بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) 0
وبعد :
فهذه رسالة في بيان صفات المبتدعين ، والمفتونين ، نضعها تذكرة لمن غرهم اهل اهل الباطل واتوهم من حيث لا يشعرون اسال الله العظيم رب العرش الكريم ان ينفع بها انه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه اجمعين 0
الصفة الاولى : الاعتراض على الأحاديث النبوية ، والسنن المصطفوية ، والهدي النبوي ، بالمعقولات والاراء والاهواء ، وتحسين الظن بالنفس ، واساءة الظن بالوحي المعصوم 0
قال الامام ابن حبان البستي في صحيحه : " ذكر الخبر الدال على أن من اعترض على السنن بالتأويلات المضمحلة ولم ينقد لقبولها كان من أهل البدع0(1/1)
أخبرنا أبو يعلى حدثنا أبو خيثمة حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال بعث علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهب في آدم فقسمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين زيد الخيل والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة فقال أناس من المهاجرين والأنصار نحن أحق بهذا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فشق عليه وقال ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر من في السماء صباحا ومساء فقام إليه ناتئ العينين مشرف الوجنتين ناشز الوجه كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار فقال يا رسول الله اتق الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو لست بأحق أهل الأرض أن أتقي الله ثم أدبر فقام إليه خالد سيف الله فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه فقال لا إنه لعله يصلي قال إنه رب مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه قال إني لم أومر أن أشق قلوب الناس ولا أشق بطونهم فنظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو مقفى فقال إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية قال عمارة فحسبت أنه قال أداء أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود" (1)0
الصفة الثانية : انهم لا يتلقون العلم عن اهله ، وانما يحرصوا على اخذه من اخوانهم في البدعة والجهل ، فلذلك هم اصاغر ، تدمغهم ادلة العلماء المؤيدة بالقرآن والسنة ، وتكون فتاوى الأكابر شجى في حلوقهم 0
ولذا تراهم يتركون قول الأكابر من العلماء المرضيين لقول من يزعمون انه عالم ،لا لكونه حقا ، بل لموافقته هوى النفس 0
فان عدم هذا الذي يسمونه عالما تمسحوا باقوال بعض طلبة العلم ،يعارضون بها قول العلماء المحتهدين ،والفقهاء المرضيين 0
__________
(1) صحيح ابن حبان 1/205-206 0(1/2)
قال الحافظ ابو بكر الخطيب البغدادي : " قال أبو عبيد في حديث عمر تفقهوا قبل أن تسودوا يقول تعلموا العلم ما دمتم صغارا قبل أن تصيروا سادة رؤساء منظور إليكم فإن لم تعلموا قبل ذلك استحييتم أن تعلموا بعد الكبر فبقيتم جهالا تأخذون من الأصاغر فيزري ذلك بكم وهذا شبيه بحديث عبد الله:" لن يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإذا أتاهم من أصاغرهم فقد هلكوا" 0
قال أبو عبيد وفي الأصاغر تفسير آخر بلغني عن ابن المبارك أنه كان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع ولا يذهب إلى السن" (1)0
الصفة الثالثة : مجالسة أهل البدع والخصومات والمفتونين ، والمخذولين ، والاستئناس بهم، دون أهل الحق والاتباع الصحيح ، وذلك لأجل ما في نفوسهم من المرض والهوى 0
قال بعض العلماء : " وقد بين الله سبحانه عقوبة من فعل ذلك وخالف ما أمره الله إذ يقول في سورة مدنية (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ) فبين سبحانه بقوله : "وقد نزل عليكم في الكتاب" ما كان أمرهم به من قوله في السورة المكية " فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين " ثم بين في هذه السورة المدنية أن مجالسة من هذه صفته لحوق به في إعتقاده 0
__________
(1) نصيحة أهل الحديث ، الخطيب البغدادي ص : 25-26 ، وينظر : فيض القدير ، المناوي 2/676 0(1/3)
وقد ذهب قوم من أئمة هذه الأمة إلى هذا المذهب وحكم بموجب هذه الآيات في مجالس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة منهم أحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المبارك فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع قالوا ينهى عن مجالستهم فإن انتهى وإلا ألحق بهم يعنون في الحكم قيل لهم فإنه يقول إني أجالسهم لأباينهم وأرد عليهم قالوا ينهى عن مجالستهم فان لم ينته ألحق بهم "(1)0
وقال الامام جعفر الصادق : " لا تجالسوا أهل الخصومات ، فإنهم الذين يخوضون في آيات الله " 0(2)
قال القاضي : أبو بكر بن العربي المالكي : " وهذا دليل على أن مجالسة أهل الكبائر لا تحل . قال ابن خويز منداد : من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر ، مؤمنا كان أو كافرا . قال : وكذلك منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو ودخول كنائسهم والبيع ، ومجالس الكفار وأهل البدع ، وألا تعتقد مودتهم ولا يسمع كلامهم ولا مناظرتهم .
