دلائل النبوة
في غزوة الأحزاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علماً.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، فيسِّر لنا أمورنا، واختم لنا بالسعادة، إنك على كل شيء قدير، أما بعد:
فقد طلب مني مدير مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة سلمه الله تعالى ووفقه للخير الاشتراكَ في ندوة (التوثيق الميداني لغزوة الأحزاب) كما طلب مني أن تكون كلمتي بعنوان (دلائل النبوة في غزوة الأحزاب) وقد تم ذلك، ولله الحمد والمنة والفضل، حيث ألقيتها في الندوة الأولى، بتاريخ (ليلة 8 من ذي القعدة، 1427هـ).
إن المقصود بدلائل النبوة: المعجزات والخوارق التي يجريها الله تعالى على يد رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، للدلالة على صدقه في دعوى النبوة والرسالة، ولا يمكن أن تقع منه بصفته البشرية، لأنه ليس للاجتهاد فيها مسرح، ولا للعقل فيها مجال. إنما صدرت من مشكاة النبوة.
ولدلائل النبوة ـ من معجزات وخوارق ـ التي يجريها الله تعالى على يد رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - بحضرة أصحابه الكرام رضي الله عنهم: فوائد كثيرة، منها تثبيتهم في دينهم، وتيقنهم بصدق نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، والدلالة على علو مكانته عند ربه عز وجل، ورفعة منزلته لديه جل شأنه، والحرص على الإيمان به، وزيادة محبتهم له - صلى الله عليه وسلم - ، وتفانيهم في خدمته والدفاع عنه،... وبيان مكانة هذه الأمة، ورفعة منزلتها عند الله تعالى،... مما يجعل المسؤولية على عاتقهم كبيرة، في حمل هذا الدين، وتمسكهم به وتبليغه،... إلخ.
ولدلائل النبوة ضوابط للتفريق بينها وبين ما يصدر عن الإنسان من خوارق، كالكرامة، والإعانة، والاستدراج، والإهانة،...(1/1)
وأول من تكلم في علامات النبوة ـ فيما أحسب ـ الإمامُ البخاري رحمه الله تعالى، حيث عقد بابين في صحيحه، هما (علامات النبوة في الإسلام) و (بقية علامات النبوة في الإسلام) ثم تلاه عدد من العلماء، فأفردوها في كتب مستقلة، كأبي داود وابن قتيبة وابن أبي الدنيا وأبي الشيخ في آخرين رحمهم الله تعالى، ومن أوسعها كتاب الحافظ أبي نعيم رحمه الله تعالى ـ وقد وصلنا مختصره ـ ثم الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى، ثم تلاهم آخرون.
ـ فمنها ما ذكره القرآن الكريم، ومنها ما لم يذكره ـ وهو الغالب.
ـ ومنها ما يدل على صدق دعوى النبوة والرسالة، ومنها ما يدل على أن ما يقوله - صلى الله عليه وسلم - ليس من بابة البشرية إنما هو وحي من الله تعالى.
ـ ومنها معجزات حسية، ومنها المعنوية.
ـ ومنها خوارق فعلية، ومنها قولية.
ـ ومنها ما يتعلق بالغيب، سواء في الزمن البعيد ـ بدء الخليقة ـ ومنها في الوقت الحاضر، ومنها ما يتعلق بالزمن القادم ـ ولو كان نهاية الخليقة.
ـ ومنها ما يكون حسب الواقع، ومنها ما يكون جواباً لسؤال، فيكون طبق الواقع.
ـ ومنها ما تحقق وقوعه في زمانه - صلى الله عليه وسلم - ، ومنها ما تحقق بعد زمانه ـ سواء بزمن قريب ـ في حياة أصحابه رضي الله تعالى عنهم ـ أو بعيد ـ ومنها ما لم يتحقق بعد.
ـ ومنها ما يكون إجابة دعاء، ومنها ما يكون تكثيراً للقليل،... إلخ.
وما حصل يوم الخندق من دلائل فهو متنوع: منه ما ذكره القرآن الكريم، ومنه مايدخل في علم الغيب المستقبلي، ومنه ماتحقق في زمانه - صلى الله عليه وسلم - ، ومنه ما تحقق بعد زمانه لكن في زمن أصحابه رضي الله تعالى عنهم، ومنه ما كان تكثيراً للقليل، ومنه ما كان إخباراً عن الواقع، ومنه ما يدخل في الوعد ثم تحقق بعد فترة، ومنه ما كان من إعانة من عالم آخر (الملائكة والريح) ومنه ما كان من خرق العوائد،... وهكذا.(1/2)
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أكثر الأنبياء عليهم السلام معجزات ومكرمات، وقد تكلف بعض العلماء إحصاءها، لكنهم لم يصلوا إلى قعرها، إذ منهم من أوصلها إلى ثلاثة آلاف معجزة، كيف وحياته - صلى الله عليه وسلم - كلها خوارق، بدءاً من أخلاقه وآدابه - صلى الله عليه وسلم - حتى ما جرى عليه مما لا يصل إليه مخلوق.
والدلائل التي ظهرت في الخندق ـ شأنها شأن كثير من المواقف ـ كثيرة، لكني سأقتصر على ذكر بعضها، حسب الوقت المخصص للكلمة، كما سأذكر في الابتداء بعض الحقائق العلمية تكون مدخلاً لنا إلى الموضوع، والله تعالى هو الحافظ والمعين.
وصلى الله تعالى على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الطَّيّبين الطّاهرين، وصحابته الكرام المبجّلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
* لقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يعطي كلَّ رسولٍ من رسله آيةً أو أكثر تكون دلالة على صدقه، وبرهاناً على رسالته، كما أوضحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما مِن الأنبياء نبيٌّ إلا أُعطي مِن الآيات ما مثله آمن عليه البشر،...) الحديث، وستأتي تتمته بعد قليل، متفق عليه (1).
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن: باب كيف نزل الوحي، وفي غيرهما. وصحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس، رقم (239) .(1/3)
* كما اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يكون النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - أكثرَ الأنبياء عليهم السلام معجزات. بل ما من معجزة أُعطِيَها نبيٌّ من الأنبياء إلا وأعطي النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - مثلَها، أو أكبر منها. بل ما من معجزة أُعطِيها نبي من الأنبياء السابقين عليهم السلام إلا وأُعطي أحدُ أفراد هذه الأمة مثلَها أو ما يقابلها. كما أوضحتُ ذلك في (مكانة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بين الأنبياء عليهم السلام).
* كما اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن تكون جميعُ تلك المعجزات آنيّةً وقتيّةً، زال أثرها بعد موت من حضرها أو بعد موت الرسل الذين ظهرت على أيديهم، إلا ما كان من معجزة النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - الكبرى؛ وهي الوحي، فإنها الباقية مدى الدهر حتى تُرفع عند قيام الساعة.
ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ـ الذي مر أوله قبل قليل، والمتفق عليه ـ يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (... وإنما كان الذي أُوتيتُه وحياً أوحاه الله إِلَيَّ، فأرجو أن أكونَ أكثرَهم تابعاً يوم القيامة).
* كما اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن تكون تلك المعجزات مُناسِبةً لما عليه حال وعقلية تلك الأقوام، كما أنها تكون محدودةً بمظهر أو أكثر.
أما معجزاتُ النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، فليست محصورةً في نوع أو صنف واحد، بل هي مختلفةٌ متنوعةٌ، شاملةٌ للعُلوي والسُّفلي، والصامت والناطق، والساكن والمتحرك، والمائع والجامد، والسابق واللاحق، والمرئي والمخفي، والغائب والحاضر، والباطن والظاهر، والعاجل والآجل،... إلخ، كما أوضحتُ ذلك في المجلد الثاني من (السنة النبوية وحي).(1/4)
* كما اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن تكون دلائلُ نبوَّة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - متنوعةً، فمنها الحِسِّي، ومنها المعنوي، ومنها القديم الموغل في القدم، ومنها المستقبلي الموغل في المستقبل، ومنها الحاضر المخفي، ومنها الذي تحقق في زمانه، ومنها ما تأخر بعد قرنه - صلى الله عليه وسلم - ، كما أن منها ما يدل على صدق نبوته ورسالته - صلى الله عليه وسلم - ، ومنها ما يدل على أن ما ينطق - صلى الله عليه وسلم - به إنما هو وحي من الله تعالى ـ وليس من بابة البشرية ـ ومنها ما ذكره القرآن الكريم، ومنها ما لم يذكره، ويدخل في ذلك الإعجاز العلمي.
* كما اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يكون لتلك الدلائل النبوية: فائدةٌ مهمةٌ؛ هي تثبيت أفئدة أتباع النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله تعالى عنهم ـ مع الفرق بين تلك الحالات ـ فإذا كان قلبُ النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - يتثبت بنزول القرآن الكريم عليه منجَّماً، مع تكرار هبوط جبريل عليه السلام عليه، كذلك رؤية الأتباع رضي الله تعالى عنهم لتلك الدلائل فيها تثبيت لقلوبهم رضي الله تعالى عنهم وأيما تثبيت.
* بل إن المعجزات التي يجريها الله تعالى على يدي رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - تكون من عوامل تثبيته هو؛ في إزالة الحزن والغم، وتكفيه في الدلالة على عناية الله تعالى به.(1/5)
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عنه قال: جاء جبريل إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ يومٍ، وهو جالس حزيناً، قد خُضب بالدماء، ضربه بعضُ أهل مكة. قال: فقال له: مالَكَ ؟ قال: فقال له: (فعل بي هؤلاء وفعلوا) قال: فقال له جبريل عليه السلام: أتحب أن أُريك آيةً ؟ قال: (نعم). قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، فقال: ادع بتلك الشجرة. فدعاها، فجاءت تمشي، حتى قامت بين يديه. فقال: مُرها فلترجع. فأمرها فرجعت إلى مكانها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (حسبي) رواه أحمد وابن أبي شيبة والدارمي وابن ماجه وأبو يعلى والفاكهي والبيهقي والضياء بإسناد صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن كثير(1).
