياء للزبيدي [ج8 ص566].
157 صحيح مسلم [ج1 ص236 رقم285] وأخرجه البخاري [ج1 ص89 رقم216] مختصراً .
158 رواه البخاري [ج2 ص684 رقم 1834] ومسلم [ج2 ص783 رقم 1112].
159 رواه أحمد في المسند [ج3 ص54] وقال الهيثمي في المجمع [ج2 ص25] : إسناده حسن .
160 رواه البخاري [ج5 ص3307 رقم 5897] ومسلم [ج1 ص298 رقم 397].
161 رواه البيهقي في الكبرى [ج1 ص46] وهو في السلسلة الصحيحة رقم 2820 .
162 سنن النسائي [كتاب التطبيق باب كيف التشهد الأول] وهو في صحيح سنن النسائي [ج2 ص240 رقم1119].
163 صحيح البخاري [الفتح ج2 ص23 رقم2312].
164 صحيح البخاري [ج1 ص248 رقم670] ومسلم [ج1 ص340 رقم416].
165 المجتبي [ج8 ص170 رقم5188] وابن حبان [ج12 ص301 رقم5479].
166 صحيح البخاري [ج8 ص1603 رقم4165] ومسلم [ج4 ص2129 رقم 769] .
167 صحيح مسلم [كتاب الأشربة ج3 ص1599 رقم2021].
168 شرح صحيح مسلم [ج13 ص192].
169 وثمة أساليب أخرى في معالجة الخطأ ذكرها الشيخ محمد المنجد في كتابه القيم "الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس" فليراجع .
170 النحل : 125 .
171 الفرق بين النصيحة والتعيير [ص12].
172 إعلام الموقعين [ج3 ص15-16].
173 النور : 12 .
174 انظر تفسير الطبري [ج9 ص284] والقرطبي [ج12 ص202] والسيوطي [ج5 ص60].
175 تفسير القرطبي [ج12 ص202].(1/81)
176 تفسير الطبري [ج9 ص284].
177 تفسير القرطبي [ج12 ص202].
178 تفسير القرطبي [ج12 ص203].
179 مفتاح دار السعادة [ج1 ص398].
180 سير أعلام النبلاء [ج8 ص407].
181 الأخلاق والسير [ج6 ص6].
182 الشورى : 42 .
183 الأخلاق والسير [ص65-66].
184 إعلام الموقعين [ج1 ص86].
185 أدب الطلب ومنتهى الأدب [ص88-89].
186 أساس البلاغة .
187 منهاج السنة النبوية .
188 الوجيز في الميراث [ص18].
189 طبقات الشافعي [ج1 ص237].
190 تاريخ بغداد [ج3 ص183].
191 الفقه الغائب [ص180].
192 رواه البخاري [ج3 ص1339 رقم3661].
193 رواه البخاري [ج3 ص1339 رقم3661].
194 السلسلة الصحيحة رقم 2608 وعزاه إلى الخرائطي في مساوئ الأخلاق والضياء في المختارة ، وأورده ابن كثير في تفسير سورة الحجرات ، [ج7 ص363] ط. دار الشعب .
195 النور : 19 .
196 تفسير ابن كثير [ج3 ص275].
197 تفسير السعدي [ج5 ص400].
198 رواه البخاري [كتاب المظالم والغصب ، رقم الحديث 2442] ومسلم [كتاب البر والصلة رقم 2580] وأبو داود [كتاب الأدب رقم الحديث 4893] والترمذي [كتاب الحدود رقم 1426] .
199 أخرجه البخاري [كتاب النكاح رقم 5063] ومسلم [كتاب النكاح رقم 1401].
200 أخرجه البخاري [كتاب الوضوء رقم الحديث 216] ومسلم [كتاب الطهارة رقم 292].
201 فتح الباري [ج1 ص220].
202 رواه البخاري [ج2 ص981 رقم 2548].
203 رواه البخاري [ج5 ص2263 رقم 5750] ومسلم [ج4 ص1829 رقم 2356].
204 رواه البخاري [ج1 ص160 رقم 401] ومسلم [ج1 ص389 رقم 550].
205 المجتبي [ج2 ص156 رقم947] وأحمد [ج5 ص363.
206 أخرجه البخاري [كتاب المساقاة ج2 ص832 رقم 2231] ومسلم [كتاب الفضائل ج4 ص1829 رقم 2357].
207 تفسير القاسمي [ج5 ص278 ].
208 التوبيخ والتنبيه لأبي الشيخ [ص161-162 رقم131].
