دراسة عقدية لحديث :
(( مَن سمََّّع سمّّع الله به ، ومَن يُُرائي يرائي الله به ))
... د/ عبد الله بن سليمان الغفيلي
الجامعة الإسلامية -كلية الدعوة وأصول الدين
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإنّه بالعلم الصحيح المبني على كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يكون الإيمان الصحيح، والتوحيد الخالص، والمنهج السليم، فالمعرفة الصحيحة لشرع الله عز وجل المبنية على نصوص الكتاب والسنة توجب للعبد التمييز بين التوحيد والشرك، والإيمان والكفر، والحق والباطل، وكلّما ازداد العبد معرفة بدين الله عز وجلّ ازداد إيماناً وخشية ومحبة وتعظيماً لله عز وجل، قال الله تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } (1).
وبذلك تحصل البصيرة التي تجلب له التمييز بين الحقّ والباطل، وتحصنه من الشبهات والضلالات والشهوات والمحرمات، ومن أعظم الأمور التي تفسد الأعمال وتحبطها الشرك بالله عز وجل إذ الإخلاص في العمل وتجريد المتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - شرطان أساسيان لقبول العمل قال الله تعالى: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (2)، يقول الحافظ ابن كثير-رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية:"قوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ } أي ثوابه وجزاؤه، { فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا } أي ما كان موافقاً لشرع الله، { وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } ، وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان هما ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصاً لله صواباً على شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (3).
__________
(1) سورة فاطر، آية (28).
(2) سورة الكهف، آية (110).
(3) تفسير ابن كثير (3/108).(1/1)
ومَن تأمّل النصوص الواردة في الكتاب والسنة يتبين له أهمية إيضاح مسائل العقيدة وبيانها للناس، واستشعاراً منّي لأهمية الموضوع، فقد رأيت الكتابة عن نوع من أنواع الشرك الأصغر والذي يعدّ من أخطر أنواعه وأشدّها في إحباط العمل وهو الرياء، وذلك من خلال حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه الوارد في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ مَن سمَّع سمّع الله به، ومَن يُرائي يرائي الله به ]، ويشتمل البحث على مقدمة، وعشرة مباحث، وخاتمة.
ورد حديث جندب بن عبد الله - رضي الله عنه -في كثير من كتب السنّة والمسانيد، والمتتبّع لهذه الروايات يجد أنّها وردت بألفاظ متقاربة، بل متطابقة في كثير من الروايات، ولذلك سأقتصر على إيراد راويات الحديث الواردة في الكتب الستة مع مسند الإمام أحمد لمكانة هذه الكتب بين كتب السنّة واعتبارها عند أهل العلم، وكثرة تداولها بين طلاب العلم بالإضافة إلى ما ذكرته سابقاً من تطابق الألفاظ في كثير من الروايات.
وقد ورد هذا الحديث في صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن ابن ماجه، ومسند الإمام أحمد، وهي على النحو الآتي:
1-رواية الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.
قال الإمام البخاري: حدثنا مسدّد حدثنا يحيى بن سفيان حدثني سلمة بن كهيل، وحدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن سلمة قال: سمعت جندباً يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم أسمع أحداً يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره فدنوت منه فسمعته يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ مَن سمَّع سمّع الله به، ومَن يُرائي يرائي الله به ] (1).
__________
(1) صحيح الإمام البخاري: كتاب الرقائق-باب الرياء والسمعة (7/189).(1/2)
وفي رواية أخرى عنده أيضاً، قال رحمه الله تعالى: حدثنا إسحاق الواسطي، حدثنا خالد عن الجريري عن طريف أبي تميمة، قال: شهدت صفوان وجندباً وأصحابه (1)، وهو يوصيهم ، فقالوا : هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً؟ قال سمعته يقول: [ مَن سَمَّع سَمّع الله به يوم القيامة...] الحديث (2).
2-رواية الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-:
قال الإمام مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت جندباً العلقي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ من يسمّع يسمع الله به، ومَن يُرائي يرائي الله به ] (3).
3-رواية الإمام ابن ماجه-رحمه الله تعالى-:
قال الإمام ابن ماجه: حدثنا هارون بن إسحاق، حدثني محمد بن عبد الوهاب عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ من يُرائي يرائي الله به، ومن يُسمّع يسمّع الله به ] (4).
4-رواية الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-:
قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل، قال : سمعت جندباً يقول: قال عبد الرحمن البجلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ من يسمع يسمّع الله به ، ومن يرائي يُرائي الله به ] (5).
__________
(1) أصحاب صفوان، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/138): وذكره المزي في الأطراف بلفظ: " شهدت صفوان، وأصحابه وجندباً يوصيهم...".
(2) صحيح الإمام البخاري، كتاب الأحكام، باب من شاق شق الله عليه (8/107).
(3) صحيح الإمام مسلم: كتاب الزهد والرقائق-باب من أشرك في عمله غير الله (4/2289).
(4) سنن ابن ماجه: كتاب الزهد-باب الرياء والسمعة (2/1407).
(5) مسند الإمام أحمد (4/313).(1/3)
هذه الروايات الواردة في هذا الحديث عن جندب بن عبد الله راوي هذا الحديث، وجندب هو الصحابي الجليل أبو عبد الله جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي، وقد ينسب إلى جدّه فيقال: جندب بن سفيان، سكن الكوفة ثم البصرة، وروى عدّة أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، روى عنه من أهل الكوفة عبد الملك بن عمير، والأسود بن قيس، وسلمة بن كهيل، وروى عنه من أهل البصرة الحسن بن أبي الحسن، ومحمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وغيرهم، ويقال: له جندب الخير، أخرج ابن ماجه بسنده عن جندب رضي الله عنه قال : [ كُنّا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ونحن فتيان حزاورة(1)، فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلّم القرآن ثم تعلّمنا القرآن فازددنا به إيماناً ](2)، توفي رضي الله عنه في حدود سنة سبعين من الهجرة (3).
وقد اخترتُ في هذه الدراسة رواية الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- لمكانته، ومكانة كتابه بين كتب السنّة، ولما سبق من أن روايات الحديث تكاد تكون متطابقة في ألفاظها وجملها .
