رقم الإيداع لدى دائرة المكتبة الوطنية
( 2143/ 8/ 2006 )
291
عبد الحافظ ، محمود سليمان
فصل الخطاب في محاورة أهل الكتاب ، محمود
سليمان عبد الحافظ ، المؤلف 2006 .
( 112 ) ص
ر . أ : 2143 / 8 / 2006
المواصفات : / الدين المقارن / الإسلام / المسيحية
تم إعداد بيانات الفهرسة الأولية من قبل دائرة المكتبة الوطنية
حقوق الطبع لكل مسلم ومسلمة بشروط ثلاث :
أن يدعو لي ولأهلي بالرحمة والمغفرة والقبول .
أن لا يزيد على النص أو ينقص منه .
أن لا يكون الغرض من الطباعة تجاريا .
للتواصل مع المؤلف :- hafez _ mahmood @ yahoo. com
الإهداء :-
*- إلى والدي رحمه الله تعالى ...
*- إلى والدتي الغالية أسأل الله أن يحسن ختامها ...
*- إلى زوجتي الصابرة حفظها الله وغفر لها ...
*- إلى أولادي الأعزاء نفع الله بهم الإسلام ...
*- إلى إخوتي جميعا ...
*- إلى أعمامي جميعا رحمهم الله وغفر لهم ...
*- إلى اخواني طلبة العلم ...
*- إلى كل غيور على دين الإسلام ومنافح عنه ...
أهدي هذا الكتاب ...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، الذي أرسله ربه شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
وبعد... فقد مر على الإنسانية حين من الدهر وهي تتخبط في مهمه من الضلال متسع الأرجاء، وتسير في غمرة من الأوهام ومضطرب فسيح من فوضى الأخلاق وتنازع الأهواء، ثم أراد الله لهذه الإنسانية المعذبة أن ترقى بروح من أمره وتسعد بوحي السماء، فأرسل إليها على حين فترة من الرسل رسولا صنعه على عينه، واختاره أمينا على وحيه، فطلع عليها بنوره وهديه، كما يطلع البدر على المسافر البادي بعد أن افتقده في الليلة الظلماء.(1/1)
ذلك هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، ومبدد الظلمة، وكاشف الغمة، أرسله الله إلى هذه الإنسانية الشقية المعذبة، ليزيل شقوتها، ويضع عنها إصرها والأغلال التي في أعناقها، وأنزل عليه كتابا يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه إلى صراط مستقيم، وجعل له منه معجزة باهرة، شاهدة على صدق دعوته، مؤيدة لحقيقة رسالته، فكان القرآن هو الهداية والحجة، هداية الخلق وحجة الرسول.
تمهيد :
لقد ترددت كثيرا في كتابة هذه الرسالة ، ووقفت مرات ومرات مع نفسي مترددا حائرا ، ثم استعنت بالله وعزمت على الكتابة خاصة بعد أن أشار علي بعض اخوتي في الله من طلبة العلم أن اكتب في هذا الموضوع ، وأن أضع خبراتي المتواضعة - التي أسال الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يثقل بها الموازين ، وأن يرفع بها الدرجات وأن يغفر بها الزلات – بين يدي طالب العلم حتى ينتفع بها في محاججة أهل الكتاب - النصارى خاصة - لأن كثيرا من طلبة العلم لا يعرفون كيف يبدؤون حديثهم معهم ولا من أين يبدؤونه ، فاستعنت بالله واستخرته وشرعت في الكتابة تلبية لسؤالهم من جانب، ولتكون من الحسنات الباقيات التي ينتفع بها العبد في الحياة الدنيا وبعد الممات، بإذن الله رب الأرض والسماوات.(1/2)
والكتابة في هذا الموضوع في غاية الأهمية ، ويدرك هذه الأهمية من يطلع على أساليب النصارى في التبشير ، حيث تخوض أمتنا الإسلامية معارك ضارية على محاور عدة، عقدية ، عسكرية ، اقتصادية ، سياسية ، إعلامية، ثقافية ... ولقد شهد هذا القرن والقرن الماضي نشاطا كبيرا للمبشرين من النصارى في أجزاء كثيرة من العالم، وبخاصة في إفريقيا ، التي يخططون أن تكون قارة صليبية ، هذا إلى جانب نشاطهم في آسيا وبخاصة العالم الإسلامي ، فقد بلغت جرأتهم على قرع الأبواب في الدول العربية والتبشير فيها ودعوة المسلمين فيها إلى التنصير علانية دونما رادع ولا حساب ، وقد سجلت المؤسسات التبشيرية بعض النجاح الذي لا يكاد يذكر في بلاد المسلمين بسبب جهل عامة المسلمين بعقيدتهم وبعقائد غيرهم ، أو بسبب ضغط الحاجة التي يستغلها المبشرون أيما استغلال.
من هنا كان على طلبة العلم وعلى دعاة المسلمين- لمواجهة حملات التبشير النصرانية ، ولدعوة النصارى إلى الإسلام _ أن يفهموا صلب عقيدة النصارى ويتعرفوا على أساس انحراف هذه العقيدة عن الدعوة الحقيقية التي دعا إليها عيسى عليه الصلاة والسلام.
ومن المؤسف أن نجد المبشرين من النصارى والمستشرقين يدرسون عن الإسلام قبل أن يبدءوا بالتبشير في بلاد المسلمين ، وكلنا يعلم اهتمام المستشرقين بالتراث الإسلامي ودراستهم العميقة للإسلام ، وكلنا يعلم أيضا أن الاستشراق ما هو إلا مقدمة وتمهيدا لتغير عقيدة العباد من جانب ، واستعمارا للبلاد من جانب آخر.(1/3)
ولست أدعي أن لي السبق في الكتابة في هذا الموضوع ، فقد كتب العلماء الأفذاذ عليهم رحمة الله في هذا الموضوع ، وردوا على النصارى ، وبينوا زيف عقائدهم وانحرافها عن المنهج الحق الذي جاء به عيسى عليه الصلاة والسلام. ولكنه جهد المقل ، جهد بشري يعتريه ما يعتري أعمال البشر كافة من القصور والتقصير ، وهي معروضة على القراء الكرام وطلبة العلم الأعزاء ، للإفادة مما فيها من الخير ، وللنصيحة لصاحبها مما يمثل قصورا أو تقصيرا ، وكاتبها يعلن أن كل ما جاء فيها مما لا يمثل منهج أهل السنة والجماعة ، أو يثبت في خلافه دليل شرعي صحيح سالم من المعارض ، فهو راجع عنه في حياته وبعد مماته ، والقول ما قاله الله ورسوله ، والمنهج الصحيح الواجب الأتباع هو منهج القرون الفاضلة المشهود لها بالخيرية على لسان المعصوم صلى الله عليه وسلم .
وقد جعلت عنوان رسالتي هذه – فصل الخطاب في محاورة أهل الكتاب – وقد اشتملت على مقدمة وتمهيد وفصلين ، وخاتمة . ويشمل الفصل الأول مبحثين الأول : التعريف بعقيدة النصارى . والثاني التوحيد في التوراة والإنجيل والقرآن . وكل مبحث يشمل عددا من المطالب . والفصل الثاني ويشمل مبحثين أيضا ، وكل مبحث يشمل عدة مطالب أيضا : الأول كيف تحاور نصرانيا . والثاني : النبوءات والإشارات التي وردت في التوراة والإنجيل لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام .
الفصل الأول : النصرانية
المبحث الأول : المطلب الأول :
تعريف بعقيدة النصارى(1/4)
وحديثي هنا ليس عن العقيدة الصافية النقية التي دعا فيها عيسى عليه السلام إلى عبادة الله وحده ، وإلى الإيمان باليوم الآخر ، وبشر فيها نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام . بل حديثي عن النصرانية بعد عيسى عليه السلام ، وما طرأ عليها من تحريف وتبديل وتغير ، انتقلت فيه النصرانية من التوحيد إلى التثليث ، ومن عبادة رب العباد إلى عبادة العباد . وهذا الانحراف ، كان له أسبابه العقلية والدينية والسياسية ، فمن الناحية العقلية كان للفلسفة – التي اعتمدت العقل أساسا لها – أثر بارز في الانحراف ، وقد عرفت هذه الفلسفة عقيدة التثليث فتسربت منها للنصرانية .
ومن الناحية الدينية كان للوثنية السائدة في المجتمع الروماني والوثنيات المنتشرة حوله أثر بارز أيضا في تسرب الوثنية إلى النصرانية . ونفهم هذا جليا إذا علمنا أن هذه الوثنيات قد عرفت عقيدة التثليث بأشكال مختلفة .
ولقد ساعد هذين العاملين عامل سياسي يعتبر بحق العامل المباشر الذي جعل من عقيدة التثليث عقيدة أساسية في النصرانية ، ذلك العامل هو الدولة الرومانية التي اعتنقت النصرانية لا لتذعن لعقيدتها الأصلية ولكن لتطوعها للاعتقاد بوثنيتها .
وليس التثليث وحده من أصول المسيحية وثنيا ، فأكثر تعاليم المسيحية الحالية مستعار ومقتبس من الوثنية ، والدارس للمسيحية اليوم إذا رجع إلى كتب الديانات القديمة الوثنية ، يبهره ويدهشه ذلك التماثل الواضح بين الشعائر والطقوس المسيحية والوثنية . فكل شعيرة في المسيحية كانت معروفة في ديانات كثيرة سبقتها ، حتى تاريخ الميلاد ، وتاريخ الآلام قبل الصلب ، فيوم الخامس والعشرين من شهر – كانون أول – الذي يحتفل فيه بمولد المسيح كان هو يوم الاحتفال بمولد الشمس في العبادة المثرية – نسبة إلى الإله مثرا أحد آلهة الفرس - .(1/5)
وقد اعترضت الكنيسة الشرقية على هذا اليوم لهذا السبب ، وفضلت أن تختار لعيد الميلاد اليوم السادس عشر من شهر كانون الثاني الذي تعمد فيه المسيح ، مع أن هذا اليوم أيضا كان عيد الإله – ديونسيين – عند اليونان ، وكان قبل ذلك عيد – أويزيريس – عند المصريين ، ولا يزالون يحتفلون به إلى يومنا هذا باسم – عيد الغطاس -، وقد اتخذت المسيحية يوم الخامس والعشرين من شهر آذار تذكارا لآلام المسيح قبل الصلب ، وهذا هو التاريخ نفسه الذي اتخذه الرومان قبل المسيح لتذكار آلام الإله – أتيس – إله الرعاة المولود من – نانا – العذراء بغير ملامسة بشرية ... ولكي يتم التأكد من أن أصل عقيدة التثليث عند النصارى منقولة برمتها من العقائد الوثنية ، التي كانت سائدة في ذلك العصر ، منها على سبيل المثال عقيدة الهنود القدماء في الشمس ، يقول –مافير – في كتابه المطبوع 1895م ، والذي ترجمه إلى العربية – نخلة شفوات – 1913م ، يقول فيه : -" لقد ذكر في الكتب الهندية القديمة التي ترجمت إلى الإنجليزية شارحة عقيدة الهنود القدماء ما نصه :" نؤمن بسافستري - الشمس – إله واحد ضابط الكل، خالق السماوات والأرض ، وبابنه الوحيد آتي – أي النار – نور من نور مولود غير مخلوق تجسد من – فايو – أي الروح ، في بطن مايا العذراء . ونؤمن بفايو الروح الحي ، المنبثق من الأب والابن الذي هو مع الأب والابن يسجد له ويمجد(1) .
وهكذا نجد أن الثالوث الهندي القديم هو : 1- سافستري : الشمس – أي الأب السماوي -. 2- آتي : الابن وهو النار المنبثقة من الشمس . 3- فايو : نفخة الهواء – أي الروح -. المرجع السابق نفس الصفحة .
تطابق عقيدة الثالوث مع معظم الوثنيات القديمة :
__________
(1) انظر التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام ص 101، نقلا عن الإسلام و المسيحية في الميزان ، شريف هاشم ص 259.(1/6)
" إن المتتبع لعقائد المسيحية يجدها مطابقة لمعظم العقائد الوثنية القديمة ، ولا يكاد يوجد فرق بين هذه الديانات وبين المسيحية سوى فروق شكلية بسيطة في الاسم والصورة "(1).
فهناك ثالوث عند قدماء المصريين – اوزيريس – وهو الإله الأب ، وإيزيس وهي الإله الأم ، وحورس وهو الإله الابن . وقد عبد هذا الثالوث في عين شمس .
وهناك الثالوث البرهمي في الهند ، وهذا الثالوث هو – برهمة – فشنو – سيفا -. ثلاثة أقانيم في واحد . فالرب برهم والمخلص فشنو ، والمهلك سيفا.
وهناك ثالوث بوذي انتشر في الهند والصين واليابان ، ويسمى مجموعهم الإله " فو ". وهناك أيضا الثالوث الروماني ويتكون هذا الإله من " الله – الكلمة – الروح " . إذن فليست عقيدة التثليث عند النصارى إلا فكرا وثنيا عاش في خلد الوثنيات القديمة . وبالمقارنة بين الثالوث المسيحي والثالوث الفارسي يتضح لنا مدى الدقة والتشابه بينهما .
المطلب الثاني : مقارنة بين الديانة الميثراسية والنصرانية
الديانة الميثراسية ... عقيدة النصارى
ميثراس وسيط بين الله والناس.
مولده في كهف.
مولده في يوم 25ديسمبر.
كان له اثنا عشر حوارياً.
مات ليخلص العالم .
دفن ولكنه عاد للحياة.
صعد إلى السماء أمام تلاميذه.
كان يدعى مخلصاً ومنقذاً .
ومن أوصافه أنه حمل الله الوديع .
رسم العشاء الرباني.
رسم المعمودية.
تقديس يوم الأحد. ... المسيح وسيط بين الله والناس.- أعمال الرسل 12:4-.
ولد في مذود البقر. – لوقا 7:2-.
يحتفل الغربيون بمولد المسيح في يوم 25سمبر.
كان له اثنا عشر حوارياً. – متى 1:10-.
مات ليخلص العالم. – كورنثوس الأولى 3:15-.
دفن وقام في اليوم الثالث. – كورنثوس 4:15-.
صعد إلى السماء أمام تلاميذه – أعمال الرسل 9:1 -.
خلع عليه بولس لقب المخلص والمنقذ. -
وصفه يوحنا المعمدان بحمل الله الوديع. – يوحنا29:1 -.
__________
(1) انظر حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح .عبد الودود شلبي ص 67.(1/7)
رسم بولس العشاء الرباني. – كورنثوس 23:11-25-.
رسم المعمودية، بدأت بداية صحيحة:"وأمر بطرس أن يعتمدوا باسم الرب". – أعمال الرسل 48:10-.وانتهت بالتثليث " وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس". – متى 19:28-.
تقديس يوم الأحد – متى 1:28-.
يقول (روبرتسون) :- إن ديانة ميثراس لم تنته في روما إلا بعد أن انتقلت عناصرها الأساسية إلى المسيحية على هذا النحو(1). وليس التشابه فقط مع الديانة الميثراسية بل تتشابه مع عدد من الديانات الوثنية القديمة التي كانت سائدة في ذلك الزمن ومازال البعض قائماً حتى اليوم، وحتى يتضح لك أيها القارئ الكريم قوة الاقتباس- الذي يكاد يكون حرفياً- في الديانة المسيحية لما أخذته من الديانات الوثنية القديمة نقوم بنقل بعض المقارنات بينهما .
المطلب الثالث : مقارنة بين عقيدة الهنود في كرشنا والنصارى في عيسى
أقوال الهنود الوثنيين في كرشنا ابن الله ... أقوال النصارى المسيحيين في يسوع المسيح ابن الله
كرشنا هو :"المخلص والفادي، والمعزي والراعي الصالح، والوسيط،وابن الله والأقنوم الثاني من الثالوث المقدس، وهو الأب والابن وروح القدس.
ولد كرشنا من العذراء ديفاكي…
عرف الناس ولادة كرشنا من نجمه الذي ظهر في السماء.
كان كرشنا من سلالة ملوكانيَّة، ولكنَّه ولد في غار بحال الذل والفقر.
لما ولد كرشنا أُضيء الغار بنور عظيم.
وآمن الناس بكرشنا واعترفوا بلاهوته وقدموا له هدايا من صندل وطيب.
ولد كرشنا بحال الذل والفقر مع أنه من عائلة ملوكانية.
وسمع حاكم البلاد بولادة كرشنا الطفل الإلهي، وطلب قتل الولد، وكي يتوصل إلى أمنيته أمر بقتل كافة الأولاد الذكور الذين ولدوا في الليلة التي ولد فيها كرشنا.
كانت ولادة القديس راما قبل ظهور كرشنا في الناسوت بزمن قليل وقد سعى قانسا ملك البلاد في إهلاك راما ، وإهلاك كرشنا أيضاً.
__________
(1) مناظرة بين الإسلام والنصرانية ص 263-265.(1/8)
وفي أحد الأيام لسعت الحية بعض أصحاب كرشنا الذين يلعب معهم فماتوا فأشفق عليهم لموتهم الباكر، ونظر إليهم بعين ألوهّيته فقاموا سريعاً من الموت وعادوا أحياء
وأوّل الآيات والعجائب التي عملها كرشنا شفاء الأبرص.
كرشنا صلب ومات على الصليب.
لما مات كرشنا حدثت مصائب وعلامات شر عظيم… وأظلمت الشمس…
وقال كرشنا للصياد الذي رماه بالنبلة وهو مصلوب: اذهب أيها الصياد محفوظاً برحمتي إلى السماء مسكن الآلهة.
ومات كرشنا ثم قام من بين الأموات .
ونزل كرشنا إلى الجحيم.
وصعد كرشنا بجسده إلى السماء وكثيرون شاهدوه صاعداً.
ولسوف يأتي كرشنا إلى الأرض في اليوم الأخير ويكون ظهوره كفارس مدجج بالسلاح، وراكب على جواد أشهب وعند مجيئه تظلم الشمس والقمر وتزلزل الأرض، وتهتز وتتساقط النجوم من السماء.
كرشنا هو براهما العظيم القدوس وظهوره بالناسوت سر من أسراره العجيبة الإلهية.
وقال كرشنا:"أنا النور الكائن في الشمس والقمر ، وأنا النور في اللهب وأنا نور كل ما يضيء ونور الأنوار ليس في ظلمه". ... يسوع المسيح هو :"المخلص ، والفادي ، والمعزي، والراعي الصالح، والوسيط، وابن الله ، والأقنوم الثاني من الثالوث المقدس،وهو الأب والابن وروح القدس.
ولد يسوع من العذراء مريم.
لما ولد المسيح ظهر نجمه في المشرق وبواسطة ظهور نجمه عرف النّاس محل ولادته.
كان يسوع المسيح من سلالة ملوكانُّيه ولكنَّه ولد في حالة الذل والفقر بغار.
لما ولد يسوع المسيح أُضيء الغار بنور عظيم، أعيا بلمعانه عيني القابلة وعينيّ خطيب أمه يوسف النجار.
وآمن الناس بيسوع المسيح وقالوا بلاهوته وأعطوه هدايا من طيب ومر.
ولد يسوع المسيح بحالة الذل والفقر مع أنه من عائلة ملوكانيه.
وسمع حاكم البلاد بولادة يسوع الطفل الإلهي، وطلب قتله، وكي يتوصل إلى أمنيته أمر بقتل الأولاد الذكور الذين ولدوا في الليلة التي ولد فيها يسوع المسيح.(1/9)
وكانت ولادة يوحنا المعمدان قبل ولادة يسوع المسيح بزمن قليل، وقد سعى الملك في إهلاك الطفل يسوع المسيح، وكان يوحنا مبشراً بولادة يسوع المسيح .
وبينما كان يسوع يلعب لسعت الحية أحد الصبيان الذين كان يلعب معهم فلمس يسوع ذلك الصبي بيده فعاد إلى حال صحته.
وأول الآيات والعجائب التي عملها يسوع المسيح هي شفاء الأبرص.
يسوع صلب ومات على الصليب.
لما مات يسوع حدثت مصائب جمة متنوعة… وأظلمت الشمس…
وقال يسوع لأحد اللصين اللذين صُلبا معه:"الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس".
ومات يسوع ثم قام من بين الأموات .
ونزل يسوع إلى الجحيم.
وصعد يسوع بجسده إلى السماء وكثيرون شاهدوه صاعداً.
ولسوف يأتي يسوع إلى الأرض في اليوم الأخير كفارس مدجج بالسلاح، وراكب جواداً أشهب، وعند مجيئه تظلم الشمس والقمر أيضاً، وتزلزل الأرض، وتهتز وتتساقط النجوم من السماء.
يسوع هو يهوه العظيم القدوس وظهوره في الناسوت سر من أسراره العظيمة الإلهية.
ثم كلمهم يسوع قائلاً:" أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة".
المطلب الرابع : مقارنة بين عقيدة الهنود والصينيين في بوذا والنصارى في عيسى
أقوال الهنود والصينيين الوثنيين في بوذا ابن الله ... أقوال النصارى المسيحيين في يسوع المسيح ابن الله
ولد بوذا من العذراء مايا بغير مضاجعة رجل.
كان تجسد بوذا بواسطة حلول روح القدس على العذراء مايا.
لما نزل بوذا من مقعد الأرواح،ودخل في جسد العذراء مايا،صار رحمها كالبلور الشفاف النقي، وظهر بوذا فيه كزهرة جميلة.
ولد بوذا ابن العذراء مايا التي حل فيها الروح القدس يوم عيد الميلاد"أي في 25 كانون الأول".
وعرف الحكماء بوذا وأدركوا أسرار لا هوته ولم يمض يوم على ولادته حتى حياه الناس ودعوه إله الآلهة.
كان بوذا ولداً مخيفاً،وقد سعى الملك بمبسارا وراء قتله لما أخبروه أن هذا الغلام سينزع الملك من يده إن بقي حيّا.(1/10)
لما صار عمر بوذا اثنتي عشرة سنة دخل أحد الهياكل،وصار يسأل أهل العلم مسائل عويصة،ثم يوضحها لهم حتى فاق مناظريه كافة.
ودخل بوذا مرة أحد الهياكل، فقامت الأصنام من أماكنها وتمددت عند رجليه سجوداً له.
لما عزم بوذا على السياحة،قصد التعبد والتنسك،وظهر عليه(مارا)أي الشيطان كي يجربه.
فلم يعبأ بوذا بكلام الشيطان، بل قال له:"أذهب عني".
وصام بوذا وقتاً طويلاً.
وقد عُمد بوذا المخلص وحين عمادته بالماء كانت روح الله حاضرة، وهو لم يكن الإله العظيم فقط، بل وروح القدس الذي فيه صار تجسد كوتا حالما حل على العذراء.
وعمل بوذا عجائب وآيات مدهشة لخير الناس،وكافة القصص المختصة فيه حاوية لذكر أعظم العجائب مما يمكن تصوره.
لما مات بوذا ودفن انحلت الأكفان، فتح غطاء التابوت بقوة غير طبيعية(أي بقوة إلهية).
وصعد بوذا إلى السماء بجسده لما أكمل عمله على الأرض .
ولسوف يأتي بوذا مرة ثانية إلى الأرض ويعيد السلام والبركة فيهاً.
بوذا الألف والياء ليس له ابتداء ولا انتهاء وهو الكائن العظيم و الواحد الأزلي.
قال بوذا :"فلتكن الذنوب التي ارتكبت في هذه الدنيا علىِّ لأخلص العالم من الخطيئة.
قال بوذا إنه لم يأت لينقض الناموس كلا،بل أتى ليكمله وقد سره عد نفسه حلقه في سلسلة المعلمين الحكماء.
وكان قصد بوذا تشييد مملكة دينية أي مملكة سماوية.
