المملكة العربية السعودية
دار الحديث الخيرية
الرابع العالي
1419 - 1420هـ
????? ?µي ?ل?????
?ي
م?ي??هل ?ل?????
(حوار علمي مع الشيخ أحمد الخليلي )
إعداد
أبي حمزة الفطاني
إشراف الشيخ
خالد بن فوزي عبد الحميد آل حمزه
المدرس بدار الحديث الخيرية
{ وقلْ جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا}
{ بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدْمغُه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون }
?لم??م?ه
…
…(( الحمدلله الذي جعل في كلّ زمان فترةً من الرسل ، بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضلّ إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصّرون بنور الله أهل العمى ، فكمن من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضالٍ تائهٍ قد هدوه ، فما أحسن أثرهم على الناس ، وأقبح أثر الناس عليهم .
…ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، الذين عقدوا ألوية البدعة ، وأطلقوا عقال الفتنة ، فهم مختلفون في الكتاب ، مخالفون للكتاب ، مجمعون على مفارقة الكتاب ، يقولون على الله ، وفي الله ، وفي كتاب الله بغير علم ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهّال الناس بما يشبهون عليهم ، فنعوذ بالله من فتن المضلّين ))(1).
أمابعد . . .
…فقد لايتعجّب مسلمٌ من أن يكون قد سبق إلى علمه : أن غالب الغزوات على البلاد الإسلاميّةِ ـ حسيّاً كان أومعنويّاًـ كان من قِبل الكفّار أوأهل الكتاب ، ولكنّ عجبه يفوق حينما يرى هذا الغزو مصدره من بعض من ينتسب إلى الإسلام ، بل ويزعم أنّه من المنتصرين له ، والذابّين عن عقيدته وشريعته !. ?
__________
(1) من خطبة الإمام أحمد في الردّ على الزنادقة الجهميّة ص6 ، وينقل عنه الإمام ابن تيمية كثيراً ، انظر مثلاً : درء تعارض العقل والنقل (1/18) ، ونسبها ابن وضّاح القرطبي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في البدع والنهي عنها ص26 ، وفي سنده ضعف .(1/1)
…وإنّ الناظر المتفكِّر في حال الأُمّة في هذا الزمان يرى كيف أن العصبيّة المذهبيّة قد استشرت وطغت على قلوب الكثير من النّاس حتّى إنهم جعلوها من المسلّمات التي لا تقبل النقاش ، في حين أنّ أهل البدع والأهواء وغيرهم قد شمّروا عن ساعد الجدِّ والعزم في إضلال الناس وهدايتهم إلىطريق الغواية ، ظنّاً منهم أن طريقة مذهبهم مبنيّة على أُسُسٍ قويّةٍ وقواعد متينه .
…كما زادوا في إضلال الناس وإغوائهم ، وتمثّل ذلك في استنادهم واستدلالهم لصحّةِ مذهبهم ـ زعموا ـ على الكتاب والسنّة وأشياء ليست باليسيرة ـ إن كان جلُّها ـ بالطرق الكلاميّةِ والحجج العقليّه ، حتى إن القارئ أو السامع ليغترّ بحلاوة كلامهم وقوّةِ حجاجهم ، ويظنُّ أن الحقّ معهم .
…لذا فلا يتعجّب إنسانٌ من كثرة سوادهم وتهافت أتباعهم ، فإنّ العبرة ليست بالكثرة وتكثير السواد ، بل ولايصح لنا أن نجعلها ميزاناً للحق ؛كيف وقد قال تعالى: } وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَمَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ { } ?الأنعام:116 ] ، وقال أيضاً: } وَمَاأَكْثَرُالنَّاسِ وَلَوْحَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين { } ?يوسف:103 ]وقال أيضاً: } قُلْ لايَسْتَوي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ . . . { } ?المائده : 100 ] .(1/2)
…وقال ابن مسعود- رضي الله عنه - :( الجماعة ماوافق الحق ولوكنت وحدك )(1)، وقال الفضيل ابن عياض ـ رحمه الله ـ :( عليك بطريق الهدى وإن قلّ السّالكون واجتنب طريق الرّدى وإن كثر الهالكون )(2) ، ولهذا نجد أنّ الحقّ ـ عندالكثير من الفئام ـ غيرمألوف ، وقَدْ فَهِم هذا الأمر الإمامُ الأوزاعي ـ رحمه الله ـ حين قال:( عليك بآثارمن سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه بالقول ،فإن الأمرينجلي وأنت على طريق مستقيم) (3)، وذلك لمّا علم بأن الحقّ في غُربة ، وهو مستنكرٌ لدى الكثير من الناس.
…ولورجعنا إلى الوراء قليلاً وفي بداية البعثة المحمّديّةِ ، بل وقبله من الأمم السابقة وتسائلنا من كان أكثر أتباع الرسل والأنبياء ؟ أليسوا هم الفقراء والمساكين والسفلة من الناس ؟
__________
(1) رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعه (1/122)رقم(160)وصحّح سنده الشيخ الألباني كما في تعليقه على مشكاة المصابيح (1/61) وقال أبوعيسى الترمذي ـ رحمه الله ـ في سننه (4/467):وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم أهل الفقه والعلم والحديث ، قال وسمعت الجارود بن معاذ يقول : سمعت عليّ بن الحسن يقول :سألت عبد الله بن المبارك ، من الجماعه ؟ فقال:أبوبكر وعمر ، قال :فلان وفلان ، قيل له قد مات فلان وفلان . فقال عبدالله بن المبارك أبوحمزة السكريّ جماعه .وسيأتي في تفسير الجماعة زيادة بيان إن شاء الله .
(2) ذكره الشاطبي في الإعتصام (1/83) ، والنووي في المجموع (8/275) ، والإيضاح له ص219 ، والسيوطي في الأمربالإتباع والنهي عن الإبتداع ص152 .
(3) رواه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص26 والآجرّي في الشريعه ص58بإسناد صحيح .(1/3)
…إنّ القرآن الكريم يشير لنا إلى هذا ، قال تعالى : } وَمَانَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّالَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِين { [ هود:27] } قَالَ المَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُون { } ?الأعراف : 75 ] ، وفي المقابل من ذلك نقول : من الذين وقفوا أمام دعوة الحقّ ؟ وكفروا بالله ورسله ، أليسوا هم الملأ والعِلِّيَّة من القوم الكافرين ؟ وشواهد هذا في القرآن والسنّة كثيره .
…والمقصود أنّ على الأمة أن نتنبّه لما يروِّجه أعداء السنة في سوقهم من سموم ، وذلك لايكون إلاّ بالفهم الصحيح لمنهج السلف الصالح (1)والإدمان في مطالعة السنن النبويّة وتمييز صحيحها من سقيمها ،وبأن يكون له باعٌ في قراءة الكتب التي عنت بالردّ على أهل البدع المتقدمة منها والمتأخره ، وخاصّةً كتب شيخ الإسلام ابن تيميّة وتلميذه ابن القيّم ـ رحمهما الله ـ ليكون على بيِّنةٍ من أمره(2)، ولكي لاينجرّ وراء تيّار أهل البدع والأهواء من أهل الكلام ، أو العقلانِيِّيِن المتأخِّرين ،والذين هم أفراخٌ للمعتزلة المتقدمين ؛ الذين جعلوا العقل هو المعيار للحقّ فضلّوا بذلك وأضلّوا .
__________
(1) وهوالإستدلال بالكتاب والسنة وهذان لايخالف فيهما أحد إلاّ أنّنا نزيد عليهما : فهم الصحابة رضوان الله عليهم ، وسيأتي زيادة بيان إن شاء الله.
(2) ولله درُّ القائل : عرفت الشَّرَّ لا للشَّـ ــرِّ لكن لتوقِّيه
ومن لايعرف الخير من الشَّرِّ يقع فيه
وأصله حديث حذيفة - رضي الله عنه - أنه قال:(كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير،وكنت أسأله عن الشرمخافة أن يدركني ) متفق عليه .(1/4)
…والمتأمِّلُ في كتب هؤلاء يرى كيف أنهم يتخبَّطون في ظلمات عقائدهم ويجد الإضطراب في كلامهم ، بحيث أنّ القارئ لكتاباتهم يرى كيف أنّهم يخرجون من عقدةٍ إلى عُقد ، ومن زلَّةٍ إلى زلاّت (1) ؟، فلا يثبتون على وتيرةٍ واحده ، وهذا معلومٌ لمن استقرأ سيرتهم ، لذا يقول أبويوسف ـ رحمه الله ـ واصفاً علم الكلام : ( العلم بالكلام هو الجهل، والجهل بالكلام هو العلم ، وإذا صار الرجل رأساً في الكلام قيل :زنديق ، أو رُميَ بالزندقه )(2)، ويقصد أبويوسف أن الذي عنده علمٌ بالكلام ؛ إنما هو يساوي الجاهل ، ولايستزيد من هذا العلم قربةً إلى الله تعالى ، بل قد ينتهي به إلى الزندقة والعياذ بالله .
__________
(1) وكان ابن واصل الحموي يقول : ( أستلقي على قفاي ، وأضع الملحفة على نصف وجهي ، ثم أذكر المقالات ، وحجج هؤلاء وهؤلاء حتى يطلع الفجر ولم يترجّح عندي شئ ) مجموع الفتاوى (4/ 28) ودرء التعارض (3/263-264) . قلت : ولو قام فصلى ركتعين لكان أنفع له ، وأجدر من هذه الترّهات التي لايعرف لها نهاية .
(2) شرح الطحاويّه ص75 ، والعجيب أنه في الآونة الأخيرة ظهرت أفكارٌ غريبة موبوءة مفادها : أن العالِم إن لم يكن له باعٌ من علم الكلام والمنطق فليس هذا بعالم ! . بل ورأيت وسمعت ماهو أدهى من ذلك وأمرّ وهو قول بعضهم : نحن لا نستطيع الإستفادة من الكتاب والسنة ولا التعويل عليهما حتى نفهم علم الكلام والمنطق ونبلغ درجة المجتهدين ، وقد انتهى الاجتهاد فلا كتاب ولا سنة وإنما نستسقي العلوم الإلهيّة من كتب المعروفين من أهل الكلام . اهـ وقد كان هذا في محاضرة عن المولد النبوي ! حتى بلغ الأمر بهذا المفتون أنه لا يعرف قراءة القرآن الكريم . فانظر يارعاك الله كيف تلعّب بهم شياطين الإنس والجن .(1/5)
…ويشهد لكلامه هذا من غاص في بحور هذا العلم المشئوم (1)ولم يستطيعوا النجاة من مغبّته وأوحاله إلاّ من نجّاه الله بفضله .
…لأجل هذا وغيره ؛كان نتاج هذا البحث المتواضع .
…والموضوع الذي نحن بصدده هو الردّ على بعض أهل البدع وبالأخصّ على الشيخ أحمد الخليلي ـ مفتي عمان! ـ فيما قرّره في كتابه ( الحقّ الدّامغ ) ـ والذي ليس له من اسمه نصيب! ـ حيث قسّمه إلى ثلاثة مباحث ، المبحث الأول: في نفي رؤيةلله تعالى، والمبحث الثاني:في القول بخلق القرآن ، ثم ختم مباحثه تلك بخلود أهل الكبائر في النار .
__________
(1) وتبيّن ذلك عند وفاة بعض نُظَّارهم ،فقد حكى أبو الفتح الطبري الفقيه قال: دخلت على أبي المعالي في مرضه فقال:( اشهدوا أنّي قد رجعت عن كل مقالة تخالف السنّه ، وإنّي أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور ) سير أعلام النبلاء (18/474) ونقل عنه ابن أبي العز في شرح الطحاويّه ص209 قوله:( يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به ، وقال عند موته : لقد خضت البحر الخضم ، وخليت أهل الإسلام وعلومهم ، ودخلت في الذي نهوني عنه ، والآن فإن لم يتداركني ربي فالويل لابن الجويني ، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي ، أو قال : على عقيدة عجائز نيسابور .وقال الرازي :( .. لقد تأملت الطرق الكلاميّة ، والمناهج الفلسفيّة ، فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تروي غليلاً ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ...ـ إلىأن قال ـ :(ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ). شرح الطحاويّه ص209 وقال أيضاً :(ديني متابعة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وكتابي القرآن العظيم ، وتعويلي في طلب الدين عليهما ). تاريخ الإسلام للذهبي (18/242ـ243) .(1/6)
…وينبغي أن يُعلم أنّ الردود على أهل البدع ليست وليدة هذا العصر ، بل نجد أنّ أسلافنا ـ رحمهم الله ـ قد سبقونا إليها ، والمتتبع لكتبهم يرى هذا الأمر جلياًّ ، فمن ذلك رسالة الإمام أحمد ( الردّ على الزنادقة والجهميّة )(1)، وابن مندة في رسالته ( الردّ على الجهميّة ) ،والدارمي في رسالته ( ردّ عثمان بن سعيد على بشر المرِّيسي العنيد) ، وله أيضاً ( الردّ على الجهميّة) ،والسّجزي في رسالته ( الردّ على من أنكر الحرف والصوت )، وعبد العزيز الكناني في رسالته ( الحيده ) ، و ( الردّ على المنطقيّين ) و ( الردّ على الإخِنّائي ) و ( الردّ على البكري ) وثلاثتها لشيخ الإسلام ابن تيميّة ، و( الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطِّله ) لابن قيّم الجوزيّه ، و ( الردّ الوافر على من زعم : بأن من سمّى ابن تيمية شيخ الإسلام ..كافر ) لابن ناصر الدين الدمشقي ، و ( الصارم المنكي في الردِّ على السبكي ) لابن عبد الهادي ، و( صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان ) للعلامة السهسواني ، و ( التنكيل لما ورد في تأنيب الخطيب من الأباطيل ) للعلاّمة المعلمي. .وغيرها كثير .
… وفي هذا درسٌ عظيم وهو: أن الحقَ والباطلَ لايجتمعان أبداً في أنصاف الدهر ، فإن كان لأهل الباطل جولة فلأهل الحقّ جولات وصولات ، { وَاللهُ غَالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَعْلَمُون } [يوسف : 21 ].
…عملي في البحث :-
…1- عزوت الآيات إلى مواقعها من السور .
…2- خرّجت الأحاديث بتخريجٍ متوسّطٍ ؛ ليس بالطويل الممل ، ولا القصير المخلّ ؛ إلاّ إن اقتضى الحاجة إلى توسّعٍ توسّعتُ ، ثم أحكم على الحديث صحّةً وضعفاً ، وذلك بالاستناد إلى أقوال العلماء ، فإن لم أجد : أجتهدت ـ قدر المستطاع ـ بالحكم عليه ، وإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فإنني قد لا أتوسّع في تخريجه .
__________
(1) مع الخلاف الواقع في صحّة نسبتها إليه .(1/7)
…3- اشترطتُ على نفسي أن لا أقول قولاً إلاّ وقد سبقني إليه إمام معتبر .
…4- بذلت جهدي في استقصاء المصادر التي تكلّمت في أي موضوعٍ من المواضيع المدوّنة في صلب البحث ؛كما هو مدوّنٌ في الحواشي ، وذلك توسعةً لمن أراد التثبت والاستفادة .
…5- في مناقشة المؤلّف رجعت إلى المصادر التي عزا إليها ، وإن لم يعزُ إليها ؛ اجتهدت في العزو إليها مع التعقيب عليه .
…وقد أسميت بحثي هذا بـ ( إرشاد ذوي البصائر في مصير أهل الكبائر ) وقسّمته إلى مقدِّمةٍ وتمهيدٍ وثلاثة أبواب ، وأتبعتها بخاتمةٍ جامعةٍ ثمّ ذكرت أهمّ المصادر والمراجع التي تضمنت الموضوع ، ثم الفهارس العامّة للبحث .
…والخطّة المتَّبعة في البحث كمايلي:-
…الفصل التمهيدي : وذكرت فيه أهمّيّة العقيدة الصحيحة في مقابل عقائد الفرق الضالّة وموقف العلماء منهم . وقسّمته إلى أربعة مباحث :-
…المبحث الأول : معنى أهل السنة والجماعة وأهل الحديث والسلف ، مضمناً ثلاث تنبيهات .
…المبحث الثاني : منهج السلف في الدعوة والعقيدة .
…المبحث الثالث : موقف السلف من المبتدعة .
…المبحث الرابع : منهج السلف في الردّ على أهل البدع .
…الباب الأول : من هم الإباضيّة ؟ وقسمته إلى خمسة فصول :-
…الفصل الأول : نبذة تاريخية عن الخوارج ، ونشأة الإباضيّة .
…الفصل الثاني : هل الإباضيّة مذهب من مذاهب الخوارج ؟
…الفصل الثالث : أهم شخصياتهم .
…الفصل الرابع : مصادر التلقي عند الإباضيّة .
…الفصل الخامس : آراء الإباضيّة في العقيدة والأحكام .
…الباب الثاني : الإيمان والكبائر ، وقسّمته إلى أربعة فصول :-
…الفصل الأول : تعريف الإيمان وخلاف الناس فيه .
…الفصل الثاني : ثمرة الخلاف وبيان الراجح فيه .
…الفصل الثالث : تعريف الكبائر والصغائر .
…الفصل الرابع : خلاف النّاس في مرتكبي الكبائر وبيان الراجح فيه .
…الباب الثالث: الردّ على المعترض الشيخ ( أحمد الخليلي ) .(1/8)
…الفصل الأول : منهج المعترض في حكمه بتكفير مرتكب الكبيرة ، والأسس التي بنى عليها الوعيديّة مذهبهم ، والأدلّة العامّة التي استند عليها في رسالته ، ومن ثمّ مناقشتها، ودحض شبهها .
…الفصل الثاني : الردّ على المعترض في حكمه بتكفير مرتكب الكبيرة ( تفصيلاً ).
…الفصل الثالث : لوازم القول بخلود مرتكب الكبيرة في النار .
…الخاتمه : وذكرت فيها أهم النتائج التي توصّلت إليها أثناء البحث .
…ثم إني (( أعلن للذين لا يرون إلاّ حسم الخلاف في هذه القضايا حتى تتفق فيها عقيدة الأمة ، بأنني لا أستنكف من الحوار الموضوعي الهادئ الهادف ، الذي لا ينشد به إلاّ الحق ، ولايفضي إلاّ إلى تجلِّي الحقيقة وظهور برهانها ، ثمّ لا يؤدّي إلى الألفة والمودّة بين المسلمين ، وإنما أشترط أن يكون الحوار مدروساً من كل الجوانب لتفادي التشنج والانفعالات التي لا تؤدي إلاّ إلى عاقبةٍ سيِّئه ، وليس من شأنها إلاّ تشويه وجه الحقيقة ، وطمس نور الحق ، ومحاولة تغطية محاسنه ، والحيلولة بينه وبين البصائر )) .(1)
__________
(1) من ( الحقّ الدامغ ) للخليلي ص229 .(1/9)
…ولقد صادفني في هذا البحث بعض المصاعب والمتاعب إما في تقصّي المراجع ، أو من ناحية التقديم أو التأخير في بعض العبارات والجمل ؛ والتي لاينجو منها أيُّ باحثٍ وكاتب ، ولقد صدق القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني لماّ قال: ( إنّي رأيت أنّه لايكتب إنسان كتاباً في يومه ؛ إلاّ قال في غده : لو غُيِّر هذا لكان أحسن ، ولو زيد كذا لكان يستحسن ، ولو قدّم هذا لكان أفضل ، ولو تُرك هذا لكان أجمل ، هذا من أعظم العبر ، وهو دليل استيلاء النقص على جملة البشر ) . (1)
…هذا ، وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم ، فإنّ الإخلاص هو من أصعب ما يواجهه المسلم في حياته لاسيّما أهل العلم وطلاّبه .
وصلّى الله على نبيِّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلِّم .
وكتب
………… ??µ?م?? ?ل???ني
بين يدي البحث
__________
(1) نسبتها للقاضي الفاضل هو الصواب ، حيث بعث بها إلى العماد كما في أوّل شرح الإحياء للزبيدي (1/ 3) والذي أشهر هذه الكلمة هو الأستاذ أحمد فريد الرفاعي (ت 1376 هـ ) حيث وضعها في أوّل كلّ جزءٍ من أجزاء ( معجم الأدباء ) لياقوت الحموي ، وتداولها الناس منسوبة إلى العماد ، نبّه على هذا الشيخ : محمد عوامة في مقدمة الطبعة الثانية على مسند أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز. : انظر حاشية كتاب ( المحاماة ) للشيخ : مشهور بن حسن آل سلمان ص4 و ( إعلام العابد في حكم تكرار الجماعة في المسجد الواحد) له ص7 .(1/10)
…إنفاذاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من لا يشكر الناس لا يشكر الله )(1)، فإنني أشكر كلّ من ساهم في إخراج هذا البحث بهذه الصورة المتواضعة .