فإذا كانت هذه الآية عاملَ تثبيت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكيف تكون لأصحابه رضي الله تعالى عنهم، وهم يرون ألوفَ الآيات، يجريها الله تعالى على يد رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - ؟
لقد وضع الله سبحانه وتعالى في ذرات الكون ـ عُلويِّه وسفليِّه ـ معرفة هذا النبيِّ الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، لذا ما كان منها إلا أن تعظّمه وتحبّه وتطيعه.
__________
(1) مسند أحمد (3: 113) ومصنف ابن أبي شيبة (11: 478 ـ 179) وسنن الدارمي (20 رقم23) وسنن ابن ماجه: كتاب الفتن: باب الصبر على البلاء، رقم (4028) ومسند أبي يعلى (6: 358، 358 ـ 359) وأخبار مكة للفاكهي (4: 28 ـ 29) ودلائل النبوة للبيهقي (2: 154) والمختارة (6: 214، 214 ـ 215) وانظر الشمائل لابن كثير (239).(1/6)
فعن جابر - رضي الله عنه - قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر، حتى دفعنا إلى حائط من حيطان بني النجار، إذا فيه جملٌ لا يدخل الحائطَ أحدٌ إلا شدَّ عليه،... الحديث بطوله، وفي آخره: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (إنه ليس شيءٌ بين السماء والأرض إلا يعلمُ أني رسولُ الله، إلا عاصي الجن والإنس) رواه أحمد والدارمي وابن أبي شيبة والطبراني وعبدُ بن حُميد والبزار، وأبو نُعيم والبيهقي والتيمي ـ ثلاثتهم في دلائل النبوة ـ والضياء المقدسي من طرق، عن جابر - رضي الله عنه - .
ورواه أحمد والطبراني والبيهقي وصححه ـ بلفظه ـ من حديث يعلى بن مرة رضي الله تعالى عنه، ورجالُ أحمد رجالُ الصحيح.
ورواه الطبراني برجال ثقات ـ وفي بعضهم ضعف ـ وأبو نعيم والتيمي والبيهقي ـ كلهم في الدلائل ـ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه.
وقال الإمام البيهقي رحمه الله تعالى: هذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبةَ الظن أو القطع... اهـ (1). والله تعالى أعلم. وانظر آخر البحث.
إن الدلائل التي حصلت في غزوة الخندق كثيرة جداً تزيد على ثلاثين، لكني سأقتصر على ذكر بعضها، وسأشير إشارة لكل واحدة منها، مع عزو كل معجزة لمن رواها من أئمة الحديث.
أولاً: فضح اليهود الذين كانوا سبب الغزوة
__________
(1) مسند أحمد (3: 310) وسنن الدارمي (1: 19رقم 18) ومصنف ابن أبي شيبة (11: 473) ومسند عبد بن حُميد (337 رقم1122) وكشف الأستار (3: 150ـ 151) ودلائل النبوة لأبي نعيم (2:491ـ 492) ودلائل النبوة للبيهقي (6: 22ـ 23، 26، 30) ودلائل النبوة للتيمي (129، 158رقم 139، 183) وانظر: كنز العمال (11: 417) والشمائل لابن كثير (263ـ 264، 270) ومجمع الزوائد (9: 4ـ 7) وسبل الهدى والرشاد (2: 392) والمعجم الكبير (12: 155) (22: 261ـ 262) والأحاديث الطوال (306 ـ 307 رقم 54) وعلامات النبوة (125 ـ 126).(1/7)
لما أجلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهودَ بني النضير من المدينة خرج سلّام بن أبي الحقيق وحُيَي بن أخطب، وكنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من زعماء يهود، إلى قريش وغطفان وبني سُلَيم، ليحرضوهم على المجيء إلى المدينة، ودعوهم إلى حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقالوا لهم: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، واتفقوا معهم على عهد.
فقال كفار قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفدينُنا خيرٌ أم دين محمد ؟ قال اليهود: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق.
مستغلين في ذلك عدم تَحقُّق أهداف غزوة أحد من قبل المشركين. وذلك لمقولة المشركين (لا محمداً قتلنا، و لا الكواعب أردفنا،...).
فأنزل الله تعالى في القرآن الكريم فاضحاً حال اليهود: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ژ (1).
فقد بيّن الله تعالى حالَ هؤلاء اليهود؛ الذين حملهم الحسد للمسلمين على ما آتاهم الله تعالى من فضله، في تفضيلهم المشركين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، لذا استحقوا اللعن، والخلود في نار جهنم تسعر بهم، ولا ناصر لهم يخرجهم منها، والله تعالى أعلم.
ثانياً: إخباره - صلى الله عليه وسلم - بمسير جيش الأحزاب
__________
(1) سورة النساء: (51 ـ 55).(1/8)
لما انفصلت الأحزاب (قريش ومعهم الأحابيش بقيادة أبي سفيان، وغطفان بقيادة عُيينة بن حصن الفزاري، وبنو مُرَّة بقيادة الحارث بن عوف، وبنو أشجع بقيادة مسعر بن رخيلة، وبنو سُليم بقيادة سفيان بن عبد شمس، وبنو أسد بقيادة طليحة بن خويلد الأسدي، وقد وافى عددهم عشرة آلاف مقاتل وعلى الجميع أبو سفيان) من بلادهم متوجهين إلى المدينة أَخبر النبيُّ المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه الكرام رضي الله تعالى عنهم بخبر الأحزاب، وما أجمعوا عليه. ولا شك أن هذا وحي من الله سبحانه وتعالى، أخبره الله تعالى، الذي عصمه من الناس، وبعثه بهذا الدين ليتم ويظهر على سائر الأرض، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، إنما يتبع ما يوحى إليه، وإن لم يُخبر بذلك. خلافاً لما ذكره بعض من كتب في السيرة من المتأخرين.
لذا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ بعد مشورته للصحابة رضي الله تعالى عنهم ـ بحفر الخندق، بعد أن حدد - صلى الله عليه وسلم - موضعه، وارتاد له موضعاً ينزله، وجعل جبل سلع خلف ظهره، وانتهوا منه قبل وصول الأحزاب إلى المدينة. وقيل: إن الذي أشار بحفره هو سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه.
ثالثاً: حفر الخندق بمدة ستة أيام مع قلة الزاد والعتاد
لقد حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين على حفر الخندق، وباشر الحفرَ بيده الشريفة، كما كان - صلى الله عليه وسلم - يحمل التراب حتى اغبر بطنه، ووارى شَعرَه ـ كما في الصحيحين وغيرهما ـ وقد ذكرت ذلك في فضائل المدينة المنورة.(1/9)
وقد استمر المسلمون ـ من المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم يحفرون بأنفسهم، لأنه لم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم(1) ـ في حفر الخندق: ستة أيام، حتى أحكموه، كما ذكر ذلك ابن سعد ومن وافقه رحمهم الله تعالى.
ورجّح الإمام النووي رحمه الله تعالى خمسة عشر يوماً، وقال آخرون: بأكثر.
أقول: هذا بعيد جداً، لأن الجيش الذي يتوجه من مكة إلى المدينة ـ في ذلك الوقت ـ يكون مدة سفره ما بين العشرة واثني عشر يوماً، وهذا ماحصل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما توجه إلى مكة في الفتح وفي حجة الوداع. بينما انتهى المسلمون من حفر الخندق ـ مع طوله ـ قبل مجيء الأحزاب بفترة، لذا لما جاء الأحزاب فوجئوا بذلك.
ولا شك أن هذا سبق، وأما ما ذكره بعض علماء السير من أن أربعة من خزاعة قدموا إلى النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة في خلال أربعة أيام، فهذا وإن كان فيه إعجازٌ آخر إلا أنه بعيد من حيث قَطْعُ تلك المسافة في مدة أربعة أيام، اللهم إلا أن تُطوى لهم الأرض. وندخل في باب آخر.
إن انتهاء المسلمين في خلال ستة أيام من حفر الخندق مع طول المسافة ـ من غرب الحرة الشرقية إلى شرق الحرة الغربية ـ أقول إن حفر هذه المسافة الطويلة ـ وهي ما يقرب من ثلاثة آلاف متر أو تنقص قليلاً ـ مع العمق ـ الذي لا يستطيع الفارس إذا نزل أن يصعد منه، أو الرجل أن يصعد منه ـ والعرض ـ بحيث إن الفرس المدرَّبة لا تستطيع أن تتجاوزه، اللهم إلا ما حصل لبعض المُهُر النادرة من قطعه ـ وكل ذلك في خلال ستة أيام: لا شك أن هذا في ميزان ذلك الوقت يعتبر أمراً خارقاً جدّاً.
__________
(1) انظر: صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الخندق، وفي غيرهما. وصحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير: باب غزوة الأحزاب، واللفظ للبخاري.(1/10)
فنحن الآن ـ مع وجود المعدات الثقيلة والعلوم المتطورة ـ يصعب جداً أن نحفر تلك المسافة وبالعمق والعرض، بخلال ستة أيام أو عشرة. ولكن الله تعالى هو المؤيد والمعين.
رابعاً: أكل ألف رجل من شاة جابر - رضي الله عنه - وصاع شعير
لقد أصاب المسلمين أثناء الحفر جوعٌ وبردٌ شديدين، وقد مر عليهم ثلاثة أيام لا يذوقون مذاقاً، لأنهم مشغولون بحفر الخندق وإنجازه قبل وصول الكفار المتحَزِّبين، مما اضطر النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله تعالى عنهم أن يربطوا على بطونهم الحجر؛ ليشدوا ظهورهم، حتى يتمكنوا من متابعة العمل، ويخفِّفوا من ألم الجوع، ولكن الله تعالى الذي أكرم تلك العصابة ما كان ليضيِّعهم، لذا جاءتهم العناية الإلهية مرة أخرى.عن طريق الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما.
لما رأى جابرٌ رضي الله تعالى عنه ما حل بالنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله تعالى عنهم من الجوع والبرد، استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهاب إلى أهله. فأذن له، ولندع جابراً رضي الله تعالى عنه يحدِّث بما حصل.
