سلسلة التنبيهات العلمية ( 4 )
فتح المعبود
في بيان
الهفوات في كتاب بذل المجهود
تأليف
د . محمد بن عبدالرحمن الخميس
أخوكم في الله : أبوخطاب العوضي
ahalalquran@hotmail.com
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن الله إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )(1) , ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً )(2) , ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )(3) .
وبعد : فإن مصنف كتاب بذل المجهود من كبار أئمة الحنفية في الفروع , في العصور المتأخرة ومن المعتنقين بمذهب الإرجاء في مسمى الإيمان وحقيقته , ومن المعطلة لصفات رب العالمين فقد شرح سنن أبي داود , ومن جملة هذه السنن , كتاب السنة الذي رد فيه الإمام الحافظ أبو داود – رحمه الله – على الجهمية , وكشف عوارهم بالآثار النبوية فأتى المصنف شارح السنن – غفر الله له – ليصرف كلام أبي داود – رحمه الله – عما أراده به , ويدافع عن أهل الإرجاء من المتكلمين , ومعطلة صفات رب العالمين , فخرج بشرحه عما أراده أبو داود – رحمه الله – من عقده هذا الكتاب في سننه العظيمة , ولذا فقد شرح الله صدري لتعقب هفواته التي وقعت في هذا الشرح , مقتصراً على تلك التي وقعت أثناء شرحه لكتاب السنة , أما أبواب الفروع فإن أمرها يسير والحمد لله .
__________
(1) سورة آل عمران , الآية 102 .
(2) سورة الأحزاب , الآيتان 70 – 71 .
(3) سورة النساء الآية 1(1/1)
كما أنني لن أطيل أو استطرد في الرد عليه , فليس هذا هو غرضي من تأليف الكتاب , وما أكثر الكتب التي كتبها أهل العلم في الرد على المعطلة النفاة , والقبورية و الغلاة , وغيرهم وإنما قصدي مجرد التنبيه على تلك الأخطاء , وكشف عوارها على وجه الإجمال .
وأسأل الله القبول والسداد , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين .
د . محمد بن عبدالرحمن الخميس
قوله ( الإرجاء اعتقاد أنه لا يضر مع الإيمان معصية )(1) .
قلت : هذا التفسير باطل لأنه حصر للعام في بعض أفراده وتغيير للمطلق بالمقيدة , والباعث عليه هو الدفاع عن الماتريدية , فإنهم قائلون بنوع من الإرجاء .
فجاء المصنف ففصر الإرجاء بحيث لا يتناول إرجاء الماتريدية , مع أن الصواب : أن إرجاء الماتريدية من أوضح أنواع الإرجاء وتفصيل أن يقال : إن الإرجاء أربعة أقسام :
الأول : إرجاء غلاة الغلاة من المرجئة الجهمية الأولى , فالإيمان عندهم مجرد المعرفة بالقلب , وإن
أظهر الكفر بلسانه , وإن الاعتقاد والإقرار والأعمال خارجة عن حقيقة الإيمان , وأنه لا يضر مع
الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة , فالشيطان وفرعون وقارون وهامان وأمثالهم , مؤمنون
عندهم .
الثاني : إرجاء الغلاة وهم المرجئة الكرامية فالإيمان عندهم هو الإقرار باللسان فقط , وأن الاعتقاد والأعمال خارجة عن حقيقة الإيمان فالمنافق مؤمن عندهم في الدنيا , ولكنه مخلد في النار عندهم في الآخرة .
__________
(1) بذل المجهود 18/199 .(1/2)
الثالث : إرجاء الغلاة في جهة دون جهة , وهم جمهور الماتريدية , والأشعرية الكلابية , فالإيمان عندهم هو التصديق بالقلب فقط , غير أنهم جعلوا الإقرار شرطاً لإجراء الأحكام الدنيوية(1) فقط .
الرابع : إرجاء المرجئة من الفقهاء كحماد وتلميذه أبي حنيفة وغيرهم من أهل الرأي .
فالإيمان عندهم هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان , ولكن العمل خارج عن حقيقة الإيمان , وإرجاؤهم خفيف جداً لا يترتب عليه فساد كبير(2) .
والخلاف بينهم وبين جماهير أهل السنة أقرب إلى الخلاف اللفظي كما ذكره جماعة من أهل العلم(3) , والمعصية نضر المؤمن بلاريب .
