فتح رب العبيد في الرد على
مختصر شرح الطحاوية وكتاب التوحيد
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علم وألهم، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مولى العطايا والهبات والنعم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فهذه هي الطبعة الثانية من كتاب: " فتح رب العبيد في الرد على مختصر شرح الطحاوية وكتاب التوحيد " بعد أن نفذت الطبعة الأولى، وأشار بعض المحبين بإعادة طباعته لدعاء الحاجة إلى ذلك، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفع به، وأن يسدد الأقوال والأفعال، وأن يجعل الأعمال خالصة لوجه الله الكريم، وأن يبارك في الجهود والأعمال، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، إنه سبحانه خير مسئول، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وعلى أصحابه وعلى التابعين لهم بإحسان يوم الدين. المؤلف
عبد العزيز بن عبد الله الراجحي(1/1)
موضوع البحث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخليله وصفيه من خلقه، نبينا وقدوتنا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد اطلعت على كتاب عنوانه: ( التحفة السنية في تهذيب شرح العقيدة الطحاوية، بذيله: القول المفيد في (اختصار كتاب التوحيد ) صنعه الدكتور / مروان إبراهيم القيسي .
زعم فيه المؤلف في مقدمة كتابه: أن كتاب شرح العقيدة الطحاوية بحاجة للخدمة، حتى تتيسر الإفادة منه بشكل أفضل، وأن في الكتاب ثغرات لا بد من سدها، قال المؤلف في بيان هذه الثغرات في ص 4، 5: (وبالإمكان الإشارة إلى الثغرات التي في الكتاب وإيجازها بما يلي: -
1 - أحاديث الكتاب غير محققة، وقد حوى الكتاب الضعيف منها، مع أن الغالبية العظمى من أحاديثه صحيح.
2 - تضمن الكتاب جدلًا كلاميًّا وفلسفيًّا، كان الإسلام والمسلمون وما يزالون في غنى عنه.
3- جاء الكتاب غير مرتب، فلم يأتِ الكلام في الله جل جلاله في باب واحد، وكذلك الكلام في الملائكة والرسل والقدر.. إلخ، مما يجعل الإفادة منه على الوجه الأكمل أمرًا صعبًا.
ثم يقول الدكتور: (فإذا أردنا الإفادة منه كما ينبغي، فلا بد من سدّ هذه الثغرات، وقد سدّ المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الثغرة الأولى، فقام بتخريج وتحقيق أحاديث الكتاب، فجزاه الله عن المسلمين خيرًا، وقد وفقني الله للقيام ببقية الواجب، وهو يسير جدًّا إذا ما قابلته بما قام به الشيخ الألباني فكان عملي على الوجه التالي:
1 - اختصار الكتاب وحذف المكرر منه أينما وجد ودون المسّ بمحتوى الكتاب ومعلوماته.
2 - حذف كل ما له صلة بالفلسفة وعلم الكلام ممَّا لا حاجة به.
3 - إعادة ترتيب الكتاب وفق جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل -عليه السلام- حين سأله عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره حديث متفق عليه.
انتهى كلام الدكتور.
أقول: وبعد التأمل والنظر في ما عمله في الكتابين، ألفيت الدكتور لم يحالفه التوفيق في تهذيبه لشرح العقيدة الطحاوية، وكذلك في اختصاره لكتاب التوحيد؛ وذلك أن اختصاره لهما اختصار مخل، يمسّ محتوى الكتابين ومعلوماتهما، بالإضافة إلى ما في هذا العمل من الملحوظات العلمية، والأخطاء العقائدية التي ينبغي التنبيه عليها، ولا يسعني السكوت عليها.
فرأيت أن من الواجب عليّ القيام ببيان ذلك على حسب علمي وفهمي، مع قصر الباع في ذلك صيانة لهذين الكتابين العظيمين / شرح العقيدة الطحاوية، وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب / رحم الله المؤلفين وغفر لهما وأسكنهما فسيح جناته / صيانة لهما من أن تمسهما يد التحريف أو التغيير أو التبديل أو المسخ، فهما كتابان عظيمان نفع الله بهما طلبة العلم في القديم والحديث، فلم يزل طلاب العلم ولا يزالون ينهلون من معينهما الصافي تعلما وتعليما ودراسة وتدريسا وتطبيقا، وعملا في المساجد والمدارس والجامعات، والحمد لله على ذلك.
وقد قمت: بدراسة هذا الكتاب، وقسمت هذه الدراسة إلى قسمين:
القسم الأول: حوار مع القيسي في تهذيبه لشرح العقيدة الطحاوية.
القسم الثاني: حوار مع القيسي في اختصاره لكتاب التوحيد وسميته:
(فتح رب العبيد في الرد على مختصر الطحاوية وكتاب التوحيد)
وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم ونافعًا لعباده المؤمنين مؤدِّيًا للغرض المقصود في الدفاع عن هذين الكتابين، وأستمد من الله العون والتوفيق والسداد، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
المؤلف(1/2)
القسم الأول
حوار مع القيسي في تهذيبه لشرح العقيدة الطحاوية
سبق أن الدكتور قال: إن عمله منحصر في ثلاثة أمور:
الأول: اختصار الكتاب وحذف المكرر منه.
الثاني: حذف كل ما له صلة بالفلسفة وعلم الكلام ممّا لا حاجة للأمة به.
الثالث: ترتيب الكتاب وفق جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل حين سأله عن الإيمان؛ لذا فإن الحوار مع الدكتور سيكون في الأمور التالية:
الأمر الأول: بيان كون الدكتور لم يوفق في اختصار الكتاب.
الأمر الثاني: بيان كون الدكتور لم يوفق في حذف ما زعمه مما له صلة بالفلسفة وعلم الكلام.
الأمر الثالث: بيان كون الدكتور لم يوفق في ترتيب الكتاب وفق جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- حين سأله جبريل عن الإيمان.
الأمر الرابع: تعقيبات على تهذيب الدكتور لشرح العقيدة الطحاوية، ببيان الملحوظات والأخطاء التي لحقت في تهذيبه، وقد جعلتها في أربعة أبواب وخاتمة.(1/3)
الباب الأول: في بيان كون الدكتور لم يوفق في اختصار الكتاب
زعم الدكتور في مقدمة كتابه أن من عمله الواجب الذي قام به خدمة لشرح العقيدة الطحاوية، حتى تتيسر الإفادة منه بشكل أفضل اختصار الكتاب وحذف المكرر منه أينما وجد، دون المس بمحتوى الكتاب ومعلوماته … كما سبق.
قلت: لم يوفق الدكتور في اختصاره للكتاب الاختصار الذي أخذه على نفسه وهو قوله: ( دون المسّ بمحتوى الكتاب ومعلوماته )، بل إن اختصاره مخل بالكتاب، يمس محتواه ومعلوماته، حيث إنه حذف معلومات كاملة من موضوعات الكتاب، وأنا أذكر هذه الموضوعات التي حذفها على حسب ترتيب الكتاب، مع بيان الصفحات وفق الطباعة الرابعة للمكتب الإسلامي للطباعة والنشر؛ وذلك لأمرين:
أحدهما: بيان أن هذا الموضوع محذوف عند الرجوع إليه.
الثاني: الفائدة المعجلة التي يأخذها القارئ من هذا الموضوع، والتذكير به أثناء قراءته وهي كالتالي:
1 - ص - 65 بيان أن علم أصول الدين أشرف العلوم وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع، وأن حاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة، وأن العقول يستحيل أن تستقل بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل.
2 - ص - 65 بيان مفتاح دعوة الرسل وزبدة رسالتهم وأنها معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، وأن على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها، ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان: أحدهما تعريف الطريق الموصل إليه، وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه. والثاني تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم المقيم.
3 - ص - 66 بيان أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- إيمانًا عامًّا مجملا، وأن معرفة ما جاء به على التفصيل فرض كفاية.
4 - ص - 68 بيان أن الله لا يقبل من الأولين دينا يدينون به إلا أن يكون موافقًا لدينه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم السلام.
5 - ص - 69 بيان أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بلغ البلاغ المبين، وأوضح الحجة للمستبصرين، وسلك سبيله خير القرون.
6 - ص - 69 بيان أنه كلما بعد العهد ظهرت البدع، وكثر التحريف الذي سماه أهله تأويلًا ليقبل، وقلّ من يهتدي إلى الفرق بين التحريف والتأويل.
7 - ص - 70 بيان أن التحريف والانحراف على مراتب، فقد يكون كفرًا، وقد يكون فسقًا، وقد يكون معصية، وقد يكون خطأ.
8 - ص - 70 بيان أن الله قد ختم المرسلين بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فجعله آخر الأنبياء وجعل كتابه مهيمنًا على ما بين يديه من كتب السماء، وأنزل عليه الكتاب والحكمة، وجعل دعوته عامة لجميع الثقلين الجن والإنس باقية إلى يوم القيامة، وانقطعت به حجة العباد على الله، وقد بين الله به كل شيء، وأكمل له ولأمته الدين خبرا وأمرا.
9 - ص 70 - 71 بيان أن التشابه بين المنافقين والمتكلمة والمتفلسفة والمتصوفة والمتملكة في الإعراض عن الشريعة، وادعائهم التوفيق والإحسان. فالمنافقون يزعمون التوفيق بينها وبين غيرها مما يتحاكمون إليه، والمتكلمة يزعمون التوفيق بين الدلائل النقليات والعقليات، والمتفلسفة والمتصوفة يزعمون التوفيق بين الشريعة والحقائق، والمتملكة يزعمون التوفيق بين الشريعة والسياسة.
10 - ص 72 - 73 النقول عن العلماء في ذم الكلام وأهله، عن أبي يوسف وعن الشافعي وأن أهل الكلام ليسوا من العلماء، ولا يدخلون في عدادهم، وأنه لو أوصى أحد لعلماء بلده، لم يدخل فيهم المتكلمون وأن أهل الكلام لا تدخل في عداد كتب العلم، والفرق بين كلام المتقدمين وأنه كثير البركة، وبين كلام المتأخرين وأنه قليل البركة.
11 - ص - 76 بيان أن نفاة الصفات أدخلوا نفي الصفات في مسمى التوحيد، زاعمين أن إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب، وأن هذا القول قد أفضى بقوم إلى القول بالحلول والاتحاد، وهو أقبح من كفر النصارى وما لهذا التوحيد من الفروع، من أن فرعون وقومه كاملو الإيمان، وأن عباد الأصنام على الحق والصواب، وأنه لا فرق في التحريم والتحليل بين الأم والأخت والأجنبية، ولا فرق بين الماء والخمر، والزنا والنكاح.
12 - ص - 87 بيان أن أظلم الظلم على الإطلاق الشرك، وأعدل العدل التوحيد.
13 - ص - 87 بيان أن توحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس، فمن لا يقدر على أن يخلق، يكون عاجزًا، والعاجز لا يصلح أن يكون إلهًا، قال تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وقال: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ .
14 - ص 92 بيان أن الله بيّن شهادته لنفسه بالتوحيد بطرق ثلاثة: السمع والبصر والعقل، أما السمع فبسمع آياته المتلوة المبينة لصفات كماله غاية البيان، وأما البصر فبالنظر لآياته العيانية الخلقية، والاستدلال بها، وأما العقل فإنه يجمع بين هذه وهذه، ويجزم بصحة ما جاءت به الرسل فتتفق شهادة السمع والبصر، والعقل والفطرة.
15 - ص - 96 بيان أن القرآن مملوء من الاستدلال بالله على أفعاله، وما يليق به أن يفعله، والاستدلال بأسمائه وصفاته على وحدانيته وعلى بطلان الشرك، وهذا الطريق طريق الخواص. وطريق الجمهور الاستدلال بالآيات المشاهدة؛ لأنها أسهل تناولا وأوسع.
16 - ص - 99 لفظ التشبيه في كلام الناس لفظ مجمل يراد به المعنى الصحيح، وهو ما نفاه القرآن، ودل عليه العقل، من أن خصائص الرب لا يوصف بها شيء من المخلوقات، ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته: ويراد به أنه لا يثبت لله شيء من الصفات وهذا باطل.
17 - ص - 114 بيان أن المتكلمين أدخلوا في أسماء الله تعالى القديم، وليس هو من الأسماء الحسنى، فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن هو: المتقدم على غيره. فيقال: هذا قديم للعتيق، وهذا حديث للجديد، ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره، لا فيما لم يسبقه عدم.
18 - ص - 115 بيان مذهب القدرية والمعتزلة في الإرادة، وأنها نوع واحد، وهي الدينية الشرعية، وبيان مذهب أهل السنة في الإرادة، وأنها نوعان: إرادة قدرية كونية خلقية، وإرادة دينية أمرية شرعية، والاستدلال لذلك.
19 - ص - 124 بيان أن هذين الاسمين: الحي القيوم، من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قيل: إنهما الاسم الأعظم، فإنهما يتضمنان (إثبات صفات الكمال أكمل تضمن وأصدقه، ويدل - القيوم - على معنى الأزلية والأبدية ما لا يدل عليه لفظ القديم، ويدل أيضًا على كونه موجودًا بنفسه، وهو معنى كونه واجب الوجود ).
20 - ص - 126 الموت صفة وجودية خلافا للفلاسفة ومن وافقهم، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ فيوصف بكونه مخلوقا، وفي الحديث يؤتى بالموت يوم القيامة على صورة كبش أملح يذبح بين الجنة والنار والموت وإن كان عرضًا فإن الله يقلبه عينا، كما ورد في العمل الصالح، وكما ورد في القرآن.
21 - ص - 132 مذهب المعتزلة والجهمية أن الله تعالى صار قادرا على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادرا عليه؛ لكونه صار الفعل والكلام ممكنا بعد أن كان ممتنعا، وأنه انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي، ومذهب ابن كلاب والأشعري أن الفعل صار ممكنًا له بعد أن كان ممتنعا منه، وأما الكلام عندهم فلا يدخل تحت المشيئة والقدرة بل هو شيء واحد لازم لذاته.
22 - ص - 165 - 166 إنكار رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- طعن في الرب تبارك وتعالى، ونسبة له إلى الظلم والسفه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، بل جحد للرب بالكلية وإنكار.
23 - ص - 217 توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما، توحيد المرسل - بكسر السين - وتوحيد متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
24 - ص - 221 التحذير من الكلام في أصول الدين وفي غيرها بغير علم، والاستدلال لذلك.
25 - ص - 260 الناس في الشفاعة على ثلاثة أقوال: المشركون والنصارى والمبتدعون يجعلون شفاعة من يعظمونه كالشفاعة المعروفة في الدنيا، والمعتزلة والخوارج أنكروا شفاعة نبينا وغيره في أهل الكبائر، وأهل السنة والجماعة يقرون بشفاعة نبينا وغيره في أهل الكبائر، لكن لا يشفع أحد حتى يأذن الله له، ويحد له حدًّا.
26 - ص 279 منشأ ضلال كل من الجبرية والقدرية من التسوية بين المشيئة والإرادة، وبين المحبة والرضا.
27 - ص - 304 لا يتم التوحيد والإقرار بالربوبية إلا بالإيمان بصفاته تعالى، فإن من زعم خالقًا غير الله فقد أشرك، فكيف بمن يزعم أن كل أحد يخلق فعله؛ ولهذا كانت القدرية مجوس هذه الأمة.
28 - ص - 309 العرش والكرسي والأدلة على ثبوتها.
29 - ص - 337 المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر، وأدلة الفريقين.
30 - ص - 355 باب التكفير وعدم التكفير باب عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وتشتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم، فالناس فيه - في جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة المخالفة للحق، الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر، أو المخالفة لذلك في اعتقادهم - على طرفين ووسط من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية.
31 - ص - 363 الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرًا ينقل عن الملة، وقد يكون كفرا أصغر، وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة.
32 - ص - 366 الرجاء إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله تعالى وشرعه وقدرته.
33 - ص - 371 الخوف المحمود الصادق، ما حال بين صاحبه وبين محارم الله، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط.
34 - ص - 398 الجهمية والمعطلة والمعتزلة والرافضة يقولون: الأخبار قسمان: متواتر وآحاد، فالمتواتر وإن كان قطعي السند، لكنه غير قطعي الدلالة، فإن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين؛ ولهذا قدحوا في دلالة القرآن على الصفات، والآحاد لا تفيد العلم، ولا يحتج بها من جهة سندها ولا من جهة متنها، فسدُّوا على القلوب معرفة الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة الرسول، وأحالوا الناس على قضايا وهمية ومقدمات خيالية سموها قواطع عقلية وبراهين يقينية، وهي في التحقيق كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا .
35 - ص - 399 طريق أهل السنة أن لا يعدلوا عن النص الصحيح، ولا يعارضوه بمعقول، ولا قول فلان.
36 - ص - 399 خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا له يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة، وهو أحد مسمى المتواتر، ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع.
37 - ص - 404 يجتمع في المؤمن ولاية من وجه، وعداوة من وجه، كما قد يكون فيه كفر وإيمان وشرك وتوحيد وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان، وإن كان في هذا الأصل نزاع لفظي بين أهل السنة ونزاع معنوي بينهم وبين أهل البدع.
38 - ص - 408 الكتاب والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق، وهذا أكثر من معنى الصلاة والزكاة، فإن تلك إنما فسرتها السنة، والإيمان بين معناه الكتاب والسنة.
39 - ص - 413 في قوله تعالى: وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ من الفوائد: أن العبد لا يطمئن إلى نفسه، ولا يسكن إليها، فإن الشر كامن فيها لا يجيء إلا فيها، ولا يشغل بملام الناس وذمهم إذا أساءوا إليه، فإن ذلك من السيئات التي أصابته، وهي إنما أصابته بذنوبه، فيرجع عن الذنوب، ويستعيذ بالله من شر نفسه، وسيئات عمله، ويسأل الله أن يعينه على طاعته، فبذلك يحصل له كل خير ويندفع عنه كل شر.
40 - ص - 424 دلت نصوص الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة على أن ولي الأمر وإمام الصلاة والحاكم وأمير الحرب وعامل الصدقة ليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد، بل عليهم طاعته في ذلك، وترك رأيهم لرأيه، فإن مصلحة الجماعة والائتلاف ومفسدة الفرقة والاختلاف أعظم من أمر المسائل الجزئية.
41 - ص - 432 العبادة تتضمن كمال المحبة ونهايتها، وكمال الذل ونهايته، فمحبة رسل الله وأنبيائه من محبة الله، وإن كانت المحبة التي لله لا يستحقها غيره، فغير الله يحب في الله لا مع الله.
42 - ص 435 معتقد أهل السنة في المسح على الخفين سفرا وحضرا خلافا للرافضة التي تخالف هذه السنة المتواترة، والاستدلال لذلك، ومناقشة الرافضة والرد عليهم.
43 - ص - 437 معتقد أهل السنة في مضي الحج والجهاد مع ولي الأمر من المسلمين برا أو فاجرا إلى قيام الساعة، خلافا للرافضة الذين يشترطون العصمة في الأئمة، وقالوا: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج الرضي من آل محمد وينادى مناد من السماء: اتبعوه. والاستدلال لأهل السنة ومناقشة الرافضة والرد عليهم.
44 - ص - 438 معتقد أهل السنة في الإيمان بالكرام الكاتبين والحافظين من الملائكة والاستدلال لذلك.
45 - ص - 440 معتقد أهل السنة في الإيمان بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين، والاستدلال لذلك.
46 - ص - 524 مذهب السلف وسائر الأمة إثبات صفة الغضب والرضا والعداوة والولاية والحب والبغض، ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة، ومنع التأويل الذي يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله تعالى، كما يقولون مثل ذلك في السمع والبصر والكلام وسائر الصفات.
47 - ص - 532 أهل السنة يوالون الصحابة كلهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف لا بالهوى والتعصب، فإن ذلك كله من البغي الذي هو مجاوزة الحد.
48 - ص - 557 ابن عربي وأمثاله منافقون زنادقة اتحادية في الدرك الأسفل من النار، والمنافقون يعاملون معاملة المسلمين لإظهارهم الإسلام كما كان يظهره المنافقون في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويبطنون الكفر، وهو يعاملهم معاملة المسلمين ؛ لما يظهر منهم.
49 - ص - 575 الطائفة الملامية، هم الذين يفعلون ما يلامون عليه ويقولون: نحن متبعون في الباطن، ويقصدون إخفاء ما يحمدون عليه، عكس المرائين، ردوا باطلهم بباطل آخر.
50- ص - 576 الذين يتعبدون بالرياضيات والخلوات ويتركون الجمع والجماعات، هم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، قد طبع الله على قلوبهم، كما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من ترك ثلاث جمع تهاونا من غير عذر، طبع الله على قلبه .
51 - ص - 579 الأمور التي تتنازع فيها الأمة في الأصول والفروع إذا لم ترد إلى الله والرسول لم يتبين فيها الحق، بل يصير فيها المتنازعون على غير بينة من أمرهم.
52 - ص - 579 الناس إذا أخفي عليهم بعض ما بعث الله به الرسول -صلى الله عليه وسلم- إما عادلون وإما ظالمون، فالعادل منهم الذي يعمل بما وصل إليه من آثار الأنبياء ولا يظلم غيره، والظالم الذي يتعدى على غيره، وأكثرهم إنما يظلمون مع علمهم بأنهم يظلمون، كما قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
53 - ص - 584 جميع أهل البدع مختلفون في تأويل القرآن، مؤمنون ببعضه دون بعض، يقرون بما يوافق رأيهم من الآيات، وما يخالفه إما أن يتأولوه تأويلا يحرفون فيه الكلم عن مواضعه، وإما أن يقولوا: هذا متشابه لا يعلم أحد معناه، فيجحدوا ما أنزل الله من معانيه، وهو في معنى الكفر بذلك؛ لأن الإيمان باللفظ بلا معنى، هو من جنس إيمان أهل الكتاب كما قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا .
54 - ص - 495 سبب ضلال هذه الفرق وأمثالهم، عدولهم عن الصراط المستقيم الذي أمرنا الله تعالى باتباعه، فقال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فوحد لفظ "صراطه" و"سبيله" وجمع السبل المخالفة له.
55 - ص - 595 لفرق الضلال في الوحي طريقتان: طريقة التبديل وطريقة التجهيل، أما أهل التبديل فهم نوعان: أهل الوهم والتخيل، وأهل التحريف والتأويل.(1/4)
الباب الثاني: في بيان كون الدكتور لم يوفق في حذف ما زعمه مما له صلة بالفلسفة وعلم الكلام:
زعم الدكتور في مقدمة كتابه أن من عمله الواجب الذي قام به - خدمة لشرح العقيدة الطحاوية، حتى تتيسر الإفادة منه بشكل أفضل - حذف كل ما له صلة بالفلسفة وعلم الكلام، مما لا حاجة للأمة به، وقبل ذلك ادعى الدكتور أن من الثغرات التي في الكتاب، ولا بد من سدها هي: تضمن الكتاب جدلا كلاميا وفلسفيا، كان الإسلام والمسلمون وما يزالون في غنى عنه.
أقول: والناظر المتأمل في شرح العقيدة الطحاوية لا يجد فيه جدلا كلاميًّا وفلسفيًّا، ولكن قد يجد فيه بعض البحوث وبعض الأسئلة التي يوردها الشارح للرد على أهل البدع في الصفات أو في القدر، اضطره إلى ذلك إيراد أهل البدع لهذه الشبه، فيضطر للرد عليهم، وإن كان الخوض ابتداء في مثل ذلك غير مستحسن، وكان المسلمون الأوائل في عافية من ذلك، ومن هنا يظهر خطأ قول الدكتور "كان الإسلام والمسلمون وما يزالون في غنى عنه". فإن المسلمين في صدر هذه الأمة كانوا في غنى عنه، ولكن لما ظهرت البدع وأوردت الشبه، اضطر العلماء للرد عليهم وإبطال شبههم.
ومع ذلك فإننا لا نرى الدكتور حذف هذه الأسئلة، وهذه البحوث التي أوردها الشارح، التي قد يقال إن فيها جدالا ونقاشا مع أهل الباطل، بل إن الدكتور حذف سواها مما هو يفيد، وليس فيه جدلا، على أن جدال أهل الباطل الذي يقصد منه إظهار الحق، وإبطال الباطل، لا بأس به، بل هو مأمور به، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ .
وسوف أذكر بعض الأمثلة التي يتبين بها أن الدكتور لم يحذف من شرح العقيدة الطحاوية ما زعمه من الجدل الكلامي والفلسفي، وإن كان عذر الشارح واضحًا وهو الحاجة إلى رد الشبهة بعد أن تظهر وتنتشر.(1/5)
المثال الأول
أورد شارح الطحاوية في ص 129 فيما يتعلق بالصفات والذات سؤالا، فقال: "وكذلك مسألة الصفة، هل هي زائدة على الذات أم لا؟ لفظها مجمل، وكذلك لفظ الغير، فيه إجمال، فقد يراد به ما جاز مفارقته له؛ ولهذا كان أئمة السلف -رحمهم الله تعالى- لا يطلقون على صفات الله وكلامه أنه غيره ، ولا أنه ليس غيره، لأن إطلاق الإثبات قد يشعر أن ذلك مباين له، وإطلاق النفي قد يشعر بأنه هو هو، إذا كان لفظ الغير فيه إجمال، فلا يطلق إلا مع البيان والتفصيل، فإن أريد به أن هناك ذاتًا مجردة قائمة بنفسها، منفصلة عن الصفات الزائدة - فهذا غير صحيح، وإن أريد به أن الصفات الزائدة على الذات التي يفهم من معناها غير ما يفهم من معنى الصفة - فهذا حق.
ولكن ليس في الخارج ذات مجردة عن الصفات، بل الذات الموصوفة بصفات الكمال الثابتة لها لا تنفصل عنها، وعندما يفرض الذهن ذاتًا وصفة كلا على حدة ا هـ.
وقد أورد الدكتور هذا السؤال في ص 54 من كتابه فقال: صفات الله هل هي زائدة على الذات أم لا ؟ وهل صفات الله تعالى غير الله أم أنها هي نفسها سبحانه وتعالى؟ إن الجواب عن هذا السؤال لا يكون بالإثبات (نعم ) ولا يكون بالنفي ( لا ) والسبب الغموض الذي يسببه اللفظ المجمل (غير ) إلخ.(1/6)
المثال الثاني
أورد شارح الطحاوية في ص 131 فيما يتعلق بالاسم والمسمى شبهة فقال: "وكذلك قولهم: الاسم عين المسمى أو غيره، وطالما غلط كثير من الناس في ذلك، وجهلوا الصواب فيه: فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده، ونحو ذلك - فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت "الله" اسم عربي، و"الرحمن" اسم عربي، و"الرحيم" من أسماء الله تعالى، ونحو ذلك فالاسم ههنا هو المراد لا المسمى، ولا يقال غيره؛ لما في لفظ الغير من الإجمال: فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له، حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم - فهذا من أعظم الضلال والإلحاد في أسماء الله تعالى" ا هـ.
وقد أورد الدكتور هذه الشبهة من ص 55 فقال: اسم الله هل هو المسمى أم غيره ؟ إن هذه المسألة مشابهة للمسألة السابقة، فهل الاسم عين المسمى أم غيره؟ الحقيقة أن الاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه تارة أخرى. إلخ.(1/7)
المثال الثالث
أورد شارح الطحاوية في ص 239 - 240 فيما يتعلق بالحد تفصيلا، فقال مبينا ما في إطلاقه من الإجمال المشتمل على الحق والباطل " فيحتاج إلى بيان ذلك، وهو أن السلف متفقون على أن البشر لا يعلمون لله حدًّا، وأنهم لا يحدون شيئا من صفاته، قال أبو داود " كان سفيان وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة - لا يحدون ولا يشبهون ولا يمثلون، يروون الحديث ولا يقولون: كيف. وإذا سئلوا قالوا بالأثر... إلى قوله: وأما الحد بمعنى العلم والقول، وهو أن يحده العباد، فهذا متفق عليه بلا منازعة بين أهل السنة " ا هـ.
وقد أورد الدكتور هذا السؤال ص 62 - 63 من كتابه فقال: هل لله حد وهل هو في جهة من الجهات؟ إن الجواب على هذا السؤال لا يكون بنعم ولا بلا فكلا، الجوابين غلط، وعلى المسلم التفصيل بناء على المعنى المراد من السؤال، فإذا كان المراد ثابتًا بالكتاب والسنة أجبنا بنعم، وإن كان المعنى المراد غير ثابت بالقرآن والسنة أجبنا بالنفي - إلى قوله - للحد مَعْنَيان اثنان:
1 - يقال للحد على ما ينفصل به الشيء، ويتميز به عن غيره. إلخ.
2 - وأما الحد بمعنى العلم والقول، وهو أن يحده العباد، فهذا مستحيل على الله تعالى. إلخ.(1/8)
المثال الرابع
أورد شارح الطحاوية في ص 242 فيما يتعلق بالجهة تفصيلا، فقال مبينا ما في إطلاقه من الإجمال المشتمل على الحق والباطل. " وأما لفظ الجهة فقد يراد به ما هو معدوم، ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق، فإذا أريد الجهة أمر موجود غير الله تعالى كان مخلوقا، والله تعالى لا يحصره شيء ولا يحيط به شيء من المخلوقات، تعالى الله عن ذلك. وإن أريد بالجهة أمر عدمي، وهو ما فوق العالم، فليس هناك إلا الله وحده " ا هـ.
وقد أورد الدكتور هذا السؤال في ص 63 من كتابه فقال: هل الله تعالى في جهة ؟ إن لفظ الجهة قد يراد به ما هو مخلوق موجود، وقد يراد به ما هو غير موجود غير مخلوق.. إلخ.(1/9)
المثال الخامس
أورد شارح الطحاوية في ص 280 - 281 فيما يتعلق بالقضاء والقدر سؤالا فقال: " فإن قيل كيف يريد الله أمرا ولا يرضاه ولا يحبه؟ وكيف يشاؤه ويكونه؟ وكيف يجتمع إرادته له وبغضه وكراهيته؟ قيل هذا السؤال هو الذي افترق الناس لأجله فِرَقًا، وتباينت طرقهم وأقوالهم.
فاعلم أن المراد نوعان: مراد لنفسه، ومراد لغيره، فالمراد لنفسه مطلوب محبوب لذاته وما فيه من الخير، فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد، والمراد لغيره قد لا يكون مقصودا لما يريد، ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث قضائه وإيصاله إلى مراده، فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته، ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما، وهذا كالدواء الكريه إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتآكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه، بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب، وإن خفيت عليه عاقبته، فكيف ممن لا يخفى عليه خافية " ا هـ.
وقد أورد الدكتور هذا السؤال في ص 124 - 125 من كتابه فقال: " يبقى السؤال الذي لا بد له من جواب هو: كيف يريد الله أمرا ولا يرضاه ولا يحبه ؟ وكيف يشاؤه ويكونه؟وكيف يجمع بين إرادته له وبغضه وكراهيته؟ ثم أجاب عنه.(1/10)
المثال السادس
أورد شارح الطحاوية في ص 302 - 303 فيما يتعلق بالقدر سؤالا فقال: " وإذا قيل فيلزم أن يكون العبد قادرًا على تغيير علم الله؛ لأن الله علم أنه لا يفعل، فإذا قدر على الفعل قدر على تغيير علم الله؟ قيل هذه مغالطة، وذلك أن مجرد قدرته على الفعل لا تستلزم تغير العلم، وإنما يظن تغيير العلم إذا وقع الفعل، ولو وقع الفعل لكان المعلوم وقوعه، لا عدم وقوعه، فيمتنع أن يحصل وقوع الفعل مع علم الله بعدم وقوعه، بل إن وقع كان الله قد علم أنه يقع، وإن لم يقع كان الله علم أنه لا يقع، ونحن لا نعلم علم الله إلا بما يظهر، وعلم الله مطابق للواقع " ا هـ.
وقد أورد الدكتور هذا السؤال في ص 31 من كتابه فقال: " وهنا يبرز استفسار هو: إذا علم الله أن شخصًا ما لن كذا وكذا، فإذا تمكن هذا الشخص من فعل ذلك الشيء، فإنه يكون إذًا قادرا على تغيير علم الله، بمعنى أن علم الله لم يكن دقيقا؟ والجواب يكون على هذه الشبهة بما يلي:
1 - أن مجرد قدرة هذا الشخص على ذلك الفعل، لا تعني تغيير علم الله؛ لأن الفعل لم يقع، حتى لو كان الشخص قادرًا على إيقاعه، لكنه لم يوقعه فعلًا.
2 - لو وقع الفعل، لكان المعلوم عند الله وقوعه، لا عدم وقوعه.
3 - يستحيل وقوع الفعل مع علم الله بعدم وقوعه، ولكن إذا وقع كان الله عالما بأنه سيقع، وإذا لم يقع كان عالما بأنه لن يقع.
4 - نحن لا نعلم علم الله إلا بما يظهر لنا إلخ.(1/11)
المثال السابع
أورد شارح الطحاوية في ص 497 فيما يتعلق بالقدر شبهة فقال: " وهذه شبهة القوم التي مزقتهم، بل فرقتهم كل ممزق، وهي أنهم قالوا: كيف يستقيم الحكم على قولكم بأن الله يعذب المكلفين على ذنوبهم وهو خلقها فيهم ؟ فأين العدل في تعذيبهم على ما هو خالقه … وفاعله فيهم؟! وهذا السؤال لم يزل مطروحًا في العالم على ألسنة الناس، كل منهم يتكلم في جوابه بحسب علمه ومعرفته، وعنه تفرقت بهم الطرق.
فطائفة أخرجت أفعالهم عن قدرة الله تعالى، وطائفة أنكرت الحكم والتعليل، وسدت باب السؤال، وطائفة أثبتت كسبا لا يعقل جعلت الثواب والعقاب عليه، وطائفة التزمت لأجله وقوع مقدور بين قادرين، ومفعول بين فاعلين، وطائفة التزمت الجبر، وأن الله يعذبهم على ما لا يقدرون عليه، وهذا السؤال هو الذي أوجب التفرق والاختلاف.
والجواب الصحيح عنه أن يقال: إن ما يبتلى به العبد من الذنوب الوجودية، وإن كانت خلقًا لله تعالى، فهو عقوبة له على ذنوب قبلها، فالذنب يكسب الذنب، ومن عقاب السيئة السيئة بعدها " إلخ.
وقد أورد الدكتور هذه الشبهة في ص 133 من كتابه فقال: إذا كان الله هو الذي خلق المعاصي والذنوب، فأين العدل في تعذيبه خلقه؟ ثم أجاب عنه.(1/12)
المثال الثامن
أورد شارح الطحاوية في ص 287 فيما يتعلق بالقدر سؤالا، فقال: فإن قيل: " إذا كان الكفر بقضاء الله وقدره، ونحن مأمورون أن نرضى بقضاء الله وقدره فكيف ننكره ونكرهه ؟
فالجواب أن يقال:
أولا: نحن غير مأمورين بالرضا بكل ما يقضيه الله ويقدره، ولم يرد بذلك كتاب ولا سنة، بل من المقضي ما يرضى به، ومنه ما يسخط ويمقت، كما لا يرضى به العاصي لأقضيته سبحانه، بل من القضاء ما يسخط، كما أن من الأعيان المقضية ما يغضب عليه ويمقت ويلعن ويذم.
ويقال ثانيًا: هنا أمران: قضاء الله، وهو فعل قائم بذات الله تعالى، ومقضي، وهو المفعول المنفصل عنه، فالقضاء كله خير وعدل وحكمة، نرضى به كله. والمقضي قسمان: منه ما يرضى به، ومنه ما لا يرضى به ". إلخ.
وقد أورد الدكتور هذا السؤال في ص 142 من كتابه فقال: (إذا كان الكفر بقضاء الله وقدره، فكيف ننكره ونكرهه، ونحن مأمورون أن نرضى بقضاء الله؟ يمكن الجواب عن هذا التساؤل بواحدة مما يلي:
1- نحن غير مأمورين بالرضا بكل ما يقضيه الله ويقدره، ولم يرد بذلك كتاب ولا سنة، بل من المقضي ما يرضى به ومنه يسخط ويمقت، كما لا يرضى به القاضي لأقضيته وهو الله سبحانه، بل من القضاء ما يسخط، كما أن من الأعيان المقضية ما يغضب عليه ويمقت ويلعن ويذم... إلخ.
أقول: وبهذه الأمثلة يتبين أن ما أورده الشارح من الأسئلة والشبه ليس جدالا كلاميا، بل هي شبه باطلة للرد عليها، إحقاقًا للحق وإبطالًا للباطل، وتبعه الدكتور في إبقائها في كتابه ولم يحذفها كما وعد بأن يحذف كل ما له صلة بالفلسفة والجدل الكلامي.
وشارح الطحاوية -رحمه الله- نقل في شرحه عن أبي حامد الغزالي ذم العلماء، وتحريمهم لعلم الجدل والكلام بعد أن ذكر أقوال الناس فيه، فقال في ص 222 - 224: " ومن كلام أبي حامد الغزالي -رحمه الله- في كتابه الذي سماه " إحياء علوم الدين " وهو من أجل كتبه أو أجلها، " فإن قلت: فعلم الجدل والكلام مذموم كعلم النجوم، أو هو مباح أو مندوب إليه، فاعلم أن للناس في هذا غلوًا وإسرافًا في أطراف، فمن قائل: إنه بدعة وحرام، وإن العبد أن يلقى الله بكل ذنب سوى الشرك، خير له من أن يلقاه بالكلام )، إلى أن قال: (وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أئمة الحديث من السلف ).
وساق الألفاظ عن هؤلاء، قال: وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا، لا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات فيه. قالوا: ما سكت عنه الصحابة مع أنهم أعرف للحقائق، وأفصح بترتيب الألفاظ من غيرهم، إلا لما يتولد منه من الشر، إلى أن قال - بعد أن بين المختار عنده وأن فيه منفعة ومضرة - قال: ( فأما مضرته، فإيثاره الشبهات، وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم، وذلك مما يحصل بالابتداء ورجوعها بالدليل مشكوك فيه، ويختلف فيه الأشخاص، فهذا حرزه في اعتقاد الحق، وله ضرر في... تأكيد اعتقاد البدعة، وتثبيتها في صدورهم، بحيث تنبعث دواعيهم، ويشتد حرصهم على الإصرار عليه، ولكن هذا الضرر بواسطة التعصب الذي يثور من الجدل.
قال: وأما منفعته، فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه وهيئتها، فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخبيط والتضليل أكثر من الكشف والتعريف. إلى أن قال: فاسمع هذا ممن خبر الكلام. ثم قال بعد حقيقة الخبرة، وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين، وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخرى سوى نوع الكلام، وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود، ولعمري لا ينفك الكلام عن كشف وتعريف وإيضاح لبعض الأمور، ولكن على الندور " ا هـ.
