رسالة : "حكم الاحتفال بالمولد النبوي" للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى
محاضرة: "حكم المولد" للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
فتوى الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله تعالى في حكم الاحتفال بالمولد النبوي
مقال: "حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي" للشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى
رسالة " حكم الاحتفال بالمولد النبوي " للشيخ الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله
( الحمد لله ، والصلاةوالسلام على رسول الله ، وعلى آلهوصحبه ومن اهتدى بهداه .
أما بعد :
فقد تكرر السؤال من كثير عن حكمالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليهوسلم ، والقيام له في أثناء ذلك ،وإلقاء السلام عليه ، وغير ذلك ممايفعل في الموالد .
والجوابأن يقال :
لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلىالله عليه وسلم ، ولا غيره ؛ لأن ذلكمن البدع المحدثة في الدين ؛ لأنالرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ،ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا غيرهم منالصحابة ـ رضوان الله على الجميع ـولا التابعون لهم بإحسان في القرونالمفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة ،وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليهوسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال : " من أحدث في أمرناهذا ما ليس منه فهو رد " ، أي : مردود عليه ،وقال في حديث آخر : " عليكم بسنتيوسنة الخلفاء الراشدين المهديين منبعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليهابالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ،فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة" .
ففي هذين الحديثين تحذير شديد منإحداث البدع والعمل بها .(1/1)
وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين: (ومآ ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكمعنه فانتهوا ) ( سورة الحشر : 7 ) ،وقال عز وجل : ( فليحذر الذينيخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أويصيبهم عذاب أليم ) ( سورة النور : 63 ) ،وقال سبحانه : ( لقد كان لكم في رسولالله أسوة حسنة لمن كان يرجوا اللهواليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) ( سورة الأحزاب :21 ) ، وقال تعالى : ( والسابقونالأولون من المهاجرين والأنصاروالذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهمورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتهاالأنهار خالدين فيها أبداً ذالكالفوز العظيم ) ( سورة التوبة : 100 ) ،وقال تعالى : ( اليوم أكملت لكمدينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكمالإسلام ديناً ) ( سورة المائدة : 3 ) .
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه : أنالله سبحانه لم يكمل الدين لهذهالأمة ، وأن الرسول صلى الله عليهوسلم لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعملبه ، حتى جاء هؤلاء المتأخرونفأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به ،زاعمين : أن ذلك مما يقربهم إلى الله ،وهذا بلا شك فيه خطر عظيم ، واعتراضعلى الله سبحانه ، وعلى رسوله صلىالله عليه وسلم ، والله سبحانه قدأكمل لعباده الدين ، وأتم عليهمالنعمة .
والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغالبلاغ المبين ، ولم يترك طريقاًيوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلابينه للأمة ، كما ثبت في الحديثالصحيح ، عن عبدالله بن عمرو رضي اللهعنهما ، قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : " ما بعث الله من نبيإلا كان حقاً عليه أن يدل أمته علىخير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر مايعلمه لهم " رواه مسلم في صحيحه .(1/2)
ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلمهو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأكملهمبلاغاً ونصحاً ، فلو كان الاحتفالبالموالد من الدين الذي يرضاه اللهسبحانه لبيَّنه الرسول صلى الله عليهوسلم للأمة ، أو فعله في حياته ، أوفعله أصحابه رضي الله عنهم ، فلما لميقع شيء من ذلك علم أنه ليس منالإسلام في شيء ، بل هو من المحدثاتالتي حذر الرسول صلى الله عليه وسلممنها أمته ، كما تقدم ذكر ذلك فيالحديثين السابقين .
وقد جاء في معناهما أحاديث أُُخر ،مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبةالجمعة : " أما بعد : فإن خيرالحديث كتاب الله ، وخير الهدي هديمحمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمورمحدثاتها ، وكل بدعة ضلالة " رواه الإماممسلم في صحيحه .
والآيات والأحاديث في هذا البابكثيرة .
وقد صرح جماعة من العلماء بإنكارالموالد والتحذير منها ؛ عملاًبالأدلة المذكورة وغيرها .
وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لمتشتمل على شيء من المنكرات ؛ كالغلوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكاختلاط النساء بالرجال ، واستعمالآلات الملاهي ، وغير ذلك مما ينكرهالشرع المطهر ، وظنوا أنها من البدعالحسنة .
والقاعدة الشرعية : رد ما تنازع فيهالناس إلى كتاب الله ، وسنة رسولهمحمد صلى الله عليه وسلم .
كما قال الله عز وجل : ( يآأيهاالذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعواالرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتمفي شيء فردوه إلى الله والرسول إنكنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلكخير وأحسن تأويلاً ) ( سورة النساء : 59 ) ،وقال تعالى : ( وما اختلفتمفيه من شيء فحكمه إلى الله ) ( سورة الشورى : 10) .(1/3)
وقد رددنا هذه المسألة ـ وهيالاحتفال بالموالد ـ إلى كتاب اللهسبحانه ، فوجدنا يأمرنا باتباعالرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاءبه ويحذرنا عما نهى عنه ، ويخبرنا بأنالله سبحانه قد أكمل لهذه الأمةدينها ، وليس هذا الاحتفال مما جاء بهالرسول صلى الله عليه وسلم ، فيكونليس من الدين الذي أكمله الله لناوأمرنا باتباع الرسول فيه ، وقدرددنا ذلك ـ أيضاً ـ إلى سنة الرسولصلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنهفعله ، ولا أمر به ولا فعله أصحابهرضي الله عنهم ، فعلمنا بذلك أنه ليسمن الدين ، بل هو من البدع المحدثة ،ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهودوالنصارى في أعيادهم .
وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرةورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أنالاحتفال بالموالد ليس من دينالإسلام ، بل هو من البدع المحدثاتالتي أمر الله سبحانه ورسوله صلىالله عليه وسلم بتركها والحذر منها .
ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة منيفعله من الناس في سائر الأقطار ، فإنالحق لا يعرف بكثرة الفاعلين ، وإنمايعرف بالأدلة الشرعية ، كما قالتعالى عن اليهود والنصارى : (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كانهوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوابرهانكم إن كنتم صادقين ) ( سورة البقرة : 111 ) ،وقال تعالى : ( وإن تطع أكثر من فيالأرض يضلوك عن سبيل الله ) ( سورة الأنعام :116 ) .
ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالدمع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالهاعلى منكرات أخرى ؛ كاختلاط النساءبالرجال ، واستعمال الأغانيوالمعازف ، وشرب المسكرات والمخدرات، وغير ذلك من الشرور ، وقد يقع فيهاما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر ،وذلك بالغلو في رسول الله صلى اللهعليه وسلم ، أو غيره من الأولياء ،ودعائه والاستغاثة به وطلبه المدد ،واعتقاد أنه يعلم الغيب ، ونحو ذلك منالأمور الكفرية التي يتعاطاهاالكثير من الناس حين احتفالهم بمولدالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره ممنيسمونهم بالأولياء .(1/4)
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليهوسلم أنه قال : " إياكم والغلو فيالدين ، فإنما أهلك من كان قبلكمالغلو في الدين " ، وقال صلى الله عليهوسلم : " لا تطروني كماأطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أناعبده ، فقولوا : عبد الله ورسوله " أخرجه البخاريفي صحيحه من حديث عمر رضي الله عنه .
ومن العجائب والغرائب : أن الكثير منالناس ينشط ويجتهد ي حضور هذهالاحتفالات المبتدعة ، ويدافع عنها ،ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضورالجمع والجماعات ، ولا يرفع بذلكرأساً ، ولا يرى أنه أتي منكراًعظيماً ، ولا شك أن ذلك من ضعفالإيمان وقلة البصيرة ، وكثرة ما رانعلى القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية لنا ولسائرالمسلمين .