__________
(1) شرح ضوء المعالي ص19-20 , والتمهيد لأبي المعين النسفي ص26/أ , والعمدة للنسفي ص17/أ , وشرح العقائد النسفية ص121 , وشرح المقاصد 5/178-179 , والمسايرة مع المسامرة ص334 , ونشر الطوالع ص374-375 , والجوهرة المنفية ص3 . وإنما قلت جمهور الماتريدية لأن بعض الماتريدية ذهبوا إلى أن الإيمان هو التصديق والإقرار صرح بذلك التفتازاني في شرح المقاصد 5/176 , وشرح العقائد النسفية ص120 .
(2) راجع مقالات الأشعري 132 , 279 , وشرح الطحاوية 273 , وكتاب الإيمان لابن منده 331-338 .
(3) كالغزالي كما في روح المعاني 9/167 , والذهبي في سير أعلام النبلاء 5/33 , وابن أبي العز في شرح الطحاوية ص362 , وفي ذلك يقول ابن أبي العز ( الاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة صوري فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب أو جزء من الإيمان مع الاتفاق على أن مرتكب الكبير لا يخرج من الإيمان بل هو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه نزاع لفظي لا يترتب عليه فساد اعتقاد ) .(1/3)
الحاصل : أنه لما ثبت أن الإرجاء والمرجئة على أربعة أصناف لم يصح تعريف المؤلف للإرجاء , وأنه تعريف مزيف , لأن هذا تعريف لإرجاء غلاة الغلاة من الجهمية الاولى وليس بتعريف للإرجاء مطلقاً , فإن الماتريدية داخلون في المرجئة كما سبق بيانه .
قول المؤلف ( ولكن اتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين : أن الأعمال غير داخلة في الإيمان )(1) إلى آخر ما قال ..
أقول : هذا الكلام باطل , وفيه تدليس والصواب أن يقال : إن جمهور أئمة السنة وسلف هذه الأئمة – من الفقهاء – اتفقوا على أن الأعمال جزء من الإيمان وحكى اتفاق السلف على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل غير واحد من أهل العلم كالشافعي كما في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة
3/886 , والبخاري كما في فتح الباري 1/47 , وأحمد كما في مناقبه لابن الجوزي ص228 , وابن عبدالبر في التمهيد 9/238 , والبغوي في شرح السنة 1/38 - 39 , قال عبدالرزاق الصنعاني
( سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا – ثم سرد أسماءهم – يقولون : الإيمان قول وعمل
يزيد وينقص )(2) , وقال الوليد بن مسلم ( سمعت الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد بن عبدالعزيز ينكرون قول من يقول : إن الإيمان إقرار بلا عمل , ويقولون : لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان )(3) , وقال الإمام أحمد ( أجمع سبعون رجلاً من التابعين وأئمة المسلمين وفقهاء الأمصار على أن السنة التي توفي عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر منها : والإيمان قول وعمل يزيد بالطاقة وينقص بالمعصية )(4) , وقال البخاري ( لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص )(5) .
__________
(1) بذل المجهود 18/201 .
(2) شرح صحيح مسلم 1/146 .
(3) عقيدة ابن جرير ص 10 .
(4) مناقب الإمام أحمد ص 228 .
(5) شرح أصول الاعتقاد للالكائي 1/173-174 .(1/4)
وقال البغوي ( اتفقت الصحابة والتابعون ومن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من
الإيمان )(1) .
وكذا الإيمان عندهم يزيد بالطاعات يونقص بالمعاصي , قال ابن عبدالبر ( أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل ولا عمل إلا بنية والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والطاعات كلها عندهم إيمان )(2) , غير أنه لا يكفر بترك العمل , إلا إذا ترك العمل بالكلية فإنه حينئذ يرتفع عنه مطلق الإيمان , وأما ترك بعض العمل فلا يزول به مسمى الإيمان , وهو مطلق الإيمان .
لكن يزول الإيمان المطلق ,أي الإيمان الكامل , فينقص إيماء المرء بحسب ما تركه من العمل .
قول الحافظ ابن حجر في بيانه لانحرافات الجهمية ( وإنما الذي أطبق السلف على ذمهم بسبب إنكار الصفات , حتى قالوا : إن القرآن ليس كلام الله , وإنه مخلوق ... )(3) .
أقول : ههنا تنبيهان :
الأول : أن سبب ذم السلف للجهمية , هو إنكار الصفات وتعطيلها وتأويل نصوصها وتحريفها , وهذه الطامة موجودة عند الماتريدية عامة(4) , وعند المؤلف خاصة فإنه من الماتريدية فقد صرح بأنه ماتريدي في الاعتقاد في كتابه المهند(5) على المفند .