قلت: هذا ما نقل الشارح عن الغزالي عن الجدل الكلامي، وإيضاح حكمه عند العلماء المحققين، فكيف يقال إن الشارح يضمن كتابه كلاميا وفلسفيا، وهو قد نقل عن العلماء ذم الجدل والكلام، فيتناقض مع نفسه !! اللهم ارزقنا العدل والإنصاف.(1/13)
الباب الثالث: في بيان كون الدكتور لم يوفق في ترتيب الكتاب وفق جواب:
النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل حين سأله عن الإيمان
زعم الدكتور في مقدمة كتابه أن من عمله الواجب الذي قام به خدمة لشرح العقيدة الطحاوية، حتى تتيسر الإفادة منه بشكل أفضل، ترتيب الكتاب وفق جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل حين سأله عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره .
أقول: بعد استعراض لما عمله الدكتور في تهذيبه لشرح الطحاوية، لم أجده وَفَّى بما أخذه على نفسه من ترتيب الكتاب، وفق جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل حين سأله عن الإيمان، وبيان ذلك كالتالي:
1 - بدأ الدكتور تهذيبه بالكلام عن مصادر العقيدة، ثم بالكلام على لزوم الجماعة والتحذير من الفرقة والاختلاف، ثم أتى ببحث موجز عن بعض الفرق الإسلامية وأسباب انحرافها، ثم بالكلام عن الإيمان بالله.
قلت: فالكلام على مصادر العقيدة لا بأس أن يكون مقدمة قبل الكلام على أصول الإيمان الستة، لكن الدكتور بعد هذه المقدمة لم يبدأ الكلام على الإيمان بالله، بل بدأ بالكلام على لزوم الجماعة والتحذير من الفرقة والاختلاف، قبل الكلام على الإيمان بالله، والذي يناسب الترتيب الذي أخذه الدكتور على نفسه هو أن يفتتح تهذيبه بعد المقدمة بالكلام على الإيمان بالله، ويؤخر الكلام على لزوم الجماعة، والتحذير من الفرقة والاختلاف بعد مبحث الإمامة في آخر مبحث الإيمان بالنبيين والمرسلين، أما إتيان الدكتور ببحث موجز عن بعض الفرق الإسلامية قبل مبحث الإيمان بالله، فلا مناسبة له، ولا ينبغي أن يقدم على مبحث الإيمان بالله.
2 - بعد كلام الدكتور على الإيمان بالله، الذي هو الأصل الأول، انتقل إلى مبحث الإيمان باليوم الآخر، الذي هو الأصل الخامس في جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل وكان على الدكتور أن يرتب كما ألزم بذلك نفسه، فينتقل بعد مبحث الإيمان بالله إلى مبحث الإيمان بالملائكة ثم إلى مبحث الإيمان بالكتب المنزلة، ثم إلى مبحث الإيمان بالرسل ثم إلى مبحث الإيمان باليوم الآخر، ثم إلى مبحث الإيمان بالقدر.
3 - قسم الدكتور تهذيبه إلى قسمين، وجعل كل قسم مباحث، فالقسم الأول جعل تحته العناوين التالية:
1 - مصادر العقيدة.
2- سبيلنا سبيل أهل السنة والجماعة
3- الله جل جلاله.
4 - اليوم الآخر.
5 - الملائكة.
6 - الكتب.
7 - النبيون
8 - القدر. أما القسم الثاني فجعل تحته العناوين التالية:
1 - الإسلام والإيمان والإحسان.
2 - المعاصي وتكفير المسلم.
3 - علاقة العبد بربه.
4 - الدعاء.
5 - الرسالة والولاية.
6 - السحر والعرافة والكهانة.
7 - الأمة الإسلامية ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
8 - أشراط الساعة.
أقول: أما القسم الأول، فواضح فيه أن الدكتور لم يرتبه وفق جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل كما أخذ ذلك على نفسه، حيث قدم اليوم الآخر على الملائكة والكتب والنبيين
وأما القسم الثاني، فإن العناوين التي تحته يمكن ضمها إلى مباحث أركان الإيمان الستة، التي أجاب عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- جبريل وبيان ذلك كالتالي:
1 - مبحث الإسلام والإحسان، بحث فيه الدكتور تعريف الإيمان، والعلاقة بينه وبين العمل، والفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان، وهذه المباحث تضم إلى الكلام على الأصل الأول، وهو الإيمان بالله.
2 - مبحث المعاصي وتكفير المسلم، بحث فيه الدكتور الكبائر والصغائر، وأسباب سقوط العقوبة في الآخرة. وهذه المباحث يمكن أن تضم إلى الكلام على الأصل السادس، وهو الإيمان باليوم الآخر.
3 - مبحث علاقة العبد بربه، بحث فيه الدكتور أهمية القلب وأمراض القلب وغذاء القلب ودواءه، والخوف والتوكل. وهذه المباحث يمكن أن تضم إلى الكلام على الأصل الأول، وهو الإيمان بالله.
4 - مبحث الدعاء، بحث فيه الدكتور أهمية الدعاء، وأثر الدعاء، وانتفاع الأموات بسعي الأحياء ودعائهم، وهذه المباحث يمكن أن تضم إلى الكلام على الأصل الأول، وهو الإيمان بالله.
5 - مبحث الرسالة والولاية، بحث فيه الدكتور الرسالة والنبوة، والمعجزة والكرامة. وهذه المباحث: جزء من الكلام على الأصل الرابع، وهو الإيمان بالرسل بل هي الأصل الرابع الذي عنون له في القسم الأول بعنوان النبيّون فلا أدري لماذا فصلها الدكتور هنا، ولم يجمع الكلام على الرسالة والنبوة، وما يتبعها من الكلام على الولاية والمعجزة والكرامة في موضع واحد، وفي مبحث واحد.
6 - مبحث السحر والعرافة والكهانة، وهذه المباحث يلحقها العلماء بمبحث النبوة والرسالة الذي هو الأصل الرابع، فلا أدري لماذا فصلها الدكتور وجعل لها مبحثًا خاصًا؛ وذلك لأن السحر والكهانة والعرافة تنافي النبوة والرسالة وتضادها، فلا يمكن أن تشتبه بها، وإن كان صاحبها قد يجري على يديه بعض خوارق العادة، فيشتبه على ضعفاء البصائر من الناس، ويلتبس عليهم النبي بالساحر والكاهن والعراف؛ بسبب ما يجريه الله على يديه من الخوارق؛ ولهذا ألحق العلماء هذه المباحث بمبحث النبوات.
7 - مبحث الأمة الإسلامية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، بحث فيه الدكتور، أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والصحابة والخلفاء الراشدين، والعشرة المبشرين بالجنة، وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين وهذه المباحث يمكن أن تضم إلى الكلام على الأصل الرابع، وهو الإيمان بالرسل
8 - مبحث أشراط الساعة، وهذا المبحث يمكن أن يضم إلى الكلام على الأصل الخامس، وهو الإيمان باليوم الآخر؛ لأن أشراط الساعة يليها اليوم الآخر.
أقول: هذا هو الترتيب الذي ينبغي على الدكتور أن يفعله، لكنه لم يفعل، فكيف يقول: إنه أعاد ترتيب الكتاب وفق جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل حين سأله عن الإيمان، والواقع أن هذا الترتيب عمل وترتيب خاص بالدكتور، وليس ترتيبًا لشرح العقيدة الطحاوية، على وفق جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل حين سأله عن الإيمان.(1/14)
الباب الرابع: تعقيبات على تهذيب الدكتور لشرح العقيدة الطحاوية:
بيان الملحوظات والأخطاء العلمية والعقدية في أثناء تهذيب الدكتور لشرح العقيدة الطحاوية.
لاحظت عليه الملحوظات والأخطاء التالية: الملحوظة الأولى التناقض:
قال الدكتور في ص4 من مقدمة كتابه، سطر 6 من أسفل " وبالإمكان الإشارة إلى الثغرات التي في الكتاب، وإيجازها بما يلي:
1- أحاديث الكتاب غير محققة، وقد حوى الكتاب الضعيف منها، مع أن الغالبية العظمى من أحاديثه صحيحة " ا هـ.
قلت: ثم يتناقض الدكتور مع نفسه، ويخبر أن هذه الثغرة مسدودة، فيقول في ص 5 من كتابه، سطر 4، 5، 6 " وقد سدّ المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الثغرة الأولى، فقام بتخريج وتحقيق أحاديث الكتاب " ا هـ.
أقول: وهكذا يقول الدكتور أن في الكتاب ثغرة، ثم يخبر أنها مسدودة، وقد نسي الدكتور أو تناسى أن الشيخ أحمد محمد شاكر قد سبق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بالقيام بتخريج وتحقيق أحاديث الكتاب، كما أن الشيخ شعيب الأرناؤوط قد قام بتخريج وتحقيق أحاديث الكتاب أيضًا.(1/15)
الملحوظة الثانية
عيب الكتاب بما ليس بعيب، وذلك في موضعين:
الموضع الأول: عيب الكتاب بأنه تضمن جدلا كلاميا وفلسفيا لا حاجة إليه، قال الدكتور في مقدمة كتابه ص 4، سطر 1، 2 من أسفل " 2 - تضمن الكتاب جدلا كلاميا وفلسفيا كان الإسلام والمسلمون في غنى عنه " ا هـ. قلت: والذي تضمنه الكتاب ليس جدلا كلاميا وفلسفيا لا حاجة إليه، بل الذي تضمنه الكتاب جدالًا لأهل البدع، لإظهار الحق ورد الباطل، والحاجة ماسة إلى ذلك؛ لأن المبطل إذا جادل بالباطل، فلا بد من رد باطله، قال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ .
الموضع الثاني: عيب الكتاب بأنه غير مرتب. قال الدكتور في مقدمة كتابه ص 5 سطر 1، 2، 3 " 3 - جاء الكتاب غير مرتب، فلم يأت الكلام في الله جل جلاله في باب واحد، وكذلك الكلام في الملائكة والرسل والقدر إلى آخره، مما يجعل الإفادة منه على الوجه الأكمل أمرًا صعبًا" ا هـ.
قلت: عذر الشارح في هذا أنه شرح لمتن الطحاوية، فهو يأخذ قطعة من المتن ثم يشرحها، فلا يمكن أن يرتب الكتاب وهو يشرح متنا معينًا، وقد أشار الشارح إلى أن الطحاوي لم يرتب ولم يجمع الكلام في الصفات وفي القدر في موضع واحد، وأن الأولى بترتيب كتاب أصول الدين هو ترتيب جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل حين سأله عن الإيمان، فقال شارح الطحاوية في ص 527 - 528: "
ولكن الشيخ -رحمه الله- لم يجمع الكلام في الصفات في المختصر في مكان واحد، وكذلك الكلام في القدر ونحو ذلك، ولم يعتن فيه بترتيب، وأحسن ما يرتب عليه أصول الدين ترتيب جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل حين سأله عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره الحديث. فيبدأ بالكلام على التوحيد والصفات وما يتعلق بذلك، ثم بالكلام على الملائكة ثم إلى آخره " ا هـ.(1/16)
الملحوظة الثالثة
زعم الدكتور وأمَله أن يتمكن الطلبة من الإفادة من مادة الكتاب كلها على الوجه المبتغى بعد اختصاره، اختصر الدكتور كتاب شرح الطحاوية كما ذكر من خمسمائة صفحة بالخط الصغير، إلى مائتين وعشر صفحات بالخط الكبير، حتى يتمكن من تدريسه للطلبة في أربعة أشهر، وهو يأمل من هذا أن يتمكن الطلبة من الإفادة من مادته كلها على الوجه المبتغى.
قال الدكتور في مقدمة كتابه ص 5، 6 " لقد قمت بتدريس شرح العقيدة الطحاوية خلال السنتين الأخيرتين لطلاب جامعة اليرموك، " الذين يدرسون الثقافة الإسلامية متطلبا جامعيًّا، ونظرًا لطبيعة الكتاب الصعبة، فلم يكن باستطاعتنا تدريسه كله في أربعة أشهر، وهي المدة المخصصة للمساق؛ ولذا فإننا نأمل الآن بعد اختصاره من خمسمائة صفحة بالخط الصغير إلى مائتين وعشر بالخط الكبير، أن يتمكن طلبتنا من الإفادة من مادته كلها على الوجه المبتغى، كما نأمل أن يجعل الله فيه النفع لطلبة كليات الدعوة وأصول الدين والشريعة وطلبة المعاهد الدينية في العالم الإسلامي ".
أقول: هكذا يأمل الدكتور أن تحصل الفائدة من تهذيبه للطلبة من مادته كلها على الوجه المبتغى، وهيهات وأنى ذلك، وقد حذف الكثير من مادة الكتاب، وإنما هذا من باب التمني الذي لا يمكن أن يحصل.(1/17)
الملحوظة الرابعة
الاكتفاء من تخريج - الشيخ الألباني - للأحاديث بذكر درجة الحديث، وجعل زيادة منه للتيسير على القارئ.
قال الدكتور في مقدمة كتابه ص 5 سطر 15، 16، 17: " وقد اعتمدت فيما يخص الأحاديث على تخريج الشيخ الألباني مع زيادة للتيسير على القارئ، بالاكتفاء بذكر درجة الحديث قوة وضعفًا، في نصّ نهاية الحديث نفسه فقط" ا هـ.
قلت: والدكتور يريد أنه يكتفي من تخريج الشيخ الألباني ببيان درجة الحديث فقط، كما هو واضح من صنيعه، وتسمية ذلك زيادة غير صحيحة، والذي ينبغي أن يقول: " وقد اعتمدت في تخريج الأحاديث على تخريج الشيخ الألباني إلا أنني أكتفي من ذلك بذكر درجة الحديث فقط ".(1/18)
الملحوظة الخامسة
تعريف كل من المتواتر والآحاد بتعريف قاصر.
عرّف الدكتور، كلا من المتواتر والآحاد بتعريف قاصر، لم يستوف فيه الشروط المعتبرة عند العلماء، فقال في ص 9 سطر 6 - 10: " والحديث بحسب عدد رواته نوعان:
1- متواتر: وهو الحديث الذي يرويه في كل طبقات الرواة جماعة يبلغون في الكثرة عددًا يستحيل معه عادة تواطؤهم على الكذب.
2- آحاد: وهو الحديث الذي بلغ نقلته حدًّا لا يشعر أن العدد قد دخل به في حد المتواتر في كل طبقة، مثل أن يكون نقلته واحدًا أو اثنين " اهـ.
قلت: تعريف الدكتور للمتواتر تعريف قاصر، فإن العلماء من المحدثين والأصوليين ذكروا للمتواتر شروطًا أربعة وهي:
1- عدد كثير بدون حصر.
2- أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.
3- أن يستوي طرفا الخبر ووسطه في هذه الصفة وكمال العدد.
4- أن يكون مستند انتهائهم الحس، وينضاف إلى ذلك إفادة العلم لسامعه.
قال الحافظ ابن حجر " فإذا جمع هذه الشروط الأربعة، وهي عدد كثير، أحالت العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب، رووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء، وكان مستند انتهائهم الحس، وانضاف إلى ذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه، فهذا هو التواتر " ا هـ.
وقال ابن قدامة وللمتواتر ثلاثة شروط: الأول أن يخبروا عن علم ضروري مستند إلى محسوس، إذ لو أخبرنا الجمّ الغفير عن حدوث العالم وعن صدق الأنبياء لم يحصل العلم بخبرهم أن يستوي طرفا الحديث ووسطه في هذه الصفة وفي كمال العدد؛ لأن خبر كل عصر يتصل بنفسه، فلا بد من وجود الشروط - إلى قوله - الشرط الثالث في العدد الذي يحصل به التواتر واختلف الناس فيه - إلى قوله - والصحيح أنه ليس له عدد محصور " ا هـ.
وكذلك تعريف الدكتور للآحاد تعريف قاصر، فقد بين العلماء أن الآحاد هو ما فقد شرطًا من شروط التواتر، كأن تكون طرقه محصورة بعدد معين بواحد أو اثنين أو بما فوق الاثنين، أو أن يفقد شرطًا من شروط المتواتر، قال الحافظ ابن حجر : " الخبر إما أن يكون له طرق بلا عدد معين أو مع حصر بما فوق الاثنين، أو بهما، أو بواحد، أما الأول المتواتر المفيد العلم اليقيني بشروطه، والثاني المشهور وهو المستفيض على رأي، والثالث العزيز وليس شرطًا للصحيح خلافا لمن زعمه، والرابع الغريب، وكلها سوى الأول آحاد " اهـ.
وقال ابن قدامة : "القسم الثاني: أخبار الآحاد وهي ما عدا التواتر " ا هـ.
وقال الطوفي : " الثاني الآحاد، وهو ما عدم شروط المتواتر أو بعضها " ا هـ.(1/19)
الملحوظة السادسة
الاستدلال على صلاحية أحاديث الآحاد مصدرا للعقيدة بقبول المرسل إليهم لخبر الآحاد من رسل النبي -صلى الله عليه وسلم-.
استدل الدكتور على أن أحاديث الآحاد تصلح مصدرًا للعقيدة، بأن المرسل إليهم رسل آحاد من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يردون خبرهم، فقال في ص 9 سطر 11: " أما القول أن أحاديث الآحاد لا تصلح مصدرا للعقيدة، فلا يصح للأسباب التالية:
1- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرسل رسله آحادا، ولم يكن المرسل إليهم يقولون: لا نقبله لأنه خبر واحد " ا هـ.
أقول: ليست الحجة في كون المرسل إليهم لا يقولون: لا نقبله؛ لأنه خبر واحد، وإنما الحجة في كون الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكتفي بإرسال الآحاد، ويقر المرسل إليهم على قبول خبره.(1/20)
الملحوظة السابعة
الاقتصار على الحكم بأن من يزعم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يبين المراد ببعض النصوص الخاصة بالعقيدة بأنه مفترٍ، مع أنه يحكم عليه بالردة أيضًا.
اقتصر الدكتور في الحكم على من يزعم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يبين المراد ببعض النصوص الخاصة بالعقيدة بأنه مفتر عليه، فقال في ص 10 سطر 1 - 3: "ثانيًا: هناك من يزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يبين المراد ببعض النصوص الخاصة بالعقيدة؛ لذا فإن هذه النصوص متشابهة أو مشكلة، وهذا زعم خطير، إذ أن من زعم أن الرسول لم يبلغ البلاغ المبين في أصول الدين، فقد افترى عليه " اهـ.
قلت: إن من زعم الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يبلغ البلاغ المبين في أصول الدين، فهو مفتَرٍ عليه، وهو أيضًا مرتد عن الإسلام، وليس في عداد المسلمين -والعياذ بالله-.(1/21)
الملحوظة الثامنة
زعمه وادعاؤه أن الفرق المبتدعة التي ظهرت في القرون الأولى قد باد معظمها وأنه لا وجود للمعتزلة ولا الجهمية
ادعى الدكتور أن الفرق المبتدعة التي ظهرت في القرون الأولى قد باد معظمها، وأنه لا وجود للمعتزلة ولا الجهمية وأن الفائدة من دراسة أفكار هذه الفرق شيئان، أحدهما: معرفة الأشياء بأضدادها، والثاني الاحتياط من اعتقاد ما اعتقدوه من دون قصد.
قال الدكتور: في حاشية ص 12 من كتابه: " ينبغي أن يلاحظ أن الفرق الإسلامية التي برزت إلى حيز الوجود في القرون الأولى، قد باد معظمها، فلا يصح تشبيه الإسلام بالأديان الأخرى التي انقسم أهلها على أنفسهم انقسامًا ما زال مستمرًا بازدياد إلى الآن، فأين المعتزلة ؟! وأين غيرهم؟! غير أن دراسة أفكار هذه الفرق، قد يكون لها بعض الفائدة من وجهين:
أ- من باب معرفة الأشياء بأضدادها، إذا بموازنتها مع اعتقاد أهل السنة والجماعة يتضح لنا صحة ودقة اعتقادنا، ومدى مطابقته للقرآن والسنة.
ب - من باب الاحتياط حتى لا نعتقد ما اعتقدوه دون قصد، فهو من باب:
عرفت الشر لا للشر
ولكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر
من الخير يقع فيه ا هـ.
أقول: هكذا زعم الدكتور أنه لا وجود للمعتزلة ولا الجهمية وأنه قد باد معظم الفرق، وأن الإسلام لم ينقسم أهله كما انقسم أهل الأديان الأخرى، وهذا الزعم غير صحيح، فإن هذه الفرق موجودة الآن، المعتزلة والجهمية والأشاعرة وغيرهم من الفرق موجودون في القديم والحديث، منتشرون في كثير من البلدان التي تنتسب إلى الإسلام، ومؤلفاتهم وكتبهم موجودة ومنتشرة، وهذا أمر معروف لدى طلبة العلم.
وقول الدكتور: إن الإسلام لم ينقسم أهله كما انقسم أهل الأديان الأخرى، غير صحيح؛ لأنه يعارض الأحاديث الصحيحة التي تدل على أن هذه الأمة تفترق في دينها، كما افترق أهل الأديان قبلهم في دينهم، بل إن هذه الأمة تزيد على اليهود والنصارى في الافتراق بفرقة واحدة.
ففي الحديث الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاثة وسبعين ملة - يعني الأهواء- كلها في النار، إلا واحدة، وهي الجماعة وفي رواية قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي .
وفي الحديث الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم-، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قلنا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي فبين -صلى الله عليه وسلم- أن عامة المختلفين هالكون من الجانبين، إلا أهل السنة والجماعة
وثبت في السنن الحديثُ الذي صححه الترمذي عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من يعش بعده يرى اختلافًا كثيرًا، وأوصى بلزوم سنته، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده.
فكيف يقول الدكتور: لا يصح تشبيه الإسلام بالأديان الأخرى التي انقسم أهلها على أنفسهم انقسامًا ما زال بازدياد إلى الآن.
أقول: بل إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن هذه الأمة تحذو حذو الأمم السابقة، وتتبع طريقتهم وسنتهم، كما في حديث أبي سعيد الذي أخرجه الشيخان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قال: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟! وفي حديث آخر: لتأخذن أمتي مأخذ القرون قبلها شبرًا بشبر وذراعا بذراع .
وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كتاب الإيمان وكتاب الرد على الجهمية وهو من علماء القرن السابع، وقد ألف ابن القيم -رحمه الله- كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية في غزو المعطلة والجهمية والنونية الشهيرة بالشافية الكافية في الرد على الجهمية وغيرهم من أهل البدع، وهو من علماء القرن الثامن، كما ألف الذهبي كتاب العلو في إثبات صفة العلو، والرد على المنكرين، وهو من علماء القرن الثامن، وقد وردت أسئلة من عمان في القضاء والقدر والاستواء على العرش صدرت من جهمي إلى العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة 1258هـ، فهو من علماء القرن الثالث عشر.
أبعد هذا يقول الدكتور: إن الفرق المبتدعة التي ظهرت في القرون الأولى قد باد معظمها، وأنه لا وجود للمعتزلة ولا الجهمية سبحان الله ما أعظم شأنه !(1/22)
الملحوظة التاسعة
ادعاء أن الجبرية يعتقدون أن الإنسان مسير.
ادعى الدكتور وقرر أن الجبرية يعتقدون أن الإنسان مسير، فقال في كتابه ص 13 سطر 6، 7: " الجبرية وضع أصول مذهبهم الجهم بن صفوان وقد غالى هؤلاء في إثبات القدر، واعتقدوا أن الإنسان مسير تمامًا لا اختيار له، ولا فعل له، بل كل شيء مفروض عليه من الله، وهذا غير صحيح؛ إذ لو صح ذلك لكان الله ظالمًا -تعالى الله عن ذلك- " ا هـ.
قلت: الجبرية لا يعتقدون أن الإنسان مسيّر، بل يعتقدون أن الإنسان مجبور على أفعاله، ولهذا سموا بالجبرية ويعتقدون أن أفعاله كلها اضطررية، كحركات المرتعش وحركات الأشجار، والفاعل هو الله، وإضافتها إلى الإنسان مجازًا.
قال شارح الطحاوية ص 493: "اختلف الناس في أفعال العباد الاختيارية، فزعمت الجبرية ورئيسهم الجهم بن صفوان السمرقندي أن التدبير في أفعال الخلق كلها لله تعالى، وكلها اضطرارية كحركات المرتعش، والعروق النابضة، وحركات الأشجار وإضافتها إلى الخلق مجازًا، وهي على حسب ما يضاف الشيء إلى محله، دون ما يضاف إلى محصلة. إلى قوله: " فالجبرية غلوا في إثبات القدر، فنفوا صنع العبد أصلًا " ا هـ.
قلت: أما كون الإنسان مسيَّرًا، فهذا حق يعتقده أهل الحق، فالله تعالى هو الذي يسير الإنسان، ولا ينافي ذلك أن يكون للعبد اختيار ومشيئة، لكن اختياره ومشيئته تابعة لمشيئة الله، قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فأخبر الله تعالى أنه هو الذي يسير العباد في البر والبحر. وقال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وقال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا فأخبر الله تعالى أن للعباد مشيئة تابعة لمشيئة الله تعالى، وقال تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ فلولا أن للعباد قدرة واختيار ومشيئة، لما أمرهم الله بالسير في الأرض، وقال تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وقال تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ فأثبت الله تعالى للعباد مشيئته.
وقول الدكتور في حكايته لمذهب الجبرية " واعتقدوا أن الإنسان مسير تماما لا اختيار له ولا فعل له ". جمع بين حق وباطل، فإن القول بأن الإنسان مسير حقٌّ، والقول بأنه لا اختيار له ولا فعل له باطلٌ، فإن أفعال العباد تصدر منهم وتنسب إليهم، فيكونون بها مطيعين وعصاة، والله تعالى خالق العباد وخالق أفعالهم كما قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ هذا الحق الذي يعتقده أهل السنة والجماعة.
قال شارح الطحاوية في ص 277: "والذي عليه أهل السنة والجماعة أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى خالق أفعال العباد، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ا هـ. وقال -رحمه الله- في ص 493: " وقال أهل الحق: أفعال العباد صاروا بها مطيعين وعصاة ، وهي مخلوقة لله تعالى، والحق سبحانه وتعالى منفرد بخلق المخلوقات، لا خالق لها سواه " ا هـ.
وقول الدكتور في رد الجبرية بعد أن بين أنهم يعتقدون أن كل شيء مفروض على الإنسان من الله، قال: وهذا غير صحيح، إذ لو صح ذلك لكان الله ظالما تعالى عن ذلك ".
أقول: وهذا التفسير للظلم من الدكتور يوافق قول القدرية القائلين: بأن كل ما كان من بني آدم ظلما وقبيحا، فإنه يكون من الله ظلما وقبيحا، وهذا فيه تمثيل لله بخلقه وقياس الخالق على المخلوق، والحق الذي عليه أهل السنة أن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، كأن ينقص أحدًا من حسناته، أو توضع عليه سيئات غيره، أو يعذب أحدا بغير ما اكتسب وبغير جرمه.
قال شارح الطحاوية -رحمه الله- في ص 507: " الذي دل عليه القرآن تنزيه نفسه عن ظلم العباد، يقتضي قولا وسطا بين قولي القدرية والجبرية فليس ما كان من بني آدم ظلما وقبيحا يكون منه ظلما وقبيحا، كما تقوله القدرية والمعتزلة ونحوهم، فإن ذلك تمثيل لله بخلقه، وقياس له عليهم! هو الرب الغني القادر، وهم العباد الفقراء المقهورون. إلى قوله في ص 508: " وأيضًا فإن قوله: فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا قد فسره السلف بأن الظلم: أن توضع عليه سيئات غيره، والهضم: أن ينقص من حسناته، كما قال تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ا هـ.
قلت: فتبين بهذا أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، ومنع منه ذي الحق من حقه، والله سبحانه حكمٌ عدل، لا يضع الشيء إلا في موضعه الذي يناسبه ويقتضيه العدل والحكمة والمصلحة، وهو سبحانه لا يفرق بين متماثلين، ولا يسوي بين مختلفين، ولا يعاقب إلا من يستحق العقوبة ويضعها موضعها؛ لما في ذلك من الحكمة، ولا يعاقب أهل البر والتقوى، والظلم ممكن، ولكن الله نزه نفسه عنه وحرمه على نفسه، وهذا هو الصواب الذي يدل عليه القرآن والسنة ولغة العرب.(1/23)
الملحوظة العاشرة
ادعاؤه أن الميثاق الذي أخذه الله من آدم وذريته قامت به الحجة على الناس.
ادعى الدكتور أن الميثاق الذي أخذه الله من آدم وذريته قامت به الحجة على الناس، فقال في تهذيبه في ص 16 سطر 12: "إن الميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته كافة، حجة على كل واحد من بني آدم " ا هـ.
قلت: الحجة إنما قامت على الناس ببعثه الرسل فهم الذين ذكروهم بأخذ الميثاق والإشهاد عليهم، فقامت بالرسل الحجة على الناس، كما قال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وأخذ الميثاق من آدم وذريته والإشهاد عليهم كان تقدمه لبعثة الرسل(1/24)
الملحوظة الحادية عشرة
الخلط في تقسيم التوحيد بين أقسام التوحيد.
قسم الدكتور في ص 16 من تهذيبه التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، فقال: " مراتب التوحيد وأقسامه:
1- توحيد الربوبية: وبيان أن الله وحده خالق كل شيء ومدبر كل شيء.
2- توحيد الإلهية: وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له.
3- توحيد الأسماء والصفات. " ا هـ.
قلت: والدكتور تبع شارح الطحاوية في تقسيمه للتوحيد إلى أقسامه الثلاثة في ص 76 ثم قسم الدكتور في ص 23 من تهذيبه توحيد الإلهية إلى قسمين: توحيد في الإثبات والمعرفة، وتوحيد في الطلب والقصد، فقال: " توحيد الإلهية نوعان:
1- توحيد في الإثبات والمعرفة، أو التوحيد العلمي الخبري، ومعناه إثبات حقيقة ذات الرب تعالى، والإخبار عنه سبحانه وعن صفاته وأفعاله وأسمائه، كما أخبر عن نفسه، وكما أخبر رسول -صلى الله عليه وسلم- عنه، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع كل الإفصاح، كما في أول سورة ( الحديد، طه، الإخلاص، وأول الم تنزيل السجدة، وأول آل عمران، وآخر الحشر، قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .
2- توحيد الطلب والقصد، وهو التوحيد الإرادي الطلبي، وهو دعوة الله الناس إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع ما يعبد من دونه، مثل ما تضمنته سورة ( الكافرون ) و قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ آل عمران 64 وأول سورة ( يونس ) وأوسطها وآخرها، ومعظم سورة الأنعام" ا هـ.
أقول: وهذا خلط من الدكتور في تقسيمه للتوحيد، فإن التقسيم الثاني هو التقسيم الأول. إذ كل من التقسمين تقسيم التوحيد من حيث هو. فإن التقسيم الأول وهو تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذا التقسيم فيه فصل للأسماء والصفات عن الربوبية، لما دار حوله من الاختلاف، وأثير حوله من الشبه، وإلا فإنهما قسم واحد، وأما التقسيم الثاني ففيه جعل النوعين وهما الربوبية والأسماء والصفات قسمًا واحدًا، وهو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وهذا التقسيم يقابل التقسيم الثاني، وهو توحيد الطلب والقصد، الذي هو توحيد الإلهية، وقد التبس ذلك على الدكتور، وهو قد نقله من شرح العقيدة الطحاوية، لكنه تصرف فيه فجعل التقسيم الثاني لتوحيد الإلهية، وشارح الطحاوية لم يجعل التقسيم الثاني تقسيما لتوحيد الإلهية، بل تقسيما للتوحيد من حيث هو؛ ولهذا عنون له بقوله: أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وجعل التوحيد نوعين، وأدخل تحت النوع الأول توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، والنوع الثاني توحيد الإلوهية.
فتبين بهذا أن التقسيمين تقسيم للتوحيد من حيث هو، إلا أن التقسيم الأول باعتبار، والتقسيم الثاني باعتبار آخر، فالأول باعتبار الربوبية والصفات والإلوهية، والثاني باعتبار الإثبات والمعرفة والطلب والقصد.
وقد نقل شارح الطحاوية في ص 88 التقسيم الثاني من مدارج السالكين لابن القيم . قال ابن القيم " فصل: وأما التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه، فوراء ذلك كله، وهو نوعان: توحيد في الإثبات والمعرفة، وتوحيد في الطلب والقصد، فالأول: هو حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله، وعلوه فوق سماواته على عرشه، وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمه، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح، كما في أول سورة الحديد وسورة طه، وآخر سورة الحشر، وأول سورة تنزيل السجدة وأول سورة آل عمران، وسورة الإخلاص بكمالها وغير ذلك.
النوع الثاني: قيل ما تضمنته سورة قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وقوله: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الآية، وأول سورة تَنْزِيلُ الْكِتَابِ وآخرها، وأول سورة " يونس " ووسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام، وغالب سور القرآن، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوع التوحيد " ا هـ.
قلت: ولو تأمل الدكتور ما نقله من تفسير كل نوع من نوعي التوحيد لاتضح له أن كلا من التقسيمين تقسيم للتوحيد من حيث هو، والله الموفق لا إله إلا هو.(1/25)
الملحوظة الثانية عشرة
عدم التفريق بين ما يدخل في باب الإخبار عن الله، وما يدخل في باب أسمائه وصفاته، وإثبات صفات الله بغير توقيف من الشارع. خلط الدكتور بين ما يجري خبرًا عن الرب، وما يجري صفة للرب تعالى، فلم يميز ما يدخل في باب الإخبار عن الله، وبين ما يدخل في باب أسمائه وصفاته، فأدخل في صفات الله البقاء والوجود والقدم، فقال في تهذيبه ص 33 سطر 14 - 15: " ومن صفاته سبحانه البقاء، الوجود، الوحدانية، القدرة الإرادة، العلم، الحياة، السمع، البصر، الكلام، مخالفته تعالى للمخلوقات " ا هـ.
وقال في ص 32 سطر 11: " وعلى الرغم من أن القدم من صفات الله، إلا أن القديم ليس من أسماء الله تعالى، فهو الأول لا القديم " ا هـ.
وقال في ص 21 سطر 4 - 6 من أسفل: " فأما صفات الذات فهي التي لا تنفك عن الله سبحانه كالنفس والعلم والحياة والقدرة والسمع والبصر والوجه والكلام، والقيوم والملك والعظمة والكبرياء، والعلو والغنى والرحمة، فهذا النوع من الصفات يشمل الصفات الملازمة لذات الله عز وجل لا تنفك عنه سبحانه وتعالى" اهـ.
قلت: هكذا أدخل الدكتور في صفات الله، البقاء والوجود، بل هذه مصطلحات الأشاعرة -كما في الجوهرة-، والقدم، ومخالفته للمخلوقات، وهذا غلط من الدكتور، فإن أسماء الله وصفاته توقيفية فلا يثبت لله اسم ولا صفة إلا بتوقيف من الشارع مما ورد في كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، بخلاف الإخبار عن الله، فإنه أوسع من ذلك، فلا يجب أن يكون توقيفيا، وما أثبته الدكتور من البقاء والوجود والقدم مما يخبر به عن الله ولا يطلق عليه في باب الأسماء والصفات.
قال ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد ج 1 ص 161 - 162 "ويجب أن يعلم هنا أمور أحدها: أن ما يدخل في باب الإخبار عنه أوسع مما يدخل في باب أسمائه، وصفاته كالشيء والموجود والقائم بنفسه، فإنه يخبر عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا. إلى قوله: السابع: أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي ، وما يطلق عليه من الإخبار، لا يجب أن يكون توقيفيًّا كالقديم والشيء والموجود، والقائم بنفسه. فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية، أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع " ا هـ.
قال شارح الطحاوية في 114 - 115: "وقد أدخل المتكلمون في أسماء اللهِ القديمَ، وليس هو من الأسماء الحسنى، فإن القديم في لغة العرب نزل بها القرآن، هو المتقدم على غيره، فيقال: هذا قديم، للعتيق، وهذا للجديد، ولم يستعملوا هذا الاسم في المتقدم على غيره، لا فيما لم يسبقه عدم. إلى قوله: "وأما إدخال القديم في أسماء الله تعالى، فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف، منهم ابن حزم ولا ريب أنه إذا كان مستعملا في نفس التقدم، فإن ما تقدم على الحوادث كلها، فهو أحق بالتقدم من غيره، لكن أسماء الله تعالى هي الأسماء الحسنى التي تدل على خصوص ما يمدح به، والتقدم في اللغة مطلق، لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، فلا يكون من الأسماء الحسنى، وجاء الشرع باسمه الأول، وهو أحسن من القديم؛ لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه، وتابع له، بخلاف القديم، والله تعالى له الأسماء الحسنى لا الحسنة " ا هـ.
قلت: وبهذا يتضح الفرق بين الأمرين، وهو المطلوب، ولله الحمد والمنة.(1/26)
الملحوظة الثالثة عشرة
اشتقاق أسماء وصفات لله تعالى بإطلاق مما ورد الإخبار عنه بالفعل المقيد أو بالإضافة المقيدة، فاشتُق من قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ صفة المكر لله. واشتق من قوله تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا صفة الكيد لله، واشتق من قوله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ صفة العداوة.
قال الدكتور في تهذيبه ص 8 - سطر 10 وما بعده: " ومما يوصف الله -عز وجل-:
1- الرضى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الفتح: 18.
2- الغضب: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ النساء: 93.
3- العداوة: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ البقرة: 98 إلى قوله.
4- المكر: قال تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ آل عمران: 54.
5- الكيد: قال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا الطارق: 15 - 16 " ا هـ.
وقال أيضًا في ص 51 سطر 1 - 2 من أسفل " ب - وأما صفات الفعل فهي ما يتعلق بمشيئة الله وقدرته، كالاستواء والنزول والعجب، والضحك والرضى والحب والكره، والسخط والفرح والغضب، والمكر والكيد والمقت، وهذه صفات أزلية " ا هـ.
قلت: وهذا غلط من الدكتور، فإنه إذا ورد الإخبار عن الله بالفعل المقيد أو الإضافة المقيدة، فلا يشتق منها أسماء أو صفات لله مطلقة، بل يطلق على الله منها الفعل المخصوص المعين أو الإضافة المخصوصة المعينة، قال ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد "الثالث: أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له منه اسم مطلق، كما غلط فيه بعض المتأخرين، فجعل من أسمائه الحسنى المضل الفاتن الماكر، تعالى الله عن قوله، فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة، فلا يجوز أن يسمى بأسمائها المطلقة والله أعلم " ا هـ.