ومن ذلك : أن بعضهم يظن أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم يحضر المولد ؛ولهذا يقومون له محيين ومرحبين ،وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل ،فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لايخرج من قبره قبل يوم القيامة ، ولايتصل بأحد من الناس ، ولا يحضراجتماعاتهم ، بل هو مقيم في قبره إلىيوم القيامة ، وروحه في أعلى عليينعند ربه في دار الكرامة ، كما قالالله تعالى في سورة المؤمنون ( 15 ـ 16 ) :(ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يومالقيامة تبعثون ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أناأول من ينشق عنه القبر يوم القيامة ،وأنا أول شافع ، وأول مُشَفَّعٍ " عليه من ربه أفضلالصلاة والسلام .
فهذه الآية الكريمة والحديث الشريفوما جاء في معناهما من الآياتوالأحاديث ، كلها تدل على أن النبيصلى الله عليه وسلم وغيره من الأمواتإنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة ،وهذا أمر مجمع عليه بين علماءالمسلمين ليس فيه نزاع بينهم ،فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههممن البدع والخرافات التي ما أنزلالله بها من سطان . والله المستعانوعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به.(1/5)
أما الصلاة والسلام على رسول اللهصلى الله عليه وسلم فهي من أفضلالقربات ، ومن الأعمال الصالحات ،كما قال تعالى : ( إن الله وملائكتهيصلون على النبي يآ أيها الذينءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) ( سورة الأحزاب :56 ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " منصلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بهاعشراً "، وهي مشروعة في جميع الأوقات ،ومتأكدة في آخر كل صلاة ، بل واجبةعند جمع من أهل العلم في التشهدالأخير من كل صلاة ، وسنة مؤكدة فيمواضع كثيرة ، منها بعد الأذان ، وعندذكره عليه الصلاة والسلام ، وفي يومالجمعة وليلتها ، كما دلت على ذلكأحاديث كثيرة .
والله المسؤول أن يوفقنا وسائرالمسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم السنةوالحذر من البدعة ، إنه جواد كريم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وآلهوصحبه ) انتهت رسالة " حكمالاحتفال بالمولد النبوي " للشيخعبدالعزيز بن باز رحمه الله .
top
محاضرة " حكم المولد " للإمام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
( إنالحمد لله نحمده ونستعينة ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومنسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلله ، ومن يضل فلا هادي له ، وأشهد أنلا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقتقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذيخلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجهاوبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقواالله الذي تتساءلون به والأرحام إنالله كان عليكم رقيبا )
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهوقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكمويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع اللهورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) .
أما بعد ، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الامرمحدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعةضلالة ، وكل ضلالة في النار.(1/6)
وبعد فقد بدا لي أن أجعل كلمتي في هذهالليلة بديل الدرس النظامي حول موضوعاحتفال كثير المسلمين بالمولدالنبوي وليس ذلك مني إلا قياما بواجبالتذكير وتقديم النصح لعامةالمسلمين فإنه واجب من الواجبات كماهو معلوم عند الجميع ، جرى عرفالمسلمين من بعد القرون الثلاثةالمشهود لها بالخيرية على الاحتفالبولادة النبي صلى الله عليه وسلموبدأ الاحتفال بطريقة وانتهى اليومإلى طريقة وليس يهمني في هذه الكلمةالناحية التاريخية من المولد وما جرىعليه من تطورات إنما المهم من كلمتيهذه أن نعرف موقفنا الشرعي من هذهالاحتفالات قديمها وحديثها ، فنحنمعشر أهل السنة لا نحتفل احتفالالناس هؤلاء بولادة الرسول صلى اللهعليه وسلم ولكننا نحتفل احتفالاً مننوع آخر ومن البدهي أنني لا أريدالدندنة حول احتفالنا نحن معشر أهلالسنة ، وإنما ستكون كلمتي هذه حولاحتفال الآخرين لأبين أن هذاالاحتفال وإن كان يأخذ بقلوب جماهيرالمسلمين لأنهم يستسلمون لعواطفهمالتي لا تعرف قيداً شرعياً مطلقاوإنما هي عواطف جانحة فنحن نعلم أنالنبي صلى الله عليه وسلم جاء بالدينكاملا وافيا تاما والدين هو كل شئيتدين به المسلم وأن يتقرب به إلىالله عز وجل ليس ثمة دين إلا هذا ،الدين هو كل ما يتدين به ويتقرب بهالمسلم إلى الله عز وجل ولا يمكن أنيكون شئ ما من الدين إلا إذا جاء بهنبينا صلوات الله وسلامه عليه ، أماما أحدثه الناس بعد وفاته صلى اللهعليه وسلم فلا سيما بعد القرونالثلاثة المشهود لها بالخيرية فهيلاشك ولا ريب من محدثات الأمور ، وقدعلمتم جميعا حكم هذه المحدثات منافتتاحية دروسنا كلها حيث نقول فيهاكما سمعتم آنفا "خير الهدى هدى محمدصلى الله عليه وسلم وشر الأمورمحدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعةضلالة وكل ضلالة في النار" ، ونحن وإياهممجمعون على أن هذا الاحتفال أمر حادثلم يكن ليس فقط في عهده صلى الله عليهوسلم بل ولا في عهد القرون الثلاثةكما ذكرنا آنفا ، ومن البدهي أن(1/7)
النبيصلى الله عليه وسلم في حياته لم يكنليحتفل بولادته ذلك لأن الاحتفالبولادة إنسان ما إنما هي طريقةنصرانية مسيحية لا يعرفه الإسلاممطلقا في القرون المذكورة آنفا ، فمنباب أولى ألا يعرف ذلك رسول الله صلىالله عليه وسلم ولأن عيسى نفسه الذييحتفل بميلاده المدعون إتباعه عيسىنفسه لم يحتفل بولادته مع أنها ولادةخارقة للعادة وإنما الاحتفال بولادةعيسى عليه السلام هو من البدع التيابتدعها النصارى في دينهم وهي كماقال عز وجل : ( ابتدعوها ما كتبناهاعليهم )ربنا عز وجل هذه البدع التي اتخذهاالنصارى ومنها الاحتفال بميلاد عيسىما شرعها الله عز وجل ، وإنما همابتدعوها من عند أنفسهم فلذلك إذاكان عيسى لم يحتفل بميلاده ومحمد صلىالله عليه وسلم أيضا كذلك لم يحتفلبميلاده والله عز وجل يقول : (وبهداهم اقتده ) فهذا من جملةالإقتداء نبينا بعيسى عليه الصلاةوالسلام وهو نبينا أيضا ولكن نبوتهنسخت ورفعت بنبوة خاتم الأنبياءوالرسل