وردت أحاديث كثيرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تنهى عن الرياء، وتحذر منه، ومن هذه الأحاديث:
1-حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: [ خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونحن نتذاكر المسيح الدّجال، فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قال: قلنا: بلى، فقال: الشرك الخفي أن يقوم الرجل ليصلي، فيزيِّن صلاته، لما يرى من نظر رجل ] (4).
__________
(1) حزاورة، جمع حزور، وهو الذي قارب البوغ. النهاية في غريب الحديث (1/380).
(2) سنن ابن ماجه (1/23)، وقال البوصيري في الزوائد (1/6): إسناده صحيح ، ورجاله ثقات.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب لابن عبد البر (1/217) ، والإصابة لابن حجر (1/249).
(4) أخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب الزهد-باب الرياء والسمعة (2/1406)، والحاكم في المستدرك (4/329)، وصححه ووافقه الذهبي.(1/4)
2-حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أيّ ذلك في سبيل الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله ] (1).
3-حديث محمود بن لبيد(2)رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء، إن الله يقول يوم تجازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ](3).
4-حديث شداد بن أوس قال: [ كنا نعدّ الرياء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشرك الأصغر ](4).
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإمارة: باب مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله (3/1513).
(2) الصحابي الجليل محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع، الأنصاري الأوسي، أبو نعيم المدني، ولد بالمدينة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، روى عدة أحاديث، روى عن عمر بن الخطاب، ورافع بن خديج، وقتادة بن النعمان، وغيرهم، روعى عنه الزهري، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وبكير ابن الأشيم، وغيرهم، وفي أبيه نزلت آية الرخصة فيمن لا يستطيع الصوم، توفي سنة سبع وتسعين من الهجرة، رضي الله عنه. انظر ترجمته في: أسد الغابة (5/117) ، والإصابة (3/387).
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/428). وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/69): رواه أحمد بإسناد جيد، وقال الهيثمي في المجمع (1/102): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/329)، وصححه ووافقه الذهبي.(1/5)
فالرياء نوع من أنواع الشرك الأصغر، وقد عرّف ابن قيّم الجوزية رحمه الله تعالى الشرك الأصغر بقوله: " وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتصنع للخلق والحلف بغير الله تعالى، وقول الرجل ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا، وقد يكون شركاً أكبر بحسب قائله ومعتقده " (1).
ولذلك يقول الشوكاني مبيناً خطر الرياء بعد أن سرد بعض الأحاديث الواردة في التحذير منه، قال: " فإذا كان مجرد الرياء هو فعل الطاعة لله عز وجل مع محبة أن يطلع عليها غيره أو يثني عليه بها أو يستحسنها شركاً، فكيف بما هو محض الشرك" (2).
الرياء في اللغة: مصدر مِن راءى يرائي وراءيت الرجل مراءاةً ورياء: أريته أني على خلاف ما أنا عليه، والاسم منه: الرياء(3).
والسمعة: ما سُمِّع به من طعام أو غير ذلك رياء ليسمع ويرى، وتقول: فعله رياء وسمعة أي: ليراه الناس ويسمعوا به(4).
يقول ابن فارس: راءى فلان يرائي، وفعل ذلك رئاء الناس(5).
ويقول المطرزي(6): "مَن راءى رَاءى الله به ": أي مَن عمل عملاً لكي يراه الناس شهّر الله رياءه يوم القيامة (7).
ويقول ابن قدامة: " اعلم أن الرياء مشتق من الرؤية والسمعة مشتقة من السماع" (8).
__________
(1) مدارج السالكين (1/344).
(2) الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ص (26).
(3) لسان العرب (14/296)، (8/165، 166).
(4) المصدر السابق (8/165، 166).
(5) مجمل اللغة لابن فارس (2/412).
(6) ناصر بن عبد السيد بن علي بن المطرز، أبو الفتح المطرزي النحوي الأديب، كان رأساً في فنون الأدب، وداعية إلى الاعتزال، من مصنفاته: شرح المقامات، والمغرب في ترتيب المعرب، مات سنة (610هـ). انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (22/28) ، بغية الوعاة (2/311).
(7) المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي (1/314).
(8) مختصر منهاج القاصدين ص (214).(1/6)
ويقول الفيروز آبادي: "وراءيته مراءاة ورياءً: أريته على خلاف ما أنا عليه" (1).
ويقول الحافظ ابن حجر: " السُّمعة - بضم المهملة وسكون الميم -مشتقة من سمع، والمراد بها نحو ما في الرياء، لكنّها تتعلّق بحاسّة السمع، والرياء بحاسّة البصر " (2).
وأمّا تعريف الرياء اصطلاحاً، فقد عرّفه أبو هلال العسكري بقوله: الرياء جميل الفعل رغبة في حمد الناس لا في ثواب الله تعالى (3).
وعرّفه العز بن عبد السلام بقوله: " الرياء إظهار عمل العبادة لينال مُظْهِرُها عرضاً دنيويّاً إما بجلب نفع دنيوي، أو لدفع ضرر دنيوي، أو تعظيم أو إجلال " (4).
ويقول القرطبي: " الرياء وهو أن يفعل شيئاً من العبادات التي أمر الله بفعلها له لغيره " (5).
ويقول الحافظ ابن حجر: " الرياء إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها " (6).
هذه التعريفات كلّها تدلّ على معنى واحد، وهو أنّ المرائي والمسمع، لا يقصد بفعله وجه الله تبارك وتعالى، وإنما يقصد أن يراه الناس ويسمعوه فيحصل له من مدح الناس وثنائهم عليه، وهذا كله في اليسير من الرياء، وأما إذا كان كثيراً فإنه قد يصل بصاحبه إلى الشرك الأكبر الذي يصدر من المنافقين الذين توعّدهم الله عز وجل بالدّرك الأسفل من النار كما سيأتي بيان ذلك في مبحث حكم الرياء إن شاء الله تعالى.
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (3/116).
(2) فتح الباري (11/336).
(3) الفروق اللغوية للعسكري ص (189).
(4) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام (1/124).
(5) تفسير القرطبي (5/181).