وقال بوذا :"الرجل العاقل الحكيم لا يتزوج قط، ويرى الحماة الزوجية كأتون ناره متأججة ومن لم يقدر على العيشة الرهبانية يجب عليه الابتعاد عن الزنى.
كان بوذا يعلم أفكار الناس عندما يدير تصوراته نحوهم، ويقدر على معرفة أفكار المخلوقات كلها.(1/11)
ومن جملة الألقاب والأسماء التي يدعون بها بوذا "أسد سبط ساقنا-وحكيم ساقيا-والواحد السعيد-والمعلم،والغالب، والواحد المبارك-ورب العالمين –والحاضر-وإله الجميع-والعظيم-والأبدي-ومزيل الآلام والألقاب-وحافظ العالم-والإله بين الآلهة-والمسيح-والمولود الوحيد-وطريق الحياة…الخ. ... ولد يسوع المسيح من العذراء مريم بغير مضاجع رجل.
كان تجسد يسوع المسيح بواسطة حلول روح القدس على العذراء مريم.
لما نزل يسوع من مقعد السماوي، ودخل في جسد مريم العذراء صار رحمها كالبور الشفاف النقي،وظهر فيه يسوع كزهرة جميلة.
ولد يسوع ابن العذراء مريم التي حل فيها الروح القدس يوم عيد الميلاد"أي في 25كانون الأول".
وقد زار الحكماء يسوع وأدركوا أسرار لا هوته، ولم يمض يوم على ولادته حتى دعوه إله الآلهة.
كان يسوع ولداً مخيفاً، سعى الملك هيرودوس وراء قتله،كي لا ينزع الملك من يده.
لما صار عمر يسوع اثنتي عشرة سنة جاؤوا به إلى "الهيكل"أورشِليم،وصار يسأل الأحبار والعلماء مسائل مهمة، ثم يوضحها لهم وأدهش الجميع.
وكان يسوع مارّاً قرب حاملي الأعلام فأحنت الأعلام رؤوسها سجوداً له.
لما شرع يسوع في التبشير،ظهر له الشيطان كي يجربه.
فأجابه يسوع،وقال:"اذهب يا شيطان"
وصام يسوع وقتاً طويلاً.
ويوحنا عند يسوع بنهر الأردن، وكانت روح الله حاضرة،وهو لم يكن الإله العظيم فقط،بل و الروح القدس الذي فيه تم تجسده ، عندما حل على العذراء مريم، فهو الأب والابن والروح القدس.
وعمل يسوع عجائب وآيات مدهشة لخير الناس وكافة القصص المختصة فيه حاوية لذكر أعظم العجائب مما يمكن تصوره.
لما مات يسوع ودفن انحلت الأكفان، وفتح القبر بقوة غير اعتيادية،أي بقوة إلهية.
وصعد يسوع بجسده إلى السماء من بعد صلبه لما كمل عمله على الأرض.
ولسوف يأتي يسوع مرة ثانية إلى الأرض ويعيد السلام والبركة فيها.(1/12)
يسوع الألف والياء، ليس له ابتداء ولا انتهاء، وهو الكائن العظيم، والواحد الأبدي.
يسوع هو مخلص العالم،وكافة الذنوب التي ارتكبت في العالم تقع عليه عوضاً عن الذين اقترفوها ويخلص العالم.
وقال يسوع :"لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لا نقض بل لأكمل.
ومن ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرر ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات".
"فحسن للرجل أن لا يمس امرأة ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا لأن التزوج أسلم من التحرق.
كان يسوع يعلم أفكار الناس عندما يدير تصوراته نحوهم وأنه قادر على معرفة أفكار المخلوقات كلها.
ويدعون يسوع المسيح بمثل الأسماء والألقاب التي دعي بها بوذا، ومنها أسد سبط يهوذا- المخلص-المولود البكر-إلهاً مباركاً، قدوس الله، إلها مباركاً إلى الأبد-ملك الملوك-حمل الله-رب المجد-رب الأرباب-الفادي-المخلص-الوسيط-الكلمة-ابن الله –المولود البكر-حامل الآثام…الخ.
المطلب الخامس : أركان العقيدة عند النصارى(1/13)
وبناء على ما سبق فإن الركن الأول في عقيدة النصارى هو أن عيسى عليه السلام هو إله أو ثالث ثلاثة ، والركن الثاني أنه مات على الصليب وقام بعد ثلاثة أيام ، تكفيرا لخطايا البشر ، فإذا انتهك النصراني محارم الله كلها ، وأتى بالفواحش والرذائل كلها وقيل أن عيسى مات من أجله ، فهو إذن يكون من المقبولين الذين يدخلون جنات النعيم . ولا يضره مع قبوله هذا ذنب . ولهذا لا يعتبر نصرانيا من لم يحقق الإيمان بهذين الركنين. وهذان الركنان لم يكرز بهما عيسى عليه السلام ولم يبشر بهما كما سيأتي ، بل إن أفعاله وأقواله ناقضة تماما لهذين الركنين اللذين أقحما زورا وبهتانا على رسالة عيسى عليه السلام . حيث تحدث في الركن الأول عراب النصرانية ومخرجها عن الطريق السوية – بولس – فكان هو أول من صدع بالوهية عيسى ودعا إليها ، واشتد الخلاف بينه وبين التلميذ برنابا مما حدا ببرنابا إلى فراقه وهجره جراء مقولته هذه بعيسى عليه السلام ، وانتشرت مقولة بولس في البلاد وروج لها ودعا إليها في وصاياه لتلاميذه وفي رسائله ، واستمر هذا الخلاف عقودا تلو عقود وقرونا تلو قرون حتى كان مجمع – نيقية – سنة 325م .
المطلب السادس : مجمع نيقية(1/14)
لقد كان هذا المجمع العامل الحاسم والرئيس في تقرير ألوهية عيسى عليه السلام ، حيث اشتد الخلاف بين الطوائف النصرانية الأولى ، وتباعدت مسافات الخلف تباعدا شديدا ، لا يمكن أن يكون معه وفاق ، وكان الاختلاف يدور حول شخص عيسى عليه السلام ، أهو رسول من عند الله فقط ، أم له بالله صلة خاصة أكبر من رسول فهو من الله بمنزلة الابن ، لأنه خلق من غير أب، ومن قائل أنه ابن الله له صفة القدم ، كما لله تلك الصفة ، وهكذا تباينت نحلهم ، واختلفت ، وكل يزعم أن نحلته هي النصرانية الصحيحة ، خاصة وقد دخلت طوائف عدة من الوثنيين من الرومان ، واليونان ، والمصريين ، فتكون في النصرانية مزيج غير تام التكوين ، غير تام الاتحاد والامتزاج ، وكل قد بقي عنده من عقائده الأولى ما أثر في دينه الجديد ، وجعله يسير على مقتضى ما اعتنق من القديم من غير أن يشعر أو يريد .
وقد اشتد الخلاف بين البطاركة والأساقفة وبلغ الذروة مما حدا بقسطنطين إمبراطور الرومان إلى التدخل في الأمر ، وقد حضر الاجتماع نحوا من أربعين وألفين من الأساقفة والبطاركة ، وكانت الأغلبية تدعو بدعوة آريوس الذي دعا إلى عبادة الله وحده ، وقد قال ابن البطريق في مقالته : " كان يقول أن الأب وحده الله ، والابن مخلوق مصنوع ، وقد كان الأب إذ لم يكن الابن ." وكان أنصاره كثر في أسيوط ، الإسكندرية ، فلسطين ، مقدونية ، والقسطنطينية . وقد أراد بطريرك الإسكندرية – الداعي إلى ألوهية المسيح - أن يقضي على فكر ة آريوس ، فلم يعمد إلى المناقشة والجدل ، خشية أن يتغلب عليه آريوس ، ولكنه لجأ إلى لعنه وطرده من الكنيسة.(1/15)
وليس المقام يتسع لسرد ما دار في هذا المجمع من نقاشات ومصادمات ، ولكن عندما تدخل قسطنطين لرأب الصدع ، أمرهم أن يتناظروا لينظر الدين الصحيح مع من ، وأخلى دارا للمناظرة ، ولكنه مال مع الأقلية الذين كانت عدتهم ثمانية عشر وثلاثمائة ، وكانوا يقولون بألوهية عيسى عليه السلام ، لقرب طروحاتهم من عقيدته القائمة على التثليث ، وعقد لهم مجلسا خاصا ، يقول في ذلك ابن البطريق : " وضع الملك للثلاثمائة والثمانية عشر أسقفا مجلسا خاصا عظيما ، وجلس في وسطهم وأخذ خاتمه ، وسيفه ، وقضيبه فدفعه إليهم وقال لهم : قد سلطتكم اليوم على مملكتي ، لتصنعوا ما ينبغي لكم أن تصنعوا مما فيه قوام الدين ، وصلاح المؤمنين ، فباركوا الملك وقلدوه سيفه ، وقالوا له أظهر دين النصرانية وذب عنه ." وهكذا قرر المجمع المحدود ألوهية المسيح ، وأنه من جوهر الله ، وأنه قديم بقدمه ، لا يعتريه تغيير ولا تحول ، وفرضت تلك العقيدة على النصارى قاطبة مؤيدة بسلطان قسطنطين ، لاعنة كل من يقول بخلاف ذلك.
وأما الركن الثاني فقد كان صاحبه والقائل به والداعي إليه – بولس – ذلك اليهودي الذي كان من أشد الناس عداوة واضطهادا للنصارى بشهادة الإنجيل نفسه ، اخترع وابتكر عقيدة الفداء والصلب ، وأن الإنسان يرث الخطيئة التي ارتكبها آدم عليه السلام ، فلا بد من إنسان يحمل خطيئة البشر ، ويفديهم بنفسه ، فأرسل الله تعالى بزعمهم ( ابنه) عيسى عليه السلام ليتحمل عن البشر خطاياهم ويجعل لهم الخلاص . وقد أتى بولس بهذا على التوراة والإنجيل من القواعد ، ونسب إلى الله الظلم ، وادعى زورا وبهتانا ما ليس له به حق ، وافترى على الله الكذب ، فالتوراة مليئة بالنصوص التي تبين أن إثم الآباء لا يورث إلى الأبناء ، وأن إثم الشرير عليه ، وبر البار له ، تماما كما جاء في القرءان قول الله تعالى : < ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا>(1).
__________
(1) الإسراء 16.(1/16)
وسآتي على النصوص بإذن الله في المبحث الأول من الفصل الثاني ، وهكذا ترى أيها القارئ الكريم كيف ضيعت رسالة عيسى عليه السلام ، وكيف تبدل التوحيد بالشرك ، وكيف بدأت عبادة الناس والمخلوقين بدل عبادة الله رب العالمين .
المطلب السابع : قانون الإيمان عند النصارى
وختاما فإن مجمع نيقية قد أوجد عقيدة للنصارى لا تكاد تختلف عليها الكنائس ، وهي تعتبر أصل الدستور الذي أقره هذا المجمع وهي : "الإيمان بإله واحد ، آب واحد ، ضابط الكل ، خالق السماء والأرض ، كل ما يرى ولا يرى ، وبرب واحد ، يسوع المسيح ابن الله ، الابن الوحيد المولود من الأب ، قبل الدهور ، إله من إله ، ونور من نور ، إله حق من إله حق ، مولود غير مخلوق ، مساو الأب في الجوهر ،الذي به خلق كل شئ في السماء ، وعلى الأرض ، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل وتجسد ، وصار إنسانا تألم وقام أيضا في اليوم الثالث ، الذي صعد إلى السماء ، ويأتي ليدين الأحياء والأموات ، وبالروح القدس ، ولكن الذين يقولون إنه وجد زمان لم يوجد فيه وإنه لم يكن له وجود قبل أن ولد وإنه خلق من العدم ، أو يثبتون أنه من مادة أخرى أو جوهر آخر أو أن ابن الله مخلوق أو أنه قابل للتغيير أو متغير فالكنيسة تلعنهم ."(1/17)
وقد زيد على هذا القانون حتى صار نصه عند الأرثوذكس أطول منه عند الكاثوليك ، وفيما يلي أنقل النص الذي يقبله الأرثوذكس : "نؤمن بإله واحد الأب ضابط الكل خالق السماء والأرض ما يرى وما لا يرى ، ونؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الأب قبل كل الدهور ، نور من نور ، إله حق من إله حق ، مولود غير مخلوق ، مساو للآب في الجوهر ، الذي به كان كل شئ ، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس ، وصلب عنا على عهد بيلاطيس النبطي وتألم وقبر ، وقام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب ، وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين أبيه ، وأيضا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات ، الذي ليس لملكه انقضاء ، ونؤمن بالروح القدس المحيي ، المنبثق من الأب ، المسجود له مع الأب والابن ، الناطق في الأنبياء ، وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية ، ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا ، ونترجى قيامة الأموات وحياة الدهر آمين ."(1)
المطلب الثامن : مناقشة قانون الإيمان عند النصارى
ولا بد لي من تعليق ومناقشة سريعة هادئة لهذا القانون فأقول:
أ. قولهم في القانون :" نؤمن بإله واحد الأب ضابط الكل خالق السماء والأرض ما يرى وما لا يرى ". هذا حق لو ثبتوا عليه ، لأنه إفراد لله سبحانه بالألوهية والربوبية ، فهو الإله الواحد خالق السماوات والأرض وما فيهن ما يرى وما لا يرى . والمسيح والروح القدس بنص هذا القانون مخلوقان ، لأنهما يدخلان في عداد المرئي أو غير المرئي في هذا الكون ، فهما من مخلوقات الله الواحد الضابط للكل ، وليتهم ثبتوا على هذا الإقرار الحق ولم يغيروه ، بل نقضوه بالباطل الذي يليه وهو قولهم :
__________
(1) نقلا عن كتاب خلاصة الأصول الإيمانية في معتقدات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ص 99-101.(1/18)
ب. قولهم : " ونؤمن برب واحد يسوع المسيح". وهذا نقض ومخالفة لنص الأمانة الذي سبق على توحيد الله ، ومخالفة لما ثبت من أقوال المسيح نفسه التي سآتي عليها في الفصل الثاني . وهذا النص لو أعملنا العقل قليلا يعترف بإله وبرب منفصلين ، وقد اعترف بولس بأن هذا الرب هو أقل قليلا من رتبة الملائكة ، فهو يقول في رسالته إلى العبرانيين 2\9 " ولكن الذي وضع قليلا عن الملائكة يسوع نراه مكللا بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد ". فكيف يكون ربا من هو أقل رتبة من الملائكة ؟.
ج. قولهم : " ابن الله الوحيد المولود من الأب قبل كل الدهور نور من نور ". وهذا يشعر أنه مخلوق حادث ، لأن معنى البنوة الوارد في قولهم – ابن الله الوحيد المولود – يقتضي التأخر والحدوث ، وهو مناقض لاعتقادهم ألوهيته ، لأنهم إن قالوا إن المسيح الابن المولود كان قديما أزليا بطل كونه حادثا ، وإن قالوا بل هو مولود حادث بطل كونه إلها وربا ، لأن من صفات الله القدم وعدم الحدوث ، فهو الأول بلا بداية ، والآخر بلا نهاية .
د. قولهم : "إله حق من اله حق مولود غير مخلوق مساو للأب في الجوهر ".
لو كان المسيح إلها لدفع الموت عن نفسه ، ولكان يعلم الغيب ، ويعلم الساعة، ولما اعترته النقائص البشرية ، وقولهم " مولود غير مخلوق مساو للأب " ظاهر التناقض ، لأن من كان مولودا فهو مخلوق ، ومن كان مخلوقا لا يساوي الخالق في شئ من الصفات .
هـ. قولهم : " الذي به كان كل شئ ".
كيف يكون كل شئ قائما بالمسيح وهو مسبوق بالعوالم كلها ؟ يقول متى في مقدمة إنجيله 1:1 " كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم " فكيف يكون المسيح قبل أبويه إبراهيم وداود وأمه مريم وهم أسبق منه زمنا ؟! ثم كيف يكون ابنهم وهو بزعم النصارى خالقهم ؟.
و. قولهم : " الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد ".(1/19)
لفظ المسيح يطلق على مجموع الجسد والكلمة ، والكلمة وحدها لا تسمى مسيحا ، فبطل كون المسيح نازلا من السماء لما هو معلوم أن الجسد مأخوذ من مريم ، ولو كان نازلا من السماء لم يكن لتجسده ثانية معنى ، لأن تجسد التجسد محال ، كما أن تجسد الكلمة وحدها محال ، لأن كلمات الله كثيرة ، فلماذا تجسدت وحدها دون سائر الكلمات ؟!.
ز. قولهم : " وتجسد من الروح القدس ".
هذا القول يبطل ألوهية المسيح ، لأنه يفيد أن المسيح شخص ، وروح القدس شخص آخر ، وقد نزل الروح القدس – كما في إنجيل متى 16:3- بعدما عمده يحيى عليهما السلام ، وكان عمر المسيح ثلاثين سنة ، فكيف يكون متجسدا من الروح القدس ؟! ثم إن المسيح ليس من جنس الروح القدس حتى يصح تجسده منه ، لأن الشئ يتجسد من جنسه ، فيتجسد الماء من الماء والنار من النار ، لما بينهما من المشاكلة ، ولا مشاكلة بين المسيح وروح القدس . ثم إذا سلمنا بصحة هذا التجسد فيكون المسيح ابن الروح القدس ، وهو مناقض لما سبق من أمانتهم التي زعموا فيها أنه ابن الله .
ح. قولهم : " ومن مريم العذراء ".
هذا حق وصدق أن مريم والدة المسيح عليهما السلام ، لكنها ليست والدة الإله الرب المخلص كما يزعمون ، لأن جسد مريم هيكل ، والله تعالى لا يسكن في هياكل المصنوعات كما في سفر أعمال الرسل: 50-48 :7 " لكن العلي لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي كما يقول النبي 49 السماء كرسي لي والأرض موطئ لقدمي ، أي بيت تبنون لي ؟ يقول الرب . وأي هو مكان راحتي. 50 أليست يدي صنعت هذه الأشياء كلها. ولما كان مكان راحة عيسى بطن أمه مريم ، ولما ولد نالته أيدي الرجال ، فكيف يكون إلها ؟!(1/20)
ط. قولهم : " وتأنس وصلب عنا على عهد بيلاطيس النبطي وتألم وقبر". هذا دليل على بشرية عيسى عليه السلام ، لأن الصلب والتألم والموت والدفن مما يعتري البشر ، والإله منزه عن كل ذلك ، والإصرار على ألوهية عيسى يقضي بأن اليهود أمسكوا إلههم وإله العالم بأسره وسبوه وشتموه وبصقوا في وجهه وحقروه وصلبوه ثم طعنوه حتى مات ودفنوه ، فمن دبر العالم أثناء صلبه وموته ووجوده في قبره ؟! ألا يلزم هذا القول أن اليهود تمكنوا من قتل خالقهم ؟!.
ي. قولهم : " وقام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين أبيه".
وهذا من الكذب المكشوف ، لأن قولهم " وقام من الأموات " يوجب آخر أقامه، لأن الميت لا يقوم بنفسه ، فلا بد من إله يرد إليه روحه ويقيمه من الأموات ، والذي تذهب روحه ويموت لا يستحق أن يكون إلها ، بل الإله الواحد القهار هو الذي رد اليه روحه وأقامه. وقولهم : " وجلس عن يمين أبيه " يجعلنا نطلب الشاهد الذي صعد إلى السماء ورآه وهو جالس عن يمين أبيه .
ك. قولهم : " وأيضا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات الذي ليس لملكه انقضاء ".
إذا كان الذي جاء إلى الدنيا وأهين وصلب ومات – كما يزعمون – لم يستطع أن يخلص نفسه ، فكيف يستطيع أن يدين الأحياء والأموات ؟! وكيف لا يكون لملكه انقضاء وقد قضى اليهود على حياته في مؤامرة بسيطة ؟!.
ل. قولهم : " ونؤمن بالروح القدس المحي المنبثق من الآب ".(1/21)
على حسب هذا القول يكون المسيح والروح القدس أخوين متساويين في أبوة الله لهما ، وهذا يناقض ما مر من نص الأمانة على تجسد المسيح من روح القدس ، والكاثوليك يعدون الروح القدس منبثقا من الآب والابن معا لا من الآب وحده ، فهل ما زال المسيح والروح القدس أخوين أم أحدهما أب والآخر ابن ؟ وأيهما الأب وأيهما الابن له ؟ ولو سلمنا أخوتهما بالتساوي فبأي شئ كان المسيح بكر الخلائق كلها ؟ ولماذا هو موجود قبل كل الدهور وقد ساواه الروح القدس في بنوته لله ؟!.
م. قولهم : " وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية ".
يعنون بهذا القول أنهم يؤمنون بقرارات مجمع نيقية المنعقد سنة 325م ، ومنها نص الأمانة ، والواقع أن الإيمان بقانون الأمانة هو كفر بالله ورسوله عيسى عليه السلام ، وخيانة للتوراة والإنجيل ، فالمسيح ما دعا لغير توحيد الله تعالى وعبادته ، ولم تأت التوراة والإنجيل إلا بذلك التوحيد لله والإخلاص له في العبادة .
ن. قولهم " ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا ".
إذا كان التعميد بالماء يغفر الخطايا فما الحاجة إلى صلب المسيح وقتله تكفيرا عن خطاياهم ؟! ولو سلمنا بوقوع الصلب والقتل للتكفير فلا حاجة لمغفرة الخطايا بالتعميد ، وهذا تناقض واضح ، وكلتا العقيدتين – أي التكفيرعن الخطايا بقتل المسيح وبالتعميد – تناقض التوراة فقد جاء في الإصحاحين الرابع والخامس من سفر اللاويين أن التكفير عن الذنوب يكون بتقديم القرابين والذبائح من المذنب عند المذبح(1) .
المبحث الثاني : التوحيد في التوراة والإنجيل
المطلب الأول : التوحيد في القرآن
__________
(1) نقل من المناظرة الكبرى بين الشيخ رحمت الله والقسيس فندر– محمد خليل ملكاوي.(1/22)
قبل أن أتكلم عن التوحيد في التوراة والإنجيل لا بد لي من إطلالة سريعة على القرآن وعلى الإسلام ، هذا الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى دينا للبشرية جمعاء ، حيث جاء في القرآن قوله تعالى في سورة آل عمران:( إن الدين عند الله الإسلام )(1) . وجاء في نفس السورة أيضا قوله تعالى: ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )(2). دين الله الذي جاء به آدم ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد ، وسائر أنبياء الله . كلهم دعوا إلى وحدانية الله ، وإلى عبادته وحده لا شريك له ، وإلى خلع كل معبود سواه سبحانه وتعالى ، كلهم عبدوا الله وأطاعوه ، وأخلصوا العبودية له ، وأحسنوا إسلامهم واستسلامهم لله رب العالمين ، وأمروا الناس بالإسلام ، وطلبوا منهم أن يستسلموا له وحده دون سواه .
وأريد أن أبين كيف أن القرآن الكريم قد دعا إلى التوحيد ، واعتبر هذه الدعوة عنصرا أساسيا ، بل إن التوحيد من أهم مقاصد القرآن ، وبعد ذلك سأورد نصوصا من - الكتاب المقدس – بعهديه القديم والجديد ، تتضمن هذه النصوص دعوة صريحة إلى التوحيد رغم التحريف والتبديل اللذين أصابا هذه الكتب . والهدف من ذلك كله أن أثبت أن التوحيد هو عقيدة هذه الكتب في الأصل ، ولكنه – التوحيد – حرف ودخلت عليه الأساطير في شتى المعتقدات سواء في الديانات التي تنسب إلى السماء أو في الوثنيات التي اختلطت فيها بقايا الديانات السماوية بالأساطير في شتى الأزمان .
__________
(1) آل عمران 19.