عن جابر - رضي الله عنه - قال: لما حُفر الخندق رأيت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خَمَصاً شديداً، فانكفيت إلى امرأتي، فقلت: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَمَصاً شديداً. فأخرجتْ إلي جراباً فيه صاعٌ من شعير، ولنا بُهَيمةٌ داجنٌ، فذبحتُها، وطحنَتِ الشعيرَ، ففرغتْ إلى فراغي، وقطعتُها في بُرمتها، ثم ولَّيتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فقالت: لا تفضحني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبمن معه. فجئتُه فساررتُه، فقلت: يا رسول الله، ذبحنا بُهَيمةً لنا، وطحنا صاعاً من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفرٌ معك.
فصاح النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (يا أهل الخندق، إن جابراً قد صنع سُوراً، فحيَّ هَلا بكم)(1/11)
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا تُنزلُنَّ بُرْمَتَكم، ولا تَخبزُنَّ عجينَكم حتى أجيءَ)
فجئتُ، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدم الناسَ، حتى جئتُ امرأتي، فقالت: بك وبك. فقلت: قد فعلتُ الذي قلتِ.
فأخرجتُ له عجيناً، فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى بُرمتنا فبصق وبارك، ثم قال: (ادعُ خابزةً فلتخبزْ معك، واقدحي من برمتِكم ولا تُنزلوها ـ وهم ألف ـ فأُقسم بالله، لقد أكلوا حتى تركوه، وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو. متفق عليه (1). وللحديث روايات أخرى ذكرتها في فضائل المدينة المنورة وفي غيره.
لقد حلَّت البركة في العجين وفي اللحم بعد بصقه - صلى الله عليه وسلم - فيهما. لذا زاد الأكل حتى كفى ألفَ رجل بل أكثر.
خامساً: كف شعير يكفي القوم
إذا كان في حديث جابر رضي الله تعالى عنه كان الطعام صاعَ شعير وجدياً صغيراً، فقد وقع لهم ما هو أغرب منه. ذلك أنهم كانوا يُؤتون بملْء كفٍّ من شعير، فيطبخ ويوضع عليه دهن قديم متغيِّر الطعم، متغيِّر اللَّون، متغيِّر الرائحة، ويكفيهم كلَّهم، ولله الحمد والمنة.
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة، وينقلون الترابَ على متونهم، وهم يقولون:
نحن الذين بايعوا محمداً على الإسلام ما بقينا أبداً
قال: يقول النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ـ وهو يجيبهم ـ:
(اللهم إنه لا خيرَ إلا خيرُ الآخرة فبارك في الأنصار والمهاجرة)
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الخندق، وفي غيرهما. وصحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك،... رقم (141).(1/12)
قال: يُؤتون بملء كفي من الشعير، فيصنع لهم بإهالة سَنِخَةٍ، توضع بين يدي القوم، والقومُ جياع، وهي بشعةٌ في الحلق، ولها ريحٌ منتن. متفق عليه، واللفظ للبخاري(1).
لقد شملتهم العناية الإلهية مرة أخرى، وإلا كيف يكفي هذا العدد الكبير كفٌّ من شعير، يؤدّم بدهن قديم، ولا يستساغ أكله، حيث ينشب في الحلق، مع وجود الريح النتنة لقدم الدهن.
سادساً: حفنة من تمر بنت رواحة يكفي القوم
ومن ذلك أيضاً عندما أرسلت عمرة بنت رواحة إلى زوجها بشير بن سعد وأخيها عبدِ الله بنِ رواحة رضي الله تعالى عنهم بكفِّ تمر مع ابنتها بنت بَشير ـ طفلة صغيرة ـ فبينا هي تبحث عنهما، رآها النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، فدعاها، وسألها ما معها ؟ فأخبرته الخبر.
فعن سعيد بن مينا، عن ابنة بشير بن سعد ـ أخت النعمان بن بشير ـ قالت: دعتني أمي عمرةُ بنتُ رواحة، فأعطتني حفنةً من تمرٍ في ثوبي، ثم قالت: أي بُنَيَّة، اذهبي إلى أبيك وخالِك عبد الله بن رواحة بغدائهما.
قالت: فأخذتها، فانطلقتُ بها، فمررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنا ألتمس أبي وخالي. فقال: (تعالي يا بنيَّة، ما هذا معك ؟) قالت: فقلت: يا رسول الله، هذا تمرٌ، بعثتني به أمي إلى أبي ـ بشير بن سعد ـ وخالي ـ عبدِ الله بن رواحة ـ يتغديانه. فقال: (هاتيه) قالت: فصببتُه في كفّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فما ملأتهما، ثم أمر بثوب فبُسط له، ثم دحا بالتمر عليه، فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: (اصرخ في أهل الخندق: أن هلم إلى الغداء).
__________
(1) صحيح البخاري: في الكتاب والباب السابقين. وصحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير: باب غزوة الأحزاب، رقم (129 ـ 131).(1/13)
فاجتمع أهلُ الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد، حتى صدر أهلُ الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب. رواه ابن إسحاق وأبو نُعَيْم والبيهقي بإسناد صحيح (1).
تمر لا يملأ الكفين كفى أهل الخندق كلهم ! نعم هو فضل الله تعالى ورحمته.
سابعاً: خبر الذراع
ومن الدلائل التي ظهرت يوم الخندق: طلبه - صلى الله عليه وسلم - من مولاه أبي رافع رضي الله تعالى عنه أن يناوله الذراعَ من الشاة المصلية، ثم تكرر طلبُه - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه لو سكت لأعطاه أذرعة ما طلبها.
فعن سلمى ـ امرأة أبي رافع رضي الله تعالى عنهما ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى أبي رافع بشاة، وذلك يوم الخندق فيما أعلم، فصَلَاها أبو رافع، وجعلها في مكتل، ثم انطلق بها ـ فلقيه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - راجعاً من الخندق، فقال: (يا أبا رافع، ناولني الذراع) فناولتُه. ثم قال: (يا أبا رافع، ناولني الذراعَ) فناولته، ثم قال: (يا أبا رافع، ناولني الذراع) فقال: يا رسول الله، هل للشاة إلا ذراعان؟ فقال: (لو سكتَّ لناولتني ما سألتُك) رواه الطبراني وأبو يعلى برجال ثقات (2).
__________
(1) سيرة ابن هشام (3: 260) ودلائل النبوة لأبي نعيم (2: 639 ـ 640) ودلائل النبوة للبيهقي (3: 427) وأسد الغابة (6: 414).
(2) المعجم الكبير (24: 300 ـ 301) ومجمع الزوائد (8: 311) وإتحاف الخيرة المهرة (9: 138) قلت: لم أجده في المطبوع من سنن أبي يعلى، فلعله في الكبير، والله تعالى أعلم.(1/14)
وعن أبي رافع - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق بشاة في مكتل، فقال: (يا أبا رافع، ناولني الذراع) فناولته الذراع، فقال: (يا أبا رافع، ناولني الذراع) فناولته، ثم قال: (يا أبا رافع، ناولني الذراع) فقلت: يا رسول الله، هل للشاة إلا ذراعان؟ فقال: (لو سكتَّ ساعة ناولتني ما سألتُك) رواه ابن أبي شيبة وأبو يعلى بإسناد حسن(1). وقد ورد هذا الحديث عن عدد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم لكن من غير تقييد بيوم الخندق، وقد ذكرت رواياتهم في (محبة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وطاعته بين الإنسان والجماد)، فانظره.
قلت: وليس ذلك بعاجز على القدرة الإلهية، فالذي ينبع الماء من بين أصابع النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - هو قادر على إيجاد أذرعة في الشاة، إكراماً لنبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - .
وفي باب الطعام عدّة قضايا غير ما ذكرت، اقتصرت على ما ذكرت.
ثامناً: خبر الكدية التي عادت كثيباً مهيلاً بضربة النبيّ الكريم - صلى الله عليه وسلم -
ومن الدلائل التي ظهرت أثناء حفر الخندق: أن عرضت للصحابة رضي الله تعالى عنهم كُدية شديدةٌ لا تأخذ بها المعاول، فشكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأخذ المعول من يد أحدهم وضربها فعادت كثيباً أَهْيَل أو قال أَهْيَم.
__________
(1) إتحاف الخيرة المهرة (9: 131) والشمائل لابن كثير (235) وعزاه لأبي يعلى، لكن وقع عنده سقط في السند.(1/15)
فعن أيمن المخزومي رحمه الله تعالى قال: أتيت جابراً - رضي الله عنه - فقال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كُديةٌ شديدةٌ، فجاؤوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: هذه كُدْيَة عرضت في الخندق، فقال: (أنا نازل) ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثةَ أيام لا نذوق ذواقاً، فأخذ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المعولَ، فضرب في الكدية، فعاد كثيباً أهيل ـ أو أهيم ـ... الحديث بطوله، رواه البخاري (1).
لم يذق - صلى الله عليه وسلم - طعاماً ثلاثة أيام، وعصب على بطنه الشريفة حجراً، وصخرة صلبة قاسية لم تأخذ بها المعاول، ومع هذا ضربها - صلى الله عليه وسلم - ضربة واحدة عادت على إثرها رملاً متفتتاً. إنها العناية الإلهية، الدالة على مكانة هذا النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - عند ربه عز وجل، وعنايته تعالى به. والله تعالى أعلم.
تاسعاً: صخرة سلمان رضي الله تعالى عنه التي تكسرت بضربته - صلى الله عليه وسلم -
ومن الدلائل التي ظهرت يوم حفر الخندق: ما عُرف بصخرة سلمان رضي الله تعالى عنه التي لا تأخذ بها المعاول، فشكوا ذلك إلى النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، فتناول المعول، فضربها عليه وآله الصلاة والسلام ثلاثَ ضربات فتكسرت تلك الصخرة، مع أن المعاول لم تؤثِّر بها.
