رفع اللائمة
عن
فتوى اللجنة الدائمة
تقديم
فضيلة الشيخ
صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان
فضيلة الشيخ
عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي
فضيلة الشيخ
سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز آل حميِّد
تأليف
الشيخ محمد بن سالم الدوسري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
وبعد : فقد اطلعت على رد الأخ الشيخ محمد بن سالم الدوسري على الأخ: الشيخ: علي بن حسن الحلبي في اعتراضاته على فتوى اللجنة الدائمة في موضوع الإرجاء أقول:
أولا: قد أجاد الشيخ محمد في ذلك الرد حيث استدرك على الشيخ علي بن حسن كثيراً مما فاته نقله عن أهل العلم الذين استند إلى أقوالهم وأما التشكيك في فتوى اللجنة فلا مجال له لأنها صدرت باتفاق الأعضاء وتوقيعاتهم .
ثانيا: على الشيخ علي حسن وإخوانه لما كانوا ينتسبون إلى السلف في مسألة الإيمان أن يكتفوا بما كتبه السلف في هذه المسألة ففيه الكفاية فلا حاجة إلى كتابات جديدة تبلبل الأفكار وتكون موضعاً للأخذ والرد في مثل هذه المسألة العظيمة فالفتنة نائمة لايجوز إيقاظها لئلا يكون ذلك مدخل لأهل الشر والفساد بين أهل السنة .
ثالثا: على الأخ الشيخ علي بن حسن إذا كان ولابد من نقل كلام أهل العلم أن يستوفى النقل من أوله إلى آخره ويجمع كلام العالم في المسألة من مختلف كتبه حتى يتضح مقصوده ويرد بعض كلامه إلى بعض ولا يكتفي بنقل طرف ويترك الطرف الآخر لأن هذا يسبب سوء الفهم وأن ينسب إلى العالم مالم يقصده .
وختاماً أسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
…كتبه
…صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .(1/1)
أما بعد: فقد قرأت هذه الرسالة المسماة بـ( رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة) للأخ الفاضل الشيخ محمد بن سالم الدوسري، وفقه الله ، وموضوعها: الرد على الأخ الشيخ: علي حسن عبدالحميد/ في اعتراضاته ورده على فتوى اللجنة الدائمة، في المملكة العربية السعودية في مسألة الإرجاء في كتابيه: " صيحة نذير " و " التحذير من فتنة التكفير "، وذلك أن اللجنة الدائمة بينت على سبيل الإجمال ما تضمنه هذان الكتابان من أخطاء في مسائل الإيمان والتكفير ، وفي نقله لكلام أهل العلم نقلا مبتورا ، ليستدل به على ما ذهب إليه من أن الإيمان لا يكون إلا بالقلب ، والكفر لا يكون إلا بالاعتقاد والتكذيب والاستحلال .
ولقد أجاد الشيخ محمد الدوسري في تتبعه لأخطاء علي حسن عبدالحميد ، وبين وفقه الله ما قرره أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان ومسمى الكفر ، وأن الإيمان يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح ، وأن الكفر يكون بالقول وبالفعل وبالاعتقاد وبالشك .
ولقد حاول الشيخ علي حسن عبدالحميد أن يستدل بأقوال أهل العلم - لكن بعد بترها - لمذهب المرجئة من أن الإيمان لا يكون إلا بالقلب ، وأن الكفر لا يكون إلا بالقلب ، وهو مذهب باطل مخالف لنصوص الكتاب والسنة ، وأقوال الأئمة وأهل العلم .(1/2)
فالواجب على الأخ علي حسن عبدالحميد أن يرجع إلى الحق فيقبله ، وأن يكتب رسالة يوضح فيها رجوعه إلى مذهب أهل السنة والجماعة ، فالرجوع إلى الحق فضيلة ، ( وقل الحق ولو على نفسك ) ( وقل الحق ولو كان مرا ) والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ، وما زال العلماء قديماً وحديثاً يقبلون الحق ويرجعون إليه ، ويُعد ذلك من فضائلهم وعلمهم وورعهم ، وقد قال عمر بن الخطاب ( في الكتاب الذي كتبه لأبي موسى الأشعري ( في القضاء ( ولا يمنعنك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه رأيك وهديت فيه إلى رشدك أن تراجع فيه الحق ، فإن الحق قديم لا يبطله شيء ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ).
ولو رجع الأخ علي حسن عبدالحميد: إلى مذهب أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان ومسمى الكفر ، وأن كلاً منهما يكون بالاعتقاد وبالقول وبالفعل ، لكان ذلك دليلاً على فضله وعلمه وورعه في قبوله للحق ، وإقتدائه بالأئمة والعلماء ، ولكان في رجوعه قطعاً لدابر هذه الفتنة - فتنة الإرجاء - التي استشرى ضررها ، وانتشر شررها في أوساط الشباب ، وأحدثت لكثير منهم بلبلة في أذهانهم وتشكيكاً في اعتقادهم.
أسأل الله تعالى أن يوفق الأخ علي حسن عبدالحميد للرجوع إلى الصواب ، وقبول الحق ، ونشر معتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الإيمان والكفر ، بما آتاه الله من فصاحة وبلاغة وقوة وتأثير في الأسلوب.
وأسأل الله تعالى للأخ محمد بن سالم الدوسري التوفيق والسداد ، وأن ينفع بهذا الرد الذي كتبه ، وأن ينفع بكتاباته وردوده ، وأن يجعله مباركاً أينما كان ، وأن يزيل برده هذا اللبس الذي حصل لبعض الناس في هذه المسألة .(1/3)
وأسأل الله لي ولأخواني طلبة العلم ، العلم النافع والعمل الصالح ، والثبات على الحق ، ولزوم معتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الدين والإيمان والإسلام جليّها وخفيّها ، وأن يتوفانا على الإسلام ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
…قاله وكتبه
…عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي
…عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
…20 / 5 / 1422هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، وصلوات الله وسلامه على عبده المصطفى: نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أهل الوفا ، أما بعد:
فقد أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء - زادها الله توفيقاً وهدى - فتواها رقم 21517 وتاريخ 14/6/1421هـ بشأن كتابي الأخ علي بن حسن بن عبدالحميد الحلبي "التحذير من فتنه التكفير" و " صيحة نذير" وبيّنت على سبيل الإيجاز والإشارة ما تضمنه هذان الكتابان من أخطاء في مسائل الإيمان ، وتركت التفصيل ؛ لأن هذا جاء على سبيل الفتوى ، لا على سبيل الردّ والنقض .(1/4)
وكان الأولى بمثله الإذعان للحق ، وهو يعلم أن من صدرت منهم الفتوى علماء أجلاّء أكثر منه علماً ، وأكبر منه سنّاً ، وأقدم منه في معرفة العقيدة فلو أنه كتب في ذلك كتاباً يشكرهم فيه ، ويدعو لهم ، ويعلن فيه رجوعه عن تلك الأخطاء ؛ لقطع دابر الفتنة ، ولأكْبَرَ ذلك الموقف منه الكبير والصغير ، ولكنه ضد ذلك فعل ، فقد بادر بالردّ على اللجنة ردًّا يعلق فيه أخطاءه بغيره ، متنصِّلاً من تبَِعَاتِ ما خطَّته أناملُه في هذين الكتابين ، مردداً هذه العبارات ومثيلاتها: ( هو كلام فلان ، وليس فيه من كلامي أدنى شيء ) ، ( ليس في كتابَّي المذكورين البحث في هذه المسألة مطلقاً ) ، ( فأين موضع الاعتراض وملحظ النقد والانتقاد ؟! ) ، ( فأين الحصر ؟! وأين موضع النقد ؟! ) ، ( فأين الحصر وكيف كان سبيله ؟! ) ، ( فأين التحريف ؟! ) ، ( فماذا يفهم من هذه النصوص ؟! وأين التقوُّلُ على شيخ الإسلام في تعليقي عليها ، وليس هو إلا تلخيصاً لها وضبطاً لأصولها ؟! ) ، ( فأين التقوُّلُ والكلام هو الكلام ؟! ) ، ( فإن كان ثمَّةَ مناقشة أو مؤاخذة فعليه رحمه الله لا على الناقل عنه ) ، ( فأين التعليق ؟! و أين التحميل ؟! ) ( فليس هو من كلامي أصلاً ! ) ، ( فأين التحميل ؟! أين التحميل ؟! ) ، ( فأين التهوين ؟! أين التهوين ؟! ). . .، إلخ ما هنالك من عباراته المزوَّقة دائماً بعلامات الاستفهام والتعجب التي يملأ بها مؤلفاته ، بحيث أصبحت علماً عليه ، ولم أقرأ لأحد ممن ألف من يحشد هذه العلامات كحشده ، وهي علامات الانفعال كما هو معلوم في عرف المؤلفين والمحققين .(1/5)
والمهم من هذا كله: أن من يقرأ ردَّه هذا ، ولم يتبيَّن حقيقة الأمر ، قد يغتّر بأسلوبه في الردّ ، وبراعته في الألفاظ ، وأسلوبه في التمويه ، فيشك في مصداقية اللجنة ، ويتهمها بالتقوُّل عليه ، وظلمه ، وبهتانه ، وهذا الذي يرمي إليه بكتابته هذه ، بحيث أصبحنا نسمع من يعدّ هذه الفتوى صدرت من واحد بعينه من أعضاء اللجنة ، وصدّق عليها الباقون بلا معرفة ولا رويَّة !! دَعْكَ من أعوانه ومن على شاكلته ، فإن الأمر قد تعدّاهم إلى بعض الفضلاء ، وبعض أهل العلم من هذا البلد ! فإذا اهتزّت ثقة الناس بعلمائهم إلى هذا الحدّ ، فبمن تكون الثقة ؟! ولو كان منصفاً لنظر إلى هذه المفسدة على الأقل ، ولم ينتصر لنفسه ، وإن كان يرى أنه على الحق، فمصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد .
وهذه الرسالة - ( رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة ) - التي كتبها أخونا الفاضل الشيخ / محمد بن سالم الدوسري - حفظه الله - جاءت لتضع النقاط على الحروف ؛ إشفاقاً على من أحسن الظن برد الأخ علي الحلبي ، ورأى أن اللجنة قد تعدّت عليه ، وكشفاً للتمويه الذي يحسنه الأخ المذكور .
فمن ذلك على سبيل المثال: نقله لعبارات بعض الأئمة التي يفهم منها حصر الكفر في الاعتقاد ، فيسوقها مستدلاً بها ، ويترك كلام هذا الإمام في مواطن كثيرة من كتبه ، وفيه ما يزيل اللبس الذي قد يعلق من الاقتصار على تلك العبارة فقط .(1/6)
ومن ذلك: تسويده دائماً لكل كلمة أو عبارة يرد فيها ذكر الاعتقاد أو الجحود أو نحوهما من العبارات التي يستدل بها على أن الكفر لا يكون إلا بالجحود والاعتقاد ، ويحاول التمويه على الناس بنسبة ذلك لبعض الأئمة ،فينقل عبارة الإمام التي يتحدث فيها عن أن الكفر يكون بالعمل ، ويكون بالجحود والعناد ، فيكتب العمل بالخط العادي ، ويكتب الجحود والعناد بالخط المسوَّد جداً ، وهذا له أثره على القارئ كما هو معلوم ، ثم بعد ذلك يزعم أنه مجرّد ناقل لكلام الأئمة ، وليس له في هذا النقل أدنى شيء ! فهَلاّ ترك كلام الأئمة - إذ نَقَلَه - على حاله ؟ وهَلاّ نَقَلَ كلامه كله سواء كان له أو عليه ؟ ورحم الله عبدالرحمن بن مهدي حيث يقول: (أهل السنة يكتبون مالهم وما عليهم ، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم)(1) ومخالفة الأخ علي الحلبي لأهل السنة في بعض مسائل الإيمان معروفة عنه منذ قيامه على طبع كتاب مراد شكري "إحكام التقرير لأحكام مسألة التكفير" ، وسعيه في نشره ، وإن اجتهد في تبرئة ساحته منه بعد صدور قرار اللجنة الدائمة بشأنه ، وقد بيَّنْتُ له - بمحضر من الاخوة آنذاك - تحمُّلَه تبعةَ الكتاب وأن عليه أن يعلن بكل وضوح رأيه في تلك المسائل التي تضمنها الكتاب ، وأن يدع عنه التدليس على الناس ، فوعدَ ولم يَفِ .
ولا أريد قطعك - أخي القارئ - عن هذه الرسالة التي دلّت على أن اللجنة الدائمة الموفَّقة ما ذكرت شيئاً في فتواها المذكورة إلا وله وجود في كتابَي الأخ علي الحلبي ، فهمه من فهمه ، وجهله من جهله ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
…كتبه
…سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز آل حميِّد
…في 6 / 4 / 1422 هـ
المقدمة(1/7)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:
فإن الكلام في مسائل الإيمان له شأنه وخطورته ، ثم هو ليس كالكلام في غيرها من مسائل الدِّين ذلك بأن الغلط فيها غلط في أصل الدِّين وأُسِّه ، ولذلك كانت أول بدعة نجمت في الإسلام بدعة الخوارج ـ الذين حذّر منهم رسول الله ( قبل خروجهم - وأصل غلطهم كان في مسألة الإيمان حيث غلوا في نفيه عن أهل الكبائر حتى كفَّروا أهل الإسلام واستباحوا دمائهم ؛ بل كفّروا أصحاب رسول الله ( ، وسفكوا دمائهم وكانوا يرون أنفسهم على حق ودين .
وفي مقابل ذلك نشأت فرقة أخرى لا تقل خطورة عن الخوارج هي فرقة المرجئة الذين غلو في إثبات الإيمان للعصاة أهل الكبائر حتى غرَّهم الشيطان بأن إيمان أفجر الأمة وأفسقها كإيمان أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ؛ بل كإيمان رسول الله ( وإيمان جبريل ، فصاح بهم علماء السنة من أقطار الأرض وأعظموا عليهم النكير لما علموا من خبث طريقتهم وفساد عقيدتهم وما يلزم من مقولتهم حتى قال فيهم ( إبراهيم النخعي: لَفتنتهُم - يعني المرجئة - أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة .
وقال الزهري: ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء.
وقال الاوزاعي: كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان: ليس شئ من الأهواء أخوف عندهم - أي السلف - على الأمة من الإرجاء .
وذكر شريك القاضي المرجئة فقال: هم أخبث قوم ، حسبك بالرافضة خبثاً ، ولكن المرجئة يكذبون على الله ) .(1)(1/8)
واستمر الإرجاء في الأمة على مر العصور تخبو ناره حيناً - عندما يزداد نور العلم - وتضطرم حيناً - عندما يخبو نور العلم - حتى ظهر أثره واضحاً جلياً في الأمة اليوم ؛ بل أصبح واقعاً عملياً ، فقد اكتفى كثير من الناس اليوم بتصديق القلب ونطق اللسان بالشهادتين ثم ارتكبوا بعد ذلك ما شاءوا من المحرمات وتركوا كثيراً من الواجبات إن لم يكن جميعها ؛ بل أعظم من ذلك وأكبر أن كثيراً منهم عكف على المشاهد والقبور وتلبس عندها بالشرك الأكبر والزور ولا يزال يرى أنه في دائرة الإسلام وفي عداد المسلمين .
ومع هذا كله ترى اليوم من ينافح عن ذلك المذهب المردي وينتصرله
ويجعله مذهب سلف الأمة . ومن أنكره فهو خارجي تكفيري - يهرف بما لا يعرف لا علم ولا حلم - له ولع بتكفير المسلمين ، وألف - ذلك المنافح - في ذلك أجزاءً وكتباً وفتاوى وردوداً تختلف أسماؤها وتتحد أهدافها بل هو هدف واحد ألا وهو نصرة ذلك المذهب المشين ، ومن أولئك الذين حملوا هذه الراية ، وتعصب لها ، علي بن حسن الحلبي .