قلت: ويضاف إلى كون هذه الصفات وردت بالفعل المقيد، أو بالإضافة المقيدة أن هذه الصفات: المكر، الكيد، العداوة، منقسمة إلى كمال ونقص، والصفة إذا انقسمت إلى كمال ونقص، لا يطلق على الله منها إلا كمالها فقط، وهو أن يقال مثلا: يمكر الله بمن مكر به، ويقال: يكيد الله من كاده، ويقال: الله عدو للكافرين
قال ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد ج 1 ص 161: " الثاني: أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص، لم تدخل بمطلقها في أسمائه، بل يطلق عليه منها كمالها، وهذا كالمريد والفاعل والصانع، فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه؛ ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق، بل هو الفعال لما يريد، فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة؛ ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلًا وخبرًا " ا هـ. .
قلت: وبهذا يتبين أن أسماء الله وصفاته توقيفية، ولا يشتق أسماء وصفات لله تعالى بإطلاق مما ورد بالتقييد بالفعل أو بالإضافة، والله الموفق.(1/27)
الملحوظة الرابعة عشرة
الخطأ في اسم علم من الأعلام ومن مشاهير الأسماء، أخطأ الدكتور في اسم علم من الأعلام، ومن مشاهير الأسماء وهو " سلم بن أحوز " أمير خراسان الذي قتل الجهم بن صفوان
قال الدكتور في تهذيبه ص 43 سطر 2 - 3 من أسفل: "وأخذ هذا المذهب عن الجعد الجهم بن صفوان فأظهر وناظر عليه، وإليه تنسب فرقة الجهمية فقتله مسلم بن أحوز أمير خراسان بها " ا هـ.
قلت: هكذا أثبته الدكتور في تهذيبه " مسلم " بالميم ثم السين ثم اللام ثم الميم والصواب أن اسمه " سلْم " بالسين المفتوحة أولًا، ثم اللام الساكنة، ثم الميم.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في كتابه البداية والنهاية ج9 ص 530 في ترجمة الجعد بن درهم قال: "وأخذ عن الجعد الجهمُ بن صفوان الخزري وقيل: الترمذي وقد أقام ببلخ وكان يصلي مع مقاتل بن سليمان في مسجده ويتناظران، حتى نفي إلى ترمذ ثم قتل الجهم بأصبهان وقيل: بمرو قتله نائبها سلْم بن أحوز -رحمه الله- وجزاه عن المسلمين خيرًا " ا هـ.
وقال خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام ج2 ص141 في ترجمة جهم بن صفوان قال: " جهم بن صفوان السمرقندي أبو محرز من موالي بني راسب رأس الجهمية قال الذهبي الضال المبتدع هلك في زمان صغار التابعين، وقد زرع شرًّا كثيرا، كان يقضي في عسكر الحارث بن سريج الخارج على أمراء خراسان فقبض عليه نصر بن سيار فطلب جهم استبقاءه، فقال نصر لا تقوم علينا مع اليمامة أكثر مما قمت: وأمر بقتله، فقتل " ا هـ.
وفي حاشية الكتاب رقم 1 ميزان الاعتدال 1: 197، والكامل لابن الأثير حوادث سنة 128، ولسان الميزان 2: 142، وخطط المقريزي 2: 349، 351 وهو فيه الترمذي والحور العين 255، وفيه: قتل بمرو قتله سلْم بن أحوز على شط نهر بلخ " ا هـ.
وقال الذهبي في كتابه: سير أعلام النبلاء ج 6 ص 26 - 27 في ترجمة جهم بن صفوان قال: " أبو محرز الراسي مولاهم السمرقندي الكاتب المتكلم، أس الضلالة ورأس الجهمية كان صاحب ذكاء وجدال، كتب للأمير شريح التميمي وكان ينكر الصفات، وينزه البارئ عنها بزعمه، ويقول بخلق القرآن، ويقول: إن الله في الأمكنة كلها، قال ابن حزم كان يخالف مقاتلًا في التنجيم، وكان يقول: الإيمان عقد بالقلب، وإن لفظ الكفر. قيل: إن سلم بن أحوز قتل الجهم لإنكاره أن الله كلم موسى " ا هـ.(1/28)
الملحوظة الخامسة عشرة
الركون إلى القدر في تقدير الأجل ومخالفة الأحاديث التي تحث على صلة الرحم، على أنها سبب في بسط الرزق، وتأخير الأجل.
جاء في تهذيب الدكتور عبارات تدل على الركون إلى القدر، في تقدير الأجل، والتهوين من شأن صلة الرحم التي جاءت الأحاديث بالحث عليها والدلالة على أنها سبب في بسط الرزق، وتأخير الأجل.
قال الدكتور في ص79 سطر 7 - 9: "فالله قدر العمر، وقدر سبب العمر تمامًا، كما قدر الرزق، وقدر سبب الرزق وهو السعي، فيجب أن لا يفهم من هذا، أن الأمر بيد الإنسان، إن أحب أن يطيل عمره، فإنه يصل رحمه فيطول عمره أكثر، مما قدر له " ا هـ.
أقول: تعبير الدكتور: ( فيجب أن لا يفهم من هذا أن الأمر بيد الإنسان، إن أحب أن يطيل عمره، فإنه يصل رحمه ) مخالف للأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرها، التي فيها التعبير بمن أحب أن يبسط له في الرزق، وينسأ له في الأثر فليصل رحمه.
والواجب على المسلم، خصوصًا طالب العلم أن يتأدب مع الأحاديث النبوية، فلا يخالف ألفاظها، ففي صحيح البخاري كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق أخرج البخاري بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه .
وفي كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم ج7 ص 72، أخرج بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ في أثره، فليصل رحمه وأخرج أيضًا بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من أحب أن يبسط له رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه ا هـ.
ورواه البخاري أيضًا في الأدب المفرد ص 31 باب صلة الرحم يزيد في العمر، روى بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه وروى بسنده أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه ورواه أيضًا في باب "من وصل رحمه أحبه الله " بسنده عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: من اتقى ربه، ووصل رحمه، نسئ في أجله، وثري ماله، وأحبه أهله ومن طريق أخرى عن ابن عمر -رضي الله عنه-: من اتقى ربه ووصل رحمه، أنسئ له في عمره، وثري ماله، وأحبه أهله .
ورواه مسلم أيضًا، باب صلة الرحم، وتحريم قطيعتها روى بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من سره أن يبسط عليه رزقه، أو ينسأ أثره، فليصل رحمه ومن طريق أخرى عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه .
قال الحافظ في الفتح ج10 ص416: : قوله ( ينسأ ) بضم أوله وسكون النون، بعدها مهملة، ثم همزة، أي يؤخر، قوله ( في أثره ) أي: في أجله، وسمي الأجل أثرًا؛ لأنه يتبع العمر " ا هـ.
وقال الحافظ في الفتح أيضًا ج10 ص415 - 416: ( وللترمذي وحسنه من وجه آخر عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: إن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر وعند أحمد بسند رجاله ثقات، عن عائشة -رضي الله عنه- مرفوعًا: صلة الرحم وحسن الجوار، وحسن الخلق، يعمران الديار، وتزيدان في الأعمار وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، والبزار وصححه الحاكم، من حديث علي -رضي الله عنه- نحو حديثي الباب، قال: وتدفع عنه ميتة السوء انتهى كلام الحافظ في الفتح.
قلت: وبهذا يتبين أن التعبير بمن أحب البسط في الرزق، والتأخير في الأجل، فليصل رحمه، تعبير نبوي، لا يجوز نفيه ولا مخالفته، والله الموفق للصواب.(1/29)
الملحوظة السادسة عشرة
جعله مسألة مأثورة تكلم فيها السلف والصحابة من البدع. بحث الدكتور مسألة: المفاضلة بين الملائكة والبشر وجعلها من البدع، وقال إنه لم يرد بها نص، ولم يتكلم فيها السلف والأئمة بعدهم.
قال الدكتور: في تهذيبه ص101 سطر 7 - 10 قال: " أما هذه المسألة، فلم يرد بها نص.
3 - هذه المسألة من البدع التي لم يتكلم فيها الصدر الأول من الأمة، ولا من بعدهم من الأئمة الأعلام، ولا يتوقف عليها أصل من أصول العقائد، ولا يتعلق بها من الأمور الدينية كبير من المقاصد، وقد توقف أبو حنيفة في الجواب عنها؛ ولذا فمن الأفضل السكوت عن الكلام فيها " ا هـ.
قلت: والدكتور في هذه المسألة قلّد شارح الطحاوية، وتبعه فيما ذهب إليه فيها، وأنه نقل عن الشيخ تاج الدين الفزاري في مصنف سماه: "الإشارة في البشارة"، في تفضيل البشر على الملك، قال في آخره: " اعلم أن هذه المسألة من بدع علم الكلام التي لم يتكلم فيها الصدر الأول من الأمة، ولا من بعدهم من أعلام الأئمة، ولا يتوقف عليها أصل من أصول العقائد، ولا يتعلق بها من الأمور الدينية كبير من المقاصد؛ ولهذا خلا عنها طائفة من مصنفات هذا الشأن، وامتنع من الكلام فيها جماعة من الأعيان، وكل متكلم فيها من علماء الظاهر بعلمه، لم يخل كلامه عن ضعف واضطراب " ا هـ.
قلت: والصواب في هذه المسألة ما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وهو: أن هذه المسألة ليست من البدع، وأنها مأثورة تكلم فيها السلف والصحابة وأن صالحي البشر أفضل من الملائكة ونصر شيخ الإسلام هذا القول واستدل له، ورد جميع الاعتراضات التي أوردت على أدلتهم.
قال -رحمه الله-: "وكنت أحسب أن القول فيها محدث، حتى رأيتها سلفية صحابية، فانبعثت الهمة إلى تحقيق القول منها، فقلنا حينئذ بما قاله السلف فروى أبو يعلى الموصلي في كتابه التفسير المشهور له عن عبد الله بن سلام وكان عالما بالكتاب الأول والكتاب الثاني، إذ كان كتابيًّا، وقد شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بحسن الخاتمة، ووصية معاذ عند موته، وأنه أحد العلماء الأربعة الذين يبتغي العلم عندهم، قال: ما خلق الله خلقًا أكرم عليه من محمد -صلى الله عليه وسلم-، الحديث عنه. قلت: ولا جبريل ولا ميكائيل ؟ قال: يا ابن أخي، أوتدري ما جبريل وميكائيل ؟ إنما جبريل وميكائيل خلق مسخر، مثل الشمس والقمر، وما خلق الله تعالى خلقا أكرم من محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وروى عبد الله في التفسير وغيره، عن معمر بن يزيد بن أسلم أنه قال: " يا ربنا جعلت لبني آدم الدنيا، يأكلون فيها ويشربون، فاجعل لنا الآخرة، فقال: وعزتي، لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان " ا هـ.
ثم ذكر أدلة أخرى لهذا القول، ورد الاعتراضات التي أوردت عليها، ثم قال -رحمه الله- : "وأقل ما في هذه الآثار أن السلف الأولين كانوا يتناقلون بينهم أن صالحي البشر أفضل من الملائكة من غير نكير منهم لذلك، ولم يخالف أحد في ذلك، إنما ظهر الخلاف بعد تشتت الأهواء بأهلها وتفرق الآراء، فقد كان ذلك كالمستقر عندهم " ا هـ.
قلت: وبهذا يتضح أن هذه المسألة ليست من البدع، كما قرره الدكتور في تهذيبه، تبعًا لشارح الطحاوية في تقريره أن هذه المسألة قليلة الثمرة، وأنها قريب مما لا يعني، و من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وأن الأدلة من الجانبين متكافئة؛ لذا فالسكوت عن الكلام في هذه المسألة نفيا وإثباتا أولى بل إن هذه المسألة مأثورة عن السلف والصحابة والله الموفق والمسدد.(1/30)
الملحوظة السابعة عشرة
الخَلْطُ بين صعقة البعث وصعقة تجلي الله للخلائق يوم القيامة. اشتبه على الدكتور صعقة تجلي الله للخلائق يوم القيامة بصعقة البعث حين ينفخ في الصور، ففهم من الحديث الوارد في صعقة الله للخلائق يوم القيامة أنه صعقة البعث.
قال الدكتور في تهذيبه ص114 سطر 15 - 20 ما نصّه: ( وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور ) متفق عليه والمقصود هنا الصعقة الثانية، وهي صعقة البعث، فموسى -عليه السلام- إن كان لم يصعق مع الخلق، فيكون قد جُوزي بصعقة يوم تجلى ربه للجبل فجعله دكًّا، فجعلت صعقة هذا التجلي عوضًا عن صعقة الخلق يوم القيامة " ا هـ.
قلت: قول الدكتور: " والمقصود بالصعقة هنا الصعقة الثانية، وهي صعقة البعث ". خلط من الدكتور بين صعقة البعث، وصعقة تجلي الله للخلائق في موقف القيامة، والصواب أن هذه صعقة في موقف القيامة لتجلي الله للخلائق إذا جاء لفصل القضاء، وليست صعقة البعث؛ لأن صعقة النفخ لا يستثنى فيها موسى -عليه الصلاة والسلام- بل البعث عام لجميع الناس، وأول من تنشق عنه الأرض هو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رواه مسلم.
ثم إن: آخر كلام الدكتور ينقض أوله، وبيان ذلك أنه قال في أول كلامه: (والمقصود بالصعقة هنا الصعقة الثانية، وهي صعقة البعث، ثم نقض ذلك في آخر كلامه، وجعلها صعقة يوم القيامة ). فقال: ( فجعلت صعقة هذا التجلي عوضًا عن صعقة الخلق يوم القيامة ). والذي ينسجم مع ما ذهب إليه أن يقول: فجعلت صعقة هذا التجلي عوضًا عن صعقة البعث يوم القيامة ).
قال: شارح الطحاوية ص466 - 467 بعد حديث: إن الناس يصعقون يوم القيامة قال: (وهذا صعق في موقف القيامة إذا جاء الله لفصل القضاء، وأشرقت الأرض بنوره، فحينئذ يصعق الخلائق كلهم ) ا هـ.
ثم بيّن الشارح ما وقع من الاشتباه على بعض الرواة، حيث أدخل حديث صعق البعث في حديث صعق التجلي، وكشف هذا الاشتباه، ثم قال -رحمه الله- في ص 468 سطر 7 - 11: (فإن الصعق يوم القيامة لتجلي الله لعباده إذا جاء لفصل القضاء، فموسى -عليه السلام- إن كان لم يصعق معهم، فيكون قد جوزي بصعقة يوم تجلى ربه للجبل فجعله دكًّا، فجعلت صعقة هذا التجلي عوضًا عن صعقة الخلائق لتجلي ربه يوم القيامة، فتأمل هذا المعنى ولا تهمله ) ا هـ.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الروح ص36 مبينًا أنه لا يصح حمل الحديث على صعقة النفخ في الصور، ورادًّا للاحتمال الذي أورده القرطبي وهو حمل الحديث على صعقة الموت عند النفخ في الصور، قال -رحمه الله-: ( قال أبو عبد الله القرطبي إن حُمل الحديث على صعقة الخلق يوم القيامة فلا إشكال، وإن حمل على صعقة الموت عند النفخ في الصور، فيكون ذكر يوم القيامة يراد به أوائله، فالمعنى: إذا نفخ في الصور نفخة كنت أول من يرفع رأسه، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور قلت: وحمل الحديث على هذا لا يصح؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- تردد: هل أفاق موسى قبله أم لم يصعق؟ بل جوزي بصعقة الطور.
فالمعنى: لا أدري أصعق أم لم يصعق. وقد قال في الحديث: فأكون أول من يفيق وهذا يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- يصعق فيمن يصعق، وأن التردد حصل في موسى هل صعق وأفاق قبله من صعقته، أم لم يصعق، ولو كان المراد به الصعقة الأولى وهي صعقة الموت، لكان -صلى الله عليه وسلم- قد جزم بموته، وتردد: هل مات موسى أم لم يمت، وهذا باطل لوجوه كثيرة، فعلم أنها صعقة فزع لا صعقة موت " ا هـ. كلام ابن القيم -رحمه الله-.
أقول: ويحسن في هذا المقام ذكر نوعي الصعق ووقت كل منهما، وسببه، فنقول الصعق نوعان:
أحدهما: صعقة البعث ووقته في الدنيا عند فنائها، وسببه النفخ في الصور، ونوعه موت، والدليل قوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ .
الثاني: صعقة التجلي، ووقته في موقف القيامة، وسببه تجلي الله للخلائق إذا جاء لفصل القضاء، ونوعه غشي، ودليله ما في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق الحديث.(1/31)
الملحوظة الثامنة عشرة
الاقتصار في التوسل المشروع على ثلاثة أنواع منه: اقتصر الدكتور في التوسل المشروع على ثلاثة أنواع منه، هي أسماء الله وصفاته، والعمل الصالح، ودعاء الحي على الحاضر. قال الدكتور في تهذيبه في ص 119 سطر 12 - 17: ( إن لفظ التوسل بالشخص أو بالشيء والتوجه به إلى الله، لفظ عام يجب فهم معناه جيدًا، وإلا وقعنا في المحظور، وقبل أن نستطرد علينا أن ننبه إلى أمر هام، هو أن القواعد التالية تحكم التوسل، فما كان في نطاقها فهو مسموح به، وإلا كان حرامًا، وهي:
1- التوسل بأسماء الله وصفاته.
2 - التوسل بالعمل الصالح للمتوسل نفسه.
3- التوسل بدعاء الرجل الصالح " ا هـ.
قلت: ويزاد على ذكره الدكتور من أنواع التوسل المشروع، أربعة أنواع أخرى.
أحدها: التوسل بالتوحيد، كقول السائل: اللهم إني أسألك بأن لك الحق أنت الله لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، وكقول السائل: اللهم إني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوي ج1 ص206 "فالسؤال كقول السائل لله: أسألك بأن لك الحمد أنت الله المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وأسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك " ا هـ.
الثاني: التوسل بالإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- ومحبته وطاعته واتباعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي ج1 ص 2 / 2 (نعم لو سأل الله بإيمانه بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، ومحبته له، وطاعته له واتباعه، لكان قد سأله بسبب عظيم، يقتضي إجابة الدعاء، بل بأعظم الأسباب والوسائل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أن شفاعته في الآخرة تنفع أهل التوحيد، لا أهل الشرك، وهي مستحقة لمن دعا له بالوسيلة، كما في الصحيح أنه قال: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى علي مرة، صلى الله عليه عشرًا، ثم سلوا الله ليَ الوسيلة، فإنها درجة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة، حلت له شفاعتي يوم القيامة وفي الصحيح أن أبا هريرة قال له: أي الناس أسعد بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه .
فبين -صلى الله عليه وسلم- أن أحق الناس بشفاعته يوم القيامة من كان أعظم توحيدا وإخلاصا؛ لأن التوحيد جماع الدين، والله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فهو سبحانه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فإذا شفّع محمدًا حدّ له ربه حدًّا، فيدخلهم الجنة، وذلك بحسب ما يقوم بقلوبهم من التوحيد والإيمان، وذكر -صلى الله عليه وسلم- أنه من سأل الله له الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة، فبيّن أن شفاعته تنال باتباعه بما جاء به من التوحيد والإيمان، وبالدعاء الذي سنّ لنا أن ندعو به ) ا هـ.
وقال أيضًا -رحمه الله- ج2 ص201: " وحينئذ فلفظ التوسل به -يعني بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين، ويراد به معنى ثالث لم ترد به السنة، فأما المعنيان الأولان الصحيحان باتفاق العلماء، فأحدهما هو أصل الإيمان به وبطاعته، والثاني دعاؤه وشفاعته كما تقدم. فهذان جائزان بإجماع المسلمين - إلى قوله - في ص202: "والثالث التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته، فهذا هو الذي لم يكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، لا في حياته، ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره " ا هـ.
قلت: ومن التوسل بالإيمان، قوله تعالى عن أولي الألباب: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ وقوله تعالى عن المتقين: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وقوله تعالى عن عباده المؤمنين: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ .
الثالث: التوسل بفقر الداعي وتضرعه، واعترافه بظلمه لنفسه، كما في قوله تعالى حكاية موسى -عليه السلام- أنه قال: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فتوسل بفقره وحاجته، وكما في الحديث الصحيح عند البخاري، في سؤال أبي بكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفرلي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم فإنه توسل باعترافه بظلمه لنفسه.
الرابع: التوسل بسبب وجود المسؤول، كقول السائل: " أسألك بأن لك الحمد، أنت الله المنان بديع السماوات والأرض ". فإن كونه محمودًا منانًا، بديع السماوات والأرض، يقتضي أن يمن على عبده السائل، وكونه محمودًا يوجب أن يفعل ما يحمد عليه، وحمد العبد له بسبب إجابة دعائه؛ ولهذا أمر المصلي أن يقول: " سمع الله لمن حمده "، أي: استجاب الله دعاء من حمده، فالسماع هنا بمعنى الإجابة والقبول، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع أي: لا يستجاب، ومنه قول الخليل في آخر دعائه: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ا هـ.كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- بتصرف يسير في أوله.(1/32)
الملحوظة التاسعة عشرة
التناقض في تقرير شمول الإرادة الكونية ثم تخصيصها وتقرير الإرادة الدينية للمحبة والرضا والغضب. قرر الدكتور أن الإرادة الكونية شاملة لجميع الموجودات، ثم خصصها بما ليس للإنسان فيه اختيار، كما قرر أن الإرادة الدينية متضمنة لمحبة الله ورضاه وغضبه.
قال الدكتور في تهذيبه في ص122 - 123: ( إرادة الله نوعان):
1- إرادة قدرية كونية خلقية (من الخلق )، وهي الإرادة الشاملة لجميع الموجودات، التي تتعلق بأمور ليس للإنسان فيها اختيار، كخلق السماوات والأرض، والموت والحياة، وأمور مثل طول الإنسان وعمره ورزقه وأجله، فهذه هي الإرادة الشاملة لكل حركة أو سكون في السماوات والأرض، وهذه هي التي نقصدها حينما نقول: ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
2- إرادة دينية أمرية شرعية، وتشمل مطالب الله من العباد، أوامره ونواهيه، وهذه هي المتضمنة لمحبة الله ورضاه أو غضبه، فهذه الإرادة تتضمن الأمور التي منح الله فيها الإنسان حرية الاختيار، فهي متعلقة بأوامر الله ونواهيه التي جاءت بها الكتب السماوية، فالله أراد من الإنسان الطاعة، ولم يرد منه المعصية وأراد معناها: ( طلب )، بخلاف (الإرادة الأولى، إذ معناها: ( خلق )، وهذه الإرادة بخلاف الإرادة الأولى، قد يخالفها الإنسان ويعصي الله فيها ). وقال الدكتور في ص24 من تهذيبه سطر 14: ( إن الله تعالى وإن كان يريد المعاصي قدرا، بمعنى الإرادة الكونية، أي خلقه للمعاصي، إلا أنه لا يحبها ولا يرضاها ولا يأمر بها ) إلخ. اهـ.
أقول: قول الدكتور عن الإرادة الكونية: ( وهي الإرادة الشاملة لجميع الموجودات التي تتعلق بأمور ليس للإنسان فيها اختيار ). كلام ينقض بعضه بعضًا، فإن قوله -صلى الله عليه وسلم-: ( الإرادة الشاملة لجميع الموجودات ) يشمل ما للإنسان فيه اختيار، وما ليس للإنسان فيه اختيار، وقوله: (التي تتعلق بأمور ليس للإنسان فيها اختيار )، ينقض قوله: ( الشاملة لجميع الموجودات ) ويخصها ببعض الموجودات، وهي الأمور التي ليس للإنسان فيها اختيار، كما أن قوله بعد ذلك: (فهذه هي الإرادة الشاملة لكل حركة أو سكون في السماوات والأرض) ينقض هذا التخصيص، ويعمم شمول الإرادة لجميع الموجودات.
والصواب الذي عليه أهل التحقيق من أهل السنة والجماعة أن الإرادة الكونية شاملة لجميع الموجودات، ما للإنسان فيه اختيار، وما ليس فيه اختيار، وأما الإرادة الدينية فإنها متضمنة لما يحبه الله ويرضاه. قال شارح العقيدة الطحاوية ص116 : (والمحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة كونية خلقية، وإرادة دينية شرعية، فالإرادة الشرعية هي المتضمنة للمحبة والرضا، والكونية هي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات ) ا هـ.
وقول الدكتور: (إن الإرادة الكونية معناها الخلق، فأراد بمعنى خلق )، وقوله: (إن الله تعالى وإن كان يريد المعاصي قدرًا (بمعنى الإرادة الكونية، أي خلقه للمعاصي)، خلط منه بين مرتبتين، مراتب القضاء والقدر، وجعلهما مرتبة واحدة، وهذا خطأ، فإن مرتبة المشيئة والإرادة، غيرُ مرتبة الخلق والإيجاد؛ وذلك أن مراتب القدر، الأولى: علم الله بالأشياء قبل كونها، الثانية: كتابته لها، الثالثة: مشيئته لها، الرابعة: خلقه لها.
قال ابن القيم -رحمه الله- في شفاء العليل ص 29 الباب العاشر في مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بالقضاء والقدر، وهي أربع مراتب:
المرتبة الأولى: علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها.
المرتبة الثانية: كتابته لها قبل كونها.
المرتبة الثالثة: مشيئته لها.
الرابعة: خلقه لها.
فأما المرتبة الأولى: وهي العلم السابق، فقد اتفق عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم، واتفق عليه جميع الصحابة ومن تبعهم من الأمة، ثم قال عن المرتبة الثانية في ص39 ( وقد تقدم في أول الكتاب ما دل على ذلك من نصوص القرآن والسنة الصحيحة الصريحة).
ثم قال عن المرتبة الثالثة في ص 43 (وهذه المرتبة قد دل عليها إجماع الرسل من أولهم إلى آخرهم جميع الكتب المنزلة من عند الله، والفطرة التي فطر الله عليها خلقه، وأدلة العقول والعيان). ثم قال عن المرتبة الرابعة في ص 49:(وهذا أمر متفق عليه بين الرسل -صلى الله تعالى عليهم وسلم- وعليه اتفقت الكتب الإلهية والفطر والعقول والاعتبار ) ا هـ.
وقول الدكتور: إن الإرادة الدينية هي المتضمنة لمحبة الله ورضاه أو غضبه غير صحيح، بل هي متضمنة للمحبة والرضا دون الغضب؛ لأن ما أراده الله من العبد دينًا وشرعًا فقد أحبه ورضيه، سواء تعلقت الإرادة الكونية بالفعل أو بالترك، فالله تعالى أحب من العباد فعل الأوامر، وأحب منهم ترك النواهي، وليست الإرادة الدينية متضمنة لغضب الله كما ذكر الدكتور، وليست الإرادة معناها الطلب كما قال الدكتور (وأراد هنا معناها طلب)، بل إنها أمر شرعي متضمن للمحبة والرضا، وهذا قدر زائد على الطلب.
قال ابن القيم -رحمه الله- في شفاء العليل مبينًا الفرق بين الإرادتين، ومتعلق كل منهما قال: (فصل: وههنا أمر يجب التنبيه عليه، وبمعرفته تزول إشكالات كثيرة تعرض لمن لم يحط علمًا، وهو أن الله سبحانه له الخلق والأمر، وأمره سبحانه نوعان: أمر كوني قدري، وأمر ديني شرعي، فمشيئته سبحانه متعلقة بخلقه وأمره الكوني، وكذلك تتعلق بما يحب وبما يكره، كله داخل تحت مشيئته، كما خلق إبليس وهو يبغضه، وخلق الشياطين والكفار، والأعيان والأفعال المسخوطة له، وهو يبغضها، فمشيئته سبحانه شاملة لذلك كله.
وأما محبته ورضاه فمتعلقة بأمره الديني وشرعه الذي شرعه على ألسنة رسله، فما وجد منه تعلقت به المحبة والمشيئة جميعًا، فهو محبوب للرب واقع بمشيئته، كطاعات الملائكة والأنبياء والمؤمنين وما لم يوجد منه تعلقت به محبته وأمره الديني، ولم تتعلق به مشيئته، وما وجد من الكفر والفسوق والمعاصي تعلقت به مشيئته، ولم تتعلق به محبته ولا رضاه ولا أمره الديني، وما لم يوجد فيها لم تتعلق به مشيئته ولا محبته، فلفظ المشيئة كوني، ولفظ المحبة ديني شرعي، ولفظ الإرادة ينقسم إلى إرادة كونية، فتكون هي المشيئة، وإرادة دينية فتكون هي المحبة) ا هـ.
قلت: وما ذكره العلامة ابن القيم -رحمه الله- هنا في الفرق بين الإرادتين ومتعلق كل منها كلام جيد رصين، يزول به اللبس وينجلي به الغبش، ولله الحمد والمنة على ما ألهم وعلم.(1/33)
الملحوظة العشرون
اعتقاد أن تسيير الله للإنسان ينافي اختيار العبد.
قرر الدكتور: أن مذهب الجبرية القائلين بأن أفعال العباد كلها اضطرارية، كحركات المرتعش ونبض العروق ونسبتها إليهم، إنما هو على سبيل المجاز هو معنى كون الإنسان مسيَّرًا.
قال الدكتور في تهذيبه ص 127 - سطر - 4 - 9، تحت عنوان: أفعال العباد: " هل الإنسان مسير أم مخير فيها ". لدينا فيما يلي ثلاثة أجوبة: الثالث منها هو الجواب الصحيح.
الرأي الأول: " ومفاده أن أفعال العباد كلها لله تعالى، ولا دخل للإنسان فيها، فهي كلها أفعال اضطرارية، لا إرادة للإنسان في أيٍّ منها، مثلها كمثل الحركات اللاإرادية في الإنسان، كحركات الإنسان الذي يرتعش، وكالعروق النابضة، ونسبة أفعال للإنسان إنما هو على سبيل المجاز لا الحقيقة، ومعنى هذا الرأي صراحة أن الإنسان مسير تمامًا، لا حق له في الاختيار، والجزاء في الآخرة غير مرتب، فعمل الإنسان ليس له دور في تقرير مصيره في الآخرة " ا هـ.
أقول: هذا المذهب الذي ذكره الدكتور هو مذهب الجبرية وقول الدكتور: ومعنى هذا الرأي صراحة أن الإنسان مسيَّر تمامًا غير صحيح، بل معنى هذا الرأي وهذا المذهب أن الإنسان مجبور على أفعاله، وليس له اختيار.
أما القول بأن الإنسان مسير فهو حق، وهو معتقد أهل السنة والجماعة فالله تعالى هو الذي يسير الإنسان في البر وفي البحر، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ولا ينافي ذلك أن يكون له مشيئة واختيار تابعة لمشيئة الله تعالى، كما قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وقال تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا فأثبت الله تعالى للعبد مشيئة وجعلها تابعة لمشيئة الله -عز وجل-.
فدلت هذه النصوص على أن الإنسان مسير ومخير، فهو مخير لكونه له مشيئة واختيار، وهو مسير لكون مشيئته تابعة لمشيئة الله تعالى.(1/34)
الملاحظة الحادية والعشرون
عدم التفريق بين (باء السببية) و (باء العوض والمقابلة) والخلط بينهما في الرد على الجبرية والمعتزلة
اشتبه على الدكتور في مناقشته للجبرية والمعتزلة الفرق بين (باء السببية) و (باء العوض والمقابلة) ولم يفرق بين (الباء) التي في النفي، و (الباء) التي في الإثبات.
قال الدكتور في تهذيبه ص128 سطر 9 - 12 في مناقشته للجبرية " أما المنفي في قوله -صلى الله عليه وسلم-: لن يدخل أحد الجنة بعمله فهو أن تكون الباء في ( بعمله ) للعوض، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الرجل إلى الجنة، فهذا المعنى هو المرفوض، إذ أن الإنسان يدخل الجنة برحمة الله وفضله، إلا أنه مستحق لدخول الجنة على ربه بعمله " ا هـ.
أقول: ( الباء ) في الحديث للعوض والمقابلة، ولكنه سلط عليه النفي فكان العوض منفيا وليس المنفي - كما فهم الدكتور - أن تكون الباء للعوض، بل المنفي هو باء العوض، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الجنة، كما ذهبت إليه المعتزلة فهذا المعنى هو المنفي، كما ذكر الدكتور، وليس المنفي كون الباء في الحديث للعوض.
وقول الدكتور: (إذ إن الإنسان يدخل الجنة برحمة الله وبفضله، لا أنه مستحق دخول الجنة على ربه بعمله) كلام حق لكن يضاف إليه أن دخول الجنة برحمة الله وفضله له سبب، وهو العمل الصالح، كما قال تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وبهذا تجتمع الأدلة وتتفق، ولله الحمد والمنة، وهو معتقد أهل الحق من أهل السنة والجماعة، كما أشار الدكتور إلى ذلك في أول مناقشته للجبرية، وأن الباء في قوله تعالى: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ باء السببية.
وفي مناقشة الدكتور للمعتزلة نفى أن يكون الجزاء مرتبًا على الأعمال، ونفى أن تكون الباء التي في الحديث: لن يدخل الجنة أحد بعمله للعوض، فقال في تهذيبه ص 129 سطر 10 - 13: (إن الجزاء غير مرتب على الأعمال فقط، وإنما ذلك برحمة الله وفضله، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: لن يدخل الجنة أحد بعمله فالباء في (بعمله)، ليست باء العوض، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الرجل إلى الجنة، والدليل على ذلك أنه عندما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل اهـ.
أقول: قول الدكتور (إن الجزاء غير مرتب على الأعمال فقط، وإنما ذلك برحمة الله وفضله)، إطلاق غير صحيح، بل الجزاء مرتب على العمل، لكن ترتب المسبب على السبب لا ترتب المعوّض على العوض، وعليه فالتقييد بقوله (فقط) لا وجه له، ولكن دخول الجنة برحمة الله وفضله.
وقول الدكتور: (كما سئل -صلى الله عليه وسلم-: لن يدخل الجنة أحد بعمله فالباء في (بعمله) ليست باء العوض، غير صحيح، بل الباء في ( بعمله ) للعوض، لكنها منفية (بلن) والمعنى لن يدخل الجنة أحد عوض عن عمله، بل دخول الجنة برحمة الله وفضله بسبب العمل الصالح، كما قال تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وقال: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بسبب عملكم.
قال شارح الطحاوية ص 495 سطر 16 - 24 (وأما ترتيب الجزاء على الأعمال، فقد ضلت فيها الجبرية والقدرية وهدى الله أهل السنة، وله الحمد والمنة، فإن الباء التي في النفي غير الباء التي في الإثبات، فالمنفي في قوله -صلى الله عليه وسلم-: لن يدخل الجنة أحد بعمله باء العوض، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الرجل إلى الجنة، كما زعمت المعتزلة أن العامل مستحق دخول الجنة على ربه بعمله، بل ذلك برحمة الله وفضله، (والباء) التي في قوله تعالى: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وغيرها (باء) السبب، أي: بسبب عملكم، والله تعالى خالق الأسباب والمسببات، فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته ) ا هـ.
وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره على قوله: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال: (ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة، نودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون، أي: بسبب أعمالكم، نالتكم الرحمة، فدخلتم الجنة وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم، وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: واعلموا أن أحدكم لن يدخله عمله الجنة. فقالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ا هـ.
وقال الحافظ ابن كثير أيضًا على قوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال: أي أعمالكم الصالحة كانت سببًا لشمول رحمة الله إياكم، فإنه لا يدخل أحدًا عمله الجنة، ولكن برحمة الله وفضله، وإنما الدرجات ينال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحات) ا هـ. .
وقال القرطبي في تفسيره الجامع لإحكام القرآن، على قوله تعالى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (أي: ورثتم منازلكم بعملكم ودخولكم إياها برحمة الله وفضله)، كما قال: "ذلك الفضل من الله"، وقال: "فسيدخلهم في رحمة منه وفضل". وفي صحيح مسلم لن يدخل أحد منكم عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل إلى قوله: (وبالجملة: فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمته، فإذا دخلوها بأعمالهم، فقد ورثوها برحمته، ودخلوها برحمته، إذ أعمالهم رحمة منه لهم وتفضل عليهم ) ا هـ.
قلت: وبهذه النقول عن العلماء يتضح ما سبق بيانه من الجمع بين الأدلة بالفرق بين باء السبب وباء العوض، والله الموفق والمسدد.(1/35)
الملحوظة الثانية والعشرون
إيراد شبهة لأهل البدع والشك والحيرة بصيغة سؤال مسلم به، والخطأ في الإجابة عنه.
أورد الدكتور في تهذيبه شبهة لأهل البدع والشك والحيرة بصيغة سؤال مسلم به، ثم أجاب عنه بجوابين، قال عن أحدهما: إنه محاولة للإجابة بغير الطريق الصحيح، وقال عن الثاني: إنه الجواب الصحيح. فقال في ص 133 - 136 تحت عنوان: ( القدر وعدل الله سبحانه وتعالى ) إذا كان الله هو الذي خلق المعاصي والذنوب، فأين العدل في تعذيبه خلقه؟ محاولين الإجابة عن هذا السؤال بغير الطريق الصحيح، شذّ بعض الناس فقالوا:
1 - إن الإنسان هو الذي يخلق أفعاله، لا الله سبحانه وتعالى، فليس هناك منه ظلم.
2 - ذهب آخرون إلى أنه ليس هناك جواب عن هذا السؤال والبحث فيه لا يجوز.
3 - وذهب آخرون إلى أن الله فعلا يعذب الناس على أمور يجبرهم عليها. والحقيقة أن هذه الأجوبة لا أساس لها من الصحة، والجواب الصحيح، ولفصل القول في المسألة السابقة أجوبة صحيحة هي:
1 ) أن الله يفعل ما يشاء، وهو على كل شيء قدير، وهو على الظلم قدير، فالظلم ليس خارجًا عن قدرة الله، لكن الذي دل عليه القرآن تنزيه الله نفسه عن الظلم... إلخ.
2 ) ليس ما كان من الناس ظلمًا وقبيحًا يكون من الله ظلمًا وقبيحًا، إذ لا يجوز تمثيل بخلقه وقياسه عليهم، إذ إن الله تعالى مهما فعل بعباده فلا يكون ظالما لهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم حديث صحيح... إلخ.
3 ) إن ما يبتلى به الإنسان من الذنوب، وإن كان الله خلقها، فهي عقوبة له على ذنوب قبلها، فالذنب يكسب الذنب، ومن عقاب السيئة بعدها... إلخ.