(2) آل عمران 85.(1/23)
والقرآن الكريم يقرر حقيقة التوحيد ويؤكدها في كثير من آياته ، وإذا كان لكل دين صفة رئيسية يمتاز بها ، فإن الإسلام يوصف بأنه دين التوحيد . وللقرآن أسلوب خاص فريد من نوعه في الدعوة إلى التوحيد ، فقد دعا إلى وحدانية الله تعالى دعوة صريحة مباشرة سهلة تستوعبها العقول ، وشملت هذه الدعوة التوحيد بأنواعه الثلاثة ، توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، ولم يلجأ في إثبات هذه الحقيقة إلى خوارق العادات ، وإنما احتكم إلى الفطرة والعقل ، فهو يخاطب الفطرة السليمة التي فطرت على الإيمان بإله واحد لهذا الكون ، ويخاطب العقل ويطلب منه النظر والتدبر في ملكوت الله تعالى ليدرك أن هذا الإبداع والتناسق في الكون لا بد له من مبدع .
وسأذكر بعض الآيات التي دعت إلى التوحيد ، - وليس المقام هنا مقام بسط واستعراض ومناقشة للتوحيد في القرآن – لأن القوم لا يؤمنون به ، ولكن ليتبين من يريد الحق ويبحث عنه أن أصل الدين واحد ، وأن العقيدة واحدة ، جاءت بها كل الكتب السماوية ، وأن الإسلام ليس بالدين الجديد بل هو دين الله تعالى ، دين إبراهيم ، دين موسى ، دين عيسى ، ودين الأنبياء جميعا .(1/24)
ومن الآيات التي جاءت لإثبات عقيدة التوحيد ، ولإثبات أن التوحيد هو دين الرسل جميعا ، قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام : ( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم )(1). وفي قوله تعالى مستجوبا عيسى عليه السلام: ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )(2).
فإفراد الله بالعبودية هو الأمر الذي جاء به عيسى عليه السلام ودعا أتباعه إليه ، وهو يتبرأ من كل من عبده ، وجعله ندا لمولاه .
__________
(1) آل عمران 51.
(2) المائدة116-117.(1/25)
ويبين القرآن الكريم أن دعوة نوح عليه السلام ، قامت على التوحيد ، فكان أول شئ خاطب به قومه عبادة الله وحده ، والإيمان بألوهيته سبحانه : ( لقد أرسلنا نوحا إلى قومه قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم )(1). وكذلك كان الحال مع هود عليه السلام :( وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون )(2) . والدعوة نفسها يرفع لواءها صالح : ( وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية )(3). وهذا شعيب عليه السلام يردد الحقيقة نفسها : ( وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم )(4). ويقرر القرآن هذه الحقيقة من خلال قصة موسى عليه السلام في سورة طه9-15، فيقول : ( وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما آتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى *وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى * إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري * وإن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى )(5).
أما في سورة الأنبياء فيلخص القرآن دعوة الرسل جميعا بحقيقة التوحيد فيقول : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )(6) .
__________
(1) الأعراف 59.
(2) الأعراف 65.
(3) الأعراف 73.
(4) الأعراف 85.
(5) طه 9-15.
(6) الأنبياء 25.(1/26)
بقي أن أبين أن دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما كانت إلا اكتمال العقد ، والحلقة الأخيرة في سلسلة الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات رب العالمين ، فلا عجب إذا رأينا التركيز الواضح على التوحيد في رسالته ، ولا عجب إذا علمنا أن القرآن بقي يتنزل في مكة ثلاثة عشر عاما يخاطب الناس بهذا الأصل الأصيل . ولقد أفاض القرآن في الحديث على وحدانية الله تعالى في خلقه ورزقه وإحيائه وإماتته ، كما أفاض في الكلام على وحدانيته في العبادة ، وأنه لا يصح أن نعبد غيره أو نلجأ لسواه .
المطلب الثاني : التوحيد في التوراة
إن الله سبحانه وتعالى قد وصف التوراة بقوله : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور)(1) . وقد ورد ذكر التوراة في القرآن الكريم في عدة مواضع ، وأن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يأخذوا بأحسنها ، ويأخذوها بقوة ، ويقيموا أحكامها ، وأن لا يشتروا بها ثمنا قليلا ، وأن لا يحرفوا كلمها عن مواضعه ، غير أن اليهود لم يلتزموا بهذه الأوامر ، فلقد حرفوا وبدلوا وأضافوا وحذفوا حسب أهوائهم . ومع كل هذه التحريفات فلقد بقي في التوراة دعوة صريحة في كثير من نصوصها إلى التوحيد ، والقارئ لأسفارها يجد آيات كثيرة تصرح بتوحيد الله تعالى ، وتنفي عنه الشرك ، كما أنها جاءت بتفاصيل العبادة التي لا تنبغي إلا لله تعالى ، وفيها تحذير واضح من الشرك والوثنية ، وكذلك بقية أسفار العهد القديم .
يروي سفر الخروج مجموعة وصايا أوصى الله تعالى بها نبيه موسى عليه السلام ، حينما كلمه على جبل سيناء ، فيقول :
__________
(1) المائدة44.(1/27)
" تكلم الله بجميع هذه الكلمات قائلا : " أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من أرض العبودية ، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي ، لا تصنع لك تمثالا منحوتا ، ولا صورة مما في السماء من فوق ، وما في الأرض من تحت ، وما في الماء من تحت الأرض، لاتسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب إلهك إله غيور". سفر الخروج 20: 1- 5 . فأنت تلاحظ أن هذه الوصايا قد ابتدأت بتقرير حقيقة التوحيد ( أنا الرب إلهك....لا يكن لك آلهة أخرى ) . بل إنها تنهى عن الشرك بكل مظاهره فتجد النهي عن النحت والتصوير والتماثيل التي من شأنها أن تقود إلى عبادة غير الله ، بتعظيم هذه التماثيل والصور.
وتجد في الإصحاح الثالث والعشرين من نفس السفر التحذير من السجود لآلهة الوثنيين : " لا تسجد لآلهتهم ولا تعبدها ، ولا تعمل كأعمالهم ، بل تبيدهم وتكسر أصنامهم ، وتعبدون الرب إلهكم " .الخروج 23 : 24-25.
وفي الإصحاح الثاني والعشرين من نفس السفر تحذير من الذبح لآلهة من دون الله ، لأن ذلك مظهر من مظاهر الشرك : " من ذبح لآلهة غير الرب وحده يهلك " . الخروج 22 : 10.(1/28)
وفي الإصحاح السادس من سفر التثنية تجد وصية جامعة لإسرائيل – يعقوب عليه السلام – يقرر الله له فيها وحدانيته ، ويأمره أن يعلمها لأبنائه ويجعلها شعاره فيقول : " اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد ، فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك، ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك ، وقصها على أولادك ، وتكلم بها حين تجلس في بيتك ، وحين تمشي في الطريق ، وحين تنام وحين تقوم ، واربطها علامة في يدك ، ولتكن عصائب بين عينيك ، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك " . التثنية 6 : 4 – 9 . وصدق الله العظيم حين قال في القرآن في سورة البقرة : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آباءك إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلها واحدا ونحن له مسلمون )(1).
وفي نفس الإصحاح تذكير لإسرائيل وشعبه أن لا ينسى ربه : " فاحترز لئلا تنسى الرب الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية ، الرب إلهك تتقي ، وإياه تعبد وباسمه تحلف ، لا تسيروا وراء آلهة أخرى من آلهة الأمم التي حولكم " .التثنية 13:6-15.
وفي الإصحاح السابع من هذا السفر يأمر الله تعالى بني إسرائيل أن يعاملوا الأمم الوثنية بشدة ، فلا يشفقوا عليهم ولا يقطعوا لهم عهدا ولا يصاهروهم " لا تقطع لهم عهدا ، ولا تشفق عليهم ولا تصاهرهم ، بنتك لا تعط لابنه وبنته لا تأخذ لابنك ، لأنه يرد ابنك من ورائي فيعبد آلهة أخرى ...تهدمون مذابحهم وتكسرون أصنامهم ، وتقطعون سواريهم ، وتحرقون تماثيلهم بالنار " .التثنية 7: 2 – 5.
__________
(1) البقرة 133 .(1/29)
أما الإصحاح الثالث عشر فيشن حملة مشددة على المرتدين من بني إسرائيل الذين تستهويهم عبادة الأصنام ، ويبين عقوبة هؤلاء المرتدين " إذا أغواك سرا أخوك ابن أمك ، أو ابنك أو ابنتك أو امرأة حضنك ، أو صاحبك الذي مثل نفسك قائلا : نذهب ونعبد آلهة أخرى ...فلا ترض ولا تسمح له ، ولا تشفق عينيك عليه ولا ترق له ، ولا تستره بل قتلا تقتله ...ترجمه بالحجارة حتى يموت ، لأنه التمس أن يطرحك عن الرب إلهك " .التثنية 13: 6 – 10.
وتحكم التوراة على المدينة إذا ارتدت أن تحرق بكاملها : " إن سمعت عن إحدى مدنك... قد خرج أناس وطوحوا سكان مدينتهم قائلين : نذهب ونعبد آلهة أخرى، وفحصت وفتشت وسألت الأمر جيدا وإذا الأمر صحيح وأكيد .. فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف ... تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها، وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة ". التثنية 13: 12 – 16.
واسمع إلى – نحميا – في مناجاته إذ يقول : " أنت هو الرب وحدك ، أنت صنعت السماوات وسماء السماوات وكل جندها ، والأرض وكل ما عليها ، والبحار وكل ما فيها ، وأنت تحييها كلها وجند السماء لك تسجد . " .نحميا 9 : 6.
ونجد تنزيه الله تعالى عن التمثيل في المزمور الأول : " يا الله من مثلك ". المزمور الأول 71 : 19.
وفي سفر إشعيا دعوة إلى الله الواحد بتخليصهم من – سنحاريب – ملك آشور : " والآن أيها الرب إلهنا خلصنا من يده فتعلم ممالك الأرض كلها أنك أنت الرب وحدك " . أشعيا 37 : 20.
وفي سفر اشعيا كذلك : " أنا الرب وليس آخر ، لا إله سواي ، نطقتك ولم تعرفني ، لكي يعلموا من مشرق الأرض ومغربها أن ليس غيري أنا الرب وليس آخر ، مصور النور وخالق الظلمة ، وصانع السلام وخالق البشر ، أنا الرب صانع كل هذه " .اشعيا 45 : 5 – 7.
وفي سفر ملاخي : " أليس أب واحد لكلنا ، أليس إله واحد خالقنا " .ملاخي 2 : 10.(1/30)
وفي إرميا : " لا مثل لك يا رب ، عظيم أنت ، وعظيم اسمك في الجبروت " . إرميا 10 : 6.
وأسفار العهد القديم مليئة بالنصوص التي تدل صراحة على وحدانية الله تعالى ، وعدم جواز عبادة غيره.
المطلب الثالث : التوحيد في الإنجيل
العهد الجديد عند النصارى يشمل الأناجيل الأربعة المتداولة بينهم وهي : إنجيل متى ، إنجيل مرقص ، إنجيل لوقا ، إنجيل يوحنا ، كما يشمل مجموعة أعمال الرسل ، ورسائل بولس ، وهي أربع عشرة رسالة ، بعثها إلى أهل بلاد عديدة وإلى العبرانيين . ثم رسائل بطرس ويوحنا ويعقوب ورؤيا يوحنا .
ومع التحريف الذي وقع على هذه الكتب ، واستبدال عقيدة التثليث الدخيلة بعقيدة التوحيد الأصيلة ، إلا أن هذه الكتب بقي فيها العديد من النصوص التي تصرح بوحدانية الله تعالى . ونظرا لأنني سأتحدث عن هذا الموضوع في الفصل الثاني من هذه الرسالة ، فإني سأقتصر على نص واحد من كل إنجيل من الأناجيل الأربعة ، وعلى نصوص من بعض الرسائل .
في إنجيل متى طلب الشيطان من المسيح عليه السلام أن يسجد له من دون الله حينئذ قال له يسوع :
" اذهب يا شيطان ، لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد ، وإياه وحده تعبد ) . متى 4: 10.
وفي إنجيل مرقص جاء أحد الكتبة يسأل يسوع عن أول وصية في الناموس : فأجابه يسوع :
( إن أول كل الوصايا هي : اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد ) . مرقص 12 : 29.
وفي إنجيل لوقا يناجي المسيح ربه فيقول : ( أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض ) . لوقا 10 : 21.
وفي إنجيل يوحنا ، فإن المسيح يرفع عينيه نحو السماء فيقول : ( وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك وحدك الإله الحقيقي ، ويسوع المسيح الذي أرسلته ) . يوحنا 17 : 3.
وفي رسالة بولس إلى أهل رومية : ( لأن الله واحد ). رومية 3 : 30.
وفي رسالته إلى أهل غلاطية : ( وأما الوسيط فلا يكون لواحد ، ولكن الله واحد ) . غلاطية 3 : 13.(1/31)
وفي رسالة يعقوب : ( أنت تؤمن أن الله واحد ، حسنا تفعل ) . يعقوب 2 : 19.
الفصل الثاني : الإسلام وكيفية الدعوة إليه
المبحث الأول : المطلب الأول :
كيف تحاور نصرانيا
اعلم أن الأدلة والبراهين العقلية لا تجدي نفعا مع النصارى ، - ولا أقصد تهجما أو اعتداء وإساءة ، - معاذ الله – لكن النصارى لا يؤمنون بدليل العقل ولو كان في غاية الظهور والوضوح ، ولا ينفع معهم في المناظرات الاستدلال بالأدلة العقلية ، كيف وهم يعطلون العقل تماما ، ويمنعونه من النظر في عقائدهم معترفين بمناقضتها للعقل ، وهم يقولون بأن حقيقة الله لو خلت من الأسرار لأدركتها العقول البشرية كما تدرك الأشياء المحدودة ، ولما كان هذا لا يصح لذلك كان الثالوث بزعمهم سرا عجيبا لا يخضع لإدراك العقول .
فإذا أردت محاورة نصراني ، فاجلس وخذ ورقة وقلما واسأله إلى أي كنيسة تذهب ؟ وما هو معتقد هذه الكنيسة ؟ ومن ربكم وإلهكم ؟ ودون هذه الإجابات ثم اسأله عن عيسى عليه السلام من هو؟ ستجده يسير متخبطا في أجوبته ولن يستقر له جواب شاف كاف في أصول عقيدته ، فتارة سيقول لك نعبد الله ، وإن سألته من تقصد بالله ؟ فيقول عيسى ، فتقول له ألم يولد عيسى قبل ألفين وخمسة من السنين ، فمن الذي خلق الناس والأمم التي جاءت من قبل ؟ ومن دبر الكون ؟ ومن خلق السماوات والأرض ؟ . النصراني : الله . وماذا عن عيسى من هو ؟ النصراني : ابن الله . وهل ابن الله هو الله نفسه أم غيره منفصلا عنه ؟ . النصراني : ثلاثة في واحد الأب والابن والروح القدس . إذن أنتم تعبدون ثلاثة آلهة ؟ . النصراني : لا . إله واحد .
ولكن أليس عندكم الأب إله والابن إله والروح القدس إله ؟ . 1+1+1=3 .فكيف تجعلون الثلاثة واحدا . فإن كان المتحدث معك انسانا بسيطا متواضعا سيقول لك هكذا علمونا من الصغر وفي الحقيقة أنا لا أفهم ما أقول ، ولكنا تعودنا على الأمر ، فنحن نفعله ونعلمه أبنائنا .(1/32)
المحاور : لو كان الأمر تجارة أو سيارة أو بيعا أو شراء لقبل الإنسان ربما بهذا الأمر ولم يفكر فيه ، لأن التجارة ربح وخسارة فإذا خسر في صفقة عوضها في أخرى ، ولكن الأمر غاية في الأهمية والخطورة وهو معقل النجاة في الدنيا والآخرة ، إما نعيم أبدي وإما شقاء أبدي ، هلا تفكرت في هذا ، هل تفكرت في نفسك ؟ ألا تعتقد معي أنك تستحق فرصة ووقفة مع نفسك لترى وتعمل الفكر وتراجع حساباتك قليلا ، أنا اعتقد أنك تستحق هذه الفرصة ، ثم ماذا عن أولادك ، وماذا عن زوجتك وأهلك ، ألا يستحقون منك وقفة نظر وتأمل ومراجعة ، ألست تحبهم ؟ .
النصراني : طبعا أحبهم ، وأريد الخير لهم ، واعرف أن الخير أن تقبل المسيح .
المحاور : حسنا ما رأيك بحديث هادئ بعيد عن التعصب والتشنج نبحث فيه عن الحق ؟ ولكن بشرط أن ينصف كل منا الآخر ، بمعنى إذا كان الحق معك فأنا أعطيك الحق وأقول لك صحيح ما تقول وأنا أوافقك الرأي ، وإذا كان الحق معي فأنت كذلك تعطيني الحق وتسير معي فما رأيك ؟.
النصراني : أنصفت وأنا موافق على هذا الشرط.
المطلب الثاني : أركان الإيمان في دين الإسلام : الإيمان بالله والاستدلال على وحدانيته من الكتاب المقدس(1/33)
المحاور : نحن المسلمين نؤمن بالله سبحانه وتعالى ربنا ورب كل شئ ، ومليكه وخالقه ، وأنه الذي يستحق وحده أن يفرد بالعبادة من صلاة وصيام وزكاة ودعاء ورجاء وخوف وذل وخضوع . وأنه المتصف بصفات الكمال كلها ، المنزه عن كل نقص . فلا يكون العبد فينا مؤمنا بالله حقا حتى يعتقد أن الله سبحانه رب كل شئ ، ولا رب غيره ، واله كل شئ ولا اله غيره ، وأنه الكامل في صفاته وأسمائه ولا كامل غيره . وهذا يعني الإقرار بأن الله سبحانه وتعالى هو وحده خالق الخلق ومالكهم ومحييهم ومميتهم ونافعهم وضارهم ومجيب دعائهم والقادر عليهم ومعطيهم ورازقهم ومانعهم وهو وحده الذي يحاسبهم ويجازيهم على أفعالهم إن خيرا بخير وإن شرا بشر . وهو الفاعل المطلق في هذا الكون لا يشاركه أحد في أفعاله سبحانه وتعالى . والقران جاء ليبين هذا التوحيد ويزرعه في قلوب وعقول الناس لأنه يعتبر الأساس والمدخل لأنواع التوحيد الأخرى ، لأن الخالق المالك المدبر هو وحده الجدير بالتوجه إليه بالعبادة والخشوع والخضوع وهو المستحق وحده للحمد والشكر والذكر والدعاء والرجاء والرغبة والرهبة والحب والخوف وغير ذلك من أعمال القلوب .(1/34)
فالله تعالى تفرد بالخلق والرزق والملك والتدبير فكيف يعبد غيره أو يدعى سواه يقول الله تعالى في القرآن الكريم < واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم موتا ولا حياة ولا نشورا >(1). ويقول الله تعالى < قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون * بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون * ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله إذا لذهب كل اله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون >(2) .ومن جهة أخرى فإن الخالق المالك المدبر الرازق هو الجدير وحده بصفات الجلال والجمال والكمال .لأن هذه الصفات لا تكون إلا لله رب العالمين ، إذ يستحيل ثبوت الربوبية والملك والخلق لمن ليس بحي ولا سميع ولا بصير ولا قادر ولا فعال لما يريد . فالله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، أول كل شيء ، آخر كل شيء ، فوق كل شيء ، دون كل شيء ، عليم بكل شيء ، خبير بكل شيء ، سميع لكل شيء ، لا يعجزه شيء ، لا يغيب عنه شيء ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . واسمع ماذا قالت التوراة والإنجيل لتعلم أننا ما خرجنا عن الطريق الذي رسمه الله تعالى لرسله وأنبيائه وأننا على إيمان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وداود وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام . وهذا ما أقرته التوراة والإنجيل .
__________
(1) الفرقان 3.
(2) المؤمنون87-91.(1/35)
فمما جاء في التوراة قوله : " في البدء خلق الله السماوات والأرض " تكوين 1:1. وجاء فيها :" لا يكن لك آلهة أخرى أمامي ، ولا صورة ما مما في السماء من فوق ، وما في الأرض من تحت ، وما في الماء من تحت ، لا تسجد لهن ولا تعبدهن ، لأني أنا الرب إلهك إله غيور." خروج3:20-5. وجاء فيها :" الرب إلهك تتقي ، وإياه تعبد ، وباسمه تحلف ، لا تسيروا وراء أخرى من آلهة الأمم التي حولكم، لأن الرب إلهكم إله غيور". تثنية13:6-14 . وجاء فيها :" أنا الرب وليس آخر ، لا إله سواي .. لكي يعلموا من مشرق الأرض ومغربها أنه ليس غيري ، أنا الرب وليس آخر ، مصور النور وخالق الظلمة وصانع السلام وخالق الشر ، أنا الرب صانع كل هذه" . إشعياء 5:45-7. وفيها :" لأنك عظيم أنت وصانع عجائب ، أنت الله وحدك ". مزمور10:86. وفيها :" لأنه من مثلي ، ومن يحاكمني ، ومن هو الراعي الذي يقف أمامي ". إرمياء 19:49. وفيها :" أنا الأول وأنا الآخر، ولا إله غيري ".إشعياء6:44. وفيها :" أنا أنا هو وليس إله معي ، أنا أميت وأحيي ".تثنية 39:12. وفيها :" إلها سواي لست تعرف ولا مخلص غيري ". هوشع 4:13. وغيرها كثير ...
وإذا سألت عن الإنجيل وهل ورد فيه هذا التوحيد ؟ هل فيه إشارات واضحة تبين ما ذكرناه ؟ نعم فيه الكثير فمما جاء في الإنجيل قوله :(1/36)
" فجاء واحد من الكتبة ، وسمعهم يتحاورون ، فلما رأى أنه أجابهم حسنا سأله – سأل المسيح – أية وصية هي أول الكل ؟ فأجابه يسوع :" إن أول كل الوصايا هي : اسمع يا إسرائيل ، الرب إلهنا رب واحد ، وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ....فقال له الكاتب : جيدا يا معلم بالحق ، لأنه الله واحد وليس آخر سواه ، ومحبته من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ....فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل قال له : لست بعيدا عن ملكوت السماوات ". مرقس 28:12-34. وجاء فيه وقال المسيح :" أنه مكتوب للرب إلهك تسجد ، وإياه وحده تعبد ". لوقا 8:4. وقال المسيح في وصف الفريسيين من اليهود :" ويحبون المتكأ الأول في الولائم ، والمجالس الأولى في المجامع ، والتحيات في الأسواق ، وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي ، وأما أنتم فلا تدعوا سيدي ، لأن معلمكم واحد ، المسيح وأنتم جميعا اخوة ، ولا تدعوا لكم أبا على الأرض ، لأن أباكم واحد ، الذي في السماوات ". متى 6:23-19. وفيه :" أنت تؤمن أن الله واحد حسنا تفعل ". يعقوب 19:3.
وقال بولس في وصف الله :" المبارك العزيز الوحيد ، ملك الملوك ورب الأرباب، الذي له وحده عدم الموت ، ساكنا في نور لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه، الذي له لكرامة والقدرة الأبدية ". 1 تيمو ثاوس الأول 15:6-16. وغيرها كثير...