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الخندق.(1/16)
فعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: احتفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندقَ، وأصحابُه قد شدّوا الحجارةَ على بطونهم من الجوع،... الحديث بطوله، حيث ذكر نحو حديث جابر في قصة الشاة، ثم تمشوا إلى الخندق، فقال: (اذهبوا بنا إلى سلمان) فإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها، فقال نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (دعوني فأكون أولَ من ضربها) فقال: (بسم الله) فضربها فوقعت فلقة؛ ثلثها. فقال: (الله أكبر قصور الروم ورب الكعبة) ثم ضرب بأخرى، فوقعت فلقةٌ، فقال: (الله أكبر، قصور فارس ورب الكعبة) فقال عندها المنافقون: نحن نُخَنْدِق على أنفسنا وهو يعدنا قصورَ فارس والروم ؟ رواه الطبراني في المعجم الكبير ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد ونعيم العبدي وهما ثقتان (1).
لقد تحقق ما قاله - صلى الله عليه وسلم - بعد سنوات قليلة، حيث بدأ فتحُ بلاد الشام والعراق في زمن الصديق، وتم فتحهما في زمن الفاروق رضي الله تعالى عنهما، رغم أنف المنافقين الذين أرجفوا، وثبّطوا، وشكّكوا.
كما أن هذه الصخرة التي عجزت عنها المعاول تفتت بثلاث ضربات منه - صلى الله عليه وسلم - ، ومثل هذا ليس بمقدور البشر ـ عادة ـ ويظهر أن الصخرة كبيرة، لأنها لو كانت صغيرةً لتعاونوا على إخراجها من الخندق، ومع هذا فقد تفتّت بثلاث ضربات منه - صلى الله عليه وسلم - ، والله تعالى أعلم..
عاشراً: تفتت صخرة أخرى عجزت عنها المعاول
وهذه صخرة ثالثة لا تأخذ بها المعاول، بل تكسّرت المعاول بها، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعول فضربها فقلعها.
__________
(1) المعجم الكبير (11: 376 ـ 377) ومجمع الزوائد (6: 132).(1/17)
فعن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال: أَمَرنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق. قال: وعرض لنا صخرةٌ في مكان من الخندق، لا تأخذ فيها المعاول. قال: فشكوها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم هبط إلى الصخرة، فأخذ المعول فقال: (بسم الله) فضرب ضربةً فكسر ثلثَ الحجر، وقال: (الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيح الشام، والله، إني لأبصر قصورَها الحمرَ من مكاني هذا) ثم قال: (بسم الله) وضرب ضربةً أخرى، فكسر ثلثَ الحجر، فقال: (الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيح فارس، والله، إني لأبصر المدائنَ، وأُبصر قصرَها الأبيضَ من مكاني هذا) ثم قال: (بسم الله) وضرب ضربةً أخرى، فقلع بقيةَ الحجر، فقال: (الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيحَ اليمن، والله، إني لأبصر أبوابَ صنعاء من مكاني هذا) رواه أحمد وابن أبي شيبة والنسائي وأبو يعلى، وأبو نعيم والبيهقي، وحسنه الحافظ(1).
ورواه الطبراني بنحوه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما ورواه البيهقي بنحوه من حديث عمرو بن عوف - رضي الله عنه - .
ورواه النسائي عن رجل من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنه مطولاً. وروى أبو داود بعضَه، وحسنه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى (2).
__________
(1) مسند أحمد (4: 303) ، ومصنف ابن أبي شيبة (14: 421) والسنن الكبرى (5: 269ـ270) وتحفة الأشراف (2: 65) ومسند أبي يعلى (3: 244 ـ 245) وتاريخ بغداد (1: 131ـ132) ودلائل النبوة لأبي نعيم (رقم430) وللبيهقي (3: 421) ومجمع الزوائد (6: 130 ـ 131) وفتح الباري (7: 397).
(2) انظر فضائل المدينة المنورة (3: 140وما بعد) فقد ذكرت روايات الحديث وطرقه .(1/18)
فهذه حوادث مختلفة، يمكن أن تعود إلى صخرة، ويمكن أن يكون الأمر متكرراً، خاصة وبين تلك الروايات اختلاف، مما يدل على تعدد الحادثة، خمس أو ست مرات، ويحتمل الاختلاف من الرواة، وأنها صخرة أو أكثر، والله تعالى أعلم.
الحادي عشر: رؤيته - صلى الله عليه وسلم - قصور الشام والمدائن واليمن من مكانه
ومن الدلائل التي ظهرت عند حفر الخندق: رؤيته - صلى الله عليه وسلم - قصورَ الشام الحمر، وقصر المدائن الأبيض، وأبوابَ صنعاء، عند ضربه الصخرات.
ففي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ السابق ـ وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : فضربها فوقعت فلقة؛ ثلثها. فقال: (الله أكبر قصور الروم ورب الكعبة) ثم ضرب بأخرى، فوقعت فلقةٌ، فقال: (الله أكبر، قصور فارس ورب الكعبة)... الحديث بطوله، رواه الطبراني في المعجم الكبير ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد ونعيم العبدي وهما ثقتان.
وفي حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، فأخذ - صلى الله عليه وسلم - المعول فقال: (بسم الله) فضرب ضربةً فكسر ثلثَ الحجر، وقال: (الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيح الشام، والله، إني لأبصر قصورَها الحمرَ من مكاني هذا) ثم قال: (بسم الله) وضرب ضربةً أخرى، فكسر ثلثَ الحجر، فقال: (الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيح فارس، والله، إني لأبصر المدائنَ، وأُبصر قصرَها الأبيضَ من مكاني هذا) ثم قال: (بسم الله) وضرب ضربةً أخرى، فقلع بقيةَ الحجر، فقال: (الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيحَ اليمن، والله، إني لأبصر أبوابَ صنعاء من مكاني هذا) رواه أحمد وابن أبي شيبة والنسائي وأبو يعلى، وأبو نعيم والبيهقي، وحسنه الحافظ. وبنحوه عند من عزوت لهم.
ـ إن هذه رؤية عين عن حقيقة، حصلت معه - صلى الله عليه وسلم - ، كما حصل نظراؤها من قبل ومن بعد.كما في رؤيته - صلى الله عليه وسلم - بيت المقدس وهو في مكة، ورؤيته الحوض وهو في المدينة على المنبر، وغيرهما كثير.(1/19)
ـ ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأت تلك البلاد من قبل، ومع هذا فقد عرف ألوان تلك القصور، وأسوار تلك البلاد ؟ إنه الوحي لا غير.
ـ ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - يتحدّث عن أمر غيبيٍّ مستقبليٍّ، بصيغة الماضي، ليحقّق الواقع، وهو ما سأذكره في الفقرة التالية إن شاء الله تعالى.
ـ ثم لا تناقض بين تلك الأحاديث ـ ولله الحمد والمنة ـ ذلك لأن فارس تمثّل العراق، لأن المدائن تقع شرق العراق، والروم تمثّل الشام، فيرجع الأمران إلى الأمر الأول.
ـ ثم إن هذه بشارة من النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بفتح تلك البلاد، وبقائها على الإسلام والسنة، إن شاء الله تعالى، وإن مر عليها ما ينغصها.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى(1)ـ في تعليقه على قوله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) ـ: وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناسَ فتحَ فارس والشام، فأغزى أبو بكر الشامَ على ثقة من فتحها، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ففتح بعضَها، وتم فتحُها في زمان عمر، وفتح ـ عمرُ رضي الله تعالى عنه ـ العراقَ وفارسَ،... قال الشافعي رحمه الله تعالى: كانت قريش تنتاب الشامَ انتياباً كثيراً، مع معايشها منه، وتأتي العراق. قال: فلما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خوفَها من انقطاع معايشها بالتجارة من الشام والعراق، إذا فارقت الكفرَ ودخلت في الإسلام، مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده).
__________
(1) الأم (4: 94) ومختصر المزني (5: 195 ـ 196) ونقله الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى في شرح مشكل الآثار (1: 446) نقلاً عن الإمام المزني، وذكر القاضي عياض والإمام القرطبي وغيرهما رحمهم الله تعالى مختصراً له، من غير عزو له. وانظر تعليقي عليه في مختصر أشراط الساعة.(1/20)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فلم يكن بأرض العراق كسرى بعده ثبت له أمرٌ بعده. [ يعني: لن يعود حكم كسرى إلى العراق ثانية ] .
وقال: (... وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده) فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده. [ يعني: لن يعود حكم الروم إلى بلاد الشام ثانية ].
وأجابهم عليه الصلاة والسلام على نحو ما قالوا له. وكان كما قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقطع الله تعالى الأكاسرة عن العراق وفارس، وقيصرَ ومن قام بالأمر بعده عن الشام،... اهـ وانظر تتمته، وتعليقي عليه في (مختصر أشراط الساعة).
الثاني عشر: إعطاؤه - صلى الله عليه وسلم - مفاتيح الشام وفارس واليمن
وذلك عند ضربه عليه وآله الصلاة والسلام للصخرة يوم حفر الخندق، وقد أوضحت ذلك كما في الفقرة السابقة. وأوضحته في (فضائل بلاد الشام). ففي حديث البراء رضي الله تعالى عنه السابق، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : (الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيح الشام، والله، إني لأبصر قصورَها الحمرَ من مكاني هذا)... ثم قال: (الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيح فارس، والله، إني لأبصر المدائنَ، وأُبصر قصرَها الأبيضَ من مكاني هذا)... ثم قال: (الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيحَ اليمن، والله، إني لأبصر أبوابَ صنعاء من مكاني هذا) رواه أحمد وابن أبي شيبة والنسائي وأبو يعلى، وأبو نعيم والبيهقي، وحسنه الحافظ. وبنحوه عند من عزوت لهم.
ولا يبعد ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما ماهو أبعد من رؤيته - صلى الله عليه وسلم - للشام والعراق واليمن،... وقد أوضحت ذلك في (الآيات المنيفة في الأعضاء الشريفة) .
أقول: ومما يدل على إعطائه - صلى الله عليه وسلم - مفاتيح تلك البلاد أمور:
أ ـ لقد أضاف النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الشام واليمن إليه قبل فتحهما.(1/21)
فعن عبد الله بن عُمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا) قالوا: وفي نجدنا ؟ قال: (اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا) قالوا: وفي نجدنا ؟ قال: (هناك الزلازل والفتن) رواه البخاري (1).