(6) الفتح لابن حجر (11/331).(1/7)
يدلّ حديث جندب بن عبد الله -رضي الله عنه -في الرياء والسمعة على أنّ هناك فرقاً بين الرياء والسمعة، فالذي يُسمِّع الناس بأعماله يُسمِّع الله به ويفضحه، والذي يرائي الناس بأعماله يرائي الله به ويفضحه ويشهره، فالسمعة هي الفعل لأجل سماع الناس، والرياء هو العمل لأجل رؤية الناس، فالسمعة تتعلق بحاسة السمع ، والرياء يتعلق بحاسة البصر ، ولذلك نجد الإمام البخاري -رحمه الله تعالى -عَنْوَن في صحيحه بعنوان يُدلِّل فيه على الفرق بين الرياء والسمعة حيث قال رحمه الله تعالى في صحيحه: " كتاب الرقاق، باب الرياء والسمعة ".
يقول صاحب تيسير العزيز الحميد: " الفرق بين الرياء وبين السمعة أن الرياء هو العمل لرؤية الناس، والسمعة لأجل سماعهم، فالرياء يتعلق بحاسة البصر، والسمعة بحاسة السمع، ويدخل فيه أن يخفي عمله لله، ثم يحدث به الناس " (1).
الرياء له أنواع، وكل نوع من هذه الأنواع يقصد صاحبه مراءاة الناس والعمل من أجلهم، ومن أنواعه التي ذكرها العلماء (2):
1-الرياء البدني:
ويقصد به أن المرائي يظهر النُّحُول والصفار على جسمه؛ ليوهم الناس شدة اجتهاده في العبادة، وخوفه من الله والدار الآخرة.
2-الرياء من جهة اللباس والزي:
وهو أن يلبس على خلاف ما يلبسه الناس من الثياب،التي يزعم أنه لايلبسها إلا العلماء وأهل الله وخاصته،لأجل أن يقال إنه عالم ومن العبّاد والزهّاد.
3-الرياء بالقول:
__________
(1) تيسير العزيز الحميد ص (525).
(2) انظر: الرعاية لحقوق الله للمحاسبي ص (179) وما بعدها، ومختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ص (223-225) ، مقاصد المكلفين (الإخلاص) للدكتور عمر الأشقر ص (100، 101).(1/8)
وهو الرياء بالنطق والكلام وإظهار أنه حافظ للحديث، وإظهار الذكر لله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمام جمع من الناس، ومنه رياء أهل الوعظ والإرشاد الذين يظهرون للناس أنهم يحفظون الأخبار والآثار؛ لأجل محاورة العلماء وإظهار غزارة العلم، ومنه خفض الصوت وترقيقه بقراءة القرآن؛ ليظهر للناس الحزن والخوف ونحو ذلك.
4-الرياء بالعمل:
ومنه المراءاة بطول الصلاة والقيام والركوع والسجود وإظهار الخشوع، والمراءاة بكثرة الصدقة والحج وغيرها من الأعمال التي يراها الناس ويحمدونه عليها.
5-الرياء بكثرة الأصحاب والزوار:
وهذا كالذي يتكلّف بدعوة العلماء والمشايخ والعبّاد؛ ليراها الناس ويقولوا: إنّ أهل العلم والدِّين يتردّدون عليه ويزورونه، فيحمدونه لأجل ذلك.
كلّ هذه الأنواع يقع فيها الرياء، ولذلك يجب على كلّ مسلم البعد عن الرياء والحذر منه، والحرص على إخلاص العمل لله عزّ وجلّ؛ لتكون أعماله مقبولة عند الله سبحانه وتعالى.
يقول ابن قدامة رحمه الله تعالى: " اعلم أنّ أصل الرياء حبّ الجاه والمنزلة ، وإذا فصل رجع إلى ثلاثة أصول، وهي حسب لذة الحمد، والفرار من ألم الذم، والطمع فيما في أيدي الناس " (1).
هذه الأمور الثلاثة التي ذكرها ابن قدامة رحمه الله تعالى، هي الأصول الجامعة الباعثة على الرياء وتفصيلها على النحو الآتي:
__________
(1) مختصر منهاج القاصدين ص (122).(1/9)
أولاً: أنّ المرائي يحبّ حمد الناس وثناءهم على أعماله الصالحة التي يظهرها،ويقوم بها من الصلاة والصدقة والجهاد وتعليم العلم، وغيرها من الأعمال الظاهرة التي يعملها من أجل أن يحمدوه عليها، ولم يقصد وجه الله تبارك وتعالى، ويدل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [ إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: ما عملت فيها؟ قال" قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فأتى به فعرَّفه نِعمه فعرفها، قال: ما فعلت فيها؟ قال: تعلّمت العلم وعلّمته وقرأت القرآن، قال: كذبت ولكنّك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كلّه، فأتى به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها. قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنّك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ] (1).
فهؤلاء ما أرادوا بأعمالهم وجه الله تبارك وتعالى، وإنما أرادوا مدح الناس وثناءهم، فالمجاهد قاتل وجاهد ليقال: إنّه شجاع، وإنّه جريء، والعالم تعلّم العلم ليقال إنه عالم، والمنفق أنفق الأموال ليقال إنه جواد منفق.
ثانياً: خوف المرائي من ذمّ الناس له، ولذلك تجده يعمل أعمالاً ظاهرها الصلاح، لا لوجه الله تعالى، وإنما خوفاً من ذمّ الناس له، فهو ينفق ويتصدق حتى لا يقال: بخيل، ويقاتل ويجاهد حتى لا يقال: إنه جبان، وهكذا في بقية الأعمال التي يقوم بها.
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإمارة (3/1514).(1/10)
يقول الحارث المحاسبي (1) في بيان هذين السببين: " وكذلك من تخلف عن الصف الأول في القتال فلم يمكنه طلب الحمد على الشجاعة، وأراد الانصراف لقلة رغبته في الأجر أو لجبن يمنعه من الانصراف أن يذم بالجبن ويسمى به، فصار حبسه نفسه في ذلك الموقف خوفاً أن يذم، ولولا ذلك لانصرف؛ لأنه إذا خاف الهزيمة، أو رأى كثرة القتل، أحبّ أن يتنحى عن الصف أو يفر من العسكر والسرية، فإذا خاف أن يقال جَبُن حَبَس نفسه على المقام، وكالرجل يكون مع القوم، فيتصدق كل واحد منهم بالدينار وبالدرهم أو الشيء الكثير، ولا تسخو نفسه أن يتصدّق بمثل ما تصدّقوا ويكره ألا يتصدّق بشيء فيبخل، فيتصدّق بالشيء اليسير لئلا يبخل، وقد ييأس أن يحمد، إذ فاته القوم بما أعطوا..." (2).