4 ) ولكن إذا كان امتلاء القلب بالإخلاص لله هو أساس الهدى، أفلا يكون منع الله بعض الناس منه ظلمًا؟ الجواب طبعًا بالنفي؛ لأن تصرف المالك في ملكه بما شاء ليس ظلما، وإنما هو العدل، لا يسأل عما يفعل، وإنما يكون الظلم بما يلي:
أ- أن يجزى الإنسان بغير عمله.
ب - أن توضع عليه سيئات غيره.
ت - أن يمنع من حقه، وأن ينقص من حسناته...... إلخ.
5 ) إن الله تعالى لا يوصف بإجبار العباد على أفعالهم... إلخ.
6 ) إن الهدى فضل من الله ومنة، وليس حقًّا للعباد على الله، فهو يتفضل على بعضهم، ولا يتفضل على بعض آخر... إلخ. ا هـ كلام الدكتور.
أقول: هذا السؤال والجواب الذي أورده الدكتور في تهذيبه يناقَش من وجوه:
أحدهما: أنه أورد هذه الشبه بصيغة سؤال، كأنها قضية مسلمة لا على أنها شبهة يوردها أهل البدع، كما أوردها شارح الطحاوية في ص 497 فقال: (وهذه شبهة أخرى من شبه القوم التي فرقتهم، بل مزقتهم كل ممزق، وهي أنهم قالوا: كيف يستقيم الحكم على قولكم: بأن الله يعذب المكلفين على ذنوبهم، وهو خلقها فيهم؟ فأين العدل في تعذيبهم على ما هو خالقه، وفاعله فيهم؟ ) ا هـ.
الوجه الثاني: قول الدكتور في الجواب الأول: محاولين الإجابة عن هذا السؤال بغير الطريق الصحيح تعبير غير سليم، إذ قد يقال له: لماذا تحاول الإجابة بغير الطريق الصحيح، بل حاول الإجابة بالجواب الصحيح، وقصد الدكتور أن يذكر ما أجيب به عن هذا السؤال من أهل الفرق الأخرى، لكن ينبغي أن يعبر بما يدل على المقصود، فيقول مثلا: أجيب عن هذا السؤال بأجوبة غير صحيحة، كما قال شارح الطحاوية ص 497 سطر 9: "وهذا السؤال لم يزل مطروقًا في العالم على ألسنة الناس، وكل منهم يتكلم في جوابه بحسب علمه ومعرفته، وعنه تفرقت بهم الطرق " ا هـ.
الوجه الثالث: أن الجواب الثاني الذي أجاب به الدكتور عن الشبهة أو السؤال مكون من ست فقرات، خلط فيها الدكتور بين مذهب الجبرية ومذهب أهل السنة وبيان ذلك كما يلي:
1 ) الفقرة الأولى من الجواب وهي قوله: (إن الله يفعل ما يشاء، وهو على كل شيء قدير) ينبغي أن يضاف إلى ذلك، أن الله يفعل ما يشاء، وفق ما تقتضيه حكمته ورحمته لا مجرد مشيئته، كما يقول الجبرية وقول الدكتور: (وهو على الظلم قدير، فالظلم ليس خارجًا عن قدرة الله، لكن الذي دل عليه القرآن تنزيه الله نفسه عن الظلم) هذا كلام حق، وهو معتقد أهل الحق، خلافًا للجبرية القائلين: غير مقدور لله؛ لأنه عبارة عن المحال لذاته الذي لا يمكن وجوده، كالجمع بين الضدين.
2 ) الفقرة الثانية من الجواب وهي: (ليس ما كان من الناس ظلما وقبيحا يكون من الناس ظلما وقبيحا، إذ لا يجوز تمثيل الله بخلقه وقياسه عليهم). فيه رد على القدرية والمعتزلة القائلين بأن ما كان من بني آدم ظلما وقبيحا يكون من الله ظلما وقبيحا، فإنهم مثلوا الله بخلقه وقاسوه عليهم.
وقول الدكتور: (إذ إن الله تعالى مهما فعل بعبادة فلا يكون ظالمًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم. الحديث). ينبغي أن يقيد بأن الله مهما فعل بعباده لا يكون ظالما؛ لأنه سبحانه حكم عدل لا يضع الشيء إلا في موضعه الذي يناسبه، ويقتضيه العدل والحكمة والمصلحة، ولا يعاقب إلا من يستحق العقوبة، ويضعها في موضعها لما له في ذلك من الحكمة، ولا يعاقب أهل البر والتقوى، وليس ذلك لأن كل ممكن فليس بظلم كما تقوله الجبرية حتى لو عذب رسله وأنبياءه وأولياءه أبد الآبدين، وأبطل جميع حسناتهم وحمّلهم أوزار غيرهم، وعاقبهم عليها، لكان ذلك عدلًا مَحْضًا، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وأما استلال الدكتور بالحديث: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم الحديث. ) فإنه استدلال بما استدلت به الجبرية، فهم يقولون: لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم؛ لأنه يفعل بمشيئته وقدرته، بدون حكمته، ويتصرف في ملكه بما يشاء، والظلم منه سبحانه ممتنع لا يتصور وجوده؛ لأن الظلم (إما التصرف في ملك الغير بغير إذنه، وإما مخالفة الآمر)، وكلاهما في حق الله تعالى محال، ولو تصور وجوده وقدر وجوده فهو عدل، كائنًا ما كان. فلو عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم، وهذا قول جهم ومن اتبعه.
وأما: أهل الحق فيقولون: معنى الحديث: لو أن الله حاسب عباده على نعمه الماضية، وعلى أعمالهم الصالحة لوجدهم مدينين له، فإذا ما عذبهم على ذلك عذبهم وهو غير ظالم لهم، فلو وضع عدله على أهل سماواته وأرضه، لعذبهم بعدله، ولم يكن ظالمًا، لكنه سبحانه لم يفعل ذلك، ولم يحاسبهم، بل بدأ بعهد آخر، فجعل الطاعات بدءًا لنعم جديدة.
3 ) الفقرة الثالثة من الجواب، وهي قوله: (أن ما يبتلى به الإنسان من الذنوب وإن كان الله خلقها، فهي عقوبة له على ذنوب قبلها) هذا كلام حق، فإن الذنوب كالأمراض التي يورث بعضها بعضًا، فإن سبحانه خلق الإنسان لعبادته وحده لا شريك له، وفطره على محبته وتأليهه والإنابة إليه، كما قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا فإذا لم يفعل ما خلق له، وفطر عليه من محبة الله وعبوديته والإنابة إليه، عوقب على ذلك بتزيين الشيطان له الشرك والمعاصي، ثم يعاقب على الذنب بذنب آخر، فالذنب يكسب الذنب، ومن عقاب السيئة السيئة بعدها.
4 ) الفقرة الرابعة من الجواب، وهي قوله: (ولكن إذا كان امتلاء القلب بالإخلاص لله هو أساس الهدى، أفلا يكون منع الله بعض الناس منه ظلمًا؟ الجواب طبعا بالنفي؛ لأن تصرف المالك في ملكه بما يشاء ليس ظلمًا، وإنما هو العدل، لا يسأل عما يفعل) إلخ. هذه الفقرة من الجواب هي سؤال وجواب، ثم إن قول الدكتور: (لأن تصرف المالك في ملكه بما يشاء ليس ظلمًا، وإنما هو العدل لا يسأل عما يفعل) استدلال بما استدل به الجبرية كما سبق من أن الظلم، التصرف في ملك الغير بغير إذنه، أو مخالفة الآمر، وهذا باطل، فإن الرب حكيم يتصرف في ملكه بما يقتضيه العدل والحكمة والمصلحة.
والصواب: أن يقال في جواب هذا السؤال الذي أورده الدكتور هنا أن الله لا يكون ظالمًا بمنعهم من ذلك، وإنما يكون المانع ظالمًا إذا منع غيره حقا لذلك الغير عليه، وهذا هو الذي حرمه الرب على نفسه، وأوجب على نفسه خلافه، وإما منع غيره ما ليس بحق له لم يكن ظالمًا بمنعه، بل هو محض فضله ومنته عليه فمنع الحق ظلم، ومنع الفضل والإحسان عدل، وهو سبحانه العدل في منعه، كما هو المحسن المنان بعطائه.
5 ) الفقرة الخامسة من الجواب، وهي قوله: (إن الله تعالى لا يوصف بإجبار العباد على أفعالهم) إلخ. هذا كلام حق؛ لأن الله تعالى جعل العبد فاعلًا مختارًا، والعبد فاعل لفعله حقيقة وله قدرة حقيقية، قال تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ولهذا أنكر السلف الجبر، فإن الجبر لا يكون إلا من عاجز، والله تعالى لا يوصف بالإجبار بهذا الاعتبار.
6 ) الفقرة السادسة من الجواب، وهي قوله: (إن الهدى فضل من الله ومنة، وليس حقًّا للعباد على الله، فهو يتفضل على بعضهم، ولا يتفضل على بعضهم الآخر، وإن كان الأمر كذلك ألا يجب على الله المساواة بين الناس في الفضل؟ لقد تولى الله سبحانه وتعالى الجواب عن هذا السؤال بقوله: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ إلى قوله: ( ثم إنه ليس الحكمة أن يطلع كل البشر على كمال حكمة الله في إعطائه ومنعه إلخ ) ا هـ.
كلام حق نقله الدكتور من شرح الطحاوية ، وحاصله أن الله سبحانه لم يسوِّ بين عباده في الفضل، لكمال علمه وحكمته بالمحل الذي يصلح للفضل والمحل الذي لا يصلح ولا يليق بالحكمة وضعه فيه، فالأول يصلح لغرس شجرة النعمة فتثمر الشكر، والثاني لا يصلح لغرسها، فغرسها لا يليق بالحكمة، كما قال تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ وقال: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ وبهذه المناقشة لفقرات هذا الجواب يتميز مذهب أهل السنة من مذهب الجبرية وينجلي الحق من غبش الباطل، ولله الحمد والمنة. .(1/36)
الملحوظة الثالثة والعشرون
ضرب مثل لإرادة الله الشاملة وقدرته، وعدم المنافاة لقدرة العبد واختياره بإرادة الواحد من البشر إذا أذن لأحد في الفعل.
ضرب الدكتور مثلًا لإرادة الله الشاملة، وأنها لا تتنافى مع قدرة العبد واختياره بالمعلم إذا سمح لطلابه بخمس دقائق من المحاضرة يفعلون فيها ما يشاءون.
قال الدكتور في تهذيبه ص 136 سطر 8 - 9 (إن الله سبحانه هو الذي منح الاختيار للإنسان، ومنحه أيضًا القدرة على الفعل، وهذا لا يتنافى مع إرادة الله وقدرته، ولا يتعارض معها). ثم قال في الحاشية رقم 2: (إن هذا لا يتنافى مع كون إرادة الله هي الشاملة، ولنضرب مثلا لتقريب الفكرة: لو منح معلم طلابه خمس دقائق من المحاضرة، وقال لهم: افعلوا ما شئتم خلال الخمس الدقائق هذه، ففعل كل منهم ما يرغب، في هذه الحالة، فإن كثيرًا من أفعالهم قد لا يرضي المعلم، ولكن كل أفعالهم لم تخرج عن إرادته؛ لأنه هو الذي سمح لهم بذلك، والخمسة دقائق هنا تشبه بالنسبة للإنسان عمره وحياته، إذ منحه الله حرية الاختيار فيها ) ا هـ.
أقول: هذا المثل الذي ضربه الدكتور مثل خاطئ؛ لأنه قاس فيه الخالق على المخلوق مع الفارق العظيم والبون الشاسع، وكيف يقاس الخالق على المخلوق.
وإذا كانت المخلوقات تتفاوت تفاوتًا عظيمًا، فلا يقاس العرش على البعوضة لما بينهما من التفاوت العظيم، فالتفاوت الذي بين الخالق والمخلوق أعظم وأعظم، وكيف يضرب المثل لإرادة الله الشاملة لإرادة العبد وقدرته بإرادة المعلم إذا سمح لطلابه بخمس دقائق من المحاضرة يفعلون فيها ما يشاؤون؟! وكيف تشبّه إرادة الخالق بإرادة المخلوق وإرادة الله صفة من صفاته.
و صفات الرب لا تشبّه بصفات المخلوقين ولا يضرب لله المثال، قال تعالى: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وقال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وقال تعالى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا وقال تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فلا تقاس إرادة المعلم وقدرته ولا غيره من المخلوقين بإرادة الله تعالى وقدرته؛ لأن الله لا يشبهه أحد من المخلوقين، لا في ذاته ولا في صفاته، لما بين الخالق والمخلوق من الفرق العظيم:
1- فإن الله على كل شيء قدير، والمعلم وغيره من المخلوقين لا يقدرون على كل شيء.
2- إرادة الله الكونية لا يخرج عنها شيء من الأشياء، وإرادة المخلوق من المعلم وغيره يخرج عنها أشياء كثيرة.
3- الله تعالى خالق أفعال العباد وقدراتهم وإرادتهم، والمعلم وغيره مِن المخلوقين لا يخلق أفعال التلاميذ، ولا قدراتهم، ولا إرادتهم.
4- العباد لا يفعلون بقدرات وإرادات خارجة عن قدرة الله وإرادته. والتلاميذ يفعلون بقدرات وإرادة خارجة عن قدرة المعلم وإرادته.
5- الله تعالى علمه محيط بكل شيء، فهو يعلم ما يسره العبد ويعلنه، وهو عليم بذات الصدور، والمعلم لا يعلم ما يسره التلاميذ ويكنونه في صدورهم.
6- الله تعالى حكيم في خلقه وشرعه وقدره وأمره ونهيه، والمعلم وغيره من المخلوقين قد تفوته الحكمة في بعض أفعاله، وفي أوامره ونواهيه لتلاميذه وغيرهم، وكيف نشبّه خمس الدقائق التي يسمح فيها المعلّم لطلابه بفعل ما يشاؤون بعمر الإنسان وحياته، إنّ هذا ناشئ عن تحكيم العقل المجرد، وقياس الخالق على المخلوق.
قال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- في الفقه الأكبر: (وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويتكلم لا ككلامنا) ا هـ. .(1/37)
الملحوظة الرابعة والعشرون
الجمع بين آيتين من كتاب الله تعالى بوجهين من الجمع غير ظاهرين. جمع الدكتور بين قوله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وبين قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ بوجهين من الجمع غير ظاهرين، فقال في تهذيبه ص 139 - 140: (فكيف يمكن لنا الجمع بين قوله كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وبين قوله فَمِنْ نَفْسِكَ والجواب:
1- قوله تعالى: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الخصب والجدب، والنصر والهزيمة كلها من عند الله، وقوله: فَمِنْ نَفْسِكَ أي: ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك، عقوبة لك، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ .
2 - ليس صحيحًا القول: إن فعل العبد حسنة كان أو سيئة، فهو منه، لا من الله !! إذ يجب التفريق كما فرق القرآن بينهما (انظر الآيات الآنفة الذكر) فقد فرق سبحانه وتعالى في هذه الآيات بين الحسنات التي هي النعم، وبين السيئات التي هي المصائب، فجعل هذه من الله، وهذه من نفس الإنسان ) إلخ.
أقول: هذان الوجهان من الجمع بين الآيتين غير واضحين، والدكتور نقلهما من شرح الطحاوية، والشارح أتى بالثاني للرد على القدرية الذين يقولون: إن فعل العبد حسنة كان أو سيئة فهو منه، لا من الله. فرد عليهم بأن القرآن فرق بينهما في قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فجعل الحسنات من الله، وجعل السيئات من النفس، وهم لا يفرقون، وبأن القرآن جمع بينهما، فجعل الحسنات من عند الله، في قوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وهم لا يجمعون بينهما، بل يفرقون بين الحسنات والسيئات في الأعمال البدائية الأولى، وإنما يجمعون بينهما في الجزاء على الأعمال.
قال شارح الطحاوية ص411: (وليس للقدرية أن يحتجوا بقوله تعالى: فَمِنْ نَفْسِكَ فإنهم يقولون: إن فعل العبد - حسنة كان أو سيئة - فهو منه، لا من الله، والقرآن فرق بينهما، وهم لا يفرقون؛ ولأنه قال تعالى: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فجعل الحسنات من عند الله، كما جعل السيئات من عند الله، وهم لا يقولون بذلك في الأعمال بل في الجزاء ) ا هـ.
أما الوجه الأول فليس بظاهر، والصواب في الجمع بين الآيتين: أن معنى قوله تعالى: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قضاءً وخلقًا وإيجادًا وتقديرًا. ومعنى قوله: فَمِنْ نَفْسِكَ تسببًا وكسبا ومباشرة، فمن الرب الإيجاد والخلق والتقدير والقضاء والقدر، ومن العبد الكسب والتسبب والمباشرة.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- على هاتين الآيتين: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ أي: من فضل الله ومنّه ولطفه ورحمته وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ أي: فمن قِبَلك ومن عملك) ا هـ
وقال القرطبي -رحمه الله- في "الجامع لأحكام القرآن" على هاتين الآيتين: (قال الله تعالى: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي: الشدة والرخاء والظفر والهزيمة من عند الله، أي: بقضاء الله وقدره، وقوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ أي: أصابك يا محمد من خِصْبٍ ورخاءٍ وصحة وسلامة، فبفضل الله عليك، وإحسانه إليك، وما أصابك من جدب وشدة، فبذنب أتيته عوقبت عليه، والخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والمراد أمته) ا هـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على هذه الآية: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ قال: (والمقصود أن الآية الكريمة حجة على هؤلاء وهؤلاء، حجة على من يحتج بالقدر، فإن الله أخبر أنه عذبهم بذنوبهم، فلو كانت حجتهم مقبولة لم يعذبهم بذنوبهم، وحجة على من كذّب بالقدر، فإنه سبحانه أخبر أن الحسنة من الله، وأن السيئة من نفس العبد، والقدرية متفقون على أن العبد هو المحدث للمعصية، كما هو المحدث للطاعة، والله عندهم ما أحدث لا هذا ولا هذا، بل أمر بهذا ونهى عن هذا، وليس عندهم نعمة أنعمها على عباده المؤمنين في الدين، إلا وقد أنعم بمثلها على الكفار ) ا هـ.
وقال أيضًا -رحمه الله- (وكذلك من احتج من مثبتة القدر بالآية على إثباته، إذ احتج بقوله تعالى: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كان مخطئًا، فإن الله ذكر هذه الآية ردًّا على من يقول: الحسنة من الله والسيئة من العبد، ولم يقل أحد من طوائف الناس: إن الحسنة المفعولة من الله والسيئة المفعولة من العبد أيضًا، فإن نفس فعل العبد، وإن قال أهل الإثبات: إن الله خلقه، وهو مخلوق له ومفعول له، فإنهم لا ينكرون أن العبد هو المتحرك بالأفعال، وبه قامت ومنه نشأت، وإن كان الله خلقها.
وأيضًا فإن قوله بعد هذا: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ يمتنع أن يفسر بالطاعة والمعصية، فإن أهل الإثبات لا يقولون: إن الله خالق إحداهما دون الأخرى، بل يقولون: إن الله خالق لجميع الأفعال وكل الحوادث.
ومما ينبغي أن يعلم أن مذهب سلف الأمة - مع قولهم: الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه على كل شيء قدير، وأنه هو الذي خلق العبد هلوعًا، إذا مسه الشر جزوعًا وإذا مسّه الخير منوعًا، ونحو ذلك - أن العبد فاعل حقيقة، وله مشيئة وقدرة، قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وقال تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وقال تعالى: كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ا هـ.
قلت: وبهذه النقول يبطل احتجاج القدرية بهذه الآية، وأنه لا حجة في الآيتين لمن كذّب بالقدر، ولا لمن يحتج بالقدر، وأن أسعد الطوائف بالعمل بهاتين الآيتين هم أهل الحق من أهل السنة والجماعة ولله الحمد والمنة.(1/38)
الملحوظة الخامسة والعشرون
دعوى أن لفظ الإيمان يقابله لفظ التصديق كما يقابل لفظ الكفر التكذيب:
ادعى الدكتور في أثناء كلامه عن الإسلام والإيمان والإحسان أن لفظ الإيمان يقابله لفظ التصديق، وأن لفظ الكفر يقابله لفظ التكذيب.
قال الدكتور في تهذيبه ص156 سطر 5: (إن لفظ الإيمان يقابله لفظ التصديق، كما يقابل لفظ الكفر التكذيب، غير أن الكفر لا يختص بالتكذيب.
بل لو قال أحدهم: أنا أعلم أنك صادق، ولكن لا اتبعك، بل أعاديك وأخالفك، لكان كفرا أعظم، فعلم أن الإيمان ليس التصديق فقط، ولا الكفر التكذيب فقط، بل إذا كان الكفر يكون تكذيبًا، ويكون مخالفة ومعاداة بلا تكذيب، فكذلك الإيمان يكون تصديقًا وموافقة وموالاة وانقيادًا، ولا يكفي مجرد التصديق ا هـ.
قلت: هذا الكلام نقله الدكتور من شرح الطحاوية، ولكنه تصرف في نقله بالزيادة والنقصان والتقديم والتأخير، فوقع في الخطأ. فإن شارح العقيدة الطحاوية نفى مقابلة لفظ الإيمان بالتكذيب، كما يقابل لفظ التصديق، وإنما يقابل لفظ الإيمان بالكفر، والكفر لا يختص بالتكذيب.
وهذا البحث أتى به شارح الطحاوية ردًّا على استدلال أصحاب أبي حنيفة على أن الإيمان هو التصديق بالقلب، مستدلين بأدلة منها:
1- أن الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق، كما قال تعالى إخبارا عن إخوة يوسف وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا أي: بمصدق لنا. ومنهم من ادّعى إجماع أهل اللغة على ذلك، قالوا: وهذا المعنى اللغوي -وهو التصديق بالقلب- هو واجب على العبد حقًّا لله تعالى، ويصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ما جاء به من عند الله. قالوا: فمن صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ما جاء به من عند الله فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى، وأما الإقرار، فهو شرط إجراء أحكام الإسلام في الدنيا على أحد القولين.
2- أن التصديق ضد الكفر وهو التكذيب والجحود، وهما يكونان بالقلب، فكذا ما يضادهما، وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ يدل على أن القلب موضع الإيمان لا اللسان، ولهم أدلة أخرى رد عليهم شارح الطحاوية بالأمور التالية:
1- منع الترادف بين التصديق والإيمان، ولو سلم الترادف بينهما في موضع فلا يسلم على الإطلاق.
2- لم يقابل لفظ الإيمان قطُّ بالتكذيب، كما يقابل لفظ التصديق، وإنما يقابل بالكفر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل قد يكون مخالفة ومعاداة بلا تكذيب، فكذلك الإيمان لا يكفي فيه مجرد التصديق، بل لا بد من الموافقة والموالاة والانقياد.
3- التصديق لا يختص بالقلب، بل يكون التصديق بالأفعال أيضًا، كما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن تزني وزناها السمع - إلى أن قال -: والفرج يصدق ذلك أو يكذبه وقال الحسن البصري -رحمه الله-: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في الصدور وصدقته الأعمال.
4- التصديق الذي هو الإيمان في الشرع ليس هو المعنى اللغوي الذي هو التصديق بالقلب، بل هو تصديق مخصوص، فإن الله لم يأمرنا بإيمان مطلق، بل أمرنا بإيمان خاص وصفة بينّة، كما أن الصلاة في الشرع ليست هي الصلاة في اللغة، بل هي عبادة مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.
5- التصديق التام القائم بالقلب مستلزم لما وجب من أعمال القلب والجوارح، فإنها من لوازم الإيمان التام، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم. وهذه اللوازم تدخل في مسمى اللفظ تارة، وتخرج عنه تارة.
6- التصديق اللغوي زاد فيه الشارع أحكامًا، فنقله من معناه اللغوي إلى معناه الشرعي، واستعمله فيه، فصار حقيقة شرعية وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (والتحقيق أن الشارع لم ينقلها ولم يغيّرها، ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة، كما يستعمل نظائرها، كقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ فذكر حجًّا خاصًّا وهو حج البيت، وكذلك قوله: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فلم يكن لفظ الحج متناوِلًا لكل قصد، بل لقصد مخصوص دل عليه اللفظ نفسه من غير تغيير اللغة) ا هـ
قلت: وبهذا يتبين الفرق بين لفظ الإيمان ولفظ التصديق، وأن لفظ الإيمان لا يقابل بالتصديق، وإنما يقابل بالكفر، والكفر لا يختص بالتكذيب. والله الموفق.(1/39)
الملحوظة السادسة والعشرون
التناقض بتقرير أن الناس لا يتساوون في الإيمان، ثم تقرير أن الناس سواء في أصل الإيمان.
بحث الدكتور موضوع زيادة الإيمان ونقصانه فأثبت أولا أن الناس لا يتساوون في الإيمان، وقرر مذهب جمهور أهل السنة في مسمى الإيمان، ثم بحث معنى زيادة الإيمان ونقصانه، فأثبت أن الناس سواء في أصل الإيمان، وقرر مذهب مرجئة الفقهاء فاشتبه عليه الأمر ولم يميز بين المذهبين.
قال الدكتور في تهذيبه ص 161 - 163: (زيادة الإيمان ونقصانه. ليس من الصحيح القول إن إيمان الناس سواء، وأن التفاضل بينهم يكون بأمور أخرى غير الإيمان، فالإيمان يزيد وينقص، والأدلة على ذلك كثيرة، ثم سرد الأدلة وكلام الصحابة ثم قال: معنى زيادة الإيمان ونقصانه: ليس المراد بالزيادة والنقصان زيادة أصل الإيمان أو نقصان أصله، فالمؤمنون كلهم سواء في أصل الإيمان، يعني في أصل التصديق، وإنما المقصود الزيادة والنقصان في درجات الإيمان ومستوياته، كالعقل مثلا، فالناس كلهم متساوون في كونهم عقلاء غير مجانين، لكن التفاوت بين أهل الإيمان إنما يكون في الدرجات ومستويات الإيمان كما يلي:
1- التفاضل بين المؤمنين يكون بمقدار اتباعهم للحق، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى، بالخشية والتقوى.
2- صحيح أن أصل التصديق سواء بالنسبة لكافة المؤمنين، لكن هذا التصديق قد يكون بعضه أقوى من بعض، وأثبت كالبصر إذ لا شك أن البصراء يختلفون في قوة البصر وضعفه إلخ.
3- أن أصل التصديق بـ ( لا إله إلا الله ) التي هي أصل الإيمان، سواء بالنسبة لكل المؤمنين، فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب إلخ.
4- يكون التفاضل في الإيمان أيضًا بتفاوت التصديق الذي يدفع صاحبه لمزيد من الأعمال الصالحة أعلى درجة من الإيمان الذي لا يدفع بصاحبه إلى أعمال صالحة، أو يدفعه إلى نسبة أقل من الأعمال الصالحة إلخ ) ا هـ كلام الدكتور. قلت: الدكتور خلط بين مذهب جمهور أهل السنة وبين مذهب مرجئة الفقهاء في مسمّى الإيمان، وبيان ذلك كما يلي:
1- جمهور أهل السنة ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وأهل الحديث وأهل الظاهر يعتقدون أن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، وذهب مرجئة الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه وطائفة من فقهاء الكوفة وعبادها إلى أن الإيمان: هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان فقط. ومنهم من ذهب إلى أن الإقرار باللسان ركن زائد ليس بأصلي.
2- بناء على ما سبق يرى جمهور أهل السنة أن الأعمال جزء من الإيمان، ويرى أبو حنيفة وأصحابه في طائفة من أهل الكوفة أن الأعمال ملازمة لإيمان القلب، وليست من الإيمان.
3- يرى جمهور أهل السنة أن الناس لا يتساوون في الإيمان، بل هم متفاوتون تفاوتًا عظيمًا، وان الإيمان يزيد وينقص، ويقوى ويضعف، ويرى مرجئة الفقهاء أن الإيمان واحد، وأن الناس متساوون في أصل الإيمان، والإيمان لا يزيد ولا ينقص، والتفاضل بالأعمال وليست من الإيمان، كما قال الطحاوي في تقرير مذهبهم: (والإيمان هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان، وجميع ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الشرع والبيان كله حق، والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة الأولى. وفي نسخة: (والتفاضل بينهم بالحقيقة ومخالفة الهوى وملازمة الأولى ). ففي النسخة الأولى: التفاوت بين المؤمنين بأعمال القلوب، وأما التصديق فلا تفاوت فيه، وفي النسخة الثانية: الكل مشتركون في أصل التصديق، ولكن التصديق يكون بعضه أقوى من بعض وأثبت، كما أن الناس مشتركون في أصل الإبصار، ولكن بتفاوت قوة وضعفًا .
أقول: والصواب: أن لا يتساوون في أصل الإيمان، وأن التصديق يتفاوت ويكون بعضه أقوى من بعض، فمن أخبر أن الوادي يجري، وليس تصديقه كتصديق من رآه بعينه أو شرب منه فلذلك إيمان الناس وتصديقهم يتفاوت ويزيد وينقص. وبعد هذا إذا نظرنا إلى كلام الدكتور وجدناه يخلط بين المذهبين وقررهما جميعا، وبيان ذلك كما يلي:
1- قوله: (ليس من الصحيح القول: إن إيمان الناس سواء، وأن التفاضل بينهم يكون بأمور أخرى غير الإيمان، فالإيمان يزيد وينقص، والأدلة على ذلك كثيرة).
أقول: هذا فيه تقرير لمذهب جمهور أهل السنة ونفي لما ذهب إليه مرجئة الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه وأهل الكوفة
2- قوله: (ليس المراد بالزيادة والنقصان زيادة أصل الإيمان أو نقصان أصله، فالمؤمنون كلهم سواء في أصل الإيمان، يعني في أصل التصديق، وإنما المقصود الزيادة أو النقصان في درجات ومستوياته كالعقل مثلًا ).
أقول: هذا كلام فيه تقرير لمذهب مرجئة الفقهاء وهو أن الناس متساوون في أصل الإيمان، كما قال الطحاوي (والإيمان واحد وأهله في أصله سواء).
3- قوله: (التفاضل بين المؤمنين يكون بمقدار اتباعهم للحق، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى، والخشية والتقوى).
أقول: هذا فيه تقرير لمذهب الأحناف ومرجئة الفقهاء من أن التفاضل بين الناس في الأعمال لا في الإيمان، فلا تفاضل فيه.
4- قوله: (إن أصل التصديق بلا إله إلا الله - التي هي أصل الإيمان - سواء بالنسبة لكل المؤمنين، فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب ).
أقول: هذا فيه تقرير لمذهب الأحناف ومرجئة الفقهاء من أن الإيمان لا تفاضل فيه، وإنما التفاضل بأعمال القلوب.
5- قوله: (يكون التفاضل أيضًا بتفاوت التصديق الذي يؤدي للعمل، فالإيمان الذي يدفع بصاحبه لمزيد من الأعمال الصالحة، أعلى درجة من الإيمان الذي لا يدفع بصاحبه إلى الأعمال الصالحة، أو يدفعه إلى نسبة أقل من الأعمال الصالحة).
أقول: هذا فيه تقرير لمذهب جمهور أهل السنة من أن الإيمان يتفاضل بتفاضل الناس في الأعمال الصالحة، وبهذا يتبين أن الدكتور يخلط بين مذهب جمهور أهل السنة ومذهب مرجئة الفقهاء فيقرر هذا المذهب مرة، ويقرر المذهب الآخر مرة أخرى. والحق: ما ذهب إليه جمهور أهل السنة من أن الناس يتفاضلون في الإيمان، ولا يتساوون في أصل الإيمان، ولا في أعمال القلوب، ولا في أعمال الجوارح، وأن الإيمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف. وهذا هو الذي تقتضيه نصوص الشرع من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو الذي قررته جماهير أهل العلم من السلف والخلف، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.(1/40)
الملحوظة السابعة والعشرون
عدم التمييز بين مذهب جمهور أهل السنة ومذهب مرجئة الفقهاء في الكفر الذي لا يخرج من الملة، هل تسميته كفرا تسمية حقيقية، أم تسمية مجازية؟
بحث الدكتور الكفر الذي لا يخرج من الملة ولم يميز بين مذهب جمهور أهل السنة ومذهب مرجئة الفقهاء في تسميته كفرًا حقيقيًّا مجازيًّا، بل جمع بين المذهبين، وسماه بالاسمين، فقال في تهذيبه ص 172 سطر 9 - 19.
1- إن أهل السنة متفقون على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرًا ينقل عن الملة بالكلية.
2- إن لفظ الكفر الذي ورد في النصوص السابقة معناه:
أنه كفر عملي لا اعتقادي، فالكفر كالإيمان على مراتب كفر دون كفر.
" أنه كفر مجازي غير حقيقي " إذ الكفر الحقيقي: هو الذي ينقل عن الملة.
ثم ذكر الدكتور مثالًا نقله من شرح الطحاوية، وهو الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وقال: (فقد يكون كفرا ينقل عن الملة، وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة، ويكون كفرًا: إما مجازيا، وإما كفرًا أصغر، وذلك بحسب حال الحاكم. إلى قوله: (وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة، وعدل عنه، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاصٍ، ويسمَّى كافرًا كفرا مجازيًّا، أو كفرًا أصغرَ ) ا هـ.
قلت: والدكتور بهذا سمى الكفر الذي لا ينقل عن الملة باسمين، سماه كفرًا حقيقيا، وهو كفر دون كفر، وسماه كفرا مجازيا غير حقيقي؛ لأنه لا ينقل عن الملة، إذ الكفر الحقيقي هو الذي ينقل عن الملة، فجمع في هذه التسمية بين مذهبي جمهور أهل السنة ومرجئة الفقهاء مع أن التسمية بأحد الاسمين ينافي التسمية بالاسم الآخر، فصار الدكتور بهذا متناقضًا يسمي الشيء باسمين، ينقض أحدهما الآخر.
والذي ينبغي للدكتور أن لا يجمع بين أمرين متنافيين - وإن كان ذلك في التسمية فقط - بل عليه أن يفصل ويميز بين المذهبين، ويختار المذهب الحق في التسمية، كما أوضح الخلاف في ذلك شارح الطحاوية قال -رحمه الله- : (ثم بعد هذا الاتفاق تبين أن أهل السنة اختلفوا خلافا لفظيا، لا يترتب عليه فساد، وهو أنه هل يكون الكفر على مراتب، كفرًا دون كفر ؟ كما اختلفوا: هل يكون الإيمان على مراتب، إيمانا دون إيمان؟ وهل الاختلاف نشأ من اختلافهم في مسمى الإيمان: هل هو قول وعمل يزيد وينقص، أم لا؟ بعد اتفاقهم على أن ما سماه الله تعالى ورسوله كافرا نسميه كافرًا. إذ من الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرا، ويسمي رسوله من تقدم ذكره كافرا - ولا يطلق عليهما اسم الكفر. ولكن من قال: إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، قال: هو كفر عملي لا اعتقادي، والكفر عنده على مراتب، كفر دون كفر، كالإيمان عنده، ومن قال: إن الإيمان هو التصديق، ولا يدخل العمل في مسمى الإيمان، والكفر هو الجحود، ولا يزيدان ولا ينقصان، قال: كفر مجازي غير حقيقي، (إذ الكفر هو الذي ينقل عن الملة، وكذلك يقول في تسمية بعض الأعمال إيمانًا، كقوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ أي: صلاتكم في البيت المقدس أنها سميت مجازًا. لتوقف صحتها على الإيمان، أو لدلاتها على الإيمان ) ا هـ.
قلت: ومن بيان الخلاف في التسمية في هذه المسألة المثال الذي نقله الدكتور من شرح الطحاوية، وهو الحاكم بغير ما أنزل الله في واقعة مع علمه بذلك، مع اعتقاده وجوب الحكم بما أنزل الله، واعترافه بأنه مستحق للعقوبة. قال: (فهذا عاص ويسمى كافرًا كفرًا مجازيا أصغر ) ا هـ.
يعني يسمى كافرا كفرا مجازيا عند مرجئة الفقهاء ويسمى كافرا كفرا أصغر عند جمهور أهل السنة وبهذا تبيّن أن الدكتور جمع في تسميته للكفر الذي لا يخرج عن الملة بأنه كفر مجازي، وكفر دون كفر، بين مذهبين، وهما متنافيان.
والحق في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل السنة وهو أن الكفر الذي لا يخرج عن الملة يسمى كفرا حقيقيا، لكنه كفر دون كفر، وهو أولى مما ذهب إليه مرجئة الفقهاء من تسميته كفرا مجازيا لما يأتي:
1 - أن جمهور أهل السنة وافقوا الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى؛ لأن الله سبحانه سماه كافرا، وكذلك رسوله -صلى الله عليه وسلم- سماه كافرا، وهذه تسمية حقيقية؛ لأنها الأصل، ومرجئة الفقهاء وافقوا الكتاب والسنة في المعنى دون اللفظ، وموافقة الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى، أولى من موافقتهما في المعنى فقط.(1/41)
الملحوظة الثامنة والعشرون
نفي قول معروف للسلف دلّ عليه النص، وهو الشهادة بالجنة لمن شهد له المؤمنون.
بحث الدكتور موضوع الشهادة بالجنة للمعيّن من أهل القبلة وذكر قولين للسلف ونفى القول الثالث مع أنه قول معروف للسلف واستدل له بدليل من السنة يشهد له عموم آية كريمة، فقال الدكتور في تهذيبه ص 173 (والشهادة بالجنة صحيحة في حالتين):
1- أن يشهد بالجنة للأنبياء
2- أن يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء فيه النص، كالشهادة بالجنة لمن بشرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة من الصحابة أما أن يشهد بالجنة لمن شهد له المؤمنون، فهذا لا يجزم به. وقد ورد في الصحيحين: أنه مر بجنازة، فأثنوا عليها بخير، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: وجبت، ومرَّ بأخرى، فأُثني عليها بشرّ، فقال: وجبت وفي رواية، كرر وجبت ثلاث. فقال عمر: يا رسول الله، ما وجبت؟ فقال رسول الله: هذا أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض حديث صحيح) اهـ.
ثم قال الدكتور في الحاشية تعليقا على الحديث: (إن هذا الحديث ليس دليلًا على أنه يشهد بالجنة لمن شهد له المؤمنون؛ لأن في ذلك ذمة المؤمنين، والمؤمنون في شهادتهم ليسوا سواء، والناس أهل عواطف، فلا محاكمة منطقية عند الكثير منهم، أما الحديث الآنف الذكر، فالمقصود منه الصحابة ومن هم في حكمهم) ا هـ.