صلوات الله وسلامه عليهما ،ولذلك فعيسى حينما ينزل في آخرالزمان كما جاء في الأحاديث الصحيحةالمتواترة إنما يحكم بشريعة محمد صلىالله عليه وسلم ، فإذاً محمد صلى اللهعليه وسلم لم يحتفل بميلاده وهنايقول بعض المبتلين بالاحتفال غيرالمشروع الذي نحن في صدد الكلام عليهيقولون محمد صلى الله عليه وسلم ماراح يحتفل بولادته طيب سنقول لميحتفل بولادته عليه السلام بعد وفاتهأحب الخلق من الرجال إليه وأحب الخلقمن النساء إليه ذا لكما أبو بكروابنته عائشة رضي الله عنهما مااحتفلا بولادة الرسول صلى الله عليهوسلم ، كذلك الصحابة جميعا كذلكالتابعون كذلك أتباعهم وهكذا ، إذالا يصح لإنسان يخشى الله ويقف عندحدود الله ويتعظ بقول الله عز وجل : ( ولاتقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصروالفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) ، فلا يقولن أحدالناس الرسول ما احتفل لأنه هذايتعلق بشخصه لأنه يأتي بالجواب لاأحد من أصحابه جميعا أحتفل به(1/8)
عليهالسلام ، فمن الذي أحدث هذا الاحتفالمن بعد هؤلاء الرجال الذين هم أفضلالرجال ولا أفضل من بعدهم أبدا ولنتلد النساء أمثالهم إطلاقا ، منهؤلاء الذين يستطيعون بعد مضي هذهالسنين الطويلة ثلاثمائة سنة يمضونلا يحتفلون هذا الاحتفال أو ذاك ،وإنما احتفالهم من النوع الذي سأشيرإليه إشارة سريعة كما فعلت آنفا فهذايكفي المسلم أن يعرف أن القضية ليستقضية عاطفة جانحة لا تعرف الحدودالمشروعة وإنما هو الاتباعوالاستسلام لحكم الله عز وجل ومن ذلك: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونييحببكم الله ) ، فرسول الله ما احتفلإذا نحن لا نحتفل إن قالوا ما احتفللشخصه نقول ما احتفل أصحابه أيضابشخصه من بعده فأين تذهبون ؟ كل الطرقمسدودة أمام الحجة البينة الواضحةالتي لا تفسح مجالاً مطلقا للقولبحسن هذه البدعة وإن مما يبشر بالخيرأن بعض الخطباء والوعاظ بدأوا يضطرونليعترفوا بهذه الحقيقة وهي أنالاحتفال هذا بالمولد بدعة وليس منالسنة ، ولكن يعوزهم ويحتاجون إلى شئمن الشجاعة العلمية التي تتطلبالوقوف أمام عواطف الناس الذين عاشواهذه القرون الطويلة وهم يحتفلون ،فهؤلاء كأنهم يجبنون أو يضعفون أنيصدعوا بالحق الذي اقتنعوا به ولذلكتجده يروغ ولا أريد أن أقول يسددويقارب فيقول صحيح أن هذا الاحتفالليس من السنة ما احتفل الرسول ولاالصحابة ولا السلف الصالح ولكن الناساعتادوا أن يحتفلوا ويبدو أن الخلاففقهي ، هكذا يبرر القضية ويقولالخلاف شكلي ، لكن الحقيقة أنهمانتبهوا أخيرا إلى أن هذا المولد خرجعن موضوع الاحتفال بولادة الرسول صلىالله عليه وسلم في كثير من الأحيان ؛حيث يتطرق الخطباء إلى أمورا ليس لهاعلاقة بالاحتفال بولادة الرسول صلىالله عليه وسلم ، ولا أريد أن أطيل فيهذا ولكني أذكر بأمر هام جدا طالماغفل عنه جماهير المسلمين حتى بعضإخواننا الذين يمشون معنا على الصراطالمستقيم وعلى الابتعاد من التعبدإلى الله عز وجل بأي بدعة ، قد يخفىعليهم أن أي(1/9)
بدعة يتعبد المسلم بهاربه عز وجل هي ليست من صغائر الأمور ،ومن هنا نعتقد أن تقسيم البدعة إلىمحرمة وإلى مكروهة يعني كراههتنزيهيه هذا التقسيم لا أصل له فيالشريعة الإسلامية ، كيف وهو مصادممصادمة جلية للحديث الذي تسمعونهدائما وأبدأ : ( كل بدعة ضلالة وكلضلالة في النار ) ، فليس هناك بدعة لايستحق صاحبها النار ، ولو صح ذلكالتقسيم لكان الجواب ليس كل بدعةيستحق صاحبها دخول النار لم ؟ لأن ذاكالتقسيم يجعل بدعة محرمة فهي التيتؤهل صاحبها النار ، وبدعة مكروهةتنزيها لا تؤهل صاحبها للنار وإنماالأولى تركها والإعراض عنها ، والسروهنا الشاهد من إشارتي السابقة التيلا ينتبه لها الكثير، والسر في أن كلبدعة كما قال عليه الصلاة والسلامبحق ضلالة هو أنه من باب التشريع فيالشرع الذي ليس له حق التشريع إلا ربالعالمين تبارك وتعالى ، فإذاانتبهتم لهذه النقطة عرفتم حينذاكلماذا أطلق عليه الصلاة والسلام علىكل بدعة أنها في النار أي صاحبها ،ذلك لأن المبتدع حينما يشرع شيئا مننفسه فكأنه جعل نفسه شريكا مع ربهتبارك وتعالى ، والله عز وجل يأمرناأن نوحده في عبادته وفي تشريعه فيقولمثلاً في كتابه : ( ولا تجعلوا للهأندادا وأنتم تعلمون ) أندادا في كل شئ منذلك في التشريع ، ومن هنا يظهر معشرالشباب المسلم الواعي المثقف الذيانفتح له الطريق إلى التعرف علىالإسلام الصحيح من المفتاح لا إلهإلا الله ، وهذا التوحيد الذي يستلزمكما بين ذلك بعض العلماء قديماوشرحوا ذلك شرحا بينا ثم تبعهم بعضالكتاب المعاصرين أن هذا التوحيديستلزم إفراد الله عز وجل بالتشريعيستلزم ألا يشرع أحد مع الله عز وجلأمرا ما ؛ سواء كان صغيرا أم كبيراجليلا أم حقيراً ؛ لأن القضية ليستبالنظر إلى الحكم هو صغير أم كبيروإنما إلى الدافع إلى هذا التشريع ،فإن كان هذا التشريع صدر من اللهتقربنا به إلى الله وإن كان صدر منغير الله عز وجل نبذناه وشرعته نبذالنواة ، ولم يجز للمسلم أن(1/10)
يتقرب إلىالله عز وجل بشيء من ذلك ، وأولىوأولى ألا يجوز للذي شرع ذلك أن يشرعهوأن يستمر على ذلك وأن يستحسنه، هذاالنوع من إفراد الله عز وجل بالتشريعهو الذي اصطلح عليه اليوم بعض الكتابالإسلاميين بتسمية بأن الحا كمية للهعز وجل وحده ، لكن مع الأسف الشديدأخذ شبابنا هذه الكلمة كلمة ليستمبينة مفصلة لا تشتمل كل شرعة أو كلأمر أدخل في الإسلام وليس من الإسلامفي شئ ، أن هذا الذي أدخل قد شارك اللهعز وجل في هذه الخصوصية ولم يوحد اللهعز وجل في تشريعه ، ذلك لأن السببفيما أعتقد في عدم وضوح هذا المعنىالواسع لجملة أن الحا كمية لله عز وجلهو أن الذين كتبوا حول هذا الموضوعأقولها مع الأسف الشديد ما كتبوا ذلكإلا وهم قد نبهوا بالضغوط الكافرةالتي ترد بهذه التشريعات وهذهالقوانين من بلاد الكفر وبلاد الضلالولذلك فهم حينما دعوا المسلمينوحاضروا وكتبوا دائما وأبدا حول هذهالكلمة الحقة وهي أن الحا كمية لله عزوجل وحده ، كان كلامهم دائما ينصبويدور حول رفض هذه القوانين الأجنبيةالتي ترد إلينا من بلاد الكفر كماقلنا ، لأن ذلك إدخال في الشرع ما لميشرعه الله عز وجل هذا كلام حق لاشكولا ريب ، ولكن قصدي أن ألفت نظركم أنهذه القاعدة الهامة وهي أن الحا كميةلله عز وجل لا تنحصر فقط برفض هذهالقوانين التي ترد إلينا من بلادالكفر ، بل تشمل هذه الجملة هذهالكلمة الحق كل شئ دخل في الإسلامسواء كان وافدا إلينا أو نابعا منامادام أنه ليس من الإسلام في شئ ، هذهالنقطة بالذات هي التي يجب أن نتنبهلها وأن لا نتحمس فقط لجانب هو هذهالقوانين الأجنبية فقط وكفرها واضحجدا نتنبه لهذا فقط بينما دخل الكفرفي المسلمين منذ قرون طويلة وعديدةجدا والناس في غفلة من هذه الحقيقة ،فضلاً عن هذه المسائل التي يعتبرونهاطفيفة ، لذلك فهذا الاحتفال يكفي أنتعرفوا أنه محدث ليس من الإسلام في شئ، ولكن يجب أن تتذكروا مع ذلك أنالإصرار على استحسان هذه البدعة معإجمال جميل(1/11)