المطلب الثالث : الإيمان بالملائكة(1/37)
ونؤمن بالملائكة : والمقصود به الاعتقاد الجازم بأن لله ملائكة موجودين مخلوقين من نور ، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ، وأنهم يفعلون ما يؤمرون . وهم مخلوقات نورانية ليس لها جسم مادي يدرك بالحواس الإنسانية ، وأنهم ليسوا كالبشر : فلا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتزاوجون . مطهرون من الشهوات الحيوانية ، ومنزهون عن الآثام والخطايا . وهم لهم القدرة على أن يتمثلوا بصورة البشر بإذن الله سبحانه وتعالى . ولهم أجنحة يتفاوتون في أعدادها . وعلاقتهم بالله علاقة العبودية الخالصة ، والطاعة والامتثال والخضوع المطلق لأوامره سبحانه وتعالى ، ولهذا فإن إبليس ليس من الملائكة ، لأن الملائكة لم تعط حرية الاختيار كما أعطيها الإنس والجن. وهم موكلون بأصناف المخلوقات ، فوكل بالجبال ملائكة ، وبالسحاب ملائكة ، وبالمطر ملائكة ، وبالموت ملائكة ، وبالإنسان ملائكة يحفظونه ، وبكل حوادث الكون ملائكة . وهم عون للإنسان على اختيار الهدى والصلاح ، واجتناب الشر والضلال . يلهمونه الحق والخير ويحثونه عليهما ، وغير ذلك من الأعمال .* كتاب الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين بتصرف .
المطلب الرابع : الإيمان بالكتب والاستدلال على تحريف التوراة والإنجيل من الكتاب المقدس نفسه(1/38)
ونؤمن بالكتب التي أنزلها الله على رسله : ومن هذه الكتب ما سماه الله لنا في القرآن الكريم ، ومنها ما لم يسم . والذي أخبرنا الله به عز وجل : التوراة والإنجيل والزبور والصحف التي أنزلها الله تعالى على إبراهيم وموسى . ونؤمن أن أصل هذه الكتب منزل من عند الله تعالى ، وقد نزلت بالحق والنور والهدى ، وتوحيد الله تعالى ، وان ما نسب إليها مما يخالف ذلك إنما هو من تحريف البشر. وقد تنزلت هذه الكتب السابقة الذكر على أقوام معينين ، بعكس القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة . وقد تعهد الله تعالى بحفظه كونه الكتاب الخاتم والمهيمن على باقي الكتب . بعكس الكتب السابقة التي عهد الله تعالى حفظها إلى الأحبار والرهبان ، فحرفوا كثيرا وبدلوا كثيرا واشتروا بآياته ثمنا قليلا . والحق الذي لا يمارى فيه أنه لا يوجد اليوم على ظهر الأرض كتاب تصلح نسبته إلى الله تعالى سوى القرآن الكريم . لأن باقي الكتب التي نزلت قبل القرآن ، قد ضاعت نسخها الأصلية ، ولم يبق في أيدي الناس إلا تراجمها . بعكس القرآن فإنه لا يزال محفوظا بسوره وآياته هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن هذه الكتب السابقة للقرآن قد اختلط فيها كلام الله تعالى بكلام الناس ، وليس ما يثبت أن هذه الكتب تصح نسبتها إلى الرسول الذي تنسب إليه ، ولهذا تعددت نسخ تلك الكتب واختلفت رواياتها كما سأبين ، إضافة إلى ما حوته تلك الكتب من العقائد الباطلة والقصص الماجنة ، والقدح بالأنبياء بما يمس شرف الأنبياء وعصمتهم ، ونسبة العجز إلى الله تعالى والضعف والقصور في العلم .(1/39)
لقد بين القرآن الكريم أن التوراة والإنجيل خاصة قد تعرضا للتحريف ، فتارة يكون التحريف بالزيادة أو النقصان ، وتارة يكون بلي أعناق النصوص حتى تناسب مرادهم وأهواءهم ، يقول الله تعالى في بيان النوع الأول من التحريف ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون )(1). ويقول أيضا في نفس السورة ( وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لأية لكم إن كنتم مؤمنين )(2). وقال مبينا الموضع الثاني من التحريف في نفس السورة ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون )(3). والآيات كثيرة في هذا الباب ولكن أكتفي بهذه الآيات الثلاث حتى أثبت وأبين من نصوص التوراة والإنجيل أن ما ذكره القرآن هو الحق والصواب .
من العهد القديم :
سفر التكوين 3:2 وبارك الله اليوم السابع وقدسه ، لأنه استراح من جميع عمله.
تناقض مع سفر إشعياء28:40 أما عرفت أم لم تسمع إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكل ولا يعيا .
فهل أخطأ الروح القدس فأوحي إلى نبي من الأنبياء أن الله تعب فاستراح ، وأوحى إلى نبي آخر أنه لا يكل ولا يعيا ؟.
سفر الخروج 14:32 "فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه".
تناقض مع سفر العدد 19: 23 " ليس الله إنسانا فيكذب ولا ابن إنسان فيندم ". فأيهما كلام الله ؟.
سفر التكوين 19:6-20 " ومن كل حي من كل ذي جسد اثنين من كل تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك ، تكون ذكرا وأنثى ".
__________
(1) البقرة 79.
(2) البقرة 248.
(3) البقرة 75.(1/40)
تناقض مع سفر التكوين نفسه 2:7-3 " من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وأنثى ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا وأنثى ". فهل نسي الله تعالى ما قاله لموسى – على فرض أن هذه الأسفار منسوبة إليه – في النص الأول ليأمره بخلاف ذلك في النص الثاني ؟.
سفر التكوين 21:46 " بنو بنيامين بالع وباكر وأشبيل وجيرا ونعمان وإيحى وروش ومفيم وحفيم وأرد ". عشرة أولاد .
تناقض مع سفر الأخبار الأول 6:7 " لبنيامين بالع وباكر ويديعئيل . ثلاثة وتناقض مع سفر الأخبار الأول 1:8-2 " وبنيامين ولد بالع بكره وأشبيل الثاني وأخرج الثالث ونوحة الرابع ورافا الخامس". فهل تنسبون إلى الله الجهل والتخبط وقصور العلم ؟.
سفر التثنية5:34-8 " فمات موسى هناك عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب . ودفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم . فكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته . فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات موآب ثلاثين يوما فكملت أيام بكاء مناحة موسى ". فكيف قال موسى عليه السلام هذا الكلام عن موته ودفنه بل كيف عرف موسى عدد أيام المناحة بعد موته ؟ أيعقل أن يكون هذا كلام الله ؟ ايعقل أن يكون كلام موسى عليه السلام ؟.
سفر الملوك الثاني 19 تطابق مع سفر إشعياء 37 كلمة بكلمة وحرفا بحرف … فكيف نفسر هذا التطابق ، وهل نسي الروح القدس أنه قد نزل بهذا النص على نبي آخر من قبل ؟ أم تقولون إن الله تعالى يضل وينسى ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. إن كاتب النص في إشعياء قد سرق النص بكامله من سفر حزقيال.
من العهد الجديد :
متى 38 :12-40 حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلم نريد أن نرى منك آية . فأجاب وقال :- لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي".(1/41)
تناقض مع مرقس 11:8-13"فخرج الفريسيون وبدؤا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه . فتنهد بروحه وقال :- لماذا يطلب هذا الجيل آية . الحق أقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية " . فمن الكاذب ومن الصادق من الكتبة ؟
متى 4:15 " فإن الله أوصى قائلا أكرم أباك وأمك ".
تناقض مع لوقا 26:14 " إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه فلا يقدر أن يكون لي تلميذا ".
أترك التعليق لك … وأذكرك أن القران الكريم يقول ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )(1).
متى 7:26-9 " تقدمت إليه امرأة معها قارورة طيب كثيرة الثمن فسكبته على رأسه وهو متكئ .فلما رأى تلاميذه ذلك اغتاطوا قائلين لماذا هذا الاتلاف ".
تناقض مع يوحنا 3:12-6 " فأخذت مريم منا من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها . فأمتلأ البيت من رائحة الطيب . فقال واحد من تلاميذه وهو يهوذا سمعان الإسخريوطي المزمع أن يسلمه لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويعطى ثمنه للفقراء ".
متى 23:26 " الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني ". ومرقس 20:14 " الذي يغمس معي في الصحيفة ".
تناقضا مع يوحنا 21:13-26 " واحدا منكم يسلمني .....26: أجاب يسوع الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا...". ولولا خشيتي من أن تتحول الرسالة إلى سرد للتناقضات في الكتاب المقدس لواصلت عرض النصوص تباعا ولكني أخشى الإطالة والملل ولهذا سأنتقل إلى ذكر بعض النصوص لتعلم من كاتبها كيف كتبها ، ولتحكم عليها إن كانت من كلام الله أم من كلام البشر. تأمل معي هذا النص ثم اجعله حكما على النصوص التي ستليه لتعلم هل هذه النصوص موافقة لهذا النص أم لا ؟
__________
(1) النساء 82.(1/42)
رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 16:3-17 " كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر . لكي يكون إنسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح ". هذا نص في منتهى الوضوح يبن أن كل الكتاب المقدس موحى به من الله وأن ما فيه للتعليم والتقويم والتأديب ، فهيا نرى ونقرأ هل كل الكتاب موحى به من عند الله ؟ وهل هو للتعليم والتقويم ..
سفر التكوين 30:19-37 " وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه ، لأنه خاف أن يسكن في صوغر ، فسكن في المغارة هو وابنتاه ، وقالت البكر للصغيرة أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة أهل الأرض ، هلم نسقي أبانا خمرا ونضطج معه ، فنحي من أبينا نسلا . فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة ، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها ، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة إني قد اضطجعت البارحة مع أبي ، نسقيه خمرا أيضا الليلة فادخلي اضطجعي معه ، فنحي من أبينا نسلا. فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا ، وقامت الصغيرة واضطجعت معه ، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما. فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب، وهو أبو الموآبيين إلى اليوم ، والصغيرة أيضا ولدت ابنا ودعت اسمه بن عمي ، وهو أبو بني عمون إلى اليوم ".(1/43)
قد لا يصدق القارئ ما قرأعن نبي الله لوط عليه السلام ، ولكن النص موجود في جميع نسخ التوراة ، فلوط عليه السلام الذي أنقذه الله من دمار – سدوم وعمورة- اللتين كان أهلهما منغمسين في اللواط بكل بساطة يشرب الخمر ويضطجع مع ابنتيه على التوالي تحت تأثير الخمر ، وتنتهي العملية بحبل الابنتين ! أهذا معقول ؟ وأين الروح القدس ؟ وهل يستطيع رجل شرب حتى الثمالة لا يعي من يدخل عليه ولا يعي ولا يعلم لا بالاضطجاع ولا بالقيام لابنتيه أن تتحرك له شهوة أو أن يضطجع مع النساء – سبحانك هذا بهتان عظيم -. أهذا كلام الله ؟ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا . ولو تنازلنا معك أيها الصديق وقلنا أن هذا كلام الله فأين التعليم والتأديب في هذه القصة ؟ على العكس تماما ما أراها إلا دعوة صريحة لزنا المحارم... وما أراها إلا دعوة إلى الفاحشة والرذيلة...
ولعل انتشار زنا المحارم في البلاد الغربية مرده إلى مثل هذه النصوص . ولكن ترى هل هذه هي القصة الوحيدة من هذا النوع الرخيص في التوراة ؟ كلا ، فهناك قصص وقصص منها قصة – يهوذا – الموجودة في سفر التكوين 12:38-36 .وفي هذه القصة تخدع – تامارا- يهوذا أبا زوجها المتوفى ، فتنام معه وتحبل منه وتلد توأمين ، يقوم كتبة العهد الجديد – متى ومرقس – بإدراج أحدهما وهو – فارض – كأحد أجداد المسيح عليه السلام . والغريب أن يهوذا عندما قام بالدخول على كنته لم يكن عذره الخمر والسكر ، بل لقد فعل فعلته بعذر أقبح وذلك عندما رآها في الطريق حسبها زانية ، فأراد مضاجعتها ولم يعلم أنها كانت كنته ، ويهوذا هو ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام . هل هذا كلام الله ؟ وهل هناك تعليم أو تقويم في هذه القصة الإباحية ؟ اللهم لا .(1/44)
وإن أردت المزيد فاذهب إلى قصة دعارة الأختين التي لم يكتبها الله ولا نبي من أنبيائه بل كاتب مهووس جنسيا اقرأ سفر حزقيال 1:23-49 لترى أنها دعوة صريحة إلى المجون وفتح باب الشهوات على مصراعيها ، ثم بعد أن تحكم وتتأمل اطلب من القسيس أن يقرأها في الكنيسة على الناس ، وليشرح ماذا يريد الله بهذا مثلا ، أم أنه سيعتذر عن القراءة حياء وخجلا ، وكأنه أكثر حياء من الله !!! ثم بعد هذه القصص وغيرها الكثير تعال بنا نمر على نصوص أخرى أخذت ونحت منحى آ خر يمجه الذوق السليم ويعافه ، ويترفع عن ذكره الإنسان العادي فكيف بالله !!! نصوص قل لي إن كان فيها تعليم أو تأديب أو تقويم...
سفر الملوك الثاني 27:18- 28 " فقال ربشاقي هل إلى سيدك وإليك أرسلني سيدي لكي أتكلم بهذا الكلام ، أليس إلى الرجال الجالسين على السور ليأكلوا عذرتهم ويشربوا بولهم معكم ". ونفس النص في سفر إشعياء 12:36. فهل هذا كلام الله ؟
سفر ملاخي 3:2 " هأنذا أنتهر لكم الزرع وأمد الفرث على وجوهكم فرث أعيادكم فتنتزعون معه ". روث وفضلات بهائم على الوجوه !!!
سفر حزقيال 12:4-14 " وتأكل كعكا من الشعير على الخرء الذي يخرج من الإنسان تخبزه أمام عيونهم وقال الرب هكذا يأكل بنو إسرائيل خبزهم النجس بين الأمم الذين أطردهم إليهم ".هل يصدر هذا الكلام عن الله ؟ أو عن نبي من أنبياء الله ؟ إذا كان أحدنا يستحي أن يتلفظ بهذا فكيف برسل الله ؟ وهم أشد حياء من العذراء في خدرها ! فكيف بالله سبحانه وتعالى ؟ وهو أشد حياء وغيرة من الأنبياء عليهم السلام ! .
لاشك انك تدرك أن هذا ليس كلام الله ، وليس بكلام أنبياء الله ، وأن هذا ليس موحى به من الله تعالى ولم يتنزل به الروح القدس . إذن كلام من هذا ؟ وكيف كتب ؟ سأدع كتبة الإنجيل يجيبونك على هذه التساؤلات من خلال ما سطرته أيديهم ونطقت به أفواههم .ووقفتنا الأولى مع أحد كتبة الإنجيل الأربعة.(1/45)
لوقا 1:1-4 " إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا . كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة . رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شئ من الأول بتدقيق أن أكتب إليك أيها العزيز ثاوفيلس . لتعرف صحة الكلام الذي علمت به " .
هل عرفت الآن كيف كتب لوقا إنجيله ؟ رأى وبدا له أن يفعل كما فعل غيره ممن سبقوه من الكتبة أن يؤلف قصة لا بوحي من الله ولا حل عليه الروح القدس ولا أملى عليه هذا الكلام ، بل بدا له ورأى أن يكتب الغث والسمين كما رويت الأخبار وكما سمع من الناس ، وكفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع . ولوقا هذا لم ير المسيح ولم يسمع منه ولم يكن تلميذا له ، ومع هذا فقد ألف إنجيله من أربعة وعشرين إصحاحا زادت عن خمسين صفحة ، واعتبره النصارى من الأناجيل المعتمدة الأربعة ، وقالوا :- أن هذه الأناجيل كتبت بوحي من الله ! ولو تابعنا القراءة قليلا في هذا الإنجيل لعلمنا أن لوقا ما كذب عندما صرح أنه ألف قصة كما بدا له ، وأنه ألفها من غير وحي من الله ومن غير إلهام من الروح القدس . واقرأ معي بصوت مرتفع لتقف على غياب الإلهام والوحي عن لوقا.
لوقا 23:3 " ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي ".(1/46)
هل هذا كلام الله ، إن كنت تصر على أن هذا كلام الله تعالى فمعنى ذلك أنك تنسب إلى الله الجهل وقلة العلم – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – وهل غاب عن الله حقيقة كم عمر عيسى عليه السلام عندما بعثه وأرسله ، فقال :- ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين ، الجهل والقصور في العلم شأني وشأنك ، ولكن الله سبحانه لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء ، فلو كان هذا كلام الله تعالى أو وحي من الله لكانت الصيغة – ولما ابتدأ يسوع كان له ثلاثين عاما - بصيغة جازمة لا يعتريها شك ولا تردد ، لأن الله يعلم ما كان وما يكون لو كان كيف يكون ، فكيف يجهل عمر عيسى عليه السلام ، وكيف يقول في نهاية النص – وهو على ما كان يظن- وكأن الله لا يعلم أو نسي أنه خلق عيسى من أم ومن غير أب ، فهو سبحانه يخلق ما يشاء ويختار ، ليقول لنا وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي ..... وإذا كنت تصر رغم التبين والوضوح ان هذا كلام وكتب بوحي من الله ، فقل لي لماذا وضع متى خمسة وأربعين اسما عندما ذكر نسب المسيح في الإصحاح الأول – متى1:1- 17 . ووضع لوقا ستا وسبعين اسما في نفس النسب ؟
والعجيب في هذا أنك لو تتبعت الأسماء من يوسف إلى داود في متى لوجدت خمسا وعشرين اسما فقط ، ولو تتبعتها عند لوقا لوجدتها أربعين اسما . فكيف أخطأ الروح القدس هذا الخطأ الفاحش ؟ والأعجب من ذلك أنك لو دونت الأسماء في متى على ورقة ، ودونت الأسماء في لوقا على ورقة أخرى لرأيت الكذب على الله ، وكيف نسب هذا الكلام إلى الله زورا ، ستجد في الورقتين أنه لا تطابق بين الأسماء في القائمتين على الإطلاق . فمثلا متى قال عن المسيح هو ابن يوسف بن يعقوب بن متان ... وعند لوقا ابن يوسف بن هالي بن متثات ... فهل هذا كلام الله؟ وهل هذا كتب بوحي من الله ؟ اللهم لا... .(1/47)
ووقفتنا الثانية مع بولس الذي كتب قرابة نصف الإنجيل ، وهو المؤسس الحقيقي للنصرانية ، والنصارى وإن لم يشعروا هم أتباعه وليسوا بأتباع عيسى عليه السلام.
سفر الأعمال18:15-20 " لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن نضع عليكم ثقلا أكثر غير هذه الأشياء الواجبة . أن تمتنعوا عن ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون".
هل تبين لك الآن ما قلته لك ، لقد جعل بولس من نفسه مشرعا مع الروح القدس ، فهو يقول في النص – قد رأى الروح القدس ونحن ... – ومن هو بولس لينصب نفسه مشرعا مع الله ، وليخرج النصرانية عن الطريق السوية ، وليلغي تعاليم عيسى عليه السلام ، فقد جاء عيسى عليه السلام ليتم الناموس لا لينقضه ، وها هو بولس يلغي الناموس ويجعل المحرمات فقط أربعة :- الذبح للأصنام ، وأكل الدم المسفوح ، وأكل الحيوان المخنوق غير المذكى ، والزنا . فإذا كان الكتاب كله موحى من الله ، فما معنى قول بولس لأنه قد رأى الروح القدس ونحن ....
رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 12:7 " وأما الباقون فأقول لهم أنا ، لا الرب إن كان أخ له امرأة غير مؤمنة وهي ترضى أن تسكن معه فلا يتركها ". أترك لك التعليق على النص ....
وفي نفس الإصحاح من نفس الرسالة العدد 25: " وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهن ، ولكني أعطي رأيا ..." .
هل يبقى بعد هذا الإقرار حديث أو تعليق ؟(1/48)
رسالة بولس إلى أهل رومية 1:16- 16 " أوصي إليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة التي في كنخريا 2- كي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين وتقوموا لها في أي شيء احتاجته منكم . لأنها صارت مساعدة لكثيرين ولي أنا أيضا .3- سلموا على بريسكلا وأكيلا العاملين معي في المسيح يسوع .4- اللذين وضعا عنقيهما من أجل حياتي اللذين لست أنا وحدي أشكرهما بل أيضا جميع كنائس الأمم .5- وعلى الكنيسة التي في بيتهما . سلموا على أبينتوس حبيبي الذي هو باكورة أخائية المسيح .6- سلموا على مريم التي تعبت لأجلنا كثيرا .7- سلموا على أندرونكوس ويونياس نسيبي المأسورين معي اللذين هما مشهوران بين الرسل وقد كانا في المسيح قبلي .8- سلموا على أمبلياس حبيبي في الرب .9-سلموا على أوربانوس العامل معنا في المسيح وعلى إستاخيس حبيبي .10- سلموا على أبلس المزكى في المسيح سلموا على الذين هم من أهل أرستوبولوس .11- سلموا على هيروديون نسيبي. سلموا على الذين هم من أهل نركيسوس الكائنين في الرب.12- سلموا على تريفينيا وتريفوسا التابعتين في الرب . سلموا على برسيس المحبوبة التي تعبت كثيرا في الرب .13- سلموا على روفس المختار في الرب وعلى أمه أمي.14- سلموا على أسينكريتس فليغون هرماس بتروباس وهرميس وعلى الاخوة الذين معهم .15- سلموا على فيلولوغس وجوليا ونيريوس وأخته وأولمباس وعلى جميع القديسين الذين معهم .16- سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة. كنائس المسيح تسلم عليكم ".
هل هذا كلام الله ؟ هل هذا بوحي من الله ؟ أترك لك الإجابة...
المطلب الخامس : الإيمان بالرسل وبيان حقيقة دعوتهم وإبطال ألوهية المسيح عليه السلام بلسان المسيح نفسه
ونؤمن بالرسل(1/49)
ومعناه : الإيمان بمن سمى الله تعالى في كتابه من رسله وأنبيائه ، والأيمان بأن الله عز وجل أرسل رسلا سواهم ، وأنبياء لا يعلم عددهم وأسماءهم إلا الله تعالى . فهؤلاء الرسل والأنبياء يجب الإيمان برسالتهم ونبوتهم تفصيلا بمعنى أن الإنسان لو عرض عليه واحد منهم لم ينكر نبوته ، ولا رسالته ، إن كان رسولا ، فمن أنكر نبوة واحد منهم ، أو أنكر رسالة من بعث منهم برسالة كفر. وأما الذين لم يقصهم الله تعالى علينا من الأنبياء والرسل فقد أمرنا أن نؤمن بهم إجمالا .
ولهذا فليس لنا أن نقول برسالة أحد من البشر أو نبوته ما دام القرآن لم يقصه علينا ولم يذكره في عداد الأنبياء والمرسلين .
ويجب علينا أن نؤمن بأن الله بعث رسله إلى الخلق لتبشيرهم وإنذارهم ، تبشيرهم برضوان الله وثوابه وجنته ، إن آمنوا به وبرسله وأطاعوه ، وإنذارهم من غضب الله إن كفروا وعصوا ونؤمن بأن جميع الرسل بعثهم الله لتحقيق غرض أساسي واحد هو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له .ونؤمن بهم جميعا ولا نفرق بين أحد منهم ، ونعتقد يقينا أنهم أكمل الناس خلقا وعلما وعملا ، وأن الله تعالى عصمهم ونزههم عن الرذائل والصفات الذميمة التي لا تليق بهم ولا بتبليغ دعوتهم كالكذب والخيانة وعن الكبائر كلها والصغائر ، مع أنه قد تقع منهم عثرات بسيطة يتوبون منها ولا يقرون عليها .
وهم جميعا كانوا رجالا ، لا يملكون شيئا من خصائص الألوهية ، ولم يخصهم الله تعالى بطبائع أخرى غير الطباع البشرية ، ونؤمن أن آخرهم وأفضلهم محمد بن عبد الله عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام . وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أرسل للناس كافة إلى يوم القيامة ، بعكس اخوته من الرسل فقد كان كل منهم يرسل إلى قومه خاصة .
