دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب
عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب
-رحمه الله-
نقد لحسن المالكي
كتبه:
ربيع بن هادي المدخلي(1/1)
تقديم العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه
وبعد : فقد اطلعت على ما كتبه فضيلة الشيخ : ربيع بن هادي المدخلي في رده على الكتاب المسمى "محمد بن عبد الوهاب داعية إصلاحي وليس نبياً" للمدعو حسن بن فرحان المالكي ، ذلكم الكتاب الذي تطاول فيه على الإمام محمد بن عبد الوهاب زاعماً الرد على كتابه العظيم "كشف الشبهات" ولم يكتف هذا الكاتب المفتون بهذا العمل المخزي بل تمادى في غيه وضلاله وتطاول على جبال الإسلام بإفكه وانتحاله وحاول أن ينتقد ما كتبه أئمة الإسلام وهداة الأنام في بيان العقائد الصحيحة ودحض العقائد القبيحة فوجدت رد الشيخ ربيع حفظه الله وافياً في موضوعه جيداً في أسلوبه مفحماً للخصم فجزاه الله خير الجزاء وأثابه على ما قام به من نصرة الحق وقمع الباطل وأهله . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
كتبه :
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
في 9/8/1423هـ(1/2)
تقديم العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستهديه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فقد قرأت كتاب : " دحر افتراءات أهل الزيغ والإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله " فألفيته كتاباً عظيماً لعظمة موضوعه ، وهو الدفاع عن التوحيد وأهل التوحيد ، ودعاة التوحيد ، وحماة التوحيد ،والوقوف في وجوه أعداء الدين ومروجي الضلالة الحاقدين على التوحيد وأهله من صنائع الرفض ، والتصوف ودعاة الزيغ والضلال الذين يريدون أن يظهروا أعظم دعاة التوحيد الذي أحيا الله به أمماً لا يحصون ، فعادت بلاد نجد إلى الدين الحق كأنها في عصر الخلفاء الراشدين فأراد هذا الماكر الخبيث أن يلصق به النحلة الخارجية التكفيرية ، التي انتشرت في هذا العصر بواسطة كتب سيد قطب ، واقتنع بهذه الفكرة أقوام لا يحصون من إخوانية وسرورية ، وقطبية ، وجهاد ، وغيرهم ، ثم نشروها زاعمين أنها هي الحق ، فجاء هذا المالكي ليلصقها بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ظلماً ، وعدواناً ، وزوراً وبهتاناً فتصدى له الشيخ ربيع بن هادي المدخلي الذي مارس هذه المعامع من زمن طويل جهاداً في سبيل الله ، ودحراً لأعداء الله ، وبياناً لمن انطوى عليه هؤلاء المبتدعة من ضلال زعموه هدىً وغواية زعموها رشداً ، فهنيئاً له ما قام به من جهاد لصالح الإسلام، دافع به عن السنة المطهرة ، فجزاه الله خيراً وبارك فيه ، وأسأل الله أن يثبتنا وإياه على الحق .
فلقد بين وفقه الله ضلالات سيد قطب ، وانحرافات عبد الرحمن بن عبد الخالق وغلو الحدادية ، ووقف للخوارج الجدد أصحاب النحلة التكفيرية موقف الناقد الخبير والموجه البصير ، فبين ما هم عليه من غواية وضلال ، ثم تصدى لأبي الحسن المصري ثم المأربي ، فبين شطحاته ، وتلبيساته ، وأخيراً بين تمويهات المالكي ، ومكره ، ودجله وخداعه الذي خدم به أهل الرفض الحاقدين ، وأهل التصوف المارقين ، ولقد أغرق المالكي في الكذب ، والافتراء على شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي أحيا الله به عز وجل وبدعوته أمماً لا يحصون ، واتهمه بأنه تكفيري ، وزعم بأن التكفيريين المعاصرين الذين أخذوا النحلة التكفيرية من كتب سيد قطب ، وإليك نموذجاً من تلك النماذج التي ذكرها في كتبه ، تدل صراحةً أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ارتدت عن الإسلام كلها ، فمن ذلك ما قاله في مقدمة تفسير سورة الحجر في المجلد الرابع من الظلال (ص:2122) قال : "إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ، ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله ، والفقه الإسلامي " اهـ .
ولهذا النموذج نظائر كثيرة في كتبه أخذ منها أصحاب المناهج المنحرفة عقيدتهم التكفيرية ، ومع ذلك يقول هذا الظالم المفتري أن أصحاب المناهج التكفيرية في عصرنا الحاضر إنما أخذوا نحلتهم التكفيرية من الشيخ محمد بن عبد الوهاب يالها من فرية ما أعظمها ، ولقد تصدى له الشيخ ربيع حفظه الله ، فبين تلبيساته الساقطة ، وافتراءاته الماكرة ، علماً بأن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب إنما كفر المشركين الذين بقوا على الشرك الأكبر بعد إقامة الحجة عليهم ، وإن هذا الملبس يتبين أن في قلبه حقد على التوحيد وأهله ، ودعاته لا سيما هذا الإمام العظيم الذي جاهد جهاداً مريراً لنشر التوحيد ، وألف الكتب في ذلك ، فجزى الله الشيخ ربيع خير الجزاء ، وبارك فيه وفي دعوته ، وجهاده وجعلنا وإياه من الذابين عن الشريعة الغراء كل بقدر استطاعته وعلى حسب حاله ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
كتبه : أحمد بن يحي النجمي
4/8/1423هـ(1/3)
تقديم العلامة الشيخ زيد بن محمد المدخلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي شرف أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بصحبته والجهاد تحت ألويته والدعوة إلى الله على طريقته ومنهجه ، والشكر لله الذي نصر أولياءه المتقين وحزبه المفلحين وكل من دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال : إنني من المسلمين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين الذي اختار من عباده الأنبياء والمرسلين ووفق لاتباعهم والأخذ بميراثهم علماء ربانيين تفقهوا في الدين ونصحوا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم أجمعين ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله بعثه الله بالوحي المبين ، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين ، ومن تشبه بهم من أعداء الحق وأنصار الشياطين، ورضي الله عن الصحابة أجمعين الأولين منهم والآخرين ، ورحمة الله على العلماء عموماً وعلى المجددين لما اندرس من معالم الدين خصوصاً والله أرحم الراحمين .
ثم أما بعد فقد وصلني بحث قيم تجلت فيه نصرة الحق والمحق ودحر الباطل وأهله بعنوان :
(دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله-) وهو نقد لحسن المالكي كتبه الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله وسدده ورعاه بالعفو والعافية والمعافاة التامة الدائمة في الدنيا والبرزخ والآخرة-، فقرأت موضوعات البحث كلها فأحزنني ما سطره المالكي من الانتقادات الخاطئة والتعقبات الكاذبة لعقيدة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ومنهج دعوته إلى الله ومؤلفاته ورسائله العامة والخاصة، ولقد أتى المتعقب المالكي بالعجب أو على الأصح بموجبات الغضب بسبب قلب الحقائق ظلماً وعدواناً على إمام أنار الله القلوب والعقول بدعوته التي جاءت في وقت كان الناس في كل قطر من الأقطار في أمس الحاجة إليها بشهادة الصديق الصادق والعدو المنصف، فنفع الله بها العرب والعجم في كل إقليم من أقاليمه ، نعم جاء الشيخ بالدعوة النيرة ذات العقيدة السلفية الصحيحة والمنهج النبوي الكريم الذين ليس لهما مصدر إلا كتاب الله العظيم والسنة الغراء وإجماع من يعتد بإجماعهم من علماء المسلمين .
فتصدى المالكي المذكور لذلك النور بتلبيسات فاسدة وشبهات خطيرة ليقنع بها الناس أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وإن كان من دعاة الإصلاح إلا أنه وقع في أخطاء فاحشة تتعلق بالعقيدة والمنهج، وأكثر المالكي من الافتراءات على الشيخ الإمام المجدد، ونوع المجازفات، وأبدى وأعاد من بضاعته التي نثرها، فكشف بها عن سوء معتقده، وفساد منهجه، فوفق الله الشيخ الفاضل والعلامة الجليل ربيع بن هادي المدخلي ففند جميع انتقاداته الخاطئة وجميع شبهاته الخطيرة بالأدلة النقلية والعقلية وذلك نصرة للحق ونصيحة للخلق وتحطيم للظلم ونصر للمظلوم من المعتدي المالكي الظلوم وعند الله تجتمع الخصوم .
وإنني لأقول للشيخ ربيع ولغيره من أصحاب العقيدة السلفية الصحيحة والمنهج القويم إنه لا يستغرب من اعتداء المالكي على الشيخ الجليل محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- فقد نال الرجل من الصحابة الكرام وعلى رأسهم أفضل الأمة بعد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أبو بكر وغيره رضي الله عنهم بأساليب ظالمة كما أوضح ذلك الشيخ الجليل / عبد المحسن بن حمد العباد البدر -حفظه الله- ورعاه في كتاب مطبوع متداول بين الناس أسماه ( الانتصار للصحابة الأخيار ) وهو اسم طابق مسماه فالحمد لله الذي هيأ في كل زمان ومكان من يرد على أهل الأهواء والمحدثات بالنصوص الصريحات والبراهين الساطعات إحقاقاً للحق ونصراً له ولأهله أحياءً وأمواتاً وإزهاقاً للباطل وتحذيراً من أهله .
كتبه : زيد بن محمد هادي المدخلي
9/8/1423هـ(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد - فقد - ألف المسمى بحسن المالكي عدداً من المؤلفات يحارب فيها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- الكرام وغيرهم من أهل السنة الذين تبعوهم بإحسان وقد زكى الله ورسوله أصحاب رسول الله وأثنى عليهم الله في محكم كتابه الثناء العاطر وأخبر عن صفاتهم الحميدة في التوراة والإنجيل فقال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار).
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/205) في تفسير سورة الفتح بعد تفسيره لقوله تعالى: (محمد رسول الله) الآية عند قوله: (ليغيظ بهم الكفار) انتزع من هذه الآية الإمام مالك - رحمة الله عليه - في رواية عنه تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظه الصحابة رضي الله عنهم، فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء - رضي الله عنهم- على ذلك.
والأحاديث في فضل الصحابة - رضي الله عنهم - والنهي عن التعرض لهم بذكر مساوئهم كثيرة ويكفيهم ثناء الله عليهم ورضاه عنهم.".
وقال تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير).
وقال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم).
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- (لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).(1/5)
في ضوء هذه الآيات وغيرها وفي ضوء الأحاديث الكثيرة في فضائل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وبيان مكانتهم عند الله عرف خيار هذه الأمة من التابعين ومن تبعهم بإحسان من أئمة الإسلام وأئمة التفسير والحديث والفقه ومن سار على نهجهم من أهل السنة والجماعة عرفوا أقدار أصحاب رسول الله ومنازلهم الرفيعة التي أحلهم الله إياها كيف وهم مع كل هذا قد بذلوا أموالهم وأنفسهم في نصرة دين الله وإعلاء كلمة الله ونشرها في الدنيا بالحجة والبرهان والسيف والسنان فأسعد الله بهم وبجهادهم أمماً وشعوباً، فلهم منا بعد الله تعالى ثم الأنبياء العظام والرسل الكرام كل إجلال واحترام وحب وتقدير ولمبغضهم وشانئيهم كل بغض وإهانة وتحقير. فرضي الله عن أصحاب محمد وأرضاهم وحشرنا في زمرتهم تحت لواء محمد -صلى الله عليه وسلّم- مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وأبعد الله من انحرف عن نهجهم وناصبهم العداء والبغضاء، وتعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش.
أقول هذا لأن الروبيضات والغثاء أصبحوا يصولون ويجولون ويتطاولون على أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلّم- وعلى من تبعهم بإحسان ومنهم أهل السنة والحديث والتوحيد الطائفة الناجية المنصورة ومن أئمة الحديث والسنة والتوحيد ذلكم الإمام العَلَم المجدد رافع راية التوحيد والسنة وقامع الضلالات والجهالات والبدع والخرافات الرافضية والصوفية والجهمية.
ذلكم العلم الذي رفع الله به منار الإسلام وجدد به ملة محمد - عليه الصلاة والسلام- فشرق بأعماله وجهاده وتجديده كل ضال جهول، منذ رفع راية التوحيد والسنة إلى يومنا هذا وإلى ما يشاء الله.
ومن الذين شرقوا بهذه الدعوة العظيمة التي رفع لواءها ذلكم الإمام الكبير الشجاع والعالم النحرير هذا الذي يسمى بحسن المالكي الذي أعمته أنوار السنة والتوحيد فيأبى إلا أن يتخبط في ظلمات الجهل والضلال ينهل من كل المستنقعات الموبوءة بالرفض والتصوف وأصناف الضلال.(1/6)
وينتصر لكل مبطل ضال ويخاصم كل أصحاب الحق مبتدئاً بالصحابة الكرام ومنتهياً بأتباعهم وسالكي منهجهم على مر الدهور والأيام.
فلا يتولى الإمام محمد بن عبد الوهاب إلا من سار على نهج رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- ونهج الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين من الصحابة وخيار التابعين ومن سار على نهجهم من أعلام السنة والدين.
لقد تصدى هذا الظلوم لمناصري الإمام يكيل لهم التهم القبيحة التي هم منها برءاء من التعصب والغلو والقبائح التي ألصقها بهم ظلماً وزوراً، وهو وأمثاله أحق بها وهم أولى بها وأهلها.
1- لقد دفعه حقده على الإمام محمد ودعوته إلى رميه بتكفير الأمة وإلصاق دعاة التكفير به وبدعوته وكتبه وكتب تلاميذه وأحفاده فقال بعد دعاوى يرفع فيها نفسه فوق منزلته بكثير:
" ومن هذا المنطلق فإني وجدت الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – على فضله وأثره الدعوي الذي لا ينكره منصف قد وقع في أخطاء أصبحت سنة متبعة عند بعض طلبة العلم الذين أصبحوا يطلقون التكفير في حق علماء ودول وطلاب علم بناء على ما قرره الشيخ محمد في بعض كتبه ورسائله وأصبح الواحد من هؤلاء يحتج بأن الشيخ كان يرى كفر هؤلاء العلماء وهؤلاء الحكام وكفر من هذه صفته..."الخ
2- وقال: "فهذه الفوضى التكفيرية هي نتيجة طبيعية وحتمية من نتائج منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - الذي توسع في التكفير حتى وجدت كل طائفة من كلامه ما يؤيد وجهة نظرها.
بل حركة الحرم وأصحاب التفجير في العليا ما هم إلا نتيجة لمنهج الشيخ في التكفير " (ص21) وله تهم أخرى من هذا النوع.(1/7)
3- ويدفع تهمة التكفير عن سيد قطب بعد إلحاحه على إلصاق فتن التكفير السابقة والمعاصرة بالشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته، فيقول:" والشيخ محمد – رحمه الله- لو لم يقاتل المسلمين واكتفى بمراسلة العلماء يحثهم على الدعوة إلى الله ربما لو فعل هذا لتجنبنا مآسي التكفير من ذلك الزمن إلى عصرنا هذا الذي يعتمد فيه المكفرون على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة في تكفير المسلمين.
وإن كان سيد قطب - رحمه الله - قد بالغنا في نقده لأننا وجدنا في (متشابه) كلامه ما يوحي بالتكفير، فإنَّ الشيخ محمد قد وجدنا التكفير في (صريح) كلامه لا متشابهه!فجعلنا سيد قطب كبش فداء لأنه ليس له أنصار عندنا وللشيخ أنصار! وهذا ليس من أخلاق طالب العلم الذي يقول الحق ولو على نفسه ولا يحمل المسؤولية الأبرياء".
وفي هذا الكلام من الدعاوى الباطلة والظلم ما لا يصدر إلا عن مثل هذا الرجل وفيه من تنزيه أهل الباطل عن باطلهم وتحميل الأبرياء ذنوب غيرهم ما لا يقدم عليه إلا من لا يستحي ولا يخاف عقاب الله لمن يتقحم مثل هذه الموبقات. وللرجل مجازفات لا تصدر إلا ممن أكل الحقد قلبه وسيطر الهوى على عقله ومشاعره وعواطفه.
ولا أدري ما سر نفيه التكفير عن سيد قطب وذبه عنه واتهام من ينتقده، وإلصاق التكفير بالإمام محمد، هل لأنه يوافقه في عقيدته ومنهجه ولاسيما طعنه في الصحابة، أو لأسباب أخرى منها حقده على الإمام محمد ودعوته وأنصاره.
وسوف أناقشه في أهم افتراءاته ومجازفاته مبيناً واقع الإمام الحقيقي ومنهجه وهل هو الوحيد في دعوته أو هو أسد من أسد الله مع أسود وأشاوس من هذه الأمة، ومبيناً فساد منهج هذا المالكي وعقله وأخلاقه وتوليه لأهل الضلال ودفاعه عنهم بالباطل.(1/8)
هذا الرجل موتور قتله الحقد على المنهج السلفي وأهله، ومع ذلك يلصق نفسه كذباً وزوراً بالسلفية والحنبلية وقد تفجرت ينابيع هذا الحقد في كتابه قراءة في كتب العقائد من (ص72-130) ملأها بالطعون التي لم يسبق إليها وسأسرد عناوين بعض هذه الطعون.
1- تحدث عن الجبرية في نصف صحيفة انظر (ص60) من كتابه المذكور.
2- وتحدث عن عقيدة الإرجاء في عشرة أسطر أربعة أسطر في (ص60) وستة أسطر (ص61).
3- وتحدث عن القدرية في قرابة ثلاث صحائف من(ص61- إلى جزءٍ من ص64)
4- وتحدث عن الجهمية من بقية (ص64- إلى منتصف ص67).
5- وتحدث عن المعتزلة من بقية (ص67- إلى السطر السادس من ص71).
وفي حديثه عن هذه الفرق لا يجرد الحديث فيهم، بل فيه طعون واتهامات لأهل السنة والحديث وأنهم يفترون الأحاديث لأجل بني أمية في فضل الشام لأنها مسكن بني أمية، وفي فضل الطائفة المنصورة.
نعود إلى طعنه في المنهج السلفي وأهله
فقد عنون لهذه المطاعن بواحد وعشرين عنواناً تحتها من الطعون الشنيعة الأمور التي يخجل من حشدها ألد أعداء المنهج السلفي.
كان قد سرد عدداً كثيراً من الطعون الجريئة.
ثم قال في (ص81) وسأذكر أمثلة على الأخطاء السابق ذكرها التي يمكن إجمالها في الأمور التالية:
1- التكفير والتبديع في كتب الحنابلة وما له حكم ذلك أو توابعه من التضليل والتفسيق والشتم واللعن والبذاءة.
2- كثرة الأكاذيب من الأحاديث الموضوعة والآثار الباطلة وخاصة تلك المشتملة على التجسيم وتشبيه الله بالإنسان، (ص91).
والناس يعلمون أن أهل الحديث أشد الناس محاربة للتشبيه والتجسيم وأنهم هم الذين واجهوا افتراءات الكذابين والوضاعين من أصناف الفرق ولاسيما الروافض.
وميزوا صحيح الأحاديث من ضعيفها من موضوعها في دواوين كالموضوعات وكتب العلل كما بينوا أحوال الرجال من جرح وتعديل وميزوا صحاح الأحاديث في كتب الصحاح المعروفة كالصحيحين للإمام البخاري ومسلم وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان.(1/9)
ومن حصل منه تقصير في الوفاء بشرط الصحيح ذهب أئمة الحديث من إخوانهم لسد هذا الخلل.
وشرح ذلك يطول وهو معروف لدى أهل العلم والإنصاف وليس للفرق الضالة وخاصة الروافض أي جهد في هذا المجال اللهم إلا من أراد أن يتشبه بهم فإنه عالة عليهم.
3- "تأثير العقيدة على الجرح والتعديل" (ص9).
وهذا من كذبه على أئمة الجرح والتعديل فإنهم من أتقى الناس لله وأشدهم مراقبة له ومن أشدهم عدلاً وإنصافاً.
وهذا منه كيد لمنهج الإسلام الأصيل المستمد من الكتاب والسنة للحفاظ على دين الله الحق الذي وعد بحفظه.
فانظر إلى هذا الحاقد كيف يجعل من فضائلهم ومحاسنهم قبائح وسبب هذا تأثره بمكايد المستشرقين ومن سار على نهجهم من العلمانيين.
4- "عدم فهم حجة الآخر" (ص101)
وهذا يدافع به عن علم الكلام الذي أجمع علماء الأمة على تحريمه لأنه فلسفة مناقضة للإسلام وللتسليم بالوحي المعصوم.
وقد بين فحول العلماء ما فيه من المفاسد ويشهد لذلك فساد عقول وعقائد من أعجبوا به وعولوا عليه ثم ندموا أشد الندامة أواخر حياتهم وهذا أمر معروف يجهله هذا المسكين.
5- ومنها – العنف والافتراء على الخصوم (ص107-108).
فهو يسلم بكل ما يقوله أعداء أهل السنة ويدافع عن مثل جهم بن صفوان وبشر المريسي وأمثالهما وهذا دليل على خبث معتقده ومنهجه.
ثم يقال لماذا لم تذكر عنف الجهمية والمعتزلة.
وما فعلوا بأهل السنة في أيام المأمون والمعتصم والواثق.
ولماذا لم تذكر عنف الروافض والباطنية في المشرق والمغرب.
ولماذا لم تذكر أكاذيبهم وظلمهم إلى آخر مخازيهم.
ولماذا لم تذكر كذب الصوفية وافتراءاتهم على الله وعلى الإسلام وعلى أئمة الإسلام.
6- "سكوتهم عن الإنكار على بعضهم وانشغالهم بذم الآخرين".
ويريد بذلك العلماء المعاصرين وهذا من الكذب المكشوف.
فقد تكلم العلماء على التكفيريين وعلى السحرة والمشعوذين وعلى الروافض والصوفية الغالين.
7- "الغلو في شيوخهم وأئمتهم" (ص110-112).(1/10)
وهذا من البهت فكلمة شيخ الإسلام التي تطلق على ابن تيمية هي عنده غلو كغلو الروافض في أئمتهم الذين يعتقدون فيهم أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون بل هم أفضل من الأنبياء والملائكة بل لهم سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون إلى جانب عبادتهم لهم واستغاثتهم بهم والذبح لهم... إلخ، كما قال الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية (ص:52) – وكلمة شيخ الإسلام عنده غلو كغلو الصوفية الذين يشابهون الروافض والباطنية في كثير من غلوهم في الأولياء وتقديم القرابين لهم.
ومن أجل رسالة من رجل كان أصله صوفي لكنه استفاد من ابن تيمية فمدحه في رسالة وجهها إلى بعض تلاميذ ابن تيمية. فأصبح بسبب ذلك أهل السنة من عهد الإمام أحمد إلى يومنا هذا من الغلاة في شيوخهم وأئمتهم.
وهكذا يكون الإنصاف عند هذا الرجل الذي يبالغ في دعاوى الإنصاف.
8- "ردود الأفعال"
قال بعد هذا لما قام تيار – جهم بن صفوان بنفي الصفات قام الحنابلة والسلفية فجسموا - كما رأيتم في الفقرة (1).
ولما مدح المعتزلة العقل قام الحنابلة وذموا العقل.
ولما توسع الأحناف في الرأي والقياس جاء الحنابلة بأحاديث وآثار في ذم الرأي والقياس.
وهكذا يفتري هذا الرجل الفوضوي الفكر فلا هو سلفي ولا جهمي ولا معتزلي أما الرفض فمؤكد.
أليس في القرآن الذي فيه بيان كل شيء ما يبطل كل ضلالة جهمية أو اعتزالية أو قدرية؟!.
أليس في السنة التي هي بيان لما أجمل من القرآن وتخصيص ما فيه من عمومات وتقييد ما فيه من إطلاقات بيان للأراء المخالفة لهذه السنة؟!.
أليس أهل الحديث الحنابلة هم الذين يذبون الكذب عن رسول الله وعن دينه؟!.
أتجعل الكذابين هم الصادقين والصادقين الذابين عن الدين هم الكذابين؟!.
أي تشويه للإسلام وأهله يفوق هذا التشويه.
هذا هو الامتداد للرفض والاستشراق فهنيئاً لك أيها الأسطورة.(1/11)
هذا نزر يسير من ترهاته وافتراءاته في هذا الكتاب على أهل السنة تكفي اللبيب بمعرفة عقل هذا الرجل ودينه وخلقه لا سيما وقد رد عليه بعض أهل العلم كثيراً من هذه الأباطيل.
وأسوق الآن ما وقفت عليه من مآخذ من كتابه الذي سماه: "محمد بن عبد الوهاب داعية إصلاحي وليس نبياً ". إنه ليحتشد فيه عدد من الصفات المهلكة منها:
1- الجهل المطبق بحقيقة التوحيد وحقيقة الشرك.
2- الضلال الجامع بين الخرافات والرفض والضياع.
3- الكذب والافتراء على الإمام محمد وأتباعه، ومن افتراءاته عليهم أنه وصفهم بست وخمسين صفة من صفات الجاهلية بعضها يقتضي تكفيرهم. انظر (ص 174-175 من هذا الكتاب).
4- الحقد الأسود على الصحابة وعلى السلف الصالح ومن سار على نهجهم من أهل السنة والحديث وعلى الإمام محمد وأتباعه ودعوته والبغض الشديد لهم.
5- الولاء لأهل الباطل والذب عنهم.
6- التعالم وهو الجهول.
7- التظاهر بالإنصاف وهو الظلوم.
8- التظاهر بمحاربة التقليد وهو المقلد الأعمى للخرافيين والروافض حيث يحارب الإمام محمد بن عبد الوهاب بشبهاتهم وخرافاتهم.
9- يرفض احتجاج الإمام محمد بالآيات القرآنية.
10- هو يقذف الإمام محمد بن عبد الوهاب بما لا يقبله عقل ولا خلق حيث يفتعل عليه من احتجاجه بالآيات الواردة في الكفار بأنه يمدح الكفار ويفضلهم على المسلمين المصلين المتعبدين، وهذا هو الإفك المبين.
11- تراه يحارب الغلو وهو الغالي المحترق.
12- يدعي الاعتدال والتوسط وهو من أبعد الناس عنهما بل هو لا يعرفهما.
13- يدعي التمسك بالأدلة وهو من أشد الناس رفضاً لها.
14- يفتري على أهل التوحيد بأنهم غلوا في الإمام محمد وينزلونه منزلة الأنبياء وهم البرءآء وهو الغالي في بعض أهل البيت والمفرِّط في حق الصحابة وعلماء الإسلام.
15- يقول: لا نتدخل في النيات يقول هذا ليفرض على الناس حسن الظن والتسليم بأباطيله وأكاذيبه وترهاته، وهو من أسوأ الناس ظناً وظلماً للأبرياء.(1/12)
16- عنده جرأة على الخيانة والبتر فتراه يبتر كلام الإمام محمد-رحمه الله-ويفصل بين القضايا التي يناقشها الإمام محمد وبين أدلتها التي يستدل بها على هذه القضايا.
17- يسلك مسالك الملبسين في عرضه للقضايا ومناقشتها.
18- ومن أعجب ما يكون فيه بالإضافة إلى هذه الصفات أنه يدعي السلفية ويلصق نفسه بالسلفيين.
ويشاركه اليوم في كثير من هذه الصفات بعض أهل الفتن الشاغبين على المنهج السلفي ومنها ادعاء السلفية والتدثر لمخادعة البسطاء والسيطرة على عقولهم وإفساد عقيدتهم ومنهجهم.
فعلى أهل السنة والتوحيد أن يوحدوا صفوفهم ويجمعوا كلمتهم وأن يواجهوا هذه الأصناف الغريبة بما يستحقون ذباً عن عقيدتهم ومنهجهم فإنهم ساعون بشتى الأساليب ومختلف الطرق لإسقاط المنهج السلفي وعلمائه سعياً حثيثاً منذ زمن يتدرجون في تحقيق هذه الغاية حتى انتهى بهم الأمر إلى توجيه الضربات لإمام السلفيين المعاصرين الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وكافأهم الله بما يستحقون وخيب آمالهم ومكايدهم ورد كيدهم في نحورهم.
هو الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي ينتهي نسبه إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
العالم النحرير والمجدد الكبير صاحب الهمة القعساء والعزيمة والمضاء، الصادق المخلص في دينه والناصح لله ولكتابه ولرسوله وللإسلام والمسلمين وللصديق والعدو.
دفعه هذا النصح لدراسة أحوال بلده والعالم الإسلامي فوجد أمراضاً تفتك بعقائد الإسلام وشرائعه وسياسته وأخلاقه.(1/13)
وجد أمة قد غرق معظمها في البدع والضلالات ومزقتها الأهواء فصارت أشلاءً عقائدياً وسياسياً واجتماعياً، يصدق على واقعها وأحوالها قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموه "، وقوله:" الله أكبر إنها السنن لتتبعن سنن من كان قبلكم.."، وقوله:" افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى إلى اثنين وسبعين فرقة وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا من هي يا رسول الله ؟، قال الجماعة"، وفي رواية:" من كان على ما أنا عليه وأصحابي".
لقد تحقق فعلاً ما أخبر به الصادق المصدوق –صلى الله عليه وسلّم- فما تركت الأمة شيئاً كان عليه من قبلهم من اليهود والنصارى وفارس والروم في العقائد والأعمال والتقاليد والعادات.
تعطيل لصفات الله يتمثل في مدارس هنا وهناك، وشرك في العبادة تمثله الآف من القبور الرافضية والصوفية، وغلو شنيع مخز في الأولياء يلجأ فئام من الناس إليهم في الشدائد يستغيثون بهم ويستنجدون، بل يعتقدون فيهم أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون، لأنهم أقطاب وأغواث حركات الكون رهن إشارتهم والناس بما فيهم الملوك يعيشون تحت رحمتهم ونقمتهم.
والفساد السياسي قد استحكم والفوضى في الجزيرة العربية ضاربة أطنابها.
الدماء تسفك والأموال تنهب والأعراض تنتهك والخوف المرعب والجوع والجهل المطبق فحدث عنها ولا حرج.
أدرك هذا الإمام كل هذه الأمراض المردية، فشمر عن ساعد الجد تشمير الطبيب النطاسي لعلاج من أنهكتهم هذه الأمراض الفتاكة لتستعيد هذه المجتمعات صحتها وقوتها ومكانتها من السيادة والعزة والكرامة.(1/14)
فأدرك - وهو الخبير بالأمراض والدواء أنه - لا علاج لهذه المجتمعات إلا ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو الكتاب الهادي والسنة النبوية المضيئة، ذلكم الدواء الذي أنقذ الله به الناس من الهلاك الماحق في الدنيا والآخرة، { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } ، { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } .
تقدم بهذا العلاج الناجع فتقبله بشغف من أراد الله به خيراً، ورفضه من قتله الهوى والجهل والضلال ولم يكتف بهذا الرفض بل سل سيف اللسان والسنان والقلم والبيان.
فصبر هذا الإمام الطبيب الصادق المخلص صبر الكرام الحريص على نفع الناس وشفائهم من أمراضهم يبلغ حجج الله وبيناته في دروسه ومواعظه ومؤلفاته ومراسلاته وبعث دعاته هنا وهناك، فينفع الله بهذا الجهاد والصبر من يريد الله به خيراً " من يرد الله به خيراً يفقه في الدين"، ويأبى الظالمون المستكبرون إلا رفضاً وعداءً ونفوراً.
انبرى هؤلاء الظالمون من سياسيين جاهلين مستبدين وخرافيين ومن جهلاء متعالمين أو أغبياء مقلدين متعصبين لعقائد ضالة وخرافات سخيفة يسخر منها العقلاء من المسلمين وأهل النحل الأخرى من الضالين.
شيوخ الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-
تلقى العلم على عدد كبير من جلة العلماء الأعلام منهم:
1- أبوه الشيخ عبد الوهاب بن سليمان.
2- الشيخ شهاب الدين الموصلي قاضي البصرة.
3- الشيخ حسن الإسلامبولي من علماء البصرة.
4- الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الأحسائي.
5- الشيخ زين الدين المغربي.
6- الشيخ حسن التميمي.
7- الشيخ محمد حياة السندي، وقد توفي عام 1165هـ.(1/15)
وقد قال للشيخ محمد بن عبد الوهاب حينما رأى الناس يتمسحون ويستغيثون عند قبور آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ويطوفون: ما ذا تقول في هؤلاء؟ قال: هؤلاء متبَّر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون.
8- الشيخ محمد المجموعي، نسبة إلى قرية من قرى البصرة اسمها المجموعة.
9- الشيخ يوسف آل سيف.
10- الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف آل سيف من أهل المجمعة بنجد، واستفاد الشيخ من مصاحبته فوائد عظيمة.
وأجازه الشيخ عبد الله بالحديث المشهور المسلسل بالأولية: " الراحمون يرحمهم الرحمن " من طريقين أحدهما: من طريق ابن مفلح عن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية وينتهي إلى الإمام أحمد.
والثاني: من طريق عبد الرحمن بن رجب عن العلامة ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام، وينتهي أيضاً إلى الإمام أحمد.
كما أجازه الشيخ بكل ما رواه الشيخ عبد الباقي الحنبلي شيخ علماء عصره قراءة وعلماً وتعليماً، من صحيح البخاري بسنده إلى مؤلفه وصحيح مسلم وشروح الصحيحين وسنن الترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه ومؤلفات الدارمي، كل بسنده المتصل إلى المؤلف، ومسند الإمام الشافعي وموطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد إلى غير ذلك مما رواه الشيخ عبد الباقي (1) .
تلاميذ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله –
وقد نهل العلم على يدي الشيخ وتخرج به عدد كبير من العلماء الأجلاء منهم:
1- الشيخ أحمد بن راشد العريني قاضي سدير.
2- الشيخ حمد بن حسين والشيخ عبد العزيز بن حسين.
3-الشيخ حمد بن إبراهيم قاضي مرات، وصهره.
4- الشيخ على ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
5- الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
6- الشيخ إبراهيم ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
7- الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
8- الشيخ أحمد بن ناصر بن عثمان بن معمر.
9- الشيخ أحمد بن سويلم.
10- الشيخ حسين بن عبد الله قاضي حريملاء.
__________
(1) علماء نجد خلال ثمانية قرون للبسام (1/161-162).(1/16)
11- الأمير سعود ابن الإمام عبد العزيز.
12- الشيخ سعيد بن حجي قاضي حوطة بني تميم.
13- الشيخ عبد الرحمن بن خميس إمام الدرعية.
14- الشيخ عبد العزيز بن سويلم قاضي القصيم.
15- الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود.
16- الشيخ حسن بن عبدان قاضي حريملاء.
17- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين قاضي الوشم.
18- الشيخ عبد الرحمن بن نامي قاضي العيينة ثم الأحساء (1) .
من المستحسن أن أترك الحديث هنا لغيري ألا وهو العلامة الشيخ عبد القادر بن بدران علامة الشام، قال - رحمه الله - في ترجمة الإمام محمد بن عبد الوهاب:" العالم الأثري والإمام الكبير محمد بن عبد الوهاب رحل إلى البصرة والحجاز لطلب العلم، فأخذ عن الشيخ علي أفندي الداغستاني، وعن الشيخ المحدث إسماعيل العجلوني وغيرهما من العلماء، وأجازه محدثو العصر بكتب الحديث وغيرها على اصطلاح أهل الحديث من المتأخرين.
ولما امتلأ وِطَابُه من الآثار وعلم السنة وبرع في مذهب أحمد أخذ ينصر الحق ويحارب البدع ويقاوم ما أدخله الجاهلون في هذا الدين الحنيف، والشريعة السمحاء وأعانه قوم (2) أخلصوا العبادة لله وحده على طريقته التي هي إقامة التوحيد الخالص والدعوة إليه وإخلاص الوحدانية والعبادة كلها بسائر أنواعها لخالق الخلق وحده، فهب إلى معارضته قوم ألفوا الجمود على ما كان عليه الآباء وتذرعوا بالكسل عن طلب الحق وهم لا يزالون إلى اليوم يضربون على ذلك الوتر وجنود الحق تكافحهم لتردهم إلى صوابهم وما أحقهم بقول القائل:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها ... ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
ولم يزل مثابراً على الدعوة إلى دين الله تعالى حتى توفاه الله تعالى" (3) .
__________
(1) علماء نجد خلال ثمانية قرون للبسام (1/167-168).
(2) وعلى رأسهم الإمام محمد بن سعود – رحمه الله- وأسرته.
(3) انظر كتاب " علماء نجد خلال ثمانية قرون " للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام (1/142).(1/17)
عقيدة الإمام محمد ومنهجه
هو على عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وعقيدة أئمة السنة والهدى لم يخالفهم في شيء لا في باب أسماء الله وصفاته ولا في الإيمان والكفر
ولا في الوعد والوعيد والشفاعة ولا في أمر من الأمور الغيبية ولا في غيرها ولا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وكفره السلف الصالح واقتضى ذلك أصول أهل السنة ومنهجهم.
وهذا شيء معروف عنه وواضح وضوح الشمس ولله الحمد لا ينكره إلا أعمى البصيرة وقد بين ذلك عدد من العلماء في مؤلفاتهم الخاصة بالذب عن الإمام محمد وفي ثنايا مؤلفات أتباعه وأنصاره.
من أجل كل ذلك سوف أقتصر على مقتطفات من كلام العلامة: عبد اللطيف ابن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله أكبر علماء عصره فلنعط القوس باريها.(1/18)
قال رحمه الله: قد عرف واشتهر واستفاض من تقارير الشيخ ومراسلاته ومصنفاته المسموعة المقروءة عليه، وما ثبت بخطه، وعرف واشتهر من أمره ودعوته، وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلامذته، أنه على ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الدين أهل الفقه والفتوى في باب معرفة الله وإثبات صفات كماله، ونعوت جلاله، التي نطق بها الكتاب العزيز، وصحت بها الأخبار النبوية، وتلقاها أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- بالقبول والتسليم، يثبتونها ويؤمنون بها، ويمرونها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، وقد درج على هذا من بعدهم من التابعين وتابعيهم من أهل العلم والإيمان وسلف الأمة وأئمتها كسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وطلحة بن عبد الله وسليمان بن يسار وأمثالهم من الطبقة الأولى كمجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وابن سيرين وعامر الشعبي وجنادة بن أبي أمية وحسان بن عطية وأمثالهم، ومن الطبقة الثانية علي ابن الحسين وعمر بن عبد العزيز ومحمد بن مسلم الزهري ومالك بن أنس وابن أبي ذئب وابن الماجشون وكحماد بن سلمة وحماد بن زيد والفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك وأبي حنيفة النعمان بن ثابت ومحمد بن إدريس وإسحاق بن إبراهيم واحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري وإخوانهم وأمثالهم ونظرائهم من أهل الفقه والأثر في كل مصر وعصر.(1/19)
وأما توحيد العبادة والألوهية فلا خلاف بين أهل الإسلام فيما قاله الشيخ وثبت عنه من المعتقد الذي دعا إليه يوضح ذلك أن أصل الإسلام وقاعدته شهادة أن لا إله إلا الله وهي أصل الإيمان بالله وحده، وهي أفضل شُعب الإيمان، وهذا الأصل لابد فيه من العلم والعمل والإقرار بإجماع المسلمين، ومدلوله وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة من عبادة ما سواه كائناً من كان، وهذا هو الحكمة التي خُلقت لها الأنس والجن وأرسلت لها الرسل وأنزلت بها الكتب وهي تتضمن كمال الذل وتتضمن كمال الطاعة والتعظيم. وهذا هو دين الإسلام وهو يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً، ومن لم يستسلم كان مستكبراً عن عبادته" (1) .
__________
(1) الهدية السنية ص(120-121).(1/20)
"وأما مسائل القدر والجبر والإمامة والتشيع ونحو ذلك من المقالات والنحل فهو أيضاً فيها على ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الهدى والدين يبرأ مما قالته النفاة القدرية المجبرة (1) ، وماقالته المرجئة والرافضة، وما عليه غلاة الشيعة والناصبة، يوالي جميع أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- ويكف عما شجر بينهم، ويرى أنهم أحق الناس بالعفو عما يصدر عنهم، وأقرب الخلق إلى مغفرة الله وإحسانه لفضائلهم وسوابقهم وجهادهم، وما جرى على أيديهم من فتح القلوب بالعلم النافع والعمل الصالح، وفتح البلاد ومحو آثار الشرك وعبادة الأوثان والنيران والأصنام والكواكب ونحو ذلك مما عبده جهال الأنام، ويرى البراءة مما عليه الرافضة وأنهم سفهاء لئام، ويرى أن أفضل الأئمة بعد نبيها، أبو بكر فعمر فعثمان فعلي - رضي الله عنهم - أجمعين،ويعتقد أن القرآن الذي نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين وخاتم النبيين كلام الله غير مخلوق، منه بدا وإليه يعود. ويبرأ من رأي الجهمية القائلين بخلق القرآن، ويحكى تكفيرهم عن جمهور السلف أهل العلم والإيمان ويبرأ من رأي الكلابية أتباع عبد الله بن سعيد ابن كلاب القائلين بأن كلام الله هو المعنى القائم بنفس الباري وإنما نزل به جبريل حكاية وعبارة عن المعنى النفسي، ويقول هذا من قول الجهمية، وأول من قسم هذا التقسيم هو ابن كلاب وأخذ عنه الأشعري وغيره كالقلانسي.
ويخالف الجهمية في كل مما قالوا وابتدعوا في دين الله.
ولا يرى ما ابتدعه الصوفية من البدع والطرائق المختلفة المخالفة لهدي رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- وسنته في العبادات والخلوات والأذكار المخالفة للمشروع.
__________
(1) كذا ولعله (والمجبرة).(1/21)
ولا يرى ترك السنن والأخبار النبوية لرأي فقيه ومذهب عالم خالف ذلك باجتهاده بل السنة أجل في صدره وأعظم عنده من أن تترك لقول أحد كائناً من كان. قال عمر بن عبد العزيز: لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله–صلى الله عليه وسلّم-. نعم عند الضرورة وعدم الأهلية والمعرفة بالسنن والأخبار وقواعد الاستنباط والاستظهار يصار إلى التقليد لا مطلقاً، بل فيما يتعسر ويخفى، ولا يرى إيجاب ما قاله المجتهد إلا بدليل تقوم به الحجة من الكتاب والسنة خلافاً لغلاة المقلدين ويوالي الأئمة الأربعة.ويرى فضلهم وأمانتهم وأنهم من الفضل والفضائل في غاية ورتبة يقصر عنها المتطاول، ويوالي كافة أهل الإسلام وعلمائه من أهل الحديث والفقه والتفسير وأهل الزهد والعبادة. ويرى المنع من الانفراد عن أئمة الدين من السلف الماضين برأي مبتدع، وقول مخترع، فلا يحدث في الدين ما ليس له أصل يتبع، وما ليس من أقوال أهل العلم والأثر. ويؤمن بما نطق به الكتاب، وصحت به الأخبار، وجاء الوعيد عليه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع وأهدره الرسول، ومن نسب إليه خلاف هذا فقد كذب وافترى وقال ما ليس له به علم، وسيجزيه الله ما وعد به أمثاله من المفترين (1) .
__________
(1) ومنهم المالكي وأسلافه.(1/22)
وأبدى رحمه الله من التقارير المفيدة، والأبحاث الفريدة على كلمة الإخلاص والتوحيد – شهادة أن لا اله الاالله – مادل عليه الكتاب المصدق، والإجماع المستبين المحقق، من نفي استحقاق العبادة والإلهية عما سوى الله، وإثبات ذلك لله سبحانه على وجه الكمال المنافي لكليات الشرك وجزيئاته وأن هذا هو معناها وضعاً ومطابقة، خلافاً لمن زعم غير ذلك من المتكلمين، كمن يفسر ذلك بالقدرة على الاختراع، أو بأنه تعالى غني عما سواه، مفتقر إليه ما عداه، فإن هذا لازم المعنى، إذ الإله الحق لا يكون إلا قادراً غنياً عما سواه، وأما كون هذا هو المعنى المقصود بالوضع فليس كذلك، والمتكلمون خفي عليهم هذا، وظنوا أن تحقيق توحيد الربوبية والقدرة هو الغاية المقصودة، والفناء فيه هو تحقيق التوحيد،وليس الأمر كذلك، بل هذا لا يكفي في الإيمان وأصل الإسلام إلا إذا أضيف إليه واقترن به توحيد الألوهية، وإفراد الله بالعبادة والحب والخضوع والتعظيم والإنابة والتوكل والخوف والرجاء وطاعة الله وطاعة رسوله. هذا أصل الإسلام وقاعدته، والتوحيد الأول توحيد الربوبية والقدرة والخلق والإيجاد هو الذي بني عليه توحيد العمل والإرادة، وهو دليله الأكبر، وأصله الأعظم، كما قال تعالى (وإلهكم إله واحد، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) إلى آخر الآيات" (1) .
__________
(1) الهدية السنية ص (127-130).(1/23)
وقال:" وقد قرر - رحمه الله- على شهادة أن محمداً رسول الله من بيان ماتستلزمه هذه الشهادة وتستدعيه وتقتضيه من تجريد المتابعة والقيام بالحقوق النبوية من الحب والتوقير والنصرة والمتابعة والطاعة وتقديم سنته –صلى الله عليه وسلّم- على كل سنة وقول، والوقوف معها حيث ما وقفت والانتهاء حيث انتهت، في أصول الدين وفروعه باطنه وظاهره وخفيه وجليه، كليه وجزئيه ما ظهر به فضله وتأكد علمه ونبله، وأنه سباق غايات وصاحب آيات، لا يشق غباره، ولا تدرك في البحث والإفادة آثاره، وأن أعداءه ومنازعيه، وخصومه في الفضل وشانئيه يصدق عليهم المثل السائر، بين أهل الدفاتر والمحابر:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسداً وبغياً إنه لدميم
وله رحمه الله من المناقب والمآثر، ما لا يخفى على أهل الفضائل والبصائر، ومما اختصه الله به من الكرامة تسلط أعداء الدين وخصوم عباد الله المؤمنين، على مسبته، والتعرض لبهته وعيبه. (الهدية السنية) (ص 131) (1)
ثناء العلماء على الإمام محمد وتأييدهم له بالحجة والبرهان
فمن هؤلاء العلماء:
1- الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
2- الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
3- الشيخ حسين غنام صاحب كتاب (روضة الأفكار والأفهام).
4- الشيخ حمد بن ناصر بن معمر فإنه حين طلب الشريف غالب من الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود أن يبعث إليه عالما لمناظرة علماء مكة فبعثه الإمام عبد العزيز والإمام محمد فذهب إليهم وناظرهم وظهر عليهم وكتب رسائل في الذود عن الدعوة السلفية.
5- سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
__________
(1) على حد قول الشاعر: وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل(1/24)
6- الشيخ عبد العزيز الحصين الناصري قاضي بلدان الوشم فإنه حين أعاد الشريف غالب الطلب لمجيء عالم من نجد لمناظرة علماء الحرم الشريف فبعثه الإمام عبد العزيز بن محمد إليهم وزوده الإمام محمد بن عبد الوهاب برسالة إلى علماء مكة يوضح لهم فيها طريق دعوته ونفى عنها الأكاذيب والأراجيف.
7- الشيخ محمد بن علي بن غريب كان هو الذي يتولى الرد والإجابة على شبهات علماء الأمصار التي توجه ضد الدعوة.
8- الشيخ عثمان بن عبدالله بن بشر صاحب كتاب (عنوان المجد في تاريخ نجد). 9- العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني صاحب كتاب (سبل السلام) وغيره وله قصيدة مشهورة في تأييد الشيخ.
10- الشيخ أحمد بن دعيج بن علي الكثيري نسبا من أهل مرات له قصائد وبعض الردود على مخالفي الدعوة.
11- العلامة محمد بن علي الشوكاني وله ثناء على دعوته وله أبيات رائعة في رثائه.
12- الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن أبا بطين.
13 - ومن المتأخرين الشيخ عبد الرحمن بن حسن.
14- الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن.
15- الشيخ سليمان بن سحمان.
16- الشيخ حمد بن عتيق.
17- الشيخ سعد بن حمد بن عتيق.
18- الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز.
19- الشيخ محمد خليل هراس له رد على مقال للدكتور محمد البهي في نقد الوهابية.
فلهؤلاء ردود مفحمة وأجوبة مسكتة رحمهم الله تعالى.
وهناك مؤلفات كتبت في الثناء على الإمام محمد ودعوته والذب عنه منها:
1- كتاب صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان تأليف العلامة الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي.
2- كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم مفترى عليه للشيخ مسعود الندوي.
3- الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر المفترى عليه ودحض تلك المفتريات تأليف العلامة أحمد بن حجر بوطامي البنعلي.(1/25)
4- من مشاهير المجددين في الإسلام شيخ الإسلام: ابن تيمية وشيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى نبذة عن حياتهما وجهادهما وثمرات دعوتهما تأليف العلامة صالح بن فوزان الفوزان.
5- حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تأليف حسين خلف خزعل.
6- عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي للشيخ صالح بن عبدالله العبود.
7- كتاب دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقد إعداد عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف.
8- السلفية ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب للدكتور: علي عبد الحليم محمود.
9- الإمام محمد بن عبد الوهاب أو انتصار المنهج السلفي لعبد الحليم الجندي.
10- انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية، تأليف: محمد كمال جمعة.
11- تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية للدكتور: محمد بن سعد الشويعر.
وهناك مجموعة من البحوث باسم (بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب) من ضمنها:
1- كلمة في إبراز دعوة الإمام محمد ومزاياها الإصلاحية وآثارها الطيبة في حياة المسلمين للشيخ العلامة عبد العزيز بن باز- رحمه الله -.
2- بحث قيم للشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري باسم (حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآثاره العلمية.
3- حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآثاره العلمية للشيخ محمد بن أحمد العقيلي.
4- اعتماد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة لمعالي الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
5- اعتماد فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة للشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم.
وهناك كتابات أخرى لمسلمين وغيرهم في الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته رحمه الله.
آثار دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-
من آثار دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وأنصاره من آل سعود -رحم الله من مضى- ووفق الله من بقي(1/26)
1- أعاد الله بدعوته وجهاده وصبره ومناصرة أنصاره دعوة الإسلام إلى ما كانت عليه في عهد السلف الصالح من صفاء العقيدة ونضارة التوحيد والاحتكام إلى الكتاب والسنة في سائر أمور الدين والدنيا في دولة قامت على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح.
2- اجتثاث أصول الشرك والبدع والخرافات والشعوذة وسد الذرائع إلى ذلك.
3- انتشار العلم والقضاء على الجهل والتعصبات المذهبية.
4- جمع كلمة أهل الجزيرة ولَمُّ شملهم والقضاء على الأحقاد وأسباب الفتن والفوضى والسلب والنهب والتقاليد والعادات القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية الأمور التي عاشتها الجزيرة قرونا وانتشر من الأمن والأمان وسادت روح الأخوة على أساس التوحيد والإيمان إلى غير ذلك من الآثار المباركة التي عرفها الخاص والعام.
آثاره العلمية
للشيخ محمد بن عبد الوهاب مجموعة من الكتب النافعة والمباحث المفيدة منها:
1- كتاب التوحيد وهذا الكتاب من أنفس الكتب لم يصنف على منواله.
2- مختصر السيرة النبوية.
3- مختصر زاد المعاد.
4- مختصر الإنصاف والشرح الكبير.
5- أصول الإيمان وفضائل الإسلام.
6- أحاديث الفتن.
7- مسائل الجاهلية.
8- الكبائر.
9- أصول الإيمان.
10- أدب المشي إلى الصلاة.
11- كشف الشبهات.
وله غيرها من الكتب النافعة (1) .
وفاته – رحمه الله -
توفي هذا العَلم عن عمر يناهز اثنتين وتسعين سنة عام 1206هـ بعد جهاد طويل وعظيم في ميدان العلم والتعليم والدعوة إلى الله تغمده الله بواسع رحمته وأثابه على ما قدم للإسلام والأمة من خير أحسن الثواب وأسكنه فسيح جناته إن ربنا لسميع الدعاء.
منهج الإمام محمد في قضايا الإيمان والتكفير واشتراطه هو
وأنصاره قيام الحجة على من وقع في مكفر قبل تكفيره
__________
(1) "علماء نجد.." للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام (ص149-150).(1/27)
افترى أهل الضلال من خصوم الإمام محمد وخصوم الدعوة السلفية افتراءات كثيرة منها أنه رحمه الله يكفر المسلمين ويستحل قتالهم وأنه يبغض الأولياء والصالحين وأسرفوا في الافتراءات والأكاذيب عليه وعلى أتباعه والدعوة السلفية دعوة التوحيد والاتباع الصادق.
يفعلون هذه الأفاعيل ليصدوا الناس عن دين الله الحق الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه ولا سيما رسالة خاتم النبيين والمرسلين عليه الصلاة والسلام.
فقام – رحمه الله – هو وأبناؤه وعلماء الدعوة بتكذيب هذه الافتراءات بالبيانات الشافية بأنهم لا يكفرون من وقع في الشرك أو الكفر إلا بعد أن يقيموا عليه الحجة ويوضحوا له المحجة – رحمهم الله -.
إن منهج الإمام محمد – رحمه الله - هو عين منهج أهل السنة والجماعة في هذه القضايا لا يخالفهم في شيء والحمد لله، يخالف في ذلك الخوارج والمعتزلة والمرجئة، فالإيمان عنده قول وعمل، قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح واللسان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية خلافاً للخوارج والمعتزلة والمرجئة الذين لا يزيد الإيمان عندهم ولا ينقص لأن رأي الخوارج أنه إذا ذهب بعض الإيمان ذهب كله ومن هنا يكفرون بالكبائر ويحكمون على من مات على كبيرة بالخلود في النار والمعتزلة يخالفون الخوارج في التكفير ويقولون إن صاحب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين ويوافقونهم في الحكم بالخلود في النار.
ولقد بالغ – رحمه الله – في النصح والبيان في مؤلفات كثيرة ورسائل إلى القاصي والداني ولا سيما أهل نجد والحجاز وقد وقفت على ست وعشرين رسالة يبين فيها دعوته بالحجج والبراهين ويدحض الشبهات والأباطيل ومن هذه الرسائل رسالة وجهها إلى من تصل إليه من المسلمين آخذ منها هنا ما يحصل به المقصود.
قال الإمام محمد -رحمه الله- كما في الدرر السنية (1 / 64)
بسم الله الرحمن الرحيم(1/28)
1- من محمد بن عبد الوهاب، إلى من يصل إليه من المسلمين (1) :
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: أخبركم أني – ولله الحمد – عقيدتي، وديني الذي أدين الله به، مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة، وأتباعهم، إلى يوم القيامة، لكني بينت للناس: إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأنبياء والأموات، من الصالحين، وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يعبد الله به، من الذبح، والنذر، والتوكل، والسجود، وغير ذلك مما هو حق الله، الذي لا يشركه فيه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل، من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة.
إلى أن قال في (ص72): "والحاصل: أن كل ما ذكر عنا من الأشياء، غير دعوة الناس إلى التوحيد، والنهي عن الشرك، فكله من البهتان (2) .
ومن أعجب ما جرى من الرؤساء المخالفين: أني لما بينت لهم كلام الله، وما ذكر أهل التفسير في قوله تعالى: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب) (الإسراء الآية: 57).وقوله: (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) (يونس:18). وقوله: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (الزمر:13) وما ذكر الله من إقرار الكفار في قوله: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار) (يونس:31) وغير ذلك.
قالوا: القرآن لا يجوز العمل به لنا، ولأمثالنا، ولا بكلام الرسول، ولا بكلام المتقدمين، ولا نطيع إلا ما ذكره المتأخرون (3) .
__________
(1) رحم الله الإمام محمداً لقد صدق فيما قال في هذا الموضع وغيره من أنه على عقيدة أهل السنة والجماعة بما فيها قضايا التوحيد والشرك وقضايا الإيمان والكفر ولا أظلم ممن يشبه منهجه بمنهج الخوارج ولا أجهل ممن يقرن منهجه بمنهج – سيد قطب – وشتان شتان بين المنهجين وبينهما بعد المشرقين.
(2) صدق والله.
(3) انظر إلى هذا التمرد والعناد على كتاب الله وسنة رسوله ومنهج الصحابة العظماء والسلف الكرماء.(1/29)
قلت لهم: أنا أخاصم الحنفي، بكلام المتأخرين من الحنفية، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، كلاً: أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم، الذين يعتمدون عليهم، فلما أبوا ذلك، نقلت كلام العلماء من كل مذهب لأهله، وذكرت كل ما قالوا، بعدما صرحت الدعوة عند القبور، والنذر لها، فعرفوا ذلك، وتحققوه، فلم يزدهم إلا نفوراً (1) .