…كما أشكر أيضاً شيخي الفاضل خالد بن فوزي بن عبدالحميد ، الذي استفدت كثيراً من توجيهاته وإرشاداته في البحث ، ومن دراستي عليه لكتب العقيدة كشرح الطحاوية ، والتدمريّة ، والحمويّة .
…ولا يفوتني شكر كلّ من ساعدني بكتبه وتوجيهاته القيّمة وأخصّ منهم شيخي الدكتور أحمد بن عبداللطيف آل عبداللطيف ، والأخ الفاضل أبي عاصم عدنان بن صفاخان البخاري ، وكذا الأخ الألمعي أبي أسامة عبدالرحمن بن حسن بن قائد الريمي ، حفظهم الله وسدّد خطاهم .
…ولست أنسى إسهامات دار الحديث الخيريّة التي قرّرت هذه المادّة - وقد أصابت- قبل تخرّج الطالب ، ليتسنّى له الاطلاع على الكتب النفيسة في مختلف أنواع العلوم .
…فلهؤلاء مني الشكر والعرفان ومن الله الأجر على الدوام .
?ل??ل ?ل?مهي?ي :
المبحث الأول : معنى أهل السنّة والجماعة وأهل الحديث والسلف .
المبحث الثاني : موقف السلف من المبتدعة .
المبحث الثالث : منهج السلف في الدعوة والعقيدة .
المبحث الرابع : منهج السلف في الردّ على أهل البدع .
تمهيد
__________
(1) رواه أحمد (3/91) ، والترمذي (4/339) وقال : حسن صحيح ، ورواه أيضاً أبونعيم في الحلية (7/165) (8/389) (9/22) ، والبيهقي في الشعب (4419) ، والقضاعي في مسند الشهاب (2/35) ، والبخاري في الأدب المفرد (218) ، والطيالسي في مسنده ص326 ، والبغوي في شرح السنة (13/187) ، وابن حبان في صحيحه (8/199) برقم (3408) ، والبغدادي في تاريخ بغداد (9/488) ، وصححه الشيخ الألباني كما في صحيح الجامع (2/1122) والمشكاة (3025) .(1/11)
…لقد جرت سنة الله في كونه أن يكون مع الخير نقيضه ، والله سبحانه وتعالى لايخلق شراً محضاً فإن حكمته تأبى ذلك ، فإبليس مثلاً (( الذي هو مادةٌ لفساد الأديان و الأعمال و الإعتقادات و الإرادات ، وهو سببٌ لشقاوة كثيرٍ من العباد ، وعلمهم بما يغضب الرب سبحانه تبارك وتعالى وهو الساعي في وقوع خلاف ما يحبّه الله ويرضاه . ومع هذا فهو وسيلةٌ الى محابّ كثيرةٍ للربّ تعالى ترتب على خلقه ، ووجودها أحبُّ إليه من عدمها ))(1) فلولاه لما حصلت العبوديّة المتنوعه ، (( فإن عبوديّة الجهاد من أحبّ أنواع العبوديّة إليه سبحانه ، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبوديّة وتوابعها من الموالات لله سبحانه وتعالى ، والمعاداة فيه ، وعبوديّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعبوديّة الصبر ومخالفة الهوى وإيثار محابّ الله تعالى ، وعبوديّة التوبة والإستغفار ، وعبوديّة الإستعاذة بالله أن يجيره من عدوِّه ويعصمه من كيده وأذاه . إلى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها )).(2)
…وفي ميدان العلم والعلماء يكون الصراع بين الحق والباطل ، بين أهل السنّة وأهل البدعه ، منذ أن ظهرت البدع في الأمة الإسلاميّه إبتداءً من بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة (3)
__________
(1) شرح العقيدة الطحاويّه ص253 .
(2) المرجع السابق ص254 .
(3) وابتداء خروج الخوارج والشيعة كان في عهد عليٍ - رضي الله عنه - ، أمّا المرجئه فيقول البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه رقم:(48،6044،7076):حدثنا محمد بن عرعرة قال حدثنا شعبه عن زبيد قال : سألت أباوائل عن المرجئه ، فقال : حدثني عبدالله [يعني ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) وقال الحافظ في الفتح (1/137) ـ شارحاً الحديث ـ
( قوله :سألت أباوائل عن المرجئه قال: أي عن مقالة المرجئه ، ولأبي داود الطيالسي عن شعبة عن زبيد قال : لمّا ظهرت المرجئة أتيت أباوائل فذكرت ذلك له فظهر من هذا أن سؤاله كان عن معتقدهم وأن ذلك كان حين ظهورهم ، وكانت وفاة أبي وائل سنة تسعٍ وتسعين وقيل سنة اثنتين وثمانين ، ففي ذلك دليل على أن بدعة الإرجاء قديمه ) .(1/12)
إلى بدعٍ مولّدةٍ ـ ماأنزل الله بها من سلطان ـ يراها المسلم كلما دار به الدهر وطال به العمر.
…إلاّ أن الله تعالى لم يترك العباد هملاً يموج بهم أهل الأهواء كيفما شاءوا ، فجعل في كل قرنٍ مجدِّدين ، وفي كلّ عصرٍ ذابِّين عن السنة ، ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، فكم كان الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ شوكةً في حلوق المعتزلة والجهميّة ، فتناوب في تعذيبه ثلاثةٌ من الخلفاء(1)، حتى أظهر الله الحقَّ على لسانه على يد الخليفة المتوكِّل ـ رحمه الله ـ فوُسم بـ (إمام أهل السنة والجماعه ) فكان حبّه علامة أهل السنّه ، وبغضه علامة أهل البدعه(2)
__________
(1) وهم المأمون و المعتصم و الواتق .
وللمناسبة أذكر هنا قصةً عظيمةً لما فيها من مواعظ وعبر . وهي أن المروزي ـ أحد أصحاب الإمام أحمد ـ دخل عليه أيّام المحنة ، وقال له : يا أستاذ! قال الله تعالى : } وَلاَتَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم { [النساء (29) ]فقال أحمد : اخرج ، فانظر أيَّ شيءٍ ترى ؟ قال : فخرجت إلى رحبةِ دار الخليفة فرأيت خلقاً من الناس لا يحصي عددهم إلاّ الله ، والصحف في أيديهم ، والأقلام والمحابر في أذرعتهم ، فقال المروزي : أيُّ شيءٍ تعملون ؟ فقالوا : ننظر مايقول أحمد فنكتبه ، قال المروزي : مكانكم ، فدخل إلى أحمد بن ـ ـحنبل ، فقال له : رأيت قوماً بأيديهم الصحف والأقلام ينظرون ماتقول فيكتبونه ، فقال أحمد : يامروزي أُضلُّ هؤلاء كلَّهم ؟! أقتلُ نفسي ولا أضل هؤلاء .مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص330 .
فانظر يارعاك الله إلى ثبات هذا الإمام الهمام بنفسٍ قويّةٍ أبيّه ، فلله درُّه ،كم تحمّل المشاقّ والصِّعاب من أجل ألاّ تضلّ أمته من بعده ، فهل يقتدي به المقتدون ؟!!!
(2) قال الدورقي ـ رحمه الله ـ :(( من سمعته يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهمه على الإسلام )) وقال سفيان بن وكيع :أحمد عندنا محنه ، من عاب أحمد فهو عندنا فاسق )) .
وقيل فيه :
أضحى ابن حنبل محنة مأمونة وبحبِّ أحمد يُعرف المتنسِّك
وإذا رأيت لأحمد متنقصاً فاعلم بأن ستوره ستهتَّك )) تصنيف الناس بين الظن واليقين (بتصرف) للشيخ بكر أبوزيد ضمن سلسلة (الردود) ص400 ـ 401 ، وانظر مجموع الفتاوى (12/80 ، 438 ، 355 ، 358 ، 363 ).(1/13)
، ثم أتى من بعده بقرونٍ شيخ الإسلام ابن تيميّة ـ رحمه الله ـ والذي عقمت الأمهات أن يلدن مثله ـ فمشى على سَنن ابن حنبل ، فكشف الله به زيغ أهل الأهواء وفضح ستارهم وأبدى عوارهم ،وناظر كبراءهم(1)
__________
(1) ففي مناظرته للواسطيّه أمهل خصومه ثلاث سنوات كي يأتوا بمايخالف ماكتبه . أنظر المناظره في مجموع الفتاوى(3/160ومابعدها) أمّا إمهاله لخصومه فانظر المجموع(3/169،197،229،265) ومع ذلك فإننا نرى من يتبجّح في الكلام عليه من المعاصرين من أمثال حسن السقّاف في كتاباته وتعليقاته ، وكذلك الدعيّ : سعيد القنوبي في كتابه المبتور المثلّم ( السيف الحاد ..) ص24-26 حيث أورد نصوصاً عن بعض أدعياء العلم في التحذير منه واستتابته ، فنقول : هذا هو الشأن في أهل الأهواء والبدع ، إن لم يستطيعوا المجابهة والمناظرة بالحجّة والبيّنة ؛ يلجئون إلى السلطة بالشكوى والنميمة ، وهل هذا هو شأن الشجاع الذي يقارع الحجّة بالحجة والدليل بالدليل ؟ أم هو شأن من ليس له بضاعةٌ في العلم والأدب . وتغافل هؤلاء فضل شيخ الإسلام عليهم من العفو والتكريم وكم استوقفني كثيراً قول ابن مخلوف المالكي ( وهو من ألدّ أعداء ابن تيمية ) في شيخ الإسلام [لما أمر الملكُ الناصر بقتل أعداءه من الفقهاء فعفا عنهم شيخ الإسلام ]، قال ابن مخلوف : ( مارأينا مثل ابن تيمية ، حرّضنا عليه فلم نقدر عليه ، وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا ) البداية والنهاية (14/54) . نعم هكذا تكون أخلاق العلماء فهل يعلم القتّاتون والنمّامون ذلك ؟ ولعل الله تعالى يقيّض لنا من يفرد مؤلفاً مستقلاً في دعاوى المناوئين له وتفنيدها ودحض شبهها ، ولاننكر بعض الجهود المشكورة التي بذلت في ذلك إلاّ أنها غير شاملة ، والقضيّة تحتاج إلى توسّعٍ أكثر ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( من ردّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار ) رواه أحمد في المسند (6/445) وابن أبي الدنيا في الصمت ص147وغيرهما وقدحسّنه الألباني كما في غاية المرام ص246رقم(431) .(1/14)
فلم يحاروا له جواباً صائباً .
…فلجأوا معه إلى استعمال القوّة والسلطة ، وهما دواء العاجزين ، ظناً منهم أنهما سوف تردعانه وهيهات ، فوُشيَ به عند الولاة وأُدخل السجن مراتٍ ومراتٍ ، وافتُريَتْ عليه الإفتراءات الباطله ، إلاّ أن الله تعالى كان مع من نصر دينه فلم يضيِّع حقَّه ، فسخّرله من تكلم على لسانه من العلماء ، ونافحوا عنه بمِدادهم وأقلامهم ، بل أفردوا له ولعلومه المؤلفات القيّمة العظيمة والتي طبّقت الآفاق بالقبول والرضى .
…فعنى بمصنّفاته العلماءُ والطلبةُ دراسةً وتحقيقاً وتطبيقاً ؛ لمافيها من نور العلماء المخلصين الربّانِيِّين ، كل ذلك رُغم أنوف من بغى على السنّةِ وأهلها ، فهل انتفعوا بسَجنه ووشايته ؟!!
…وهنا ينبغي أن يَعلم كلّ إنسانٍ أن العقائد لا يمكن ـ أبداً ـ أن تحارب بالسيوف ولابالسجون ولا بتكميم الأفواه أوالحجب عن الناس ، لأن النفوس المؤمنة الأبِيَّة؛ لاترضى بأن تخالف مكنوناتها ، أوأن تنافق ـ كما يحلوا للبعض ـ وخاصّةً وهي تعلم أنّ وراء هذه المصابرة ثواباً وجنّةً تنتظره ، عندها تهون عليه الصِّعاب والأزمات ، فلاينثني لتهديدٍ طاغٍ ولاوَعيد ظالمٍ ؛لأنّه يعلم أنّ تعبه لن يذهب سدىً، وسوف يأتي وعد الله تعالى عاجلاً أم آجلاً } وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ { [ الحج :40 ] .
…ومن هذا المبدأ ؛ ينبغي على المسلم أن يعرف سبيل النّجاة وبرّ الأمان ، قبل أن يقع في مكائد وشراك هؤلاء ، والذين لايألون جهداً في تصيّد العوامّ ، وغسل عقولهم من التوحيد الخالص ، فيصبح العامّي يحارب السنّة وأهلها من غير درايةٍ ، والواقع أكبر شاهدٍ على ذلك ، والله المستعان .(1/15)
…لذا تحتّم علينا بوضع الأسس القويّة والقواعد المتينة قبل أن تغرق سفينة الأمّة الرّاسية ، والتي يتلاعب بأركانها أسنّة آثمة لإغراق من عليها ، ولكي تصحو الأمة من سباتها العميق ورقدتها الطويلة ............. فماهي تلكم الأسس والقواعد ؟
…إنّها السّير الحثيث على منوال سلف الأمّة اعتقاداً وسلوكاً ومنهجاً ودعوةً .
…ومنهج السلف الذي ندعوا إليه ليس محدثاً كما هو الحال بالفرق الإسلاميّة على اختلاف نحلهم ؛ بل إنّ هذا المنهج موضوعٌ منذ تفجّرِ الرسالة المحمّديّة في بطن مكّة ، فليس له سلفٌ ولامؤسّسٌ إلاّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، وقد توافقت نصوص الأئمّة بأن المراد بهم أهل الحديث كما سيأتي بيانه إن شاء الله، قال الحافظ ابن كثيرٍ ـ رحمه الله ـ ناقلاً عن بعض السلف في قوله تعالى : } ?يَومَ نَدْعُوا كُلّ أُناسٍ بإمَامِهم .. { [الإسراء :71] قال : هذا من أكبر شرفٍ لأصحاب الحديث ، لأنّ إمامهم النبيّ- صلى الله عليه وسلم - )(1).
…فمن هم السلف وأصحاب الحديث وأهل السنّة والجماعة ؟ كلّ ذلك سيتبيّن من خلال المباحث الآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ .
?لم??? ?ل?µل
معنى أهل السنة والجماعة وأهل الحديث والسلف
…
…الأصل في المسلم أنه لا يعرفُ بلقبٍ أو رمزٍ يميّزه عن غيره سوى الإسلام ، قال تعالى { .. هُوَ سَمَّاكُمُ المسْلِمِين .. }[الحج : 78] .
__________
(1) تفسيرالقرآن العظيم (3/86)(1/16)
…وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( ...فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سمّاهم الله عزّوجلّ المسلمين المؤمنين عباد الله عزّوجلّ ) (1) .
…قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( من أقرّ باسم من هذه الأسماء المحدثة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه )(2) .
…وجاء رجلٌ إلى مالك ، فقال : يا أبا عبدالله ، أسألك عن مسألةٍ أجعلك حجّة فيما بيني وبين الله عزّوجل ، قال مالك : ماشاء الله لاقوّة إلاّ بالله ، سل ، قال : من أهل السنة ؟ قال : ( أهل السنة الذين ليس لهم لقبٌ يُعرفون به ، لا جهمي ، ولا قدري ولا رافضي ) (3) .
…وقال ميمون بن مهران : ( إيّاكم وكل اسم يسمّى بغير الإسلام ) (4) .
…
…وقال مالك بن مغول : ( إذا تسمّى الرجل بغير الإسلام والسنة فألحقه بأيّ دين شئت ) (5) .
__________
(1) حديث صحيح وهو جزء من حديث طويل من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه ، رواه أحمد في المسند (4/161)رقم :(17175) ، والترمذي رقم :(2863) ، والحاكم في المستدرك رقم :(405) ، والطبراني في الكبير رقم :(3427-3429،3431) ، والبيهقي في شعب الإيمان رقم :(7494) من طريق يحي بن أبي كثير عن زيد بن سلاّم عن أبي سلاّم عن الحارث الأشعري مرفوعاً به ، ويحي مدلّس وقد عنعن ، إلاّ أنه قد صرّح بالتحديث كما في مسند أبي يعلى رقم :(1568) ، وموارد الظمآن رقم :(1222،1550) ، والتاريخ الكبير للبخاري (2/260) ، والشريعة للآجرّي ص8 ، أيضاً تابعه معاويةُ بن سلاّم كما في السنّة لابن أبي عاصم (1036) ، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (3/3) رقم :(3274) والطبراني في الكبير رقم :(3430) .
(2) الإبانة الصغرى لابن بطة ص137 .
(3) الإنتقاء لابن عبدالبرّ ص72 تحقيق الأستاذ / عبدالفتاح أبوغدّة .
(4) الإبانة الصغرى لابن بطة ص137 ، والكبرى (1/342،345) .
(5) المصدر السابق .(1/17)
…وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:( ..والواجب على المسلم إذا سئل عن ذلك أن يقول : لا أنا شكيلي ولا قرفندي ؛ بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله ..( إلى أن قال ) : .. فلا نعدل عن الأسماء التي سمّانا الله بها إلى أسماء أحدثها قوم ـ وسموها هم وآباؤهم ـ ما أنزل الله بها من سلطان ).(1)
…ولتلميذه ابن القيّم رحمه الله كلامٌ قيّمٌ ونفيسٌ في هذه المسألة ، حيث قال عند كلامه في علامة أهل العبوديّة:( العلامة الثانية : قوله : (( ولم ينسبوا إلى اسم )) أي لم يشتهروا باسم يعرفون به دون غيره من الأعمال . فإن هذه آفة في العبوديّة ، وهي عبوديّة مقيّدة ، وأما العبوديّة المطلقة : فلا يعرف صاحبها باسم معيّن من معاني أسمائها ، فإنه مجيب لداعيها على اختلاف أنواعها .
…فله مع كل أهل عبوديّة نصيب يضرب معهم بسهم ، فلا يتقيّد برسم ولا إشارة ، ولا اسم بزيّ ، ولا طريق وضعي اصطلاحي ، بل إن سئل عن شيخه ؟ قال : الرسول . وعن طريقه ؟ قال : الاتّباع . وعن خرقته ؟ قال : لباس التقوى . وعن مذهبه ؟ قال : تحكيم السنّة . وعن مقصوده ومطلبه ؟ قال { يُريدُون وَجْهَه } [ الأنعام : 52] . وعن رباطه وعن خانكاه ؟ قال : { في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيها اسْمُه يُسَبِّح لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ وَ الآصَالِ . رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَ إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } [النور : 36 ] . وعن نسبه ؟ قال :-
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه……إذا افْتخروا بقيسٍ أو تميم
…وعن مأكله ومشربه ؟ قال : ( مالك ولها ؟ معها حذاؤها وسِقاؤها ، ترِد الماء وترعى الشجر ، حتى تلقى ربّها ) .
__________
(1) مجموع الفتاوى (3/415) .(1/18)
…إلى أن قال : قوله : (( أولئك ذخائر الله حيث كانوا )) ذخائر الملك : مايخبأ عنده ، ويذْخَره لمهمّاته ، ولا يبذله لكلّ أحد ، وكذلك ذخيرة الرجل : مايذخره لحوائجه ومهمّاته ، وهؤلاء ـ لمّا كانوا مستورين عن الناس بأسبابهم ، غير مشار إليهم ، ولا متميّزين برسم دون الناس ، ولا منتسبين إلى اسم طريق ، أو مذهب ، أو شيخ أو زيّ ـ كانوا بمنزلة الذخائر المخبوءة ، وهؤلاء أبعد الخلق عن الآفات ، فإن الآفات كلها تحت الرسوم والتقيّد بها ، ولزوم الطرق الاصطلاحيّة ، والأوضاع المتداولة الحادثة ، هذه هي التي قطعت أكثر الخلق عن الله ، وهم لا يشعرون .