ونؤمن أن الله تعالى أيدهم بمعجزات باهرات وآيات بينات دالة على صدقهم فيما جاءوا به من عند ربهم عز وجل .(1/50)
ولم يدع أحد منهم الألوهية لنفسه ، ولم يسأل قومه أن يعبدوه من دون الله ، وكيف يصدر منهم هذا وهم أعلم الناس بالله ، وأعبد الناس له ، وأعرفهم بحقوقه سبحانه وتعالى .ولذلك قال الله تعالى في القرآن الكريم في سورة الأنبياء ( ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين )(1) . وقال تعالى محاكما عيسى عليه السلام في سورة المائدة ( وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )(2).
فهل ادعى عيسى عليه السلام الألوهية لنفسه ؟ وهل أمر اليهود أن يعبدوه من دون الله ؟ وهل قال بأن الله ثلاثة في واحد ؟.
تعال معي نسير بهدوء ونقلب صفحات الإنجيل لنقف على كلام عيسى عليه السلام ونجعل كلامه حكما ، فأنت تقبل ولا شك كلام عيسى عليه السلام وتؤمن به وتطرح ما سواه .
يوحنا 3:17 قول عيسى عليه السلام مخاطبا الله تعالى :" وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت وحدك الإله الحقيقي ويسوع المسيح الذي أرسلته " .
فبين عيسى عليه السلام أن الحياة الأبدية معرفة وحدانية الله وأن عيسى رسوله ، ولم يقل إن الحياة الأبدية معرفة الأقانيم الثلاثة ، أو إن عيسى إله وإنسان .وإذا ثبت أن الحياة الأبدية في اعتقاد وحدانية الله وبشرية المسيح الرسول ، فضدها هو الموت الأبدي لوجوب المغايرة بين الرسول – العبد المخلوق – ومرسله – الله الخالق -.
__________
(1) الأنبياء 25.
(2) المائدة 116-118.(1/51)
مرقس 28:12-34 – توحيد الله ومحبته أعظم وصية - :" فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى أنه أجابهم حسنا سأله أية وصية هي أول الكل . فأجابه يسوع إن أول كل الوصايا هي اسمع يا اسرائيل الرب إلهنا رب واحد .....".
وما ورد في متى 34:22-40 إلاأن المسيح قال في آخرها 40- بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء " .
إذن فإن أول كل الوصايا المصرح بها في التوراة والإنجيل وعليها مدار الناموس وعمل الأنبياء هي اعتقاد وحدانية الله تعالى.
مرقس 32:13 – نفيه علم الساعة عن نفسه -:" وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب ".
وهذا يبين بطلان التثليث وبطلان ألوهية المسيح، لأنه عليه السلام خصص علم القيامة بالله وحده ، ونفى عن نفسه ذلك العلم ، وسوى بينه وبين عباد الله الآخرين في جهل تلك الساعة وذلك اليوم . وأن المسيح عليه السلام بهذا النفي أصبح منتقص العلم ، وأنه لا يعلم إلا ما علمه الله تعالى إياه ، وهذا يوجب نفي كونه من جوهر أبيه ، ويستلزم كون الله أعلى منه وأعلم ، وأنه خلافه.
متى 20:20-23 – نفيه القدرة والمشيئة عن نفسه -:" حينئذ تقدمت إليه أم ابني زبدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئا . فقال لها :- ماذا تريدين ؟ قالت له : قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك . فأجاب يسوع…وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعد لهم من أبي ". فلو كان المسيح إلها لما صح منه نفي القدرة عن نفسه وتخصيصها بالله . وكذلك فإن المسيح لما أقر بعدم قدرته على تقريب أحد منه إلا من وهب له ذلك من الله ، دل إقراره على مغايرة صفاته البشرية لصفات الله العليا الكاملة ، وإلا فهل يكون الإله متصفا بصفات النقص والتي منها العجز عن تنفيذ إرادته ومشيئته ؟!.(1/52)
وانظر إلى قول المسيح في يوحنا 30:5 " أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا . كما أسمع أدين ودينونتي عادلة لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الأب الذي أرسلني ".
وفي مرقس 24:7 : ودخل بيتا وهو يريد أن لا يعلم أحد فلم يقدر أن يختفي " . فهل من تنتفي عنه القدرة والإرادة الإلهية يكون إلها ؟.
متى 16:19-17 – نفيه عن نفسه الصلاح -:" وإذا واحد تقدم وقال له : أيها المعلم الصالح أي الصلاح أعمل حتى تكون لي الحياة الأبدية؟ فقال له : لماذا تدعوني صالحا ، ليس صالحا إلا واحد وهو الله ".
بين الشيخ رحمت الله أن هذا النص يقلع أصل التثليث ، لأن عيسى عليه السلام ما رضي – تواضعا – أن يطلق عليه لفظ الصالح ، ولو كان إلها لما كان لقوله معنى ، ولوجب عليه أن يبين أنه لا صالح إلا الأب والابن والروح القدس ، وأن لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة ، فإذا لم يرض بنسبة الصلاح إليه فهل يرضى بأقوال أهل التثليث .وهذا ما دعا المسيح عليه السلام أن يحرص قبل إجابة السائل على سؤاله أن يزيل من ذهنه ما التبس عليه ، موضحا ومؤكدا وحدانية الله ، واختصاصه سبحانه بكل صفات الصلاح والكمال التي لا يشاركه فيها أحد . وقد تابع المسيح عليه السلام داود عليه السلام حيث وصف ربه بالصلاح فقال في مزمور 1:118 " احمدوا الرب لأنه صالح ".
متى 46:27-50 – صراخه على الصليب – :" ونحوالساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا : إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني ...50- فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح ".
وفي لوقا 46:23 " ونادى يسوع بصوت عظيم وقال : يا أبتاه في يديك أستودع روحي . ولما قال هذا أسلم الروح " .
والصراخ من يسوع على الصليب ينفي ألوهيته عند القائلين بالحلول ، لأن الإله لا يستغيث بإله آخر ولا يستودع روحه ، والإله الحقيقي يمتنع عليه الضعف والتعب والصراخ والاستغاثة ، فضلا عن العجز والموت .(1/53)
فقد جاء في سفر إرميا 10:10 " أما الرب الإله الحق هو إله حي وملك أبدي " .
وفي سفر حبقوق 12:1 " يا رب إله قدوس لا تموت " .
فالعاجز المستغيث لا يكون إلها ، والإله الحقيقي هو الذي استغاث به المسيح وقت الصلب بزعمهم . ولنا أن نسأل النصارى من الذي دعاه المسي واستنجد به ؟ فإن كان إلها فهو إله يدعو إلها آخر ، وهذا تغاير بين الآلهة ولا يقول به النصارى . وإن كان دعا نفسه فهذا هوس – حاشاه من ذلك – لأن بإمكانه أن يغفر ذنوب خلقه دون أن يصير إلى هذا المصير السيئ .
ولنا أن نسألكم أيضا هل أجاب الله دعوته ؟ . فإن قلتم لم تجب حكمنا على هذا الإله بالخسران لأنه دعا فلم يستجب له ، وإن قلتم أجيبت دعوته فلماذا تسبون اليهود على محاولتهم قتله وهو قد غفر لهم وأسقط عنهم الملامة ، لأن الخطيئة بطلت بمجيئه وقتله على مذهبكم(1).
يوحنا 17:20 – تسويته نفسه مع الناس على أنه عبد مألوه قول المسيح لمريم المجدلية :" ولكن اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم " .
انظر كيف سوى المسيح عليه السلام بينه وبين سائر الناس في أن الله تعالى أبوه وأبوهم وإلهه وإلههم جميعا ، ومن كان مألوها لا يكون إلها بحال ، وإلا لزم كون التلاميذ جميعهم آلهة ، ولا يقول أحد من النصارى بألوهيتهم .
وكذلك نقول أليس الذاهب إلى غيره لا يكون متصلا به ، فهو إنما يذهب إلى المنفصل عنه ، ولو كان المسيح متحدا بالله تعالى وأقنوما ثانيا لم يصح كلامه المذكور لوجوب التفريق بين الذاهب والمذهوب إليه ، وبذا يبطل الاتحاد .
__________
(1) ابن تيمية الجواب الصحيح 297:2 .ابن حزم الفصل 56:1.(1/54)
وانظر كيف بقي المسيح عليه السلام يدعو إلى عبادة الله وإلى وحدانيته حتى في آخر أيامه وفي آخر كلماته ، وما أشبه قوله هذا بقول نبي الله يعقوب كما ذكر الله عنه ذلك في القرآن في لحظات موته وهو يوصي أولاده قائلا ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون )(1).
في يوحنا 28:14 – اعترافه أن الأب أعظم منه - :" لأن أبي أعظم مني " . وهذا فيه نفي للتثليث ولألوهية المسيح ، لأن الله ليس كمثله شئ فضلا عن أن يكون أعظم منه . هذا من جانب ومن جانب آخر لوكان المسيح أحد الأقانيم الثلاثة المزعومة لم يكن الأب أعظم منه ، ولسوى في العظمة بين أقنوم الأب وأقنوم الأبن وأقنوم الروح القدس ، لكن لما اعترف أن الأب أعظم منه دل على فساد التثليث وفساد ادعاء ألوهية المسيح . خاصة وقد قال المسيح في يوحنا 16:13-17 " الحق الحق أقول لكم إنه ليس عبد أعظم من سيده ولا رسول أعظم من مرسله . إن علمتم هذا فطوباكم إن علمتموه " .
بعد هذا البيان كيف تتساوى الأقانيم ؟ فهذا النص يدل على انفصالها انفصالا يمنع الوحدة بينها ، وأن الأب المرسل أعلى من الابن المرسل ، ألا يرسل الرئيس مرؤوسه والسيد خادمه ؟!.
في يوحنا 14:24 – تصريحه بأنه يوحى إليه - :" والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب الذي أرسلني " . وهذا النص فيه تصريح بالرسالة ، وأن كلامه وحي من الله .
ومما يؤيد كون المسيح رسولا يكلم الناس بما يوحيه الله تعالى إليه ما ورد في يوحنا15:7-18 " 15- فتعجب اليهود قائلين كيف هذا يعرف الكتب وهو لم يتعلم . 16- أجابهم يسوع وقال تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني .17- إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسي . 18- من يتكلم من نفسه يطلب مجد نفسه ، وأما من يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق وليس فيه ظلم
__________
(1) البقرة 132.(1/55)
" . وفيه كذلك 48:12-50 " من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه ، الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الآخر .49- لأني لم أتكلم من نفسي لكن الأب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم . 50- وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية فما أتكلم أنا به فكما قال لي الأب هكذا أتكلم ".
متى 10:23 – المسيح معلم -:" ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح ".
فالمسيح معلم هكذا سمى نفسه وهكذا سماه تلاميذه ولم ينكر عليهم ، ولو كان فيه جزء من الألوهية لبين ذلك لهم ، ولا يصح منه الكتمان في موضع الحاجة إلى البيان .
ففي متى 18:26 " فقال اذهبوا إلى المدينة إلى فلان وقولوا له : المعلم يقول أن وقتي قريب " .
وفي مرقس 38:9 " فأجابه يوحنا قائلا : يا معلم رأينا واحدا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا ".
وفي لوقا 5:5 " فأجاب سمعان وقال له : يا معلم قد تعبنا " .وفي يوحنا 38:1 " فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان فقال لهما : ماذا تطلبان ؟ فقالا : ربي الذي تفسيره يا معلم أين تمكث " . فهل بقي أدنى شك في بشرية المسيح ونبوته وانتفاء ألوهيته.
متى 36:26-40 – حزنه واكتئابه ينفي ألوهيته – :" حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جثسيماني فقال للتلاميذ : اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلي هناك . ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدأ يحزن ويكتئب . فقال لهم :- نفسي حزينة جدا حتى الموت . امكثوا ههنا واسهروا معي . ثم تقدم قليلا وخر على وجهه وكان يصلي ويقول :- يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس . ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت ".
فهل الإله يحزن ويكتئب وتحزن نفسه حتى الموت ؟ إن دلت هذه الأحوال على شيء فإنما تدل على عبوديته لله الحق ، وحاجته وفقره إليه كحال سائر المخلوقات لا تستطيع تدبير شؤونها بنفسها بل تلجأ وتجأر إلى الله في كل أحوالها ، لأنها لا حول لها ولا قوة إلا به سبحانه.(1/56)
متى 19:11 – تعبيره عن نفسه بابن الإنسان - :" جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب ". ويوحنا 40:8 " ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله " . وظاهر النصوص أن ابن الإنسان لا يكون إلا إنسانا ، وقد جاءت أسفار العهد القديم لتنزه الله عن أن يكون إنسانا .
ففي سفر هوشع 9:11 " لأني الله لا إنسان ".
وفي سفر أيوب 32:9 " لأنه ليس هو إنسانا مثلي فأجاوبه فنأتي جميعا إلى المحاكمة " . وفي سفر صموئيل الأول 29:15 " ولا يندم لأنه ليس إنسانا ليندم " .
فانظر كيف فرقت هذه النصوص بين الله وصفاته وبين الإنسان وصفاته . وقد كثر وصف المسيح بالإنسان وابن الإنسان في مواضع عديدة من الإنجيل ، ولم يستنكر هذا الوصف على التلاميذ الذين شاهدوه وخالطوه ، وقد مكث أعواما كثيرة وهو يدعى بين الناس بابن داود ، لأن أمه من نسل داود ، فلو كان إلها أو ابن إله فكيف يسكت على هذا ويقره ولا يبينه للتلاميذ ؟ خاصة وأن هذا الأمر هو معقل النجاة والفلاح.
فهل خان المسيح تلاميذه ولم يبين لهم من ربهم وخالقهم ؟ أم كان هو الإله ولكنه أخفى ذلك وغشهم وخدعهم ؟ وإن كان هو الإله فأين تجدون أنه أمر الناس بعبادته ؟ أو أين صرح بلسانه أنه هو الإله والرب الذي يستحق العبادة ؟
أنا أسألكم أن ترجعوا إلى أناجيلكم فتشوا فيها محصوها من ألفها إلى يائها هل تجدون فيها ولو نصا واحدا يقول فيه المسيح بلسانه أنه هو الله ؟ أو يقول اعبدوني من دون الله ؟ والله لن تجدوا … فماذا بعد الحق إلا الضلال.
متى 11:21 – تسميته نفسه نبيا - :" فقالت الجموع : هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل " .
وفي يوحنا 14:6 " فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا : إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم " .(1/57)
وفي لوقا 16:7 " فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين : قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه " . وقد وصفه التلميذان بالإنسان النبي وهما لم يعرفاه ، ولو كان إله لأنكر عليهما ذلك الوصف ، ولبين لهما أنه ألها وليس نبيا ، ففي لوقا 19:24 "عندما سألهما عن الأمور التي حدثت في أورشليم " فقالا: المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنسانا نبيا مقتدرا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب " .
وكذلك لم ينف قول المرأة السامرية الوارد في يوحنا 19:4 " قالت له المرأة يا سيد أرى أنك نبي " . فإذا كانت الجموع والتلاميذ والمرأة يقولون بنوته ، والمسيح يؤكد على نبوته فهل يجوز أن يقال أنه إله بعد ذلك ؟ وهل يجوز ترك المعنى الصريح المتعين من كل هذه النصوص وغيرها إلى التأويل ولي أعناق النصوص لنقول إنه إله ؟
متى 40:10 –تسميته نفسه رسولا - :" من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني ".
وفي مرقس 37:9 " ومن قبلني فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني " . وفي يوحنا 34:4 " أن اعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله " .
وفيه يوحنا أيضا :- 23:5-24 " 23- من لا يكرم الإبن لا يكرم الأب الذي أرسله .24- الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية…36- هذه الأعمال التي أعملها هي تشهد لي أن الأب قد أرسلني .37- فالأب نفسه الذي أرسلني يشهد لي . لم تسمعوا صوته ولا أبصرتم هيئته " . والنصوص في هذا الباب كثيرة جدا . ففي هذه النصوص يصرح عيسى بأنه رسول الله ، وأنه لا يأتي بالكلام من عنده ، لأن الله الذي أرسله يوحي إليه بماذا يتكلم .(1/58)
ففي يوحنا 40:8 " وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله " . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" متى ثبت أن المسيح رسول الله بطل كونه إلها ، فإن كونه هو الله مع كونه رسول الله متناقض ، وقولهم : إنه إله بلاهوته ورسول بناسوته كلام باطل من وجوه منها : أن الذي كان يكلم الناس إما أن يكون هو الله أو هو رسول الله ، فإن كان هو الله بطل كونه رسول الله ، وإن كان هو رسول الله بطل كونه هو الله "(1).
متى 36:26و39 و42 و44 – ما ورد على لسانه أنه يعبد الله - :" 36- حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة جثسيماني فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلي هناك ...39- ثم تقدم قليلا وخر على وجهه وكان يصلي ...42- فمضى أيضا ثانية وصلى ...44- فتركهم ومضى أيضا وصلى ثالثة " . وفي لوقا 8:4 " إنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " .
وهذا يدل على أن المسيح عليه السلام كان يؤدي الفرائض المكتوبة عليه كسائر العبيد ، وأنه لم يدع إلى عبادة غير الله تعالى ، ولو كان إلها لدعا إلى عبادة نفسه ، والإله لا يعبد غيره ولا يعبد نفسه، ولا يتقرب لغيره ولا لنفسه ، فوقوع العبادات من عيسى عليه السلام يدل على أنه عبد مربوب لله ، يصلي له ويتقرب إليه ويدعوه بخضوع وتذلل(2).
ولو أن المسيح ادعى الألوهية لكان قتله واجبا حسب ما ورد في :
__________
(1) الجواب الصحيح 185:1.
(2) ابن تيمية الجواب الصحيح 354:2.(1/59)
سفر التثنية 1:13-5 " إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلما وأعطاك آية أو أعجوبة .2- ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلا لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها .3- فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم .4- وراء الرب إلهكم تسيرون وإياه تتقون ووصاياه تحفظون وصوته تسمعون وإياه تعبدون وبه تلتصقون .5- وذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر وفداكم من بيت العبودية لكي يطوحكم عن الطريق التي أمركم الرب إلهكم أن تسلكوا فيها . فتنزعون الشر من بينكم " .
فانظر كيف أن التوراة تبين وجوب قتل ورجم من يدعو لعبادة غير الله ولو كان نبيا ذا معجزات . فكيف بمن يدعو لعبادة نفسه وتأليه ذاته . وانظر هداني الله وإياك كيف صور لنا الإنجيل عبادة المسيح ليلة المؤامرة عليه لإمساكه .
ففي لوقا 43:22-46 " وظهر له ملاك من السماء يقويه .44- وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض . 45- ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياما من الحزن .46- فقال لهم : لماذا أنتم نيام ؟ قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة " .
"فمن زعم أن المسيح إله فإنه لم يحكم عليه بوجوب القتل فحسب ، بل وأوجب على الملاك أن ينزل لمساعدة أعدائه في إمساكه وقتله ، ولكن الملك حسب هذه الفقرات نزل لتقويته وتثبيته ، وهل الإله يحتاج إلى من يقويه ويثبته ؟ وإنما يحتاج لذلك البشر المخلوق العابد لله الذي يفعل ما يرضيه "(1).
__________
(1) العلمي سلاسل المناظرة ص 352.(1/60)
متى 1:4-11 – تجربة إبليس للمسيح - :" 1- ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس .2- فبعد ما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة جاع أخيرا .3- فتقدم إليه المجرب وقال له : إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا .4- فأجاب وقال : مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله .5- ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل .6- وقال له : إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل . لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك .7- قال له يسوع : مكتوب أيضا لا تجرب الرب إلهك .8- ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها .9- وقال له : أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي .10- حينئذ قال له يسوع : اذهب يا شيطان لأنه للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد .11- ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه ".
هذه القصة على فرض صحتها فإنها تثبت بشرية المسيح ورسالته ، وتوحيده لله ، وأنه ليس إلها ولا ابن إله ، بل هو عابد لله وذلك :
1) أن إبليس قاد المسيح إلى بيت المقدس ثم إلى مكان عال ، وتثبت القصة أن المسيح انقاد له ، ولا بد أن يكون قد انقاد له طائعا أو مكرها ، فإن كان انقاد له طائعا فيكون تحت حكم الشيطان وتصرفه ، وهذه منزلة يجل عنها الأنبياء فضلا عن الإله ذي العزة والجبروت . وإن كان انقاد له مكرها فهذه منزلة المصروعين والعجزة والضعفاء والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة ، ولا تليق بعيسى عليه السلام وهو عبدالله ورسوله .32
.2) كيف يطمع إبليس في أن يسجد له الإله الذي خلقه لعبادته ، بل كيف يتجرأ إبليس – لو كان المسيح إلها – أن يدعو إلهه إلى السجود له وعبادته والمسيح بزعمهم خالقهم وخالق إبليس فهل يُجرب المخلوق خالقه ؟(1) .
__________
(1) ابن حزم 17:2 .المنتخب الجليل ص20 و51 .ابو الفضل المالكي.(1/61)
3) كيف يصح أن يعرض إبليس الدنيا على المسيح – وهو الإله كما تزعمون – والدنيا أصلا ملك له ، فإن قلتم إن الجوع والآنقياد وطلب السجود مقابل ملك الدنيا على الناسوت دون اللاهوت ، يقال : إن اللاهوت والناسوت عندكم متحدان ، فانقياد الناسوت يعني انقياد اللاهوت بالضرورة ، ويؤيد ذلك أن إبليس دعا اللاهوت دون الناسوت بقوله : " إن كنت ابن الله "(1).
4) صعود يسوع إلى البرية ليجرب وصومه وجوعه يدل على أنه بشر مخلوق معرض للامتحان ، والله يمتحن عباده ولا يمتحن ، ويطعمهم ولا يطعم . وكذلك جواب المسيح لإبليس عندما طلب منه أن يأكل من خبز الحجارة " مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ولكن بكل كلمة تخرج من فم الرب " دلالة على أن المسيح إنسان أعطاه الله الحياة ، وجعل وسيلة الحفاظ على هذه الحياة الأكل ، وهو بهذا يشبه سائر البشر ، لأن الإله حياته بذاته لا بغيره ، وهي حياة مستمرة أزلا وأبدا دون خبز . وفيه اعتراف المسيح عليه السلام أن الحياة الدنيوية تستمر بالخبز ، لكن الحياة الأخروية تكون بالحفاظ على أوامر الله وأتباع كلماته .
__________
(1) ابن حزم الفصل 17:2. وأيوب صبري الجوهر الفريد ص 88.(1/62)
وقول المسيح " يوصي ملائكته بك " . دال على أن المسيح عبد يختلف عن الملائكة ، وليس هو إلها ، لأن الإله ليس بحاجة إلى من يحفظه ، ومن وظائف الملائكة كما بينا حفظ البشر ورعايتهم . وفي القصة دلالة واضحة على أن المسيح عبد مربوب يعبد الله ربه ويسجد له وحده ، ولهذا فهولم يرض أن يجربه ، لأن المخلوق لا يجرب الخالق . وقول الإنجيل :" ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه " . دليل على أن المسيح عبد مقرب إلى الله يحفظه ويقويه بالملائكة ، ومعلوم أن الله ليس بحاجة إلى الملائكة . وقد علق الحسن بن أيوب – بعد إسلامه – على تجربة إبليس للمسيح فكتب لأخيه : " أفلايعلم من كان في عقله أدنى مسكة أن هذا الفعل لا يكون من شيطان إلى إله . ولو كان إلها لأزاله عن نفسه قبل أن يأتيه الملك من عند ربه "(1).