وأما التكفير: فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله، فهذا: هو الذي أكفر، وأكثر الأمة – ولله الحمد – ليسوا كذلك (2) ، وأما القتال: فلم نقاتل أحداً إلى اليوم، إلا دون النفس والحرمة، وهم: الذين أتونا في ديارنا، ولا أبقوا ممكناً (3) ، ولكن: قد نقاتل بعضهم، على سبيل المقابلة، وجزاء سيئة سيئة مثلها، وكذلك. من جاهر بسب دين الرسول، بعدما عرف، فإنا نبين لكم: أن هذا هو الحق، الذي لا ريب فيه، وأن الواجب: إشاعته في الناس، وتعليمه النساء، والرجال.
فرحم الله: من أدى الواجب عليه، وتاب إلى الله، وأقر على نفسه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ونسأل الله: أن يهدينا وإياكم، لما يحبه ويرضاه.
2- وكتب إلى إسماعيل الجراعي كتاباً من ضمنه قوله: "فما تسأل عنه من الاستقامة على الإسلام؟ فالفضل لله، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-: " بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ "
__________
(1) وانظر إلى هذا التمرد والعناد أيضاً حتى على كتب المتأخرين بعد تنزل الإمام محمد معهم إلى هذا المستوى فأي مبالغة في إقناع هؤلاء المتمردين وأي حرص على هدايتهم أي تنزل معهم يفوق هذا الذي قام به الإمام محمد بعد شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه ألا بعداً وسحقاً للمعاندين المستكبرين.
(2) ولا أظلم ممن يفتري عليه أنه يكفر على طريقة الخوارج وأنه يكفر عموم المسلمين.
(3) هل يلام الإمام محمد وأنصاره بعد كل هذا في قتال هؤلاء الضالين المعتدين.(1/30)
وأما القول: أنا نكفر بالعموم ؟ فذلك من بهتان الأعداء، الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول: (سبحانك هذا بهتان عظيم) (النور:16).
وأما الصالحون ؟ فهم على صلاحهم رضي الله عنهم، ولكن نقول: ليس لهم شيء من الدعوة، قال الله: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) (الجن: 18).
وأما المتأخرون رحمهم الله، فكتبهم عندنا، فنعمل بما وافق النص منها، ومالا يوافق النص، لا نعمل به.
فاعلم رحمك الله: أن الذي ندين به، وندعو الناس إليه: إفراد الله بالدعوة، وهي دين الرسل، قال الله: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله) (البقرة: 83).
فانظر رحمك الله، ما أحدث الناس من عبادة غير الله، فتجده في الكتب (1) ، جعلني الله وإياك ممن يدعو إلى الله على بصيرة، كما قال الله لنبيه محمد –صلى الله عليه وسلّم-: (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) (يوسف: 108)، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
3- وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى، عما يقاتل عليه ؟ وعما يكفر الرجل به؟ فأجاب:
"أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة، فالأربعة إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها، والعلماء: اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود، ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو: الشهادتان (2) .
وأيضاً: نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر، فنقول: أعداؤنا معنا على أنواع ثم ذهب يبين هذه الأنواع".الدرر السنية (1/102).
__________
(1) الظاهر أنه يعني كتباَ أرسلها إليه ولعله يريد أيضاً كتباً أخرى من كتب العلماء أحال إليها.
(2) (2،1) انظر إلى هذا التثبت في التكفير.(1/31)
ومن ذلك (ص104) قوله: وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله.
وإذا كنا: لا نكفر من عبد الصنم، الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله ؟ ! إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل (سبحانك هذا بهتان عظيم (1) النور: 16.
4- وكتب -رحمه الله- إلى محمد بن عيد كتاباً بين فيه دعوته -رحمه الله - من ضمن هذا الكتاب قوله: ولكن قبل الكلام، اعلم: أني عرفت بأربع مسائل:
الأولى: بيان التوحيد مع أنه لم يطرق آذان أكثر الناس
الثانية: بيان الشرك، ولو كان في كلام من ينتسب إلى العلم أو العبادة، من دعوة غير الله، أو قصده بشيء من العبادة، ولو زعم أنهم يريدون أنهم شفعاء عند الله، مع أن أكثر الناس يظن أن هذا من أفضل القربات، كما ذكرتم عن العلماء، أنهم يذكرون أنه قد وقع في زمانهم.
الثالثة: تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله، ثم أبغضه ونفر الناس عنه، وجاهد من صدق الرسول فيه، ومن عرف الشرك، وأن رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- بعث بإنكاره، وأقر بذلك ليلاً ونهاراً، ثم مدحه وحسنه للناس، وزعم أن أهله لا يخطئون، لأنهم السواد الأعظم.
وأما ما ذكر الأعداء عني، أني أكفر بالظن وبالموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله (2) .
__________
(2) انظر كيف يفتري الضالون على هذا الإمام أنه يكفر بالظن وواقعه خلاف ذلك وأنه يكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة وواقعه خلاف ذلك بل هو يبذل أقصى جهوده في التبيين والتوضيح لما يدعو إليه من التوحيد، ثم لا يكفر إلا من قامت عليه الحجة فأي بلاء فوق هذا البلاء.(1/32)
الرابعة: الأمر بقتال هؤلاء خاصة، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فلما اشتهر عني هؤلاء الأربع، صدقني من يدعي أنه من العلماء في جميع البلدان، في التوحيد، وفي نفي الشرك، وردوا علي التكفير والقتال".الدرر السنية (1)
(10/ 112).
ومن ذلك أيضاً قوله (ص114): "فلما أظهرت تصديق الرسول –صلى الله عليه وسلّم- فيما جاء به، سبوني غاية المسبة، وزعموا أني أكفر أهل الإسلام، وأستحل أموالهم، وصرحوا أنه لا يوجد في جزيرتنا رجل واحد كافر، وأن البوادي يفعلون من النواقض، مع علمهم أن دين الرسول عند الحضر (2) ، وجحدوا كفرهم، وأنتم تذكرون: أن من رد شيئاً مما جاء به الرسول بعد معرفته، أنه كافر.
__________
(1) من العجائب أن يصدقه هؤلاء العلماء في جميع البلدان في التوحيد ونفي الشرك وأن يردوا عليه القتال بعد قيام الحجة، ثم يحاربونه ويمدحون الشرك ويحسنونه.
(2) يعني أن أهل البوادي يعلمون أن دين الإسلام عند أهل المدن وهم يتعمدون مخالفته بارتكاب الشركيات وإنكار البعث إلى نواقض كثيرة راجع كتاب (روضة الأفكار) لابن غنام ترتيب ناصر الدين الأسد (ص307) وغيره.(1/33)
فإذا كان المويس، وابن إسماعيل، والعديلي، وابن عباد، وجميع أتباعهم (1) ، كلهم على هذا، فقد صرحتم غاية التصريح: أنهم كفار مرتدون، وإن ادعى مدع، أنهم يكفرونهم، أو ادعى أن جميع البادية لم يتحقق من أحد منهم من النواقض شيئاً، أو ادعى أنهم لا يعرفون أن دين الرسول خلاف ما هم عليه، فهذا كمن ادعى أن ابن سليمان، وسويد، وابن دواس، وأمثالهم (2) ، عباد زهاد فقراء، ما شاخوا في بلد قط، ومن ادعى هذا، فأسقط الكلام معه.
ونقول ثانياً: إذا كانوا أكثر من عشرين سنة، يقرون ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً أن التوحيد الذي أظهر هذا الرجل، هو دين الله ورسوله، لكن الناس لا يطيعوننا، وأن الذي أنكره هو الشرك، وهو صادق في إنكاره، ولكن لو يسلم من التكفير والقتال (3) ، كان على الحق، هذا كلامهم على رؤوس الأشهاد، ثم مع هذا يعادون التوحيد ومن مال إليه، العداوة التي تعرف، ولو لم يكفر ويقاتل.
__________
(1) (2-3) هؤلاء من خصوم الشيخ محمد وخصوم الدعوة.
(2) عجب لدين هؤلاء وعقولهم عشرون سنة يقرون فيها ليلاً ونهاراً أن التوحيد الذي أظهره الإمام محمد هو دين الله ورسوله ويعترفون بأن من يدافعون عنهم واقعون في الشرك وإنكار التوحيد وأنهم لا ينقادون للناصحين ثم ينكرون عليه أن يكفرهم ويقاتلهم بعد قيام الحجة والبرهان وظهور دين الله للعيان أين هؤلاء المعارضون من قتال من امتنع عن أداء الزكاة ؟ فكيف بمن جحد معنى لا إله إلا الله وعبد غير الله بل ولم يصل ولم يزك بل وهناك كثير منهم ينكرون البعث أين هؤلاء مما قرره علماء الإسلام أن قوماً لو امتنعوا عن أداء شعيرة من شعائر الإسلام لوجب على المسلمين قتالهم ؟.(1/34)
وينصرون الشرك نصر الذي تعرف، مع إقرارهم بأنه مشرك، مثل كون المويس، وخواص أصحابه، ركبوا وتركوا أهليهم وأموالهم، إلى أهل قبة الكواز، وقبة رجب سنة، يقولون: إنه قد خرج من ينكر قببكم وما أنتم عليه، وقد أحل دماءهم وأموالهم، وكذلك ابن إسماعيل، وابن ربيعة، والمويس أيضا بعدهم بسنة، رحلوا إلى أهل قبة أبي طالب، وأغروهم بمن صدق النبي –صلى الله عليه وسلّم، وأحلوا دماءنا وأموالنا، حتى جرى على الناس ما تعرف، مع أن كثيراً منهم لم يكفر ولم يقاتل.
وقررتم: أن من خالف الرسول –صلى الله عليه وسلّم- في عشر معشار هذا، ولو بكلمة، أو عقيدة قلب، أو فعل، فهو كافر (1) ، فكيف بمن جاهد بنفسه وماله وأهله، ومن أطاعه في عداوة التوحيد، وتقرير الشرك ؟.
__________
(1) هذا أحد خصوم الشيخ قرر أن من خالف الرسول –صلى الله عليه وسلّم- في عشر معشار ما عليه أهل الضلال فهو كافر ثم يخاصمه فيمن يخالف الرسول في الكثير الكثير ويخاصمه فيمن يجاهد الشيخ وأنصاره بنفسه وماله بغضاً للتوحيد ونصراً للشرك فهل بعد هذا من بلاء ومحن ؟ وهذه النوعيات موجودة إلى الآن.(1/35)
5- وقال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى -، يحدث عن نعمة الله عز وجل عليهم حين دخلوا مكة بغير قتال، في أيام الإمام سعود بن عبد العزيز قال خلال حديثه: إن أمير مكة أعد العدة لقتالهم غير أنهم لما رأوا زحف جنود الموحدين ألقى الله الرعب في قلوبهم فتفرقوا شذر مذر...ثم قال بذل الأمير حينئذ الأمان لمن بالحرم الشريف، ودخلنا وشعارنا التلبية، آمنين محلقين رؤوسنا ومقصرين، غير خائفين من أحد من المخلوقين، بل من مالك يوم الدين، ومن حين دخل الجند الحرم، وهم على كثرتهم مضبوطون، متأدبون، لم يعضدوا به شجراً، ولم ينفروا صيداً، ولم يريقوا دماً إلا دم الهدى، أو ما أحل الله من بهيمة الأنعام على الوجه المشروع (1) . الدرر السنية (1/222).
إلى أن قال: فإن قال قائل منفر عن قبول الحق والإذعان له: يلزم من تقريركم، وقطعكم في أن من قال يا رسول الله، أسألك الشفاعة: أنه مشرك مهدر الدم، أن يقال بكفر غالب الأمة، ولا سيما المتأخرين، لتصريح علمائهم المعتبرين: أن ذلك مندوب، وشنوا الغارة على من خالف في ذلك ! قلت: لا يلزم، لأن لازم المذهب ليس بمذهب، كما هو مقرر، ومثل ذلك: لا يلزم أن نكون مجسمة، وإن قلنا بجهة العلو، كما ورد الحديث بذلك.
__________
(1) أليس في هذا أكبر دليل على أن حملة هذه الدعوة من أشد الناس اتباعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتمسكاً بهديه وأخلاقه وحسن معاملته واحترام محرماته وشعائره.(1/36)
ونحن نقول فيمن مات: تلك أمة قد خلت، ولا نكفر إلا من بلغته دعوتنا للحق، ووضحت له المحجة، وقامت عليه الحجة، وأصر مستكبراً معانداً، كغالب من نقاتلهم اليوم، يصرون على ذلك الإشراك، ويمتنعون من فعل الواجبات، ويتظاهرون بأفعال الكبائر، المحرمات، وغير الغالب (1) : إنما نقاتله لمناصرته من هذه حاله، ورضاه به، ولتكثير سواد من ذكر، والتأليب معه، فله حينئذ حكمه في قتاله، ونعتذر عمن مضى: بأنهم مخطئون معذورون، لعدم عصمتهم من الخطأ، والإجماع في ذلك ممنوع قطعاً، ومن شن الغارة فقط غلط
الدرر السنية(1/234).
6- وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن حفيد الإمام محمد - رحمهم الله - "وقال شيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله – " سألني الشريف عما نقاتل عليه، وما نكفر به ؟ فقال في الجواب: إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر،
فنقول: أعداؤنا معنا على أنواع (2) ثم ذكر هذه الأنواع.الدرر السنية (11/317).
__________
(1) ما أشد فجور خصوم هذه الدعوة العظيمة الذين يفترون على حملتها ما هم منه براء وما هم أبعد الناس عنه من أنهم يكفرون المسلمين ويستحلون دماءهم وكثير منهم يعلم أن فقهاء الإسلام يكفرون بدون ما كفر به حملة هذه الدعوة بعد قيام الحجة.
ويوجب فقهاء السلف قتال من وقع فيما هو دون من قاتلهم الإمام محمد وأنصاره.
انظر إلى بيان هذا الإمام وما ينطوي عليه من فقه وحكمة وبيان وبعد عما يفتريه الظالمون على هذه الدعوة وأعلامها.
(2) انظر ماذا يريد خصوم هذه الدعوة وأهلها فهذا الإمام محمد يصرح على رؤوس الملأ أنه لا يقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء وبعد أن يعرف الخصم الحق ثم يعاند.(1/37)
7- وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن - رحمهم الله - مستنكراً ومؤنباً بعض الناس ممن يتكلم في التكفير بجهل، ومنهم عبد العزيز الخطيب قال " وأخبرتهم ببراءة الشيخ، من هذا المعتقد، والمذهب وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله، من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسله، أو بشيء منها، بعد قيام الحجة (1) ، وبلوغها المعتبر، كتكفير من عبد الصالحين، ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً له، فيما يستحقه على خلقه، من العبادات، والإلهية، وهذا مجمع عليه أهل العلم والإيمان، وكل طائفة من أهل المذاهب المقلدة، يفردون هذه المسألة، بباب عظيم، يذكرون فيه حكمها، وما يوجب الردة، ويقتضيها، وينصون على الشرك، وقد أفرد ابن حجر، هذه المسألة، بكتاب سماه: الإعلام بقواطع الإسلام.الدرر السنية (1/ 467).
8- وقال الشيخ سليمان بن سحمان في كتابه الضياء الشارق (ص35) فمن أنكر التكفير جملة فهو محجوج بالكتاب والسنة ومن فرق بين ما فرق الله ورسوله من الذنوب ودان بحكم الكتاب والسنة وإجماع الأمة في الفرق بين الذنوب والكفر فقد أنصف ووافق أهل السنة والجماعة ونحن لم نكفر أحداً بذنب دون الشرك الأكبر الذي أجمعت الأمة على كفر فاعله إذا قامت عليه الحجة وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد كما حكاه في الإعلام لابن حجر الشافعي.
ثم قال راداً لما يقول الخصم: "إن تكفير المسلم أمر غير هين وإنه قد أجمع العلماء منهم الشيخ ابن تيمية وابن القيم على أن الجاهل والمخطيء من هذه الأمة ولو عمل ما يجعل صاحبه مشركاً أو كافراً يعذر بالجهل والخطأ، حتى تبين له الحجة بياناً واضحاً لا يلتبس على مثله.
__________
(1) وفي كلام الإمام عبد اللطيف تأكيد لكلام أبيه وجده أنهم لا يكفرون إلا بما أجمع عليه المسلمون بعد قيام الحجة.(1/38)
(فيقال) في جوابه أما تكفير المسلم فقد قدمنا أن الوهابية لا يكفرون المسلمين، والشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها، قال في بعض رسائله وإن كنا لا نكفر من عبد قبة الكواز لجهلهم وعدم من ينبههم (1) ، فكيف من لم يهاجر إلينا، وقال وقد سئل عن مثل هؤلاء الجهال فقرر أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها يكفر بعبادة القبور، وأما من أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ما حاله".الضياء الشارق (ص167).
__________
(1) وهذا العلامة ابن سحمان يؤكد أن من منهج الإمام محمد - رحمه الله - وأتباعه البعد والابتعاد عن التكفير والتوقف والإحجام عنه إلى الدرجة التي ذكرها ابن سحمان وغيره وإن تكذيب هؤلاء الأئمة الأعلام الصادقين الثقات لهو التكذيب بالحق الواضح.
وإن من يكذب بهذا الحق والصدق لمن جنس أعداء الرسل وتكذيبهم يصدق عليه قول الله تعالى(ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين) سورة البقرة (145).(1/39)
9- وقال شيخ مشايخنا العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - في دفع هذه الشبه عن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في شرحه لكتاب كشف الشبهات:" فإن الشيخ - رحمه الله -لما تصدى للدعوة إلى الله وبين ما عليه الكثير من الشرك الأكبر تصدى بعض الجهال بالتشبيه على جهال مثلهم، وزعموا أن المصنف رحمه الله يكفر المسلمين وحاشاه من ذلك بل لا يكفر إلا من عمل مكفراً وقامت عليه الحجة فإنه يكفره فقصد كشف تلك الشبه المشبهة على الجهال وردها وإن كانت أوهى من خيوط العنكبوت لكن تشوش عليهم" (1) .
ونبه –رحمه الله- على اشتراط قيام الحجة في (ص75) من هذا الكتاب.
قال المالكي في الملحوظة الثانية (ص10-11)
" وقوله أيضاً في استهلاله (ص5-6):
" وآخر الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله.
أقول: هكذا يرسم الشيخ - سامحه الله- صورة جميلة وغير صحيحة عن كفار قريش ليبني على ذلك تكفير مسلمين.
(يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله !!)، وهذا قياس مع الفارق الكبير كما سبق شرح ذلك وسيأتي.
ثم ذكر الصفة التي من أجلها قاتل الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم- الكفار وقاتل محمد بن عبد الوهاب المسلمين.
فقال: " لكنهم- يعني كفار قريش- يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله ! " يعني فجاز قتالهم ويجوز لنا نحن قتالهم للسبب نفسه.
قال المالكي: " سبحان الله – كفار قريش الذين لا يقولون (لا إله إلا الله) ولا يؤمنون بيوم القيامة ولا البعث ولا جنة ولا نار ولا يؤمنون بنبي ويعبدون الأصنام ويقتلون ويظلمون ويشربون الخمور ويزنون ويأكلون الربا ويرتكبون المحرمات مثلهم مثل المسلمين المصلين الصائمين الحاجين المتصدقين المجتنبين للمحرمات والفاعلين مكارم الأخلاق...
__________
(1) انظر "شرح كتاب كشف الشبهات" للعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ص50).(1/40)
(أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف تحكمون) ؟ !
لا، ليسوا سواء، المسلمون ليسوا كالكفار حتى وإن تأول علماؤهم وجهل عوامهم فالتأويل والجهل باب واسع لكن لا يساوى فيه من يقوم بأركان الإسلام مع من ينكرها.
ولا يتساوى من يؤمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم نبياً ورسولاً ومن يكذبه ويظنه ساحراً أو كاهناً، ولا يتساوى من يتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتبرك بالصالحين وإن أخطأ- مع من يرجم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- ويقتل الصالحين. وذهب يذكر فروقاً أخرى مثل الإيمان بالجنة والنار ومن يقول لا إله إلا الله ومن لا يقولها ومن يطلب الشفاعة من الصالحين ومن لا يطلبها...الخ.
التعليق:
أولاً- إن موضوع الجدال بين الإمام محمد وبين خصومه إنما هو التوحيد والشرك وهما موضوعا كتابه " كشف الشبهات"، فهذا هو محور الخصومة والجدال في هذا الكتاب.
فجاء المالكي ليبعد الناس عن محور الخصومة ويصرف أنظارهم إلى أمور أخرى مهمة جداً داخلة في دعوة الإمام محمد ودعوة كل مصلح ومجدد، ولكنها ليست هي موضوع الصراع والجدال في هذا الكتاب.
قال المالكي عن الكفار: إنهم يعبدون الأصنام ويقتلون ويظلمون ويشربون الخمور ويزنون ويأكلون الربا ولا يؤمنون بجنة ولا نار ونقول نعم هم كذلك".
وقوله:" المصلين الصائمين المزكين الحاجين...الخ ".
وهذه مغالطة وتلبيس، ويؤكد هذه المغالطة وغيرها بالفصل بين موضوع النزاع الأساسي وأدلته.
ثانياً- إن هذه الصفات التي ذكرتها للمشركين هي موجودة في أهل الضلال الذين عاصروا الإمام محمداً من أنهم يقتلون ويظلمون ويشركون ويقطعون الطرق ويأكلون الربا ويتركون الصلاة ويمنعون الزكاة ويسلبون وينهبون بل وكثير منهم لا يؤمنون بالقرآن ولا بالبعث (1) .
__________
(1) انظر تاريخ نجد تحرير وتحقيق الأستاذ ناصر الدين الأسد لروضة الأفهام لابن غنام (ص307).(1/41)
ولكن الذين عاصرهم الإمام محمد وغيره من الدعاة إلى الله والعالمين بالله وحقوقه واجهوا أقواماً كثير منهم يعبدون القبور ويأكلون الربا ويقتلون ويسلبون وينهبون ويرتكبون الفواحش ولا سيما غلاة الرفض وغلاة التصوف..الخ، ومع هذه المخازي هم يفعلون ما فعله المشركون الذين بعث فيهم رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- من دعاء الأموات والاستغاثة بهم في الشدائد والذبح والنذر لهم والتوكل عليهم ورجائهم واعتقاد النفع والضر فيهم واعتقاد أنهم يعلمون الغيب فينادونهم من أبعاد تزيد على آلاف الأميال.
ويعتقدون فيهم ما لا يعتقده المشركون من أنهم يتصرفون في الكون ويدبرون أمره ومنهم الغوث ومنهم الأقطاب والأوتاد والأبدال، هذا كله يعرفه الخاص والعام، وكتب الصوفية طافحة بذلك، وانظر على سبيل المثال " الطبقات" للشعراني و"جامع كرامات الأولياء" للنبهاني و" طبقات الأولياء" للشرجي وديوان عبد الرحيم البرعي وغيرها من كتب أئمة التصوف والرفض.
واقرأ كتب أهل السنة التي تنتقد هذه الضلالات، ولا تقتصر على قراءة كتب أهل الضلال والخرافات التي سببت لك هذا الضياع ودفعت بك إلى محاربة أهل الحق والتوحيد.
وعلى كل حال فجزى الله خيراً الإمام محمداً، فلقد دعا الناس إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأقام الحجة على مخالفيه بالحجج والبراهين والمراسلات والمؤلفات وبث الدعاة، فلم يستجب كثير منهم للحق وحاربوه، فجاهدهم بحق وعلم فلو واجه الصحابة الكرام ما واجه الإمام محمد لحاربوا أعداءه دون تردد بعد إقامة الحجة عليهم، ولما دافعوا عنهم كما دافع أئمة الضلال كالحداد ودحلان والنبهاني وابن جرجيس وابن سحيم والقباني وأمثالهم من أئمة المالكي الضالين.(1/42)
ويؤيد هذا الذي أسلفناه من واقع القوم ما ذكره الشوكاني في كتابه "البدر الطالع" حيث قال:" ومن دخل تحت حوزته (1) أقام الصلاة والزكاة والصيام وسائر شعائر الإسلام ودخل في طاعته من عرب الشام الساكنين ما بين الحجاز وصعدة غالبهم إما رغبة وإما رهبة وصاروا مقيمين لفرائض الدين بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئاً (2) ولا يقومون بشيء من الواجبات إلا مجرد التكلم بلفظ الشهادتين على ما في لفظهم من عوج وبالجملة فكانوا في جاهلية جهلاء (3) كما تواترت بذلك الأخبار إلينا ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها ويأتون بسائر الأركان الإسلامية عن أبلغ صفاتها" (4) . ويؤيده الكثير من أئمة الإسلام ممن سنذكر كلامهم ومواقفهم وموافقتهم للإمام محمد-رحمه الله-.
طعن المالكي في كتاب التوحيد وكشف الشبهات بما يشبه المدح
قال المالكي (ص1):" وكتاب التوحيد أو كتاب كشف الشبهات أو غيرهما من كتب الشيخ إنما ألفها بشر يخطئ ويصيب، ولم يؤلفها ملك ولا رسول فلذلك من الطبيعي جداً أن يخطئ ولا مانع شرعاً ولا عقلاً من وقوع الأخطاء من الشيخ سواء كانت كبيرة أو صغيرة كثيرة أو قليلة فقهية أو عقدية
(إيمانية) فإذا جوزنا هذه المقدمة البسيطة سهل الحوار والنقاش.
أما إن لم نجوز هذه المقدمة فهذا من الغلو الذي لا يرتضيه الشيخ نفسه ولا المخلصون من أهل العلم بل لعل جل دعوة الشيخ ترتكز على نقض الغلو في الصالحين وعلى هذا فعدم الإقرار بالمقدمة السابقة يعد انتكاسة سلفية خطيرة تذهب بجهود الشيخ أدراج الرياح بين محبيه وأتباعه قبل خصومه وأعدائه".
التعليق:
__________
(1) يعني الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود -رحمه الله-.
(2) تأمل جيداً كلام الشوكاني هذا ولا سيما قوله: " لا يعرفون من الإسلام شيئاً ".
(3) تأمل قوله " فكانوا في جاهلية جهلاء وكيف استدل على ذلك بالتواتر".
(4) نقلاً عن كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم مفترى عليه (ص112) لمسعود الندوي.(1/43)
هذا القول معظمه حق أريد به الباطل فالحق منه يقبل من العلماء الصادقين المنصفين.
أما من الجهلة الحاقدين الذين تكذب أعمالهم وتطبيقاتهم أقوالَهم فلا يصدقون ولا كرامة وأما الباطل فمردود وهذا حال كتاباتك.
ومناقشاتك الباطلة الظالمة للإمام محمد تشهد عليك أقوى شهادة أنك بهذه المقدمات والدعاوى ما تريد بها إلا الظلم والباطل وهدم ما قام به هذا الإمام من الجهاد العظيم والتأليفات النافعة الموضحة لدين الله عز وجل عقيدة وأحكاماً.
فلو كان عندك شيء من النصح فاتجه به إلى نقض كتب التشيع والرفض التي امتلأت بالكفر والكذب على الله ورسوله وعلى أصحاب رسوله وعلى علماء الإسلام وامتلأت بالغلو الذي لا يوجد عند اليهود والنصارى هذا هو العمل الصحيح المطلوب لا أن تذهب إلى مصابيح مقتبسة من كتاب الله وسنة رسوله تصحح للناس عقائدهم التي أفسدها دعاة الرفض و التصوف تذهب إلى هذه المصابيح لتطفئها ليعود الناس إلى الظلمات والجهل فهذا من أشد وأقبح أنواع الإفساد في الأرض.
قال تعالى { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } ، فأنت بأعمالك هذه ساع في
الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، فمن يصدقك في هذه الدعاوى العريضة.
وهل رفض السلفيين لظلمك وأباطيلك وأباطيل أسلافك وافتراءاتكم على الإمام محمد وكتبه وأتباعه يعتبر انتكاسة سلفية.
إن الانتكاسة كل الانتكاسة أن يقبلوا منكم هذا الظلم وهذه الافتراءات نسأل الله أن يحفظهم وأن يثبتهم على الحق فإنهم رغم أنوف الحاقدين أهل الحق والفرقة الناجية والطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها ولا من خالفها من أمثال المالكي وأشياعه لا يضرهم ذلك إلى يوم القيامة.
والله نسأل أن يرد كيد أعدائهم في نحورهم ويعيدهم إلى جحورهم.
- ادعى المالكي أنه درس خمس مجلدات من الدرر السنية وقدم ملحوظات على كشف الشبهات.
وادعى أن نسخته السابقة عبارة عن مسودة لا تعبر عن وجهة نظره وهذا تهرب منه من عمله.(1/44)
- تحدث عن عمله الجديد ثم قال (ص2):" وعلى هذا سيتضمن الكتاب عملين رئيسيين:
الأول: قراءة كشف الشبهات.
الثاني: الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتبه ورسائله الأخرى وهي عبارة عن نماذج من أقواله وآرائه في التكفير تستدعي المراجعة من طلبة العلم ولا يضير الشيخ إن أخطأ فكل بني آدم خطاء".
أقول إن هذا مشروع كبير دوافعه معروفة ويحتاج هذا المشروع إلى أن تمد له يد العون من خصوم الدعوة السلفية ولن يعدم الأعوان من كل الاتجاهات.
وسيقف أنصار الحق لهذا الرجل وأعوانه وكل من وراءه و وراء غيره من أعداء الحق سيقفون لهم بالمرصاد وسيحبط الله مكايدهم وخططهم ويهدم صروحهم بمعاول الحق، (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز).
طعون المالكي في الإمام محمد - رحمه الله –
عنون المالكي كتابه بقوله:" محمد بن عبد الوهاب داعية إصلاحي وليس نبياً".
وهذا فيه طعن شديد في شخصه وفي من يسير على نهجه في العقيدة والمنهج.
قال:" محمد بن عبد الوهاب داعية إصلاحي لا خلاف في هذا بين المنصفين من أهل العلم وإنما الخلاف مع فئتين من الناس مع من يكفره أو يفسقه أو يشكك في أهدافه ومع من ينزله منزلة الأنبياء المعصومين.
فقولنا داعية رد على من يكفره أو يفسقه، وقولنا: ليس نبياً رد على من يغلو فيه".
التعليق:
إن الرجل لمن ألد خصوم الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومن ألد خصوم أنصاره وهذا واضح جلي من كتابه هذا وغيره.
ومن عداوته الواضحة أنه لم يتوجه بردوده إلى خصوم الشيخ وخصوم دعوته بل هو وارث شبهاتهم وافتراءاتهم على الشيخ ويحارب دعوته بهذه الشبهات والافتراءات الأثيمة ومن عداوته للشيخ ودعوته أن يرمي أنصار الإمام محمد بالغلو فيه وأن يرميهم بأنهم نزلوه منزلة الأنبياء وقد كرر هذه الافتراءات في كتابه مما يدل على حقده على هذا الإمام ودعوته وعلى من سار على نهجه.(1/45)
إن الشيخ وأتباعه لمن أشد الناس محاربة للغلو سواء كان هذا الغلو في الأشخاص ولو كانوا أنبياء فضلاً عن علماء وصلحاء فضلاً عن ضلاّل الأغبياء ولا يوجد فيهم غلو في الشيخ محمد ولا غيره ولله الحمد.
والمنصفون من العلماء لا يجدون هذا الغلو ولا يدعونه في أتباع الإمام محمد.
ولكن المالكي لما رأى أن أنصار الإمام محمداً يحترمونه لأجل ما قدمه من بيان وتوضيح لدعوة الرسل ودعوة خاتم النبيين –صلى الله عليه وسلّم- ولأجل ما قدمه من تجديد شامل لهذا الدين لا في جانب من الجوانب فحسب.
ومن أجل محاربته للشرك والخرافات والضلالات فأعاد بهذا الجهاد للإسلام جدته في ميدان العقيدة والعبادة والسياسة وسائر الميادين.
ولما كان أنصار الإمام محمد يحبونه الحب الشرعي ويقدرونه التقدير الشرعي لأجل هذه الأعمال الجليلة والجهاد العظيم ثم استفادوا من مؤلفاته العظيمة وجهاده كل ذلك غاظ أهل الضلال والبدع ولا سيما هذا المالكي الشيعي بل الرافضي المخلط فدفعه ذلك إلى محاربة الإمام محمد وكتبه بالكذب والاتهامات الباطلة ودفعه إلى محاربة أتباعه وقذفهم ظلماً بالغلو لأنهم لا يقبلون افتراءات وأكاذيب خصوم الإمام محمد ودعوته ولم يقبلوا افتراءات المالكي فذهب يقذفهم بالغلو ويكيل لهم التهم ويلصق بهم وبدعوتهم من التكفير الخارجي الرافضي ما هم منه براء براءة الذئب من دم - يوسف عليه السلام-.
افتراء المالكي على الإمام محمد بأنه يرسم صورة زاهية
لكفار قريش ويذم الركع السجود من المسلمين
قال المالكي (ص 12):" الملحوظة الثالثة يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص7).
(وإلا فهؤلاء المشركون – يعني كفار قريش- يشهدون أن الله هو الخالق وحده، لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحي إلا هو، ولا يميت إلا هو ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السموات، ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيها، كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره..)، ثم سرد الآيات في ذلك.(1/46)
ثم قال: "أقول:هنا أيضاً رسم صورة زاهية للمشركين، ولم يذكر تكذيبهم بالبعث، ولا اعتقادهم أن الذي يهلكهم هو الدهر، ولا اعتقادهم أنهم يمطرون بنوء كذا وكذا، ولا أكلهم الربا، وقتلهم النفس، ودفنهم البنات ولا غير ذلك من المظالم والجرائم، ولا وصفهم للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم- بأقبح الأوصاف وتكذيبهم له، وتعذيبهم المسلمين وقتلهم المستضعفين (1) .
فالشيخ محمد أخذ الآيات التي تدل على إيمانهم على وجه الجملة بأن الله هو الخالق الرازق..
مع أن هذه الاعترافات التي اعترف بها المشركون، قد أجاب عنها بعض العلماء، وذكروا أن المشركين إنما اعترفوا بها من باب (الإفحام والانقطاع)، وليس من باب الاقتناع، ولو كانوا صادقين في اعترافهم، لأتوا بلوازم هذا الاعتراف (2) .
فلذلك يأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يذكّرهم بلوازم هذا الاعتراف كما في قوله تعالى { فقل: أفلا تتقون } ، { قل: أفلا تتذكرون } ؟!....الخ.
فكأن الله عز وجل يوبخهم بأنهم كاذبون، وأنهم لا يؤمنون بالله عز وجل خالقاً ورازقاً، كما لا يستطيعون في الوقت نفسه أن يقولوا إن الأصنام هي التي خلقت السموات والأرض !! فبقوا بين الاعتراف بالقول (انقطاعاً) وممارسة ما يخالفه واقعاً.
__________
(1) هذه الأمور ليست موضع نزاع بين الإمام وخصومه ولا هي موضع كتابه هذا كشف الشبهات فدع عنك التلبيسات.
(2) كلامك هذا غير صحيح ولو كان صحيحاً لما حاربت الصحابة والمنهج السلفي وأهله مع ادعاءاتك المتكررة أنك سلفي ثم لم تأتِ بلوازم هذا الاعتراف من نصرة هذا المنهج والولاء له ولأهله ودحض أباطيل خصومه من الروافض والصوفية وسائر أهل البدع نقول هذا على منطقك وإلا فالشيطان معترف بالله وعزته وجلاله وقدرته على البعث ومع ذلك فهو أكفر الكافرين.
واليهود يعلمون أن محمداً رسول الله يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ومع ذلك هم من أشد الكافرين به وبما جاء به.(1/47)
والحاصل: أنه لا يجوز للشيخ رحمه الله ولا لغيره أن يذكر فضائل الكفار ويهمل أخطاءهم، بينما يختار أخطاء المسلمين وينسى فضائلهم!.
ولا يجوز أن نختار الآيات التي قد نوهم بها العوام – دون قصد – بأن فيه ثناء على الكفار، ونترك الآيات التي تذمهم وتبين كفرهم وظلمهم وتكذيبهم بالبعث... الخ.
لا يجوز أن نقوم بكل هذا حتى نسوغ به قتالنا للمسلمين الركع السجود، بزعمنا أنهم مثل الكفار تماماً الذين (يصلون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله...)؟! وأننا نقوم بعمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه ! فهذا غير صحيح، والاعتراف بالخطأ خير من التمادي في الباطل، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له،ومن رضي المعصية كان كمن شهدها وشارك فيها أو قريب من ذلك، فلنتق الله ولا تخدعنا القوة والكثرة عن ديننا، ولا نغتر بكثرة المناصرين في الباطل. فإن هؤلاء لا يملكون جنة ولا ناراً، ولعل الشيخ الآن أحوج إلى استغفارنا من حاجته إلى نصرة الأخطاء التي وقع فيها، لكننا نغتر بالكثرة والغوغاء".
أقول: لقد ذهب المالكي يرجف على كلام هذا الإمام ويرد عليه بضلالات الروافض وغلاة الصوفية الجهلة ومغالطاتهم في تفسير آيات الله الواضحة في أن المشركين في عهد الرسول –صلى الله عليه وسلّم- بل وقبله يؤمنون بتوحيد الربوبية ويشركون بالله في توحيد الألوهية.
كما قال تعالى: (وما يؤمن أكثر بالله إلا وهم مشركون).
وكما قال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون } العنكبوت (60).
{ ولئن سألتهم من نزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون } العنكبوت (63).(1/48)
ويخالف المفسرين سلفهم وخلفهم حيث يقررون أن هذه الآيات إنما تدل على توحيد الربوبية وأن الله تبارك وتعالى ما يريد بها إلا إلزام المشركين بشيء يعترفون به ولا يجحدونه ولا يكابرون فيه ويريد الله بذلك إقامة الحجة عليهم وحملهم على التسليم بتوحيد الألوهية ماداموا يعتقدون أن الله هو الخالق لهذا الكون ومدبره.
1- قال الإمام ابن جرير - رحمه الله - المتوفى سنة (310هـ) في تفسير قول الله تعالى: { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون } (21/11-12) يقول تعالى ذكره: "ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من خلق السموات والأرض فسواهن وسخر الشمس والقمر لعباده يجريان دائبين لمصالح خلق الله ليقولن خلق ذلك وفعله الله.
فأنى يؤفكون يقول جل ثناؤه فأنى يصرفون عمن صنع ذلك، فيعدلون عن إخلاص العبادة له ".
2- وقال أبو محمد البغوي المتوفى سنة 516هـ في تفسيره (3/474).
قوله تعالى: (ولئن سألتهم) يعني كفار مكة (من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون. الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم }
{ ولئن سألتهم من نزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله } ، على أن الفاعل لهذه الأشياء هو الله، (بل أكثرهم لا يعقلون) وقيل: قل الحمد لله على إقرارهم لزوم الحجة عليهم،(بل أكثرهم لا يعقلون) ينكرون التوحيد مع إقرارهم أنه الخالق لهذه الأشياء.
3- وقال ابن كثير المتوفى سنة 774هـ في تفسير القرآن العظيم (6/301).
{ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون. الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم. ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون } .(1/49)
يقول تعالى مقرراً أنه لا إله إلا هو ؛ لأن المشركين – الذين يعبدون معه غيره – معترفون أنه المستقل بخلق السموات والأرض والشمس والقمر، وتسخير الليل والنهار وأنه الخالق الرازق لعباده ومقدر آجالهم، واختلافها واختلاف أرزاقهم ففاوت بينهم، فمنهم الغني والفقير، وهو العليم بما يصلح كلا منهم، ومن يستحق الغنى ممن يستحق الفقر، فذكر أنه المستبد بخلق الأشياء المتفرد بتدبيرها،فإذا كان الأمر كذلك فلم يعبد غيره ؟ ولم يتوكل على غيره ؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته، وكثيراً ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية.وقد كان المشركون يعترفون بذلك، كما كانوا يقولون في تلبيتهم:" لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ".
4- وقال أبو الحسن الواحدي في تفسير الوسيط (3/425)
في تفسير هذه الآية.
"ولئن سألتهم يعني كفار مكة (من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله) أي الله خلقها يقرون بأنه خالق السموات والأرض.
(قل الحمد لله) أي احمد الله على إقرارهم ؛ لأن ذلك يلزمهم الحجة ويوجب عليهم التوحيد ثم قال: (بل أكثرهم لا يعقلون) توحيد ربهم مع إقرارهم بأنه خلق الأشياء وأنزل المطر والمراد بالأكثر الجميع.
5- وقال البيضاوي في تفسير هذه الآية من تفسيره (3/42):
(ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر) المسئول عنهم أهل مكة (ليقولن الله) لما تقرر في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واحد واجب الوجود (فأنى يؤفكون) يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك.
6- وقال جلال الدين المحلي في تفسير الجلالين (ص 529):
"(ولئن) لام قسم (سألتهم) أي الكفار (من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك " وأقره صاحب الفتوحات الإلهية الشهير بالجمل انظر (3/382).
7- وقال أبو السعود في تفسيره (4/345):(1/50)
(ولئن سألتهم) أي أهل مكة (من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله) إذ لا سبيل لهم إلى إنكاره ولا إلى التردد فيه (فأنى يؤفكون) إنكار واستبعاد من جهته تعالى لتركهم العمل بموجبه أي فكيف يصرفون عن الإقرار بتفرده تعالى في الإلهية مع إقرارهم بتفرده تعالى فيما ذكر من الخلق والتسخير".
وانظر أقوال المفسرين الآتية أسماؤهم وأسماء تفاسيرهم فإنهم كلهم قد اتفقوا في تفسير هذه الآيات التي توضِح أن الكفار كانوا معترفين بتوحيد الربوبية وأن الله يحملهم على الإقرار بتوحيد الألوهية بناء على إيمانهم بتوحيد الربوبية.
8- تفسير ابن عطية الأندلسي (11/415).
9- تفسير أبي حيان الأندلسي البحر المحيط(7/157).
10- تفسير القرطبي (13/361).
11- تفسير الرازي (25/90-91).
12- تفسير القاسمي (13/4761-4762).
13- تجريد البيان لعبد الله بن إبراهيم الأنصاري (2/191).
فهؤلاء المفسرون من سلفيين وغيرهم قد اتفقوا على تفسير الآيات في هذه القضية العظيمة، ولا يخالفهم إلا أعداء التوحيد من خصوم الإمام محمد من غلاة الروافض وغلاة الصوفية ولا يخاصم أهل التوحيد من هؤلاء الغلاة إلا مثل هذا التائه المالكي.
فماذا تقول في هؤلاء المفسرين على اختلاف مذاهبهم هل تقول إنهم مقلدون لابن عبد الوهاب غالون فيه متمادون في الباطل ؟! هل ستقول فيهم إنهم وهابية كما قال أسلافك البلهاء إن ابن تيمية وهابي وقد سبق ابن عبد الوهاب بقرون؟!
طعون المالكي الشنيعة في دعوة الشيخ محمد
وعدّ ذلك من حيوية دعوته وقوتها
قال المالكي في (ص7) بعد اتهامات جريئة بالتكفير وإلصاق التكفيريين ظلماً بالإمام محمد ودعوته: " وردي ليس على هذا التيار فقط وإنما يستهدف الرد
-بالدرجة الأولى- أولئك الذين يحاولون أن يركبوا الجملين جميعاً! فيردون على أهل التكفير ويغلون في الدفاع عن أخطاء أئمة الدعوة!.(1/51)
أو بلغة أخرى نقول: يردون على هؤلاء الشباب الذين كفروا العلماء والحكام بأدلة العلماء الذين كانوا يردون على الشيخ محمد بن عبد الوهاب! فكأنهم يردون على الشيخ محمد بهذه الطريقة التي تجمع بين الذكاء والغباء".
ونحن نقول لهم:" إن الله حرم التلون وهو الظهور بوجهين وذم النبي –صلى الله عليه وسلّم- ذا الوجهين: فإن كنتم رادين على هؤلاء الشباب فعليكم أن تردوا على بعض الأخطاء في التكفير التي وقع فيها الشيخ محمد وبعض علماء الدعوة.
وإن كنتم تدافعون عن الشيخ محمد وعلماء الدعوة فيجب أن تدافعوا عن هؤلاء لأنهم مقلدون له ولبعض علماء الدعوة وستأتي النماذج.
وأنا بحمد الله – وإن أساء بي البعض الظنون – لكن لي وجهاً واحداً وأرد على شبهات التكفير سواء قالها خصم أو صديق طالب علم أو عالم أو عامي.
وردي على هذه الشبهات أراه واجباً دينياً مع الاحتفاظ بحق الإسلام للجميع وحق خاص للشيخ محمد بن عبد الوهاب باعتباره كان سبباً في إيجاد هذا الكيان الكبير الذي التقى فيه أبناء هذا الوطن من أقصى الشمال لأقصى الجنوب ومن أقصى الشرق لأقصى الغرب، فكان الشيخ سبباً -بعد توفيق الله- في القضاء على التشرذم والتنازع مع بث العلم والدعوة للإسلام الخالص النقي من البدع والخرافات كل هذا شيء نعترف به ونقدره ونحب الشيخ لأجله في الله وندعو له لكن أن تكون هذه المحاسن مانعة من الملحوظات العلمية عليه فلا.(1/52)
لسبب بسيط وهو أنه بشر يخطيء ويصيب وعندما يقوم بعض الباحثين بتعقب الشيخ في مسائل أخطأ فيها ليس نهاية الإسلام ولا يعني القضاء على منجزاتنا العلمية والدعوية بالفشل وإنما من حيوية دعوة الشيخ وقوتها أنها تنتج من أبنائها من يتعقب بعض أقواله التي اجتهد فيها فأخطأ، وهذه ميزة العلماء الربانيين أنهم يعطون منهجاً ولا يلزمون أتباعهم باجتهاداتهم، وهذه الدراسة لو يسمح لها بالنشر لكانت من أكبر الأدلة في الرد على مزاعم الكثير من المسلمين في العالم الذين يتهموننا بالتعصب للشيخ لا للكتاب والسنة".
التعليق
أسلوب عجيب يجمع بين الطعن الشنيع لعلماء هذه الدعوة والاتهام الفظيع ثم مدح نفسه ومدح الإمام محمد والإصرار على حربه والافتراء عليه مع ادعاء محبته، ويرى أن نقده الظالم دليل على حيوية هذه الدعوة فما هي هذه الحيوية إذا كان أهلها كلهم خونة ومنافقين ذوي وجهين ويركبون الجملين ولا ينتقدون الأخطاء الفظيعة التي دمرت الأمة أي حيوية هذه التي هذا حالها وحال أهلها.
أيا مالكي يقال لك: "رمتني بدائها وانسلت " فلا تفتر على دعوة هذا الإمام التي هي التوحيد الخالص والدين النقي ولا تلصق بها مذهب الخوارج الذي يحاربه هذا الإمام وأسلافه وأنصاره بحق وعلم لا تخلط بين منهجين متضادين كتضاد الظلمات والنور والظل والحرور، ولا تدع أنك من أبناء هذه الدعوة وأنت من ألد أعدائها.
يقول المالكي:" إن الله حرم التلون وهو الظهور بوجهين الخ" (ص8).
أقول: لا ترم غيرك بدائك فأنت ذو الألوان والوجوه.
فأنت تارة مع الروافض في الطعن في أصحاب محمد وأهل السنة، وتارة مع الخرافيين والمرجئة والغلاة تدافع عن خرافاتهم وبدعهم الشركية ومع ذلك تظهر للسلفيين أنك منهم وتطعن في الإمام محمد أشد الطعون التي لا تصدر من أشد الأعداء حقداً وبغضاً.
وتدعي أنك تحبه وتحترمه وتدعي أنك ستحتفظ بحق الإسلام العام للجميع وبحق خاص للشيخ محمد.(1/53)
وما عرفت حق الإسلام لأنصاره ومن على منهجه وأهدرت حق الإمام محمد أيما إهدار وتجنيت عليه بأشد أساليب الأعداء.
فإذا لم تكن هذه الأفاعيل الشنيعة تلوناً فليس في الدنيا تلون.
وبعد هذه الأفاعيل الشنيعة.
يقول: " وأقول – أيضاً – هذه والله نصيحة محب للشيخ مقدر لجهوده وعلمه ولا يجوز أن تسمعوا لمن يشكك في النيات ويفسر نقدي هذا تفسيراً خلاف ما دونته هنا.
ومن كان عنده شك أنني أكتب لغير مصلحة الإسلام والعلم ولأهداف غير مشروعة ونحو هذا فأنا مستعد لمباهلته لنجعل لعنة الله على الكاذبين".
أقول: إنني أقطع بأنك على باطل وأنك من أهل الأهواء وأقطع بأنك ظلمت الإمام محمداً وهوشت عليه بالباطل، وأكاد أجزم بخبث طويتك وفساد معتقدك.
ومستعد لمباهلتك فنجعل لعنة الله على الكاذبين الذين يؤذون أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ويؤذون خيار المسلمين والعلماء الصادقين المخلصين، ويسعون في الأرض فساداً بعد إصلاحها والله لا يحب المفسدين.
وجئني بأمثالك لتكون المباهلة شاملة حتى يريح الله المسلمين من شر المفسدين.
سفاهة المالكي على الإمام محمد ومخالفته للمفسرين سلفاً وخلفاً
قال المالكي (ص 13): "الملحوظة الخامسة: قوله (ص9): في وصف محاسن كفار قريش وغيرهم (كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً ! ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم إلى الله ليستغفروا له أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات أو نبياً مثل عيسى وعرفت أن رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة....
فقاتلهم رسول الله ليكون الدعاء كله لله والنذر كله لله والذبح كله لله والاستغاثة كلها بالله وجميع العبادات لله...الخ). أهـ.(1/54)
قال المالكي:" أقول الكفار لم يكونوا يدعون الله ليلاً ونهارا وإنما يذكرون هبل واللات ومناة ولو كانوا يدعون الله ليلاً ونهارا لما نهى نبيه عن عبادة الذين يدعون كما في قوله تعالى: { قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله } .
وقال تعالى واصفاً حال الكفار ساعة الموت { حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله } ، وقال: { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } . وقال عن الكفار { وقالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك } .
وغير ذلك كثير من الآيات التي لم أشأ تتبعها وهي تخبر عنهم بخلاف ما أخبر الشيخ ولم يكونوا يدعون الله بإخلاص إلا في حال الشدائد ولو كانوا يدعون الله ليلاً ونهاراً كما وصفهم الشيخ لغبطهم عليه زهاد الصحابة فهذه الصورة من الصور الكثيرة الجميلة التي يمدح فيها الشيخ كفار قريش ليس حباً (1) فيهم ولكن ليقارن بينهم وبين مسلمي عصره ثم يبني على ذلك تفضيلهم على المسلمين.
ثم البناء على هذا كله تكفير المسلمين وقتالهم والذي يجب أن يصحح هنا أن النبي –صلى الله عليه وسلّم- قاتل الكفار لأمور كثيرة أهمها الشرك الأكبر بالله وإخراج المسلمين من ديارهم وإنكار النبوة وارتكابهم المظالم....الخ".أهـ.
التعليق:
1- أولاً:إن الشيخ يقصد أن مجموع الكفار يذكرون الله ليلاً ونهاراً فإذا نظرت إلى مجموع الكفار في الجزيرة العربية وخارجها فلا تمر لحظة إلا وفيها من يذكر الله فما يمر لحظة أو يوم إلا ومنهم ذاكرون.
ولا يقصد الشيخ أنهم ليس لهم كلهم - أفراداً وجماعات- إلا ذكر الله كما يفهم من تهويل المالكي واستغلاله لهذه العبارة ليشنع بها على هذا الإمام.
فلو قلنا إنهم لا يذكرون الله إلا في حال الشدة فقط لاحتاج هذا الادعاء إلى دليل ولا دليل على ذلك.
__________
(1) ما هذا الأسلوب تطعن الطعون القاتلة ثم تروغ وتنفث على هذه الطعون ثم تعود لتعميق هذه الطعون.(1/55)
وثانياً: هم في مجموعهم وعلى كثرتهم لا يخلو وقت من الأوقات من حاجة أو شدة تمر بكثير منهم تدفعه هذه الحاجة أو الشدة إلى ذكر الله ودعائه.
فهذا في البحر قد يواجه الأخطار وهذا في البر ينهكه العطش وذاك في الجبل يرهقه الصعود والهبوط وهذا يشتد به الجوع وهذا يشتد به المرض وهناك نساء يواجهن مشاكل الحمل والولادة ومرض أطفالهن إلى أحوال كثيرة تطرأ على مجموع هؤلاء الكفار فيتجهون إلى الله الذي يعتقدون في قرارة أنفسهم أنه لا يكشف الضر سواه.
هذا إن جارينا المالكي على أنهم لا يدعون الله إلا في حال الشدة، ولا دليل له على هذه الدعوى.
فهناك من يحج وهناك من يطوف بالبيت ويذهب في أيام الحج إلى منى وعرفات والمزدلفة وهناك معتمرون منهم من آفاق الجزيرة على امتداد العام.
2- وهم يؤمنون بأن الله الخالق الرازق يملك السمع والأبصار وينزل الأمطار ويحي الأرض بعد موتها ويدير أمر الكون، { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } ، { أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ومن يخرج الميت من الحي } .
هذا ما أخبرنا الله به فهل يكون الله قد أثنى عليهم أو أن الله يذكر حالهم هذا ليلزمهم بتوحيد الألوهية وإفراده بالعبادة وإخلاص الدين له وحده.
فإن قلت إن هذا ثناء قلنا الإمام محمد اتبع كلام الله.
وإن قلت يذكر هذا لبيان حالهم وأن هذا التوحيد لم يدخلهم في الإسلام ولم يحقن دماءهم وهذا هو الواقع قلنا فأي لوم على الإمام محمد أن يأخذ من حالهم ما يحتج به على من حالهم كحال المشركين من دعاء غير الله والذبح لغير الله والنذر لهم واللجوء إليهم في الشدائد ويتجهون إلى الله كما تواترت الأخبار عن القبوريين في الحالة التي ينسى المشركون فيها آلهتهم.
قال تعالى: { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون } الأنعام (40-41).(1/56)
3- إنَّ لفظ الشرك يدل على أن عبادتهم منقسمة بين الله وبين معبوداتهم.
كما قال الله تعالى مخبراً عن المشركين { أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب } ، وهذا دليل على اعترافهم بألوهية الله لكنهم يرفضون تخصيصه بالعبادة ويصرون على اتخاذ شركاء له.
4- قال تعالى ذاكراً حالهم: { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } فهم يجعلون من عباداتهم لآلتهم وسيلة تقربهم إلى الله زلفى. فلا بد أن يكونوا إذا تقربوا إليهم بعبادة أن يكون الله حاضراً في أذهانهم معتقدين أن ما يطلبونه بيده هو وإنما يتخذون معبوداتهم وعباداتهم وسائل فهم ذاكرون الله كلما توسلوا بآلهتهم، فيصح ما قاله الإمام محمد - رحمه الله-.
والإمام مجتهد ناصح يريد لهؤلاء الخير ويريد تخليصهم من حبائل الشرك وخصومه من دعاة الضلال يريدون لهم الشر والبوار لأجل مصالحهم وحماية مناصبهم فإن استجابتهم لدعوة الله الحق تسقط منازلهم إذا فهم هذا كله.
فقول المالكي:" الملحوظة الخامسة: قوله (ص9) في وصف محاسن كفار قريش وغيرهم....الخ.
وتهويله على الإمام محمد في قوله يدعون الله ليلاً ونهاراً ".
وقوله: "الكفار لم يكونوا يدعون الله ليلاً ونهاراً! وإنما كانوا يذكرون هبل واللات ومناة"، كل هذا من الظلم والإفك والمكابرة ؟.
الشيخ يقول هذا لا لغرض دنيوي وإنما لبيان حال المشركين لا لمدحهم ولكي ينبه حواس ومشاعر وعقول من يخاطبهم إلى الخطر العظيم الذي وقعوا فيه وليدركوا أن تعلقهم بتوحيد الربوبية مع ضلالهم في توحيد الألوهية لا يغني عنهم شيئا كما لم يغن شيئاً عن من خاصم الرسول –صلى الله عليه وسلّم- في توحيد الألوهية.
رحم الله هذا الإمام المخلص الناصح الذي ما ترك حجة تنبه وتوقظ هؤلاء المنحرفين ولا وسيلة يستطيعها إلا قدمها لهم.(1/57)
والله أسأل أن ينتقم من أعداء التوحيد وأعداء هذا الإمام المخلص الذين كالوا له التهم أولئك الضالون الحاقدون وتابعهم وقلدهم هذا المالكي الظلوم.