كما ذكرت آنفا أنها محدثةفالإصرار على ذلك أخشى ما أخشاه أنيدخل المصر على ذلك في جملة ( تخذواأحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) ، وأنتمتعلمون أن هذه الآية لما نزلت وتلاهاالنبي صلى الله عليه وسلم كان فيالمجلس عدي بن حاتم الطائي وكان منالعرب القليلين الذين قرأوا وكتبواوبالتالي تنصروا فكان نصرانيا ، فلمانزلت هذه الآية لم يتبين له المقصدمنها فقال يا رسول الله كيف يعني ربنايقول عنا نحن النصارى سابقا : ( اتخذواأحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) مااتخذناهم أحبارنا أربابا من دون اللهعز وجل ، كأنه فهم أنهم اعتقدوابأحبارهم ورهبانهم أنهم يخلقون معالله يرزقون مع الله وإلى غير ذلك منالصفات التي تفرد الله بها عز وجل دونسائر الخلق ، فبين له الرسول عليهالسلام بأن هذا المعنى الذي خطر فيبالك ليس هو المقصود بهذه الآية وإنكان هو معنى حق ، يعني لا يجوز للمسلمأن يعتقد أن إنسانا ما يخلق ويرزق لكنالمعنى هنا أدق من ذلك ، فقال له : ( ألستمكنتم إذا حرموا لكم حلالاً حرمتموه ؟وإذا حللوا لكم حراما حللتموه ؟ قال :أما هذا فقد كان .(1/12)
فقال عليه السلام :فذاك اتخاذكم إياهم أربابا من دونالله ) ،لذلك فالأمر خطير جدا استحسان بدعةالمستحسن وهو يعلم أنه لم يكن من عملالسلف الصالح ولو كان خيرا لسبقوناإليه ، قد حشر نفسه في زمرة الأحباروالرهبان الذين اتخذوا أربابا من دونالله عز وجل ، والذين أيضا يقلدونهمفهم الذين نزل في صددهم هذه الآية أوفي أمثالهم : ( اتخذوا أحبارهمورهبانهم أربابا من دون الله ) ، غرضي من هذاأنه لا يجوز للمسلم كما نسمع دائماوكما سمعنا قريبا معليش الخلاف شكلي، الخلاف جذري وعميق جدا لأننا نحنننظر إلى أن هذه البدعة وغيرها داخلةأولاً في عموم الحديث السابق ( كلبدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ، وثانيا ننظرإلى أن موضوع البدعة مربوط بالتشريعالذي لم يأذن به الله عز وجل كما قالتعالى ( أم لهم شركاء شرعوالهم من الدين ما لم يأذن به الله ) ، وهذا يقال كلهإذا وقف الأمر فقط عند ما يسمىبالاحتفال بولادته عليه السلام ،بمعنى قراءة قصة المولد ؛ أما إذاانضم إلى هذه القراءة أشياء وأشياءكثيرة جدا ؛ منها أنهم يقرءون من قصتهعليه الصلاة والسلام قصة المولد أولامالا يصح نسبته إلى النبي صلى اللهعليه وسلم ، وثانيا يذكرون من صفاتهعليه السلام فيما يتعلق بولادته مايشترك معه عامة البشر ، بينما لو كانهناك يجب الاحتفال أو يجوز على الأقلبالرسول صلى الله عليه وسلم كانالواجب أن تذكر مناقبه عليه الصلاةوالسلام ؛ وأخلاقه وجهاده في سبيلالله ؛ وقلبه لجزيرة العرب منالإشراك بالله عز وجل إلى التوحيد منالأخلاق الجاهلية الطالحة الفاسدةإلى الأخلاق الإسلامية ، كان هذا هوالواجب أن يفعله لكنهم جروا على نمطمن قراءة الموالد لا سيما إلى عهدقريب عبارة عن أناشيد ، وعبارة عنكلمات مسجعة ، ويقال في ذلك من جملةما يقال مثلا مما بقى في ذاكرتيوالعهد القديم : ( حملت به أمة تسعةأشهر قمرية ) ما الفائدة من ذكر هذاالخبر؟ وكل إنسان منا تحمل به أمهتسعة أشهر قمرية، القصد(1/13)
هل أفضلالبشر وسيد البشر عليه الصلاةوالسلام يذكر منه هذه الخصلة التييشترك فيها حتى الكافر إذا خرج القصدمن المولد خرج عن هدفه بمثل هذاالكلام الساقط الواهي ، بعضهم مثلايذكرون بأنه ولد مختونا مشروع ، وهذامن الأحاديث الضعيفة والموضوعةفهكذا يمدح الرسول عليه السلام ؟يعني نقول أن الاحتفال في أصله لو كانليس فيه مخالفة سوى أنه محدث لكفىوجوبا الابتعاد عنه للأمرينالسابقين ؛ لأنه محدث ولأنه تشريعوالله عز رجل لا يرضى من إنسان أنيشرع للخلق ما يشاء ، فكيف وقد انضمإلى المولد على مر السنين أشياءوأشياء مما ذكرنا ومما يطول الحديثفيما لو استعرضنا الكلام على ذلك ،فحسب المسلم إذاً التذكير هناوالنصيحة أن يعلم أن أي شئ لم يكن فيعهد الرسول عليه السلام وفي عهدالسلف الصالح فمهما زخرفه الناسومهما زينوه ومهما قالوا هذا في حبالرسول وأكثرهم كاذبون فلا يحبونالرسول إلا باللفظ وإلا بالغناءوالتطريب ونحو ذلك مهما زخرفوا هذهالبدع فعلينا نحن أن نظل متمسكين بماعليه سلفنا الصالح رضي الله عنهمأجمعين وتذكروا معنا بأن من طبيعةالإنسان المغالاة في تقدير الشخصالذي يحبه ، لاسيما إذا كان هذا الشخصلا مثل له في الدنيا كلها ألا وهورسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمنطبيعة الناس الغلو في تعظيم هذاالإنسان إلا الناس الذين يأتمرونبأوامر الله عز وجل ولا يعتدون ، فهميتذكرون دائما وأبدا مثل قوله تباركوتعالى : ( وتلك حدود الله فلاتعتدوها ومن يتعد حدود الله فقد ظلمنفسه ) ،فإذا كان الله عز وجل قد اتخذ محمداصلى الله عليه وسلم نبيا فهو قبل ذلكجعله بشرا سويا لم يجعله ملكا خلق مننور مثلا كما يزعمون ، وإنما هو بشروهو نفسه تأكيداً للقرآن الكريم : ( قلإنما أنا بشر مثلكم يوحي...(1/14)
الخ الآية ) هو نفسه أكد ذلكفي غير ما مناسبة فقال : ( إنماأنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذانسيت فذكروني ) ، وقال لهم مرة : ( لاترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني اللهفيها وإنما ضعوني حيث وضعني ربي عزوجل عبداً رسولاً ) كذلك في الحديثالصحيح في البخاري ومسلم عن النبيصلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لاتطروني كما أطرت النصارى عيسى بنمريم إنما أنا عبد فقولوا عبد اللهورسوله ) ،هذا الحديث تفسير للحديث السابق ( لاترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني اللهبها ) ،فهو يقول لا تمدحوني كما فعلتالنصارى في عيسى بن مريم كأن قائلايقول كيف نقول يا رسول الله كيف نمدحك؟ قال : ( إنما أنا عبد فقولواعبد الله ورسوله ) ، ونحن حينما نقول فيرسولنا صلى الله عليه وسلم عبد اللهورسوله فقد رفعناه ووضعناه فيالمرتبة التي وضعه الله عز وجل فيها ،لن ننزل به عنها ولم نصعد به فوقها ،هذا الذي يريده رسول الله صلى اللهعليه وسلم متا ، ثم نجد النبي صلواتالله وسلامه عليه يطبق هذه القواعدويجعلها حياة يمشي عليها أصحابهصلوات الله وسلامه معه فقد ذكرت لكمغير ما مرة قصة معاوية بن جبل رضيالله عنه حينما جاء إلى الشام وهييومئذ من بلاد الروم بلاد النصارىيعبدون القسيسين والرهبان بقى فيالشام ما بقى لتجارة فيما يبدو ، ولماعاد إلى المدينة فكان لما وقع بصرهعلى النبي صلى الله عليه وسلم همليسجد لمن ؟ لسيد الناس ، فقال لهعليه الصلاة والسلام : ( مه يامعاذ ـ شو هذا ـ قال يا رسول الله : إنيأتيت الشام ، فرأيت النصارى يسجدونلقسيسيهم وعظمائهم ، فرأيتك أنت أحقبالسجود منهم ، فقال عليه الصلاةوالسلام : ( لو كنت آمراً أحداً أنيسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجدلزوجها لعظم حقه عليها ) وهذا الحديث جاء فيمناسبات كثيرة لا أريد أن أستطردإليها ، وحسبنا هنا أن نلفت النظر إلىما أراد معاذ بن جبل أن يفعل منالسجود للنبي صلى الله عليه وسلم ماالذي دفعه على هذا السجود ؟ هل(1/15)