…والعجب أن أهلها : هم المعروفون بالطلب والإرادة ، والسير إلى الله ، وهم ـ إلاّ الواحد بعد الواحد ـ المقطوعون عن الله بتلك الرسوم والقيود .
…وقد سئل بعض الأئمة عن السنة ؟ فقال : ما لا اسم له سوى (( السنّة )) .
…يعني أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها .
…فمن الناس : من يتقيّد بلباس لا يلبس غيره ، أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره ، أو مشية لا يمشي غيرها ، أو بزيّ وهيئة لا يخرج عنهما ، أو عبادة معيّنة لا يتعبّد بغيرها ، وإن كانت أعلى منها ، أو شيخ معيّن لا يلتفت إلى غيره ، وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه ، فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى ، مصدودون عنه ، قد قيّدتهم العوائد والرسوم ، والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة ، فأضحوا عنها بمعزل ، ومنزلتهم منها أبعد منزل )(1) .
__________
(1) مدارج السالكين (2/182-185) باختصار .(1/19)
…وكذا للعلاّمة المحقق الشيخ بكر أبوزيد كلمات نفيسة ونصيحة غالية لطلاّب العلم، في كتابه اللطيف: ( حلية طالب العلم ) تحت عنوان : لا طائفيّة ولا حزبيّة يعقد الولاء والبراء عليها . قال: ( أهل الإسلام ليس لهم سمةٌ سوى الإسلام والسلام ، فيا طالب العلم بارك الله فيك وفي علمك : اطلب العلم ، واطلب العمل ، وادع إلى الله تعالى ، على طريقة السلف ، ولا تكن خرّاجاً ولاّجاً في الجماعات فتخرج من السعة إلى القوالب الضيّقة ، فالإسلام كله لك جادّة ومنهج ، والمسلمون جميعهم هم الجماعة ، وإن يد الله مع الجماعة ، فلا طائفيّة ولا حزبيّة في الإسلام ، وأعيذك بالله أن تتصدّع فتكون نهّاباً بين الفرق والطوائف والمذاهب الباطلة والأحزاب الغالية ، تعقد سلطان الولاء والبراء عليها ، فكن طالب علم على الجادّة تقفوا الأثر ، وتتّبع السنن تدعو إلى الله على بصيرة..)(1).
…ولكن ما أن ظهرت البدع في الأمة الإسلاميّة ، وتكاثرت الفرق المنتسبة إلى الإسلام بشكلٍ عظيمٍ ؛ حيث الشعارات الزائفة والدعوات المشبوهة ، واجتهد في الدين من ليس من أهله ، وأُدخل فيه ماليس منه ، وظهرت نبوءة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بافتراق الأمة ؛ كان لزاماً على أهل الحقّ ، وأصحاب العقيدة الصحيحة ، والدعوة الخالدة ؛ أن تكون لهم سمةٌ يُعرفون بها ، وعلَمٌ يتميّزون بها عن غيرهم ، كي لا يشتبه الحقّ بالباطل ، وهذا لا يتنافى مع ما سبق تقريرُه للسبب المذكور .
…فمن تأمّل ألقاب أصحاب الدعوة الصحيحة ؛ وجدها ـ بعد تمحيصٍ وتحقيقٍ ـ أنها مسميات إسلاميّة ، لا تخرج عن أصل الإسلام البتّة ، وسيأتي بيان هذا إن شاء الله .
…وهذا بخلاف مسمّيات أهل البدع وألقابهم ، فإن من تأمّلها ؛ وجدها لا تكاد تخرج عن نسبتين اثنتين :-
__________
(1) حلية طالب العلم ص59 .(1/20)
…الأولى : أنها ألقابٌ مشتقّة من أصل بدعتهم ؛ كالخوارج لخروجهم على عليّ بن أبي طالب ، والمرجئة لإرجائهم الأعمال عن مسمّى الإيمان ، والرافضة لرفضهم زيد بن عليّ ، والمعتزلة لاعتزال مؤسّسهم واصل بن عطاء مجلس التابعي الجليل الحسن البصري .
…الثانية : أنها ألقابٌ مشتقّة من الإنتساب إلى الأشخاص ؛ كالجهميّة نسبةً إلى الجهم بن صفوان ، والكرّاميّة نسبةً إلى محمد بن كرّام ، والماتريديّة نسبةً إلى أبي منصور الماتريدي ، والأشعريّة نسبةً إلى أبي الحسن الأشعري والكلاّبيّة نسبة إلى عبدالله بن كُلاّب ، والإباضيّة نسبةً إلى عبدالله بن إباض ....وهلمّ جرّا (1) .
…ونرجع إلى الحديث عن ألقاب أهل السنّة فنقول : إن غالب تلك الألقاب والسمات لها مستندٌ من صحيح السنة وأقوال سلف الأمّة ، وهي لا تخرج ـ كما أسلفت ـ عن أصل الإسلام البتّة ، وهي كما يلي :
…أولاً: أهل السنة .
…السنة لغةً : الطريقة مرضيّةً كانت أو غير مرضيّة (2)، ويقال : إنها السيرة .
…وفي الاصطلاح : فإن لها إطلاقات عدّة :-
…1- عند المحدّثين : ما أُثر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من قول ، أو فعل ، أو تقرير ، أو صفةٍ خَلقيّةٍ ، أو خُلُقيّةٍ ، أو سيرة سواء كان قبل البعثة أو بعدها(3). …
__________
(1) انظر موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع للدكتور / إبراهيم الرحيلي (1/45-46) ، وحكم الإنتماء للشيخ بكر أبوزيد ص33ـ34 .
(2) التعريفات للجرجاني ص122 ، وانظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/61) ، ولسان العرب لابن الأثير (3/2124) ، والصحاح للجوهري (5/2139) وتهذيب اللغة للأزهري (12/103) .
(3) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للدكتور / مصطفى السباعي ص47 .(1/21)
…2- عند الأصوليين : ما جاء منقولاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على الخصوص ، مما لم ينصّ عليه في الكتاب العزيز ، بل إنما نص عليه من جهته عليه الصلاة والسلام ، كان بياناً لما في الكتاب أولاً (1).
…3- عند الفقهاء : هي كل ما ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن من باب الفرض ولا الواجب(2).
…
…والسنة لها إطلاقان : عام وخاص :
…أما الإطلاق العام : فالمراد به ما يكون في مقابل الرافضة ( الشيعة ) ، وعلى هذا يصح إطلاق جميع الفرق المنتسبة إلى الإسلام ـ خلا الشيعة ـ في مفهوم أهل السنة والجماعة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فلفظ (( أهل السنة )) يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة ، فيدخل في ذلك جميع الطوائف ، إلاّ الرافضة ..)(3)وعلى هذا ؛ فإنه يصحّ تقسيم الناس إلى سنة وشيعة .
…وأما الإطلاق الخاص : فالمراد بهم ما يكون في مقابل أهل البدع كالشيعة ، والخوارج ، والمعتزلة ، والجهميّة وغيرهم . قال شيخ الإسلام تتمّةً لكلامه السابق : ( .. وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة ، فلا يدخل فيه إلاّ من أثبت الصفات لله تعالى ، ويقول : إن القرآن غير مخلوق ، وإن الله يرى في الآخرة ، ويثبت القدر ، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة )(4).
…لهذا نجد أن العلماء رحمهم الله يهتمّون بتمحيص رجال الحديث فنراهم يميّزون السني من المبتدع ، قال الإمام محمد بن سيرين رحمه الله : ( لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة ، قالوا : سمّوا لنا رجالكم ، فيُنظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثهم ، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم )(5).
__________
(1) الموافقات للشاطبي (4/3) .
(2) أصول الحديث للدكتور / محمد عجاج الخطيب ص19 ، وانظر السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص48 .
(3) منهاج السنة النبويّة (2/221) .
(4) المصدر السابق .
(5) صحيح مسلم (1/44 نووي ) ، والدارمي في سننه (1/112) .(1/22)
…وقال الإمام الشاطبي رحمه الله : ( ويطلق أيضاً في مقابل البدعة : فيقال: (( فلان على سنة ))(1) إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، كان ذلك مما نصّ عليه في الكتاب أو لا ، ويقال : (( فلان على بدعة )) إذا عمل على خلاف ذلك ، وكأن هذا الإطلاق إنما اعتبر فيه عمل صاحب الشريعة ، فأطلق عليه لفظ السنة من تلك الجهة ، وإن كان العمل بمقتضى الكتاب ) (2).
…وقد يطلق لفظ السنة أيضاً على العقيدة الصحيحة كما جاء ذلك في بعض الآثار عن بعض الأئمة .
…سأل شعيبُ بن حبيب بن حرب سفيانَ الثوري رحمه الله فقال : حدّثني بحديث من السنة ينفعني الله عزّوجل به ، فإذا وقفت بين يدي الله تبارك وتعالى ، وسألني عنه فقال لي : من أين أخذت هذا ؟ قلت : يارب حدثني بهذا الحديث سفيان الثوري ، وأخذته عنه . فأنجو أنا ، وتؤخذ أنت .
__________
(1) ولهذا لقّب الإمام أحمد بإمام أهل السنة والجماعة ، راجع ص13 ، كما لُقّب أسد بن موسى بأسد السنّة لتنسّكه بالسنة ، انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (1/236) ، والثقات (8/163) ، والتاريخ الكبير (1/2) ، والجرح والتعديل (2/388) ، وتذكرة الحفّاظ (1/402) ، وشذرات الذهب لابن العماد (2/27) ، وسير أعلام النبلاء (10/162) ، والبداية والنهاية (10/267) .
= ومن لطائف مانُقل : أن زكريا بن يحي بن إياس السجزي رحمه الله لقّب بخياط السنة . انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي (13/507) والتعليق عليه ، والعبر له (2/79) ، والكاشف له أيضاً (1/405) ، وشذرات الذهب (2/196) ، والتهذيب (3/296).
(2) الموافقات للشاطبي (4/3) .(1/23)
…فقال ( سفيان ) : ياشعيب هذا توكيد وأي توكيد . اكتب . ( فأملى عليه مجمل عقيدة السلف )(1) .
…كما جاء أيضاً عن سفيان بن عيينة رحمه الله كذلك حيث قال : السنة عشرة فمن كن فيه فقد استكمل السنة ومن ترك منها شئاً فقد ترك السنة ( ثم ذكر عقيدة السلف )(2).
…
…وكذلك الشافعي رحمه الله إذ قال : ( القول في السنة التي أنا عليها ، ورأيت أهل الحديث عليها ..) ثم سرد اعتقاده(3). لكن مالمقصود بأهل السنّة ؟؟
…قال الإمام ابن حزم رحمه الله: ( وأهل السنة الذين نذكرهم أهل الحق ، ومن عداهم فأهل البدعة )(4).
__________
(1) رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/170-173) رقم (314) ، وتذكرة الحفّاظ للذهبي (1/206-207) وقال : ( هذا ثابت عن سفيان وشيخ المخلص ثقة رحمة الله عليهم ) . وانظر عقائد أئمة السلف جمع / فواز أحمد زمرلي ص139-146 .
(2) رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/175) رقم (316) .
(3) رُوي هذا من طريق الهكّاري ـ وفيه كلام ـ انظر إثبات صفة العلو لابن قدامة المقدسي تحقيق / بدر البدر ص123-124 ، والأربعين في صفات رب العالمين للذهبي تحقيق / عبدالقادر عطا ص42 رقم (15) ، والعلو للعليّ الغفار له أيضاً ص120 ومختصره للألباني ص176 رقم (196) ، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم تحقيق / بشير عيون ص122 ، والأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع للسيوطي تحقيق / مشهور بن حسن ص313 ، واعتقاد الإمام أبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي ضمن مجموع فيه ثلاث رسائل تحقيق الدكتور / عبدالله البراك ص17ومابعدها ، واعتقاد الأئمة الأربعة للدكتور / محمد الخميس ص40 .
(4) الفصل في الملل والنحل (2/271) .(1/24)
…وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: ( ولا ريب أن أهل النقل والأثر المتّبعين آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه هم أهل السنّة ، لأنهم على تلك الطريق التي لم يحدث فيها حادث ـ وإنما وقعت الحوادث بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه )(1) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تعريف أهل السنة : ( هم المتمسّكون بكتاب الله وسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما اتّفق عليه السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار ، والذين اتّبعوهم بإحسان)(2).
…وحاصل الكلام أن إطلاق ( أهل السنة ) ليس بدعاً من القول ، لأنه يطلق على من حقّق الإسلام كاملاً ، ومن تأمّل أحاديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - باتّباع سنّته : عرف مطابقة السنة للإسلام وشمولها له ، وأدرك أيضاً مطابقة تسمية أهل التحقيق الصحيح للإسلام بـ ( أهل السنة ) (3) .
…ثانياً : الجماعة .
__________
(1) تلبيس إبليس ص32 .
(2) مجموع الفتاوى (3/375) .
(3) موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع (1/47-48) بتصرّف .(1/25)
…قد ورد الأمر بلزوم الجماعة في أحاديث كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( استوصوا بأصحابي خيراً ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يفشو الكذب ، حتى إن الرجل ليبتدئ بالشهادة قبل أن يسألها ، فمن أراد بحبحة(1) الجنّة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو مع الاثنين أبعد ...)(2).
…وقال أيضاً : ( من رأى من أميره شئاً فليصبر عليه ، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلاّ مات ميتةً جاهليّة )(3).
…وقال أيضاً : ( من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ، فمات مات ميتةً جاهليّة)(4).
…وجاء في حديث حذيفة - رضي الله عنه - الطويل عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له ( .. تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ) فقلت : فإن لم تكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ ؟ قال : ( فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعضّ على أصل شجرةٍ ، حتى يدركك الموت ، وأنت على ذلك)(5).
…وهناك أحاديث كثيرة تذكر الجماعة وتحثّ عليها ، أعرضتُ عنها اختصاراً .
__________
(1) يعني وسط الجنة ، كما في غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلاّم (1/319) .
(2) رواه أحمد في المسند (1/24) رقم (115) ، وأبو يعلى في مسنده رقم (136-138) ، والترمذي رقم (2165) ، والحاكم في المستدرك رقم (387) ، وابن أبي عاصم في السنة رقم (86-88) ، والطبراني في الكبير رقم (13623) ، والآجرّي في الشريعة ص7-8 ، والبيهقي في السنن الكبرى رقم (13521) وابن الجوزي في تلبيس إبليس ص22، وقد رُوي مرسلاً كما عند الشافعي في الرسالة ص473-474 ، فقرة (1315) ، وصححه الشيخ أحمد شاكر في شرحه للمسند (1/112) رقم (114) ، والألباني في تعليقه على السنة لابن أبي عاصم .
(3) رواه البخاري في الفتن رقم (7054) ، ومسلم (12/442نووي ) .
(4) رواه مسلم (12/441) ، والنسائي (7/123) رقم (4125) .
(5) رواه البخاري في المناقب رقم (3606ومابعده ) ومسلم (12/439نووي ) وابن ماجة رقم (3979) وغيرهم .(1/26)
…وقد اختلف العلماء في المراد بالجماعة على أقوال كثيرة فقيل : هم الصحابة دون من بعدهم ، وقيل : هم أهل الحديث ، وقيل : هم السواد الأعظم ، وقيل هم أهل الإسلام إذا أجمعوا على أمرٍ من أمور الشرع ، وقيل : هم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير (1) . وحاصل هذه الأقوال ترجع إلى أمرين :-
…أحدهما : أن الجماعة هم الذين اجتمعوا على أميرٍ بمقتضى الشرع .
…الثاني : أن الجماعة ما عليه أهل السنّة من الاتّباع وترك الابتداع . وهذا معنى تفسير الجماعة بالصحابة ، أو أهل العلم والحديث ، أو الإجماع ، أو السواد الأعظم ، فهي كلها ترجع إلى معنى واحد هو : ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه(2).
…ثالثاً : أهل الحديث :
…الحديث لغةً : ضدّ القديم .
…واصطلاحاً : ما أُضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو وصفٍ خَلقياً كان أو خُلُقياً (3).
…وعلم الحديث قسمان :-
…الأول : علم الحديث روايةً : وهو علمٌ يبحث عن كيفيّة اتصال الأحاديث بالرسول عليه الصلاة والسلام ، من حيث أحوال رواته ضبطاً وعدالةً ، ومن حيث كيفيّة السند اتّصالاً وانقطاعاً ، وغير ذلك من الأحوال التي يعرفها نقّاد الحديث(4).
__________
(1) قد أوفى النقول واستوعب غالبها الشيخ الدكتور الفاضل / عبدالرحمن بن صالح المحمود في كتابه العجاب ( موقف ابن تيمية من الأشاعرة ) (1/27-31) فلتراجعها ، فإنها مهمّة ، وانظر أيضاً : مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة للدكتور / ناصر بن عبدالكريم العقل ص52-72 .
(2) المصدر السابق (1/31) بتصرّف .
(3) النهج الحديث في مختصر علوم الحديث للدكتور / علي محمد نصر ص13 .
(4) مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده (2/60) وانظر أبجد العلوم لصديق حسن خان (2/306) .(1/27)
…الثاني : علم الحديث درايةً : وهو علمٌ يُبحث فيه عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث ، وعن المعنى المراد منها ، مُبتنياً على قواعد اللغة العربيّة ، وضوابط الشريعة ، ومطابقاً لأحوال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (1) .
… ( وإذا قيل : (( أهل الحديث )) فالمقصود بهم الذين يعنون بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روايةً ودرايةً ، ولكن لابدّ لهؤلاء ـ حتى يكونوا من أهل الحديث حقاً ـ أن يكونوا عالمين وعاملين(2)، وأن يكونوا مطبّقين لما يتعلّمونه ، متّبعين للسنّة مجانبين للبدعة )(3).
…ولعلّ السبب الأول الذي من أجله اعتنى العلماء بعلم الإسناد والحديث ؛ هو فشوّ الكذب في الفتنة التي أدّت إلى مقتل عثمان بن عفّان - رضي الله عنه - ، والذي تولّى كبرها ابن السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي ، عليه لعائن الله ، واشتهر التشديد في السؤال عن الرجال في أيام المختار الكذّاب(4) .
…فصار الصحابة رضوان الله عليهم يتثبّتون في الأقوال تثبّتاً دقيقاً ، وخاصّةً في أحاديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وسننه ، وذلك خشية الوقوع في الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ثَمّ الدخول في وعيد من كذب عليه .
…قال ابن عباسٍ - رضي الله عنه - : ( إنا كنا مرّةً إذا سمعت رجلاً يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدرته أبصارنا ، وأصغينا إليه بآذاننا ، فلما ركب الناس الصعب والذلول ؛ لم نأخذ من الناس إلاّ ما نعرف )(5).
__________
(1) مفتاح السعادة (2/128) ، وانظر أبجد العلوم (2/285) .
(2) للخطيب البغدادي رسالة لطيفة بعنوان ( اقتضاء العلم العمل ) حققه الشيخ الألباني حفظه الله .
(3) موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/33) .
(4) انظر الجامع للخطيب البغدادي (1/130-131) ، وشرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي تحقيق الدكتور / نور الدين العتر (1/52) .
(5) رواه مسلم في المقدمة (1/39 نووي ) .(1/28)
…وقال التابعيّ الجليل محمد بن سيرين رحمه الله: ( هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم )(1)، وقال عبدالله بن المبارك رحمه الله : ( الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء )(2).
…وقال أبو عبدالله الحاكم رحمه الله : ( فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له ، وكثرة موظبتهم على حفظه ؛ لدرس منار الإسلام ، ولتمكّن أهل الإلحاد والبدع فيه بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد ، فإنّ الأخبار إذا تعرّت عن وجود الإسناد فيها كانت بُتْراً )(3).
…وقال الإمام اللكنوي بعد سوقه بعض العبارات السابقة : ( فهذه العبارات بصراحتها ، أو بإشارتها ؛ تدلّ على أنه لا بدّ من الإسناد في كلّ أمرٍ من أمور الدين ، وعليه الاعتماد ؛ أعمّ من أن يكون ذلك الأمر من قبيل الأخبار النبويّة ، أو الأحكام الشرعيّة ، أو المناقب والفضائل ، والمغازي ، والسير والفواصل ، وغير ذلك من الأمور التي لها تعلّق بالدين المتين ، والشرع المبين ، فشئ من هذه الأمور لا ينبغي عليه الاعتماد ، مالم يتأكّد بالإسناد ، لا سيّما بعد القرون المشهود لهم بالخير )(4).