الإمام محمد يلزم خصومه على الطريقة الشرعية والعقلية
والمالكي يرفض هذه الإلزامات ويهول عليه بالترهات
قال المالكي: الملحوظة الرابعة والعشرون: قوله ص4: ـ وكرر نحو هذا ص57 ـ (هؤلاء أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي –صلى الله عليه وسلّم- وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- ويصلون ويؤذنون فإن قالوا: إنهم يقولون إن مسيلمة نبي قلنا: هذا هو المطلوب إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي –صلى الله عليه وسلّم- كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابياً أو نبياً في مرتبة جبار السموات والأرض...) !! أهـ
ثم قال: "أقول: هذا الكلام فيه عدة أوهام عجيبة:
الأول: بنو حنيفة ارتدوا مطلقاً وآمنوا برجل زعموا أنه نبي وتركوا أوامر النبي –صلى الله عليه وسلّم- لأوامره عامدين.(1/58)
وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء الصالحين للنبي –صلى الله عليه وسلّم- أو هكذا يظنون، ولا يرفعون أحداً من الصالحين فوق رتبة النبي –صلى الله عليه وسلّم- ولا يوصلونه لهذا فضلاً عن جعل أحد الصالحين في رتبة الله عز وجل، فهذا لم يقل به هؤلاء الناس مطلقاً (1) ولم يقل به مسلم عاقل [32] على مر التاريخ. والشيخ يلزم بأشياء لا تلزم، وعلى منهجه يمكن تكفير من بحث عن رزقه عند فلان (2) ، أو حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو حلف بالكعبة، أو غلا في أحد من الصالحين أو غيرهم وهذا خطأ بلا شك.
بل يمكن على هذا المنهج أن نكفر المغالين في الشيخ الذين لا يخطئونه ولا يقبلون نقده، الذين يحتجون بأنه أعلم بالشرع وقد يردون حديثاً صحيحاً أو آية كريمة..
وعلى هذا نأتي ونقول: هؤلاء رفعوا مقام الشيخ محمد إلى مقام النبوة أو الربوبية وعلى هذا فهم كفار مشركون... الخ.
فهذا منهج خاطيء والمسائل العلمية لا تؤخذ بهذا التخاصم، بل لها طرق معروفة عند المنصفين من عقلاء المسلمين والكفار" (3) .
التعليق:
__________
(1) لم يقولوه بأفواههم ولكن باعتقاداتهم وأعمالهم الشركية بغلوهم في الأولياء واعتقاداتهم أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون وباللجوء إليهم في الشدائد يستغيثون بهم ويقدمون لهم القرابين، كما قال الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية (ص:52): ((فإن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل)).
(2) إذا بحث عن رزقه عند الأموات والأحجار والأشجار فما حكم هذا البحث عندك ؟
(3) إن منهجك لمغرق في الباطل وأنت من أشد أهل الباطل مخاصمة للحق وأهله وليس منهجك وخصومتك من العلم في شيء.(1/59)
1- أقول: إن قَصْد الشيخ برفعهم شمسان أو يوسف أو أحد الصحابة أو أحد الأنبياء إلى مرتبة جبار السماوات والأرض ما يرتكبونه من الشرك في عبادة الله كالمحبة والخوف والاستغاثة والاستعانة ونحوها فمن فعل هذه الأشياء بالصالحين أو الأنبياء فقد سواهم برب العالمين ورفعهم إلى رتبته تعالى وتنزه بنص القرآن، قال تعالى: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله } فلما أحب المشركون اللات والعزى والملائكة كحب الله وأحب النصارى عيسى كحب الله كفرهم الله واعتبر محبتهم هذه عين المساواة بالله ورفع هؤلاء المحبوبين إلى مرتبة جبار السماوات والأرض.
فكيف بمن أضاف إلى هذه المحبة الشركية أصنافاً من الشرك أشد منها كالدعاء والاستغاثة والخوف والرغبة والرهبة وزاد أشد منها وهو اعتقاد أن الأولياء يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون.
وقال تعالى عن الكفار وهم يختصمون في الجحيم: { قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فمالنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين } [سورة الشعراء:96-102].
قال ابن جرير – رحمه الله – في تفسيره (19/88): "وقوله (إذ نسويكم برب العالمين) يقول الغاوون للذين يعبدونهم من دون الله: تالله إن كنا لفي ذهاب عن الحق حين نعدلكم برب العالمين فنعبدكم من دونه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل". وساق إسناده إلى ابن زيد.(1/60)
وقال ابن عطية في تفسيره (11/128) في تفسير هذه الآيات: "ثم وصف تعالى أن أهل النار يختصمون فيها ويتلاومون ويأخذون في شأنهم بجدال، ومن جهلهم قولهم لأصنامهم على جهة الإقرار وقول الحق قسماً بالله إن كنا لفي ضلال مبين في أن نعبدكم ونجعلكم سواء مع الله تعالى الذي هو رب العالمين وخالقهم ومالكهم ثم عطفوا يردون الملامة على غيرهم أي: ما أضلنا إلا كبراؤنا وأهل الحزم والجرأة والمكانة...الخ.
فهذه التسوية إنما هي في اتخاذهم أنداداً مع الله في العبادة وليست اعتقاد أنهم يخلقون ويرزقون ويدبرون أمر الكون كما يعتقده الخرافيون.
فمن فَعَل فِعل هؤلاء في صرف الدعاء والاستغاثة والمحبة والخوف والرجاء وغيرها من أنواع العبادة أو بعضها فقد اتخذ مع الله أنداداً وسوى هؤلاء الأنداد برب العالمين وناقض شهادة أن لا إله إلا الله وهذا أمر معروف من حال القبوريين وكتب أهل الضلال من أئمتهم مشحونة بذلك شاهدة عليهم به، ومع كل هذا الضلال لا يكفر الإمام محمد هذه الأصناف إلا بعد إقامة الحجة، وكذلك أنصاره كما بينا ذلك سابقاً مرات وكرات.
2- قوله: "أقول هذا الكلام فيه عدة أوهام عجيبة:
الأول: بنو حنيفة ارتدوا مطلقاً وآمنوا برجل زعموا أنه نبي وتركوا أوامر النبي –صلى الله عليه وسلّم- لأوامره.
وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء الصالحين للنبي ? أو هكذا يظنون ولا يرفعون أحداً من الصالحين فوق رتبة النبي –صلى الله عليه وسلّم- ولا يوصلونه لهذا فضلاً عن جعل أحد الصالحين في رتبة الله عز وجل فهذا لم يقل به هؤلاء الناس مطلقاً ولم يقل به مسلم عاقل على مر التأريخ".
أقول:
(1) يفهم من كلام المالكي أنه لا يكون الإنسان مرتداً إلا إذا كان على غرار قوم مسيلمة يؤمنون بنبوة إنسان ويخالفون أوامر النبي من أجله وهذا جهل مطبق بأنواع الردة وأسبابها.(1/61)
فلو أن رجلاً ادعى في إنسان أنه يعلم الغيب ويتصرف في الكون لوقع في الكفر الأكبر، وإذا أقيمت عليه الحجة فأبى أن يرجع عن قوله فهو مرتد ولو سب الله أو رسوله مع إيمانه بالله ورسوله لكفر وخرج عن دائرة الإسلام، ولو استهزأ بالله أو برسوله أو أحد الأنبياء أو بالقرآن أو آية منه لكفر بالله تعالى ولو دعا غير الله أو استغاث به أو ذبح له أو نذر له لكان مرتكباً كفراً وشركاً بالله عز وجل وينبغي للجاهل أن يقرأ أبواب الردة في كتب الفقه الإسلامي قبل أن يخوض في هذا الميدان ضد فحول أهل العلم ومنهم الإمام محمد – رحمه الله -.
(2) وقوله:"وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء للنبي –صلى الله عليه وسلّم- أو هكذا يظنون"، يدل على جهل مفرط في البدهيات الإسلامية، فلو قال النصارى: لماذا تكفروننا معشر المسلمين ونحن ما عبدنا عيسى إلا لأنه يحب الله؟ ولو قال المشركون: لماذا تكفروننا ونحن نعبد الملائكة لأنهم يحبون الله؟ ثم ماذا يقول المالكي في الروافض الذين قالوا: إن من ضروريات مذهبنا أن الأئمة بلغوا منزلة عند الله لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل ثم يدعونهم ويستغيثون بهم في الشدائد ويعتقدون فيهم أنهم يعلمون الغيوب كلها ماضيها وحاضرها ومستقبلها، بل تجاوزوا بهم هذه المرتبة إلى مرتبة الربوبية فقالوا: "إن للإمام سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون"، فماذا أبقوا لله رب العالمين؟! وما هو موقفك منهم؟ إنه التأويل الذي لا يخطر ببالهم. أما الإمام محمد فليس له من المالكي ولا لأتباعه إلا الحرب والطعون الظالمة والتهاويل، ثم هل هؤلاء الذين تدافع عنهم بعد وقوعهم في هذه الفواقر مسلمون عقلاء؟ أو هم ضلال لا يعقلون وأغبياء؟.(1/62)
3- ما قاله الإمام حق من أن قوم مسيلمة أسلموا وكانوا يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلون ويؤذنون، ثم آمنوا بما ادعاه مسيلمة من النبوة وأن النبي أشركه فيها فصاروا من شر أهل الردة ثم بعد هذا بقوا يصلون ويؤذنون بناء على إيمانهم بمحمد رسول الله ومع ذلك فقد اعتبرهم الصحابة والمسلمون كفاراً مرتدين، والشيخ يرد على قوم معاندين مكابرين يقولون: من قال لا إله إلا الله لا يكفر ولا يقاتل ولو اعتقد في الأولياء أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون ولو نسوا الله عند الشدائد والكروب ولجأوا إلى الأولياء يستغيثون بهم ويتضرعون إليهم ويتذللون لهم لينقذوهم من هذه الشدائد والكروب.
فهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفاعيل وغيرها من الشركيات والضلالات لا يجوز في نظر هؤلاء المعاندين أن يطلق عليهم لفظ الشرك ولو أقيمت عليهم الحجج والبراهين بأن ما هم عليه شرك في الألوهية وشرك في الربوبية وعندهم لا يجوز قتالهم مهما بالغ الإمام محمد وأهل الحق والتوحيد في بيان ضلالهم وإقامة الحجج والبراهين عليهم.
نعم ذكرت كتب التاريخ أخبار المرتدين ومنهم مسيلمة وذكروا من أخباره أنه كان له من يؤذن للصلاة وهو عبد الله بن النواحة وآخر يقيم الصلاة وهو حجير ابن عمير، وذكر صاحب الفتوح أن اسم مؤذنه حجير (1) ، فإما أن تقبل ما قالوه في ردته وما جرى فيها من قتال وغيره بما فيها الأذان والصلاة وإما أن ترد الجميع، أما أن تأخذ ما تشاء لتهول به على الإمام محمد وترد ما تشاء للغرض نفسه فهذا يدل على أنك قد بلغت غاية لا تلحق فيها من اللدد والفجور في الخصومة.
__________
(1) تاريخ الطبري(3/383)، وفتوح البلدان(ص100)، والكامل لابن الأثير (2/361).(1/63)
4- قال: "والشيخ يلزم بأشياء لا تلزم وعلى منهجه يمكن تكفير من بحث عن رزقه عند فلان أو حلف بالنبي (ص) أو حلف بالكعبة أو غلا في أحد الصالحين أو غيرهم وهذا خطأ بلا شك بل يمكن على هذا المنهج أن نكفر المغالين في الشيخ الذين لا يخطئونه ولا يقبلون نقده الذين يحتجون بأنه أعلم بالشرع وقد يردون حديثاً صحيحاً أو آية كريمة....
وعلى هذا نأتي ونقول لهؤلاء رفعوا مقام الشيخ محمد إلى مقام النبوة أو الربوبية وعلى هذا فهم كفار مشركون...الخ
فهذا منهج خاطئ والمسائل العلمية لا تؤخذ بهذا التخاصم، بل لها طرق معروفة عند المنصفين من عقلاء المسلمين والكفار ".
أ- أقول: إن الشيخ لا يلزم خصومه إلا على طريقة القرآن الكريم وعلماء المسلمين وإلزاماته قوية جداً وفي موقعها وقد سلك القرآن هذا المسلك.
ب- الحلف بغير الله كفر أصغر عند العلماء في ضوء القواعد الشرعية لكن إذا غلا الحالف في المحلوف به وعظمه كتعظيم الله فإنه حينئذ يقع في الكفر الأكبر.
ج- والغلو في أحد الصالحين إذا كان على نحو ما يعرف عند الروافض والقبوريين من اعتقاد أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون أو اتجهوا إليهم بشيء من العبادات التي اختص الله بها كالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبة والأمور التي لا تنبغي إلا لله فلا شك أن هذه الأعمال من الكفر الأكبر إن تاب مرتكبها بعد إقامة الحجة عليه وإلا فهو كافر عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، وقد تكرر تقرير هذا.
د- أين هم هؤلاء المغالون في الشيخ الذين رفعوه إلى مرتبة النبي أو رفعوه إلى مرتبة الربوبية ؟
أين يوجد هذا الغلو؟ هل يوجد في كتبهم أو أشرطتهم أو في صحفهم ومجلاتهم أين هذا؟.
ومتى وأين ردوا حديثاً صحيحاً أو آية كريمة تعصباً وغلواً في الشيخ أو في غيره؟.
لم تضرب لنا مثالاً واحداً لهذا الغلو الشديد الذي ترمي به أتباع الشيخ من أول كتابك هذا إلى آخره.(1/64)
وهذا من أكبر الأدلة على أنك كاذب مفتر من أشد الناس جرأة على بهت الأبرياء.
وهذا وغيره من أقوى الأدلة والبراهين على بعد هؤلاء وبراءتهم، وأن بهتك هذا من جنس بهت اليهود لعيسى عليه الصلاة والسلام وأمه الصديقة.
فهنيئاً لك أيها المسكين، ولقد كتب فيك أناس وبينوا جهالاتك وضلالاتك فأبيت أن تكف عن هذه الجهالات والضلالات.
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي
ومن البلية عذل من لايرعوي عن جهله وخطاب من لايفهم
زعم المالكي أن الشيخ محمداً ارتكب قاصمة في حق خصومه لأنه
قال عنهم: "إنهم لا يعلمون معنى لا إله إلا الله" ودحض ذلك
قال المالكي (ص 15): "الملحوظة العاشرة: ثم يقول (ص13): " والحاذق منهم – يعني ممن يدعي الإسلام من علماء المسلمين! – يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله) ! ثم يتبع هذا بقاصمة وهي (فلا خير في رجل جهال الكفار (1) أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله) ؟!".
أقول: سبق الجواب بأن علماء المسلمين في زمانه لا يفسرون الشهادتين كما ذكر هنا- فيما أعلم- نعم لهم تأويل بأن التبرك والتوسل لا يناقضها وهذا شيء آخر.
لكن أن يأتي عالم ويزعم أن (لا إله إلا الله) ليس معناها إلا (لا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله) مع جواز صرف العبادة لغيره فلا أظن عالماً عاقلاً يقول هذا، ومن زعم هذا فعليه الدليل والبرهان.
__________
(1) نعم جهال الكفار يعرفون معناها ولا يلتزمون به وهؤلاء يجهلون معناها ويحاربون من يدعوهم إلى الالتزام به.(1/65)
الملحوظة الحادية عشرة: ذكر (ص16،15): أن أعداء التوحيد قد يكون عندهم علم (1) وحجج وفصاحة... وهذا إقرار منه بأنه يتحدث عن معارضيه من علماء عصره في نجد والحجاز والشام [ 23 ].. معهم علم وفصاحة وقبل هذا ينفي أنهم لا يعرفون معنى لا إله إلا الله (2) !!
التعليق:
أولاً- إن كلام الإمام حق فهم أجهل الناس بمعنى لا إله إلا الله، ولذا فسروها بغير معناها فقالوا معناها أنه الخالق الرازق والقادر على الاختراع أو غير ذلك من التفسيرات البعيدة عن معنى لا إله إلا الله فضلوا بهذا التفسير وأضلوا عوام المسلمين وأوقعوهم في أعمال شركية خطيرة تنافي معنى لا إله إلا الله من الدعاء والاستغاثة بغير الله والذبح لغير الله والطواف والتعظيم والذل والخضوع لغير الله، بل جرهم هذا الضلال إلى الوقوع في الشرك في الربوبية فقالوا عن بعض الأولياء إنهم أقطاب يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون وفوقهم الغوث وهو أعظم منهم علماً وتصرفاً...الخ
ثانياً- ولعل من أسباب هذا الانحراف زلة بعض العلماء القدامى من الأشاعرة.
1- قال الأستاذ أبو منصور البغدادي في كتابه أصول الدين (ص123)
" واختلف أصحابنا في معنى الإله فمنهم من قال إنه مشتق من الإلهية وهي قدرته على اختراع الأعيان وهو اختيار أبي الحسن الأشعري وعلى هذا يكون الإله مشتقاً من صفة".
فكان هذا التفسير من هؤلاء مصدراً لبلاء عظيم وانحراف خطير هو ما واجهه أئمة الإسلام ومنهم الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله-.
2- قال أبو القاسم القشيري في "شرح أسماء الله الحسنى" باب في معنى لا إله إلا الله فلم يفسرها التفسير الصحيح الذي دل عليه القرآن واللغة وكلام العلماء
__________
(1) يريد علمهم الفاسد وعلمهم بغير التوحيد.
(2) يريد أن يلزم الشيخ بالتناقض وهيهات فسترى صدق ما يقول الإمام من جهلهم بمعنى لا إله إلا الله.(1/66)
ثم قال:" وأما أقاويل المشايخ في هذه الكلمة فقد قال بعضهم إنه نفي ما يستحيل كونه وإثبات ما يستحيل فقده، ومعنى هذا أن يكون الشريك له سبحانه محالاً وتقدير العدم لوجوده مستحيلاً.
وقال بعض المشايخ مجيبا لمن قال له لم تقول الله الله ولا تقول لا إله إلا الله؟ فقال:" نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب" (1) ، وكان الدقاق -رحمه الله تعالى- يقول:" إنما قول لا إله إلا الله لاستصفاء الأسرار عن الكدورات لأنه إذا قال العبد لا إله إلا الله صفا قلبه وحضر سره ليكون ورود قوله: "الله" على قلب منقى وسر مصفى" (2) ، وقال رجل للشبلي: "يا أبا بكر لم تقول الله الله ولا تقول لا إله إلا الله" فقال: لا أنفي له ضداً فصاح وقال:" أريد أعلى من ذلك"، فقال:" أخشى أن أوخذ في وحشة الجحد" (3) ، فقال الرجل:" أريد أعلى من ذلك"، فقال: قال الله تعالى: { قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } فزعق الرجل وخرجت روحه، فتعلق أولياء الرجل بالشبلي وادعوا عليه دمه وحملوه إلى الخليفة فخرجت الرسالة إلى الشبلي من عند الخليفة فسألوه عن دعواهم فقال الشبلي:"روح صفت فرنت فدعيت فأجابت فما ذنبي"، فصاح الخليفة من وراء الحجاب خلوه فلا ذنب له.
__________
(1) وهذا إلحاد لأنه لا يريد أن يقول لا إله إلا الله ويرى أن ذلك عيب فنفي الألوهية عن غير الله عنده عيب.
(2) وهذا تضييع لمعنى لا إله إلا اله وابتعاد بها عن مقصودها الأساسي من إثبات الإلهية له وحده ونفيها عمن سواه.
(3) هذا إن صح عن الشبلي فإنه من أضل الناس ولمن الصادين عن توحيد الله بهذا التعليل الفاسد وما أشبه هذه الأقوال بقول المشركين إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون.(1/67)
وقيل فمعنى قوله"لا إله إلا الله" مفتاح الجنة: أن العبد إذا كان مطيعاً كان داره في الجنة أشد عمارة وأكثر زينة وإذا عصى كان لا يعمر داره ولا يزول ملكه ولا يسلب مفتاح الدار ممن لا يعمرها فكذلك ما دام العبد مخلصاً في قول لا إله إلا الله كان من أهل الجنة" (1) .
أقول: فهذا هو معنى لا إله إلا الله عند مشايخ القشيري الصوفي الأشعري وعلمائه.
وهل هذا هو المعنى الذي بعث الله به جميع الأنبياء وجاهدوا الأمم لتحقيقه؟ وجاهد رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- من أجله وربى عليه أصحابه، وكيف يعرف الناس من هذه التفسيرات العبادة بتفاصيلها التي تضمنتها هذه الكلمة وتستلزمها لينهضوا بها ومعاني الشرك التي نفتها هذه الكلمة العظيمة ليحذروا الوقوع فيها أو في شيء منها.
وبسبب التفسيرات البعيدة عن معنى لا إله إلا الله جُهل المعنى الحقيقي للا إله إلا الله عند من يتبع هذه المدارس الفلسفية الكلامية الصوفية ووقع كثير من أتباعها في الشرك والضلال، وسلم الله من سلم ممن سلك نهج السلف الصالح في معرفة المعنى الصحيح لهذه الكلمة والعمل بمضامينها وحقوقها ومستلزماتها وأخذ الحذر مما يناقضها والابتعاد عنه ودعوة من لا يفهم معنى هذه الكلمة إلى فهمه والقيام به ليسعد في الدنيا والآخرة ويجابههم أمثال -المالكي- في كل زمان ومكان والله يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختصمون.
__________
(1) شرح أسماء الله الحسنى للقشيري (ص70).(1/68)
3- وذكر الرازي هذا التفسير أي "تفسير الأشعري" ضمن عدد من الأقوال في أصل اشتقاق كلمة الإله حيث قال في شرح أسماء الله الحسنى (ص124): " القول السابع: الإله من له الإلهية، وهي القدرة على الاختراع، والدليل عليه أن فرعون لما قال:(وما رب العالمين): قال موسى في الجواب: (رب السموات والأرض) فذكر في الجواب عن السؤال الطالب لماهية الإله: القدرة على الاختراع، ولولا أن حقيقة الإلهية هي القدرة على الاختراع لم يكن هذا الجواب مطابقاً لذلك السؤال ". منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة (1/154).
4- وقال أبو الجناب نجم الدين البكري بعد أن ذكر عدداً من أصوله وهي التوبة والزهد والتوكل والقناعة والعزلة ثم فسرها تفسيراً غريباً.
ثم قال: " الأصل السادس: ملازمة الذكر، وهو الخروج عن ذكر ما سوى الله بالنسيان، قال تعالى (واذكر ربك إذا نسيت) أي غير الله كما هو بالموت، فأما نسبة مسهلية الذكر وهو كلمة لا إله إلا الله فإنه معجون مركب من النفي والإثبات فالنفي يزيل المواد التي يتولد منها مرض القلب، وقيد الروح وتقوية النفس، وتربية صفاتها، وهي الأخلاق الذميمة النفسانية، والأوصاف الشهوانية الحيوانية وبإثبات إلا الله تحصل صحة القلب وسلامته عن الرذائل من الأخلاق، وانحراف مزاجه الأصلي، واستواء مزاجه وحياته بنور الله تعالى، فتتحلى الروح بشواهد الحق، وتجلي ذاته وصفاته، (وأشرقت الأرض بنور ربها) وزالت عنها ظلمات صفاتها، تجلى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار) الذي أهلك بتجلى جلاله كل الموجودات، وبرزوا لله الواحد القهار، فقد نبهتك على أمر عظيم إن كنت من أهل القلب السليم الفهيم فعلى قضية (فاذكروني أذكركم)، الذاكرية بالمذكورية، والمذكورية بالذاكرية فيفنى الذاكر في الذكر، ويبقى المذكور خليفة للذاكر، فإذا طلبت الذاكر وجدت المذكور، وإذا طلبت المذكور وجدت الذاكر،(1/69)
فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتني
ولا تكن ممن قيد الحق بالخلق فإنه إلحاد، وهذا مني لك إرشاد.
الرسائل الميرغنية في آداب الطريقة الختمية (ص123-124).
انظر لهذا التفسير البعيد كل البعد عن معنى لا إله إلا الله بل هو تفسير أهل وحدة الوجود.
5- قال الرباطابي التجاني في شرح معنى "لا إله إلا الله": "(الذي لا إله إلا هو) الذي نعت ثاني لله تعالى والجملة بعده صلته وإعراب هذه الكلمة لا إله إلا هو لا نافية للجنس تعمل عمل إن تنصب الاسم وترفع الخبر وإله اسمها والخبر محذوف تقديره موجود و(إلا) أداة استثناء و (هو) بدل من الضمير المستتر في الخبر المقدر وهذا هو المشهور الجاري على ألسنة المعربين وقد عقد الشيخ السنوسي -رضي الله عنه- في شرحه على عقيدته أم البراهين فصلاً ذكر فيه ما قيل من وجوه إعراب لا إله إلا الله. (الخلاصة الوافية الظريفة في شرح الأوراد اللازمة والوظيفة للطريقة التيجانية الشريفة (ص80-81).
أقول: هذا التفسير مع أنه لم يعرج على معنى لا إله إلا الله فإن تقريره لخبر "لا" المحذوف بأنه موجود" باطل، فإن البشر قد اتخذوا مع الله آلهة وأنداداً يعبدونهم من دون الله فتقدير موجود تقدير باطل وإنما المقدر "حق أو بحق" إلا الله فأصل الكلام لا معبود بحق أو حق إلا الله وهذا التقدير هو الصحيح المتعين.
انظر لهذا التفسير البعيد كل البعد عن معنى لا إله إلا الله بل هو تفسير أهل وحدة الوجود.
معنى الإله في لغة العرب
قال أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة(6/421-424):" قال الليث بلغنا أن اسم الله الأكبر هو الله لا إله إلا هو وحده...والتأله التعبد.(1/70)
وقال أبو الهيثم:" فالله أصله إلاه قال الله عز وجل { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق } ، قال ولا يكون إلهاً حتى يكون معبوداً وحتى يكون لعابده خالقاً ورازقاً ومدبراً وعليه مقتدراً، فمن لم يكن كذلك فليس بإله وإن عبد ظلما بل هو مخلوق ومتعبد...، وكانت العرب في جاهليتها يدعون معبوداتهم من الأصنام والأوثان آلهة قال الله عز وجل { ويذرك وآلهتك } ، وهي أصنام عبدها قوم فرعون معه".
فالإله عند العرب هو المعبود فإن كان معبوداً بحق فهو الله ولا تصح العبادة إلا لله وحده؛ لأنه لا يستحق العبادة إلا هو؛ لأنه الخالق الرازق المدبر المقتدر كما قال أبو الهيثم.
والتأله التعبد كما قال الليث، وليس اعتقاد أنه الخالق الرازق وإن كانت الخالقية والرازقية من صفاته، لكن تفسير "الإله" بالخالق الرازق المدبر باطل يوقع في الضلال وينسي الناس المعنى الحقيقي لكلمة التوحيد لا إله إلا الله.
وقال الزنجاني في تهذيب الصحاح (3/897) في مادة أله:" أله بالفتح إلاهة أي عبد عبادة، وقولنا الله أصل هذا الاسم "إله" على فعال بمعنى مفعول لأنه مألوه أي معبود فلما أدخل عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفاً لكثرته في الكلام"، والتأله التعبد".
وإذن فالله مألوه بمعنى معبود يتجه إليه المخلوق بالعبادة فالعبادة من فعل المخلوق يعبد بها خالقه من خضوع وخشوع وتذلل وصلاة وصيام ودعاء وإخلاص ورجاء وحب وخوف وتوكل وذبح ونذر ونحو ذلك مما يعبد به الإنسان إلهه على الوجه الذي شرعه الله، فهذه العبادات كلها من أفعال المخلوقين يتقربون بها إلى معبودهم الحق وهو الله وليست أفعال الله، تعالى وتقدس وتنزه.
فتفسير الإله بأنه الخالق الرازق المدبر تفسير باطل صادر عن جهل بالعبادة والمعبود المألوه.
ومن هنا جاء البلاء والوقوع في الشرك في العبادة من دعاء وذبح ونذر وخوف ورجاء وخضوع.(1/71)
وقال أبو الحسين بن فارس في معجم مقاييس اللغة (1/127):" أله الهمزة واللام والهاء أصل واحد وهو التعبد فالإله "الله" تعالى وسمي بذلك لأنه معبود ويقال تأله الرجل إذا تعبد قال رؤبة:
لله در الغانيات المدَّه ... ... سبحن واسترجعن من تألهي.
فقد ظهر لك جلياً معنى الإله وأنه المعبود المتقرب إليه بالعبادة التي أسلفنا أنواعاً منها التي يقوم بها عابدوه وليس معنى الإله الخالق الرازق المدبر المحي المميت، فهذه تدل على أفعاله هو سبحانه اللائقة بجلاله وكماله وربوبيته لهذا الكون.
وظهر لك جليا بطلان تفسير "لا إله إلا الله" بأنه لا حكم ولا سيطرة ولا هيمنة إلا لله فإن هذه من صفات الخالق لا من صفات المخلوقين وأفعالهم التي يتقربون بها إلى معبودهم بحق وهو الله الموصوف بصفات الكمال، ومنها استحقاقه للعبادة وحده.
قال شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله-:" التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا الله: لا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يوالي إلا له، ولا يعادي إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله. وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات. قال تعالى (163:2) وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وقال تعالى (51:16) (وقال الله لا تتخذوا إلهين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون)".
ثم ساق آيات في هذا الصدد ثم قال: (وليس المراد بالتوحيد: مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم، كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف.
ويظن هؤلاء أنهم إذا اثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد. وأنه إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا في غاية التوحيد فإن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونّزهه عن كل ما ينزَّه عنه. وأقّر بأنه وحده خالق كل شيء. لم يكن موحداً حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده. فيقرّ بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة.(1/72)
ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له. و"الإله" هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة.
وليس هو الإله بمعنى القادر على الاختراع. فإذا فسّر المفسر"الإله " بمعنى القادر على الاختراع واعتقد أن هذا المعنى هو أخص وصف الإله (1) وجعل إثبات هذا هو الغاية في التوحيد- كما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية، وهو الذي يقولونه عن أبي الحسن وأتباعه لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله –صلى الله عليه وسلّم- فإن مشركي العرب كانوا مقرّين بأن الله وحده خالق كل شيء وكانوا مع هذا مشركين قال تعالى:(106:12)(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) قالت طائفة من السلف:
"تسألهم: من خلق السموات والأرض ؟ فيقولون: الله وهم مع هذا يعبدون غيره
قال تعالى (84:23)(قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ؟(85)سيقولون لله. قل أفلا تتذكرون (86) قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ؟ (87) سيقولون لله. قل أفلا تتقون ؟ (88) قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون ؟(89) سيقولون لله. قل فأنّى تسحرون ؟) فليس كل من أقرّ بأن الله تعالى رب كل شيء وخالقه يكون عابداً له دون ما سواه داعياً له دون ما سواه راجياً له خائفاً منه دون ما سواه يوالي فيه ويعادي فيه ويطيع رسله ويأمر بما أمر به وينهى عما نهى عنه وعامّة المشركين أقرّوا بأن الله خالق كل شيء وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به وجعلوا له أنداداً قال تعالى (43:39) أم اتخذوا من دون الله شفعاء ؟ قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون 44 قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض).
__________
(1) من هذا الباب قول من يقول اليوم: إن الحاكمية أخص خصائص الألوهية، ويعني بالحاكمية المعنى السياسي الضيق وهذا أخطر من تفسير المتكلمين والصوفية وأكثر تضييعاً لمعنى " لا إله إلا الله".(1/73)
ثم ساق آيات في هذا الصدد ثم قال: ولهذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها، ويصوم وينسك لها ويتقرب إليها... ثم يقول: إن هذا ليس بشرك إنما الشرك إذا اعتقدت أنها المدبرة لي. فإذا جعلتها سبباً وواسطة لم أكن مشركاً. ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك (1) .
ومن هذا العرض يتجلى لك المعنى الحقيقي لكلمة لا إله إلا الله ويتجلى لك جهل المتكلمين والخرافيين بمعنى هذه الكلمة العظيمة التي بعث بها جميع الرسل وأنزل من أجلها الكتب وشرع من أجلها الجهاد وخلق من أجلها الجنة والنار.
نفي فتنة التكفير القائمة في هذا العصر عن منبعها وإلصاقها
بالإمام محمد–رحمه الله-
ولا أدري ما سر نفي المالكي التكفير عن سيد قطب وذبه عنه واتهام من ينتقده، وإلصاق التكفير بالإمام محمد هل لأنه يوافقه في عقيدته ومنهجه ولاسيما طعنه في الصحابة، أو لأسباب أخرى منها حقده على الإمام محمد ودعوته وأنصاره.
إنَّ كل منصف يعلم تمام العلم أن فتنة التكفير والتفجير والدمار إنما هي نتيجة لمنهج وفكر سيد قطب ومدرسته وكتبه وكتب من سار على نهجه وعلى رأس هذه الكتب كتاب (في ظلال القرآن) وكتاب (معالم في الطريق)، وكتابات محمد قطب وأبي بصير وأبي قتادة وأمثالهم الذين ألهبوا عواطف الشباب في العالم وزجوا بهم في هوة التكفير والتفجير وقد يتمسح بعضهم بالقرآن والسنة وكتب أئمة الدعوة لترويج منهجهم الأصيل الذي تربوا عليه من كتاب "الظلال" و"المعالم" وما يتبعهما، يعرف هذا كل منصف.
وحتى كُتّاب الإخوان المسلمين يردون هذه الفتنة إلى كتب سيد قطب ومحمد قطب وإلى كتابات المودودي، ومن هؤلاء القرضاوي وأبو الحسن الندوي.
__________
(1) فتح المجيد (1/15-17) وأصله في درء التعارض (1/224-228).(1/74)
فضلاً عن غيرهم من علماء الأمة المنصفين الذين يعلمون علم اليقين منشأ التكفير الخارجي السياسي والتفجير والتدمير الهمجي، ويعلمون براءة دعوة الإمام محمد- رحمه الله - من هذه الضلالات لأن دعوته قامت على العلم المستمد من الكتاب والسنة وقامت على هدى السلف الصالح من الصحابة الكرام والأئمة العظام أعلام الهدى ومصابيح الدجى.
وكتب الإمام محمد وكتب تلاميذه وأحفاده ناطقة بذلك زاخرة بالعقائد الصحيحة والمناهج السديدة والأصول المحكمة.
وقائمة في توضيح قضايا التوحيد والشرك والإيمان والكفر والتكفير بتفاصيلها على الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح.
بخلاف ما عليه التكفيريون الجاهلون الذين يلصقهم هذا الظالم (المالكي) بدعوة الإمام محمد فما أبعدهم عن دعوة الإمام محمد وأسلافه بل هم حرب عليها وعلى أهلها، وأشد خصومهم هم أتباع هذا الإمام ومنهجه الإسلامي الحق.
لأنهم ترسموا خطى سيد قطب ومنهجه الضال ومنه التكفير والتفجير والتدمير، الأمور التي زلزلت المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وهذا الظلوم يحاول جاهداً أن يبريء ساحة سيد قطب من هذه الدواهي لأمر ما ويحاول جاهداً أن يلصقها بالإمام محمد ودعوته وهيهات هيهات ودون ذلك خرط القتاد لما بين الدعوتين من ترامي الأبعاد.
هذا الرجل تدور حربه أو معظمها على الإمام محمد ودعوته حول محورين:
الأول: أنه يكفر المسلمين.
والثاني: أنه يستجيز قتالهم ويوهم الناس أن الإمام محمداً انفرد بهذين الأمرين، ويوهم الناس خلال هذه الدعاوى أن واقع الناس بخلاف ما يقول الإمام محمد فالشرك نادر وإنما هي البدع من جنس التبرك وتقبيل اليد، ويوهم أن دعوة هذا الإمام شاذة وليست على منهج الأنبياء.(1/75)
وسوف يرى القارىء بطلان هذه المجازفات التي اقتحمها هذا الظالم الجهول وسيرى أن الإمام محمداً وأتباعه سائرون في ركب الأنبياء وركب أعلام الهدى ومصابيح الدجى من أئمة الإسلام الذين أدركوا بما عندهم من علم واع بمنهج الأنبياء من دعوة الأمم إلى التوحيد ومحاربة الشرك ومظاهره ووسائله سواء منهم من عاصره أو سبقه أو تلاه.
وسوف أناقشه في أهم افتراءاته مبيناً واقع الإمام الحقيقي ومنهجه وهل هو الوحيد في دعوته أو هو أسد من أسد الله مع أسود وأشاوس من هذه الأمة، ومبيناً فساد منهج هذا المالكي وعقله وأخلاقه وتوليه لأهل الضلال ودفاعه عنهم بالباطل.
دحض نسبة المالكي التكفير إلى الإمام محمد وكتبه وبيان
من هم أهل التكفير الذين يخفي تكفيرهم
ادعى المالكي أن الإمام محمد بن عبد الوهاب يكفر المسلمين وقد شحن كتابه بهذه الدعاوى ويوهم الناس أن الإمام محمد بن عبد الوهاب هو الوحيد الذي يدعي بأن الشرك قد انتشر في المجتمعات الإسلامية ويدعي هذا المالكي بأن ذلك نادر في هذه المجتمعات.
وهذا بهت شديد، فالإمام محمد يحب المسلمين ويذود عن حياضهم ويحارب من يكفرهم ويوالي ويعادي من أجلهم ولا يكفر إلا من قامت عليه الحجة، وكتبه تشهد بذلك.
أما تكفير المسلمين بل سادة المسلمين وهم أصحاب محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ومن تبعهم بإحسان وبغضهم ومعاداتهم وتكفيرهم ظلماً وبغيا فإنما هو وصف الروافض الذين يتولاهم المالكي ويهون من شأن خبثهم وضلالهم.
وإنما هو وصف الخوارج الذين يصانعهم ويغض الطرف عن ضلالهم فهم يكفرون أصحاب محمد إلا القليل ويكفرون بالكبائر فلا يسلم أحد من تكفيرهم.
وإنما يكفر المسلمين المعتزلة والزيدية الذين سلكوا مسلكهم والذين ينتمي إليهم المالكي على أحسن أحواله.
فهم يخرجون المؤمنين من الإيمان إذا وقعوا في الكبائر ويحكمون عليهم بالخلود في النار وينكرون شفاعة الشافعين فيهم.(1/76)
هؤلاء هم المكفرون الحقيقيون المذمومون عند الله وعند الإمام محمد وأتباعه وعند أهل السنة والجماعة من فجر تاريخهم إلى اليوم.
وأما أنه انفرد بمحاربة الشرك وأن الشرك لم يقع إلا على ندرة في المجتمعات الإسلامية ولا يدعي فشوه إلا الشيخ محمد - رحمه الله - فهذا مكابرة من هذا الرجل فهناك أئمة من قرون سبقوا الإمام محمداً إلى إدراك فشو هذا الداء وانتشاره في بلدان المسلمين.
وأئمة عاصروه وأدركوا هذا الاتساع والانتشار وجهروا بذلك.
وأئمة لحقوا وأدركوا هذا التفشي والاتساع وحاربوه.
منهم:
1- العلامة أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي المالكي المتوفى سنة 520 هـ صاحب كتاب الحوادث والبدع.
حارب في كتابه المذكور البدع والضلالات ومن ضمنها البدع الشركية.
حيث قال معلقاً على حديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - الذي فيه قول بعض حديثي العهد بالكفر.
" اجعل لنا ذات أنواط فأنكر عليهم النبي –صلى الله عليه وسلّم- قولهم هذا وقال الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل، "اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال: إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم".
قال الطرطوشي عقبه:" فانظروا - رحمكم الله - أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها ويرجون البرء والشفاء من قبلها وينوطون بها المسامير والخرق فهي ذات أنواط فاقطعوها"
كتاب الحوادث والبدع" (ص104-105).
2- ومنهم العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامه الشافعي المتوفى سنة 665 هـ صاحب كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، وسيأتي كلامه.
3- ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - المتوفى سنة 728 هـ وكتبه مليئة ببيان التوحيد بأنواعه وبيان الشرك وأنواعه ومن مؤلفاته "الجواب الباهر"، و"التوسل والوسيلة"، و"الواسطة بين الحق والخلق"، و"الاستغاثة في الرد على البكري"، و"اقتضاء الصراط المستقيم".(1/77)
4- ومنهم الإمام ابن القيم المتوفى سنة 751 هـ وكتبه مشحونة ببيان التوحيد بأنواعه والشرك بأنواعه ومنها "إغاثة اللهفان".
5- ومنهم الإمام محمد بن عبد الهادي المقدسي المتوفي سنة (744هـ) وله كتاب "الصارم المنكي في الرد على السبكي".
6- ومنهم الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة (1182 هـ) في كتابه الشهير المسمى "بتطهير الاعتقاد".
7- ومنهم العلامة الشيخ حسين بن مهدي النعمي المتوفى سنة(1178 هـ) صاحب كتاب "معارج الألباب في مناهج الحق والصواب".
8- ومنهم الإمام محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة (1250 هـ) في كتابه "الدر النضيد" وغيره.
9- ومنهم المجاهد الكبير محمد إسماعيل الدهلوي المتوفى سنة(1246 هـ) صاحب كتاب "تقوية الإيمان" الذي ألفه لبيان التوحيد الخالص والشرك المهلك وسيأتي كلامه في موضعه.
10- ومنهم علامة العراق نعمان بن محمود الألوسي المتوفى سنة(1317هـ) صاحب "جلاء العينين في محاكمة الأحمدين".
وغير هؤلاء سيأتي ذكر أقوالهم ومواقفهم.
حجة خصوم الشيخ الإمام محمد -رحمه الله- ودحضها
قال المالكي (ص9-10):" لكن لأن الشيخ محمد كان خصومه يردون عليه بأن هؤلاء الذين تقاتلهم وتكفرهم أناس مسلمون وقد يوجد عند عوامهم أو علمائهم غلو في الصالحين لكن هذا لا يبرر لك تكفيرهم ولا قتالهم، لما كانت هذه حجة خصومه استحضر هذا المعنى وكرره كثيراً في كتبه.(1/78)
يجب أن يعرف القارئ الكريم أنني مع الشيخ رحمه الله في إنكار البدع والخرفات والأخطاء والممارسات التي يفعلها البعض كالغلو في الصالحين وتعظيم القبور والتمسح بها وما يصاحب ذلك من دعاء أو ذبح أو استشفاع أو توسل، ولكن إنكاري لهذه البدع والخرفات وربما الشركيات في بعضها لا يجعلني أحكم على مرتكبها بالشرك والخروج من ملة الإسلام سواء كان جاهلاً أو عالماً لأن الجاهل يمنعنا جهله من تكفيره، والعالم يمنعنا تأويله من تكفيره أيضاً. نعم قد يقال: فلان ضال، فلان مبتدع، فلان منحرف....
فهذه التهمة خطرها يسير إنما أن نقول: فلان كافر كفراً أكبر خارج عن ملة الإسلام! فهذه عظيمة من العظائم يترتب عليها أحكام ومظالم ؛ فلا يجوز أن نتهم أحداً بالكفر إلا بدليل ظاهر لنا فيه من الله برهان، خاصة وأن الشيخ يريد بإطلاق الكفر، الكفر الأكبر المخرج من الملة كما سيأتي فهذه نقطة من نقاط الافتراق الكبرى وهي نقطة عظيمة بلا شك، لكن لا يجوز لأحد أن يرتب على نقدي للتكفير تسويغاً لهؤلاء؛ الذين يعتقدون تلك الاعتقادات؛ أو يمارسون تلك الشناعات عند قبور الأنبياء والصالحين والصحابة وغيرهم".
ثم كرر في هذه الملحوظة شبهة القوم يصلون ويصومون ويحجون....الخ.
التعليق:
1- من المعلوم أن الإمام محمداً – رحمه الله –لم يقاتل حتى بدأوه بالقتال دفاعاً عن النفس والدين كدفع الصائل، وأحياناً يقاتل من تبين له شركه و قامت عليه الحجة فلا لوم على هذا الإمام المصلح وأنصاره الذين طهروا الجزيرة من الشرك الذي أعاده إليها الروافض وضلال الصوفية.
2- قوله: " كان خصومه يردون عليه بأن هؤلاء الذين تقاتلهم وتكفرهم أناس مسلمون وقد يوجد عند عوامهم أو علمائهم غلو في الصالحين".(1/79)
أقول: هذه حجة خصومه وهي داحضة لأن فيها مغالطة ومكابرة وذلك أن معظمهم لا يعتبرون دعاء غير الله والاستغاثة بغير الله من الشرك بل يجيزون ذلك وكذلك لا يعتبرون الذبح لغير الله والنذر لغير الله من الشرك ويحاربون من ينكر هذا الشرك، فمن ظلم المالكي أنه لا يدين هؤلاء المغالطين المكابرين المعاندين ويمرر مغالطتهم هذه بأسلوب ماكر ليهول ويضخم الدعاوى ضد الإمام محمد وليهون من ضلال خصومه.
3- قوله:" ولكن ذلك لا يبرر لك تكفيرهم ولا قتالهم" اعتراض جاهل بشريعة الإسلام وتطبيق أهلها.
بل ذهب في اعتراضه إلى ما هو أبعد من هذا إلى تكذيب هذا الإمام الحجة " قال خلال بعض مغالطاته (ص21):" ثم في كلام الشيخ تعميم عجيب عندما قال في (ص37): (الشرك هو فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها..) وذكر أنهم (يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون إنه يقربنا إلى الله زلفى! ويدفع عنّا ببركته..!، وأنا أشك في وجود مثل هذه الصورة التي نقلها الشيخ فهذا إن وجد نادر".
فانظر إلى هذا التكذيب والمكابرة في أمر معروف للخاص والعام وقائم إلى الآن في مختلف البلدان.
ثم إن قول هؤلاء الضالين إنما هو مبني على مغالطاتهم القائمة على تجويز الشرك المذكور آنفاً ولكن المالكي يمرر ذلك ويقف إلى جانبهم منتصراً لهم بالباطل على هذا الإمام ومع هذا الغرض المقيت منه يبدو أنه لا يجوز قتال من ارتكب الشرك أو الكفر إطلاقاً ما دام يحمل اسم الإسلام ولو قامت عليه الحجة.
وهذا هو الجهل والضلال الذي يرفضه الإسلام ويأباه المؤمنون الموحدون والعلماء الصادقون من هذه الأمة ومنهم الإمام محمد وأنصاره - رحمهم الله- وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً فقد نشروا التوحيد بأنواعه وبينوا للناس الشرك بأنواعه وأعادوا للإسلام جدته ونضارته رغم أنوف القبوريين والروافض وأعوانهم.
وقولك: لما كانت هذه حجة خصومه استحضر هذا المعنى كثيراً في كتبه ".(1/80)
أقول: لقد أنطق الله المالكي أن يدلي بهذه الشهادة على خصوم الإمام محمد بأن هذه هي حجتهم على الشيخ في خصوماتهم له وعداوتهم له ولدعوة الله عز وجل ودعوة أنبيائه، وهي حجة داحضة قائمة على المغالطة و المكابرة في أمر واقع لم يواجهه الإمام محمد وحده بل واجهه أعلام عصره وشهدوا به على أهل الضلال ودعاة الضلال.
فهذا الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني المجتهد الشهير المولود عام(1099هـ) والمتوفى (1182هـ).
قد أنكر الشرك الموجود في عهده في الأقطار الإسلامية وألف كتاباً في إنكار هذا الشرك سماه "تطهير الاعتقاد عن أدران الشرك والإلحاد"، يقرر فيه ما قرره الإمام محمد في كتبه من إنكار الشرك المنتشر في بلاد الإسلام ويقرر التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء. ودعا إليه الإمام محمد بن عبد الوهاب، بل سبقهما أئمة فحول من أعلام الأمة الإسلامية كابن تيمية وابن القيم ومن سبق ذكرهم.
يقول الإمام الصنعاني -رحمه الله- في خطبة كتابه هذا: "وبعد فهذا تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد وجب عليَّ تأليفه وتعين عليَّ ترصيفه لما رأيته وعلمته من اتخاذ العباد الأنداد في الأمصار والقرى وجميع البلاد من اليمن والشام ومصر ونجد وتهامة وجميع ديار الإسلام، وهو الاعتقاد في القبور وفي الأحياء ممن يدعي العلم بالمغيبات وللمكاشفات وهو من أهل الفجور لا يحضر للمسلمين مسجداً، ولا يرى لله راكعاً ولا ساجداً ولا يعرف السنة ولا الكتاب ولا يهاب البعث ولا الحساب فوجب عليّ أن أنكر ما أوجب الله إنكاره ولا أكون من الذين يكتمون ما أوجب الله إظهاره.
فاعلم أن هاهنا أصولاً هي قواعد الدين ومن أهم ما تجب معرفته على الموحدين" (1) .
__________
(1) تطهير الاعتقاد (ص4) تحقيق الشيخ إسماعيل الأنصاري.(1/81)
ثم قال في الصفحة (23-25) من نفس الكتاب:"قد عرفت من هذا كله: أن من اعتقد في شجر أو حجر أو قبر أو ملك أو جني أوحي أو ميت: أنه ينفع أو يضر أو أنه يقرب إلى الله أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع به والتوسل إلى الرب تعالى.
إلا ما ورد في حديث فيه مقال في حق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أو نحو ذلك فإنه قد أشرك مع الله غيره واعتقد مالا يحل اعتقاده كما اعتقد المشركون في الأوثان فضلاً عمن ينذر بماله وولده لميت أو حي أو يطلب من ذلك الميت مالا يطلب إلا من الله تعالى من الحاجات: من عافية مريضه أو قدوم غائبه أو نيله لأي مطلب من المطالب فإن هذا هو الشرك بعينه الذي كان ويكون عليه عباد الأصنام.
والنذر بالمال على الميت ونحوه والنحر على القبر والتوسل به وطلب الحاجات منه هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية وإنما كانوا يفعلونه لما يسمونه وثناً وصنماً وفعله القبوريون لما يسمونه ولياً وقبراً ومشهداً.
والأسماء لا أثر لها ولا تغير المعاني ضرورة لغوية وعقلية وشرعية فإن من شرب الخمر وسماها ماء: ما شرب إلا خمراً وعقابه عقاب شارب الخمر ولعله يزيد عقابه للتدليس وللكذب في التسمية.
ثم ذكر الصنعاني -رحمه الله- (ص25): أمثلة لتسمية الأمور بغير أسمائها، ومنها الحشيشة يسميها الفجار بلقمة الراحة، وتسمية الأموال التي تؤخذ ظلماً وعدواناً أدباً فيقول الظالمون أدب القتل، وأدب السرقة، وأدب التهمة بتحريف اسم الظلم إلى اسم الأدب..(1/82)
إلى أن قال(ص26-30): وكل ذلك اسمه عند الله ظلم وعدوان كما يعرفه من شم رائحة الكتاب والسنة، وكل ذلك مأخوذ من إبليس حيث سمى الشجرة المنهي عنها شجرة الخلد، وكذلك تسمية القبر مشهداً ومن يعتقدون فيه ولياً لا تخرجه عن اسم الصنم والوثن؛ إذ هم معاملون لها معاملة المشركين للأصنام ويطوفون بهم طواف الحجاج ببيت الله الحرام ويستلمونهم استلامهم لأركان البيت ويخاطبون الميت بالكلمات الكفرية من قولهم: على الله وعليك ويهتفون باسمائهم عند الشدائد ونحوها وكل قوم لهم رجل ينادونه.
فأهل العراق والهند يدعون عبد القادر الجيلي وأهل التهائم لهم في كل بلد ميت يهتفون باسمه يقولون: يا زيلعي يا ابن العجيل.
وأهل مكة وأهل الطائف: يا ابن العباس.
وأهل مصر: يا رفاعي، يا بدوي والسادة البكرية.
وأهل الجبال: يا أبا طير.
وأهل اليمن: يا ابن علوان.
وفي كل قرية أموات يهتفون بهم وينادونهم ويرجونهم لجلب الخير ودفع الضر وهذا هو بعينه فعل المشركين في الأصنام كما قلنا في الأبيات النجدية:
أعادوا بها معنى سواع ومثله ... يغوث وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ... كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم نحروا في سوحها من نحيرة ... أهلت لغير الله جهراً على عمد
وكم طائف حول القبور مقبلاً ... ويستلم الأركان منهن باليد (1)
فإن قال: إنما نحرت لله وذكرت اسم الله عليه
فقل: إن كان النحر لله فلأي شيء قربت ما تنحره من باب مشهد من تفضله وتعتقد فيه ؟ هل أردت بذلك تعظيمه ؟
__________
(1) ملحوظة هامة: وهي أن في استشهاده بأبياته هذه دليلاً واضحاً على أنه ألف تطهير الاعتقاد بعد مدحه للإمام محمد بن عبد الوهاب في قصيدته المشهورة التي من ضمنها هذه الأبيات وتدل أن ما يدعى عليه أنه رجع عن هذه القصيدة من الأكاذيب عليه.(1/83)
إن قال: نعم فقل له: هذا النحر لغير الله، بل أشركت مع الله تعالى غيره، وإن لم ترد تعظيمه، فهل أردت توسيخ باب المشهد وتنجيس الداخلين إليه ؟ أنت تعلم يقيناً: أنك ما أردت ذلك أصلاً، ولا أردت إلا الأول، ولا خرجت من بيتك إلا قصداً له. ثم كذلك دعاؤك لهم؛ فهذا الذي عليه هؤلاء شرك بلا ريب.
وقد يعتقدون في بعض فسقة الأحياء وينادونه في الشدة والرخاء، وهو عاكف على القبائح والفضائح لا يحضر حيث أمر الله عباده المؤمنين بالحضور هناك، ولا يحضر جمعة ولا جماعة... "الخ.
ثم قال:" فيا للعقول أين ذهبت ؟ ويا للشرائع كيف جهلت
" إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم "
فإن قلت: أفيصير هؤلاء الذين يعتقدون في القبور والأولياء والفسقة والخلعاء مشركين، كالذين يعتقدون في الأصنام ؟
قلت: نعم، قد حصل منهم ما حصل من أولئك، وساووهم في ذلك، بل زادوا في الاعتقاد والانقياد والاستعباد فلا فرق بينهم.
فإن قلت: هؤلاء القبوريون يقولون نحن لا نشرك بالله تعالى ولا نجعل له نداً والالتجاء إلى الأولياء والاعتقاد فيهم ليس شركاً.
قلت: نعم (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم)، لكن هذا جهل منهم بمعنى الشرك فإن تعظيمهم الأولياء، ونحرهم النحائر لهم شرك.والله تعالى يقول: (فصل لربك وانحر) (1) أي لا لغيره كما يفيده تقديم الظرف ويقول تعالى: (72: 18)
(وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً).
فقد عرفت بما قدمناه قريباً أنه -صلى الله عليه وسلم- قد سمى الرياء شركاً فكيف بما ذكرناه ؟
فهذا الذي يفعلونه لأوليائهم: هو عين ما فعله المشركون وصاروا به مشركين (2) ولا ينفعهم قولهم." نحن لا نشرك بالله شيئاً لأن فعلهم أكذب قولهم".
إلصاق المالكي التكفيريين القطبيين بالإمام محمد وأتباعه
__________
(1) سورة الكوثر آية (2).
(2) ذكر فيما بعد أنه يجب أولاً دعاؤهم إلى التوحيد وبيان ذلك لهم أنظر (ص32) من تطهير الاعتقاد.(1/84)
قال المالكي (ص21): " فهذه (الفوضى التكفيرية) هي نتيجة طبيعية وحتمية من نتائج منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي توسع في التكفير؛ حتى وجدت كل طائفة في كلامه ما يؤيد وجهة نظرها.
بل حركة الحرم وأصحاب التفجير في العليا ما هم إلا نتيجة لمنهج الشيخ في التكفير.
صحيح أن الشيخ له فضله واجتهاده وعذره وحسناته على هذا الوطن، وهذا من أرجى ما نرجو له، لكن الحقيقة أن تكفير المسلمين واضح في كتبه رحمه الله فلو رددنا هذا الخطأ واعترفنا به ما الذي يضيرنا؟! رجل من العلماء اجتهد فأخطأ فلماذا كل المحاربة لمن رد خطأ عالم من العلماء؟!".
وهذا ظلم شديد للإمام محمد وأتباعه.
فإلصاق التكفيريين القطبيين الخوارج بهم وبكتبهم يعدُّ تأليباً ظالماً على علماء السنة وما يدري ولعله يدري الفرق الكبير بين الدعوة السلفية دعوة الإمام محمد وأتباعه في أبواب التكفير.
فالإمام محمد ومن سار على نهجه كلهم متمسكون بالكتاب والسنة عقيدةً ومنهجاً: منهجاً في العقيدة ومنهجاً في العبادة ومنهجاً في السياسة وفي الاقتصاد والاجتماع ومنهجاً حقاً عدلاً وسطاً معتدلاً في كل الأمور، على طريقة السلف الصالح في كل هذه الأمور.
وسيد قطب والمودودي ومحمد قطب ومن سار على نهجهم من الإخوان المسلمين ليسوا من أهل العلم وعقائدهم فاسدة مستمدة من الجهمية والروافض ولا يسيرون في فقههم على طريق السلف الصالح ولا على طريقة المذاهب الإسلامية بل يأخذون من كل ما هب ودب، ولهذا ميعوا الفقه الإسلامي وتشددوا بحسب أهوائهم وتبعاً لهذه الفوضوية الفكرية والمنهجية التي سلكوها فتراهم لبلائهم تبنوا الاشتراكية.
وفي سياستهم تبنوا الديموقراطية.