هوبغضه للرسول عليه السلام ؟ بطبيعةالحال لا ، إنما هو العكس تماما هوحبه للنبي صلى الله عليه وسلم الذيأنقذه من النار لولا ـ هنا يقالالواسطة لا تنكر ـ لولا الرسول عليهالسلام أرسله الله إلى الناس هدايةلجميع العالم ، لكان الناس اليوميعيشون في الجاهلية السابقة وأضعافمضاعفة عليها ، فلذلك ليس غريباأبداً لاسيما والتشريع بعد لم يكن قدكمل وتم ، ليس غريبا أبدا أن يهم معاذبن جبل بالسجود للنبي صلى الله عليهوسلم كإظهار لتبجيله واحترامهوتعظيمه ، لكن النبي صلى الله عليهوسلم الذي كان قرر في عقولهم وطبعهمعلى ذلك يريد أن يثبت عمليا بأنه بشر، وأن هذا السجود لا يصلح إلا لربالبشر ، ويقول : ( لو كنت آمراً أحداًأن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجدلزوجها لعظم حقه عليها ) ، في بعضروايات الحديث : ( ولكن لا يصلح السجودإلا لله عز وجل ) ، إذا نحن لو استسلمنالعواطفنا لسجدنا لنبينا صلى اللهعليه وسلم سواء كان حياً أو ميتالماذا ؟ تعظيما له لأن القصد تعظيمهوليس القصد عبادته عليه السلام ،ولكن إذا كنا صادقين في حبه عليهالصلاة والسلام فيجب أن تأتمر بأمرهوأن ننتهي بنهيه ، وألا نضرب بالأمروالنهي عرض الحائط بزعم أنه نحن نفعلذلك حباً لرسول الله صلى الله عليهوسلم ، كيف هذا ؟ هذا أولاً عكس للنصالقرآني ، ثم عكس للمنطق العقليالسليم ، ربنا عز وجل يقول : ( قل إنكنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكمالله ) ،فإذا اتباع الرسول عليه السلام هوالدليل الحق الصادق الذي لا دليلسواه على أن هذا المتبع للرسول عليهالسلام هو المحب لله ولرسوله صلىالله عليه وسلم ، ومن هنا قال الشاعرقوله المشهور :
تعصى الإله وأنت تظهرحبه *** هذا لعمرك في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لاطعته *** إن المحبلمن يحب مطيع(1/16)
هناكمثال دون هذا ومع ذلك فرسول الله صلىالله عليه وسلم ربى أصحابه عليه ، ذلكأن الناس في الجاهلية كانوا يعيشونعلى عادات جاهلية وزيادة أخرى عاداتفارسية أعجمية ، ومن ذلك أنه يقومبعضهم لبعض كما نحن نفعل اليوم تماما؛ لأننا لا نتبع الرسول عليه السلامولا نصدق أنفسنا بأعمالنا أننا نحبهعليه الصلاة والسلام ، وإنمابأقوالنا فقط ذلك أن الناس كان يقومبعضهم لبعض ، أما الرسول صلى اللهعليه وسلم فقد كان أصحابه معه كما لوكان فرداً منهم ، لا أحد يظهر له منذلك التبجيل الوثني الفارسي الأعجميشيئا إطلاقا ، وهذا نفهمه صراحة منحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( ما كانشخص أحب إليهم من رسول الله صلى اللهعليه وسلم و كانوا لا يقومون لمايعلمون من كراهيته لذلك ) أنظروا هذا الصحابيالجليل الذي تفضل الله عليه فأولاهخدمة نبيه عشرة سنين أنس بن مالك ،كيف يجمع في هذا الحديث بين الحقيقةالواقعة بينه عليه السلام وبينأصحابه من حبهم إياه وبين هذا الذييدندن حوله أن هذا الحب يجب أن يقيدبالإتباع وأن لا ينصاع وأن لا يخضعصاحبه من هوى ، وحبك الشيء يعمي ويصم، فهو يقول حقا ما كان شخص أحب إليهممن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذهحقيقة لا جدال فيها ، لكنه يعطف علىذلك فيقول وكانوا لا يقومون لمايعلمون من كراهيته لذلك ، إذا لماذاكان أصحاب الرسول عليه السلام لايقومون له ؟ إتباعا له تحقيقا للآيةالسابقة : ( إن كنتم تحبون اللهفاتبعوني )، فاتباع الرسول هو دليل حب الله حباصحيحاً ، ما استسلموا لعواطفهم كماوقع من الخلف الطالح ، نحن نقرأ فيبعض الرسائل التي ألفت حول هذاالمولد الذي نحن في صدد بيان أنه محدثجرت مناقشات كثيرة مع الأسف والأمركالصبح أبلج واضح جداً ، فناس ألفوافي بيان ما نحن في صدده أن هذا ليس منعمل السلف الصالح وليس عبادة وليسطاعة ، وناس تحمسوا واستسلموالعواطفهم وأخذوا يتكلمون كلاماً لايقوله إلا إنسان ممكن أن يقال في مثلهإن(1/17)
الله عز وجل إذا أخذ ما وهب أسقط ماأوجب لماذا ؟ لأن في المولد حتىالطريقة القديمة ما أدري الآن لعلهمنسخوها أو عدلوها كانوا يجلسون علىالأرض فكانوا إذا جاء القارئ لقصةولادة الرسول عليه السلام ووضع أمهإياه قاموا جميعاً قياماً وكانوايبطشون بالإنسان إذا لم يتحرك وظلجالساً ، فجرت مناقشات حول هذاالموضوع ، فألف بعضهم رسالة فقال هذاالإنسان الأحمق قال : لو استطعت أنأقوم لولادة الرسول عليه السلام علىرأسي لفعلت ، هذا يدري ما يقول ، الحقما قال الشاعر :
فإن كنت لا تدري فتلكمصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم(1/18)
ترىإذا عملنا مقابلة بين هذا الإنسانالأحمق وبين صحابة الرسول الكرام ،حسبنا واحد منهم مش الصحابة حتى مانظلمهم ، ترى من الذي يحترم ويوقرالرسول عليه السلام أكثر أذاكالصحابي الذي إذا دخل الرسول عليهالسلام لا يقوم له أم هذا الخلفالأحمق يقول لو تمكنت لقمت على رأسي ؟هذا كلام إنسان مثل ما قلنا آنفاًيعني هايم ما يدري ما يخرج من فمه ،وإلا إذا كان يتذكر سيرة الرسول عليهالسلام وأخلاقه وتواضعه وأمره للناسبأنه ما يرفعوه إلى آخر ما ذكرناآنفاً لما تجرأ أن يقول هذه الكلمة ،لاسيما وهو يقول ذلك بعد وفاته عليهالسلام حيث الشيطان يتخذ طريقا واسعاجدا لإضلال الناس ، وإشكال الناسلنبيهم بعد وفاته أكثر منه في حياتهعليه السلام لأن النبي صلى الله عليهوسلم وهو حي يرى فينصح ويذكر ويعلم ،وهو سيد المعلمين ، فلا يستطيعالشيطان أن يتقرب إلى أحد بمثل هذاالتعظيم الذي هو من باب الشرك ، أمابعد وفاته عليه السلام فهنا ممكن أنالشيطان يتوغل إلى قلوب الناسوإخراجهم عن الطريق الذي تركهمالرسول صلوات الله وسلامه عليه ،فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم فيحياته ما يقوم له أحد وهو أحق الناسبالقيام لو كان سائغاً ، فنحن نعلم منهذا الحديث حديث أنس أن الصحابةكانوا يحبون الرسول عليه السلام حباحقيقياً وأنهم لو تركوا لأنفسهملقاموا له دائما وأبداً ، ولكنهم همالمجاهدون حقاً تركوا أهواءهمإتباعاً للرسول عليه السلام ، ورجاءمغفرة الله عز وجل ليحظوا بحب الله عزوجل لهم فيغفر الله لهم ، هكذا يكونالإسلام فالإسلام هو الاستسلام هذهالحقيقة هي التي يجب دائما نستحضرها، وأن نبتعد دائماً وأبداً عنالعواطف التي تفرق الناس كثيراًوكثيراً جداً فتخرجهم عن سواء السبيل، لم يبق الآن من تعظيم الرسول عليهالسلام في المجتمعات الإسلامية إلاقضايا شكلية ، أما التعظيم من حق كماذكرنا وهو إتباعه فهذا أصبح محصوراًو محدوداً في أشخاص قليلين جداً ،وماذا يقول الإنسان في(1/19)