وما - والله - كنت أود الرد عليه ، فقد ردّ عليه من هم خير مني وبينوا له خطأه ، وحثوه على التوبة والرجوع منذ أن صدر كتاب "إحكام التقرير لأحكام مسألة التكفير" لمؤلفه مراد شكري الذي قام الحلبي على طبعه وأشرف عليه ، وكنت أتمنى أن يرجع ويتوب ولكن - يا للأسف - تمادى في ما يدعو إليه ، فألّف بعد ذلك رسائل عدة يقرر فيها ذلك المذهب المردي وينصره بشتى أنواع التقريرات المظلمة ، حتى وإن أدى به الأمر إلى بتر النصوص والتحريف فيها .(1/9)
ومما ألف في ذلك كتابان سمى الأول منهما: "التحذير من فتنة التكفير" والآخر: "صيحة نذير بخطر التكفير" ويكفي منهما الخطأ في تسميتهما.(1) وقد قامت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية - جزاها الله خير الجزاء - بإصدار فتوى تبين فيها خطأ الحلبي في مسألة الإيمان وأن هذين الكتابين "التحذير من فتنة التكفير" و "صيحة نذير بخطر التكفير" يدعوان إلى مذهب الإرجاء ونصحه أعضاء اللجنة - الكرام - بالتوبة والرجوع ،ولكنه لم يستجب لذلك بل ألف
رسالة يرد فيها على اللجنة الدائمة أسماها : "الأجوبة المتلائمة على فتوى اللجنة الدائمة"(1) أخذ يلف فيها ويدور - كعادته - ويتلاعب بالألفاظ ويكثر من علامات التعجب والاستفهام ، عدا ما تميز به من كثرة الجمل الاعتراضية والسجع المتكلَّف ، وتهويل الكلام .
وحتى لا يغتر مغتر بهذا الرجل وما يكتب ، وحتى لا ينخدع المسلمون به ، رأيت أن من الواجب عليّ - إبراءً للذمة ونصحاً للأمة - بيان حال الحلبي في هذه المسألة - التي هي من أخطر قضايا العقيدة ، فأزمعت الرد على ماكتبه - هو - رداً على فتوى اللجنة الدائمة ليس والله تعصباً للجنة فلست - ولله الحمد - ممن يتعصب للرجال دون الحق ، ولا دفاعا عنها بالباطل ، فهم بشر معرضون للخطأ ولكن لأمور ، منها :
1 - أنّ ذلك من آخر ماكتبه الحلبي في هذه المسألة .
2 - حتى يتبين للقارئ الكريم حال الحلبي في بتر النصوص وتحريف المراد منها ، وعناده وإصراره على الباطل ، وروغانه عن الحق ، فهذا كله يتضح جلياً في ردِّه المذكور .
3 - أن تتبع جميع ما ألفه في هذه المسألة يطول جداًّ والمشاغل كثيرة والعمر قصير ، وطالب الحق يكفيه بيان الحق ، وأما صاحب الهوى فلا حيلة فيه - نسأل الله السلامة - .
4 - أن هذا الرد - بذاته - قد أوجد عند بعض الفضلاء نوعاً من الشك والريب في صحة فتوى اللجنة وأنها قد تحاملت على الحلبي وحمَّلت كلامه ما لا يحتمل .(1/10)
وقد أسميت هذا الرد " رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة "
أسال الله تعالى أن يوفقنا وأخواننا لما يحب ويرضى ، وأن يجعل جميع أعمالنا خالصة لوجهه الكريم موافقة لشرعه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
…وكتبه
…محمد بن سالم الدوسري
…المملكة العربية السعودية
…المنطقة الشرقية - الأحساء
…ص.ب: 9318 الرمزالبريدي: 31982
منارات قبل البدء
1 - أن الحلبي ليسَ من أهل التحقيق في هذه المسألة ، وليته أخذ بنصيحة اللجنة الدائمة في فتوى سابقة لها ، وكفّ عن الخوض في هذه المسائل ، حيث قالوا له ولأمثاله: ( وعلى من لم ترسخ قدمه في العلم الشرعي أن لا يخوض في هذه المسائل حتى لا يحصل من الضرر والفساد في العقائد أضعاف ما كان يؤمله من الإصلاح )فتوى اللجنة رقم 30212 تاريخ 7 / 1 / 1419 هـ في الرد على كتاب : "إحكام التقرير" فليت الحلبي كفَّ واشتغل بما يحسنه فإنه أسلم لدينه .
2 - قعَّد الحلبي في نفسه قواعد باطلة في الإيمان واعتقدها ثم مضى يستدل لها بلا رويَّة ولا تحقيق في الاستدلال ، وقد يأتي بالدليل الذي يخالف قوله ، وهو لا يشعر ، وربما يلوي أعناق النصوص لما يريد ، وأدهى من ذلك وأشنع تحريفه لكلام العلماء وبتره لمقالاتهم وعبثه بها وتدليسه ، كما سيلقاك قريبا إن شاء الله .
3 - أن من تلبيس الحلبي أنه يسوق كلاماً لأحد الأئمة يحتمل أكثر من معنى ثم يقول:( وهذا الذي نعتقده وندين الله به ) ولا ندري نحن أي المعاني يريد ، وسيأتيك المثال .
4 - أنه يبتر النصوص ويأخذ منها ما يشتهي ويوافق هواه ويترك منها
ما لا يوافقه وسيأتيك ما يوضح هذا إن شاء الله .(1/11)
5 - أنه كثير التجريح لإِخوانه الدعاة وطلاب العلم الذين يخالفونه في هذه المسائل وفي غيرها حتى من لم يوافقه في تصحيح حديث أو تضعيفه . وهذا مشهور منثور في كتبه . وفي المقابل لم يتعرض لأهل العلمنة والإلحاد والزندقة والفساد بشيء ولم ينلهم ربع ما نال إخوانه . والله المستعان .
6 - أنه يرى نفسه من الأوصياء على السلفية ومنهجها وكل من لم يوافقه فهو خلفي لا سلفي وكأن منهج السلف حكر على فئة معينه ، أو محصور في مكان معين .
7 - لِيُعلم - والله الذي لا إله إلا هو أنه لو كانت القضية - كما يزعم في رده هذا ص38 - ( خطأً في عبارة أو غلطاً في نقل أو سهواً في فهم أو ذهولاً في نقل ) لكنا من أول من يعذره ولكن القضية أعظم من ذلك فهي تأصيل لمذهب الإرجاء بطريقة عصرية جديدة تستخدم فيها أقوال السلف - مبتورة محرفة - لإثبات ذلك المذهب المشين ، ونسبته إلى السلف على أنه مذهبهم ، وليتهم اكتفوا بذلك بل شوهوا صورة المذهب الحق الذي هو مذهب أهل السنة بأن جعلوه مذهب الخوارج ومن تمسك به فهو خارجي ، والله المستعان .
8 - أن كاتب هذه الأسطر ، - ولله الحمد - من أحرص الناس على
جمع الكلمة وتوحيد الصف ، ولكن ليس ذلك على حساب التوحيد وأصل الدين ، فما كتبت هذه النبذة - ولله الحمد - حباً في الشقاق والنزاع ولا رغبة في الفرقة والخلاف ، ولكن بياناً للحق وإبراءً للذمة وذوداً عن العقيدة الصافية ، عقيدة أهل السنة والجماعة ، جعلنا الله من أهلها وأنصارها في الدنيا والآخرة .
9 - قد يتساءل بعض الناس لماذا تردُّ اللجنة الدائمة على ( الحلبي ) وتترك غيره كسيد قطب وأبي الأعلى المودودي وغيرهما ؟ وهذا نفسه قد ذكره الحلبي في تضاعيف الرد .
فالجواب أن يقال : أولاً : هل أُرسل إلى اللجنة سؤالٌ عن هؤلاء وكتبهم ثم أعرضت اللجنة عن الإجابة عنه ؟(1/12)
ثانيا : على فرض أن اللجنة أخطأت في عدم ردها على هؤلاء وبيان حالهم فهل يعني هذا أن اللجنة أخطأت في ردِّها على الحلبي وبيان حاله ؟ لا أظن منصفاً يقول هذا .
10 - قال شيخ الإسلام-رحمه الله -:( وكثير من المتأخرين لا يميزون بين مذاهب السلف وأقوال المرجئة والجهمية: لاختلاط هذا بهذا في كلام كثير منهم ممن هو في باطنه يرى رأي الجهمية والمرجئة في الإيمان ، وهو معظم للسلف وأهل الحديث ، فيظن أنه يجمع بينهما ، أو يجمع بين كلام أمثاله وكلام السلف ).(1) ا هـ
وقال أيضاً - رحمه الله - : ( ... لكن هؤلاء ظنوا أن الذين استثنوا في الإيمان من السلف كان هذا مأخذهم ، لأن هؤلاء وأمثالهم لم يكونوا خبيرين بكلام السلف ، بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقوه عن المتكلمين من الجهمية ونحوهم من أهل البدع فيبقى الظاهر قول السلف والباطن قول الجهمية الذين هم أفسد الناس مقالة في الإيمان )(2) ا هـ .
* * * * *
والآن هذا أوان الشروع في الرد على علي بن حسن الحلبي أسأل الله العون والتوفيق والسداد:
قال الحلبي في الأجوبة المتلائمة (ص4 ، ص5 ):
(. . حول كتابي المذكورين:( وأنهما يدعوان إلى مذهب الإرجاء من أن العمل ليس شرط صحة في الإيمان) !!) .
فأقول ( القائل الحلبي ): مقالة المرجئة الخبيثة الباطلة مبنية على كونهم (يخرجون العمل من مسمى الإيمان ويقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب! والنطق باللسان - فقط -!!) كما جاء محرراً في فتوى اللجنة الدائمة - الموقرة - السابقة (رقم 21436) تاريخ 8/4/1421هـ فالعمل - عند المرجئة - ليس من الإيمان - أصلاً ، فضلاً عن أن يبحث فيه منهم أو عندهم:- أهو منه - أو فيه(1) - صحة أم كمالاً!!!- إلى أن قال -: وعليه فما المراد بـ(العمل) في نفيهم - هذا - من قولهم - فيما نسبوه إليَّ:-(أن العمل ليس شرط صحة في الإيمان)!؟ انتهى كلام الحلبي .(1/13)
قال مقيده عفا الله عنه: المراد بالعمل العمل الظاهر (جنس العمل) ، قال شيخ الإسلام ( والمرجئة أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان فمن قصد منهم إخراج أعمال القلوب أيضاً وجعلها هي التصديق ، فهذا ضلال بيّن ،ومن قصد إخراج العمل الظاهر ، قيل لهم: العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه ، وانتفاء العمل الظاهر دليل انتفاء الباطن - إلى أن قال -: والسلف اشتد نكيرهم على المرجئة لما أخرجوا العمل من الإيمان.. (وأيضاً) فإخراجهم العمل يشعر أنهم أخرجوا أعمال القلوب أيضاً ، وهذا باطل قطعاً .
فإن من صدق الرسول ( وأبغضه وعاداه بقلبه وبدنه فهو كافر قطعاً بالضرورة ، وإن أدخلوا أعمال القلوب في الإيمان أخطئوا أيضاً(2) لامتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن)(3)ا هـ .
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -:(وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب وأن إيمان القلب بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع .سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءاً من الإيمان كما تقدم بيانه)(1).
إذا تبين هذا فإن الحلبي في الكتابين المذكورين لا يرى الأعمال الظاهرة من لوازم إيمان القلب ؛ بل يراها من كمال الإيمان.(1/14)
حيث قال في: "صيحة نذير" ص27 ناقلاً عن شيخ الإسلام قوله: (والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة ، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر ) ثم علق الحلبي في الحاشية على قول شيخ الإسلام: ( ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام ) بقوله ( أي الحلبي ): ومن تأمل هذا القيد حلت له إشكالات كثيرة: ويعني بالقيد قوله: ( تام ) ويكون المعنى عند الحلبي أنه يمكن أن يكون في القلب إيمان بدون العمل الظاهر ولكنه إيمان ناقص ، أما من أراد الإيمان التام فلابد من العمل الظاهر. وهذا غير مراد لشيخ الإسلام - رحمه الله - فهو يعني بقوله :( إيمان تام ) أي إيمان صحيح ، وهو الذي يتوافق مع قوله -رحمه الله - الذي سبق نقله آنفاً:( وأن إيمان القلب بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع ).
ويتوافق أيضاً مع قوله - رحمه الله -: ( وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيماناً جازماً امتنع ألا يتكلم بالشهادتين مع القدرة ، فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام )(1). ا هـ . فما رأي الحلبي في هذا ؟ من امتنع أن يتكلم بالشهادتين مع القدرة ، أيقال: انتفى عنه كمال الإيمان وبقي معه أصله ؟ فإن قال: نعم ، فقد قال قولاً عظيماً . وإن قال: لا ، فقد أقر على نفسه بالغلط في فهم كلام شيخ الإسلام .
وشيء آخر ، وهو أن يقال: ما رأي الحلبي في قول شيخ الإسلام(2): (فإنه يمتنع أن يكون إيمان تام في القلب بلا قول ولا عمل ظاهر) فهل هذا يعني أنه يمكن أن يكون الإيمان في القلب بلا قول ظاهر ( أي بدون الشهادتين ) والذي يمتنع إنما هو تمام الإيمان؟ أم ماذا ؟(1/15)
وذكر - أي الحلبي - أيضا في ص28 من "صيحة نذير" قول شيخ الإسلام - عن الإيمان -: ( وأصله القلب وكماله العمل الظاهر ... ) وهو يظن أن شيخ الإسلام يعني بالكمال: الكمال الواجب والمستحب ، وهذا غلط منه في فهم كلام ابن تيمية - رحمه الله - فإن سياق الكلام يدل على أن أصل الإيمان الذي في القلب لا يتم ( أي لايصح ) إلا بالعمل الظاهر حيث قال - رحمه الله - بعدها: (... بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر وكماله القلب ) فهل يقول قائل: أنه يكفي في الإسلام أصله الظاهر دون كماله الذي في القلب ؟
فعلى هذا الوجه يُفهم كلام الأئمة بضم بعضه إلى بعض حتى يفسر بعضه بعضاً لا أن يأخذ الناقل ما يوافق هواه ويدع ما يخالفه.
ثم اعلم - رحمك الله - أنه يتبين لك إرجاء الحلبي من جهة أخرى وهي أنه يحصر الكفر في الجحود والتكذيب ، ووجه ذلك ما يلي:
قال العلامة ابن القيم(1)- رحمه الله - : ( وهاهنا أصل أخر ، وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل ، والقول قسمان:
قول القلب ، وهو الاعتقاد ، وقول اللسان ؛ وهو التكلم بكلمة الإسلام.
والعمل قسمان:
عمل القلب وهو نيته وإخلاصه ، وعمل الجوارح.
فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله ، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء ، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة ، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق ، فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة ، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب ، وهو محبته وانقياده ) ا هـ. كلام ابن القيم.
وقول القلب الذي هو التصديق يقابله الجحود والتكذيب والإنكار والاستحلال.
وعمل القلب الذي هو طاعته وانقياده يقابله ترك الالتزام والتولي عن الطاعة.
فأهل السنة مجمعون على أن الإيمان ينتفي بترك الالتزام والتولي عن الطاعة ولو لم يكن هناك جحود أو تكذيب.(1/16)
أما المرجئة فإنهم يخالفون في ذلك ويرون أن الإيمان لا ينتفي إلا بانتفاء التصديق ( أي بالجحود والتكذيب ).
فإذا تبين لك هذا فإن الحلبي قد قرر في كتابيه المذكورين أن الكفر لا يكون إلا بالجحود والتكذيب(1) والدليل على هذا: ( أي أنه يحصر الكفر في الجحود والتكذيب - فحسب - ) ما يلي:-
نقل الحلبي عن الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ - رحمه الله - قوله: ( إن الكفر نوعان: كفر عمل ، وكفر جحود وعناد ، وهو - أي: كفر الجحود - أن يكفر بما علم أن رسول الله ( جاء به من عند الله - جحوداً وعناداً - من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه التي أصلها توحيده ، وعبادته وحده لا شريك له ) التحذير ص6 ، 7.