وفي عقائدهم الخرافات والبدع بالإضافة إلى تجهمهم وتمشعرهم في أبواب العقائد بل وأخذهم بعقائد المعتزلة.(1/85)
وفي أبواب الإيمان والتكفير ساروا على مذاهب الخوارج ولا سيما في ما يتعلق بالحكام وفي مواجهة العلماء ساروا على طريقة أهل البدع من الخوارج والروافض والمعتزلة وقد سار على نهجهم في هذه الفوضى العقائدية والمنهجية والفكرية، هذا التافه حسن المالكي بل لعله تجاوزهم بجرأته ووقاحته التي يسميها شجاعة.
فإلصاق أتباع سيد قطب ومدرسته بالإمام محمد ودعوته ظلم متعمد مع هذه الفوارق الهائلة ومنها منطلقات التكفير.
فالإمام محمد وأنصاره همهم الأول إصلاح عقائد المجتمعات الإسلامية وربطهم بكتاب الله وسنة رسول الله في كل شأن ولا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله وسلف الأمة وفقهاء الإسلام لا يخرجون عن هذا المنهج الإسلامي الصحيح. وسيد قطب والمودودي ومن نحا نحوهم سائرون على طرق أهل الباطل وطرق أعداء الصحابة والسلف من الخوارج والروافض من التكفير بالجهل والهوى.
ثم من مكايد أتباع هذه المدرسة الضالة أنهم يتمسحون بالقرآن والسنة على طريقة أسلافهم من الخوارج والمبتدعة ثم يتعلقون بالعلماء ومذاهبهم فهذا يتعلق بالشافعي وهذا يتعلق بمالك وهذا يتعلق بأحمد وهذا بأبي حنيفة لأن بدعهم لا تمشي إلا بهذا الالتصاق والتمسح.
وهكذا فعل أتباع سيد قطب ومدرسته يلجؤون إلى التمسح بالكتاب والسنة وبدعوة الإمام محمد لأن دعوتهم لا يمكن أن تنطلي على الناس ولا سيما في بلاد التوحيد إلا بالتمسح بالإمام محمد وعلماء هذه الدعوة.
فيأتي هذا الظالم ويلصق مذهب الخوارج بهذا الإمام ودعوته وبأتباعه ولعله يعلم هذه الفوارق الهائلة ولكن الظالمين هكذا يفعلون.
تكذيبه للشيخ ومكابرته في واقع كالشمس في وضوحه
قوله في (ص13): (الملحوظة الرابعة ويقول الشيخ (ص9):(1/86)
(فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا -يقصد بأن الله هو الخالق الرازق- ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-، عرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو (توحيد العبادة)، الذي يسميه المشركون! في زماننا (الاعتقاد)!!"أهـ.
ثم قال:" أقول: سامح الله الشيخ محمد (كذا) ففي هذا النص تكفير صريح لعلماء المسلمين في زمانه !.
ثم إن المسلمين لا يعبدون إلا الله بخلاف هؤلاء المشركين؛ الذين يسجدون للأصنام؛ وإذا لم يكن هذا واضحاً؛ فلن نستطيع التفريق بين أمور أخرى أشد التباساً، ومن تلك الأمور الملتبسة اتهام بعض العلماء للشيخ محمد وأصحابه بأنهم خوارج؛ لأنهم عندهم ممن يكفرون المسلمين ويستبيحون دماءهم أنهم يخرجون من قبل المشرق، وأن سيماهم التحليق و...الخ".
التعليق:
1- هذا النص يتبين منه جهل وظلم هذا الرجل وأنه حاقد على هذه الدعوة وأهلها.
كلام هذا الإمام حق فالمشركون كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق وقول الشيخ هو الحق، إن هذا التوحيد الذي يقرون به لم يدخلهم في الإسلام، وصدق في قوله: "عرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة ".
كما قال تعالى { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون } .
فهذا جحد لتوحيد الألوهية واضح.
وصادق في أن عباد القبور يدعون غير الله ويذبحون لهم ويستغيثون بهم في الشدائد ولا يرون هذا منافياً للا إله إلا الله ولا يسمون من يعبدونهم بالآلهة وإنما يقولون: هؤلاء أولياء وهؤلاء سادة ويتقربون إليهم بعبادات مثل ما يتقرب عباد الأوثان لأوثانهم هذا أمر لا يكابر فيه إلا مكابر معاند.
وقولك: إن المسلمين الملتزمين بالتوحيد لا يعبدون إلا الله صحيح أن المسلمين حقاً لا يعبدون إلا الله.(1/87)
وأما الخرافيون الذين يدعون غير الله ويستغيثون بهم في الشدائد ويقدمون لهم الذبائح والنذور فهؤلاء يكذب من يقول إنهم لا يعبدون إلا الله كيف يكونون كما قلت، وقد شهد علماء الإسلام والتوحيد والسنة على هذه النوعيات أنهم قد وقعوا في الشركيات الغليظة مثل ما ذكرنا، فقولك تكذيب للشيخ أنهم لا يعبدون إلا الله بخلاف المشركين الذين يسجدون للأصنام....الخ جهل فاضح يدل على أنك لا تفرق بين التوحيد والشرك.
ومكابرة سوفسطائية يكذبها التاريخ والواقع.
وأما قولك:" هذا تكفير صريح لعلماء المسلمين " فقول باطل، فالشيخ لم يكفر علماء المسلمين وإنما كفر من يعبد غير الله ثم هو لم يكفر إلا من قامت عليه الحجة واستبانت له المحجة ثم أبى واستكبر وعاند وهذا أمر متواتر عنه وعن أتباعه من علماء هذه الدعوة وهم من أشد الناس محاربة للتكفير بالباطل والجهل.
وأما اتهام القبوريين للشيخ محمد وأتباعه بأنهم خوارج...الخ، فهذا من بهتهم وإفكهم ولا يفرح بهذا الظلم والإفك إلا الضالون الجهلاء فالشيخ محمد وأتباعه سالكون منهج الصحابة وعلماء الإسلام في المنحرفين عن دين الله كالخوارج والمرتدين والواقعين في الشرك الأكبر المنافي لكلمة التوحيد التي جاء بها الأنبياء
-عليهم الصلاة والسلام- فهذه الأصناف بعد إقامة الحجج يقاتلون ويحكم على كل صنف بحكم الله بحسب ضلاله وانحرافه.
شبه خصوم الإمام محمد حول شرعية قتاله لأهل الضلال
مع بيان القتال المشروع والقتال الممنوع
يدعي المالكي أن الإمام محمداً بن عبد الوهاب قاتل مسلمين موحدين أبرياء.
وأنَّ قتاله يشبه قتال الخوارج في قتلهم لأهل الإسلام وتركهم لأهل الأوثان، وأنه الوحيد في هذا القتل والقتال منهجاً وعملاً.
لقد علم القارئ الفطن منهج الإمام محمد الإسلامي الصحيح في التكفير، وأنه لم يخرج عن المنهج الإسلامي الحق منهج أهل السنة والجماعة.(1/88)
وأن أعلام الأمة الإسلامية يشاركونه في هذا المنهج سواء من سبقه في الأعصر السابقة قبله أو عاصره أو جاء بعده.
وعرف سقوط دعاوى المالكي وتلبيساته وإيهامه البسطاء أن الإمام محمداً قد شذّ عن علماء هذه الأمة في منهجه ودعوته.
والآن نريد أن نبين من سبق الإمام محمداً بقتال من يستحق القتال من المسلمين بل ومن قاتل المسلمين بغير حق لأغراض سياسية وغير سياسية ممن أسدل المالكي الستار على قتالهم سواء المحقين منهم أو المبطلين.
وسأذكر الأمور المشهورة دون تكلف في سرد الأحداث وملابساتها لأن شهرتها تغني عن تكلف ذلك.
أولها- قتال الصحابة الكرام لأهل الردة ومن بينهم بعض المسلمين الذين كانوا يصلون ويصومون ويزكون ولكنهم امتنعوا عن أداء الزكاة لخليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- الصديق- رضي الله عنه-.
فقال: " والله لو منعوني عقالا أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليها والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ".
وقد قرر علماء الإسلام أن أي قوم امتنعوا عن القيام بأي شعيرة من شعائر الإسلام فإنه يجب على المسلمين قتالهم حتى يقوموا بأداء هذه الشعيرة.
وثانيها- قتال الخليفة الراشد علي -رضي الله عنه- أهل الجمل وأهل صفين وهم مسلمون وفيهم من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- ومنهم من هو معدود من العشرة المبشرين بالجنة مثل طلحة والزبير -رضي الله عنهما- وهذا قتال فتنة بين أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلّم-.
وكلهم مجتهدون المصيب منهم والمخطيء وكلهم مأجورون ومن أهل الجنة- رضي الله عنهم- أجمعين ويجب على المسلمين احترامهم والسكوت عما جرى بينهم.
وثالثها- قتال علي والصحابة معه للخوارج وبأمر رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- وتحريضه على قتلهم ووصفهم بأنهم شر الخلق وبأن لمن قتلهم أجراً عند الله.(1/89)
رابعها- قتال العباسيين للأمويين وهو قتال للمسلمين وكم ذهب فيها من الألوف المؤلفة على يد أبي مسلم الرافضي الباطني.
خامسها- تفرق المسلمين إلى دويلات يقاتل بعضهم بعضاً في مشارق الأرض الإسلامية ومغاربها وكم ذهب في هذا القتال من ألوف مؤلفة.
سادسها- خروج القرامطة وهم نوع من غلاة الروافض وزنادقتهم على المسلمين فكم لهم من المذابح في المسلمين بما في ذلك حجاج بيت الله الحرام واقتلاع الحجر الأسود فلم يعيدوه إلا بعد سنين.
سابعها- قتال الزنادقة من الروافض للمسلمين وقتلهم الذريع في بلاد المغرب ومصر والشام.
ثامنها- قتال البويهيين وقتلهم للمسلمين وتسلطهم على خلفاء المسلمين ونشرهم للشرك والبدع الرافضية في بلاد الإسلام وتشييد القبور والغلو في أهل البيت إلى درجة التأليه.
تاسعها- قتال الصفويين الروافض للمسلمين وإجبارهم على اعتناق الرفض.
عاشرها- قتال أئمة الزيدية في اليمن الذي استمر قروناً من حدود سنة ثمانين ومائتين إلى آخر إمام منهم في حدود سنة (1340هـ) وكان قتالهم كله في هذه القرون إنما هو على الملك وقد يكون لنشر البدع والضلال.
الحادي عشر- قتال الروافض وعلى رأسهم الخميني للشعب العراقي الذي امتد سنوات ذهب ضحيته ألوف أو ملايين لا من أجل الإسلام بل من أجل أهداف رافضية وطموحات ظالمة لا علاقة لها بالإسلام.
وقد عايشها – المالكي – الذي لعله ممن يؤيد هذه الحرب ولا ينكرها.
كل هذه الفتن العريضة ما عدا قتال الصحابة يسدل عليها الستار هذا- المالكي- الحاقد ويصور الإمام محمداً كأنه هو الوحيد الذي قاتل المسلمين.(1/90)
والحق أن الإمام محمداً ما قاتل إلا من يستحق القتال من عباد القبور وأعداء التوحيد ممن ضرب الشرك فيهم أطنابه فدعاهم الإمام محمد إلى إخلاص الدين لله ونبذ هذا الشرك وأقام عليهم الحجج والبراهين بدعوته الواضحة ومؤلفاته العظيمة النافعة التي وضحت قضايا التوحيد والشرك بطريقة جلية يعرفها العالم والمتعلم والجاهل.
ولكن هؤلاء القبوريين عاندوا وكابروا وشمروا عن ساعد الجد لقتال أئمة التوحيد ودعاته وعلى رأسهم الإمام محمد -رحمه الله- والإمام محمد بن سعود وأنصاره.
فما وسع هذا الإمام وأنصاره إلا أن يقاتل هذه الأصناف المستكبرة المعاندة والمصممين على عبادة القبور والأشجار والأحجار وعلى سائر الشركيات والضلالات.
فلسان حال الشيخ محمد ومن معه:
إذا لم تكن إلا الأسنة مركب ... ... فما حيلة المضطر إلا ركوبها
فلم يسع أهل الضلال والبدع الشركية إلا محاربة هذا الإمام ودعوته بالأكاذيب والافتراءات الشنيعة.
بمثل قولهم الوهابية يبغضون النبي ويبغضون الأولياء، وينكرون كراماتهم ويقاتلون المسلمين إلى آخر الدعاوى الأثيمة التي أشاعها أهل الضلال في العالم من مثل ابن سحيم والقباني والحداد ودحلان والنبهاني وأسلافهم وأتباعهم.
وقد تصدى أعلام التوحيد والسنة لنقد هذه الافتراءات فبينوا أكاذيب هؤلاء الأفاكين المحاربين لتوحيد المرسلين ورسالات النبيين.(1/91)
ومن تلك الردود ردود أعلام التوحيد من أبناء وأحفاد الإمام محمد وتلاميذه في عدد من الكتب والرسائل ومنها ما دون في الكتاب الجامع " الدرر السنية " وهو متوفر فمن شاء فليرجع إليه ليعرف حقيقة دعوة الإمام محمد وأنها قائمة على كتاب الله وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح،وهذه الأمور هي منطلقات هؤلاء الأئمة في بيان أحقية هذه الدعوة وبيان ضلال وأباطيل خصومها (1) .
ومن أعجب العجب أن المالكي يعرف كذب هؤلاء على الإمام محمد وأنصاره ثم يدافع عنهم بأكاذيبهم ويحارب الإمام محمد بن عبد الوهاب وأنصاره بهذه الأكاذيب ويزيد عليها من خيالاته الفاسدة ووساوسه الكاسدة ومن يهن الله فماله من مكرم.
هذا وقد بين علماء الإسلام القتال المشروع من الممنوع في الإسلام
ومن هؤلاء العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية حيث سئل عن قتال التتار الذين يدعون التمسك بالشهادتين وقد فعلوا الأفاعيل بالمسلمين من قتل ونهب للأموال ويدعي مع ذلك بعض الناس تحريم قتالهم.
فأجاب بقوله:
__________
(1) وبعد كل هذا يأتي حسن المالكي الذي نشأ في قلب بلاد التوحيد ودرس مناهج الدعوة السلفية يأتي ليرفع راية أعداء دعوة التوحيد والسنة ويرفع راية النبهاني ودحلان وابن جرجيس وأمثالهم من عتاة الضلال وخصوم التوحيد.
ثم لا يخجل من الدعاوى الكاذبة من أنه سلفي وأنه يريد الحق ويريد الدفاع عن هذه الدعوة ويمجد نفسه ويظن- المسكين -أنه من فرسان النقد والتصحيح والتوجيه فلم يعرف قدر نفسه ولا مقدار ضلاله وجهله.
ومن هنا يرفع نفسه إلى مقام المصلحين ويرى نفسه من أنداد الإمام محمد وأمثاله.(1/92)
" الحمد لله كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة- رضي الله عنهم- ما نعى الزكاة وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر - رضي الله عنهما- فاتفق الصحابة - رضي الله عنهم- على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنة وكذلك ثبت عن النبي من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة مع قوله تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها التي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء (1) .
__________
(1) هذا هو فقه علماء الأمة وهذه هي أحكامهم وهذا هو إجماعهم على قتال من يمتنع من الناس عن أداء شعيرة من شعائر الإسلام أو يرتكب محرماً معلوماً من الدين بالضرورة مستحلاً له كشرب الخمر أو الزنا والميسر فكيف بمن يرتكب نواقض لا إله إلا الله من الشركيات ويحارب من نهى عنها ويدعو إلى إخلاص العبادة لله رب العالمين.
(2) مجموع الفتاوى (28/502) لشيخ الإسلام ابن تيمية.(1/93)
وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السنن كركعتي الفجر، والأذان والإقامة عند من لا يقول بوجوبها ونحو ذلك من الشعائر، هل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا ؟
1- فأما الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها (1) ".
2-قال الإمام البخاري - رحمه الله- في كتاب استتابه المرتدين والمعاندين وقتالهم باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة "6924 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: لما توفى النبي - صلى الله عليه وسلم- واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر:" يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله).
قال أبو بكر:" والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة،فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها"، قال عمر:" فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".
قال الحافظ:قوله: (باب قتل من أبى قبول الفرائض) أي جواز قتل من امتنع من التزام الأحكام الواجبة والعمل بها.
قال المهلب: من امتنع من قبول الفرائض نظر فان أقر بوجوب الزكاة مثلا أخذت منه قهراً ولا يقتل، فإن أضاف إلى امتناعه نصب القتال قوتل إلى أن يرجع.(1/94)
قال مالك في الموطأ: الأمر عندنا فيمن منع فريضة من فرائض الله تعالى،فلم يستطع المسلمون أخذها منه كان حقاً عليهم جهاده، قال ابن بطال: مراده إذا أقر بوجوبها لا خلاف في ذلك. قوله: (وما نسبوا إلى الردة) أي أطلق عليهم اسم المرتدين، قال الكرماني: "ما" في قوله (وما نسبوا) نافية كذا قال، والذي يظهر لي أنها مصدرية أي ونسبتهم إلى الردة وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي أورده كما سأبينه، قال القاضي عياض وغيره: كان أهل الردة ثلاثة أصناف: صنف عادوا إلى عبادة الأوثان، وصنف تبعوا مسيلمة والأسود العنسي وكان كل منهما ادعى النبوة قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم- فصدق مسيلمة أهل اليمامة وجماعة غيرهم، وصدق الأسود أهل صنعاء وجماعة غيرهم، فقتل الأسود قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم- بقليل وبقي بعض من آمن به فقاتلهم عمال النبي - صلى الله عليه وسلم- في خلافة أبي بكر،وأما مسيلمة فجهز إليه أبو بكر الجيش وعليهم خالد بن الوليد فقتلوه. وصنف ثالث استمروا على الإسلام، لكنهم جحدوا الزكاة وتأولوا بأنها خاصة بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم- وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم كما وقع في حديث الباب.
وقال البخاري - رحمه الله- باب لا يعذب بعذاب الله ثم روى بإسناده إلى أبي هريرة أنه قال: بعثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- في بعث فقال: إن وجدتم فلاناً وفلانً فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- حين أردنا الخروج: "إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما " ثم روى بإسناده عن أيوب عن عكرمة " أن علياً رضي الله عنه حرق قوماً فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي –صلى الله عليه وسلّم- قال: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم كما قال النبي –صلى الله عليه وسلّم-: من بدل دينه فاقتلوه ".(1/95)
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذين الحديثين:" قوله عن أيوب صرح الحميدي عن سفيان بتحديث أيوب له به، قوله أن علياً حرق قوما في رواية الحميدي المذكورة أن علياً أحرق المرتدين يعني الزنادقة وفي رواية بن أبي عمر ومحمد بن عباد عند الإسماعيلي جميعاً عن سفيان قال رأيت عمرو بن دينار وأيوب وعمار الدهني اجتمعوا فتذاكروا الذين حرقهم علي فقال أيوب فذكر الحديث فقال عمار لم يحرقهم، ولكن حفر لهم حفائر وخرق بعضها إلى بعض ثم دخن عليهم فقال عمرو بن دينار قال الشاعر:
لترم بي المنايا حيث شاءت ... ... إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما أججوا حطبا ونارا هناك الموت نقداً غير دين
انتهى، وكأن عمرو بن دينار أراد بذلك الرد على عمار الدهني في إنكاره أصل التحريق، ثم وجدت في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص حدثنا لوين حدثنا سفيان بن عيينة، فذكره عن أيوب وحده، ثم أورده عن عمار وحده قال ابن عيينة فذكرته لعمرو بن دينار، فأنكره وقال فأين قوله:
"......................... ... ... أوقدت ناري ودعوت قنبرا "
فظهر بهذا صحة ما كنت ظننته، وسيأتي للمصنف في استتابة المرتدين في آخر الحدود من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: أتي علي بزنادقة فأحرقهم، ولأحمد من هذا الوجه أن علياً أتي بقوم من هؤلاء الزنادقة، ومعهم كتب فأمر بنار فأججت، ثم أحرقهم وكتبهم، وروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه قال كان ناس يعبدون الأصنام في السر ويأخذون العطاء فأتي بهم عليّ فوضعهم في السجن واستشار الناس، فقالوا اقتلهم فقال لا بل أصنع بهم كما صنع بأبينا إبراهيم، فحرقهم بالنار.(1/96)
قوله لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لا تعذبوا بعذاب الله هذا أصرح في النهي من الذي قبله، وزاد أحمد وأبو داود والنسائي من وجه آخر عن أيوب في آخره فبلغ ذلك علياً فقال ويح ابن عباس وسيأتي الكلام على قوله من بدل دينه فاقتلوه في استتابة المرتدين إن شاء الله تعالى" (1) .
وقال الحافظ أيضاً في كتاب "استتابة المرتدين والمعاندين وقتلهم": "قوله(أتي علي) هو ابن أبي طالب تقدم في باب "لا يعذب بعذاب الله" من كتاب الجهاد من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب بهذا السند أن علياً حرق قوماً، وذكرت هناك أن الحميدي رواه عن سفيان بلفظ "حرق المرتدين" ومن وجه آخر عند ابن أبي شيبة "كان أناس يعبدون الأصنام في السر" وعند الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن غفلة "أن علياً بلغه أن قوماً ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا فحفر حفيرة ثم أتي بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال: "صدق الله ورسوله ".
__________
(1) الفتح(6/151) كتاب الجهاد حديث رقم (3017).(1/97)
وزعم أبو المظفر الاسفرايني في "الملل والنحل" أن الذين أحرقهم علي طائفة من الروافض ادعوا فيه الإلهية وهم السبائية وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ يهودياً ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة، وهذا يمكن أن يكون أصله ما رويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي: إن هنا قوماً على باب المسجد يدّعون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم: "ويلكم ما تقولون؟ قالوا:أنت ربنا وخالقنا ورازقنا، فقال: ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني فاتقوا الله وارجعوا، فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر، فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال: أدخلهم، فقالوا كذلك، فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة، فأبوا إلا ذلك، فقال يا قنبر: ائتني بفعلة معهم مرورهم، فخد لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر، وقال: "احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود" وقال: "إني طارحكم فيها أو ترجعوا"، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال:
إني إذا رأيت أمراً منكراً ... ... أوقدت ناري ودعوت قنبراً
وهذا سند حسن. وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة "أن علياً أتي بناس من الزط يعبدون وثناً فأحرقهم" فسنده منقطع فإن ثبت حمل على قصة أخرى" (1) .
وقال أيضاً في نفس الكتاب – باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة-:
__________
(1) الفتح (12/270) حديث رقم (6923).(1/98)
قوله: (وكفر من كفر من العرب) في حديث أنس عند ابن خزيمة لما توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ارتد عامة العرب. قوله: (يا أبا بكر كيف تقاتل الناس) في حديث أنس: "أتريد أن تقاتل العرب". قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) كذا ساقه الأكثر، وفي رواية طارق عند مسلم: "من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه حرم دمه وماله"، وأخرجه الطبراني من حديثه كرواية الجمهور، وفي حديث ابن عمر "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" ونحوه في حديث أبي العنبس وفي حديث أنس عند أبي داود: "حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا ويأكلوا ذبيحتنا ويصلوا صلاتنا " وفي رواية العلاء ابن عبد الرحمن: "حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويؤمنوا بي وبما جئت به " قال الخطابي: زعم الروافض أن حديث الباب متناقض لأن في أوله أنهم كفروا وفي آخره أنهم ثبتوا على الإسلام إلا أنهم منعوا الزكاة، فان كانوا مسلمين فكيف استحل قتالهم وسبي ذراريهم وإن كانوا كفاراً فكيف احتج على عمر بالتفرقة بين الصلاة والزكاة فإن في جوابه إشارة إلى أنهم كانوا مقرين بالصلاة قال والجواب عن ذلك أن الذين نسبوا إلى الردة كانوا صنفين: صنف رجعوا إلى عبادة الأوثان، وصنف منعوا الزكاة وتأولوا قوله تعالى: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } فزعموا أن دفع الزكاة خاص به - صلى الله عليه وسلم- لأن غيره لا يطهرهم ولا يصلي عليهم فكيف تكون صلاته سكنا لهم، وإنما أراد عمر بقوله: " تقاتل الناس " الصنف الثاني لأنه لا يتردد في جواز قتل الصنف الأول كما أنه لا يتردد في قتال غيرهم من عباد الأوثان والنيران واليهود والنصارى، قال: وكأنه لم يستحضر من الحديث إلا القدر الذي ذكره وقد حفظ غيره في الصلاة والزكاة معاً،وقد رواه عبد الرحمن(1/99)
بن يعقوب بلفظ يعم جميع الشريعة حيث قال فيها: "ويؤمنوا بي وبما جئت به " فان مقتضى ذلك أن من جحد شيئا مما جاء به - صلى الله عليه وسلم- ودعي إليه فامتنع ونصب القتال أنه يجب قتاله وقتله إذا أصر، قال: وإنما عرضت الشبهة لما دخله من الاختصار، وكأن راويه لم يقصد سياق الحديث على وجهه وإنما أراد سياق مناظرة أبي بكر وعمر واعتمد على معرفة السامعين بأصل الحديث انتهى ملخصا.
قلت: وفي هذا الجواب نظر، لأنه لو كان عند عمر في الحديث: " حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " ما استشكل قتالهم للتسوية في كون غاية القتال ترك كل من التلفظ بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. قال عياض: حديث ابن عمر نص في قتال من لم يصل و لم يزك كمن لم يقر بالشهادتين، واحتجاج عمر على أبي بكر وجواب أبي بكر دل على أنهما لم يسمعا في الحديث الصلاة والزكاة، إذ لو سمعه عمر لم يحتج على أبي بكر ولو سمعه أبو بكر لرد به على عمر ولم يحتج إلى الاحتجاج بعموم قوله: " إلا بحقه".
قلت:إن كان الضمير في قوله: "بحقه" للإسلام فمهما ثبت أنه من حق الإسلام تناوله ولذلك اتفق الصحابة على قتال من جحد الزكاة.
قوله: (لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة) يجوز تشديد فرق وتخفيفه والمراد بالفرق من أقر بالصلاة وأنكر الزكاة جاحداً أو مانعاً مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول القصة الكفر ليشمل الصنفين، فهو في حق من جحد حقيقة وفي حق الآخرين مجاز تغليباً وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع، فلما أصروا قاتلهم.
قال المازري: ظاهر السياق أن عمر كان موافقا على قتال من جحد الصلاة فألزمه الصديق بمثله في الزكاة لورودهما في الكتاب والسنة مورداً واحداً.(1/100)
قوله: (فإن الزكاة حق المال) يشير إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها أن حق النفس الصلاة وحق المال الزكاة، فمن صلى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله فإن لم يصل قوتل على ترك الصلاة ومن لم يزك أخذت الزكاة من ماله قهراً، وإن نصب الحرب لذلك قوتل، وهذا يوضح أنه لو كان سمع في الحديث "ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" لما احتاج إلى هذا الاستنباط لكنه يحتمل أن يكون سمعه واستظهر بهذا الدليل النظري" (1) .
3-قال العلامة الصنعاني:"فإن قلت: فإن كانوا مشركين وجب جهادهم والسلوك فيهم مسلك رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- في المشركين.
قلت: إلى هذا ذهب طائفة من أئمة العلم فقالوا يجب أولا دعاؤهم إلى التوحيد وإبانة أن ما يعتقدونه لا ينفع ولا يضر ولا يغني عنهم من الله شيئاً... وأن هذا الاعتقاد منهم فيهم شرك لا يتم الإيمان بما جاءت به الرسل إلا بتركه والتوبة منه وإفراد التوحيد اعتقاداً وعملاً لله وحده، وهذا واجب على العلماء أي بيان ذلك الاعتقاد الذي تفرعت منه النذور والنحائر والطواف بالقبور شرك محرم، وأنه عين ما كان يفعله المشركون لأصنامهم، فإذا أبان العلماء ذلك للأئمة والملوك وجب على الأئمة والملوك بعث الدعاة إلى الناس يدعونهم إلى إخلاص التوحيد لله فمن رجع وأقر حقن عليه دمه وماله وذراريه، ومن أصر فقد أباح الله منه ما أباح لرسوله –صلى الله عليه وسلّم- من المشركين" تطهير الاعتقاد (ص31 – 32).
__________
(1) فتح الباري(12/275-278)، وانظر في المصادر التالية في إثبات تحريق علي –رضي الله عنه- للخوارج: التنبيه والرد على أهل البدع والأهواء للإمام أبي الحسين محمد بن أحمد الملطي(ص18) الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي (ص232)، التبصر في الدين للإسفراييني(ص108)، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي(ص57) بواسطة كتاب: (عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام) لسليمان بن حمد العودة (ص217).(1/101)
4-وقال العلامة صديق حسن في كتابه قطف الثمر (ص106):
"وأما إثبات التصرف في العالم للأولياء، وسقوط التكليف عنهم، وإثبات ما يختص بالله، فإسقاط لحق الربوبية والألوهية، ودعوى مجردة عن الدليل، بل من العقائد الفاسدة الضعيفة، والأباطيل الشركية السخيفة (1) .والاستدلال بأمثال قوله تعالى: (لهم ما يشاءون) (الزمر: 34)، حجة فاسدة فإن ذلك وعد لهم، والله لا يخلف الميعاد، وهذا لهم في الآخرة، كما صرحت به الآيات والأحاديث. ودعوى العموم، بعيدة محالة، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والله المستعان. وكفى بالله شهيداً على الضمائر، وحكماً بين العادل والجائر، وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون، ما أكثر هذا اليوم في الأحزاب المتحزبة، والجموع المجتمعة من فرق الشيعة، والمتصوفة، وطوائف المبتدعة، يسيرون قواعد لم تتأسس على علم، ولا هدى، ولا كتاب منير، ثم يبنون عليها قناطير علمهم وما لم يشهد له دليل من الافتراء. والشبهة التي نشأت عن الهوى والإلف والتقليد، ساقطة في البين فتبقى الدعوى مجردة، وحجج الله سبحانه أكبر وأكثر وفي قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (آل عمران: 31) أوضح دليل على المدعى لأن الخير مقصور على اتباعه فيا حسرة الجهلة البطلة الزاعمين بأن اتباعهم لمن قلدوه ينجيهم من دون اقتصاص واقتصار على الآثار النبوية (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه).(آل عمران: 85).
والإسلام ما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين –صلى الله عليه وسلّم- (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) آل عمران: 101. فمن لم يخص الله بالاعتصام وهو أغنى الشركاء عن الشرك، لم يعتصم عن الضلالة، ومن أخلص لله سلم من الضلالة، ومثله قوله تعالى (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون).(الأعراف: 3).
__________
(1) هذا كلام حق موافق لما دل عليه القرآن والسنة وما عليه علماء الأمة.(1/102)
ولقد أربى ضلال المتصوفة، واتبعهم الرعاع والجهلة، واستحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله، فلا تسمع إلا يا سيدي أحمد البدوي، ويا سيدي الزيلعي، ويا عيدروس، ويا جيلاني، ولا تسمع من يذكر الله، ويلجأ إليه في البحر والبر إلا قليلاً، ولفقوا كذبات لا أصل لها فقد عمت جهالاتهم اليوم عامة أهل وقتنا وخاصتهم (1) ، إلا ما شاء الله فيضيفون إليهم من القدرة والعلم بالمغيبات، والتصرف في الكائنات، ما يختص بالله سبحانه، حتى قالوا فلان يتصرف في العالم، وكل عبارة أخبث من أختها.اللهم إنا نبرأ إليك من صنيع هؤلاء، ونسألك أن تكتبنا من الناهين لضلالاتهم، والمنادين لهم، ونستغفرك في التقصير وقد علمت عجزنا عن السيف والقنا (2) ، أن نفضي به إليهم، وعن اللسان أن ننصحهم، أو ننادي به عليهم، إلا في الصحف والكتابة، والحمد لله على كل حال ". انتهى.
تهويله على الإمام محمد بالمغالطات وتقويله ما لم يقل
قال حسن المالكي بعد دعاوى عظيمة واتهامات ظالمة للشيخ وأنصاره (ص9) "الملحوظة الأولى يقول في الاستهلال(ص5): " اعلم رحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده فأولهم نوح -عليه السلام- أرسله الله إلى قوم لما غلوا في الصالحين ودّاً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً.
__________
(1) في موقف هذا الإمام ما يؤيد موقف الإمام محمد من هذه الشركيات وتأكيد منه أن هذا البلاء الماحق منتشر في بلاد الإسلام وشمل الخاص والعام إلا من سلم الله.
(2) فيه أنه يرى قتال هؤلاء الذين بدلوا دين الله – واستعاضوا من توحيد الله بهذا الشرك والإلحاد ولا أدري هل يشترط قيام الحجة أو لا ؟! وأما أئمة الدعوة فقد علمت أنهم يشترطون قيام الحجة.(1/103)
ثم قال: أقول هذا الكلام أوله صحيح، لكن آخره فيه نظر فإن الله أرسل نوحاً إلى قومه ليدعوهم إلى عبادة الله وترك الشرك فقد كانوا يعبدون الأصنام وليس فعلهم مجرد (غلو في الصالحين) فهذه اللفظة واسعة وتحتمل غالباً الخطأ والبدعة عند إطلاقها وقد يصل الغلو إلى الكفر وهو النادر،فتقبيل اليد قد يعتبر من الغلو والتبرك بالصالحين قد يعتبر من الغلو... لكن هذا ونحوه يعد من الأخطاء أو البدع وليست شركاً وإن تجوزنا في إطلاق الشرك على هذه الأفعال فهو شرك أصغر وليس من الشرك الأكبر المخرج من الملة ".
التعليق:
1- اقتطع المالكي هذه الفقرة ثم قام يهول عليها بالباطل والمغالطات، والكتاب (1) ألفه هذا الإمام لدحض شبهات ينسجها أهل الضلال حول التوحيد والشرك الأكبر لا ليدفع شبهات تقبيل اليد ومجرد التبرك بالصالحين الذي يخلو من الشرك.
2- لو لم يقل الشيخ إلا هذا المقطع فقط لما جاز لعاقل أن يعترض على كلامه.
فقوله: "اعلم- رحمك الله- أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده".
فالعاقل الموحد لا يفهم من هذا الكلام إلا أن الرسل- عليهم الصلاة والسلام- بعثهم الله بالتوحيد وإخلاص العبادة لله وذلك يقتضي هدم الشرك الأكبر المضاد للتوحيد في الدرجة الأولى وكلام الشيخ يقتضي هذا عند من له أدنى مسكة من عقل ودين وإنصاف.
3- فما هو الجديد في قولك فإن الله أرسل نوحاً إلى قومه ليدعوهم لعبادة الله وترك الشرك وقد أفاده كلام الإمام في هذا المقطع وحده بغض النظر عن السياق والسباق واللحاق وبقطع النظر عن الكتاب من أوله إلى آخره وما تضمنه من أدلة وبراهين.
4- قولك عن قوم نوح: " وليس فعلهم مجرد (غلو في الصالحين) فهذه اللفظة واسعة وتحتمل – غالباً – الخطأ والبدعة عند إطلاقها وقد يصل الغلو إلى الكفر وهو النادر"؛ هذا قول باطل من وجوه:
1- أن موضوع الكتاب وأدلته تضيّق هذه السعة المدعاة.
__________
(1) أي كشف الشبهات.(1/104)
2-إن الكتاب والسنة يدلان على خلاف دعواك.
قال تعالى: { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق }
وقال تعالى: { قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً } .
وقد بين الله تعالى المراد بالغلو الذي نهى عنه فقال:
(إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد).
فقد وضح الله هنا المراد بالغلو وأنه غلو الكفر والشرك، لا التبرك ولا تقبيل اليدين.
قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير هذه الآية: " ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء وهذا كثير في النصارى فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق منزلته التي أعطاه الله إياها فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلهاً من دون الله يعبدونه كما يعبدونه بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه ممن زعموا أنهم على دينه فادّعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه سواء كان حقاً أو باطلاً.
ولهذا قال تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) الآية.
ثم من يفهم من الموحدين العقلاء والفقهاء أن المراد بالغلو في هذين النصين من كلام الله تعالى إنما هو تقبيل اليد والتبرك بالصالحين ونحوه.
ومن قال من العلماء إن الغلو يحتمل – غالباً - الخطأ والبدعة ؟
وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-: " إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ".
فمن فسر هذا الحديث بأن المراد به النهي عن تقبيل اليد والتبرك بالصالحين على النحو الذي يريده المالكي ؟
فما أرجف به المالكي على الإمام محمد - رحمه الله- فهو من الأباطيل وتفسير الغلو على الوجه الذي ذكره تفسير باطل.(1/105)
وقال المالكي (ص9): " والشيخ محمد - رحمه الله- قال الكلام السابق ليدلل أن دعوته هي امتداد لدعوة الرسل الذين بعثوا أو كأنهم لم يبعثوا إلا إلى قوم يغلون في الصالحين فقط! أو أكبر أخطائهم الغلو في الصالحين! وهذا غير صحيح فقد كانوا يشركون بالله ويعبدون الأصنام وفي هذا كفاية "
أقول: نعم قال الإمام محمد هذا الكلام ليدلل أن دعوته هي دعوة الرسل وهي الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك وما تضمنه كتابه من أوله إلى آخره يؤكد هذا القول والاعتقاد.
واعتراضك عليه باطل وخيالات فاسدة تدل أنك من أبعد الناس عن العلم والفهم والعدل وإلا لما اعترضت على هذا الإمام العالم الذي صدع بالحق وانطلق من منهج الأنبياء في الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك والضلال.
ولهذا قال- رحمه الله- عقب المقطع الذي اختطفته ولا حجة لك فيه: " وآخر الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين أرسله الله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيراً ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله ويقولون نريد منهم التقرب إلى الله ونريد شفاعتهم عنده مثل الملائكة، وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين.
فبعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - يجدد لهم دين إبراهيم- عليه السلام- ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل.
ثم ساق الإمام محمد الأدلة على أن المشركين في عهد رسول الله كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية ثم قال:
فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا وأنه لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله–صلى الله عليه وسلّم-.
وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد، كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً.
ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا لهم أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات أو نبياً مثل عيسى.(1/106)
وعرفت أن رسول الله قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم لإخلاص العبادة لله وحده كما قال تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) (الجن 18).
وكما قال تعالى: (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء). (الرعد 14).
وتحققت أن الرسول –صلى الله عليه وسلّم- قاتلهم ليكون الدعاء كله لله والنذر كله لله والذبح كله لله والاستغاثة كلها لله وجميع العبادات كلها لله ".
هذا الكلام فيه بيان شاف للغلو الذي هو الشرك الأكبر الذي بعث الله جميع الأنبياء لتطهير الأرض من رجسه وليس هو الغلو الذي ادعاه المالكي من مثل تقبيل اليد والتبرك بالصالحين على الوجه البدعي أو الخطأ.
1- فانظر إلى قوله -رحمه الله- " فبعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليجدد لهم دين إبراهيم- عليه السلام-... الخ ".
ودين إبراهيم الذي دعا إليه وناظر فيه الكافرين فغلبهم بالحجة والبرهان هو التوحيد وضده الشرك الأكبر الذي كان عليه قومه عباد الكواكب والشمس والقمر، والأصنام التي اضطر إلى تحطيمها- عليه الصلاة والسلام-.
2- وانظر إلى قوله- رحمه الله- " وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً ثم منهم من يدعو الملائكة... ومنهم من يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات أو نبيا مثل عيسى).
3- وانظر إلى قوله- رحمه الله-: "وعرفت أن رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى أخلاص العبادة لله وحده.... الخ ".
4- وانظر إلى قوله - رحمه الله-: " وتحققت أن رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- قاتلهم ليكون الدعاء كله لله والنذر كله لله والذبح كله لله والاستغاثة كلها لله وجميع العبادات كلها لله ... . الخ ".(1/107)
وهذا كله يوضح لك أن للمالكي قصداً سيئاً في حذفه لهذه السياقات والبيانات التي تدل أن الإمام محمداً- رحمه الله- كان يدعو إلى دعوة الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- التي قال الله عنها: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).
وهي معنى لا إله إلا الله التي تبطل الشرك بكل ألوانه وصوره وتثبت أن العبادات كلها حق لله وحده لا شريك له، ومنها ما ذكره الإمام في هذه السياقات من الدعاء والذبح والنذر والاستغاثة وسائر العبادات القلبية وعبادات الجوارح واللسان.
ويوضح لك مقصوده بالغلو الذي ذكره ووضح معناه بالأدلة والبراهين التي ساقها والأمثلة التي ضربها.
ويبين مكر هذا المالكي في حذفه هذه البيانات الموضحة لمعنى الغلو الذي فسره المالكي بتفسيره الفاسد الظالم ليوهم الناس أن الشيخ محمداً بعيد عن دعوة الأنبياء وأن المالكي هو الداعي إلى دعوة الأنبياء.
انظر إلى قول هذا الظالم بَعد تفسيره للغلو: "وهذا غير صحيح فقد كانوا يشركون بالله ويعبدون الأصنام".
وأسأله هل الشيخ محمد- رحمه الله- أنكر أنهم كانوا يشركون بالله ويعبدون الأصنام وهل سياق كلامه يدل على ما فسرت به الغلو، أو أنك نسجته من خيالك وارتكبت الخيانة لذلك ؟!
أهذا من الإنصاف الذي تدعيه أو هو من الجور الذي ارتطمت فيه في أول خطواتك وسقطت في مهاويه ؟!
إن هذا العمل الشنيع لبرهان واضح على أن حاديك هو الأغراض والهوى وعلى بعدك السحيق عن الإنصاف والعدل والقول الفصل.
المالكي يغالط ويشكك في صدق الإمام محمد
في أمر يعرفه الخاص والعام
قال في (ص21) من كتابه هذا: " الملحوظة العشرون قوله (ص36):" فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام، فقل: وما معنى عبادة الأصنام ؟.
أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها فهذا يكذبه القرآن ".أ هـ.
قال المالكي معلقاً على هذا الكلام:(1/108)
" أقول: عبادة الأصنام هي السجود لها والصلاة لها وطلب الحوائج منها مع الكفر بالنبوات.. وأما المسلم فلا يصلي لولي ولا نبي، ويقر بأركان الإسلام وأركان الإيمان ويؤمن بالبعث والحساب والجنة والنار...الخ
ثم في كلام الشيخ تعميم عجيب عندما قال (ص37):
" الشرك هو فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها...؟
وذكر أنهم يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع عنّا ببركته". أهـ.
ثم قال المالكي: " وأنا أشك في وجود مثل هذه الصور التي نقلها الشيخ فهذا إن وجد نادر.
أما طلب البركة من تربة قبور الصالحين ونحوها فهو إلى اليوم وهو بدعة وليس كفراً فضلاً عن الشرك الأكبر المخرج من الملة لكل أهل تلك الجهة، بل كان الذهبي (1) وبعض العلماء يجوزه فهل هم كفار ؟ ولا زال بعض العوام يفعلون هذا في مناطق مختلفة ولكن هذا لا يعني كفر الناس في تلك الجهات على أقل تقدير، بل لا تخلو منطقة من وجود أفراد يعتقدون في السحرة والكهان اعتقادات باطلة أو كفرية، لكن هذا لا يعني تكفير الناس الذين لا يفعلون هذا، وهم الكثرة مع أن الشيخ محمد - رحمه الله- كان يكفر كل أهل المنطقة التي يوجد بها مثل هذه الممارسات، بحجة أن من لم ينكر فهو كالفاعل.
ويظهر من كلام الشيخ محمد أنه إن علم بحادثة في الحجاز أو عسير أو سدير عممها على أهل تلك الجهة كلها فيكفرهم ويقاتلهم.
__________
(1) هذا افتراء على الذهبي فإنه يحارب الشرك ولا يجيزه وهات برهانك أنه يجيز دعاء غير الله والذبح والنذر لغير الله والتوكل والرجاء في غير الله.
أتحشر الذهبي في أمثال دحلان والحداد وابن عفالق والنبهاني وأمثالهم من دعاة الشرك والضلال.(1/109)
وهذه حجة من يرى أن الحركة سياسية بالدرجة الأولى، لأنه لا يعقل عند هؤلاء أن يظن الشيخ أن يكون أهل الحجاز على إجازة الذبح عند القبور والاستشفاع بأصحابها.. فهذا لن يكون إلا في أفراد، أما التبرك بالصالحين أو تربة قبورهم فهذه قد تكون عند بعض العلماء المتأولين.
فلو كان الذهبي معاصراً للشيخ هل نرى وجوب قتله وتكفيره خاصة وأنه كان يرى التبرك بالصالحين وتربة قبورهم ؟! إذا قلتم نعم اطردتم وأصبحت خصومتكم مع غيرنا، وإن قلتم لا وافقتمونا بأن هذا الأمر لا يجوز فيه التكفير ولا القتال، نعم يمكن التخطئة والإنكار بلا تكفير ولا سيف ".
التعليق:
أقول: إن المالكي قد اعتمد طريقة البتر في كتابه هذا ظاناً أن هذه الطريقة ستنجح في تحقيق أهدافه في تشويه صورة الإمام محمد وتشويه دعوته وظاناً أنه سينجح في أخذ الثأر لأوليائه من الروافض والقبوريين ودعاة الضلال الذين حاربوا هذا الإمام ودعوته إلى الله بالأكاذيب والافتراءات.
إن العاقل المنصف الموحد يدرك مدى قوة الحجج التي أوردها الشيخ على الخصم المجادل التي تقوده إن كان منصفاً إلى الإذعان والتسليم حيث قال: -رحمه الله- في (ص29- 35):
"فإن قال أنا لا أشرك بالله شيئاً حاشا وكلا، ولكن الإلتجاء إلى الصالحين ليس بشرك.
فقل له: إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من الزنى، وتقر أن الله لا يغفره فما هذا الأمر الذي عظمه الله، وذكر أنه لا يغفره فإنه لا يدري فقل له: كيف تبريء نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه ؟
أم كيف يحرم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه؟! أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا ؟! فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فقل: وما معنى عبادة الأصنام ؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها ؟(1/110)
فهذا يكذبه القرآن كما في قوله تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض) وإن قال: هو من قصد خشبة أو حجراً أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع عنا ببركته ويعطينا ببركته فقل: صدقت وهذا هو فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام وهو المطلوب.
ويقال له أيضاً: قولك: "الشرك عبادة الأصنام " هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك ؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحداً من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب.
وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله فقل له وما الشرك بالله فسره لي ؟
فإن قال: هو عبادة الأصنام فقل: وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي ؟
فإن قال:أنا لا أعبد إلا الله وحده فقل: ما معنى عبادة الله وحده ؟، فسرها لي: فإن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب، وإن لم يعرفه فكيف يدعي شيئاً وهو لا يعرفه ؟ وإن فسر ذلك بغير معناه بينت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعبادة الأوثان وأنه الذي يفعلونه في هذا الزمان بعينه وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرونها علينا ويصيحون فيه (1) كما صاح إخوانهم حيث قالوا: "أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ".
فإن قال: إنهم لا يكفرون بدعاء الملائكة والأنبياء وإنما يكفرون لما قالوا: الملائكة بنات الله، فإنّا لم نقل: عبد القادر ابن الله ولا غيره.
__________
(1) ولعله فيها أو بها.(1/111)
فالجواب إن نسبة الولد إلى الله كفر مستقل، قال الله تعالى: { قل هو الله أحد الله الصمد } ، والأحد الذي لا نظير له والصمد المقصود في الحوائج فمن جحد هذا فقد كفر ولو لم يجحد السورة، وقال تعالى: { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله } .
ففرق بين النوعين وجعل كلا منهما كفراً مستقلا وقال تعالى: { وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم } .
ففرق بين كفرين.
والدليل على هذا أيضاً أن الذين كفروا بدعاء اللات مع كونه رجلاً صالحاً لم يجعلوه ابن الله والذين كفروا بعبادة الجن لم يجعلوهم كذلك، وكذلك أيضاً العلماء في جميع المذاهب الأربعة يذكرون في باب حكم المرتد أن المسلم إذا زعم أن لله ولداً فهو مرتد ويفرقون بين النوعين وهذا في غاية الوضوح وإن قال: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .
فقل: هذا هو الحق، ولكن لا يعبدون ونحن لم نذكر إلا عبادتهم مع الله وشركهم معه وإلا فالواجب عليك حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال.... الخ.
ودين الله وسط بين طرفين وهدى بين ضلالتين وحق بين باطلين".
أقول: إن هذا الفصل يحمل في ثناياه حججاً دامغة لأهل الضلال ومنهم هذا المالكي الذي يسف في جداله الباطل، ويسلك فيه مسالك عتاة أهل الضلال.
انظر أيها القارىء إلى تقرير هذا الإمام بإمعان وبصيرة كيف ينتقل بالخصم من حجة إلى حجة وإلى دحض شبهة بعد شبهة بحيث لا يسع الخرافي الذي بقيت له مسكة من عقل وإدراك وحب للحق إلا التسليم و الاستسلام لهذه الحجج الدامغة.
أما المعاند من أمثال المالكي ممن له نصيب من قول الله: (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم)الآية.
فهذه الأصناف لا تغني عنهم الآيات والنذر ولا الحجج والبراهين.(1/112)
وأقول للقارىء المنصف:لقد ظهر لك جهل وعناد هذا المالكي وأمثاله، لكني أعتقد أن في هذه الأصناف من يخجل من تصرفات المالكي وخياناته التي يرتكبها في تطاوله على الحق وخصومته لهذا الإمام ولعقيدة التوحيد وأهلها، فيسوق على الأقل ما عند خصمه من الحجج ألا ترى أمانة أبي سفيان وهو في أيام شركه وجهله، كيف عرض دعوة الرسول –صلى الله عليه وسلّم- أمام هرقل بصدق وأمانة لا دافع له إلى ذلك إلا الرجولة والأمانة والأنفة من أن يؤثر عنه الكذب ثم هدى الله هذا الرجل إلى الإسلام ولعل من أسباب هدايته هذه الأخلاق وهذا الموقف المنصف الأمين فصار هذا الرجل من خيار المسلمين وسادتهم رغم أنوف الروافض ورغم أنف هذا المالكي الخرافي الذي ينطوي على حقد الروافض وبغيهم وكيدهم للتوحيد وأهله.
لقد بلغ الجهل والعناد بهذا المالكي إلى أن تجاوز المسلمات عند عتاة الرفض والتصوف والخرافات بل المسلمات عند اليهود والنصارى.
من تلكم المسلمات حتى عند اليهود والنصارى أن السجود للأصنام والصلاة لها كفر غليظ كاف لإدانة فاعله بالكفر والشرك والضلال.
وليس الأمر كذلك عند هذا المالكي صاحب الألوان المتعددة والادعاءات الكاذبة.
ألا ترى: أنه لا يرى أنَّ السجود للأصنام والصلاة لها وطلب الحوائج منها كافٍ لتكفير هؤلاء المشركين حتى ينضم إليها الكفر بالنبوات.
فمن سبق هذا الرجل إلى مثل هذا القول والاعتقاد الفاسد.(1/113)
ثم ذهب يلبس ويتهرب من الواقع الذي يعيشه القبوريون من دعاء غير الله والاستغاثة بهم و اللجؤ في الشدائد والكروب إليهم والذبح والنذر لغير الله بل والطواف والسجود لغير الله لاسيما عند الروافض، يتهرب من هذا الواقع (1) الذي يشهد به العلماء العدول من شتى أقطار العالم الإسلامي ولم ينفرد هذا الإمام وأنصاره بهذه الشهادة فهناك علماء كبار سبقوا الإمام وأئمة عاصروه وأئمة جاءوا بعده يشاركونه في هذه الشهادة.
إن المالكي ليهرب من هذا الواقع الواضح المرير فيقول:-
" وأما المسلم فلا يصلي لولي ولا نبي ويقر بأركان الإسلام وأركان الإيمان ويؤمن بالبعث والحساب والجنة والنار " (2) .
وهذه شبهة الخرافيين المعاندين المغالطين المحاربين للتوحيد وأهله.
فنقول: إذا كان المسلم هذا كما وصفت ثم سب الله أو سب الرسول أو القرآن أو استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أيبقى عندك على الإسلام؟ (3)
__________
(1) كثيراً ما يذكر الإمام محمد -رحمه الله- في رسائله أن بعض خصومه المناوئين له يعترفون بأن دعوة الإمام محمد إلى التوحيد وإلى خلع الشرك حق وأن كثيراً من الناس واقعون في الشرك ومع ذلك يحاربونه ويفترون عليه كثيراً من الافتراءات التي هو براء منها.
(2) يذكر الشيخ أن في قبائل نجد والحجاز من ينكر البعث يذكر هذا في رسائله إلى خصومه المناوئين له وما عارضه أحد منهم حسب علمي وهو والله الإمام العدل الثقة انظر على سبيل المثال تاريخ نجد ترتيب روضة الأفكار (ص307).
(3) قال الشيخ عبد الله بن محمد بن سليمان داماد الحنفى -رحمه الله- في كتابه مجمع الأنهر (ص690-692): " كافر جاء إلى رجل وقال: اعرض علي الإسلام فقال: اذهب إلى فلان يكفر وقيل:لا يكفر...
" ثم قال: إن ألفاظ الكفر أنواع:
الأول فيما يتعلق بالله تعالى" إذا وصف الله تعالى بما لا يليق به أو سخر باسم من أسمائه أو بأمرٍ من أوامره أو أنكر صفة من صفات الله تعالى، أو أنكر وعده أو وعيده، أو جعل له شريكاً أو ولداً أو زوجة أو نسبه إلى الجهل أو العجز أو النقص، أو أطلق على المخلوق من الأسماء المختصة بالخالق نحو القدوس والقيوم والرحمن وغيرها، ويكفر بقوله لو أمرني الله تعالى بكذا لم أفعل، وقوله حين الغضب لا أخشى الله إذا قيل له ألا تخشى الله تعالى كفر إذا نفى الخوف وإن أراد شيئاً آخر لا يكفر.
ولو قال لمن لا يمرض هذا منسي الله أو قال هذا من نسيه الله تعالى، فهذا كفر عند بعضهم وهو الصحيح، وبقوله المعدوم ليس بمعلوم لله تعالى، وبقول الظالم أنا أفعل بغير تقدير الله تعالى إلى أن قال: ومن ادعى الغيب لنفسه يكفر حتى يؤمر بتجديد النكاح.. ويكفر بقوله أرواح المشايخ حاضرة تعلم...وبإتيان الكاهن وتصديقه، وبقوله: أنا أعلم المسروقات أو قال أنا أخبر عن أخبار الجن إياي، فإن قال هذا فهو ساحر كاهن، ومن صدقه فقد كفر وباعتقاده أن الملك يعلم الغيب.
قال: وفي فصول العمادي من لم يقر ببعض الأنبياء بشيء أو لم يرض بسنة من سنن المرسلين عليهم السلام فقد كفر. ويكفر بتعييبه ملكاً من الملائكة أو بالاستخفاف به وبقوله: إن عزرائيل -عليه الصلاة والسلام- غلط في قبض روح فلان. =
= رجل قال لآخر احلق رأسك وقلم أظفارك فإن هذه سنة فقال: لا أفعل وإن كان سنة فهذا كفر لأنه قال على سبيل الإنكار والرد، وكذا في سائر السنن خصوصاً في سنة هي معروفة وثبوتها بالتواتر كالسواك ونحوه... وبقذفه عائشة -رضي الله تعالى عنها- وذكر أشياء كثيرة من المكفرات.
وبعض هذه الأمور التي ذكرها تحتاج إلى نظر.
والشاهد أن فقهاء المذاهب يذكرون أموراً كثيرة يكفرون بها من يرتكبها وهي دون ما كفر به الإمام محمد وقاتل عليه بعد قيام الحجة، ولكن أهل الضلال والفتن والخرافات يشغبون على الإمام محمد وأنصاره بقضية التكفير، ولو حكموا الله ورسوله وأخذوا بأقوال مذاهبهم لما حصل منهم إلا تأييده وشكره على ما قام به من إعلاء راية التوحيد والسنة والقضاء على الشركيات والبدع والضلالات التي طمست معالم الإسلام وأوصلت كثيراً وكثيراً من المسلمين إلى انحطاط رهيب لم يحتمله حتى بعض أعداء الإسلام فضلاً عن علماء الإسلام.
ولا يزال هؤلاء الضالون ومنهم المالكي يعلنون الحرب على التوحيد وأهله ويتباكون على رؤوس الرفض القبوريين ورؤوس غلاة الصوفية من عباد القبور ودعاة الشرك والضلال كما سيأتي.(1/114)
وهل هذه الأمور تعتبر من المعلومات من الدين بالضرورة والوقوع في شيء منها كفر ذاتي ينافي التوحيد والإيمان من أساسهما أو لا ؟.
وهل دعاء غير الله والاستغاثة بغيره في الشدائد والرغبة إلى غير الله والخوف من غير الله ورجاء غير الله والتوكل على غير الله هل هذه الأمور الشركية تعتبر عندك من الشرك بالله أو من التوحيد؟.
