صوفيات حجازية
حقائق شاملة عن صوفية الحجاز
تأليف
السيد أبوعبد الله المدني
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد(، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه أجمعين، والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
إن المتتبع لأحوال الصوفية يجد أنها جعلت الأمة غارقة في كثير من مظاهر الشرك والبدع والخرافات، وأنها انحرفت في توحيد الألوهية انحرافاً رهيباً، بل تعداه إلى الشرك في الربوبية عياذاً بالله. لقد ضرب الشرك الأكبر بأطنابه في ديار الإسلام بسبب الصوفية القبورية، فانتشرت في غالب القرى والبلدان، فشيدت القباب على الأضرحة، وأنشأت المساجد على القبور، وأقيمت مزارات ومشاهد فقصدها القاصي والداني، ولجأ إلى رحابها المسافر والمقيم، والجميع يرتمون بساحاتها، ويتمرغون في جنباتها، ويلثمون أعتابها، فتراهم من حولها يطوفون، وبأضرحتها يستغيثون ويستعينون، وفي عرصاتها يهريقون دماء نذورهم وقرابينهم، وكل هذا من الشرك الأكبر، وصور من صور الوثنية.
وقد كان الكثير يظن أن الصوفية في الحجاز ليست قبورية شركية غارقة في الوثنية كبقية الصوفية؛ بحكم وجودها في أحضان بلاد التوحيد، وسماعهم تحذيرات العلماء الربانين من هذا الشرك العظيم؛ لذا كانت غالب الحوارات معهم تدور حول بدعة المولد الغير كفرية، إلى أن أزكم الأنوف المدعو: محمد بن علوي المالكي بنتن كتاباته الشركية، فظهر عوار الصوفية في الحجاز، وإن كان المتتبع لأحوال الصوفية يعلم أن كل الصوفية على مذهب واحد في كل مكان وزمان، فهي فرقة قبورية وثنية شركية.(1/1)
ورغم أهمية الموضوع إلا أني لم أجد في المكتبة الإسلامية ولا في البحوث الخاصة -رغم بحثي الدقيق- من كتب بالتفصيل عن هذه النحلة في هذه البقعة العزيزة على قلب كل مسلم؛ موطن الحرمين الشريفين. فسألت الله الإعانة في كتابة مؤلف يبين حال الصوفية في الحجاز، ويحذر منها؛ حتى لا يغتر الجهال بما عندهم من زهد مزعوم، ومحبة كاذبة، ورقة ساذجة.
واعلم رحمك الله أن كشف حال أهل البدع الشركية من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله؛ فقد قال المصطفى(:"جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم"[رواه أحمد والنسائي].
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلي لي به الدرجات، وأن يغفر لي به الزلات، وأن يهدي الله به قوماً ضالين، وأن يكون بعون الله حصناً منيعاً للموحدين، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.
التركيبة السكانية لأهل الحجاز
يعتبر سكان الحجاز مزيج مختلط من أرجاء العالم الإسلامي بحكم المكانة الدينية لمكة المكرمة والمدينة النبوية ، وهجرة الكثير لها للمجاورة وهروباً من الواقع الأليم لبلادهم وخاصة في أوقات احتلال البلاد الإسلامية فيما يسمى بالاستعمار.
ومجمل السكان يتكونون من العناصر التالية:
1- العرب: من أهل الحجاز الأصليين، أو من أرجاء الجزيرة العربية أو من خارجها.
2- الهنود: ويقصد بهم سكان القارة الهندية التي تشمل الهند وباكستان وبنجلادش، وكثير من هؤلاء من الأغنياء والعلماء الذين مكثوا في المدينتين المقدستين بعد أن أدوا فريضة الحج رغبة في المجاورة. وقد كان لهم نفع واضح للمنطقة بإنشاء المشروعات التعليمية والأعمال الخيرية.
3- الأتراك: وقد كان وجودهم بسبب الحكم العثماني.
4- الأفارقة: ويطلق عليهم أهل الحجاز: "التكارنة" بغض النظر عن البلاد التي جاؤوا منها، والتي كان العرب الأوائل يسمون بلادهم: "أرض دكرور".
5- سكان آسيا الوسطى: ويطلق عليهم أهل الحجاز: "البخاريين" وقد قدم أكثرهم بعد احتلال الروس لبلادهم.(1/2)
6- سكان جنوب شرق آسيا: "الجاوه" من أندونيسيا وغيرها.
7- الأفغان: وهم أقل من سابقيهم.
المجتمع الحجازي
هذا المزيج العجيب من المجتمعات الإسلامية جعل الحجاز كأنه معرض دائم للشعوب الإسلامية، فنجد مثلاً في المدينة النبوية هذا التنوع ففي وسط المدينة: "الأفندية" الذين يتزينون بالجبة والعمامة والحزام الثمين، وجزم الجلد الأصلي. بينما نجد سكان حوش الباشا والمناطق الشمالية من المدينة يتزينون بالعقال المقصب (صناعة محمد القين)، والأشمغة والغتر سواء من الشاش أو من الغباني المطرز بالحرير الخفيف. أما غرب المدينة "زقاق الطيار" "والسيح" "والعنبرية" فيحتزمون بالكشميري أو الدسماك، والأحذية من صنع النجديين وهو ما يعرف "بالنعال الزبيراوية"، أما جنوب المدينة فمشالح وعمائم من الشيلان.
وكما اختلفوا في الأزياء اختلفوا في المأكولات؛ ففي وسط المدينة: الخضروات، والمحشيات، والكنائف، واللقيمات، والمشويات. وأهل باب المجيدي: الكسكوسة، وكعب الغزال، ولحم بين نارين، والأكلات التركستانية: الرز البخاري، واليغمش، والشوشورة، والفرموزة، والتميز... إلخ
أما في مكة فينقسم الناس في الملبس إلى ثلاثة أوضاع بحسب الطبقات:
1- فأولاد الحارة كما يسميهم المكيون (من الصناع والبنائين والعمال) فإنهم يلبسون الثوب الأبيض أو الأزرق، ويتحزمون الخرساني أو الكشميري وما يسمى "بالبقشة"، وغطاء الرأس كوفية مطرزة بخيوط وهي تستعمل إلى الآن، ويعتم الكثير منهم في المناسبات وفي مواسم الأعياد بأحازيم مطرزة تسمى "غباني"، كما يلبس بعضهم الصديري أو الميتان.
2- أما أواسط الناس من طبقة التجار ونحوهم فإنهم يلبسون الثياب البيض أيضاً، وفي الصيف خاصة "الدابزون" وهو قماش شفاف خفيف النسج.
ويعتمون بالكوفية وإحرام وهو مايسمى بـ"سليمى" وهي أغلاها وهو من الصوف المنقوش.(1/3)
3- أما العلماء وخطباء المسجد الحرام وأئمته فهم يزيدون بأن تكون الجبة واسعة الأكمام وتسمى "فرجية"، وتمتاز العمامة بأن لفة الشاش بها وضع مخصوص متدرج الطيات، وبعضهم يترك عذبة من الخلف.
وأما أشهر المشروبات المكية فهي: "البتيع" "والسوبيا"؛ الأول منقوع الزبيب، والثاني منقوع الشعير.
اللهجات الحجازية
انحرفت اللهجة الحجازية بعض الشيء عن الفصيح بسبب الخلطة، وقد ضاعت بعض الحروف مثل: القاف، والذال، والثاء، والضاد أحياناً، وكذلك الظاء.
فالقاف يلفظونها كافاً فارسية؛ أي بين بين؛ فيقولون: "كلت له" بدلاً من "قلت له"، ويقولون:"ظبط" بدلا من "ضبط"، ويقولون: "خبيس" بدلا من "خبيث"، "وعتمان" بدلا من "عثمان"، "وداك" بدلا من "ذاك". وفي الأيام الأخيرة يسمع في لهجتهم ما لم يسمع أو يعرف من قبل فصاروا يقولون "كلتلو" بدلا من "قلت له"، وهكذا.
ويقولون "بُراد" بمعنى "برد"، "بزورة" بمعنى أطفال، ويقولون "إزهم عليه" بمعنى ناد عليه، ويقولون: "ستي" بدلا من سيدتي، "سِيدِي" بدلا من سَيٍّدي.
ومن التراكيب المنحرفة قولهم: "خش جوه شوف" بمعنى أدخل داخل وانظر. ويقولون: "دوبو كان هنا" بمعنى قبل قليل كان هنا، ويقولون: "يا دوب يكفي" بمعنى على قدر الكفاية. ويقولون "كَداب" بدلا من كذاب، ويقولون: "كوام كوام" بمعنى سريعا سريعا. ويقولون "جواز" بدلا من زواج. وتقول المرأة "جوزي" بدلا من زوجي، ويقولون: "من فين جي" بمعنى من أين أتى.(1/4)
ومما دخل على الحجازيين من العثمانيين صيغة النسبة: "قهوجي"،"جزمجي"، و "مكوجي". ويقولون "ندر" بمعنى خرج، ويقولون "اخصروا" بمعنى لا تسمع له، ويقولون "جلوزها" أو "زلوجها" بمعنى تغاض، ويقولون: "شره" بمعنى لا تبالي به، ويقولون: "سيبه" بمعنى اتركه، ويقولون: "باظت الشغلة" بمعنى فسدت، ويقولون: "زل" بمعنى: مر، ويقولون: عن الأعسر "أشطف"، ويقولون: "فقع" بمعنى هرب، ويقولون: "استنى" بمعنى انتظر، ويقولون: "أشكل" أي أكثر، ويقولون: "إشبك" بمعنى ماذا دهاك؟
ومما عيب على الحجازيين قولهم لمن يقدم عليهم بعد غيبة: أوحشتنا، يقول الشاعر:
يا أهل مكة لا زلتم
ما فيكم عيب سوى قولكم
فرد عليه أحد المكيين:
ما عيبنا هذا ولكنه
لم نعن بالإيحاش عند القا
أنساً لن إني لم أنسكم
عند اللقا أوحشنا أنسكم
من سوء فهم جاء من حدسكم
بل ما مضى فابكوا على نفسكم
بعض الأمثال التي على ألسنة الحجازيين:
"الجمل ما يشوف عوجة سنامه"، "ما يحفظ سورة الأعراف إلا الصبي من العصا يخاف"، "بُنية تعلم أمها الزحير"، "لا توري البدوي بابك، يا عذابك"، "بعد ما أكل وأفكى قال رائحة مستكى"، "مزين بسط بأقرع استفتح"، "نقطنا بسكاتك"، "من غربل الناس نخلوه"، "اقطع يد الكلب ودليها، واللي فيه خصلة ما يخليها" "أطعم الفم تخجل العين" .
العادات والتقاليد الحجازية
أغلب ما سنذكره هنا من العادات هي مخالفة صريحة لشرع الله، بل هي من البدع الظاهرة، وقد كانت زمن فشو الجهل وسيطرة أهل البدع من الصوفية، وأغلب هذه العادات زالت بعد انتشار العلم الصحيح، وقمع البدعة بنور السنة على يد أئمة الدعوة، فجزاهم الله خير الجزاء.(1/5)
1- ولادة المولود: بعد ولادة المولود يسمى مباشرة محمد تيمنا وتبركا باسم النبي(، وإن كانت أنثى أطلق عليها اسم خديجة أو فاطمة. وقد يظل هذا الاسم ملازماً له أو لها أو يبدل في اليوم السابع من ميلاده مما يختار له أو لها من اسم. وفي اليوم السابع يدعى لفيف من أطفال الأقارب والجيران حيث تعد لهم الشموع فيكون في يد كل واحد منهم شمعة، ويحمل الطفل بما أعد له من ملابس ويصعد به إلى سطح الدار والشموع موقدة في أيدي الأطفال وهم يهزجون بهذا الدعاء تبركاً:
يا رب يا رحمان بارك لنا في الغلام
وإن كانت أنثى: يا مالك البرية بارك لنا في البنية
وبعد الأربعين يوماً تحمله أمه بعد أن تزينه وبعض الأقارب إلى المسجد الحرام، فإذا وصلوا به صحن المطاف تلقاه أحد الأغوات وحمله إلى عتبة باب الكعبة المشرفة وتركه بضع دقائق ثم رده إلى ذويه، ويعطى( الأغا) ما يتيسر من المال.
أما في المدينة: فإن (الأغا) يدخله إلى الحجرة النبوية ليتبرك.
2- المأتم: إذا مات أحد الحجازيين بادر ذووه بالإتيان بأحد القراء لتلاوة القرآن إلى حين نقله إلى المقبرة، بل يجعله بعضهم يتلو القرآن في المكان الذي توفي فيه الميت لمدة ثلاثة أيام.
فإذا تمت عملية الدفن تجمع عادة نفر من الفقراء الصوفية ممن يحفظ سورة ياسين لقراءتها، فإذا انتهوا من قراءتها بدأ أحدهم يلقن الميت الشهادتين وتذكيره ببعض أحوال البرزخ، ثم ينصرف الجميع عن القبر بعد قيام أهل الميت بتفريق ما أعدوه من خبز وتمر على من يوجد من الفقراء بالمقبرة صدقة على روح الميت. وكان من العادة أن يغرس على القبر بعد تسويته غرسة من شجر الصبار.(1/6)
وبعد صلاة المغرب يكون ذوو الميت قد هيؤوا عادة مصاحف مجزأة جزءاً جزءاً يسمونها "رَبْعَة" يضعون أمام كل شخص ممن يحضر جزءاً يتلو فيه ما تيسر من القرآن، ويكون مع الجمع قارئ بالغيب يطلقون عليه: "الفقي" يتلو القرآن بصوت منخفض يستمر ذلك إلى قبيل العشاء، ثم يختمون. ويستمر ذلك ثلاثة أيام. بعدها يقسم على الحاضرين الحلوى "الفلاسي".
3- المسحراتي: فقد كان لكل محلة (حارة) مسحراتي يحمل في يده طبلة "نقرزان" يضرب عليها بعصا صغيرة، وبعد أن يقول أغانٍ تتعلق بالصوم وشهر رمضان! يرفع صوته قائلاً: "أبرك الليالي والأيام عليك سيدي فلان" (يعدد أسماء أهل الحي).
4- إنشاد المؤذنين: حيث كان مؤذنو المساجد ينشدون في الثلث الأخير من الليل في ليالي رمضان أناشيد دينية يسمونها "التذكير"، ويتلوها "الترحيم"، وهو أن يجأر المؤذن بقوله: "يا أرحم الراحمين ارحمنا" عدة مرات، ثم يؤذن الصبح.
5- قهوة الصالحين: وهي عبارة عن سكر وزنجبيل تغلى في دلة، فإذا أرادوا صبها للحاضرين قالوا: "الفاتحة على نية الصالحين"، فإذا فرغوا من الفاتحة قالو: "الفاتحة على نية فلان" ويسمون من يخصونه، ولا تصنع إلا يوم الجمعة تبركاً بهذا اليوم.
6- العصيدة الحلوة و الحليب: والعصيدة عند أهل المدينة حيث يعصدون العصيدة بالسكر ويأكلونها في أول أيام السنة؛ تيمناً بأن تكون أيام السنة حلوة. أما أهل مكة فإنهم يصنعون الحليب المغلي بالسكر ويشربونه في أول أيام السنة؛ تيمناً بأن تكون أيام السنة كلها بيضاء حلوة.
7- العوذات: وهي عادة جاهلية انتشرت مع الجهل، وكانت شائعة إلى عهد قريب، ولا زال لها بعض البقايا خاصة عند الصوفية الأعاجم في الحجاز.
وهي تعمل على عدة وجوه:
أ- الحجاب: وهو كتاب يكتبه بعض متعاطي القلم، فيعلق في رقبة الطفل أو المريض.