وهما لم يفتحا في زمانه - صلى الله عليه وسلم - بعد، إنما فتحا في زمن الصديق والفاروق رضي الله تعالى عنهما، ومع هذا فقد أضافهما - صلى الله عليه وسلم - إليه. فقال: (شامنا) و (يمننا).
ب ـ كما أن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - حدّد مواقيت تلك البلاد للحج، ميقات أهل الشام، وميقات أهل اليمن، وميقات أهل العراق، وميقات أهل نجد. وإذا كان بعض أهل نجد قد أسلموا، وبعض أهل اليمن قد أسلموا، فإن الشام والعراق لم يسلم أهلهما بعد، ولم تفتح بعد، ومع كلّ ذلك فقد حدَّد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - مواقيت تلك البلاد؛ بناء على ما كان الله عز وجل أعطاه مفاتحها، وذلك قبل فتحها، وما أخبر - صلى الله عليه وسلم - من دخول الإسلام كل بيت، وتعميم الإسلام الأرض، والله تعالى أعلم.
الثالث عشر: إخباره - صلى الله عليه وسلم - بغدر بني قريظة
ومن ذلك أيضاً إخباره - صلى الله عليه وسلم - بغدر بني قريظة، ونكث العهد؛ كما في حديثي جابر والزبير رضي الله تعالى عنهما، ويهمني في ذلك بشارته - صلى الله عليه وسلم - بالنصر على بني قريظة، وقد تحقق ذلك، كما تحقق غدر بني قريظة.
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب المناقب: باب قول الله تعالى: ژ ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ژ وانظر فتح الباري (13: 46).(1/22)
فعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ الأحزاب: (من يأتيني بخبر القوم ؟) فقال الزبير: أنا. ثم قال: (من يأتيني بخبر القوم ؟) فقال الزبير: أنا... الحديث بطوله، متفق عليه (1).
وفي حديث الزبير - رضي الله عنه - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من يأت بني قريظة، فيأتيني بخبرهم ؟) الحديث بطوله، متفق عليه (2).
وذكر أهلُ السير(3) لما رجع السَّعْدان ومن معهما رضي الله تعالى عنهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بني قريظة، وأخبروه الخبر: (عضل والقارة) قال - صلى الله عليه وسلم - : (الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره).
الرابع عشر: استجابة دعائه - صلى الله عليه وسلم - بالنصر عليهم
ومن ذلك: استجابة الله سبحانه وتعالى للنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في دعائه على الأحزاب.
ذلك أن المسلمين صاروا في غاية الحرج والضيق، فقد كان العدو محيطاً بهم من جوانب المدينة، فالأحزاب من الشمال والغرب والشمال الشرقي والشمال الغربي، واليهود من الجنوب الشرقي، مع البرد الشديد، والجوع، وطول مدة الحصار. وقد صوّر القرآن حال المسلمين أدق تصوير، فقال الله تعالى: ژ ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ژ (4).
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الخندق، وفي غيرهما. وصحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما، رقم (48).
(2) صحيح البخاري: كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب الزبير بن العوام. وصحيح مسلم: في الكتاب والباب السابقين، رقم (49).
(3) انظر السيرة النبوية لابن هشام (3: 309) ودلائل النبوة للبيهقي (3: 403، 429 ـ 430) والسيرة النبوية لابن كثير (3: 200) وسبل الهدى والرشاد (4: 374).
(4) سورة الأحزاب: (10 ـ 11).(1/23)
لذا دعا عليه وآله الصلاة والسلام عليهم ـ بعدما زالت الشمس ـ بالهزيمة والزَّلزلة، ولم يدعُ عليه وآله الصلاة والسلام عليهم بالهلاك. فاستجاب الله تعالى له دعاءه.
فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما قال: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ الأحزاب على المشركين، فقال: (اللهم منزلَ الكتاب [زاد في رواية: مجريَ السحاب] سريعَ الحساب؛ اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم) متفق عليه(1). ولي عودٌ إلى هذا الحديث إن شاء الله تعالى.
وكان دعاؤه عليه وآله الصلاة والسلام والاستجابة له في مسجد الفتح. ومن ثم صار الدعاء مستجاباً ـ بإذن الله تعالى ـ في هذا المسجد، وفي ذلك اليوم، وفي تلك الساعة، كما أوضح ذلك الصحابي راوي الحديث رضي الله تعالى عنه، والذي طبّقه بنفسه، والله تعالى أعلم.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المسجد ـ مسجد الفتح ـ يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيب له بين الصلاتين، من يوم الأربعاء [فعُرف البشرُ في وجهه ].
قال جابر رضي الله تعالى عنه: ولم ينزل بي أمر مهم غائظ؛ إلّا توخّيتُ تلك الساعة، فدعوت الله فيه، بين الصلاتين يوم الأربعاء في تلك الساعة، إلا عرفت الإجابة. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وابن سعد والبزار وابن شبة ـ من طرق ـ إسناده حسن، رجاله ثقات (2).
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الخندق. وصحيح مسلم: كتاب الجهاد: باب استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو، رقم (21، 22).
(2) مسند أحمد (3: 332) والأدب المفرد (238رقم 705) والطبقات الكبرى (2: 73) وكشف الأستار (1: 216) وتاريخ المدينة (1: 58 ـ60) ومجمع الزوائد (4: 12) وانظر فضائل المدينة المنورة، لبيان ما وقع في مجمع الزوائد من وهم.(1/24)
وقد سأل الصحابة رضي الله تعالى عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاءً يدعون به، فقد ضاقت الأحوال، وبلغت القلوب الحناجر.
فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله، هل من شيء نقوله ؟ فقد بلغت القلوبُ الحناجر. قال: (نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا) قال: فضرب الله عز وجل وجوهَ أعدائه بالريح، فهزمهم الله عز وجل بالريح. رواه أحمد والبزار، وإسناد البزار متصل، وصوبه ابن كثير (1). لكن له شواهد هو بها حسن.
الخامس عشر: إرسال ريح الصَّبا لنصرة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -
ومن الدلائل التي ظهرت يوم الخندق: أن الله تعالى أرسل ريحَ الصبا، فقلعت الخيام، وكفأت القدور، وأطفأت النيران، وأطارت الحجارة، وزلزلت النفوس، وأوقعت الرعب في قلوب المشركين، مع أنها ريح باردة لينة، وليس من شأنها الإهلاك، كما سيأتي بيانه بعد قليل، إن شاء الله تعالى.
فعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أتت الصَّبا الشِّمالَ، ليلةَ الأحزاب، فقالت: مُرِّي حتى ننصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالت الشِّمالُ: إن الحُرَّة لا تَسْرِ بالليل، وكانت الريح التي نصر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّبا. رواه البزار وابن مردويه برجال الصحيح، وصححه الحافظ (2).
والمراد الصبا: ريح الصبا، والمراد بالشِّمال: ريح الدَّبور، وهي التي أهلك الله عز وجل بها قوم عاد.
__________
(1) مسند أحمد (3: 3) وكشف الأستار (4: 30) والبداية والنهاية (4: 11) والسيرة النبوية له (3: 113ـ 114) ومجمع الزوائد (10: 136) وقال: إسناد البزار متصل، ورجاله ثقات، وكذلك رجال أحمد، إلّا أن في نسختي من المسند (عن ربيح بن أبي سعيد، عن أبيه) وهو في البزار (عن أبيه، عن جده) وهو الذي صوّبه ابن كثير.
(2) كشف الأستار (2: 336) ومختصر زوائد البزار (2: 37 ـ 38) ومجمع الزوائد (6: 139) وفتح الباري (7: 402).(1/25)
وقد أخبر النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى نصره بريح الصبا.
فعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (نُصِرت بالصَّبا، وأُهلِكت عاد بالدَّبور) متفق عليه (1).
لذا ضرب الله سبحانه وتعالى العدوّ بالريح وهزمهم بها. كما مر قبل قليل من حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، كما عند أحمد والبزار. ولي عود بعد قليل إن شاء الله تعالى على هذا الموضوع.
السادس عشر: نزول الملائكة نصرة له - صلى الله عليه وسلم -
من الدلائل التي ظهرت يوم الخندق: نزول الملائكة الكرام نصرة لنبيِّه الكريم - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه.
قال الله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ? ? ? ? ? ? ژ (2).
إن الآية الكريمة تتحدّث عن نعمتين أكرم الله تعالى بهما نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله تعالى عنهم: نعمة الريح ـ التي مر ذكرها، وسيأتي الحديث عنها بعد قليل إن شاء الله تعالى ـ ونعمة نزول الملائكة الكرام الذين لا يراهم الناس ـ إلا ما سيأتي من رؤية حُذيفة رضي الله تعالى عنه لهم ـ لذا طلب الله تعالى من رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - ومن المؤمنين من بعده أن يذكروا تلك النعمة التي أكرمهم الله تعالى بها ژ ? ? ? ? ? ? ?... ژ لذا ما فتئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرها دائماً، خاصة في حال سفره، وعودته، كلما صعد نشزاً أو هبط وادياً، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
السابع عشر: رحمته - صلى الله عليه وسلم - بالأحزاب المقاتلين له
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب الاستسقاء: باب قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (نُصرتُ بالصبا) وصحيح مسلم: كتاب الاستسقاء: باب في ريح الصبا والدبور، رقم (17).
(2) سورة الأحزاب: (9).(1/26)
ومن الدلائل التي برزت يوم الخندق: رحمة النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - بالأحزاب يوم الخندق، مع أنهم كفّار مقاتلون أعداء، يريدون قتله - صلى الله عليه وسلم - ، والقضاء عليه، وقتْل أصحابه رضي الله تعالى عنهم، والقضاء على الإسلام، وقد ظهرت رحمته في أمور كثيرة، منها:
1-دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - على المشركين بالهزيمة والزَّلزلة، ولم يدْعُ عليهم بالهلاك والفناء، كما مر في حديث ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه، المتفق عليه.