وقد سوّد الحلبي الخط وضخمه عند ذكر الجحود والعناد(1) مدللاً على أن الكفر لا يكون إلا كذلك ، والذي دلنا على هذا أنه نقل في الحاشية عن ثلاثة من العلماء هم - ابن حزم ، وابن القيم ، والذهبي ، أنهم يرون - بزعمه - أن الكفر هو الجحود، وهناك فرق بين كون الجحود كفراً وبين كون الكفر هو الجحود.
فالأول: جعل الجحود نوعاً من أنوع الكفر ، وهذا حق.
والثاني: حصر الكفر في الجحود ، وهذا باطل.
ثم أكد الحلبي ذلك - بما لا يدع مجالاً للشك - بما نقله عن الطحاوي - رحمه الله - وهو قوله: ( لا يكون الرجل كافراً من حيث كان مسلماً وإسلامه كان بإقراره الإسلام فكذلك ردته لا تكون إلا بجحود الإسلام ) التحذير ص10.
وقد سوّد الخط وضخمه عند قوله: ( إلا بجحود الإسلام ) ولا أظنه يخفى أن النفي مع الاستثناء دليل الحصر.(1/17)
ثم نقل عن العلامة الشيخ حافظ الحكمي قوله في "أعلام السنة المنشورة": ( الكفر أصله الجحود والعناد المستلزم للاستكبار والعصيان ) ، ظاناً أنه يوافقه على أن الكفر هو الجحود فحسب - ولكن هذا الظن غير صحيح لأن الشيخ حافظاً - رحمه الله - ساق بعد هذا الجواب أجوبة كثيرة توافق معتقد أهل السنة ، وليت الحلبي قرأها وأظنه فعل - لأنه لا يتصور أن يستل هذا الجواب دون أن يقرأ ما قبله وما بعده - ثم أكد ذلك أيضاً بما نقله - مبتوراً - من كلام الشيخ عبدالرحمن السعدي في كتابه: "الإرشاد إلى معرفة الأحكام" ( ص 203 ) ( وحد الكفر الجامع لجميع أجناسه وأنواعه وأفراده هو جحد ما جاء به الرسول ( أو جحد بعضه ) التحذير ص 11.
وقد بتر الحلبي هذا النص - كعادته - ليوافق ما قرره وهو أن الكفر لا يكون إلا بالجحود ، وإلا فلماذا حذف أول الكلام وهو قوله: ( المرتد هو الذي كفر بعد إسلامه بقول أو فعل أو اعتقاد أو شك ) ؟.
ثم ذكر تعليقاً على ذلك الكلام الذي نقله بقوله: (...فإن من ثبت له حكم الإسلام بالإيمان الجازم إنما يخرج عنه بالجحود له أو التكذيب به أما إذا كان شاكاً أو معانداً أو معرضاً أو منافقاً فإنه - أصلاً - ليس بمؤمن) ا هـ. التحذير ص 11 حاشية تعليق رقم ( 1 ) .
قال مقيده عفا الله عنه: لو لم يكن في كتاب الحلبي إلا هذه لكانت كافية في بيان عقيدته في هذه المسألة ، وأنه يحصر الكفر في الجحود والتكذيب فحسب .
ثم أي فرق بين هذا التعليق وبين قول صاحب كتاب "إحكام التقرير" -الذي أشرف الحلبي على طبعه - في ص13 : ( لا يكفر المسلم إلا إذا كذَّب النبي فيما جاء به وأخبر سواء كان التكذيب جحوداً كجحود إبليس وفرعون أم تكذيباً بمعنى التكذيب ) وهو يزعم - أي الحلبي - أنه بريء مما بحثه صاحب كتاب " إحكام التقرير " وظهر له قلِّه وجلِّه ، فأين البراءة ؟ وهو يعيد ما قرره ويكرر ما أكده .(1/18)
على أن قول الحلبي في البراءة غير صريح لقوله: ( موافق ما عليه علماء الإسلام والأئمة الأعلام ) فمن المقصود بهؤلاء ؟ أهم الذين نقل عنهم في إحكام التقرير الفخر الرازي والغزالي ؟ . . أم علماء أهل السنة ؟ فالكلام مجمل يحتاج إلى بيان .
وبعد ، فهذه هي بعض الأدلة على أن الحلبي يحصر الكفر في الجحود والتكذيب فحسب .
* فائدة:
اعلم - رعاك الله - أن من يحصر الكفر في الجحود والتكذيب يلزمه إخراج عمل القلب من الإيمان ، ومن أخرج عمل القلب لزمه قول جهم كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله -:( لكنهم - أي المرجئة - إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم ، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضاً فإنها لازمة لها )(1)
قال الحلبي في ص5 من أجوبته ( فإن قيل العمل كله فهذا مذهب الخوارج والمعتزلة - كما هو معلوم -) انتهى كلام الحلبي .
قال مقيده عفا الله عنه: مذهب الخوارج والمعتزلة هو أنهم يرون آحاد العمل شرطاً في صحة الإيمان ، أما أهل السنة والجماعة فإنهم يرون أن جنس العمل من لوازم إيمان القلب كما سبق نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - وفرق عظيم بين هذين المذهبين .
قال الحلبي في ص9 من أجوبته :( وباب آخر من البيان ، أن أقول :
إن ثمرة هذا المصطلح -( شرط الصحة )- من حيث التكفير وعدمه - عندي - هي عين ما قاله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله- كما في الدرر السنية (1/102-لابن قاسم ) و ( تاريخ نجد ) ( 2/271 )لابن غنام ...( أركان الإسلام الخمسة أولها الشهادتان ثم الأركان الأربعة ،إذا أقر بها ، وتركها تهاوناً ،فنحن وإن قاتلناه على فعلها فلا نكفره بتركها ، والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها -كسلاً من غير جحود - ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء - كلهم - وهو الشهادتان ) . انتهى كلام الحلبي .
قال مقيده عفا الله عنه:(1/19)
هذا الكلام الذي نقله الحلبي عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب يؤكد لك - أيها القارئ الكريم - ما ذكرته سابقاً من أن الحلبي لايرى جنس العمل من لوازم إيمان القلب بل يكفي عنده الشهادتان مع اعتقاد القلب. وهو يظن أن كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب يدل على هذا وقد أخطأ في ظنه كما أنه أخطأ أيضاً في فهم كلام الشيخ حيث ظن أن مراد الشيخ - رحمه الله - بقوله: (... ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو الشهادتان ) أي لا نكفر إلا من ترك الشهادتين ولم يأت بهما ، وهذا غير صحيح ولا مقصود للشيخ - رحمه الله - ؛ بل مراد الشيخ أنه لا يكفر إلا من نقض الشهادتين سواء كان ذلك بقول أو فعل ، وهذا معلوم من كتبه ورسائله(1) ؛ بل ذلك أصل دعوته ، لذلك من أعظم ما اتهم به -رحمه الله - قولهم إنه يكفر المسلمين الذين يقولون لا إله إلا الله و يصلون ، ويصومون والحق أنه - رحمه الله - إنما يكفر المنتسبين للإسلام الذين أتوا بالشهادتين ولكن نقضوهما بأعمالهم الشركية كدعاء الصالحين والاستغاثة بهم ، والذبح والنذر لهم ، لاكما يظن الحلبي أنه لا يكفر إلا من ترك الشهادتين ولم ينطق بهما وهذا من النصوص التي يسوقها الحلبي وهي تحتمل أكثر من معنى(2) فيوهم بها ويلبس .
قال الحلبي في ص9 من أجوبته: ( وباب ثالث من البيان . . . ثم أورد كلاماً للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في الإيمان والكفر . . .(1/20)
قال مقيده عفا الله عنه: هذا الكلام الذي نقل عن الشيخ عبداللطيف كلام علميٌّ متين ، ولكن فيه جمل محتملة غير ما يعتقده الشيخ ساقها الحلبي ليوهم بها ، وهي قول الشيخ: ( والخلاف في أعمال الجوارح: هل يكفر أو لا يكفر ؟ واقع بين أهل السنة ) قد يفهم من هذا أن المقصود بأعمال الجوارح جنس أعمال الجوارح ، فيظن الظان أن أهل السنة بينهم خلاف في تارك جنس العمل أيكفر أم لا يكفر ؟ وهذا غير صحيح أبداً ولا يريده الشيخ قطعاً بدليل أنه ذكر بعدها تكفير من ترك أحد المباني الإسلامية لا من ترك العمل كله ، وقد ذكر قبلها قوله: ( وإذا زال شيء من الأعمال كالصلاة والحج والجهاد مع بقاء تصديق القلب وقبوله ، فهذا محل خلاف: هل يزول الإيمان بالكلية إذا ترك أحد الأركان الإسلامية كالصلاة والحج والزكاة والصيام أم لا يزول ؟ ) ا هـ . فالكلام كله ليس فيه ذكر لجنس العمل .
إذا عرفت هذا فإن الحلبي ساق هذا الكلام ليوهم به من لا يعرف حقيقته وإلا فإن كلام الإمام ابن القيم في كتاب الصلاة أوضح من هذا بكثير ، فلماذا تركه ؟ علماً بأن الشيخ عبداللطيف ناقل عن ابن القيم . والله المستعان .
قال الحلبي في ص11 من أجوبته:( أما ما ورد في (صفحة6 حاشية2)
فأصله كلام الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله ... في ( أن الكفر نوعان: كفر عمل ، وكفر جحود وعناد... الخ ). . وليس مني عليه زيادة ولا إضافة ولا تعليق ) ا هـ .
قال مقيده عفا الله عنه: هذا غير صحيح فإنه قد حصل من الحلبي تعليق على هذا الكلام حيث ذكر تحته نقولاً عن ابن حزم وابن القيم والذهبي - وتقدم الكلام عنها - وهو يظن أنهم يحصرون الكفر في الجحود فكيف يقول إنه لم يعلق عليه ؟
ثم إن الحلبي لم يكمل النقل عن الشيخ عبداللطيف ؛ بل أخذ ما يظنه يوافق مذهبه المردي وترك ما يبين المذهب الحق ، وإليك كلام الشيخ عبداللطيف كاملاً غير مبتور:(1/21)
حيث قال رحمه الله:(1) ( الأصل الرابع: أن الكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود وعناد ، وهو أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه ، التي أصلها توحيده وعبادته وحده لا شريك له [ وهذا مضاد للإيمان من كل وجه وأما كفر العمل ، فمنه ما يضاد الإيمان كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف ، وقتل النبي وسبه ] الخ . وما بين المعقوفين قد حذفه الحلبي فانظر - أيها المنصف رعاك الله - كيف يعرّف الشيخ عبداللطيف نوعي الكفر (كفر العمل وكفر الجحود والعناد ) ثم يقتصر الحلبي على نقل تعريف أحد النوعين الذي يوافق مذهبه ( وهو كفر الجحود والعناد ) ويترك تعريف كفر العمل فماذا نقول ؟ والله المستعان.
قال الحلبي في ص12 من أجوبته: ( وكذا الإمام ابن القيم في الصواعق المرسلة ( 2/421 ).
وقد نقلت نحوه - أيضا عن الإمام الذهبي في "العلو" (ص214).
فأين كلامي ؟ وأين حصري ؟
وليس هو سوى هذه النقول العلمية !! بل ليس فيه أي كلمة( ! ) من لفظي ولا أدنى لفظة من كلامي!!
أما الذهبي وابن القيم فإمامان سلفيان نقيان ، فالواجب حمل كلامهما على الغالب ، لا على الحصر وإلا !!!
ثم لماذا لا يحمل نقلي عنهما - وهو عين كلامهما وقولهما - على ذلك - أيضا وهو الأصل ؟ ) انتهى كلام الحلبي.
قال مقيده عفا الله عنه:
أولاً: قوله: ( فأين كلامي ؟ )
الجواب: إن نقلك عن هؤلاء الأئمة ماذا يعني ؟ أليس هو ما تعتقده وتدين الله به ؟
ثانياً: أما قوله: ( وأين حصري )
الجواب: قد مضى التدليل ص 36 - 38 من هذه الرسالة.
ثالثاً: قوله: ( وليس هو سوى هذه النقول العلمية .. ).
قال مقيده: ليست العبرة بالنقول وإنما الشأن بالفهم ، فالنقل صحيح
ولكن الفهم سقيم.
رابعاً: قوله: ( ثم لماذا لا يحمل نقلي عنهما ... )(1/22)
قال مقيده: إن الإمامين ابن القيم والذهبي سلفيان معروفان بسلفيتهما ونصرتهما لمذهب أهل السنة فإذا أجملا في موضع فقد بينا في مواضع أخرى تفصيل هذا الإجمال. أما الحلبي فلم يعرف عنه إلا نصرته لمذهب الإرجاء ؛ وقياس الحلبي نفسه على هذين الإمامين قياس فاسد لتباين الأصل والفرع.
خامسا: إن كلام ابن القيم الذي ذكره الحلبي ونصه: ( ... فمن جحد شيئاً جاء به الرسول ( بعد معرفته بأنه جاء به فهو كافر في دق الدين وجِّله ) وليس فيه حصر الكفر في الجحود كما ظن المؤلف ؛ بل جعل الجحود سبباً من أسباب الكفر ولا يمنع أن يكون غيره كذلك.
قال الحلبي ص13 من أجوبته المتلائمة: ( أما الوجه الثاني ، فأقول: قد نقلت في التحذير ( ص 11) عن العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله ... ( وحد الكفر الجامع لجميع أجناسه وأنواعه وأفراده ...
وقد علقت عليه - هناك - بقولي: محسناً الظن بأهل العلم ، حاملاً إياه على أحسن محامله ) ا هـ.
قال مقيده عفا الله عنه:
أولاً: الشيخ ابن سعدي لا يحتاج من الحلبي أن يحسن الظن به ، ولا بكلامه الذي نقله عنه فليس لكلام الشيخ محمل سوء حتى يحسن الظن به ، فقد بين ابن سعدي قبل الكلام الذي نقله الحلبي عنه أنه -أي ابن سعدي- لا يحصر الكفر في الجحود وإليك كلامه كاملاً غير مبتور:
( المرتد هو الذي كفر بعد إسلامه بقول أو فعل أو اعتقاد أو شك وحد الكفر الجامع لجميع أجناسه ... الخ ).
ثانياً: قوله: ( أين الحصر ؟ )
قال مقيده عفا الله عنه: يوضح الحصر ما يلي:
1 - أنه نقل كلام ابن سعدي مبتوراً ظناً منه أنه يوافق ما يذهب إليه من حصر الكفر بالجحود ، وإلا لِمَ عدل عن أول الكلام الذي يبين أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد أو الشك ؟(1/23)
2 - أن الحلبي علق على هذا النقل بقوله: ( فإن من ثبت له حكم الإسلام بالإيمان الجازم إنما يخرج عنه بالجحود له أو التكذيب به ) فقل لي بربك أحصر هذا أم ماذا ؟ وما الفرق بين هذا وبين ما قرره في " إحكام التقرير " ص13 ( لا يكفر إلا إذا كذَّب النبي ( فيما جاء به وأخبر سواء كان التكذيب جحوداً كجحود إبليس وفرعون أم تكذيباً بمعنى التكذيب).
3 - قوله: ( أما إذا كان شاكاً أو معانداً أو معرضاً أو منافقاً فإنه -أصلاً - ليس بمؤمن ) وكأن الشك أو العناد أو الإعراض أو النفاق لا يطرأ بعد الإيمان وإنما الذي يطرأ هو الجحود والتكذيب ، فعاد الأمر إلى أن الكفر لا يكون إلا بهما أي: ( الجحود والتكذيب ).
أما قوله ص13: ( وأزيد - هنا - موضحاً أكثر وأكثر ... إلى أن قال: ( فقد يطرأ على (بعض) المسلمين شك أو عناد ، أو.. ، أو.. إلى أخر ما قد يخرجون به من ملة الإسلام ...) .