فالجهمية الأاولى ليسوا بمنفردين في هذه الطامة , لأن الماتريدية شركاء لهم في هذه البدعة , لأن القرآن – عند الماتريدية – ليس من كلام الله على الحقيقة , بل إنه مخلوق عندهم .
كما هو مخلوق عند الجهمية الأولى , فلا خلاف بين الماتريدية وبين الجهمية الأولى في كون القرآن الكريم مخلوقاً – كما زعموا - .
__________
(1) شرح السنة 1/38-39 .
(2) روح المعاني 9/167 .
(3) بذل المجهود 18/253 .
(4) انظر كتاب منهج الماتريدية في العقيدة ص45-50 .
(5) انظر المهند على المفند 30 وغرض تأليفه الرد على من اتهم علماء ديوبند أنهم وهابيون .(1/5)
حتى باعتراف الماتريدية , فإن الماتريدية صرحوا بذلك , وصرحوا أيضاً أن القرآن بلفظه ومعناه مخلوق , وأنه ليس بكلام الله على الحقيقة , لكنه كلام الله مجازاً , لأنه دال على كلام الله الحقيقي الذي هو الكلام النفسي(1) .
وأقول : إن بدعة الماتريدية اشنع من بدعة الجهمية الأولى والمعتزلة , فإن الجهمية الاولى يقولون ببدعة خلق القرآن فقط , ولكن الماتريدية زادوا مع هذه البدعة بدعتين أخرتين :
أن هذا القرآن العربي ليس من كلام الله تعالى على الحقيقة , بل إنه كلام الله مجازاً لا
حقيقة .
أن كلام الله تعالى على الحقيقة هو الكلام النفسي الذي ليس بحرف ولا صوت وليس فيه إخبار ولا استخبار ولا أمر ولا نهي وهو لا يتجزأ بخلاف الجهمية الأولى والمعتزلة .
فإنهم لم يقولوا ببدعة القول بالكلام النفسي كل ذلك على اعتراف الماتريدية أيضاً(2) .
قوله في شرح حديث الأوعال ( ثم الله تعالى فوق ذلك ) ( وليس المراد بالفوقية الجهة والكيفية , بل هو منزه عن التشبيه والتكييف كما قاله السلف رحمهم الله )(3) .
أقول : ههنا وقفتان :
الأولى : أن المؤلف بعيد عن علوم السنة , فإنه لا يتكلم على الأسانيد في كتابه هذا , مع أن الحديث معروف وكلام أهل الحديث فيه واضح(4) .
__________
(1) راجع كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي 58 , وشرح العقائد النسفية 53-55 , والبداية للصابوني 60-61 , الدرة الفاخرة للجامي 2223 , المسامرة 82-83 , نشر الطوالع وتبصرة الأدلة 118 .
(2) انظر تبصرة الأدلة 118 , وأصول الدين لأبي اليسر 61 , والعقائد النسفية مع شرحها 53-58 .
(3) بذل المجهود 18/258 .
(4) أخرجه أبو داود في كتاب السنة باب في الجهمية 5/93 , ح 4723 , من طريق الأحنف بن قيس عز العباس بن عبدالمطلب , قال المنذري في مختصر سنن أبي داود 7/93 ( في إسناده الوليد بن أبي ثور لا يحتج بحديثه ) .(1/6)
غير أن الحديث مشتمل على فوقية الله تعالى والأدلة على علو الله على خلقه كثيرة جدا وقد تتبعها بعض أئمة السنة فوجدوها أكثر من ألف دليل(1) وفوقية الله تعالى من أعظم صفاته سبحانه .
وهي ثابتة له سبحانه على الحقيقة على الوجه اللائق به سبحانه من دون مجاز ولا تكييف ولا تمثيل , وقد أجمع السلف على إثبات العلو والفوقية لله تعالى ولم يخالف في ذلك إلا المعطلة , قال الأوزاعي
( كنا والتابعون متوافرين نقول : إن الله تعالى فوق عرشه نؤمن بما وردت به السنة الصحيحة من صفاته )(2) .
قال ابن تيمية ( وإنما قال الأوزاعي هذا بعد ظهور مذهب جهم المنكر لكون الله عز وجل فوق عرشه والنافي لصفاته ليعرف الناس أن مذهب السلف كان خلاف ذلك )(3) .
وقال عبدالله بن المبارك ( نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماواته على العرش استوى بائن من خلقه ولا نقول كما قالت الجهمية )(4) .