2-نَصْره - صلى الله عليه وسلم - بالصَّبا، ولم يُنصَر بالدَّبور، مع أن الصَّبا ليس من شأنها الإهلاك، ولو أراد الله تعالى إهلاكهم لسلَّط عليهم ريح الدَّبور، فهي أشد من الصبا، ومن شأنها الإهلاك، ولذلك أُهلكت عاد بالدّبور.
قال الله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ (1).
وقال جل شأنه: ژ ? ژ ژ ڑ ڑ ک کک ک گ گ گ گ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ?ہ ہ ہ ہ ھ ژ (2).
علماً بأن الذي أُخرج من الدَّبور للقضاء على قوم عاد ـ ما جاء في روايات متعددة ـ: هو بمقدار الخاتَم ـ أي لم يفتح من بابها الذي تهب منه إلا بمقدار الخاتم ـ كما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى (3) ـ ومع ذلك أهلكتهم، ولم تُبقِ منهم أحداً، كما قال تعالى ژ ? ? ? ? ? ژ
أما الصَّبا؛ فمن طبيعتها اللِّين مع البرودة، ولكن ليس من طبيعتها الإهلاك. ومع كل هذا فقد زلزلتهم، وقلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وأكفأت قدورهم، إضافة لما أوقعت في قلوبهم من البرد والخوف، ثم كانت الهزيمة.
__________
(1) سورة الحاقة: (6 ـ 8).
(2) سورة الأحقاف (24 ـ 25).
(3) فتح الباري (6: 377).(1/27)
3-لما علم الله تعالى رأفة نبيِّه الكريم - صلى الله عليه وسلم - بقومه؛ رجاء أن يسلموا: سلَّط عليهم الصبا، فكانت سببَ رحيلهم عن المسلمين، لما أصابهم من الشدة، ومع ذلك لم تهلك منهم أحداً، ولم تستأصلهم.اهـ من الفتح (1).
لذا أقول: لا تناسب بين الرحمة للعالمين، الرحمة المهداة - صلى الله عليه وسلم - ، وبين الدعاء بالإهلاك، لذا ناسب أن يدعو عليهم بالزلزلة والهزيمة والنصر عليهم، ليتم مراد الله تعالى بعد قليل، وقد اتضح ذلك من أمرين:
أ ـ حصول المودة بين المؤمنين وعلى رأسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين زعماء قريش، بعد انتهاء المعركة بفترة قصيرة.
قال الله تعالى: ژ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ?? ? ?? ? ? ? ژ (2). والرجاء من الله تعالى ومن رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - دالٌّ على التحقّق والوقوع، كما هو معلوم.
ـ فقد تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة رضي الله تعالى عنها بنت أبي سفيان قائد الأحزاب ـ بعد هذه الغزوة بقليل، لذا قال أبو سفيان ـ بعد سماعه الخبر عن النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - ـ: هو الفحل، لا يُقدع أنفه.
ـ كما تزوج - صلى الله عليه وسلم - بعدها بقليل أم سلمة رضي الله تعالى عنها ـ سيدة بني مخزوم.
ـ ثم تزوج - صلى الله عليه وسلم - بعدها زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها (3).
__________
(1) فتح الباري (2: 521).
(2) سورة الممتحنة: (7).
(3) انظر دلائل النبوة (3: 459،462، 463، 465) السيرة لابن كثير (3: 273 ـ 277) وتفسير القرطبي (18: 58).(1/28)
ب ـ إسلام جميع من حضر غزوة الأحزاب من الكفَّار ـ وخاصة الكبار منهم ـ بعد حين، إلا من مات منهم، بعد تتبعي لعامة من كان في هذه الغزوة من الكفار، ومن هنا تجلَّت رحمة الله تعالى ورحمة النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - التي شملت الجميع. كما قال الله تعالى عن نبيِّه الكريم - صلى الله عليه وسلم - : ژ ک ک گ گ گ ژ (1).والأحزاب من جملة العالمين، كما هو معلوم، وقد أوضحته في غير هذه الرسالة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى(2): من لطيف المناسبة كون القبول [ الصَّبا ] نَصرت أهلَ القبول [ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته رضي الله عنهم ] وكون الدَّبور أَهلكت أهلَ الإدبار [قوم عاد] وأن الدبورَ أشدُّ من الصبا... أنها لم يخرج منها إلا قدْرٌ يسيرٌ، ومع ذلك استأصلتهم، قال الله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ژ.اهـ.
الثامن عشر: ما حصل لحذيفة رضي الله تعالى عنه، وما أخبره - صلى الله عليه وسلم - به
ومن الدلائل التي حصلت ليلة الخندق ـ ليلة السبت ـ التي هبت فيها الريح الباردة الشديدة، مع زيادة هبوبها وشدَّتها بالنسبة للكفار، حتى صار المنافقون يستأذنون النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، فيأذن لكل من استأذنه منهم، لما علم - صلى الله عليه وسلم - بنصر الله تعالى. وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذيفة رضي الله تعالى عنه ـ الذي عُرف فيما بعد بكاتم السِّر ـ أن يأتيه بخبر القوم. وذلك:
أ ـ إخباره - صلى الله عليه وسلم - : (أنه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم)
ب ـ الدعاء له من قبل النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - بالحفظ، إضافة إلى زوال الخوف والبرد: (اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحت قدميه). أي من جميع جهاته الست.
__________
(1) سورة الأنبياء (107).
(2) فتح الباري (2: 521).(1/29)
ج ـ زوال كل برد وخوف وفزع من قلبه.(فوالله ما خلق الله فزعاً ولا قُرّاً في جوفي إلا خرج من جوفي، فما أجد منه شيئاً) .
د ـ صار يمشي كأنه في حمّام. يقول: فخرجت وكأني أمشي في الحمام.
هـ ـ عودة البرد والقُرّ إليه بعد عودته من مهمته.
و ـ رؤيته للملائكة معتمين، وأمروه أن يبشِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنصر.
ز ـ إخباره رضي الله تعالى عنه أن الريح الشديدة لا تجاوز معسكر المشركين. بعكس حالها عند المسلمين.
هذه أمور حصلت لحذيفة رضي الله تعالى عنه، وأذكر رواية مسلم، ثم أزيد عليها من الزوائد بعدها، ثم أذكر بعدها وصفَه لحال الريح وشدتها بالنسبة للكفار.
عن يزيد بن شريك التيمي رحمه الله تعالى قال: كنا عند حذيفة رضي الله تعالى عنه، فقال رجل: لو أدركتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلتُ معه وأبليتُ. فقال حذيفة: أنت كنتَ تفعل ذلك ؟
لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ الأحزاب، وأخذتنا ريحٌ شديدةٌ وقُرٌّ. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ألا رجلٌ يأتيني بخبر القوم، جعله الله معي يومَ القيامة ؟) فسكتنا، فلم يجبه منا أحدٌ. ثم قال: (ألا رجلٌ يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة ؟) فسكتنا، فلم يجبه منا أحدٌ. ثم قال: (ألا رجلٌ يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يومَ القيامة ؟) فلم يجبه منا أحدٌ.
فقال: (قم يا حذيفة، فأتنا بخبر القوم) فلم أجد بُدّاً إذ دعاني باسمي أن أقوم. قال: (اذهب فأتني بخبر القوم، ولا تَذْعَرْهم عَليَّ).
فلما وليتُ من عنده؛ جعلتُ كأنما أمشي في حمّام، حتى أتيتُهم، فرأيت أبا سفيان يَصْلِي ظهرَه بالنار، فوضعتُ سهماً في كبد القوس، فأردتُ أن أرميه، فذكرتُ قولَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ولا تَذْعَرْهم عَليَّ) ولو رميتُه لأصبتُه.(1/30)
فرجعتُ وأنا أمشي في مثل الحمّام، فلما أتيتُه، فأخبرتُه بخبر القوم، وفرغتُ: قُرِرْتُ، فألبسني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضل عباءة كانت عليه يُصلّي فيها، فلم أزل نائماً حتى أصبحتُ، فلما أصبحتُ قال: قم يا نومان) رواه مسلم (1).
وفي رواية: فقال - صلى الله عليه وسلم - : (يا ابن اليمان، قم، فانطلق إلى عسكر الأحزاب، فانظر إلى حالهم) قلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، ما قمت إليك إلا حياء منك، من البرد. قال: (انطلق يا ابنَ اليمان، فلا بأس عليك من بَردٍ ولا حَرٍّ، حتى ترجع إلِيَّ)... الحديث بطوله، رواه البزار والبيهقي برجال ثقات، وصححه الحاكم وأقره الذهبي(2).
وفي رواية عنه رضي الله تعالى عنه قال: لقد رأيتنا ليلة الأحزاب، ونحن صافّون قعود، أبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظةُ اليهود أسفلُ منا؛ نخافهم على ذرارينا. وما أتت علينا ليلةٌ قط أشد ظلمة، ولا أشد ريحاً، في أصوات ريحُها أمثالُ الصواعق، وهي ظلمة ما يرى أحدُ منا إصبعَه.
فجعل المنافقون يستأذنون النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، ويقولون: إن بيوتنا عورةٌ، وما هي بعورة، فما استأذنه أحدٌ منهم إلّا أذن له، فيأذن لهم، فيتسلّلون، ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك.
إذ استقبلَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً رجلاً، حتى مَرَّ عليَّ، وما عليَّ جُنَّةٌ من العدوِّ ولا من البرد إلّا مِرطٌ لامرأتي ما يجاوز ركبتَي.
قال: فأتاني، وأنا جاثٍ على ركبتي. فقال: (من هذا ؟) فقلت: حذيفةُ. فقال: (حذيفة ؟) قال: فتقاصرتُ للأرض، فقلتُ: بلى يا رسول الله، كراهية أن أقوم. فقال: (قم) فقمتُ.
__________
(1) صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير: باب غزوة الأحزاب، رقم (99).
(2) المستدرك (3: 31) ، والبحر الزخار (7: 346 ـ 347) ، وكشف الأستار (2: 335 ـ 336) ودلائل النبوة (3: 450 ـ 451) ومجمع الزوائد (6: 136).(1/31)
فقال: (إنه كائن في القوم خبرٌ، فأتني بخبر القوم) قال: وأنا من أشد الناس فَزَعاً، وأشدِّهم قُرّاً. قال: فخرجتُ.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم احفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته) .