أقول: إن الحلبي لا يريد أن يعترف بخطئه وأن اللجنة أصابت في انتقادها إياه فيموه بالكلام ، فاللجنة الدائمة حينما انتقدت فإنها انتقدت كتابين هما: "التحذير من فتنة التكفير" و"صيحة نذير بخطر التكفير" ولم تنتقد رسالة الأجوبة المتلائمة فكونه يصحح خطأه في هذا الرد أو يزيد فيه شيئاً فهذا لايعني أن اللجنة أخطأت في انتقادها إياه ،فالمنصف يقول:( نعم أخطأتُ في هذا الوجه والصواب هو كذا وكذا .. ثم يكتب ما يريد تصحيحه) أما أن يكابر ويراوغ ويحيد فليست هذه طريقة طالب الحق إنما هي طريقة أهل الأهواء . نسأل الله العافية .
أما قوله ص14 عن تقسيم ابن القيم للكفر ( فماذا نقول ؟ وإلى ماذا يرجع ؟وما هو وجهه ؟) .
قال مقيده عفا الله عنه:
أولاً: إن هناك فرقاً بين أنواع الكفر وأسبابه .(1/24)
فأنواع الكفر كثيرة معروفة ككفر الجحود والتكذيب وكفر الإعراض وكفر الاستكبار وكفر النفاق أما أسبابه فلا تخرج عن قول أو عمل أو اعتقاد نصَّ الشرع على أنه كفر مخرج من الملة ، والشأن في الأحكام إنما هو بالأسباب لا بالأنواع ، وإنما تذكر الأنواع تفسيراً فقط .
ثانياً: نقول إن هذا التقسيم جاء به إمام سلفي يرى أن الإيمان قول وعمل وأن الكفر يكون بالعمل كما يكون بالاعتقاد ،انظر إليه حين يقول- رحمه الله - في كتاب "الصلاة" ص51:( وهاهنا أصل آخر ،وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل ،وكفر جحود وعناد.
فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه ،وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه .
وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى مالا يضاده ،.. الخ ) وسيأتي هذا الكلام بتمامه إن شاء الله ، فإذا اشتبه كلامه في موضع رددنا المشتبه إلى الواضح المحكم فتبين الحق من مذهب هذا الإمام .
مع أن هذا التقسيم واضح - بحمد الله - في أنه لا يحصر الكفر في الجحود حيث قال رحمه الله - فيما نقله عنه الحلبي - عند تقسيمه للكفر-:
1- ( كفر صادر عن جهل وضلال وتقليد الأسلاف ).
وكفر الجهل ليس فيه جحود ولا تكذيب - وإن كان مستلزماً له ولا يظهر إلا به - لأن الجهل خلو النفس من العلم فهو لم يعلم شيئاً حتى يجحده أو يكذب به وتقليد الأسلاف لا يلزم منه التكذيب ولا الجحود ، والدليل أن أبا طالب لم يكن مكذباً للنبي ( فهو القائل:
وقد علموا أن ابننا لا مكذب
لدينا ولا يعنى بقول الأباطل
ولكن منعه من الإيمان تقليده لأسلافه والحمية لدين قومه ، فهل يشك أحد من أهل السنة في كفره ؟
وقال - رحمه الله - ( 3- كفر إعراض محض ).(1/25)
والإعراض يكون بقلبه وبسمعه ، كما ذكر هو نفسه في "مدارج السالكين" ( 1/366 - 367 ) حيث قال: ( وأما كفر الإعراض: فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول ( ، لا يصدقه ولا يكذبه ، ولا يواليه ولا يعاديه ، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة . . . الخ ) ا هـ. فهذا المُعرض لم يصدق ولم يكذب ولم يوالِ ولم يعادِ ولم يجحد ولم يقر .
فهذا هو التقسيم وهذا مرجعه وهذا وجهه . فهل ترى فيه حصراً للكفر في الجحود أو التكذيب ؟
قال الحلبي في ص14 من أجوبته: ( ثم من باب آخر - هل يتهم العلامة السلفي ابن سعدي - رحمه الله-بموافقة الإرجاء أو بموافقة المرجئة ؟ أم ماذا ؟
قال مقيده عفا الله عنه: هذا هو الإرهاب الذي استخدمته قريش مع النبي ( حينما قالت له: أأنت خير أم أبوك عبدالله ؟ أأنت خير أم جدك عبدالمطلب ؟ لازال يستخدم لإلزام المخالفين بما ليس لهم بلازم .
وأُعيد وأُكرر أن العيب ليس في الكلام وإنما العيب في النقل والفهم فالحلبي ينقل نقولات مبتورة عليلة ويقول هذا قول فلان وهذه عقيدة فلان وإلا فقد مر معنا أنه بتر كلام السعدي- رحمه الله - وأخذ منه ما يوافقه وترك ما يخالفه.
وكل كلام محكم إذا بتر تغير معناه ؛ بل قد يكون المعنى ضد المراد به ألا ترى إلى قول الله عز وجل: ? ?????????? ???????????????? ??? ?????????? ???? ??? ??????????? ???????? ??? ?(1) ؟لو اقتصر القارئ على قوله تعالى: ? ?????????? ???????????????? ??? ? (2)كيف يكون المعنى ؟
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
قال الحلبي في ص15 من أجوبته بعد أن نقل كلاماً للعلامة حافظ الحكمي - ( فماذا نقول أيضاً - أي عن الحكمي - أمرجيء وسلفي ؟ أم ماذا ؟(1/26)
الجواب هو نفسه ما ذكرناه عند سؤاله عن السعدي - رحمه الله - ، وأزيد القارئ بياناً أن الحلبي لو قرأ ما بعد الكلام الذي نقله عن الشيخ حافظ الحكمي من أسئلة وأجوبة لتبينت له عقيدة الشيخ حافظ - يرحمه الله - في هذه المسألة ولا إخاله إلا قرأها ولكن ... !!
قال الحلبي في الصفحة السابقة نفسها: ( فالواجب إحسان الظن بكل (سلفي ) وعدم ( الانجرار ) وراء أي كلام خلفي أو غير علمي !!
قال مقيده عفا الله عنه: الحلبي - هداه الله - يقطع جازماً بأنه على جادة السلف في مسألة الإيمان إذ إن أي اتهام له إنما هو اتهام للسلفيين بالإرجاء ، وهذا جهل مركب فإنه لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ، وهذا أشد أنواع الجهل.
أما قوله: ( وعدم ( الانجرار) وراء أي كلام خلفي أو غير علمي ) فإن هذا اتهام وطعن في أربعة من خيار علماء هذا العصر بأنهم ينجرون وراء كلام خلفي أو غير علمي دون تحقيق أو تدقيق ، فبنوا هذه الفتوى على كلام الخلف أو على كلام غير علمي ، كما أن فيه اتهاماً لهم بأنهم ما قرءوا الكتاب ولا اطلعوا عليه كما ذكروا ، ولو صدر هذا الاتهام الآثم من بدعي مارق لكذبه الواقع ووقف في وجهه المنصفون ، فكيف وقائله ينتسب إلى السلفية ويرفع عقيرته بهذا ، وأعظم مما تقدم وأطم أن الحلبي فاه بعد صدور الفتوى بكلمة مغسولة مسجلة في شريط "كاسيت" سُداها ثلب اللجنة ولحُمتها التشكيك في أمانة أعضائها ، وكان مما جاء في الشريط المذكور جواب له عن سؤال ماكر ، ودونك السؤال وجوابه من الحلبي كما في الشريط: ( هل صحيح أن اللجنة الدائمة لديها لجنة من الباحثين. تقوم بالنظر في المؤلفات والكتب وبناء على تقرير هذه اللجنة تقوم بالإفتاء دون الرجوع للكتاب الذي تم بحثه ؟ )
فأجاب بما يلي:
( الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وصحبه ومن والاه ...
الأمر لا يخرج عن إحدى صورتين :(1/27)
1 - إما أن يقرأ المشايخ بأنفسهم الكتب التي يرادُ بحثها أو مناقشتها أو الرد عليها أو التحذير منها.
2 - وإما أن يوكلوا ذلك إلى لجان الباحثين المساعدين الذين يسهلون عليهم النظر في الكتب والتخريج للأحاديث واستخراج النصوص من بطون المؤلفات وما شابه ذلك.
لا يخرج الأمر عن إحدى هاتين الحالتين .
أقول: لو افترضنا أن اللجنة كتبت ما كتبت بناء على ما قرأته بنفسها في تحذيرها من كتابي فهذه والله المصيبة العظمى ؟ لماذا ؟
لأنه كما قرأتم في "الأجوبة المتلائمة" وفي "نقد الفتوى" ، وكما ستقرؤون إن شاء الله في الكتاب الثالث "الحجة القائمة"(1) أقول: لأنه لا يوجد شئ مما ذكر موجود في كتابي ، وكل ما ذكر غير موجود وإنما هو مبني على أفهام منقوصة للقارئ للكلام ، وبعض ذلك تقّول صريح محض لا يتردد فيه. والحقيقة أننا نربأ باللجنة أو أي من أفرادها أن يكونوا كذلك ؛ بل أن يكون قريبين من ذلك.
فلم يبق إلا أن يقال: أن ذلك من تصرف بعض الباحثين المساعدين ، وهذه وإن كانت مصيبة لكنها أهون . فالعمدة إذاً على هذا الترجيح على أولئك المساعدين الذين قد يكونون ذوي علم قاصر ، أو ذوي توجهات فكرية ، أو ذوي فهم منقوص أو أي سبب آخر قد نضعه فيهم ، أما أن نضعه في المشايخ فهذا ما ننزههم عنه ونبعدهم منه )(1) ا هـ .
قال مقيده: سبحان الله العظيم !! ينزههم عن الخطأ في الاجتهاد -على فرض أنهم أخطئوا - ويتهمهم بالكذب حيث قالوا - وفقهم الله - : ( وبعد دراسة اللجنة للكتابين المذكورين والإطلاع عليهما ) وهو يقول: لم يدرسوا ولم يطلعوا فأي تنزيه هذا ؟ وماذا يريد الحلبي من وراء هذا الكلام ؟ أيريد تشويه صورة اللجنة في أذهان الناس ؟ أم يريد أن يدافع عن نفسه ؟ وأن الذين تكلموا في كتابيه ليسوا هم علماء اللجنة ؛ بل بعض الباحثين ، وأن علماء اللجنة لو قرءوا هذين الكتابين لما كانت الفتوى بهذه الصورة.(1/28)
قال الحلبي في ص16 - بعد أن نقل كلاماًَ من كتاب "التعريف والتنبئة" - (فأين - بالله - موضع الانتقاد ... ؟ )
أقول: - إن اللجنة إنما انتقدت كتابين هما: " التحذير من فتنة التكفير" و "صيحة نذير بخطر التكفير" ولم تنتقد كتاب "التعريف والتنبئة" فسؤاله هنا في غير موضعه.
قال الحلبي في ص16 من أجوبته المتلائمة: ( أما الموضع الآخر - الذي عزت إليه اللجنة المبجلة ، وهو (ص22) من "التحذير" فليس هو سوى نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (20 / 91 ) وهو قوله رحمه الله ثم ساق كلام شيخ الإسلام الذي نصه ( قد تقرر من مذهب أهل السنة والجماعة ما دل عليه الكتاب والسنة: أنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب ، ولا يخرجون من الإسلام بعمل إذا كان فعلاً منهياً عنه ، مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر ما لم يتضمن ترك الإيمان.
وأما إن تضمن ترك ما أمر الله بالإيمان به ، مثل: الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، والبعث بعد الموت: فإنه يكفر به .
وكذلك يكفر بعدم اعتقاد وجوب الواجبات الظاهرة المتواترة ، وعدم تحريم المحرمات الظاهرة المتواترة ) انتهى كلام شيخ الإسلام - رحمه الله -.
ثم قال الحلبي بعدها: ( قلت: فالأمر كله - في دائرة الكفر - مبني على نقض الإيمان ،وعدم الاعتقاد ).
( إذ الأحكام في الدنيا والآخرة مرتبة على ما كسبه القلب ، وعقد عليه).
إلى أن قال: أي الحلبي: ( ثم ما معنى كلمة نقض الإيمان هنا ؟ وعلى ماذا تدل ؟ أليس تحتها صور متعددة وأقسام متنوعة ؟ أم ماذا ؟ )
الجواب :
أ - يالله ! ما أسرع ما يروغ الحلبي عندما تضيق عليه السبل لذلك تجده غالباً يأتي بالمحتملات والمجملات حتى إذا كُشف أمره أخذ يروغ فيقول: أنا لم أقصد كذا وإنما أريد كذا ، كما في مسألتنا هذه.(1/29)
فيا أهل الإيمان إن ما قبل هذا الكلام وما بعده ليدل دلالة واضحة على أن الحلبي يريد بهذا النقل التدليل على أن الكفر محصور في الاعتقاد وإليكم البيان.
أولاً: أنه سوَّد الكلمات التالية باللون الأسود العريض إمعاناً في النص وتنبيهاً عليها ، وهي قوله: ( ولا يخرجون عن الإسلام بعمل ) وقوله: (مالم يتضمن ترك الإيمان ) وقوله: ( وكذلك يكفر بعدم اعتقاد وجوب الواجبات الظاهرة المتواترة ، وعدم تحريم المحرمات الظاهرة المتواترة ) وقوله:( إذ الأحكام في الدنيا و الآخرة مرتبة على ما كسبه القلب وعقد عليه ).
ثانياً: أنه قال بعد كلام شيخ الإسلام السابق: ( وعلى هذا في مسألتنا أئمة التفسير وعلماؤه على مر العصور ) ثم ساق جملة من أقوالهم فيها التنصيص على الجحود وحصر الكفر فيه في مسألة الحاكمية وقد سود الكلمات التي فيها ذكر الجحود وضخمها.
فاسم الإشارة في قوله ( وعلى هذا ) عائد على كلام شيخ الإسلام فيكون المعنى:
إن كلام أئمة التفسير وعلمائه هو نفسه كلام شيخ الإسلام وحيث إن كلام أئمة التفسير الذي ساقه واضح في حصر الكفر في الجحود في مسألة الحاكمية فإن كلام شيخ الإسلام أيضاً كذلك فيه حصر الكفر في الجحود كما يزعم الحلبي بغض النظر عن المسألة التي يتكلم فيها أئمة التفسير ، وهذا واضح لمن تأمله.
ب - إن كلام شيخ الإسلام إنما هو في الذنوب دون الشرك والكفر وهذا واضح جداً لمن تأمله ، حيث قال رحمه الله: ( ولا يخرجون من الإسلام بعمل ) ثُم مثّل بالزنا والسرقة وشرب الخمر ، فهذا الذي يقول عنه أهل السنة لا نكفِّر أحداً بذنب مالم يستحله كذلك لا نخرج من الإسلام أحداً بعمل يعمله دون الكفر أو الشرك ، كالزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها ، مالم يستحل ذلك العمل المحرم .
وقد قال - رحمه الله - : ( ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لايكفر بالذنب فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب )(1).(1/30)
ج - ثم إن القارئ ليس بهذه السذاجة التي يتصورها الحلبي لأن ظاهر الكلام في قوله: ( فالأمر كله - في دائرة الكفر- مبني على نقض الإيمان وعدم الاعتقاد ، إذ الأحكام في الدنيا والآخرة مرتبة على ما كسبه القلب وعقد عليه ).
يشعر بالحصر وإلا فما معنى جمع الأمر كله في دائرة ثم بنائه على شيء - بغض النظر عن هذا الشيء المبني عليه - خاصة أن في آخر الكلام ما يشعر بهذا من قوله: ( إذ الأحكام في الدنيا والآخرة مرتبة على ما كسبه القلب وعقد عليه ).