__________
(1) المصدر السابق (1/44 نووي ) ، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/15) ، والمجروحين لابن حبان (1/21) ، والدارمي في سننه (1/112) ، والكفاية للخطيب ص150 ، والضعفاء للعقيلي (1/7) .
(2) رواه مسلم (1/47 نووي ) ، والمجروحين (1/26) ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص6 ، وللأستاذ عبدالفتاح أبي غدّة رحمه الله رسالة مستقاة من قول ابن المبارك : ( الإسناد من الدين ) .
(3) معرفة علوم الحديث ص6 .
(4) الأجوبة الفاضلة ص27 ، وانظر دراسات في الجرح والتعديل للدكتور / محمد ضياء الرحمن الأعظمي ص9-12 .(1/29)
…وبعد هذه النقول ؛ فإنه لحريٌّ بمن كانت هذه همّته وهي : حفظ بيضة الإسلام من الدخلاءِ ؛ أن يكون له منهجٌ مباينٌ لكلّ المناهج المخترعة المضاهية لمنهج الرسول - صلى الله عليه وسلم -وصحابته رضوان الله عليهم في العقيدة والشريعة .
…وحريٌ أيضاً أن يكون أصحابها هم المعنيّون بالفرقة الناجية والطائفة المنصورة كما جاء في بعض الأحاديث (1) ، وكما فسّرها غير واحدٍ من الأئمة المعتبرين .
…قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملّلة ، وإن هذه الملّة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النار ،وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة )(2).
__________
(1) وفي أثناء استقرائي لبعض كتب الإباضيّة وجدت أن الإباضي نور الدين عبدالله بن حميد السالمي في رسالته الموسومة بـ ( اللمعة المرضيّة من أشعّة الإباضيّة ) ص5 يقول ما مفاده : أن مذهب الإباضية هم المعنيّون بالفرقة الناجية ، واستند في ذلك إلى عموم بعض الأدلة ؛ شأنه شأن كلّ مبتدع الذين يستندون في إنفاذ مذهبهم بكلّ غثٍ وسمين .
(2) رواه أبوداود رقم (4597) وهذا لفظه ، والحاكم في المستدرك رقم (443) ، وأحمد في المسند (4/126) رقم (16940) ، والآجرّي في الشريعة ص18 ، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/113) رقم (150) ، وابن أبي عاصم في السنة رقم (64) ، والبغدادي في الفرق بين الفرق ص7 ، وابن ماجة رقم (3993) ، وغيرهم بألفاظٍ مختلفة ، وحسنه الشيخ الألباني كما في السلسة الصحيحة رقم (204) وأرود سبعة طرق له ، وأطال النفس فيه ، فانظره هناك .(1/30)
… وفي رواية بلفظ : ( ما أنا عليه وأصحابي )(1)إلاّ أنها ضعيفة .
__________
(1) أخرجه بتمامه الترمذي رقم (2641) ، والحاكم في المستدرك رقم (444) ، وابن وضّاح القرطبي في البدع والنهي عنها تحقيق / عمرو عبدالمنعم سليم ص167 رقم (248) ، والآجرّي في الشريعة ص15 ، واللاّلكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/111-112) رقم (147) ، والبغدادي في الفرق بين الفرق ص6 ، والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/262) ، وابن الجوزي في تلبيس إبليس تحقيق / محمد بن الحسن بن إسماعيل و مسعد السعدني ص23 ، كلهم من طريق عبدالرحمن بن زياد الإفريقي عن عبدالله بن يزيد عن عبدالله بن عمرو مرفوعاً ، وفيه عبدالرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف . وقال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه مثل هذا إلاّ من هذا الوجه .
وقد رُوي من طريق آخر وبلفظ مشابه ؛كما عند الطبراني في الكبير (8/153) رقم (7659) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/156) و (7/259) وقال : رواه الطبراني في الكبير وفيه كثير بن مروان ضعيفٌ جداً ، وقال في (1/106) : وفيه كثير بن مروان كذّبه يحي والدارقطني ، قلت : وهو كما قال . وفيه أيضاً عبدالله بن يزيد الدمشقي وهو ضعيف . قلت : وقد حسّنه بعض أهل العلم من أهل الحديث ، ولعلّ الصواب ضعفه ؛ لأن مداره على ضعفاء ، والذين حسّنوه نظروا إلى الشواهد ، وهذه الشواهد التي استشهدوا بها مغايرٌ لهذا اللفظ ، وتحسينهم يحتاج إلى مزيد تأمّل ، والله أعلم .…(1/31)
…وقال أيضاً : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقّ ، لا يضرّهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )(1).
…قال يزيد بن هارون رحمه الله شارحاً الحديث : ( إن لم يكونوا أصحاب الحديث ، فلا أدري من هم ؟ ) (2)، وقال بمثله الإمام أحمد أيضاً(3)، وعلي بن المديني والبخاري(4).
…قال الإمام أبوعبدالله الحاكم تعقيباً على كلام الإمام أحمد ، قال : ( فلقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث ؛ ومن أحقّ بهذا التأويل من قومٍ سلكوا محجة الصالحين ، واتّبعوا آثار السلف من الماضين ......- إلى أخر ما قاله - )(5).
…رابعاً : السلف .
…قال ابن فارس : ( (( سلف )) السين واللام والفاء أصلٌ يدلّ على تقدّم وسبق ، من ذلك السلف : الذين مضوا ، والقوم السلاف : المتقدمون )(6).
__________
(1) رواه مسلم (13/67 نووي ) وهذا لفظه ، والبخاري في صحيحه بلفظ آخر رقم (71 ، 3116 ، 3641 ، 7312 ، 7460 ) ، و في التاريخ الكبير له (4/12) ، وفي خلق أفعال العباد له رقم (159) ، والترمذي رقم (2229) ، وأحمد رقم (22457) و(22465) ، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة رقم (166) والخطيب في شرف أصحاب الحديث رقم (39-46) وغيرهم ، وقد حكم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بتواتره ، انظر اقتضاء الصراط المستقيم ص6 .
(2) شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص59 .
(3) المصدر السابق ص61 ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص2 ، وانظر فتح الباري (13/306) ، وشرح النووي على مسلم (13/68) .
(4) شرف أصحاب الحديث ص62 ، وسنن الترمذي (4/505) رقم (2229) .
(5) معرفة علوم الحديث ص2 ، وللاستزادة ينظر : أهل الحديث هم الطائفة المنصورة الناجية للدكتور / ربيع المدخلي ص91-142 .
(6) معجم مقاييس اللغة (3/95) .(1/32)
…وللسلف معنيان ؛ قال الأزهري : ( وللسلف معنيان آخران : أحدهما أن كل شئ قدمه العبد من عمل صالح أو ولد فرَطٍ تقدّمه فهو سلف ، وقد سلف له عملٌ صالح.
…والسلف أيضاً من تقدّمك من آبائك وذوي قرابتك الذين هم فوقك في السن والفضل ، واحدهم سالف ، ومنه قول طفيل الغنَوي يرثي قومه :-
…مضوا سلفاً قصدُ السبيل عليهم ……وصرف المنايا بالرّجال تقلّب
…أراد أنهم تقدمونا ، وقصد سبيلنا عليهم أي نموت كما ماتوا فنكون سلفاً لمن بعدنا كما كانوا سلفاً لنا ، وقال الفرّاء في قول الله جلّ وعزّ { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ} [الزخرف : 56] يقول : جعلناهم سلفاً متقدمين ليتّعظ بهم الآخرون )(1).
…ويشهد للمعنى الثاني : من تقدّمك من آبائك وذوي قرابتك قوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة رضي الله عنها : ( ..ولا أراني إلاّ قد حضر أجلي ، وأنك أول أهلي لحوقاً بي ، ونعم السلف أنا لك ..)(2). ونستخلص من هذا أن من معاني السلف : التقدم والسبق سواء كان بالعمل الصالح ، أو من تقدم من الآباء وذوي القرابة وغيرهم ، ومن هذا المعنى سُمي الصدر الأول من التابعين السلف الصالح.(3)
__________
(1) تهذيب اللغة (12/431) ، وانظر : الصحاح في اللغة والعلوم لـ نديم مرعشلي و أسامة مرعشلي (1/603-604).
(2) رواه مسلم (16/225 نووي ) .
(3) النهاية لابن الأثير (2/390) .(1/33)
…( لكن يصعب علينا تحديد مدلول كلمة : ( السلف ) ، وذلك لأناّ لو قلنا : إنهم الصحابة والتابعون وأتباعهم وذلك استناداً لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم .. الحديث )(1) ؛ لدخل فيهم الخوارج والشيعة وغيرهما .
…ولو قلنا : إنهم الذين يعتمدون على الكتاب والسنة ؛ لدخل أيضاً كلّ الطوائف بهذا المفهوم ؛ لأن الكل يدّعي أنه على الكتاب والسنة .
…وكذلك لو حصر ( السلف ) على مذاهب الأئمة الأربعة : أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، فمن كان قبل هؤلاء من الصحابة والتابعين أليسوا أولى وأحرى بهذا الوصف ؟ )(2).
…ولعلّ الإجابة على هذه الإشكالات يتلخّص في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل : أيّ الناس خير؟ فقال : ( أنا والذين معي ، ثم الذين على الأثر ، ثم الذين على الأثر ) ثم كأنه رفض من بقي .(3)
…فإن المقصود بالأثر هو اتباع الأثر ، لذا يقرن العلماء عند ذكرهم أصحاب الحديث فيقولون : أصحاب الحديث والأثر(4) .
__________
(1) رواه البخاري رقم (2652 ، 3651 ، 6429 ، 6658 ، ) ومسلم بلفظ خير : ( خير أمتي قرني ..) (16/300 نووي ) والترمذي رقم (3859) ، وابن ماجة رقم (2362) . هذا هو اللفظ الصحيح ، أما اللفظ المتداول بين بعض أهل العلم بله العامة : (خير القرون قرني ..) فليس له أصل كما صرّح بذلك بعض أهل العلم ، والله أعلم .
(2) بتصرّف من ( موقف ابن تيمية من الأشاعرة ) (1/39-40) .
(3) رواه أحمد في المسند رقم (8504) ومختصراً رقم (7976) ، وفي طبعة الشيخ أحمد شاكر (16/8466) رقم (8464) ، ومختصراً (15/7946) رقم (7944) وصححه ، وابونعيم في الحلية (2/78) .
(4) انظر لوامع الأنوار البهيّة للسفاريني (1/20) ، والحجة في بيان المحجة لقوام السنة (2/473-476) ، والردّ على من أنكر الصوت والحرف للسجزي بتحقيق / محمد باكريم ص175 ، 179 ، 195 .(1/34)
…ومع ذلك فإننا نشهد لأهل القرون الثلاثة الأولى بالفضل والسبق في الخير وذلك بنصّ الأحاديث المشهورة المستفيضة ، وقد تقدّم ذكر بعضها ، وعلى أن أهل الحديث الأوائل داخل في ذلك الفضل ، ومع ذلك فـ(( ليس السبق الزمني كافياً في تعيين السلف ، بل لابدّ أن يُضاف إلى هذا السبق الزمني موافقة الرأي للكتاب والسنة نصاً وروحاً ، فمن خالف رأيه الكتاب والسنة فليس بسلفي ، وإن عاش بين ظهراني الصحابة والتابعين ))(1).
…و لعلّ أخصّ أوصاف أهل الحديث أنهم يحتجّون بفهم سلف الأمّة ؛ الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، ويستندون في ذلك إلى قوله تعالى : { وَمَنْ يُشاَقِقِ الرّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَاتَبَيّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَاتَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسآءتْ مَصِيراً} [النساء : 115] قال العلاّمة الألباني تعقيباً على تلميذه الأستاذ محمد عيد العباسي ، في معرض كلامه عن الدعوة السلفيّة ، قال : ( فالله عزّوجل قال : { وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبيلِ المُؤْمِنِينَ } لماذا جاء بهذه الجملة ؟ هذه الجملة بيانيّة خطيرةٌ جداً ، كان يكفي أن يقول : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى نولّه ما تولّى . ولكنه أضاف إلى مشاققة الرسول قول عزّوجل { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ } لحكمةٍ بالغة ألا وهي : أن مشاققة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] إنما تظهر بمخالفة سنة المؤمنين ـ إلى أن قال ـ أريد باختصار أن أوضّح أن الدعوة السلفية تدندن من جملة من ما تدندن حول فهم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح ، ومن هنا تأتي العصمة من الوقوع في العقائد التي تكلّم عنها علماء الإسلام ...- إلى آخر ما قاله )(2).
__________
(1) الإمام ابن تيمية وقضية التأويل للدكتور / الجليند ص52 بتصرّف .
(2) الدعوة السلفيّة وموقفها من الحركات الأخرى للشيخ / محمد عيد عبّاسي ، تعليق الشيخ / محمد ناصر الدين الألباني ص31 .(1/35)
…ومن هذا البحث المختصر ؛ يمكن إدخال أهل القرون الثلاثة إن كانوا متّبعين للأثر والسنة ويخرج عن هؤلاء أهل البدع والأهواء الذين ظهروا في تلك القرون ، وكذلك الحال بمتّبعي المذاهب ؛ الأربعة وغيرهم ؛ إن كان المرء غير متعصّبٍ لمذهبه ، وإلاّ فالأئمة الأربعة قد نهوا عن تقليدهم كما هو منقولٌ عنهم(1)، ويمكن أيضاً إدخال كل من أتى بعد القرون الثلاثة المفضّلة إن سار المسلم فيها على منوال سلف الأمة اعتقاداً وسلوكاً ومنهجاً.
…تنبيهات :-
…التنبيه الأول : -
…تكلم بعض العلماء في تعيين الثلاث والسبعين فرقة ، واجتهدوا في حصرها وتعدادها اجتهاداً متكلّفاً ، والكلام في هذه المسألة شديدٌ لأنه لم يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - نصٌ صريحٌ في تعيينهم ، وإنما ذكرهم مجملاً كما في حديث الافتراق ، وبيّن فقط الفرقة الناجية والطائفة المنصورة من غير تعرّضٍ لذكر البقيّة الباقية .
__________
(1) انظر مقدمة الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص45-55 ، وهديّة السلطان إلى مسلمي بلاد اليابان ( هل المسلم ملزمٌ باتباع مذهبٍ معيّنٍ من المذاهب الأربعة ) للشيخ محمد سلطان المعصومي بتحقيق الشيخ / سليم الهلالي ، وإيقاظ همم أولي الأبصار للشيخ صالح بن محمد الفلاّني ، ومختصره للشيخ سليم الهلالي ، وبدعة التعصّب المذهبي للشيخ محمد عيد عباسي .(1/36)
…والمتأمّل في حال الأمة في زماننا هذا ؛ يجد أن الفرق أو المذاهب قد تكاثرت وتوالدت بشكلٍ عجيب ، بل وذاع صيت بعضها في الآفاق ، ففي كلّ فترة يظهر داعيةٌ إلى مذهب جديد ، ومنهجٍ تستقل به عن غيرها ، وهم أكثر من أن يُحصروا في ثلاث وسبعين فرقة ، ولعل قصد الحديث ما ذهب إليه الإمام الطرطوشي رحمه الله إذ اعتبر التفرّق في أصل العقائد ، فقال رحمه الله كما نقل عنه الشاطبي : ( فإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد بتفرّق أمته أصول العقائد التي تجري مجرى الأجناس للأنواع ، والمعاقد للفروع؛ لعلّهم ـ والعلم عند الله ـ ما بلغوا هذا العدد إلى الآن ؛ غير أن الزمان باقٍ ، والتكليف قائم ، والخطرات متوقّعة ، وهل قرن أو عصر يخلو إلاّ وتحدث فيه البدع )(1).
…والذين تكلموا في تعيينهم لم يأتوا بما يروي الغليل ويشفي العليل من التساؤلات الواردة في هذه القضيّة . فمن هؤلاء الإمام محمد بن أحمد بن عبدالرحمن المطلي الشافعي في رسالته : التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع(2) ، وكذلك الإمام عبدالقاهر البغدادي في الفرق بين الفرق(3) وغيرهما .
__________
(1) الاعتصام (2/722) .
(2) التنبيه ..بتحقيق / يمان بن سعد المياديني ص22 حيث قال : ( وأنا أذكر لك في هذا الجزء الثالث الفرق الاثنين والسبعين فرقة ..) .
(3) ص11 إذ قال : ( وسنذكر الفرق التي رجع إليهم تأويل الخبر المرويّ في افتراق الأمة في الباب الذي يلي ما نحن في إن شاء الله ..).(1/37)
…قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وأما تعيين هذه الفرق فقد صنّف الناس فيهم مصنّفات ، وذكروهم في كتب المقالات ، لكن الجزم بأن هذه الفرق الموصوفة ..هي إحدى الثنتين والسبعين لا بدّ له من دليل ، فإن الله حرّم القول بلا علم عموماً ؛ وحرّم القول عليه بلا علم خصوصاً ؛ فقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَ البَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَالَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلى اللهِ مَالاَ تَعْلَمُون } [الأعراف : 33 ]...) (1).
…وقد نحا بعض العلماء في ذكر رؤوس أهل البدع والأهواء ، وما تفرّع عنهم من المذاهب التي صارت لها شوكة في الأمة الإسلاميّة ، حتى تقلّدها بعض الدول المنتسبة إلى الإسلام ، بل وفرضت هذه المذاهب على الرعاع في تلك المجتمعات .
__________
(1) مجموع الفتاوى (3/346) .(1/38)
…وقد أشار الإمام أبو محمد بن حزم الظاهري رحمه الله إلى خمس فرقٍ فقط الذين وقعوا تحت مظلة الحديث المذكور ، وهم أهل السنة ، والمعتزلة ، والمرجئة ، والشيعة ، والخوارج(1). أما الشهرستاني رحمه الله فنراه يقول : ( كبار الفرق الإسلاميّة أربع : القدريّة ، الصفاتيّة ، الخوارج والشيعة - ويردف ذلك بقوله - : ثم يتركّب بعضها مع بعض ويتشعّب عن كل فرقة أصناف فتصل إلى ثلاث وسبعين فرقة )(2)، وقال عبدالله بن المبارك : ( أصل اثنين وسبعين هوى : أربعة أهواء ، فمن هذه الأربعة الأهواء تشعّبت الاثنان وسبعون هوى : القدريّة ، والمرجئة ، والشيعة ، والخوارج..)(3) ، وقال يوسف بن أسباط : ( أصول البدع أربع : الروافض والخوارج ، والقدريّة ، والمرجئة ، ثم تتشعّب كل فرقة ثماني عشرة طائفة فتلك اثنتان وسبعون فرقة ، والثالثة والسبعون : الجماعة(4) التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنها ناجية )(5) وعبدالله بن المبارك و يوسف بن أسباط من أقدم من تكلّم في تعيين هذه الفرق - كما قال شيخ الإسلام رحمه الله (6).
…وللإجابة على السؤال الوارد عن هويّة هذه الفرق يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله : ( إنا نعرف الافتراق وأصول الفرق ، وإن كل طائفة من الفرق قد انقسمت إلى فرق وإن لم نحط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها ، وقد ظهر لنا من أصول الفرق : الحروريّة، والقدريّة ، والجهميّة ، والمرجئة ، والرافضة ، والجبريّة . وقد قال بعض أهل العلم : أصل الفرق الضالة هذه الفرق الست ، وقد انقسمت كل فرقةٍ منها على اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنتين وسبعين فرقة )(7).
__________
(1) الفصل في الملل والنحل (2/111) .
(2) الملل للشهرستاني (1/22) .
(3) شرح السنة للبربهاري ص57 تحقيق الأرناؤوط والشاويش .
(4) راجع في تفسير الجماعة ص22-24 .
(5) الشريعة للآجري ص15 ، والاعتصام (2/720) .
(6) مجموع الفتاوى (3/350) .