قال: فوالله ما خلق الله فَزعاً ولا قُرّاً في جوفي إلّا خرج من جوفي، فما أجد منه شيئاً.
قال: فلما وليتُ قال: (يا حذيفةُ لا تُحدثَنَّ في القوم شيئاً حتى تأتيني).
قال: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت ضوء نار لهم توقد، وإذا رجلٌ أدهمُ ضخمٌ، يقول بيديه على النار، ويمسح خاصرته، ويقول: الرحيل، الرحيل،...
وإذا الريح في عسكرهم، ما تجاوز عسكرَهم شبراً، والله إني لأسمع صوتَ الحجارة في رحالهم وفرشهم، الريح تضرب بها.
ثم إني خرجت نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما انتصف الطريق ـ أو نحو من ذلك ـ إذا أنا بنحو من عشرين فارساً ـ أو نحو ذلك ـ مُعتَمّين، فقالوا: أخبر صاحبَك أن الله قد كفاه.
قال: فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو مشتمل في شملة يُصلّي، فوالله ما عدا أن رجعتُ راجعني القُرُّ، وجعلتُ أُقَرقِف. فأومأ إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وهو يصلي، فدنوت منه، فأسبل عليَّ شملته ـ وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمرٌ صلى ـ فأخبرته خبر القوم، أخبرته أني تركتهم يرحلون. قال: وأنزل الله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ژ (1).الآيات، رواه الحاكم والبيهقي (2).
__________
(1) سورة الأحزاب: (9).
(2) البداية والنهاية (4: 114) ودلائل النبوة (3: 452 ـ 453) وفتح الباري (7: 401) وانظر دلائل النبوة لأبي نعيم (2: 640ـ 642) وانظر تتمة الروايات في دلائل النبوة للبيهقي، وتاريخ الطبري (2: 579ـ581) والسيرة النبوية لابن حبان، وغيرها.(1/32)
* وقوله تعالى ـ في آخر الآيات التي نزلت في هذه الغزوة ـ: ژ ? ? ? ? ژ (1). فيه أمور، يهمني ما يلي:
ـ فيه إشارة إلى أنهم لم يحتاجوا إلى منازلة الأحزاب، ومبارزتهم، لأن الله تعالى هو الذي صرفهم بحوله وقوته، وذلك بالريح التي أرسلها عليهم، والملائكة وغيرها التي بعثها جل شأنه عليهم، فكانت الهزيمة على لمشركين، والنصر للمسلمين.
ـ كما فيه إشارة إلى وضع الحرب بين المسلمين وبين قريش، وهذا ما حصل فعلاً، فلم ترجع قريش إلى غزو المسلمين ثانية، بل صار المسلمون يغزون قريشاً، حتى كان الفتح، ولله الحمد والمنة والفضل.
التاسع عشر: إخباره - صلى الله عليه وسلم - بانقلاب الميزان
ومن جملة الدلائل التي ظهرت في غزوة الخندق: إخبار النبي المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - بانقلاب الميزان، فالمسلمون هم الذين يغزون قريشاً بعد تلك الوقعة، وليس العكس.
فعن سليمان بن صُرَد رضي الله تعالى عنه قال: سمعت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول ـ حين أُجلِي الأحزاب عنه ـ: (الآن نغزوهم، ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم). رواه البخاري (2). وقد ورد غيره من الصحابة أيضاً.
وقد تحقّق ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حيث غزاهم هو والمؤمنون مرتين، الأولى: التي كانت نتيجتها صلح الحُدَيْبِيَة. والثانية: غزوة الفتح التي كانت نتيجتها فتح مكة.
فما مضت سَنةٌ حتى توجَّه النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه رضي الله تعالى عنهم إليهم، وكان صلح الحُدَيْبِيَة.
وهذا ما فهمه سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه.
__________
(1) سورة الأحزاب (25).
(2) صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الخندق.(1/33)
فعن السيِّدة عائشة رضي الله تعالى عنها، أن سعداً رضي الله تعالى عنه قال ـ وقد تحجَّر كَلْمُه للبرء ـ: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحدٌ أحبَّ إليَّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذَّبوا رسولَك - صلى الله عليه وسلم - وأخرجوه. اللهم فإني أظن أنك قد وضعتَ الحربَ بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيءٌ فأبقني له، حتى أجاهدَهم فيك، وإن كنتَ وضعتَ الحربَ فافجرها، واجعل موتي فيها، فانفجرت من لبته،... فمات منها رضي الله تعالى عنه. الحديث، متفق عليه (1).
وقد كان رضي الله تعالى عنه دعا ألا يميته الله تعالى حتى يقر عينه من بني قريظة، ويهلكم، لغدرهم المتكرر.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: رُمي يوم الأحزاب سعدُ بن معاذٍ، فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنار،... فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تُخرِج نفسي حتى تُقِرَّ عيني من بني قريظة، فاستمسك عِرقُه، فما قطر منه قطرة، حتى نزلوا على حكم سعد،... الحديث، رواه أحمد والدارمي والنسائي، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم وأقره الذهبي، في آخرين (2).
فأقرّ الله تعالى عينه، وحكم فيهم بحكم الله تعالى، كما سيأتي في الفقرة التالية.
العشرون: مطابقة ما حكم به سعد - رضي الله عنه - لما هو في التوراة
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الخندق. وصحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير: باب جواز قتال من نقض العهد،... رقم (67).
(2) مسند أحمد (3: 350) وسنن الترمذي: كتاب السير: باب ما جاء في النزول على الحكم، رقم (1582) والسنن الكبرى للنسائي: كتاب السير (5: 206 ـ 207) وسنن الدارمي (رقم2512) وشرح مشكل الآثار (9: 207 ـ 208) وصحيح ابن حبان (11: 627) والمستدرك (4: 417) وفتح الباري (7: 414).(1/34)
لقد حكم سعد رضي الله تعالى عنه بيهود بني قريظة ـ نتيجة غدرهم وخيانتهم المتكررة ـ فأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حكمه، وأخبره - صلى الله عليه وسلم - أن هذا هو حكم الله تعالى.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: نزل أهلُ قريظة على حكم سعد بن معاذٍ، فأرسل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد، فأَتى على حمارٍ، فلما دنا من المسجد(1) قال للأنصار: (قوموا إلى سيدكم ـ أو خيركم ـ) فقال: (هؤلاء نزلوا على حكمك) فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريهم. قال: (قضيتَ بحكم الله، وربما قال: بحكم الملِك) متفق عليه (2). وقد ورد عن عدد من الصحابة، وبألفاظ متقاربة.
أقول: ومن المفارقة العجيبة أن هذا الحكم الذي نطق به سعد رضي الله تعالى عنه: موجود بعينه في التوراة (3)حيث يأمر الربُّ موسى عليه السلام بأن تُقتل المُقاتِلة وتُسبى النساء والذريّة، وتؤخذ الأموال.
__________
(1) هو المسجد الذي بناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثناء الحصار، ويعرف بمسجد قريظة. وقد هدم قبل فترة قصيرة.
(2) صحيح البخاري: كتاب المغازي: الباب السابق. وصحيح مسلم: في الكتاب والباب السابقين، رقم (64).
(3) انظر: سفر التثنية، الإصحاح رقم (13) ورقم (20) وانظر الرحمة المهداة - صلى الله عليه وسلم - ، ورحمة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بالكفار، فقد ذكرت النص فيهما ـ كما جاء في الإصحاحين، وذكرت التعليق عليه.(1/35)
أقول: ولما كان النصر هو بمشيئة الله تعالى وإرادته، وليس للبشر فيه مدخل، لذا صار رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر فضل الله تعالى، وأنه جل شأنه هو الذي نصر عبده، وهو الذي هزم الأحزاب وحده. وصار - صلى الله عليه وسلم - يكرِّر ذلك في كل مناسبة، معترفاً بفضل الله تعالى، ومذكِّراً الأمة بذلك الفضل، تحقيقاً لأمر الله تعالى بذكر هذه النعمة، كما مر ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ژ (1). لذا صار يقوله في كل سفر، وعند كل نشز وانحدار.
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (لا إله إلّا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده) متفق عليه(2).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قفل من غزوٍ أو حجّ أو عمرة: يكبِّر على كلِّ شرف من الأرض ثلاثَ تكبيرات، ثم يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربِّنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) متفق عليه (3). وله روايات أخرى.
* ما هذه الثقة بالله تعالى وفضله
__________
(1) سورة الأحزاب: (9).
(2) صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الخندق. وصحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء: باب التعوذ من شر ما عمل،... رقم (77).
(3) صحيح البخاري: كتاب العمرة: باب ما يقول من رجع من الحج أو العمرة أو الغزو. وصحيح مسلم: كتاب الحج: باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره، رقم (428).(1/36)
لقد بلغت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبلغاً لا يدانيه فيها مخلوق البتة. فهو يخبر عن أمور، ويطلب أموراً، ويدعو على أمور، لا قدرة للإنسان على تحقيقها. لولا ثقته المتناهية بالله تعالى، وأنه جل شأنه يحقق له ما يريد لا يمكن أن يكون ذلك. ولقد برزت هذه الثقة في هذه الغزوة بصور متعددة، وأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم بلغ ذلك عندهم حدَّ القطع الذي لا يتزلزل أبداً، وما يقوله - صلى الله عليه وسلم - فهو اليقين الضروري عندهم. وإلا:
ـ كيف يدعو - صلى الله عليه وسلم - أهلَ الخندق جميعاً على شاةٍ صغيرة (عناق) وصاع شعير. يدعو ألفَ رجل على هذه الوليمة التي لا تكفي إلا العدد القليل، وأكل الجميع، وبقي اللحم كما هو، والعجين كما هو.
ـ كيف يدعو - صلى الله عليه وسلم - أهل الخندق على قليل من تمر، يضعه في كفيه ولم تملأهما، ويكفي القومَ جميعاً وبقي التمر يتدحرج على أطراف الثوب.