قال الحلبي في ص17 من أجوبته: ( ثم ذكروا - بين قوسين - كلاماً منسوباً إليَّ نصه: ( أن جنكز خان ادّعى في "الياسق" أنه من عند الله ، وأن هذا هو سبب كفرهم ) ثم قالوا: ( وعند الرجوع إلى الموضع المذكور لم يوجد فيه ما نسبه إلى ابن كثير ) فأقول ( القائل الحلبي ) أصل نص كلامي "في التحذير" ص15 فيما يتعلق بالنقل عن ابن كثير - هو قولي - شارحاً أصل مسألة ( التبديل ):
( وللإمام ابن العربي المالكي كلام آخر فيه بيان جيد لمعنى ( التبديل )، قال في أحكام القرآن (2 /624): ( إن حكم بما عنده على أنه من عند الله. هو تبديل له يوجب الكفر ، وإن حكم به هوى ومعصية: فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين ).
أقول ( القائل الحلبي ): وهذا - تماماً - هو مذهب السلف ، ولقد ضمن القرطبي في الجامع (6 / 191) كلامه - حرفياً - ونقله عن القرطبي - بنصه - العلامة الشنقيطي ( السلفي ) في "أضواء البيان" (2/103) - مقراً له ومؤيداً إياه - .
أقول: وهذا ( التبديل ) هو - ذاته - الذي قام به جنكز خان في "الياسق" إدعاءً كما بيّن ابن كثير في "البداية والنهاية" (13/118) من حاله في ذلك ...(1/31)
فأين العزو ( بالنص ) -حتى ينفى - ! ؟ إنما هو قول ( مجمل ) - ليس فيه أي نص !! بل فيه - فقط - مجرد الإشارة إلى بيان ابن كثير لـ ( حاله ( أي جنكز خان ) في ذلك ) دون أي نقل لأي نص !!! انتهى كلام الحلبي بطوله - حرفياً - من رده على اللجنة .
قال مقيده عفا الله عنه: هذا الكلام الذي نقله من التحذير إنما هو في طبعته الثانية لا الأولى وسوف أنقل لك - أيها القارئ الكريم - كلامه في كتاب "التحذير" ص15 الحاشية من الطبعة الأولى حتى ترى الفرق ويتبين لك حال الحلبي في الافتراء والتدليس وأنه لما انكشف أمره غيّر وبدّل.
قال في كتاب " التحذير" ص15 الحاشية الطبعة الأولى بعد ما ساق.. كلام ابن العربي له ( أقول: وهذا ( التبديل ) - هو ذاته - الذي قام به جنكز خان في "الياسق" كما قال الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" (13/128) فقد كفرهم ( لأنهم جحدوا حكم الله قصداً منهم وعناداً وعمداً ) كما قال هو نفسه في تفسيره (2/61) ا هـ .
فانظر - رعاك الله - إلى الفرق الكبير والبون الشاسع بين ما في الطبعة الأولى والطبعة الثانية.
أولاً: زاد في الطبعة الثانية كلمة ( ادعاءً ) وهي ليست موجودة في الطبعة الأولى وظن أنها تخدمه .
ثانياً: ذكر في الطبعة الثانية قوله: ( كما بيّن الإمام ابن كثير )أما في الطبعة الأولى فقال: ( كما قال الإمام ابن كثير ) والفرق بين العبارتين كبير: فقوله ( كما قال ابن كثير ) تعني النص أما قوله: ( كما بين ابن كثير ) فإنه تعني المعنى ؛ لذلك جزم الحلبي في الطبعة الأولى بأن ابن كثير قد كفرهم ( لأنهم جحدوا حكم الله قصداً منهم وعناداً وعمداً ) بينما لم يجزم بذلك في الطبعة الثانية حيث قال وهذا دليل على أنه رحمه الله إنما كفرهم ( لأنهم جحدوا حكم الله ...) .(1/32)
ثالثا: في الطبعة الأولى عزا إلى ص128 من "البداية والنهاية" وفي الطبعة الثانية عزا إلى ص118 منه. وهذا ليس خطأً مطبعيّاً ، لأن من عرف مافي الصفحتين تبين له أن الأمرمقصود.
ثم إنه في رده هذا لم يشر إلى هذا التغيير والتباين الكبير بين الطبعتين فعلى أي شيء يدل هذا ؟
وكلام الحلبي في الطبعة الأولى واضح جداً في افترائه وتدليسه على ابن كثير ، يوضح ذلك ما يلي:
أنه قال - أي الحلبي - بعد ما ذكر كلام ابن العربي الذي نصه: ( إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر ... ).
قال- أي الحلبي - : ( وهذا التبديل هو ذاته الذي قام به جنكز خان في "الياسق" ).
ثم قال - أي الحلبي -: ( كما قال ابن كثير في "البداية والنهاية" ) والكاف هنا للتشبيه فشبه الحلبي مقولته بمقولة ابن كثير ، فيكون المعنى الذي لا معنى غيره أن ابن كثير - رحمه الله - قال- كما قال الحلبي - ( وهذا التبديل ( أي الذي ذكره عن ابن العربي ) هو ذاته الذي قام به جنكز خان في "الياسق" ) وإلا فقل لي ماذا يعني الحلبي بقوله: كما قال ابن كثير ؟ وما هذا الذي قاله ؟
هذا هو افتراء الحلبي وتقوله على ابن كثير .
أما تدليسه ففي قوله: فقد كفرهم ( لأنهم جحدوا حكم الله قصداً منهم وعناداً وعمداً ) كما قال هو نفسه في تفسيره (2/61) .
فهذا الكلام ساقه الحلبي وهو يتكلم عن "الياسق" ثم لفق هذه المقولة في آخره موهماً أن الحديث لا يزال متصلاً لابن كثير عن جنكز خان و"الياسق" فتعال وانظر إلى تدليس الحلبي وتلفيقه.
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى:? ????????????? ?????????? ???????? ?????? ??????????? ?????????????? . . .? (1)(1/33)
( وهذا أيضاً مما وبخت به اليهود وقرعوا عليه فإن عندهم في نص التوراة أن النفس بالنفس وهم يخالفون حكم الله عمداً وعناداً ويقيدون النضري بالقرظي ولا يقيدون القرظي بالنضري ؛ بل يعدلون إلى الدية كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار ولهذا قال هناك: ? ????? ????? ????????? ??????? ???????? ?????? ????????????????????? ???? ???????????????? ???? ? (1) لأنهم جحدوا حكم الله قصداً منهم وعناداً وعمداً ) انتهى كلام ابن كثير.
فتأمل - حماك الله - هل في هذا النص من قريب أو بعيد ما يشير إلى جنكز خان أو ياسقه ؟ فماذا يقال عمن لفق أقوال العلماء وقولهم مالم يقولوه ؟
وكونه يغير ويبدل في الطبعة الثانية غير ما هو موجود في الطبعة الأولى لا يغني عنه شيئاً .
فقوله: كما بينَّ الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" غير صحيح .
فإن ابن كثير رحمه الله لم يقل ولم يبين أن جنكز خان قد ادّعى أن "الياسق" من عند الله ، هذا محض افتراء لا في ص118 ولا في ص128 ولا في غيرهما بل قد قال - رحمه الله - : ( 13/ 138 ) إن جنكز خان ( اقترحه من عند نفسه ) ولم يقل من عند الله والحلبي نقل عن ابن كثير قوله (وقد ذكر بعضهم أنه كان يصعد جبلاً ثم ينزل ثم يصعد ثم ينزل مراراً حتى يعي ويقع مغشياً عليه ، ويأمر من عنده أن يكتب مما يلقى على لسانه حينئذ ) .
ويرى الحلبي أن هذا قول ابن كثير بادعاء جنكز خان بأن "الياسق" من عند الله وليس له في ذلك حجة لما يلي:
أولاً: أن هذا ليس فيه من قريب أو بعيد إشارة إلى ادعاء جنكز خان بأن "الياسق" من عند الله لأن ابن كثير - رحمه الله - قال بعدها - وهذا قد حذفه الحلبي - ( فإن كان هذا هكذا فالظاهر أن الشيطان كان ينطق على لسانه ) فأين شرط الادعاء ؟ وهل قوله رحمه الله ( ذكر بعضهم ) دليل يعتد به لإثبات شرط الادعاء ؟(1/34)
ثانياً: أن ابن كثير رحمه الله يقول في "البداية والنهاية" ص139: ( فكيف بمن تحاكم إلى "الياسق" وقدمها عليه من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ) وهذا تكفير من - ابن كثير - لمن تحاكم إلى "الياسق" بعد جنكز خان ممن ادعى الإسلام ولم يثبت عن أحد منهم أنه قال: نحكم "بالياسق" لأنه من عند الله (1).
ثالثا:ً أن جنكز خان ليس بمسلم أصلاً ولم يدّع الإسلام ؛ بل كان وثنياً ، كما ذكر ذلك ابن كثير - رحمه الله - في "البداية والنهاية" ( 13/139 ) حيث قال عنه: ( وإن كان مشركاً بالله يعبد معه غيره ) وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى ( 28 / 521 ) ( . . . ملك كافر مشرك من أعظم المشركين كفراً وفساداً وعدواناً من جنس بختنصر وأمثاله ) ا هـ. وقال أيضا ( 28/ ص522/523 ) ( . . . ذلك الكافر المشرك المشابه لفرعون أو النمرود ونحوهما ؛ بل هو أعظم فساداً في الأرض منهما . . . إلى أن قال: وهذا الكافر علا في الأرض يستضعف أهل الملل كلهم من المسلمين واليهود والنصارى ومن خالفه من المشركين . . .) فهل يتصور من هذا الكافر المشرك أن يقول لقومه المشركين هذا الذي أحكم به فيكم إنما هو شرع الله أو إنما هذا "الياسق" هو وحي من الله إليّ . . . ؟ ولكن لما اختلط على الحلبي حال هذا الرجل ( جنكز خان ) مع قومه الذين دخلوا في الإسلام فيما بعد ظنه مثلهم - أي دخل في الإسلام - وأن ابن كثير إنما كفَّره لأنه ادّعى أن "الياسق" من عند الله ( فجحد حكم الله قصداً وعناداً وعمداً . . . !!! ) والصحيح الذي تقدم إثباته أنه لم يدخل في الإسلام ولم يدّع أنه مسلم وإنما الذي دخل في الإسلام هم قومه الذين أتوا من بعده .
فعلى هذا لا يكون للحلبي حجة فيما ذكر . والله اعلم
قال الحلبي في ص18 من أجوبته: ( وليس زعمه هذا - أنه ( يلقى ) عليه إلا إدعاء النبوة ، وافتراء أنه وحي من عند الله )(1/35)
قال مقيده عفا الله عنه: هذا فهمك وكل يفهم بحسب عقله وعلمه أما أن هذا هو فهم ابن كثير فلا. وليس عيباً أن يفهم الإنسان شيئاً ما ثم يقول هذا فهمي ولكن العيب كل العيب - فضلاً عن الحرمة - أن يفتري على غيره ويقوّله مالم يقل .
قال الحلبي في ص18-19 من أجوبته: ( ما ذكرته اللجنة من أن الحكم المبدّل لا يكون كفراً عند شيخ الإسلام إلا إذا كان عن معرفة واعتقاد واستحلال ناسبينه إلى "التحذير" ص17-18 وبالتالي فهو - على هذا - كما ذكروا:( مذهب المرجئة ) !!
فأقول ( القائل الحلبي ): نص ما نقلته عن شيخ الإسلام ابن تيمية بحروفه كالتالي: ( ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل على رسوله فهو كافر ، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر ... ) ثم قال بعد كلام: ( ... فإن كثيراً من الناس أسلموا ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون ؛ فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك ، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار ، وإلا كانوا جهّالا ً.. ) ثم علقت عليه بقولي: وكلامه - رحمه الله - بين واضح في أنه بنى الحكم على المعرفة والاعتقاد أو المعرفة والاستحلال وأن عدم وجود ذلك بشرطيه لا يلزم منه الكفر ، وإنما يكون فاعله جاهلاً لا كافراً ...
فلما رأى ( البعض ) ذلك كمثل ( المفكر الحركي ) محمد قطب في "واقعنا المعاصر" ص133 وبعض تلاميذه !! حذفوا من النقل ما يبينه ويوضحه !!
وهو قوله - رحمه الله - في آخره ( وإلا كانوا جهّالاً كمن تقدم أمرهم ) فماذا نقول ؟ وانظر للمزيد " صيحة نذير..." (ص95-109) ..
قلت ( القائل الحلبي ): هذا كلامي ، وهذا تعليقي ، فأين التقول ، و التقْويل ؟ بل أين مذهب المرجئة ؟ وأين قولهم ؟ انتهى كلام الحلبي .(1/36)
قال مقيده عفا الله عنه: الذي فهمه الحلبي من كلام شيخ الإسلام - الذي ذكره - فهم خاطئ وتقويل لشيخ الإسلام مالم يقله ولم يرده. وبيان ذلك ما يلي:
أولاً:ليعلم أن شيخ الإسلام - رحمه الله - يطلق الاستحلال ويعني به:
تارة اعتقاد حل المحرم وتارة يعني به عدم التزام التحريم ، وإن كان يعتقد التحريم حيث قال - رحمه الله - في "الصارم المسلول" ص522 ( وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق ، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ، وكذلك لو استحلها من غير فعل ، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها ، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها ، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة ، ويكون جحداً محضاً غير مبني على مقدمة ، وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ، ويعاند المُحَّرِّم ، فهذا أشد كفراً ممن قبله ، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذَّبه. ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته ، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس ، وحقيقته كفر ؛ ... إلى أن قال - رحمه الله - فهذا ( أي الامتناع عن التزام التحريم ) نوع غير النوع الأول ( أي : اعتقاد حل المحرم ) وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع ؛ بل عقوبته أشد ) انتهى كلامه رحمه الله.
فقوله - رحمه الله - ( وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرم الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ، ويعاند المحرم ، فهذا أشد كفراً ممن قبله .. الخ كلامه - رحمه الله - يدل دلالة قاطعة على أن هذا - اعني الامتناع عن التزام التحريم - من معاني الاستحلال عند شيخ الإسلام.(1/37)
فجَعْلُ الاستحلال في كلام شيخ الإسلام منصرفاً بإطلاق إلى اعتقاد حل الحرام تحكم بلا دليل ويعرف مقصود شيخ الإسلام بالاستحلال من سياق الكلام.
فإذا عرفت هذا زال عنك أشكال كبير في فهم كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - في هذا الموضع وفي غيره إن شاء الله.
ثانياً: أن اعتقاد حل المحرم ينافي التصديق الذي هو قول القلب وأما الامتناع عن الالتزام فينافي القبول والانقياد الذي هو عمل القلب.
ثالثاً: أنك إذا نزلت كلام شيخ الإسلام السابق - في معاني الاستحلال - على كلامه الذي ذكره الحلبي تبين لك أنه قد غلط في فهم كلام شيخ الإسلام، ذلك أن كلامه - رحمه الله - ليس عن صورة واحدة من صور الحكم بغير ما أنزل الله وموقف الناس تجاه الحكم بما أنزل الله ، وإليك البيان:
1 - قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: ( من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر ) يفهم من هذا أن من اعتقد أن الحكم بما أنزل الله على رسوله غير واجب فهو كافر وإن لم يحكم بغير ما أنزل الله ؛ بل حتى ولو حكم بما أنزل الله .
ووجه كفره أنه غير مصدق للنصوص الدالة على وجوب الحكم بما أنزل الله وإذا انتفى التصديق انتفى الإيمان.
مثال ذلك: حاكم يحكم بما أنزل الله ولكنه يرى أن الحكم بما أنزل الله غير واجب فهذا كافر بالإجماع فهذه صوره غير الصورة التي بعدها وهي:
2- قوله- رحمه الله - ( فإن كثيراً من الناس أسلموا ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون فهؤلاء إذا عرفوا أنه لايجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك ؛ بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار وإلا كانوا جهّالاً ) ا هـ.
فهؤلاء الذين أسلموا ويحكمون بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون لهم حالان:
الحال الأولى: أن يعرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلا يلتزمون بذلك فهؤلاء كفار وليسوا بجهّال.(1/38)
الثانية: ألاّ يعرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا؛ بل بقوا على الحكم بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون فهؤلاء جهّال ولا يكفرون حتى يعرفوا أنه لايجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله ثم لا يلتزمون هذا هو معنى كلام شيخ الإسلام.