ب- الحرزة: وهي خرزة خاصة تجلب من اليمن يعتقدون أنها تحمي من العين.(1/7)
جـ- المسبعة: تعمل من سبعة أعواد فترص متناسقة وتحبك بحيث تصير جسماً واحداً، وتعلق في رقبة الطفل ويَدَّعون أنها تحجب العين.
تاريخ الصوفية القبورية في الحجاز
نشأ التصوف في القرن الثاني للهجرة [انظر مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية لإدريس محمود 1/34].
ونشأت القبورية في القرن الثالث على أيدي الشيعة العبيدية [انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 27/162]. ومنذ ذلك العهد والحجاز مرتع لهاتين البدعتين الخرافيتين؛ فبعد انحسار الدولة العبيدية عن الحجاز دخلت الحجاز تحت الحكم الأيوبي الذي كان محتضناً للفكر الصوفي القبوري. بعد ذلك جاءت دولة المماليك والتي كانت كسابقتها محتضنة للصوفية القبورية، إلى أن جاء الحكم العثماني والذي غلى في القبور والتصوف حتى أنه كان يرعى أضرحة الشيعة. [انظر الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها 2/803-812].
وخشية الإطالة سنعرض فقط لحال الحجاز في العهد العثماني الذي سبق دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وما تلاه من تلاميذه الذين جددوا التوحيد وقمعوا البدعة.
حال الحجاز في العهد العثماني:
لقد كانت الجزيرة العربية بشكل عام في عهد الدولة العثمانية مرتعاً للبدع وتعشيش الخرافة، وإن كانت بعض أجزاء الجزيرة لم تدخل تحت الحكم العثماني إلا أن الجهل كان عاماً؛ ففي نجد مثلاً كان الناس يعتقدون في قبر زيد بن الخطاب، ويزعمون أنه يقضي لهم الحوائج، وكذلك قبر ضرار بن الأزور، وكذلك يعتقدون في الأشجار، وكان الناس يعتقدون في رجال التصوف والدراويش منهم "السائح الأعرج" "وشمسان" "وإدريس". [انظر مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله 5/240](1/8)
وكانت الصوفية القادرية والرفاعية موجودة في "حرمة" من قرى سدير في نجد، وقد كانوا يضربون أنفسهم بالحديد ويأكلون الجمر، ويقفون على الرمح، وغير ذلك من الأعمال الشيطانية [انظر مجموع الرسائل والمسائل النجدية(1/523)]. بل كان هناك من يقول بالاتحاد -عياذاً بالله- يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله:"وكذلك أيضاً من أعظم الناس ضلالاً متصوفة في معكال( وهو أحد أحياء الرياض القديمة) وغيره مثل ولد موسى بن جوعان، وسلامة بن مانع، وغيرهما يتبعون مذهب ابن عربي من أئمة أهل مذهب الاتحادية، وهم أغلظ الناس كفراً،(بل اكفر) من اليهود والنصارى" [مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (5/189)].(1/9)
هذا في نجد أما في جيزان جنوب المملكة فقد كانت طائفة "السنوسية" الصوفية قد عششت وفرخت هناك ثم تبعها "المرغنية"، وسنذكر حادثة واحدة لتبين لك شناعة التصوف إذا ران على العقول. يقول محمد العقيلي نقلاً عن أمين الريحاني:"عندما توفي شيخ الطريقة المرغنية اشتركت الطرق كلها في حلقة ذكر من أجله ضمت أربع مئة شخص، واستمرت خمس ساعات فبدؤوا بذكر مناقب شيخهم، ثم وقفت الحلقة أربعة صفوف الواحد وراء الآخر ووقف أحد أبناء الشيخ المتوفى في الوسط فحركها باسم الله بصوت هادئ وإشارة لطيفة بدأ بـ"لاإله إلا الله" فمالت الحلقات إلى الأمام ومالت إلى الوراء وراحت تكرر وتردد الشهادة بصوت واحد، ويتدرجون في السرعة والهيجان. والشيخ يدور في الحلقة مستحثًا بقوله: "إلا الله" ويضرب كفاً بكف ويرددون خلفه: "إلا الله". بعد ذلك "الله الله الله" ويرددون خلفه: "الله الله الله" حتى جلس الشيخ، فقام آخر وأخذ يقول وهو يثب: "حيم قيم"، وتتحرك الحلقة معه بسرعة شديدة كأنها تدق رؤوسها في الأرض ثم نطحاً في الجو، ثم استمروا في "حيم قيم" مدة نصف ساعة، وبدأ البعض يسقط صريعاً . ثم نهض أصغر أبناء الميت وهو لا يتجاوز الثانية عشرة وأخذ يرقص ويَتَلَوَّى كالسكران ويقفز كالمجنون، وأخذ يصيح وهم يرددون خلفه حتى سقط الولد كالخشبة بدون حراك؛ فقفز شخص من خلفه وأخذ يضرب رأسه بالحائط حتى سقط صريعاً مغماً عليه، وسقط أحد الشيوخ ولحيته بيضاء طويلة والزبد يسيل من فيه، وهناك آخر يمزق ثيابه، وهكذا حتى انتهت الحضرة" [انظر الصوفية في تهامة 41].
أما الأحساء شرق المملكة فلم تكن أحسن حالاً؛ فقد كان هناك الصوفي "أبو خطوة" حيث يزعم أنه صاحب خطوة بحيث أنه يصلي في الحرم كل ليلة ويعود للأحساء. وهناك أيضاً "عين نجم" حيث يزعمون أنها تقضي على العاهات وتشفي المرضى حتى أن العثمانيين بنوا عليها قبة عظيمة [انظر تاريخ نجد للألوسي 53].(1/10)
أما الحجاز فبحكم مكانتها الدينية بوجود الحرمين فإنها كانت تمثل حال الأمة الإسلامية وضعفها وتمكن سوس التصوف منها؛ فقد كان تنوع الطرق الصوفية عجيباً فيها ؛ فقد كان هناك طرق "السنوسية"، "والإدريسية"، "والمرغنية"، "والكيلانية"، "والأحمدية"، "والرفاعية"، "وبكطاشية"، "والنقشبندية"...إلخ [انظر قلب جزيرة العرب لفؤاد حمزة 105]
أما مظاهر الشرك عياذاً بالله فإنها لا تحصى فقد كان الزائر يأتي قبر النبي?ويستغيث به في كشف الكربات، وكانوا يسجدون للقبر ويركعون له ويعفرون الخدود في تربته، ويقبلون مباني الحجرات ويتمسحون بها، ويفعلون قريبا من ذلك عند قبر حمزة رضي الله عنه، وكذلك بقية قبور شهداء أحد رضي الله عنهم، وقبور البقيع كذلك.
وفي مدينة جدة يوجد قبر طوله ستون ذراعاً يزعمون أنه قبر حواء أم البشر له سدنة يجبون من زائريه مبالغ خيالية، وعندهم معبد يسمى "العلوي" يبالغون في تعظيمه فمن استجار بتربته أجير، ومن لاذ به من قاتل أو سارق أو غاصب لم يمس بأذى.
وفي مكة المكرمة هناك أمثلة كثيرة منها: ما كان يفعل عند قبر خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها في المعلى من اختلاط النساء بالرجال ويدعونها من دون الله ويطلبون منها الإغاثة لرفع الشدائد والكروب. أما قبر الشريف أبي طالب بن الحسن بن أبي نمي فقد بنوا على قبره قبة يأتون إليه ويستغيثون به عند حلول المصائب ويطلبون منه الشفاعة وغفران الذنوب. [انظر الشيح الإمام محمد بن عبد الوهاب للشبل](1/11)
وحين أظهر الله عز وجل دعوة الشيح المجدد محمد بن عبدالوهاب على عباد القبور والأضرحة ونصرهم عليهم ومكن لدولتهم أعادوا الأمور إلى نصابها، وقاموا بهدم تلك الأضرحة والقباب، وتقويض معالمها في أرجاء الجزيرة العربية وخاصة الحجاز، فكان ذلك عند الناس أمراً عظيماً، وكفراً مبيناً؛ إذ ذلك خلاف المعهود عندهم وما نشؤوا عليه وورثوه عن أسلافهم، وانقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً؛ لذا سرعان ما بادروا بعد انحسار ظل دولة أهل الدعوة عن الحجاز بإعادة البناء على القبور من جديد. واستمر الوضع على ذلك حيناً من الدهر حتى تولى الشريف عون (المتوفى سنه: 1323هـ) فكلمه الشيخ أحمد بن عيسى وأشار عليه بهدم جميع القباب فهدمها وأزال ما كان في القبور من تشييد وغلو في جميع الحجاز وما حولها إلا ما كان من قبر حواء وخديجة وابن عباس فإنه تركه مخافة من تشويش السلطان عبدالحميد الثاني. ثم أعاد القبوريون أكثر تلك القباب بعد وفاته حتى فتحت مكة المكرمة عام: (1343هـ) على يد الملك عبدالعزيز وجيشه من الإخوان فأزالوها نهائياً والحمد لله.
بدع صوفية الحجاز
أولاً: بدعة المولد النبوي
أول من ابتدع هذه البدعة هم الفاطميون العبيديون من الباطنيين سنة (361هـ) [انظر المقريزي في خططه (1/490) والقلقشندي في صبح الأعشى (3/498) والسندوبي في تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي(69) ومحمد بخيت في أحسن الكلام (44) وعلي فكري في محاضراته(84) وعلي محفوظ في الإبداع(126)]. وليس هو الملك المظفر صاحب إربل كما يشيعه البعض لأن هذا أخذ هذه البدعة من الشيخ عمر الملا من كبار المبتدعة الصوفية وهو أخذها من العبيديين، ثم إن البدعة لا تقبل من أي أحد لنصوص الأحاديث الواردة في ذم الابتداع.(1/12)
وقد نقلها العبيديون إلى الحجاز عندما احتلوه فأشاعوه بين العامة هناك، وتبناه شركاؤهم في الغلو في القبور وهم الصوفية، ومن ذلك الوقت وهو يقام في الحجاز على أنه سنة حسنة، ودليل على محبة الرسول( ولنيل البركة.
إقامة المولد في الحجاز عبر التاريخ:
أول من أقامه العبيديون كما سبق، وقد ابتدعوا فيه عدة بدع فهم يحتفلون فيه احتفالاً صاخباً، ويوزع فيه الحلوى والكعك، وتوزع هذه الحلوى على المشاهد والقراء والفقراء، ثم تقرأ الحضرة بحضرة الوالي، وتوزع الأموال، ثم يخطب فيهم الخطيب إلى أن يصل إلى ذكر النبي(فيقول: وإن هذا يوم مولده إلى ما من الله به على ملة الإسلام من رسالته، ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة، ثم ينصرف الوالي وينصرف الناس. [الخطط للمقريزي (1/490)]
وتستمر الموالد على هذه الوتيرة في الحجاز فنرى مثلاً في العهد العثماني أن إقامة المولد مشابهة لما كان يفعل في عهد العبيديين؛ فإنه يعمل في المدينة بعد طلوع الشمس صبيحة الثاني عشر من ربيع الأول يقوم به أربعة من الأئمة في صحن الحرم الشريف فيرقى الأول على الكرسي المخصوص للقراءة ويقرأ الحديث وينزل بعد أن يدعو للسلطان ثم يرقى الثاني فيقرأ عن المولد والولادة ويدعو وينزل، ثم يرقى الثالث ويقرأ الرضاع، ثم يدعو وينزل، ثم يرقى الرابع ويقرأ الهجرة ويدعو وينزل وينصرف الجميع بعد أن يشربوا "الشربيت" ويأخذون "الحلاوة اللوزية". [رسائل في تاريخ المدينة عام (1303هـ)](1/13)
أما في مكة المكرمة فنجده يختلف بعض الشيء: ففي ظهر يوم الحادي عشر تطلق المدافع إعلاناً لهذه المناسبة، ومع صلاة المغرب التي هي بداية اليوم الثاني عشر من ربيع الأول يبدأ تجمع الناس بأعداد خيالية وتأتي النساء بملابس العيد في كامل الزينة وكذا الأطفال فيحدث في ساحة المسجد الكثير من الصخب، وتوزع الحلوى حتى في المسجد، وبعد الانتهاء من صلاة المغرب تضاء المصابيح في المسجد بأعداد كبيرة أكثر من المعتاد ويبقى الجمهور بعد ذلك قرابة نصف ساعة في حركة دائمة يحيي بعضهم بعضاً، والقليل منهم يستمع إلى الإمام يتلو قصة المولد حيث يكون في مكان الصدارة شريف مكة والوالي التركي مع حاشيتيهما. وحينما تنتهي قراءة المولد نشاهد هرجاً كبيراً داخل المسجد فالكل يريد أن يرى الشريف ورجاله حيث يمشون بخطى وئيدة ويحملون القناديل المضيئة عبر "أسواق القشاشة" "وسوق الليل" إلى بناية القبة في الشعب (شعب علي) حيث رأى رسول الله(النور لأول مرة.
وأمام هذا الموكب يسير "الريس" وهو كبير المؤذنين ينشد الأناشيد في مدح الرسول(، وعند الوصول إلى مكان الميلاد يدخل هذا الحشد إلى مكان المولد حيث وضعت هناك قبة حتى أن من بنى القبة عين موقع إهلاله(حين الولادة وجعل مكانه نقرة مجملة بالمرمر يطيبها السادن، فيأتي الزوار يلمسونها بأكفهم تبركاً ويقرؤون الفاتحة وبجوار موضع المولد مكان يكون فيه بعض الدراويش من أهل الطرق الصوفية يقرؤون المولد ويقيمون حلقة الذكر والرقص، ويقرؤون شيئاً من سيرة الرسول(، ثم تقام صلاة الجماعة. وخلال الليل تقام حفلات السمر في حين يقوم المتصوفة بتكوين حلقات يرددون فيها بصورة جماعية قصائد "البردة" "والهمزية" وأشعار المديح الأخرى [التي فيها من الشرك ما الله به عليم].[صفحات من تاريخ مكة لسونك](1/14)
ومن الأهالي من يقيم في بيته تلك الليلة أو يومها حفلة يدعو إليها من يريد من أصدقائه، وعندما يتكامل جميعهم يقرأ أحدهم قصة المولد، وأكثر القصص قراءة وتلاوة القصة التي رتبها شيخهم "البرزنجي" وهو من علماء المدينة النبوية وهي قصة مسجوعة وعند ذكر إهلاله في القصة يقوم الجميع وقوفاً يرتلون كلمات الترحيب "مرحباً يا مرحباً جد الحسين مرحباً يا نور عيني" . ثم تمد الموائد بما تهيأ من طعام، وينصرف بعد ذلك كل إلى شأنه. [مكة في القرن الرابع عشر لمحمد رفيع (124)]
أما في العهد السعودي فقد منعت هذه المظاهر البدعية والمجاهرة بإقامة المولد لما فيها من مخالفة لهدي النبي(إلا أنها لا تزال تقام إلى الآن من قبل متصوفة الحجاز ولكن سراً في منازل الموسرين، أو قصور الأفراح والاستراحات، وهي تعقد تحت شعار ذكر المولد النبوي الشريف وليس خاصاً عندهم بشهر ربيع الأول ولا باليوم الثاني عشر منه إلا أن له مزية خاصة، وهم يقيمونه عند وجود أية مناسبة من موت أو حياة أو تجدد حال. وكيفيته: أن تذبح الذبائح وتعد الأطعمة ويدعى الأقارب والأصدقاء وقليل من الفقراء، ثم يجلس الكل للاستماع فيتقدم شاب حسن الصوت فينشد الأشعار ويترنم بالمدائح وهم يرددون معه بعض الصلوات، نحو:
صلى عليك الله يا علم الهدي ما حن مشتاق إلى لقياك
بإشباع الكاف من (لقياك). ثم يقرأ قصة المولد حتى إذا بلغ: "وولدته آمنة مختوناً" قام الجميع إجلالاً وتعظيماً، ووقفوا دقائق في إجلال وإكبار تخيلاً منهم وضع آمنة لرسول الله(، ثم يؤتى بالمجامر وطيب البخور فيتطيب الكل، ثم تدار كؤوس المشروبات من "شربيت" وغيرها، ثم تقدم قصاع الطعام فيأكلون وينصرفون وهم معتقدون أنهم قد تقربوا إلى الله تعالى بأعظم قربة.(1/15)
ومما يجدر التنبيه إليه هنا أن جل القصائد والمدائح التي يتغنى بها في المولد لا تخلو من ألفاظ الشرك وعبارات الغلو الذي نهى عنه رسول الله(بقوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، وإنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا عبد لله ورسوله" كما يختم الحفل بدعوات تحمل ألفاظ التوسلات المنكرة والكلمات الشركية. [الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف لأبي بكر الجزائري ص 30]
وقد يرقص الصوفية في المولد؛ يقول الأستاذ أحمد الخريصي كنت عامي (1401-1402هـ) أستاذاً بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وهناك قدر لي حضور المولد ولكني ندمت على حضوري إذ إن المنشدين الذين ترأسوا الحفل متصوفة غلاة من أصل تركي وأتباعهم كذلك، وقد فتح لهم شيخهم مجال الرقص الصوفي "العمارة" حيث مكثوا يركضون بأرجلهم على الأرض وأصوات حناجرهم ترتفع بـ"دهه، حح، هي" نحو الساعة إلا ربعاً حتى ابتلت أقمصتهم من العرق رغم المكيفات والمراوح حيث كان المنظر مشوهاً وثقيلاً على النفس.