المطلب السادس : الإيمان باليوم الآخر وبيان بطلان عقيدة الفداء والصلب
ونؤمن باليوم الآخر : ومعناه الإيمان بكل ما أخبر به الله تعالى في كتابه ، وأخبر به رسوله محمد صلى الله عليه مما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه والبعث والحشر والصحف والحساب والميزان والجنة والنار. ولقد حفل القرآن الكريم بذكر اليوم الآخر ، ونبه إليه في كل مناسبة ، وأكد وقوعه ليستعد الناس له وليتجهزوا.
__________
(1) ابن تيمية :- الجواب الصحيح 324:2 . ومحمد مرجان : الله واحد أم ثالوث ص 137نقول بتصرف من المناظرة الكبرى للشيخ رحمت الله تأليف د. محمد خليل ملكاوي .(1/63)
ومن مظاهر اهتمام القرآن بهذا اليوم أنه كثيرا ما ربط الإيمان به بالله عز وجل قال تعالى : ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر )(1). وقوله تعالى : ( ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر)(2). ومن مظاهر اهتمام القرآن به كذلك إكثار ذكره وكثرة ما سماه الله تعالى من الأسماء ، التي يدل كل واحد منها على ما سيقع فيه من الأهوال.
وأما الحكمة من اهتمام القرآن باليوم الآخر : أن الإيمان باليوم الآخر له أثر عظيم في حياة الإنسان ، وأثره ظاهر في توجيه الإنسان وانضباطه والتزامه بالعمل الصالح . وشتان بين إنسان يؤمن بيوم يحاكم فيه الإنسان على أفعاله وأقواله أمام الله الذي لا يغيب عنه مثقال ذرة ، فيثاب على الخير ، ويعاقب على الشر . وبين إنسان لا يؤمن ببعث ولا حساب على أعماله وأقواله أمام الله ، ولا يقيده غير هواه ومنفعته الشخصية وغريزته ، فهذا منفلت من أي ضابط سوى الهوى والشهوة ، فيقدم على أي عمل وأي خلق مهما كان ضرره . بينما تجد الأول منضبطا في حدود الحق والصلاح والخير، وهي الأمور التي لها وزن واعتبار في ذلك اليوم. قال تعالى : ( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون )(3). ويشير إلى هذه الحكمة أسلوب القرآن في الربط بين الإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح في كثير من الأحيان ، ومن قوله تعالى : ( أرأيت الذي يكذب بالدين *فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين *(4).
__________
(1) البقرة 177.
(2) البقرة 232.
(3) الأعراف 8-9.
(4) سورة الماعون 1-3.(1/64)
ولعل من حكمة الاهتمام البالغ بالتذكير باليوم الآخر ، كثرة نسيان العباد له وغفلتهم عنه ، بسبب حبهم للدنيا وركونهم إليها ، فيكون الإيمان به محركا لهم من غفلتهم ، ومبينا لهم قيمة الدنيا وحقيقتها وأنها دار ممر لا دار مقر ، فيؤثروا الباقي على الفاني ، لأنه كما قال الفضيل بن عياض عليه رحمة الله " إذا كانت الدنيا ذهب يفنى ، والآخرة خزف يبقى ، فالعاقل يؤثر الذي يبقى على الذي يفنى ، فكيف والدنيا خزف يفنى والآخرة ذهب يبقى؟!.
هذا اليوم العظيم أمرنا الله تعالى بالتزود له والاستعداد ، فقال في القرآن العظيم ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب )(1). وقال سبحانه ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )(2). وقال تعالى ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون )(3). والآيات في هذا كثيرة. فالله تعالى خلق الإنسان وجعله مسؤولا عن تصرفاته قال تعالى ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا )(4). خلقه وجعل له حرية واختيارا ، فكل فعل له فيه قصد ونية يحاسب عليه ويؤاخذ به ، وما ليس له فيه قصد ونية لا يحاسب عليه من رحمة الله بنا .
ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يعقل ، وعن الصبي حتى يبلغ "(5) .
__________
(1) البقرة 198.
(2) الكهف 111.
(3) البقرة177.
(4) الإسراء 36.
(5) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.(1/65)
فالإسلام يبين لنا أن الإنسان إذا لم يبلغ الحلم لا يحاسب على تصرفاته ، لأنه يعتبر فاقد الأهلية ، أي ليس أهلا لصدور ذلك الفعل أو الشيء عنه . وأقصد بذلك صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق له وعليه . وهي الأمانة المقصودة بقول الله تعالى ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا )(1)، حيث أكرمه الله بالعقل وجعل له ذمة قال تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلا )(2).
فصار الإنسان بهذا التفضيل أهلا لوجوب الحقوق له وعليه ، ثبت له من العصمة والحرمة واستحقاق الملكية ما لم يثبت لغيره من المخلوقات .
ومعلوم أن الإنسان يمر في أربعة مراحل تتغير معها الأحكام تبعا:
المرحلة الأولى : ويكون الإنسان فيها جنينا في بطن أمه ، وينعدم فيها الإدراك ، ويجعل الإسلام له ذمة صالحة لاكتساب الحقوق فقط رعاية لمصلحته ، كالميراث والوصايا ... .
المرحلة الثانية : تبدأ من الولادة حتى سن السابعة ، ويسمى فيها الطفل بالصبي غير المميز . وفي هذه السن يعد الإدراك منعدما حتى لو ظهرت فيها علامات وأمارات الإدراك والتمييز والنباهة على الصبي قبل بلوغه هذا السن . وتثبت له أهلية وجوب كاملة في اكتساب الحقوق والتحمل في الواجبات التي يجوز للولي القيام بها نيابة عنه كالنفقات والزكاة وزكاة الفطر ، ولا يطالب بأداء أي شيء بنفسه ، إنما يخاطب الولي أو الوصي ، ولا يؤاخذ بقول أو إقرار ولا يصح منه أي تصرف في هذه المرحلة ، وإذا ما ارتكب في هذه المرحلة جريمة ، فإنه لا يسأل عنها نهائيا ، ولا يقام عليه حد ، ولا يقتص منه , ولا يعزر.
__________
(1) الأحزاب 72.
(2) الإسراء 70.(1/66)
المرحلة الثالثة : تبدأ من بلوغ الصبي سن السابعة وتنتهي ببلوغه سن البلوغ ، بالإحتلام مثلا للصبي ، وبالحيض للفتاة ، وفي هذه المرحلة يسمى الطفل بالصبي المميز ، فهو يمتلك عقلا قاصرا ، فتثبت له أهلية وجوب كاملة كالصبي غير المميز بل هو أحسن منه حالا ، وتثبت له أهلية أداء قاصرة نظرا لعدم بلوغ عقله درجة النضج والكمال . ومن هنا فإنه لا يطالب بأداء شئ من العبادات على سبيل الوجوب ، بل نطالبه بشيء منها على سبيل التأديب والتعليم والتهيؤ إلى مرحلة ما بعد البلوغ .
المرحلة الرابعة : تبدأ من بلوغ الإنسان وذلك لامتلاكه عند هذا الحد قدرة العقل والبدن اللذان هما شرط الأهلية الكاملة لدى أي إنسان. وفي هذه المرحلة يتوجه فيها الخطاب إلى الإنسان ويطالب فيها بالإيمان وبفروعه من العبادات وغيرها من سائر التصرفات ، وهنا يؤاخذ بأفعاله وأقواله وسائر أعماله .
ومن رحمة الله بنا ومن عظمة دين الإسلام أن الإنسان كما قلنا يؤاخذ بأقواله وأفعاله بعد بلوغه إذا كان له قصد ونية ، ولم يكن مكرها أو ناسيا ، أو مخطئا . وكذلك فإن الإنسان لا يؤاخذ بذنب غيره ولا يحاسب بدلا منه ، وهو كذلك لا يحمل من خطايا غيره شيئا. وهذا من تمام عدل الله تعالى . فكيف ترضى أنت أن تدان وتحاسب بدل مجرم اعتاد القتل وإزهاق النفوس ؟ هل ترضى بذلك لنفسك ؟ فإن كنت لا ترضاه وأجزم أنك لا ترضى بذلك لنفسك ولا تقبله ، فكيف يقبله الله لنا ؟
وهل أنت وأنا أحكم وأعدل من الله تعالى ؟ فكيف تقول إذن أن الخطيئة تورث ؟ وأن كل إنسان يلد يرث من خطيئة آدم عليه السلام ؟
ومن أين أتيتم بهذا الإعتقاد ؟ هل نص الكتاب المقدس على ذلك ؟ أين ؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين !.(1/67)
إن عقيدة الصلب والفداء عقيدة مبتدعة مبتكرة ، جاء بها يولس وجعلها ركن النصرانية الركين الذي لا يصح إيمان إلا به ، والحق الذي ليس بعده حق ، أن هذه العقيدة تخالف العقل والنقل . أما مخالفتها للعقل فأقول لك : لو أن لك جدك مات وأنت صغير ، أو لم تره عندما ولدت وكان قد قتل إنسانا بغير حق ، فأتيتك أنا ومعي رجال أشداء ومسلحون وقلت لك أنت فلان حفيد فلان ؟ فتقول : نعم . فقلت : اقتلوه . فماذا ستقول ؟ وما ذا سيكون ردك علي ؟ بكل تأكيد أول ما يتبادر إلى ذهنك وذهن أي إنسان في مكانك سيكون , لماذا تقتلوني ؟ أنا لم أفعل شيئا. فأقول لك إن جدك فلان قد قتل فلانا من الناس . فتقول ما لي وجدي ، أنا لم أقتل أحدا ، وكيف تحاكموني على أمر ما فعلته ؟ بل لم أكن مولودا عندما مات جدي ؟ هذا ظلم .
فهل تقبل أن تقتل به ؟ ما دمت لا تقبل ولن تقبل لإنك ما قتلت وما شاركت وما كنت موجودا ، - وجوابك هذا تقره كل فطرة سليمة –
فكيف يقبله الله لنا ويرضاه ؟ كيف وهو أحكم الحاكمين ؟ كيف وهو حرم الظلم على نفسه وجعله بينا محرما؟ هل يرضاه لنا ؟ حاشا لله أن يرضى ذلك أو أن يأمر به أو أن يوحيه إلى نبي من أنبيائه أو رسول من رسله . وأما من النقل فتعال معي لترى بعينك ولتسمع بأذنك زيف هذه العقيدة وأنها مناقضة للكتاب المقدس ومبطلة لكل تعاليم الأنبياء والناموس.
سفر التثنية 16:24 " لا يقتل الآباء عن الأولاد ، ولا يقتل الأولاد عن الآباء . كل إنسان بخطيئته يقتل " . فمن أين جاء الفداء ؟ ومن الذي سيفديه المسيح إذا كان الأولاد لا يقتلون بذنوب آبائهم ؟ .
سفر التكوين 23:18-26 " أفتهلك البار مع الأثيم ….حاشا لك أن تفعل مثل هذا أن تميت البار مع الأثيم فيكون البار كالأثيم . حاشا لك . أديان كل الأرض لا يصنع عدلا ".(1/68)
حزقيال 11:33- 16 " قل لهم أنا حي يقول السيد الرب إني لا أسر بموت الشرير بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا . ..14- وإذا قلت للشرير موتا تموت .فإن رجع عن خطيئته وعمل بالعدل والحق .15- إن رد الشرير الرهن وعوض عن المغتصب وسلك في فرائض الحياة بلا عمل إثم فإنه حياة يحيا . لا يموت. 16- كل خطيئته التي أخطأ بها لا تذكر عليه. عمل بالعدل والحق فيحيا حياة " .
فانظر كيف يغفر الله الذنب ويقبل التوبة ولا يعجزه أن يغفر للعبد وإن بلغت ذنوبه عنان السماء . فإذا كان الله لا يسر بموت الشرير ، بل يسر ويفرح بتوبته وأوبته إليه ، فإذا تاب وأناب واستغفر الشرير وعمل الصالحات جعل الله له القبول عنده وغفر له ما مضى من ذنبه ولم يسأله عنه ، بل حياة يحيا . فلماذا الصلب والفداء ؟. وهل يبقى للصلب والفداء معنى بعد توبة العبد ؟
ومعلوم لدينا أن آدم تاب عن أكله من الشجرة ، وهو بعد توبته أفضل عند الله منه قبل التوبة ، لأنه كان نبيا بعد نزوله إلى الأرض ، وبشره الله تعالى أن الشيطان لن يتسلط عليه مرة أخرى . فعمن صلب المسيح ؟.
حزقيال 1:18-22 كل الإصحاح* " 4- النفس التي تخطئ هي تموت …19- وأنتم تقولون لماذا لا يحمل الابن من إثم الأب . أما الابن فقد فعل حقا وعدلا حفظ جميع فرائضي وعمل بها فحياة يحيا .20- النفس التي تخطئ هي تموت ، الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن . بر البار عليه يكون ، وشر الشرير عليه يكون". سبحان الله هل بعد الحق إلا الضلال ؟.
* أي قراءة كل الإصحاح فإن فيه ما يثبت هذه الفكرة .
ارميا 29:31-30 " في تلك الأيام لا يقولون بعد الآباء أكلوا حصرما وأسنان الأبناء تضرست. 30- بل كل واحد يموت بذنبه ، كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه " .
وهكذا قد تبين لك كيف أن الابن لا يرث خطيئة أبيه ولا يحاسبه الله تعالى عليها ، وهذا ما جاء به كل أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام ، بما فيهم عيسى ، فقد قال في :(1/69)
متى 17:5 مبينا اتباعه لمن قبله واحتكامه إلى تعاليم التوراة :" لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل " . فهل بعد هذا البيان بيان ؟ .
واسمع إلى عيسى كيف أكمل مهمته على الأرض والتي لم تكب عقيدة الصلب والفداء جزءا منها :
في يوحنا 3: 17- 5 :" وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته .4- أنا مجدتك على الأرض العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته ". انتهت وظيفته دعا إلى الله بشر وحذر ، آمن من آمن وكفر من كفر ، ليس له من الأمر شئ ، فالأمر كله لله سبحانه وتعالى . واسمع أيضا كيف كان عيسى عليه السلام يهرب من اليهود خشية أن يقتلوه ، وكيف كان يختبئ منهم.
متى 14:12 " فلما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكي يهلكوه .فعلم يسوع وانصرف من هناك " .
لماذا هرب ؟
يوحنا 59:8 " فرفعوا حجارة ليرجموه . أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازا في وسطهم ومضى هكذا ".
يوحنا 1:7 " وكان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل . لأنه لم يرد أن يتردد في اليهودية لأن اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه ".
يوحنا 53:11 " فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه . 54- فلم يكن يسوع أيضا يمشي بين اليهود علانية ، بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البرية إلى مدينة يقال لها أفرايم ومكث هناك مع تلاميذه ".
متى 46:26 " قوموا ننطلق هو ذا الذي يسلمني قد اقترب ". فإذا كان قد جاء ليموت على الصليب فلماذا الهرب والاختفاء ؟ ولماذا ترك بيت المقدس إلى الجليل ؟ وبعد ، لماذا هذا البكاء والحزن والهم والتضرع الشديد إلى الله ليصرف عنه الاعتقال والموت ؟
انظر واسمع بقلبك ماذا يقول الإنجيل وكيف يصف تلك اللحظات الحاسمة وكيف يصف عبودية عيسى لمولاه سبحانه وتعالى.
يوحنا 27:12" الآن نفسي قد اضطربت. وماذا أقول. أيها الأب نجني من هذه الساعة ".(1/70)
لوقا 39:22 " وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون وتبعه أيضا تلاميذه . ولما صار إلى المكان قال لهم صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة . 41- وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى . 42- قائلا يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس . ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك . وظهر له ملاك من السماء يقويه. 44- وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض . 45- ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياما من الحزن . فقال لهم لماذا أنتم نيام قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة ".
أرأيت إلى حزنه وخوفه ! وهل يخاف الإله من مخلوقاته ؟ انظر إلى صلاته وتضرعه إلى الله تعالى أن يصرف عنه هذه الكأس .
ثم انظر إلى عجزه واستسلامه " ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك ". إرادتان متغايرتان . ثم انظر كيف ظهر ملاك من السماء ليقويه ، وهل يحتاج الرب إلى من يقويه ؟ .
والآن هل تيقنت وآمنت أن عقيدة الصلب والفداء دخيلة على النصرانية ؟ إذن ماذا بقي ؟. وماذا تنتظر ؟.
ثم تعال لأهمس في أذنك ، ألم يبين الكتاب المقدس أن المصلوب ملعون ، أي مطرود من رحمة الله ؟
انظر سفر التثنية 22:21-23 " وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فقتل وعلقته على خشبة.23- فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم . لأن المعلق ملعون من الله ".
رسالة بولس إلى أهل غلاطية 12:3 " المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة ".
متى 35:23-36 " لكي يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح " .
إن هذا دليل على أن زكريا عليه السلام آخر نبي يقتل ، ولو كان هو يقتل ويذبح لقال إلى دمي . بل انظر كيف يكذب الإنجيل نفسه قصة الصلب :(1/71)
في الرسالة إلى العبرانيين 7:5 " الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع وطلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه " .
فما رأيك ؟ وهل بعد هذا البيان بيان ؟ .
المطلب السابع : الإيمان بالقضاء والقدر
ونؤمن بالقضاء والقدر : ومعنى الإيمان بالقدر : الإيمان بعلم الله القديم ، والإيمان بمشيئة الله النافذة ، وقدرته الشاملة. ويبين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول : "الإيمان بالقدر على درجتين" . كل درجة تتضمن شيئين :
فالدرجة الأولى : الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون ، بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا ، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال . ثم كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق . فأول ما خلق القلم ، فقال له : - اكتب ، قال ما اكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، جفت الأقلام ، وطويت الصحف ، كما قال تعالى : ( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير)(1). وقال تعالى( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير )(2).
وأما الدرجة الثانية : فهي الأيمان بمشيئة الله النافذة ، وقدرته الشاملة . وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن . وأنه ما في السماوات ، وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه ، لا يكون في ملكه ما لا يريد ، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات . فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه لا خالق غيره ، ولا رب سواه . ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته ، وطاعة رسله . ونهاهم عن معصيته .
__________
(1) الحج 70.
(2) الحديد 22.(1/72)
وهو سبحانه يحب المتقين ، والمحسنين ، والمقسطين . ويرضى عن الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات . ولا يحب الكافرين ، ولا يرضى عن القوم الفاسقين ، ولا يأمر بالفحشاء ، ولا يرضى لعباده الكفر ، ولا يحب الفساد . والعباد فاعلون حقيقة ، والله خالق أفعالهم . والعبد هو المؤمن ، والكافر ، والبر ، والفاجر ، والمصلي ، والصائم ، وللعباد قدرة على أعمالهم ، ولهم إرادة ، والله خالقهم ، وخالق قدرتهم وإرادتهم "(1).
وبكلام بسيط وبدون تعقيد حتى نفهم القدر لا بد لنا من التمييز بين العلم من جهة – علم الله تعالى – والعمل – عمل العبد – لأن كثيرا من الناس يقولون : كيف أن الله كتب علينا الزنا مثلا ويحاسبنا عليه ؟ .
فأقول لا بد من التمييز بين علم الله تعالى وبين عمل العبد الذي يصدر منه ، فالله تعالى يعلم ما كان وما يكون وما سيكون لو كان كيف يكون ، فعلم أن العبد ستصدر منه المعصية بمحض اختياره ، فدون ذلك في صحيفته، وأضرب لك مثالا حتى أقرب لك الصورة :
لو أنك أردت أن تشرب الخمر مثلا ، فأنت لا تعلم أن الله كتب عليك ذلك لتقول كيف كتب الله علي أن أشرب الخمر أولا ، وثانيا لما شربت الخمر هل أجبرك أحد على ذلك ؟ وهل أرسل الله لك ملكا يجبرك على شرب الخمر؟ وهل قال لك الملك إن الله كتب عليك شرب الخمر فقم واشربه وإلا قتلتك مثلا ؟ أم أنك شربت الخمر بمحض إرادتك ؟ .
لا شك أنك توقن تماما أنك شربت الخمر بمحض إرادتك ، ولم يجبرك أحد على ذلك ، فالله تعالى علم أنك ستشرب الخمر بمحض إرادتك بعلمه المطلق وسجل ذلك عليك في صحيفتك .
ولو أن أحدا من الناس أجبرك على شرب الخمر وهدد حياتك بالقتل فإن الله تعالى لا يحاسبك على ما صدر منك من الفعل لأنه ما كان لك قصد ولا نية باقتراف المعصية ، فمن رحمة الله سبحانه وتعالى بنا أنه رفع القلم – الحساب – عن المخطئ ، والناسي ، والمكره .
__________
(1) الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية ص 352-353.(1/73)
الفصل الثاني : المبحث الثاني
المطلب الأول : بعض النبوءات في الكتاب المقدس عن رسول الله محمد
وليس حديثي هنا عن كل البشارات التي وردت في الكتاب المقدس عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا يحتاج إلى كتاب وليس رسالة ، وقد كتب فيه العلماء الجهابذة أصحاب الباع الطويل كتبا كثيرة ، ومثلي لا يستطيع مجاراتهم ، ولا الوقوف على الشواطئ التي غاصوا في أعماقها . ولكن سأذكر بعض هذه النبوءات ، لعلك تدرك معي أنه ما من نبي إلا وبشر برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ولعلك تدرك أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين ورسول رب العالمين إلى الناس أجمعين . فتدرك نفسك ، وتخرجها من الظلمات إلى النور ، قبل أن تلقى الله تعالى ، فعندها ستتمنى العودة إلى هذه الدنيا ولن تعود.
البشارة الأولى : " سفر التثنية 18:18-20 " أقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به .19- ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه . 20- وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي " .
فلو سألتك عمن يتحدث الله تعالى في هذ النبوة ؟ .
النصراني وبدون تردد : لا أدري . حسنا ولكني أخبرك أن اليهود يقولون إنه يتحدث عن يوشع ، وبعض النصارى يقولون عن عيسى عليه السلام.
النصراني : نعم هي عن عيسى .
وأنا أسلك لماذا عن عيسى ؟ إن اسمه غير مذكور هنا ! .
النصراني : لأن هذه نبوءة تتحدث عن أمور ستحدث ، ونبيا سيرسل في المستقبل ، وهي تصف عيسى عليه السلام .
ولكن ربما انتبهت أن البشارة تقول – مثلك – فهل عيسى مثل موسى ؟ . وما وجه الشبه بينهما؟ .
النصراني :- كان موسى يهوديا وكذلك كان عيسى ، وثانيا : كان موسى نبيا وكذلك كان عيسى .
قلت وهل هناك أمور أخرى تشابه فيها عيسى مع موسى عليهما السلام ؟ .
النصراني : لا فهذا ما يحضرني .(1/74)
وسأنقل لك أيها القارئ نفس كلام الشيخ أحمد ديدات عليه رحمة الله في حديثه عن نفس البشارة مع قس من القساوسة ، فقد أجاد وأفاد.
يقول الشيخ أحمد ديدات بعد أن سأل القس عن هذه البشارة ، وبعد أن أجاب القس بأنها عن عيسى للسببين السابقين ، قال الشيخ أحمد : إذا كان هذان هما المعيار لاكتشاف مرشح لهذه النبوءة ، إذن ففي مثل هذه الحالة يمكن انطباق المعيارين على أي أحد ممن يلي من أنبياء الكتاب يشابه موسى ، مثل سليمان ، اشعياء ، حزقيال ، دانيال ، هوشع، ملاخي ، يوحنا المعمدان ...الخ ، ذلك أنهم جميعا يهود مثلما هم أنبياء .
فلماذا لا نطبق هذه النبوءة على أحد من هؤلاء الأنبياء ، ولماذا يسوع فقط ؟
فلم يجب القس . فاستأنفت قائلا : أنت تدرك استنتاجاتي وهي أن يسوع على الأغلب لا يشابه موسى . فإذا كنت مخطئا فأرجو أن تردني إلى الصواب .