209 الأدب المفرد [ص120 رقم325] والتوبيخ والتنبيه [ص162 رقم132].(1/82)
210 التوبيخ والتنبيه [ص161 رقم130] والصمت لابن أبي الدنيا [ص143 رقم132].
211 الأدب المفرد [ص120 رقم246] والزهد لوكيع [ج3 ص768 رقم450] وهناد [ج2 ص645 رقم الحديث 1401] والحلية [ج4 ص160] والتوبيخ والتنبيه [ص160 رقم129].
212 التوبيخ والتأنيب [ص165 رقم136].
213 الفرق بين النصيحة والتعيير .
214 رواه الترمذي [كتاب صفة القيامة ج4 ص662 رقم 250] وقال : حسن غريب ، والطبراني في الكبير [ج22 ص53 رقم127] والشهاب في مسنده [ج2 ص77 رقم917].
215 الفرق بين النصيحة والتعيير [ص19].
216 انظر فقه التعامل مع المخالف [ص116-122].
217 إنصاف أهل السنة [ص94].
218 الرفع والتكميل [ص67].
219 مجموع الفتاوى [ج28 ، ص219].
220 انظر الرد على المخالف من أصول الإسلام [ص60-61].
221 انظر مفتاح دار السعادة [ج1 ص80].
222 الفرق بين النصيحة والتعيير [ص17].
223 المصدر السابق [ص20].
224 المصدر السابق [ص20].
225 التوبة : 107 .
226 أخرجه البخاري [كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، رقم 7352] ومسلم [كتاب الأقضية رقم 1716].
227 الجامع لأحكام القرآن [ج11 ص205].
228 الفتاوى [ج33 ص41].
229 الجامع لأحكام القرآن [ج11 ص205].
230 الفتاوى [ج19 ص123].
231 المصدر السابق [ج20 ص167].
232 منهاج السنة [ج5 ص239].
233 الفتاوى [ج35 ص69].
234 منهاج السنة [ج4 ص452].
235 الاتباع [ص29].
236 إعلام الموقعين [ج3 ص295].
237 المجموع الثمين [ج3 ص24].
238 المائدة : 49 .
239 ص: 26 .
240 الموافقات [ج4 ص167].
241 رواه أبو داور [ج1 ص93 رقم 336 كتاب الطهارة] [باب في المجروح يتيمم] والدارقطني [ج1 ص90] وله شاهد رواه أحمد في مسنده [ج1، ص370] والدارمي في سننه [ج1 ص56 رقم758] الطهارة ، باب المجروح تصيبه الجنابة .
242 رفع الملام [ص48].
243 المؤمنون : 102 ، 103 .
244 الجامع بيان العلم [ج2 ص48].
245 الكفاية [ص172] تهذيب الكمال [ج1 ص161].(1/83)
246 أخرجه أبو داود [ج4 ص133 رقم 4375] وأحمد [ج6 ص181] وابن حبان [ج1 ص296 رقم94] والبيهقي في الكبرى [ج8 ص297] وأبو يعلى [ج8 ص393 رقم4953] وقال الألباني : صحيح .
247 النهاية في غريب الحديث [ج5 ص285].
248 رواه البخاري [ج4 ص19 كتاب الجهاد باب الجاسوس] [وج5 ص9 كتاب المغازي باب فضل من شهد بدر] و[ج5 ص89 المغازي باب غزوة الفتح] ومسلم [ص1941 رقم 2494 فضائل الصحابة باب من فضائل أهل بدر] وأبو داود [ج3 ص47 رقم 2650 2561 ، الجهاد ، باب في حكم الجاسوس] والترمذي [ج5 ص82 رقم 3360] كتاب التفسير ، سورة الممتحنة .
249 مفتاح دار السعادة [ج1 ص176].
250 أخرجه البخاري [كتاب الحدود رقم6780].
251 البداية والنهاية [ج9 ص100] والكفاية [ص138].
252 القواعد لابن رجب [ص3].
253 سير أعلام النبلاء [ج9 ص181] والآداب الشرعية [ج2 ص141] .
254 كتاب العلل الصغير للترمذي في آخر كتاب الجامع [ج5 ،ص747 - 748].
255 سير أعلام النبلاء [ج16 ، ص127].
256 جامع بيان العلم وفضله [ج2 ص166].
257 الاستقامة [ج1 ص297].
258 السير ، [ج20 ص46 ].
259 سير أعلام النبلاء [ج16 ص285].
260 المصدر السابق [ج5 ص271].
261 المصدر السابق [ج14 ص40].