وقوله: ( بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار ).
فالاستحلال هنا معناه: الامتناع عن الالتزام لقوله - رحمه الله - قبلها: ( فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك ( أي امتنعوا عن التزام الحكم بما أنزل الله وبقوا على الحكم بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون ) والامتناع عن الالتزام ينافي عمل القلب الذي هو قبوله وانقياده وهذا وجه كفرهم ، بخلاف الصورة التي قبلها ولكن لما كان الحلبي لا يرى الكفر إلا بالجحود و التكذيب ( لا بزوال عمل القلب ) ظن الباب في الأمرين واحداً فغلط في فهم كلام شيخ الإسلام. والله أعلم.
قال الحلبي في ص21: ( وقد نقلت في التحذير ( ص11-12) - نفسه - عن الإمام ابن القيم وصفه مسألة الحكم بغير ما أنزل الله: أنها (من الكفر العملي قطعاً) فكيف يكون كفر المتلبس بها حقيقة ؟ ) ا هـ .
قال مقيده عفا الله عنه:
أولاً: إن الحلبي لا يرى الكفر العملي إلا كفراً أصغر ولا يكون كفراً أكبر وهذا واضح من كلامه ، لأن ابن القيم حينما جعل الحكم بغير ما أنزل الله كفراً عملياً - والكفر العملي عند الحلبي لا يخرج من الملة - جعله ذلك يستفهم كيف يكون كفر المتلبس بها حقيقة ؟
وفي هذا دليل واضح على أن الحلبي لا يرى شيئاً من الأعمال يكون به المرء كافراً إلا ما كان مستلزماً للتكذيب والجحود.
ثانياً: إن الحلبي قد غلط في فهم كلام ابن القيم رحمه الله ؛ بل بتره فأخذ منه ما يوافق هواه ومذهبه وترك ما يخالفه.
و أسوق لك كلام ابن القيم - رحمه الله - كاملاً غير مبتور :(1/39)
قال رحمه الله: ( وهاهنا أصل آخر ، هو أن الكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود وعناد.
فكفر الجحود: أن يكفر بما علم أن الرسول ( جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحكامه. وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه.
وأما كفر العمل: فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى مالا يضاده.. فالسجود للصنم ، والاستهانة بالمصحف ، وقتل النبي ، وسبه ، يضاد الإيمان وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة، فهو من الكفر العملي قطعاً ، ولا يمكن أن يُنفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه ، فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله ( ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه وتعالى الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ويسمي رسول الله ( تارك الصلاة كافراً ولا يطلق عليهما اسم الكفر... الخ ) كتاب الصلاة ص51 -52 فانظر - رعاك الله - كيف يجعل ابن القيم كفر العمل ينقسم إلى قسمين إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاد الإيمان ( وهذا قد حذفه الحلبي ) فمن أين للحلبي أن ابن القيم يريد بكلامه السابق أن الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة من الكفر العملي الذي لا يُضاد الإيمان ؟ خاصة إذا علمت أن ابن القيم - رحمه الله - في كتابه هذا "الصلاة وحكم تاركها" يرجح أن تارك الصلاة يكفر كفراً أكبر يخرج من الملة ولكن كما ذكرت لك سابقاً أن الحلبي لايرى الكفر العملي إلا كفراً أصغر ولا يرى الكفر الأكبر إلا بالجحود والتكذيب ، ويريد أن يحمل كلام العلماء على ما يجاري مذهبه .
ثم نقل الحلبي عن ابن القيم قوله: ( وهذا التفصيل من قول الصحابة الذين هم أعلم الأمه بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما فلا تتلقى المسائل إلا عنهم ، فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم...) "التحذير"ص12.
قال مقيده عفا الله عنه: فمن الذي لم يفهم مرادهم ؟(1/40)
قال الحلبي ص25 من أجوبته: ( سادساً: دعوى اللجنة الموقرة أني حرفت مراد سماحة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - في رسالته "تحكيم القوانين" مشيرين - سددهم الله - إلى أنى زعمت أن الشيخ يشترط الاستحلال القلبي )!!
فأقول ( القائل الحلبي ): لقد تكلمت في "التحذير" (ص25-28)
على رسالة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - ونقلت عنه - منها - عدة نقول ، وعلقت عليها عدة تعليقات ، وليس في أي منها - مطلقاً كلمة ( الاستحلال القلبي )!!
قال مقيده عفا الله عنه:
الدليل على صحة ما ذكرته اللجنة ما يلي:
1 - أن الحلبي - هداه الله - ذكر طرفاً من رسالة الشيخ محمد بن إبراهيم "تحكيم القوانين" وهو قوله - رحمه الله - وما جاء عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: ? ????? ????? ????????? ??????? ???????? ?????? ????????????????????? ???? ???????????????? ???? ? (1) من رواية طاووس وغيره يدل على أن الحاكم بغير ما أنزل الله
كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة ، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة ).
ثم أخذ يدلل بما نقله عن الشيخ محمد بن إبراهيم في مواضع متفرقة أنه - رحمه الله - يشترط الاعتقاد لكفر الحاكم بغير ما أنزل الله ( أي أن الحاكم لا يكفر حتى يعتقد حلها وجواز الحكم بها )(2)
فالذي يقرأ كلام الحلبي يظن أن الشيخ ابن إبراهيم في رسالته "تحكيم القوانين" يشترط لكفر الحاكم بالقوانين أن يعتقد صحة تلك القوانين وجواز الحكم بها. أما إن حكم بها دون اعتقاد ذلك فإنه لا يكفر.
والحلبي - هداه الله - قد بتر الكلام ولم يكمل النقل - لأن فيه التفصيل الذي سيأتي بيانه - موهماً بأن هذا هو مراد الشيخ من قوله في رسالته "تحكيم القوانين" ( إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة ).
وإليك كلام الشيخ محمد بن إبراهيم كاملاً غير مبتور:(1/41)
قال الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- :( ...وما جاء عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسيره هذه الآية من رواية طاووس وغيره يدل على أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة ، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملّة :-
أما الأول وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع :
أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله...إلخ.
الثاني: أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقاً ، لكن اعتقد أن حكم غير الرسول ( أحسن وأتم وأشمل...إلخ .
الثالث : أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله لكن اعتقد أنه مثله.. الخ .
الرابع: أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله فضلاً عن أن يعتقد كونه أحسن منه لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله ... الخ .
الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ورسوله ومضاهاة للمحاكم الشرعية ، إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ، ومراجع ومستندات ، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات ( مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله ( ) فلهذه المحاكم مراجع "القانون الملفق من شرائع شتى ، وقوانين كثيرة ، كالقانون الفرنسي ، والقانون الأمريكي ، والقانون البريطاني ، وغيرها من القوانين ، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك" .
فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة ، مفتوحة الأبواب ، والناس إليها أسراب إثر أسراب ، يحكم حكامها بينهم بما يخالف السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون ، وتلزمهم به ، وتقرهم عليه ، وتحتمه عليهم. فأيّ كفر فوق هذا الكفر ، وأيّ مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة ...(1/42)
إلى أن قال _ رحمه الله _: ( وخضوع الناس ورضوخهم لحكم ربهم خضوع لحكم من خلقهم تعالى ليعبدوه ، فكما لا يسجد الخلق إلا لله ، ولا يعبدون إلا إياه ولا يعبدون المخلوق ، فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم الحميد ، الرءوف الرحيم ، دون حكم المخلوق الظلوم الجهول ، الذي أهلكته الشكوك والشهوات والشبهات ، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات.
فيجب على العقلاء أن يربئوا بأنفسهم عنه ، لما فيه من الاستعباد لهم ، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض ، والأغلاط والأخطاء ، فضلاً عن كونه كفراً بنص قوله سبحانه وتعالى : ? ????? ????? ????????? ??????? ???????? ?????? ????????????????????? ???? ???????????????? ???? ? (1) .
السادس: ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها ( سلومهم ) يتوارثون ذلك منهم ، ويحكمون به ويحضون على التحاكم إليه عند النزاع بقاء على أحكام الجاهلية ، وإعراضاً ورغبة عن حكم الله ورسوله فلا حول ولا قوة إلا بالله .
وأما القسم الثاني:
من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله ، وهو الذي لا يخرج عن الملة:
فقد تقدم تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما _ لقول الله عز وجل:
? ????? ????? ????????? ??????? ???????? ?????? ????????????????????? ???? ???????????????? ???? ? (1) قد شمل ذلك القسم وذلك في قوله ( في الآية: ( كفر دون كفر ) وقوله أيضاً: (ليس بالكفر الذي تذهبون إليه ) ا هـ .(1/43)
وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية ، بغير ما أنزل الله ، مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق ، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى. وهذا إن لم يخرجه كفره عن الملة فإن معصيته عظمى أكبر من الكبائر ، كالزنا ، وشرب الخمر ، والسرقة ، واليمين الغموس ، وغيرها فإن معصية سماها الله في كتابه كفراً ، أعظم من معصية لم يسمها كفراً ) ا هـ .
فالشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - مما سبق نقله يجعل الحكم بالقوانين ( الفرنسي ، الأمريكي ، البريطاني ، وغيرها ) من أعظم أنواع الكفر الاعتقادي(1) الناقل عن الملة وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ورسوله ...
ويجعل الكفر العملي الذي لا يخرج من الملة هو ما كان حكماً في
قضية معينة- دون تقنين(2) - مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى.
فأين هذا مما ذهب إليه الحلبي ؟ وهل هذا إلا تحريف لمراد الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله رحمة واسعة - ؟(1/44)
وإن مما ينبغي التنبيه إليه أن الحلبي - هداه الله - أعرض عن الكلام المحكم الواضح من كلام الشيخ محمد بن إبراهيم وذهب إلى كلمة من هنا وهناك وهذا من أعجب الأمور ، إذ كيف يترك رسالة ألفت في هذا الموضوع جاء فيها التأصيل والتقعيد والتفصيل ثم يذهب إلى عبارة هنا وهناك جاءت ضمناً في رسالة أو رد له ظروفه وملابساته ؛ بل يجعلها ناسخة للحكم الواضح الجلي ؟ !!! ومالنا نذهب بعيداً وهؤلاء تلاميذ الشيخ محمد بن إبراهيم متوافرون بيننا اليوم يحملون عنه هذا الذي قررتُ لك من مذهب الشيخ في هذا المسألة. ( ومن هؤلاء صدر تلاميذه سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - الذي قال في فتوى خطية راداً بها على أحد أصحاب الحلبي وكان قد قوَّل الشيخ مالم يقل وإليك السؤال وجواب الشيخ - حفظه الله - ( يا فضيلة الشيخ أليس كلام الشيخ العلامة / محمد بن إبراهيم صحيحاًً متسقاً ومنضبطاً مع قواعد أهل السنة ؟ وهل للشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله تعالى - كلام آخر يخالف ما سبق إيراده فقد ذكر أحد إخواننا المصريين - وهو خالد العنبري في كتابه "الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير" أن للشيخ محمد بن إبراهيم كلاماً آخر ونَسب ذلك إليكم فقال في كتابه سالف الذكر ما نصه: ( وقد حدثني الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن آل جبرين حفظه الله أن له - أي الشيخ محمد بن إبراهيم - كلاماً أخر...) ص131 فنأمل بسط الجواب في هذا المسائل وجزاكم الله خيراً.(1/45)
قال: ( الحمد لله وحده .. وبعد: فإن شيخنا ووالدنا سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كان شديداً قوياً في إنكار المحدثات والبدع .. وكلامه المذكور من أسهل ما كان يقول في القوانين الوضعية .. وقد سمعناه في التقرير يشنع ويشدد على أهل البدع وما يتبعون فيه من مخالفة للشرع ومن وضعهم أحكاماً وسنناً يضاهؤن بها حكم الله تعالى .. ويبرأ من أفعالهم ويحكم بردتهم وخروجهم من الإسلام .. حيث طعنواً في الشرع وعطلوا حدوده واعتقدوها وحشية كالقصاص في القتلى والقطع في السرقة ورجم الزاني وفي إباحتهم للزنا إذا كان برضى الطرفين ونحو ذلك .. وكثيراً ما يتعرض لذلك في دروس الفقه والعقيدة والتوحيد .. ولا اذكر أنه تراجع عن ذلك ولا أن له كلاماً يبرر فيه الحكم بغير ما أنزل الله تعالى أو يسهل فيه التحاكم إلى الطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل الله .. وقد عدهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله من رؤوس الطواغيت .. فمن نقل عني أنه رجع رحمه الله عن كلامه المذكور فقد أخطأ في النقل .. والمرجع في مثل هذا إلى النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وكلام أجلة العلماء عليها .. كما في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: ? ??????? ????? ?????? ?????????? ??????????? ??????????? ?????????? ?????? ???????? ????????? ? الآية(1): وشروحه لأئمة الدعوة رحمهم الله تعالى .. وغيره من المؤلفات الصريحة .. والله أعلم .. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .. ) في 14/5/1417هـ.
قال الحلبي في ص23 من أجوبته: ( وهاهنا - أخيراً تنبيه مهم جداً - وهو أن بعض هؤلاء المخالفين من المكفرين يتكئون على أمثال ( تلك ) الفتاوى (!) ليصدروا من خلالها أحكاماً عاطفية ( شبابية ) جزافية (!) على بعض الدول الإسلامية ) ...(1/46)
قال مقيده: أولاً: إن هذا من التهويش والتهويل والاستعداء الظالم الذي هو على حساب التوحيد والحلبي يستخدمه مع مخالفيه ليلزمهم ما ليس بلازم لهم وهي شنشنة نعرفها من أخزم ، والله الموعد وهو الحسيب سبحانه.
ثانياً: ليس هناك تلازم بين كفر الحاكم بغير ما أنزل الله وبين الخروج عليه فليس كل حاكم كفر جاز الخروج عليه فهناك شروط لابد من توافرها كالقدرة والاستطاعة على الخروج عليه وكذلك عدم ترتب مفسدة أعظم من المفسدة الحاصلة الآن.
ثالثاً: أن أخطاء بعض الشباب في تصرفاتهم - إن وجدت - ليست مانعاً من بيان حكم الله في المسألة ، فهذا لا يقوله من شم رائحة العلم.
رابعاً: أن القوم لا يرون مسألة تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله إلا مجرد
الدماء والأشلاء والتفجيرات والفتن ومشابهة الخوارج ونسوا أو تناسوا أن القضية متعلقة بإفراد الله عز وجل بالحكم وما هو موقفهم تجاهه ، وما مدى إيمانهم به ؟ وما حكم من نازع الله عز وجل فيه ؟ وهل يجوز أو يسوغ أن يشارك الله في حكمه أحد من خلقه ؟ فإن قالوا نعم فقد خلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم.