وقد قال بعض أهل البدع لأبي عمران النخعي : أسمع مني كلمة ، فأعرض عنه وقال : ولا نصف كلمة . ومثله عن أيوب السختياني . وقال الفضيل بن عياض : من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه ، ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها ، ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة ، وإذا علم الله عز وجل من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له " (3) 0
__________
(1) تفسير القرطبي 7/142 ، إفحام المخاصم ، شيث بن ابراهيم ص : 0
(2) تفسير القرطبي 7/12 0
(3) نقله عنه الإمام القرطبي في تفسيره 7/12 0(1/4)
وفي تاريخ دمشق بسنده عن العباس بن الوليد أنا عقبة قال كنت عند أرطأة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنة ويخالطهم فإذا ذكر أهل البدع قال دعونا من ذكرهم لا تذكروهم قال يقول أرطأة هو منهم لا يلبس عليكم أمره قال فأنكرت ذلك من قول أرطأة قال فقدمت على الأوزاعي وكان كشافا لهذه الأشياء إذا بلغته فقال صدق أرطأة والقول ما قال هذا ينهي عن ذكرهم ومتى يحذروا إذا لم يشاد بذكرهم"(1) 0
وقال الامام المحقق محمد بن علي الشوكاني : " وفي هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب وتتصدع منه الأفئدة ما يوجب على أهل العلم الحاملين لحجج الله سبحانه والقائمين ببيان شرائعه ترك الدهان لأهل البدع المتمذهبين بمذاهب السوء التاركين للعمل بالكتاب والسنة المؤثرين لمحض الرأي عليهما فإن غالب هؤلاء وإن أظهر قبولا وأبان من أخلاقه لينا لا يرضيه إلا إتباع بدعته والدخول في مداخله والوقوع في حبائله فإن فعل العالم ذلك بعد أن علمه الله من العلم ما يستفيد به أن هدى الله هو ما في كتابه وسنة رسوله لا ما هم عليه من تلك البدع التي هي ضلالة محضة وجهالة بينة ورأي منهار وتقليد على شفا جرف هار فهو إذ ذاك ما له من الله من ولي ولا نصير ومن كان كذلك فهو مخذول لا محالة وهالك بلا شك ولا شبهة " (2) 0
الصفة الرابعة : توقير أهل البدع وتعظيمهم وإسباغ الأوصاف الكبيرة عليهم ، من سعة علمهم بفقه الواقع ، ومواكبة المستجدات والأحداث ، وأنهم لا يخافون السلاطين الظلمة ووو 000
وقد قال رسول الله : " من وقر صاحب بدعة " وفي رواية: " من وقر أهل البدع فقد أعان على هدم الإسلام " 0
__________
(1) تاريخ دمشق 8/15 0
(2) فتح القدير : الشوكاني 1/135 0(1/5)
قال العلامة المناوي : " لأن المبتدع مخالف للسنة مائل عن الاستقامة ومن وقره حاول اعوجاج الاستقامة لأن معاونة نقيض الشئ معاونة لرفع ذلك الشئ فكان الظاهر أن يقال من وقر المبتدع فقد استخف السنة فوضع موضعه أعان على هدم الإسلام إيذانا بأن مستخف السنة مستخف للإسلام ومستخفه هادم لبنائه وهو من باب التغليظ فإذا كان هذا حال الموقر فما حال المبتدع ؟
ومفهومه أن من وقر صاحب سنة فقد أعان على تشييد الإسلام ورفع بنائه "(1) 0
وقال الإمام الاوزاعي : " اتقوا الله معشر المسلمين وأقبلوا نصح الناصحين وعظة الواعظين واعلموا أن هذا العلم دين فانظروا ما تصنعون وعن من تأخذون وبمن تقتدون ومن على دينكم تأمنون فإن أهل البدع كلهم مبطلون أفاكون آثمون لا يرعوون ولا ينظرون ولا يتقون ولا مع ذلك يؤمنون على تحريف ما تسمعون ويقولون ما لا يعلمون في سرد ما ينكرون وتسديد ما يفترون والله محيط بما يعملون فكونوا لهم حذرين متهمين رافضين مجانبين فإن علماءكم الأولون ومن صلح من الآخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون واحذروا أن تكونوا على الله مظاهرين ولدينه هادمين ولعراه ناقضين موهنين بتوقير المبتدعين والمحدثين فإنه قد جاء في توقيرهم ما تعلمون وأي توقير لهم أو تعظيم أشد من أن تأخذوا عنهم الدين وتكونوا بهم قتدين ولهم مصدقين موادعين مؤالفين معنيين لهم بما يصنعون على استهواء من يستهوون وتأليف من يتألفون من ضعفاء المسلمين لرأيهم الذي يرون ودينهم الذي يدينون وكفى بذلك مشاركة لهم فيما يعملون " (2) 0