(7) تلبيس إبليس ص36 .(1/39)
…وقد عقد الإمام الشاطبي رحمه الله فصلاً في تعيين هذه الفرق في كتابه الاعتصام وأورد كلام الإمام الطرطوشي رحمه الله إذ قال : ( وهي مسألة طاشت فيها أحلام الخلق ، فكثير ممن تقدم وتأخر من العلماء عيّنوها ، لكن في الطوائف التي خالفت في مسائل العقائد ....) . ثم نقل عن بعض العلماء في سردهم رؤوس الفرق وما تفرّع عنها حتى بلغ اثنتين وسبعين فرقة(1) وانتهى إلى عدم تعيينهم ، فقال : ( وهذا التعديد بحسب ما أعطته المنة في تكليف المطابقة للحديث الصحيح ، لا على القطع بأنه المراد ، إذ ليس على ذلك دليل شرعي ، لا دلّ العقل أيضاً على انحصار ما ذكروه في تلك العدة من غير زيادة ولا نقصان ، كما أنه لا دليل على اختصاص تلك البدع بالعقائد )(2). وقد استحسن كلامه ووافقه على ذلك الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى . وبهذا يتبيّن لنا أن الأولى هو عدم التعيين لعدم ورود الدليل في ذلك . والله أعلم .
…التنبيه الثاني :
…ظهرت ادّعاءاتٌ كثيرةٌ في القديم والحديث من قِبلِ فرقٍ مختلفةٍ ، كلها تدّعي إنها على السنة والحق ، وإنها هي المعنيّة والمقصودة بالفرقة الناجية والطائفة المنصورة كما جاء في حديث الافتراق ، وهي في الحقيقة ـ بعد التمحيص ـ مناوئةٌ لسبيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته رضوان الله عليهم في عقيدتهم ومنهجهم .
…ومناهج هؤلاء الأدعياء معروفة ومسطورة في بطون كتبهم وعلى ألسنة دعاتهم ، وهي ـ كما قلت ـ بعيدة كلّ البعد عن المنهج الحقّ والعقيدة الصحيحة .
…وعلى المسلم الواعي أن لا يغترّ ببهرج كلامهم ، وعليه أن يقابل عقيدتهم وطريقتهم بنصوص الوحي فيعرض هذه الأسئلة في ذهنه ثم يجريها عليهم :
…هل فعل ذلك وأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
…وهل علم ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوفهم مثل فهمهم صحابته رضوان الله عليهم أم كل ذلك لم يكن ؟
__________
(1) الاعتصام (2/718-720) .
(2) المصدر السابق (2/720) .(1/40)
…فإن كان ؛ فأين النصوص في ذلك ؟
…وهل دعا إلى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناسَ أم لم يدعهم إلى ذلك ؟
…قال محمد بن عبدالرحمن الأدرمي لرجلٍ تكلم ببدعةٍ ودعا الناس إليها : هل علمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ ؟ أو لم يعلموها ؟ قال : لم يعلموها . قال : فشئ لم يعلمه هؤلاء أعلمته أنت ؟! قال الرجل : فإني أقول : قد علموها . قال : أفوسعهم أن لا يتكلّموا به ولا يدعوا الناس إليه أم لم يسعهم ؟ قال : بلى وسعهم . قال : فشئ وسع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءه لا يسعك أنت ؟! فانقطع الرجل . فقال الخليفة ، وكان حاضراً : لا وسّع الله على من لم يسعه ما وسعهم )(1). وكذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إذ كان يُسئل في أيام محنته بأن يجيب المعتزلة في خلق القرآن ، وأن يقول بمقولتهم ، فكان يناظرهم بثباتٍ ويقينٍ ، ويدحض شبههم ، وكثيراً ما كان يردد قوله : إيتوني بآية من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أقول بما تقولون (2)، فلم يكن لهم جواب لسؤاله ! .
__________
(1) أخرجها الخطيب في تاريخ بغداد (10/75) ، وابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص431-436 ، وابن قدامة في التوابين ص194 ، والذهبي في سير أعلام النبلاء (11/313) ، والآجري في الشريعة ص91-95 ، وأوردها ابن كثير في البداية والنهاية (10/335) ، وانظر لمعة الإعتقاد لابن قدامة ص29 وتعليق محققه أشرف بن عبدالمقصود .
(2) انظر : مناظرات أئمة السلف مع حزب إبليس وأفراخ الخلف دراسةً وتحليلاً للشيخ سليم الهلالي ص109 .(1/41)
…وقد ظهر ـ كما أسلفت ـ قديماً وحديثاً من يدّعي انتسابه لأهل السنة وهو من السنة بعيدٌ بُعد الثرى من الثريّا ، فمن ذلك ما ادّعته الشيعة الإماميّة الرافضة إذ جعلت نفسها الفرقة الناجية ، وأنها هي المشار إليها في حديث الافتراق ، ونقل ذلك ابن المطهّر الحلي عن شيخه النصير الطوسي(1). وكذلك المعتزلة ، إذ قال عمرو بن عبيد(2)المعتزلي المعروف للخليفة المنصور ، وقد سأله أن يعينه بأصحابه ( أظهر الحق! يتبعك أهله ) يريد المعتزلة (3). ……
…ولعلّ الذين هم من أكثر الناس ادّعاءً بأنهم من أهل السنة هم الأشاعرة وهذا مشهور عنهم ، والمطالع لكتب المتقدّمين والمتأخرين منهم ؛ يرى أنهم كثيراً ما يدندنون حول كلمة ( أهل السنة والجماعة ) ويقصدون بذلك أنفسهم ، وإنّ كلّ من خالفهم فقد جانب الصواب ، وحاد عن الطريق الصحيح والصراط المستقيم ، وهذه نقولات عن بعض كتبهم ومؤلّفاتهم ، وقد أعمقت النقول عنهم في دعواهم هذه ، ذلك لأن البعض لا يزال في لبسٍ من الأمر ، وقد لا حظت هذا عن كثب ، وقد استفدت من بعض ما جمعه صاحب كتاب وسطيّة أهل السنة بين الفرق(4)، واكتفيت هنا بذكر بعض مشاهيرهم .
__________
(1) انظر الرد عليه في منهاج السنة النبويّة (3/444-484) .
(2) هو عمرو بن عبيد من الزهّاد العبّاد إلاّ أنه من رؤوس المعتزلة ! . انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (6/104-106) .
(3) تاريخ بغداد (12/168) .
(4) للدكتور / محمد باكريم محمد با عبدالله .(1/42)
…الباقلاّني (1) (ت403هـ) قال : ( اعلم أن الله متكلّم ، له كلام عند أهل السنة والجماعة ، وأن كلامه قديم ليس بمخلوق ، ولا مجعول ، ولا محدث ، بل كلامه قديم صفة من صفات ذاته كعلمه وقدرته وإرادته ونحو ذلك )(2).
__________
(1) هو الإمام القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم البصري ، ثم البغدادي ابن الباقلاني من رؤوس الأشاعرة له مؤلفات من أشهرها التمهيد ، انظر ترجمته في تاريخ بغداد (5/319) ، والأنساب (2/51) ، وتبيين كذب المفتري لابن عساكرص217 وسير أعلام النبلاء (17/190) .
(2) رسالة الحرّة ص108 ، وانظر ص136 ، 144 ، 161 ، 162 ، 168 . تنبيه : طُبع هذا الكتاب باسم ( الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ) بتحقيق / محمد زاهد الكوثري ، وهذا الاسم خطأ ، والصواب ما هو مثبت ، إذ قال في مقدّمته ص139: ( أما بعد : فقد وقفت على ما التمسته الحرة الفاضلة الدينة ..) ، وبهذا الاسم ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك (7/70) ، انظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور / عبدالرحمن المحمود (2/530) .(1/43)
…عبدالقاهر البغدادي (1) (ت429هـ) قال : ( فأما الفرقة الثالثة والسبعون فهي أهل السنة والجماعة ...وهم الفرقة الناجية ، ويجمعها الإقرار بتوحيد الصانع وقِدمه ، وقِدم صفاته ..)(2)، ثم انظر إلى جزمه بأنهم هم الفرقة الناجية ! لما قال ( ..وأخبر أن فرقة واحدةً منها ناجية ، سُئل عن الفرقة الناجية وعن صفتها ، فأشار إلى الذين هم على ما عليه هو وأصحابه ، ولسنا نجد اليوم من فرق الأمة من هم على موافقة الصحابة رضي الله عنهم غير أهل السنة والجماعة من فقهاء الأمة ومتكلّميهم الصفاتيّة )(3).
…أبي المظفر الاسفرائيني (ت471هـ) قال : ( والفرقة الثالثة والسبعون هي الناجية ،وهم أهل السنة والجماعة من أصحاب الحديث والرأي وجملة فرق الفقهاء )(4)، ثم ذكر اعتقاد الأشاعرة من نفي الاستواء والحروف وغيرها...(5).
__________
(1) هو عبدالقاهر بن طاهر بن محمد بن عبدالله أبو منصور البغدادي التميمي من أبرز تلاميذ القشيري والبيهقي وغيرهما له مؤلفات كثيرة منها : الفرق بين الفرق ، وأصول الدين ، والناسخ والمنسوخ وغيرها ، انظر ترجمته في وفيات الأعيان (3/203) ، وطبقات الشافعية لابن السبكي (5/136) وسير أعلام النبلاء (17/572) وتبيين كذب المفتري ص253 .
(2) الفرق بين الفرق ص26 .
(3) المصدر السابق ص318 .
(4) التبصير في الدين ص25 .
(5) انظر المصدر السابق ص158-167 .(1/44)
…أبو المعالي الجويني (1)(ت478) قال : ( هذا وقد استدعيتم أرشدكم الله عزوجل ذكر لمع من الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة )(2) ثم سرد عقيدة الأشاعرة .
…الغزالي(3)(ت505) قال في كتابه : ( قواعد العقائد ) بعد أن سرد مسائل اعتقاد الأشاعرة : ( ..وإنه ليس بجسم مصور ، ولاجوهر محدد ومقدر..- إلى أن قال - : فكل ذلك مماوردت به الأخبار وشهدت به الآثار ، فمن اعتقد جميع ذلك موقناً به من أهل الحقّ وعصابة السنة ، وفارق رهط الضلال وحزب البدعة ..)(4).
__________
(1) هو عبدالملك بن عبدالله بن يوسف بن عبدالله الجويني النيسابوري أبو المعالي المشهور بإمام الحرمين ولد سنة419هـ ، وتتلمذ على والده أبي محمد الجويني له مؤلّفات كثيرة منها البرهان في أصول الفقه والورقات ، والإرشاد وغيرها ، انظر ترجمته في الأنساب (3/386) ، وطبقات الشافعية لابن السبكي (5/165) ، وسير أعلام النبلاء (18/468) ، وانظر منهج إمام الحرمين في دراسة العقيدة للدكتور / أحمد بن عبداللطيف آل عبداللطيف .
(2) لمع الأدلة ص75 ، 92 بتحقيق الدكتورة فوقية حسين .
(3) هو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي ولد بطوس سنة450هـ وهو من أشهر تلاميذ أبي المعالي الجويني ، ويعدّ من كبار الأشاعرة ونظّارهم ، غلبت عليه التصوّف ، له مؤلّفات كثيرة منها : الأربعين في أصول الدين ، وقواعد الاعتقاد ، والاقتصاد في الاعتقاد ، وتهافت الفلاسفة ، والمنقذ من الضلال ، وغيرها . انظر ترجمته في تبيين كذب المفتري لابن عساكر ص291 ، وطبقات الشافعية للسبكي (6/191) ، ووفيات الأعيان (4/216) ، وقد تكلّم عن نفسه كثيراً في كتابه المنقذ من الضلال.
(4) قواعد العقائد ص18 ، وانظر ص51 .(1/45)
…وكذلك الرازي(1)(ت606) كما في أصول الدين(2).
…وأحمد الخيالي (ت862) كما نقل عنه الزبيدي ووافقه في إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين(3)، ومن المعاصرين الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي إذ بوّب باباً في كتابه : السلفية مرحلةٌ زمنيّة مباركة لا مذهبٌ إسلامي فقال : ( الباب الثالث : التمذهب بالسلفيّة بدعة لا يقرّها أتباع السلف (4).
…(( وهكذا نرى الأشاعرة يعلنون منذ نشأتهم إلى اليوم أنهم : ( أهل السنة ) وأنهم الفرةقة الناجية دون غيرهم ، ونراهم ينصّون على سبب استحقاقهم هذا اللقب ، وكونهم الفرقة الناجية ، وهو اتّباعهم لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسنة أصحابه من بعده ، ولكن هل التزم الأشاعرة بذلك وحققوا الاتّباع كما ادّعوا ؟ أم أنهم قدّموا على السنة غيرها ، وحكموا فيها العقل ، وحرّفوها عن حقائقها بأنواع المجازات ، وغرائب اللغات ، ومستنكرات التأويلات ؟! ))(5).
…ومما لاشكّ فيه أن الأشاعرة لا يسيرون على نهج السلف الصالح ، وإطلاق أنفسهم بأنهم من أهل السنة والجماعة لا يعني انتماءهم للسلف الصالح .
__________
(1) هو محمد بن عمر بن الحسن بن علي ، فخر الدين أبو عبدالله القرشي البكري الطبرستاني الرازي ، ولد سنة544هـ ، من المتكلّمين اكبار ، له مؤلّفات عدّة منها : المحصول في أصول الفقه ، وأساس التقديس ، والأربعين في أصول الدين ، وغيرها ، انظر ترجمته في الكامل لابن الأثير (12/288) ، وطبقات الشافعية للسبكي (8/81) ، وغيرهما .
(2) ص65 .
(3) إتحاف السادة (2/8) .
(4) ص221 ، وقد ردّ عليه جمعٌ من أهل العلم كالشيخ صالح الفوزان في كتابه نظرات وتعقيبات ، والشيخ عبدالقادر حامد في مقالات له نشرتها مجلة البيان العدد ( 34 ) ، وشيخنا خالد بن فوزي في ( محمد رشيد رضا ) ص383-396 .
(5) وسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور / محمد باكريم ص60 ( باختصار ) .(1/46)
…وقد رأيت اثنين من العلماء الكبار ؛ المشهور عنهم بصحّة المعتقد وسلامة المنهج من تأثّر بهذا القول وهما :-…
…الأول : الشيخ العلاّمة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله(1).
…قال السفاريني ـ رحمه الله ـ في كتابه : المستطاب لوامع الأنوار البهية .. عند ذكره لبعض الفوائد ، قال : ( الرابعة : أهل السنة والجماعة ثلاث فرق : الأثريّة وإمامهم أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - ، والأشعريّة وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله ، والماتريديّة(2)وإمامهم أبو منصور الماتريدي ...)(3).
…الثاني : الشيخ العلاّمة الشيخ عبدالقادر بن أحمد بن مصطفى بن عبدالرحيم الشهير بـ( ابن بدران )(4)، وذلك لما سُئل عن قول السفاريني السابق ، فأجاب إجابةً مفهومها أنه يخالفه فيما ذهب إليه ، ويؤكّد أن مذهب أهل الأثر هم الفرقة الناجية(5)، لكن لما تكلّم عن بعض مسائل العقيدة الدقيقة ، نجده يوافق السفاريني فيما ذهب إليه .
__________
(1) هو محمد بن أحمد بن سالم السفاريني ولد سنة 1114هـ ، وهو عالم بالحديث والأصول والأدب من مؤلفاته غذاء الألباب شرح منظومة الآداب ، ولوامع الأنوار البهيّة .توفي سنة 1188هـ انظر ترجته في الأعلام للزركلي (6/240) .
(2) انظر عداء الماتريدية للدعوة السلفية للدكتور / شمس الحق الأفغاني .
(3) لوامع الأنوار البهيّة (1/73) .
(4) ولد في بلدته دوما سنة 1280هـ وله مؤلّفات كثيرة منها : آداب المطالعة ، وإيضاح المعالم من شرح العلاّمة ابن الناظم ، توفي سنة 1927هـ ، له ترجمةٌ مطوّلة ترجمها الشيخ المحقق محمد بن ناصر العجمي في تقدمته لكتاب ( أخصر المختصرات ) ص17-62 .
(5) انظر العقود الدرّية في جيد الأسئلة الكويتية بتحقيق الدكتور / عبدالستار أبوغدة ص51-52 ، وللكتاب طبعات أخرى لكنها مسروقة ، انظر مقدمة محقق أخصر المختصرات ص55 .(1/47)
…قال رحمه الله : ( فعُلم أن الفرقة الناجية هي فرقة واحدة وهي ما كان على نهج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام ، والتابعين لهم بإحسان ، من إمرار آيات الصفات وأحاديثها على ما جاءت (1)من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل ، وأن الإمام الأشعري ، وأبا منصور الماتريدي كانا على هذا المذهب ! ، وإن ماروي عنهما خلافه ؛ فإنه كان في مقام الردّ على أهل البدع ...الخ )(2).
…وقد جانبا الصواب في هذا كما لا يخفى .
…فأما قول السفاريني رحمه الله ؛ فقد جاء في حاشيته ، وأنقله هنا بنصّه :( بهامش (( مخ )) ما نصّه : ( هذا مصانعة من المصنف رحمه الله تعالى في إدخاله الأشعريّة والماتريديّة في أهل السنة والجماعة ، كيف يكون من أهل السنة والجماعة من لا يثبت علوّ الرب سبحانه فوق سمواته واستواءه على عرشه ، ويقول حروف القرآن مخلوقة ، وأن الله لا يتكلم بحرف ولا صوت ، ولا يثبت رؤية المؤمنين ربهم في الجنة بأبصارهم ، فهم يقرون بالرؤية ويفسرونها بزيادة علم يخلقه الله في قلب الرائي ، ويقول الإيمان مجرّد التصديق وغير ذلك من أقوالهم المعروفة المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة .
__________
(1) في هذه الكلمة الوجيزة : ( إمرارها كما جاءت ) تشبّث بها الكثير من أهل البدع من المفوّضة وغيرهم ، ظناً منهم أن قول السلف هذا دليل على صحّة مذهبهم ، وليس الأمر كذلك ؛ وإنما مرادهم في ذلك : أن آيات الصفات جاءت عربيةً معلوم المعنى غير معروف الكيفيّة ، ويظهر ذلك جلياً في قول مالك لما سُئل عن الاستواء ، قال : ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ) ، فتأمّل قوله : ( الاستواء معلوم ) أي معلوم المعنى في اللغة ، غير أن الكيفيّة مجهولةٌ بالنسبة لنا ، والله أعلم .
(2) العقود الياقوتيّة ص61 .(1/48)
…وفي تعليقٍ للشيخ عبدالله بابطين ما لفظه : تقسيم أهل السنة إلى ثلاث فرق فيه نظر ، فالحق الذي لا ريب في أن أهل السنة فرقة واحدة وهي الفرقة الناجية التي بيّنها النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل بقوله : ( هي الجماعة ) أو ( ما كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي ). وبهذ عرف أنهم هم المجتمعون على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - و أصحابه ، ولا يكونون سوى فرقة واحدة ، والمؤلف نفسه يرحمه الله لما ذكر في المقدمة هذا الحديث قال في النظم : ( وليس هذا النص جزماً يعتبر…في فرقةٍ إلا على أهل الأثر ) يعني بذلك الأثريّة ، وبهذا عرف أن أهل السنة والجماعة هم فرقة واحدة : الأثريّة . والله أعلم ) اهـ .
…وكلام ابن بدران أيضاً فيه نظر ، إذ كيف تردّ البدعة بإحداث بدعةٍ أخرى؟؟ ، فلا تنتهي - حينئذٍ - مسلسل البدع !!.
…وما ذهبا إليه بعيدٌ عند التحقيق ، إذ كيف يُجمع بين الأشعرية والماتريديّة وبين مذهب أهل الأثر ، أعني بهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ؟ مع ما هو معلوم من أن ما في هذين المذهبين إنكارُ كثيرٍ من الصفات الواردة في الكتاب والسنة ، وملازمة التفويض تارة ، والتأويل تارات .
…وأيضاً ، فإن بين الأشعرية والماتريديّة اختلافٌ يسير في بعض المسائل العقديّة(1)، فكيف يُقرنان معاً ويُجعلان تحت مسمىً واحد ( أهل السنة والجماعة )؟؟ .
…ثم إن المسمّى لا يُغيّر من الحقائق شيئاً ، فالأشعري سيبقى أشعرياً ، والماتريدي سيبقى ماتريدياً ، والأثري السلفي سيبقى أثرياً سلفياً .
__________
(1) انظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور / عبدالرحمن المحمود (2/477-492) .(1/49)
…ثم دعوى بأن هذين المذهبين من ( أهل السنة ) ليست كلمة تقال فحسب ، بل ينبغي أن يقترن مع ذلك فعل يصدق صاحبه ، فأين هذا من مذهب الأشعرية والماتريديّة ؟ قال الإمام أحمد رحمه الله : ( وليس في السنة قياس ، ولا تُضرب لها الأمثال ، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء ، وإنما هي الاتّباع وترك الهوى )(1)، وكلامه هذا يُحمل أيضاً على الأفراد من أدعياء السلفيّة .