وإن قالوا لا ، قلنا لهم: فما هذا الذي يحصل من بعض حكام زماننا؟ وأي شيء يسمى؟ ( إذا كان الله عز وجل يحكم بأن الزنا حرام وهم - أي أولئك الحكام - يسنون ويقننون قانوناً يخالف بل يعارض هذا الحكم وهو أن الزنا إذا كان برضا الطرفين ممن بلغوا سن الرشد القانوني فلا شيء فيه ولا على فاعليه ؛ بل إنه لا يُعد الوطء المحرم ابتداء من قبيل الزنا إلا إذا صدر من محصن وعلى فراش الزوجية ، ويرى أن تحريك الدعوى في هذه الحالة حق للزوج وحده ويجيز أن يتدخل لإيقاف(1) الدعوى في أية مرحلة من مراحل التقاضي كانت ؛ بل له أن يتدخل لإيقاف العقوبة حتى بعد صدور الحكم النهائي )(2)
فالحكم هنا لمن ... لله أم لهؤلاء الحكام ؟ فأي منازعة أعظم من هذه؟(1/47)
وأي فرق بين فعلهم وفعل اليهود الذين أنزل الله فيهم: ? ????? ????? ????????? ??????? ???????? ?????? ????????????????????? ???? ???????????????? ???? ? (3) فقد روى الإمام مسلم في صحيحه ، كتاب الحدود ، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى رقم (1700) عن البراء بن عازب ( قال: ( مُرَّ على النبي ( بيهودي محمماً مجلوداً ، فدعاهم ( فقال: ( هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ) قالوا: نعم ، فدعا رجلاً من علمائهم فقال: ( أنشدك بالله بالذي أنزل التوراة على موسى ، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ ) قال: لا ، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ، نجده الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع ، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم ، فقال رسول الله ( : ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه ).فأمر به فرجم فأنزل الله عز وجل: ? ????????????????? ??????????? ??? ??????????? ??????????? ?????????????? ? ??????????? ?(1) إلى قوله عز وجل : ? ? ????? ??????????? ??????? ?(2) يقول: ائتوا محمداً ( فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا ، فأنزل الله تعالى: ? ????? ????? ????????? ??????? ???????? ?????? ????????????????????? ???? ???????????????? ???? ???(3)، وقوله: ? ????? ????? ???????? ??????? ???????? ?????? ????????????????????? ???? ???????????????? ???? ?(1)،? ????? ????? ???????? ??????? ???????? ?????? ????????????????????? ???? ????????????????? ???? ??(2) في الكفار كلها ).(1/48)
فهؤلاء اليهود لما اصطلحوا على عقوبة معينة في حد الزاني غير ما شرعه الله عز وجل وجعلوا تلك العقوبة قانوناً يتحاكم إليه الجميع (الشريف والوضيع ) بدلاً عن حُكْمِ الله حَكَمَ الله عليهم بالكفر وجعل فعلهم هذا حكماً بغير ما أنزل الله.
مع ملاحظة أن اليهود يعدونه زنىً وأمراً محرماً يعاقب عليه الشريف والوضيع أما في قوانين هذا الزمان فلا يكون زنىً إلا بالشروط والقيود التي ذكرت أنفاً.
أما قول البراء ( ( في الكفار كلها ) فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فسبب النزول في الكفار والمراد بها جميع الناس مسلمهم وكافرهم .
مع أنه قد خالفه غيره من الصحابة حيث قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما في قوله سبحانه وتعالى: ? ????? ????? ????????? ??????? ???????? ?????? ????????????????????? ???? ???????????????? ???? ?(3) قال: (نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كانت لكم كل حلوة ولهم كل مرة ولتسلكنّ طريقهم قدى الشراك ) ا هـ.تفسير الطبري (12033).
وعلى هذا فقس في بقية الأحكام التي بُدِّلت وحُرِّفت مع ملاحظة أن ما يطبق في تلك البلدان - التي تحكم بالقوانين الوضعية - من أحكام الشريعة الإسلامية لا يكون له قوة الإلزام حتى يعرض على مجلس الشعب أو مجلس الأمة أو البرلمان فيوافق عليه ، فقل لي بربك الحكم هنا لمن ؟ ألله أم لهؤلاء؟
هذا ، وإن من أسس الدستور أن السلطة التشريعية من حق الحاكم أو الرئيس ، وليست من حق الله ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا.
قال الحلبي: في ص27 من أجوبته :( سابعاً: دعوى اللجنة المبجلة أني علقت ( على كلام من ذكر من أهل العلم بتحميل كلامهم مالا يحتمله )!
فأقول: أما الموضع الأول ص (108) فليس فيه في - المتن - إلا كلام فضيلة أستاذنا الشيخ ابن عثيمين - عافاه الله - بنصه في أحوال الحاكم بغير ما أنزل الله وليس لي فيه أي لفظة !!!(1/49)
وأما الحاشية فهي نقل عنه - أيضا - بالنص من ( فتاويه ) في المسألة نفسها - وليس في هذا الموضوع أي كلمة من إنشائي - مطلقاً !!! فما العمل وما المصير ؟ ا هـ.
قال مقيده:
أولاً: قول الحلبي ( ليس في الحاشية أي كلمة من إنشائي ) غير صحيح، فقد قال - منشئاً - ( وقال فضيلته - حفظه الله - في "مجموع الفتاوى" (2/145) ، مبيناً - بكلام علمي عالٍِ - ضوابط تكفير من هذا حاله: ( ... بحيث يكون عالماً بحكم الله ، ولكنه يرى أن الحكم المخالف له أولى ، وأنفع للعباد من حكم الله ، أو أنه مساوٍ لحكم الله ، أو أن العدول عن حكم الله إليه جائز ) فكيف يقول الحلبي ليس فيه أي كلمه من إنشائي ؟
ثانياً: لا أدري لماذا يلبس الحلبي على الناس ويكثر من قوله ليس فيه أي كلمه من لفظي أو لفظه من كلامي أو كلمه من إنشائي ؟
فهذا الكلام ( كلام العلماء ) الذي يسوقه تحت عناوين يختارها ويضعها ماذا يعني به ؟ وماذا يريد منه ؟ أليس هو الذي وضعه؟ أليس هو ما يعتقده ويدين الله به ؟
فلماذا يروغ ؟ ولماذا يتهرب ؟ ونقول أيضاً: إذا لم يكن ذلك الكلام من إنشائه ولا من ألفاظه فلماذا يؤلف ؟ ولماذا يكتب ؟!
ثالثاًَ: الدليل على أن الحلبي حمَّل كلام الشيخ - رحمه الله - مالا يحتمل ما يلي:(1/50)
أنه ساق كلام الشيخ - رحمه الله - في الحاشية وهو قوله: ( ... ولكنه يرى - أي الحاكم بغير ما أنزل الله - أن الحكم المخالف له - أي لحكم الله - أولى ، وأنفع للعباد من حكم الله ) ظناً منه أن الشيخ محمد - رحمه الله - يشترط لتكفير الحاكم بغير ما أنزل الله بدلاً عن دين الله أن يخرج - أي الحاكم بغير ما أنزل الله - إلى الناس ويصرح بلسانه أنه يعتقد أن ما يحكم به أولى وأنفع للعباد من حكم الله وهذا غير مراد للشيخ محمد - رحمه الله - لأن الشيخ - رحمه الله - يرى أن مجرد وضع تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه دليل على اعتقادهم الفاسد حيث قال - رحمه الله - في الفتاوى (2/143): ( من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به أو احتقاراً له أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية ... إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية ، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه ) ا هـ.(1/51)
( وقال أي - ابن عثيمين - في تعليقه - رحمه الله - على فتوى الشيخ الألباني - رحمه الله - في كتاب "التحذير" ص79 ط2 ) ( كلام الشيخ الألباني في هذا جيد جداً لكنا قد نخالفه في مسألة أنه لا يحكم بكفرهم إلا إذا اعتقدوا حل ذلك ، هذه المسألة تحتاج إلى نظر ، لأنا نقول: من حكم بحكم الله وهو يعتقد أن حكم غير الله أولى فهو كافر - وإن حكم بحكم الله - وكفره كفر عقيدة لكن كلامنا عن العمل ، وفي ظنّي أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه في عباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من القانون الشرعي ، فهو كافر ) ، وقال - رحمه الله - في شرح " رياض الصالحين ": (3/311-312) ( إن الذي يحكمون القوانين الآن ويتركون ورائهم كتاب الله وسنة رسوله ( ما هم بمؤمنين ... ، وهؤلاء المحكمون للقوانين لا يحكمونها في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة ، لهوى أو لظلم ، ولكنهم استبدلوا الدين بهذه القوانين ، جعلوا هذا القانون يحل محل الشريعة وهذا كفر حتى لو صلوا وصاموا وتصدقوا وحجوا ، هم كفار ما داموا عدلوا عن حكم الله - وهم يعلمون بحكم الله - إلى هذه القوانين المخالفة له:
? ?????? ?????????? ??? ??????????? ??????? ???????????? ?????? ?????????? ???????????? ????? ??? ????????????? ???? ????????????? ??????? ??????? ????????? ?????????????? ???????????? ???? ?(1)فلا تستغرب إذا قلنا: إن من استبدل شريعة الله بغيرها من القوانين فإنه يكفر ولو صام وصلى. ا هـ.
فأين هذا مما قرره الحلبي في كتابه هذا وفي غيره ؟(1/52)
فالشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - يرى أن عملهم بوضع هذه التشريعات ( القوانين ) دليل كافٍِ على اعتقادهم الفاسد بأنها أولى وأنفع للخلق من حكم الله ، حتى ولو لم يصرحوا بذلك ، وأن هذا معلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية وأنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه في عباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من القانون الشرعي كما أنه - رحمه الله - يرى أن جعل القانون يحل محل الشريعة يُعَدُّ استبدالاً وهذا مالا يراه الحلبي بل هو مما استمات - في هذا الكتاب وفي غيره - لإبطاله.
أما قوله: فما العمل وما المصير ؟
فأقول له: العمل أن تتوب إلى الله من هذه الطريقة المزرية ، ومن تحريف كلام العلماء عن مواضعه وبتره ليوافق مشربك ، وأما سؤالك عن المصير، فالمصير إلى الله علام الغيوب ? ????????????????? ????? ??????? ????????????? ????? ? (1)
وقال الحلبي أيضاً ص27 من أجوبته: ( ... وأما الموضع الثاني
(ص109) - في المتن - فهو تمام نص فضيلة أستاذنا الشيخ ابن عثيمين - متع الله به - ذاك! - وفيه قوله: ( من حكم بغير ما أنزل الله - بدلاً عن دين الله - فهو كفر أكبر مخرج من الملة ، لأنه جعل نفسه مشرعاً مع الله- عز وجل ولأنه كاره لشريعته ).
وقد علقتُ عليه - في الحاشية - بقولي ( القائل الحلبي ): وهذا شرط لا يتحقق إلا بالاعتقاد أو الجحود وما أشبههما ، أو دل عليهما بيقين لا شبهة فيه ، ولا شك يعتريه ).
وأقول - الآن - أين أدنى ( أدنى ) وجه مخالفة في هذا التعليق لكلام الشيخ ابن سعدي والشيخ ابن باز أو غيرهما ؟!
قال مقيده:
حديثنا ليس عن الشيخ ابن سعدي أو الشيخ ابن باز رحمة الله عليهما وإنما هو عن الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - وهو أنك حملت كلامه مالا يحتمل فلماذا الحيدة ؟(1/53)
وإذا أردت الدليل على أنك حملت كلامه مالا يحتمل فهو قولك - عن قوله-رحمه الله -: ( ولأنه كاره لشريعته )( وهذا شرط لا يتحقق إلا بالاعتقاد ، أو الجحود ...) والشيخ لم يشترط ذلك بل بين أن علة كفره شيئان:
أحدهما: كونه جعل نفسه مشرعاً مع الله.
والثاني: كونه كارهاً لشريعته.
وفرق كبير بين العلة والشرط - أيها الأثري - كما يعرف ذلك صغار طلبة العلم !!
وتراجع الحلبي في كتابه "صيحة نذير" عن كون الكره شرطاً في التبديل والتكفير بقوله (ص63): ( وهذه علة من علل التكفير ووصف لا شرط له أو قيد ) يدل دلالة واضحة على أنه ليس من أهل التحقيق والتدقيق في هذه المسائل وإنما يخبط خبط عشواء فمرة يثبت وأخرى ينفي وهو بزعمه يسير على منهج السلف فهل هذا هو حال السلف كل يوم لهم مؤلف فيه اعتقاد جديد ؟ أم يسيرون على قواعد ثابتة وأسس راسخة رسوخ الجبال ؟
أما قوله في ص29 من أجوبته: ( مع التنبيه - والتنبه إلى قولي - في التعليق - بعد ذكر الاعتقاد والجحود )( وما أشبههما ، أو دل عليهما ).
قلت: الحلبي يضع هذه الكلمات ليجعلها خط الرجعة كما يقال.
وإلا فقوله: ( وما أشبههما ) ماذا يعني به ؟ فان أشبه شيء بالجحود التكذيبُ والاستحلالُ.
وقوله: ( أو دل عليهما ) أي دل على الاعتقاد و الجحود.
قلت : ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن الجهمية أنهم يجعلون الأعمال الكفرية دليلاً على الكفر وليست هي كفراً في ذاتها حيث قال رحمه الله في الفتاوى (7/557): (فهؤلاء القائلون بقول جهم والصالحي قد صرحوا بأن سب الله ورسوله ؛ والتكلم بالتثليث وكل كلمه من كلام الكفر ليس هو كفراً في الباطن ولكنه دليل في الظاهر على الكفر ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشاتم في الباطن عارفاً بالله وموحداً له مؤمناً به فإذا أقيمت عليه حجة بنص أو إجماع أن هذا كافر باطناً وظاهراً قالوا: هذا يقتضي أن ذلك مستلزم للتكذيب الباطن وأن الإيمان يستلزم عدم ذلك ... ) ا هـ.(1/54)
قال الحلبي في ص28 من أجوبته: ( وهل الخلل - إن وجد ! - خلل اعتقاد ومنهج ، أم مجرد ملحظ عبارة ولفظ ).
قلت: لا والله ؛ بل خلل اعتقاد ومنهج لا ملحظ عبارة ولفظ.
ولو كان الخلل هذا الأخير لما احتجنا أن نسوّد الصفحات وننفق الأوقات في الرد على مثل هذه الترهات. والله المستعان.(1)
قال الحلبي في ص28 - 29 من أجوبته المتلائمة ( ثامناً: دعوى اللجنة الموقرة - سددها الله - أن في الكتاب أي - "التحذير" - التهوين من الحكم بغير ما أنزل الله - وبخاصة (ص5/حاشية1) بدعوى أن العناية بتحقيق التوحيد في هذه المسألة فيه مشابهة للشيعة الرافضة وهذا غلط شنيع ).
فأقول ( القائل الحلبي ): نعم - والله - هو غلط شنيع ، وباطل فظيع ،فظيع ... ولكن لو كان على مثل ما ذكروا - أيدهم الله بنصره - !!!
ولكن الواقع غير ذلك ، بل عكسه. وبيانه من وجوه ...
إلى أن قال: ( وفرق جداً (جداً ) بين الحاكمية - مصطلحاً وواقعاً: وبين تحقيق ( التوحيد ) في مسألة ( الحكم بما أنزل الله ) حكماً وشرعاً.
قال مقيده عفا الله عنه: لقد قال الحلبي في كتاب "التحذير"ص5/6 حاشية1: والبعض يطلق عليها اسم ( الحاكمية ) - وهو مصطلح حادث فيه بحث ونظر: ثم يجعل ذلك أهم أصول الدين وأعظم أبواب الملة - بحيث إذا ذكرت العقيدة ( عنده ) فإنه يحملها على ( الحاكمية ) وإذا ذكر ( هو) العقيدة فإنما هي عنده قولاً واحداً الحاكمية !!!!
وهذا عند عدد من أهل العلم - مشابهة لعقائد الشيعة الشنيعة الذين جعلوا ( الإمامة ) أعظم أصول الدين وهو قول باطل ورأي عاطل ، ورده عليهم بقوة شيخ الإسلام - رحمه الله - الإمام ابن تيمية في منهاج السنة (1/20-29).(1/55)
قال مقيده: معلوم أن مذهب أهل السنة في الألفاظ المجملة المتعلقة بالتوحيد إذا كان معناها يدخل فيه حق وباطل أنهم يستفصلون فلا ينفون ولا يثبتون حتى يعرفوا مراد القائل ، فعلى فرض أن مصطلح الحاكمية من الألفاظ المجملة ، فلابد من الاستفصال قبل النفي أو الإثبات فضلاً عن التشنيع والتبديع ورمي الآخرين بمشابهة الزنادقة من الرافضة.