__________
(1) فيض القدير 6/308و 498 0
(2) تاريخ دمشق ، ابن عساكر 6/361-362 0(1/6)
وقال الإمام مالك : " لا تحمل العلم عن أهل البدع كلهم ولا تحمل العلم عن من لم يعرف بالطلب ومجالسة أهل العلم ولا يحتمل العلم عن من يكذب في حديث الناس وإن كان في حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صادقا لأن الحديث والعلم إذا سمع من العالم فإنما قد جعل حجة بين الذي سمعه وبين الله تعالى " (1) 0
وقال بعضهم : " : صحبة أهل البدع تورث الإعراض عن الحق " (2)
الصفة الخامسة : الكيد لأهل الحق والسنة والجماعة ، والمكر بهم ، والاجتهاد في إيصال الأذى لأهل هذه الطائفة المنصورة ما لا يجتهد مع الكفار والمشركين 0
قال الإمام الشوكاني مبينا الفوائد المأخوذة من قوله تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ) : " وهكذا ترى أهل البدع المضلة إذا سمع الواحد منهم ما يتلوه العالم عليهم من آيات الكتاب العزيز أو من السنة الصحيحة مخالفا لما اعتقده من الباطل والضلالة رأيت في وجهه من المنكر ما لو تمكن من أن يسطو بذلك العالم لفعل به ما لا يفعله بالمشركين وقد رأينا وسمعنا من أهل البدع ما لا يحيط به الوصف والله ناصر الحق ومظهر الدين وداحض الباطل ودامغ البدع وحافظ المتكلمين بما أخذه عليهم المبينين للناس ما نزل إليهم وهو حسبنا ونعم الوكيل " (3)0
الصفة الخامسة : الخروج على الحكام وتزيين ذلك للعامة ، وقد يضاف إلى ذلك القول باكفارهم ، مع عدم القدرة على إزالتهم ، وظهور المفسدة الراجحة في ذلك 0 وقد عده من فعل أهل البدع إمام جليل من أئمة السلف وهو سفيان الثوري ، كما نقله عنه ابن سعد في طبقاته الكبرى 0
__________
(1) تاريخ دمشق 31/82 0
(2) سير أعلام النبلاء 16/109 0
(3) فتح القدير 3/468 0(1/7)
قال ابن سعد :" ولما تخوف سفيان أن يشهر بمقامه بالبصرة قرب يحي بن سعيد قال له حولني من هذا الموضع فحوله إلى منزل الهيثم بن منصور الاعرجي من بني سعد بن زيد مناة بن تميم فلم يزل فيهم فكلمه حماد بن زيد في تنحيه عن السلطان وقال هذا فعل أهل البدع" (1) 0
الصفة السادسة : ترك طريق الصالحين من السلف ، والخوض في ما امسكوا عنه ، لقلة تحريهم لطريق أهل الهداية 0
قال حذيفة : " اتقوا الله ، وخذوا طريق من كان قبلكم ، والله لئن استقمتم ، لقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن تركتموه يمينا وشمالا ، لقد ضللتم " 0(2)
الصفة السابعة : يرون لأهل الباطل إنعاما عليهم فيمنعهم ذلك المعروف من الكلام فيهم وبيان حالهم 0
قال الإمام الحافظ ابن مندة : " فرحم الله تعالى أبا القاسم الطبراني ما أحسن سيرته وطريقته في هجران أهل البدع فقد هجر أبا علي بن رستم بعد إنعامه عليه وأياديه لديه لما ظهر منه بعض شئ من حال أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لان حبهما إيمان وبغضهما نفاق" (3) 0
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين0
__________
(1) الطبقات الكبرى 6/373 0 وينظر : سير أعلام النبلاء 7/245 0
(2) سير أعلام النبلاء 11/285 0
(3) جزء فيه ترجمة الطبراني ، ابن مندة ص : 8 0(1/8)