وهل الواقع فيها أو في بعضها يبقى عندك مسلماً موحداً بعد إقامة الحجة عليه وهل من عاش مثلك في بلاد التوحيد ودرس مناهج ومقررات التوحيد ومارس شيئاً من تلك الشركيات، أو أنكر أنها من الشرك يبقى مسلماً موحداً بل حنبلياً سلفياً.
هذا الرجل غارق في الضلال وفي بغض التوحيد وأهله وحامل لواء الدفاع عن كل أصناف أهل الضلال بما فيهم غلاة الصوفية والروافض الذين يجعلون مع الله شركاء في توحيد الربوبية وفي توحيد الألوهية ويعطلون صفات الله الذاتية والفعلية.
تهم عظيمة تقشعر منها الجلود يوجهها المالكي إلى الإمام محمد
ومن ظلمه إلصاق تهم عظيمة من التكفير تقشعر منها الجلود ولا تصدر إلا من عدو لدود، قال بعد حديث عن التكفير أيضاً وما أكثر حديثه عنه:" فهذه الفوضى التكفيرية هي نتيجة طبيعية وحتمية من نتائج منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - الذي توسع في التكفير حتى وجدت كل طائفة في كلامه ما يؤيد وجهة نظرها.
بل حركة الحرم وأصحاب التفجير في العليا ما هم إلا نتيجة لمنهج الشيخ في التكفير".
أقول:
1- إن هذه الفوضى التكفيرية المنتشرة في الطوائف إنما هي قائمة على أسس ومناهج خارجية وسياسية مباينة ومخالفة لمنهج السلف الذي سار عليه الإمام محمد وأتباعه.
فدعوة الإمام محمد تسير وفق منهج الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وهديهم في الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك.(1/115)
والتكفير الفوضوي الجديد إنما هو قائم على مناهج سياسية انحدرت عن مذاهب الخوارج والروافض مع الخلط بسياسات وأفكار غربية ثورية لبست لباس الإسلام همها الصراع على الكراسي، فمن هنا يحاربون الحكام ويكفرونهم دون تمييز ودون شروط يشترطها الإسلام وعلماؤه، ويحاربون العلماء الذين يقاومون هذه الاتجاهات الغريبة على الإسلام، ومواقف هذه الاتجاهات من العلماء مواقف العداء ويوجهون لهم التهم السياسية التي ما كان يعرفها من قبلهم من الخوارج والروافض بل لا يعرفها إلا الشيوعيون والعلمانيون.
هذه التهم السياسية مثل العملاء والجواسيس والمخابرات ... الخ، ويعطون رتباً عسكرية لعلماء السنة لا أستحضرها لأني والله لا أعرفها وتغيب عن ذاكرتي ولكنها تصور العلماء في أقبح الصور.
هذه الأساليب تدل العاقل المنصف على البعد السحيق لهذه الحركات الثورية ومناهجها وأساليبها عن دعوة هذا الإمام المجدد العظيم؛ الذي كان لدعوته الصحيحة أعظم الآثار في حياة المسلمين من العدل والإنصاف والرحمة والنزاهة والعقائد النظيفة والمناهج الصحيحة.
بخلاف هذه المناهج المناهضة لهذه الدعوة وحملتها من القسوة والعنف والعقائد الفاسدة والمناهج الضالة التي شوهت الإسلام وأشقت المسلمين مع إفسادها لعقائد الناس وصدهم عن منهج الله الحق وموالاة أهل البدع الكبرى والمحاماة عنهم وعن بدعهم.
هؤلاء إنما يدعون إلى الحاكمية التي دعا إليها الخوارج ويحاربون الشرك السياسي الذي يخالف الحاكمية فقط، وذلك هو توحيدهم وذلك هو الشرك الذي يحاربونه.
ومن هنا لا نرى صراعهم إلا مع الحكام على الكراسي ولا نرى إلا حربهم للعلماء.
وتراهم يقدمون أصحاب العقائد الضالة من شركية وإلحادية ويجعلون من أهلها أئمة هدى ومجددين ولو دعوا إلى وحدة الوجود وإلى وحدة الأديان ولو أيدوا الشرك وآخوا الروافض والنصارى وتحالفوا مع اليهود والشيوعيين والعلمانيين.(1/116)
وتراهم يعادون علماء التوحيد والسنة السائرين على منهج الأنبياء وعلى منهج السلف الصالح من الصحابة وسادة العلماء مع مخالفتهم لحاكمية الله في أهم أصول الإسلام فلا يحكمون الله في قضايا التوحيد والشرك ولا يطالبون أهل البدع الكبرى من التجهم والخروج والاعتزال والتصوف الشركي والفلسفي بالإقلاع عن أباطيلهم والخروج من دوامة الضلال.
ومع هذا التباين الشديد بين الدعوة السلفية التي رفع رايتها الإمام محمد وأنصاره وبين هذه الحركات التائهة ترى المالكي يحرص بشدة على إلصاقها بالإمام محمد كما يلصق نفسه بها وهو من ألد أعدائها وتراه يصف قادة هذه الحركات بالتجديد فهو المسكين يعيش فوضى فكرية ومنهجية لا نظير لها ولا موازين لها إلا الفوضى والظلم والبغي والتطاول على الدعوة السلفية وحملتها وعلى رأسهم الصحابة وأهل الحديث وأئمة التوحيد.
فمن ظلمه الصارخ تأليبه السفهاء والكفار من الأعداء على الإمام محمد ودعوته وأتباعه بإلصاق تكفير الحركات السياسية بهذا الإمام وكتبه ودعوته وأتباعه.
تظاهره الكاذب بأنه من أهل الدعوة السلفية
وأنه غيور عليها يرد عنها كيد الأعداء
فمن ذلك قوله (ص4): "وقد تشوهت صورتنا - نحن طلبة العلم في المملكة- بأننا لا نعترف بأخطاء الشيخ وأننا نعده معصوماً ولا نقبل النقاش في تخطئته والرد على ما أخطأ فيه، وأنه أصبح عندنا كأحد الأنبياء وغير ذلك من الاتهامات التي - للأسف - يساعد على انتشارها بعض الغلو الموجود عندنا في الشيخ.
فمن هنا جاءت هذه المراجعة لكتاب مشهور من كتب الشيخ محمد واسمه (كشف الشبهات) إنطلاقاً من عدة أمور:
الأمر الأول: أن أي منجز بشري يحتاج من وقت لآخر للمراجعة والنقد ولا عيب في هذا لا شرعاً ولا عقلاً ".(1/117)
وساق أموراً أخرى إلى أن قال في(ص5) "..من حق كل طالب علم في المملكة أن يذب تهمة الغلو عن نفسه وعن أبناء بلده فكثير من الناس يعرضون عن الإخوة الدعاة القادمين من المملكة بحجة أنهم يكفرون المسلمين وأنهم يتمحورون حول الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا حول النبي –صلى الله عليه وسلّم-.
هذا معنى ما قرأته في بعض الكتب التي تنتقد غلونا في الشيخ وهذا أيضاً معنى ما سمعته من بعض الإخوة الذين خرجوا للدعوة خارج المملكة نقلاً عن تصورات بعض المسلمين.. إلى أن قال: "كل يؤخذ من قوله ويرد وكل يستدل لقوله لا بقوله وكل لم ينزل من السماء وكل مأمور بالرجوع إلى الأدلة الشرعية لا إلى أقوال الرجال.. هذه هي السلفية الحقيقية ".
التعليق:
1- فانظر إلى هذه الدعاوى التي يلبس فيها نفسه لباس السلفية وله دعاوى من هذا النمط المفضوح.
انظر إلى قوله: "قد تشوهت صورتنا نحن طلبة العلم بأننا لا نعترف بالأخطاء" وهو أشد المشوهين والمشاغبين فهو المشوه والمشاغب الأول في هذه الأيام بعد أن كادت أن تذهب أدراج الرياح تشويهات خصوم الشيخ له ولدعوته وبعد أن أصبحت صورة الإمام محمد وصورة دعوته جميلة رائعة مقبولة لدى الناس في العالم بسبب انفتاح البلاد السعودية للناس.
وبعد أن توفرت وسائل الاتصال والنقل وكثرت المطابع التي تطبع كتب الدعوة.
وبعد أن انفتحت جامعات المملكة التي تستقبل طلاب العلم من مشارق الأرض ومغاربها.
وبعد أن كثر انتشار الدعاة في كل القارات.
وبعد أن فتحت المعاهد والمدارس السلفية في شتى البلدان.
تغيرت نظرة الناس إلى هذه الدعوة المباركة تغيراً جذرياً.(1/118)
ولولا عقبات الحزبيات التي تقف أمام هذه الدعوة لأصبح - فيما نحسب- معظم العالم الإسلامي على منهج هذا الإمام، بل الأحزاب على علاتها تحترم هذا الإمام رغم إساءتها إلى نفسها وإلى الإسلام بسبب تعلقها ببعض الأفكار السياسية الخارجية والخرافات الصوفية التي كادت تتلاشى أمام هذه الدعوة العظيمة.
إلزامات باطلة
قال المالكي في (ص11) بعد تهاويل على الإمام محمد -رحمه الله- بفروق بين الكفار في عهد الرسول وبين القبوريين من أنهم يقولون لا إله إلا الله ويؤمنون بالبعث وأن الكفار كذبوا الرسول ولم يذكر الأمور المشتركة بين القبوريين وبين أولئك المشركين لأنه لا يرى ذلك من الشرك المبين.
قال: "وأقول للأخوة المختلفين معي في هذه المسألة: معظم علماء المسلمين في عهد الشيخ محمد وفي أيامنا هذه يقولون بجواز التبرك بالصالحين والتوسل بهم فهل نحن اليوم نكفر جميع هؤلاء ؟! أم نخطؤهم فقط ؟! بل ليت التخطئة بدليل وبرهان تسلم لنا.
إن قلتم نحن نكفرهم رد عليكم العلماء المعاصرون داخل المملكة وخارجها واتهموكم بالغلو في الدين وتكفير المسلمين!.
وإن قلتم: لا، نحن لا نكفرهم رددتم على الشيخ محمد بن عبد الوهاب تكفيره لهم لأنه كان يكفر علماء وعوام مثل علماء زماننا وعوامهم تماماً ولن يخرج مقلدو الشيخ من هذه الإلزامات وإن تكلفوا التفريق بين المسلمين (من العلماء والعوام) الذين كانوا في عهد الشيخ محمد وبين المسلمين (من العلماء والعوام) اليوم كان التفريق بين كفار قريش وبين هؤلاء العلماء والعوام أكثر وضوحاً وظهوراً!.
نعم. لأن كل ما أنكره الشيخ محمد - رحمه الله- على علماء عصره من التوسل بالصالحين أو التبرك بهم أو الاستشفاع بالنبي –صلى الله عليه وسلّم- أو زيارة القبور أو ترك الإنكار العلني على العوام والحكام...الخ.
لا زال إلى اليوم في علماء مصر والشام والحجاز واليمن والعراق والمغرب.....الخ فضلاً عن عوامهم.(1/119)
فأنتم إذا كفرتم هؤلاء لزمكم الرد على علمائنا الذين لا يكفرونهم فإذا بلغ علماءنا ردكم ولم يكفروهم لزمكم تكفير علمائنا ؛ لأن من قواعد الدعوة السلفية في كتابات كثير من علماء الدعوة أن (من شك في كفر الكافر فهو كافر)!.
التعليق:
1- انظر إلى قوله معظم علماء المسلمين في عهد الشيخ محمد وفي أيامنا هذه يقولون بجواز التبرك بالصالحين والتوسل بهم فيأتي بكلمة التبرك مجملة شأن أهل البدع.
فما مرادك بالتبرك؟.
إن أراد به الاستغاثة بغير الله والذبح والنذر لغير الله فهذا شرك بالله أكبر فإن كان هؤلاء يجيزون هذا التبرك فمن قامت عليه الحجة وعاند وكابر وأيد هذا الشرك الأكبر فهو مشرك.
وإن كان جاهلاً علِّم ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة.
وأما التوسل مثل اللهم إني أسألك بحق فلان، أو بجاه فلان، وما شاكل ذلك فهذا مع أنه من البدع فلم يكفر به أحد من علماء الدعوة لا الإمام محمد ولا غيره .
ولجؤك إلى هذا الأسلوب الماكر الذي يوهم الناس أن الشيخ محمداً يكفر علماء المسلمين بالتبرك والتوسل إنما هو من أساليب الفجور القائمة على الحقد وقصد التشويه.
2- إن هذه الإلزامات القائمة على هذا التمويه التي توهم فيها أن السلفيين قسمان: قسم يكفِّر بالتبرك مثل تقبيل اليد والتبرك بفضل طعام وشراب من يعتقد فضله ويكفِّر بالتوسل مثل ما شرحناه، وقسم لا يكفِّر بذلك.
نقول: ليس الأمر كما تلبس فهم - والحمد لله- على منهج واحد لا يكفرون بمثل هذه الأمور وإنما يعتبرونها من البدع.
ولا يكفرون من وقع في الكفر والشرك إلا بعد قيام الحجة كما هو معروف عن علماء هذه الدعوة المباركة الماضين منهم والمعاصرين.
أما من يسير على مذاهب الخوارج في تكفير العلماء وتكفير الحكام فهؤلاء ليسوا من أهل هذه الدعوة بل هم قوم آخرون سائرون على مناهج تعادي منهج الإمام محمد والمنهج السلفي وتعادي أهله.(1/120)
ومن هذا المنطلق العدواني هم يكفرون علماء هذه البلاد وحكامها ويوالون خصوم الدعوة من الروافض وغلاة الصوفية القبورية ويحامون عنهم فلا تخلط ولا تجمع بين المتضادات ولا تخلِّط.
فظهر من هذا براءة الإمام محمد وأنصاره من التكفير بالتبرك والتوسل اللذين افتراهما المالكي وشرحناهما وظهرت براءتهم من التناقض الذي يريد هذا المالكي أن يوهم أنه قد أدخلهم في المضايق والواقع أنه أعجز الناس عن ذلك.
كناطح صخرة يوماً ليوهنها ... ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
3- إذا كان ما أنكر الإمام محمد من الاستغاثة والاستعانة والذبح والنذر باقية إلى اليوم، فقد حكم بأن هذا من الشرك أعلام الأمة قبل الإمام وبعده مع اشتراطهم قيام الحجة قبل التكفير فمن قامت عليه الحجة وعاند وتمادى في الشرك أو تأييده، فهو كافر.
تكذيب آخر ومغالطة
قال المالكي " (ص21) الملحوظة العشرون قوله في (ص36): " فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام، فقل: وما معنى عبادة الأصنام ؟.
أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها فهذا يكذبه القرآن ". أهـ.
قال المالكي معلقاً على هذا الكلام: " أقول: عبادة الأصنام هي السجود لها والصلاة لها وطلب الحوائج منها مع الكفر بالنبوات وأما المسلم فلا يصلي لولي ولا نبي، ويقر بأركان الإسلام وأركان الإيمان ويؤمن بالبعث والحساب والجنة والنار...الخ
ثم في كلام الشيخ تعميم عجيب عندما قال (ص37):" الشرك هو فعلكم عند الأحجار والبنايات التي عند القبور وغيرها...
وذكر أنهم يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع عنّا ببركته".أهـ.
ثم قال المالكي: " وأنا أشك في وجود مثل هذه الصورة التي نقلها الشيخ فهذا إن وجد نادر.(1/121)
أما طلب البركة من تربة قبور الصالحين ونحوها فهو إلى اليوم وهو بدعة وليس كفراً فضلاً عن الشرك الأكبر المخرج من الملة لكل أهل تلك الجهة، بل كان الذهبي وبعض العلماء يجوزه فهل هم كفار ؟.
ولا زال بعض العوام يفعلون هذا في مناطق مختلفة ولكن هذا لا يعني كفر الناس في تلك الجهات على أقل تقدير.
بل لا تخلو منطقة من وجود أفراد يعتقدون في السحرة والكهان اعتقادات باطلة كفرية لكن هذا لا يعني تكفير الناس الذين لا يفعلون هذا وهم الكثرة مع أن الشيخ محمد - رحمه الله - كان يكفر كل أهل المنطقة التي يوجد بها مثل هذه الممارسات بحجة أن من لم ينكر فهو كالفاعل ويظهر من كلام الشيخ محمد أنه علم بحادثة في الحجاز أو عسير أو سدير وعممها على أهل تلك الجهات كلها فيكفرهم ويقاتلهم".
التعليق:
1- في هذا المقطع تكذيب لهذا الإمام من جهة وبهت له بما هو بريء وبعيد منه من جهة أخرى.
2- في هذا المقطع ما يدل على جهل هذا الرجل ومجازفاته.
فهو يحصر عبادة الأصنام في السجود لها وطلب الحوائج منها والظاهر أنه ينكر أن يكون دعاؤها والاستغاثة بها والخوف منها والرجاء فيها والطواف بها والذبح والنذر لها.....الخ من العبادات الشركية الكبرى، وانظر كيف يجعل الكفر بالنبوات من عبادة الأصنام.
3- انظر إلى قوله أما المسلم فلا يصلي لولي ولا نبي ويقر بأركان الإسلام وأركان الإيمان ويؤمن بالبعث والحساب والجنة والنار ".
وهو لا يريد بهذا المسلم الموحد المحارب للشرك وإنما يريد عباد القبور من الروافض وغلاة الصوفية وأتباعهم الذين بين حالهم الإمام محمد وأئمة الإسلام والتوحيد قبله وبعده.
فالرجل لإفراطه في الضلال وإغراقه في الخرافات يحامي عن هذه النوعيات التي انتشرت وشاعت أفعالها واشتهرت في كل البلدان من قديم الزمان وإلى الآن.(1/122)
فاذهب إلى بلدان الروافض واقرأ عقائدهم، واذهب إلى كل بلدان المسلمين في الشرق والغرب لترى من المشاهد والقباب ما يندى له الجبين حتى إنه ليوجد مشاهد للحيوانات، وترى التعلق بالأشجار، وترى الموالد لأمثال البدوي وغيره حيث يجتمع الملايين في كل عام أكثر ممن يجتمع في عرفات.
واقرأ كتب الصوفية من مختلف طوائفها تيجانية ومرغنية وبرهانية وأحمدية وشاذلية ورفاعية ونقشبندية وسهروردية إلى آخر ما كتبوه في العقائد الخرافية والشركية والإلحادية ومع هذا الضلال العريض لا يكفر السلفيون إلا من قامت عليه الحجة مع اعتقادنا أن كثيراً من هذه الأصناف ولا سيما علمائها وأذكياءها قد بلغتهم الدعوة السلفية الصحيحة بحججها وبراهينها ومع ذلك ظلوا سادرين في ضلالهم وشركياتهم ولكن السلفيين لا يكفرون بالعين إلا من تأكدوا أنه قد قامت عليه الحجة وعلى رأسهم الإمام محمد وتلاميذه.
تقويل المالكي الإمام محمد بن عبد الوهاب
ما لم يقله في أمر الشفاعة
قال المالكي في (ص 19): "(الملحوظة الثامنة عشر (كذا) قوله (ص33):
"ولا يشفع -النبي (–صلى الله عليه وسلّم-) - في أحد إلا من بعد أن يأذنه الله فيه كما قال عز وجل (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)!!... ولا يأذن الله إلا لأهل التوحيد)!!... اهـ.
قال المالكي معلقاً: " على هذا يمكن أن يقال ما قاله بعض المتحاورين مع الشيخ من أنه بنى على هذا الكلام فلن يدخل الجنة في زمن الشيخ إلا أهل العيينة وأهل الدرعية (1) !، ففي كلام الشيخ السابق تكفير ضمني لكل من يرى التوسل بالصالحين أو طلب الشفاعة منهم، وهم جمهور من علماء المسلمين وعامتهم في ذلك الوقت وفي زماننا أيضاً.
وهنا أتذكر صدق كلمة قالها أحد معارضي الشيخ محمد بن عبد الوهاب
__________
(1) (ا،2) أخذ المالكي هذا الكلام من القباني العدو اللدود لدعوة التوحيد.(1/123)
- رحمهما الله- عندما قال ما معناه: النبي(–صلى الله عليه وسلّم-) أخبر أنه سيأتي مفاخراً بقومه يوم القيامة وعلى كلام هذا - يقصد الشيخ محمد- سيأتي نبينا(–صلى الله عليه وسلّم-)وليس معه إلا نفر من أهل العيينة) (1) !! اهـ.
ونحن رددنا على هذه الكلمة يومها ونحن نضحك لم ننتبه للوازم كلام الشيخ هنا عندما حرم الشفاعة على غير أتباعه الذين سماهم "الموحدين" بحجة أن غير هؤلاء ليسوا مسلمين (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)! فالمسلمون في العالم الإسلامي - سوى أتباع الشيخ بنجد وملحقاتها- يكونون عند الشيخ قد ابتغوا غير دين الإسلام !.
وهذا أمر في غاية التكفير والخطورة لأن العالم الإسلامي فيه هذه البدع والخرافات من زمن طويل، وفيه العلماء المتأولون والعوام الجهلة ولكن لا يجوز لنا أن نقول بكفرهم، فالذين أدركهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله - هم المسلمون أنفسهم الذين تباكينا عليهم من هجمات الصليبيين في الشام وغزو المغول في المشرق، واضطهاد الفرنجة في الأندلس.
أما على كلام الشيخ - رحمه الله - فلا داعي للبكاء لأن هؤلاء مشركون متبعون غير دين الإسلام فلماذا البكاء "؟!
التعليق:
إن الشيخ - رحمه الله - في هذا الكتاب " كشف الشبهات" يقرر التوحيد بالحجج والبراهين ويدفع شبهات المبطلين المنافحين عن الشرك والضلال بالباطل والهوى من أول الكتاب إلى هذا الموضع يريد الخير للمسلمين الذين وقعوا في هذا الضلال تأسياً بالأنبياء والمصلحين.
فقال خلال دحضه لشبهات أهل الباطل: " فإن قال: أتنكر شفاعة رسول –صلى الله عليه وسلّم- وتبرأ منها.
فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها.
بل هو الشافع المشفع وأرجو شفاعته لكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى:
{ قل لله الشفاعة جميعاً } ، ولا تكون الشفاعة إلا من بعد إذن الله كما قال(1/124)
عز وجل: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بأذنه } ، ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه، كما قال عز وجل: { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } فإذا كانت الشفاعة كلها لله و لا تكون إلا بعد إذنه، ولا يشفع النبي ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه ولا يأذن إلا لأهل التوحيد.
تبين لك أن الشفاعة كلها لله وأطلبها منه وقل اللهم لا تحرمني شفاعته اللهم شفعه فيّ.... وأمثال هذا " (1) .
إنَّ هذا الإمام - رحمه الله - قد قرر موضوع الشفاعة تقريراً علمياً في ضوء كتاب الله وحججه وفي ضوء السنة النبوية.
وعلى طريقة أهل السنة والجماعة وعلى خلاف مذهب الخوارج والمعتزلة الذين ينكرون شفاعة النبي –صلى الله عليه وسلّم- وغيره في المذنبين من أهل التوحيد.
فجاء المالكي الجريء يفتري على الشيخ أنه يكفر المسلمين ويورد عليه إلزامات فجار القبوريين الخرافيين بأنه يكفّر علماء العالم الإسلامي وعوامه وأنه لا يدخل الجنة إلا أهل العيينة والدرعية.
ثم يقول مرة أخرى فالمسلمون في العالم الإسلامي سوى أتباع الشيخ محمد بنجد وملحقاتها يكونون عند الشيخ قد ابتغوا غير دين الإسلام.
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا فليس في كلام الشيخ ما يدل على هذا لا صراحةً ولا تضمناً.
وعلى كل حال فالرجل حاقد وجريء على الافتراء على هذا الإمام يحمل كلامه ما لا يحتمل ويبتر كلام الشيخ كما فعل هنا لأنه لم يعجبه تقرير الشيخ على هذا الوجه الصحيح ولم يعجبه أن تكون الشفاعة كلها لله ولم يعجبه أن تكون الشفاعة لأهل التوحيد لأنه يزعم كما يزعم سادته الخرافيون أن الشيخ يحصر الموحدين في أهل العيينة والدرعية ولأنه يريد أن يدخل أهل الضلال من الروافض والصوفية .
__________
(1) انظر كشف الشبهات (ص 26- 28) للإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -.(1/125)
وهذا الافتراء المتوارث عند الخرافيين الأفاكين يرده تصريح هذا الإمام بما يدمغهم ويفضح افتراءهم.
ويدعي المالكي فجوراً وزوراً أن الإمام محمداً يثني على الكفار والمرتدين والمنافقين.
ومما قاله في (ص33): " كما مدح الشيخ – سامحه الله – المرتدين كمسيلمة وأصحابه للغرض نفسه فقال في الدرر السنية (2/44): (مسيلمة يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم!) فلو شهد أن محمداً رسول الله لما ادعى النبوة ".
التعليق:
1- أقول إن هذا المالكي أجهل الناس حتى بالبدهيات.
فجهال المسلمين يعرفون أن المنافقين يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون ويعملون ظاهراً بالإسلام وهم من أشد الناس كفراً عند الله وعند رسوله والمؤمنين وهم في الدرك الأسفل من النار.
وقال الله فيهم: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون).
فهؤلاء يشهدون أن محمداً رسول الله وهم كاذبون في هذه الشهادة لشهادة الله عليهم وكم أنزل من الآيات في بيان كفرهم وكذبهم.
فانظر إلى عقلية هذا الرجل كيف يكابر في البدهيات ويتهم الشيخ بأسوأ من تهم أهل الخرافات.
2- الرجل لا يخجل من الخيانات والبتر.
فالإمام محمد يرد هنا على رجل يجادله من أهل الضلال ويلزمه بإلزامات مثل إلزامات المالكي، حيث ذكر أنه قال كلمتين ذكر الإمام أولاهما.
ثم قال:" والكلمة الثانية قوله: إن المشرك لا يقول لا إله إلا الله فيا عجباً من رجل يدعي العلم، وجاء من الشام يحمل كتباً فلما تكلم إذ إنه لا يعرف الإسلام من الكفر ولا يعرف الفرق بين أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – وبين مسيلمة الكذاب.
أما علم أن مسيلمة يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلي ويصوم!!
أما علم أن غلاة الرافضة الذين حرقهم علي – رضي الله عنه – يقولونها؟!(1/126)
وكذلك الذين يقذفون عائشة ويكذبون القرآن وكذلك الذين يزعمون أن جبرائيل غلط وغير هؤلاء ممن أجمع أهل العلم على كفرهم منهم من ينتسب إلى الإسلام ومنهم من لا ينتسب إليه كاليهود وكلهم يقولون لا إله إلا الله.
وهذا بين عند من له أقل معرفة بالإسلام من أن يحتاج إلى بيان وإذا كان المشركون لا يقولونها فما معنى باب حكم المرتد ؟! الذي ذكره الفقهاء من كل مذهب.
هل الذين ذكرهم الفقهاء وجعلوهم مرتدين لا يقولونها ؟
هل الذي ذكر أهل العلم أنه أكفر من اليهود والنصارى ؟
وقال بعضهم من شك في كفر أتباعه فهو كافر.
وذكرهم في الإقناع في باب حكم المرتدين وإمامهم ابن عربي أيظنهم لا يقولون لا إله إلا الله لكن هو أتى من الشام وهم يعبدون ابن عربي جاعلين على قبره صنماً يعبدونه.
ولست أعني أهل الشام كلهم، حاشا وكلا بل لا تزال طائفة على الحق وإن قلت واغتربت " (1) .
انظر إلى هذه الأمثلة التي ضربها هذا الإمام ليبين لهذا الجاهل المدى الذي بلغه من الجهل والبلادة بحيث لا يدرك أوضح البدهيات لدى طلاب العلم من القرآن والتاريخ وأحكام الفقهاء في باب الردة على أناس بالردة وهي أقبح أنواع الكفر على أناس يقولون لا إله إلا الله ولكنهم أتوا بما يناقضها.
أرأيت أيها القارىء كيف بتر المالكي هذا الكلام وفيه أشنع الذم لمسيلمة.
فيجعل هذا الرجل الذم مدحاً.
أرأيت هذه الأمثلة التي هي حجج دامغة للمالكي وأسلافه.
أرأيت المالكي الذي درس في مدارس التوحيد يخرج على الناس بهذه العقلية الخرافية السخيفة فيقول عن مسيلمة فلو شهد أن محمداً رسول الله لما ادعى النبوة.
وكتب التاريخ تذكر أن مسيلمة وأصحابة كانوا يدعون الإسلام ويشهدون أن لا إله إلا الله ويؤذنون ويصلون.
ولكنهم ارتدوا كما ارتد غيرهم وسموا بالمرتدين فلماذا سماهم الصحابة والمسلمون بالمرتدين إذا كانوا لم يقولوا لا إله إلا الله ولم يدخلوا في الإسلام.
__________
(1) الدرر السنية (2/44-45).(1/127)
لئن كان هذا الرجل الذي رد عليه الشيخ غبياً فالمالكي أشد غباء منه إن أحسنا به الظن وإلا فالرجل قد بلغ الغاية في الشر والكيد لهذه الدعوة العظيمة وبلغ الغاية في المناوأة لها ولأهلها بمختلف الأساليب ومنها الكذب والخيانة والبتر.
المالكي لا يحسن فهم البدهيات من كلام الشيخ محمد
حيث جعل ذمه الشديد لمسيلمة وقومه مدحاً وثناءً.
قال المالكي (ص33):
" وقال عن بني حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب في الدررالسنية(9/387):
هم عند الناس من أقبح أهل الردة وأعظمهم كفراً وهم مع هذا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويؤذنون ويصلون، وأكثرهم يظنون أن النبي –صلى الله عليه وسلّم- أمرهم بذلك"!اهـ.
وقال عن أصحاب مسيلمة أيضا في الدرر السنية (9/ 383): (شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن صدقوا لمسيلمة أن النبي أشركه في النبوة وذلك أنه أقام شهوداً معه بذلك وفيهم رجل من الصحابة معروف بالعلم والعبادة يقال له الرجال فصدقوه لما عرفوا فيه من العلم والعبادة)!.أهـ.
أقول: إذن بنو حنيفة ضحية نظرية عدالة الصحابة ! التي نكاد نكفر من لم يؤمن بتحققها في كل فرد منهم وهذه دعوة للإيمان بالأمور المتناقضة فمن اتبع مسيلمة كفر ومن رد شهادة الصحابي كفر !وكذب بالآيات في تعديلهم في زعم الغلاة !فماذا تريدون من أصحاب مسيلمة أن يفعلوا ؟ هم من غلاة السلفية في قضية عدالة الصحابة ! فهل تريدون منهم أن يكفروا بنظرية عدالة الصحابة أم يؤمنوا بنبوة مسيلمة ؟!...
التعليق:
الرجل يعتبر هذا الكلام مدحاً لمسيلمة وقومه.
ففي أي عقل ومنطق يعد هذا الكلام مدحاً وفيه وصفهم بأقبح الصفات وهي قول الإمام فيهم هم عند الناس من أقبح أهل الردة وأعظمهم كفراً.
أترضى لنفسك بمثل هذا المدح أيها الخرافي ؟(1/128)
وهل قول الرسول –صلى الله عليه وسلّم- في الخوارج " تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وقراءتكم مع قراءتهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " يعتبر مدحاً.
إذاً فاحمل على رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- وعلى أصحابه الذين نقلو عنه هذا الكلام وشنّ عليهم الغارة لأنهم في نظرك وعقليتك قد مدحوا الخوارج كلاب النار المارقين بهذا الكلام.
من ضروب التلبيس التي يسلكها المالكي في الباطل
دعوته إلى الإنصاف وطلب الحق
ذكر تنبيهين (ص2) حول شبهاته السابقة وحول كلمة "وهابية " لا قيمة لهما.
ثم قال:" آمل من الأخوة المهتمين بهذه القضايا أن يقرأوا هذا العمل بإنصاف وطلباً للحق (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، فالحق أحق أن يتبع وكل يؤخذ من قوله ويرد، كما آمل أن ما نشر في بعض وسائل الإعلام عن (المسودة) يكون مشجعاً لقراءة (المبيضة) ولا أمانع من إبداء الملحوظات، بل إنني أطلبها من أهلها، وأشكر من أسدى إليّ ملحوظة، لكنني أشترط في قبولها أن تكون صحيحة، أما ما يفعله البعض من محاولة المغالطة والتهويل وبتر النصوص ونحوه، فهذا الأسلوب أظن أنه أصبح ممقوتاً مهجوراً عند المنصفين من طلبة العلم، فلذلك لن أشغل نفسي بتتبع هذا الصنف من الناس، فلو فعلنا ذلك لما عملنا شيئا، ورحم الله المتنبي.
أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا الاعتراف به ثم اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا الاعتراف به ثم اجتنابه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله ".
التعليق:
أقول نعم قرأنا هذا العمل بإنصاف وطلب للحق فلم نجد عندك إلا الإجحاف والبتر وطلب الباطل واتباع الهوى.
وجدناك قد حملك الشنآن على ألا تعدل وبعيداً جداً عن مقتضيات التقوى، وهذا ضرب من ضروب التلبيس الذي يسلكه كل مبطل.(1/129)
فهذا إبليس ما قال لآدم وحواء إني ظالم فاجر بل { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } ، وهذا فرعون ما قال لقومه إني كافر ظالم جبار، بل يقول لهم في حق نبي الله موسى { إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد } ، وقال لقومه { ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } .
وهكذا جل دعاة الضلال والباطل وأعداء الحق، لا يقول أحد منهم إني فاجر وأريد أن أضلكم، بل يتعلق بالكتاب والسنة ويدعي حب الرسول والإسلام ويدعي الإخلاص والصدق والنصح، وفي هذه الأجواء ينشر باطله وضلاله وسمومه.
وهذا المالكي نموذج غريب في الدعاوى العريضة، كما في هذا الكلام وغيره بل يدعي أنه سلفي حنبلي.
ثم إنه تشهد عليه أعماله بأنه عدو لدود للسلفية والحنبلية بل للصحابة الكرام وأهل الحديث وقوله:" لكنني أشترط في قبولها أن تكون صحيحة أما ما يفعله البعض من محاولة المغالطة والتهويل وبتر النصوص ونحوه، فهذا أسلوب أظن أنه أصبح ممقوتاً مهجوراً عند المنصفين من طلبة العلم".
نقول: نعم، إن النقد سيكون مستوفياً لهذه الشروط.
ولكن أظنك سوف لا تقبل هذا النقد المستوفي للشروط بل أخشى أنك قد أردت بهذا الكلام إصدار الحكم على كل من ينتقدك بحق مستوفياً لشروط النقد العلمي بعيداً عن التهويل والمغالطة والبتر، لأن هذه وغيرها من صفات نقدك لهذا الإمام وكتابه، فهي قائمة على الظلم والبتر والتهويل والمغالطات ولا شك أن العقلاء مقتوا هذه الأعمال التي ارتكبتها وازدروها، ولولا خشية أن يخدع بها الرعاع ويتعلق بها الروافض والخرافيون ثم يقولون شهد شاهد من أهلها، ولست - والله- من أهلها لولا ذلك لما ناقشك أحد لأنها أكاذيب مفضوحة وأساليب ممقوتة درج عليها أعداء التوحيد والمحامون عن الشرك والضلال.
قال المالكي بعد أن حمد الله وذكر الشهادتين ص(3-4): "أما بعد...(1/130)
فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كان له دور إصلاحي ودعوي ؛ امتد أثره إلى كثير من المسلمين في العالم ؛ فضلاً عن المسلمين داخل الجزيرة العربية.
ولا ريب أن المسلم ليفرح عندما يهيئ الله مصلحين مجددين" إلى أن قال: "ولا أستبعد أن يكون الشيخ واحداً من هؤلاء، ولو في جانب من الجوانب. "
أي أنه لا يجزم بذلك والظاهر أنه لم يفرح بتجديد هذا الإمام.
ثم ذكر محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني من المجددين وقال: "إنه أعلم من الشيخ وأحسن أثراً".
ومع حبنا واحترامنا للأمير الصنعاني ونعتبره أخاً ونصيراً للإمام محمد- رحمه الله- وما أظن المالكي راضياً بتجديده ولا سيما في ميدان التوحيد ومحاربة الشرك.
لكن شتان شتان بين الأثرين فآثار الشيخ محمد امتدت في الأقطار شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وامتداداته قوية في الزمان والمكان وشواهد الوجود والأحوال، من أقوى الأدلة على ذلك.
وأما كونه أعلم من الشيخ محمد أو دونه فهذا مرجعه فحول العلماء لا الجهال من أمثال هذا المسكين.
ثم ذكر الشوكاني في المجددين وهو كذلك وما أظنه يرضى بتجديده لا سيما في ميدان التوحيد ومحاربة الشرك.
المالكي لا يفرق بين مجددي السنة والحق
... ... وبين مجددي الباطل والضلال
قال في (ص3):" ثم في مصر الشيخ حسن البنا والعلامة المودودي في باكستان وشبه القارة الهندية، والشيخ جمال الدين القاسمي في الشام، والمهدي السوداني في السودان، وغيرهم كثير".
التعليق:
الذي يظهر أنه يعني الخميني وأمثاله ونسي الإمامين محمد بن إبراهيم وعبدالعزيز ابن عبد الله بن باز ونسي صديق حسن خان والشيخ نذير حسين والعظيم أبادي والشيخ ثناء الله الأمرستري وأسرة الدهلوي، وغيرهم من كبار علماء الحديث والتوحيد في شبه القارة الهندية، ونسي الشيخ محمد حامد الفقي وأحمد محمد شاكر وإخوانهما في مصر، ونسي الشيخ الألباني في الشام.(1/131)
لأن هؤلاء أهل توحيد وسنة ويحاربون الشرك والبدع، أما البنا والمودودي فإنهما أقرب إليه منهجاً ومشرباً فدعوتهم تتسع للروافض وغلاة الصوفية وسائر المبتدعة المخرفين.
كيف يكون هذان من المجددين وهما من دعاة الباطل وخصوم لأهل السنة والتوحيد وأولياء لأهل البدع والرفض أعني البنا والمودودي.
والشاهد أن الرجل مخلط لا يفرق بين مجددي السنة والحق وبين مجددي البدع والضلال، بل كأنه يفضل هذا الصنف بل يحارب تجديد الإمام محمد.
ويصف أتباع هؤلاء بالغلو والهدف الأساسي إنما هم أتباع الإمام محمد ولهذا تناسى الغلاة فعلاً من أتباع المهدي والمودودي والبنا واستمر يركز على أهل التوحيد والسنة.
فيقول في (ص4): "ثم غلا هؤلاء حتى تركوا جزءاً كبيراً من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، التي كانت في ذم (الغلو في الصالحين)، فالغلو في الصالحين من المحاور الرئيسية التي كان الشيخ رحمه الله ينقدها، فأصبحت هذه المسألة المحورية من أساسيات العقيدة عند الغلاة من أتباع الشيخ محمد رحمه الله.
أقول:ومعنى هذا أصبح لا فرق بين أتباع الإمام محمد وبين الغلاة في البدوي والرفاعي والدسوقي وعبد القادر والعيدروس وابن علوان فيذبحون له وينذرون وبقبره يطوفون وفي الشدائد والأهوال به يستنجدون فهذا الغلو الذي حاربه الشيخ محمد وأتباعه.
وهذا من أسمج الكذب ومن أشد أنواع الظلم والتهويل.
طعن المالكي في عدالة الصحابة
قال في (ص34): "وقال عن أصحاب مسيلمة أيضاً في الدرر السنية(9/383):(1/132)
(شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لكن صدقوا لمسيلمة أن النبي أشركه في النبوة، وذلك أنه أقام شهوداً شهدوا معه بذلك، وفيهم رجل من الصحابة معروف بالعلم والعبادة، يقال له الرَّجال فصدقوه لما عرفوا فيه من العلم والعبادة (1) "!. أهـ.
ثم قال:أقول:" إذن فبنوا حنيفة ضحية نظرية عدالة الصحابة ! التي نكاد نكفر من لم يؤمن بتحققها في كل فرد منهم، وهذه دعوة للإيمان بالأمور المتناقضة،فمن اتبع مسيلمة كفر، ومن رد شهادة الصحابي كفر! وكذب بالآيات في تعديلهم في زعم الغلاة! فماذا تريدون من أصحاب مسيلمة أن يفعلوا؟ هم من غلاة السلفية في قضية عدالة الصحابة! فهل تريدون منهم أن يكفروا بنظرية عدالة الصحابة أم يؤمنوا بنبوة مسيلمة ؟!".
التعليق:
هكذا ينتهز هذا الرافضي الفرصة للطعن في عدالة الصحابة الذين زكاهم الله في محكم كتابه وزكاهم رسوله في سنته المطهرة وزكاهم المؤمنون إلا غلاة الروافض فإنهم يبغضون أصحاب محمد ويسقطون عدالتهم ويكفرونهم إلا قليلاً منهم فمن هم أسوتك أيها الرافضي في الطعن في عدالة الصحابة غير غلاة الروافض.
الرَّجال مرتد من أخبث رؤوس أهل الردة وشهادته الفاجرة على رسول الله بأنه أشرك مسيلمة في نبوته من أخبث أنواع الكفر والردة فكيف تتذرع به إلى إسقاط عدالة الصحابة.
__________
(1) كان الإمام محمد يناقش علماء سوء يرون إسلام قوم يكذبون بالبعث وينكرون الإسلام وهؤلاء العلماء يعترفون بهذا كله ويقولون ما فيهم شعرة من الإسلام لكن من قال لا إله إلا الله فهو المسلم حرام المال والدم" انظر إلى الدرر السنية (9/385-386)
ويتجاهل المالكي كل هذا ويرى أنهم مسلمون يصلون ويصومون ويحجون ويحرمون المحرمات.(1/133)
ثم تجعل من يؤمن بالقرآن والسنة في تزكيتهم وتعديلهم متناقضين، وتتهكم بهم هذا التهكم وتسخر منهم هذه السخرية وتجعل أصحاب مسيلمة المرتدين من غلاة السلفية بعد رميك للسلفيين بالتناقض، وتلزمهم هذه الإلزامات السخيفة.
هل السلفيون من عهد الصحابة الذين قضوا على الردة وقتلوا المرتدين ومنهم الرّجال هذا الأفاك، هل هم يعتقدون أن الرّجال من الصحابة الذين عدلهم الله ورسوله أو هم يعتبرونه من أخبث وأكفر أهل الردة.
وهل تعتقد في الإمام محمد وهو يذكر الرّجال في طليعة أهل الردة ومن كبار الدعاة إلى الردة أنه يعتبر الرّجال من الصحابة.
لقد ساق الإمام محمد بعد الكلام السابق ما يأتي:
" وفيه يقول بعضهم (أي في الرّجال) أي بعض من ثبت منهم على دينه.
وهو ابن عمرو اليشكري كلاماً منه:
يا سعاد الفؤاد ... بنت أثال ... ... طال ليلي بفتنة الرجال
إنها يا سعاد من أحدث الدهر ... ... عليكم كفتنة الدجال
فتن القوم بالشهادة والله ... عزيز ذو قوة ومحال" (1) .
فهل الإمام ساق هذه الأبيات المليئة بالذم، ومنها:
1- أنه يحمله مسؤولية فتنة الردة.
2- ومنها تشبيهه فتنته بفتنة الدجال.
3- ومنها بيان أن الرّجال هو الذي فتن القوم أي بني حنيفة المرتدين مثل الشيطان.
4- ومنها توعده ببطش الله به وانتقامه منه لأنه ذو القوة شديد المحال.
ثم هل ساق الإمام هذه الأبيات لإثبات صحبة الرجال المرتد وإثبات عدالته أو ساقه لبيان كفره وجريمته وفتنته العظيمة ؟
إن الإمام ذكر ما كان عليه قبل الردة ثم ذكر أنه رأس فتنة الردة والمرتدين.
فماذا يريد بعد كل هذا ؟ لقد رأى كل هذا ثم لسوء قصده ذهب يشوش ويهول على الإمام محمد رحمه الله كافأ الله هذا المالكي بما يستحق.
ما قاله المؤرخون في الرّجال.
قال ابن الأثير في الكامل (2/361):
__________
(1) الدرر السنية (9/384).(1/134)
" وكان مع مسيلمة نهار الرّجال بن عنفوة وكان قد هاجر إلى النبي –صلى الله عليه وسلّم- وقرأ القرآن وفقه في الدين وبعثه معلماً لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة – فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة.
شهد أن محمداً –صلى الله عليه وسلّم- يقول: إن مسيلمة قد أُشرك معه، فصدقوه واستجابوا له، وكان مسيلمة ينتهي إلى أمره وكان يؤذن له عبد الله بن النواحة والذي يقيم له حجير بن عمير وكان حجير يقول أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رسول الله، فقال له مسيلمة أفصح حجير فليس في الجمجمة خير ".
وذكر عنه وعن مسيلمة أخباراً سيئة، وانظر البداية والنهاية (5/47).
فالإمام محمد ذكر في الرّجال ما نقله علماء التاريخ فيه من أنه أسلم ثم ارتد ونقل فيه من الشعر في هجائه ما رأيت فيأتي هذا الإنسان الغريب فيقذف الإمام بأنه يمدحه ويمدح بني حنيفة ويبني على هذا الإفك ما رأيت من التذرع إلى الطعن في عدالة الصحابة ومن يقول بعدالتهم.
موقف المالكي من روايات تحريق علي للزنادقة
وموقفه من روايات غيره(1/135)
قال المالكي في ص35:" قصة تحريقهم أحياء انفرد بها عكرمة مولى ابن عباس ولم يشهد القصة وإنما ذكر أن الخبر بلغ سيده ابن عباس بلاغاً فقال لو كنت أنا لقتلتهم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه) والحديث في البخاري من طريقين عن عكرمة ولم يخرجه مسلم، وقد رواه عكرمة بلاغاً ولم يكن بالكوفة وإنما كان بالبصرة مع مولاه ابن عباس ولعل الخبر وصلهم مشوهاً، أما روايات شهود العيان فذكرت أن القوم مرتدون وأن علياً قتلهم ولم يحرقهم ثم بعد قتلهم خدَّد لهم أخاديد وألقاهم فيها ودخن عليهم زيادة في التنكيل والترهيب من عملهم لأنهم لبثوا يأخذون عطاء المسلمين وهم مرتدون فترة من الزمن،ولعل هذا التدخين عليهم هو الذي أوهم بعض المشاهدين أنه أحرقهم وإلا فالإمام علي نفسه من أحرص الناس ألا يعذب بالنار خاصة وأنه من رواة حديث (لا يعذب بالنار إلا رب النار) ولم يصح أن صحابياً حرق أحياء إلا ما كان من أبي بكر الصديق رضي الله عنه من تحريقه المرتد الفجاءة السلمي – علماً بأن الشيخ محمداً يزعم أن الفجاءة هذا كان قائماً بأركان الإسلام !!- وكان الفجاءة قد قام بأعمال قبيحة في الردة، وحرق خالد بن الوليد في الردة لكن خالداً رضي الله عنه ليس من أصحاب الصحبة الشرعية وهو صاحب مجازفات تبرأ من بعضها الرسول –صلى الله عليه وسلّم- في حياته كما في قصة بني جذيمة، ولا يعد خالد من المجتهدين إنما هو صاحب سيف وترس وليس صاحب علم وفقه رضي الله عنه وسامحه، وقد توسعت في ذكر طرق أحاديث وروايات التحريق في الجزء الأول من الرد على ابن تيمية رحمه الله".
التعليق:
1- نحن ولله الحمد نحب الصحابة جميعاً ونجلهم ونذب عن أعراضهم وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون ومنهم علي رضي الله عنه، ونحارب الغلو في المخلوقين سواء الأنبياء أو الصحابة أو غيرهم ونحارب الرفض والتشيع الغالي ومنه ما ارتكبه هذا المالكي هنا.(1/136)
فتراه يسلم بقصة إحراق أبي بكر رضي الله عنه للمرتد فجاءة وهي غير صحيحة (1) ويسلم بتحريق خالد وينتهز الفرصة للطعن فيه وينفي عنه الصحبة، ويصفه بالمجازفات، ويصفه بالجهل، وينفي عنه العلم والفقه، ثم يغالط فيقول رضي الله عنه وسامحه.
يثبت قصة تحريق أبي بكر لأنه ينطلق من منطلق الروافض فيأخذ ما يوافق هواه ولو كان باطلاً ويرد ما يخالف هواه ولو كان صحيحاً، وينفي قصة التحريق عن علي ولو رواها الإمام البخاري ويطعن في هذه الرواية ولو سلم بصحتها أئمة الحديث وتلقوها بالقبول ولو ساندتها روايات أخرى (2) .
وينفي الفقه عن خالد ولعله يلمح بجهل أبي بكر لأنه لو كان فقيهاً لما أحرق الفجاءة. وينزه علياً –رضي الله عنه- عن التحريق تعريضاً بأبي بكر-رضي الله عنه- بأنه لا يتورع عن فعل ذلك.
يسلك هذه الطرق الماكرة انطلاقاً من حقده على أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- الذي ورثه عن الروافض.
ويدعي أنه توسع في ذكر طرق أحاديث وروايات التحريق في الجزء الأول من الرد على ابن تيمية.
فهنيئاً للروافض بهذا الإمام المحدث الكبير الواسع الاطلاع والمتوسع في خدمة المنهج الرافضي وفي محاربة الصحابة وأئمة الإسلام ومنهجهم.
وأخيراً انظر إلى مكره حيث يصف علياً بالإمامة ولا يصف بها أبا بكر فعلام يدل هذا ؟
وانظر إلى قوله: " كانوا مرتدين " وافهم ماذا يريد.
إنه يريد أن يدفع عن الروافض ما يقوله بعض أهل السنة أن علياً-رضي الله عنه- أحرق طائفة من الروافض ادعوا فيه الإلهية وهم السبائية والروايات التي اعتمدوا عليها يؤيد بعضها بعضاً وستأتي.
إن هذه وصمة عار على الروافض يريد أن يدفعها عنهم.
__________
(1) لأنها رويت من طريق سيف بن عمر التميمي وهو ضعيف ومتهم بالكذب عند بعض الأئمة، ومن طريق محمد بن حميد الرازي وهو أيضاً ضعيف ومتهم عند بعض الأئمة بالكذب.
(2) تقدم الكلام عن قصة تحريق علي للزنادقة بشيء من التوسع. انظر (ص79-86).(1/137)
فكم لهذا المحدث الكبير من الأيادي على الروافض فليعلقوا عليه الآمال وليرشحوه لأعلى منصب ليكون آية من آياتهم وبطلاً من أبطالهم يتحدى أهل السنة في عقر دارهم.
...
طعون المالكي في أتباع الإمام محمد
ورميه لهم بالخيانة والجبن والمجاملة والتلون والبعد عن المنزلة
التي وصل إليها هو وإلصاق التكفير بالإمام محمد
قوله في (ص6):"رابعاً: المؤتمنون ما زالوا ساكتين! وإلى الآن لم يبينوا الأخطاء التي وقع فيها بعض علماء الدعوة؛ حتى اغتر بتلك الأخطاء بعض الشباب والحركات التي تتسرع في التكفير وترمي به الأبرياء، ولا أريد ضرب الأمثلة، فهي واضحة للجميع، ولا أظن (المؤتمنين) سيتركوننا لبيان الحق، فضلاً عن المشاركة في ذلك، لأن مصلحتهم – لا مصلحة الإسلام – تقتضي المعارضة لكل ناصح، والتشكيك في نيته ومنهجه، وما زالوا بحاجة لجهاد نفس ووقت أطول حتى يصلوا هذه المرحلة التي نراها ضرورية في هذا الزمن أكثر من أي وقت مضى.
على أية حال: لا بد أن يكون عندنا الشجاعة للمبادءة بنقد أخطائنا، وتصحيح بيتنا الداخلي، وعدم الخجل من ذلك، لأن الأمر دين وليس مناورة سياسية.
والخلاصة أقول:
كل العلماء عبر العصور يجب علينا محبتهم وتقديرهم ومعرفة فضلهم؛ لكن دون تقديس ولا مجاملة لهم على حساب الحق، فالحق يجب أن نعمل على إظهاره وتبرئة الكتاب والسنة من أخطاء البشر.
ومن هذا المنطلق فإنني وجدت الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله - على فضله وأثره الدعوي الذي لا ينكره منصف - قد وقع في أخطاء أصبحت سنة متبعة عند بعض طلبة العلم؛ الذين أصبحوا يطلقون التكفير في حق علماء ودول وطلاب علم بناء على ما قرر الشيخ محمد في بعض كتبه ورسائله، وأصبح الواحد من هؤلاء يحتج بأن الشيخ، كان يرى كفر هؤلاء العلماء، وكفر هؤلاء الحكام؛ وكفر من هذه صفته....الخ.
والتمسك بكلام الشيخ – رحمه الله – في هذه الأمور تمسك بالخطأ، والخطأ لا يجوز التقليد فيه.(1/138)
لكن بعض طلبة العلم لم يتنبه على مواضع هذا الخطأ ويتهم العلماء الموجودين الآن بمجاملة غيرهم من العلماء والحكام في العالم الإسلامي، لأنهم لا يكفرونهم! بل وصل ببعضهم إلى تكفير العلماء والحكام في هذه البلاد، فضلاً عن غيرهم من علماء وحكام المسلمين بناءً على ما كتبه الشيخ محمد، وهؤلاء المكفرون قد رددت عليهم في مقالات هادئة نشرت في بعض الصحف المحلية وكان لي كتاب –لم يسمح له بالنشر- في الرد على هذا التيار بأسلوب هادئ وبراهين، أزعم أنها كانت مقنعة ونابعة من النصوص الشرعية.
وردي هذا ليس على ذلك التيار فقط وإنما يستهدف الرد – بالدرجة الأولى - أولئك الذين يحاولون أن يركبوا الجملين جميعاً! فيردون على أهل التكفير ويغلون في الدفاع عن أخطاء أئمة الدعوة!.
أو بلغة أخرى نقول: يردون على هؤلاء الشباب الذين كفروا العلماء والحكام بأدلة العلماء الذين كانوا يردون على الشيخ محمد بن عبد الوهاب! فكأنهم يردون على الشيخ محمد بهذه الطريقة التي تجمع بين الذكاء والغباء.
ونحن نقول لهم: إن الله حرم التلون وهو الظهور بوجهين وذم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذا الوجهين، فإن كنتم رادين على هؤلاء الشباب؛ فعليكم أن تردوا على بعض الأخطاء في التكفير التي وقع فيها الشيخ محمد وبعض علماء الدعوة.
وإن كنتم تدافعون عن الشيخ محمد وعلماء الدعوة فيجب أن تدافعوا عن هؤلاء، لأنهم مقلدون له ولبعض علماء الدعوة وستأتي النماذج"
التعليق:
أقول: هذا المقطع مليء بالظلم والادعاءات العريضة.
1- فقوله " أظن المؤتمنين ما زالوا ساكتين إلى الآن ".
فيه طعن شديد لعلماء السنة وطلابها واتهام لهم بالخيانة وهذا الاتهام يتناول كل من أيد دعوة الإمام محمد من عصره إلى يومنا هذا من علماء نجد والحجاز واليمن والشام والهند وباكستان وأفغانستان وهم بالآلاف إن لم نقل بالملايين.(1/139)
فهؤلاء على منطقه خونة وكاتمون للحق ولا يسمحون لمثل هذا الرجل الصادق الأمين أن يصدع بالحق، والحق أن هذا الرجل هو البارع في الكذب والفجور وقول الزور على دين الله الحق وعلى التوحيد وإخلاص الدين لله ومحاربة الشرك بأشكاله وأصنافه ومحاربة أسبابه ووسائله.
هذا الدين الحق الذي نهض العلماء المصلحون الناصحون بأعبائه في مختلف العصور والذي نهض به الإمام محمد ومؤيدوه من عهده إلى يومنا هذا في مشارق الأرض ومغاربها.
2- اتهم علماء التوحيد والسنة بأنهم يقدمون مصلحة أنفسهم على مصلحة الإسلام وأن مصلحتهم تقتضي معارضتهم لكل ناصح والتشكيك في نيته ومنهجه.
وهذا أسلوب إرهابي وسلاح فتاك يشهره في وجوه من يريد أن ينتقده وقد استخدمه أعداء أهل السنة قبله.
فيقولون في من يبين ضلالهم إنه يتدخل في النوايا والضمائر.
3- ويلبس لباس أهل السنة – وهو العدو اللدود -.
فيقول على أية حال لا بد أن يكون عندنا الشجاعة للمبادءة بنقد أخطائنا وتصحيح بيتنا الداخلي وعدم الخجل من ذلك لأن الأمر دين وليس مناورة سياسية".
وهذا أسلوب المنافقين الذين يتسترون بالإسلام { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون } .
ما هي هذه الشجاعة إنها المبادءة بالظلم والباطل ويدعي لها هذا الرجل الغريب المنهج والأساليب أنها شجاعة في الحق وهي شجاعة على أقبح صور الباطل والظلم ويدعي التصحيح للبيت الداخلي وهو يخربه ويدمره. ويدعي عدم الخجل وهو كذلك لا يخجل من الجهر بالباطل.