ثالثاً: رغبة المرائي الحصول على ما عند الناس من مال وجاه وغير ذلك، فهو يريد أن يحصل بعمله على شيء من حُطام الدنيا، ولم يعمل للآخرة، ولم ينظر لها، ولذلك الله سبحانه وتعالى حَذّرنا في القرآن الكريم من إيثار الدنيا على الآخرة فقال عز وجلّ: { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } (3)، ويقول تبارك وتعالى: { بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ } (4).
يقول ابن كثير: " إنهم إنما همّهم إلى الدار الدنيا العاجلة، وهم لاهون متشاغلون عن الآخرة"(5).
__________
(1) الحارث بن أسد البغدادي المحاسبي، أبو عبد الله الزاهد، شيخ الصوفية في زمانه، له كتب في الزهد وغيره، يقول الذهبي: " المحاسبي كبير القدر، وقد دخل في شيء يسير من الكلام فنقم عليه، وورد أن الإمام أحمد أثنى على حال الحارث من وجه، وحذر منه ". توفي سنة (243هـ). انظر ترجمته في: تاريخ بغداد (8/215) ، سير أعلام النبلاء (12/110).
(2) الرعاية لحقوق الله ص (170).
(3) سورة الأعلى، آية (16، 17).
(4) سورة القيامة، آية (20، 21).
(5) تفسير ابن كثير (4/406).(1/11)
وقد ذكر هذه الأسباب الثلاثة أيضاً الحارث المحاسبي في كتابه الرعاية حيث قال: " فالذي يبعث على الرياء وقبول خطرات العدو هذه الثلاث خلال: حبّ المحمدة، وخوف المذمة والضعة، والطمع للدنيا، ولما في أيدي الناس جميعاً، ويجمع ذلك كله: حبّ المحمدة وخوف المذمة؛ لأن العبد قد يعلم أنه لا ينال ما عند الناس بطاعة ربّه إلا أن يحمدوه عليها فتبذل له أموالهم، وأنه إنما جزع من الذم للمحمدة كراهية أن يزول عنه حمدهم، فتؤول هذه الخلال الثلاث إلى حب المحمدة، إلا أنها تشعبت وتفرقت على أقدار الناس وقدر مراتبهم" (1).
وردت نصوص في كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحثّ على إخلاص العمل لله عز وجلّ وتحرم الشرك، وتحذّر من الرياء، وتبين شدّة خطره، يقول الشوكاني: " والأحاديث الواردة في كون الرياء مبطلاً للعمل موجباً للإثم كثيرة جدّاً، واردة في أنواع الرياء: الرياء في العلم، الرياء في الجهاد، الرياء في الصدقة، والرياء في أعمال الخير على العموم، ومجموعها لا يفي به إلا منصف مستقل، والرياء هو أحد المعاصي الباطنة وأشرها مع كونه لا فائدة فيه إلا ذهاب أجر العمل، والعقوبة على وقوعه في الطاعة، فلم يذهب به مجرد العمل بل لزم صاحبه مع ذهاب عمله الإثم البالغ" (2).
ومن الآيات التي جاء الأمر فيها بالإخلاص : قول الله تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (3).
__________
(1) الرعاية لحقوق الله للحارث المحاسبي ص (168، 169).
(2) قطر الولي على حديث الولي للشوكاني ص (459).
(3) سورة البينة، آية (5).(1/12)
ومن الآيات التي جاء فيها ذكر الرياء ومقت المرائين وأعمالهم : قول الله تبارك تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } (1).
فالله سبحانه وتعالى يخبر أن صدقة المتبع صدقته بالمنّ والأذى باطلة كما تبطل صدقة من راءى بصدقته الناس؛ لأنه يظهر لهم أنه يريد بها وجه الله وقصده ثناء الناس له، أو الحصول على مصلحة من المصالح الدنيوية.
ومنها قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا } (2).
يذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية حال المنفقين أموالهم رئاء الناس الذين يقصدون بإنفاقهم الرياء والسمعة من مدح الناس وغيره، ولا يريدون وجه الله تبارك وتعالى .
ومنها قوله تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } (3).
في هذه الآية يتوعد الله سبحانه وتعالى الذين يراءون بصلاتهم بالويل والهلاك .
ومنها قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } (4).
__________
(1) سورة البقرة، آية (264).
(2) سورة النساء، آية (38).
(3) سورة الماعون، آية (4، 5، 6، 7).
(4) سورة فاطر، آية (10).(1/13)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:وقوله تعالى { وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ } قال مجاهد وسعيد بن جبير وشهر بن حوشب: هم المراءون بأعمالهم، يعني يمكرون بالناس يوهمون أنهم في طاعة الله تعالى، وهم بغضاء إلى الله عز وجل، يراءون بأعمالهم...ولهذا قال تعالى: { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } أي يفسد ويبطل ويظهر زيغهم عن قريب لأولي البصائر والنهى، فإنّه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم بل ينكشف لهم عن قريب، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية " (1).
هذه بعض الآيات التي وردت في التحذير من الرياء وبيان حالة أهله.
أما الأحاديث التي فيها الأمر بالإخلاص والتحذير من الشرك والرياء، فمنها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [ قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ] (2).
ومنها: حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: " سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ] (3).
فهذه الآيات والأحاديث فيها الحثّ على إخلاص العمل لله عزّ وجلّ، والحذر من الشرك والرياء.
__________
(1) تفسير ابن كثير (3/512).
(2) أخرجه مسلم، كتاب الزهد-باب من أشرك في عمله غير الله (4/2289).