أولا : إن يسوع لا يشابه موسى بسبب مقتضى عقيدتكم أن يسوع هو الإله المتجسد ، ولكن موسى لم يكن إلها أهذا حق ؟ .
أجاب القس : نعم ،
قلت : بناء على ذلك فإن يسوع لا يشابه موسى ! .
ثانيا : بمقتضى عقيدتكم " مات يسوع من أجل خطايا العالم" رومية 8:5 .ولكن موسى ما مات من أجل خطايا العالم . أهذا حق ؟
.أجاب ثانية : نعم .
فقلت : لذلك فإن يسوع لا يشابه موسى ! .
ثالثا : بمقتضى عقيدتكم ذهب يسوع إلى الجحيم لثلاثة أيام ، ولكن موسى لم يكلف بالذهاب إلى الهاوية .هذا حق ؟ .
أجاب القس : نعم .
ومن ثم فإن يسوع لا يشابه موسى ! .ثم طلب الشيخ من القسيس أن يتناقشا في أمور بسيطة إذ دعوت الصغار للإصغاء إلى هذه المناقشة سوف لا يجدون صعوبة في متابعتها . فهيا بنا ، كان القسيس مطمئنا سعيدا بهذا الاقتراح .
الأب والأم : كان لموسى والدان " وأخذ عمرام بوكابد عمته زوجة له، فولدت له هارون وموسى " خروج 20:6 .وكذلك محمد كان له أب وأم، ولكن يسوع كان له أم فقط، وليس له أب بشري .(1/75)
أهذه حقيقة ؟. قال نعم. إذن فإن يسوع لا يشابه موسى . ولكن محمدا يشبه عيسى.
الميلاد المعجز : إن موسى ومحمد ولدا ولادة عادية بالأسلوب الطبيعي، مثال ذلك : الاقتران الطبيعي بين الرجل والمرأة ، ولكن يسوع خلق بالقدرة الإلهية المميزة ، قلت للقسيس أحقا ولد يسوع ولادة معجزية كما أنها ضد الولادة العادية الطبيعية التي ولد بها موسى ومحمد ؟ . أجاب القسيس : نعم . فأجبت من ثم فإن يسوع المسيح لم يكن مثل موسى ، ولكن محمدا كان مثل موسى.
عقد الزواج : لقد تزوج موسى ومحمد وأنجبا أولادا . ولكن ظل يسوع المسيح أعزبا كل أيام حياته أحقا هذا ؟ . أجاب القس : نعم . فأجبت : إذن يسوع ليس مثل موسى ولكن محمدا مثل موسى.
يسوع رفضه الناس : لقد كان كل من موسى ومحمد مسلما بهما كأنبياء لشعوبهم في حياتهما ومما لا ريب فيه أن اليهود تسببوا في معاناة لموسى لا حد لها ، وتذمروا عليه في البرية " وتذمر على موسى وعلى هارون جميع بنى اسرائيل " عدد 2:14 . ولكنهم كأمة اعترفوا بأن موسى رسول الله إليهم " ورأى اسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين . فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى ". خروج 31:14 .
وإن المشركين من العرب جعلوا من حياة محمد صلى الله عليه وسلم حياة غير ممكنة، فلقد عانى الكثير على أيديهم ، وبعد ثلاث عشر سنة دأب في مكة بالدعوة بالتوحيد دون ما كلل أو ملل رغم جحيم الاضطهاد اضطر إلى الهجرة من أحب الأراضي إلى قلبه أرض مولده مكة المكرمة ،إلى يثرب – المدينة المنورة - .ولكن قبل موته كانت أمة العرب بأسرها قد سلمت به رسولا نبيا . عيسى بمقتضى الكتاب المقدس " إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله ". يوحنا 1: 10
وحتى اليوم وبعد الفي سنة فإن خاصته اليهود برمتهم قد رفضوه .أحقا هذا .أجاب القس : نعم . فقلت : من ثم فإن يسوع لم يكن مثل موسى ولكن محمدا مثل موسى.(1/76)
مملكة تهتم بالأمور الأخروية : إن موسى ومحمد كانا نبيين مثلما كانا زعيمين . والزعيم أعني به الإنسان الذي له سلطان الحياة والموت على شعبه . إنها زعامة روحية سواء كان الإنسان متوجا كملك أم لا . أو إذا كان سيظل أبدا يخاطب بأنه ملك أو سلطان . فإذا اقتدر إنسان بامتياز على توقيع عقوبة الإعدام فهو ملك . وكان موسى يملك هذا السلطان . أتذكر ذلك الإسرائيلي الذي كان يحتطب في يوم السبت وأمر موسى برجمه حتى مات . عدد 36:15 . وكذلك أمر موسى بإعدام عباد العجل. خروج 32 : 26 – 27 .
وكذلك محمد كان له أيضا سلطان الحياة والموت على المؤمنين . جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)(1). وبالكتاب المقدس دلائل لأشخاص أعطاهم الله تعالى موهبة النبوة فقط ، ولكنهم لم يكونوا في مركز تطبيق توجيهاتهم . مثل : لوط ، يونان ، عزرا ، دانيال ، يوحنا المعمدان .... هؤلاء استطاعوا تبليغ الرسالة ولكنهم لم يلزموا أحدا بالشرع .
وعيسى عليه السلام ينتمي لهذا النسق من الأنبياء . والإنجيل يؤيد هذا عندما سحبوا المقبوض عليه كان يظن أنه يسوع ، وقدموه إلى الوالي الروماني بيلاطس النبطي بتهمة التمرد ، أكد على موضوع مقنع في دفاعه ليدحض التهم الباطلة ضده " أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود . ولكن الآن ليست مملكتي من هنا" يوحنا 18 : 36 .
هذا الدفاع أقنع بيلاطس الوثني بأن يسوع ربما لم يكن في تملك تام لقواه العقلية ، وإنه لم يلفت النظر إليه بأنه خطر على الحكم فادعى ملكوتا روحيا فقط . وبمعنى آخر ادعى أنه نبي إلى اليهود . أحقا هذا ؟ أجاب القس : نعم . قلت : من ثم فإن يسوع ليس شبيه موسى بل محمد مشابه لموسى.
__________
(1) النساء 65 .(1/77)
لا شريعة جديدة : إن موسى ومحمد عليهما السلام أتيا بشريعة جديدة وأحكام جديدة لشعبيهما ، وإن موسى لم يعط بني اسرائيل الوصايا العشر ولكن طقوسا شاملة مؤكدة لهداية الناس .
وجاء محمد صلى الله عليه وسلم إلى شعب يغط في الهمجية والجهالة . إنهم يتزوجون أمهاتهم ، واشتهروا بوأد البنات ، وأنهم مدمنون الخمر ، زناة عبدة أوثان ومولعون بالميسر . من هذه الخسيسة البربرية فإن محمدا صلى الله عليه وسلم كما يقول – توماس كارليل - قد شرف العرب فجعلهم حاملي مشاعل النور والعلم . ولأمة العرب كان المولد من الظلمات إلى النور ، وأصبحت شبه جزيرة العرب حياة متجددة بواسطتهم ، قوم رعاة فقراء ، طوافون مغمورون في صحرائهم منذ بدء الخليقة ، انظر هؤلاء المغمورين أصبحوا مشهورين عالميين ، وهذه الرقعة الصغيرة من الأرض قد نمت وصارت العالم الفسيح . وفي خلال قرن من الزمان بلغت العروبة إلى غرناطة بإسبانيا وامتدت إلى دلهي بالهند تنظر وتلمح في بهاء ومجد وبأس ويشرق نور العباقرة وتشع العربية بأنوارها على أعظم مساحة في العالم ....والحقيقة هي أن محمدا صلى الله عليه وسلم أعطى شعبه الشريعة والأحكام التي لم يكن لهم بها علم من قبل .
وبخصوص يسوع المسيح عندما ارتاب اليهود فيه ربما أن يكون محتالا بأهداف للمروق عن الدين الحق وتحريف تعاليمهم ، الأمر الذي اقتضى من يسوع المسيح أن يبذل جهودا جبارة ليثبت لهم أنه لم يأت بدين جديد ، بشريعة جديدة ، وبأحكام جديدة على الإطلاق .
وأقتبس كلماته التي نطق بها قائلا " لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل . فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" متى 5: 17- 18 .
وبعبارة أخرى إنه لم يأت بأي شريعة جديدة أو أي أحكام جديدة ، إنما جاء ليكمل الشريعة القديمة .(1/78)
هذا ما أراد يسوع أن يفهموه ، وهو تمم الشريعة ، فحافظ على الوصايا ووقر السبت وحفظه . ولم يشير إليه يهودي واحد بأصابع الإتهام قائلا : لماذا لا تصوم ؟ . أو لماذا لا تغسل يديك قبل أن تكسر الخبز ؟ .
هذه التهم كانت توجه دائما ضد التلاميذ . يقول متى في إنجيله :" حينئذ جاء إلى يسوع كتبة وفريسيون الذين من أورشليم قائلين . لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ . فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزا " متى 1:15-2 .
ولكن هذه التهم لم تكن ضده أبدا . ذلك لأنه كيهودي صالح حافظ في توقير على الشريعة ، شريعة الأنبياء الذين سبقوه . وباختصار فإنه لم ينشئ دينا جديدا ، ولا أتى بشريعة جديدة مثل موسى ومحمد عليهما السلام . أليس هذا حقا ؟ . سألت القسيس فأجاب : نعم . فقلت من ثم فإن يسوع ليس مثل موسى ولكن محمدا مثل موسى.
كيف كان رحيلهم : إن كلا من محمد وموسى عليهما السلام قد توفاهم الله وفاة طبيعية ، ولكن وفقا للعقيدة المسيحية فإن يسوع مات أشر ميتة بقتله على الصليب . أليس هذا حقا ؟ . أجاب القس : نعم . فمن ثم فإن يسوع ليس مثل موسى ولكن محمدا مثل موسى.
المقام السماوي : إن كلا من محمد وموسى عليهما السلام يرقد في قبره على الأرض ، ولكن طبقا لتعاليمكم فإن يسوع المسيح يجلس " عن يمين قوة الله " . لوقا 69:22 . أهذا حقا ؟
وافق القس وأجاب : نعم .
فقلت : من ثم فإن يسوع ليس مثل موسى ولكن محمدا مثل موسى . والآن لنرى كيف أن هذه النبوءة تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم ، ويستطرد الشيخ أحمد ديدات فقال:
إسماعيل الابن البكر : قلت أيها القسيس للآن ما تناولته إنما للبرهنة على موضوع واحد من النبوة كلها وذلك بتحقيق العبارة – مثلك – أي مثل موسى ، إن النبوءة أوفر جدا من هذه العبارة المفردة ، هذه النبوءة هي :
"أقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به " . تثنية 18:18 .(1/79)
إن التركيز على هذه الكلمات " من وسط اخوتهم مثلك ". إن الخطاب لموسى وشعبه اليهود كجنس ذات شخصية معنوية ، وهكذا عندما تقول النبوءة اخوتهم فهي تعني يقينا العرب . إنك تفطن أن الكتاب المقدس يتحدث عن إبراهيم بأنه خليل الله :
"لنسل إبراهيم خليلك إلى الأبد " . أخبار الأيام الثاني 7:20 .
و " نسل إبراهيم خليلي " . اشعياء 8:41 .
وكان لإبراهيم زوجتان – سارة وهاجر - . ولدت هاجر لإبراهيم ولدا . إنه الابن البكر :
" ودعا إبراهيم اسم ابنه الذي ولدته هاجر إسماعيل ". تكوين 15:16 . " فأخذ إبراهيم إسماعيل ابنه .... وكان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة حين ختن في لحم غرلته ، وكان إسماعيل ابنه ابن ثلاث عشر سنة حين ختن في لحم غرلته . وفي ذلك اليوم عينه ختن إبراهيم وإسماعيل ابنه " . تكوين 23:17-26 .
وحتى من العمر 13 سنة كان إسماعيل الابن الوحيد من نسل إبراهيم عندما أقر الله الميثاق مع إبراهيم . " أما أنا فهو ذا عهدي معك وتكون أبا لجمهور من الأمم " . تكوين 4:17 .
وأود هنا أن أخرج عن الموضوع قليلا ثم أعود لكلام الشيخ ، حتى أعطي الموضوع حقه وألم به من جميع جوانبه، أعلم أن الكثير من النصارى يقولون إن إسحاق هو ابن إبراهيم الوحيد ، ويقولون أن هاجر لم تكن زوجة لإبراهيم ، بل كانت جارية، منهم من يقول هذا لجهله بالموضوع ، ومنهم من يقوله محاولة منه لإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنهم المتعصب لنصرانيته ، ومنهم من يحاول أن يطمس الحقيقة ، وعبثا يحاولون فإن الكتاب المقدس يشهد على تزويرهم ويبين عوار طروحاتهم ، وسأترك الكلام وأدع الإنجيل يرد عليهم ويبن الحقيقة .
في سفر التكوين :" وأما ساراي امرأة إبراهيم فلم تلد له ، وكانت لها جارية مصرية اسمها هاجر ........ وأعطتها لإبرام رجلها زوجة له " . تكوين 1:16-3 .(1/80)
فتحبل هاجر من إبراهيم وتنجب له ابنا يدعوه إسماعيل . وذلك عندما كان إبراهيم قد بلغ ستة وثمانين سنة من العمر .
" فولدت هاجر لإبرام ابنا ، ودعا اسم ابنه الذي ولدته هاجر إسماعيل . وكان إبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لإبرام " . تكوين 15:16- 16.
بعد هذا يأمر الله إبراهيم أن يغير اسمه . ويقطع له عهدا ولنسله من بعده . " فلا يدعى اسمك بعد إبرام ، بل يكون اسمك إبراهيم ، لأني أجعلك أبا لجمهور من الأمم ، وأثمرك كثيرا جدا وأجعلك أمما ، وملوك منك يخرجون . وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدا أبديا ........ هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك ، يختن منكم كل ذكر ! فتختنون في لحم غرلتكم ، فيكون عهد بيني وبينكم " . تكوين 5:17 – 11 .
ولقد حدث ما أمر الله به . " وكان إسماعيل ابنه ابن ثلاث عشر سنة حين ختن في لحم غرلته " . تكوين 25:17 .
وبعد ذلك تحبل سارة وتلد ابنا يسميه إبراهيم إسحاق ،. فتطلب سارة من إبراهيم أن يبعد هاجر وابنها .
" ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم يمزح . فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها ، لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق . فقبح الكلام جدا في عيني إبراهيم لسبب ابنه " تكوين 9:21 – 11.
والطريف أن ما تطلبه سارة على افتراض صحة هذا الكلام لا يحرم الابن إسماعيل من ميراث أبيه، لأنه الابن البكر .
والكتاب يقول :" إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة ، فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة . فإن كان الابن البكر للمكروهة . فيوم يقسم لبنيه ما كان له ، لا يحل له أن يقدم ابن المحبوبة بكرا على ابن المكروهة البكر . بل يعرف ابن المكروهة بكرا ليعطيه نصيب اثنين من كل ما يوجد عنده . لأنه هو أول قدرته له حق البكورية " . تثنية 15:21 – 17 .
كلام لا يحتاج إلى تعليق .(1/81)
فإذا أضفنا أن هاجر ليست امرأة مكروهة ، وأن إسماعيل هو الابن البكر وهو يكبر أخاه إسحاق بأربع عشرة سنة .
" وكان إبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لإبرام ". تكوين 16:16. "
وكان إبراهيم ابن مائة سنة حين ولد له إسحاق ابنه " . تكوين 5:21. وإن إبراهيم فوق ذلك كله كان يحب ابنه إسماعيل كما هو واضح من نص – تكوين 11:21 . ولنتابع القصة .
" فبكر إبراهيم صباحا وأخذ خبزا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر واضعا إياهما على كتفها والولد وصرفها ، فمضت وتاهت في برية بئر سبع " . تكوين 14:21 .
وهنا لنا وقفة مع أمرين الأول : - أن إبراهيم ما كان ليطرد ولده البكر وأمه بهذه الطريقة غير اللائقة بإنسان عادي ناهيك عن نبي صالح مقرب من الله تعالى . وهل يتحرك نبي إرضاء لغيرة زوجته وشهوتها وهواها ، أم يتحرك بأمر الله وإرضاء له سبحانه وتعالى ؟ . فالأولى بنبي الله إبراهيم خليل الله أن يأخذ بيد زوجته وابنها ويوصلهما بنفسه ليطمئن عليهما ويتأكد من سلامتهما .
ثم كيف يتصور عاقل أن امرأة ضعيفة تستطيع أن تحمل شابا يافعا له ثلاث عشرة عاما على كتفها ! .
ألا يدلك هذا أن هذه القصة كانت قبل مولد إسحاق وأن الذبيح هو إسماعيل ؟ . ولكن لنتابع التفاصيل :
والأمر الثاني : الذي أريد منك أن تحفظه وتتنبه له هو أن هاجر وابنها استقرا في برية – بئر سبع - . الذي يفترض أنه بعيد عن محل إقامة سارة وابنها إسحاق . ثم لنمض في قراءة القصة : " وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم . فقال له يا إبراهيم ، فقال هاأنذا . فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك " . تكوين 1:22 – 2 .
هل لاحظت هذا التناقض الواضح بين ابنك الوحيد و إسحاق ، لقد تبين لك أن إسحاق لم يكن الابن الوحيد لإبراهيم في أي لحظة من اللحظات . بل إن الابن الوحيد لإبراهيم على مدار ثلاث عشرة سنة كان إسماعيل .(1/82)
والحق الذي ليس بعده حق أن النص كان خذ ابنك الوحيد ، وهو يعني إسماعيل ، فجاء من جاء من كتبة الأناجيل فأضاف كلمة إسحاق ظلما وزورا ، ليصرف هذه النبوءة عن محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الابن الوحيد وإسحاق لا يتفقان مطلقا .
ومن يحاول التبرير بأن إسحاق يدعى بالابن الوحيد لأنه ابن سارة الزوجة الأولى ، وأن إسماعيل هو ابن هاجر الجارية ، فنقول كما بينا سالفا إن كانت جارية فإنها قد أصبحت زوجة كما في تكوين 1:16-3 . وتعال نتابع القراءة لترى من كان الله يعني في أصل الرواية .
فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له الله . بنى هناك المذبح ورتب الحطب وربط إسحاق ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب . ثم مد إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه . فناداه ملاك الرب من السماء وقال إبراهيم إبراهيم . فقال هاأنذا . فقال لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا ، لأني الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني . فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا في الغابة بقرنيه . فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه " . تكوين 9:22 – 13 .
هنا عاد الكاتب وحشا كلمة إسحاق – وربط ابنه – فأضاف إسحاق . المهم أن إبراهيم قد ذبح الكبش بدلا من ابنه فدية ونعمة من ربه سبحانه وتعالى ، ونحن نسأل :
ترى هل سلالة إسحاق هي التي استمرت في أداء شعيرة ذبح الكبش والفداء في ذكرى هذه الحادثة من كل عام ؟ أم سلالة إسماعيل هي التي فعلت ذلك ولا تزال تفعل في كل عام ؟
. إنهم بكل تأكيد سلالة إسماعيل.
العرب كانت تفعل ذلك قبل الإسلام ، وبعد الإسلام كشعيرة من شعائر الحج إلى الكعبة .(1/83)
وهذا يؤكد أن الابن الوحيد كان إسماعيل ولم يكن إسحاق ، كما طاب لمن كتب النص أن يكتب زورا وبهتانا ، أو ليرضي به جماعة معينة ويخصها بالبركة . وحتى تعلم يقينا أن الإضافة باطلة وأن الابن الوحيد إنما كان إسماعيل فما عليك إلا متابعة قراءة ذلك الإصحاح الثالث والعشرين من سفر التكوين :
" ثم رجع إبراهيم إلى غلاميه ، فقاموا وذهبوا معا إلى بئر سبع ، وسكن إبراهيم في بئر سبع " .
أليس بئر سبع هو المكان الذي ذهبت إليه هاجر وابنها إسماعيل ؟ أليس هذا برهان على أن إبراهيم إنما رجع بابنه الوحيد إلى أمه في برية بئر سبع ؟ .ودعنا نعود إلى كلام الشيخ أحمد ديدات :
العرب واليهود : إذا كان إسماعيل وإسحاق أبناء الوالد نفسه إبراهيم ، إذن فهما أخوان ، وهكذا فإن أبناء أحدهما هم اخوة لأبناء الآخر، إن أبناء إسحاق هم اليهود ، وأبناء إسماعيل هم العرب . وبناء على ذلك فإنهم اخوة أحدهم للآخر .
ويؤكد الكتاب المقدس هذه الحقيقة : " وأمام جميع اخوته يسكن " .
إن أبناء إسحاق هم اخوة لأبناء إسماعيل ، وبنفس النمط فإن محمدا من وسط اخوة بني إسرائيل ، ذلك لأنه من سلالة إسماعيل بن إبراهيم . والنبوءة تقول :
" أقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم " . تثنية 18:18.
وتذكر النبوءة بوضوح أن النبي الآتي الذي هو مثل موسى والذي سيظهره الله ليس من أبناء بني إسرائيل ، ولا من بين أنفسهم ، ولكن من وسط اخوتهم ، من ثم كان محمد هو من وسط اخوتهم.
وأجعل كلامي في فمه : تستأنف النبوءة قولها :" وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به " . تثنية 18:18.
ماذا تعنيه النبوءة " وأجعل كلامي في فمه " .
أنت تشاهد عندما أسألك أيها القسيس أن تفتح التوراة على سفر التثنية ، الإصحاح الثامن عشر ، العدد الثامن عشر ، وإذا طلبت منك أن تقرأ ، فإذا قرأت هل أجعل كلامي في فمك ؟ .
أجاب القس : لا .(1/84)
وقلت مستأنفا كلامي فإذا أردت أن أعلمك كلمات باللسان العربي ، تلك اللغة التي لا تعلم عنها شيئا .، فإذا ما طلبت منك أن تقرأ أو تردد معي ما أنطقه ، أما أضع هذه الكلمات التي تنطق بها معي في فمك ؟ .
وافق القس قائلا بالحق أنه هكذا .
ثم قلت وبأسلوب مشابه في تنزيل القرآن ، كان جبريل يجعل كلام الله في فم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحيا فنزل به جبريل على قلب رسول الله ليكون من المرسلين . والنص من التوراة يقول :
" وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به " .
إن التاريخ يحدثنا عن محمد صلى الله عليه وسلم عندما بلغ أربعين عاما كان يتعبد في غار حراء شمال مكة . في هذا الغار نزل إليه جبريل رئيس الملائكة في ليلة 27 من رمضان شهر الصيام ، وأمره بلسان عربي مبين قائلا اقرأ . امتلأ محمد رعبا ودهشة وحيرة ، فأجاب ما أنا بقارئ .
فأعاد عليه جبريل أمره قائلا اقرأ، ثم أعاد ثالثة قائلا : اقرأ باسم ربك الذي خلق .
وقد أدرك محمد صلى الله عليه وسلم أن ما أمره به الملاك إنما إعادة تلاوة الكلمات التي وضعها في فمه. – ولنا وقفة مع هذه القصة عند الحديث عن البشارة الثانية -.
عاد محمد صلى الله عليه وسلم إلى بيته وطلب من زوجته خديجة أن تدثره بغطاء ، وعندما استعاد سكينته حكى لها ما رآه وما سمعه ، فآمنت به .
واستمر نزول الوحي عليه ثلاثة وعشرين عاما يتنزل بالقرآن الكريم على قلب محمد ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين .
أليس هذا تصديقا لنبوءة موسى " وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ".