الاحتفالاتاليوم ، رفع الصوت والتطريب وغناء لورفع صوته هذا المغني واضطرب وحركرأسه ونحو ذلك أمام الرسول صلى اللهعليه وسلم لكان ذلك لا أقول هل هوالكفر وإنما هو إهانة للرسول عليهالسلام لكان ذلك ، لا أقول هل هوالكفر وإنما هو إهانة للرسول عليهالسلام وليس تعظيما له وليس حبا له ،لأنه حينما ترونه يرفع صوته ويمدويطلع وينزل في أساليب موسيقية ماأعرفها وهو يقول يفعل ذلك حبا في رسولالله أنه كذاب ليس هذا هو الحب ، الحبفي اتباعه ولذلك الآن تجد الناسفريقين فريق يقنعون لا ثبات أنهممحبون للرسول عليه السلام على النصعلى الصمت وهو العمل في أنفسهم فيأزواجهم في ذرياتهم ، وناس آخرونيدعون هذا المجال فارغا في بيوتهم فيأزواجهم في بناتهم في أولادهم لايعلمونهم السنة ولا يربونهم عليهاكيف وفاقد الشيء لا يعطيه ؟ وإنما لميبق عندهم إلا هذه المظاهر ، إلاالاحتفال بولادة الرسول عليه السلام، ثم جاء الظغث على إبالة كما يقالفصار عندنا أعياد واحتفالات كثيرةكما جاء الاحتفال بسيد البشر تقليداًللنصارى كذلك جرينا نحن حتى فياحتفالنا بمواليد أولادنا أيضاً علىطريقة النصارى ، وإن تعجب فعجب من بعضهؤلاء المنحرفين عن الجادة يقولونالنصارى يحتفلوا بعيسى بنبيهم ، نحنما نحتفل بميلاد نبينا عليه الصلاةوالسلام ؟ أقول هذا يذكرنا بما حينماكان في طريق في سفر فمروا بشجرة ضخمةللمشركين كانوا يعلقون عليهااسلحتهم ، فقالوا كلمة بريئة جداًولكنها في مشابهة لفظية قالوا : ( يارسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهمذات أنواط ، قال عليه السلام الله :أكبر هذه السنن لقد قلتم كما قال قومموسى لموسى : ( أجعل لنا إلها كما لهمآلهة ) ) ،قد يستغرب الإنسان كيف الرسول عليهالسلام يقتبس من هذه الآية حجة علىهؤلاء الذين ما قالوا أجعل لنا إلهاًكما لهم آلهة ، وإنما قالوا اجعل لناشجرة نعلق عليها أسلحتنا كما لهمشجرة فقال لهم : ( هذه السنن - يعنيبدأتهم تسلكون سنن من(1/20)
قبلكم كما فيالأحاديث الصحيحة ـ قلتم كما قال قومموسى لموسى : ( اجعل لنا إلهاً كما لهمآلهة ) ) ،فكيف بمن يقول اليوم صراحة النصارىيحتفلوا بعيساهم نحن ما نحتفل بنبيناعليه السلام ؟ الله أكبر هذه السننوصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حينقال : ( لتتبعن سنن من قبلكمشبراً بشبر وذراعا بذراع حتى دخلواجحر ضب لدخلتموه ، قالوا : يا رسولالله اليهود والنصارى هم ؟ قال : فمنالناس ؟ ) .
أخيرا أقول إن الشيطان قاعد للإنسانفي المرصاد فهو دائماً وأبداً يجتهدلصرف المسلمين عن دينهم ولا يصرفهممعلنا ) انتهت محاضرة " حكمالاحتفال بالمولد النبوي " للشيخالألباني رحمه الله نقلاً من موقع" أنا المسلم " .
top
فتوى الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله في حكم الاحتفال بالمولد النبوي
سئلفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بنعثيمين حفظه الله كما في " فتاوىالشيخ محمد الصالح العثيمين "إعداد وترتيب أشرف عبد المقصود ( 1 / 126) : ما الحكم الشرعي في الاحتفالبالمولد النبوي ؟
فأجاب فضيلته :
((1/21)
نرى أنه لا يتم إيمان عبد حتى يحبالرسول صلى الله عليه وسلم ويعظمهبما ينبغي أن يعظمه فيه ، وبما هولائق في حقه صلى الله عليه وسلم ولاريب أن بعثة الرسول عليه الصلاةوالسلام ولا أقول مولده بل بعثتهلأنه لم يكن رسولاً إلا حين بعث كماقال أهل العلم نُبىءَ بإقرأ وأُرسلبالمدثر ، لا ريب أن بعثته عليهالصلاة والسلام خير للإنسانية عامة ،كما قال تعالى : ( قل يأيها الناس إنيرسول الله إليكم جميعاً الذي له ملكالسموات والأرض لا إله إلا هو يحييويميت فآمنوا بالله ورَسُولِهِالنبي الأمي الذين يؤمن باللهوكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) ( الأعراف : 158 ) ،وإذا كان كذلك فإن من تعظيمه وتوقيرهوالتأدب معه واتخاذه إماماًومتبوعاً ألا نتجاوز ما شرعه لنا منالعبادات لأن رسول الله صلى اللهعليه وسلم توفى ولم يدع لأمته خيراًإلا دلهم عليه وأمرهم به ولا شراً إلابينه وحذرهم منه وعلى هذا فليس منحقنا ونحن نؤمن به إماماً متبوعاً أننتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده أوبمبعثه ، والاحتفال يعني الفرحوالسرور وإظهار التعظيم وكل هذا منالعبادات المقربة إلى الله ، فلايجوز أن نشرع من العبادات إلا ما شرعهالله ورسوله وعليه فالاحتفال بهيعتبر من البدعة وقد قال النبي صلىالله عليه وسلم : " كل بدعةضلالة "قال هذه الكلمة العامة ، وهو صلى اللهعليه وسلم أعلم الناس بما يقول ،وأفصح الناس بما ينطق ، وأنصح الناسفيما يرشد إليه ، وهذا الأمر لا شكفيه ، لم يستثن النبي صلى الله عليهوسلم من البدع شيئاً لا يكون ضلالة ،ومعلوم أن الضلالة خلاف الهدى ،ولهذا روى النسائي آخر الحديث : " وكلضلالة في النار " ولو كان الاحتفالبمولده صلى الله عليه وسلم من الأمورالمحبوبة إلى الله ورسوله لكانتمشروعة ، ولو كانت مشروعة لكانتمحفوظة ، لأن الله تعالى تكفل بحفظشريعته ، ولو كانت محفوظة ما تركهاالخلفاء الراشدون والصحابةوالتابعون لهم بإحسان وتابعوهم ،فلما لم يفعلوا شيئاً من(1/22)
ذل علم أنهليس من دين الله ، والذي أنصح بهإخواننا المسلمين عامة أن يتجنبوامثل هذه الأمور التي لم يتبن لهممشروعيتها لا في كتاب الله ، ولا فيسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولافي عمل الصحابة رضي الله عنهم ، وأنيعتنوا بما هو بيّن ظاهر من الشريعة ،من الفرائض والسنن المعلومة ، وفيهاكفاية وصلاح للفرد وصلاح للمجتمع .