262 المصدر السابق [ج14 ص374].
263 مدارج السالكين [ج2 ص39].
264 المصدر السابق [ج3 ص150].
265 البداية والنهاية [ج7 ص145].
266 مجموع الفتاوى [ج11 ص66].
267 فيض القدير [ج1 ص21].
268 الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع [ج2 ص260].
269 آداب الشافعي ومناقبه للرازي ، [ص44] ، وحلية الأولياء [ج9 ص96].
270 الكفاية [ص138].
271 المجروحين [ج1 ص64].
272 اللباب في تهذيب الأنساب [ج1 ص9].
273 مدارج السالكين [ج3 ص522].
274 تاريخ نجد [ج2 ص161].
275 مفتاح دار السعادة [ج1 ص176-177].
276 مجموع الفتاوى [ج10 ص366].
277 النجم : 38 .
278 آل عمران : 23 .
279 البقرة : 101 .
280 البقرة : 109 .
281 الزخرف : 78 .(1/84)
282 ضوابط رئيسة في تقويم الجماعات .
283 دعوة إلى التفكير المنهجي في ضوء منهج أهل السنة [ص34].
284 منهاج السنة [ج5 ص126].
285 رواه عبد الرزاق في منصفه رقم 20269 والبخاري في الأدب المفرد 1322 والبغوي في شرح السنة [ج13 ص65] وصححه الألباني .
286 رواه البخاري [كتاب البر والصلة ج4 ص360 رقم 1997] وقال : هذا حديث غريب والصحيح عن علي موقوف قوله . وقد رواه موقوفاً البخاري في الأدب وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد [ص501]: قد صح مرفوعاً .
287 الرفع والتكميل [ص57].
288 الميزان [ج3 ص46].
289 منهاج السنة النبوية [ج5 ص146].
290 فتح المغيب [ج2 ص21].
291 الرفع والتكميل [ص57].
292 إنصاف أهل السنة [ص76].
293 منهاج أهل السنة [ج6 ص303].
294 المصدر السابق [ج6 ص362].
295 الميزان [ج3 ص608].
296 منهاج السنة [ج5 ص256].
297 صحيح البخاري [ج4 ص1469 رقم3779].
298 سنن الترمذي [ج3 ص399 رقم1090] وقال : حسن صحيح .
299 سنن ابن ماجة [ج1 ص611 رقم1897] وهو في صحيح سنن ابن ماجة برقم 1539 .
300 رواه البخاري [ج4 ص1566 رقم4053] ومسلم [ج3 ص1316 رقم 1688].
301 أخرجه البخاري [في كتاب الديات باب قول الله تعالى {ومن أحياها..]، ج12 ، ص191] ومسلم [في كتاب الإيمان باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله ج1 ص96] واللفظ له.
302 أخرجه البخاري [في كتاب المغازي باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما ج8 ص67] ومسلم [في كتاب الزكاة باب الخوارج وصفاتهم ج2 ص742].
303 صحيح البخاري [كتاب الشهادات رقم2641].
304 أخرجه أبو داود [كتاب الأدب رقم 4888] وابن حبان [ج13 ص72 رقم5760] وأبو الشيخ في التوبيخ [ص125 رقم95] وصححه العراقي في تخريج الإحياء [ج2 ص200].(1/85)
305 أخرجه ابن حبان كما في الإحسان [ج13 ص73 رقم5761] وأبو الشيخ في التوبيخ [ص126 رقم96] والقضاعي في مسند الشهاب [رقم 610] وأبو نعيم في الحلية [ج4 ص99] وهو صحيح رجاله ثقات .
306 موطأ مالك [كتاب الكلام ج2 ص986 رقم8].
307 مفتاح دار السعادة [ج1 ص298].
308 صحيح مسلم [كتاب البر والصلة ج4 ص1985 رقم2563].
309 وحي القلم [ج2 ص53].
310 حلية الأولياء [ج4 ص320 ، 321]، والسير [ج4 ص308].
311 الأخلاق الفاضلة [ص71].
312 الأحزاب : 5 .
313 أخرجه ابن ماجة [ج1 ص659] والحاكم [ج2 ص198] وصححه ووافقه الذهبي .
314 المنثور القواعد [ج2 ص122].
315 الجامع لأحكام القرآن [ج3 ص421-434].
316 أحكام القرآن [ج1 ص437-438].
317 انظر للاستزادة حول هذا المبحث الموسوعة الفقهية الكويتية مادة خطأ [ج19 ص128-175].
??
??
??
??(1/86)