وجمعية المنشدين بالمدينة المنورة يوجد مقرهم بالمسجد النبوي من الجهة التي تحاذي بابي "الرحمة والسلام"، وهم عدة جمعيات يتحلقون عادة بين العشائين، كل جمعية لها أفراد ويسند الشيخ ظهره إلى سارية، وشعارهم عندما يجتمعون هو تلاوة القرآن بالتناوب، وتعقد هناك صفقات إحياء الموالد. [المتصوفةو بدعة الاحتفال بالمولد النبوي (113-115)]
تنبيه: تعددت الآراء في سبب قيام الصوفية في المولد عند ذكر مولد الرسول(:
1- قيل للترحيب بالنبي(حيث يعتقد بعض الصوفية أن النبي(يحضر بجسده الشريف مجلس الاحتفال وقد يوضع له البخور والطيب على أساس أنه يتبخر به ويتطيب، كما يوضع له الماء على أساس أنه يشرب منه لذا يتبركون بهذا الماء بعد انتهاء المولد. [انظر حول الاحتفال بالمولد لمحمد علوي المالكي ص 24](1/16)
2- أن القيام بسبب حضور روح النبي(في تلك اللحظة وهذا اختاره محمد علوي المالكي[المرجع نفسه ص 25]
3- أن ذلك القيام لتشخيص ذات النبي(، جاء ذلك في نظم البرزنجي ونصه:
وقد سن أهل العلم والفضل والتقى قياماً على الأقدام مع حسن إمعان
بتشخيص ذات المصطفى وهو حاضر بأي مقام فيه يذكر بل دان
ومعنى التشخيص هو لتصور شخص النبي(في الذهن فيقوم الناس احتراماً وتقديراً لهذا التصور.
4- وقيل مقيس على القيام الذي وقع من الشيخ السبكي حيث كان عنده كثير من العلماء فأنشد منشد قول الصرصري في مدحه للرسول(:
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب على ورق من خط أحسن من كتب
وأن تنهض الأشراف عند سماعه قياماً صفوفاً أوجثياً على الركب
فعند ذلك قام السبكي وجميع من في المجلس فحصل أنس كبير، يقول علي الحلبي صاحب السيرة الحلبية: ويكفي فعل السبكي للاقتداء.
الرد على بدعة المولد النبوي:
في عام (1402هـ) ألقى الشيخ ابن باز رحمه الله كلمة عن بدعية المولد يتلخص مضمونها فيما يلي:
1- مما يدل على أنها بدعة محدثة: أن الرسول(لم يفعلها ولا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة ولا التابعون لهم في القرون المفضلة.
2- أن أول من ابتدعها هم الفاطميون أصحاب العقيدة الفاسدة في القرن الرابع الهجري.
3- وقد قال النبي(:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وقال تعالى: ?فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم? وقال تعالى: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً? وإحداث مثل هذا المولد يفهم منه أن الله سبحانه وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول(لم يبلغ البلاغ المبين.
4- لا ينبغي الاغترار بكثرة من يفعله فقد قال تعالى:?وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله? فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين وإنما يعرف بالأدلة الشرعية.(1/17)
5- ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى كاختلاط النساء بالرجال بل أدهى من ذلك وهو الشرك الأكبر؛ وذلك بالغلو في رسول الله(بدعائه وطلب المدد منه، واعتقاد أنه بعلم الغيب وغير ذلك، وقد قال(:"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله" [أخرجه البخاري].
6- ومن البدع ظن بعضهم أن الرسول(يحضر المولد ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل لأن الرسول(في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه كما قال تعالى:?ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون? وقال(:"أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة".
7- أما الصلاة والسلام على رسول الله فهي من أفضل القربات كما قال تعالى:?إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً?، وهي مشروعة في جميع الأوقات ومتأكدة في بعض الأوقات.
وبعد هذه الكلمة الطيبة، والنصيحة الغالية من هذا الإمام ثارت ثائرة الصوفية في الحجاز وتزعم ذلك المدعو محمد علوي المالكي وتلاميذه فكان منهم الأعمال التالية:
1- قام محمد علوي المالكي بطبع كتاب"المورد الروي في المولد النبوي" لعلي القاري، وعلق عليه، وقدم له بمقدمة دعى فيها إلى الاحتفال بالمولد النبوي، كما قام بطبع المولد المعروف "بمولد الديبع"، وألف رسالة سماها"حول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف".
2- قام يوسف الرفاعي بالرد على كلمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في جريدة السياسة الكويتية في الأعداد (4859-4870).
3- نشر أحد المجهولين ووقع لكلامه بقوله: (أخوكم في الله من السعودية الرياض). وكان محتواها ومحتوى كلام الرفاعي أغلبه منقول من كلام محمد علوي مالكي.
4- قام أنور أبو الجدائل بمناقشة كلام الشيخ ابن باز رحمه الله في جريدة المدينة تحت عنوان: "استرعى انتباهي" في عدة أعداد.(1/18)
وقد تصدى علماء السنة لهؤلاء الصوفية المبتدعة بالرد عليهم بالتفصيل وقمع حججهم بالكتاب والسنة فرجعوا إلى جحورهم صاغرين، وممن رد عليهم:
الشيخ إسماعيل الأنصاري في كتابه النفيس "القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل("، والشيخ حمود التويجري في كتابه "الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي" [ولزاماً قراءة هذين الكتابين لمعرفة شبه القوم والرد عليها ولولا خشية الإطالة لأوردت الردود بأكملها].
ثانياً: بدعة التبرك عند صوفية الحجاز
إن التبرك بذوات الصالحين وآثارهم والأزمنة والأمكنة المرتبطة بهم قضية من أهم القضايا العقدية، وإن الغلو فيها ومخالفة الصواب قد جر فئاماً من الناس قديماً وحديثاً إلى حظيرة البدع والخرافات والشركيات:
وهذا الأمر من قديم الزمان بل هو شرك قوم نوح، وهو شرك العرب الجاهليين الذين بعث فيهم رسول الله(، فقد كان من أسباب عبادتهم الأصنام التبرك بها، وكان أول من أدخل هذه العقيدة الوثنية إلى المسلمين هم الرافضة؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فظهرت بدعة التشيع التي هي مفتاح باب الشرك، ثم لما تمكنت الزنادقة أمروا ببناء المشاهد وتعطيل المساجد محتجين بأنه لا تصلى الجمعة والجماعة إلا خلف معصوم. ورووا في إنارة المشاهد وتعظيمها والدعاء عندها من الأكاذيب ما لم أجد مثله فيما وقفت عليه من أكاذيب أهل الكتاب، حتى صنف كبيرهم ابن النعمان كتاباً في مناسك حج المشاهد، وكذبوا فيه على النبي(وأهل بيته أكاذيب بدلوا بها دينه وغيروا ملته، وابتدعوا الشرك المنافي للتوحيد، فصاروا جامعين بين الشرك والكذب" [مجموع الفتاوى (27/161)].
ثم اقتبس غلاة المتصوفة من الرافضة التبرك بالمشايخ وبقبورهم وآثارهم؛ فهذا البوصيري يرى أن من تبرك بتراب قبر النبي(كانت له طوبى إذ يقول:
لا طيب يعدل ترباً ضم أعظمه طوبى لمنتشق منه وملتثم(1/19)
والحجاز قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وقيام الدولة السعودية كانت مرتعاً خصباً لأهل الغلو حتى أشاع أهل التصوف فيها الوثنية والشرك؛ كل ذلك بزعمهم طلباً للبركة وإجابة الدعوة.
وسنعرض بإيجاز لبعض مظاهر هذا الغلو:
يقول النقاشي في منسكه وهو يصف الأماكن التي يتبرك بها ويستجاب فيها الدعاء، وقد وقت لكل موضع وقتاً للإجابة (وكل ذلك استحساناً من غير دليل):
"أما خلف المقام وتحت الميزاب ففي السحر، وعند الركن اليماني في وقت الفجر، وعند الحجر الأسود نصف النهار، وعند الملتزم نصف الليل، وداخل زمزم عند غيبوبة الشمس، وداخل البيت عند الزوال، وعلى الصفا والمروة عند العصر، وبمنى ليلة البدر وشطر الليل، وبالمزدلفة عند طلوع الشمس، وبعرفة وقت الزوال تحت السدرة، وفي دار خديجة ليلة الجمعة، وفي مولد النبي(يوم الاثنين عند الزوال، وفي دار الخيزران عند المختبى بين العشائين، وفي مسجد الشجرة يوم الأربعاء، وفي المتكأ غداة يوم الأحد، وفي ثور وحراء وثبير والمدعى عند الظهر" اهـ.
ومنها جبل أبي قبيس وهو بزعمهم أول جبل خلق فإن الدعاء مستجاب فيه، وفيه قبر آدم، وموضع انشقاق القمر. ومنها مولد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وكذا في زقاق الموفق محل فيه مسجد يقال إنه دكان سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويقال إنها داره، ويقابل هذه الدار جدار فيه حجر يتبرك الناس بلمسه ويقال إنه كلم النبي(، وبقرب هذا الحجر قبل أن يوصل إليه في مقابلته على يسار المستقبل صفحة حجر مبنى في الجدار في وسطه مثل محل المرفق يزوره الناس ويزعمون أن النبي(اتكأ عليه فغاص مرفقه الشريف وهو يكلم الحجر الذي أمامه.(1/20)
ومن الأماكن جبل ثور قال المرجاني: ذكر لي أن رجلاً كان له أموال وبنون وأنه أصيب بذلك فلم يحزن ولم يجزع على مصائبه لقوة صبره و تحمله فنوقش فقال: روي أنه من دخل غار ثور الذي آوى إليه النبي(وصاحبه وسأل الله أن يذهب عنه الحزن لم يحزن على شيء من مصائب الدنيا، وقد فعلت ذلك وما وجدت قط حزناً!
وبقرب مسجد الخيف حجر مستدير إلى سفح الجبل مرتفع عن الأرض يظل ما تحته ذكر أن النبي( قعد تحته مستظلاً ومس رأسه المكرم الحجر حتى أثر فيه تأثيراً بقدر دورة الرأس، فيضع الناس رؤوسهم في هذا الموضع تيمناً بموضع رأس الرسول( كي لا تمس رؤوسهم النار. [انظر أعلام العلماء لعبدالكريم القطبي].
وعلى مقربة من دار خديجة رضي الله عنها يوجد مصطبة فيها متكأ يقصده الناس ويصلون فيه، ويتمسحون بأركانها لأن في موضعها كان موضع قعود النبي(.[مكة المكرمة لحسن دحلان]
أما في المدينة النبوية فإنها موطن المزارات، فمن الحجرة النبوية إلى البقيع التي كانت مليئة بالقباب، وإلى المساجد السبعة، إلى طريق الهجرة، إلى وقعة بدر، ... إلخ.
ويكفي لتصوير هذا الهوس الديني أن نمثل بمثال واحد يقصده الزائرون ويتبركون به، وهو موضع وقعة أحد؛ يقول من زار المنطقة في ذلك العصر المظلم:(1/21)
"وعلى بعد حوالي ميل من المدينة نجد بقايا قصر من الأحجار والآجر، حيث يصلي الناس ركعتين إحياء لذكرى لبس النبي(درعه في هذا المكان، وبعد ذلك يوجد حجر كبير يقال إن محمد(أسند إليه ظهره لبضع دقائق في طريقه إلى أحد، ويتبرك الزائر بالاتكاء بظهره على هذا الحجر وقراءة الفاتحة، وفي مسجد حمزة رضي الله عنه يصلي الزوار فيه ركعتين ثم يتقدم الزوار إلى القبور حيث يقرؤون سورة "يس" أو سورة "الإخلاص" أربعين مرة، ثم يطلب الزائر من حمزة وصحبه الشفاعة عند الله بأن يهب الزائر وأهله الإيمان والصحة والثروة، وأن يدمر أعداءهم . وتدفع الأموال عادة في كل ركن لحراس المسجد والقبور. وعلى بعد مسافة غير بعيدة صوب جبل أحد توجد قبة صغيرة تشير إلى المكان الذي ضرب فيه محمد(وكسرت رباعيته".
كل هذه المزارات وطلب البركات في موضع واحد فكيف ببقية المواضع؟!
وكذلك الطائف لم تخل من هذه البدع، فهناك مسجد الرسول( الذي فيه سارية لا تطلع الشمس عليها مدى الدهر إلا أياماً ويسمع لها نقيض أكثر من عشر مرات فكانوا يرون ذلك تسبيحاً. ومن المزارات القبتان المبنيتان في موضع خيمتي زينب وأم سلمة رضي الله عنهما. وهناك أشهر المزارات وهو قبر ابن عباس رضي الله عنهما حيث يظن أن الدعاء مستجاب عند السارية التي عند رأس الضريح، وكذلك عند الشباك الحديدي. يقول أحد خدام الضريح: بينما أنا جالس عند باب القبة، وإذا أنا أسمع كلاماً بين شخصين في القبة، قال: فدخلت لأنظر فإذا القبة خالية وليس فيها إلا الشيخ العارف بالله مولانا السيد مالك البخاري النقشبندي مطرقاً مستغرقاً فانتظرته حتى رجع إلى صحوه، فأقسمت عليه بالله أن يخبرني عن ذلك فقال: استأذنت سيدنا عبدالله بن عباس في السفر إلى زيارة بيت المقدس لزيارة الأولياء فقال لي: تذهب عنا ونحن مورد الأولياء! [انظر إهداء اللطائف (ص:41-51) لحسن العحمي (ت:1113هـ) ].(1/22)
كل هذه البدع والمزارات المفضية إلى الشرك عياذاً بالله زالت بحمد الله مع انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في أرجاء هذه البلاد المباركة، فزالت معالم الوثنية من قبب وأضرحة عالية وتبرك بالمواضع حيث حوربت بكل حزم نشراً للعقيدة الصحيحة، ودفعاً لوسائل الشرك بحمد الله، إلا أن دعاة التصوف في الحجاز لا يفترون أن يدعوا إلى إحياء هذه الوسائل الشركية، والبدع الرذيلة كلما حانت لهم فرصة وعلى رأسهم داعية التصوف في هذا العصر المدعو محمد علوي المالكي فمما قاله عن مكان مولد النبي(:"وقد وفق الله تعالى المرحوم الشيخ عباس قطان أمين العاصمة المقدسة بعد أن استأذن من جلالة الملك عبدالعزيز يرحمهما الله فأعاد بناء هذا البيت بعد أن تهدم وصار خراباً مهجوراً، ووضعت فيه مكتبة عامة عظيمة ضخمة تسمى بمكتبة مكة المكرمة مفتوحة للمطالعة والمراجعة، وذلك حفظاً لشرف المكان بما يناسبه"
[في رحاب البيت الحرام (263)].