(3) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة-باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله (3/1512).(1/14)
القسم الأول: عمل المرائي الذي دخله الرياء من أساسه، بحيث أنه لم يعمل العمل من الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من العبادات إلا من أجل الناس، وهو ما يسمى بالرياء المحض، فهذا العمل باطل مردود على صاحبه، وقد دلّ على بطلانه الأدلة الكثيرة في الكتاب والسنة، والتي سبق ذكر بعض منها، يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي مبيناً حكم هذا العمل: " فتارة يكون -أي العمل- رياء محضاً بحيث لا يراد به سوى مرئيات المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم، قال الله عز وجل: { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ } (1)، وقال تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ } (2)، وكذلك وصف الله تعالى الكفار بالرياء المحض في قوله تعالى: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ } (3)، وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة، والتي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة " (4).
القسم الثاني: إذا شارك الرياء العمل من أصله، فإن العمل باطل ومردود على صاحبه، وقد دلّ على بطلانه الأدلة الكثيرة في كتاب الله عز وجل، وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - التي تأمر بإخلاص العمل لله عز وجل، وتحذر من الرياء، وهذا هو رياء الشرك كما يسميه العز بن عبد السلام حيث قال: وأما رياء الشرك فهو أن يفعل العبادة لأجل الله ولأجل ما ذكر من أغراض المرائين، وهو محبط للعمل أيضاً(5).
__________
(1) سورة النساء، آية (142).
(2) سورة الماعون، آيات (4).
(3) سورة الأنفال، آية (47).
(4) جامع العلوم والحكم ص (13).
(5) قواعد الأحكام (1/124).(1/15)
وهذا العمل يخشى عليه أن يكون من الشرك الأكبر الذي ذكره عز وجل عن المنافقين بقوله: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } (1)، فهؤلاء يظهرون للناس أنهم يصلون لله ويعبدونه عز وجل، وهم يبطنون خلاف ذلك، فعملهم لغير وجه الله تعالى، ولا يذكرون الله إلا قليلاً، قال الحسن: قلّ لأنه كان لغير الله " (2).
وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [ قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ] (3)، يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى عن هذا القسم وحكمه: " أن يبتدئها -أي العبادة -مريداً بها الله والناس، فيريد أداء فرضه والجزاء والشكور من الناس، وهذا كمن يصلي بالأجرة، فهو لو لم يأخذ الأجرة صلّى، ولكن يصلي لله وللأجر، وكمن يحج ليسقط الفرض عنه، ويقال: فلان حجّ، أو يعطي الزكاة كذلك، فهذا لا يقبل منه العمل " (4).
وممن بين هذا القسم وحكمه تلميذه ابن رجب رحمه الله تعالى بقوله: " وتارة يكون العمل لله، ويشاركه الرياء، فإن شاركه في أصله، فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضاً وحبوطه " (5).
القسم الثالث: أن يكون أصل العمل لله تبارك وتعالى ثم يشاركه الرياء في أثنائه، فهل يبطل العمل أم لا؟
__________
(1) سورة النساء، آية (142).
(2) انظر: المحرر الوجيز لابن عطية (4/266)، وتفسير ابن كثير (1/506).
(3) تقدم تخريجه.
(4) إعلام الموقعين (2/182).
(5) جامع العلوم والحكم ص (13).(1/16)
يجيب على ذلك ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى حيث يقول: " أن يكون الباعث الأول على العمل هو الإخلاص ثم يعرض له الرياء وإرادة غير الله في أثنائه، فهذا المعمول فيه على الباعث الأول ما لم يفسخه بإرادة جازمة لغير الله فيكون حكمه حكم قطع النية في أثناء العبادة وفسخها أعني قطع ترك استصحاب حكمها " (1).
ويقول ابن رجب رحمه الله تعالى: " وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه الرياء فلا يضره، فإن كان خاطراً ودفعه فلا يضره بغير خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، وأرجو أنّ عَمَلَه لا يبطل بذلك، وأنه يُجازى بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن البصري وغيره... وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج، فأمّا ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم، فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه، ويحتاج إلى تجديد نية... فأما إذا عمل العمل لله خالصاً ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك ففرح بفضل رحمته واستبشر بذلك لم يضره ذلك، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير يحمده الناس عليه، فقال: تلك عاجل بشرى المؤمن ] (2)، أخرجه مسلم، وابن ماجه (3) وعنده: [ الرجل يعمل العمل فيحبه الناس عليه ] (4).
__________
(1) إعلام الموقعين (2/182).
(2) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة-باب إذا أثنى على الصالح فهو بشرى لا تضره (4/2034).
(3) ابن ماجه، كتاب الزهد- باب الثناء الحسن (2/1412).
(4) جامع العلوم والحكم ص (15، 16).(1/17)
لكلّ عمل من الأعمال السيئة آثارٌ وعواقبُ وخيمةٌ، وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } (1)، والمرائي معرض عن ذكر الله تبارك وتعالى؛ لأنّه يقصد بأعماله غير وجه الله تبارك وتعالى، وآثار وعواقب الرياء السيئة منها ما يحصل في الدنيا، ومنها ما هو في الآخرة، ويتضّح ذلك في الأمور التالية:
أولاً: أنّ الرياء يحبط العمل ويبطله ويجعله مردوداً على صاحبه؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلاّ ما كان خالصاً له، وعمل المرائي لغير وجه الله فلذلك يذهب هباء منثوراً يقول الله تبارك وتعالى: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (2).
وكما في حديث أبي هريرة السابق: قال الله تعالى: [ أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ] (3).
ثانياً: أنّ الرياء يفضح صاحبه يوم القيامة ويشهر به، فالمرائي يفضحه الله عزّ وجلّ على رؤوس الخلائق يوم القيامة، كما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [ ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء إلا سمّع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة ] (4).
__________
(1) سورة طه، آية (124).
(2) سورة الكهف، آية (110).
(3) تقدم تخريجه.
(4) رواه الطبراني في الكبير (20/119) ، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/66): رواه الطبراني بإسناد حسن.(1/18)
ثالثاً: أنّ الرياء يجعل المرائي يبغضه أهل السماء وأهل الأرض، وذلك لأنه عمل العمل لغير وجه الله تعالى فأبغضه الله تبارك وتعالى، وجعل بغضه في الأرض والسماء، كما جاء في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ إنّ الله إذا أحبّ عبداً دعا جبريل فقال: إني أحبّ فلاناً فأحبّه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، قال فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض ] (1).