الوقفة الثانية : أن المؤلف قد عطل صفة الفوقية لله تعالى بقوله ( وليس المراد بالفوقية الجهة ... ) وكلامه هذا فيه تلبيس للحاق بالباطل .
فإن جميع بني آدم على أن الله تعالى في جهة فوقانية على الحقيقة دون المجاز , وعلى ذلك سلف هذه الأمة وأئمة السنة قاطبة بلا خلاف بينهم لم يختلف فيه اثنان , ولهم على ذلك حجج عقلية ونقلية حتى جاء دور الجهمية فأنكروا علو الله تعالى وتبعهم الماتريدية والأشعرية الكلابية فعطلوها وحرفوا نصوصها(5) .
نعم السلف مع إثباتهم لعلو الله تعالى صرحوا بنفي التشبيه والتكييف , وإثبات العلو لله تعالى لا يستلزم التشبيه .
__________
(1) الجواب الصحيح 3/84 , والصواعق المرسلة 4/1279 .
(2) الأسماء والصفات ص 408 , فتح الباري 13/406 .
(3) مجموع الفتاوى 5/39 .
(4) السنة لعبدالله بن أحمد ص13 , والرد على الجهمية للدارمي ص 67 , والأسماء والصفات ص427 .
(5) الصواعق المرسلة 4/1279 .(1/7)
وإثبات الصفات مع نفي التشبيه في شيء عندهم قال نعيم بن حماد ( من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر , ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر , فليس ما وصف الله به نفسه ورسوله
تشبيهاً )(1) .
وقال الترمذي ( قال أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا : قد ثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يقال كيف ؟ هكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا : هذا
تشبيه )(2) .
وهو من طامات المؤلف متمثل في الدعوة إلى القبورية تحت ستار التوسل , وقد نقل المصنف خرافاته من سلفه ولا سيما الكوثري , ونوه بذكره , كما نقل عن دعاة القبورية أمثال ابن حجر الهيثمي وغيره من دعاة القبورية(3) .
قلت : لقد حقق كثير من علماء الحنفية وأئمتهم أن التوسل الحق – هو التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته , والأعمال الصالحة , ومن ذلك قول الإمام أبو حنيفة ( ولا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذي يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون(4) )(5) , وقوله ( يكره أن يقول الداعي أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام )(6) .
وقوله ( وأكره أن يقول بمعاقد العز من عرشك أو بحق خلقك )(7) .
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/532 .
(2) سنن الترمذي 3/41/42 .
(3) انظر تعليق الشيخ زكريا على بذل الكجهود 18/260 .
(4) سورة الأعراف الآية 180 .
(5) الدر المحتار مع حاشية رد المحتار 6/396-397 .
(6) شرح الفقه الأكبر ص 198 .
(7) إتحاف السادة المتقين 2/285 .(1/8)
وقول أبو يوسف ( وأكره أن يقول بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام )(1) وأما توسل دعاة القبورية فهو في الحقيقة توسل مبتدع غير مشروع .
قوله في تفسير – حديث الأطيط – نقلاً عن الخطابي ( إن هذا وارد مورد التمثيل )(2) .
قلت : هذا باطل , والصواب أن يقال : إن صح حديث الأطيط(3) , فهو على الحقيقة على المجاز , ولا على التمثيل , فيمر كإمرار بقية نصوص الصفات , من دون تأويل وتحريف وتعطيل , كما هو طريق السلف .
قوله في تفسير حديث الأطيط ومن ألفاظه لفظة ( إن الله فوق عرشه وعرشه فوق سماواته ) , ( وهذا الحديث يثبت كونه سبحانه وتعالى فوق عرشه والجهمية ينكرونه )(4) .
قلت : نعم إن الجهمية قديماً وحديثاً أنكروا هذه الصفة ومن هؤلاء الجهمية المعطلين لعلو الله تعالى والمحرفين لنصوصه – الماتريدية أيضاً(5) – فهذا رد على الجهمية والماتريدية أيضاً .
__________
(1) التوسل والوسيلة ص82 , 99 .
(2) بذل المجهود 18/261/262 .
(3) الحديث أخرجه أبو داود كتاب السنة باب في الجهمية 5/94 ح 4226 , وابن أبي عاصم في السنة 1/252 , والدارمي في الرد على المريسي ص89 , وابن خزيمة في التوحيد ص103 , والآجري في الشريعة ص293 , والبيهقي في الأسماء والصفات ص417 , وابن عبدالبر في التمهيد 7/141 , واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/394 , جميعهم من طريق جبير عن نخنج بن/ جبير بن مطعم بن أبيه عن جده .