ويقول يوسف الرفاعي المنافح عن محمد علوي المالكي:"وقصد الأماكن والمعالم المباركة التي يرجى فيها استجابة الدعاء والتوسل كالمساجد والأضرحة شرع منصوص" . [الرد المحكم المنيع (75)]
ويقول محمد أمين الكردي:"وما يفعله العامة من تقبيل أعتاب الأولياء والتابوت الذي يجعل فوقهم فلا بأس به، إن قصدوا بذلك التبرك" [النقشبندية (51)]
ويقول بعض مشائخ البريلوية: "ولا بأس إن طاف حول القبر لحصول البركات؛ لأن قبور الأولياء من شعائر الله المأمور بها التعظيم" [البريلوية(124)].
ويقول يوسف الرفاعي، وهو يزفر حنقاً على مانعي بدعه: "فهل يجوز بعد بيان ما سلف أن نتهم بالشرك ونضرب بالعصا، وننظر شزراً وحنقاً إذا أردنا أن نتبرك بأي أثر من آثار النبي(وسواء في ذلك مسجده ومنبره ومحرابه وشباك قبره وخارجه".(1/23)
فرد عليه الشيخ أبو بكر الجزائري قائلاً:"كذبت يا رفاعي، وأين آثار النبي(؟ إن المنبر والشباك من صنع الأتراك، فوالله ما لامست شيئاً من يد رسول الله(وقدمه ولا شيئاً من جسمه، فبم يتبرك المسلمون يا رفاعي؟! إنهم يتبركون بوجودهم في مسجد رسول الله (والصلاة فيه، وبالسلام على رسول الله(وصاحبيه الصديق والفاروق، وما عدا ذلك فهو شرعة الروافض والمنتفعين من مظاهر البدع والضلال" [وجاؤوا يركضون (67)].
وقد شن صوفية الحجاز عام (1402هـ) حملة ماكرة فيها من الخبث وسوء الطوية ما فيها لإحياء الآثار تحت مسمى السياحة الدينية، فكتبوا المقالات في الصحف داعين إلى هذا المنكر منهم: "صالح جمال، وأنور أبو الجدايل، وعبدالعزيز الرفاعي، ود/فاروق خضر" حيث دعوا في هذه المقالات إلى إحياء طريق الهجرة ووضع شواخص تدل عليها كمثل خيمتين أدنى ما تكونان إلى خيمتي أم معبد مع ما يلائم بقية المواقع من ذلك بعد اتخاذ الحيطة اللازمة لمنع أي تجاوز يعطيها صفة التقديس أو التبرك أو الانحراف عن مقتضيات الشرع!!! لأن المقصود إيقاف الدارسين ومن يشاء من السائحين على هذه المواضع، على أن تعمل لها طرق فرعية معبدة تخرج من الطريق العام وتقام بها نزل واستراحات للسائحين، وأن يعنى أيضاً بتسهيل الصعود إلى أماكن تواجده(بدأً بغار حراء ثم ثور وبقية المواقع.
ويقول د/فاروق خضر:"إن السياحة الدينية في المسيحية في الفاتكان تعتبر أحد الدخول الرئيسية للاقتصاد الإيطالي، وأن إسرائيل قد قامت ببيع زجاجات فارغة على اليهود في أمريكا على اعتبار أن هذه الزجاجات مليئة بهواء القدس"!!!
وقال: "إنها ستؤدي إلى تثبيت العلم بالإسلام عند الأطفال".
إلا أن هذه الحملة بحمد لله تم القضاء عليها بفضل من الله ثم بردود سماحة الشيح عبدالعزيز بن باز رحمه الله حيث تم احتواؤها في مهدها. [انظر مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 3/334) ](1/24)
إلا أن صوفية الحجاز مازالوا يتحينون الفرص لنشر مذهبهم وإحياء آثارهم؛ فمن ذلك ترميم القبر المزعوم "لعلي العريضي" (وهو من آل البيت) والموجود في مبنى الحجر الصحي المهجور بالقرب من مطار المدينة المنورة، وأصبح هذا القبر المزعوم يزار ويطلب منه الحاجات وشاركهم في ذلك شركائهم في الغلو في القبور "النخاولة" الرافضة إلا أن أهل التوحيد في هذه البلاد حرسها الله من كل سوء قد خاطبوا المسؤولين عن هذا المنكر وبحمد الله نبشت هذه القبور ونقلت إلى مكان مجهول من مقابر المسلمين وأزيل المبنى بالكامل وسوي بالأرض ولله الحمد.
ثالثاً: بدعة المراقبة والاستمداد من صاحب القبر
يعتقد الصوفية أن النبي(والأولياء يوزعون النور الإلهي الذي ينزل عليهم من السماء على المريدين والمراقبين للقبر؛ لذا نجد الصوفية يقضون الأوقات الطويلة في مراقبة قبر الرسول(وقبور الصالحين، ويسمى هذا في اصطلاح الصوفية (الاستمداد)، وإن هذه البدعة الشنيعة ما زالت تمارس علناً في مسجد رسول الله(وذلك في المكان المسمى بـ"دكة الصوفية" والموجودة في شمال القبر الشريف والمرتفعة بشكل واضح عن بقية أرضية المسجد.
يقول الشيخ حمود التويجري رحمه الله: "وقد أخبرني الثقات أن علياً أبا الحسن الندوي كان يجلس في مسجد النبي(مستقبلاً الحجرة الشريفة في غاية الخشوع، لا يتكلم ساعتين وأكثر، فاستغربت هذا الأمر، وفهمت أنه استمداد".
ويقول الشيخ سردار الباكستاني:"وكان الشيخ محمد يوسف يقول: إن صاحب هذا القبر شيخنا محمد إلياس يوزع النور الذي ينزل من السماء في قبره بين مريديه حسب قوة الارتباط والتعلق به. وكذلك كنا نجلس أيضاً على قبر الشيخ عبدالرحيم زي فوري في هيئة المراقبة. وكان الشيخ محمد يوسف يجلس مراقباً عند قبر النبي(عدة ساعات خلال إقامته في المدينة المنورة".[القول البليغ للشيخ حمود التويجري(66-67)](1/25)
وإنني من خلال هذا الكتاب أحث ولاة الأمر في هذا البلد الكريم والمسؤولين عن المسجد النبوي أن يسعوا بأسرع وقت لإزالة هذه الدكة والتي أصبحت مكاناً لاجتماع الصوفية، وإحياء لهذه البدعة المنكرة.
رابعاً: بدعة الرجبية وليلة المعراج
الرجبية موسم كبير لأهل المدينة النبوية في شهر رجب؛ حيث كانوا يحتفلون فيه لزيارة قبر حمزة والشهداء رضي الله عنهم؛ يأتي الناس إليه من أقطار الحجاز من مكة واليمن والطائف وينبع، فيحشر هناك خلائق لا يحصون يقاربون ما يجتمع في موسم الحج ويخرج أهل المدينة إلا القليل بأولادهم ونسائهم ويخرجون معهم المضارب الحسان والخيام الكبار، ويخرج أمراء المدينة وعسكرها، وتنصب الأسواق العظيمة هناك، يخرجون من أوائل رجب ويتلاحق الناس كل على قدر حاله فيتكامل خروجهم في اليوم الثاني عشر وهو اليوم المشهود عندهم ويوم الزينة، فلا يبقى في المدينة إلا أهل الأعذار، ويحصل هنالك من أنواع اللهو والطرب واللعب أشياء، والرمي بالمدافع والمحارق، ويبيت الناس طول ليلهم ويومهم في القراءة والزيارة حول القبر[مقتطفات من رحلة العياشي لحمد الجاسر (167)]، ويكون فيها -عياذاً بالله- الاستغاثة بأصحاب القبور والنذر لها، ومما كان يدل على هذا الغلو ما كان مكتوباً على حائط مشهد حمزة رضي الله عنه، ومما كتب:
يا نجدة الملهوف في قحم الوغا
يا غيث ذي الأمل البعيد مرامه
يا من لعظم مصابه خص الأسا
يا حمزة الخير المؤمل نفعه
ومما كتب أيضاً:
سندي سيدي معيني مغيثي
قد حططنا أثقالنا وأنخنا
طالما سودت بكل قبيح
فأكفنا سوءها وكف المعاصي
عند التهاب جحيمها المتوقد
يا غوث موتور الزمان الأنكد
قلب الرسول وعم كل موحد
يوم الهياج وعند فقد المنجد
ملجئي منجأي لدى الحوباء
بفنائك الرحيب نوق الرجاء
بيض صحف لنا لدى الاعتداء
واجلنيها بنور شمس الهداء
[انظر الحقيقة والمجاز للنابلسي (ت(1143هـ) ص 365]
عياذا بالله من هذا الشرك الأكبر.(1/26)
وهذه البدعة بهذه الضخامة قد زالت في عصرنا الحاضر إلا أنها لا تزال تقام وإلى هذا الوقت على المستوى الأسري والجماعات الصغيرة. [انظر مكة في القرن الرابع عشر لمحمد رفيع (122)]
ومن البدع التي يحرص عليها صوفية الحجاز بدعة ليلة الإسراء والمعراج:
وهي تكون في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب [لم يثبت في تحديد ليلة الإسراء والمعراج شيء وقد اختلف العلماء في تحديدها كثيراً أوصلها بعض العلماء إلى أكثر من عشرة أقوال. راجع: البدع الحولية لعبدالله التويحري(270)]
وقد كانوا في هذه الليلة في الحرم المكي تفرش البسط خلف مقام الحنفي بالمسجد الحرام على البلاط الواسع، ومن قبل الغروب يبدأ توافد الخطباء وأئمة المقامات الأربعة التي كانت بالمسجد بملابسهم الرسمية (العمامة المدرجة والفرجية الواسعة الأكمام) ويقومون صفوفاً على البسط، وبعد صلاة المغرب يبدأ أحدهم بقراءة قصة الإسراء والمعراج، فإذا انتهى منها قام بالدعاء للسلطان ويكون بمحضر منه، وبعد الانتهاء من صلاة العشاء ينفض الاجتماع. وأبرز المظاهر بين الأهالي في ذلك اليوم هو شراء حلوى المشبك وتهاديها بين الأسر احتفالاً بهذه الليلة. [مكة في القرن الرابع عشر لمحمد رفيع(122)]
أما في المدينة النبوية فإنه يقام في هذا اليوم سوق عظيم، ويتوافد خلق كثير من الأعراب ويمتلئ المسجد النبوي فمن لم يدخل قبل العصر فإنه لا يجد مكاناً، ويفتح الحرم طول الليل، ويبيت الناس في ذكر وقراءة وصلاة إلى الصباح؛ فإذا أصبحوا أخذ الأعراب في التوديع فيسمع لهم حنين كحنين الإبل في المسجد وصياح وصراخ رافعين أصواتهم بالصلاة على النبي(والاستغاثة به!!! [مقتطفات من رحلة العياشي لحمد الجاسر (171)].
وصوفية الحجاز مازالوا إلى الآن يحيون هذه الليلة ولكن ليس بهذا الحجم، وإنما على النطاق الأسري.(1/27)
والعجيب أن أهل مكة يغالون في العمرة في هذا الشهر وخاصة في هذه الليلة، بل ويعادلونها بوقفة عرفة. [انظر الحجاز للدكتور جميل حسين (233)]
خامساً: بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان
وفي هذه الليلة يتجمع الأهالي في المسجد لصلاة المغرب، ثم يتحلقون بعد ذلك جماعات لقراءة سورة "يس"، ثم يرتلون دعاء النصف من شهر شعبان، فإن لهم دعاء مخصوصاً بينهم، ويقولون إنه في هذه الليلة يجري توقيت الأعمال وتقدير الأرزاق والحكم على المرء بأن يكون شقياً أو سعيداً (والصحيح أن تقدير الأرزاق و توقيت الأعمال في ليلة القدر).
ومن الغريب أن أهل مكة يعتقدون أن ماء زمزم يفور ويتصاعد حتى يصل إلى فوهة البئر أو يفيض فترى الناس يتهافتون ويتسابقون إلى الشرب من البئر لنيل البركة. [انظر مكة في القرن الرابع عشر لمحمد رفيع (122)]
ومن العادات الطريفة في هذه الليلة إنه يجتمع أبناء كل حارة ويدورون على البيوت ويرددون الأناشيد الخاصة بالمناسبة وهي:
"سيدي شاهين يا شربيت، خرقة مرقة، يا أهل البيت، لولا خواجة ما جينا، ولا طاحت كوافينا، حل الكيس واعطينا، إما مشبك وإلا فشار، وإلا عروس من الروشان... ". فيعطى لهم بعض المشبك أو الفشار وغير ذلك، وبعض الأحيان شيء من النقود، وإذا لم يعطهم أهل البيت شيئاً فإنه تتغير النغمة ويتحول النشيد إلى شيء من السب فيقولون: كبريته يا كبريته، ست البيت عفريته، وغير ذلك من الألفاظ. أما في حالة العطاء فإن أهل البيت يتلقون تحية على النمط السابق مع اختلاف المعنى: "ليمونة يا ليمونة ست البيت مزيونة، قارورة يا قارورة ست البيت غندورة" [انظر العهود الثلاثة لمحمد زيدان(137)، والمدينة المنورة في القرن الرابع عشر لأحمد سليم(219)].
سادساً: بدعة قراءة كتاب صحيح البخاري للبركة(1/28)
يعتقد الصوفية أن في قراءة صحيح البخاري في الأزمات والشدائد أنه يدفعها ببركة هذا الكتاب؛ فتجدهم في الحروب والكوارث يجزئون البخاري إلى أجزاء صغيرة، كل جزء يقرأه مريد من مريدي الشيخ الصوفي فتندفع النقم وتزول الكوارث بزعمهم، وأكثر من ذلك فإن في البيت الذي يقرأ فيه البخاري لا يحترق...وهكذا.
يقول أبو محمد بن أبي حمزة مختصر البخاري: "قال لي من لقيته من العارفين عمن لقي من السادة المقر لهم بالفضل أن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فرجت ولا ركب في مركب فغرق". [انظر هدي الساري (13)]
ويذكر الجبرتي أن السلطان العثماني في سنة (1202هـ) أرسل أموالاً لتفرق على طلبة العلم في الأزهر؛ ليقرؤوا له صحيح البخاري ويدعو له بالنصر.[عجائب الآثار(2/252)]
ويذكر أنه حين قدوم الفرنسيين إلى مصر وقبل دخولهم القاهرة كان العلماء يجتمعون بالأزهر كل يوم ، ويقرؤون صحيح البخاري، وكذلك مشايخ فقراء الطرق "الأحمدية" "والرفاعية" "والقادرية" وغيرها من أرباب الطرق الصوفية. [السابق (2/185)].