ويدعي أن الأمر دين لا مناورة سياسية وأعماله أشد خبثاً وقبحاً من المناورات السياسية لأن مناوراته مناورات ضد دين الله الحق وضد التوحيد وضد حملة هذا الدين.(1/140)
4- ويدعي محبة العلماء وتقديرهم ومعرفة فضلهم ولعله يقصد بهؤلاء العلماء علماء الروافض وعلماء الخرافات والبدع فقد قام بالدفاع عنهم واعتمد خرافاتهم وأكاذيبهم في مواجهة دعوة التوحيد وأهلها واتجه بالحرب لأهل السنة بدءاً بالصحابة الكرام ومروراً على علماء الحنابلة والحديث ثم هذه المواجهة العنيفة للإمام محمد وأنصاره على الحق ومن ذلك هذه الاتهامات والإهانات.
رمي المالكي أسير التقليد أنصار الشيخ محمد بالتقليد
قال المالكي (ص 1): "محمد بن عبد الوهاب له فضل علينا جميعاً بل على كثير من المسلمين في العالم لكن لا يجوز أبداً أن نقلده في ما أخطأ فيه شأنه شأن غيره من البشر من علماء ودعاة، فإذا كنا نقبل تخطئة أبي حنيفة والشافعي وأمثالهم فكيف لا نقبل تخطئة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع أنه أقل من هؤلاء علماً بإجماع المنصفين من أهل العلم".
التعليق:
هذا كلام حق يراد به الباطل، وأتباع الإمام محمد لا يقلدونه ولا غيره في الأخطاء ولكنك و أسلافك تجعلون حقه باطلاً وصوابه خطأ.
ثم تأتي أنت فتدعي على أتباعه التقليد في الخطأ والباطل، ثم تتظاهر وأنت المقلد الأعمى في الباطل والضلال والخرافات تتظاهر بمحاربة التقليد فتسمي اتباع الحق والاعتزاز به تقليداً وغلواً.
قال المالكي (ص1): "محمد بن عبد الوهاب كسائر العظماء الناس فيه بين قالٍ وغالٍ ونحن نحاول أن نعرف ما له من حق وأثر فنعترف به ونرجو له عليه الأجر العظيم، ونعرف ما له من أخطاء فنستغفر له مع بيان هذه الأخطاء للناس حتى لا يتأثروا بها سواء كانت في الإيمانيات (العقائد) أو الأحكام ".
التعليق:
أما الجفاة ضد الإمام فأنت من أشدهم جفاء لهذا الإمام ودعوته.
وأما الغلاة فلا يوجد غلو في الشيخ بل أتباعه هم أشد الناس محاربة للغلو(1/141)
وأما أنك تبين الخطأ من الصواب فلست أنت ولا النبهاني ولا دحلان ولا جميع خصوم الشيخ الظالمين لستم جميعاً من أهل هذا الميدان في قبيل ولا دبير وفاقد الشيء لا يعطيه، ولقد ارتقيت مرتقى كما يقال وتصديت لأمور لو صحت دعواك فيها فلست من أهلها فأرح نفسك وليس هذا عشك فادرج.
قال(ص1):"وقديماً قيل: (زلة العالم زلة العالم) فلهذا يجب على أهل العلم أن يبينوا أخطاء العظماء مع الاعتراف بفضلهم فيدفعون الناس للتوسط في هذه الأمور بلا إفراط ولا تفريط".
التعليق:
هذا كلام حق أريد به الباطل ودع العمل في هذا الميدان لغيرك ممن عرف بالعلم والصدق والأمانة والنصح فقد عرفناك خال الوفاض من هذه الصفات وهل مثلك يميز بين الحق والباطل والخطأ والصواب؟ وهل أمثالك يعرفون التوسط والاعتدال؟ وهم لا يعرفون إلا الميل عن الحق وعن التوسط، إلى الإفراط والتفريط.
رميه لأنصار الشيخ محمد بالغلو
وقوله (ص4): " وساعد في غلوهم غلو الطرف الآخر من الصوفية والشيعة والمقلدة من أصحاب المذاهب الأربعة الذين كذبوا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وزعموا أنه جاء بدين جديد وأنه ادعى النبوة وأنه يبغض النبي –صلى الله عليه وسلّم- ويستهين به وغير ذلك من الأكاذيب أو الإلزامات الباطلة".
أقول: لا غلو والحمد لله في أتباع الإمام محمد ، وأما ذكرته عن خصومه من الغلو والأكاذيب فحق ولكنك تابعتهم في عداوتهم للإمام محمد ودعوته وتابعتهم في الأكاذيب والإلزامات الباطلة.
وقريب منهم في اتهامهم للإمام في ادعاء النبوة لأنك تقول إن أتباعه أنزلوه منزلة النبوة ومن عجائبه أنه يعلم أن أعداء الشيخ محمد كذابون وأن إلزاماتهم باطلة ثم ينصرهم ويحارب الإمام محمداً بأكاذيبهم وإلزاماتهم الباطلة.(1/142)
وقوله:" فأدى هذا الغلو من الخصوم لغلو مضاد (1) من بعض أتباع الشيخ الذين اعتبروا كل من خطأ الشيخ خصماً للدعوة الإصلاحية، ومن خصوم الدعوة السلفية، وقد يبالغ بعضهم ويجعل هذا من خصوم الإسلام ".
أقول: الرجل يتلمس ما يراه مسوغاً لقبول اتهامه أتباع الشيخ بالغلو فيذكر غلو الظالمين في محاربة الشيخ ليجعل منهم سبباً لنشؤ الغلو عند محبي الشيخ.
وهذا مرفوض من واقع تلاميذ الشيخ وأتباعه فهم ولله الحمد من أبعد الناس عن الغلو وأشد الناس محاربة له وكونهم يرفضون نقد الكذابين والظالمين فهذا مما يرفع من شأنهم ويدل على ثباتهم وتمسكهم بالحق، أما نقد بعض الأخطاء الاجتهادية فلقد رأينا من أحفاده وتلاميذه من ينتقده ولا يغضب منهم أحد، ولا يعتبر ذلك خصومة للإسلام ولا للدعوة السلفية ولا يعتبر ذلك خصومة للشيخ ولا لأتباعه.
قوله " وهذا ليس غريباً فكل زعيم ديني يظهر في أتباعه غلاة يعتبرون الرد عليه رداً على الإسلام نفسه وهذا لب الغلو الذي نذر نفسه في ذمه والتحذير منه ومحاربة أهله باللسان والسيف".
أقول: هذه الكلية غير صحيحة وقد تكون في أتباع أئمة أهل البدع والضلال لأن تربيتهم وأصولهم الفاسدة تغرس هذا الداء في أتباعهم.
__________
(1) يوجد في الساحة اليوم مثل هذه التلاعب فهناك من يأتي إلى طرفين مختصمين أحدهما على الحق والآخر مبطل فيضلل الجميع ولا يرجح جانب الحق، ويظهر بمذهب جديد يرى أنه هو الوسط، وهو الباطل بعينه والسفسطة بعينها وهذا الصنف تيار خطير عماده الكذب والتلبيس وقد يكون لأهله علاقة بهذا المالكي.(1/143)
أما الإمام محمد - رحمه الله - فأصوله صحيحة تحارب الغلو كما حارب ذلك بالفعل فكان لذلك أثره في أتباعه فهم يحاربون الغلو في الأنبياء والصحابة وعلماء السلف والعلماء بعدهم مثل ابن تيمية وتلاميذه والإمام محمد فلا يستجيزون الغلو في أحد أبداً وعلى ذلك يربون ولله الحمد والنقد للخطأ موجود لأي كان الإمام محمد أو غيره لأنهم ورثوا الصدع بالحق من أسلافهم من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى بعدهم كالإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام مالك والسفيانين ومن بعدهم البخاري ومسلم وأبي حاتم وأبي زرعة وغير هؤلاء من الأئمة أولي النهى والأبصار الذين يربون على التمسك بالكتاب والسنة ونصرة الحق ورد الباطل والخطأ.
فلهذا انتقد الشافعي شيخه مالكاً وانتقد الإمام أحمد شيوخه ومنهم الشافعي ومن ذلك قول الإمام الشافعي:" أجمعت الأمة على أنه من استبانت له سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-لم يكن له أن يدعها لقول أحد"، وقول الإمام مالك:" كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-"، وقول الإمام أحمد قريب من ذلك:" لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الأوزاعي وخذ من حيث أخذوا".
وعقد الإمام محمد باباً في "كتاب التوحيد" (باب من أطاع العلماء والأمراء فقد اتخذهم أرباب من دون الله) (1) .
وأورد فيه قول الإمام أحمد: "عجبت لقوم ٍ عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ثم قرأ قول الله تعالى: (وليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
أتدري ما الفتنة ؟ الفتنه الشرك لعله إذا ترك أمره أن يصيبه شيء من الزيغ فيهلك ثم شرح تلاميذ الإمام محمد هذا الباب بما لا يدع للتقليد فضلاً عن الغلو مجالاً.
__________
(1) وعقد في كتاب أيضاً باب في تحريم الغلو والإطراء بل يشهد له المالكي بأنه ركز على الغلو كثيراً والمنصفون يعلمون براءة أتباعه من الغلو ومحاربتهم له وتحذير الناس منه.(1/144)
هذا المنهج والأسلوب القوي الذي لا تجده في هذه العصور إلا عند أتباع الإمام محمد وأنصاره، لأن هذا المنهج يشكل حاجزاً قوياً وسداً منيعاً في وجه الغلو والتعصب الأعمى والتقليد الأهوج.
فكيف تسوي بين أتباع هذا الإمام وهم في الحقيقة أتباع رسول الله–صلى الله عليه وسلّم- وأتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان كيف تسوي بينهم وبين أتباع أهل البدع والضلال إنَّ هذا لمن أفسد الأقيسة الفاسدة ومن أشد أنواع الظلم والجور في الأحكام.
قوله: " ثم هناك أمر آخر ينبغي التنبه له لأهميته وهو أن خصوم الشيخ وغلوهم في تكفيره وتبديعه ساعد التيار المغالي في أتباع الشيخ وتلاميذه بالظهور والنطق باسم الدعوة واحتكار الدفاع عن العقيدة السلفية والغلو في ذم المخالفين مع الغلو في الدفاع عن أخطاء الشيخ فأصبح ما دعا إليه الشيخ مهجوراً من الخصوم والأتباع على حد سواء إلا من رحم ربك.
وهذا ظاهر في زمننا هذا فليس هناك إلا غلو في الشيخ أو غلو ضده وليس عند المغالين من الطرفين استعداد للحوار الهاديء البعيد عن التعصب وعلامة المغالي ضد الشيخ أنه لا يقبل إلا وصفه بكل سوء كما أنه من علامة الغالي فيه وهو ما يهمنا في هذه الرسالة أنه لا يقبل نقد الشيخ ويستعظم تخطئته وكأن تخطئته من علامات الردة عن الإسلام، فمن وجدتموه يعترف بأن الشيخ قد أخطأ أو عنده استعداد لقبول هذا، فهو معتدل ومن رفض الحديث في الموضوع فهو من الغلاة وهذا يَطِّرِدُ في جميع أصناف الغلاة سواء الغلاة في أحد الصحابة أو العلماء أو الأئمة الأربعة ".
التعليق:
قد تقدم رد مثل هذا الهراء المفتعل في أتباع الإمام.
والمساواة بين أهل الضلال وعباد القبور و الروافض وبين أهل التوحيد والسنة من أخبث أنواع المساواة وأخبث من المساواة بين البيع والربا والهدى والضلال والكفر والإيمان.
الرجل يهدف إلى أمرين:(1/145)
الأول:- أن يفهم الناس أنه على ضلاله وحقده على التوحيد وأهله أنه رجل معتدل.
والأمر الثاني: أن يطىء أتباع الحق أتباع الشيخ محمد رؤوسهم أمامه وأمام أعداء الدعوة السلفية فيستسلمون له ولنقده الباطل الأثيم للشيخ محمد فلا يرفعون أمامه رأساً ولا يقولون هذا ظلم وهذا إفك وهذا باطل وهذا عدل وإن كان ظلماً وهذا صدق وإن كان كذباً فمن كان هذا حاله كان هذا معتدلاً عنده ومن رفض هذه الأباطيل فهذا غال متعصب متطرف قد يكون في ميزان المالكي شراً من الروافض وغلاة القبورية، بل لا يكون إلا كذلك في حكمه الغاشم.
قال المالكي في (ص5) بعد رميه أتباع الإمام محمد بالغلو وتظاهره بمحاربة الغلو:
" فمن حقنا أن نرفع من سمعة ديننا وأنفسنا ووطننا – وطن الحرمين الشريفين – بأننا لا نتبع إلا محمد (كذا) (صلى الله عليه وآله وسلم).
1- وأننا لا نتمحور إلا حول قال الله وقال رسوله، وأننا - وإن كنا ثمرة جهود الشيخ- رحمه الله، إلا أننا لا نجعله نبياً معصوماً، بل نخضع أقواله لأحكام الشريعة ولا نجعله فوق الشرع بل هو وكل العلماء بل وكل الصحابة محكومون بالشرع.
2- "كل يؤخذ من قوله ويرد "
3- "وكل يستدل لقوله لا بقوله "
4- وكل لم ينزل من السماء.
5- وكل مأمور بالرجوع إلى الأدلة الشرعية لا إلى أقوال الرجال..
هذه هي السلفية الحقيقية.
فهذه القواعد العظيمة تطبق على الجميع، ويجب أن يحترمها ويلتزمها الجميع، ويجب أن يعرف العالم أن هذه هي عقيدتنا، وهذا هو مذهبنا لا مذهب لنا غيره، وأننا مستعدون لنقد علمائنا مع الاحتفاظ لهم بمحبتهم والدعاء لهم وتقدير جهودهم، فلا تناقض بين الأمرين إلا على المغالي بين الطرفين. الخ ".
التعليق:
1- أن الرجل يرى أن هذه البلاد تعيش بعقيدتها ومنهجها في واقع مظلم مخجل ويجب الخروج من هذا الواقع.(1/146)
وأن هذا الرجل الهمام والحر المقدام هو الوحيد الذي يسعى لإخراج هذه البلاد بلاد الحرمين الشريفين من هذا العار والواقع المخجل.
2- أن الرجل محارب عنيف للإمام محمد ودعوته وأتباعه ومن الصعوبة الشديدة أن يوجه لهما الطعون والتشويهات والضربات العدوانية فوجد أنه لا مناص له في حربه هذه من اللجوء إلى القاعدة الخبيثة (اضرب الإسلام بسيف الإسلام).
فأورد هذه الأصول مع التظاهر بمحاربة الغلو والتقليد ليتمكن من توجيه الضربات الظالمة من وراء هذا الستار (الأصول التي تظاهر بالتزامها والتمسك بها والانطلاق منها).
وهو من أشد الناس مخالفة ومحاربة لهذه الأصول نفسها ومن أشد الناس بعداً عنها، وهذا الأسلوب الماكر يتبعه اليوم فئة ماكرة تحارب السلفية وأهلها من وراء هذه الأصول نفسها فالمشرب والمنبع واحد والغاية واحدة لقد رمى هذا الرجل الإمام محمداً بالأكاذيب والجنايات والتلبيسات وبأخبث الأساليب ظاناً أن هذه الأصول ستحميه وتجعله في مأمن من اكتشاف ألاعيبه وأساليبه الماكرة.
وبعد أن وجه الطعون الآثمة الظالمة لأتباع الدعوة السلفية أتباع الإمام محمد بل أتباع رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- و أتباع السلف الصالح وبعد اتهام نياته، أكد الأصول السابقة التي ساقها للاحتماء بها بأصل ماكر يحارب به أتباع الحق ألا وهو قوله (ص6):" النيات علمها بيد الله عز وجل وكم من شخص يؤتمن فيخون وكم من آخر يظن به الظنون وهو خير للإسلام من ألف من أمثال الرجل المؤتمن، وعلى هذا فلنترك البحث في النيات لله وننظر في الأدلة وأيها أقرب لكتاب الله وسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-.
رابعاً:- المؤتمنون مازالوا ساكتين! وإلى لآن لم يبينوا الأخطاء التي وقع فيها بعض علماء الدعوة؛ حتى اغتر بتلك الأخطاء بعض الشباب والحركات التي تتسرع في التكفير".
التعليق:(1/147)
إن الرجل ناصح أمين وليس في علماء المنهج السلفي من عهد الإمام محمد أمين ناصح يكشف عوار دعوة محمد بن عبد الوهاب إلا هذا العبقري الفذ الناصح الأمين، فأنتم كلكم خونة بدليل أنكم على مر هذه الدهور وأنتم تبلغون الملايين في مختلف البلدان في البلاد العربية كلها شامها ويمنها ونجدها وحجازها ومصر والسودان وبلدان المغرب وفي الهند وباكستان وأفغانستان وغيرها من البلدان كلكم خونة متواطؤن على السكوت عن هذا الباطل العظيم والخطر الكبير إلا حسن المالكي العبقري الشجاع والناصح الأمين.
فإياكم ثم إياكم أن تتدخلوا في نيته وتطعنوا في قصده وإن أهانكم وافترى على الإمام محمد أشد أنواع الافتراء وسلك الطرق الملتوية في التلبيسات والمراوغات.
فاجعلوا من أنفسكم بلداء أغبياء ودسوا أنوفكم في التراب وأغمضوا أعينكم ولو ظهرت أباطيله وترهاته ظهور الشمس.
أما سمعت قول الله في أناس يعملون مثل أعمالك: { أم حسب الذين في قلوبهم مرض ألن يخرج الله أضغانهم. ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم } .
قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: " ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه ".
لقد نهض المالكي بحربه وافتراءاته وظلمه على إمام مجاهد من أئمة التوحيد والسنة بل هو إمام أهل التوحيد والسنة منذ نهض بدعوة الأنبياء وناضل وجاهد لنشرها فعمت دعوته القاصي والداني وأعاد بجهاده وعلمه ودعوته نضارة الإسلام وجدته ومكانته وهيبته.
ونهض المالكي بحرب المتمسكين بهذه الدعوة العظيمة بما قرأت وسمعت ونهض بالدفاع عن أهل الضلال على مختلف مشاربهم وهذا من خذلان الله له ومقته إياه فنعوذ بالله من غضبه ومقته.
رميه للسلفيين بخصال الجاهلية ووصفهم بالغلو
لقد رمى السلفيين الصادقين المتمسكين بكتاب ربهم وسنة نبيهم باثنتين وخمسين خصلة من خصال الجاهلية.
قال في طليعتها (ص29-31) من كتابه:(1/148)
" بل معظم (المسائل الجاهلية) التي كتب فيها الشيخ كتاباً يجب أن يراجع الغلاة من أتباعه أنفسهم فيها ومن أبرزها على سبيل الاختصار.." ثم ساقها
ومنها – أن دينهم مبني على أصول أعظمها التقليد!! فهذه القاعدة الكبرى لجميع الكفار أولهم وآخرهم.
ومنها – أنهم لا يعقلون من الحق إلا الذي مع طائفتهم.
ومنها – كفرهم بالحق إذا كان مع من لا يهوونه.
ومنها – إنكارهم ما أقروا أنه من دينهم.
ومنها – التعبد بتحريم الحلال.
ومنها – التقيد باتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله.
ومنها – معارضة شرع الله بقدره.
ومنها – تلقيب المخالفين بألقاب باطلة، ثم قال المالكي (قلت كوصفهم من أجلّ علياّ بالتشيع ومن نفى التجسيم بالجهمية ومن رد أخطاء بعض العلماء بالطعن في العلماء).
أقول: أهل السنة يحبون علياّ ويجلونه على الوجه الشرعي ويعتبرونه من الخلفاء الراشدين ويحبون أهل بيته على الوجه الشرعي وأعداء علي هم الغلاة فيه وقد قتل الغلاة فيه رضي الله عنه.
ويكاد المجرم أن يقول خذوني فالرجل كما يبدو من موقفه هذا وغيره أنه شيعي غال جهمي معطل ينفي كسلفه الذين ينفون صفات الله ويصفون من يثبتها على الوجه اللائق بالله بأنهم مجسمة ويسمي إثباتها تجسيماً.
قال: ومنها – التكذيب بالحق.
ومنها – افتراء الكذب على الله.
ومنها – تركهم الواجب ورعاً.
ومنها – تعبدهم بترك الطيبات من الرزق.
ومنها – دعاؤهم الناس إلى الضلال بغير علم.
ومنها – دعواهم محبة الله مع تركهم شرعه.
ومنها – المكر الكبار.
ومنها – أن أئمتهم إما عالم فاجر أو عابد جاهل.
ومنها – تمنيهم الأماني الكاذبة.
ومنها – رميهم أتباع الرسل بعدم الإخلاص وطلب الدنيا.
ومنها – لبس الحق بالباطل.
ومنها – كتمان الحق مع العلم به.
ومنها – القول على الله بلا علم.
ومنها – التناقض الواضح.
ومنها – الإيمان ببعض المنزل دون بعض.
ومنها – مخالفتهم فيما ليس لهم به علم.(1/149)
ومنها – دعواهم اتباع السلف مع التصريح بمخالفتهم.
أقول: وهذه مبالغة في البهت والعداوة والتكفير من هذا الجهول الظلوم.
دفاعه عن أهل الضلال من الروافض والغلاة من الصوفية
قال المالكي في (ص34): "حتى غلاة الصوفية الذين يجوزون أن الولي يحي الموتى - مع بطلان هذا القول (1) - لا يقولون بأن الولي يفعل هذا استقلالا عن الله.
وكذا غلاة الشيعة الذين يقولون بالولاية التكوينية للأئمة وأن ذرات الكون تخضع لهم، لا يقولون بأن هذا يحدث استقلالا عن إرادة الله.
وإنما يزعم الغلاة من الصوفية والشيعة بأن الله منح الأولياء والأئمة القدرة على هذا بإذن الله مثل ما منح بعض الأنبياء كعيسى عليه السلام القدرة على الخلق من الطين كهيئة الطير وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لكن بإذن الله مثلما منح بعض الأولياء كصاحب سليمان القدرة أن يأتي بعرش بلقيس في لحظة كل هذا بإذن الله.
فهذه الأقوال مع بطلانها لا يعيدونها إلا لقدرة الله وإذنه وتقديره ومنحه بعض الخصائص لعباده من أنبياء وأولياء ولهم في ذلك أقوال ومؤلفات واستدلالات عجيبة تركوا فيها قطعي الأدلة لمظنونها مع تعسف في الاستدلال مثل عملنا في التكفير مع فارق في نسبة الخطأ (2) ".
التعليق:
انظر إلى هذا التمرير لهذه الضلالات والكفريات، وانظر إلى هذا الأسلوب المميع الماكر،وانظر إلى هذا الأسلوب المتهافت المتناقض.
فأولاً:- غلاة الصوفية لهم عظائم غير ما ذكرت فهم يقولون بالحلول ووحدة الوجود وأن الأولياء يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون ويدبرون أمره.
__________
(1) يقول هذا تلبيساً وتمويهاً ليبرر تأويله الباطل.
(2) إن عملك لهذا التأويل لهم يجعلك من أنصارهم وأوليائهم.(1/150)
فإذا قالوا بالحلول ووحدة الوجود وقالوا هذا إنما هو بإذن الله، وإذا قالوا إن الأولياء يعلمون الغيب، ويتصرفون في الكون بإذن الله، وإذا سجدوا للأولياء أو الأنبياء أو الأصنام قالوا إنما هذا بمشيئة الله، وإذا اعتقدوا أن فلاناً يحي ويميت ثم قالوا هذا إنما يحصل بإذن الله.
أليس هذه عقائد كفرية وأعمال كفرية لا تقبل التأويل لأنها تكذيب للقطعيات من القرآن الكريم ومن دين الإسلام.
وإذا قال الرافضي أن للإمام من أهل البيت سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون.
أليس هذا كفراً لم يخطر ببال اليهود والنصارى ولا ببال عتاة عباد الأصنام.
ماذا يبقى لله إذا كان للإمام من أهل البيت تسلط على كل ذرة من ذرات الكون.
أليس هذه الفرية مضادة لقول الله تعالى: { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون } (يونس 31-32).
أليس هؤلاء المخاطبون من المشركين الواضحين أقوى إيماناً بربوبية الله للكون وبانفراده بالتدبير من هؤلاء الذين بلغ بهم الضلال إلى مثل هذه الأقوال.
إن من أسباب تعلق الروافض والصوفية بالأموات أنهم يعتقدون فيهم أنهم يستجيبون الدعوات ويكشفون عنهم الكربات، وهذا أمر لا يجحده إلا أهل الكذب والمغالطات والمكابرات، وقد أدانهم بذلك علماء الإسلام الكبار الثقات.
وانظر إلى هذا الرجل الذي عاش ودرس في بلاد التوحيد كيف أوصله هواه إلى هذه الدركات، فيقول مدافعاً عن غلاة الرافضة بأن الله منح الأولياء والأئمة القدرة على هذا أي على التسلط على كل ذرة من ذرات الكون.
فعلى قوله هذا يكون قد منحهم ربوبيته وتنازل لهم عن ملكه وتدبيره وأعطاهم القدرة على إحياء الأموات.
هذه أيها الخرافي من خصائص الربوبية لا يعطيها الله العلي الكبير لأحد لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل.(1/151)
قال تعالى { والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير } .
وقال تعالى: { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وأن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب. ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز } .
هؤلاء ما قالوا في معبوداتهم أنها تفعل شيئاً من هذا أو ذاك ولا تملك هذا أو ذاك ولا قالوا إنها تخلق بإذن الله ولا قالوا لها سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون.
ومع هذا يقول الله لهم: " ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ".
إن الله يا هذا لم يعط عيسى ولا غيره القدرة على الخلق فالله هو الخالق وحده فعيسى يصور من الطين كهيئة الطير وينفخ فيها، والله بقدرته هو الذي يخلق هذا الطير.
إنما عيسى متسبب بدعائه لله والله يخلق الروح والحياة في هذه الصورة من الطين فعيسى ليس بخالق وهو مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
وكذلك كل الأنبياء والرسل فضلاً عن غيرهم قال الله لأفضل رسله { قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون } .
فيعلِّم الله نبيه والأمة بهذا ليرسخ عقيدة التوحيد في نفوسهم فكان الأمر كذلك حتى جاء أهل الضلال بهذه الترهات المضادة لعقيدة التوحيد.
إن قدرة الله وعلمه وحكمته هي التي يحصل بها إبراء الأكمه والأبرص فعل الله ذلك بقدرته وعلمه إكراماً لعيسى كما يكرم غيره من الأنبياء بإبراز هذه الآيات على أيديهم لتكون أدلة على صدق رسالاتهم ومن ذلك جعل عصا موسى ثعباناً مبيناً وخلق ناقة صالح من الصخرة كل ذلك بعلمه وتقديره ومشيئته وقدرته لا بقدرة أحد من عباده وخلقه.
دفاعه عن رؤوس الضلال وطعنه في السلفيين(1/152)
قال المالكي في (ص 16): "الملحوظة الخامسة عشرة ويقول: (ص 23) (فإن أعداء الله (هكذا! لهم اعترافات كثيرة يصدون بها الناس منها:
قولهم نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً - عليه السلام - لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين قاتلهم رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- مقرون بما ذكرت ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه والشفاعة..... ".
ثم قال:" أقول: هذا يدل على أن الشيخ يرى تكفير هؤلاء الذين يقولون القول السابق، وأنه يعتبرهم مشركين شركاً أكبر كشرك كفار قريش وهذا عين التكفير وأكبر أحوالهم أن يكونوا مبتدعين فقط والمبتدع لا يجوز تكفيره فضلاً عن قتله،
وكل المبتدعين المقتولين عبر التاريخ إنما كانوا مقتولين لظروف سياسية بحته؛ يدركها من درس التأريخ (24) ".
التعليق:
1- أن الشيخ لا يكفر من وقع في الشرك الأكبر إلا بعد البيان وإقامة الحجة كما وضحنا ذلك عنه وعن أتباعه.
2- أن الإمام محمداً - رحمه الله - كان قد أجاب على شبه أهل الضلال بجواب مجمل ثم قال هنا (ص 19 – 24) وأما الجواب المفصل فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه:
منها قولهم: نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن عبد القادر وغيره، ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم. فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين قاتلهم رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-مقرون بما ذكرت ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه و الشفاعة واقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه.(1/153)
فإن قال: هؤلاء الآيات نزلت في من يعبد الأصنام كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام أم كيف تجعلون الأنبياء أصناماً؟! فجاوبه بما تقدم فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة.
ولكن إذا أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الصالحين والأصنام ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب)، ويدعون عيسى ابن مريم وأمه وقد قال الله تعالى: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون. قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم).
واذكر له قوله تعالى: (ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون. قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون).
وقوله تعالى: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب).
فقل له: أعرفت أن الله كفر من قصد الأصنام وكفر أيضاً من قصد الصالحين، وقاتلهم رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-؟
فإن قال: الكفار يريدون منهم، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه، والصالحون ليس لهم من الأمر شيءٌ، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم.
فالجواب: أن هذا قول الكفار سواء بسواء، فاقرأ عليه قول الله تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدوهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى).
وقوله تعالى: (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله).
واعلم أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم فإذا عرفت أن الله وضحها في كتابه وفهمتها فهماً جيداً فما بعدها أيسر منها".(1/154)
فماذا صنع هذا المالكي ؟
لقد بتر كلام الإمام محمد - رحمه الله - المشتمل على الحجج القاطعة من كتاب الله التي بين الله في كتابه كفر من يتعلقون بالأنبياء أو الملائكة ليبين أن الله قد حكم على من يدعو الأنبياء أو الملائكة أو الأوثان أو الأولياء بالكفر والضلال فمن فَعَلَ فعل هؤلاء الكفار من نصارى ووثنيين ومن عرب وغيرهم، ففعله كفر وشرك أكبر ومع هذا فقد بين الإمام محمد - رحمه الله - أنه لا يكفر من فعل هذا الشرك حتى يبين له البيان الشافي ويقيم عليه الحجة.
والإمام منذ بدأ بالدعوة إلى الله وإلى إخلاص الدين لله قد بين لأهل نجد أولاً ولغيرهم ثانياً غاية البيان في مؤلفاته ومراسلاته ودروسه، فاستجاب من استجاب وعاند من عاند وحارب، وألب على الشيخ، ومن هنا يسمى هذا الصنف بأعداء الله لأن هؤلاء الضالين لا يرون أن القرآن ينطبق عليهم كما يرى ذلك هذا المالكي، وهذا ضلال عريض يرفضه الشرع والعقل.
على أن الإمام محمداً تنزل مع هؤلاء كالمسلِّم لقولهم:نحن لا نشرك بل نشهد أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً..الخ.
تنزل معهم في هذه الدعوى الكاذبة أما غيره كالشوكاني والصنعاني وآل الآلوسي، فلا يسلمون لهم هذه الدعوى، إذ واقعهم يكذبهم ويسوقون الأدلة على كذبهم من واقعهم وأحوالهم.
3- يظهر من قول المالكي " ... وأكبر أحوال هؤلاء أن يكونوا مبتدعين فقط "
أنه لا يكفر من وقع في الكفر والشرك حتى بعد قيام الحجة.
وأقول: هذا كلام يدل على هوى وعناد وجهل عريض لا يدري المسكين أنه بهذا الهراء قد خالف الكتاب والسنة وأئمة الإسلام وفقهاء المذاهب الإسلامية.
ومعنى دعواه هذه أن نلغي أحكام الردة من كتب العقائد والفقه ونحكم على الصحابة والتابعين وعلماء الإسلام بالظلم متابعة للخرافيين والروافض من أمثال هذا المالكي.(1/155)
4- انظر إلى محاماته عمن قتلهم حكام المسلمين بل قتلهم علي بن أبي طالب وأحرقهم من الزنادقة، بل قتل الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون أهلَ الردة.
فهو يتهم العلماء وحكام المسلمين الذين كانوا يقتلون الزنادقة كالراوندية والخرمية والباطنيين، ويحامي عن الحلاج وأمثاله من الزنادقة.
يتهم المسلمين بأنهم لا يغارون على الإسلام ولا يعملون بأحكامه وإنما ينطلقون في قتل المسلمين عند المالكي من منطلقات سياسية وهذا أسلوب الروافض والعلمانيين في الطعن في العلماء وفي حكام بني أمية وبني العباس حقداً على الإسلام وتشويهاً لأهله.
{ قاتلهم الله أنى يؤفكون } .
دفاعه المغلف عن الباطنية العبيديين
قال المالكي: "الملحوظة السادسة والعشرون: أيضاً قوله (ص50) (عن الفاطميين بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس. فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين).أهـ ثم قال معلقاً:
"أقول: وهذا أيضاً غير صحيح فالحرب بين الأيوبيين والفاطميين حرب سياسية بحته لا دخل للدين بها.
وكانت البدع يومها في كل مكان في دولة بني العباس في العراق وتحت حكم صلاح الدين في مصر والشام وعند الفاطميين في مصر..الخ كان الوضع في العالم الإسلامي يومها كالوضع في عهد الشيخ محمد تماماً !(1/156)
وجاء صلاح الدين مدداً للفاطميين من آل زنكي، ثم استولى، ولابد أن يستخدم الفاطميون والأيوبيون الدين سلاحاً في المعركة كما يفعل حكام العرب اليوم فالأمر ليس فيه غرابة، لابد أن تظهر كل دولة أن حربها للآخرين دينية وليست سياسية حتى تستجيش معها الغوغاء. وقد بدأ استخدام الدين لخدمة السياسة من أيام الدولة الأموية، من عهد معاوية تحديداً (1) .
أما الفاطميون أو العبيديون لاتهمني التسمية فلن يعدموا مدافعين عنهم وناشرين لفضائلهم، بل أسوأ الفاطميين وهو الحاكم بأمر الله الذي اتُهم بالزندقة والكفر ومع ذلك فقد دافع عنه بعض العلماء والمؤرخين ".
ما يؤخذ عليه في هذا الكلام
ستظهر المآخذ عليه بعد نقل كلام الإمام محمد -رحمه الله-:
قال الإمام محمد: في كشف الشبهات (ص40)" ويقال أيضاً: بنو عبيدٍ القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس، كلهم يشهدون أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويدّعون الإسلام،ويصلون الجمعة والجماعة، فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه، أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين".
التعليق:
1-لم يسلم المالكي بما ذكره الشيخ فقال: " وهذا لم يصح "ولم يعبأ بما حكاه الإمام من إجماع العلماء على كفر العبيديين وقتالهم.
__________
(1) معاوية صحابي جليل وإمام عادل فكيف تفتري عليه هذه الفرية التي لا يتفوه بها إلا الزنادقة والروافض الحاقدون على أصحاب رسول الله كيف تسوي بينه في الأهداف وبين الباطنيين العبيديين وكيف تسوي بني أمية الذين أعز الله بهم الإسلام والعباسيين وإن كانت عندهم أخطاء بالباطنيين الذين تدافع عنهم بأسلوب ماكر.(1/157)
2-أن الإمام محمداً -رحمه الله- قد نسبهم إلى جدهم عبيد القداح اليهودي، فلم يعجب المالكي هذا فوصفهم بالفاطميين رمزاً منه إلى إيمانه بصحة نسبهم إلى فاطمة فهم عنده هاشميون من ذرية سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - مراغمة للإمام محمد وأهل السنة ويرمز إلى أنهم أحق بالخلافة من غيرهم كما هو معتقد غلاة الشيعة وكما هي مسالكهم في دس عقائدهم.
3- حذف من كلام الإمام محمد" قوله: كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويدعون الإسلام ويصلون الجمعة والجماعة.
فلماذا حذف هذا الكلام ؟
لأن الإمام محمداً وصفهم بما وصف به المرتدين والمنافقين من إعلان الشهادتين والصلاة وغيرها من شعائر الإسلام، ثم هم مع ذلك مرتدون ومنافقون، فشغب عليه بأنه يمدح المنافقين والمرتدين بل وكفار قريش ويفضلهم على المسلمين، فلماذا حذف هذا الكلام وهو على منهجه مدح للكفار والمرتدين والمنافقين ؟.
الظاهر أنه يخالف إجماع المسلمين على كفرهم وأنه يراهم من أهل البيت وأحق بالخلافة وأن وصفهم بأنهم يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول وأنهم يصلون الجمعة والجماعة قليل في حقهم، وأن العلماء ومنهم الإمام محمد قد ظلموهم في تكفيرهم ونسبتهم إياهم إلى عبيد القداح اليهودي.
لقد عجز عن الدفاع عنهم وعن التصريح بما يعتقده فيهم لأنه خشي إن ذكر هذا الكلام في وصفهم، ولم يشغب على الإمام كما شغب عليه في الكفار والمنافقين والمرتدين أن ينتبه الناس لعدم شغبه فحذف هذا الكلام لتنصرف الأنظار عن سوء الظن به وبمعتقده في بني عبيد القداح اليهودي.
4- انظر كيف سوى بين الأيوبيين وعلى رأسهم صلاح الدين الأيوبي البطل المجاهد الذي شهد له التاريخ والمسلمون بأنه مسلم صادق مجاهد وبين من شهد عليهم المسلمون والتاريخ بالكفر والزندقة والحقد على الإسلام والمسلمين والمجازر الرهيبة التي ارتكبوها في حق المسلمين.(1/158)
لقد شهد المسلمون والتاريخ لصلاح الدين بأنه مخلص وقائد إسلامي فذ، وقف نفسه على الجهاد في سبيل الله فواجه الصليبيين في القدس والشام، فهزمهم وطهر أرض الإسلام من أرجاسهم كما واجه العبيديين الباطنيين فطهر مصر من أرجاسهم وظلمهم وعسفهم وتألههم، ورفع راية السنة وأظهر شعائر الإسلام وقضى على مظاهر الإلحاد والزندقة.
انظر كيف أخفى كل هذا وسواه بالباطنيين في الغاية وأنها سياسة بحته وإنما صلاح الدين شأنه شأن الحكام العرب المعاصرين الذين يتظاهرون بأن حربهم دينية وهم بعيدون عن ذلك، ولم يذكر حكام العجم كالخميني مثلاً ومصطفى أتاتورك وأمثالهما لأغراض لا يصعب إدراكها وعلى كل حال فهو يدافع عن العبيديين بطريقة ماكرة ثم قد لا يعجزه وجود من يدافع عن العبيديين من الزنادقة والروافض ومن ينخدع بهم من ضعفاء المؤرخين الذين قد يأخذ بأقوالهم ويترك في الوقت نفسه إجماع علماء المسلمين المعتبرين الذين عاصروهم وعرفوا كفرهم وزندقتهم، والمبطل لا يعوزه أن يجد مثل خيوط العنكبوت من الأباطيل فيتعلق بها.
5- قوله: (بل أسوأ الفاطميين وهو الحاكم بأمر الله الذي اتُهم بالزندقة والكفر ومع ذلك فقد دافع عنه بعض العلماء والمؤرخين).
أقول: هذا الكلام فيه تلبيس وإيهام أن الحاكم وحده من بين العبيديين رمي بالزندقة والأمر بخلاف ذلك، فإن الحكام العبيديين كلهم من أولهم إلى آخرهم يجزم العلماء بفساد مذهبهم وزندقتهم بدءاً بأصلهم عبيد الله الذي تسمى زوراً بالمهدي.
(1)قال الذهبي في سير أعلام النبلاء(15/141): (المهدي وذريته: هو عبيد الله أبو محمد أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية الذين قلبوا الإسلام وأعلنوا بالرفض وأبطنوا مذهب الإسماعيلية وبثوا الدعاة يستغوون الجبلية والجهلة.(1/159)
وادعى هذا المدبر أنه فاطمي من ذرية جعفر الصادق فقال: "أنا عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد. وقيل: بل قال: أنا عبيد الله بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. وقيل: لم يكن اسمه عبيد الله، بل إنما هو: سعيد بن أحمد. وقيل: سعيد بن الحسين. وقيل: كان أبوه يهودياً. وقيل: من أولاد ديصان الذي ألف في الزندقة).
(2) وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء(15/152):(ذكر القاضي عبد الجبار المتكلم أن القائم أظهر سب الأنبياء وكان مناديه يصيح: العنوا الغار وما حوى، وأباد عدة من العلماء، وكان يراسل قرامطة البحرين ويأمرهم بإحراق المساجد والمصاحف).
انظر بلاغاتهم السبعة في السير (15/144،141)، واقرأ لمحة عن معتقدهم وأصولهم في سير أعلام النبلاء(15/178).
(3) وقال الذهبي في السير(15/154): "وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد لما شهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه، وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة يصدق بعضها بعضاً".
واقرأ ما بعد هذه الصفحة في بيان كفر العبيديين، وانظر تاريخ ابن خلدون(4/3061) وفيه ذكر وفاة الحاكم وقد دافع خطأً عن نسبهم بناء على رأيه لا على الأدلة والبراهين، ومع ذلك لم يدافع عن عقيدتهم.
واقرأ أخبارهم في المصادر التالية: تثبيت دلائل النبوة للقاضي عبد الجبار الهمذاني (ص601)، وأخبار القرامطة(للدكتور سهيل زكار،ص182)، والإسماعيلية تاريخ وعقائد للشيخ إحسان إلهي ظهير(ص122)، والبيان المعرب في أخبار الأندلس والمغرب(ص158-161).
دفاعه عن أهل البدع والأهواء مع طعنه الشديد في
الإمام محمد وفي أهل السنة والتوحيد
قال المالكي(ص16): "الملحوظة الثالثة عشرة: ويقول ص 19: (وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا...)!!.أهـ.(1/160)
ثم قال: أقول يا ترى من هم هؤلاء المشركون الذين يغوصون في أدلة الكتاب والسنة مع فصاحة وعلم وحجج...؟! أليسوا علماء مختلفين معه في دعوى كفر مخالفيه من علماء وعوام؟ لا ريب أن هذا فيه تكفير صريح للمخالفين له ممن نسميهم (خصوم الدعوة) أو (أعداء التوحيد) أو (أعداء الإسلام) !! وهذا ظلم، لأن الشيخ كان يرد على مسلمين ولم يكن يرد على كفار ولا مشركين،وهذه رسائله وكتبه ليس فيها تسمية لمشرك ولا كافر وإنما فيها تسمية لعلماء المسلمين في عصره كابن فيروز، ومربد التميمي، وابني سحيم سليمان، وعبد الله ابن عبد اللطيف، ومحمد بن سليمان المدني، وعبد الله بن داود الزبيري، والحداد الحضرمي، وسليمان بن عبد الوهاب، وابن عفالق، والقاضي طالب الحميضي، وأحمد بن يحي، وصالح بن عبد الله، وابن مطلق،وغيرهم من العلماء الذين يطلق عليهم (المشركون في زماننا)!!"
التعليق:
1- إن هؤلاء المذكورين لو حصل من الشيخ تكفير أحد منهم فلن يكون ذلك منه إن شاء الله إلا بعد التأكد من قيام الحجة عليه كما أسلفنا أنه لا يستحل التكفير إلا بعد قيام الحجة على خصومه وبعد عنادهم.
2- نقول للمالكي سمّ لنا الآن من يصف هؤلاء بأنهم مشركون بعد أن عفت آثارهم وأخمد الله ذكرهم في هذه الدنيا فلا يعرفهم أو بعضهم إلا المتخصصون المنقبون.
3- هل تكفير الإمام محمد وأتباعه على أساس الجهل والهوى وعلى أسس الخوارج أو على العلم والبصيرة وفي ضوء الكتاب والسنة وعلى أسس أهل السنة والجماعة.
4- هل مثل هؤلاء الذين سميتهم يصح شرعاً أن يوصفوا بأنهم علماء ؟ وهل هم ممن قال الله فيهم { إنما يخشى الله من عباده العلماء } ؟ وهل هم من علماء التوحيد الذي جاء به الرسل ونزلت به الكتب وشرع من أجله الجهاد أو هم علماء سوء وأهل أهواء وفجور في خصومتهم يدافعون في هذه الخصومة عن الشرك والضلال والبدع ؟(1/161)
5- أن الإمام محمداً لم يسم من ذكرت في هذا الكتاب الذي اخترته للهجوم عليه، فلماذا تثير هذه الأسماء وقد اندثر ذكرهم وعفا عليهم وعلى أسمائهم الزمن.
6- هل الإمام محمد كفّر هؤلاء جميعاً وأين كفرهم ؟
7- نحن واثقون أنه لو كفر أحداً منهم فلا يكفر إلا بحجة ومن خاصمه في حياته فقد أقام عليه الحجة.
8- هؤلاء الذين سميتهم كما قلنا لا يعرفهم إلا النادر من المتخصصين الذين يعلمون ما عندهم من العداوة والحرب على التوحيد وأهله والصد عن سبيل الله ودينه العمل الذي يشبه أعمال اليهود الذين يعرفون الحق ثم يعادون أهله ويحاربونه وأهله بكل وسيلة خبيثة تمكنهم.
9- أضرب بعض الأمثلة لبيان نوعيات هؤلاء وأمثالهم التي ينافحون عنها ويدعون إليها ويحاربون الإمام محمداً من أجلها.
قال الحداد: وينبغي اليوم في هذا الوقت من الحوادث التي حدثت في الثلم في الدين باعتقاد العامة قول البدعي:" إن الاستغاثة شرك فالعالم والمقتدى به ينبغي له أن يظهر الاستغاثة ليقتدي به " مصباح الأنام (ص60) نقلاً عن دعاوى المناوئين (ص165) إعداد عبد العزيز بن محمد بن عبد اللطيف.
ويقول عبد الرحيم البرعي في مدح البجلي والحكمي:
لكما يحمل عرش ربك همة ... ويد من الأيدي التي بنت السما
ويحيط سركما الوجود ... فليس شيء يخفى عنكما
وديوان البرعي مقدس عند كثير من أهل اليمن وهو مليء بالشرك والضلال.
ويقول المرغني:
وكنت عين وجود القدس في أزل ... يسبح الكون تسبيحاً لإجلالي
فالعرش والفرش والأكوان أجمعها ... الكل في سعتي مستهلك بالي
وكل فضل سما لكون مرتفعا ... فإنما هو من مني وأفضالي
فانظر كيف يدعي أنه هو الله وأن الكون يسبح لإجلاله وتعظيمه وأن كل النعم في هذا الكون إنما هي من منِّه وأفضاله وكم له من الأتباع يؤمنون بهذا الإلحاد إلى يومنا هذا في السودان.(1/162)
وهذا أحد رؤوس الضلال والشرك وهو الشيخ أحمد الخامي ينعق بأبيات شركية مغرقة في الضلال في مدح نفيسة بنت الحسن المدفونة في مصر فيقول فض الله فاه:
ياصاح إن رمت الحياة الفاخرة ... ... فاقصد حمى بنت الكرام الطاهرة
ذات الكرامات المعظمة التي ... ... أسرارها بين الخلائق ظاهرة
وبها توصل واحتم بجوارها ... ... أذكر مصابك تلقها لك ناصرة
فهي المنجية الشباب من العذاب ... ... مغيثة الملهوف شمس الدائرة
كم جاءها ذو فاقة يرجو الغنى ... ... جبرت بتيسير المعايش خاطرة
فاغنم وسل بمقامها تعط المنى ... ... فعلى الدوام لزائريها حاضرة
وادخل وطف واسعى وسل ... ... بتأدب ما تشتهيه ونادها ياطاهرة
أني قصدتك مستغيثاً لائذاً ... ... مستعطفاً أهل القلوب العامرة
حاشا وكلا أن يضام نزيلكم ... ... أو أن يعود بصفقة هي خاسرة
يا كعبة الأسرار جئتك لائذاً ... أبغى الندى من وكف كف عاطرة
يا أم قاسم الغياث فإنني ... ... عبد ضعيف الحال يدي قاصرة
دنف ومسكين مهين عابر ... ... ما لي معين قط عيني ساهرة
يا بنت طه أنقذي من لم يجد ... ... جاهاً سوى ذي المعجزات الظاهرة
المصطفى الهادي البشير محمد ... ... من يرتجي كل الأنام مآثرة
صلى عليه الله ما بدر زها ... والآل والصحب النجوم الزاهرة
أو ما استغاث الخامي أحمد قائلاً ... يا صاح إن رمت الحياة الفاخرة
(نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار –صلى الله عليه وسلّم-) للشيخ مؤمن بن حسن الشبلنجي (ص213).
انظر إلى هذا الشرك العظيم:
1- الذي يقصد الحياة الفاخرة فليقصد حمى نفيسة التي لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً فهذا رسول الله يقول له ربه " قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً ".
2- يؤكد الاحتماء بجوارها ويعتقد أنها تملك النصر لمن يحتمي بجوارها.
3- وهي تملك صفة الإنقاذ والنجاة للشباب من العذاب ولعله يقصد أنها تملك ذلك في الدنيا والآخرة وهذه من صفات الله وخصائصه.
4- وهي مغيثة الملهوف وهذه من صفات الله وخصائصه.
5- وهي شمس الدائرة ولا يبعد أن الرجل من مقدسي الشمس والكواكب.(1/163)
6- ويدعي أنه قد جاءها الكثير من أهل الفاقة فجبرت خواطرهم بتيسير العيش لهم وهذه من صفات الله وخصائصه.
7- ويحث أهل الضلال أمثاله على الاغتنام والسؤال بمقامها يريد أنها تحقق لهم مطالبهم مهما كانت.
8- ويعد الخرافيين من أمثال من يدافع عنهم المالكي بنيل ما يتمنونه لأنها على الدوام حاضرة مثل رب العالمين.
9- ويدعو إلى عبادتها والطواف والسعي حول قبرها وسؤالها كل ما يشتهيه السائلون من أمور الدنيا والدين.
10- ويأمر بندائها والتذلل أمامها كما يتذلل ويخضع لرب العالمين فيقول في ندائه إني قصدتك مستغيثاً لائذاً مستعطفاً فهي الملاذ المستغاث به دون رب العالمين.
11- وينزهها أن يضام نزيلها أو يعود بصفقة خاسرة لأنها تملك الخزائن وتعطي من تشاء.
12- ويتذلل لها فيقول بأنني عبد ضعيف الحال يدي قاصرة ودنف ومسكين ومهين وعابر ماله معين قط حتى رب العالمين فقد نسيه وأنزل ذله ومسكنته ودنفه وعونه بنفيسة المسكينة التي لا تملك لنفسها مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ونسى رب العالمين، فهل وصل الكفار في الشدائد إلى مثل هذه الحال. هذه النوعيات هي التي حاربت ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وهي التي دافع عنها خصوم هؤلاء الأئمة ولا سيما الإمام محمد - رحمه الله- ويدافع عنهم المالكي وهذه النوعيات موجودة في العالم الإسلامي ومنهم البريلوية في الهند وباكستان وبنجلادش يمثلون أكثرية المسلمين فيها.
وموجودة في البلاد العربية في مصر والسودان ودول أفريقيا تيجانية ومرغنية وبرهانية وقادرية وشاذلية ويحتاجون إلى من يدعوهم إلى دين الله الحق ويرشدهم إلى صراطه المستقيم ويبذل الجهود لإخراجهم من ظلمات الضلال إلى نور التوحيد لا إلى من يدافع عنهم ويتباكى لهم.(1/164)
ونحن رغم هذا لا نكفرهم ونشترط قيام الحجة عليهم لأنهم لا يجدون من ينبههم بل لا يجدون في الغالب إلا من يصدهم عن سبيل الله ويدافع عن ضلالهم من أمثال المالكي وكم لهؤلاء المضللين من الكتب التي تحمل هذا الضلال الذي عرضنا منه قطرة من بحر.
ويقول الديبعي في مولده الذي يمدح رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-:
من رأى وجهك يسعد ... يا كريم الوالدين
حوضك الصافي المبرد ... وردنا يوم النشور
أنت غفار الخطايا ... والذنوب الموبقات
أنت ستار المساوى ... ومقيل العثرات
يا ولي الحسنات ... يا رفيع الدرجات
كفر عني الذنوب ... واغفر عني السيئات
عالم السر وأخفى ... مستجيب الدعوات
كتاب(الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر) (ص182-183)
انظر إلى هذا الكفر لقد أعطى النبي –صلى الله عليه وسلّم- سبعاً من خصائص الله في ربوبيته وعظمته وجلاله.
فهل الديبعي يجهل هذا أو هو يريد أن ينشر الإلحاد في المسلمين تحت ستار حب الرسول –صلى الله عليه وسلّم-.
أرأيت لو سمع رسول الله وأصحابه مثل هذا الإطراء العديم النظير فماذا سيقولون لمثل هذا الضال الغالي إنه سيستتاب فإن تاب وإلا قتل قتل المرتدين.
ثم قال المالكي:"وقد استمر علماء الدعوة بعده في تكفير أو تبديع يصل للتكفير لعدد آخر من علماء المسلمين – أخطأوا ولم يكفروا – في عهد الدولة السعودية الثانية كابن سلوم و عثمان بن سند وابن منصور وابن حميد وأحمد بن دحلان المكي... وداود بن جرجيس وغيرهم.
وفي القرن الرابع عشر الهجري استمر تكفيرنا وتبديعنا لعلماء معاصرين – أخطأوا ولم يكفروا – كالكوثري والدجوي، وشلتوت، وأبي زهرة، والغزالي، والقرضاوي، والطنطاوي، والبوطي، والغماري، والكبيسي، وغيرهم، ولو نستطيع لقلنا عنهم (المشركون في زماننا) وقد قيل !!(1/165)
ومن المؤسف أنه لا يوقف تكفيرنا وتبديعنا للآخرين إلا السلطة أو العجز (1) ، ولولاهما لما أبقينا أحداً إلا وصمناه بكفر أو بدعة مكفرة ! مع أن الواجب أن يكون هذا التورع عن التكفير والتبديع من العلماء لا من الحكام، ولا وقت العجز، لأن العلماء يعرفون عظمة حق المسلم وتحريم دمه وماله وعرضه، فهي آخر ما أوصى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع، فهذه الخطبة التي بثها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مائة ألف من المسلمين يحفظها بألفاظها العلماء لا الحكام، فكان الأولى والأجدر بهم حفظ ورعاية هذه الوصية النبوية الكبرى".
حكمه على الإمام محمد وعلى أهل السنة بأنهم أشد من الخوارج تكفيراً ومدحه الماكر لثورة الخميني ودفاعه الماكر عن سيد قطب وصرف قضية التكفير عنه
قال في (ص19-20):" بل إن بقايا الخوارج أنفسهم في الأزمنة المتأخرة لا أظن أنهم كفروا العوام أو استحلوا دماءهم، كما فعل الشيخ - رحمه الله- وأتباعه بفتاوى منه في العلماء والعوام.
فسامحه الله وغفر له فقد زرع خيراً كثيراً لكن شابه شيء من الشر بدافع الحماس،فأما الخير فقضاؤه على كثير من البدع والخرافات لكنه بالغ حتى وصل للغلو المذموم.
وبعض الأخوة يقول: كيف ننقد منهج الشيخ وبفضله – بعد فضل الله – كان هذا الوطن الإسلامي الكبير ؟!
__________
(1) هذا كلام باطل، هات تكفير هؤلاء ومن كفرهم، فالعلماء في هذه البلاد مكرمون محترمون وليس هناك أي حجر عليهم حسي أو معنوي وفتاواهم تصدر بمقتضى الشريعة الإسلامية ومنها التبديع والتكفير.
والتكفير والتبديع وارد في الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح بشروطهما فمن ألغاها أو أراد إلغاءها فهو مناهض لتشريع الله عز وجل وكفاه ذلك ضلالاً وخزياً فإذا رأيت العلماء لا يكفرون فلاناً وفلاناً فسبب ذلك التثبت والتورع عن التكفير لعدم توفر الشروط ولوجود الموانع لا خوفاً ولا عجزاً.(1/166)
نقول: هذا لا شك من المحاسن الكبرى للشيخ، وقد ذكرناها في المقدمة، ولن ينساها له المخلصون من الناس، فربما لولا دعوته وقتاله لسكان الجزيرة [27] لما توحدوا من الخليج إلى البحر الأحمر، ومن جنوب الشام إلى اليمن، لكن (جمال النتيجة لا يعني صحة المقدمات)، فالنتائج قد تكون جميلة مع بنائها على مقدمات ناقصة وهذا يعرفه أهل المنطق وغيرهم.
فثورة الخميني مثلاً كانت نتيجتها جميلة من إزالة العلمانية التغريبية من دولة إيران، لكن هذه النتيجة لا يعني عدم نقد الخميني ومغالاته، وكذلك لو قام أحد الخوارج وكوَّن دولة فإنّ حسن النتيجة لا يعني صحة المنطلقات.
وهذا أيضاً مثلما لو قام أحد الحكام بقتل السارق بدلاً من قطع يده، فلا بد أن تقل السرقة وعندئذ يأتي المثني على هذا الحاكم ليصف النتيجة الجميلة من قلة السرقة أو انعدامها.... !! ولكن فعل الحاكم هنا كان خلاف النصوص الشرعية، ولا بد يوماً ما أن يكون لفعله هذا آثار سلبية، لأن شريعة الله كاملة وليس فيها حكم شرعي إلا وهو وسط بين تطرفين.