(4) بذل المجهود 18/263 .
(5) انظر كتاب التوحيد للماتريدي 10 , 107 , تبصرة الأدلة 73 , البداية للصابوني 45 , 47 وشرح العقائد 40 , وشرح المواقف للجرجاني8/20-222 , والبنراس 178-179 , وإرشادات المرام 197 , وتبديد الظلام للكوثري 35 , 78 .(1/9)
أنه قال في شرح حديث أبي هريرة ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه )(1) .
وفي آخر الحديث ( قال المقرئ : وهذا رد على الجهمية , فقال الساهنفوري : لأنهم ينكورن الصفات , يعني السمع والبصر )(2) .
قلت : جمهور الماتريدية يثبتون السمع والبصر لله على تفلسف فيها , ولكن ارجع ابن الهمام منهم هاتين الصفتين إلى صفة العلم وهذا تعطيل محض(3) , لكن الماتريدية لا يثبتون صفة العين لله تعالى فهم معطلة ومحرفة لنصوصها(4) .
قول الشيخ زكريا الكاندهلوي في الهامش ( إن بناء إنكار المعتزلة للرؤية هو إنكارهم الجهة لله تعالى وأن الرؤية يلزم عنها الجهة , فلما نفوا الجهة نفوا الرؤية , وعندنا لا يحتاج إلى المقابل " الجهة " فلا إحالة )(5) .
أقول : الذين يقولون إن المؤمنين يرون ربهم بدون جهة , فهم في الحقيقية لا يؤمنون برؤية الله
تعالى , لأنه قولهم هذا متضمن لطامتين :
الأولى : نفي علو الله تعالى .
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب السنة من سننه , وابن حبان وابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهم وصححه الألباني في صحيح أبي داود 3954 .
(2) بذل المجهود 18/264-265 .
(3) انظر المسايرة 69 .
(4) انظر تأويلات الماتريدي في تفسير سورة هود في قوله تعالى ( وصنع الفلك ) هود 37 , مخطوط الأزهرية المدارك للنسفي
2/357 , وإرشاد العقل السليم 4/205 وإشارات المرام 189 , ونشر الطوالع 262 , تبصرة الأدلة 240/ب .
(5) انظر كتاب التوحيد للماتريدي ص 58 , والبداية للصابوني ص60-61 , وإشارات المرام ص138-139 , المسايرة مع المسامرة ص82-83 , نشر الطوالع ص255 , ضوء المعالي ص29 , أصول الدين لأبي اليسر البزدوي ص61 , والعقائد النسفية مع شرحها للتفتازاني ص53-58 , وبحر الكلام ص29 .(1/10)
الثانية : استحالة الرؤية فإن الرؤية بدون جهة مستحيلة , ولذا صرح عقلاء الماتريدية والأشعرية بأن الخلاف بينهم وبين المعتزلة لفظي , وأنهم جميعاً منكرون للرؤية البصرية , وأن الرؤية عندهم رؤية علمية .
ولذلك صرح شيخ الإسلام أنهم جعلوا الرؤية مستحيلة وأن المعتزلة وأن المعتزلة سيسخرون من هؤلاء(1) , على أن الأحاديث الواردة في الرؤية مصرحة بأن الله يكون فوق وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم .
إن المؤلف نقل قول الخطابي في شرح حديث النزول ( مذهب علماء السلف وأئمة الفقهاء : إن يمروا مثل هذه الأحاديث على ظاهرها , وأن لا يذكروا لها المعاني , ولا يتأولوها بعلمهم لقصور علمهم عن إدراكها )(2) .
قلت : مقصود الخطابي : الرد على التأويلات الجهمية لحديث النزول والرد على تفسيراتهم لصفة النزول , وليس قصده التفويض في المعنى , وإنما قصده التفويض في الكيف .
ولكن المصنف إنما ذكر قوله ( ... وأن لا يذكروا لها المعاني ) يستدل لكلامه على التفويض المبتدع الذي هو التفويض في المعنى , على أن هذه الدعوى باطلة والسلف لم يكونوا مفوضين للمعاني , فإنهم كانوا يعرفون نصوص الصفات ومعانيها أحسن المعرفة , وإنما كان تفويضهم في الكيف فقط , كما قال الإمام مالك – رحمه الله – ( الاستواء معلوم والكيف مجهول )(3) فقول الخطابي ( ... وأن لا يذكروا لها المعاني ) .