وكتب أحد علماء الأزهر سنة (1320هـ) مقالة في إحدى المجلات بعنوان: " بماذا دفع العلماء نازلة الوباء": "دفعوها يوم الأحد الماضي في جامع الأزهر بقراءة متن البخاري موزعاً كراريس على العلماء وكبار المترشحين للتدريس في نحو ساعة جرياً على عاداتهم من إعداد هذا المتن أو السلاح الحبري لكشف الخطوب، وتفريج الكروب، فهو يقوم عندهم في الحرب مقام المدفع و الصارم والأسل، وفي الحريق مقام المضخة والماء، وفي الوباء مقام عقاقير الأطباء. وفي البيوت مقام الخفراء...وعلى كل حال فهو مستنزل الرحمات ومستقر البركات"!!! [انظر إصلاح المساجد (256)]
ويقول يوسف المغربي:
إن البخاري معلوم الإجابة في
فما توسل محزون به ورجا
ولا تلاه لكشف الضر ذو هرج
فالهج به ورواة فيه قد وصلوا
إلى أن قال:
وللبخاري رجال يستغاث بهم
بجاههم اسأل الرحمن مغفرة
ونكبة لعدو الدين عاجلة(1/29)
ما أمه المرء في أقرانه ونحا
إلا وأبدل من أحزانه فرحا
إلا تباعد عنه الضر وانفسحا
به حديث رسول الله متضحا
في المحل أو في الخطب إن فدحا
ورحمة تذهب الأحزان والترحا
تدير بالهلك والتدبير كل رحا
هذه البدعة الضالة مازال صوفية الحجاز يفعلونها ويستمدون البركة منها وأظهر من يظهرها في هذا العصر المدعو: محمد صالح المحضار الذي بلغ من الكبر عتيا حيث ما زال مصراً على إحياء هذه البدعة في المسجد النبوي ليلة السابع والعشرين من رمضان كل سنة رغم ممانعة المسؤولين في المسجد النبوي؛ حيث يقسم البخاري إلى أجزاء فيقرؤه مريدوه ويختمونه خلال ساعة لنيل البركة ودفع النقمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
سابعاً: الاحتفال بذكرى غزوة بدر الكبرى
وهي توافق ليلة السابع عشر من رمضان حيث قام صوفية الحجاز برصف الطريق المؤدي إلى موقع الغزوة، وفي وقتنا الحاضر وفي كل عام في هذا التاريخ توضع العقود ويضاء المكان وتوضع الولائم وتقام الاحتفالات واللعب واللهو في تلك الليلة وكأنهم يتشبهون بمشركي مكة عندما أتوا إلى الغزوة. فنعوذ بالله من هذا الخزي والعار.
ولعل فيما ذكرناه من بدع كفاية لإظهار حال دعاة التصوف في الحجاز وإلا فالأمر يطول في سرد بدع هؤلاء القوم نسأل الله العافية والسلامة.
رجال التصوف في الحجاز
سنعرض في هذا المبحث لشخصيتين من شخصيات التصوف في الحجاز، وهما في نظري خير من يوضح التصوف في الحجاز:
الشخصية الأولى: أحمد زيني دحلان:
كان من أبرز رجال التصوف في الحجاز، وهو مفتي مكة، ومن المعاصرين للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، والذي حارب دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب محاربة مستميتة لما كان يعلم من محاربتها لبدع التصوف، فألف في ذلك المؤلفات في الرد على ما زعم أنها الوهابية. والرجل كان جَلْداً في التصوف. [انظر الى كلامه في عقيدة وحدة الوجود عند الصوفية من هذا الكتاب].(1/30)
وقد كان يغلو فيه مريدوه أشد الغلو حتى أنهم كانوا يعدون الأمور المألوفة له كرامات عظيمة فمن ذلك عندما عزم أحمد دحلان على السفر من مكة إلى المدينة قال عنه مريده وهو يترجم له:"وشوهد له في هذا السفر عجائب وغرائب تدل على انتقاله وحسن الحال، وحصل له ومن معه فيه الألطاف مالا يخطر بالبال" [نفحة الرحمن لأبي بكر شطا (169)]. ويقول: "وألف رضي الله عنه قبل ذلك أيضاً بيومين (أي قبل وفاته) رسالة صغيرة في معرفة الأوقات لأداء العبادات، وفي ذلك إشارة منه رضي الله عنه إلى أن الوقت قد دنا وقرب الانتقال إلى نعيم الجنات، فيالها من إشارة ما أوضحها، وكرامة ما أعظمها"!!! [المصدر السابق (72)]
"وهذا المدعو أحمد دحلان كان حريصاً على حفظ البشرية! تمعن في هذه الكرامة له. وهذا الشيخ "أحمد زيني دحلان" كان يكره "التنباك" (الدخان) ويزجر من يشربه بانهماك، وكسر مرة جميع الشيش التي في بيته!!! وأمر بذلك خواص تلامذته وطلبته إلا أنه لما كثر عليه موارد الواردات وحصول الأنوار والمكاشفات صار يستعملها تستراً وحفظاً للبشرية!!! كما كان شيخه الشيخ عثمان ذو المقامات العلية" [نفحة الرحمن (42)]
ولا بأس من أن نروح عن القارئ الكريم قليلاً بهذه الكرامة الصوفية: فكما أن دحلان يحفظ البشر بالدخان فهذا الصوفي الشامي قد أهمته القضية الفلسطينية فدافع عنها بإسلوبه الخاص، يقول القاسم: كان أحد الصوفية يسمى: "كبة كبة" معتوه يعرفه أهل حلب في العقدين الأخيرين من القرن الرابع عشر الهجري، يدور في الشوارع مكشوف العورة يبول على ساقيه، أكثر ما يوجد في حي "باب أنطاكية" يعتقد في ولايته الكثيرون.(1/31)
حدثنا شاهد عيان قال: كنت ماراً في شارع، وإذا بكبة كبة جالس على الرصيف يستمني بيده أمام المارة من رجال ونساء فانتهرته وأردت طرده من المكان وإذا بعالم معروف ممن يعتقدون في هذا المعتوه يطل من نافذة بيته القريبة منا، ويصيح علي بلهجة تأنيبية شديدة وانفعال قائلاً: اتركه يا رجل، العمى على قلة الفهم أنت تعرف ماذا يفعل؟ هذه صواريخ يقذفها على إسرائيل! الله أعلم كم يقتل منهم كل صاروخ!!![ انظر الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود القاسم(583)]
الشخصية الثانية: د/ محمد علوي عباس المالكي:
ولد في مكة عام: (1367هـ) ونشأ بها، وهو من أصول مغربية، نال درجة الماجستير والدكتوراة من كلية أصول الدين بالأزهر. وقد كان يُدَرِّس في الحرم المكي قبل أن يُعلم حاله.
وهو أشعري العقيدة [انظر مفاهيم يجب أن تصحح ص111].
وقد ألف محمد بن علوي المالكي عدة كتب ورسائل نشر فيها الشرك باسم التوسل ومحبة الصالحين، ولقد نازع الله في أسمائه وصفاته (سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً)؛ حيث وصف النبي(بصفات الله وأسمائه؛ فقد نقل في كتابيه "الذخائر" "وشفاء الفؤاد" عمن سبقه نقولاً ارتضاها فكتب قائلاً:
1- "ما أرسل الرحمن أو يرسل من رحمة تصعد أو تنزل...إلا وطه المصطفى عبده...واسطة فيها وأصل لها" وهذه منازعة للرب عز وجل في صفة الرحمة.
2- ويقول عن النبي(:"إذ لا فرق بين حياته وموته في مشاهدته لأمته ومعرفة أحوالهم ونياتهم وعزائمهم وخواطرهم" وهذه منازعة للرب سبحانه وتعالى في صفة العلم.
3- وقال أيضاً: "يا من نناديه فيسمعنا على بعد المسافة سمع أقرب أقرب" وهذه منازعة للرب عز وجل في صفة القرب.
4- ويقول نقلاً عن القشاش واصفاً النبي(:"السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا باطن، السلام عليك يا ظاهر". [شفاء الفؤاد(120)](1/32)
وقد سمى النبي(بأسماء الله بنحو سبعين اسماً، بل ذهب أبعد من ذلك فزعم أن له(كل أسماء الله الحسنى، فلم يبقي لله اسماً يختص به.
5- وقال: "يا سيدي يا رسول الله، خذ بيدي، مالي سواك، ولا ألوي على أحد"، وقال أيضاً: "عجل بإذهاب الذي اشتكي فإن توقفت فمن ذا أسأل؟" وهذه منازعة صريحة في الألوهية.
6- وهو من القائلين بالحقيقة المحمدية (لمعرفة هذه العقيدة الفاسدة عند الصوفية انظر قسم الاعتقاد من هذا الكتاب عياذا بالله)؛ حيث نقل من خصائص النبي(: (أنه أول النبيين خلقاً)، (وخلق آدم وجميع المخلوقات لأجله ).(وكتب اسمه الشريف على العرش) .(وكل سماء والجنان وما فيها وما في الملكوت) .(وأوتي علم كل شيء حتى الروح والخمس التي في آية ?إن الله عنده علم الساعة?). (ويقطع أرض الجنة لمن يشاء....) وغيرها من هذا الغلو الشنيع [انظر الذخائر ص 201-228] ونقل في كتابه شفاء الفؤاد:(السلام عليك يا معنى الوجود، السلام عليك يا منبع الكرم والجود). (ص113).
ونقل أيضاً: "اللهم صل وسلم على سيدنا محمد أول متلق لفيضك الأول". (ص118)
7- وهو من القائلين بالاستمداد الصوفي لذلك يجلس الساعات الطويلة للمراقبة عند القبر، وقد قال في شفاء الفؤاد:
"تختلف أحوال الزائرين في استفادتهم من زيارتهم واستمدادهم بواسطة نبيهم المصطفى وحبيبهم المجتبى(بحسب استعدادهم في تلقي الفيوضات الإلهية والواردات الربانية بواسطة الحضرة المحمدية" [124]
وقال: ويديم النظر إلى الحجرة الشريفة فإنه عبادة، قياساً على الكعبة، فإذا كان خارج المسجد أدام النظر إلى قبتها مع المهابة والحضور"!!! [شفاء الفؤاد(194)].
8- وهو من المشيعين للخرافة والوثنية:(1/33)
ومن أعجب أنواع الوثنية أنه صنع صورة لنعل النبي(ودعى للغلو فيها حيث يقول: "ولا خفاء أن مثال النعل الشريف تَصَدَّرَ بإضافته إلى ذي الصدر، وخص لذلك برفعة الشأن والقدر، فعلا على البدر.. وما المثال المكرم إلا وسيلة للقدم التي خص الله بأكمل الأوصاف صاحبها(:
وما حب النعال شغفن قلبي ولكن حب من لبس النعالا !!!
فأكرم بها من نعال زكت بأطيب الفعال، وشرفت بالمختار وسمت، واتسمت من الفضائل بما اتسمت وحاكاها المثال بمحاسنه التي ارتسمت...".
ثم ختم فصل النعال بصورة لذلك المثال المزعوم، دبجها أبياتاً من الشعر قال فيها:
على رأس هذا الكون نعل محمد
لدى الطور موسى نودي أخلع
مثال حكى نعلاً لأشرف مرسل
ضرائرها السبع السموات كلها
مثال لنعل المصطفى ما له مثل
فأكرم به تمثال نعل كريمة
ولما رأيت الدهر قد حارب الورى
تحصنت منه في بديع مثالها
إني خدمت مثال نعل المصطفى
سعد ابن مسعود بخدمة نعله
علت فجميع الخلق تحت ظلاله
وأحمد على القرب لم يؤمر بخلع نعاله
تمنت مقام الترب منه الفراقد
غيارى وتيجان الملوك حواسد
لروحي به راح لعيني به كحل
لها كل رأس ود لو أنه رجل
جعلت لنفسي نعل سيده حصناً
بسور منيع نلت في ظله الأمنا
لأعيش في الدارين تحت ظلالها
وأنا السعيد بخدمتي لمثالها
[الذخائر(263-266)]
والأمر كما ترى دعوة صريحة إلى الشرك وعبادة الأصنام والتماثيل، وهذا إحياء لسنة السامري: ?فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضراً ولا نفعا?.
9- وهو قبوري داعٍ لعبادة القبور: فقال عن زيارة قبره:(
أ- أن زيارة قبره(عين التوحيد .[شفاء الفؤاد ص36]
ب- وجعل زيارة القبر من الهجرة إلى الله ورسوله. [المصدر السابق ص55]
ج- وفضَّلها على الحج إلى بيت الله الحرام. [السابق (165-35)]
وقال داعياً إلى الشرك:(1/34)
1- "فليس لنا يا رسول الله شفيع غيرك نؤمله، ولا رجاء غير بابك نصله".[الذخائر(101) وشفاء الفؤاد(109-117)].
2- وقال عن زيارة قبور الأنبياء: " وليستغث بهم، ويطلب حوائجه منهم، ويجزم بالإجابة ببركتهم، ويقوي حسن ظنه في ذلك فإنهم باب الله المفتوح، لا يردون من سألهم ولا من توسل بهم، ولا من قصدهم ولا من لجأ إليهم"[شفاء الفؤاد(97)].
3-ونقل أبيات شركية في النبي(:
فلذ به في كل ما تشتكي
ولذ به في كل ما ترتجي
وحط أحمال الرجا عنده
وناده إن أزمة أنشبت
يا أكرم الخلق على ربه
قد مسني الكرب وكم مرة
عجل بإذهاب الذي أشتكي
فهو شفيع دائماً يقبل
فإنه المأمن والمعقل
فإنه المأمن والمعقل
أظفارها واستحكم المعضل
وخير من فيهم به يسأل
فرجت كرباً بعضه يذهل
فإن توقفت فمن ذا أسأل
قال محمد علوي المالكي: وهي مجربة لقضاء الحوائج تقرأ في آخر الليل... ويكرر بيت: عجل لإذهاب الذي أشتكي (73) مرة [الذخائر (158)].
4- وقد جعل لزيارة قبر النبي(مناسك كالحج، يقو ل في شفاء الفؤاد:
"ينبغي ضبط الزيارة بما ضبط به الأئمة الاستطاعة في الحج". (131)
وقال أيضاً: "فقري الواقف ببابه الشريف كقري الواقف بعرفات"،إلى أن قال: "فقد أتم الله للحبيب المضاهات بكل الحالات". (131-132)
وله في مؤلفاته وأفعاله الكثير من الطامات، لم نذكرها رغبة في الاختصار، ولمن أراد المزيد فعلية بالرجوع إلى الكتب التي ردت عليه.
موقف هيئة كبار العلماء في السعودية من كتابات محمد علوي المالكي:(1/35)
وقف أهل العلم في السعودية وعلى رأسهم هيئة كبار العلماء أمام هذه الأباطيل موقفاً قوياً فقد أصدرت هيئة كبار العلماء قراراً عام (1401هـ) وقد جاء فيه: أنه قد ثبت أن محمد علوي المالكي داعية سوء، ويعمل على نشر الضلال والبدع، وأن كتبه مملوءة بالخرافات والدعوة إلى الشرك والوثنية، وطُلِب منه أن يحضر المذكور لدى سماحة الشيخ عبدالله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز الرئيس العام للإفتاء، ومعالي الشيخ سليمان بن عبيد الرئيس العام لشؤون الحرمين لمواجهته بما صدر منه من العبارات الإلحادية والصوفية. وقد حضر المذكور يوم (17/10/1400هـ) ومما جاء فيه: أن الأمور الشركية التي نقلها في كتبه، أنها خطأ فاته التنبيه عليه، فطلب منه الرجوع عن ما في مؤلفاته من فساد، وأن ينشر في الصحف، ويذاع بصوته في الإذاعة والتلفزيون، فإن استجاب لذلك وإلا رفع لولاة الأمر لمنعه من جميع نشاطاته في المسجد الحرام ومن الإذاعة والتلفزيون والصحافة، كما يمنع من السفر إلى الخارج. وقد امتنع، فطبق عليه إلا الفقرة الأخيرة حيث مازال يسافر وينشر ضلاله في العالم كله، ومما يدل على أخذه بما في كتبه من شرك أنه أعاد طبع كتاب الذخائر ولم يغير فيه شيء مما قال أنه خطأ فاته التنبيه عليه، بل وألف كتاباً آخر في الوثنية وهو "شفاء الفؤاد" وألف أيضاً كتاب "مفاهيم يجب أن تصحح"، وكتبه تطبع خارج المملكة وتوزع سراً.