ـ كيف يفزع الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم إليه - صلى الله عليه وسلم - عندما اعترضتهم تلك الصخرات، وهل يزيد على ما عندهم من قوة ؟ نعم، لولا يقينهم اللامتناهي في أن الله تعالى لن يخيب رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه يعطيه ما يريد ما فزعوا إليه.
ـ كيف يخبرهم - صلى الله عليه وسلم - برؤيته لقصور الشام وفارس واليمن، وبإعطائه مفاتيح تلك البلاد، لذا غزوها وهم في غاية اليقين أن الله تعالى سيفتحها لهم لوعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإعطائه مفاتيحها.(1/37)
ـ ثم كيف يخبر - صلى الله عليه وسلم - حذيفة رضي الله تعالى عنه بما هو كائن في القوم، وأنه لا بأس عليه، وأن الله تعالى سيذهب عنه البردَ والخوف، وأنه تعالى يحميه حتى يعود، وكل ذلك كان، حيث ذهب وعاد، وذهب عنه البرد والخوف،... فلولا ثقته المتناهية يصعب المغامرة، ولكنها الثقة المتناهية المبنية على ما عودهم الله تعالى بتحقيق مطالب نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، وقد عبّرت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن ذلك بقولها: (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) (1).
فلولا ثقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الله تعالى يعطيه ما يريد، وتعوّد الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ذلك، لصعب الأمر، لكن أقول إنما هو الوحي الخفي الذي لا نعلمه، ولم نطّلع عليه. والله تعالى أعلم.
* خاصة ونحن نعلم ما حصل للمسلمين من ضيق وشدّة، ثم جاء الفرج الرّبّانيُّ من غير قتال، ولا حرب من المسلمين. حتى يعلم المسلمون أن النصر بيد الله تعالى، فقد ينصر عباده من غير قدرة منهم. فكما حمى رسولَه الكريم - صلى الله عليه وسلم - في غار ثور، بأضعف خلقه من الطير والحشرات ـ الحمامة والعنكبوت، كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره بإسناد حسنه ابن كثير وابن حجر رحمهما الله تعالى ـ فإنه تعالى نصر رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين في الخندق بالريح والجنود التي لا تُرى. كل ذلك ليعلم المسلم أن المتصرِّف في الكون هو الله تعالى وحده، وليس السلاح والقوة.
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب التفسير: سورة الأحزاب: باب قول الله تعالى: ژ ? ? ? ? پ پ پ پ ژ وكتاب النكاح: باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد. وصحيح مسلم: كتاب الرضاع: باب هبتها نوبتها لضرتها، رقم (49، 50).(1/38)
* هذه الغزوة: هي غزوة التمحيص والابتلاء والامتحان، وهذه سنة الله تعالى في خلقه ژ ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ (1).كل ذلك من أجل أن يميز الخبيث من الطيب ژ ک ک ک گ گ ژ (2). فخرج المسلمون الصادقون أشد إيماناً وثباتاً، وتصديقاً بوعد الله تعالى بنصره لنبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - . بينما انكشف المنافقون والبطالون، فرجع منهم ـ من أراد الله تعالى هدايته ـ إلى الحق، وتاب ورجع، وحسن إسلامه، وثبت يقينه، وهلك من هلك ـ ممن أراد الله تعالى غوايته.
* إن مواقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الغزوة تحيِّر العقول، وتجعل المرء يشدُّ أذنَه خضوعاً وإجلالاً لتلك العظمة. إنه - صلى الله عليه وسلم - وهو في أحلك الظروف، وأصعب المواقف، وأشدِّها على النفس (العدو من الأمام، وعن اليمين والشمال، ومن الداخل، والبرد الشديد، والخوف على الذُّرِّيَّة) ومع هذا كان - صلى الله عليه وسلم - مقبلاً على ربه تعالى، في ثبات والتجاء، ثم هو يمنّي أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم بالنصر والتأييد، وفتح البلاد النائية (الشام، واليمن، والعراق) وكل ذلك قد تحقّق بإذن الله تعالى، كأنه - صلى الله عليه وسلم - ينظر بمنظار آخر، لا يعرفه بقية البشر، يرى ما سيكون في المستقبل من امتداد للإسلام ونصر وتأييد وفتوحات، لذا كان غير آبِهٍ بما فعله المشركون، وإن كان متأثِّراً عليهم، مما زاد الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم ثباتاً وإقداماً ورسوخاً، بالإضافة إلى زيادة الإيمان وحسن اليقين بالله تعالى وبرسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - .
هذه بعض الدلائل التي ظهرت في غزوة الخندق، ولعل الباحث المدقق يعثر على غير ما ذكرت.
__________
(1) سورة العنكبوت: (1 ـ 3).
(2) سورة الأنفاِل: (37).(1/39)
كما أن هذه الدلائل كم أثمرت في نفوس الصحابة رضي الله تعالى عنهم، من عزم وتصميم، وتسليم، وثبات، بخلاف ما حصل مع المنافقين، الذين اكتشف كثير منهم زيف موقفهم، وبطلان معتقدهم، عندما رأوا ما تحقق لما كان قد قاله - صلى الله عليه وسلم - . وما فعله. وما حلت على المسلمين من البركة التي شملتهم.
وهناك دروس كثيرة تؤخذ من هذه الغزوة ومن تلك الدلائل التي أجراها الله تعالى على رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، ليس هذا مجال ذكرها الآن.
أسأله تعالى التوفيق والسداد، وأن يرزقنا كمال الطاعة وحسن الاتباع، والتمسك بهذا الدين، وأن ينصرالمسلمين كما نصر حبيبَه الكريم - صلى الله عليه وسلم - من غير حول البشر وقوتهم.
وصلى الله وسلّم على سيدنا وحبيبنا ومولانا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الكرام المبجلين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
مصادر البحث
ـ القرآن الكريم.
ـ إتحاف الخيرة المهرة، للإمام البوصيري. ت عبد الرحمن السعد والسيد محمود، مكتبة الرشد
ـ الأحاديث الطوال.للإمام الطبراني، ت الشيخ حمدي السلفي، بغداد.
ـ أخبار مكة، للفاكهي.ت. د. عبد الملك بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة.
ـ الأدب المفرد، للإمام البخاري، ت كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، بيروت.
ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير. دار الفكر، بيروت.
ـ الأم، للإمام الشافعي، دار الشعب، مصر.
ـ البحر الزخار = مسند البزار.ت. د. محفوظ زين الله، مؤسسة علوم القرآن ومكتبة العلوم والحكم
ـ البداية والنهاية، للحافظ ابن كثير،
ـ تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي. الخانجي، مصر.
ـ تاريخ الطبري، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت
ـ تاريخ المدينة، لابن شبة، ت. د. فهيم شلتوت، نشر السيد حبيب محمود، المدينة المنورة
ـ تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، للحافظ المزي . ت عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة
ـ تفسير القرطبي، دار الكتاب العربي، القاهرة.(1/40)
ـ دلائل النبوة للبيهقي.ت. د. عبد المعطي القلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت.
ـ دلائل النبوة للتيمي. ت محمود الحداد، الرياض.
ـ دلائل النبوة لأبي نعيم.ت. د. رواس القلعجي، المطبعة العربية، حلب.
ـ سبل الهدى والرشاد، للإمام الصالحي.ت عادل عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية.
ـ سنن الترمذي، ت. الشيخ أحمد شاكر وآخرين. المكتبة الإسلامية، بيروت.
ـ سنن الدارمي. ت السيد عبد الله هاشم يماني، المدينة المنورة.
ـ سنن ابن ماجه. ت محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
ـ السنن الكبرى للنسائي. ت. د عبد الغفار البنداري وسيد كسروي، دار الكتب العلمية، بيروت.
ـ سيرة ابن هشام. بشرح الروض الأنف، توزيع الباز، بمكة المكرمة.
ـ السيرة النبوية، لابن حبان، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت.
ـ السيرة النبوية، لابن كثير، ت مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة بيروت.
ـ شرح مشكل الآثار، للإمام الطحاوي. ت الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة.
ـ الشمائل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لابن كثير. نشر دار القبلة.
ـ صحيح البخاري. بشرح فتح الباري.
ـ صحيح ابن حبان. ت الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة.
ـ صحيح مسلم. ت الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي، القاهرة.
ـ الطبقات الكبرى، لابن سعد، ت. د. إحسان عباس، دار صادر،ـ بيروت.
ـ علامات النبوة، للإمام البوصيري، وهو جزء من إتحاف الخيرة، مكتبة السوادي.
ـ فتح الباري، للحافظ ابن حجر.المطبعة السلفية، القاهرة.
ـ فضائل المدينة المنورة، خليل إبراهيم مُلّا خاطر. دار القبلة، ومؤسسة علوم القرآن.
ـ الكتاب المقدس (عند اليهود والنصارى) العهد القديم.
ـ كشف الأستار بزوائد البزار، للحافظ الهيثمي.ت الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت.
ـ كنز العمال، للعلامة علي المتقي الهندي.مكتبة التراث الإسلامي، حلب.
ـ مجمع الزوائد، للحافظ الهيثمي.دار الكتاب، بيروت.(1/41)
ـ المختارة، للضياء المقدسي. ت. د. عبد الملك بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، بمكة المكرمة.
ـ مختصر الإمام المزني، بحاشية الأم، دار الشعب، مصر.
ـ مختصر زوائد البزار، للحافظ ابن حجر، ت صبري عبد الخالق، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت.
ـ مختصر المستدرك، للحافظ الذهبي، بحاشية المستدرك.
ـ مسند أحمد. المكتب الإسلامي، ودار صادر، بيروت.
ـ مسند عبد بن حُميد = المنتخب، ت السيد صبحي السامرائي.
ـ مسند أبي يعلى. ت الأستاذ حسين أسد، دار المأمون للتراث، دمشق.
ـ مصنف ابن أبي شيبة. الدار السلفية، الهند.
ـ المعجم الكبير، للإمام الطبراني.ت الشيخ حمدي السلفي.بغداد.
-(1/42)