وكذلك لو قام أحد الحكام بقطع يد كل من قطع إشارة المرور أو تجاوز السرعة القانونية !! فلا بد أن ينضبط المرور وتنعدم الوفيات ! في درجة تعجب منها الدول المتحضرة ! ويأتي من يثني على نتائج هذا القرار !! وأنه كان قراراً حكيماً وأن الوفيات انخفضت من ستة آلاف في السنة إلى (15) وفاة فقط !! وقل عدد الجرحى والمعاقين من مائة ألف في السنة إلى 86 حالة فقط !!
لكن ما رأيكم في شرعية هذا القرار شرعاً وقانوناً ؟! وماذا سيسببه على المدى الطويل؟! الإجابة معروفه للعقلاء من علماء الشريعة وعلماء التاريخ والقانونين.
وكذلك قتال المسلمين لا يجوز لمجرد وجود بدع وخرافات، لأن القتال لا يجوز إلا بنص شرعي، أما بلا نص فارتكابه أسوأ من تلك البدع والخرافات.(1/167)
والشيخ محمد - رحمه الله - ربما لو لم يقاتل المسلمين واكتفى بمراسلة العلماء يحثهم على الدعوة إلى الله، ربما لو فعل هذا لتجنبنا مآسي التكفير من ذلك الزمن إلى عصرنا هذا الذي يعتمد فيه المكفرون على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة في تكفير المسلمين.
وإن كان سيد قطب رحمه الله قد بالغنا في نقده لأننا وجدنا في (متشابه) كلامه ما يوحي بالتكفير، فإن الشيخ محمد (كذا) قد وجدنا التكفير في (صريح) كلامه لا متشابهه! فجعلنا سيد قطب كبش فداء لأنه ليس له أنصار عندنا وللشيخ أنصار !
وهذا ليس من أخلاق طالب العلم الذي يقول الحق ولو على نفسه، ولا يحمل المسؤولية الأبرياء.
وهذا يدعونا لنقد عبارات الشيخ مع الاعتراف بفضله علينا، لكن الضرر في كتبه وإن رآه البعض يسيراً فإنه في الوقت نفسه خطير والمشكلة الكبرى عندنا أن فتاوانا اليوم في التكفير تخالف الشيخ تماماً، لكننا نجبر الناس على الإيمان بفتاوى الشيخ التي تحمل توسعاً في التكفير، والإيمان بفتاوانا التي كان يراها الشيخ (إرجائية) والتي تتفق مع فتاوى خصوم الشيخ في الرد على التكفير ! وهذا جمع بين المتناقضات [28] ولو أننا قلنا: إن الشيخ اجتهد في التكفير فأخطأ لزال كل هذا التناقض، ولم ينقص دين ولا دنيا ولا مكانة، فالدين لا يهتز لتخطئة أمثال عمر وعلى - رضي الله عنهما -، فكيف يهتز لتخطئة ابن تيمية أو ابن القيم أو الشيخ محمد ابن عبد الوهاب.
وبيان أخطاء الشيخ محمد في هذا الجانب (جانب التكفير) مفيد وضروري، لأن المجتمع السعودي علماؤه وطلاب العلم فيه تربوا على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة الذين كانوا يميلون لتكفير المسلمين، ولابد أن يتأثر بعضهم بهذا الجانب".
التعليق:
1- أن الإمام لا يكفر إلا من قامت عليه الحجة ولقد جد وبالغ في إقامة الحجة بمؤلفاته ورسائله ويدعم هذه الدعوة بالحجج والبراهين كما هو معلوم وشائع ومتواتر.(1/168)
2- تكفير من قامت عليه الحجة وقتاله بعد إقامة الحجة وعناده ومحاربته من دعا إلى تحكيم الله ورسوله أمر جاء به الشرع؛ فالذي ينكر القيام بأحكام الله على الوجه الذي شرعه الله عدو لله ولرسوله وللإسلام والمسلمين معارض لشريعة الله معارض لأحكامه التي لا يقوم الإسلام إلا بها.
3- كان فيمن كفرهم وقاتلهم الإمام محمد، بشر كثير ممن ينكر البعث وكان خصومه الألداء يعرفون هذا ولا يكابرون فيه وكان فيهم من عنده أكثر من مائة ناقض من نواقض الإسلام ومع هذا لم يقاتلهم إلا بعد إقامة الحجة ووضوح المحجة ولو واجه النبي –صلى الله عليه وسلّم- هذا الواقع لما تردد في قتال أهله.
4- قولك بحسن النتائج وفساد المقدمات باطل شديد البطلان في الحكم على فساد المقدمات فالمقدمات صحيحة في غاية الصحة قائمة على كتاب الله وسنة رسوله وعلى سيرة الصحابة الكرام وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون وأما حسن النتائج الذي تعترف به فما نشأ إلا عن حسن المقدمات وجمالها وصحتها.
5- ثورة الخميني ليست حسنة لا في مقدماتها ولا في نتائجها فقد كان شاه إيران قد كبح جماح الرفض الغالي الذي هو شر من العلمانية فمنع سب أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلّم- وتكفيرهم على المنابر وفي سائر وسائل الإعلام ومن نتائج ثورة الخميني إعلان هذا السب على المنابر وغيرها من ميادين الشيطان ولم يقض على العلمانية كما تدعي.
6- من نتائج ثورة الخميني انتشار الرفض في العالم الإسلامي بسبب النشاط الرافضي المتدفق الذي سنه الخميني وشجعه سياسياً واقتصادياً وبكل ما أوتي هو وأعوانه من قوة.
7- الحرب المدمرة التي شنها إشباعاً لطموحاته الرافضية في الاستيلاء على دول الخليج والحرمين وربما سائر بلدان العالم الإسلامي.
فلقد تضاءلت العلمانية أمام نتائج هذه الثورة الرافضية لأن مقدماتها فاسدة ولا ينشأ عن الفساد إلا الفساد فاعترافك بحسن نتائج هذه الثورة إنما هو اعتراف بالرفض وتزيين له.(1/169)
8- الأمثلة التي ضربتها بعيدة كل البعد عن مقدمات ونتائج دعوة الله التي نهض بها الإمام محمد وأنصاره من آل سعود وغيرهم فجزاهم الله خير الجزاء على ما بذلوا من نصرة الإسلام وتجديده عقيدةً ومنهجاً وتطبيقاً.
9- دعواك أن كلام سيد قطب في التكفير متشابه من المكابرة والسفسطة فتكفيره للمجتمعات الإسلامية قائم على الهوى وعلى منهج غلاة الخوارج واضح وضوح الشمس وكتابه الظلال مليء بهذا التكفير الواضح حتى إنه ليكفر بصغير الجزئيات وتكفيره في العالم واضح لا على طريقة الكتاب والسنة وطريقة السلف الصالح.
وإنما على طريقة غلاة الخوارج وأسوأ فهو لا يرى العقائد الشركية والإلحادية منافية للاإله إلا الله ولا يفكر في إنكار هذه العقائد من قريب ولا بعيد.
أما تكفير الإمام محمد فقائم على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح وقائم على التزام الشروط التي اشترطها علماء الإسلام واستمدوها من كتاب الله وسنة رسوله ولا علاقة له بالتكفير المنتشر في الساحة، فإنما هو منطلق من كتابات سيد قطب وكتابات المودودي ومدرستهما فافهم ولا تغالط.
10- قولك " لكن هذه النتائج لا يعني عدم نقد الخميني" لست بصادق في تحسين النتيجة ولا في تظاهرك بجواز نقده فإن كنت صادقاً فوجه نشاطك لنقده ونقد عقائد الرفض بدل أن تحارب الإمام محمداً ودعوته وأنصاره.
11- قولك "ما رأيكم في شرعية هذا القرار شرعاً وقانوناً" قول باطل وسخيف ودليل على الفوضى الفكرية التي تعيشها كيف تسوي بين القوانين الجاهلية وبين شريعة الإسلام.
والقانونيون إذا استنكروا هذا القرار فإنما ينطلقون من جهل لمواجهته جهل عندهم أضعافه فلماذا تقرنهم بعلماء شريعة الإسلام.
12- قولك "وفتاوانا اليوم في التكفير تخالف الشيخ تماماً ".... الخ(1/170)
قائم على الجهل بمنهج السلف الذي قامت عليه دعوة الشيخ وأحكامه وقامت عليه فتاوى أتباعه وأحكامهم وقائم على المغالطة وعلى عدم إدراك المنهج القطبي الذي تخالفه إن كنت منصفاً وستدرك جهلك وظلمك في دعوى التناقض والمخالفة للشيخ ومنهجه وأحكامه.
13- وقولك "لكننا نجبر الناس على الإيمان بفتاوى الشيخ التي تحمل توسعاً في التكفير والإيمان بفتاوانا التي كان يراها الشيخ (إرجائية) ".
قول باطل فعلماء الدعوة يعلمون الناس العقائد الصحيحة والأحكام الشرعية الربانية ويحذرونهم من التكفير بالجهل والهوى الذي قام عليه منهج سيد قطب وأتباعه، ووصف هذا المنهج العلمي القائم على الكتاب والسنة بالإرجاء إنما نشأ عن الإيمان بمنهج سيد قطب الخارجي لا عن منهج الإمام محمد رحمه الله.
فلا تناقض إلا في أدمغة أهل الباطل والضلال.
14- إذا عرف الناس أن الشيخ لا يكفر أحداً إلا بعد قيام الحجة وعرف المخلصون دينه وورعه وتثبته في الحكم على الناس، أدركوا - والحمد لله- أن الشيخ كان مصيباً في أحكامه فلا يضره أن يحاربه الروافض والخرافيون وأن يصفوه بالتكفير فالميزان الصحيح كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أصحابه وتطبيقهم لا ميزان شياطين الإنس والجن.
15- السلفيون والحمد لله لا يرون أن الدين يهتز لتخطئة أحد ولكنهم يرفضون إلصاق التهم الفاجرة سواء ضد الصحابة أو ضد علماء الإسلام كائنين من كانوا بل يحاربون الظلم ولو كان لكافر. ومن هنا يدافعون عن أئمة الإسلام ومنهم ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب فافهم واعقل ذلك.
موافقات أئمة الإسلام السابقين واللاحقين من مختلف البلدان والمذاهب للإمام محمد في مواجهة الشرك والخرافات
وموافقة غيرهم له في هذه المواجهات(1/171)
أولاً- قال أبو بكر محمد بن وليد الطرطوشي المتوفى سنة (520هـ) في كتابه القيم (الحوادث والبدع) التي من ضمنها البدع الشركية (ص104ـ 105) معلقاً على حديث أبي واقد الليثي الذي قال فيه:خرجنا مع النبي –صلى الله عليه وسلّم- قبل حنين ونحن حديثو عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط. فمررنا بالسدرة فقلنا: يا رسول الله ! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر! هذا كما قالت بنو إسرائيل: " اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون "، لتركبن سنن من قبلكم ".
فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها ويرجون البرء والشفاء من قبلها (1) وينوطون بها المسامير والخرق فهي ذات أنواط فاقطعوها ! "
ثانيا- العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة الشافعي المتوفى سنة 665 هـ صاحب كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث التي من ضمنها البدع الشركية قال في الكتاب المذكور (ص 100-101):
"فصل (البدع المستقبحة)
ثم هذه البدع والمحدثات المستقبحة، تنقسم إلى قسمين:
قسم تعرفه العامة والخاصة أنه بدعة، إما: محرمة وإما مكروهة. وقسم يظنه معظمهم ـ إلا من عصم ـ عبادات وقرباً وطاعات وسنناً.
__________
(1) تأمل قوله: " يرجون البرء والشفاء من قبلها... الخ، فهذه عقيدة القبوريين من وقت هذا الإمام فكيف حالهم بعده.(1/172)
فأما القسم الأول: فلا نطول بذكره، إذ كفينا مؤنة الكلام فيه، لاعتراف فاعله أنه ليس من الدين لكن نبين من هذا القسم ما قد وقع فيه جماعة من جهال العوام، النابذين لشريعة الإسلام، التاركين للاقتداء بأئمة الدين من الفقهاء، وهو ما يفعله طوائف من المنتمين إلى الفقر الذي حقيقته الافتقار من الإيمان، من مؤاخاة النساء الأجانب والخلوة بهن، واعتقادهم في مشايخ لهم ضالّين مضلّين، يأكلون في نهار رمضان من غير عذر،ويتركون الصلاة، ويخامرون النجاسات، غير مكترثين لذلك، فهم داخلون تحت قوله تعالى: { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله } .
وبهذه الطرق وأمثالها، كان مبادىء ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها.
ومن هذا القسم أيضاً:
ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وسرج مواضع مخصوصة في كل بلد، يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحداً ممن شهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك، ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائض الله تعالى وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، فيعظمونها،ويرجون الشفاء لمرضاهم، وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي من بين عيون وشجر وحائط وحجر (1) .
__________
(1) انظر إلى عموم هذه الفتنة في زمنه لكل بلد، واصغ لشهادته أنهم يعظمون القبور والأشجار والأحجار والحيطان ويرجون منها الشفاء ويتقربون لهم بالنذور، أليست هذه أعمال شركية لا فرق بينها وبين أعمال المشركين الأولين التي ينكرها حتى اليهود والنصارى.(1/173)
وفي مدينة دمشق - صانها الله تعالى من ذلك- مواضع متعددة: كعوينة الحمى خارج باب توما، والعمود المخلّق داخل باب الصغير، والشجرة الملعونة اليابسة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق سهّل الله قطعها واجتثاثها من أصلها، فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق وسفيان ابن عيينة عن الزهري عن سنان بن أبي سنان عن أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- قال:"خرجنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- إلى حنين" وذكر بقية الحديث.
ثالثاً- شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - المتوفى سنة 728 هـ وكتبه مليئة ببيان التوحيد وأنواعه وبيان الشرك وأنواعه ومن مؤلفاته "الجواب الباهر "، " والتوسل والوسيلة "، "والاستغاثة في الرد على البكري "، "والواسطة بين الحق والخلق"، "واقتضاء الصراط المستقيم".
قال -رحمه الله- في كتابه لا واسطة بين الله وبين عباده في جلب المنافع ودفع المضار (ص 130-133) من مجموعة التوحيد:" وإن أراد بالواسطة أنه لا بد من واسطة في جلب المنافع، ودفع المضار، مثل أن يكون واسطة في رزق العباد، ونصرهم وهداهم، يسألونه ذلك، ويرجون إليه فيه (1) ، فهذا من أعظم الشرك الذي كفّر الله به المشركين، حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء،يجتلبون بهم المنافع، ويدفعون بهم المضار. لكن الشفاعة لمن يأذن الله له فيها حق.
قال الله تعالى: { الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون } .
__________
(1) كذا في الأصل.(1/174)
وقال تعالى: { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } . وقال تعالى: { وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع } ، وقال سبحانه: { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا. أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً } ، وقال: { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير. ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } .(1/175)
وقالت طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح والعزير والملائكة،فبين الله لهم أن الملائكة والأنبياء لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويلاً، وأنهم يتقربون إلى الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه. وقال تعالى: { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } ، فبين سبحانه أن اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً كفر، فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط، يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين وقد قال تعالى: { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين } ، وقال تعالى: { لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً } ، وقال تعالى: { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ً لقد جئتم شيئاً إداً.تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً. أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً. إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً. لقد أحصاهم وعدهم عداً. وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً } ، وقال تعالى:(1/176)
{ ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبؤون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض. سبحانه وتعالى عما يشركون } ، وقال تعالى: { وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى } ، وقال تعالى: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } ، وقال تعالى: { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو. وإن يردك بخير فلا راد لفضله } ، وقال تعالى: { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له من بعده } ، وقال تعالى: { قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون } ، ومثل هذا كثير في القرآن...
ومن أثبتهم وسائط بين الله وبين خلقه، كالحجاب الذين بين الملك ورعيته، بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس لقربهم منهم، والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك، لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج.
فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك (1) يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهؤلاء يشبهون الله، شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أنداداً.
وفي القرآن من الرد على هؤلاء ما لا تتسع له هذه الفتوى ".
__________
(1) وهذا أمر حاصل من المتعلقين بالأولياء من صوفية وروافض في كثير من البلدان ويدافع عن هذا الشرك المالكي وأمثاله ويعتبرونه من الأخطاء ويعتبره المالكي من البدع وبعض أئمة المالكي يراه حقاً لا يجوز إنكاره.(1/177)
وقال شيخ الإسلام أيضاً - رحمه الله- في الرسالة السنية:" فإذا كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- ممن انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام لأسباب منها الغلو في بعض المشايخ، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني أو أغثني، أو ارزقني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال. فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل. فإن الله سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ليعبد وحده لا شريك له، ولا يدعى معه إله آخر. والذين يدعون مع الله آلهة أخرى، مثل المسيح والملائكة والأصنام، لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو تنزل المطر أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم، أو يعبدون قبورهم، أو يعبدون صورهم، يقولون (39: 3) (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (10: 101) (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) فبعث الله سبحانه رسله تنهى عن أن يدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة". وقال أيضاً: "من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعاً ".
نقله عنه صاحب الفروع وصاحب الإنصاف وصاحب الإقناع وغيرهم (1) .
رابعاً- قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في كتابه "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان " (ص212 ـ 213): "ثم إن في اتخاذ القبور أعياداً من المفاسد العظيمة التي لا يعلمها إلا الله تعالى ما يغضب لأجله كل من في قلبه وقار لله تعالى، وغيرة على التوحيد،وتهجين وتقبيح للشرك.
ولكن ما لجرح بميتٍ إيلام
__________
(1) مجموعة التوحيد (ص130-133) وأصله في كتاب الواسطة بين الحق والخلق _ص14-18).(1/178)
فمن مفاسد اتخاذها أعياداً: الصلاة إليها، والطواف بها، وتقبيلها واستلامها، وتعفير الخدود على ترابها، وعبادة أصحابها، والاستغاثة بهم، وسؤالهم النصر والرزق والعافية وقضاء الديون، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وغير ذلك من أنواع الطلبات، التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم.
فلو رأيت غلاة المتخذين لها عيداً، وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد، فوضعوا لها الجباه، وقبلوا الأرض وكشفوا الرؤوس، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج،ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحجيج، فاستغاثوا بمن لا يبدي ولا يعيد، ونادوا ولكن من مكان بعيد، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين، ورأوا أنهم قد أحرزوا من الأجر ولا أجر من صلى إلى القبلتين، فتراهم حول القبر ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الميت ورضواناً،وقد ملأوا أكفهم خيبة وخسراناً، فلغير الله، بل للشيطان ما يراق هناك من العبرات، ويرتفع من الأصوات، ويطلب من الميت من الحاجات ويسأل من تفريج الكربات، وإغناء ذوي الفاقات، ومعافاة أولي العاهات والبليات، ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين، تشبيهاً له بالبيت الحرام، الذي جعله الله مباركاً وهدى للعالمين، ثم أخذوا في التقبيل والاستلام، أرأيت الحجر الأسود وما يفعل به وفد البيت الحرام ؟ ثم عفروا لديه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تعفر كذلك بين يديه في السجود. ثم كملوا مناسك حج القبر بالتقصير هناك والحلاق،واستمتعوا بخلاقهم من ذلك الوثن إذ لم يكن لهم عند الله من خلاق، وقربوا لذلك الوثن القرابين. وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين، فلو رأيتهم يهنىء بعضهم بعضاً ويقول: أجزل الله لنا ولكم أجراً وافراً وحظاً، فإذا رجعوا سألهم غلاة المتخلفين أن يبيع أحدهم ثواب حجة القبر بحج المتخلف إلى البيت الحرام، فيقول: لا، ولو بحجك كل عام.(1/179)
هذا، ولم نتجاوز فيما حكيناه عنهم، ولا استقصينا جميع بدعهم وضلالهم، إذ هي فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال (1) .
هذا وكان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح، كما تقدم. وكل من شم أدنى رائحة من العلم والفقه يعلم أن من أهم الأمور سد الذريعة إلى هذا المحذور، وأن صاحب الشرع أعلم بعاقبة ما نهى عنه لما يئول إليه، وأحكم في نهيه عنه وتوعده عليه. وأن الخير والهدى في اتباعه وطاعته، والشر والضلال في معصيته ومخالفته".
قال:" ورأيت لأبي الوفاء ابن عقيل في ذلك فصلاً حسناً، فذكرته بلفظه.
قال: لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم، إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم. قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وإكرامها، بما نهى عنه الشرع: من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها،وخطاب الموتى بالحوائج، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا. وأخذ تربتها تبركاً، وإفاضة الطيب على القبور. وشد الرحال إليها، وإلقاء الخرق على الشجر، اقتداء بمن عبد اللات والعزى. والويل عندهم لمن لم يقبل مشهد الكف، ولم يتمسح بآجرة مسجد الملموسة يوم الأربعاء. ولم يقل الحمالون على جنازته: الصديق أبو بكر، أو محمد وعلي، أو لم يعقد على قبر أبيه أزجا بالجص والآجر، ولم يخرق ثيابه إلى الذيل، ولم يرق ماء الورد على القبر. انتهى.
خامساً- الإمام محمد بن عبد الهادي المتوفى سنة (744 هـ) قال في كتابه "الصارم المنكي في الرد على السبكي " في قوله " إن المبالغة في تعظيمه - أي الرسول –صلى الله عليه وسلّم- واجبة".
__________
(1) أقول إذا كان هذا الضلال والشرك بهذه الكثافة والفظاعة في عهد ابن القيم في القرن الثامن فماذا في عهد الإمام محمد في القرن الثاني عشر وبداية الثالث عشر، فتباً وسحقاً لمن ينكر هذا الواقع ويدافع عنه ويحارب دعاة التوحيد.(1/180)
" إن أريد به المبالغة بحسب ما يراه كل أحد تعظيماً، حتى الحج إلى قبره والسجود له، والطواف به، واعتقاد أنه يعلم الغيب، وأنه يعطي ويمنع، ويملك لمن استغاث به من دون الله الضر والنفع، وأنه يقضي حوائج السائلين ويفرج كربات المكروبين، وأنه يشفع فيمن يشاء، ويدخل الجنة من يشاء فدعوى المبالغة في هذا التعظيم مبالغة في الشرك، وانسلاخ من جملة الدين ".
سادساً- وقال العلامة تقي الدين أحمد بن علي المقريزي المتوفى سنة (845هـ) في كتابه تجريد التوحيد المفيد (ص11-12):
"وشرك الأمم نوعان. النوع الأول: شرك في الإلهية وشرك في الربوبية. فالشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عباد الأصنام وعباد الملائكة وعباد الجن وعباد المشايخ وعباد الصالحين الأحياء منهم والأموات (1) .
الذين قالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) ويشفعوا لنا عنده وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة، كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه وخاصته، والكتب الإلهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله وتنص على أنهم أعداء الله، وجميع الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم، وما أهلك الله تعالى أمة من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله.
__________
(1) انظر كيف قرن المتعلقين بالمشايخ والصالحين بعباد الأصنام والملائكة واعتبرهم عباداً للمشايخ والصالحين، وهو سابق للإمام محمد بقرون ولم يوضح لنا اشتراط قيام الحجة والظن به أنه يشترطها ويحتاج الأمر إلى دراسة ولعله يرى أن الحجة قد قامت عليهم بجهاد وبيان ابن تيمية وتلاميذه.(1/181)
وأصله الشرك في محبة الله تعالى قال تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله) فأخبر سبحانه أن من أحب مع الله شيئاً غيره كما يحبه فقد اتخذه نداً من دونه (1) .
وهذا على أصح القولين في الآية أنهم يحبونهم كما يحبون الله، وهذا هو العدل المذكور في قوله (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) والمعنى على أصح القولين أنهم يعدلون به غيره في العبادة، فيسوون بينه وبين غيره في الحب والعبادة وكذلك قول المشركين في النار لأصنامهم (تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) ومعلوم قطعاً أن هذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونه ربهم وخالقهم فإنهم كانوا كما أخبر الله عنهم مقرين بأن الله تعالى وحده هو ربهم وخالقهم، وأن الأرض ومن فيها لله وحده وأنه رب السموات السبع ورب العرش العظيم، وأنه سبحانه هو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه.
وإنما كانت هذه التسوية بينه وبين الله تعالى في المحبة والعبادة فمن أحب غير الله وخافه ورجاه وذل له كما يحب الله تعالى ويخافه ويرجوه فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله، فكيف بمن كان غير الله تعالى آثر عنده وأحب إليه وأخوف عنده، وهو في مرضاته أشد سعياً منه في مرضاة الله.
فإذا كان المسوي بين الله وبين غيره في ذلك مشركاً فما الظن بهذا ؟ فعياذاً بالله من أن ينسلخ القلب من التوحيد والإسلام كانسلاخ الحية من قشرها.
وهو يظن أنه مسلم موحد، فهذا أحد أنواع الشرك. والأدلة الدالة على أنه تعالى يحب أن يكون وحده هو المألوه يبطل هذا الشرك ويدحض حجج أهله. وهي أكثر من أن يحيط بها إلا الله، بل كل ما خلقه الله تعالى فهو آية شاهدة بتوحيده وكذلك كل ما أمر به فخلقه وأمره.وما فطر عليه عباده وركبه فيهم من القوة، شاهد بأنه الله الذي لا إله إلا هو، وأنّ كل معبود سواه باطل وأنه هو الحق المبين تعالى وتقدس ".
__________
(1) هذا بحث جيد وعميق في بيان معاني التوحيد والشرك.(1/182)
وذكر - رحمه الله - النوع الثاني وهو الشرك في الربوبية مثل شرك المجوس وغيرهم الذين يقولون بأن للعالم خالقين: أحدهما يخلق الخير والآخر يخلق الشر.
ثم قال:
" وكثيراً ما يجتمع الشركان في العبد وينفرد أحدهما عن الآخر. والقرآن الكريم بل الكتب المنزلة من عند الله تعالى، كلها مصرحة بالرد على أهل هذا الإشراك كقوله تعالى: (إياك نعبد) فإنه ينفي شرك المحبة والإلهية وقوله (وإياك نستعين) فإنه ينفي شرك الخلق والربوبية فتضمنت هذه الآية تجريد التوحيد لرب العالمين في العبادة. وأنه لا يجوز إشراك غيره معه، لا في الأفعال ولا في الألفاظ، ولا في الإرادات، فالشرك به في الأفعال كالسجود لغيره سبحانه، والطواف بغير بيته المحرم. وحلق الرأس عبودية وخضوعاً لغيره، وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمينه تعالى في الأرض (1) ، أو تقبيل القبور واستلامها والسجود لها (2) ، وقد لعن النبي –صلى الله عليه وسلّم- من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلى فيها. فكيف من اتخذ القبور أوثاناً تعبد من دون الله، فهذا لم يعلم معنى قوله تعالى (إياك نعبد).
__________
(1) هو حديث ضعيف وبعضهم حكم عليه بأنه باطل.
(2) هذه مواجهة لأمور واقعة في عهده من الروافض والقبوريين من الصوفية وأتباعهم الجهلة.(1/183)
وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وفيه عنه أيضاً: " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد " وفيه أيضاً عنه - صلى الله عليه وسلم - : " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " وفي مسند الإمام أحمد، وصحيح ابن حبان عنه - صلى الله عليه وسلم - " لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " وقال " اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وقال " إن من كان قبلكم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله تعالى ".
والناس في هذا الباب أعني زيارة القبور ثلاثة أقسام: قوم يزورون الموتى فيدعون لهم. وهذه هي الزيارة الشرعية. وقوم يزورونهم يدعون بهم فهؤلاء هم المشركون في الإلهية والمحبة، وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسهم وهؤلاء هم المشركون في الربوبية.
وقد حمى النبي –صلى الله عليه وسلّم- جانب التوحيد أعظم حماية تحقيقاً لقوله تعالى (إياك نعبد) حتى نهى عن الصلاة في هذين الوقتين ذريعة إلى التشبه بعبّاد الشمس، الذين يسجدون لها في هاتين الحالتين، وسد الذريعة بأن منع من الصلاة بعد العصر والصبح، لاتصال هذين الوقتين اللذين يسجد المشركون فيهما للشمس. وأما السجود لغير الله فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلّم- " لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله".(1/184)
ولا ينبغي في كلام الله ورسوله، إنما يستعمل للذي هو في غاية الامتناع كقوله تعالى: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً) وقوله تعالى: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) وقوله تعالى: (وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم) وقوله (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) (1) .
__________
(1) هذا بحث عميق في حماية جناب التوحيد وتوضيح قيم لمعنى هذه الكلمة التي يجهل معناها كثير من الناس ويستعملونها فيما هو بعيد عن معناها في لغة الكتاب والسنة.(1/185)
ومن الشرك بالله تعالى، المباين لقوله تعالى: (إياك نعبد) الشرك به في اللفظ، كالحلف بغيره. كما رواه الإمام أحمد وأبو داود عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " من حلف بغير الله فقد أشرك " صححه الحاكم وابن حبان، قال ابن حبان أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا عبد الله بن عمر الجعفي حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن الحسن ابن عبد الله النخعي عن سعد بن عبيدة قال: " كنت عند ابن عمر فحلف رجل بالكعبة، فقال ابن عمر: ويحك لا تفعل، فإني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- يقول " من حلف بغير الله فقد أشرك " ومن الإشراك قول القائل لأحد من الناس: ما شاء الله وشئت كما ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلّم-" أنه قال له رجل ما شاء الله وشئت. فقال: أجعلتني لله نداً، قل ما شاء الله وحده " هذا مع أن الله تعالى قد أثبت للعبد مشيئة، كقوله تعالى (لمن شاء منكم أن يستقيم)، فكيف بمن يقول: أنا متوكل على الله وعليك، وأنا في حسب الله وحسبك، وما لي إلا الله وأنت وهذا من الله ومنك.وهذا من بركات الله وبركاتك والله لي في السماء وأنت لي في الأرض. وازن بين هذه الألفاظ الصادرة من غالب الناس اليوم، وبين ما نهى عنه من " ما شاء الله وشئت " ثم انظر أيها أفحش، يتبين لك أن قائلها أولى بالبعد من (إياك نعبد). وبالجواب من النبي صلى الله عليه وسلم لقائل تلك الكلمة، وإنه إذا كان قد جعل رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- نداً فهذا قد جعل من لا يدانيه لله نداً. وبالجملة فالعبادة المذكورة في قوله (إياك نعبد) هي السجود والتوكل والإنابة والتقوى والخشية والتوبة والنذر والحلف والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والاستغفار وحلق الرأس خضوعاً وتعبداً والدعاء كل ذلك حق لله تعالى. وفي مسند الإمام أحمد " أن رجلاً أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قد أذنب ذنباً فلما وقف بين يديه قال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد.(1/186)
فقال صلى الله عليه وسلم عرف الحق لأهله " أخرجه الحاكم من حديث الحسن عن الأسود بن سريع وقال: حديث صحيح. تجريد التوحيد المفيد (ص13-15).
وقال أيضاً " فإن قيل: المشرك إنما قصد تعظيم جناب الله تعالى، وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجانب الربوبية، وإنما قصد تعظيمه وقال: إنما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه وتدخل بي عليه فهو الغاية وهذه وسائل فلِمَ كان هذا القدر موجباً لسخط الله وغضبه، ومخلداً في النار وموجباً لسفك دماء أصحابه واستباحة حريمهم وأموالهم. وهل يجوز في العقل أن يشرع الله تعالى لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط فيكون تحريم هذا إنما استفيد بالشرع فقط. أم ذلك قبيح في الشرع. والعقل يمتنع أن تأتي به شريعة من الشرائع، وما السر في كونه لا يغفر من بين سائر الذنوب؟ كما قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) (1) .
قلنا: الشرك شركان.
الأول: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله.
الثاني: وشرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في أسمائه وصفاته وأفعاله. أما الشرك الثاني فهو الذي فرغنا من الكلام فيه وأشرنا إليه الآن، ونشبع الكلام فيه إن شاء الله تعالى) (ص15-16).
وقال أيضاً: فنقول: اعلم أن حقيقة الشرك تشبيه الخالق بالمخلوق وتشبيه المخلوق بالخالق أما الخالق فإن المشرك شبّه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية. وهي التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى، وسوى بين التراب ورب الأرباب فأي فجور وذنب أعظم من هذا.؟!
__________
(1) في هذا البحث قضاء على هذه الشبهة التي ضل بها الوثنيون ومن سلك مسلكهم من القبوريين والروافض الذين خالفوا الشرع والعقل.(1/187)
واعلم أن من خصائص الإلهية: الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص عليه بوجه من الوجوه وذلك يوجب أن تكون العبادة له وحده عقلاً وشرعاً وفطرة، فمن جعل ذلك لغيره فقد شبّه الغير بمن لا شبيه له، ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم، أخبر من كتب على نفسه الرحمة أنه لا يغفره أبداً. فمن خصائص الإلهية العبودية التي لا تقوم إلا على ساق الحب والذل، فمن أعطاهما لغيره فقد شبهه بالله تعالى في خالص حقه وقبح هذا مستقر في العقول والفطر، لكن لما غيرت الشياطين فطر أكثر الخلق واجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً (1) . كما روى ذلك عن الله أعلم الخلق به وبخلقه، عموا عن قبح الشرك حتى ظنوه حسناً، ومن خصائص الإلهية السجود فمن سجد لغيره فقد شبهه به ومنها التوكل فمن توكل على غيره فقد شبهه به.
ومنها الحلف باسمه فمن حلف بغيره فقد شبهه به. ومنها حلق الرأس. إلى غير ذلك (ص18).
سابعاً- صنع الله بن صنع الله الحلبي المكي الحنفي المتوفى سنة (1120 هـ)، قال في كتابه المسمى (سيف الله على من كذب على أولياء الله) (ص15-16):
" هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدّعون أن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات،وبهممهم تنكشف المهمات، فيأتون قبورهم، وينادونهم في قضاء الحاجات، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات!
وقرّرهم على ذلك من ادعى العلم بمسائل، وأمدهم بفتاوى ورسائل، وأثبتوا للأولياء – بزعمهم- الإخبار عن الغيب بطريق الكشف لهم بلا ريب، أو بطريق الإلهام أو منام!
__________
(1) لقد تلاعب الشيطان بكثير من الناس فأبعدهم عن مقتضى الشرع والعقل والفطرة وإلى الله مرجعهم جميعاً.(1/188)
وقالوا: منهم أبدال ونقباء، وأوتاد نجباء، وسبعين وسبعة، وأربعين (1) وأربعه، والقطب هو الغوث للناس، وعليه المدار بلا التباس، وجوزوا لهم الذبائح والنذور، وأثبتوا لهم فيهما الأجور (2) .
وهذا كما ترى كلام فيه تفريط وإفراط، وغلو في الدين بترك الاحتياط، بل فيه الهلاك الأبدي، والعذاب السرمدي، لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومصادرة الكتاب العزيز المصدّق، ومخالفة لعقائد الأئمة، وما اجتمعت عليه هذه الأمة.
فكل بناء على غير أصولهم تلبيس، وفي غير منهاجهم مخايل إبليس.
وفي التنزيل: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً)، فإن كان مثل هذا الوعيد للحذر عن الميل عن الطريق السديد، فلا جرم أن الحق فيما لهم من الأحكام، وفي طريقهم الاعتصام، بل وبه يتميز أهل الإسلام من أهل الانتقام".
ثم قال في (ص28-30): " الفصل الأول
في الرد على ما انتحلوه من الإفك الوخيم والشرك العظيم (3) .
قال جل ذكره { إن الشرك لظلم عظيم } .
والإفك: الكذب، كما قال جل ذكره { إن الذين جآءو بالإفك } في قصة الصديقة رضي الله عنها.
وفي الآية: { لكل امريء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } ، { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذّب بالحق لما جاءه } ، { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوىً للمتكبرين } .
إلى غير ذلك من الآيات.
__________
(1) كذا ولعله من تصحيف النساخ والصواب سبعون وأربعون.
(2) ماذا يقول المالكي وأسلافه في هذه الضلالات فهل ما عند من يدافع عنهم إلا التبرك الذي يسميه الغلو ويرجف به على الإمام محمد ؟.
(3) هل ترى يا مالكي الإمام محمد بن عبد الوهاب قد شذ عن علماء الأمة بمحاربة هذا الشرك والإلحاد أو أن أمناء الأمة وأفذاذها قد سبقوه إلى محاربته والتنديد بأهله.(1/189)
فمن كذب على أولياء الله، فقد كذب على الله، واتخذ إلهه هواه { وأولئك الأغلال في أعناقهم } ، { أولئك كالأنعام بل هم أضل } .
أما قولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات يرده قوله جلّ ذكره
{ أإله مع الله } ، { ألا له الخلق والأمر } ، { لله ما في السموات والأرض } ، { له ملك السموات والأرض } .
وما هو نحوه من الآيات الدالة على أنه المنفرد بالخلق والتصرف والتقدير، ولا شركة لغيره في شيء ما بوجه من الوجوه، فالكل تحت ملكه وقهره تصرفاً وملكاً، وإحياء وإماتة وخلقاً، وعلى هذا اندرج (1) الأولون ومن بعدهم، وأجمع عليه المسلمون ومن تبعهم، وفاهوا به كما فاهوا بقولهم: لا إله إلا الله.
وتمدح الرب تعالى بانفراده في ملكه بآيات من كتابه العزيز، كقوله جلّ ذكره: { هل من خالق غير الله } ، { وخلق كل شيء } ، { وكل شيء خلقناه بقدر } ، { ذلكم الله ربكم خالق كل شيء } ، { أفمن يخلق كمن لا يخلق } ،
{ أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات } ، { والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير } ، { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومالهم فيهما من شرك } ، { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } ، { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل } ، { والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه } ، إلى غير ذلك من الآيات التي لا تستقصى.
فقوله: { من دون الله } في الآيات كلها: أي من غيره تعالى، فإنه عام يدخل فيه من اعتقدته من شيطان وولي تستمده، فإن من لم يقدر على نصر نفسه، كيف يمد غيره".
ثم واصل كلامه بهذا الصدد إلى أن قال في (ص32):" وأما القول بالتصرف بعد الممات فهو أشنع وأبدع من القول بالتصرف في الحياة" ثم ساق الآيات لرد هذه الافتراءات.
__________
(1) كذا.(1/190)
ثامنا- الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة (1182 هـ) في كتابه الشهير المسمى "بتطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد"، قرر في هذا الكتاب ما قرره الإمام محمد في كتبه من إنكار الشرك في البلاد الإسلامية وقرر التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء ودعا إليه الإمام محمد ومن سبقه من الأئمة المصلحين الآنف ذكرهم.
قال في خطبة كتابه تطهير الاعتقاد (ص4):" وبعد فهذا تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد وجب عليّ تأليفه وتعيّن عليّ ترصيفه لما رأيته وعلمته من اتخاذ العباد الأنداد في الأمصار والقرى وجميع البلاد من اليمن والشام ومصر ونجد وتهامة (1) ، وهو الاعتقاد في القبور وفي الأحياء ممن يدعي العلم بالمغيبات والمكاشفات وهو من أهل الفجور لا يحضر للمسلمين مسجداً ولا يرى لله راكعاً ولا ساجداً ولا يعرف السنة ولا الكتاب ولا يهاب البعث ولا الحساب.
فوجب عليّ أن أنكر ما أوجب الله إنكاره ولا أكون من الذين يكتمون ما أوجب الله إظهاره.
فاعلم أن هاهنا أصولاً هي من قواعد الدين ومن أهم ما تجب معرفته على الموحدين ".
وقال - رحمه الله-: فإن قلت: هم جاهلون أنهم مشركون بما يفعلونه.
قلت: قد صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة: أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر، وإن لم يقصد معناها. وهذا دال على أنهم لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولا ماهية التوحيد، فصاروا حينئذ كفاراً كفراً أصلياً، فالله تعالى فرض على عباده إفراده بالعبادة { أن لا تعبدوا إلا الله } ، وإخلاصها له { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } الآية.
__________
(1) هذا الكلام من هذا الإمام يدحض ما يشكك به المالكي في كلام الإمام محمد من البلاء الذي عم بلاد المسلمين وادعى المالكي أنه نادر.(1/191)
ومن نادى الله ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، وطمعاً، ثم نادى معه غيره، فقد أشرك في العبادة، فإن الدعاء من العبادة وقد سماه الله تعالى عبادة في قوله تعالى: { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } بعد قوله: { ادعوني أستجب لكم } فإن قلت: فإذا كانوا مشركين وجب جهادهم والسلوك فيهم مسلك رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- في المشركين.
قلت: ذهب إلى هذا طائفة من أئمة العلم فقالوا يجب أولا دعاؤهم إلى التوحيد وإبانة أن ما يعتقدونه لا ينفع ولا يضر ولا يغني عنهم من الله شيئاً... وأن هذا الاعتقاد منهم فيهم شرك لا يتم الإيمان بما جاءت به الرسل إلا بتركه والتوبة منه وإفراد التوحيد اعتقاداً وعملاً لله وحده، وهذا واجب على العلماء أي بيان أن ذلك الاعتقاد الذي فرعت منه النذور والنحائر والطواف بالقبور شرك محرم، وأنه عين ما كان يفعله المشركون لأصنامهم، فإذا أبان العلماء ذلك للأئمة والملوك وجب على الأئمة والملوك بعث الدعاة إلى الناس يدعونهم إلى إخلاص التوحيد لله فمن رجع وأقر حقن عليه دمه وماله وذراريه، ومن أصر فقد أباح الله منه ما أباح لرسوله - صلى الله عليه وسلم - من المشركين" تطهير الاعتقاد (ص30 – 32).(1/192)
تاسعا – الإمام حسين بن مهدي صاحب كتاب " معارج الألباب في مناهج الحق والصواب " المتوفى سنة (1178هـ)، قال - رحمه الله-(ص201- 203) "ولما كان الثاني نتيجة الأول (1) ، ومرمى غرض إبليس من الدلالة عليه نقل من خفي عليه الأمر من الرضا بالأول إلى الرضا بالثاني، ومن يتكلم بمثل هذا إلا من لا يدري ما فشا في العامة، ومن امتاز عنهم بالاسم فقط، وما صار هجّيراهم عند الأموات ومصارع الرفات من دعائهم والاستغاثة بهم، والعكوف حول أجداثهم، ورفع الأصوات بالخوار، وإظهار الفاقة والاضطرار، واللجأ في ظلمات البحر، والتطام أمواجه الكبار، والسفر نحوها بالأزواج والأطفال. والله قد علم ما في طي ذلك كله من قبيح الخلائق والأفعال، وارتكاب ما نهى الله عنه وإضاعة حقوق ذي العزة والجلال، والالتجاء المحقق إلى سكان المقابر في فتح أرحام العقام، وتزويج الأرامل والأيامى من الأنام، واستنزال السحائب والأمطار واستماحة المآرب والأوطار، ودفع المحاذير من المكاره والشدائد، والإناخة بأبوابها لنيل ما يرام من الحوائج والمقاصد. وبالجملة: فأي مطلب أو مهرب ترى هنالك ربع المشهد مأهولاً، وقد قطعت إليه المهامه وعوراً وسهولا، والنداء لساكنه أن يمنح أو يريح، والتأدب والخضوع والتوقير والرغبة، ومشاعر الرهبة. وينضاف إلى ذلك – خصوصاً في الزيارات في الأعياد والموالد- نحر الأنعام، وترك الصلاة، وصنوف الملاهي، وأنواع المعاصي للمليك العلام، وكثيرون لا طمع في حصرهم، ولعلهم العموم (2) ،
__________
(1) قصده بالأول بناء القباب والمشاهد على القبور.
(2) هل يرى المنصف عموم هذا الشرك والضلال كما شهد بذلك أئمة الإسلام أو الأمر نادر وما هناك إلا التبرك كما يقول المحارب المكابر المالكي وأسلافه المغالطون..(1/193)
إلا من شاء الله، إن لم تلد زوجة أحدهم أو طال مرض مريض منهم، أو أصاب امرأة التوق إلى النكاح، أو قحطت الأرض، أو دهمهم نازل من عدو، أو جراد أو غيرهما، أو راموا أمراً عناهم تحصيله فالولي في كل ذلك نصب العين، وإذا جرى المقدور بنفع أو دفع ضر، أو حصول مكروه كان المركوز في عقيدتهم التي لا يتحولون عنها: إن ذلك ثمرة الاستغاثة به، والإنابة إليه في الأوّلين ودليل ضعف الاعتقاد، أو اختلال شرط من المنيب أو نحوهما في الثالث فصار مدار التصرف والحصول له خاصة، أو مع الله في شيء دون شيء.
وحاصل معتقدهم: إن للولي اليد الطولى في الملك والملكوت كما سيأتي في تحقيق هذا وشرح وقوعه في أفعال من على هذه العقيدة،وذكر ألفاظهم مبينة مفسرة، مصرحة بما حكيناه عنهم، وأنهم قد ذهبوا هذا المذهب المشروح آنفاً في سكان التراب، وأنزلوهم هذه المنزلة المحكية من مساواة رب الأرباب، وقد سردنا بعضها للبيان، ولئلا يتمكن الخصم من جحود، أو يقدر على مدافعة، وليعرف كل سامع لما نمليه: أن القائل " بأن العوام قد يقع منهم عبارات موهمة، وقصارى أمرهم: التوسل" إما غالط أو خالط، أو جاهل للدين وإلا فما بعد هذا ؟
فإن العامة في كثير من حالاتهم وتقلبهم قد أبدلوا معالم الشرع بسواها في هذه الجهة فجعلوا الذهاب إلى قبة الشيخ والتضرع له، والإلحاح عليه: عوضاً عن الخروج إلى ظاهر البلد للاستسقاء، والإنابة إلى الله في كشف تلك النازلة أو سبيلاً إلى كشفها، مثل الخروج للتضرع إلى الله، ولكن عند بعضهم. وأما جمهورهم فلا يعرف لهذا المقام وظيفة سوى عتبات المشايخ.
هذا مثال ولقد سلكوا هذا المسلك في مريض أعيا داؤه، وذليل قهره أعداؤه، وذي سفينة عصفت عليها الرياح، وتجارة امتدت آمال قاصدها إلى نيل الأرباح ".
عاشراً - الإمام محمد إسماعيل الهندي الدهلوي المتوفى سنة 1246 هـ قال في كتابه القيم " تقوية الإيمان " (ص1-4) (الباب الأول في بيان الشرك والتوحيد)(1/194)
اعلم أن الشرك قد انتشر في الناس وقل فيهم التوحيد الخالص وندر، فأكثر الناس لا يعرفون معنى الشرك والتوحيد بل جهلوه، ومع ذلك يدعون الإيمان، وهم مبتلون بالشرك، فعلينا أولاً أن نعرف معنى الشرك والتوحيد على ضوء القرآن الكريم.
ومن المعلوم أن أكثر الناس يدعون الأولياء والرسل والأئمة والشهداء والملائكة والأغوال والعفاريت عند الشدائد والمصائب ويستمدون بهم في البلايا ويقدمون النذور إليهم لقضاء حوائجهم، ويعبَّدون لهم أولادهم لرفع المصيبة عنهم، فيسمي أحد ابنه بعبد النبي وبعلي بخش " أي هبة علي " وبحسين بخش " أي هبة حسين " وبير بخش " أي هبة المرشد " وبعضهم يسمي ولده بمدار بخش " أي هبة مدار " وبسالار بخش " أي هبة سالار " ويسمي البعض بغلام محي الدين " أي عبد محي الدين " وغلام معين الدين " أي عبد معين الدين " وبعضهم يرسل ضفائر أولاده لا يحلقها ولا يقصرها على اسم بعض الأولياء لكيلا يموت ولده، وبعضهم يلبس ولده الخيوط في عنقه على اسم بعض الأقطاب وبعضهم يلبسه الثياب وبعضهم يجعل في رجله حلقة الحديد، وبعضهم يذبح لغير الله، وبعضهم يستغيث بغيره في الكربات مثلا يقول يا عبد القادر، وبعضهم إذا حلف فيحلف بغير الله، مثل ما يفعله عباد الأصنام مع أصنامهم ومع ذلك يدعون أنهم مسلمون، سبحان الله هذا من العجب العجاب.(1/195)
وقد قال الله تعالى فيهم في سورة يوسف " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" فإذا قيل لهم لماذا تأتون بأعمال شركية مع ادعائكم الإيمان فيجيبون بأننا لا نشرك بالله بل نظهر عقيدتنا في جناب الأنبياء والأولياء، وهذا ليس بشرك لأننا لا نبلغهم إلى رتبة الألوهية والعبودية، بل نعتقد أنهم عباد الله وخلقه وقد أعطاهم الله قدرة التصرف في الكون ويتصرفون فيه بمشيئته، فدعاؤهم هو دعاء الله والاستغاثة بهم هو الاستغاثة به، والاستعانة بهم هو الاستعانة به، وهم أحباء الله يفعلون ما يشاءون، وهم شفعاؤنا عند الله فنحن نتقرب منهم (1) إلى الله تبارك وتعالى.
وسببه الوحيد أنهم تركوا كتاب الله وسنة رسوله فاتبعوا الشهوات والهوى ومالوا إلى الأساطير الكاذبة، وعملوا بالعادات والتقاليد السيئة، فلو تأملوا الكتاب والسنة لعرفوا أن الكفار كانوا يشبهونهم في عقائدهم الفاسدة، وقال الله تعالى راداً عليهم في سورة يونس " ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون " أي الذين يدعون من دون الله لا يستطيعون أن ينفعوا أو يضروا وكذلك لا يقدر أحد لا في السماء ولا في الأرض أن يشفع لأحد إلا بإذن الله فالأولياء والأنبياء لا يستطيعون أن يشفعوا لأحد إلا بإذن الله، فمن يعبد ولياً أو نبياً وهو يعتقد أنه شفيعه عند الله فهو شرك.
__________
(1) منهم ولعله (بهم).(1/196)
وقد قال الله تعالى في سورة الزمر " والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار " فالآية تدل على أن من يتخذ أحداً وليه ثم يعبده ظناً منه أنه يقربه من الله فهو شرك جلي كما قال الله تعالى في سورة المؤمنين " قل من بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون " هذه الآيه الكريمة تبين أن الله تبارك وتعالى لم يمكن أحداً أن يتصرف في العالم، وليس له قدرة أن يشفع لأحد عنده، ومن المعلوم أن كفار مكة ما كانوا يتخذون أصنامهم إلهاً (1) بل كانوا يعلمون أنهم عباد الله ومن خلقه، لكنهم كانوا يدعون الأصنام ويقدمون لهم النذور ويجعلونهم شفعاء في البلاء، فهذا هو الشرك، فمن يعتقد مثل هذه الاعتقادات في غير الله بأنه يرفع البلاء ويكشف الضر ويقضي حوائج الإنسان، ويعطي الأولاد فهو وأبو جهل كلاهما متساويان في الشرك. وثبت أن الشرك لا يتوقف على أن يساوي أحداً بالله من المخلوقين بل معنى الشرك أن ما خصه الله لنفسه من الصفات والنعوت والحقوق لا يشرك بها أحد غيره معه نحو السجدة إلى القبور، والذبح لغير الله، ودعاء غيره في البلاء، واعتقاد التصرف في الكون أو في شيء من ملكه بغير مشيئته فيثبت من هذه الأمور الشنيعة الشرك، فمن يخص هذه الحقوق المختصة بالله غيره من الأنبياء والأولياء وأهل القبور فقد أشرك".
الحادي عشر – العلامة محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة (1250هـ) بعد إيراده الأدلة على تحريم الشرك كبيره وصغيره وذكر ما يفعله المتعلقون بالأولياء من الدعاء لهم وغيره.
__________
(1) كذا ولعله: (آلهة).(1/197)
قال في كتابه الدر النضيد (ص19): وأما اعتقادهم أنها تضر وتنفع فلولا اشتمال ضمائرهم على هذا الاعتقاد لم يدع أحدٌ منهم ميتاً أو حياً عند استجلابه لنفع أو استدفاعه لضر قائلاً يا فلان افعل لي كذا وكذا وعلى الله وعليك وأنا بالله وبك.
وأما التقرب للأموات فانظر ماذا يجعلونه من النذور لهم وعلى قبورهم في كثير من المحلات، ولو طلب الواحد منهم أن يسمح بجزء من ذلك لله تعالى لم يفعل، وهذا معلوم يعرفه من عرف أحوال هؤلاء.(1/198)
(فإن قلت) إن هؤلاء القبوريين يعتقدون أن الله تعالى هو الضار النافع والخير والشر بيده، وإن استغاثوا بالأموات قصدوا إنجاز ما يطلبونه من الله سبحانه (قلت) وهكذا كانت الجاهلية فإنهم كانوا يعلمون أن الله هو الضار النافع وأن الخير والشر بيده وإنما عبدوا أصنامهم لتقربهم إلى الله زلفى كما حكاه الله عنهم في كتابه العزيز، نعم إذا لم يحصل من المسلم إلا مجرد التوسل الذي قدمنا تحقيقه فهو كما ذكرناه سابقاً ولكن من زعم أنه لم يقع منه إلا مجرد التوسل وهو يعتقد من تعظيم ذلك الميت مالا يجوز اعتقاده في أحد من المخلوقين، وزاد على مجرد الاعتقاد فتقرب إلى الأموات بالذبائح والنذور وناداهم مستغيثاً بهم عند الحاجة فهذا كاذب في دعواه أنه متوسل فقط، فلو كان الأمر كما زعمه لم يقع منه شيءٌ من ذلك والمتوسل به لا يحتاج إلى رشوة بنذر أو ذبح ولا تعظيم ولا اعتقاد لأن المدعو هو الله سبحانه، وهو أيضاً المجيب ولا تأثير لمن وقع به التوسل قط، بل هو بمنزلة التوسل والعمل الصالح فأي جدوى في رشوة من قد صار تحت أطباق الثرى بشيء من ذلك ؟ وهل هذا إلا من فعل من يعتقد التأثير اشتراكاً أو استقلالاً ؟ ولا أعدل من شهادة أفعال جوارح الإنسان على بطلان ما ينطق به لسانه من الدعاوى الباطلة العاطلة، بل من زعم أنه لم يحصل منه إلا مجرد التوسل، وهو يقول بلسانه يا فلان منادياً لمن يعتقده من الأموات فهو كاذب على نفسه ومن أنكر حصول النداء للأموات والاستغاثة بهم استقلالاً فليخبرنا ما معنى ما نسمعه في الأقطار اليمنية من قولهم يا ابن العجيل ! يا زيلعي ! يا ابن علوان ! يا فلان يا فلان (1)
__________
(1) علق هنا الجماعة الذين طبعوا وصححوا الكتاب بقولهم:" ومثل هذا ما يصنعه كل أحد عند الأولياء المشيدة قبورهم في الديار المصرية".
فافهم هذا وذاك وكل ما سيأتي أيها المالكي وليفهم أمثالك لعلهم يعقلون، ويتركون المكابرات.(1/199)
وهل ينكر هذا منكر أو يشك فيه شاك ؟ وما عدا ديار اليمن فالأمر فيها أطم وأعم (1) ، ففي كل قرية ميت يعتقده أهله وينادونه وفي كل مدينة جماعة منهم حتى أنهم في حرم الله ينادون يا ابن عباس ! يا محجوب! فما ظنك بغير ذلك فلقد تلطف إبليس وجنوده أخزاهم الله تعالى لغالب أهل الملة الإسلامية بلطفة (2) تزلزل الأقدام عن الإسلام فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أين من يعقل معنى { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } ، { فلا تدعوا مع الله أحداً } ، { له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء } وقد أخبرنا الله سبحانه أن الدعاء عبادة في محكم كتابه بقوله تعالى { ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } وأخرج أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح من حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - "إن الدعاء هو العبادة " وفي رواية " مخ العبادة " ثم قرأ رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم - الآية المذكورة وأخرج أيضاً النسائي وابن ماجه والحاكم وأحمد وابن أبي شيبة باللفظ المذكور.
__________
(1) افهم هذا من هذا الإمام الذي تعترف بعلمه وتجديده إن كنت عاقلاً صادقاً.
(2) كذا في الأصل ولعلها بلطيفة.(1/200)
وكذلك النحر للأموات عبادة لهم والنذر لهم بجزء من المال عبادة لهم والتعظيم عبادة لهم كما أن النحر للنسك وإخراج صدقة المال والخضوع والاستكانة عبادة لله عز وجل بلا خلاف، ومن زعم أن ثم فرقاً بين الأمر فليهده إلينا، ومن قال أنه لم يقصد بدعاء الأموات و النحر لهم والنذر عليهم عبادتهم فقل له: فلأي مقتض صنعت هذا الصنع ؟ فإن دعاءك الميت عند نزول أمر بك لا يكون إلا لشيء في قلبك عبر عنه لسانك، فإن كنت تهذي بذكر الأموات عند عروض الحاجات من دون اعتقاد منك لهم فأنت مصاب بعقلك وهكذا إن كنت تنحر لله وتنذر لله فلأي معنى جعلت ذلك للميت وحملته إلى قبره فإن الفقراء على ظهر البسيطة في كل بقعة من بقاع الأرض، وفعلك وأنت عاقل لا يكون إلا لمقصد قد قصدته أو أمر قد أردته، وإلا فأنت مجنون قد رفع عنك القلم ولا نوافقك على دعوى الجنون إلا بعد صدور أفعالك وأقوالك في غير هذا على نمط أفعال المجانين.