وله مؤلفات كثيرة منها: "الذخائر، شفاء الفؤاد، مفاهيم يجب أن تصحح، شرف الأمة المحمدية، الإنسان الكامل، في رحاب البيت الحرام، وهو بالأفق الأعلى، المدح النبوي بين الغلو والإنصاف، البيان والتعريف في ذكرى المولد النبوي الشريف، تحقيق الآمال فيما ينفع الميت من الأعمال".
وقد رد عليه كثير من العلماء منهم:
1- صالح آل الشيخ في "هذه مفاهيمنا" رد على كتاب مفاهيم يجب أن تصحح.(1/36)
2- سمير المالكي في "جلاء البصائر" في الرد على كتابي "شفاء الفؤاد" "والذخائر".
3- أبو بكر الجزائري في "كمال الأمة في صلاح عقيدتها": رد على "الذخائر".
4- سفر الحوالي في "الرد على شركيات المالكي". رد على كتاب "شفاء الفؤاد". وله أيضاً رد على كتاب "الذخائر" من خلال شرحه للطحاوية الشريط رقم: (265/1).
5- أبو بكر الجزائري في "وجاؤوا يركضون". رد على "من دافع عن المالكي".
6- ابن منيع في "حوار مع المالكي". رد عليه في بدعة المولد.
7- حمود التويجري في "الرد القوي". رد على من "دافع عن المالكي".
8- إسماعيل الأنصاري في "القول الفصل". رد عليه في بدعة المولد.
9- سفر الحوالي في "الرد على الخرافيين". وهي خمسة أشرطة. رد على صوفيات المالكي.
10- علي العلياني: "التبرك". رد عليه في مسألة التبرك.
11- جيلان العروسي: في "الدعاء" رد عليه في مسألة الاستغاثة.
12- علي رضا: في "المباحث العلمية" رد عليه في مسألة حضور روح النبي(في المولد.
13- عبد الغفار حميدة: في مجلة "الحكمة" دراسة بعنوان "المولد النبوي".
أقوال العلماء في محمد بن علوي المالكي:
1- قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "فقد اطلعت على أمور منكرة في كتب أصدرها محمد بن علوي المالكي، وفي مقدمتها كتابه الذميم الذي سماه "الذخائر"... إلى أن قال: وقد ساءني كثيراً وقوع هذه المنكرات الشنيعة والتي بعضها كفر بواح من محمد علوي المذكور". [حوار مع المالكي مقدمة الشيخ ابن باز ص5-6].(1/37)
2- ويقول الشيخ عبدالله بن منيع: "فكم يعز علينا أن نستثقل نسبة أوصاف التكريم والتقدير لرجل كان أمل الاستقامة والصلاح وسلامة المعتقد، لنشأته في بيئة ذهب عن كثير من أهلها أدران البدع ومظاهر المنكرات، وتدرجه في المراحل الدراسية حتى النهائية إلا أنه مع الأسف بعد أن شب عن الطوق ووصل إلى درجة يفترض أنها بداية النضج الفكري أخذ ينحدر في فكره وعلمه ومعتقده ونوع اتجاهه إلى حال من السخافة وسوء المعتقد والدعوة إلى الذرائع الموصلة إلى الوثنية والجاهلية؛ بما يقوله بلسانه ويكتبه بقلمه ويقرره في مجالس تعليمه، وبما ينشره هذه الأيام من مؤلفات فيها الإثم وسوء المعتقد تدعو حالها إلى اعتباره في طليعة الدعاة إلى البدع والخرافات والشرك بالله في ألوهيته وربوبيته... " إلخ [حوار مع المالكي ص 7].
3- وقال الشيخ سفر الحوالي في رسالته التي بعثها لهيئة كبار العلماء واصفاً محمد علوي المالكي: "داعية الشرك في هذا الزمان، ومجدد ملة عمرو بن لحي". وقال عن كتابه "شفاء الفؤاد": "وهذا الكتاب أشمل وأعمق في الضلالة من كتاب الزيارة الذي كتبه الخميني والذي يوزعه الرافضة في كل موسم، فهو (أي كتاب شفاء الفؤاد) كالمستنقع للإرث المشترك بين الرافضة والصوفية وعباد القبور في القديم والحديث..." إلخ.
4- ويقول ابن منيع: "في إحدى زياراتي لسماحة الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله ناولني هذه الرسالة (يقصد رسالة: حول الاحتفال بالمولد النبوي للمالكي) وطلب مني أثناء تمتعي بالإجازة أن أرد عليها بعد أن أبدى استياءه واستنكاره وغضبه وتمعره من هذا الرجل، ومكابرته وسوء معتقده وخروجه عن ربقة الإسلام بما ينشره من شركيات وضلالات ومنكرات". [حوار مع المالكي ص8](1/38)
5- ويقول شمس الدين السلفي: "ألف محمد علوي المالكي أحد الدعاة إلى القبورية في عصرنا هذا كتابه القبوري "مفاهيم يحب أن تصحح" برهن فيه على أنه ملبس مدلس قبوري خرافي..." [جهود علماء الحنفية(3/1797)].
6- وقال عنه الشيخ صالح آل الشيخ: "ولما كان هذا الكتاب يعبر فيه كاتبه عن رأيه، وفيه من الشطاط عن فهم التوحيد ما فيه، ومن عدم الفهم لدعوة الشيخ (أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب) ما فيه، ومن الخوض في الدفاع عن الداعين أصحاب القبور من الأنبياء والصالحين، وفي تجويز ما قال الفقهاء في باب الردة: أنه كفر بالإجماع، ولما لكاتبه من تبع ومريدين؛ استعنت الله في كشف ذلك، وبيان الحق فيه، وبيان أن ما جوزه الكاتب في مفاهيمه من الشرك الذي بعث الرسل جميعاً وآخرهم محمد بن عبدالله( لقمعه..." إلخ [هذه مفاهيمنا(8)].
عقائد الصوفية
أولاً: نفي التوحيد والقول بوحدة الوجود
المدلول الشرعي لكلمة التوحيد : هو اعتقاد أن الله إله واحد لا شريك له، وإفراده عز وجل بالعبادة، والتوجه إليه وحده بطلب المنافع ودفع المضار، ونفي الكفء و المثل عن ذاته تعالى وصفاته، فهو المتصف بصفات الكمال الذاتية، ونفي الشريك في الربوبية، واعتقاد أنه وحده الخالق الرازق القادر المحيي المميت المعز المذل النافع الضار المتصرف في هذا الكون بمن فيه وما فيه.
وبمعنى أدق: هو إفراد الله تعالى في توحيد ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
موقف الصوفية من التوحيد:
وقف الصوفية من التوحيد الصحيح موقفاً معادياً وأتوا بتصورات جديدة من عند أنفسهم للتوحيد. وإليك بيان هذا بنقل عباراتهم التي تدل على ما قلنا:
يقول الشبلي: "ما شم روائح التوحيد من تصور عنده التوحيد". [الرسالة القشيرية (2/587)].
ونقل لسان الدين عن أحد المتصوفة أنه قال: "اعلم أن لطائف التوحيد أرق وألطف من أن تخرج بكثيف العبارة". [روضة التعريف بالحب الشريف ص498](1/39)
وقال ابن عطاء: "حقيقة التوحيد نسيان التوحيد". [الرسالة القشيرية (2/588)]
ويقول الهروي:
ما وحد الواحد من واحد
توحيد من ينطق عن نعته
توحيده إياه توحيده
إذ كل من وحده جاحد
تثنية أبطلها الواحد
ونعت من ينعته لاحد
[منازل السائرين للهروي]
القول بوحدة الوجود:
والمتصوفة لم يقفوا عند هذه الضلالات التي سبق ذكرها بل ادعوا بأن حقيقة التوحيد التي ينبغي أن يصل إليها الإنسان هي القول بوحدة الوجود، وهذا ليس وصولاً إلى حقيقة التوحيد وإنما هو وصول إلى حقيقة الإلحاد وقمته، عياذاً بالله.
ووحدة الوجود تعني في المعتقد الصوفي: أنه ليس هناك موجود إلا الله، فليس غيره في الكون وما هذه الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة هي الحقيقة الإلهية -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً-.
وإليك نصوص عن أئمة التصوف ومن بطون كتبهم تثبت لنا بأن المتصوفة بالفعل يعتقدون هذه العقيدة الإلحادية، ومنهم صوفية الحجاز:
فمن أئمة المتصوفة الكبار القائلين بوحدة الوجود محي الدين بن عربي:
قال متحدثا عن الإله: فالإله المطلق لا يسعه شيء لأنه عين الأشياء، وعين نفسه والشيء لا يقال فيه يسع نفسه ولا يسعها فافهم: [فصوص الحكم (فص فردية في كلمة محمدية) (440) مع شرح بالي].
وممن قال بهذا الإلحاد الحلاج حيث يقول:
سبحان من أظهر ناسوته
ثم بدا في خلقه ظاهراً
حتى لقد عاينه خلقه
ويقول الششتري:
سرسنا لاهوته الثاقب
في صورة الآكل والشارب
كلحظة الحاجب بالحاجب
محبوبي قد عم الوجود
وقد ظهر في بيض وسود
وفي النصارى مع اليهود
وفي الخنازير مع القرود
وفي الحروف مع النقط
أفهمني قط أفهمني قط
[إيقاظ الهمم ص 43].
ويقول علي وفا: "في تفسير قوله تعالى: ?ألا إنه بكل شيء محيط? قال: كإحاطة ماء البحر بأمواجه معنى وصورة، فهو حقيقة كل شيء، وهو ذات كل شيء عينه وصفته فافهم! [الطبقات الكبرى للشعراني(2/23]
ومن أوراد الطريقة الشاذلية:(1/40)
"وزج بي في بحار الأحدية، وانشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس إلا بها". [النفحة العلية في أوراد الشاذلية]
ويقول عبيدالله أحرار النقشبندي( أحد زعماء الطريقة النقشبندية التي يعتقدها الكثير من صوفية الحجاز):
"فإذا تجلى الحق تعالى على قلبه (قلب السالك) بالتجلي القهري يمحو منه الغير والسوى، فلا يبقى فيه إلا هو، فلا جرم يسمع في هذا القلب: ?لمن الملك اليوم لله الواحد القهار? "وسبحاني ما أعظم شأني""وأنا الحق""وهل في الدار غيري". [المذاهب السرمدية في مناقب النقشبندية (162)].
ويقول أحمد زيني دحلان (وهو من علماء مكة الذين حاربوا دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله): قال أهل المعرفة إن تجلي الحق سبحانه وتعالى على الدوام، ولا يمنع من ظهور أنوار التجلي إلا الاشتغال بالسوى، والإقبال على الغير، فلذلك يأمر الأشياخ المريدين بذكر لا إله إلا الله؛ لأنها مكنسة الأغيار، إذا ذهب السوى ظفر بالمولى، فالحق سبحانه وتعالى ليس بغائب، إنما الغائب أنت لاشتغالك بسواه، فأحضر قلبك تكن كأنك تراه، وهذا هو مقام الإحسان، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وهاهنا نكتة ذوقية في قوله(: "فإن لم تكن تراه فإنه يراك" فهمها بعض العارفين حيث قال: "تكن تامة بمعنى توجد، أي فإن لم توجد، بأن فنيت فيه، فإنك تراه، أي إذا تحققت بمقام الفناء، نلت مقام الشهود، وهو الرؤية القلبية التي تصير في الآخرة بصرية، ولا يشكل على ذلك أن مقتضى هذا المعنى أن يكون "تراه" جواب الشرط، ومقتضى قواعد العربية حذف الألف من تراه لأنه مجزوم جواباً للشرط؛ لأنا نقول: إن بعض العرب يبقي مثل هذه الألف في الفعل المجزوم فلا مانع أن يخرج ذلك على تلك اللغة لإفادة هذا المعنى اللطيف، ويكون قوله: "فإنه يراك" كلاماً مستأنفاً.(1/41)
والحاصل أن الأصل في ذلك كله التحلي بالتوحيد، ومعرفة أن الأشياء كلها صادرة منه سبحانه وتعالى، ومستمدة من فضله. فلو أنك لا تصل إليه إلا بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبداً.
ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه، ونعتك بنعته وأوصلك إليه بما منه إليك، لا بما منك إليه، عناية بك... اهـ [تقريب الأصول ص 216-217]
فقوله: "الأشياء كلها صادرة منه ومستمدة من فضله" تعني الوحدة، و"فناء مساويك ومحو دعاويك" تعني عدم شهود الخلق، فلا خلق موجود.
ويقول أيضاً: "والحاصل أن العارف يصل إلى حالة يفنى فيها عن أفعاله وأوصافه وذاته، فلا يشهد إلا فعل مولاه وأوصافه وذاته، وهذا يسمى جمعاً، ومع ذلك لا يحجبه هذا عن فرقه. فالعارف لا يحجبه جمعه عن فرقه، و لا فرقه عن جمعه، ولا صحوه عن سكره، ولا سكره عن صحوه... ويوضح لك شمة من ذلك قوله تعالى: ?وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى? فنفى عنه الرمي أولاً بقوله:?وما رميت? وهو عين الجمع، وأثبته ثانياً بقوله: ?إذ رميت? وهو عين الفرق، ثم قال: ?ولكن الله رمى? أي إن الرمي منسوب إلى الله. [السابق ص266].
ومما يدل على انتشار هذه العقيدة الكفرية عند صوفية الحجاز عياذاً بالله النص التالي:
يقول شيخ الطريقة "الديوبندية" إمداد الله (المتوفى سنة: 1317هـ):
"أعجبني بعض الأمور الطيبة في الحرمين: منها أن عقيدة وحدة الوجود انتشرت كثيراً في الناس، وارتكزت فيهم حتى الأطفال فقد ذهبت مرة إلى مسجد قباء فسمعت شخصاً يقول: يا الله، يا موجود، فقال الآخر: بل في كل الوجود. فلما سمعت ذلك طرأ علي حال، ثم رأيت الأطفال يلعبون، فقال أحدهم: يا الله، ليس غيرك. فطربت إلى حد زالت قواي، فقلت لهم: لم تذبحونني". [إمداد المشتاق (95) للتهانوي].
حكم من يعتقد بوحدة الوجود:
لقد كفر العلماء من قال بهذه العقيدة الفاسدة، وممن نقل أقوال العلماء في ذلك، وحكم على عقيدتهم بالكفر:(1/42)
[شيخ الإسلام بن تيمية: راجع الرسائل والمسائل (1/130) و(1/186) و(2/82) و(2/29-31) و(2/86)، والبقاعي في مصرع التصوف(137و217). وأنور الجندي في المؤامرة على الإسلام (53). ومحمود القاسم في حقيقة الصوفية (710). وصابر طعيمة في الصوفية معتقداً ومسلكاً (236)].
ثانياً: الحقيقة المحمدية
ملخصها عندهم: أن الله -سبحانه وتعالى عما يصفون- عندما أراد أن يجعل قسماً من ذاته متعيناً بشكل مخلوقات كان أول شيء فعله هو أنه قبض قبضة من نور وجهه وقال لها كوني محمداً، فكان محمد هو أول التعيينات. وهذه القبضة من النور هي التي يطلقون عليها اسم "الذات المحمدية". ومن الذات المحمدية انبثقت السماوات والأرض، والدنيا والآخرة، التي يسمونها فيما يسمونها "تعينات" فهي كلها تصدر عن "الذات المحمدية" ثم تعود إليها. وهذا هو ما يسمونه "الحقيقة المحمدية".