__________
(1) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة والآداب-باب إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده (4/2020).(1/19)
رابعاً: زيادة ضلال المرائي في الدنيا بسبب ريائه، وعدم إخلاصه في العمل والقول والقصد لله سبحانه وتعالى، ويدلّ على ذلك حديث جابر بن سَمُرَة رضي الله عنهما قال: (( شكا أهل الكوفة سعداً رضي الله عنه -يعني ابن أبي وقاص -واستعمل عليهم عمّاراً، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إنّ هؤلاء يزعمون أنّك لا تحسن تصلي، فقال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا أخرم (1) عنها، أصلي صلاتي العشاء فأركد (2) في الأوليين وأخف في الآخريين، قال: ذلك الظنّ بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلاً -أو رجالاً -إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجداً إلا سأل عنه، ويثنون معروفاً، حتى دخل مسجداً لبني عبس فقام رجل منهم، يقال له أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعد، فقال: أما إذا نشدتنا، فإنّ سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعَرِّضه للفتن، وكان بعد ذلك إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك بن عمر الراوي عن جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن )) (3).
__________
(1) أي لا أنقص ولا أدع ولا أترك. النهاية في غريب الحديث والأثر (2/27).
(2) أي أسكن وأطيل القيام في الركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية. النهاية في غريب الحديث والأثر (2/258).
(3) أخرجه البخاري: كتاب الآذان (1/183، 184).(1/20)
خامساً: أنّ الرياء يجعل المرائي عاقبته النار؛ لأنّ جزاء المرائين يوم القيامة النار؛ كما قال عز وجلّ: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } (1).
وكما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ إنّ أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرَّفه نِعَمَه فعَرَفها، قال: فما عملت فيها، قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم القرآن وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأتى به فعرَّفه نِعمه فعرفها، قال: فما فعلت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت القرآن، قال: كذبت ولكنّك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كلّه، فأتى به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها. قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنّك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ] (2).
فالرياء محبط للعمل وعواقبه وآثاره جسيمة، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين يخافون من الرياء أشد الخوف ويحذرون منه أشدّ الحذر؛ لأنّهم كانوا يعرفون دقة وجله وعواقبه الوخيمة.
نسأل الله عزّ وجلّ أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم (3)، إنه سميع مجيب.
هناك أمور يظنّ بعض الناس أنّها من الرياء، وهي ليست منه، ومن ذلك :
__________
(1) سورة الماعون، آية (4، 5، 6، 7 ).
(2) صحيح مسلم، كتاب الإمارة-باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار (3/1513).
(3) انظر: الإخلاص لحسين عوايشه ص (70- 72)، الرياء وذمه لسليم الهلالي ص (41) وما بعدها.(1/21)
أولاً: تجميل الثياب والنعل ونحوه
ويدل على أنّ ذلك ليس من الرياء حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: إنّ الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس ] (1).
ثانياً: حمد الناس العبد على عمل صالح دون حبّ منه لذلك
ويدل على ذلك حديث أبي ذر قال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ تلك عاجل بشرى المؤمن ] (2).
قال النووي: " قال العلماء: معناه: هذه البشرى المعجلة له بالخير وهي الدليل على رضا الله تعالى عنه ومحبته له فيحببه إلى الخلق كما سبق في الحديث، ثم يوضع له القبول في الأرض، هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم وإلا فالتعرض مذموم " (3).
ثالثاً: إظهار شعائر الإسلام
__________
(1) تقدم تخريجه، ص (28).
(2) أخرجه مسلم في صحيحه (4/2642).
(3) شرح صحيح مسلم للنووي (16/189).(1/22)
من الفرائض التي لا يمكن إخفاؤها، ومن حقها الإعلان بها، وتشهيرها؛ لأنها شعائر الدين وعلامات الإيمان وأركان الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة والحج والعمرة والجمعة والجماعة؛ لأنّ تاركها يستحق الذم والمقت، فوجب إظهارها، يقول العزّ بن عبد السلام-رحمه الله تعالى-: " ما شرع مجهوراً كالآذان، والإقامة، والتكبير، والجهر بالقراءة في الصلاة والخطب الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وإقامة الجمعة والجماعات والأعياد والجهاد وعيادة المرضى وتشييع الأموات، فهذا لا يمكن إخفاؤه، فإن خاف فاعله الرياء جاهد نفسه في دفعه إلى أن تحضر نية الإخلاص، فيأتي به مخلصاً كما شرع، فيحصل على أجر ذلك الفعل، وعلى أجر المجاهدة لما فيه من المصلحة المتعدية " (1).
(2) مما سبق يتبين أن داء الرياء داء عضال ومرض يجب الوقاية منه، ومعالجته بأمور تحفظ المسلم منه وتجعله بعيداً عنه، ونلخص هذه الأمور بما يأتي:
1. الحرص على إخلاص العمل لله عز وجل، والبعد عن الشرك بأنواعه، ومجاهدة النفس في أن يكون العمل خالصاً لله تبارك وتعالى.
__________
(1) قواعد الأحكام (1/128) ، وانظر: مقاصد المكلفين للدكتور عمر الأشقر ص (128).
(2) انظر: مختصر منهاج القاصدين ص (126)، والرياء ذمه وأثره السيئ في الأمة لسليم الهلالي ص (61-72)، كتاب الإخلاص لحسين عوايشه ص (30).(1/23)
2. استشعار عظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته على كل شيء، وأنّه سبحانه وتعالى هو الذي بيده النفع والضرّ، فالمرائي الذي عَظَّم الناس وعمل العمل من أجلهم عندما يتذكر عظمة الله عز وجل وقدرته على كلّ شيء يزيد الإيمان عنده ويقوى، فيراقب الله تبارك وتعالى ويعظمه ويخاف من عقابه؛ لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى مطلع عليه في كل شيء ، وبذلك يخلص جميع أعماله لله تبارك وتعالى، قال عز وجل: { وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } (1).