أقول: هكذا نفى الدكتور القولَ الثالث في هذه المسألة، وهو الشهادة بالجنة لمن شهد له المؤمنون، وهو قول معروف للسلف قال به بعض العلماء، وإن كان مرجوحًا إلا أنه قول معروف عند العلماء، استدل له بهذا الحديث الذي ذكره الدكتور، وهو في الصحيحين. وقول الدكتور: (إن هذا الحديث ليس دليلا على أنه يشهد بالجنة لمن شهد له المؤمنون) ليس بصحيح، بل هو دليل لمن استدل به على ذلك.
وقول الدكتور: (أما الحديث الآنف الذكر، فالمقصود منه الصحابة ومن هم في حكمهم) هذا قول قال به بعض الشراح، وبعض العلماء، والأرجح أنه ليس خاصا بهم، بل هو عام في أهل الفضل والثقات والمتقين، إذا شهدوا لمن اشتهر بالخير كما كان أبو ثور يشهد للإمام أحمد بالجنة.
قال شارح الطحاوية: ص426 - 427 " وللسلف في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه لا يشهد لأحد إلا للأنبياء وهذا ينقل عن محمد ابن الحنفية والأوزاعي
والثاني: أنه يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء فيه النص، وهذا قول كثير من العلماء وأهل الحديث
والثالث: أنه يشهد بالجنة لهؤلاء، ولمن شهد له المؤمنون، كما في الصحيحين: أنه مر بجنازة، فأثنوا عليها بخير، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: وجبت. ومرَّ بأخرى فأثني عليها بشر، فقال: وجبت. وفي رواية كرر " وجبت " ثلاث مرات. فقال عمر: يا رسول الله، ما وجبت؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هذا أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض وقال -صلى الله عليه وسلم-: توشكون أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار. قالوا: بِمَ يا رسول الله؟ قال: بالثناء الحسن، والثناء السيئ فأخبر أن ذلك مما يعلم به أهل الجنة من أهل النار " ا هـ. من شرح الطحاوية.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري على الحديث: أنتم شهداء الله في الأرض وحديث: أيما مسلم شهد له أربعة بخير، أدخله الله الجنة. فقلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة، فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد قال: . (قوله: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة) فيه بيان لأن المراد بقوله " وجبت "، أي: الجنة لذي الخير، والنار لذي الشر، والمراد بالوجوب الثبوت، إذ هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب، والأصل أنه لا يجب على الله شيء، بل الثواب فضله، والعقاب عدله، لا يسأل عما يفعل، وفي رواية مسلم من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ونحوه للإسماعيلي من طريق عمر بن مرزوق عن شعبة وهو أبين في العموم، ومن رواية آدم وفيه رد على من زعم أن ذلك خاص بالميتين المذكورين لغيب أطلع الله نبيه عليه، وإنما هو خبر عن حكم أعلمه الله به، قوله: أنتم شهداء الله في الأرض أي: المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الإيمان، وحكى ابن التين أن ذلك مخصوص بالصحابة ؛ لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم. قال: والصواب أن ذلك يختص بالثقات والمتقين ا هـ.
وسيأتي في الشهادات بلفظ: المؤمنون شهداء الله في الأرض ولأبي داود من حديث أبي هريرة في نحو هذه القصة: إن بعضكم على بعض لشهيد إلى أن قال في ص 231: (وكذا قوله: أنتم شهداء الله في الأرض لأن الإضافة فيه للتشريف؛ لأنهم بمنزلة عالية عند الله، فهو كالتزكية للأمة بعد أداء شهادتهم، وينبغي أن يكون لها أثر. قال: أي الطيبي وإلى هذا يومئ قوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا الآية.
قلت: وقد استشهد محمد بن كعب القرظي بما ورد عن جابر نحو حديث أنس بهذه الآية، أخرجه الحاكم ) ا هـ. كلام الحافظ في الفتح.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم على حديث أنس بن مالك مرَّ بجنازة فأُثني عليها خيرًا وفي آخره: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرًّا وجبت عليه النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض قال -رحمه الله- : "وفي الحديث استحباب توكيد الكلام المهم، بتكراره ليحفظ؛ وليكون أبلغ، وأما معناه ففيه قولان للعلماء، أحدهما: أن هذا الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل، فكان ثناؤهم مطابقًا لأفعالهم، فيكون من أهل الجنة، فإن لم يكن كذلك فليس هو مرادا بالحديث، والثاني وهو الصحيح المختار أنه على عمومه وإطلاقه، وأن كل مسلم ألهم الله تعالى الناسَ أو معظمهم الثناء عليه، كان ذلك دليلا على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، وإن لم تكن أفعاله تقتضيه، فلا تحتم عليه العقوبة، بل هو في خطر المشيئة، فإذا ألهم الله الناس الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء له المغفرة. وبهذا تظهر فائدة الثناء عليه. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: وجبت وأنتم شهداء الله ولو كان لا ينفعه ذلك إلا أن تكون أعماله تقتضيه، لم يكن للثناء فائدة، وقد أثبت النبي -صلى الله عليه وسلم- له فائدة) ا هـ المقصود من كلام النووي
أقول: وبهذا يظهر أن ما نفاه الدكتور وهو الشهادة بالجنة لمن شهد له المؤمنون، ونفي دلالة الحديث عليه، قول معروف للسلف قال بعض العلماء، وهو أنه يشهد بالجنة لمن شهد له الأخيار والمؤمنون، وإن كان الجمهور من العلماء على أنه لا يشهد بالجنة لأحد بعينه إلا لمن شهد له الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما أنه لا يشهد لأحد بالنار بعينه إلا لمن شهدت له النصوص، وبالله التوفيق.(1/42)
الملحوظة التاسعة والعشرون
زعمه أن المرجئة فرقة إسلامية قديمة بادت وانتهت.
زعم الدكتور أن المرجئة من الفرق الإسلامية القديمة، وأنها انتهت ولا وجود لها. قال الدكتور في تهذيبه في حاشية ص 178 رقم 2 " المرجئ: هو من يعتقد بأنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، والمرجئة فرقة إسلامية قديمة بادت) ا هـ.
قلت: هكذا زعم الدكتور أن المرجئة فرقة إسلامية قديمة بادت، مع أن المرجئة جهمية، والجهمية موجودون إلى الآن، فقول الدكتور بادت ليس بصحيح، كما أن قوله: (إنها فرقة إسلامية) ينافي قول السلف فإن السلف كفَّروا من يقول بقول جهم في الإيمان، والإيمان عند الجهمية مجرد التصديق، وقد ذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله- في الكافية الشافية أن من كفر الجهمية خمسمائة عالم، قال:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في
عشر من العلماء في البلدان
واللالكائي الإمام قد حكاه عنهمُ
بل قد حكاه قبله الطبراني
قال السفاريني في لوامع الأنوار البهيّة نقلًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية ص 422 - 423: (ثم قال - يعني شيخ الإسلام ابن تيمية -: ولا ريب أن قول الجهمية أفسد من قولهم - يعني الكرامية - من وجوه متعددة شرعًا ولغة وعقلًا، وإذا قيل: قول الكرامية قول خارج عن إجماع المسلمين قيل له: بل السلف كفَّروا من يقول بقول جهم في الإيمان. إلى أن قال: وأما الإيمان بقلبه، مع المعاداة المخالفة الظاهرة، فهذا لم يسمَّ قط مؤمنًا، وعند الجهمية إذا كان العلم في قلبه، فهو مؤمن كامل الإيمان، إيمانه كإيمان الصديقين، ولا يتصور عندهم أن ينتفى عنه الإيمان، إلا إذا زال ذلك العلم من قلبه) ا هـ.
وقال أيضًا في ص 424 - 426: (قال شيخ الإسلام ابن تيمية (قالت الجهمية للإيمان شيء واحد في القلب. إلى أن قال: وقال وكيع المرجئة الذين يقولون: الإقرار يجزي عن العمل، ومن قال هذا فقد هلك، ومن قال: النية تجزي عن العمل. فهو كفر، وهو قول جهم، وكذا قال الإمام أحمد عنه: إنه كفر. إلى أن قال: وحاصل قول الغلاة المرجئة إنه كما لا ينفع مع الكفر طاعة، لا يضر مع الإيمان معصية، وهذا شر قول قيل في الإسلام، والله الموفق ) ا هـ.
وقال أبو محمد ابن حزم في كتابه الفصل ج 4 ص 204 (قال أبو أحمد غلاة المرجئة طائفتان: إحداهما الطائفة القائلة بأن الإيمان قول باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن عند الله -عز وجل- وليّ له من أهل الجنة، وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه، وهو بخراسان وبيت المقدس والثانية الطائفة القائلة: إن الإيمان عقد بالقلب، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية، وعبد الأوثان، أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب، وأعلن التثليث في دار الإسلام، ومات على ذلك، فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله -عز وجل-، وليّ لله عز وجل من أهل الجنة، وهذا قول أبي محرز بن صفوان السمرقندي ) ا هـ. المقصود من كلامه.
قلت: وبهذا يتبين أن قول الدكتور: المرجئة الذين يقولون: إنه كما لا ينفع مع الكفر طاعة، لا يضر مع الإيمان معصية، من الفرق الإسلامية ينافي قول السلف الذين كفَّروا من يقول بقول جهم في الإيمان، كما أن قول الدكتور: إن المرجئة فرقة قديمة بادت. يخالف الواقع، فإن الجهمية والمعتزلة والأشاعرة موجودون في كثير من البلاد التي تنتسب للإسلام، وكما قيل: " لكل قوم وارث ". نسأل الله أن يصلح الأحوال.(1/43)
الملحوظة الثلاثون
عدم التفصيل في الميت الذي عليه صيام، والجزم بأن من قال بالإطعام عنه دون صيام، فهو مخالف للحديث.
بحث الدكتور انتفاع الأموات بسعي الأحياء وذكر أن من المتفق عليه أن الميت ينتفع بالصوم وثوابه يصل للميت، وأن من قال بالإطعام عنه دون الصيام، فقد خالف الحديث: من مات وعليه صيام، صام عنه وليه .
قال الدكتور في تهذيبه ص 186 - 187 من المتفق عليه أن الأموات ينتفعون من سعي الحياء بأمرين:
1- ما تسبب به الميت في حياته، كعبادته وأعماله الصالحة.
2 - دعاء المسلمين واستغفارهم للميت، والصدقة والحج عنهم على النحو التالي:
أ- الحج والثواب للمحجوج عنه.
ب - الصدقة عن الميت.
ت - الصوم وثوابه يصل للميت، أما من قال بالإطعام دون الصيام عنه، فإن ذلك خلاف الحديث من مات وعليه صيام، صام عنه وليه صحيح ا هـ.
قلت: هكذا جزم الدكتور بأن ثواب الصيام يصل للميت بإطلاق، مع أن هذا إنما ورد فيمن مات وعليه صيام لا في صوم النفل، كما أنه جزم بأن من قال بالإطعام عن الميت الذي عليه صيام فهو مخالف لحديث: من مات وعليه صيام صام عنه وليه مع أن المسألة فيها تفصيل للعلماء، وجمهور العلماء يقولون بالإطعام عنه دون الصيام، وتأولوا الحديث على أنه يطعم عنه وليه، وإن كان هذا التأويل ضعيفًا كما سيأتي في كلام النووي -رحمه الله- على الحديث.
قال شارح الطحاوية ص 512 (واستدل المقتصرون على وصول العبادات التي تدخلها النيابة في الحياة، كالدعاء والصدقة والحج دون التي لا تدخلها النيابة بحال كالإسلام والصلاة والصوم وقراءة القرآن، وأنه يختص ثوابها بفاعله لا يتعداها، كما أنه في الحياة لا يفعله أحد عن أحد، ولا ينوب فيه عن فاعله غيره، بما روى النسائي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مُدًّا من حنطة ا هـ. .
وقال أيضًا -رحمه الله- ص 513 - 514 (وأما وصول ثواب الصوم، ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: من مات وعليه صيام، صام عنه وليه وله نظائر في الصحيح، ولكن أبو حنيفة -رحمه الله- قال بالإطعام عن الميت دون الصيام عنه، لحديث ابن عباس المتقدم والكلام على ذلك معروف في الفروع) ا هـ.
قلت: ويجمع بين حديثي عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم- بحمل حديث عائشة من مات وعليه صيام، صام عنه وليه وهو في الصحيحين على العموم لمن مات وعليه صيام، سواء كان صيام الفرد، وهو قضاء أو صيام النذر أو صيام الكفارة، فإنه يصوم عنه وليُّه إن تيسر، وليس ذلك بواجب على الولي، إذ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى كما قال تعالى. فإن لم يتيسر أن يصام عنه أطعم عنه، عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من طعام أو غيره، كما قال ابن عباس وعائشة -رضي الله عنهما-.
وأما حديث ابن عباس "لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدًّا من حنطة" فهو موقوف لا يصح رفعه كما سبق الكلام عليه في الحاشية قريبًا، فيحمل على النفل والتطوع، فلا يصام عنه، وكذلك الصلاة فردًا أو تطوعا، لا يصلي أحد عن أحد قال النووي -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم ج 8 ص 25 - 26 : (اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب، من رمضان، أو قضاء، أو نذر أو غيره، هل يقضي عنه؟ وللشافعي في المسألة قولان مشهوران، أشهرهما لا يصام عنه، ولا يصح عن ميت صوم أصلًا، والثاني يستحب لوليه أن يصوم عنه، ويبرأ به الميت، ولا يحتاج إلى إطعام عنه، وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وهو الذي صححه محققو أصحابنا، الجامعون بين الفقه والحديث، لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة.
وأما الحديث الوارد: من مات وعليه صيام، أطعم عنه فليس بثابت، ولو ثبتت أمكن الجمع بينه وبين هذه الأحاديث بأن يحمل على جواز الأمرين، فإن من يقول بالصيام يجوز عند الإطعام، فثبت أن الصواب المتعين تجويز الصيام وتجويز الإطعام، والولي مخير بينهما، والمراد بالولي، القريب، سواء كان عُصبة أو وارثًا أو غيرهما، وقيل المراد: الوارث، وقيل: العصبة، والصحيح الأول. ولو صام عنه أجنبي، إن كان بإذن الولي صح، وإلا فلا في الأصح، ولا يجب على الولي الصوم عنه، لكن يستحب. هذا تلخيص مذهبنا في المسألة.
وممن قال به من السلف طاوس والحسن البصري والزهري وقتادة وأبو ثور وبه قال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد في صوم النذر، دون رمضان وغيره، وذهب الجمهور إلى أنه لا يصام عن الميت لا نذر ولا غيره، حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وعائشة ورواية عن الحسن والزهري وبه قال مالك وأبو حنيفة قال القاضي عياض وغيره: هو قول الجمهور، وتأولوا الحديث، على أنه يطعم عنه وليه، وهذا تأويل ضعيف بل باطل، وأيّ ضرورة إليه؟ وأيّ مانع يمنع من العمل بظاهره مع تظاهر الأحاديث، مع عدم المعارض لها؟ قال القاضي وأصحابنا: (وأجمعوا على أنه لا يصلي عنه صلاة فائتة، وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته، وإنما الخلاف في الميت، والله أعلم ) ا هـ.
كلام النووي -رحمه الله- وهو كلام جيد رصين، مبني على الجمع بين الآثار والعمل بها.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : (قوله: باب من مات وعليه صوم) أي: هل يشرع قضاؤه أم لا؟ وإذا شرع هل يختص بصيام دون صيام، أو يعم كل صيام؟ وهل يتعين الصوم أو يجزئ الإطعام؟ وهل يختص الولي بذلك أو يصح منه ومن غيره؟ والخلاف في ذلك مشهور للعلماء كما سنبينه ) ا هـ.
قلت: وبهذا يتبين أنه ينبغي التفصيل في هذه المسألة، وأن قول الدكتور: من قال بالإطعام دون الصيام عنه ذلك خلاف الحديث، ليس على إطلاقه، والله الموفق، لا إله غيره، ولا رب سواه.(1/44)
الملحوظة الحادية والثلاثون
التفريق بين الابن وغيره في إهداء ثواب قراءة القرآن.
بحث الدكتور إهداء ثواب قراءة القرآن وفرق بين الابن وغيره، وقال: إن إهداء ثواب قراءة القرآن للميت طوعًا بغير أجرة لا يجوز؛ لأنه لا دليل عليه ولا فعله السلف إلا ابن الميت، فإنه يجوز الإهداء لأبيه.
قال الدكتور: في تهذيبه ص 187 (أما قراءة القرآن وإهداؤها للميت تطوعًا بغير القارئ ابنا للميت، فإنه يجوز في هذه الحالة لقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى النجم 38 - 39 وابن الإنسان من سعيه) ا هـ.
قلت: وقول الدكتور في التفريق بين الابن وغيره في إهداء ثواب قراءة القرآن، فيجوز للابن ولا يجوز لغيره قول لم يسبق إليه الدكتور فيما أعلم، فإن انتفاع الأموات بسعي الحياء فيه ثلاثة أقوال للناس:
أحدها: أن الميت لا ينتفع إلا بما تسبب به في حياته، وما لم يكن تسبب به في حياته، فهو منقطع عنه، واستدلوا بقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وقوله تعالى: وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وقوله: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ وقوله -عليه الصلاة والسلام-: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به فهذه الثلاث المستثناة في الحديث، وهي الصدقة الجارية، والعلم المنتفع به، والولد الصالح الذي يدعو له، مما تسبب به الميت في حياته، وهذا القول لبعض أهل البدع من أهل الكلام، وينسب ذلك إلى المعتزلة
الثاني: أن الميت ينتفع من سعي الحي بما تسبب به في حياته، وبدعاء المسلمين واستغفارهم له، وبالصدقة والحج، فقط على نزاع فيما يصل إليه من ثواب الحج، هل هو ثواب الحج، قال بالأول محمد بن الحسن الشيباني الصاحب الثاني لأبي حنيفة -رحمه الله-، وقال بالثاني عامة العلماء، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي ومالك -رحمهما الله تعالى-.
الثالث: أن الميت ينتفع من سعي الحي بما تسبب به في حياته وبدعاء المسلمين واستغفارهم له، وبالصدقة والحج وبالصوم وقراءة القرآن والذكر، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد وجمهور السلف -رحمهم الله- .
هذه أقوال العلماء، والناس في انتفاع الميت بسعي الحي، وليس فيها تخصيص الابن دون غيره في إهداء ثواب قراءة القرآن، والجمهور الذين يقولون: ينتفع الميت بإهداء ثواب قراءة القرآن لم يخصصوا ابن الميت، بل هو عام في كل حي يهدي ثواب قراءة لميت، سواء كان ابنًا للميت أم لا، والذين يقولون لا ينتفع الميت بإهداء ثواب قراءة القرآن لم يستثنوا ابن الميت، بل قالوا بالمنع مطلقا، سواء كان المهدي ابنا للميت أم لا.
والذين قالوا: ينتفع الميت من سعي الحي بما تسبب به في حياته من أهل الكلام من المبتدعة، ومثلوا لذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم-: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به لم يقولوا: إن الميت ينتفع بإهداء ابنه له ثواب قراءة القرآن، بل يقتصرون على الدعاء الذي قُيِّدَ في الحديث في قوله: أو ولد صالح يدعو له فينتفع الميت بدعاء ولده الصالح فقط.
ومن هنا: يتبين أن التفريق بين ابن الميت وغيره في إهداء ثواب قراءة القرآن، قول لم يسبق إليه، والله الموفق.
والصواب في هذه المسألة: أن الميت ينتفع من سعي الحي بما تسبب في حياته، وبدعاء المسلمين واستغفارهم له، وبالصدقة والحج وبالصيام، فمن مات وعليه صيام من رمضان، إذا لم يقضه بعد تمكنه منه، أو كان عليه صوم نذر أو كفارة، وذلك لورود النصوص الدالة على ذلك المعروفة في محلها، ولا يصلى على الميت صلاة فرض أو تطوع، ولا يصام عنه صوم نفل، ولا يهدي له ثواب قراءة القرآن أو ذكر أو طواف؛ وذلك لعدم ورود شيء من النصوص يدل على ذلك؛ ولأن هذا لم يفعله السلف ولم يكن معروفًا عندهم مع شدة حرصهم على الخير، ولا أرشدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه ، وقد أرشدهم إلى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام، فلو كان ثواب القراءة والذكر والطواف والصلاة وصوم النفل يصل، لأرشدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه، ولكانوا يفعلونه.
والواجب الوقوف مع النصوص، والسير على منهج السلف الصالح الذين نوَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- بخيريتهم وفضلهم بقوله: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم قال عمران راوي الحديث: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثًا والله الموفق .(1/45)
الملحوظة الثانية والثلاثون
إثبات أن الميت ينتفع بقراءة القرآن قبل خروج روحه، وأن القراءة عنده من قبيل التلقين للميت.
بحث الدكتور قراءة القرآن عند الميت، وقال: إنه لا ينتفع بها بعد موته، ولكنه ينتفع بها قبل موته؛ لأنها تكون حينئذ من قبيل التلقين للميت، قال الدكتور في تهذيبه ص 187 (أما قراءة القرآن عند الميت، فإنه لا ينتفع بها الشخص إذا كان ميتًا، سواء دفن أم لا، أما من قبل أن تفارقه روحه فقد ينتفع بها، إذ إن القراءة هنا من قبيل التلقين، والتلقين إنما يكون قبل خروج الروح، لا بعد الوفاة ولا عند الدفن، ولا بعده ) ا هـ.
أقول: أثبت الدكتور أن الميت ينتفع بقراءة القرآن قبل خروج روحه، وهذا لبعض العلماء، قالوا: يسن أن يقرأ عنده: (يس والقرآن الحكيم )، ويقرأ عنده الفاتحة أيضًا، وقيل: يقرأ أيضًا (سورة تبارك)، قالوا: ولأنه يسهل خروج الروح، وهذا هو المذهب عند الحنابلة واستدلوا بحديث معقل بن يسار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: اقرءوا على موتاكم يس رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان قال ابن حبان أراد به من حضرته المنيِّة، لا أن الميت يقرأ عليه " ا هـ. .
قلت: والحديث ضعيف لا تقوم به حجة لأن في سنده أبا عثمان وهو مجهول، وليس هو النهدي وأعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف، وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه، ونقل عن الدارقطني أنه قال: هذا حديث مضطرب الإسناد مجهول المتن، ولا يصح. والحديث أخرجه أيضًا أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث سليمان التيمي عن أبي عثمان - وليس بالنهدي - عن أبيه عن معقل بن يسار .
قلت: وإذا ثبت ضعف الحديث فلا يحتج به، ولا يشرع قراءة سورة ( يس ) عند الميت قبل خروج روحه، وكذا لا يشرع غيرها من باب أولى، لعدم ورود ذلك. وعليه فلا يقال: إن الميت ينتفع بقراءة القرآن قبل خروج روحه.
وقول الدكتور: إن قراءة القرآن عند الميت قبل خروج روحه من قبيل التلقين ليس بصحيح. فإن التلقين هو أن يذكر من حضره كلمة التوحيد لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه، لما ورد في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله وفي صحيح مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله .
قال النووي في شرح صحيح مسلم على هذين الحديثين ما نصه: ( قوله -صلى الله عليه وسلم-: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله معناه من حضره الموت، والمراد ذكروه بلا إله إلا الله، لتكون آخر كلماته، كما في الحديث: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة والأمر بهذا التلقين أمر ندب، وأجمع العلماء على هذا التلقين، وكرهوا الإكثار عليه والموالاة؛ لئلا يضجر لضيق حاله وشدة كربه، فيكره ذلك بقلبه، ويتكلم بما لا يليق، قالوا: وإذا قاله مرة لا يكرر عليه، إلا أن يتكلم بعده بكلام آخر فيعاد التعريض به، ليكون آخر كلامه ويتضمن الحديث الحضور عند المحتضر، لتذكيره وتأنيسه وإغماض عينيه، والقيام بحقوقه، وهذا مجمع عليه) ا هـ
قلت: ولهذا ذكر العلماء في كتبهم أنه يستحب تلقين الميت لا إله إلا الله برفق، لتكون آخر كلامه.
قلت: وبهذا يتبين أن التلقين هو تلقين من حضره الموت كلمة التوحيد؛ لتكون آخر كلامه، عملًا بالأحاديث الصحيحة في الأمر بالتلقين. وأما قراءة القرآن عند المحتضر، فليست مشروعة لعدم صحة الحديث الوارد بذلك كما سبق، وليست من قبيل التلقين، كما ظنه الدكتور في تهذيبه، وبالله التوفيق.(1/46)
خاتمة في العلم والإرادة ومكانها من السعادة
لما كان هُدَى الله وعهده إلى عباده، هو السبب الموصل إليه، مَنْ تمسك به اهتدى ونجا وسعد، ومن أعرض عنه ضل وهلك وشقى فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى وهذا العهد والهدى والصراط المستقيم لا يصل أحد إليه إلا من باب العلم والإرادة، علم يبصره ويهديه، وإرادة تنهض به وترقيه، وبفواتها أو فوات أحدهما يفوت الفلاح والسعادة، إذ بفوات العلم يحل الجهل، وبفوات الإرادة يتخلف العمل بالعلم.
لما كان كذلك آثرت أن يكون هذا القسم مقالا للإمام ابن القيم -رحمه الله- في العلم والإرادة، ومكانهما من السعادة، أحببت أن يكون مسك الختام لهذا القسم؛ لما أراه من عظيم فائدة: قال -رحمه الله-:
" فصل " والمقصود أن الله سبحانه لما اقتضت حكمته إخراج آدم وذريته من الجنة، أعاضهم أفضل منها، وهو ما أعطاهم من عهده الذي جعله سببًا موصلا لهم إليه، وطريقا واضحا بيِّن الدلالة عليه، من تمسك به فاز واهتدى، ومن أعرض عنه شقي وغوى، ولما كان العهد الكريم والصراط المستقيم والنبأ العظيم لا يوصل إليه أبدًا إلا من باب العلم والإرادة، فالإرادة باب الوصول إليه، والعلم مفتاح ذلك الباب المتوقف فتحه عليه.
وكمال كل إنسان إنما يتم بهذين النوعين، همةٌ ترقيه، وعلم يبصره ويهديه، فإن مراتب السعادة والفلاح إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين، أو من إحداهما، إما أن لا يكون له علم بها، فلا يتحرك في طلبها، أو يكون عالما بها، لا تنهض همته إليها، فلا يزال في حضيض طبعه محبوسا، وقلبه عن كماله الذي خلق له مصدودًا منكوسًا، قد أسام نفسه مع الأنعام، راعيًا مع الهمل، واستطاب لعيقات الراحة والبطالة، واستلان فراش العجز والكسل، لا كمن رفع له فشمّر إليه، وبورك له في طريق طلبه فلزمه واستقام عليه، قد أبت علبات شوقه إلا لهجرة لله ورسوله، ومقتت نفسه الرفقاء إلا ابن سبيل يرافقه في سبيله.
ولما كان كمال الإرادة بحسب كمال مرادها، وشرف العلم تابع لشرف معلومه، كانت نهاية سعادة العبد الذي لا سعادة له بدونها، ولا حياة له إلا بها، أن تكون إرادته متعلقة بالمراد الذي لا يَبلى ولا يفوت، وعزمات همته مسافرة إلى حضرة الحي الذي لا يموت، ولا سبيل له إلى هذا المطلب الأسنى، والحظ الأوفى، إلا بالعلم الموروث عن عبده ورسوله وخليله وحبيبه الذي بعثه لذلك داعيًا، أقامه على هذا الطريق هاديًا، وجعله واسطة بينه وبين الأنام، وداعيًا لهم بإذنه إلى دار السلام، وأبى سبحانه وتعالى أن يفتح لأحد منهم إلا على يديه، أو يقبل من أحد منهم سعيًا إلا أن يكون مبتدأً منه، ومنتهيًا إليه.
فالطرق كلها إلا طريقه -صلى الله عليه وسلم- مسدودة، والقلوب بأسرها إلا قلوب أتباعه المنقادة إليه عن الله محبوسة مصدودة. فحق على من كان في سعادة نفسه ساعيًا، وكان قلبه حيًّا عن الله واعيًا أن يجعل على هذين الأصلين مدار أقواله وأعماله، وأن يصيرهما أخبيته التي إليها مفزعه في حياته، وطاء له، فلا جرم إن كان وضع هذا الكتاب مؤسسًا على هاتين القاعدتين، ومقصودة التعريف بشرف هذين الأصلين ) ا هـ. كلامه -رحمه الله-.
وبهذا ينتهي القسم الأول من دراسة الكتاب: حوار مع القيسي في تهذيبه لشرح العقيدة الطحاوية، والحمد لله رب العالمين.(1/47)
القسم الثاني من دراسة الكتاب: حوار مع القيسي في اختصاره لكتاب التوحيد
الباب الأول بيان أن اختصار كتاب التوحيد اختصار مخل يمسّ محتوى الكتاب ومعلوماته
وهذه الدراسة تشتمل على أبواب وخاتمة.
الباب الأول: في بيان أن اختصاره لكتاب التوحيد اختصار مخل، يمسّ محتوى الكتاب ومعلوماته.
الباب الثاني: في بيان الأخطاء لملحوظات على كتابه " القول المفيد، في اختصار كتاب التوحيد ".
الخاتمة: في شرف العلم والتعليم، وذِكْر أقسام بني آدم بالنسبة إليه.
الباب الأول في بيان أن اختصاره لكتاب التوحيد اختصار مخل يمسّ محتوى الكتاب ومعلوماته.
وفيه فصول:
الفصل الأول: في حذفه للتراجم والأبواب.
الفصل الثاني: في حذفه للآيات التي وضعها المؤلف تحت الأبواب.
الفصل الثالث: في حذفه للأحاديث التي تحت كل باب في كتاب التوحيد.
الفصل الرابع: في حذفه لأقوال الصحابة -رضي الله عنهم- التي في الأبواب.
الفصل الخامس: في حذفه لأقوال العلماء من التابعين والأئمة بعدهم.
الفصل السادس: في حذفه لاستنباطات المؤلف وتفقهه في النصوص وتعليقاته.(1/48)
الفصل الأول في حذفه لتراجم الكتاب وأبوابه
المقدمة
في بيان أهمية كتاب التوحيد ومنزلته وأنه لا يقبل الاختصار
قبل الدخول في فصول هذا الباب نقدم هذه المقدمة بين يديّ اختصار الدكتور لكتاب التوحيد، فنقول وبالله التوفيق: إن كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- من أنفس الكتب التي ألفها، وهو على منوال صحيح الإمام البخاري في تراجمه واستنباطاته، وهو على صغر حجمه، كتاب كثير النفع، نفع الله به العلماء والمتعلمين، وهو زبدة وخلاصة، لا يقبل الاختصار، بل يقبل الشرح والاستنباط.
قال عنه: حفيد المؤلف الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - في كتابه: (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد) قال: (وصنف -رحمه الله- التصانيف في توحيد الأنبياء والمرسلين والرد على من خالفهم من المشركين ومن جملتها كتاب التوحيد، وهو كتاب فَرْدٌ في معناه، لم يسبقه إليه سابق، ولا لحقه فيه لاحق، وهو الذي قصدت الكلام عليه إن شاء الله تعالى) ا هـ .
وقال عنه حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله- في كتاب (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ) قال: (أما بعد: فإن كتاب التوحيد، الذي ألفه الإمام شيخ الإسلام، محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب، وغفر له ولمن أجاب دعوته إلى يوم الحساب، قد جاء بديعًا في معناه، من بيان التوحيد ببراهينه، وجمع جملًا من أدلته لإيضاحه وتبينه، فصار عَلَمًا للموحدين، وحجة على الملحدين، فانتفع به الخلق الكثير، والجَمّ الغفير. إلى أن قال في ص 5: وأما كتابه المذكور، فموضوعه في بيان ما بعث الله به رسله من توحيد العبادة، وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة، وذكر ما نبا فيه الشرك الأكبر، أو نبا في كماله الواجب من الشرك الأصغر ونحوه، وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه ) ا هـ .
وقال الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية -رحمه الله- في مقدمته لفتح المجيد شرح كتاب التوحيد: (ولقد خلف شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- تركة قيمة من المؤلفات العلمية النافعة، التي أضاءت للناس طريق الهداية، وأنقذ الله بها كثيرا من الضلالة، وهدى بها إلى الدين الخالص وأجمعها وأنفعها (كتاب التوحيد) فإنه جمع فأوعى، بين توحيد الإلهية والعبادة، وتوحيد الربوبية، والأسماء والصفات أتم بيان، وأجلاه، وبين نواقض كل منهما كذلك أعظم بيان) ا هـ .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي -رحمه الله- (6) في كتابه القول السديد في مقاصد التوحيد، تعليقا على الترجمة الأولى من الكتاب وهي (كتاب التوحيد) قال: (هذه الترجمة تدل على مقصود هذا الكتاب من أوله إلى آخره؛ ولهذا استغنى بها عن الخطبة، أي أن هذا الكتاب يشتمل على توحيد الإلهية والعبادة بذكر أحكامه، وحدوده، وشروطه، وفضله وبراهينه، وأصوله وتفاصيله وأسبابه، وثمراته، ومقتضياته، وما يزداد به ويقويه أو يضعفه ويوهبه، وما به يتم أو يكمل) ا هـ.
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي -رحمه الله- في حاشيته على كتاب التوحيد، قال: (أما بعد: فإن كتاب التوحيد الذي ألفه شيخ الإسلام، الشيخ محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب، ليس له نظير في الوجود قد وضح فيه التوحيد الذي أوجبه الله على عباده وخلقهم لأجله، ولأجله أرسل رسله، وأنزل كتبه، وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر، أو ينافي كماله الواجب من الشرك الأصغر والبدع، وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه، فصار بديعًا في معناه لم يسبق إليه، عَلَمًا للموحدين، وحجة على الملحدين، واشتهر أيَّ اشتهار، وعكف عليه الطلبة، وصار الغالب يحفظه عن ظهر قلب، وعمّ النفع به، وتصدّى لشرحه والتعليق عليه جماعة من الجهابذة النبلاء) ا هـ
قلت: ومن هذه النقول عن العلماء تتبين منزلة الكتاب وأهميته، وفائدته العظمى وأنه زبدة وخلاصة وذهب مصفى، لا يقبل الاختصار، وإنما الشرح والبيان والاستنباط، والله الموفق.(1/49)
الفصل الأول في حذفه لتراجم الكتاب وأبوابه(تابع)
عرض لكتاب (القول المفيد في اختصار كتاب التوحيد) وبيان حذفه لتراجم الكتاب وأبوابه:
1 - الذي يستعرض عمل الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد يجد أنه اختصره اختصارا مخلًا، يمسّ محتوى الكتاب ومعلوماته، فجاء اختصاره له في اثنتي عشرة صفحة من ص 223 إلى نهاية ص 234، بينما كتاب التوحيد يقع فيما يقارب ثلاثًا وسبعين صفحة.
2- والدكتور في مختصره حذف جميع التراجم والأبواب، ما عدا الترجمة الأولى - كتاب التوحيد - فإنه أبقاها بحالها، واستفتح بها مختصره، وساق تحتها الآيات والأحاديث التي ذكرها المؤلف، وهي خمس آيات، وحديث معاذ، وقول ابن مسعود آية: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وآية: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا وآية: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ الآية، وآية: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا الآية، وآية: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا الآيات. وقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد -صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتمه، فليقرأ قوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إلى قوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا الآية. وحديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-... يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟ الحديث.
3- بيان التراجم والأبواب التي حذفها الدكتور من كتاب التوحيد في كتابه (القول المفيد في اختصار كتاب التوحيد ) وهي كما يلي:
1 ) باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب.
2 ) باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب.
3 ) باب الخوف من الشرك.
4 ) باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله.
5 ) باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله.
6 ) باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما؛ لرفع البلاء أو دفعه.
7 ) باب ما جاء في الرقى والتمائم.
8 ) باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما.
9 ) باب ما جاء في الذبح لغير الله.
10 ) باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله.
11 ) باب من الشرك النذر لغير الله.
12 ) باب من الشرك الاستعاذة بغير الله.
13 ) باب أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره.
14 ) باب قوله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ الآية.
15 ) باب قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ الآية.
16 ) باب الشفاعة.
17 ) باب قول الله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ الآية.
18 ) باب ما جاء في أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
19 ) باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده؟!
20 ) باب ما جاء في أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله.
21 ) باب ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد وسَدِّه كل طريق يوصل إلى الشرك.
22 ) باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان.
23 ) باب ما جاء في السحر.
24 ) باب بيان شيء من أنواع السحر.
25 ) باب ما جاء في الكُهّان ونحوهم.
26 ) باب ما جاء في النشرة.
27 ) باب ما جاء في التطيُّر.
28 ) باب ما جاء في التنجيم.
29 ) باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء.
30 ) باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ الآية.
31 ) باب قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الآية.
32 ) باب قول الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الآية.
33 ) باب قول الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ الآية.
34 ) باب من الإيمان الصبر على أقدار الله.
35 ) باب ما جاء في الرياء.
36 ) باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا.
37 ) باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أربابا من دون الله.
38 ) باب قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ الآية.
39 ) باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات.
40 ) باب قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ الآية.
41 ) باب قول الله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ الآية.
42 ) باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله.
43 ) باب قول ما شاء الله وشئت.
44 ) باب من سب الدهر فقد آذى الله.
45 ) باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه.
46 ) باب احترام أسماء الله تعالى، وتغيير الاسم لأجل ذلك.
47 ) باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول.
48 ) باب قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي الآية.
49 ) باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا الآية.
50 ) باب قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ الآية.
51 ) باب لا يقال السلام على الله.
52 ) باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت.
53 ) باب لا يقول: عبدي وأمتي.
54 ) باب لا يرد من سأل بالله.
55 ) باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة.
56 ) باب ما جاء في اللَّو.
57 ) باب النهي عن سب الريح.
58 ) باب قول الله تعالى يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ الآية.
59 ) باب ما جاء في منكري القدر.
60 ) باب ما جاء في المصورين.
61 ) باب ما جاء في كثرة الحلف.
62 ) باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه.
63 ) باب ما جاء في الإقسام على الله.
64 ) باب لا يستشفع بالله على خلقه.
65 ) باب ما جاء في حماية النبي -صلى الله عليه وسلم- حِمَى التوحيد وسدّه طرق الشرك.
66 ) باب قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الآية.(1/50)
الفصل الثاني: في حذفه للآيات التي وضعها المؤلف تحت الأبواب:
1 - الذي يستعرض عمل الدكتور في اختصاره كتاب التوحيد يجد أنه حذف جميع الآيات التي ترجم بها المؤلف، أو وضعها تحت التراجم والأبواب، مستدلًا بها، ما عدا خمس آيات، فإنه أبقاها تحت الترجمة الأولى؛ لأن الباب الأول نقله الدكتور وأبقاه بحاله بما تحته من الآيات والأحاديث، من دون تصرف، وقد سبق بيان هذه الآيات التي أبقاها في الفصل الأول.