فإن كنت تصدرها مصدر أفعال العقلاء فأنت تكذب على نفسك في دعواك الجنون في هذا الفعل بخصوصه فراراً عن أن يلزمك ما لزم عباد الأوثان الذين حكى الله عنهم في كتابه العزيز ما حكاه بقوله: { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا } ، وبقوله: { ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم تالله لتسئلن عما كنتم تفترون } .(1/201)
(فان قلت) إن المشركين كانوا لا يقرون بكلمة التوحيد وهؤلاء المعتقدون في الأموات يقرون بها (قلت) هؤلاء إنما قالوها بألسنتهم وخالفوها بأفعالهم فإن من استغاث بالأموات أو طلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه، أو عظمهم أو نذر عليهم بجزء من ماله أو نحر لهم فقد نزلهم منزلة الآلهة التي كان المشركون يفعلون لها هذه الأفعال، فهو لم يعتقد معنى لا إله إلا الله ولا عمل به بل خالفها اعتقاداً وعملاً فهو في قوله لا إله إلا الله كاذب على نفسه، فإنه قد جعل إلهاً غير الله يعتقد أنه يضر وينفع وعبده بدعائه عند الشدائد والاستغاثة به عند الحاجة وبخضوعه له وتعظيمه إياه ونحر له النحائر وقرب إليه نفائس الأموال، وليس مجرد قول لا إله إلا الله من دون عمل بمعناها مثبتاً للإسلام فإنه لو قالها أحد من أهل الجاهلية وعكف على صنمه يعبده لم يكن ذلك إسلاماً (1) .
الرسائل السلفية (ص21-22).
وقال الشوكاني أيضاً في نيل الأوطار (4/.9) في شرح حديث أبي الهياج الأسدي عن علي - رضي الله عنه-: " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-:"لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته " الحديث:
"ومن رَفْعِ القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أولياً القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وأيضاً هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- فاعل ذلك كما سيأتي، وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام: منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعَظُمَ ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا.
__________
(1) في هذا التقرير المفحم ما يقطع دابر ما يشغب به المالكي وأسلافه، على الإمام محمد من أنه يخاصم قوماً يقولون: "لا إله إلا الله" ولا يعبدون الأولياء.(1/202)
وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالماً ولا متعلماً ولا أميراً ولا وزيراً ولا ملكاً، وقد توارد إلينا من الأخبار مالا يشك معه أن كثيراً من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجراً، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق.وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة (1) ، فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين ! أيّ رزء للإسلام أشدّ من الكفر أي بلاء لهذا الدين أضرّ عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجباً ؟
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد
الثاني عشرـ العلامة الشريف الحسن بن خالد الحازمي المتوفى سنة (1234هـ)
قال في كتابه قوت القلوب في توحيد علام الغيوب (ص69-71):
__________
(1) هل ترى أيها القارئ أن الإمام محمداً هو الوحيد الذي واجه الشرك والضلال ألا ترى عبارات كثير من العلماء أشد من عبارات الإمام محمد - رحمه الله-.(1/203)
فصل " لقد عمت البلوى بهذا فترى المتبوع يصرح لأتباعه بتفريج الكربات منه وبدعوى اختصاص بعض صفات الرب كعلم الغيب وربما توعد من يراه مقصراً فيما يعتاده منه بإنزال الضر الكوني القدري، وترى التابع يعظم متبوعه بما لم يأذن الله به ويضيف إليه من العلم بالمغيبات والقدرة على ما يختص بالرب حتى يقال فلان متصرف في العالم ويسمع له بغاية الخضوع التي هي حقيقة العبادة ويسأله الرزق والنصر وتفريج الكربات وإجابة المضطر وكشف السوء ويتخذه نداً يحبونهم كحب الله أو أشد ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا ولا يستطيعون مما كان أهل الأوثان والأصنام يسألونه من أوثانهم وأصنامهم حتى أربوا في هذا الزمان على عبادة الأصنام في زمان رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- فإن أهل الجاهلية يخلصون الدعوة لله إذا عصفت بهم الريح في البحر كما قال الله تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت:65) وقوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً) (الاسراء:67) وقوله تعالى:(فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت:65) فأخبر أنهم عند الاضطرار يدعونه لا شريك له وأنه يذهب عنهم كل ما يعبد من دون الله...(1/204)
وهؤلاء الضلال في هذا الزمان إذا عصفت بهم الريح تنادوا: ليدع كل منكم شيخه، ولا تسمع إلا يا زيلعي يا حضرمي يا بدوي يا عبد القادر يا شاذلي يا صندل يا أبا فراج فرجها يا فلان يا فلان لا تسمع منهم من يقول يا الله فيرتج المركب بالأصوات بذكر الشيوخ وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله وأباح دم صاحبه وماله وذريته لأهل الإسلام لأنه سأل غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله فقد عبده مع الله واتخذه إلها وربا وإن سماه شيخا وسيدا أو لمناقضته كلمة التوحيد بالكفر والشرك هو لحقيقته ومعناه لأنه أعطاه غاية خضوعه وذله وفقره ومسكنته من الدعاء والسجود والتقرب بالذبح ونحوها لغير الله وهو معنى العبادة التي هي معنى الألوهية وجعل العاجز الفقير بالذات الذي لا يملك مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض شبيها بالقادر الغني مالك السموات والأرض كما قال تعالى ((قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)) (سبأ:22) "الثالث عشر- العلامة السيد صديق حسن خان القنوجي الهندي المتوفى سنة (1307هـ) بعد كلامه عن توحيد الربوبية وإيمان الناس به، في كتابه "الدين الخالص"(1/185-187).
ثم قال: " وهم – مع ذلك – في توحيد العبودية قاصرون، وعن صراط الهدى ناكبون،فتبين لك بهذا أن التوحيد لا يتم إلا بإخلاص الربوبية والعبودية.
وهي (1) في هذا الزمان الأخير – بل من زمن كثير – غريب جداً في أكثر الخلق وغالب الناس.
__________
(1) كذا في الأصل ولعل العبارة "وهذا".
(2) كذا وهذا تفسير باطل ولعله وقع سقط من الناسخ أو الطابع والصواب أن يقال: (لا معبود بحق إلا الله) وكلامه فيما بعد هذا يدل على صحة فهم هذه الكلمة.(1/205)
وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -:(بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ ثم قال:فطوبى للغرباء).
وهذا يرشدك إلى قلة أهل التوحيد الذين خلقت لهم الجنة.
وفيه أيضاً بشارة للموحدين على قلة جمعهم وكسر حالهم، وذلتهم في الناس.
فالله الله يا أيها الناس تمسكوا بأصل دينكم الذي ارتضاه الله تعالى لكم ودعا إليه نبيكم، وقاتل المشركين عليه، وندبنا إليه، وجاهد فيه لله حق جهاده.
وأساس هذا الدين ورأسه ونبراسه، شهادة أن لا إله – أي لا معبود – (1) إلا الله.
واعرفوا معناها واستقيموا عليها، وادعوا الناس – تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – إليها، واجعلوها كلمة باقية في أبناء زمانكم، إتماماً للحجة وإيضاحاً للمحجة، وكونوا من أهلها وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم في الدين، ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت وعادوهم وأبغضوهم وأبغضوا من أحبهم أو جادل عنهم.
ومن لم يكفرهم، أو قال: ما عليّ منهم، أو قال: ما كلفك الله بهم، فقد كذب هذا على الله، وافترى.
فقد كلفه الله بهم، وفرض عليه الكفر بهم والبراءة منهم، ولو كانوا إخوانهم وأولادهم (2) .
فالله الله تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم وأنتم لا تشركون به شيئاً.
الشرك الذي تسرب إلى المسلمين في العصور الأخيرة أغلظ من شرك
الجاهلية (3) .
وإذا أحطت بما ذكرنا علماً أدركت أن كفر المشركين من المؤمنين (4) من أمة رسولنا - صلى الله عليه وآله وسلم - في العرب والعجم أعظم من كفر الذين قاتلهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-.
__________
(2) هذا إشارة إلى أصل الولاء والبراء ذلكم الأصل العظيم الذي حث عليه القرآن العظيم والسنة النبوية وسار عليه السلف الصالح.
(3) هذه شهادة من عالم عرف ما عليه الناس في زمانه.
(4) لعله بقصد بـ (من المؤمنين) الذين يدّعون الإيمان.(1/206)
وقد سمعت أن الله تعالى ذكر عن الكفار أنهم إذا مسهم الضر تركوا غير الله من السادة والقادة والطواغيت فلم يدعوا أحداً منهم ولم يستغيثوا بهم، بل أخلصوا لله وحده لا شريك له.
وأنت ترى المشركين المدعين للإيمان من المسلمين، وفيهم من يدعي أنه من أهل العلم والفضل، وفيه الصلاح والزهد والاجتهاد في العبادة، إذا مسه الضرر وأهمه أمر من أمور الدنيا، قام يستغيث بغير الله من الأولياء كـ " معروف الكرخي " و" الشيخ عبد القادر الجيلاني " و " سالا رومدار " ونحوهم.
وأجل من هؤلاء مثل الخلفاء الراشدين والصحابة المكرمين أجمعين.
وأجل منهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
وأشنع وأفضع وأقبح وأعظم جرماً وأطم ضلالة أنهم يستغيثون بالطواغيت، والأجداث وأهل القبور، والمردة من الجن والشياطين، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ويسافرون إلى أنصابهم، ويفزعون إلى أحبارهم ورهبانهم، تقليداً في الفروع والأصول المبنية على شفا جرف هار، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، ولا تشركنا يوم الدين مع المشركين.
رحم الله من نصح نفسه، وعرف أن وراءه جنة ونارا، وأن الله تعالى جعل لكل منهما أهلاً وأعمالاً ".
الرابع عشر – العلامة السيد نعمان خير الدين الشهير بابن الآلوسي المتوفى سنة 1314 هـ في كتابة جلاء العينين (ص 448) خلال حديثة عن الاستغاثة الشركية.
قال:"قال الشيخ محمد الأمين السويدي الشافعي: ولا يجوّز ذلك إلا من جهل آثار الرسالة، ولهذه عمت الاستغاثة بالأموات (1) عند نزول الكربات يسألونهم ويتضرعون إليهم، فكان ما يفعلونه معهم أعظم من عبادتهم واعتقادهم في رب السموات.انتهى.
__________
(1) هل ترى المالكي يؤمن بما قاله الإمام محمد أو سيكذب علماء المسلمين السابقين واللاحقين ويرى أن المسلمين لا ذنب لهم إلا التبرك الذي أقصاه البدعة والخطأ.(1/207)
ثم قال الشيخ نعمان " قال المانعون: وهل سمعتم أن أحداً في زمانه - صلى الله تعالى عليه و سلم - أو ممن بعده في القرون الثلاثة المشهود لأهلها بالنجاة والصدق، وهم أعلم منا بهذه المطالب، وأحرص على نيل مثل تيك الرغائب – استغاث بمن يزيل كربته التي لا يقدر على إزالتها إلا الله سبحانه، أم كانوا يقصرون الاستغاثة على مالك الأمور ولم يعبدوا إلا إياه.
ولقد جرت عليهم أمور مهمة وشدائد مدلهمة في حياته - صلى الله تعالى عليه وسلم- وبعد وفاته فهل سمعت عن أحد منهم أنه استغاث بسيد المرسلين - صلى الله تعالى عليه وسلم - ؟! أو قالوا: إنا مستغيثون بك يا رسول الله ؟! أم بلغك أنهم لاذوا بقبره الشريف، وهو سيد القبور،حين ضاقت منهم الصدور ! كلا ! لا يمكن لهم ذلك، وإن الذي كان بعكس ما هنالك، فلقد أثنى الله تعالى عليهم و رضي عنهم، وقال عز من قائل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) مبيناً لنا سبحانه أن هذه الاستغاثة هي أخص الدعاء، وأجلى أحوال الالتجاء. ففي استغاثة المضطر بغيره تعالى عند كربته: تعطيل لتوحيد معاملته الخاصة به".
الخامس عشر - العلامة أبو المعالي محمود شكري الألوسي المتوفى سنة 1342هـ.(1/208)
في كتابه غاية الأماني في الرد على النبهاني (1/37) قال:" (الأمر الرابع) من الأمور التي يجب التنبيه عليها: أن من مكايد الغلاة التي كادوا بها العوام أنهم يقولون: إن الاستغاثة بالأموات ونداءهم في المهمات وشد الرحال لزيارة قبورهم وتقديم قرابينهم إليها ونذورهم هو من علامات محبتهم،والتقرب بقربتهم، ومن أنكر ذلك وأبى ما هنالك ونهى عن زخرفتها وإيقاد السرج عليها وبناء المساجد عليها وقصد أهلها في طلب الحاجات والالتجاء إليها في المهمات فهو من المبغضين للصالحين،والمنكرين لكرامات الأولياء والصديقين، إلى غير ذلك من أقوالهم المناسبة لضلالهم، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، فإن من أنكر مثل تلك البدع والضلالات هم المحبون لهم، والمحافظون على هديهم وطريقتهم، وأما هؤلاء الغلاة وأعداء الهداة فقد أفسدوا الدين، وسدوا طريق الموحدين، يعرف ذلك من وقف على أحوالهم، وما قالوه في الإسلام وما بدلوه من الدين، وما عليه أهل البوادي اليوم والأعراب من الكفر بآيات الله ورد أحكام القرآن والاستهزاء بذلك (1) ، والرجوع إلى سوالف البادية وما كانت عليه من العادات والأحكام الجاهلية، و أمثلهم حالا من عرف أن كتاب الله وأحاديث رسوله عند أهل البلاد فلم يرفع بذلك رأساً، ولم يبال بشيء مما هنالك، أو هو جاهل بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، لا شعور له بشيء من ذلك، ولا يدري ما الناس من أمر دينهم (2) .
__________
(1) هذا يؤكد ما ذكره علماء الدعوة وغيرهم عن حال هؤلاء الأعراب، ويبين لك ظلم المالكي وأسلافه للإمام محمد وأتباعه.
(2) كذا ولعله سقط من الكلام مثل قوله:"ما عليه".(1/209)
وغالب أهل المدن منهمكون في اللذائذ والشهوات، قد أعرضوا عن الشريعة وما ورد فيها من الأوامر والنواهي، ولم يلتفتوا إلى ما في كتب الفقه من الأحكام، وظنوا أن سيئاتهم تغفر بنذورهم إلى القبور ونداء أهلها، والاستغاثة بهم وأن من منعهم من دعاء الأنبياء والصالحين والاستعانة بهم والاستغاثة بهم في الشدائد والمهمات وأنهم لا يدعون مع الله في الحاجات والملمات ولا يذبح لهم تقرباً، ولا يطاف بقبورهم ولا يتوكل عليهم – فقد استخف بهم وتنقصهم وهضمهم حقهم.
وأصل هذا أنهم لا يفرقون بين حق الله وحق العباد، ولا تمييز عندهم في ذلك بل يرون استحقاقهم كثيراً من العبادات المختصة بالله، وهذا يشبه غلو النصارى في المسيح وغيره، وقد قالوا لمن أنكر عليهم عبادة المسيح قد تنقصت المسيح وقلت فيه قولاً عظيماً ".
السادس عشر - العلامة شهاب الدين السيد محمود الألوسي المتوفى سنة 1270هـ.
قال:"وقال الوالد عليه الرحمة أيضاً في باب الإشارة من تفسيره ما نصه: قال تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر } الآية. فيه إشارة إلى ذم المتصوفة الذين إذا سمعوا الآيات الرادة عليهم ظهر عليهم التجهم والبسور، وهم في زماننا كثيرون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.(1/210)
وفي قوله تعالى { إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا } الآية،إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى حيث يستغيثون بهم في الشدة، غافلين عن الله تعالى وينذرون لهم النذور، والعقلاء منهم يقولون إنهم وسائلنا إلى الله تعالى وإنما ننذر لله تعالى عز وجل ونجعل ثوابه للولي ولا يخفى أنهم في دعواهم الأولى أشبه الناس بعبدة الأصنام القائلين { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ، ودعواهم الثانية لا بأس بها لو لم يطلبوا منهم بذلك شفاء مريضهم أو رد غائبهم أو نحو ذلك، والظاهر من حالهم الطلب،ويرشدك إلى ذلك أنه لو قيل انذروا لله تعالى واجعلوا ثوابه لوالديكم،فإنهم أحوج من أولئك الأولياء لم يفعلوا.
وقال أيضاً عند تفسير قوله تعالى { دَعَوا الله مخلصين له الدين } الآية ما نصه: فالآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك،وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر دعوا من لا يضر ولا ينفع، ولا يرى ولا يسمع، فمنهم من يدعو الخضر وإلياس، ومنهم من ينادي أبا الخميس والعباس، ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة، ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة،ولا ترى فيهم أحداً يخص مولاه، بتضرعه ودعاه (1) . ولا يكاد يمر له ببال،أنه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال.
((فبالله تعالى عليك قل لي: أي الفريقين من هذه الحيثية أهدى سبيلا،وأي الداعيين أقوم قيلا ؟ وإلى الله سبحانه المشتكى من زمان عصفت فيه ريح الجهالة،وتلاطمت أمواج الضلالة،وغرقت سفينة الشريعة،واتخذت الاستغاثة بغير الله تعالى للنجاة ذريعة، وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف،وحال دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف.أهـ (2) .
__________
(1) قد تواترت هذه الأفاعيل الشنيعة التي تصدر عن القبوريين في حال الشدة على عكس ما يفعله المشركون في الجاهلية.
(2) صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان (ص198) نقلاً عن صاحب جلاء العينين.(1/211)
السابع عشر - العلامة محمد بشير السهسواني المتوفى سنة 1326هـ في كتابه " صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان " (ص431).
"... السادس أنك قد عرفت فيما تقدم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكفر السواد الأعظم من المسلمين، ومن كفره فلم يكفره بارتكاب ذنب من الكبائر كما هو مذهب الخوارج، إنما كفره بدعوة غير الله بحيث يطلب فيها منه ما لا يقدر عليه إلا الله وهذا لا يستريب أحد من أهل العلم والديانة أنه عبادة لغير الله، وعبادة غير الله لا شك في كونها كفراً، مع أنه لم يكفره أيضاً حتى عرفه الصواب ونبهه.
وأيضاً قد عرفت فيما مر أن الشيخ ليس بمنفرد في هذا التكفير، بل جميع أهل العلم من أهل السنة والجماعة يشاركونه فيه لا أعلم أحدا مخالفاً له، منهم تقي الدين ابن تيمية، وابن قيم الجوزية، وابن عقيل،وصاحب الفتاوى البزازية، وصنع الله الحلبي، والمقريزي الشافعي، ومحمد بن حسين النعمي الزبيدي، ومحمد بن إسماعيل الصنعاني، ومحمد بن علي الشوكاني، وصاحب الإقناع، وابن حجر المكي،وصاحب النهر الفائق،والإمام البكري الشافعي،والحافظ عماد الدين ابن كثير، وصاحب الصارم المنكي، والشيخ حمد بن ناصر،والعلامة الإمام الحسن بن خالد، والشيخ العلامة محمد بن أحمد الحفظي وغيرهم.
وقال في النهر الفائق: اعلم أن الشيخ قاسماً وهو من أكابر العلماء الحنفية رحمهم الله تعالى قال في شرح درر البحار: إن النذر الذي يقع من أكثر العوام، بأن يأتي إلى القبر بعض الصلحاء قائلاً: يا سيدي فلان إن رد غائبي أو عوفي مريضي فلك كذا، باطل إجماعاً لوجوه...الخ.
إلى أن قال: ومنها الظن أن الميت يتصرف في الأمور، واعتقاد هذا كفر، والمسلم لا يطلب حاجته من غير الله، فإن من طلب حاجته من ميت أو غائب فقد فارق الإسلام.(1/212)
وممن صرح بهذه المسألة من علمائنا الحنفية صاحب الفتاوى البزازية، والعلامة صنع الله الحلبي المكي،وصاحب البحر الرائق، وصاحب الدر المختار، والعلامة قاسم بن قطلوبغا، والعلامة بير علي البركوي صاحب الطريقة المحمدية، وأبو سعيد الخادمي،ومولي عبد الحي اللكهنوي، وغيرهم رحمهم الله أجمعين.أ-هـ (1) من كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر (ص154-155) للشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي.
الثامن عشر - الكاتب الشهير مصطفى لطفي المنفلوطي في كتابه " النظرات " (2/45-49) قال:
"كتب إليّ أحد علماء الهند كتاباً يقول فيه: إنه اطلع على مؤلف ظهر حديثاً بلغة"التاميل" وهي لغة الهنود الساكنين " بناقور " وملحقاتها بجنوب "مدراس"، موضوعه: تاريخ حياة السيد عبد القادر الجيلاني وذكر مناقبه وكراماته فرأى فيه من بين الصفات والألقاب التي وصف بها الكاتب السيد عبد القادر ولقبه بها صفات وألقاباً بمقام الألوهية أليق منها بمقام النبوة فضلاً عن مقام الولاية كقوله "سيد السموات والأرض " و "النفاع الضرار" و "المتصرف في الأكوان " و"المطلع على أسرار الخليقة" و "محيي الموتى " و "مبريء الأعمى والأبرص والأكمه" و " أمره من أمر الله " و "ماحي الذنوب " "دافع البلاء " و "الرافع الواضع " و" صاحب الشريعة " "وصاحب الوجود التام " إلى كثير من أمثال هذه النعوت والألقاب.
__________
(1) من (حكم الله الواحد الأحد) للمعصومي.(1/213)
ويقول الكاتب أنه رأى في ذلك الكتاب فصلاً يشرح فيه المؤلف الكيفية التي يجب أن يتكيف بها الزائر لقبر السيد عبد القادر الجيلاني يقول فيه: " أول ما يجب على الزائر: أن يتوضأ وضوءاً سابغاً ثم يصلي ركعتين بخشوع واستحضار ثم يتوجه إلى تلك الكعبة المشرفة ! وبعد السلام على صاحب الضريح المعظم يقول: " يا صاحب الثقلين أغثني وأمدني بقضاء حاجتي وتفريج كربتي ! ". "أغثني يا محيي الدين عبد القادر، أغثني يا ولي عبد القادر، أغثني يا سلطان عبد القادر، أغثني يا باد شاه عبد القادر، أغثني يا خوجة عبد القادر !" " يا حضرة الغوث الصمداني، يا سيدي عبد القادر الجيلاني، عبدك ومريدك مظلوم عاجز محتاج إليك في جميع الأمور في الدين والدنيا والآخرة " (1) .
__________
(1) لما كنت في الهند أقوم بالتدريس في الجامعة السلفية ببنارس في حدود 1390هـ زارني أحد طلاب العلم من الخرافيين فقدم لي مجلداً ضخماً فيه مناقب عبد القادر الجيلاني فرأيت فيه من العجائب الكفرية ما لا يخطر بالبال ومن ضمن هذه العجائب قصة مضمونها أن - الله تبارك وتعالى- كان يمشي مع عبد القادر على شاطئ نهر فانزلقت به رجله فانتشله عبد القادر من هذه السقطة =
= تعالى الله عما يقول الملحدون علواً كبيراً، فنصحته وبينت له أن هذا الكلام لا يقوله إلا الزنادقة الذين يكيدون للإسلام والمسلمين بمثل هذه الزندقة والإلحاد وأعطيته فكرة عن توحيد الله وما جاء به الرسل جميعاً فوالله ما انصرف من عندي إلا بعد أن مزق الكتاب بيده كأني أراه الآن وهو يمزقه.
ولقد رأيت بعيني ما يفعله القبوريون عند قبور الصالحين أو غيرهم ما يندى له الجبين.
وزرت الهند أنا والشيخ عبد الرزاق العباد وعبد الرب نواب أحد المدرسين بالجامعة الإسلامية في حدود 1410هـ فذهب بنا بعض طلاب العلم السلفيين إلى مسجد نظام الدين بدهلي فرأينا فيه خمس قباب أكبرها قبة نظام الدين ورأينا من الزائرين من الغلو والخشوع والتذلل ما لا تراه عند بيت الله العتيق وجاء رجل لابساً إزاراً ورداءً مصبوغين بالأحمر أو الأصفر مكشوف الرأس في هيئة المحرم وخر ساجداً أمام قبة نظام الدين ثم قام يمشي القهقرى ثم سجد سجدة أخرى عند عتبة القبة ونحن واقفون مشدوهون من هذه الأعمال الشركية الفظيعة ولا نستطيع الكلام فجاءنا رجل يهدر بالكلام كالجمل الهائج لا ندري ما يقول، فسألت أنا والشيخ عبد الرزاق زميلنا عبد الرب عما يقول فقال يقول: إن الناس في عبادة وأنتم تتفرجون ؟ يعني في عبادة أصحاب هذه القباب، وهذا المسجد قريب من المسجد المركزي لجماعة التبليغ وهم يعظمون نظام الدين هذا ولا ينكرون هذه الشركيات الفظيعة لأنهم مشغولون بالدعوة إلى خرافاتهم وأساطيرهم المناهضة للتوحيد وأهله بل في مسجدهم قبور مقدسة ولله في خلقه شئون.(1/214)
ويقول الكاتب أيضاً:" أن في بلدة (ناقور) في الهند قبر يسمى " شاه الحميد " وهو أحد أولاد السيد عبد القادر – كما يزعمون – وأن الهنود يسجدون (1) بين يدي ذلك القبر سجودهم بين يدي الله ! وإن في كل بلدة من بلاد الهند وقراها مزاراً يمثل مزار السيد عبد القادر، فيكون القبلة التي يتوجه إليها المسلمون في تلك البلاد ! والملجأ الذي يلجأون في حاجاتهم وشدائدهم إليه وينفقون من الأموال على خدمته وسدنته وفي موالده وحضراته ما لو أنفق على فقراء الأرض جميعاً لصاروا أغنياء !
هذا ما كتبه إليّ ذلك الكاتب، ويعلم الله أني ما أتممت قراءة رسالته حتى دارت بي الأرض الفضاء، وأظلمت الدنيا في عيني، فما أبصر مما حولي شيئاً، حزناً وأسفاً على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوام أنكروه بعدما عرفوه، ووضعوه بعدما رفعوه، وذهبوا به مذاهب لا يعرفها، ولا شأن له بها.
أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع فلا تريقها أمام هذا المنظر المؤلم المحزن، منظر أولئك المسلمين وهم ركع سجد على أعتاب قبر ربما كان بينهم من هو خير من ساكنه في حياته، فأحرى أن يكون كذلك بعد مماته !
أي قلب لا يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة فلا يطير جزعاً حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشراكاً بالله وأوسعهم دائرة في تعدد الآلهة وكثرة المعبودات!
لِمَ ينقم المسلمون التثليث من المشركين ؟!
لِمَ يحملون لهم في صدورهم تلك الموجدة وذلك الضغن وعلام يحاربونهم وفيم يقاتلونهم وهم لم يبلغوا من الشرك بالله مبلغهم ولم يغرقوا فيه إغراقهم ؟!
__________
(1) إن أسلاف المالكي ليباركون هذه الأعمال ويدافعون عنها وعن أهلها فكم هو البون شاسع بين هذا الرجل وأمثاله وبين أولئك المروجين لهذه الأعمال الفظيعة التي يندى لها الجبين وتذرف منها العبرات وتقشعر منها جلود المؤمنين.(1/215)
يدين المشركون بآلهة ثلاثة ولكنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد وبعده عن العقل فيتأولون فيه ويقولون أن الثلاثة في حكم الواحد. أما المسلمون فيدينون بآلاف من الآلهة أكثرها جذوع أشجار وجثث أموات وقطع أحجار، من حيث لا يشعرون!
كثيراً ما يضمر الإنسان في نفسه أمراً وهو لا يشعر به، وكثيراً ما تشتمل نفسه على عقيدة خفية لا يحس باشتمال نفسه عليها ولا أرى مثلاً لذلك أقرب من المسلمين الذين يلتجئون في حاجاتهم ومطالبهم إلى سكان القبور ويتضرعون إليهم تضرعهم للإله المعبود فإذا عتب عليهم في ذلك عاتب، قالوا: إنا لا نعبدهم وإنما نتوسل بهم إلى الله، كأنهم لا يشعرون أن العبادة ما هم فيه، وأن أكبر مظهر لألوهية الإله المعبود أن يقف عباده بين يديه ضارعين خاشعين يلتمسون إمداده ومعونته فهم في الحقيقة عابدون لأولئك الأموات من حيث لا يشعرون (1) !!
جاء الإسلام بعقيدة التوحيد ليرفع نفوس المسلمين ويغرس في قلوبهم الشرف والعزة والأنفة والحمية وليعتق رقابهم من رق العبودية فلا يذل صغيرهم لكبيرهم ولا يهاب ضعيفهم قويهم ولا يكون لذي سلطان بينهم سلطان إلا بالحق والعدل وقد ترك الإسلام بفضل عقيدة التوحيد ذلك الأثر الصالح في نفوس المسلمين في العصور الأولى فكانوا ذوي أنفة وعزة وإباء وغيرة يضربون على يد الظالم إذا ظلم ويقولون للسلطان إذا جاوز حده في سلطانه: قف مكانك ولا تغل في تقدير مقدار نفسك فإنما أنت عبد مخلوق لا رب معبود، واعلم أن لا إله إلا الله!
هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر أخرى، فقد ذلت رقابهم وخفت رؤوسهم وضرعت نفوسهم وفترت حميتهم فرضوا بخطة الخسف واستناموا إلى المنزلة الدنيا فوجد أعداؤهم السبيل إليهم فغلبوهم على أمرهم وملكوا عليهم نفوسهم وأموالهم ومواطنهم وديارهم فأصبحوا من الخاسرين.
__________
(1) انظر ما سبق.(1/216)
والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهناءتها إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد، وإن طلوع الشمس من مغربها وانصباب ماء النهر في منبعه أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده ما دام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله ويقولون للأول كما يقولون للثاني: " أنت المتصرف في الكائنات وأنت سيد الأرضين والسموات " !!
إن الله أغير على نفسه من أن يسعد قوماً يزدرونه ويحتقرونه ويتخذونه وراءهم ظهرياً!!
فإذا نزلت بهم جائحة أو ألمت بهم ملمة ذكروا الحجر قبل أن يذكروه ونادوا الجذع قبل أن ينادوه.
بمن أستغيث ؟ وبمن أستنجد ؟ ومن الذي أدعوه لهذه الملمة الفادحة ؟ أأدعو علماء مصر وهم الذين يتهافتون على " يوم الكنيسة " تهافت الذباب على الشراب أم علماء الآستانة وهم الذين قتلوا جمال الدين الأفغاني (1) ليحيوا أبا الهدى الصيادي شيخ طريقة الرفاعية ؟ ! أم علماء العجم وهم الذين يحجون إلى قبر الإمام كما يحجون إلى البيت الحرام ؟ أم علماء الهند وبينهم أمثال مؤلف هذا الكتاب ؟!
يا قادة الأمة ورؤساءها عذرنا العامة في إشراكها وفساد عقائدها، وقلنا إن العامي أقصر نظراً وأضعف بصيرة من أن يتصور الألوهية إلا إذا رآها ماثلة في النصب والتماثيل والأضرحة والقبور (2) فما عذركم أنتم وأنتم تتلون كتاب الله وتقرأون صفاته ونعوته وتفهمون معنى قوله تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) وقوله مخاطباً نبيه: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً) وقوله (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
إنكم تقولون في صباحكم ومسائكم وغدوكم ورواحكم:
__________
(1) لعل المنفلوطي كان مخدوعاً بجمال الدين الأفغاني لأنه لم يعرف خطورته وضلاله.
(2) هذا فيه نوع من التنزل لأن ذنب علماء السوء أعظم من ذنب العوام حيث لم ينكروا هذه الشركيات وشر من ذلك إقرارهم لها ودفاعهم عن أهلها.(1/217)
كل خير في اتباع من سلف ... ... وكل شر في ابتداع من خلف
فهل تعلمون أن السلف الصالح كانوا يجصصون قبراً أو يتوسلون بضريح وهل تعلمون أن واحداً منهم وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو قبر أحد من أصحابه وآل بيته يسأله قضاء حاجة أو تفريج هم ؟ وهل تعلمون أن الرفاعي والدسوقي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين ؟! وهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل نهى عنها عبثاً ولعباً ؟! أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى ؟! وأي فرق بين الصور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور، ما دام كل منها يجر إلى الشرك، ويفسد عقيدة التوحيد ؟!!
والله ما جهلتم شيئاً من هذا، ولكنكم آثرتم الحياة الدنيا على الآخرة فعاقبكم الله على ذلك بسلب نعمتكم، وانتقاض أمركم، وسلط عليكم أعداءكم يسلبون أوطانكم، ويستعبدون رقابكم، ويخربون دياركم، والله شديد العقاب" (1) !. (تقاليد يجب أن تزول) (ص64-67).
__________
(1) رحم الله المنفلوطي الغيور على التوحيد، وليستفد المالكي من كلام هذا الكاتب الذي لم يدرس التوحيد مثل المالكي ولكنه بصفاء فطرته ونظافة قلبه ودراسته الشخصية عرف ما لم يعرفه المالكي وأمثاله، وصدع بما يحاربونه (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء).(1/218)
التاسع عشر: العلامة الألباني حيث قال في مقدمة تحقيقه لكتاب الآيات البينات: " واعلم أن هذه الرسالة وإن كان موضوعها في بيان حكم فقهي كما سترى فذلك لا يعني في اعتقادي أنه لا علاقة لها بما هو أسمى من ذلك وأعلى ألا وهو التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ودعاؤه تعالى دون سواه ومن المعلوم أن الاعتقاد بأن الموتى يسمعون هو السبب الأقوى لوقوع كثير من المسلمين اليوم في الشرك الأكبر ألا وهو دعاء الأولياء والصالحين وعبادتهم من دون الله عز وجل جهلاً أو عناداً ولا ينحصر ذلك في الجهال منهم، بل يشاركهم في ذلك كثير ممن ينتمي إلى العلم، بل وقد يظن الجماهير أنه من كبار العلماء فإنهم يبررون لهم ذلك خطابة وكتابة بمختلف التبريرات التي ما أنزل الله بها من سلطان والأحزاب (1) الإسلامية كلها مع الأسف لا تعير لذلك اهتماماً يذكر لأنه يؤدي بزعم بعضهم إلى الاختلاف والتفرقة، مع أنهم يعلمون أن الأنبياء إنما كان أول دعوتهم (أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، وخيرهم من يسكت عن قيام غيره بهذا الواجب، ومن الظاهر أن ذلك الشيخ الذي ألف العلامة الألوسي هذه الرسالة في الرد عليه كان منهم، ولذلك ثارت ثائرته حينما صرح المؤلف رحمه الله في درسه بأن الموتى لا يسمعون لأنه يعلم أن ذلك ينافي ما عليه أولئك الجهال من المناداة للأولياء والصالحين ودعائهم من دون الله عز وجل، وفي ظني أن المؤلف رحمه الله ما ألف هذه الرسالة إلا تمهيدا للقضاء على هذه الضلالة الكبرى ألا وهي الاستغاثة بغير الله تعالى على اعتبار أن السبب الأقوى الموجب لها عند من ضل من المسلمين إنما هو الاعتقاد بأن الموتى يسمعون فإذا تبين أن الصواب أن الموتى لا يسمعون،لم يبق حينئذ معنى لدعاء الموتى من دون الله تعالى.
__________
(1) وعلى رأسهم الإخوان المسلمون الذين يتعللون بما ذكره العلامة الألباني.(1/219)
فإني لا أكاد أتصور ولا غيري يتصور مسلماً يعتقد أن الميت لا يسمع دعاء داعيه ثم هو مع ذلك يدعوه ومن دون الله يناديه إلا أن يكون قد تمكنت منه عقيدة باطلة أخرى هي أضل من هذه وأخزى، كاعتقاد بعضهم في الأولياء أنهم قبل موتهم كانوا عاجزين وبالأسباب الكونية مقيدين، فإذا ماتوا انطلقوا وتفلتوا من تلك الأسباب وصاروا قادرين على كل شيء كرب الأرباب، ولا يستغربن أحد هذا ممن عافاهم الله تعالى من الشرك على اختلاف أنواعه، فإن في المسلمين اليوم من يصرح بأن في الكون متصرفين من الأولياء دون الله تعالى ممن يسمونهم هنا في الشام بـ" المدَّرِّكين" وبـ" الأقطاب" وغيرهم وفيهم من يقول:" نظرة من الشيخ تقلب الشقي سعيداً"!ونحوه من الشركيات.
قال العلامة السيد رشيد رضا في "تفسيره"(11/391)تحت قوله تعالى: { قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلاما شاء الله } :" أي لكن ما شاء الله من ذلك متى شاء، لا شأن لي فيه، لأنه خاص بالربوبية دون الرسالة التي وظيفتها التبليغ لا التكوين...
وقد بلغ من جهل الخرافيين من المسلمين بتوحيد الله أن مثل هذه النصوص من آيات التوحيد لم تصد الجاهلين به منهم عن دعوى قدرة الأنبياء والصالحين حتى الميتين منهم على كل شيء من التصرف في نفعهم وضرهم مما جعله الله تعالى من الكسب المقدور لهم بمقتضى سننه في الأسباب، بل يعتقدون أن منهم من يتصرفون في الكون كله، كالذين يسمونهم بالأقطاب الأربعة. وإن كان بعض علماء الأزهر في هذا العصر يكتب هذا حتى في مجلة الأزهر الرسمية (نور الإسلام)! فيفتي بجواز دعاء غير الله من الموتى والاستغاثة بهم في كل ما يعجزون عنه من جلب نفع أو دفع ضر، وألف بعضهم كتاباً في إثبات ذلك، وكون الميتين من الصالحين ينفعون ويضرون بأنفسهم، ويخرجون من قبورهم، فيقضون حوائج من يدعونهم ويستغيثون بهم! قال في "فتح البيان" بعد نقله القول الأول في الاستثناء عن أئمة التفسير وترجيحه ما نصه:(1/220)
" وفي هذا أعظم وازع، وأبلغ زاجر، لمن صار ديدنه وهِِجِّيراه المناداة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو الاستغاثة به عند نزول النوازل التي لا يقدر على دفعها إلا الله سبحانه، وكذلك من صار يطلب من الرسول ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه فإن هذا مقام رب العالمين، الذي خلق الأنبياء والصالحين وجميع المخلوقين، ورزقهم وأحياهم ويميتهم، فكيف يطلب من نبي من الأنبياء، أو ملك من الملائكة، أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه غير قادر عليه؟ ويترك الطلب لرب الأرباب، القادر على كل شيء الخالق الرزاق المعطي المانع؟! وحسبك بما في هذه الآية من موعظة؛ فإن سيد ولد آدم وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقول لعباده: { لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً } فكيف يملكه لغيره؟! وكيف يملكه غيره – ممن رتبته دون رتبته، ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته – لنفسه فضلاً عن أن يملكه لغيره ؟!(1/221)
فيا عجباً لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين صاروا تحت أطباق الثرى، ويطلبون منهم من الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل! كيف لا يتيقظون لما وقعوا فيه من الشرك، ولا ينتبهون لما حل بهم من المخالفة لمعنى (لا إله إلا الله) ومدلول { قل هو الله أحد } ؟! وأعجب من هذا اطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى بل إلى ما هو أشد منها، فإن أولئك يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق الرزاق المحيي المميت الضار النافع وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله ومقربين لهم إليه وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر والنفع وينادونهم تارة على الاستقلال وتارة مع ذي الجلال وكفاك من شر سماعه والله ناصر دينه مطهر شريعته من أوضار الشرك وأدناس الكفر، ولقد توسل الشيطان – أخزاه الله- بهذه الذريعة إلى ما تقر به عينه وينثلج به صدره من كفر كثير من هذه الأمة المباركة { وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً } ، إنا لله وإنا إليه راجعون".
وقال السيد رشيد أيضاً تحت قوله تعالى: { ...دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن الشاكرين } ، (11/338-339):
"وفي هذه الآية وأمثالها بيان صريح لكون المشركين كانوا لا يدعون في أوقات الشدائد وتقطع الأسباب بهم إلا الله ربهم ولكن من لا يحصى عددهم من مسلمي هذا الزمان بزعمهم لا يدعون عند أشد الضيق إلا معبوديهم من الميتين كالبدوي والرفاعي والدسوقي والجيلاني والمتبولي وأبي سريع وغيرهم ممن لا يحصى عددهم، وتجد من حملة العمائم الأزهريين وغيرهم ولا سيما سدنة المشاهد المعبودة الذين يتمتعون بأوقافها ونذورها من يغريهم بشركهم، ويتأوله بتسميته بغير اسمه في اللغة العربية كالتوسل وغيره.(1/222)
وقد سمعت من كثيرين من الناس في مصر وسورية حكاية يتناقلونها، ربما تكررت في القطرين لتشابه أهلها وأكثر مسلمي هذا العصر في خرافاتهم، وملخصها: أن جماعة ركبوا البحر فهاج بهم حتى أشرفوا على الغرق، فصاروا يستغيثون معتقديهم، فبعضهم يقول: يا سيد يا بدوي ! وبعضهم يصيح: يا رفاعي ! وآخر يهتف: يا عبد القادر يا جيلاني !... الخ، وكان فيهم رجل موحد ضاق بهم ذرعاً فقال: يا رب أغرق أغرق، ما بقي أحد يعرفك !"
العشرون: أبو الأعلى المودودي تحدث عن دخول الهنود في دين الله أفواجاً على أيدي بعض الأفراد من العلماء والتجار وبعض أهل الورع ولكن هؤلاء الأفراد كانوا عاجزين عن تعليم الداخلين في الإسلام حقيقة الإسلام وأصوله وتربيتهم على ذلك.
وذكر إهمال الحكام وتقصيرهم في العناية بهؤلاء وتربيتهم على الدين الحق ثم قال في (ص130):" فكان من جراء هذه الغفلة أن ظل عامتنا سادرين في الجهل والجاهلية منذ أول أمرهم. أما المعاهد التعليمية فما استفاد منها في معظم الأحوال إلا الطبقات العليا أو الوسطى. وما زال الدهماء في جهل تام بتعاليم الإسلام محرومين من آثاره الإصلاحية إلى حد عظيم. وقد سبب كل ذلك أن كان الناس من غير المسلمين يدخلون في دين الله شعوباً وقبائل.
إلا أن كثيرا من الرسوم الباطلة والعادات الجاهلية مما كانوا عليه قبل إسلامهم، لا تزال متفشية بهم إلى يومنا هذا، بل لم تتغير أفكارهم ومعتقداتهم تغيراً تاماً، ولا يزال يوجد فيهم إلى الآن كثير من عقائد المشركين وأوهامهم التي ورثوها عن أديان آبائهم الكافرين، وأقصى ما حدث فيهم من الفرق بعد إسلامهم أن أخرجوا من تاريخ الإسلام آلهة لهم جديدة مكان الآلهة التي كانوا يعبدونها من قبل واختاروا لأعمالهم الوثنية القديمة أسماء جديدة من المصطلحات الإسلامية وكان العمل على ما كان عليه من قبل وإنما تغير قشره ولونه الظاهري.(1/223)
فإن أردتم الشاهد على ما أقول فسرحوا النظر فيما عليه حالة الناس الدينية في أي بقعة من بقاع بلادكم ثم ارجعوا إلى التاريخ وابحثوا عن الدين الذي كان الناس يدينونه في هذه البقعة قبل أن يأتيهم الإسلام فستعلمون أنه توجد هناك كثير من العقائد والأعمال التي تشبه عقائد الدين المنقرض وأعماله إلا أنها في شكل آخر ولون غير لونه. فالبقاع التي كانت فيها الديانة البوذية قبل الإسلام مثلاً كان الناس يعبدون فيها آثار بوذا، فهنا سن من أسنانه وهناك عظم من أعظمه؛وثمة شيء آخر من أشيائه يعبده الناس ويتبركون به وإنكم لتجدون اليوم عارضة أن الناس في هذه البقاع يعاملون مثل هذه المعاملة شعراً من أشعار النبي –صلى الله عليه وسلّم-؛ أو أثراً من آثار قدمه، أو يتبركون بآثار بعض صالحي المسلمين وعابديهم.
وكذلك إذا استعرضتم كثيراً من الرسوم والعادات المتفشية اليوم ببعض القبائل المتوغلة في إسلامها، ثم نظرتم في ما يروج في البطون غير المسلمة لهذه القبائل نفسها من الرسوم والتقاليد فقليلاً ما تجدون فارقاً بين هذه وتلك، أفليس ذلك مما يشهد شهادة ناطقة بأن الذين كان بيدهم زمام أمر المسلمين وشؤونهم الاجتماعية في القرون السالفة قصروا في أداء واجبهم أيما تقصير إذ لم يمدوا يد التعاون والمساعدة إلى الذين بذلوا جهودهم في نشر الإسلام بجهودهم الفردية فقد انجذب مئات الملايين من الناس إلى حظيرة الإسلام متأثرين بدعوته ولكن الذين كانوا سدنة لبيت الإسلام متولين أموره لم يعنوا في قليل ولا كثير بتعليمهم وتربيتهم وتزكية حياتهم وإصلاح فكرهم، فلم يكتب لهم أن يتمتعوا ببركات الإسلام ونعم التوحيد حق التمتع ويقوا أنفسهم المضار التي هي نتيجة لازمة للشرك والجاهلية" (1) .
__________
(1) انظر "واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم" أبو الأعلى المودودي (ص130-132).(1/224)
ثم ذكر سوء حال معظم العلماء وانشغالهم بأمور ألهتهم عن الجد في أمر الدين الحقيقي من التحزب والتفرق والمجادلات والمخاصمات وعنايتهم بالعلوم اليونانية وانصرافهم عن الكتاب والسنة وما ترتب على ذلك من آثار سيئة في حياة المسلمين ثم قال في (ص133):" وإن تعجب فعجب من حال الصوفية فإنكم إذا سرحتم النظر فيهم لا تجدون من بينهم من عملوا بالتصوف الإسلامي الحقيقي وعلموه الناس إلا عدداً يسيراً أما معظمهم فكانوا يدعون الناس ويرشدونهم إلى تصوف كان مزاجاً من الفلسفات الإشراقية والويدانتية والمانوية الزرادشتية وكانت طرق الرهبان والأحبار والإشراقيين والرواقيين اختلطت به اختلاطاً حتى لم تبق له علاقة بعقائد الإسلام وأعماله الخالصة إلا قليلاً ولقد كان عباد الله يرجعون إليهم مستهدين إلى الله وهم يهدونهم إلى طرق معوجة وسبل زائفة ثم لما خلف من بعدهم خلف ورثوا فيما ورثوا عن أسلافهم مريديهم وأتباعهم ولم يبقوا مما كان بينهم من العلائق إلا على علاقة النذور والهدايا دون الإرشاد والوعظ والتربية وأكثر ما سعت له هذه الدوائر ولا تزال تسعى له، هو أن لا يتسرب قبس من العلم الصحيح بالدين إلى حيث لمشيختهم النفوذ والتأثير فإنهم يعرفون كل المعرفة أنه لن يدوم لسحرهم ودجلهم تأثير في الناس إلا ما داموا جاهلين بدينهم" (1) .
ثم تحدث عن أحوال المسلمين الأخلاقية فذكر أنها بلغت الحضيض ومنها بيع دينهم وكيف سخرهم أعداء الإسلام لإهلاك بعضهم بعضاً.
__________
(1) انظر "واقع المسلمين سبيل النهوض بهم" أبو الأعلى المودودي (ص133-134).(1/225)
ثم يؤسفنا ما آل إليه حال المودودي - بعد إدراكه الواعي لحال هؤلاء التائهين- حيث تشاغل بالسياسة ومستلزماتها عن إصلاح هؤلاء بالجد في دعوتهم إلى حقيقة الدين الذي أنقذ الله به العالمين وحقيقة أصوله وأسسه ألا وهي أصول التوحيد والإخلاص واتباع الكتاب والسنة في كل شأن من شئون الدنيا والآخرة، وفتح أبواب حزبه على مصراعيه للروافض والخرافيين ولم يفسح المجال حتى لإصلاح هؤلاء على طريقة الاخوان المسلمين فزاد الطين بلة، ولله في خلقه شئون ولا يزال العالم الإسلامي بأمس الحاجة إلى أمثال الإمام محمد بن عبد الوهاب يدعون الناس إلى دين الحق ولا سيما التوحيد.
الحادي والعشرون: نصارى يعرفون حقيقة الإسلام أكثر من الخرافيين الذين حاربوا الإمام محمداً ودعوته وأكثر من هذا المالكي.
قال الكاتب الأمريكي ستودارد (lothrop Stoddard) متحدثاً عن واقع المسلمين:
" أما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة سجفاً من الخرافات وقشوراً من الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات وكثر عديد الأدعياء الجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات ويوهمون الناس بالباطل والشبهات ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور. وغابت عن الناس فضائل القرآن. فصار يشرب الخمر والأفيون في كل مكان وانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات على غير خشية ولا استحياء.ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام، فصار الحج المقدس الذي فرضه النبي على من استطاعه ضرباً من المستهزءات.
وعلى الجملة فقد بدل المسلمون غير المسلمين وهبطوا مهبطاً بعيد القرار فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ما كان يدهي الإسلام لغضب وأطلق اللعنة على من استحقها من المسلمين كما يلعن المرتدون وعبدة الأوثان".(1/226)
هذه صور صورها معلق كافر لكن الخطوط والآثار التي تظهر في هذه الصورة للمسلمين أليست صحيحة اليوم إلى حد كبير ؟ وكما يرى الأمير شكيب أرسلان " لو أن فيلسوفاً نقريسياً من فلاسفة الإسلام، أو مؤرخاً عبقرياً بصيراً بجميع أمراضه الاجتماعية أراد تشخيص حالته في هذه القرون الأخيرة ما أمكنه أن يصيب المحز وأن يطبق المفصل تطبيق هذا الكاتب الأمريكي ستودارد " (1) .
وجاء في دائرة المعارف البريطانية. وهي تتكلم عن الوهابية ما يلي:
الوهابية: اسم لحركة التطهير في الإسلام. والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده ويهملون كل ما سواها. وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح" (2) .
أفلا يستحي خصوم دعوة التوحيد وخصوم الإمام محمد ومنهم المالكي من الدرك الذي انحدروا إليه في الجهل بحقيقة الإسلام وحقيقة التوحيد التي جاء بها المرسلون ودعا إليها الصالحون المصلحون من هذه الأمة وفهم حقيقته حتى الضالون من النصارى الذين تخلصوا من التقليد الأعمى للكنائس وترهاتها وكهانها وشركياتها.
اللهم إننا نبرأ إليك من ضلالات الضالين من اليهود والنصارى والروافض والقبوريين والخرافيين ومن جميع عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم ونسألك أن تثبتنا على دينك حتى نلقاك راضياً عنا إنك سميع قريب مجيب الدعاء وصل اللهم على رسولك محمد سيد الموحدين وإخوانه وآبائه من النبيين والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وارض اللهم عن علماء هذه الأمة المجاهدين المناضلين عن دينك الحق المبين، وأدخلنا وإياهم في واسع رحمتك يا أرحم الراحمين.
كتبه راجي عفو ربه ومغفرته ربيع بن هادي عمير المدخلي وكان الفراغ منه في يوم الثلاثاء الموافق للخامس والعشرين من شهر جمادى الآخرة من عام ثلاثة وعشرين وأربعمائة بعد الألف من تاريخ الهجرة النبوية.
__________
(1) عن كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه للشيخ مسعود الندوي (ص159) نقلاً عن حاضر العالم الإسلامي (ص34).
(2) كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر (ص232).(1/227)
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
تقديم الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... 2
تقديم الشيخ أحمد بن يحيى النجمي ... 3
تقديم الشيخ زيد بن هادي المدخلي ... 5
المقدمة ... 7
لمحة عن حسن بن فرحان المالكي ... 12
ترجمة الإمام محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- ... 19
جهاده في ميدان العلم ... 24
عقيدة الإمام محمد ومنهجه ... 25
منهج الإمام محمد في قضايا الإيمان والتكفير واشتراطه هو وأنصاره قيام الحجة على من وقع في مكفر قبل تكفيره ... 35
مغالطات المالكي بصرف الناس عن محور الخصومة ... 47
طعن المالكي في كتاب التوحيد وكشف الشبهات بما يشبه المدح ... 51
طعون المالكي في الإمام محمد - رحمه الله - ... 54
افتراء المالكي على الإمام محمد بأنه يرسم صورة زاهية ... 56
لكفار قريش ويذم الركع السجود من المسلمين
طعون المالكي الشنيعة في دعوة الشيخ محمد وعدّ ذلك من حيوية دعوته وقوتها ... 62
سفاهة المالكي على الإمام محمد ومخالفته للمفسرين سلفاً وخلفاً ... 65
الإمام محمد يلزم خصومه على الطريقة الشرعية والعقلية ... 69
والمالكي يرفض هذه الإلزامات ويهول عليه بالترهات
زعم المالكي أن الشيخ محمداً ارتكب قاصمة في حق خصومه لأنه ... 76
قال عنهم: "إنهم لا يعلمون معنى لا إله إلا الله" ودحض ذلك
نفي فتنة التكفير القائمة في هذا العصر عن منبعها وإلصاقها ... 86
بالإمام محمد-رحمه الله-
دحض نسبة المالكي التكفير إلى الإمام محمد وكتبه وبيان ... 89
من هم أهل التكفير الذين يخفي تكفيرهم
حجة خصوم الشيخ الإمام محمد -رحمه الله- ودحضها ... 92
إلصاق المالكي التكفيريين القطبيين بالإمام محمد وأتباعه ... 99
تكذيبه للشيخ ومكابرته في واقع كالشمس في وضوحه ... 102
شبه خصوم الإمام محمد حول شرعية قتاله لأهل الضلال ... 105
مع بيان القتال المشروع والقتال الممنوع
تهويله على الإمام محمد بالمغالطات وتقويله ما لم يقل ... 120
المالكي يغالط ويشكك في صدق الإمام محمد ... 127
في أمر يعرفه الخاص والعام تهم عظيمة تقشعر منها الجلود يوجهها المالكي إلى الإمام محمد ... 135
تظاهره الكاذب بأنه من أهل الدعوة السلفية ... 138
وأنه غيور عليها يرد عنها كيد الأعداء
إلزامات باطلة ... 140
تقويل المالكي الإمام محمد بن عبد الوهاب ... 146
ما لم يقله في أمر الشفاعة
المالكي لا يحسن فهم البدهيات من كلام الشيخ محمد ... 152
حيث جعل ذمه الشديد لمسيلمة وقومه مدحاً وثناءً
من ضروب التلبيس التي يسلكها المالكي في الباطل ... 154
دعوته إلى الإنصاف وطلب الحق
المالكي لا يفرق بين مجددي السنة والحق ... 157
وبين مجددي الباطل والضلال
طعن المالكي في عدالة الصحابة ... 159
ما قاله المؤرخون في الرّجال ... 161
موقف المالكي من روايات تحريق علي للزنادقة ... 162
وموقفه من روايات غيره
طعون المالكي في أتباع الإمام محمد ... 165
ورميه لهم بالخيانة والجبن والمجاملة والتلون والبعد عن المنزلة التي وصل إليها هو وإلصاق التكفير بالإمام محمد
رمي المالكي أسير التقليد أنصار الشيخ محمد بالتقليد ... 169
رميه لأنصار الشيخ محمد بالغلو ... 171
رميه للسلفيين بخصال الجاهلية ووصفهم بالغلو ... 178
دفاعه عن أهل الضلال من الروافض والغلاة من الصوفية ... 180
دفاعه عن رؤوس الضلال وطعنه في السلفيين ... 184
دفاعه المغلف عن الباطنية العبيديين ... 188
دفاعه عن أهل البدع والأهواء مع طعنه الشديد في ... 193
الإمام محمد وفي أهل السنة والتوحيد
حكمه على الإمام محمد وعلى أهل السنة بأنهم أشد من الخوارج تكفيراً ومدحه الماكر لثورة الخميني ودفاعه الماكر عن سيد قطب وصرف قضية التكفير عنه ... 200
موافقات أئمة الإسلام السابقين واللاحقين من مختلف البلدان والمذاهب للإمام محمد في مواجهة الشرك والخرافات ... 206
وموافقة غيرهم له في هذه المواجهات نصارى يعرفون حقيقة الإسلام أكثر من الخرافيين الذين حاربوا الإمام محمداً ودعوته وأكثر من هذا المالكي. ... 256
الفهرس ... 258(1/228)