وإليك النصوص التي تثبت هذا من بطون كتبهم التي يغلون فيها:
يقول أحمد الدرديري (شيخ الطريقة الخلوتية بمصر): "اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد شجرة الأصل النورانية، ولمعة القبضة الرحمانية، وأفضل الخليقة الإنسانية، وأشرف الصور الجسمانية، ومعدن الأسرار الربانية، وخزائن العلوم الاصطفائية، صاحب القبضة الأصلية، والبهجة السنية، والمرتبة العلية من اندرج النبيون تحت لواءه، فهم منه وإليه". [مجموع الأوراد للبكري ص 19-21]
ويقول الصوفي عبدالمنعم الحلواني:
أنشاك نوراً ساطعاً قبل الورى
ثم استمد جميع مخلوقاته
فرد الفرد والبرية في العدم
من نورك السامي فيا عظم الكرم
[رسالة لأحمد الحلواني ص 14]
ويقول أبو طالب المكي: قال بعض أهل المعرفة: خلق الله الجنة بما فيها من نور المصطفى(، فلما اشتاقت إلى رسول الله(كان شوقها إلى المعدن والأصل، وصار شوق المشتاقين إلى الجنة شوقهم إلى النبي(؛ لأنها من نوره خلقت. [علم القلوب ص 30-31].(1/43)
ويقول البوصيري في البردة التي يغلو فيها الصوفية ومنهم صوفية الحجاز، ويعلمونها صبيانهم مع القرآن، ويترنمون بها في موالدهم:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
دع ما ادعته النصارى في نبيهم
فإن من جودك الدنيا وضرتها
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
ومن علومك علم اللوح والقلم
ويقول محمد الجزولي في كتابه الذائع الصيت "دلائل الخيرات" والذي يقدسه الصوفية، ولا يوجد بيت صوفي إلا وفيه هذا الكتاب:
"اللهم صل على سيدنا محمد بحر أنوارك... إنسان عين الوجود، والسبب في كل موجود، عين أعيان خلقك، المتقدم من نور ضيائك..." [دلائل الخيرات ص100].
ويقول الدباغ في معرض حديثه عن النبي(:"وأنه أول ما خلق الله تعالى وسقى المخلوقات والأنبياء والأولياء والمؤمنين من نوره عليه الصلاة والسلام كل على قدر طاقته"، وقال أيضاً: "وكذلك سائر المخلوقات سقيت من النور المكرم، ولولا النور الكريم الذي فيها ما انتفع أحد منها بشيء". وقال أيضاً: "ولولا نوره(الذي في ذوات الكافرين فإنها سقيت به عند تصويرها في البطن وعند الخروج وعند الرضاعة لخرجت جهنم وأكلتهم أكلا، ولا تخرج إليهم في الآخرة تأكلهم حتى ينزع منهم ذلك النور الذي صلحت به ذواتهم" [الإبريز للدباغ ص 253].
وقد تعلق الصوفية بأحاديث موضوعة لإثبات هذا المعتقد الفاسد منها:
1- الحديث الذي ينسب إلى النبي(ولفظه: "كنت نبياً وآدم بين الماء والطين" وفي لفظ آخر: "كنت نبياً وآدم ولا ماء ولا طين" [وانظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني (11/316. والرد على البكري لابن تيمية (9)]
2- "كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث".
وهذا أيضاً حديث موضوع [أنظر: الأسرار المرفوعة لملا علي قاري ص271].
ثالثاُ: غلو الصوفية في الرسول((1/44)
إن القول بالحقيقة المحمدية جعلهم يغلون في النبي غلواً شديداً حتى وصل بهم هذا الغلو إلى رفع الرسول(من منزلة العبودية إلى منزلة الألوهية، فتوجهوا إليه بالدعاء والاستغاثة طالبين منه غفران الذنوب، وتفريج الهموم والكروب، ناسين الله عز وجل الذي قال في كتابه: ?وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان?.
ويظهر هذا الغلو في الأناشيد الصوفية، وكلما كان الغلو أكثر كان القبول للقصيدة أعظم عياذاً بالله، وإليك أيها القارئ العزيز بعض نماذج لهذه الأناشيد الشركية:
1- فمن المتصوفة الذين وصلوا القمة في المدائح النبوية عند الصوفية، وغلوا فيه غلواً مفرطاً عن الحد عبدالرحيم البرعي اليمني، ومع الأسف إن قصائده يتغنى بها الصوفية على امتداد العالم الإسلامي. يقول في إحدى قصائده:
خذ بيدي وجد بالعفو يا من
يا صاحب القبر المقيم بيثرب
يا من نرجيه لكشف عظيمة
يا من يجود على الوجود بأنعم
يا غوث من في الخافقين وغيثهم
يا رحمة الدنيا وعصمة أهلها
ومن الغالين البوصيري حيث يقول:
إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقضي
إن لم يكن في معادي آخذ بيدي
ويقول أيضاً:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به
ولن يضيق رسول الله جاهك بي
ويقول النواحي:
يا رسول الإله إني غريب
يا رسول الإله إني فقير
يا رسول الإله إني ضعيف
يا رسول الإله إن لم تغثني
أنت ذخري وعدتي وملاذي
إذا ناديته لبى سريعاً
يا منتهى أملي وغاية مطلبي
ولحل عقد ملتو متصعب
خضر تعم عموم صوب الصيب
وربيعهم في كل عام مجدب
وأمان كل مشرق ومغرب
[ديوان البرعي ص14]
من النبي ولا حبلي بمنصرم
فضلاً وإلا فقل با زلة القدم
[بردة المديح (33)]
سواك عند حلول الحادث العمم
إذا الكريم تجلى باسم منتقم
[بردة المديح (25)]
فأغثني يا ملجأ الغرباء
فأعني يا منجد الفقراء
فاشفني أنت مقصد للشفاء
فإلى من ترى يكون التجائي
وغياثي وعمدتي ورجائي
[شواهد الحق للنبهاني ص352](1/45)
أهم الشبه التي يستدل بها الصوفية لتجويز هذا الشرك عياذاً بالله:
احتج الصوفية لتجويز توسلهم الشركي بحديث الضرير الذي رواه عثمان بن حنيف أن رجلاً ضريراً أتى النبي(فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: "إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير" وفي رواية: "وإن شئت صبرت فهو خير لك"، فقال ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي، اللهم فشفعه في وشفعني فيه" قال ففعل الرجل فبرأ. [انظر تحفة الأحوذي 10/32]
هذا الحديث هو أعظم حجة عندهم وقد استدل به: محمد بن علوي المالكي في "مفاهيم يجب أن تصحح(52)"، ودحلان في "الدرر السنية" ص8، والنبهاني في "الأنوار المحمدية(604)". والعزامي في "البراهين الساطعة(349". قالوا: وهذا الحديث صريح في أمره(لذوي الحاجات بالتوسل به، وندائه في مغيبه وفي حياته، وبعد وفاته(، وقد فهم منه الصحابة ذلك.
وقالوا: فالتوسل والتشفع والاستغاثة كلها بمعنى واحد وليس لها في قلوب المؤمنين معنى إلا التبرك بذكر أحباء الله تعالى لما ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم سواء كانوا أحياء أو أمواتاً.
الرد على استدلالهم بهذا الحديث:
لو نظرنا إلى هذا الحديث وفهمنا معناه الفهم الصحيح سنرى أنه لا حجة فيه للمتصوفة وغيرهم الذين استدلوا به على جواز التوسل بذات النبي( وغيره من الأولياء بل الحديث دليل على التوسل المشروع بالنبي( وهو التوسل بدعائه؛ وذلك لأنه لو كان التوسل بذات النبي كاف بدون التوسل بدعائه(لما جاء ذاك الصحابي الجليل إلى النبي(وطلب منه الدعاء، وإنما لاكتفى بتوسله بذات النبي(والتوجه إليه بالدعاء والاستغاثة كما يفعله المتصوفة هذا اليوم، وعلى هذا فالحديث دليل عليهم لا لهم كما وهم المتصوفة والقبوريون عامة، ويظهر هذا جلياً من خلال النقاط التالية:(1/46)
1- قول الأعمى: "ادع الله أن يعافيني"، وقول النبي(مجيباً له: "إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت وهو خير". وقول الأعمى: "فادعه"، فيه دليل واضح وصريح أن الأعمى ما جاء إلا من أجل أن يدعو له الرسول(.
2- قول الأعمى: في آخر الدعاء الذي علمه إياه الرسول(: "اللهم شفعه في" دليل واضح على أنه طلب الدعاء، وشفاعة الرسول تكون بدعاء الشافع للمشفوع له؛ فدل على أن الرسول(دعا له، والأعمى يطلب من الله قبول دعاء رسوله(.
3- قول الأعمى في دعائه: "اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد (" المراد به: أتوسل إليك بدعاء نبيك، بحذف المضاف، وهذا أمر معروف في اللغة، كقوله تعالى: ?واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها? أي أهل القرية، وأصحاب العير، ونحن ومخالفونا متفقون على ذلك.
4- لو حمل حديث الضرير على التوسل بالذات لكان معطلاً لقوله فيما بعد: "اللهم فشفعه في، وشفعني فيه"، وهذا لا يجوز، فثبت المراد، وبطل الاستدلال به على التوسل بالذات المحمدية. والحمد لله.
ثم إنا نقول: لو نظرنا إلى حديث الأعمى فإننا لا نجد فيه ولو لفظاً واحداً من قريب أو بعيد فيه إشارة إلى جواز التوجه إلى النبي(رأساً بالدعاء والاستغاثة كما رأينا في الأبيات السابقة التي يتوجه فيها المتصوفة إلى الرسول(؛ وعلى هذا فنقول: إن حديث الأعمى في الحقيقة ليس نصاً في محل النزاع، وإنما هو شيء خارج عنه، فإن نزاعنا مع المتصوفة الذين يدعون الأنبياء والأولياء ليس في التوسل فحسب بنوعية المشروع والممنوع، وإنما نزاعنا معهم هو في التوجه بالدعاء والاستغاثة إلى الرسول(والأولياء الذي يفعلونه يومياً ويسمونه توسلاً مع أنه ليس كذلك، بل هو دعاء واستغاثة عياذاً بالله من الشرك.(1/47)
[هذا اشهر حديث يستدلون به، وهناك لهم شبه أخرى أقل من هذه، وهي كثيرة ليس هذا موطن الرد عليها، ولمن أراد الاطلاع عليها مع الرد عليها فعليه بمراجعة كتب أهل السنة في هذا الباب، ومنها: "قاعدة في التوسل والوسيلة" لشيخ الإسلام ابن تيمية، "التوصل إلى حقيقة التوسل" للرفاعي، "التوسل: أنواعه وأحكامه" للألباني، "غاية الأماني" للألوسي، "أنواع أحكام التوسل" لعبدالله الأثري].
حكم التوجه إلى الرسول(بالدعاء والاستغاثة:
لقد اعتبر العلماء أن التوجه إلى النبي(بالدعاء والاستغاثة شركاً أكبر مخرج من الملة -عياذاً بالله- وممن نقل أقوال العلماء وحكم الشرك مع هذه العقيدة:
شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرسالة ضمن مجموعة التوحيد (119)" و"التوسل والوسيلة" (ص136وص154 وص70 وص122)، و"الرسالة السنية" نقلاً عن "تيسير العزيز الحميد"(ص338). وابن القيم: في "مدارج السالكين" (1/346) و "إغاثة اللهفان" (1/102). وابن عبدالهادي في "الصارم المنكي" (ص351 ). وعبدالله القصيمي في "الصراع بين الوثنية والإسلام" (ص309-310 ). ومحمد صديق حسن خان في "الدين الخالص" (ص26) "وفي فتح البيان"(4/225). والشوكاني في "الدر النضيد" (ص33) وفي "شرح الصدور" (ص71). د/رشيد رضا في "المنار (9/507 ،510).
رابعا: الغلو في الأولياء
ويتمثل هذا الغلو في أمور منها:
1- زعم أولياء الصوفية أنهم يتلقون علومهم عن الله، وأن مقامهم مثل الأنبياء أو أفضل، وإليك النصوص من كلامهم:
يقول البسطامي: "أخذتم علمكم ميتاً عن ميت، ونحن أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت". [الفتوحات المكية لابن عربي (1/139)، وانظر الجواهر والدرر للشعراني].
ويقول: "خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله". [الإبريز للدباغ (276)].
ويقول أيضاً (عليه من الله ما يستحق): "تالله إن لوائي أعظم من لواء محمد(، لوائي من نور تحته الجن والإنس كلهم من النبيين". [الإنسان الكامل للجيلي (16)](1/48)
ويقول ابن عجيبة: "ما قيل في النبي يقال في الولي" [الفتوحات الإلهية لابن عجيبة((264)]
ويقول ابن عربي: "إن الولي يعلم علمين بخلاف النبي فإنه لا يعلم إلا علماً واحداً فقط، وإن الولي يعلم علمين: علم الشريعة وعلم الحقيقة أي الظاهر والباطن والتنزيل والتأويل؛ حيث إن الرسول من حيث هو رسول ليس له علم إلا بالظاهر والتنزيل والشريعة، فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو ولي عارف؛ ولهذا مقامه من حيث هو عارف أتم وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع". [فصوص الحكم (1/135)]
2- اعتقادهم أن الأولياء يتصرفون في الكون:
يقول النبهاني: " ومنهم الشيخ عبدالله أحد أصحاب سدي عمر النبيتي كتب لي أنه رآني بحضرة رسول الله وهو يقول للإمام علي بن أبي طالب ألبس عبدالوهاب الشعراني طاقيتي هذه وقل له يتصرف في الكون، فما دونه مانع". [جامع كرامات الأولياء(2/275)]
ويقول النبهاني:"قال بعض المتصوفة: لا يكون الشيخ شيخاً حتى يمحو خطيئة تلميذه من اللوح المحفوظ".[نشر المحاسن الغالية(33)]
ويقول أحمد التيجاني:"ليس لأحد من الأولياء أن يدخل كافة أصحابه الحنة بغير حساب ولا عقاب إلا أنا وحدي بلغو بلغو ما بلغو من الذنوب".[كشف الحجاب(273)]
ويقول أحمد الرفاعي الغوث:
لي همة بعضها تعلو على الهمم
أنا الرفاعي طبولي في السماء ضربت
كل المشائخ يأتون باب زاويتي
ولي لواء على الكونين منتشر
فألجأ بأعتابك عزيز التمس مددي
ولي هوى قبل خلق اللوح والقلم
والأرض في قبضتي والأولياء خدمي
وفوق هاماتهم حاز العلا علمي
وكل أهل العلا ما أنكروا هممي
وطف ببابي وقف مستمطراً نعمي
[قلائد الجواهر (233)]
ويقول أحمد البريلوي مؤسس الطريقة البريلوية:
"إن الشيخ عبدالقادر متصرف في العالم، ومأذون ومختار، وهو المدبر لأمور العالم".[حدائق بخشش للبريلوي (26)]
3- اعتقادهم أن الأولياء يعلمون الغيب:(1/49)
يقول على حرازم: "وينبغي على المريد أن يعتقد في شيخه أنه يرى أحواله كلها كما يرى الأشياء في الزجاجة". [رماح حزب الرحيم (1/52)]
ويقول إبراهيم الدسوقي:"إن للأولياء الاطلاع على ما هو مكتوب على أوراق الشجر والماء والهواء وما في البر والبحر، وما هو مكتوب على صفحة قبة خيمة السماء، وما في حياة الإنس والجان مما يقع لهم في الدنيا والآخرة". [جمهرة الأولياء للمنوفي (242)]
ويقول الشعراني: "وأما سيدي علي الخواص فسمعته يقول: لا يكمل الرجل عندنا حتى يعلم حركات مريده في انتقاله في الأصلاب، وهو نطفة من يوم ?ألست بربكم? إلى استقراره في الجنة أوفي النار". [الكبريت الأحمر(2/3)]
ويقول أحمد الصياد: "والله إني لأعرف الجنة قصراً قصراً، وأعرف النار حانوتاً حانوتاً، وأعرف أصحابها في الدنيا واحداً واحداً". [نشر المحاسن(176)]
4- التوجه للأولياء بالدعاء والاستغاثة:
إن الاعتقادات السابقة الفاسدة في الأولياء جعلت الأتباع يعتقدون فيهم النفع والضر فتوجهوا إليهم بالدعاء والاستغاثة من دون الله -عياذاً بالله- وإليك بعض النصوص التي تدل على ذلك:
يقول محمد الصياد الرفاعي: "إن من ضاق حاله لمهمة أو لحاجة، أو عسر عليه مقصد ، أو كان عليه دين... فليتوضأ ويصلي ركعتين، ويصلي على النبي(مائة مرة ويكون ذلك العمل في بيت خالٍ، ويقرأ الفاتحة للنبي، ويتوجه قائماً للشرق ليرى البصرة لفلاة أم عبيدة محل مرقد الغوث الحسيني سيدي السيد أحمد الرفاعي، وينادي بالاعتقاد والانكسار: يا وسيلة الطالبين، يا كعبة الطائفين، يا غوث الخلق يا باب الحق، يا أشجع الفوارس، يا أبا المدد... يا قطب الأقطاب المتصرفين... يا صاحب التصرف في الحياة والممات... أغثني، توجه لجدك خير الأنام، وقوموا بقضاء حاجتي... أدركني يا أحمد الأولياء رضي الله عنك أغثني". [قلائد الجواهر (237)](1/50)
ويقول ابن عجيبة: "فإن تعذر على المريد الوصول إلى الشيخ، وقد عرض له مرض أو أمر فليشخص شيخه بين عينيه بصفته وهيئته، ويشكو له فإنه يبرأ بإذن الله. وإن كان مع جماعة واستحيا فليشتكي إليه في قلبه". [الفتوحات الإلهية (339)].