…على كلٍ (( فكلّ مدعٍ للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح ))(2).
…وفي دعوى الفرق المختلفة بأنها المذهب الحقّ ؛ أنقل كلاماً نفيساً للإمام الصنعاني رحمه الله صاحب سبل السلام .
…قال رحمه الله عند كلامه على حديث ( ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) ، إذ أورد أن الحديث مشكل من جهتين ، ثم قال : ( الجهة الثانية : من جهة الإشكال في تعيين الفرقة الناجية ، فقد تكلم الناس فيها كل فرقة تزعم أنها هي الفرقة الناجية، ثم قد تقيم بعض الفرق على دعواها برهاناً هي أوهى من بيت العنكبوت .
…ومنهم من يشتغل بتعداد الفرق المخالفة لما هو عليه ، ويعمد إلى ماشذّت به تلك من الأقوال ، فينقله عنها ليبيّن بذلك أنها هالكة لاعتمادها على تلك الأقوال ، وأنه ناجٍ بخلوصه عنها ، ولو فتّش ما انطوى عليه ؛ لوجد عنده من المقالات ماهو أشنع من مقالات من خالفه ، لكن ( عين المرء كليلة عن عيب نفسه ) وبالجملة :
فكلٌ يدّعي وصلاً لليلى……وليلى لا تقرّ لهم بذاكا
…وكان الأحسن بالناظر في الحديث أن يكتفي بالتفسير النبوي لتلك الفرق فقد كفاه - صلى الله عليه وسلم - معلم الشرائع الهادي إلى كل خير - صلى الله عليه وسلم - المؤنة ، عيّن له الفرقة الناجية بأنها من كان على ماهو عليه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ونقل إلينا أقوالهم وأفعالهم ، حتى أكلهم وشربهم ونومهم ويقظتهم حتى كأنّا رأيناهم رأي عين .
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/176) برقم (317) .
(2) الرد على من أنكر الصوت والحرف ص111(1/50)
…وبعد ذلك فمن رزقه الله إنصافاً من نفسه ، وجعله من أولي الألباب لا تخفاه حال نفسه أولاً ، هل هو متّبع لما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أو غير متّبع ؟ .
…ثم لا يخفى حال غيره من كل طائفة ، هل هي متّبعة أو مبتدعة ، ومن ادّعى أنه متّبع للسنة النبويّة متقيّد بها بصدق دعواه أقواله وأفعاله أو تكذبها ؛ فإن ماكان عليه - صلى الله عليه وسلم - قد ظهر بحمدالله لكل إنسان ، فلا يمكن التباس المبتدع بالمتّبع )(1) .
…التنبيه الثالث :
…هل يجوز التسمّي أو التلقيب بالسلفيّة ، أو هل يقول المسلم : ( أنا سلفي ) ؟
…تقدّم أن الأصل في المسلم هو أن يتسمّىبما سمّاه الله به ، إلاّ أن هذه الألقاب المحدثة لأهل السنة جاءت مع تكاثر الفرق وتوالد الملل والنحل ،فظهر لقب ( أهل السنة والجماعة )، ثم ( أهل الحديث ) ، وأخيراً ( السلفيّة ) ، فهل يجوز للإنسان بأن يلقّب نفسه بـ( سلفي ؟ ) مع علمنا بأن جلّ الفرق لا تدّعي لنفسها بأنها على منهج السلف اعتقاداً ومنهجاً(2)، وإن ادّعى بها بعض الأشعريّة بأنها تعتقد اعتقاد السلف (3)
__________
(1) حديث افتراق الأمة إلى نيّف وسبعين فرقة للإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني . تحقيق / سعد بن عبدالله السعدان ص77-80 .
(2) قال شيخ الإسلام في الفتاوى (4/153) :..بل الطوائف المشهورة بالبدعة كالخوارج والروافض لايدّعون أنهم على منهج السلف) وقال في موضعٍ آخر (4/155) : فعُلم أن شعار أهل البدع هو ترك انتحال اتّباع السلف )اهـ .
(3) كالغزالي في مقدّمة كتابه : ( إلجام العوام عن علم الكلام ) بتحقيق الدكتور / سميح دغيم ص41 ، وكلامه حقّ إلاّ أنه ينقصه التطبيق ، فالغزالي ظنّ أن ما هو عليه هو عين مذهب السلف ، والذي يقرأ كتُبه يتساءل : أين الغزالي من عقيدة السلف ؟ وقد أذكرني هذا بقول اللقّاني في جوهرة التوحيد ( وفيه جملة عقيدة الأشاعرة )
وكل خيرٍ في اتّباع من سلف …وكل شرٍ في ابتداع من خلف
قال هذه القصيدة التي اشتهرت بعدئذٍ ، ولكن أين هو من مقولته ؟؟ سؤال أطرحه على كلّ أشعريّ .(1/51)
، إلاّ أن التطبيق على خلافه !!
…قال الإمام السمعاني رحمه الله في الأنساب : ( السلفي : بفتح السين واللام وفي آخرها الفاء ، هذه النسبة إلى السلف ، وانتحال مذاهبهم على ما سُمعت منهم )(1)، وقد عقّب عليه الإمام ابن الأثير رحمه الله بعد كلامه السابق فقال : ( وعُرف به جماعة)(2).
…قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( لاعيب على أن أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه ، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق ، فإن مذهب السلف لا يكون إلاّ حقاً )(3).
…وقد ارتضى اطلاق هذه التسمية بعض العلماء المعاصرين كذهبيّ العصر عبدالرحمن المعلمي (4)، والعلامة عبدالعزيز بن باز (5)، ومحدّث الشام ناصر الدين الألباني(6)، وغيرهم.
…قال الشيخ العلاّمة الألباني حفظه الله : ( ولكن هناك من مدّعي العلم من يُنكر هذه النسبة زاعماً أن لا أصل لها ؛ فيقول : (( لا يجوز للمسلم أن يقول : أنا سلفي )) ، وكأنه يقول : (( لا يجوز أن يقول مسلم : أنا متّبع للسلف الصالح فيما كانوا عليه من عقيدةٍ وعبادةٍ وسلوك )) !
__________
(1) الأنساب (3/273) .
(2) اللباب في تهذيب الأنساب (2/126) .
(3) مجموع الفتاوى (4/149) .
(4) القائد إلى تصحيح العقائد ص45 ، 55 ، 110 ، 113 ، 114 ، 143 ، 155 ، 199 ، 219 .
(5) تنبيهات هامة على ما كتبه الصابوني في صفات الله عزوجل ص34-35 .
(6) شرح العقيدة الطحاوية ص57 ، ومختصر العلو ص122 ، والتوسل 140 .(1/52)
…لا شكّ أن مثل هذا الإنكار - لو كان يعنيه - يلزم منه التبرّؤ من الإسلام الصحيح الذي كان عليه سلفنا الصالح ، وعلى رأسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يُشير الحديث المتواتر في الصحيحين وغيرهما عنه - صلى الله عليه وسلم - : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )(1)، فلا يجوز لمسلمٍ أن يتبرّأ من الانتساب إلى السلف الصالح ، بينما لو تبرّأ من أيّة نسبةٍ أخرى ؛ لم يكن لأحدٍ من أهل العلم أن ينسبه إلى كفرٍ أو فسوق .
…والذي يُنكر هذه التسمية نفسه تُرى ألا ينتسب إلى مذهبٍ من المذاهب سواءٌ أكان هذا المذهب متعلّقاً بالعقيدة أو بالفقه ؟
…فهو إما أن يكون أشعرياً أو ماتريدياً ... مع أن الذي ينتسب إلى المذهب الأشعري أو المذاهب الأربعة ؛ فهو ينتسب إلى أشخاصٍ غير معصومين بلا شكّ ، وإن كان منهم العلماء الذين يصيبون ؛ فليت شعري هلاّ أنكر مثل هذه الانتسابات إلى الأفراد غير المعصومين ؟
…وأما الذي ينتسب إلى السلف الصالح ؛ فإنه ينتسب إلى العصمة - على وجه العموم - ، وقد ذكر النبي [ - صلى الله عليه وسلم - ] من علامات الفرقة الناجية أنها تتمسّك بما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه أصحابه ، فمن تمسّك بهم كان يقيناً على هدىً من ربّه ، وهي نسبة تُشرِّف المنتسب إليها ، وتيسّر له سبيل الفرقة الناجية ..)(2).
…وبهذا يظهر لنا جواز التسمّي بالسلفيّة ، ولا يُلتفت إلى تلك النعرات الكاذبة ، والادّعاءات الأفّاكة .
?لم??? ?ل??ني
منهج السلف في الدعوة والعقيدة
__________
(1) تقدم تخريجه ص30 .
(2) نقله عن مجلّة الأصالة صاحب كتاب : كتب حذّر منها العلماء للشيخ مشهور بن حسن (1/209-110) باختصار .(1/53)
…يركّز السلفيّون إلى قضيّتين أساسيّتين يرونهما من الأسس المهمّة التي ينبغي أن لا يحيد عنها المسلم مهما كانت ظروف الدعوة ، ذلك لأن الدعوة هي وظيفة الأنبياء والرسل وأتباعهم من المؤمنين المخلصين { قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرةٍ أنا ومن اتّبعني } [ يوسف : 108 ] .
…وهاتان القضيّتان هما : ( التصفية والتربية ) .
…فالتصفية : هي تصفية الإسلام بسائر مجالاته مما هو غريب عنه ، أو بعيد منه .
…والتربية : هي تربية الأجيال المسلمة المعاصرة والناشئة على هذا الإسلام المصفّى .
…قال ذهبي العصر العلامة الشيخ عبدالرحمن بن يحي المعلمي مؤصلاً: ( قد أكثر العارفون بالإسلام - المخلصون له - من تقرير أن كلّ ما وقع فيه المسلمون من الضعف والخور والتخاذل - وغير ذلك من وجوه الانحطاط - إنما كان لبعدهم عن حقيقة الإسلام ، وأرى أن ذلك يرجع إلى أمورٍ :
…الأول : التباس ماليس من الدين بماهو منه .
…الثاني : ضعف اليقين بما هو من الدين .
…الثالث : عدم العمل بأحكام الدين .
…وعليه ؛ فإن معرفة الآداب النبويّة الصحيحة ؛ في العبادات والمعاملات ، والإقامة والسفر ، والمعاشرة والوحدة ، والحركة والسكون ، واليقظة والنوم ، والأكل والشرب ، والكلام والصمت ، وغير ذلك مما يعرض للإنسان في حياته ، مع تحرّي العمل بها كما يتيسّر ، هو الدواء الوحيد لتلك الأمراض ؛ فإن كثيراً من تلك الآداب سهلٌ على النفس ، فإذا عمل الإنسان بما يسهل الازدياد ، فعسى أن لاتمضي مدّةٌ إلاّ وقد أصبح قدوةً لغيره في ذلك .
…وبالاهتداء بذلك الهدي القويم ، والتخلّق بذلك الخلُق العظيم - ولو إلى حدٍ ما - يستنير القلب ، وينشرح الصدر ، وتطمئن النفس ، فيرسخ اليقين ، ويصلح العمل .
…وإذا كثر السالكون في هذا السبيل لم تلبث تلك الأمراض أن تزول إن شاء الله)(1).
__________
(1) مقدمة الشيخ المعلمي على كتاب ( فضل الله الصمد ) (1/17) .(1/54)
…ولا يتم ذلك إلاّ بالتطبيق العملي الواقعي لمنهج التصفية والتربية .
…قال العلاّمة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني : ( ومما لا ريب فيه أن تحقيق هذين الواجبين يتطلّب جهوداً جبّارةً متعاونة من الجماعات الإسلاميّة المخلصة ، التي يهمّها - حقاً - إقامة المجتمع الإسلامي المنشود ، كلٌ في مجاله واختصاصه )(1).
…والكلام عن هذا الأصلين يطول ذكره وشرحه ، لكن اكتفيت هنا بالإشارة إلى أن السلف كانوا يعتمدون عليهما في العقائد والأحكام (2).
…
?لم??? ?ل??ل?
موقف السلف من المبتدعة
…لقد كان للسلف رحمهم الله مواقف مشرّفة أمام الدخلاء على هذا الدين الإسلامي الكامل ، فكانوا يواجهون مواجهتان : داخلية وخارجيّة .
…فأما المواجهة الخارجيّة ؛ فتتمثّل في مواجهتم لأعداء الإسلام من الكفّار والملحدين، الذين لا يألون جهداً للكيد في الإسلام والمسلمين ، فأقيم علم الجهاد لإعلاء كلمة الله في كلّ طرفٍ من أطراف الأرض .
…ولم يقتصر بهم الأمر في جهاد السنان فحسب ، بل كانوا يجاهدونهم - أيضاً - بألسنتهم وعلومهم ، وذلك بكشف مخازيهم وعيوبهم ، والردّ عليهم ، كتابةً ومشافهةً ، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه ( الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح ) ، وتلميذه ابن القيّم في ( هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ) .
…أما المواجهة الداخلية : فهي مواجهةٌ مع أهل الباطل من أهل البدع والفسوق والمجون بشتّى أنواع الوسائل المنجعة في ردّ مكائدهم .
…وتتمّ هذه المواجهة بأمور كثيرةٍ أذكر بعضاً منها :
…1- بقطع أسباب حبّهم ومودّتهم : كترك السلام عليهم ، وترك مجالستهم ، وعدم قبول إحسانهم .
__________
(1) السلسلة الضعيفة (2/2) .
(2) وللشيخ الفاضل علي حسن عبدالحميد رسالة جيّدة لتحقيق مناط هاتين القضيّتين بعنوان : ( التصفية والتربية وأثرهما في استئناف الحياة الإسلامية ) .(1/55)
…2- إظهار بغضهم وعداوتهم ومعاملتهم بالغلظة : كما قال القحطاني في بغضه للأشعريّة في نونيّته:
يا أشعريّةُ يا أسافلةَ الورى……يا عُميُ يا صمٌ بلا آذانِ
إني لأُبغضُكم وأبغض حزبكم بُغضاً أقلّ قليله أضغاني
لو كنت أعمى المقلتين لسرّني كيلا يرى إنسانَكم إنساني(1)
…قال العلامة بكر أبو زيد : ( وقد كان السلف رحمهم الله يحتسبون الاستخفاف بهم وتحقيرهم ورفض المبتدع وبدعته )(2).
…ومما ينبغي التفطّن له أن البغض والكره بقدر ماهم عليه من الابتداع ، والبعد عن السنة وعدم تساويهم في ذلك ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر ، وفجور ، وطاعة ومعصية ، سنة وبدعة : استحقّ من الموالاة بقدر ما فيه من الخير ، واستحقّ من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر ، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة ، فيجتمع له من هذا وهذا ، كاللصّ الفقير تُقطع يده لسرقته ، ويُعطى من بيت المال ما يكفي حاجته ، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة ، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه ، فلم يجعلوا الناس لا مستحقاً للثواب فقط ، ولا مستحقاً للعقاب فقط .
…وأهل السنة يقولون : إن الله يعذب بالنار من أهل الكبائر من يعذّبه ، ثم يخرجهم منها بشفاعة من يأذن له في الشفاعة ، بفضل رحمته كما استفاضت بذلك السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - )اهـ(3).
__________
(1) نونية القحطاني ص53 .
(2) حلية طالب العلم ص29 .
(3) مجموع الفتاوى (28/209-210) .(1/56)
…2- الردّ عليهم ومناظرتهم كتابةً ومشافهةً : كما فعل الإمام أحمد : فقد ناظر المعتزلة والجهميّة وغيرهما من أهل البدع مشافهةً ، كما كتب فيهم كتابه ( الرد على الزنادقة والجهميّة ) ، وكما فعل الدارمي في ( الرد على الجهمية ) و ( نقض محمد بن سعيد على بشر المريسي العنيد ) وغيرها من الرسائل ، وقد سبق الإشارة إلى بعضها في المقدمة(1)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فالرادّ على أهل البدع مجاهد ، حتى كان يحي بن يحي يقول : (( الذب عن السنة أفضل من الجهاد )) ...)(2)، وفي الفصل التالي زيادة بيان .
?لم??? ?ل????
منهج السلف في ردودهم على أهل البدع(3)
…
…للسلف الصالح رضوان الله عليهم مناهج متفرّقة في الردّ على أهل البدع ، وكلّ هذه المناهج مستقاة من الكتاب والسنة .
…إذ نرى في ثنايا آيات القرآن الكريم مواضع عدّة يردّ الله فيها على المشركين ، كقوله تعالى : { وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يُحي العظام وهي رميم - قل يُحييها الذي أنشأها أول مرّةٍ وهو بكل خلقٍ عليم } [ يس : 78-79 ] ، إذِ استدلّ بالإنشاء على الإعادة ، وهو دليلٌ عقلي ، فالذي يستطيع خلق الأشياء بكلمة : ( كن ) هو أجدر بإعادة هذا المخلوق - بعد انقضاء مدّة حياته الدنيويّة - من باب أولى .
…وقد حكى الله تعالى عن المناظرة التي وقعت بين إبراهيم عليه السلام مع الملك الجبّار فقال : { ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يُحيي ويُميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبُهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين } [ البقرة : 258 ] .
__________
(1) انظر ص6 .
(2) مجموع الفتاوى (4/13) .
(3) استفدت في هذا الفصل من ردود شيخ الإسلام على خصومه ، فشيخ الإسلام يصحّ أن يُقال فيه بأنه : المتحدّث باسم السلفيّية ! .(1/57)
…فهنا نرى إبراهيم عليه السلام سلّم له أمر الإحياء والإماتة تنزّلاً ، ثم جنح إلى قضيّةٍ مسلّمةٍ بينهما يعلم أنه لا يستطيع ردّها كالقدرة على إيتاء الشمس وإغرابها ، عندها بُهت الذي كفر.
…ومن هذا كان من مناهج السلف في الرد على مخالفيهم هو : إلزامهم بالشئ المتّفق عليه فيما بينهم ، أو بإلزامهم لقواعدهم التي بنوا عليها بدَعهم .…
…فالأشاعرة مثلاً يُثبِتون سبع صفاتٍ وينفون الباقي منها ، فجنح أهل السنّة إلى هذه المقدّمات المُلزمة لهم وهي :
…1- جعل الشئ المتّفق عليه أصلاً .
…2- قياس المختلف فيه على الأصل المتّفق عليه .
…3- وحينئذٍ تكون النتيجة هي : إلغاء الفارق ، فلا يكون ما اختُلف عليه مختَلفاً .
…ونرى شيخَ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يضرب لنا العديد من الأمثلة ، فيقول - مثلاً - مخاطباً الأشاعرة المثبتين لبعض الصفات دون بعض : ( فإن كان المخاطب ممن يقرّ بأن الله حي بحياة عليم بعلم ، قدير بقدرة ، سميع بسمع ، بصير ببصر ، متكلّم بكلام، مريد بإرادة ، ويجعل ذلك كلّه حقيقة ، ويُنازع في محبّته ورضاه وغضبه وكراهيته، فيجعل ذلك مجازاً ، ويفسّره إما بالإرادة ، وإما ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات .
…قيل له : لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبتّه ، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر ، فإن قلت : إن إرادته مثل إرادة المخلوقين ، فكذلك محبّته ورضاه وغضبه ، وهذا هو التمثيل ، وإن قلت : له إرادة تليق به ، كما أن للمخلوق إرادةٌ تليق به ، قيل : لك : وكذلك له محبّة تليق به ، وله رضا وغضب يليق به ، وللمخلوق رضا وغضبٌ يليق به .
…وإن قال : الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام .
…قيل له : والإرادة ميل النفس إلى جانب منفعةٍ أو دفع مضرّة ، فإن قلت : هذه إرادة المخلوق ، قيل لك : وهذا غضب المخلوق .(1/58)
…وكذلك يُلزم بالقول في كلامه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته ، إن نفى عنه الغضب والمحبّة والرضا ونحو ذلك ماهو من خصائص المخلوقين ، فهذا منتف عن السمع والبصر والكلام وجميع الصفات ، وإن قال : إنه لا حقيقة لهذا إلا ما يختصّ بالمخلوقين فيجب نفيه عنه ، قيل له : وهكذا السمع والبصر والكلام والعلم والقدرة .