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته أن يكتبوا القرآن الكريم فور نزوله منجما – مفرقا – فحفظ القرآن في السطور وفي الصدور، وكتبوه على جريد النخل وعلى الجلود وعلى عظام كتف الحيوانات.
إن القرآن الكريم هو في الحقيقة إنجاز لنبوءة موسى عليه السلام:" وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به".(1/85)
إنه الرسول النبي الأمي ، وضع جبريل الملاك القرآن في فمه باللفظ والمعنى واستظهره رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نزل(1).
البشارة الثانية : سفر اشعياء 12:29 " أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له اقرأ فيقول لا أعرف الكتابة " .
إن الترجمة الدقيقة هي ما أنا بقارئ بدلا من لا أعرف الكتابة ، هذا ما نطق به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم . والآن دعني أنقلك إلى قصة نزول الوحي جبريل على رسول الله ، لترى كيف تنطبق هذه البشارة على محمد صلى الله عليه وسلم كما جاءت بها الأحاديث الصحيحة .
روى البخاري في صحيحه كتاب بدء الوحي الحديث الثالث: قال :
حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح . ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه – وهو التعبد – الليالي ذوات العدد ، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال :
اقرأ . قال " ما أنا بقارئ " .
قال :" فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ".
فقال : اقرأ. "
فقلت ما أنا بقارئ .فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني
فقال : " اقرأ . "
فقلت ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثالثة ، ثم أرسلني فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم ).
__________
(1) اقتباسات بتصرف مع بعض الإضافات من كتاب ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد للشيخ أحمد ديدات رحمه الله(1/86)
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال :" زملوني زملوني " . فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر :" لقد خشيت على نفسي " . فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى – ابن عم خديجة – وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك .
فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى :
" فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى " .
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعا*، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أو مخرجي هم ؟ " .
قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا(1) . - * الجذع :الصغير من البهائم ، كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الإسلام شابا ليكون أمكن لنصره - .
__________
(1) البخاري – كتاب بدء الوحي – الحديث الثالث.(1/87)
هل رأيت أنه هو صاحب هذه البشارة فهو النبي الأمي الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، وقد وصفه الله تعالى في القرآن الكريم فقال ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون * قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون )(1).
البشارة الثالثة : إيلياء المزمع أن يأتي : وهي بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم :
وردت هذه البشارة في سفر ملاخي والأناجيل ، وحتى يتضح الوصف الكامل للمزمع أن يأتي لا بد من نقل كل ما يتعلق بهذه البشارة من الأسفار التي وردت فيها.
ففي سفر ملاخي 5:4 " هاأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجئ يوم الرب اليوم العظيم والمخوف ".
وفي انجيل متى 1:3-3 و9-11 عن يحي عليه السلام :" 1- وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية 2- قائلا : توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات 3- فإن هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبي*(2) القائل : صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب . اصنعوا سبله مستقيمة .... 9- ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبا . لأني أقول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم 10- والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار 11- أنا أعمدكم بماء للتوبة . ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني الذي لست أهلا أن أحمل حذاءه . هو سيعمدكم بالروح القدس " .
__________
(1) الأعراف 158-159.
(2) * اشيعاء 3:40. ومتى 3:2:11، ومتى 9-15.(1/88)
وفي متى 2:11-3 و 9- 15 " 2- أما يوحنا فلما سمع في السجن بأعمال المسيح أرسل اثنين من تلاميذه 3- وقال له أنت هو الآتي أم ننتظر آخر ... 9- لكن ماذا خرجتم لتنظروا ، أنبيا ، نعم أقول لكم وأفضل من نبي 10- فإن هذا هو الذي كتب عنه هاأنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك 11- الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان . ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه 12- ومن أيام يوحنا المعمدان إلى الآن ملكوت السماوات يغصب والغاصبون يختطفونه 13- لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤا 14- وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي 15- من له أذنان للسمع فليسمع " .
وفي متى 38:23-39 قول المسيح : " 38- هو ذا بيتكم يترك لكم خربا 39- لأني أقول لكم إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا : مبارك الآتي باسم الرب " .
وفي انجيل مرقس 2:1-3 و 7-8 عن يحي عليه السلام : " 2- كما هو مكتوب في الأنبياء هاأنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك 3- صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة .... 7- وكان يكرز قائلا : يأتي بعدي من هو أقوى مني الذي لست أهلا أن أنحني وأحل سيور حذائه 8- أنا عمدتكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس " .(1/89)
وفي انجيل يوحنا 19:1-27 :" وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت 20- فاعترف ولم ينكر وأقر أني لست أنا المسيح 21- فسألوه إذا ماذا ؟ إيليا أنت ؟ فقال : لست أنا . النبي أنت ؟ . فأجاب : لا 22- فقالوا له من أنت لنعطي جوابا للذين أرسلونا ؟ ماذا تقول عن نفسك ؟ 23- قال أنا صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب كما قال إشعياء النبي 24- وكان المرسلون من الفريسيين 25 فسألوه وقالوا له : فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي ؟ 26- أجابهم يوحنا قائلا : أنا أعمد بماء . ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه 27- هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي الذي لست أستحق أن أحل سيور حذائه " . هذه النصوص من كلام ملاخي ويحى وعيسى يعضد بعضها بعضا في الدلالة على مدلول واحد وهو التبشير بالنبي المبارك الذي يأتي قبل مجيئ يوم الساعة الذي سماه ملاخي يوم الرب ، ولما كان جميع الأنبياء بعثوا قبل مجئ الساعة ، فالمقصود إذن أن مجئ المبشر به يكون بين يدي الساعة ، وهذا هو مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه آخر الأنبياء، ومبعثه من علامات الساعة. وفي نصوص هذه البشارة في إنجيل متى يصيح يوحنا المعمدان – يحيى – بإعداد طريق الرب ، والرب هنا المقصود به محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه المعلم والمربي لكل الأمم . ولا يصح أن يقال إنه قصد عيسى عليه السلام لعدة أمور :
أن يحيى قال :" الذي يأتي من بعدي " وعيسى كان معاصرا ليحيى ، والمفهوم من البشارة زمن أكثر مما يتوهم ، وقول عيسى هو القول الفصل ، فهو يقول :
في متى 14:11 " فهذا إيليا المزمع أن يأتي " .(1/90)
ولا يخفى عليك أنه يتحدث عن غيره ولا يتحدث عن نفسه ، وإلا لقال : فأنا إيليا أتيت مثلا ، أو غيره من الصيغ التي تدل عليه ، ولفظ المزمع يفيد الاستقبال . وأكد على ذلك بأن من كان له أذنان للسمع فليسمع . وما المقصود به إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن المسيح جاء مع يحيى لا بعده .
أن الكهنة سألوا يحيى كما في يوحنا 19:1- 22 " وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت ؟.20- فاعترف ولم ينكر وأقر إني لست أنا المسيح . 21- فسألوه إذا ماذا . إيليا أنت ؟. فقال لست أنا . النبي أنت ؟ . فأجاب لا . وكذلك يحيى أرسل من يسأل المسيح كما في متى 3:11 " أنت هو الآتي أم نتظر آخر ؟ " .
فأجاب المسيح أن الآتي أعظم منه ومن يحيى . ومن هذا نفهم :
أولا : أن كلا من المسيح ويحيى كانا ينتظران نبيا آخر مبشرا به ، وسؤال كل واحد منهم للآخر عن الموعود المبشر به وإجابتهما بالنفي يفيد العلم القطعي بأنهما ليسا هو .
ثانيا : أن الكهنة فرقوا في سؤالهم بين المسيح وإيليا المبشر به لقولهم : " هل أنت المسيح ؟ هل أنت إيليا ؟ فأي فهم يجيز كونهما واحد . وانظر إلى احتجاج اليهود في هذا العدد من النص الآتي " فسألوه وقالوا فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي". يوحنا 25:1 . ا- لست المسيح . ب – ولا إيليا. ج – ولا النبي . إن اليهود كانوا ينتظرون إنجاز تحقيق النبوءات الثلاث ، واحدة بشأن المسيح ، والثانية بشأن مجئ إيليا ، والثالثة بشأن مجئ ذلك النبي.
أن يحيى عليه السلام بين في ثلاثة مواضع أن المبشر به عظيم جدا بحيث إنه – أي يحيى– لا يستحق أن يحمل حذاءه ولا أن يحل سيوره.
وهذا لا يصدق على عيسى الذي كان معاصرا ليحيى، وإلا لقال يحيى عليه السلام للمسيح عليه السلام: أنا لست أهلا أن أحمل حذائك، ولزمه أن يوضح ذلك للناس ولا يتركهم في شك وحيرة، ولكنه يقصد الآتي بعدهما محمدا صلى الله عليه وسلم.(1/91)
أن عيسى عليه السلام خاطب اليهود بيقوله في متى 38:23 " هو ذا بيتكم يترك لكم خربا " .
وذلك لأنه آخر نبي من أنبياء بني إسرائيل ، ولن يأتي من بعده من يجدد لهم هذا البيت – بيت النبوة – حتى يأتي من بعده المبارك الآتي باسم الرب ، وليس هو من بيت النبوة الإسرائيلية التي خربت برفع المسيح ، بل من بيت آخر من العرب من وسط اخوتهم.
أن يحيى عليه السلام وصف النبي الآتي من بعده أنه أقوى منه كما في متى 11:3 . و مرقس 7: 1 . وهذا يعني أن الآتي يكون ظاهرا مبسوط القدرة على الأعداء ذا شرع مستقل ، وهذا لا ينطبق على يحيى وعيسى عليهما السلام ، لأنهما كانا مستضعفين لدى اليهود والرومان ، ومضطهدين غاية الاضطهاد ، فلو كان المراد بالآتي عيسى عليه السلام فأي قوة زادت له على قوة يحيى ؟ ! .
ثم إنهما كانا على شرع موسى عليه السلام ، ولم يكن عيسى عليه السلام ذا شرع مستقل حتى يكون أقوى من يحيى عليه السلام .
ولا يصح أن يكون عيسى هو المراد بالأقوى في قول يحيى إن الآتي أقوى منه ، لأن عيسى نفسه ذكر :
في متى 11:11 أنه لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يحيى ، فظهر أن يحيى أقوى من عيسى ، وأن إيليا الآتي أقوى منهما .
وما ورد في مرقس 27:8- 29 يزيل اللبس والإيهام ، فقد سال عيسى تلاميذه في طريقهم إلى قيصرية " 27- وفي الطريق سأل تلاميذه قائلا لهم من يقول الناس إني أنا؟ 28 – فأجابوا : يوحنا المعمدان ، وآخرون : إيليا ، وآخرون : واحد من الأنبياء . 29 – فقال لهم : وأنتم من تقولون إني أنا ؟ فأجاب بطرس وقال له : أنت المسيح .
وبهذا نرى أن يحيى فرق بين المسيح وإيليا ، وأن المسيح فرق بين يحيى وإيليا ، وأن الكهنة وتلاميذ المسيح فرقوا بين ثلاثة أشخاص : يحيى والمسيح وإيليا ، ولو كان المسيح هو إيليا لما جاز له أن يخفي الحقيقة على أتباعه ويجعلهم في ضلالة . وبهذا ثبت قطعا أن إيليا أو إيلياء المبشر به هو محمد صلى الله عليه وسلم .(1/92)
المطلب الثاني : بعض الإشارات إلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم
لا يخفى أنه ما نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما على مثله آمن الناس ، ولما كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم باقية ما بقيت هذه الحياة في امتدادها الزماني ، مخاطبة لأهل الأرض قاطبة في امتدادها المكاني كان لا بد أن يتضمن القرآن الكريم وهو معجزة الله الخالدة من وجوه الإعجاز ما تقوم بمثله الحجة على أهل كل عصر على امتداد الزمان والمكان ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . وتسمى المعجزة معجزة لأن البشر يعجزون عن الإتيان بمثلها لأنها أمر خارق للعادة خارج عن حدود الأسباب المعهودة. وإعجاز القرآن معناه : إثبات عجز البشر متفرقين ومجتمعين عن الإتيان بمثله .
شروط تحقق الإعجاز : ويتحقق الإعجاز بوجود التحدي ، وقيام الدافع إلى رد هذا التحدي ، وانتفاء المانع من ذلك . أما وجود التحدي فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تحدى العرب بالقرآن على ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : تحداهم بالقرآن كله : في أسلوب عام يتناولهم ويتناول غيرهم من الأنس والجن تحديا يظهر على طاقتهم مجتمعين ، بقوله تعالى ( قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا )(1).
المرحلة الثانية : تحداهم بعشر سور منه في قوله تعالى ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سورمثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله )(2).
__________
(1) الإسراء 88.
(2) هود 13-14.(1/93)
المرحلة الثالثة : تحداهم بسورة واحدة منه في قوله تعالى ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين )(1) . وكرر هذا التحدي في قوله ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين )(2).
أما قيام الدافع : إلى رد هذا التحدي فقد توافرت لدى العرب الدوافع لرد هذا التحدي الذي يعلنه عليهم من يشهد عليهم بالكفر ، ويسفه أصنامهم ويفرق بهذا الدين بين الولد وأبيه .
وأما انتفاء المانع : من رد هذا التحدي فلم يكن لدى العرب مانع يحول بينهم وبين رد هذا التحدي لو كانوا يستطيعون ، فهم أرباب الفصاحة والبلاغة التي شهد بها الأولون والآخرون ، وعجز العرب عن معارضة القرآن مع توفر الدواعي عجز للغة العربية في ريعان شبابها وعنفوان قوتها . وإذا كان الإعجاز اللغوي تقام بمثله الحجة على من ينطقون اللغة العربية ، ويتذوقون فنونها وأساليبها ، فلا بد من وجوه أخرى من الإعجاز تقام بمثلها الحجة على غير العرب ، بل وعلى العرب أنفسهم في أطوار انحطاطهم اللغوي وتراجعهم البياني ... وهذا هو دور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم . فلقد تضمن القرآن الكريم أنباء عن الكون والإنسان والحياة ، وأخبر أن لهذه الأنباء زمنا تستقر عنده وتتكشف فيه ، فقال تعالى ( لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون )(3).
__________
(1) يونس 38.
(2) البقرة 23-24.
(3) الأنعام 67.(1/94)
وإذا كان بعض هذه الأنباء يتعلق بأحداث يوم القيامة وما وعد الناس فيه من حساب وثواب وعقاب ، فإن بعضها الآخر يتعلق بأشراط الساعة ، وما يكون بين يديها من أحداث جسام ، ومنها ما يتعلق بتأويل بعض الآيات القرآنية التي تتضمن إشارات إلى بعض الحقائق العلمية ، وهذا موضع الشاهد في هذا المقام . هذا وإن زمن استقرار هذه الأنباء هو زمن تكشفها للعيان ورؤيتها حقيقة مشهودة في الواقع المحسوس ، ولقد وعد الله جل وعلا بأن يري عباده من هذه الآيات ما يتبين لهم معه أن هذا القرآن حق من عند الله فقال تعالى : ( وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون )(1).
وقال تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد )(2).
والآن افتح قلبك وأعرني سمعك وتأمل معي مليا في هذه الحقائق .
الحقيقة الأولى : لقد تخبطت البشرية طويلا في الإجابة على هذا السؤال : مم يخلق الجنين ؟ . فمرة قالوا إنه يخلق من دم الحيض ، ومرة قالوا إنه يخلق من ماء الرجل وحده ، ومرة قالوا بعكس ذلك ، إلى أن توصلوا في النهاية إلى أنه يخلق من كل من ماء الرجل وماء المرأة بعد رحلة من الأبحاث والدراسات ، وبواسطة أعقد الأجهزة والمختبرات ، لكن موقف القرآن الكريم كان ثابتا محددا في هذه القضية منذ اللحظة الأولى ، وكان علماء القرآن بمعزل عن هذه التخبطات بما يحملونه من نور الوحي المعصوم، فقال تعالى ( من أي شئ خلقه * من نطفة خلقه فقدره )(3).
وقال تعالى ( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تمنى )(4). ثم بين هذه النطفة في مقام آخر فقال :
( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا )(5).
__________
(1) النمل 93.
(2) فصلت 53.
(3) عبس 18-19.
(4) النجم 45-46.
(5) الإنسان 2.(1/95)
أي نطفة أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة ، فمن ذا الذي أخبر محمدا صلى الله عليه وسلم وهو النبي الأمي بهذه الحقائق التي لم يصل إليها العالم إلا بعد سلسلة من التخبطات وبعد اكتشاف أعقد الأجهزة والوسائل ؟
الحقيقة الثانية : لقد ظلت البشرية تعتقد أن الجنين يتكون في الرحم دفعة واحدة ، ولا يمر خلقه بأطوار ، ولا يحدث له في الرحم إلا مجرد تكبير ، ولم تصل حقيقة مرور الجنين في أطوار مختلفة من الخلق إلا مؤخرا ، بعد اكتشاف المجاهر والمكبرات ، ولكن القرآن الكريم ظل بمنأى عن هذا التخبط ، وعاش المؤمنون به بمنأى عن هذه التوهمات ، فلقد قرر منذ اللحظة الأولى أن الجنين يمر بأطوار مختلفة من الخلق ، فقال تعالى ( ما لكم لا ترجون لله وقارا * وقد خلقكم أطوارا )(1).
وقال تعالى ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث )(2). ثم بين هذه الأطوار بالتفصيل فقال ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين)(3).
والسؤال الذي أطرحه عليك أيها المنصف : كيف استطاع محمد الرجل الذي عاش في الصحراء قبل قرابة ألف وخمسمائة عام أن يحدثنا بهذه التفصيلات والدقائق عن هذا العالم المجهول الذي يتوارى خلف ظلمات ثلاث ، ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة الغشاء المعروف بالرهل ؟! . كيف استطاع ذلك ؟ إذ العلم لم يكتشف هذه الأمور إلا في القرن الماضي ، فكيف حدث ذلك ؟
وهل كان في مكة في الصحراء مختبرات طبية ؟ وهل كان هناك أجهزة الأمواج فوق الصوتية؟
إذن فمن أخبر محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي بهذا ؟ كيف عرف أن الجنين يمر في هذه المراحل ؟
الحق الذي لا يعلوه حق أن الذي أخبره وأوحى إليه هو الله.
__________
(1) نوح 13- 14.
(2) الزمر 6.
(3) المؤمنون 12- 14.(1/96)
الحقيقة الثالثة : في مجال الحديث عن نقص الأوكسجين في طبقات الجو العليا وما يؤدي إليه من ضيق في الصدور وحرج في التنفس يأتي قول الله تعالى ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء )(1).
فكيف عرف محمد صلى الله عليه وسلم أن الذي يرقى ويصعد في السماء يضيق صدره ، ويصعب عليه التنفس ، بسبب نقص الأوكسجين ؟ .
وهل كان هناك طائرات أو مركبات فضائية في مكة ؟ أم كان هناك أجهزة لقياس الضغط الجوي؟ .
لا بد أنك تقر معي وتعترف أن الذي بلغ محمدا وأخبره هو الله تعالى . أكتفي بهذه الحقائق والإشارات ، ولسنا بصدد استقراء هذه الإشارات القرآنية فإنها أكثر من أن يستوعبها الحصر ، ولا يزال هذا القرآن يهب كنوزه ويتفجر عطاؤه ولا تنقضي عجائبه .
وختاما : فهذه الرسالة بين يديك ، تقام بها الحجة عليك ، كتبتها يعلم الله رحمة بك وشفقة عليك ، فلعل الحق ما وصلك ، ولعل الراهب ما صدقك ، فخذها واسمعها بأذن صاغية ، وقلب واعي ، لعلها تكون سببا في هدايتك ، فما قلت فيها برأيي ، ولا حللت نصوصها حسب هواي أو للوصول إلى حاجتي ، بل اعتمدت فيها الدليل ، وسقت حقائقها من التوراة والإنجيل ، كتبتها لك باختصار ، وتجنبت فيها التكرار ، ليكون سهلا عليك اتخاذ القرار ، الذي يقربك من الجنة ويبعدك عن النار ، ويهبك الطمأنينة والاستقرار ، ويجعل لك القبول عند العزيز الغفار.
فأسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يهدي قلبك، وأن تكون رسالتي حجةلك لا حجة عليك.
__________
(1) الأنعام 125.(1/97)
وأعلم أن حالك كحال رجل سار في طريق حتى وصل إلى مفترق طرق ، : طريق على اليمين فيه حفر ومطبات كثيرة وعقبات موحش وغير مضاء ، وفيه طلعة كؤود ، ولكن يوجد على أول الطريق لوحة اعلانية من قبل السلطات المختصة مكتوب عليها : طريق وعر سالك بصعوبة موحش ولكن رغم وعورة الطريق وصعوبته إلا أن نهايته حياة أبدية . وطريق على اليسار : معبد ، مضاء ، مقاهي على جوانب الطريق ، ملاهي ، متنزهات وكل ما بثير النفس ويحرك الشهوة ، ولكن في أول الطريق توجد لوحة اعلانية من قبل السلطات مكتوب عليها : رغم سهولة الطريق وإضاءته والمقاهي والملاهي التي تثير الشهوة قإن نهايته موت محقق ! فأي الطريقين تختار ؟؟؟ .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم يموت ولا يؤمن بي إلا كان من أصحاب النار "(1).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وكتبه محمود سليمان عبد الحافظ
الجمعة 25 محرم 1427 ه
الموافق 25 شباط 2006م
فهرس
الإهداء ..........................................................ص2
مقدمة وتمهيد .................................................... ص 3
الفصل الأول : المبحث الأول :
المطلب الأول : تعريف بعقيدة النصارى ......................... ص5
المطلب الثاني : مقارنة بين الديانة الميثراسية والنصرانية ........ ص 8
المطلب الثالث : مقارنة بين عقيدة الهنود في كرشنا والنصارى في عيسى عليه السلام ...................................................... ص9
المطلب الرابع : مقارنة بين عقيدة الهنود والصينيين في بوذا والنصارى في عيسى عليه السلام ............................................... ص11
المطلب الخامس : أركان العقيدة النصرانية ....................... ص14
المطلب السادس : مجمع نيقية .................................... ص15
__________
(1) رواه مسلم.(1/98)
المطلب السابع : قانون الإيمان عند النصارى ..................... ص17
المطلب الثامن : مناقشة قانون الإيمان عند النصارى .............. ص18
الفصل الأول : المبحث الثاني :
المطلب الأول : التوحيد في القرآن ................................ ص22
المطلب الثاني : التوحيد في التوراة ............................... ص25
المطلب الثالث : التوحيد في الإنجيل .............................. ص28
الفصل الثاني : المبحث الأول :
المطلب الأول : كيف تحاور نصرانيا ............................. ص30
المطلب الثاني : أركان الإيمان في دين الإسلام :
الإيمان بالله تعالى والإستدلال على وحدانيته من الكتاب المقدس نفسه ..................................................... ص31
المطلب الثالث : الإيمان بالملائكة ................................ ص34
المطلب الرابع : الإيمان بالكتب والإستدال على تحريف التوراة والإنجيل
من الكتاب المقدس نفسه ......................... ص34
المطلب الخامس : الإيمان بالرسل وبيان حقيقة دعوتهم وإبطال ألوهية
المسيح عليه السلام بلسان المسيح نفسه ........ ص45
المطلب السادس : الإيمان باليوم الآخر وبيان بطلان عقيدة الصلب
والفداء ....................................... ص59
المطلب السابع : الإيمان بالقضاء والقدر ........................ ص67
الفصل الثاني : المبحث الثاني :
المطلب الأول : بعض النبوءات في الكتاب المقدس عن رسول الله
محمد صلى الله عليه وسلم ...................... ص70
المطلب الثاني : بعض الإشارات إلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
من القرآن ...................................... ص 88
خاتمة : ........................................................ ص92(1/99)