وإذا تأملت أحوال هؤلاء المولعينبمثل هذه البدع وجدت أن عندهم فتوراًعن كثير من السنن بل في كثير منالواجبات والمفروضات ، هذا بقطعالنظر عما بهذه الاحتفالات من الغلوبالنبي صلى الله عليه وسلم الموديءإلى الشرك الأكبر المخرج عن الملةالذي كان رسول الله صلى الله عليهوسلم نفسه يحارب الناس عليه ،ويستبيح دماءهم وأموالهم وذراريهم ،فإننا نسمع أنه يلقى في هذهالاحتفالات من القصائد ما يخرج عنالملة قطعاً كما يرددون قول البوصيري:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادثالعمم
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي صفحاًوإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومكعلم اللوح والقلم
مثلهذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل ،وأنا أعجب لمن يتكلم بهذا الكلام إنكان يعقل معناه كيف يسوغ لنفسه أنيقول مخاطباً النبي عليه الصلاةوالسلام : ( فإن من جودك الدنيا وضرتها) ومن للتبعيض والدنيا هي الدنياوضرتها هي الآخرة ، فإذا كانت الدنياوالآخرة من جود الرسول عليه الصلاةوالسلام ، وليس كل جوده ، فما الذيبقي لله عز وجل ، ما بقي لله عز وجل ،ما بقي له شيء من الممكن لا في الدنياولا في الآخرة .
وكذلك قوله لله : ( ومن علومك علماللوح والقلم ) ومن : هذه للتبعيض ولاأدري ماذا يبقى تعالى من العلم إذاخاطبنا الرسول عليه الصلاة والسلامبهذا الخطاب .(1/23)
ورويدك يا أخي المسلم .. إن كنت تتقيالله عز وجل فأنزل رسول الله صلى اللهعليه وسلم منزلته التي أنزله الله ..أنه عبد الله ورسوله فقل هو عبداللهورسوله ، واعتقد فيه ما أمره ربه أنيبلغه إلى الناس عامة : ( قل لاأقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلمالغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبعإلا ما يوحى إلي ) ( الأنعام : 50 ) ، وماأمره الله به في قوله : ( قل إنيلا أملك لكم ضراً ولا رشداً ) ( الجن : 21 ) ،وزيادة على ذلك : ( قل إني لنيجيرني من الله أحد ولن أجد من دونهملتحداً )( الجن : 22 ) ، حتى النبي عليه الصلاةوالسلام لو أراد الله به شيئاً لا أحديجيره من الله سبحانه وتعالى .
فالحاصل أن هذه الأعياد أوالاحتفالات بمولد الرسول عليهالصلاة والسلام لا تقتصر على مجردكونها بدعة محدثة في الدين بل هي يضافإليها شئ من المنكرات مما يؤدي إلىالشرك .
وكذلك مما سمعناه أنه يحصل فيهااختلاط بين الرجال والنساء ، ويحصلفيها تصفيق ودف وغير ذلك من المنكراتالتي لا يمتري في إنكارها مؤمن ، ونحنفي غِنَى بما شرعه الله لنا ورسولهففيه صلاح القلوب والبلاد والعباد )انتهت فتوى الشيخ محمد بن عثيمينحفظه الله في حكم الاحتفال بالمولد .
top
مقال " حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي " للشيخ صالح الفوزان حفظه الله
( الحمد لله ربالعالمين، والصلاة والسلام علىنبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:(1/24)
فلا يخفى ما ورد في الكتاب والسنة منالأمر باتباع ما شرعه الله ورسوله،والنهي عن الابتداع في الدين، قالتعالى : ( قل إن كنتم تحبونالله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكمذنوبكم ) (آل عمران: 31 ) ، وقال ـ تعالى ـ : ( اتبعواما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا مندونه أولياء قليلا ما تذكرون ولا ) ( الأعراف : 3 ) ،وقال - تعالى -: ( وأن هذا صراطيمستقيما فاتبعوه تتبعوا السبل فتفرقبكم عن سبيله إن ) ( الأنعام : 153 ) ، وقالصلى الله عليه وسلم : ( أصدق الحديثكتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشرالأمور محدثاتها الله ) ، وقال صلى عليه وسلمعمل : ( من أحدث في أمرنا هذاما ليس منه فهو رد ) ، وفي رواية لمسلم : ( منعملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
وإن من جملة ما أحدثه الناس من البدعالمنكرة الاحتفال بذكرى المولدالنبوي في شهر ربيع الأول ؛ وهم فيهذا الاحتفال على أنواع :
فمنهم من يجعله مجرد اجتماع تُقرأفيه قصة المولد ، أو تُقدَّم فيه خطبوقصائد في هذه المناسبة.
ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغيرذلك ويقدمه لمن حضر.
ومنهم من يقيمه في المساجد ، ومنهم منيقيمه في البيوت.
ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر ، فيجعلهذا الاجتماع مشتملاً على محرماتومنكرات من اختلاط الرجال بالنساءوالرقص والغناء، أو أعمال شركيةكالاستغاثة بالرسول صلى الله عليهوسلم وندائه والاستنصار به علىالأعداء وغير ذلك ، وهو بجميع أنواعهواختلاف أشكاله واختلاف مقاصدفاعليه لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمةمحدثة بعد القرون المفضلة بأزمانطويلة ؛ فأول من أحدثه الملك المظفرأبو سعيد كوكبوري ملك إربل في آخرالقرن السادس أو أول القرن السابعالهجري ، كما ذكره المؤرخون كابنكثير وابن خلكان وغيرهما .
وقال أبو شامة : وكان أول من فعل ذلكبالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحدالصالحين المشهورين ، وبه اقتدى فيذلك صاحب إربل وغيره .(1/25)
قال الحافظ ابن كثير في " البدايةوانهاية " ( 13 / 137 ) في ترجمة أبيسعيد كوكبوري : ( وكان يعمل المولدالشريف في ربيع الأول ويحتفل بهاحتفالاً هائلاً... إلى أن قال : قالالسبط : حكى بعض من حضر سماط المظفر فيبعض الموالد أنه كان يمد في ذلكالسماط خمسة آلاف رأس مشوي ، وعشرةآلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية ،وثلاثين ألف صحن حلوىقال : ويعملللصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجرويرقص بنفسه معهم ) اهـ ... إلى أن .
وقال ابن خلكان في " وفيات الأعيان" ( 3 / 274 ) : فإذا كان أول صفرزينوا تلك القباب بأنواع الزينةالفاخرة المتجملة ، وقعد في كل قبةجوق من الأغاني ، وجوق من أربابالخيال ومن أصحاب الملاهي ، ولميتركوا طبقة من تلك الطبقات ( طبقاتالقباب ) حتى رتبوا فيها جوقاً .
وتبطلمعايش الناس في تلك المدة ، وما يبقىلهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم...إلى أن قال : فإذا كان قبل يوم المولدبيومين أخرج من الإبل والبقر والغنمشيئاً كثيراً زائداً عن الوصف وزفهابجميع ما عنده من الطبول والأغانيوالملاهي، حتى يأتي بها إلى الميدان...إلى أن قال فإذا كانت ليلة المولد عملالسماعات بعد أن يصلي المغرب فيالقلعة .اهـ .
: فهذا مبدأ حدوث الاحتفال بمناسبةذكرى المولد، حدث متأخراً ومقترناًباللهو والسرف وإضاعة الأموالوالأوقات ، وراء بدعة ما أنزل اللهبها من سلطان .
والذي يليق بالمسلم إنما هو إحياءالسنن وإماتة البدع ، وأن لا يقدم علىعمل حتى يعلم حكم الله فيه.
هذا ؛ وقد يتعلق من يرى إحياء هذهالبدعة بشبه أوهى من بيت العنكبوت ،ويمكن حصر هذه الشبه فيما يلي :
1 - دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبيصلى الله عليه وسلم .(1/26)
والجواب عن ذلك أن نقول : إنما تعظيمهصلى الله عليه وسلم بطاعته وامتثالأمره واجتناب نهيه ومحبته صلى اللهعليه وسلم ، وليس تعظيمه بالبدعوالخرافات والمعاصي ، والاحتفالبذكرى المولد من هذا القبيل المذموم؛ لأنه معصية وسلم هم . وأشد الناستعظيماً للنبي صلى الله عليه الصحابةلقد - رضي الله عنهم ـ ، كما قال عروةبن مسعود لقريش : ( يا قوم ! واللهوفدت على كسرى وقيصر والملوك ، فمارأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظمأصحاب محمد محمداً صلى الله عليهوسلم ، والله ما يمدون النظر إليهتعظيماً له ) ، ومع هذا التعظيم ماجعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً ،ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.