…فهذا المفرّق بين بعض الصفات وبعض ، يُقال له فيما نفاه كما يقوله هو لمنازعه فيما أثبته )(1).
…فهنا نرى الأشعريّة يجعلون للصفة حقيقتين :
…1- حقيقة تخصّ بالخالق . 2- وحقيقةٌ تخصّ بالمخلوق .
…فيُلزمهم ابنُ تيمية ، بأن يُعملوا هذه القاعدة - أيضاً - في جميع الصفات التي نفَوها ، إذ لا فرق بين ما أثبتوا وما نفوا .
…فالسلف والأشاعرة متفقون على أن للصفة حقيقتين ؛ حقيقة تخصّ الخالق وحقيقة تخصّ المخلوق ، بينما يخالف الأشاعرةُ السلفَ في أنهم لا يطرّدون هذا الشئ المتّفق عليه في جميع الصفات التي ينفونها ، إذ يجعلونها حقيقة واحدة ، وهي : حقيقة المخلوق ، فينفون - حينئذٍ - الصفات الباقية ، لمشابهتها لصفة المخلوق - زعموا !! - .
…وهنا يُلزمهم ابن تيمية فيما نفوه بما أثبتوه ، وبإلغاء الفارق بين النفي والإثبات .
…وهناك مناهج أخرى للسلف في الردّ على أهل البدع ، كإنكار ابن مسعود على المتحلّقين (2)، إذ بيّن لهم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه هم من أسبق الناس إلى الخيرات ، ومع ذلك لم يعملوا بمثل ما عملهم ، ولم يرتدع أولئك القوم لكلام ابن مسعود ، فآل بهم الأمر إلى أن طاعنوه يوم النهروان ، وهكذا البدعة ( تكون في أوّلها شبراً ثم تكون ذراعاً ثم فراسخ وأميالاً ) .
__________
(1) التدمرية ص31-33 .
(2) رواه الدارمي في سنن (1/68-69) .(1/59)
…ونهجوا أيضاً في الردّ عليهم بإلزامهم أصولهم التي التزموها كإنكار الشيعة الإجماع، واستدلالهم به ، كما ردّ شيخ الإسلام على ابن المطهّر فقال : ( الإجماع عندكم ليس بحجّة ، وإنما الحجّة قول المعصوم ..)(1).
…ومن مناهجهم أيضاً : أن النصوص التي يستدلّ بها أهل البدع على بدعتهم ، إنما هي تردّ عليهم عند إمعان النظر في نفس النص المحتجّ به ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لما ردّ على المنكرين لرؤية الله تعالى كما نقل عنه ابن القيّم في قوله تعالى : { لا تدركه الأبصار وهو يُدرك الأبصار } [ الأنعام : 103 ] قال : ( أنا ألتزم أنه لا يحتجّ مبطل بآيةٍ أو حديث صحيح على باطله إلاّ وفي ذلك الدليل ما يدلّ على نقيض قوله ..)(2).
…ومن أساليبهم في الردّ أيضاً : نقضهم بأقوال شيوخهم(3).
…وهناك أساليب أخرى للسلف في الردّ على المخالفين ، أعرضت عنها اختصاراً .
…
…
…
…
…
…
…
?ل??? ?ل?µل
من هم الإباضيّة ؟
…الفصل الأول : نبذة تاريخية عن الخوارج ، ونشأة الإباضيّة .
…الفصل الثاني : هل الإباضيّة مذهب من مذاهب الخوارج ؟
…الفصل الثالث : أهم شخصياتهم .
…الفصل الرابع : مصادر التلقي عند الإباضيّة .
…الفصل الخامس : آراء الإباضيّة في العقيدة والأحكام .
?ل??ل ?ل?µل
__________
(1) منهاج السنة (6/444) .
(2) حادي الأرواح ص266 .
(3) انظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور / عبدالرحمن المحمود (2/872) .(1/60)
نبذة تاريخية عن الخوارج (1)، ونشأة الإباضيّة(2)
…لقد كان المسلمون في العقود الأولى مستمسكين بحبل الله المتين وبسنة سيّد المرسلين ، لا يضلّون لوجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم ، يأمرهم بالمعروف ويحثّهم عليه، وينهاهم عن المنكر ويحذّرهم منه ، حتى انتقل - صلى الله عليه وسلم - ـ بأبي هو وأمي ـ إلى الرفيق الأعلى وكاد المسلمون أن يفتتنوا في دينهم ؛ بل افتتن بعضهم وارتدّ عن الإسلام ، فأمسك بزمام الأمة الغرّاء الصدّيق أبوبكر - رضي الله عنه - حينما آلت إليه الخلافة الراشدة ، ووقف موقف الفارس الشجاع أمام كتائب المرتدّين ، فأعاد بعضهم إلى حظيرة الإسلام ، وبعضهم من قتل مرتداً كافراً والعياذ بالله .
__________
(1) ألف بعض المعاصرين كتباً مفردة في ترجمتهم ، من ذلك كتاب : الخوارج للدكتور / ناصر بن عبدالكريم العقل ضمن رسائل ودراسات في الأهواء والافتراق والبدع ، وموقف السلف منها (4) ، والخوارج تاريخهم وآراءهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها للدكتور / غالب بن علي العواجي ، والخوارج (دراسة ونقد لمذهبهم ) لـ ناصر بن عبدالله السعوي ، وأيضاً للدكتور / مصطفى حلمي رسالة فيهم ، وآراء الخوارج للدكتور / عمار الطالبي ، والخوارج والشيعة لـ يوليوس فلهوزن ، ترجمة د.عبدالرحمن بدوي ، والخوارج في المغرب الإسلامي للدكتور / محمود إسماعيل ، والخوارج في الإسلام لـ عمر أبو النصر ، والخلافة والخوارج في المغرب العربي لـ رفعت فوزي عبداللطيف ، وانظر مباحث قيّمة في كتاب : دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ( الخوارج والشيعة ) للدكتور / أحمد محمد أحمد جلي .
(2) انظر : نشأة الحركة الإباضية للدكتور / عوض خليفات .(1/61)
…ولما دنا أجله رضي الله عنه وأرضاه ؛ استخلف أباحفص عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - فساس الأمة سياسةً عجيبة ، وامتدت الفتوحات في عهده إلى أقاصي المعمورة ، ومازال الإسلام في ذلك العقد في منعةٍ وعزّةٍ وقوةٍ ، ولم تجد الفتنة لنفسها متنفّساً ، حتى انكسر قفل الفتنة بمقتله - رضي الله عنه - على يد علجٍ مجوسي كافر ؛ لا رحم الله فيه مغرز إبرة .
…ثم اجتمع المسلمون ؛ فكان المجلس الأول للشورى في تاريخ الإسلام ، وعُقدت البيعة لذي النورين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بإجماع الأمة ، فكان ما كان في عهده ، فقُتل رضي الله عنه وأرضاه مظلوماً ، والذي أدار رحى تلك الفتنة ابنُ السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي عليه لعائن الله .
…وكانت تلك الفترة هي بداية ظهور الخوارج المارقين ، والذين أخبر عنهم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة .
…قال - صلى الله عليه وسلم - : ( سيخرج قومٌ في آخر الزمان أحداث الأسنان ، سُفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البريّة [ وفي رواية : يقرأون القرآن ] لا يُجاوز إيمانُهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة )(1).
…وقد سُمّوا بذلك لأنهم يخرجون على أئمة المسلمين (2) ، وعلى جماعتهم بالاعتقاد والسيف ، وقبل الولوج في خضمّ الموضوع نريد أن نعرف من هم الخوارج ؟
…الخوارج جمع خارج ، وخارجي اسم مشتق من الخروج .
__________
(1) رواه البخاري رقم (6930) ، وانظر (3611 ، 3344 ، 6931 - 6934 ) ، ومسلم (7/164 نووي ) وما بعدها .
(2) انظر فتح الباري (12/296) تحت باب : قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم . في كتاب : استتابة المرتدين ..(1/62)
…والخروج في اللغة : ضدّ الدخول(1)، كما أنه يأتي على ضدّ القعود في الحرب(2)، ويأتي أيضاً بمعنى : خروج السحابة ؛ يقال : ما أحسن خروجها ، وفلان خريج فلانٍ ، إذا كان يتعلّم منه ؛ كأنه هو الذي أخرجه من حدّ الجهل(3) ، وقد ورد الخروج في القرآن الكريم بمعنى الجهاد ، قال تعالى : { وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَ عَدُّوا لَهُ عُدَّةً ..} [التوبة : 46] ، ويطلق أيضاً على ما يقابل الجهاد ، وهو ما ذكر الله تعالى في شأن المنافقين القاعدين { فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ }[ التوبة: 87] .
…هذه بعض معاني الخروج في اللغة .
…أما ( الخوارج ) في اللغة : فقد جاءت بمعنى البروزات في البناء ، قال الفيومي : (هي الطاقات والمحاريب في الجدار من باطنه والدواخل الصور والكتابة في الحائط بجص أو غيره ، ويقال : الدواخل والخوارج : ماخرج من أشكال البناء مخالفاً لأشكال ناحيته ، وذلك تحسين وتزيين ) (4).
__________
(1) انظر تهذيب اللغة للأزهري (7/49-50) ، والقاموس المحيط (1/192) .
(2) أساس البلاغة للزمخشري (1/221-222) .
(3) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (2/175-176) .
(4) المصباح المنير(1/179) .(1/63)
…وأطلقت ـ في اللغة ـ على طائفة من أهل الأهواء والبدع ، قال الأزهري : ( والخوارج : قوم من أهل الأهواء لهم مقالة على حدة )(1) . وقال الزبيدي : ( وهم الحروريّة ، والخارجيّة طائفة منهم ، وهم سبع طوائف ، سموا به لخروجهم على الناس ، أو عن الدين ، أو عن الحق ، أو عن علي كرّم الله(2) وجهه بعد صفين )(3).
…أما في الاصطلاح :-
…فقد ركّز الإمام الشهرستاني في تعريف الخوارج إلى الناحية السياسية ، حيث اعتبر أن كلّ من خرج على الإمام المجمع عليه عند المسلمين ؛ فهو خارجي ، سواء أكان الخارج من أهل العقود الأولى أو من المتأخّرين . قال رحمه الله : ( كل من خرج على الإمام الحق الذي اتّفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً ، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين ، أو كان بعدهم على التابعين بإحسان ، والأئمة في كل زمان ) (4).
…أما أبو الحسن الأشعري فجنح في تعريفهم إلى ما اشتهروا به ؛ وهو خروجهم على عليٍ - رضي الله عنه - ، كما أنه يرى أنّ ذلك الخروج هو سبب تسميتهم بذلك ، فيقول رحمه الله : ( والسبب الذي سمّوا له خوارج ؛ خروجهم على علي بن أبي طالب )(5).
__________
(1) تهذيب اللغة (7/50) .
(2) الصواب قول : ( رضي الله عنه ) كغيره من الصحابة ، ومن احتجّ بإطلاق هذا اللقب عليه لأنه لم يسجد لصنمٍ قط ؛ فيقال : إن كان الأمر كذلك لكان الأولى إطلاقه على صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وخليله في الغار أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه . وانظر معجم المناهي اللفظيّة للشيخ بكر أبو زيد ص271 .
(3) تاج العروس (2/30) .
(4) الملل والنحل (1/123) .
(5) مقالات الإسلاميين (1/207) .(1/64)
…وقد جمع الإمام ابن حزم الظاهري في تعريفهم ، بأن كل من أشبه الخارجين على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ووافقهم في معتقداتهم وآرائهم فإنه منهم . قال رحمه الله : ( ومن وافق الخوارج من إنكار التحكيم ، وتكفير أصحاب الكبائر ، والقول بالخروج على أئمة الجور ، وأن أصحاب الكبائر مخلّدون في النار ، وأن الإمامة جائزة في غير قريش ؛ فهو خارجي )(1).
…ويعلّق الإباضيّون في تعريفهم للخوارج : بنافع بن الأزرق والذين يتبرّأون منه كما تبرّأ منه من قبل عبدالله بن أباض . قال أبو يعقوب الورجلاني : وزلّة الخوارج نافع بن الأزرق ، وذويه حين تأوّلوا قول الله في { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } [الأنعام : 121](2).
…ويقول الإباضي المعاصر علي يحي معمر : ( يرى الإباضيّة أن إطلاق كلمة الخوارج على فرقة من فرق الإسلام لا يلاحظ فيه المعنى السياسي الثوري ، سواء كانت هذه الثورة لأسباب شرعيّة عندهم أو لأسباب غير شرعيّة ، ولذلك فهم لم يطلقوا هذه الكلمة على قتلة عثمان ، ولا على طلحة والزبير وأتباعهما ، ولا على معاوية وجيشة ، ولا على ابن فندين والذين أنكروا معه أمامه عبدالوهاب الرستمي ، وإنما كل ما يلاحظونه إنما هو المعنى الديني الذي يتضمّنه حديث المروق والخروج عن الإسلام يكون : إما بإنكار الثابت القطعي من أحكامه ، أو بالعمل بما يخالف المقطوع به من نصوص أحكام الإسلام ديانةً ، فيكون هذا العمل في قوّة الإنكار والرد ، وأقرب الفرق الإسلاميّة إلى هذا المعنى هم الأزارقة ومن ذهب من مذهبهم ممن يستحلّ دماء المسلمين وأموالهم ، وسبي نسائهم وأطفالهم )(3).
…أسماء الخوارج وألقابهم
…1- الخوارج :
__________
(1) الفصل في الملل والنحل (2/113) .
(2) دراسات في الأصول الإباضيّة لبكير بن سعيد أعوشت ص38 .
(3) الإباضيّة في موكب التاريخ ص33-35 .(1/65)
…وهو أشهر أسمائهم وأكثرها استعمالاً حتى إن هذا الاسم ليكاد أن يخفي عنهم بقيّة أسمائهم وألقابهم ، كما أنه اسمٌ يحتمل أن يكون مدحاً ، قال تعالى : { وَمَنْ يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ في الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعة وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله }[ النساء : 100] فهي تسمية مدحٍ كما تراها في هذه الآية الكريمة .
…وأما إذا أخذت التسمية بمعنى الخروج على علي بن أبي طالب وغيره من الأئمة ، او الخروج عن جماعة المسلمين ؛ لكانت التسمية ذماً عليهم ، وأما إنكار الخوارج لهذه المعاني إنما هي باعتبار أنهم مخطئون فيها ، وإلاّ فإن الخوارج يعتبرون الخروج على الأئمة أو على الناس أو على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كانت حقاً بل ديناً عليهم .
…وبالنظر في كتبهم ومقالاتهم فإننا نجدهم يطلقونها على أنفسهم على سبيل المدح والفخر ، وهذا مسطّر في بعض كتبهم ومصنّفاتهم قديماً وحديثاً ، قال أحد شعرائهم :-
……أألفا مؤمنٍ فيما زعمتم……ويهزمهم بآسك أربعونا
……كذبتم ليس ذاك كما زعمتم……ولكن الخوارج مؤمنونا(1)
…وينكر متأخّروا الإباضيّة نسبتهم إلى الخوراج ، وسيأتي الكلام عليه في الفصل الثاني إن شاء الله .
…2- الحروريّة :
…وهي نسبةٌ إلى قرية بظاهر الكوفة ، نزل بها الخوارج الذي خالفوا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (2)
…قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله : ( والذي سموا له حرورية نزولهم بحروراء في أوّل أمرهم )(3).
…وقد انقسم الخوارج إلى فرقٍ متعددة منها :
__________
(1) شعراء الخوارج ص54 كما في كتاب : الخوارج للدكتور العواجي ص27 .
(2) معجم البلدان (2/245) .
(3) مقالات الإسلاميين (1/207) .(1/66)
…1- المحكّمة : ارقوا علياً وجماعة المسلمين بسبب مسألة التحكيم ، وذلك لأنهم زعموا أن علياً حكّم الرجال ولم يحكّم القرآن فقالوا : لا حُكم إلاّ لله ، وقد خصمهم عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - في المناظرة المعروفة ، مع أن البعض منهم في العصر الحاضر يعكسون القضية فيقولون : إن ابن عباس - رضي الله عنه - هو الذي خُصِم في مناظرته معهم(1)، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ ذكر المناظرة وصحّتها .
…ولعلّ هذه الفرقة هي النواة الأولى في ظهور الخوارج وبروزهم .
__________
(1) وتذكر بعض مصادر الإباضيّة أن الخوارج خصموا ابنَ عباس - رضي الله عنه - ، انظر نشأة الحركة الإباضيّة للدكتور / عوض خليفات ص61، وهو محض افتراء ، كما أنه عارٍ عن الدليل .(1/67)
…يذكر الإمام ابن جريرالطبري رحمه الله في تاريخه : ( أن علياً لما أراد أن يبعث أباموسى للحكومة ، أتاه رجلان من الخوارج : زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي ، فدخلا عليه فقالا له : لا حكم إلاّ لله . فقال علي : لا حكم إلاّ لله . فقال له حرقوص : تب من خطيئتك ، وارجع عن قضيّتك ، واخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتى نلقى ربنا . فقال لهم علي : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبينهم كتاباً ، وشرطنا شروطاً وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا ، وقد قال الله عزّوجل : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون } [ النحل : 91] . فقال له حرقوص : ذلك ينبغي أن تتوب منه . فقال علي : ماهو ذنب ، ولكنه عجز من الرأي ، وضعف من الفعل ، وقد تقدّمت إليكم فيما كان منه ، ونهيتكم عنه . فقال له زرعة بن البرج : أما والله ياعلي ، لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله عزوجل قاتلتك ، أطلب بذلك وجه الله ورضوانه . فقال له علي : بؤساً لك ، ما أشقاك ، كأني بك قتيلاً تسفي عليك الريح . قال : وددت أن قد كان ذلك . فقال له علي : لو كنت محقاً كان في الموت تعزية عن الدنيا ، إن الشيطان قد استهواكم ، فاتقوا الله عزوجل ، إنه لا خير لكم في دنيا تقاتلون عليها ، فخرجا من عنده يحكمان .
…ثم إن علياً خرج ذات يوم يخطب ، فإنه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد ، فقال علي : الله أكبر ، كلمة حق يراد بها باطل ) (1).
…2- الحروريّة : وهم الذين خرجوا على علي - رضي الله عنه - وأصحابه ، وانحازوا إلى مكان يقال له حروراء بالعراق ، ومنه قول عائشة رضي الله عنها ( أحروريّة أنت ؟ ) .
__________
(1) تاريخ الرسل والملوك للإمام الطبري (5/37) .(1/68)
…3- الشراة : وهم الذين زعموا أنهم يشرون أنفسهم ابتغاة مرضاة الله كما في قوله تعالى : { إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُم وَ أَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّة ...الآية}[التوبة : 111] .
…4- الأزارقة : وزعيمها نافع بن الأزرق(1).
…5- النجدات : نُسبت إلى زعيمها : نجدة بن عامر .
…6- الحفصية : وزعيمهم حفص بن أبي المقدام ، وله أقوال تخرجه عن الإسلام ، كإنكار النبوة ، وإنكار الجنة والنار ، واستحلال كثيرٍ من المحرّمات(2).
…7- الإباضية : نسبة إلى عبدالله بن إباض على المشهور .
…
…نسبة الإباضية :
…معظم المصادر القديمة والحديثة ، تشير إلى أن هذه الفرقة سمّيت بهذا الاسم نسبةً إلى عبدالله بن إباض الذين ينتمي إلى قبيلة تميم (3).
…أما الملطي فقد نسب الإباضية إلى رجل يُدعى ( إباض بن عمر )(4).
…وأما السمعاني فينسبهم إلى الحارث الإباضي (5).
…ولعلّ الأوّل هو الذي يكاد أن يُجمع عليه . والله أعلم .
…نشأة الإباضيّة :
…تشير المصادر الموجودة بين أيدينا ، أن الإباضية كانت موجودةً قديماً ، وظهرت علناً أيام فتنة ابن الزبير - رضي الله عنه -حينما فارق عبدالله ابن إباض نافعَ بن الأزرق .
__________
(1) انظر تعرفة الأزارقة لمحمد رضا حسن الدجيلي .
(2) انظر الخوارج للدكتور / غالب العواجي ص210 .
(3) انظر الفرق بين الفرق ص82 ، والعقد الفريد (3/346-347) .