ويقول علي بن عثمان خليفة الرفاعي:"يا سادة، من كان له منكم حاجة فليلزمني بها، ومن شكى إلى سلطانه، أو شيطانه، أو زوجته، أو دابته، أو أرضه إن كانت لا تنبت، أو نخلة لا تثمر، أو دابة لا تحمل فليلزمني بها فأني مجيب له". [روضة الناظرين (84)]
ويقول أحد القادرية في شيخهم أويس:
حي شافع غياث الورى
معين منجي كاشف الكروب
[الجواهر النفيسة في خواص الشيخ أويس(15)]
ويقول جعفر الصادق السوداني مادحاً محمد الطيب الختمي:
أنت الغياث إذا ناداك ذو كرب
أنت الصفوح عن الزلات يا أملي
أنت العياذ ملاذ الخائف الحزن
كجدك المصطفى المعهود بالمنن
[الديوان الكبير(729]
نعوذ بالله من هذا الشرك الوبيل والخذلان العظيم.
ونحن نقول لجميع الصوفية: توبوا إلى ربكم وأنيبوا إليه، وادعوه وحده، ولا تشركوا به شيئاً، قال تعالى: ?وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء...?، وقال تعالى: ?وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين?، وقال تعالى:?ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين?، وقال تعالى: ?إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير?.
وقد أوصى النبي(ابن عباس رضي الله عنهما بقوله:"إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" [رواه الترمذي].
حكم التوجه إلى الأولياء والصالحين بالاستغاثة والدعاء:
لقد حكم العلماء على هذا الفعل بأنه شرك أكبر مخرج من الملة عياذاً بالله. وممن نقل أقوال العلماء في ذلك، وحكم عليهم بالإشراك:(1/51)
[صنع الله الحلبي الحنفي في القول الفصل (48-49)، وحكم الله الواحد الصمد (13)، وشاه ولي الله الدهلوي في البصائر (273)، ومحمد بن إسماعيل الدهلوي في تقوية الإيمان (65-67)ـ والمقريزي في تجريد التوحيد(14)، وأبو الوفاء بن عقيل، انظر تلبيس إبليس لابن الجوزي (402)، وشيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (3/395)، وابن القيم في مدارج السالكين (1/346-347) وفي زاد المعاد (1/257)، وابن عبدالهادي في الصارم المنكي (351)، وابن رجب في كلمة الإخلاص (23-24)ـ والصنعاني في تطهير الاعتقاد (26)، والنعمي في معارج الأولياء (193)، والشوكاني في الدر النضيد (33)، ومحمد صديق خان في الدين الخالص (1/183)، والشيخ محمد بن عبدالوهاب في مجموع المؤلفات (1/385) وكتاب التوحيد (50) والرسائل الشخصية (166)، وعبدالرحمن بن حسن في تيسير العزيز الحميد (243)].
طريقة الإشراق الصوفية
وهي التي يستخدمها جميع الطرق الصوفية ومنهم صوفية الحجاز، بل التي يستخدمها صوفية الملل والأديان الأخرى.
ولا يختلفون إلا في الورد، والشيخ وسلسلته.
يقول قائلهم:
فما إليه أبداً نشير
وهذه طريقة الإشراق
هو علاج النفس والتطهير
كانت وتبقى ما الوجود باقي
والبعض يضيف طريقة أخرى وهي الطريقة "البرهانية" إلا أنها هي طريقة الإشراق بإضافة بعض العلوم الشرعية لها.
طريقة الإشراق:
يقول الدكتور عبد الحليم محمود (وهو صوفي جلد):
"إن الصوفية جميعاً، وفلاسفة الإشراق منذ "فيثاغورس" "وأفلاطون" إلى يومنا هذا يعلنون منهجاً محدداً يقرونه جميعاً ويثقون فيه ثقة تامة، ذلك هو المنهج الروحي أو منهج البصيرة، وهو منهج معروف أقرته الأديان جميعها، واصطفته مذاهب الحكمة القديم منها والحديث". [أبو العباس المرسي(10)](1/52)
وأسلوبها الأممي التاريخي القديم الحديث، والذي يفعله كل الصوفية: هو أن يميت السالك إحساساته وأعصابه بإرهاقها إرهاقاً شديداً جداً حتى يصل إلى ما يشبه العته، وذلك بأن يخضع نفسه للرياضة وهي كما يقول الغزالي:"الخلوة والصمت والجوع والسهر". وقد يضاف إليها شيء من التعذيب الجسدي، مع العلم أن متصوفة المسلمين جعلوا الذكر بدل الصمت؛ لأنه أسرع إلى الوصول إلى الجذبة. وعادة قد يسبق الجذبة أو يرافقها أمور خارقة للعادة، كأن يرى أشخاصاً أو أشكالاً مختلفة، أو يسمع أصواتاً... وقد يحدث مع بعضهم أن يسير على الماء أو يطير في الهواء... وهذا موجود في كل الأمم الكافرة والمسلمة ودور الشياطين واضح فيها.
والمشاهدة الجذبية مع خرق العادة هي التي تجعلهم يتشبثون بالتصوف ذلك التشبث الذي لا يقبل النقاش.
وكل الصوفية بلا استثناء يستخدمون هذه الطريقة، أما ما نرى ونسمع من أسماء كثيرة لطرق كثيرة فسببه الشيوخ، وليظهر الشيخ أن طريقته تختلف عن بقية الطرق يخترع أوراد تختلف بألفاظها فقط عن بقية الأوراد؛ ولذلك قالوا: "الطريقة بأورادها".
مراحل الطريقة الإشراقية:
1- الشيخ: فلا طريقة بدون شيخ، يقول ابن عربي:
ما حرمة الشيخ إلا حرمة الله
فقم بها أدباً لله بالله
[الفتوحات المكية الباب (181)]
ويقول القشيري: يجب على المريد أن يتأدب بشيخ، فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبداً. [الرسالة القشيرية (181)]
ويجب أن يعتقد في شيخه الكمال: يقول عبدالقادر الجيلاني:
"من لم يعتقد في شيخه الكمال لا يفلح أبداً" [الأنوار القدسية (1/174)]
ويقول علي وفا: "فكما أن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به، فكذلك محبة الأشياخ لا تسامح أن يشرك بها" [الأنوار القدسية (1/187)](1/53)
ويقول أيضاً: "المريد الصادق مع شيخه كالميت مع مغسله، لا كلام ولا حركة، ولا يقدر ينطق بين يديه من هيبته، ولا يدخل ولا يخرج، ولا يخالط أحداً، ولا يشتغل بعلم ولا قرآن ولا ذكر إلا بإذنه". [الأنوار القدسية (1/189)]
ويقول يوسف العجمي: من أدب المريد أن يقف عند كلام شيخه ولا يتأوله، وليفعل ما أمره به شيخه وإن ظهر أن شيخه أخطأ". [الأنوار القدسية (2/36)]
ويقول أبو مدين الغوث:
وراقب الشيخ في أحواله فعسى
ففي رضاه رضا الباري وطاعته
يرى عليك من إستحسانه أثراً
يرضى عليك فكن من تركها حذراً
[الفتوحات الألاهية (230)]
ويقول محمد أمين الكردي الحجازي موطناً:
"... ومنها أن لا يعترض عليه (أي على شيخه) فيما فعله، ولو كان ظاهره حراماً، لا يقول: لم فعل كذا؟ لأن من قال لشيخه: لم؟ لا يفلح أبداً. فقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن" [تنوير القلوب (528)]
2- الرياضة ( المجاهدة)، وهي تحوي أموراً:
أ- الخلوة: (أوالعزلة): وهي طقس إشراقي أساسي لا بد منه في السير إلى الجذبة، وهي تكون الآن في الزوايا بعد أن كانت في الكهوف والمغارات، وأقل مدة للخلوة يوم وليلة، ولا حد لأكثرها.
ب- الصمت: وهو طقس إشراقي أساسي، لكن إشراقي المسلمين الأوائل عرفوا الأثر السحري لترديد (كلمة ما) ألوف المرات بشكل مستمر دون انقطاع، وهذا ما سموه الذكر، فاستعاضوا به عن الصمت، بل وعن الرياضة كلها في كثير من الأحيان.
الذكر: وهو أن يشتغل المريد بالذكر، وهو عادة الاسم المفرد "الله" أو"هو" ويستمر عليه ليلاً ونهاراً مدة طولية قد تزيد على العشرين عاماً كما حصل لعبدالقادر الجيلاني، بعدها قد تظهر الخوارق التي سبق ذكرها، وإذا حصلت فإنهم يتواصون بإهمالها لأن غايتهم الوصول إلى الجذبة التي يستشعرون فيها وبها الألوهية ويذوقونها.(1/54)
يستمر السالك بالذكر والمجاهدة حتى يصل إلى الجذبة وتكون عادة سريعة الزوال أول الأمر، عندها يسمونه: "المجذوب" أو "الولي" أو "الواصل" يعنون بها أن الله جذبه إليه، لكن عليه أن يستمر حتى يزداد عدد جذباته ويزداد طولها، يبقى هكذا حتى تصبح الجذبة طوع يديه، وفي أي وقت يريدها، يبدأ بالذكر وما هي إلا دقائق حتى يقع فيها، وقد تتكرر عليه تلقائياً من دون ذكر، وهذا هو الأمل المنشود، ومن وصل إليه فهو البدل أو الوتد أو القطب أو الغوث.
على أن "النقشبندية" اخترعوا أسلوباً أسرع (كما يقولون) في الوصول إلى الجذبة وهو ترديد: "لا إله إلا الله" مع هز الرأس بالصورة التالية: يدير المريد وجهه إلي اليمين حتى تصبح ذقنه فوق كتفه اليمنى، ويلفظ كلمة "لا"، ثم يدير وجهه بسرعة إلى الأمام ويضع ذقنه على صدره ويلفظ كلمة "إله". ثم يدير وجهه بسرعة أيضاً إلى اليسار، حتى تكون ذقنه فوق كتفه اليسرى، ويلفظ كلمة "إلا". ثم يدير وجهه بسرعة إلى الأمام، ويضع ذقنه فوق صدره ويقول كلمة "الله". وهكذا يعيدها إحدى وعشرين مرة بسرعة فيمكن بهذا أن يصل إلى الجذبة وإن لم يصل فليعيدها مباشرة وهكذا وسيصل أخيراً. وقد أنتقلت هذه الحركة إلى بعض الطرق الأخرى. ولا شك في أن الهز بهذه الطريقة سيصيبك بالدوار ولا محالة. فلعل القارئ الكريم أدرك أن ترديد عبارة "لا إله إلا الله" أثناء الحركة لا يقدم ولا يؤخر في الوصول إلى الجذبة.
3- الحضرة: ولا بد في الحضرة من الشيخ أو من نائب عنه بإذنه إذ بدون ذلك لا يحضرها رسول الله(.
وتنقسم الصوفية من حيث الحضرة إلى قسمين:
1- الصوفية الجالسة: حيث يقومون بطقوس الحضرة وهم جلوس، وهم قسمين:
أ- الجالسة الصامتة: يقرؤون أورادهم وأذكارهم جلوساً صامتين، كالنقشبندية، والخوفية. وقد يجهرون بعض الأحيان، وقد يقفون (حسب توجيه الشيخ) لكن نادراً.(1/55)
ب-الجالسة الصائته: وهؤلاء يقرؤون أورادهم وأذكارهم جلوساً مع الجهر بالصوت، كالتيجانية والنعمتلاهية، وقد يقفون ويرقصون، وهو نادر.
2- الصوفية الراقصة: وعليها أكثر الطرق، وكلها صائتة، يبدؤون الحضرة في أكثر الأحيان جلوساً، ثم ينهضون للقفز والرقص، وقد يصاحب قفزهم الطبول والمزامير والدفوف، وقد يكون الرقص إفرادياً ويكون مع نقص (أي مع هز الخصر) أو بدونه.
كيفية الحضرة:
كل شيء في الحضرة لا يكون إلا بأمر الشيخ، وتبدأ الحضرة في العادة بدرس يلقيه الشيخ أو بعض الأناشيد الصوفية، ثم يبدأ الورد، ولا يكون الورد إلا مع الالتزام التام بما يسمونه "الرابطة الشريفة" وهي أن يربط كل مريد في الحضرة بصره بشيخه إن كان حاضراً، وأن يتصوره في خياله إن كان غائباً، وقد يقرأ أحدهم (بأمر الشيخ طبعاً) السلسلة المزعومة للمشيخة والتي يصلونها (زوراً وبهتاناً) بالرسول(.
ثم تأتي الأذكار والصلوات على النبي(، ولكل مشيخة أذكارها وصلواتها التي قد تطول وقد تقصر. وبالنسبة للصوفية الجالسة تنتهي هذه الجلسة بالفاتحة وإهدائها إلى النبي( ومن فضله إلى الشيخ.
ثم يمد الشيخ يده ويبدأ الحاضرون بتقبيلها واحداً بعد واحد، ثم ينصرفون.
أما الراقصة فإنهم يقفون بشكل حلقة غير تامة أو اكثر من حلقة متحلقة حسب العدد، ويأخذون بالقفز وهم في مكانهم، يتوسطهم الشيخ أو نائبه، يحركهم بإشارات يده وهم يرددون "الله حي" "الله حي" "الله حي" لكن لا يلفظهما، بل بأنات تتفق مقاطعها، ويد كل واحد ممسكة بقوة بيد جاره متشابكة أصابعهم وهم في قفزهم يرتفعون معاً ويهبطون معاً، وعادة يكون قفز هؤلاء بتحريك الرأس والجذع إلى الأمام والوراء دون أن يرفعوا أرجلهم عن الأرض. يرافق ذلك إنشاد من منشد حسن الصوت. وفي بعض الطرق كالرفاعية يرافقها الطبول الرجاجة والموسيقى، بعدها يعطي الشيخ إشارة الانتهاء.
-تم بحمد الله-
??
??
??
??
(12)(1/56)