2 - الاحتجاج بأن هذا عمل كثير منالناس في كثير من البلدان.
والجواب عن ذلك أن نقول : الحجة بماثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم .والثابت عن الرسول صلى الله عليهوسلم النهي عن البدع عموماً ، وهذامنها. وعمل الناس إذا خالف الدليلفليس بحجة ، وإن كثروا : ( وإنتطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيلالله ) (الأنعام بطلانها : 116) ، مع أنه لا يزالـ بحمد الله ـ في كل عصر من ينكر هذهالبدعة ويبين ، فلا حجة بعمل من استمرعلى إحيائها بعد ما تبين له الحق .
فممن أنكر الاحتفال بهذه المناسبةشيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاءالصراط المستقيم " ، والإمامالشاطبي في عمر " الاعتصام " ،وابن الحاج في " المدخل " ،والشيخ تاج الدين علي بن اللخميألَّف في إنكاره كتاباً مستقلاً ،والشيخ محمد بشير السهسواني الهنديفي كتابه " صيانة الإنسان " ،والسيد محمد رشيد رضا ألَّف فيهرسالة مستقلة ، والشيخ محمد بنإبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالةمستقلة ، وسماحة الشيخ عبد العزيز بنباز ، وغير هؤلاء ممن لا يزالونيكتبون في إنكار هذه البدعة كل سنة فيصفحات الجرائد والمجلات ، في الوقتالذي تقام فيه هذه البدعة .
3 ـ يقولون : إن في إقامة المولد إحياءلذكر النبي صلى الله عليه وسلم .(1/27)
والجواب عن ذلك أن نقول ذكره : إحياءذكر النبي صلى الله عليه وسلم يكونبما شرعه الله من في الأذان والإقامةوالخطب والصلوات وفي التشهد والصلاةعليه وقراءة سنته واتباع ما جاء به ؛وهذا شيء مستمر يتكرر في اليوموالليلة دائماً ، لا في السنة مرة .
4 ـ قد يقولون : الاحتفال بذكرى المولدالنبوي أحدثه ملك عادل عالم ، قصد بهالتقرب إلى الله !
والجواب عن ذلك أن نقول : البدعة لاتُقبل من أي أحد كان ، وحسْن القصد لايسوِّغ العمل السيئ ، وكونه عالماًوعادلاً لا يقتضي عصمته .
5 ـ قولهم : إن إقامة المولد من قبيلالبدعة الحسنة ؛ لأنه ينبئ عن الشكرلله على وجود النبي الكريم !
ويجاب عن ذلك بأن يقال : ليس في البدعشيء حسن ؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهورد ) ،ويقال أيضاً : لماذا تأخر القيام بهذاالشكر ـ على زعمكم ـ إلى آخر القرنالسادس ، فلم يقم به أفضل القرون منالصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وهم أشد محبة للنبي صلى الله عليهوسلم وأحرص على فعل الخير والقيامبالشكر ؛ فهل كان من أحدث بدعة المولدأهدى منهم وأعظم شكراً لله - عز وجل - ؟حاشا وكلاَّ .
6 ـ قد يقولون : إن الاحتفال بذكرىمولده صلى الله عليه وسلم ينبئ عنمحبته ؛ فهو مظهر من مظاهرها وإظهارمحبته صلى الله عليه وسلم مشروع !
والجواب أن نقول : لا شك أن محبته صلىالله عليه وسلم واجبة على كل مسلمأعظم من محبة النفس والولد والوالدوالناس أجمعين ـ بأبي هو وأمي صلواتالله وسلامه عليه ـ ، ولكن ليس معنىذلك أن نبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعهلنا ، بل محبته تقتضي طاعته واتباعه ؛فإن ذلك من أعظم مظاهر محبته ، كماقيل :
لو كان حبك صادقاًلأطعته *** إن المحبّ لمن يحبمطيع(1/28)
فمحبته صلى الله عليهوسلم تقتضي إحياء سنته والعض عليهابالنواجذ ومجانبة ما خالفها منالأقوال والأفعال ، ولا شك أن كل ماخالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصيةظاهرة ، ومن ذلك الاحتفال بذكرىمولده وغيره من البدع . وحسن النية لايبيح الابتداع في الدين ؛ فإن الدينمبني على أصلين : الإخلاص ، والمتابعة، قال تعالى : ( بلى من أسلم وجهه للهوهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوفعليهم ولا هم يحزنون ) ( البقرة : 112 ) ، فإسلامالوجه هو الإخلاص لله ، والإحسان هوالمتابعة للرسول وإصابة السنة .
وخلاصة القول يجب : أن الاحتفال بذكرىالمولد النبوي بأنواعه واختلافأشكاله بدعة منكرة على المسلمينمنعها ومنع غيرها من البدع ،والاشتغال بإحياء السنن والتمسك بها، ولا يغتر بمن يروِّج هذه البدعةويدافع عنها ؛ فإن هذا الصنف يكوناهتمامهم بإحياء البدع أكثر مناهتمامهم بإحياء السنن ، بل ربما لايهتمون بالسنن أصلاً ، ومن كان هذاشأنه فلا يجوز تقليده والاقتداء به ،وإن كان هذا الصنف هم أكثر الناس ،وإنما يقتدي بمن سار على نهج السنة منالسلف الصالح وأتباعهم وإن كانواقليلاً ؛ فالحق لا يُعْرف بالرجال ،وإنما يُعْرف الرجال بالحق .
قال صلى الله عليه وسلم : ( فإنهمن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ؛فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدينالمهديين من بعدي ، عضّوا عليهابالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ،فإن كل بدعة ضلالة ) ، فبين لنا صلى اللهعليه وسلم في هذا الحديث الشريف بمننقتدي عند الاختلاف ، كما بين أن كلما خالف السنة من الأقوال والأفعالفهو بدعة وكل بدعة ضلالة .(1/29)
وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبويلم نجد له أصلاً في سنة رسول الله صلىالله عليه وسلم ، ولا في سنة خلفائهالراشدين ، إذاً فهو من محدثاتالأمور ومن البدع المضلة ، وهذاالأصل الذي تضمنه هذا الحديث قد دلعليه قوله تعالى والرسول إن : ( فإنتنازعتم في شيء فردوه إلى الله كنتمتؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيروأحسن تأويلا ) ( النساء : 59 ) .
والرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابهالكريم ، والرد إلى الرسول صلى اللهعليه وسلم هو الرجوع إلى سنته بعدوفاته ؛ فالكتاب والسنة هما المرجععند التنازع ، فأين في الكتاب والسنةما يدل على مشروعية الاحتفال بالمولدالنبوي ؟ فالواجب على من يفعل ذلك أويستحسنه أن يتوب إلى الله ـ تعالى ـمنه ومن غيره من البدع ؛ فهذا هو شأنالمؤمن الذي ينشد الحق ، وأما من عاندوكابر بعد قيام الحجة فإنما حسابهعند ربه .
هذا ؛ ونسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـأن يرزقنا التمسك بكتابه وسنة رسولهإلى يوم نلقاه ، وصلى الله وسلم وباركعلى نبينا محمد وآله وصحبه ) انتهىمقال " حكم الاحتفال بذكرى المولدالنبوي " للشيخ صالح الفوزان حفظهالله نقلاُ من مجلة البيان ( العدد 139 )ربيع الأول 1420 هـ .
top
الصفحة الرئيسية | السراج المنير | المكتبة الإسلامية | صوتيات السراج | روابط السراج | دعوتنا | تزكيات | ساهم معنا | اتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم - جمعية السراج المنير الإسلامية - بيروت - لبنان ( asseraj@asseraj.net )(1/30)