3. معرفة الرياء ومداخله وخفاياه، والخوف منه، والنظر في عواقب الرياء في الدنيا والآخرة، فالمرائي عندما ينظر في عواقب الرياء الوخيمة يجد أنّ عمله مردود عليه كما يجد أيضاً أن من عواقب الرياء أن الله سبحانه وتعالى يهتك ستر المرائين ويفضحهم، فهذا مما يجعل المرائي يكره الرياء ويبتعد عنه ويحترز منه، ويخاف منه؛ لأن الرياء قد يجلب سخط الناس وكراهيتهم له، ومقتهم وسخريتهم واستهزاءهم به، وقد تناقل العلماء في كتبهم حكايات المرائين ونددوا بها (2).
4. معرفة ما توعّد به الكافرين والعاصين والمرائين والمخالفين لأوامره من العذاب الأليم في نار جهنم، وأنّ الله سبحانه وتعالى سيفضحهم على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فإنّ المرائي إذا عرف ذلك أخلص أعماله لله تبارك وتعالى، وابتعد عن كلّ شيء يبطلها أو يفسدها، فإنه يعلم أنّ هناك حساباً وجزاءً وناراً، فيحب أن يلقى الله عز وجل على أحسن حال.
__________
(1) سورة يونس، آية (61).
(2) انظر: مقاصد المكلفين ص (125).(1/24)
5. دعاء الله سبحانه وتعالى والاستعانة به على دفع الرياء، فالدعاء سلاح المسلم، والله سبحانه قد أمرنا في كتابه العزيز أن ندعوه فقال عزوجل: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } (1). فدعاء الله سبحانه وتعالى والتعوذ به من الرياء أحسن الأدوية للقضاء على كل ما يحبط العمل ويبطله، وقد دلنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - على دعاء يبعدنا عن الشرك وأنواعه حيث قال عليه الصلاة والسلام: [ أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه ] (2).
فعلى المسلم أن يكثر من دعاء الله تبارك وتعالى ويستعين به ويلجأ إليه ويستعيذ به من الشرك وأنواعه؛ لأنّ الدعاء سلاح المؤمن، يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: " والدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن " (3).
__________
(1) سورة غافر، آية (60).
(2) أخرجه أحمد (4/403)، وقال الهيثمي في المجمع (10/223) رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي علي وثقه ابن حبان.
(3) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص (9).(1/25)
6. إخفاء العبادات وكتمانها . ومن أنفع الأدوية في دفع الرياء والبعد عنه أن يعود الإنسان نفسه إخفاء النوافل من العبادات وعملها في السر وعدم إعلام الناس بها، وإغلاق الأبواب دونها، فإنّ الدواء النافع في الرياء إخفاء الأعمال، وذلك يشق على النفس في بداية الأمر، ولكن يحتاج إلى الصبر والمجاهدة، فإذا صبر على ذلك سقط عنه ثقله وأمده الله بالعون، فعلى العبد أن يجاهد نفسه في ذلك، ومن الله التوفيق والسداد (1).
وكان العلماء والأخيار قديماً وحديثاً يحبّون إخفاء أعمالهم حتى لا يخالطها الرياء، ولا يدعون للشيطان مدخلاً يشوش عليهم ويفسد أعمالهم، وقد ورد في القرآن الكريم ما يدل على أفضلية إخفاء الصدقة، فقال تعالى : { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } (2).
وقد نقل عن السلف الصالح في إخفاء الأعمال أمور تدعو إلى الإعجاب وتجعلهم أسوة يحتذى بهم (3).
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد:
فقد انتهيت بحمد الله ومَنّه وفضله من هذا البحث الذي تكلمت فيه عن الرياء، فبينت فيه أن الرياء من أخطر أنواع الشرك الأصغر وأشدها في إحباط العمل، ولذلك حذّر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - وخاف على أمته منه، وقد ذكرت فيه أن أهم الأمور في علاج الرياء والوقاية منه إخلاص العمل لله عز وجل وحده لا شريك له والتعلق به سبحانه والاستعانة به على ذلك، ولا خاب من تعلق بالله واستعان به، جعلنا الله من عباده المخلصين، ووفّقنا لما يحبه ويرضاه، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________
(1) انظر: مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ص (223)، وقد تصرفت في النقل منه.
(2) سورة البقرة، آية (271).
(3) انظر: مقاصد المكلفين ص (127، 129)(1/26)
المصادر والمراجع
" ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف. لعبد الله الغفيلي-دار المسير، الطبعة الأولى-1418هـ.
" إحياء علوم الدِّين. للغزالي-مطبعة الحسيني-القاهرة.
" الإخلاص. لحسين عوايشه-المكتبة الإسلامية-الأردن- الطبعة الثالثة 1403هـ.
" الإخلاص والشرك الأصغر. عبد العزيز العبد اللطيف-دار الوطن-الرياض- الطبعة الأولى.
" الاستيعاب في معرفة الأصحاب. لابن عبد البر-بهامش الإصابة لابن حجر. مكتبة المثنى-الطبعة الأولى-1328هـ.
" أسد الغابة في معرفة الصحابة. لابن الأثير-دار الشعب-القاهرة-1390هـ.
" الإصابة في تمييز الصحابة. لابن حجر العسقلاني-مكتبة المثنى-لبنان-الطبعة الأولى-1328هـ.
" أعلام الموقعين. لابن قيم الجوزية-دار الجيل-بيروت.
" الأعلام للزركلي- دار العلم للملايين- بيروت- الطبعة الخامسة- سنة 1980م.
" بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز. لمجد الدين الفيروزآبادي-المكتبة العلمية-بيروت-لبنان.
" بعض أنواع الشرك الأصغر-تأليف د/عواد المعتق-مكتبة الرشد-الرياض-الطبعة الأولى 1420هـ.
" بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة. للسيوطي-دار الفكر-بيروت-الطبعة الثانية-1399هـ.
" تاريخ بغداد. للخطيب البغدادي-دار الكتاب العربي-بيروت.
" الترغيب والترهيب. للمنذري-دار إحياء التراث-بيروت-الطبعة الثالثة-1388هـ.