أي يفسروها بتفاسير الجهمية من عند أنفسهم دل عليه في آخره ( لا يتأولوها بعلمهم لقصور علمهم عن إدراكها ) .
__________
(1) ذات المصادر والمراجع السابقة .
(2) بذل المجهود 18/271 .
(3) الحلية 6/325-326 وأخرجه أيضاً الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث 17-18 , وابن عبدالبر في التمهيد 7/151 , والبيهقي في الأسماء والصفات ص408 , قال الحافظ في الفتح 13/406 ( وإسناده جيد ) .(1/11)
قول الشيخ زكريا الكاندهلوي مؤلف أوجز المسالك في شرح موطأ الإمام مالك في التعليق على هذ المقام في بذل المجهود ( إنه لا ينبغي رواية حديث اهتزاز العرش ولا حديث الصورة ولا حديث الساق , لأن أسانيدها ى تبلغ في الصحة حديث النزول , أو لأن التأويل في حديث النزول أقرب , كذا في الأوجز )(1)(2) .
قلت : قول الشيخ زكريا الكاندهلوي هذا باطل لأن أحاديث اهتزاز العرش والصورة والساق من الأحاديث الصحيحة المتلقاة بالقبول عند الأئمة .
وأما قوله ( إن تأويل حديث النزول أقرب ) فهو قول أبعد عن الحق , والحق أن التأويل في جميع الأحاديث بعيد عن الحق سواء تأيول حديث النزول أو غيره .
قول المصنف في شرح حديث ( فإن قريشاً قد منعوني أن ابلغ كلام ربي ) : - ( فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن كلام الرب سبحانه وتعالى )(3) .
قلت : لقد أجاد المصنف في شرح هذا الحديث , ولكن قصر وأخطأ حيث لم يبين أن هذا رد على الجهمية والماتريدية والأشعرية أيضاً , وكان الأولى أن يقول : هذا رد صريح على الماتريدية والأشعرية وغريهم من المعطلة الذين يزعمون أن هذا القرآن ليس بكلام الله على الحقيقة وإنما هو حكاية أو عبارة عن كلام الله تعالى .
ومما يؤكد ما قلناه : قول المصنف في شرح حديث الإفك في تفسير قول عائشة رضي الله عنها
( ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى ) فقال المؤلف في شرحه ( فأثبت في هذا الحديث تكلم الله سبحانه وتعالى بكلامه وهو في القرآن )(4) .
__________
(1) يعني أوجز المسالك .
(2) انظر تعليقه هذا على حديث النزول في سنن أبي داود شرحه بذل المجهود 18/271 بتصرف .
(3) بذل المجهود 18/272 .
(4) بذل المجهود 18/274 .(1/12)
قلت : فهذا اعتراف مهم من المصنف , ومن ناحية أخرى تناقض وهو دليل بطلان الكلام النفسي , لأنه صريح في أن الله تعالى قد تكلم بهذا القرآن العربي , والماتريدية يقولون : إنه ليس بكلام الله على الحقيقة وإنما هو كلام الله مجازاً لأنه دليل على كلام الله الحقيقي وهو الكلام النفسي(1) .
تعليق الشيخ زكريا على حديث ( تكلم الله بالوحي ... كجر السلسلة ... ) فذكر عدة احتمالات في تفسيره منها ما قال ( والثالث تخليق الكلام من عند الله عز اسمه ... )(2) .
قلت : هذا باطل , لأنه صريح في بدعة القول بخلق القرآن , والحقيقة أن الماتريدية وأشقاءهم الأشعرية يقولون ببدعة خلق القرآن , لأن هذا القرآن العربي – عندهم – مخلوق .
وهو ليس بكلام الله على الحقيقة عندهم بل هو كلام الله مجازاً لأنه دال على كلام الله الحقيقي , وهو الكلام النفسي .
الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات ونحمد الله تعالى أن وفقنا لبيان هذه الأخطاء , ونسأله أن يستفيد منها المسلمون وأن يعصمنا من الجور والزلل والخطأ , وأن يتقبل منا هذا الجهد المتواضع ويثقل لنا به الموازين إنه جواد كريم , والحمد لله رب العالمين .
بقلم
د . محمد بن عبدالرحمن الخميس
__________
(1) انظر كتاب التوحيد للماتريدي ص58 , والبداية للصابوني ص60-61 , وإشارات المرام ص138-139 .
(2) بذل المجهود ( التعليق ) 18/275 .(1/13)