ثم ما رأي الحلبي ، إذا كان الشيخ الألباني - رحمه الله - قد استخدم هذا المصطلح وجعله أصلاً من أصول الدعوة السلفية ؟
حيث قال - أي الألباني رحمه الله - في رده على أحد المنتسبين للدعوة السلفية - في قصة طويلة - : "السلسة الصحيحة" (6/30) (... ولما يئسنا منه قلنا له إن فرضك على غيرك أن يتبنى رأيك وهو غير مقتنع به ينافي أصلاً من أصول الدعوة السلفية وهو أن الحاكمية لله وحده وذكرناه بقوله تعالى في النصارى:
????? ? ?????????????? ?????????????????? ?????????????????? ????????????????? ???? ????? ??????)? (1)
فهل الشيخ الألباني _ رحمه الله _ بهذا فيه مشابهة للشيعة؟ أم ماذا؟(2)
ثم إن إنكار شيخ الإسلام على الشيعة ( الرافضة ) في مسألة الإمامة لأنهم جعلوها أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين وهي ليست كذلك.
أما ما نقله عن اللجنة الدائمة ص31 من أجوبته وهو قولها: ( وجعل الحاكمية نوعاً مستقلاً من أنواع التوحيد عمل محدث ، لم يقل به أحد من الأئمة فيما نعلم ).
ثم قال- أي الحلبي - : ( فهل لقائل - أو متقول - أن يقول: اللجنة ( تهون ) من الحكم بغير ما أنزل الله لكونها نفت أن يكون قسماً من أقسام التوحيد؟!!)اهـ(1/56)
قال مقيده: اللجنة - وفقها الله - نفت التقسيم وجعلته عملاً محدثاً لم يقل به أحد من أهل العلم ، ولم تتعرض لمسألة الحكم أو الحاكمية - كمصطلح أو معنى - حتى يقال أنها تهون من شأن الحكم بغير ما أنزل الله أما الحلبي فقد جعل الاهتمام بمسألة الحكم أو الحاكمية كعقيدة مشابه لعقائد الشيعة في اهتمامهم بالإمامة لأن كلامه في "التحذير" يدل على هذا حيث قال ص5: ( هذه رسالة مختصرة في مسألة الحكم ) ثم قال في الحاشية ص5-6: (والبعض يطلق عليها اسم الحاكمية - وهو مصطلح حادث فيه بحث ونظر! ثم يجعل ذلك أهم أصول الدين! وأعظم أبواب الملة
بحيث إذا ذكرت العقيدة ( عنده ) فإنه يحملها على الحاكمية ! وإذا
ذكر ( هو ) العقيدة فإنما هي عنده قولاً واحداً - الحاكمية!! وهذا _ عند عدد من أهل العلم - مشابهة لعقائد الشيعة الشنيعة ، الذين جعلوا (الإمامة) أعظم أصول الدين !! وهو قول باطل ورأي عاطل ، رده عليهم - بقوة - شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - الإمام ابن تيمية في "منهاج السنة " (1/20-29) فانظره . انتهى كلام الحلبي بحروفه.
فكلام الحلبي إنما هو عن العقيدة لا عن المصطلح والألفاظ . لأنه حينما ذكر الحاكمية مصطلحاً قال: فيه بحث ونظر، ثم ترك ذلك وبدأ حديثه عنها عقيدةً فتنبه.
قال الحلبي في ص34 من أجوبته: ( تاسعاً: قول اللجنة الموقرة - أيدها الله بتوفيقه -: ( وبالاطلاع على الرسالة الثانية "صيحة نذير" وجد أنها كمساند ( 1 ) لما في الكتاب المذكور - وحاله كما ذكر ..).
أقول ( القائل الحلبي ): هذا تعميم وإجمال ، ولا يكتفي بمثله في مواضع النقد والإشكال .. فلا أجد للكلام .. أو ( التعقيب ) والبحث العلمي - هنا ! أدنى مجال !! ا هـ .(1/57)
قال مقيده عفا الله عنه: الحلبي يريد أن يثير الغبار أمام فتوى اللجنة ، ويقول أي شيء ولو كان غير ذي بال ، مادام أنه يقابل به ما صاغه العلماء في كتابيه ، وإلا فهل من اللائق - في معرض الفتوى - أن تقف اللجنة مع كل كلمة قالها الحلبي لتنتقدها ؟ إن اللجنة أحسنت كل الإحسان حيث بينت أن الحلبي في مسألة الإيمان يسير في خطى المرجئة في كتابه الأول "التحذير" وأن القواعد التي سار عليها في التأصيل ليست هي قواعد أهل السنة والجماعة وكذلك بينت افتراءه على العلماء وتقويله إياهم مالم يقولوه كما مر معك واضحاً في هذه الرسالة .
ثم بينت اللجنة أن الكتاب الثاني "صيحة نذير" شبيه بالكتاب الأول ويسير على منواله وهذا واضح ، وليس باللجنة ولا القرّاء حاجة إلى التفصيل أكثر من هذا ، أما الوقوف مع كل كلمة وكل جملة للكتاب الثاني "صيحة نذير" فلا داعي له إذا كانت قد بينت الأغلاط في الكتاب الأول "التحذير" .
وبعد ذلك جاءت بقية الكتاب "الأجوبة المتلائمة"كأوله حيدة عن الحق وبتر للنصوص وتحريف للكلم وتهويل بالكلام وسجع متكلَّف وترادف غث مقيت في الألفاظ والعبارات واستقصاء الرد على جميع ما قال يستلزم وقتاً وجهداً ، واللبيب يدرك ما طوي إذا عرف ما روي وتبين له شيء من حال هذا الرجل وفيما قال العلماء الكرام كفاية ومقنع.
أسأل الله جل في علاه أن يجعل ما كتبته خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع بهذه الرسالة وأن يجعلها ذخراً لي عنده يوم ألقاه كما أسأله تعالى أن يهدي المردود عليه ويشرح صدره للحق إنه سبحانه سميع يجيب الدعاء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * * * *
(1) انظر الجواب الصحيح: لشيخ الإسلام ابن تيميه ( 6/343 ). وقد وردت هذه العبارة أيضاً عن وكيع بن الجراح رحمه الله ؛ كما في "سنن الدار قطني" ( 1/26 رقم 32 ).
(1) مجموع الفتاوى (7/394-395 ) .(1/58)
(1) فَجَعْلُ التكفير فتنة وخطراً هكذا بإطلاق جهل صِرْف .
قال الشيخ سليمان بن سحمان - رحمه الله -: ( فقد كفّر الصحابة - رضي الله عنهم - من كفروه من أهل الردة على اختلافهم ، وكفّر علي الغلاة وكفّر من بعدهم من العلماء القدريةَ ونحوهم كتكفيرهم للجهمية وقتلهم لجعد بن درهم ، وجهم بن صفوان ومن على رأيهم وقتلهم للزنادقة ، وهكذا في كل قرن وعصر من أهل العلم والفقه والحديث طائفة قائمة تكفِّر من= =كفَّره الله ورسوله وقام الدليل على كفره ، لايتحاشون عن ذلك ، بل يرونه من واجبات الدين ، وقواعد الإسلام ، وفي الحديث( من بدل دينه فاقتلوه ( .
وبعض العلماء يرى أن هذا ( أي التكفير ) والجهاد عليه ركن لايتم الإسلام بدونه ، وقد سلك سبيلهم الأئمة الأربعة المقلَّدون وأتباعهم في كل عصر ومصر وكفروا طوائف أهل الإحداث كالقرامطة والباطنية ، وكفروا العبيديين ملوك مصر وقاتلوهم وهم يبنون المساجد ، ويصلون ، ويؤذنون ، ويدَّعون نصر أهل البيت .
وصنف ابن الجوزي كتاباً سماه "النصر على مصر" ذكر فيه وجوب قتالهم وردتهم وأن دارهم دار حرب .(1/59)
وقد عقد الفقهاء في كل كتاب من كتب الفقه المصنفة على مذاهبهم باباً مستقلاً في حكم الأحداث التي توجب الردة وسماه أكثرهم ( باب الردة ) وعرّفوا المرتد بأنه الذي يكفر بعد إسلامه ، وذكروا أشياء دون ما نحن فيه من المكفرات ، وحكموا فيه بكفر فاعلها وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم ، فما المانع من تكفير من أشرك بالله وعدل به سواه واتخذ معه الآلهة والأنداد وإنما يهمل هذا من لايؤمن بالله ورسوله ولم يعظم أمره ، ومن لم يسلك صراطه ولم يقدر الله ورسوله حق قدرهم ،بل ولا قدر علماء الأمة وأئمتها حق قدرهم).اهـ "الضياء الشارق163" وقد قال - الشيخ سليمان بن سحمان - قبل هذا ( والحكم على المشرك الشرك الأكبر بالكفر مشهور عند الأمة ، لايكابر فيه إلا جاهل لايدري ما الناس فيه من أمر دينهم وما جاءت به الرسل )"الضياء الشارق 162". فانظر - رعاك الله - ما حكاه هذا العلامة عن أهل العلم في كل قرن وعصر أنهم يرون التكفير من واجبات الدين وقواعد الإسلام وبعضهم يراه ركناً لايتم الإسلام بدونه ، والحلبي يراه فتنة يحذر منها ويصيح منذراً بخطرها هكذا بإطلاق دون قيد أو تفصيل .
(1) والصواب أن الجواب يكون عن الشيء لا عليه فيقال (( الأجوبة المتلائمة عن فتوى اللجنة الدائمة )).
(1) مجموع الفتاوى ( 7/364 ).
(2) مجموع الفتاوى ( 7/143 ).
(1) كذا بتكرار الضمائر ، وهو - إلى عدم وضوح المراد منه - منافٍ للفصاحة ، معيبٌ عند أهل البيان .
(2) أي في إخراجهم الأعمال الظاهرة .
(3) مجموع الفتاوى ( 7/554-556 ).
(1) مجموع الفتاوى ( 7/616 ).
(1) مجموع الفتاوى ( 7/553 ).
(2) مجموع الفتاوى ( 7/562 ).
(1) كتاب الصلاة ص( 50-51 ).
(1) حيث قال الحلبي في كتابه "صيحة نذير" ص39:[قاعدةُ ( ما يكفر به المسلم ) عند أهل السنة مبنية على العلم والمعرفة - قاعدة وأصلاً - ثم يتفرع عنهما ، إمّا:
أولاً: الاعتقاد ؛ جحوداً وتكذيباً.
أو:(1/60)
ثانياً: الاستحلال ؛ تحريماً للحلال ، وتحليلاً للحرام ]. =
=إلى أن قال:[ وهذه هي القاعدة ، وهي التي تعلمناها من مشايخنا ، وأخذناها من علمائنا - قديماً وحديثاً - قراءة ومشافهة .. ].
فأي دليل أعظم من هذا على أن الحلبي يحصر الكفر في الجحود والتكذيب ؟ إذ المسلم عنده - وعند أهل السنة - كما زعم - لا يكفر حتى يجحد أو يكذب أو يستحل فأين العمل إذا ؟!!
ثم لاحظ أنها قاعدة عند أهل السنة!! قد تعلمها الحلبي من مشايخه وأخذها من العلماء - قديماً وحديثاً - قراءة ومشافهة !! إذاً ليست المسألة ( خطأً في عبارة أو غلطاً في نقل أو سهواً في فهم أو ذهولاً في نقل ) كما يقول في أجوبته المتلائمة ص38.
(1) مع أنه - أي الحلبي - يرى كفر العناد كفراً أصلياً لا طارئاً كما سيأتي بيانه ص38 من هذه الرسالة.
(1) مجموع الفتاوى ( 7/194 ) .
(1) ومن ذلك قوله - رحمه الله - في كشف الشبهات: ( ولنختم الكلام بمسألة عظيمة مهمة تفهم مما تقدم ، ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها ، ولكثرة الغلط فيها فنقول: لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً. فإذا عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهم ) ا هـ.
(2) لأن قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ( ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو الشهادتان ) يحتمل أن يكون كفره بتركهما أو بنقضهما. فإن قلت: كيف عرفت أن الحلبي يريد الترك دون النقض ؟ قلت: لأن الحلبي لا يرى شيئاً من الأعمال المكفرة = = ناقضاً بمجرده ( وهذا يلزم كل من يحصر الكفر في الجحود والتكذيب ) فلم يبق إلا الاحتمال الأول وهو أن الكفر يكون بتركهما.
(1) الدرر السنية ( 1/480 ).
(1) [ الماعون: 4 - 5 ].
(2) [ الماعون: 4 ] .
(1) هذا من التشبع.
(1) شريط مسجل بصوت الحلبي بعنوان " رحلتي إلى بلاد الحرمين ".
(1) مجموع الفتاوى ( 7/302 ).(1/61)
(1) [ المائدة: 45 ].
(1) [ المائدة: 44 ].
(1) انظر في هذا المبحث: كتاب حقيقة الخلاف بين السلفية الشرعية وادعيائها في مسائل الإيمان للشيخ الدكتور / محمد أبو رحيّم - وفقه الله - فقد أجاد وأفاد.
(1) [ المائدة: 44 ].
(2) وهذا ما عنته اللجنة بقولها: ( إذا زعم جامع الكتاب المذكور أن الشيخ يشترط الاستحلال القلبي ) فلا تغتر بقول الحلبي ( وليس في أي منها ( أي النقولات والتعليقات ) - مطلقاً - كلمة الاستحلال القلبي ).
(1) [ المائدة: 44 ] .
(1) [ المائدة: 44 ].
(1)ومراد الشيخ محمد بن إبراهيم بالكفر الاعتقادي أوسع مما يظنه الحلبي من حصر الكفر في الجحود والتكذيب إذ الاعتقاد يطلق على ما في القلب من قول وعمل ( قول القلب الذي هو التصديق وعمل القلب الذي هو الانقياد والقبول ) فتحكيم القوانين الوضعية وإحلالها محل شريعة الله ينافي انقياد القلب وقبوله دون النظر إلى كون الحاكم بها يعتقد أنها أفضل من الشريعة أو الشريعة أفضل منها والذي دل على أن مراد الشيخ محمد بن إبراهيم هو هذا ما يلي:
أ - أنه بيّن في الأنواع الأربعة السابقة ما يتعلق بجحد الحاكم بغير ما أنزل أحقية حكم الله ورسوله ، وتفضيل حكم غير الله على حكم الله ، ومساواة حكم الله بغيره ، وتجويز الحكم بغير ما أنزل الله ولما جاء إلى النوع الخامس لم يذكر هذه القيود.
ب - أنه قال - أي الشيخ ابن إبراهيم - رحمه الله في الفتاوى ( 12/280 ) ( 6/189 ) ( ... وأما إذا جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وأن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل ).
وقال أيضاً - رحمه الله - في الفتاوى ( 6/189 ) ( لو قال من حكّم القانون أنا أعتقد أنه باطل فهذا باطل لا أثر له ، بل هو عزل للشرع ، كما لو قال أحد أنا أعبد الأوثان واعتقد أنها باطل ).(1/62)
(2) لأنه لو كان تقنيناً لألحق بالنوع الخامس من القسم الأول وقد بين ذلك - رحمه الله - في "الفتاوى" ( 12/280 ) ( 6/189 ) حيث قال: ( وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاده أنه عاص وأن حكم الله هو الحق فهذا الذي يصدر منه المرة= =ونحوها: أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل ).
(1) [ النساء: 60 ].
(1) الصواب لغة " لوقف " .
(2) " تحكيم الشريعة وصلته بأصل الدين " ص 21 د. صلاح الصاوي.
(3) [ المائدة: 44 ].
(1) [ المائدة: 41 ].
(2) [ المائدة: 41 ].
(3) [ المائدة: 44 ].
(1) [ المائدة: 45 ].
(2) [ المائدة: 47 ].
(3) [ المائدة: 44 ].
(1) [ النساء: 65 ].
(1) [ التوبة: 105 ].
(1) في محاضرة للحلبي ألقاها عبر الإنترنت سئُل عن فتوى اللجنة الدائمة بحقه ، فقال: تبين لي أن الخلاف بيني وبين اللجنة لفظي.
ونحن نقول: أجهل وتلاعب ؟ ! .
(1) [ التوبة: 31 ].
(2) راجع " حقيقة الخلاف بين السلفية الشرعية وادعيائها .... " الشيخ الفاضل د. محمد أبو رحيم.
??
??
??
??
رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة(1/63)