2- بيان الآيات التي حذفها الدكتور من كتاب التوحيد، مما ترجم به المؤلف، أو وضعها تحت التراجم والأبواب:
1 ) قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ الآية. وهي تحت ترجمة " باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب ".
2 ) قوله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الآية.
3 ) قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ الآيتان تحت ترجمة " باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ".
4 ) قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ .
5) قول الله تعالى عن الخليل عليه السلام: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ الآيتان تحت ترجمة " باب الخوف من الشرك ".
6 ) قول الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي الآية. وهي تحت ترجمة " باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله ".
7 ) قول الله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ الآية.
8 ) قول الله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ الآية.
9 ) قول الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية.
10 ) قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ الآية.
11 ) قول الله تعالى: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ الآية، وهي تحت ترجمة " باب: من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ".
12 ) قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى وهو تحت ترجمة: " باب من تبرك بشجر أو حجر أو نحوهما ".
13 ) قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ الآية.
14 ) قول الله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ الآيتان تحت ترجمة " باب ما جاء في الذبح لغير الله تعالى".
15 ) قول الله تعالى: لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ الآية. وهي تحت ترجمة: " باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله ".
16 ) قول الله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ .
17 ) قوله تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ الآيتان تحت ترجمة: " باب من الشرك النذر لغير الله ".
18 ) قوله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا الآية تحت ترجمة: " باب من الشرك الاستعاذة بغير الله ".
19 ) قول الله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ الآية.
20 ) قول الله تعالى: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ الآية.
21 ) قول الله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الآيتين.
22 ) قول الله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ الآية. الآيات تحت ترجمة: " باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره".
23 ) قوله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ .
24 ) قول الله تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ الآية. الآيات تحت ترجمة: " باب قول الله تعالى: "أيشركون ما لا يخلق شيئا".
25 ) قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ الآية تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ) الآية.
26 ) قول الله تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ الآية.
27 ) قوله تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا الآية.
28 ) قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ .
29 ) قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى الآية.
30 ) قول الله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ الآيتين. هذه الآيات الست تحت ترجمة: (باب الشفاعة).
31 ) قول الله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ الآية تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ الآية.
32 ) قول الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ الآية. وهي تحت ترجمة: (باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم، هو الغلو في الصالحين.
33 ) قول الله تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ الآية. وهي تحت ترجمة: " باب ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد، وسدِّه كل طريق يوصل إلى الشرك".
34 ) قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الآية.
35 ) قول الله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ الآية.
36 ) قول الله تعالى: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا الآيات الثلاث تحت ترجمة: " باب ما جاء أن بعض الأمة يعبد الأوثان ".
37 ) قول الله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ الآية.
38 ) قول الله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الآية. الآيتان تحت ترجمة: " باب ما جاء في السحر ".
39 ) قول الله تعالى: أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .
40 ) قول الله تعالى: قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ الآية، الآيتان تحت ترجمة: "باب ما جاء في التطير ".
41 ) قول الله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ الآية تحت ترجمة: " باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء ".
42 ) قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ الآية.
43 ) قول الله تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الآية، الآيتان تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ الآية.
44 ) قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الآية.
45 ) قول الله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ الآية.
46 ) قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ الآية. الآيات الثلاث تحت: " باب قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ الآية ".
47 ) قول الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
48 ) قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ الآية.
49 ) قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
50 ) قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ الآيات الأربع تحت ترجمة: " باب قول الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ".
51 ) قول الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ .
52 ) قول الله تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ الآيتان تحت ترجمة: " قول الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ".
53 ) قول الله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ الآية تحت ترجمة: "باب من الإيمان الصبر على أقدار الله ".
54 ) قول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ الآية. وهي تحت ترجمة: (باب ما جاء في الرياء).
55 ) قول الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا الآيتين، وهما تحت ترجمة: " باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا ".
56 ) قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ الآية.
57 ) قول الله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ .
58 ) قول الله تعالى: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا الآية.
59 ) قول الله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ الآية، الآيات تحت ترجمة: "باب قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ " الآية.
60 ) قول الله تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ الآية. وهي تحت ترجمة: " باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات ".
61 ) قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ الآية تحت ترجمة: " قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ الآية ".
62 ) قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ الآية.
63 ) قول الله تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ الآية، وهي تحت ترجمة: (باب من سب الدهر فقد آذى الله).
64 ) قول الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ الآية. وهي تحت ترجمة: " باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول -صلى الله عليه وسلم- ".
65 ) قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي الآية وهي تحت ترجمة: (قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي ) الآية.
66 ) قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا الآية. وهي تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ) الآية.
67 ) قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ الآية. وهي تحت ترجمة: " باب قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا الآية ".
68) قول الله تعالى: يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا الآية.
69 ) قول الله تعالى: الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا الآية. الآيتان تحت ترجمة: " باب ما جاء في اللّو ".
70 ) قول الله تعالى: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ الآية.
71 ) قول الله تعالى: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ الآية، الآيتان تحت ترجمة: " باب قول الله تعالى: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ الآية ".
72 ) قول الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ الآية. وهي تحت ترجمة: (باب ما جاء في كثرة الحلف).
73 ) قول الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا الآية. وهي تحت ترجمة: " باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه ".
74 ) قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الآية. وهي تحت ترجمة: " باب ما جاء في قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الآية.(1/51)
الفصل الثالث: في حذفه للأحاديث التي تحت كل باب في كتاب التوحيد:
أ - الذي يستعرض عمل الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد يجد أنه حذف جميع الأحاديث التي وضعها المؤلف تحت التراجم والأبواب، ما عدا حديثًا واحدًا، فإنه أبقاه تحت الترجمة الأولى؛ لأن الدكتور نقل الباب الأول من كتاب التوحيد وأبقاه بحاله بما تحته من آيات وأحاديث وآثار بدون تصرف.
والحديث الذي أبقاه الدكتور في الباب الأول: هو حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار، فقال لي: يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا الحديث.
ب - بيان الأحاديث التي حذفها الدكتور من كتاب التوحيد التي وضعها المؤلف تحت التراجم والأبواب.
1 ) حديث عبادة بن الصامت من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلى قوله: أدخله الله الجنة على ما كان من العمل أخرجاه - أي البخاري ومسلم
2 ) حديث عتبان فإن الله حرم على النار، من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله أخرجاه.
3 ) حديث أبي سعيد الخدري قال موسى: يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به - إلى قوله - مالت بهن لا إله إلا الله رواه ابن حبان والحاكم وصححه والترمذي وحسنه.
4) حديث لأنس قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بالله شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة أخرجه الترمذي.
الأحاديث الأربعة تحت ترجمة: " باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب ".
5 ) حديث بريدة بن الحصيب لا رقية إلا من عين أو حمة .
6 ) حديث ابن عباس عرضت علي الأمم - إلى قوله-: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب الحديث تحت ترجمة: " باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ".
7 ) حديث: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه، فقال: الرياء .
8 ) حديث ابن مسعود من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا، دخل النار رواه البخاري
9 ) حديث جابر من لقي الله لا يشرك به شيئا، دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار أخرجه مسلم الأحاديث الثلاثة تحت ترجمة: " الخوف من الشرك ".
10 ) حديث ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذا إلى اليمن، قال له: إنك تأتي قوما أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه - إلى قوله - فإنه ليس بينها وبين الله حجاب أخرجاه.
11) حديث سهيل بن سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله - إلى قوله - فوالله لَإنْ يهدي بك الله رجلا واحدا، خير لك من حُمْر النعم أخرجاه الحديثان تحت ترجمة: " باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله ".
12) حديث: من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله -عز وجل- أخرجه البخاري الحديث تحت ترجمة: " باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله ".
13) حديث عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذا؟ قال: من الواهنة؟ قال: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهْنًا الحديث رواه أحمد
14 ) حديث عقبة بن عامر من علق تميمة فقد أشرك رواه أحمد الحديثان تحت ترجمة: " باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ".
15 ) حديث أبي بشير الأنصاري أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، فأرسل رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة إلا قطعت أخرجه البخاري
16 ) حديث ابن مسعود إن الرقى والتمائم والتولة شرك رواه أحمد وأبو داود
17 ) حديث عبد الله بن حكيم من تعلق شيئا وكل إليه رواه أحمد والترمذي
18 ) حديث رويفع لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته، أو تقلد وترا، أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا بريء منه رواه الإمام أحمد الأحاديث الأربعة تحت ترجمة: باب ما جاء في الرقى والتمائم.
19 ) حديث أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها - إلى قوله - لتركبن سنن من كان قبلكم رواه الترمذي وصححه الحديث تحت ترجمة: " باب من تبرك بشجر أو حجر أو نحوهما ".
20 ) حديث علي رضي الله عنه قال: حدثني رسول -صلى الله عليه وسلم- بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله الحديث رواه مسلم
21 ) حديث طارق بن شهاب دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب - إلى قوله - فضربوا عنقه فدخل الجنة رواه أحمد الحديثان تحت ترجمة: " باب ما جاء في الذبح لغير الله ".
22 ) حديث ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- قال: نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ الحديث رواه أبو يعلى وإسناده على شرطهما. الحديث تحت ترجمة: " باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله ".
23 ) حديث عائشة رضي الله عنها: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه، فلا يعصه رواه البخاري في الصحيح، الحديث تحت ترجمة: " باب من الشرك النذر لغير الله ".
24 ) حديث خولة بنت حكيم من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك رواه مسلم الحديث تحت: " باب من الشرك الاستعاذة بغير الله ".
25 ) حديث عبادة كان زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- منافق يؤذي المؤمنين، فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا المنافق. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله -عز وجل- رواه الطبراني الحديث تحت ترجمة: "باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره ".
26 ) حديث أنس رضي الله عنه قال: شجّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وكسرت رباعيته، فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، فنزلت لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ رواه البخاري في الصحيح.
27 ) حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: اللهم العن فلانا وفلانًا إلى قوله: وفي رواية: يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام، فنزلت لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ رواه البخاري في الصحيح.
28 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أنزل عليه وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قال: يا معشر قريش، أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا الحديث رواه البخاري في الصحيح. الأحاديث الثلاثة تحت ترجمة: " باب قول الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا الآية.
29 ) حديث أبي هريرة رضي الله عنه: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله - إلى قوله - فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء رواه البخاري في الصحيح.
30 ) حديث النواس بن سمعان إذا أراد الله أن يوحي بالأمر، تكلم بالوحي، أخذت السموات منه رجفة - أو قال: " رعدة " شديدة خوفا من الله -عز وجل-، فإذا سمع ذلك أهل السماء، صعقوا وخرجوا لله سُجَّدًا الحديث رواه ابن جرير وابن خزيمة وابن أبي حاتم والطبراني الحديثان تحت ترجمة: باب قوله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ الآية.
31 ) حديث ابن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاةُ، جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل - إلى قوله - فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله - الحديث رواه البخاري في الصحيح تحت ترجمة: باب قول الله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ الآية.
32 ) حديث عمر -رضي الله عنه-: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله أخرجاه.
33 ) حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه
34 ) حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: هلك المتنطعون، قالها ثلاثا رواه مسلم الأحاديث الثلاثة تحت ترجمة: (باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم، هو الغلو في الصالحين).
35 ) حديث عائشة -رضي الله عنها- أن أم سلمة ذكرت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور إلى قوله - أولئك شرار الخلق عند الله رواه البخاري في الصحيح.
36 ) حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما نزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد الحديث أخرجاه.
37 ) حديث جندب بن عبد الله -رضي الله عنه-: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل - إلى قوله- ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك رواه مسلم
38 ) حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- إن من شرار الناس، من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد رواه أحمد بسند جيد، ورواه أبو حاتم في صحيحه. الأحاديث الأربعة تحت ترجمة: (باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده).
39 ) حديث: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد - اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد رواه مالك في الموطأ.
40 ) حديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج رواه أهل السنن. الحديثان تحت ترجمة: (باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين، يُصَيِّرُها أوثانًا تُعْبد من دون الله).
41 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم رواه أبو داود بإسناد حسن.
42 ) حديث علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا، وصلوا عليّ، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم رواه في المختارة. الحديثان تحت ترجمة: (باب ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد، وسدّه كل طريق يوصل إلى الشرك).
43 ) حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة الحديث أخرجاه.
44 ) حديث ثوبان -رضي الله عنه- إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغربها - وفيه- ولا تقوم الساعة حتى يلحق حيٌّ من أمتي بالمشركين، وحتى تَعبدَ فِئَامٌ من أمتي الأوثان .
45 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر الحديث رواه البخاري ومسلم
46 ) حديث جندب مرفوعًا: حد الساحر ضربه بالسيف رواه الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف. الحديثان تحت ترجمة: (باب ما جاء في السحر).
47 ) حديث قطن بن قبيصة عن أبيه أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن العِيَافة والطَّرْق والطِّيَرَة من الجبت رواه أحمد
48 ) حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد رواه أبو داود وإسناده صحيح.
49 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: من عقد عقدة، ثم نفث فيها، فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلّق شيئًا وُكِلَ إليه رواه النسائي
50 ) حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: ألا أنبئكم ما الْعَضْهُ؟ هي النميمة القالة بين الناس رواه مسلم
51 ) حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: إن من البيان لسحرا أخرجه البخاري ومسلم الأحاديث الخمسة تحت ترجمة: (باب بيان شيء من أنواع السحر).
52 ) حديث حفصة -رضي الله عنها-: من أتى عرّافا فسأله عن شيء، لم تقبل منه صلاة أربعين يوما رواه مسلم في صحيحه.
53 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- رواه أبو داود
54 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: من أتى عرّافا أو كاهنا فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- رواه الأربعة والحاكم وقال صحيح على شرطهما.
55 ) حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه-: ليس منا من تطيّر أو تُطيّر له أو تَكَهَّن، أو تُكُهِّن له، أو تَسَحّر أو تُسُحّر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- رواه البزار بإسناد جيد. الأحاديث الأربعة تحت ترجمة: (باب ما جاء في الكهان ونحوهم).
56 ) حديث جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن النشرة، فقال: هي من عمل الشيطان رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود الحديث تحت ترجمة: (باب ما جاء في النشرة).
57 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: لا عَدْوَى ولا طِيَرَة ولا هَامَة ولا صَفَرَ أخرجاه. زاد مسلم ولا نوء ولا غول .
58 ) حديث أنس -رضي الله عنه-: لا عدوى ولا طِيَرَة، ويعجبني الفأل، قالوا: يا رسول الله، وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة رواه الشيخان.
59 ) حديث عروة بن عامر قال: ذكرت الطِّيَرة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أحسنها الفأل، ولا ترد مسلمًا الحديث رواه أبو داود بسند صحيح.
60 ) حديث ابن مسعود مرفوعًا: الطِّيَرة شرك، الطيرة شرك الحديث رواه أبو داود والترمذي وصححه.
61 ) حديث ابن عمرو -رضي الله عنهما-: من ردته الطِّيَرة عن حاجته، فقد أشرك، قالوا: فما كفارة ذلك؟ الحديث رواه أحمد
62 ) حديث الفضل بن عباس -رضي الله عنهما-: إنما الطِّيَرة ما أمضاك أو ردّك رواه الإمام أحمد الأحاديث الستة تحت ترجمة: (باب ما جاء في التطيّر).
63 ) حديث أبي موسى -رضي الله عنه-: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر رواه أحمد وابن حبان في صحيحه. الحديث تحت ترجمة: (باب ما جاء في التنجيم).
64 ) حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه-: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة الحديث رواه مسلم
65 ) حديث زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية، على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف، أقبل على الناس بوجهه، فقال: هل تدرون ما قال ربكم؟ .
66 ) حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- بمعنى حديث زيد بن خالد الجهني وفيه: قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآية فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ إلى قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ رواه الشيخان. الأحاديث الثلاثة تحت ترجمة: ( باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء ).
67 ) حديث أنس -رضي الله عنه-: لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين أخرجه الشيخان.
68 ) حديث أنس -رضي الله عنه-: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما الحديث أخرجه الشيخان. الحديثان تحت ترجمة قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ الآية.
69 ) حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- مرفوعا: إن من ضعف اليقين: أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله الحديث رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي
70 ) حديث عائشة -رضي الله عنها-: من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس الحديث رواه ابن حبان في صحيحه. الحديثان تحت ترجمة: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ الآية.
71 ) حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- حين ألقي في النار، وقالها محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا له: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ الحديث رواه البخاري والنسائي الحديث تحت: باب قول الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
72 ) حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الكبائر؟ فقال: الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله الحديث رواه البزار وابن أبي حاتم
73 ) حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله رواه عبد الرزاق ورواه ابن جرير بأسانيد صحاح عن ابن مسعود -رضي الله عنهما- تحت ترجمة: باب قول الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ .
74 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: اثنان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت رواه مسلم في صحيحه.
75 ) حديث ابن مسعود مرفوعًا: ليس منا من ضرب الخدود .
76 ) حديث أنس -رضي الله عنه-: إذا أراد الله بعبده الخير، عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر، أمسك عنه حتى يوافي به يوم القيامة رواه الترمذي وحسنه الحاكم
77 ) حديث أنس -رضي الله عنه-: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط حسنه الترمذي الأحاديث الأربعة تحت ترجمة: (باب من الإيمان الصبر على أقدار الله).
78) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه رواه مسلم
79) حديث أبي سعيد مرفوعًا: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك الخفي الحديث رواه أحمد الحديثان تحت ترجمة: (باب ما جاء في الرياء).
80 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة الحديث رواه البخاري في صحيحه تحت ترجمة: (باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا).
81 ) حديث عدي بن حاتم أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يقرأ هذه الآية اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية، فقلت له: إنَّا لسنا نعبدهم، قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟! الحديث رواه أحمد والترمذي وحسنه تحت ترجمة: (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أربابا من دون الله).
82 ) حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به رواه نصر بن إبراهيم المقدسي، في كتاب الحجة بإسناد صحيح. رواه الطبراني وأبو بكر بن عاصم وأبو نعيم في الأربعين. الحديث تحت ترجمة: باب قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ الآية.
83) حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: من حلف بغير الله، فقد كفر أو أشرك رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم
84 ) حديث حذيفة -رضي الله عنه-: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان رواه أبو داود بسند صحيح. الحديثان تحت ترجمة: باب قول الله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
85 ) حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن حُلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله رواه ابن ماجه بسند جيد. الحديث تحت ترجمة: (باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله ).
86 ) حديث قتيلة أن يهوديًّا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنكم تشركون، تقولون: ما شاء وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أرادوا أن يحلفوا ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت رواه النسائي وصححه.
87 ) حديث ابن عباس أن رجلًا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندًّا؟ بل ما شاء الله وحده رواه النسائي
88 ) حديث الطفيل أخي عائشة لأمها قال: رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله - إلى قوله - فلا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا ما شاء الله وحده رواه ابن ماجه الأحاديث الثلاثة تحت ترجمة: (باب قول ما شاء الله وشئت).
89 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار وفي رواية: لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر رواه البخاري في الصحيح. الحديث تحت ترجمة: (باب من سبّ الدهر فقد آذى الله).
90 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: إن أخنع اسم عند الله: رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله رواه البخاري في الصحيح، وفي رواية: أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه الحديث تحت ترجمة: (باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه).
91 ) حديث أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الله هو الحكم، وإليه الحُكْم الحديث رواه أبو داود وغيره الحديث تحت ترجمة: (باب احترام أسماء الله تعالى، وتغيير الاسم لأجل ذلك).
92 ) حديث ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة - دخل حديث بعضهم في بعض - أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسُنًا، ولا أجبن عند اللقاء - يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه القراء-. فقال عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحديث رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما بنحو مما ذكره المصنف. الحديث تحت ترجمة: (باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول).
93) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكًا، - إلى قوله في آخر الحديث في قول الملك للأعمى: فقال: أمسك عليك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك أخرجه البخاري ومسلم الحديث تحت ترجمة: باب ما جاء في قوله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي الآية.
94 ) حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا إذا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام رواه البخاري في صحيحه. الحديث تحت ترجمة: (باب لا يقال السلام على الله).
95 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزمِ المسألة، فإن الله لا مكره له رواه البخاري في الصحيح، ولمسلم وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه الحديث تحت ترجمة: (باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت).
96 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل سيدي ومولاي، ولا يقل عبدي وأمتي، وليقل فتاي وغلامي رواه البخاري الحديث تحت ترجمة: (باب لا يقول عبدي وأمتي).
97 ) حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه الحديث رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح. الحديث تحت ترجمة: (باب لا يرد من سأل بالله).
98) حديث جابر -رضي الله عنه-: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة رواه أبو داود الحديث تحت ترجمة: (باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة).
99 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا الحديث رواه البخاري في الصحيح. الحديث تحت ترجمة: (باب ما جاء في اللوّ).
100 ) حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-: لا تسبوا الريح، فإن رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح الحديث صححه الترمذي الحديث تحت ترجمة: (النهي عن سب الريح).
101 ) حديث عبادة بن الصامت سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فقال: يا رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة الحديث رواه أبو داود ورواه الإمام أحمد بكماله، وفي رواية لأحمد إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال له: اكتب الحديث. وفي رواية لابن وهب فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره، أحرقه الله في النار .
102) حديث ابن الديلمي في المسند والسنن قال: أتيت أبي بن كعب، فقلت: في نفسي شيء من القدر، فحدِثْني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي، فقال: لو أنفقت مثل أحد ذهبًا ما قبله الله منك، حتى تؤمن بالقدر - إلى قوله - فأتيت عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت، فكلهم حدثني بمثل ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث صحيح رواه الحاكم في صحيحه، وأخرجه ابن ماجه الحديثان تحت ترجمة: (باب ما جاء في منكري القدر).
103 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا شعيرة أخرجه البخاري ومسلم
104 ) حديث عائشة -رضي الله عنها-: أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله أخرجه البخاري ومسلم
105 ) حديث ابن عباس كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم أخرجه البخاري ومسلم
106 ) حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: من صور صورة في الدنيا، كُلِّفَ أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ أخرجه البخاري ومسلم
107) حديث أبي الهيّاج الأسدي قال: قال لي علي: ألا أبعثك على ما بعثني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا إلا سويته أخرجه مسلم الأحاديث الخمسة تحت ترجمة: (باب ما جاء في المصورين).
108 ) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: الحلف مَنْفَقَةٌ للسلعة، مَمْحَقَةٌ للبركة أخرجه البخاري ومسلم
109) حديث سليمان -رضي الله عنه-: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، أشيمط زانٍ، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته، لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه رواه الطبراني بسند صحيح.
110) حديث عمران بن حصين خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم -إلى قوله - ثم إن بعدكم قومًا يشهدون ولا يستشهدون الحديث رواه البخاري في الصحيح.
111) حديث ابن مسعود خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمنيه شهادته رواه البخاري الأحاديث الأربعة تحت ترجمة: (باب ما جاء في كثرة الحلف).
112) حديث بريدة -رضي الله عنه-: أن رسول الله كان إذا أمَّرَ أميرًا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرًا، فقال: اغزوا في سبيل الله، بسم الله، قاتلوا من كفر بالله الحديث رواه مسلم الحديث تحت ترجمة: (باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه).
113) حديث جندب بن عبد الله -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله -عز وجل-: من الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له، وأحبطت عملك رواه مسلم وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد. الحديث تحت ترجمة: (باب ما جاء في الإقسام على الله).
114) حديث جبير بن مطعم قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، نهكت الأنفس، وجاع العيال - إلى قوله - إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه وذكر الحديث، رواه أبو داود الحديث تحت ترجمة: (باب لا يستشفع بالله على أحد من خلقه).
115) حديث عبد الله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: أنت سيدنا. فقال: السيد هو الله تبارك وتعالى الحديث رواه أبو داود بسند جيد.
116) حديث أنس -رضي الله عنه-: أن ناسًا قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس، قولوا بقولكم، أو بعض قولكم الحديث رواه النسائي بسند جيد. الحديثان تحت ترجمة: (ما جاء في حماية النبي -صلى الله عليه وسلم- حمى التوحيد وسدِّه طرق الشرك).
117 ) حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: جاء حبر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي والحديث له روايات عند مسلم والبخاري
118) حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: يطوي الله السماوات والأرض يوم القيامة بيمينه، ثم يأخذهن بيده اليمنى الحديث رواه مسلم
119) حديث ابن زيد، قال حدثني أبي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما السماوات السبع في الكرسي، إلا كدراهم سبع ألقيت في ترس رواه ابن جرير
120) حديث أبي ذر ما الكرسي في العرش، إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض رواه ابن جرير
121) حديث العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-: هل تدرون كم بين السماء والأرض إلى قوله - والله تعالى فوق ذلك، وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم أخرجه أبو داود وغيره. الأحاديث الخمسة تحت ترجمة: (باب ما جاء في قوله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الآية.(1/52)
الفصل الرابع: في حذفه لأقوال الصحابة التي ذكرها المؤلف في كتاب التوحيد:
أ - الذي يستعرض عمل الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد، يجد أنه قد حذف جميع أقوال الصحابة التي ذكرها المؤلف، ما عدا قولًا واحدًا لعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، فإنه أبقاه تحت الترجمة الأولى؛ لأن الدكتور نقل الباب الأول من كتاب التوحيد وأبقاه على حاله بما تحته من آيات وأحاديث وآثار، بدون تصرف. وهذا الأثر الذي أبقاه الدكتور من كتاب التوحيد هو قول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد -صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتمه، فليقرأ قوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إلى قوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا الآية.
ب - بيان أقوال الصحابة التي حذفها الدكتور من كتاب التوحيد، التي وضعها المؤلف تحت التراجم والأبواب.
1- عن حذيفة " أنه رأى رجلًا في يده خيط من الحمى، فقطعه وتلا قوله: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ رواه ابن أبي حاتم هذا الأثر تحت ترجمة: (باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما؛ لرفع البلاء أو دفعه).
2- عن ابن عباس -رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا فيها أنصابًا، سموها بأسمائهم، ففعلوا ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسي العلم عبدت"، رواه البخاري في صحيحه. هذا الأثر تحت ترجمة: (باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم لدينهم هو الغلو في الصالحين).
3- قول عائشة -رضي الله عنها- بعد روايتها حديث: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت: يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجدًا. أخرجه البخاري ومسلم هذا الأثر تحت ترجمة: (باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر صالح، فكيف إذا عبده).
4- قال أبو الجوزاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى كان يلت السويق للحاج، هذا الأثر ترجمة: (باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يُصَيِّرها أوثانا تعبد من دون الله).
5- قال عمر -رضي الله عنه- في قوله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ قال: "الجبت، السِحْر، والطاغوت، الشيطان ".
6- قال جابر -رضي الله عنه- في الآية السابقة: "الطواغيت كهان كان ينزل عليهم في كل حي واحد ".
7- عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: "فقتلنا ثلاث سواحر" رواه البخاري في صحيحه.
8- صح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقُتلت. وكذا صح عن جندب قال أحمد ثلاثة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-. هذه الآثار تحت ترجمة: (باب ما جاء في السِحْر).
9- قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: في قوم يكتبون أبا جاد وينظرون في النجوم: "ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق " هذا الأثر تحت ترجمة: (باب ما جاء في الكهان ونحوهم).
10- وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: بعد روايته حديث (الطِّيَرة شرك، الطيرة شرك) قال: وما منا ولكن الله يذهبه بالتوكل " رواه أبو داود والترمذي وصححه. هذا الأثر تحت ترجمة: (باب ما جاء في التطير).
11- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " من أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولايته بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان، وإن كثرت صلاته حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئًا " رواه ابن جرير
12- قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ قال: " المودة ". رواه عيد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه. هذان الأثران تحت ترجمة: باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ الآية.
13- قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقولون: قال أبو بكر وعمر هذا الأثر تحت ترجمة: (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أربابًا من دون الله).
14- قال علي -رضي الله عنه-: " حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكَذَّب الله ورسوله " رواه البخاري في صحيحه.
15- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- " أنه رأى رجلا انتفض لما سمع حديثا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصفات؛ استنكارا لذلك، فقال: ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه " رواه عبد الرازق عن معمر بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس هذان الأثران تحت ترجمة: (باب من جحد شيئا في الأسماء والصفات).
16- قال ابن عباس -رضي لله عنهما- في الآية فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال: الأنداد هو الشرك، أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله، وحياتك يا فلان، وحياتي، وتقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله شئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها فلانا، هذا كله به شرك " ا هـ رواه ابن أبي حاتم
17- قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: " لَأَنْ أحلف بالله كاذبا، أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقا " رواه ابن جرير هذان الأثران تحت ترجمة: باب قول الله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
18- قال ابن عباس في قوله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي الآية. قال: يريد من عندي. هذا الأثر تحت ترجمة: باب ما جاء في قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي الآية.
19- عن ابن عباس في قوله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا قال: " لما تغشاها آدم حملت، فآتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعاني، أو لأجعلن له قرني أيل، فيخرج من بطنك، فيشقه، ولأفعلن ولأفعلن - يخوفهما - سمياه عبد الحارث، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا، ثم حملت، فأتاهما، فقال مثل قوله، وأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا، ثم حملت فأتاهما، فذكر لهما، فأدركهما حب الولد، فسمياه عبد الحارث، فذلك قوله تعالى: جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا رواه ابن أبي حاتم هذا أثر تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا الآية.
20- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ يشركون، وعنه: سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز. هذا الأثر تحت ترجمة: باب قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ الآية.
21- قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: والذي نفس ابن عمر بيده، لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم استدل بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره رواه مسلم
22- عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنه قال لابنه: " يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطئك لم يكن ليصيبك " رواه أبو داود وأحمد بكماله. الأثر تحت ترجمة: (باب ما جاء في منكري القدر).
23- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم ".
24- وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-: " بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم " أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن عاصم عن ذر عن عبد الله ورواه بنحوه المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قاله الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى-. الأثران تحت ترجمة: باب ما في قوله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .(1/53)
الفصل الخامس في حذفه لأقوال العلماء من التابعين والأئمة وغيرهم التي ذكرها المؤلف في كتاب التوحيد:
أ- الذي يستعرض عمل الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد، يجد أنه حذف جميع أقوال العلماء التي ذكرها المؤلف في أبواب كتاب التوحيد، من التابعين والأئمة وغيرهم.
ب- بيان أقوال العلماء من التابعين فمن بعدهم التي حذفها الدكتور من كتاب التوحيد التي وضعها المؤلف تحت التراجم والأبواب.
1- عن سعيد بن جبير -رضي الله عنه- قال: " من قطع تميمة من إنسان، كان كعدل رقبة " رواه وكيع
2- وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغير القرآن. رواه وكيع هذان القولان تحت ترجمة: (باب ما جاء في الرقى والتمائم).
3- قال أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله- على قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ الآيتين.
قال: " نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب، كما قال تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي، فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولا ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسل تعطَ، واشفع تُشَفَّع. وقال له أبو هريرة من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله ولا تكون لمن أشرك بالله. وحقيقة أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه، وينال المقام المحمود، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها الشرك؛ ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص) ا هـ كلامه، هذا القول تحت ترجمة: (باب الشفاعة).
4- قال ابن القيم على قول ابن عباس على قوله تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا الآية. هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم إلخ.
قال ابن القيم قال غير واحد من السلف "لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد، فعبدوهم ".
هذا القول: تحت ترجمة: (باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين).
5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بعد حديث عائشة (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصورا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله).
قال -رحمه الله- فهؤلاء جمعوا بين فتنتين: فتنة القبور وفتنة التماثيل " ا هـ.
6- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بعد حديث جندب لما نزل برسول الله - إلى قوله - ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك .
قال -رحمه الله-: فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم لعن -وهو في السياق- من فعله، والصلاة عندها من ذلك، وإن لم يبن مسجدا، وهو معنى قولها " خشي أن يتخذ مسجدا "؛ لأن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا، بل كل موضع يُصلى فيه يسمى مسجدا، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ا هـ.
هذان القولان: تحت ترجمة: (باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟!
7- ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى قال: " كان يلت لهم السويق، فمات، فعكفوا على قبره ".
هذا القول: تحت ترجمة: (باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله).
8- قال عوف على حديث: إن العِيَافة والطَّرْق والطِّيَرة من الجبت قال: العيافة، زجر الطير، والطرق: الخط يخط بالأرض.
9- قال الحسن الجبت، رنة الشيطان.
هذان القولان: تحت ترجمة: (باب بيان شيء من أنواع السحر).
10- قال البغوي على حديث من أتى عرّافا فسأله عن شيء الحديث. قال: العرّاف، الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة، ونحو ذلك، وقيل: هو الكاهن، والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل. وقيل: الذي يخبر عما في الضمير) ا هـ.
11- قال أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله-: "العراف اسم للكاهن، والمنجم والرمال ونحوهم مما يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق " ا هـ.
هذان القولان: تحت ترجمة: (باب ما جاء في الكهان ونحوه).
12- سئل أحمد عن النشرة، فقال: " ابن مسعود يكره هذا كله " قاله أبو داود
13- وفي البخاري عن قتادة " قلت لابن المسيب رجل به طب، أو يؤخّذ عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع، فلم ينه عنه " ا هـ.
14- روي عن الحسن أنه قال: (لا يحل السحر إلا ساحر) ا هـ.
15- قال ابن القيم النشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان، أحدهما: حل السحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة فهذا جائز) ا هـ. هذه الأقوال تحت ترجمة: "باب ما جاء في النشرة".
16- قال البخاري في صحيحه: قال قتادة " خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يُهتدى بها، فمن تأوَّل فيها غير ذلك، أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به" انتهى.
17- وكره قتادة تعلم منازل القدر، ولم يرخص ابن عيينة فيه. ذكره حرب عنهما.
18- ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق هذه الأقوال: تحت ترجمة: (باب ما جاء في التنجيم).
19- قال علقمة في قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ قال: الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم " ا هـ.
هذا القول: تحت ترجمة: " باب من الإيمان الصبر على أقدار الله ".
20- وقال الإمام أحمد عجبت لقوم، عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك) ا هـ.
هذا القول: تحت ترجمة: (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أربابًا من دون الله).
21- قال الشعبي كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد ؛ لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهنا في جهينة فيتحاكما إليه، فنزلت أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ الآية.
22- وقيل: نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف ثم ترافعا إلى عمر فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله ".
هذان القولان: تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ الآية.
23- ولما سمعت قريش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر (الرحمن) أنكروا ذلك، فأنزل الله فيهم وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ رواه ابن جرير عن قتادة
هذا القول: تحت ترجمة: (من جحد شيئا من الأسماء والصفات).
24- قال مجاهد ما معناه: على قوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ قال: هو قول الرجل: هذا مالي، ورثته عن آبائي.
25- وقال عون بن عبد الله يقولون: لولا فلان لم يكن كذا.
26- وقال قتيبة يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا.
27 - وقال أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله- بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه: أن الله تعالى قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر الحديث. وقد تقدم وهذا كثير في الكتاب والسنة، ويَذِمُّ سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره، ويشرك به. قال بعض السلف هو كقولكم: كانت الريح طيبة، الملاح حاذقًا، ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة الناس كثير " ا هـ.
هذه الأقوال تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ .
28 - وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كره أن يقول: أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول: بالله ثم بك، قال: ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا لولا الله وفلان " ا هـ.
هذا القول: تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
29- قال سفيان على حديث إن أخنع اسم عند الله، رجل تسمى ملك الأملاك الحديث. قال: مثل شاهان شاه.
هذا القول: تحت ترجمة: (باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه).
30 - قال مجاهد في قوله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي الآية - قال: هذا بعملي وأنا محقوق به.
31 - وقال قتادة في قوله تعالى: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي قال: على علم مني بوجوه المكاسب.
32 - وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل، وهذا معنى قول مجاهد: "أوتيته على شرف".
هذه الأقوال: تحت ترجمة: (باب ما جاء في قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي الآية.
33 - قال ابن حزم اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب.
34 - ولابن أبي حاتم بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا قال: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته.
35 - ولابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد في قوله تعالى: لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا قال: أشفقتما أن لا يكون إنسانا. وذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما. هذه الأقوال: تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا الآية.
36 - وعن الأعمش في يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ يدخلون فيها ما ليس منها. هذا القول: تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ الآية.
37 - قال ابن القيم في الآية الأولى: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ الآية. فُسِّرَ هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وفسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقدر الله وحكمته، ففسر إنكار الحكمة وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله، وأن يظهره على الدين كله، وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح، وإنما كان هذا هو ظن السوء؛ لأنه ظن غير ما يليق بالله سبحانه وما يليق بحكمته وحمده، ووعده الصادق، فمن ظن يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضاء الله وقدره، أو أنكر أن يكون قدره بحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة، فذلك ظن الذين كفروا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسمائه وصفاته وموجب حكمته وحمده، فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء، أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفَتِّشْ نفسك هل أنت سالم؟
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة
وإلا فإني لا إخالك ناجيا
هذا القول: تحت ترجمة: (باب قول الله تعالى: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ الآية.
38 - قال إبراهيم النخعي " كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار" هذا القول: تحت ترجمة: (باب ما جاء في كثرة الحلف).(1/54)
الفصل السادس: في حذفه لتعليقات المصنف واستنباطاته وتفقهه في النصوص:
أ- الذي يستعرض عمل الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد، يجد أنه حذف جميع تعليقات المصنف، واستنباطاته وتفقهه في النصوص.
ب - بيان تعليقات المصنف واستنباطاته، وتفقهه في النصوص التي حذفها الدكتور من كتاب التوحيد.
1- قال المصنف في تفسير قوله: (يدركون) في حديث سهل بن سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله - إلى قوله-، فبات الناس يدركون ليلتهم أيهم يعطاها الحديث.
قال -رحمه الله-: (يدركون) أي: يخوضون.
وهذا التفسير لهذا الحديث تحت ترجمة: (الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله).