" التعريفات. للجرجاني-دار الكتب العلمية-بيروت-1408هـ.
" تفسير ابن جرير الطبري-طبعة الحلبي-القاهرة-الطبعة الثالثة-سنة 1388هـ.
" تفسير القرطبي-دار الكتاب العربي-القاهرة- الطبعة الثالثة سنة 1387هـ.
" تفسير ابن كثير- دار الفكر- بيروت 1400هـ.
" التمهيد . لابن عبد البر-مطبعة فضالة- المغرب- الطبعة الأولى.
" تهذيب التهذيب. لابن حجر العسقلاني- دائرة المعارف النظامية- الهند-الطبعة الأولى-سنة 1426هـ.
" تهذيب اللغة. للأزهري-الدار المصرية-القاهرة.(1/27)
" تيسير العزيز الحميد. للعلامة سليمان بن عبد الوهاب-المكتب الإسلامي-بيروت-1400هـ.
" جامع العلوم والحكم. لابن رجب الحنبلي-دار الكتب العلمية-بيروت.
" الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي. لابن قيم الجوزية.
" الدرر النضيد في إخلاص التوحيد. للشوكاني-مكتبة الصحابة الإسلامية-الكويت.
" الدين الخالص. لصديق حسن-تحقيق: محمد النجار-مكتبة الفرقان.
" ذم الرياء في الأعمال والشهرة في اللباس والأحوال. لأبي محمد الضراب-تحقيق: محمد باكريم-دار البخاري-المدينة المنورة-الطبعة الأولى-سنة1416هـ.
" الرعاية لحقوق الله. للحارث المحاسبي-دار الكتب العلية-بيروت- الطبعة الرابعة.
" الرياء ذمه وأثره السيئ في الأمة. لسليم الهلالي-مكتبة ابن الجوزي-السعودية-الطبعة الأولى.
" سنن أبي داود. دار حمص-الطبعة الأولى-سنة 1393هـ.
" سنن ابن ماجه. دار إحياء التراث العربي-بيروت- سنة 1395هـ.
" سنن الترمذي. القاهرة- الطبعة الثانية- سنة 1395هـ.
" سنن النسائي. المكتبة السلفية- لاهور-الطبعة الثانية-سنة 1396هـ.
" سير أعلام النبلاء. للحافظ الذهبي-مؤسسة الرسالة-بيروت- الطبعة الأولى- سنة 1401هـ.
" شذرات الذهب. لابن العماد الحنبلي-دار السيرة-بيروت.
" شرح صحيح مسلم . للنووي - القاهرة - سنة1349هـ.
" الشرك بين القديم والحديث. لأبي بكر محمد زكريا-مكتبة الرشد-الرياض-الطبعة الأولى-سنة 1421هـ.
" الشرك ومظاهره. لمبارك الميلي- طبع الجامعة الإسلامية- المدينة المنورة - الطبعة الأولى - سنة 1407هـ.
" الصحاح. للجوهري-دار العلم للملايين-بيروت-الطبعة الأولى-سنة 1402هـ.
" صحيح الإمام البخاري- المكتبة الإسلامية - تركيا - سنة 1981هـ.
" صحيح الإمام مسلم بن الحجاج -دار إحياء التراث العربي- بيروت- 1374هـ.
" فتح الباري شرح صحيح البخاري- لابن حجر العسقلاني- المكتبة السلفية- القاهرة- سنة 1381هـ.(1/28)
" فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير للشوكاني-مطبعة مصطفى الحلبي- مصر- الطبعة الثانية-1383هـ.
" فتح المجيد شرح كتاب التوحيد. لعبد الرحمن بن حسن- مكتبة دار البيان- دمشق- الطبعة الأولى- 1402هـ.
" الفروق اللغوية. للعسكري- دار الكتب العلمية- بيروت- سنة 1401هـ.
" القاموس المحيط. للفيروزآبادي- مؤسسة الرسالة- بيروت- الطبعة الأولى- سنة 1406هـ.
" قطر الولي على حديث الولي. للشوكاني-دار إحياء التراث العربي-بيروت.
" قواعد الأحكام. للعز بن عبد السلام- دار الكتب العلمية-بيروت-لبنان.
" لسان العرب. لابن منظور- دار صادر- بيروت.
" مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. للهيثمي-دار الكتاب العربي-بيروت-الطبعة الثالثة-1402هـ.
" مجمل اللغة. لأبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي-مؤسسة الرسالة-بيروت-لبنان-الطبعة الأولى-1404هـ.
" مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية- جمع وترتيب ابن قاسم- وزارة الشؤون الإسلامية- السعودية.
" المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. لابن عطية الغرناطي-طبع أمير دولة قطر-الطبعة الأولى-1402هـ.
" مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي- المكتب الإسلامي- بيروت- 1393هـ.
" مدارج السالكين. لابن قيم الجوزية- دار الكتب العلمية- بيروت- الطبعة الأولى 1403هـ.
" المستدرك. للحاكم- دار الكتاب العربي- بيروت.
" مسند الإمام أحمد- المكتب الإسلامي- بيروت-دار المعارف-القاهرة سنة 1954م.
" مشاهير علماء الأمصار. لابن حبان-دار الكتب العلمية-بيروت.
" معالم السنن. للخطابي- المكتبة العلمية- بيروت- الطبعة الثانية-سنة 1401هـ.
" معجم مقاييس اللغة. لابن فارس- دار الجيل- الطبعة الأولى- سنة 1411هـ.
" المعجم الكبير. للطبراني-مطبعة الوطن-بغداد-الطبعة الأولى-سنة 1400هـ.
" المغرب في ترتيب المعرب. للمطرزي-مكتبة أسامة بن زيد-حلب-الطبعة الأولى-سنة 1399هـ.(1/29)
" المفردات. للراغب الأصبهاني- طبعة الحلبي- القاهرة-سنة 1381هـ.
" مقاصد المكلفين. للدكتور عمر الأشقر- دار النفائس- عمان.
" المنهاج في شعب الإيمان . للحليمي-دار الفكر- الطبعة الأولى-سنة 1399هـ.
" النهاية في غريب الحديث. لابن الأثير- دار الفكر- بيروت.
-(1/30)