2- قال المصنف -رحمه الله-: في آخر: (باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله ).
وقال: وشرح هذه الترجمة، ما بعدها من الأبواب، فيه أكبر المسائل وأهمها: وهي تفسير التوحيد، وتفسير الشهادة وبينهما أمور واضحة، منها: آية الإسراء، بيَّن فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين، ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر، ومنها آية براءة، بيَّن فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، وبيَّن أنهم لم يؤمروا إلا بأن يعبدوا إلهًا واحدًا، مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه: طاعة العلماء والعباد في المعصية، لا دعاؤهم إياهم. ومنها قول الخليل -عليه السلام- للكفار: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فاستثنى من المعبودين ربه، وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة هي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله، فقال: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ومنها آية البقرة في الكفار الذين قال الله فيهم: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدلَّ على أنهم يحبون الله حبًّا عظيمًا، ولم يدخلهم في الإسلام، فكيف بمن أحب النِدَّ أكبر من حب الله؟! فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده ولم يحب الله؟!
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله وهذا من أعظم ما يبين لك معنى: لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصمًا للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم دمه وماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه، فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها، ويا له من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع) ا هـ.
3- قال المصنف -رحمه الله- بعد حديث ابن مسعود إن الرقى والتمائم والتولة شرك ".
قال: " التمائم "، شيء يعلق على الأولاد من العين، ولكن إذا كان من القرآن فرخص فيه بعض السلف وبعضهم لم يرخص فيه، ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود -رضي الله عنه-، "والرقى" هي التي تسمى العزائم، وخص منه الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من العين والحمة، و"التولة": شيء يصنعونه أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته) ا هـ هذا التعليق والتفقه في النصوص: تحت ترجمة: (باب ما جاء في الرقى والتمائم).
4- قال المصنف -رحمه الله- في تفسيره قوله: (أخنع) في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: إن أخنع اسم عند الله، رجل تسمى ملك الأملاك الحديث. قال -رحمه الله-: قوله: (أخنع)، بمعنى أوضع.
وهذا التفسير لهذا الحديث تحت ترجمة: (باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه).(1/55)
الباب الثاني تعقيب على كتاب التوحيد: القول المفيد في اختصار كتاب التوحيد
ببيان ما فيه من الأخطاء والملاحظات وفيه فصلان:
الفصل الأول: في الملاحظات المنهجية على عناوين الكتاب وما تحتها من الفقرات.
الفصل الثاني: في الأخطاء والملاحظات العلمية والعقائدية. الفصل الأول
في الملاحظات المنهجية على عناوين الكتاب وما تحتها من الفقرات
عند استعراض كتاب (القول المفيد في اختصار كتاب التوحيد) نجد أن الدكتور وضع عناوين ست وهي:
1- كتاب التوحيد.
2- مما يقتضيه التوحيد.
3- من أسباب الشرك ومظاهره.
4- محرمات ينبغي تجنبها.
5- رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
6- فوائد ومسائل متفرقة.
وهذه العناوين الستة جعل تحت كل واحد منها فقرات، ما عدا العنوان الأول، وهذه الفقرات بعضها يناسب أن يوضع تحت ذلك العنوان، وبعضها لا يناسب أن يوضع تحته، وبيان ذلك كالتالي:(1/56)
الفصل الأول في الملاحظات المنهجية على عناوين الكتاب وما تحتها من الفقرات(تابع)
العنوان الأول: كتاب التوحيد:
هذا هو الباب الأول من كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: نقله الدكتور في كتابه (القول المفيد في اختصار كتاب التوحيد)، ونقل ما وضع المؤلف تحته من الآيات والأحاديث والآثار، وهي خمس آيات، وقول ابن مسعود وحديث معاذ كما سبق بيان ذلك في الفصل الأول من الباب الأول، ولم يتصرف الدكتور في هذا الباب باختصار ولا تعليق ولا إضافة، بل نقله كما هو بحاله، وإِذَن فلا ملاحظة في العنوان وهذا الباب.(1/57)
العنوان الثاني: ما يقتضيه التوحيد:
هذا العنوان وضع الدكتور تحته ثماني عشرة فقرة، وبعض هذه الفقرات لا يناسب وضعها تحت هذا العنوان وهي:
1- أن الرسالة عمت كل أمة.
قلت: هل التوحيد يقتضي عموم الرسالة لكل أمة، أو أن حكمة الله اقتضت ذلك، الثاني هو الظاهر.
6- أن التوحيد أول واجب، وأنه يبدأ به قبل كل شيء حتى الصلاة.
قلت: هل التوحيد يقتضي أن يكون هو أول واجب أو أن حكمة الله من خلق الجن والإنس اقتضت أن يكون التوحيد أول واجب على العباد؟ حيث أوجب الله عليهم أولا وقبل كل شيء توحيده وطاعته، حيث كلفهم وشرع لهم الشرائع على ألسنة رسله، وأنزل عليهم الكتب بذلك، الثاني هو الظاهر.
8- رجحان: " لا إله إلا الله " بجميع المخلوقات، مع أن كثيرا مما يقولها يخف ميزانه. قلت: هل التوحيد رجحان لا إله إلا الله بجميع المخلوقات، أو أن إرادة الله وحكمته ومشيئته اقتضت ذلك؟ الثاني هو الظاهر.
9- كثرة ثواب التوحيد وتكفيره للذنوب.
قلت: هل التوحيد يقتضي كثرة ثواب التوحيد وتكفيره للذنوب، أو أن إرادة الله وحكمته اقتضت ذلك؟ الثاني هو الظاهر.
10- من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب.
قلت: هل التوحيد يقتضي ذلك، أو أن إرادة الله وحكمته وشرعه اقتضى ذلك؟ الثاني هو الظاهر.
11- أسعد الناس بشفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم من أخلصوا التوحيد، وقد نفى القرآن كل شفاعة فيها شرك.
قلت: هل التوحيد يقتضي ذلك، أو أن إخبار الله على لسان رسول -صلى الله عليه وسلم- اقتضى ذلك؟ الثاني هو الظاهر.(1/58)
العنوان الثالث: مِنْ أسباب الشرك ومظاهره:
هذا العنوان وضع الدكتور تحته ست عشرة فقرة، وبعض هذه الفقرات لا يناسب وضعها تحت هذا العنوان، وهي:
1- لا تكون شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكبرى لمن أشرك، وإنما هي لأجل التوحيد والإخلاص.
قلت: هل نفي شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكبرى لمن أشرك بالله من أسباب الشرك ومظاهره، حتى تدخل تحت هذا العنوان؟ ليس ذلك من أسباب الشرك ومظاهره، وسيأتي في الفصل الثاني -إن شاء الله- مناقشة هذه الفقرة، وبيان ما عليها من الملحوظات.
12 - ومن الشرك الرقية والكيّ، وتركهما من تحقيق التوحيد .
قلت: والرقية قد تكون شركًا وقد لا تكون شركًا، وأما الكيّ فليس من الشرك. وسيأتي توضيح ذلك ببيان ما على هذه من الملاحظات في الفصل الثاني -إن شاء الله تعالى-.(1/59)
العنوان الرابع: محرمات ينبغي تَجَنُّبُها:
هذا العنوان وضع الدكتور تحته خمسا وأربعين فقرة، وبعض هذه الفقرات لا يناسب وضعها تحت هذا العنوان، وهي:
2- وأنه ملعون من لعن والديه.
قلت: هل المحرم كون من لعن والديه ملعونا، أو المحرّم لعن الرجل والديه؟ الثاني هو المحرم.
3- النهي عن أن تلعن والديّ الرجل فيلعن والديك.
قلت: هل المحرم النهي عن أن تلعن والديّ الرجل، أو المحرم أن تلعن والدي الرجل؟ الثاني هو المحرم، والأول هو الحكم الشرعي، وهو النهي عن لعن الرجل والديّ الرجل.
4- تحريم كل اسم معبد لغير الله، مثل عبد الكعبة، وعبد المحسن.
قلت: هل المحرم تحريم كل اسم معبد لغير الله، أم المحرم تعبيد الاسم لغير الله؟
الثاني هو المحرم، والأول هو الحكم الشرعي، وهو تحريم تعبيد الاسم لغير الله.
5- تحريم صنع التماثيل وبيعها واقتنائها إلخ، وضرورة إزالتها.
قلت: هل المحرم تحريم صنع التماثيل وبيعها واقتنائها، أم المحرم صنع التماثيل وبيعها واقتناؤها؟ الثاني هو المحرم، والأول هو الحكم الشرعي، وهو تحريم صنع التماثيل وبيعها واقتنائها.
6- التغليظ الشديد في المصورين.
قلت: هل المحرم التغليظ على المصورين، أم المحرم التصوير؟ الثاني هو المحرم، والأول هو الحكم الشرعي، وهو التغليظ والتشديد على المصورين.
7- التصريح بأن المصورين أشد الناس عذابا يوم القيامة.
قلت: هل المحرم التصريح بأن المصورين أشد الناس عذابا يوم القيامة، أم المحرم التصوير الذي يعمله الناس؟ الثاني هو المحرم، والأول مفهوم الأدلة ومدلولها، وهو التصريح بأن المصورين أشد الناس عذابا يوم القيامة.
8- الأمر بطمس الصور والتماثيل.
قلت: هل المحرم الأمر بطمس الصور والتماثيل، أم المحرم التصوير وصنع التماثيل؟ الثاني هو المحرم، والأول هو الحكم الشرعي، وهو الأمر بطمس الصور والتماثيل.
9- أن سنة أهل الكتاب مذمومة كسنة المشركين
قلت: هل المحرم كون سنة أهل الكتاب مذمومة كسنة المشركين أم المحرم اتباع سنة أهل الكتاب ؟ الثاني هو المحرم، والأول هو الحكم الشرعي، وهو البيان والإخبار بأن سنة أهل الكتاب مذمومة كسنة المشركين فيكون خبرًا بمعنى النهي.
10 - بُعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه.
قلت: هل بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه من المحرمات، أم من الفضائل؟ بل هو من فضائلهم، فكيف يجعل تحت هذا العنوان محرمات ينبغي تجنبها.
11- من الضروري الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله.
قلت: هل الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله من المحرمات، أم من الواجبات؟، بل من الواجبات على الإنسان ألا يتكل على سعة رحمة الله، فيكون آمنا من مكر الله، فكيف يجعل الواجب محرما؟!
12- خوف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمته من الأئمة المضلين.
قلت: كيف يكون خوف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمته من الأئمة المضلين من المحرمات، بل إن هذا من كمال نصحه وشفقته -صلى الله عليه وسلم- على أمته، فكيف يجعل من المحرمات؟!
13- التحذير من مشابهة المشركين في أعيادهم.
قلت: التحذير من مشابهة المشركين ليس من المحرمات، بل هو الحكم الشرعي، والمحرم هو مشابهة المشركين في أعيادهم، فكيف يجعل التحذير منه هو المحرم؟!
14- مضرة أصحاب السوء على الإنسان.
قلت: مضرة أصحاب السوء على الإنسان خبر، وحكم بمضرة مصاحبة أهل السوء وهذا الخبر والحكم مأخوذ من النصوص، والمحرم هو مصاحبة أهل السوء، فكيف يجعل الإخبار عن مضرتهم هو المحرم؟!
15- التحذير من تعظيم الأسلاف والأكابر.
قلت: التحذير من تعظيم الأسلاف والأكابر إذا كانوا على الباطل، حكم مأخوذ من النصوص، والمحرم هو تعظيمهم، فكيف يجعل التحذير من تعظيمهم هو المحرم؟!
17- وقد ورد نفي العدوى وأنه لا يجوز الاعتقاد بها، وهي اعتقاد أن المرض بنفسه يعدي، وإنما الله هو الذي يُمرض وينزل الداء.
قلت: ورود نفي العدوى نص شرعي ورد في الحديث: لا عدوى والمحرم هو اعتقاد العدوى على ما كان يعتقده أهل الجاهلية، من كون الأمراض تعدي بطبعها، وسيأتي بيان ذلك في الفصل الثاني -إن شاء الله - فكيف يجعل ورود نفي العدوى هو المحرم، وهو النص الشرعي؟!
18- ورود أيضًا نفي الاعتقاد بالهامة.
قلت: ورود نفي الهامة في الحديث لا هامة نص شرعي، والمحرم هو اعتقاد تأثير ذلك، فكيف يجعل ورود نفيه هو المحرم، وهو نص شرعي؟!
19- ورود تحريم الاعتقاد بالصفر.
قلت: الذي ورد نفي صفر كما في الحديث لا صفر وهذا نص شرعي، والمحرم هو اعتقاد تأثير ذلك، فكيف يجعل ورود نفيه هو المحرم، وهو نص شرعي؟!
20- تحذير الناس من الغلوِّ.
قلت: تحذير الناس من الغلو حكم شرعي، دل عليه النصوص، والمحرم هو الغلو في الدين، فكيف يجعل تحذير الناس من الغلو هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
21- زوارات القبور ملعونات على لسان رسول الله، خبر وحكم شرعي دلت عليه النصوص، والمحرم هو زيارة النساء للقبور، فكيف يجعل الخبر والحكم الشرعي هو المحرم؟!
22- إن الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة، وقد ورد الوعيد الشديد لمن لا يبيع ولا يشتري إلا بيمينه.
قلت: هذا خبر وحكم شرعي مأخوذ من الحديث: الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب والمحرم تنفيق السلعة وترويجها بالحلف والأيمان، فكيف يجعل الخبر والحكم الشرعي هو المحرم؟!
24- سبب البدع كله مزج الحق بالباطل.
قلت: هذا بيان لسبب الفعل المحرم، والمحرم هو مزج الحق بالباطل حتى يكون سببا لقبول البدع، فكيف يجعل بيان ذلك هو المحرم؟! وسيأتي ما على هذه الفقرة من الملاحظات في الفصل الثاني -إن شاء الله-.
25- وقد ورد الوعيد الشديد فيمن ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية.
قلت: الوعيد الشديد على من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية حكم شرعي دلت عليه النصوص، والمحرم هو ضرب الخدود، وشق الجيوب والدعاوى بدعوى الجاهلية، فكيف يجعل الوعيد هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
26- وورد الوعيد الشديد في اليأس والقنوط من روح الله حكم شرعي، والإخبار عن وروده خبر عن حكم شرعي، والمحرم هو اليأس والقنوط من روح الله، يجعل ورود الوعيد عليه هو المحرم، وهو خبر عن حكم شرعي.
27 - ورود الوعيد الشديد فيمن أَمِنَ مكر الله.
قلت: ورود بعض الوعيد الشديد فيمن أمن مكر الله خبر عن حكم شرعي دلت عليه النصوص، والمحرم هو الأمن من مكر الله، فكيف يجعل الإخبار عن الوعيد الشديد عليه هو المحرم، وهو خبر عن حكم شرعي؟!
28 - الأمر للمحلوف له أن يرضى، وتوعد من لم يرض.
قلت: الأمر للمحلوف له بالله، وتوعد من لم يرض حكم شرعي دل عليه نص حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمحرم هو عدم الرضا بالحلف بالله، فكيف يجعل الأمر للمحلوف له بالله أن يرضى هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
29 - ذم الذين يحلفون ولا يُستحلفون إلخ.
قلت: ذم الذين يحلفون ولا يُستحلفون خبر عن حكم شرعي دل عليه النص، والمحرم هو الحلف قبل أن يستحلف، فكيف يجعل الذم عليه هو المحرم، وهو خبر عن حكم شرعي؟!
30 - ولقد ورد النهي الصريح عن قول: (لو) إذا أصاب الإنسان شيء، فإن ذلك يفتح عمل الشيطان. إلخ.
قلت: ورود النهي الصريح عن قول: (لو) إذا أصاب الإنسان شيء وأنه يفتح عمل الشيطان خبر عن الحكم الشرعي، والمحرم هو قول: " لو " إذا أصاب الإنسان شيء مما قدر عليه؛ تحسرًا وتعنتًا على القدر وملامةً له، فكيف يجعل ورود النهي عن ذلك هو المحرم، وهو خبر عن الحكم الشرعي؟!
31 - النهي عن سب الريح والإرشاد إلى أنها مأمورة.
قلت: النهي عن سبِّ الريح والإرشاد إلى أنها مأمورة ، حكم شرعي دل عليه النص، والمحرم هو سَبُّ الريح، فكيف يجعل النهي عن سبِّ الريح هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
32 - النهي عن الاستثناء في الدعاء مثل: اللهم ارحمني إن شئت. فهذا القول غير جائز إلخ.
قلت: النهي عن الاستثناء في الدعاء حكم شرعي، دل عليه النص، والمنهي عنه هو الاستثناء في الدعاء، فكيف يجعل النهي عنه هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
33 - إن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه، مثل حديث العهد بالكفر، لا يؤمن أن يكون في قلبه من تلك العادات.
قلت: هذا فهم مأخوذ من دلالة النصوص، وفائدة مستنبطة منها، فكيف يجعل ذلك من المحرمات التي ينبغي تجنبها؟!
34 - ملعون من غيّر منار الأرض.
قلت: هذا حكم شرعي دل عليه النص، وهو لَعْن من غير منار الأرض، والمحرم هو تغيير منار الأرض، فكيف يجعل الحكم عليه باللعن هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
35 - ملعون من آوى محدثا.
حكم شرعي دل عليه النص، والمحرم هو إيواء المحدث، فكيف يجعل لعنه هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
36 - تحريم سوء الظن بالله تعالى. قلت: تحريم سوء الظن بالله تعالى حكم شرعي دل عليه النص، وهو قوله تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ والمحرم هو ظن السوء بالله تعالى، فكيف يجعل تحريمه هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
37 - يجوز تسمية الإنسان بعبد الدينار وعبد الدرهم، إذا كان هناك سبب مقبول لذلك إلخ. قلت: جواز التسمية حكم شرعي دل عليه النص، فكيف يجعل من المحرمات وهو حكم شرعي؟!
38 - ضرورة ترك التحديث بما لا يفهم السامع من العلم؛ لأنه قد يفضي إلى تكذيب الله ورسوله، ولو لم يتعمد المنكر.
قلت: ترك التحديث بما لا يفهم السامع من العلم، مأخوذ من قول علي -رضي الله عنه-: " حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله " فكيف يجعل من المحرمات، وهو حكم مأخوذ من قول صحابي، لم يخالفه فيه غيره من الصحابة؟!
39 - التحذير من التألي على الله تعالى، كأن يقول: " والله لا يعفر الله لفلان".
قلت: التحذير من التألي على الله تعالى حكم شرعي مأخوذ من الحديث، والمحرم هو التألي على الله، فكيف يجعل التحذير منه هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
40 - تحريم التسخط عند الابتلاء.
قلت: تحريم التسخط عند الابتلاء حكم شرعي دل عليه النص، والمحرم هو التسخط عند الابتلاء، فكيف يجعل تحريمه هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
41 - تحريم التسمي بملك الأملاك أو قاضي القضاة أو ما في معناه إلخ.
قلت: تحريم التسمي بملك الملاك ونحوه حكم شرعي، دل عليه النص، والمحرم هو التسمي بملك الأملاك ونحوه، فكيف يجعل تحريم التسمي بذلك هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
42 - إنكار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على من قال: نستشفع بالله عليك وعدم إنكاره قول من قال: نستشفع بك على الله.
قلت: إنكار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الأعرابي الجملة الأولى، وعدم إنكاره الجملة الثانية، حكم شرعي مأخوذ من النص الشرعي، فكيف يجعل من المحرمات وهو حكم شرعي؟!
43 - تحريم الاستسقاء بالأنواء إلخ.
قلت: تحريم الاستسقاء بالأنواء حكم شرعي، دل عليه النص، والمحرم هو الاستسقاء بالأنواء، فكيف يجعل تحريمه هو المحرم، وهو الحكم الشرعي؟!
44 - تحريم الغلو في قبور الصالحين، وأن ذلك يصيرهما أوثانا تعبد من دون الله.
قلت: تحريم الغلو في قبور الصالحين حكم شرعي، دل عليه النص، وهو النهي عن الغلو في الدين، والمحرم هو الغلو في قبور الصالحين، فكيف يجعل تحريم الغلو هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!
45 - تحريم التنطُّع هو حكم شرعي، دل عليه النص، وهو قوله -عليه السلام-: هلك المتنطعون قالها ثلاثا .
والمحرم هو التنطُّع، فكيف يجعل تحريم التنطع هو المحرم، وهو حكم شرعي؟!(1/60)
العنوان الخامس: رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
هذا العنوان وضع الدكتور تحته ثماني فقرات، ولا ملاحظة على وضع هذه الفقرات تحت هذا العنوان، غير أن بعضها سيأتي البحث فيه في الفصل الثاني ببيان ما عليها من الملاحظات العلمية -إن شاء الله تعالى-.(1/61)
العنوان السادس: فوائد ومسائل متفرقة:
هذا العنوان وضع تحته الدكتور ثنتين وعشرين فقرة، وليس لي ملاحظة في وضع هذه الفقرات تحت هذا العنوان.(1/62)
الفصل الثاني: في الأخطاء والملحوظات العلمية والعَقائدية:
في أثناء قراءتي ودراستي لكتاب (القول المفيد في اختصار كتاب التوحيد) لاحظت عليه الملاحظات العلمية والعقائدية التالية:
الملحوظة الأولى: تعريف العبادة بأنها هي التوحيد:
عرّف الدكتور العبادة بأنها هي التوحيد، فقال في اختصاره لكتاب التوحيد ص 223 سطر 2 من أسفل، الصفحة تحت عنوان: مما يقتضيه التوحيد (4 - العبادة هي التوحيد، فمن لم يأت به لم يعبد الله -عز وجل-) ا هـ.
قلت: قول الدكتور: العبادة هي التوحيد، خطأ علمي، فإن العبادة هي الطاعة مع كمال الذل والخضوع وكمال المحبة، وقد تكون لله وحده، فتكون توحيدًا، وقد تكون لغير الله، فتكون شركًا وقد تكون لله ولغير الله، فتكون شركا، بخلاف التوحيد، فإنه إفراد الله بالعبادة، فلا يكون موحدًا من أشرك مع الله غيره، بخلاف العبادة، فقد يعبد الله من يعبد غيره، كحال المشركين الذين بعث إليهم نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقد كانوا يحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرا، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله من اللات والعزى ومناة بدعائها والذبح لها والنذر لها والطواف بها، وغير ذلك من أنواع العبادة.
فتبين بهذا أن العبادة ليست هي التوحيد، ويوضح هذا ما نقله الدكتور من المسائل التي استنبطها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في باب تفسير التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله في قوله: (ليس التلفظ بـ " لا إله إلا الله " وحده عاصمًا للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كون الشخص لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه) ا هـ.
قلت: وهذا واضح في أن العبادة لا تصح ولا تقبل حتى يوحد الله بها؛ ولهذا سمي هذا التوحيد توحيد العبادة وتوحيد الإلهية.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: في كتابه " التوحيد " (والتوحيد مصدر وحّد يوحّد توحيدًا، أي: جعله واحدًا، وسُمي دين الإسلام توحيدا؛ لأن مبناه على أن الله واحد في ملكه وأفعاله لا شريك له، وواحد في ذاته وصفاته لا نظير له، وواحد في إلهيته وعبادته لا ندّ له، وإلى هذه الأنواع ينقسم توحيد الأنبياء والمرسلين الذي جاءوا به من عند الله، وهي متلازمة، كل نوع منها لا ينفك عن الآخر) ا هـ.
وقال أيضًا على قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (والآية دالة على وجوب اختصاص الخالق تعالى بالعبادة؛ لأنه سبحانه هو ابتدأك بخلقك، والإنعام عليك بقدرته ومشيئته ورحمته من غير سبب منك أصلًا، وما فعله بك لا يقدر عليه غيره) ا هـ.
وقال أيضًا على قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (ودلت الآية على أن الحكمة من إرسال الرسل هو عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، وأن أصل دين الأنبياء واحد، وهو الإخلاص في العبادة لله، وإن اختلفت شرائعهم ) ا هـ.
وقال أيضًا على قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ (والمعنى أن تعبدوه، ولا تعبدوا غيره ممن لا يملك ضرا ولا نفعا، بل هو إما فقير يحتاج إلى رحمة ربه، ويرجوها كما ترجونها، وإما جماد لا يستجيب لمن دعاه) ا هـ.
قلت: وبهذا يتبين الفرق بين العبادة والتوحيد، وأن العبادة على إطلاقها ليست هي التوحيد، والله الموفق.(1/63)
الملحوظة الثانية: التعبير في بيان وجوب الصبر على أقدار الله وأنه من الإيمان غير سليم:
عبّر الدكتور في بيان وجوب الصبر على أقدار الله، وأنه من الإيمان تعبيرًا غير سليم، فقال في اختصاره لكتاب التوحيد، تحت عنوان ضرورة الإيمان بالقدر ص 225 - سطر 4 - 5.
(ليس من الضروري الإيمان بالقدر فحسب، وإنما من الإيمان أيضا الصبر على أقدار الله) ا هـ.
أقول: تعبير بقوله: (ليس من الضروري الإيمان) ليس بسليم؛ لأنه من الضروري للمؤمن، ومن أركان الإيمان التي لا يقوم الإيمان إلا بها الإيمان بالقدر، كما بين النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث جبريل المشهور، لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان، قال له: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره والتعبير السليم للدكتور أن يقول مثلًا: الإيمان بالقدر لا يكفي عن الصبر على أقدار الله، فإن الصبر على أقدار الله من الإيمان، كما أن الإيمان بالقدر من الإيمان فيجب على المؤمن الأمران: الإيمان بالقدر، والصبر على أقدار الله، وكلاهما من الإيمان.(1/64)
الملحوظة الثالثة: اعتقاد أن شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبرى لا تكون إلا لبعض أهل الموقف وهم أهل التوحيد دون أهل الشرك:
أثبت الدكتور أن شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكبرى تكون لبعض أهل الموقف، وهم أهل التوحيد خاصة، ولا تكون للبعض الآخر، وهم أهل الشرك بالله.
فقال الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد، تحت عنوان: من أسباب الشرك ومظاهره ص 225 سطر 12 (1 - لا تكون شفاعة رسول الله الكبرى لمن أشرك بالله، وإنما هي لأهل التوحيد والإخلاص) ا هـ.
قلت: وهذا خطأ علمي واعتقادي، فإن شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكبرى هي التي تكون في موقف القيامة، وهي لأهل الموقف كلهم مؤمنهم وكافرهم؛ لأن هذه الشفاعة العظمى إنما هي لإراحة الناس من موقفهم حتى يقضى بينهم، ويُفصل بينهم فيحاسبون، فيذهب فريق إلى الجنة، وفريق إلى النار.
قال في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (وذكر أيضًا -رحمه الله- يعني شيخ الإسلام ابن تيمية - أن الشفاعة الكبرى ستة أنواع: الأول الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها أولو العزم -عليهم الصلاة والسلام- حتى تنتهي إليه -صلى الله عليه وسلم- فيقول أنا لها، وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ؛ ليشفعوا لهم إلى ربهم، حتى يريحهم من مقامهم في الموقف، وهذه شفاعة يختص بها لا يشركه فيها أحد) ا هـ
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك، وقال ابن أبي عبيد فيلهمون ذلك، فيقولون: لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم -صلى الله عليه وسلم- فيقولون: أنت آدم أبو الخلق، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا - وذكر الحديث- حتى يأتون نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- .
قلت: فقوله في الحديث: يجمع الله الخلائق يوم القيامة - إلى قول الناس لآدم: اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا دليل على أن هذه الشفاعة عامة لأهل الموقف كلهم، أهل التوحيد وأهل الإشراك.
وفي طريق أخرى للحديث عن أنس -رضي الله عنه- إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لذريتك، فيقول: لست لها الحديث، حتى يشفع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر الحديث.
قلت: فظهر مما تقدم أن شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامة لأهل الموقف كلهم، أهل التوحيد وأهل الشرك، لا كما توهمه الدكتور وقرره من أنها خاصة بأهل التوحيد.(1/65)
الملحوظة الرابعة: اعتقاد أن اتخاذ النِدِّ لا يكون شركًا إلا إذا ساوت محبته محبة الله:
أثبت الدكتور في مختصره أن اتخاذ الند لا يكون شركا إلا إذا ساوت محبته محبة الله .
قال الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد ص 226 سطر 11 - 12، تحت عنوان: من أسباب الشرك ومظاهره (ومن اتخذ ندا تساوى محبته محبة الله، فهو الشرك الأكبر).
قلت: وهذا خطأ علمي واعتقادي فإن من أشرك مع الله غيره في المحبة، فقد جعله الله شريكا لله في العبادة، واتخذه ندًّا لله سواء جعله مساويا لله في المحبة، أو أحبه أشد من محبة الله، أو أن حبه لله أشد من محبته للند، كل ذلك شرك مع الله في العبادة، واتخاذ ند لله، وقد قال تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي: لا تشركون بالله شيئا من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر، وأنتم تعلمون أنه ربكم، لا رب لكم يرزقكم غيره، وقد علمتم أن الذي يدعوكم الرسول إليه من توحيده هو الحق الذي لا شك فيه، والنِدُّ: هو المثل والنظير، وجعل الند لله: هو صرف أنواع العبادة أو شيء منها لغير الله، كحال عبدة الأوثان يعتقدون فيمن دعوه ورجوه أنه ينفعهم أو يدفع عنهم ويشفع لهم قال العماد ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: قال أبو العالية لا تجعلوا لله أندادًا، أي: عدلاء وشركاء .
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مسائله التي استنبطها في "باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله ".
قال: (ومنها - أي: من الأمور المبينة لتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله آية البقرة في الكفار الذين قال الله تعالى فيهم: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدل على أنهم يحبون الله حبًّا عظيمًا، فلم يدخلهم في الإسلام، فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله؟ فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده ولم يحب الله؟ " ا هـ كلامه -رحمه الله-.
قال في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد على قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ الآية. قال العماد ابن كثير -رحمه الله-: يذكر الله حال المشركين به في الدنيا ومآلهم في الدار الآخرة، حيث جعلوا لله أندادا، أي: أمثالا ونظراء يعبدونهم معه، ويحبونهم كحبه، لا إله إلا هو، ولا ضد له، ولا ند له، ولا شريك له، وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك ا هـ.
وقال أيضا -رحمه الله- على هذه الآية: (ففي الآية بيان أن من أشرك مع الله تعالى غيره في المحبة، فقد جعله شريكًا لله في العبادة، واتخذه نِدًّا من دون الله، وأن ذلك هو الشرك الذي لا يغفره الله تعالى كما قال تعالى في أولئك: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ وقوله: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ المراد بالظلم هنا الشرك، كقوله: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ وقد تقدم. فمن أحبَّ الله وحده، وأحب فيه وله، فهو مخلص، ومن أحبه وأحب معه غيره، فهو مشرك ) ا هـ.
قلت: والخلاصة مما سبق: أن كلمة الإخلاص - لا إله إلا الله - تنفي كل شرك في أي نوع من أنواع العبادة، وتثبت العبادة بجميع أفرادها لله تعالى، فلا نِدَّ لله تعالى في نوع منها، وسواء كان هذا الند الذي أشرك به صاحبه مساويًا لله تعالى في المحبة، أو أحبه أكثر من محبة الله، أو أحب الله أكثر من محبته الند، لا كما توهمه الدكتور من أن اتخاذه الند لا يكون شركا إلا إذا ساوت محبته محبة الله.(1/66)
الملحوظة الخامسة: عدم البيان والتوضيح لمعنى عبادة الأحبار والرهبان:
بحث الدكتور معنى عبادة الأحبار والرُّهبان ولكنه أجمل في ذلك وأشار إليه إشارة، ولم يبين ذلك جليًّا.
فقال في اختصاره لكتاب التوحيد، تحت عنوان: من أسباب الشرك ومظاهره ص 226 سطر 14 - 15: (وأما عبادة الأحبار، فهي اتباعهم فيما يحلون ويحرمون، وقد أدى هذا بالناس للتحاكم إلى غير الله) ا هـ.
قلت: هكذا أجمل الدكتور، ولم يفصل، ولم يقيد الاتباع في التحليل والتحريم باعتقاد حل ذلك، والمقام يحتاج إلى بيان وإيضاح وتفصيل لأهمية هذه المسألة، وذلك أن اتباع الأحبار والرهبان وطاعتهم لا تكون عبادة لهم إلا بالاتباع الخاص والطاعة الخاصة، وهو الطاعة والاتباع في تحليل الحرام أو تحريم الحلال، بأن يعتقد المطيع والمتبع لهم حل ذلك. كما قال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ .
وقد فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية في الحديث الصحيح لعدي بن حاتم لما جاء والنبي -صلى الله عليه وسلم- يتلو هذه الآية، فقال: يا رسول الله، لسنا نعبدهم، فقال: أليسوا يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه، قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم .
قلت: ففي هذا الحديث بيان من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن طاعة العلماء والعباد واتباعهم في تحليل أو تحريم الحلال عبادة لهم؛ وذلك لأن التحريم والتحليل من خصائص الربوبية، فالرب تعالى هو المشرع، وهو المحلل، قال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ أما طاعتهم فيما أمروا به من معصية الله من دون اعتقاد حلها، فلا يكون شرك ولا عبادة لهم، بل يكون معصية لله، كما لو أطاعهم في شرب الخمر، أو في أخذ مال إنسان مع علمه واعتقاده بأنه حرام، لكن أطاعه خوفًا منه أو رجاء له في حصول دنيا، كعطية أو وظيفة، فيكون عاصيًا وفاسقًا وكفره أصغر، ولا يكون كفرًا أكبر؛ لذا ينبغي للدكتور أن يقيد الاتباع والطاعة بالطاعة الخاصة، وهي طاعتهم واتباعهم في تحليل الحرام أو تحريم الحلال، أي: اعتقاد حِلِّ ذلك.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله تعالى-: (لما كانت الطاعة من أنواع العبادة، بل هي العبادة، فإنها طاعة الله بامتثال ما أمر على ألسنة رسله -عليهم السلام- نبه المصنف -رحمه الله- بهذه الترجمة على وجه اختصاص الخالق -تبارك وتعالى- بها، وأنه لا يطاع أحد من الخلق إلا حيث كانت طاعته مندرجة تحت طاعة الله، وإلا فلا تجب طاعة أحد من الخلق استقلالًا، والمقصود هنا الطاعة الخاصة في تحريم الحلال أو تحليل الحرام، فمن أطاع مخلوقًا في ذلك غير النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه لا ينطق عن الهوى، فهو مشرك، كما بينه الله تعالى في قوله: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أي: علمائهم أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ وفسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بطاعتهم في تحريم الحلال، وتحليل الحرام، كما سيأتي في حديث عدي ) ا هـ كلامه -رحمه الله-.
قلت: وبهذا يتبين أنه لا بد من الإيضاح والبيان لهذه المسألة، وتقييد الطاعة والاتباع بالطاعة الخاصة في تحريم الحلال أو تحليل الحرام، حتى تكون عبادةً للمطاع واتخاذًا له ربًّا من دون الله، يُشَرِّع ويُحَلِّل ويُحَرِّم، والله أعلم.(1/67)
الملحوظة السادسة: اعتقاد أن تغليظ النهي في اتخاذ القبور مساجد إنما يكون في بناء مسجد يعبد الله عند قبر رجل صالح:
أثبت الدكتور أن تغليظ النهي في اتخاذ القبور مساجد، إنما يكون في بناء مسجد يعبد الله فيه عند قبر رجل صالح.
قال الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد، تحت عنوان: من أسباب الشرك ومظاهره ص 226 سطر 16 - 19: (ولذا جاءت النصوص تنهى عن الغلو، فورد تغليظ النهي في بناء مسجد يعبد الله فيه عند قبر رجل صالح، ولو صحت نيّة الفاعل، وأن من يفعل ذلك ملعون، وقرن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين من اتخذ القبور مساجد، وبين من تقوم عليه الحجة، وقد لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من اتخذ على القبور المساجد والسرج) ا هـ.
أقول: هكذا قيد الدكتور تغليظ النهي في اتخاذ القبور مساجد ببناء مسجد يعبد الله فيه عند قبر رجل صالح، وهذا التقييد ببناء المسجد لا دليل عليه، بل الأدلة تدل على أن عبادة الله عند القبر من اتخاذه مسجدا المغلظ في النهي عنه، سواء بني عنده مسجد أم لم يبن، سواء كان قبر رجل صالح أو غير صالح، كل ذلك دلت الأدلة على تغليظ النهي عنه.
وقد بوب الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتاب التوحيد في هذا الباب بثلاث تراجم:
الترجمة الأولى: ( باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين ).
الترجمة الثانية: (باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده).
الترجمة الثالثة: (باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله).
وساق الشيخ -رحمه الله- تحت الترجمة الأولى حديث البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قول الله تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم عبدت ثم ساق تعليق ابن القيم -رحمه الله- على هذا الحديث، فقال: قال ابن القيم قال غير واحد من السلف لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
قلت: وفي هذا الحديث دليل على أن هؤلاء وقعوا في الشرك وعبادة الصالحين، بسبب نصب الأنصاب في مجالسهم، وتصوير تماثيلهم، ثم عبدوهم لما طال عليهم الأمد، ونُسي العلم، وإن كانوا لم يبنوا مساجد عند قبورهم؛ ولذلك حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من الغلو وغلظ النهي عنه، وبين أنه أهلك من كان قبلنا الغلوُ، في الحديث الذي ساقه المصنف في هذا الباب: " باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين " بعد حديث ابن عباس وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو
وساق الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- تحت الترجمة الثانية: (باب من عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده) ساق حديث عائشة في الصحيحين، قالت: لما نزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجدًا.
قال الشيخ سليمان في تيسير العزيز الحميد: قوله: (يحذر ما صنعوا) إلخ الظاهر أن هذا من كلام عائشة ا هـ.
ثم ساق المؤلف -رحمه الله- مسلم عن جندب بن عبد الله قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك .
ثم قال المصنف الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- بعد هذا الحديث: فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن - وهو في هذا السياق - من فعله، والصلاة عندها من ذلك، وإن لم يبنِ مسجدًا، وكل موضع قصدت الصلاة فيه يسمى مسجدا، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ثم ساق حديث أحمد فقال: ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد ورواه أبو حاتم في صحيحه.
قلت: فتبين من كلام الشيخ -رحمه الله- على الحديث أن الصلاة عند القبور وإلى القبور من اتخاذها مساجد، الملعون فاعله، وإن لم يبنَ مسجد، وبين المصنف أن هذا هو معنى قول عائشة (خشي أن يُتخذ مسجدا، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا؛ لما علموا من تشديد النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وتغليظه ولعن فاعله، فكيف يبنون على قبره مسجدا؟! وإنما خشوا أن ذلك يعتاده بعض الجهال للصلاة عنده، من غير شعور من الصحابة بذلك؛ فلذلك دفنوه في بيته
قلت: ثم زاد المصنف ذلك إيضاحًا بقوله: (وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .
قلت: فتبين بهذا أن اتخاذ القبور مساجد المغلظ في النهي عنه، الملعون فاعله، لا يشترط فيه أن يبنى مسجدها، بل الصلاة عندها وإليها والعكوف عندها من اتخاذ القبور مساجد.
وساق المصنف الشيخ محمد -رحمه الله- تحت الترجمة الثالثة - باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يُصَيّرها أوثانا تعبد من دون الله - ساق حديث مالك في الموطأ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .
قال الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله- أراد المصنف -رحمه الله- بهذه الترجمة أمورًا:
الأول: التحذير من الغلو في قبور الصالحين.
الثاني: أن الغلو فيها يؤول إلى عبادتها.
الثالث: أنها إذا عبدت سميت أوثانا، ولو كانت قبورَ صالحين.
الرابع: التنبيه على العلة في المنع من البناء عليها، واتخاذها مساجد) ا هـ، وقال أيضًا -رحمه الله- إلى قوله: اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد هذه الجملة عدَّ الأولى تنبيه على سبب لحوق اللعن بهم، وهو توسلهم بذلك إلى أن تصير أوثانًا تُعبد، ففيه إشارة إلى ما ترجم له المصنف، وففيه تحريم البناء على القبور، وتحريم الصلاة عندها.
قلت: فظهر مما سبق أن اتخاذ القبور مساجد المغلظ في النهي عنه، يشمل العكوف عليها، والصلاة عندها وإليها، ودعاء الله وذكره عندها، والتعبد لله عندها، سواء بُني عندها أم لم يبنَ، كل هذا دلت عليه النصوص، والله أعلم.(1/68)
الملحوظة السابعة: عدم إيضاح الفرق بين الطِّيَرة والفأل:
بحث الدكتور الطِّيرة والفأل، ولكنه لم يوضح الفرق بينهما توضيحًا يحصل به المقصود، ويتضح به معنى كل منهما، فقال في اختصاره لكتاب التوحيد، تحت عنوان: من أسباب الشرك ومظاهره ص 228 سطر 3 - 6: (ويجب أن يعلم أن الطِّيَرة خلاف الفأل الذي كان يحبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالطِّيرة لا تكون إلا فيما يسوء، أما الفأل فيكون فيما يسر، مثل أن يكون رجل مريضًا فيتفاءل بما يسمع من كلام، فيسمع آخر يقول: يا سالم، والفأل الذي كان يحبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الذي فيه نوع بشارة، فيُسر به العبد، ولا يعتمد عليه، بخلاف ما يمضيه أو يرده، فإن للقلب فيه نوع اعتماد، وهذا فرق واضح بين الطِّيرة والفأل) اهـ.
أقول: لم يوضح الدكتور الفرق بين الطِّيرة والفأل، كما أن تقييده للفأل الذي يحبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالذي فيه بشارة لا وجه له؛ لأن هذا هو وصف الفأل يكون فيه نوع بشارة، والذي يظهر لي أن الفرق بين الطِّيرة والفأل من وجوه ثلاثة:
الأول: من جهة حقيقة كل منهما.
الثاني: من جهة حكم كل منهما.
الثالث: من جهة الحكمة في كل منهما.
الوجه الأول: الفرق بين الطِّيرة والفأل من جهة حقيقة كل منهما، فالطِّيرة
أولا حقيقتها: التشاؤم بما يُرى أو يُسمع من الطيور وغيرها، كما كان أهل الجاهلية يتشاءمون بالطيور، وكما كان آل فرعون إذا أصابتهم سيئة من بلاء وضيق وقحط يطَّيَّروا بموسى ومن معه، فالطِّيرة تستعمل فيما يسوء في الغالب، وربما استعملت فيما يسر، كما كان أهل الجاهلية يتمنون بالطيور إذا طار يمنة. أما الفأل فإنه يستعمل فيما يسر ويسوء.
وثانيا: أن المتطير يعتمد على ما يسمعه أو يراه حتى يمنعه مما يريد من حاجته؛ ولهذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- حد الطِّيرة المنهي عنها في حديث الفضل بن عباس الذي رواه أحمد إنما الطِّيرة ما أمضاك أو ردك .
فذكر حد الطِّيرة المنهي عنها بأنها ما يحمل الإنسان على المضي في شيء، أو يمنعه ويرده من المضي فيه. أما التفاؤل فإنه لا يعتمد عليه ولا يمضي من أجله مع نسيان التوكل على الله، فإن فعل كان ذلك من الطِّيرة، وكذلك إذا رأى أو سمع ما يكره فتشاءم به، ورده عن حاجته، كان ذلك من الطِّيرة .
الوجه الثاني: الفرق بين الطيرة والفأل من جهة الحكم، فالطيرة محرمة وهي من الشرك، لحديث ابن مسعود الذي ساقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في باب ما جاء في الطيرة من كتاب التوحيد، وهو قوله عليه السلام: الطيرة شرك، الطِّيَرة شرك فالطيرة باب من الشرك مناف للتوحيد أو لكماله.
أما الفأل: فإنه يعجب النبي -صلى الله عليه وسلم- ويحبه، وليس فيه من الشرك، وقد أوضح الفرق بين الطيرة والفأل النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ساقه الشيخ محمد -رحمه الله- في باب ما جاء في التطَيُّر من كتاب التوحيد فقال:
ولأبي داود بسند صحيح عن عروة بن عامر قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أحسنها ولا ترد مسلمًا، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الفأل من الطيرة، لما فيه من ميل القلب، وليس منها في الذم، لما فيه من النفع؛ ولأن الفأل يعرض للإنسان بسماع أو رؤية شيء من غير قصد لذلك.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد: قال ابن القيم أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الفأل من الطيرة، وهو خيرها، فأبطل الطيرة، وأخبر أن الفأل خير منها، ففصَل بين الفأل والطيرة، لما بينهما من الامتياز والتضاد، ونفع أحدهما ومضرة الآخر، ونظير هذا منعه من الرقي بالشرك، وإذنه في الرقية إذا لم يكن فيها شرك، لما فيه من المنفعة الخالية من المفسدة) ا هـ.
الوجه الثالث: الفرق بين الفأل والطِّيَرة من جهة الحكمة في تحريم الطيرة دون الفأل: الطيرة من إلقاء الشيطان ووسوسته وتخويفه، وهي منافية للتوكل على الله، والطيرة من سوء الظن بالله، وتوقع البلاء؛ ولأنها يتعلق بها القلب خوفًا وطمعًا فيرجع عما كان عازمًا على المضي فيه بسبب الطيرة أو لا يرجع، ولكن يبقى في قلبه من القلق والخوف والوساوس والهموم ما يكون منافيا للطمأنينة، وانشراح الصدر، والتوكل على الله.
أما الفأل: ففيه تأميل فائدة الله، ورجاء عائده عند كل سبب ضعيف أو قوي، فيكون على خير، لما في ذلك من حسن ظن بالله على كل حال، ولو غلظ المتفائل في وجه الرجاء، فإن الرجاء له خير، وفي الفأل إبانة عن مقتضى الطبيعة، والفطرة الإنسانية التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها " ولأن الفأل فيه نوع من بشارة، فيُسَرُّ به العبد، ولا يعتمد عليه، بخلاف ما يمضيه أو يرده، فإن للقلب فيه نوع اعتماد.
وقال الحليمي إنما كان (يعجبه الفأل؛ لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن الظن بالله، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال. .
وقال ابن القيم -رحمه الله-: ليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة، ومن واجب الفطرة الإنسانية التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها، كما أخبرهم أنه حبب إليه من الدنيا النساء والطيب، وكان يحب الحلوى والعسل، ويحب حسن الصوت بالقرآن والأذان، ويستمع إليه، ويحب معالي الأخلاق ومكارم الشيم، وبالجملة يحب كل كمال وخير وما يفضي إليهما.
قلت: فظهر من هذا أن الفأل لا يخل بعقيدة الإنسان، ولا بعقله، وليس فيه تعليق القلب بغير الله، بل فيه من المصلحة حصول النشاط والسرور، وتقوية النفوس على المطالب النافعة.
والطِّيَرة تؤثر على إيمان الإنسان وتخل بتوحيده وتوكله وعقله، وفيه من تعليق القلب بذلك المكروه، وفيها من ضعف القلب ووهنه وخوفه من المخلوقين، وانقطاع قلبه من تعليقه بالله ما لا يخفى، وبهذا يتبين الفرق واضحًا بين حقيقة كل من الطيرة والفأل، وحكم كل منهما، مع بيان الحكمة في ذلك والله أعلم.(1/69)
الملحوظة الثامنة: الحكم على الرقية والكيّ بأنها من الشرك وتركهما من تحقيق التوحيد وقصر الرخصة في الرقية الخالية من الشرك على العين والحمة:
فقال في اختصاره لكتاب التوحيد، تحت عنوان: من أسباب الشرك ومظاهره ص 228 - 229 (ومن الشرك الرقية والكيّ، وتركهما من تحقيق التوحيد، أما الرقى فتسمى العزائم، وخصّ منها الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين العين والحمة، فإذا تضمن الكلام الحق، فإنه ليس من المنهي عنه، أما المنهي عنه في الكي فهو الاعتقاد أن الشفاء فيه، كما كان عليه أهل الجاهلية) ا هـ.
أقول: هكذا حكم الدكتور على الكي بأنه من الشرك، وأن تركه من تحقيق التوحيد، ثم قيد ذلك في آخر كلامه، بأن المنهي عنه هو اعتقاد الشفاء فيه كما كان عليه أهل الجاهلية، والحكم على الكي بأنه من الشرك خطأ اعتقادي وعلمي، إذ لا دليل يدل على أن الكي من الشرك، بل الكيّ جائز في نفسه، وجاءت النصوص بجوازه في صحيح البخاري وغيره، وذكر ابن القيم -رحمه الله- أن أحاديث الكي أربعة أنواع ولا تعارض بينها.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله- (أما الكيّ في نفسه فجائز، كما في الصحيح عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى أبيّ بن كعب طبيبًا، فقطع له عرقًا وكواه وفي صحيح البخاري عن أنس: أنه كوي من ذات الجنب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي وروى الترمذي وغيره عن أنس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كوى سعد بن زرارة من الشوكة (مرض) وفي صحيح البخاري عن ابن عباس مرفوعًا: الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى عن الكي وفي لفظ: وما أحب أن أكتوي .
قال ابن القيم -رحمه الله-: فقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع: أحدها فعله، الثاني: عدم محبته له، الثالث: الثناء على من تركه، الرابع: النهي عنه، ولا تعارض بينهما بحمد الله، فإن فِعْلَه له يدل على جوازه، وعدم محبته له يدل على المنع منه، وأما الثناء على تاركيه، فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهية) ا هـ.
قلت: فتبين بهذا أن الكي ليس حرامًا، وليس من الشرك كما قال الدكتور، بل هو جائز، وقول الدكتور: (أما النهي عنه في الكي، فهو الاعتقاد أن الشفاء فيه كما كان عليه أهل الجاهلية) قلت: إن اعتقد أن الشفاء فيه بمعنى أن الله جعل فيه الشفاء، فهذا اعتقاد صحيح، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثبت أن الشفاء فيه كما سبق في حديث ابن عباس الذي مَرَّ آنفا: الشفاء في ثلاث: شربة عسل الحديث.
وإن اعتقد أن الكيّ يشفي بنفسه وذاته، فهو يؤثر بذاته من دون الله، فهذا لا يعتقده مسلم؛ لأن هذا من الشرك في الربوبية.
وقول الدكتور: (كما كان عليه أهل الجاهلية) لا أدري هل أهل الجاهلية يعتقدون أن الكي يشفي بنفسه أم لا؟ فهذا يحتاج إلى دليل.
أما الرقى: التي تسمى العزائم، فقد خص فيها الدليل ما خلا من الشرك، ورخص فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- من العين والحمة كما ذكر الدكتور، ولكن لم يقصر الشارع الرخصة في الرقية - الخالية من الشرك - على العين والحمة كما هو ظاهر كلام الدكتور، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص أيضًا في الرقية - إذا خلت من الشرك - في غير العين والحمة، كما في حديث بريدة بن الحصيب الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وساقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتاب التوحيد في باب: من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، وهو: لا رقية إلا من عين أو حمة فهذا فيه الرخصة في الرقية من العين والحمة، وفي غيرهما جاءت نصوص منها: ما في صحيح مسلم عن عوف بن مالك قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول …الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا عليّ رقاكم لا بأس بالرقي ما لم تكن فيه شرك .
وفي صحيح مسلم عن أنس -رضي الله عنه- قال: رخّص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الرقية من العين والحمة والنملة .
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- مرفوعًا: لا رقية إلا من عين، أو حمة، أو ورم رواه أبو داود.
قال الخطابي وكان -عليه السلام- قد رَقَى، ورُقِيَ، وأمر بها وأجازها، ما إذا كانت بالقرآن أو بأسماء الله تعالى، فهي مباحة أو مأمور بها) ا هـ .
قلت: وهذه الأحاديث التي جاءت في الرخصة في الرقية في غير العين والحمة لا تعارض حديث: لا رقية إلا من عين أو حمة ؛ لأن معنى الحديث: لا رقية أشفى وأولى من الرقية في العين والحمة .
قلت: ولكن من تحقيق التوحيد وتدقيقه وتخليصه وتصفيته وتنقيته ترك الاسترقاء والكيّ، فقد جاء في حديث ابن عباس الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما - وساقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتاب التوحيد في باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، جاء في وصف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب: هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون فهم لا يسترقون ولا يكتوون، والمعنى أنهم لا يسألون غيرهم أن يرقيهم، ولا يسألون غيرهم أن يكويهم، استسلامًا للقضاء وتلذذًا بالبلاء .
قلت: فاتضح مما سبق حكم كل من الكيّ والرقية، وأن الكي جائز وتركه أولى وأن الرقية الممنوعة ما كان فيها شرك، وأما الرقية الخالية من الشرك، فإنها مباحة أو مأمور بها، والله الموفق لا إله غيره، ولا رب سواه.(1/70)
الملحوظة التاسعة: إطلاق التحذير من تعظيم الأسلاف والأكابر:
أطلق الدكتور في التحذير من تعظيم الأسلاف والأكابر، فقال في اختصاره لكتاب التوحيد تحت عنوان: محرمات ينبغي تجنبها - ص 230 سطر 16 (15 - التحذير من تعظيم الأسلاف والأكابر) ا هـ.
قلت: هكذا أطلق الدكتور المنع من تعظيم الأسلاف والأكابر، ولم يقيد هذا المنع، والذي ينبغي أن يقيد ذلك بالتعظيم الزائد عن المشروع، مثل أن تجعل أقوالهم حجة يرجع إليها عند التنازع، وكذلك الأسلاف والأكابر غير المسلمين لا يعظمون ولا يقتدى بأقوالهم ولا بأفعالهم، ولا يدعى لهم.
أما تعظيم الأسلاف والأكابر من المسلمين في حدود الشرع، كالدعاء لهم، والاقتداء بأفعالهم الطيبة، فلا بأس بذلك، بل هو مشروع .(1/71)
الملحوظة العاشرة: عدم إيضاح معنى نفي العدوى في حديث أبي هريرة لا عدوى ولا طِيَرَة ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ:
بحث الدكتور معنى نفي العدوى في قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة في الصحيحين: لا عدوى ولا طِيَرة ولا هامة ولا صَفَرَ ولكنه لم يوضح معنى نفي العدوى بما يحصل به المقصود والفائدة، فقال في اختصاره لكتاب التوحيد تحت عنوان: محرمات ينبغي تجنبها، ص 230 سطر 19 - 20: (وقد ورد نفي العدوى، وأنه لا يجوز الاعتقاد بها، وهي اعتقاد أن المرض بنفسه يتعدى، وإنما الله الذي يمرض وينزل الداء) ا هـ.
قلت: ينبغي أن يوضح معنى - نفى العدوى - في الحديث على ضوء ما دلت عليه النصوص، وقرره العلماء، فنقول في بيان ذلك وبالله التوفيق:
قال ابن الأثير الجزري في غريب الحديث: العدوى، اسم من الإعداء، كالدعوى والبقْوى من الادعاء والإبقاء، يقال: أعداه الداء يعديه إعداء، إذا أصابه، مثل ما بصاحب الداء) ا هـ.
وقال غيره: العدوى، هو اسم من الإعداء، وهو من مجاوزة العلة من صاحبها إلا غيره، والمنفي سراية العلة أو إضافتها إلى العلة والأول هو الظاهر وحديث أبي هريرة هذا: لا عدوى ولا طِيَرة ولا هامة ولا صَفَرَ هو في الصحيحين وفي رواية لمسلم أن أبا هريرة كان يحدث بحديث: "لا عدوى"، ويحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لا يورد ممرض على مصح وأمسك عن الحديث "لا عدوى" فراجعوه وقالوا: سمعناك تحدث به، فأبى أن يعترف به. قال أبو سلمة الراوي، عن أبي هريرة فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر.
وقد روى حديث "لا عدوى" جماعة من الصحابة، منهم أنس بن مالك وجابر بن عبد الله والسائب بن يزيد وابن عمر وغيرهم -رضي الله عنهم-، وفي بعض الروايات هذا الحديث: وفر من المجذوم فرارك من الأسد .
وقد اختلف العلماء في ذلك اختلافًا كثيرًا، وخلاصة ذلك أن للعلماء في الجمع بين هذه النصوص أربعة أقوال:
الأول: ذهب طائفة من العلماء إلى العمل بأحاديث الاجتناب وترجيحها؛ لأنها أكثر، فالمصير إليها أولى، وردوا حديث "لا عدوى" بأن أبا هريرة رجع عنه، وهذا قول مرجوح، بل ضعيف؛ لأن حديث "لا عدوى" رواه جماعة من الصحابة كما سبق بيانه قريبًا.
الثاني: ذهب آخرون من أهل العلم إلى العمل بحديث "لا عدوى" وترجيحه، وأعلوا أحاديث الاجتناب بالشذوذ، كحديث: فر من المجذوم فرارك من الأسد أعلوه بأن عائشة أنكرته، كما روى ابن جرير عنها أن امرأة سألتها عنه، فقالت: ما قال ذلك، لكنه قال: "لا عدوى"، وقال: فمن أعدى الأول وهذا قول مرجوح أيضًا، فإن الأحاديث في الاجتناب ثابتة.
الثالث: ذهب طائفة من العلماء إلى حمل الإثبات والنفي على حالتين مختلفتين، فيحمل على حديث "لا عدوى" على من قوي يقينه وصح توكله، بحيث يستطيع أن يدفع عن نفسه اعتقاد العدوى، ويحمل حديث الإثبات على ضعيف الإيمان والتوكل، وهذا قول مرجوح أيضًا؛ لأنه يمكن حمل الأمر بالمجانبة على حسم المادة، وسد الذريعة؛ لئلا يحدث للمخاطب شيء، فيظن أنه بسبب المخالطة، فيثبت العدوى التي نفاها الشارع.
الرابع: وهو أرجحها وأصحها، ما قاله البيهقي وتبعه ابن الصلاح وابن القيم وابن رجب وابن مفلح وغيرهم. أن قوله الحديث: "لا عدوى" على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وأن هذه الأمور تعدي بطبعها، وإلا فقد يجعل الله بمشيئة مخالطة الصحيح من به شيء من الأمراض سببًا لحدوث ذلك؛ ولهذا قال: فر من المجذوم فرارك من الأسد وقال: لا يورد ممرض على مصح وقال في الطاعون: من سمع به في أرض، فلا يقدم عليه وكل ذلك بتقدير الله تعالى، كما قال في الحديث: فمن أعدى الأول فأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن ذلك كله بقضاء الله وقدره، والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء وفي النار، مما جرت العادة أنه يهلك أو يضر، فكذلك اجتناب مقاربة المريض المجذوم، والقدوم على بلد الطاعون، فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف، والله تعالى هو خالق الأسباب ومسبباتها، لا خالق غيره ولا مقدر غيره.
قلت: وبهذا يتضح معنى نفي العدوى في حديث أبي هريرة لا عدوى ولا طِيَرَةَ الحديث. والجمع بينه وبين النصوص التي فيها الأمر بمجانبة من به شيء من الأمراض، وأنها متوافقة بحمد الله لا تعارض بينها، ولله الحمد والمنة.(1/72)
الملحوظة الحادية عشرة: الاقتصار على بعض المعاني التي قيلت في معنى نفي صَفَرَ في حديث أبي هريرة لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ:
بحث الدكتور معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- (ولا صَفَرَ) في حديث أبي هريرة لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر واقتصر على أحد المعنيين، وأغفل المعنى الآخر الذي قاله العلماء. فقال الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد تحت عنوان: محرمات ينبغي تجنبها، ص 231 سطر 1 - 2: (19 - وورد تحريم الاعتقاد بالصفر، وهي حسب اعتقاد العرب قبل الإسلام دود تَهِيْجُ في البطن عند الجوع، وربما قتلت صاحبها، وكانت العرب تراها أعدى من الجرب) ا هـ.
قلت: هكذا اقتصر الدكتور على أحد المعنيين اللذين قيلا في معنى صفر في الحديث، وقد ذكر العلماء معنى آخر أغفله الدكتور، وهو أن المراد به شهر صفر، والنفي للنسيء الذي يعمله أهل الجاهلية وهو كونهم يحلون المحرم، ويحرمون (صفر) مكانه، أو النفي للتشاؤم به، كما كان أهل الجاهلية يتشاءمون بصفر ويقولون: إنه شهر مشئوم، فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وصحح هذا القول ابن رجب -رحمه الله-.
قال في فتح المجيد: (قوله: (ولا صفر) بفتح الفاء، روى أبو عبيدة في غريب الحديث عن رؤبة أنه قال: هي حية تكون في البطن، تصيب الماشية والناس، وهي أعدى من الجرب عند العرب، وعليه فالمراد بنفيه هذا ما كانوا يعتقدونه من العدوى، وممن قال بهذا سفيان بن عيينة والإمام أحمد والبخاري وابن جرير
وقال آخرون: المراد به شهر صفر، والنفي لِمَا كان أهل الجاهلية يفعلونه من النسيء، وكانوا يحلون المحرم، ويحرمون صفر مكانه، وهو قول مالك روى أبو داود عن محمد بن راشد عمن سمعته يقول: إن أهل الجاهلية يتشاءمون بصفر، ويقولون: إنه شهر مشئوم، فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك. قال ابن رجب ولعل هذا القول أشبه الأقوال، والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنه، وكذلك التشاؤم بيوم من الأيام كيوم الأربعاء، وتشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح خاصة) ا هـ.
قلت: وبذكر هذين المعنيين تستوفي المعاني التي قيلت في معنى نفي صفر في الحديث، ويتضح ذلك لمن أراد الوقوف عليها، والله أعلم.(1/73)
الملحوظة الثانية عشرة: التعليل لذم الذين يحلفون ولا يستحلفون بأنهم مُسْتَخِفُّونَ بأمر الشهادة:
بحث الدكتور ذم الذين يحلفون ولا يُسْتحلفون وعلل ذمهم باستخفافهم بأمر الشهادة، وعدم تحريهم للصدق.
فقال الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد، تحت عنوان: محرمات ينبغي تجنبها، ص 231 سطر 13 - 14، (29 - ذم الذين يحلفون ولا يُسْتحلفون لاستخفافهم بأمر الشهادة، وعدم تحريهم الصدق لقلة دينهم، وضعف إسلامهم ) ا هـ.
قلت: هكذا علل الدكتور ذم الذين يحلفون ولا يُستحلفون باستخفافهم بأمر الشهادة، وهذا التعليل ليس بظاهر، إذ كيف يكون الاستخفاف بالشهادة تعليلًا للمسارعة في الحلف بدون استحلاف، والظاهر أن يعلل ذم الذين يحلفون ولا يُستحلفون بالاستخفاف بأمر اليمين، وعدم التعظيم لله، وقلة الخوف من الله، وعدم المبالاة بذلك، وهذا ينافي كمال التوحيد الواجب .(1/74)
الملحوظة الثالثة عشرة: إطلاق القول بوجوب الرضا بما قضاه الله وقدره دون الإشارة إلى خلاف العلماء في ذلك:
بحث الدكتور التسليم للقدر والرضا به، واحتساب الثواب عليه، وأطلق القول بوجوب الرضا بما قدره الله، ولم يذكر خلاف العلماء في ذلك.
قال الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد تحت عنوان: محرمات ينبغي تجنبها ص 231 سطر 15 - 17، (30 - ولقد ورد النهي الصريح عن قول "لو" إذا أصاب الإنسان شيء، فإن ذلك يفتح عمل الشيطان، ولكن يقول الإنسان: قدَّر الله وما شاء فعل، أي: هذا قَدَرُ الله والواجب التسليم للقدر والرضا به، واحتساب الثواب عليه) ا هـ.
قلت: هكذا جمع الدكتور بين الصبر على القدر والتسليم له، وبين الرضا به في الحكم، مع أن هناك فرقا بينهما في الحكم، فالصبر على المقدور والتسليم للقدر واجب بالاتفاق، ويدل عليه ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: اثنان في الناس هما بهم كُفْرٌ: الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت وقد ساق الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- هذا الحديث في باب: "من الإيمان الصبر على أقدار الله " من كتاب التوحيد.
فالحديث يدل على أن الصبر على القَدَرِ واجب؛ لأن النياحة منافية له، فلما حُرِّمت، دل ذلك على وجوب الصبر، وذلك لما في النياحة، التي هي رفع الصوت بالبكاء، وتعداد محاسن الميت، من التسخط على القدر، والجزع المنافي للصبر، كقول النائحة مثلا: واعضداه، واناطراه، واكاسياه
أما الرضا بما قضاه وقدره، وهو أن يسلم العبد أمره إلى الله، ويحسن الظن به، ويرغب في ثوابه، فلا يعترض على حكم الله القدري، كما لا يعترض على حكم الله الشرعي، ولا يتسخطه ولا يكرهه، والسخط هو الكراهية للشيء وعدم الرضا به، ولن يصيب العبد حقيقة الرضا حتى يكون رضاه عند الفقر و البلاء كرضاه عند الغنى والرخاء، فمن رضي فله الرضا من الله، ومن سخط على أقدار الله فله السخط، وكفى بذلك عقوبة.
وقد ورد ما يدل على فضيلة الرضا بأقدار الله المؤلمة، كالحديث الذي رواه الترمذي وحسنه، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط وقد ساق الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- هذا الحديث في: (باب من الإيمان الصبر على أقدار الله) من كتاب التوحيد.
واختلف العلماء: في وجوب الرضا بأقدار الله المؤلمة، فذهب ابن عقيل من الحنابلة إلى وجوب الرضا، مستدلًا بحديث الترمذي الذي سيق قريبًا، ومنه: فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط .
وذهب القاضي من الحنابلة إلى عدم وجوب الرضا بالبلاء والمصائب، بل يستحب الرضا فقط، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وتلميذه ابن القيم -رحمه الله-، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " ولم يجئ الأمر بالرضا كما جاء الأمر بالصبر، وإنما جاء الثناء على أصحابه ومدحهم " قال: وأما ما يروى: " من لم يصبر على بلائي، ومن لم يرض بقضائي، فليتخذ ربا سواي ". فهذا إسرائيلي، لم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " وأعلى من ذلك - أي من الرضا بالمصائب - أن يشكر على المصيبة، لما يرى من إنعام الله عليه بها ".
قلت: يستخلص مما سبق من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- وكلام غيره، أن الإنسان له عند المصائب ثلاث حالات:
الحالة الأولى: الصبر على المصيبة فقط دون الرضا بها.
الحالة الثانية: الصبر على المصيبة والرضا بها.
الحالة الثالثة: الصبر على المصيبة والرضا بها، وشُكْر الله عليها؛ لما يرى من إنعام الله عليه بها، فهي حالات ثلاث للإنسان عند المصائب تتفاوت في الفضل والكمال، أما الحالة الرابعة، وهي التسخط والجزع عند المصيبة، وعدم الصبر، فهذه محرمة وصاحبها عاصٍ لله، ومتعرض للعقوبة.
فائدة في الفرق بين الصبر والرضا.
قال طائفة من السلف إن الراضي لا يتمنى غير حاله التي هو عليها، بخلاف الصابر. وقيل: الرضا أن يكون الرجل قبل نزول المصيبة راضٍ بأي ذلك كان والصبر، وأن يكون بعد نزول المصيبة يصبر، وأجيب عن هذا الأخير بأن هذا عزم على الرضا، وليس هو الرضا، فإن الرضا يكون بعد القضاء لا قبله، كما في الحديث: وأسألك الرضا بعد القضاء ولأن العبد قد يعزم على الرضا بالقضاء قبل وقوعه، فهو الراضي حقيقة.
قلت: فتبين مما سبق أن الصبر: هو أن يحبس نفسه، ويمنعها من التسخط، ويحبس لسانه، ويمنعه من التشكي، ويحبس جوارحه، ويمنعها من المحرمات، كاللطم للخدّ، والشق للثوب، وغير ذلك، وأن الصبر واجب لا بد منه للمؤمن، وهو من الإيمان.
وأما الرضا بالقضاء، فهو فوق حالة الصبر، يكون بعد القضاء لا قبله، مطمئنًا منشرح الصدر لما نزل به، غير متمنٍ حالة أخرى غير حاله التي عليها، والرضا مستحب عند العلماء، والوجوب فيه خلاف بينهم، واختار شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله- عدم الوجوب، وأعلى من الرضا بالقضاء، الشكر لله على المصيبة؛ لكونه يراها نعمة أنعم الله بها عليه، وحال الشاكر أعلى الحالات وأكملها في الفضل، والله أعلم.(1/75)
الملحوظة الرابعة عشرة: إثبات أن أعمال الأمة تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم في البرزخ:
أثبت الدكتور أن أعمال الأمة تعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- في البرزخ قال الدكتور في اختصاره لكتاب التوحيد تحت عنوان: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ص 233 سطر 8: (إن أعمال أمته تعرض عليه في البرزخ) ا هـ.
أقول: هكذا أثبت الدكتور أن أعمال الأمة تعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- في البرزخ بإطلاق، وهذا لا تدل عليه النصوص، وإنما الذي تدل عليه النصوص هو عرض الصلاة والسلام عليه خاصة من أعمال الأمة في البرزخ، وليست أعمال الأمة كلها تعرض عليه، كما هو ظاهر كلام الدكتور، فإن الأدلة لا تدل على ما توهمه الدكتور في ذلك.
والدليل على أن الذي يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- في البرزخ الصلاة والسلام عليه خاصة دون بقية أعمال الأمة نصوص، منها حديثان ساقهما الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في باب (ما جاء في حماية المصطفى جناب التوحيد، وسدّه كل طريق يوصل إلى الشرك) من كتاب التوحيد، وهما حديثان جيدان:
أحدهما: رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم .
والثاني: رواه أبو يعلى والقاضي إسماعيل والحافظ الضياء في المختارة، عن أبي علي بن الحسين أن رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي، عن جدي، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تتخذوا قبري عيدًا، ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا عليّ، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مسائله في هذا الباب: (التاسعة كونه -صلى الله عليه وسلم- في البرزخ تعرض عليه أعمال أمته في الصلاة والسلام عليه) ا هـ.
قال الشيخ محمد حامد فقي تعليقًا على هذه المسألة في تحقيقه لفتح المجيد في شرح كتاب التوحيد: (يريد المصنف -رحمه الله- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعرض عليه من أعمالنا إلا الصلاة والسلام عليه فقط، لا كما يظنه المبتدعون أن كل الأعمال تعرض عليه، فإن وجد خيرًا حمد الله، وإن وجد غير ذلك استغفر الله. مستدلين على ذلك بحديث أوهى من بيت العنكبوت، ومعرضين عن صحاح النصوص من الكتاب والسنة التي رواها البخاري ومسلم ) ا هـ.
ونقل الشيخ سليمان في تيسير العزيز الحميد، وكذلك الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة السابق: وصلوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم قال شيخ الإسلام: يشير بذلك إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم، فلا حاجة لكم إلى اتخاذه عيدًا) ا هـ كلامه -رحمه الله-
ومن الأدلة على أن أعمال الأمة لا تعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لا يدري عنها، ما ثبت في الصحيحين، واللفظ للبخاري عن سهل بن سعد الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني فرطكم على الحوض، من مر عليّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، ليَرِدَنَّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت: نعم. فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري سمعته وهو يزيد: فأقوال: إنهم من أمتي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فقال: سُحْقًا سحقا لمن غيّر بعدي " سحقًا أي بعدًا ".
قلت: فقوله في الحديث: فيقال: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" صريح في أن أعمال أمته لا تعرض عليه، وأنه لا يدري عنها.
قلت: وبهذا يتبين أن القول بأن أعمال الأمة كلها تعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- في البرزخ خطأ اعتقادي، وأن الصواب أنه إنما يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- في البرزخ من أعمال الأمة الصلاة والسلام عليه خاصة، دون بقية أعمال الأمة، كما دلت على ذلك النصوص السابقة وغيرها من النصوص. والله الموفق، والهادي إلى سبيل الرشاد.(1/76)
خاتمة في شرف العلم والتعليم وذكر أقسام بني آدم بالنسبة إليه
وردت النصوص الكثيرة من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في شرف العلم والتعليم، وأن العلماء ورثة الأنبياء قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .
ولا شك أن الناس أقسام بالنسبة إلى العلم والهدى الذي جاء به نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فمن الناس من رُزق حفظًا للعلم، وفهمًا له ولمعانيه، يستطيع أن يستنبط الأحكام والحكم والفوائد منه، ومن الناس من رُزق حفظًا للعلم، وضبطًا له، ولم يرزق فقهًا في معانيه، ولا استنباطًا للأحكام والفوائد. فهذا القسم من الناس دون القسم الأول في الفضل وعلو المكانة، وإن كانوا على جادة الصواب، فهم أصحاب يمين مقتصد، والأولون سابقون ومقربون. ومن الناس من لم يرزق حفظًا لهذا العلم، ولا فهمًا له، فلم يقبلوا هدى الله، ولم يرفعوا به رأسًا، فلا عِلْم، ولا تعليم، فهؤلاء شر الأقسام، وهم أهل النار والعياذ بالله. وقد استحسنت أن يكون هذا القسم ومسك ختامه نقل كلام للإمام ابن القيم -رحمه الله- على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يرويه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- في شرف العلم والتعليم، وأقسام بني آدم بالنسبة إليه.
قال -رحمه الله-: (الوجه الثاني والأربعون: ما في الصحيحين أيضا من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به .
شبه -صلى الله عليه وسلم- العلم والهدى الذي جاء به بالغيث، لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة والمنافع والأغذية والأدوية وسائر مصالح العباد، فإنها بالعلم والمطر، وشبه القلوب بالأراضي التي يقع عليها المطر؛ لأنها المحل الذي يمسك الماء، فينبت سائر أنواع النبات النافع، كما أن القلوب تعي العلم، فيثمر فيها، ويزكو وتظهر بركته وثمرته، ثم قسم الناس إلى ثلاثة أقسام، بحسب قولهم واستعدادهم لحفظه، وفهم معانيه، واستنباط أحكامه، واستخراج حكمه وفوائده:
أحدها: أهل الحفظ والفهم الذين حفظوه وعقلوه وفهموا معانيه، واستنبطوا وجوه الأحكام والفوائد منه، فهولاء بمنزلة الأرض التي قبلت الماء، وهذا بمنزلة الحفظ - فأنبتت الكلأ والعشب الكثير - وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط، فإنه بمنزلة الكلأ والعشب والماء، فهذا مثل الحُفَّاظ الفقهاء، أهل الرواية والدراية.
القسم الثاني: أهل الحفظ الذين رزقوا حفظه ونقله وضبطه، ولم يرزقوا تَفَهُّمًا في معانيه، ولا استنباطًا ولا استخراجًا لوجوه الحكم والفوائد منه، فهم بمنزلة من يقرأ ويحفظه، ويراعى حروفه، وإعرابه، ولم يرزق فيه فهمًا خاصًا من الله - كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "إلا فهما يؤتيه الله عبدًا في كتابه، والناس متفاوتون في الفهم عن الله ورسوله أعظم تفاوت، فرُبَّ شخص يفهم من النص حكما أو حكمين، ويفهم منه الآخر مائة أو مائتين، فهؤلاء بمنزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس فانتفعوا به، هذا يشرب منه، وهذا يسقي، وهذا يزرع، فهؤلاء القسمان هم السعداء، والأولون أرفع درجةً وأعلى قدرًا ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .
القسم الثالث: الذين لا نصيب لهم منه، لا حفظًا ولا فهمًا ولا رواية ولا دراية، بل هم بمنزلة الأرض التي هي قيعان، لا تنبت ولا تمسك الماء، وهؤلاء هم الأشقياء، والقسمان الأولان اشتركا في العلم والتعليم، كلّ بحسب ما قبله ووصل إليه، فهذا يعلم ألفاظ القرآن ويحفظها، وهذا يعلم معانيه وأحكامه وعلومه، والقسم الثالث لا علم ولا تعليم، فهم الذين لم يرفعوا بهدى الله رأسا، ولم يقبلوه، وهؤلاء شرُّ الأنعام، وهم وقود النار.
فقد اشتمل هذا الحديث الشريف على التنبيه على شرف العلم والتعليم، وعظم موقعه، وشقاء من ليس من أهله، وذكر أقسام بني آدم بالنسبة فيه إلى شقيّهم وسعيدهم، وتقسيم سعيدهم إلى سابق مقرب، وسابق يمين مقتصد، وفيه دلالة على أن حاجة العباد إلى العلم، كحاجتهم إلى المطر، بل أعظم وأنهم إذا فقدوا العلم، فهم بمنزلة الأرض التي فقدت الغيث.
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: الناس محتاجون إلى العلم، أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس) ا هـ كلامه -رحمه الله-
وبهذا ينتهي القسم الثاني من دراسة الكتاب - حوار مع القيسي في اختصاره لكتاب التوحيد - ونسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن أراد به خيرًا، وفقهه في الدين، فعلم وعمل وعلّم، ففي الصحيحين من حديث معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدين ونسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في الأعمال، والصدق في الأقوال، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
وكان الفراغ منه في يوم السابع عشر
من شهر ذي القعدة عام خمس
وأربعمائة وألف للهجرة النبوية.
بقلم الفقير إلى الله عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي(1/77)