(4) انظر التنبيه والرد ..ص67 .
(5) الأنساب للسمعاني ، وانظر البدء والتاريخ للمقدسي ص138 .(1/69)
…وتذكر كتب الإباضية سبب التفرقة بين ابن إباض ونافع فتقول : إن نافع بن الأزرق كتب إلى ابن الصفّار ( صاحب الصفرية ) ، وعبدالله بن إباض ،وغيرهما (1)يدعوهما ومن معهما إلى معتقده الفاسد في تكفير القعدة ، والقول بشرك مخالفيهم ، واستباحة دمائهم ، وقتل أطفالهم وسبي نسائهم وعنيمة أموالهم ، فقرأ ابن الصفّار الكتاب في نفسه ، ولم يطلع أصحابه عليه خشية أن يختلفوا .
…أما ابن إباض فقرأ الكتاب وأظهر إنكاره لما ورد فيه قائلاً عن ابن الأزرق : قاتله الله أي رأي رأى ، صدق نافع بن الأزرق لو كان القوم مشركين ، كان أصوب الناس رأياً ، وحكماً فيما يشير به ، ولكنه كذب وكذبنا فيما يقول ، إن القوم براء من الشرك، ولكنهم كفار بالنعم والأحكام ، ولا يحلّ لنا إلاّ دماؤهم ، وما سوى ذلك من أموالهم فهو حرام علينا ، فقال ابن صفار : برئ الله منك فقد قصرت ، وبرئ الله من ابن الأزرق فقد غلا ، برئ الله منكما جميعاً ، وقال الآخر فبرئ الله منك ومنه (2).
…ورغم اعتراف ابن إباض في هذا النص باستحلال دماء مخالفيهم ، فإن كتب الإباضية تحاول تبرئته من هذا وتصوره بأنه لم يخض في حروب الخوارج التي كانت على أشدّها آنذاك ، بل إنه اكتفى بأن دخل في جدال عنيف وصراع فكري مع كلٍ من الأمويين والخوارج ، إذ أنكر على الأمويين ظلمهم ، ورفض آراء الخوارج الأزارقة في قولهم بشرك مخالفيهم وشرك مرتكب الكبيرة(3) .
…وقد تكوّنت نواة الإباضيّة في البصرة ثم انتشروا في الجزيرة وشمال إفريقيا ، واستطاعوا بأن يكون لهم دولة وهي دولة ( عمان ) ، إذِ استقلّوا بها عن الدولة العباسية في عهد أبي العباس السفّاح(4).
…
…
…
?ل??ل ?ل??ني :
__________
(1) والظاهر أنهم جميعاً كانوا بمكة .
(2) انظر العقود الفضية في أصول الإباضية ص121-122 .
(3) انظر دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ( الخوارج والشيعة ) للدكتور / أحمد محمد جلي ص75 .
(4) انظر المصدر السابق ص90-92 .(1/70)
هل الإباضية فرقة من فرق الخوارج ؟
…
…من الملاحظ في كتب الإباضية المعاصرة أننا نجدها تبرّئ أنفسها من النسبة إلى الخوارج ، ومن المقرر -كما تقدم - أن ابن إباض يُنكر على بقيّة أصناف الخوارج وخاصّةً ( الأزارقة ) ، ولكن هناك ما يُشير إلى وجود صلةٍ وثيقةٍ بين الإباضية وبين من سبق أن أشرنا إليهم بالمحكّمة الأولى .
…ومما يؤكّد ذلك أن ابن إباضٍ أرسل إلى عبدالملك بن مروان ، وفيها ما يصف سلفه من الخوارج بأنهم أصحاب عثمان الذين أنكروا عليه ما أحدث من تغيير السنة ، وفارقوه حين أحدث ما أحدث وترك حكم الله وفارقوه حين عصى ربه ، وهم أصحاب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حتىّ حكّم عمرو بن العاص ، وترك حكم الله وأنكروه عليه وفارقوه فيه وأبوا أن يقرّوا الحكم لبشر دون حكم كتاب الله ....إلى غير ذلك مما ورد في الرسالة (1).
…ومن هذا يتبيّن أن ابن إباض يعتبر نفسه وأتباعه امتداداً للمحكّمة الأولى فكراً وعملاً ، وهذا ما يُثبته الإباضيّة المعاصرون الذين يقولون : إن الإباضيّة يجمعهم مع الخوارج الآخرين ؛ إنكار الحكومة بين علي ومعاوية .
…والإباضية يلتقون مع الخوارج في أمور :
…1- إنكار التحكيم .
…2- الإمامة لا تختصّ بقريش .
…3- لا يقرّون بشرعية الحكم الأموي .
…ويختلفون مع الأزارقة ، والنجدات ، والصفرية - في أنهم ( أي هؤلاء الثلاث ) يقولون : إن دار مخالفيهم دار حرب ، وحكموا بشرك من خالفهم ، وأحلوا سفك دمائهم ، وغنيمة أموالهم ، وسبي ذراريهم ...(2).
…ومن هذا يظهر لنا أنه من التناقض البيّن أن يُعلن الإباضيّة تبرّأهم من الخوارج ، وفي الوقت نفسه ينسبون أنفسهم إلى أصل الخوارج !!.
__________
(1) انظر نصّ الرسالة في العقود الفضّية ص135 ، والجواهر المنتقاة لأبي القاسم بن إبراهيم البرادي ص156-167 ، ونشأة الحركة الإباضيّة للدكتور / عوض خليفات ص172 ، وإزالة الوعثاء عن أتباع أبي الشعثاء ص86 .
(2) انظر المصدر السابق ص66 .(1/71)
…وخروجاً من هذا المأزق حاول بعض المتأخرين منهم تبرير موقف المحكّمة الأولى ، وأنهم لم يكونوا خوارج بالمفهوم المتطرّف الذي عُرف به الخوارج الغلاة فيما بعد ، ومن ثم صوّروا خروجهم بأنه خروج حق ..(1)
…ولعلّ السبب الأقوى في تبرّئهم من الخوارج ، أن اسم الخوارج يكاد أن يكون مقتصراً على المتشددين منهم كالأزارقة ، بحيث لا ينصرف اسم الخوارج إلاّ إليهم ، والإباضية -كما سبق من إنكار ابن إباض على ابن الأزرق - لا يرتضون حكم الأزارقة ، فنفوا حينئذٍ عن أنفسهم وسمة الخوارج للسبب المذكور ، ولأنهم - كما يصفهم البعض بأنهم -: ألينهم فرقةً ، وأعدلهم حماسةً .
… ولعلّ أعدل الأقوال في هذا بما ظهر لي من خلال مطالعتي القاصرة ؛ أنهم يُعدّون من الخوارج تأريخاً ، ومعتزلةٌ عقيدةً(2).
?ل??ل ?ل??ل? :
مصادر التلقّي عند الإباضية
…
…من الملاحظ أن الإباضية لا تستقل برأيها كثيراً ، ولا نرى لها نتاجاً خاصاً ، تميّزها عن غيرها من الفرق ، بل نراها تتناول من كلّ مائدة ، الأمر الذي يصحّ أن يسمّوا بـ: ( حُطّاب ليل ) .
… وأهم كتبهم ما يلي :
…1- كتاب السيرة وأخبار الأئمة لأبي زكريا يحي بن أبي بكر الوارجلاني .
…2- أنساب العرب لمسلمة بن مسلم العوبتي .
…3- الطبقات الإباضية لأبي العباس أحمد بن سعيد بن سليمان بن علي بن يخلف الدرجيني .
__________
(1) انظر : أصدق المناهج في تمييز الإباضية عن الخوارج للسمائلي ص25 ، وانظر تبرير محمد رضا الدجيلي خروج الخوارج على عثمان - رضي الله عنه - في كتابه : ( تعرفة الأزارقة ) ص20 .
(2) للاستزادة انظر دراسة عن الفرق ص92 -98 ، والإباضية بالجريد ص50-52 ، وتحقق الوعد الأخروي للدكتور / عيسى السعدي ص412 ( رسالة دكتوراة ) ، والخوارج للدكتور / ناصر العقل ص75-78 والتبصير في الدين لأبي المظفر الاسفرائيني ص46 تحقيق / الكوثري ! .(1/72)
…4- أكمل عمل الدرجيني أبو القاسم بن إبراهيم في مؤلّفه ( الجواهر المنتقاة في إتمام ما أخلّ به كتاب الطبقات لأبي العباس الدرجيني .
…5- سير أبي الربيع بن عبدالسلام الوسياني .
…6- السير لأحمد بن سعيد الشماخي (1)
…7- الكشف والبيان لأبي سعيد محمد بن سعيد الأزدي القلهاني .
…8- كشف الغمّة الجامع لأخبار الأمّة لسرحان بن سعيد الأزكوي .
…
…ومن كتب الفقه والعقائد :
…9- جوابات بن زيد .
…10- رسالة في أحكام الزكاة لأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي ( الذي خلف جابر بن زيد في زعامة الحركة الإباضية .
…11- متن عقيدة التوحيد ، للشيخ عمرو بن جميع ، نشره المستشرق موتيلنسكي.
…12- شرح مقدّمة التوحيد للشماخي .
…13- كنز الأديب وسلامة اللبيب للصائغي .
…14- مدوّنة أبي غانم الخراساني .
…15- شرح السؤالات للسوخي .(2)
?ل??ل ?ل???? :
أهم الشخصيات في المذهب
…للإباضيّة شخصيّاتٌ متعددة ، أهمّهم :
…1- عبدالله بن إباض .
…2- جابر بن زيد .
…وكثيراً ما يُذكر جابر بن زيد في كتب الإباضية ، وقد وسمه بأنه من الإباضية الإمامُ يحي بن معين ، إلاّ أن الحافظ ابن حجر رحمه الله يورد عن داود بن أبي هند عن عرزة قوله : ( دخلت على جابر بن زيد فقلت : إن هؤلاء القوم ينتحلونك ( يعني الإباضيّة ) قال : أبرأ إلى الله من ذلك(3).
…3- أبوعبيدة مسلمة بن أبي كريمة .
…4- الربيع بن حبيب الفراهيدي .
…5- الحارث بن تليد .
…6- أبوحاتم يعقوب بن حبيب ثم حاتم المزوزي .
…7- سلمة بن سعد .
…8- ابن مقطير الجناوني .
…9- عبدالجبار بن قيس المرادي .
…10- السمح أبو طالب .
…11- عبدالوهّاب بن رستم .
…12- أبوذر أبان بن وسيم .(4)
__________
(1) وهو من أشمل المصادر التاريخيّة الإباضية عن تاريخ الحركة حتى بداية القرن العاشر الهجري .
(2) انظر نشأة الحركة الإباضية للدكتور / عوض خليفات ، ص5-25 .
(3) انظر التهذيب (2/35) .
(4) انظر الموسوعة الميسّرة في الأديان والمذاهب ص15-16 .(1/73)
…وذكر صاحب كتاب طلقات المعهد الرياضي في حلقات المذهب الإباضي خمسةً من الصحاب كما زعم! ، وهم :
…( 1 ) 13- الشيخ الطائي مازن بن غضوبة السعدي (1).
…( 2 ) 14- عبدالله بن وهب الراسبي (2).
…( 3 ) 15- أبو العباس صحار بن العباس (3).
…( 4 ) 16- كعب بن برستة الطاحي (4).
…( 5 ) 17- أبو شداد الذماري (5).
… وأشهر الإباضية الآن : الشيخ ( أحمد الخليلي ) مفتي عمان حالياً .
…
?ل??ل ?ل??م? :
آراء الإباضية في العقيدة والأحكام
…يدعوا الإباضيّون إلى تنزيه الخالق تنزيهاً مطلقاً ، وما جاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة مما يوهم التشبيه ، فإنهم يؤوّلونه بما يفيد المعنى ولايؤدى إلى التشبيه ، مثبتين لله تعالى الأسماء الحسنى والصفات العليا كما أثبتها لنفسه ، فاستواء الله على العرش يجب تأويله تأويلاً مجازياً ، ويد الله تؤول بالقوة ، أو بالنعمة .
…- لايقولون برؤية الله تعالى في الآخرة لقوله سبحانه { لاتدركه الأبصار } [الأنعام : 103 ] .
…- يؤوّلون بعض مسائل الآخرة تأويلاً مجازياً كالميزان والصراط .
…- أفعال الانسان خلق من الله واكتساب من الأنسان ، وهم بذلك يقفون موقفاً وسطاً بين القدريّة والجبريّة .
…- صفات الله ليست زائدة على ذات الله ولكنها هي عين ذاته .
…- القرآن لديهم مخلوق .
…- يقولون بأنه لا منزلة بين المنزلتين ، أي بين الإيمان والكفر ، فهما ضدّان كالحياة والموت ، وكالحركة والسكون ، ويقولون بأن الشخص لايخرج من الإيمان إلاّ ويدخل الكفر ، فمن لم يكن مؤمناً كان كافراً لامحالة ، مستشهدين على ذلك بقول الله تعالى : { إما شاكراً وإما كفوراً } [ الإنسان : 3 ] .
…- دار مخالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد إلاّ معسكر السلطان فإنه دار بغي .
__________
(1) طلقات المعهد ..ص11 .
(2) المصدر السابق ص21 .
(3) المصدر السابق ص23 .
(4) المصدر السابق ص25 .
(5) المصدر السابق ص27 .(1/74)
…- يعتقدون بأن مخالفيهم من أهل القبلة كفّار غير مشركين ، ومناكحتهم جائزة ، وموراثتهم حلال ، وغنيمة أموالهم من السلاح والخيل وكل ما فيه من قوة الحرب حلال وماسواه حرام .
…- مرتكب الكبيرة كافر ولا يمكن في حال معصيته وإصراره عليها أن يدخل الجنة إذا لم يتب منها .
…- الذي يرتكب الكبيرة يطلقون عليه لفظ ( الكفر ) زاعمين بأن هذا كفر نعمة لا كفر ملة .
…- يرون بأن الخلافة ينبغي أن لا تنحصر في قريش ، إذ كل مسلم صالح لها إذا ما توفّرت فيه الشروط ، والإمام الذي ينحرف ينبغي خلعه وتولية غيره .
…- الإمامة بالوصية باطلة في مذهبهم ، ولاتكون إلاّ بالاختيار والبيعة .
…- لا يوجبون الخروج على الإمام الجائر ، ولا يمنعونه ، وإنما يجيزونه ، فإذا كانت الظروف غير مواتية ، والمضار المتوقّعة كثيرة ، والنتائج غير مؤكّدة ؛ فإن هذا الجواز يميل إلى المنع ، ومع كل هذا ، فإن الخروج في أي حال ، والشراء ( أي الكتمان ) مرغوب فيه على جميع الأحوال مادام الحاكم ظالماً .
…- يرون بأن الجد للأب أولى بالحضانة من الجدة للأم خلافاً لأكثر المذاهب .
…- يرون بأن الجدة يمنع الإخوة من الميراث ، بينما ترى المذاهب الأخرى أن يقتسموا معه .
…- لديهم نظام اسمه ( حلقة العزابة ) وهي هيئة محدودة العدد تمثّل خيرة أهل البلد علماً وصلاحاً ، تقوم بالإشراف الكامل على شؤون المجتمع الإباضي الدينية والتعليمية والاجتماعية والسياسية ، كما تمثّل مجلس الشورى في زمن الظهور والدفاع ، أما في زمن الشراء والكتمان فإنها تقوم بعمل الإمام وتمثّله في مهامه(1).
…- لديهم منظمة اسمها ( إيروان ) تمثّل المجلس الاستشاري المساعد للعزابة ، وهي القوة الثانية في البلد بعدها .
__________
(1) انظر نظام العزابة عند الإباضية الوهبية في جربة ، لمؤلفه / فرحات الجعبيري .(1/75)
…- يشكلون من بينهم لجاناً على جمع الزكاة ، وتوزيعها على الفقراء ، كما تمنع منعاً باتاً طلب الزكاة ، أو الاستجداء ، وما إلى ذلك من صور انتظار العطاء (1).
…
?ل??? ?ل??ني
الإيمان والكبائر
…الفصل الأول : تعريف الإيمان وخلاف الناس فيه .
…الفصل الثاني : ثمرة الخلاف وبيان الراجح فيه .
…الفصل الثالث : تعريف الكبائر .
…الفصل الرابع : خلاف الناس في مرتكبي الكبائر وبيان الراجح فيه .
?ل??ل ?ل?µل
تعريف الإيمان وخلاف الناس فيه
…
…إن الكلام في مسألة الإيمان كلامٌ يطول حديثه وبحثه ؛ لأنه مناط الحكم في الدنيا والآخرة ، لذا اختلف الناس في حدّه وتعريفه ، كما اختلفوا فيما ينبني على تعريفاتهم له من أحكامٍ ومسائل يطول شرحها وبسطها ، ولعلّي ـ في هذا البحث ـ أشير إلى هذا الخلاف إشارةً خفيفةً فأقول :
…الإيمان لغةً : التصديق .
…وفي الاصطلاح : اختلف الناس في تعريفه على أقوال عدّة ، ولعلّنا نستهلّ بذكر مذهب السلف في ذلك .
…أجمع السلف رضوان الله عليهم بأن الإيمان : قول واعتقاد وعمل ، قول باللسان ، واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية . ولعلّه من الضروري جداً معرفة أقوالهم ليكون المسلم على بيّنة .
__________
(1) انظر الموسوعة الميسّرة ص16-18 ، ودراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ( الخوارج والشيعة ) ص92-108.(1/76)
…قال الإمام مالك رحمه الله : ( الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص )(1)، وقال الإمام الشافعي رحمه الله : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص )(2). وقال أحمد رحمه الله: ( الإيمان قول وعمل ، قول باللسان وعمل بالأركان)(3). وقال أيضاً : ( الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص )(4). وقال البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب الإيمان في باب النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( بني الإسلام على خمس ) قال : ( وهو قول وفعل ، ويزيد وينقص)(5). وقال الإمام سفيان الثوري رحمه الله : ( الإيمان قول وعمل ونيّة ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، ولا يجوز القول إلاّ بالعمل ، لا يجوز القول والعمل إلاّ بالنيّة ، ولا يجوز القول والعمل والنيّة إلاّ بموافقة السنة )(6). وقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني (...وأن الإيمان قول باللسان ، وإخلاص بالقلب ، وعمل بالجوارح يزيد بزيادة الأعمال ، وينقص بنقصها ، فيكون بها النقص وبها الزيادة ، ولا يكمل قول الإيمان إلاّ بعمل ، ولا قول ولا عمل إلاّ بنيّة ، ولا قول وعمل ونيّة إلاّ بموافقة السنة )(7). وقال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله : ( وأما القول في الإيمان هل هو قول وعمل ؟ وهل يزيد وينقص ؟ أم لا زيادة فيه ولا نقصان ، فإن الصواب فيه قول من قال : هو
__________
(1) الانتقاء لابن عبدالبر ص71 .
(2) آداب الإمام الشافعي لابن أبي حاتم ص192 .
(3) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2/173) ، وانظر المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد في العقيدة . جمع / عبدالإله الأحمدي (1/63-67) .
(4) انظر المصدرين السابقين .
(5) فتح الباري (1/60) .
(6) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي رقم (314) (1/170) ، وتذكرة الحفاظ (1/206-107) قال الذهبي رحمه الله بعد هذا النقل : (هذا ثابت عن سفيان ، وشيخ المخلص ثقة رحمة الله عليهم )
(7) عقيدة ابن أبي زيد القيرواني وعبث بعض المعاصرين بها ، ضمن سلسلة الردود للشيخ / بكر أبو زيد ص489 .(1/77)
قول وعمل يزيد وينقص ، وبه جاء الخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعليه مضى أهل الدين والفضل)(1). وقال الإمام الحميدي رحمه الله : ( ... وأن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، لا ينفع قول إلاّ بعمل ، ولا عمل وقول إلاّ بنيّة ، ولا قول وعمل إلاّ بنيّة إلاّ بسنة )(2). وقال الإمام ابن أبي شيبة رحمه الله : ( الإيمان عندنا قول وعمل ، ويزيد وينقص )(3). وقال موفّق الدين ابن قدامة رحمه الله : ( والإيمان قول باللسان ، وعمل بالأركان ، وعقد بالجنان ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالعصيان )(4). وقال الإمام عبدالغني المقدسي : ( الإيمان قول وعمل ونيّة ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية )(5). وسرد الإمام اللالكائي أسماء القائلين بهذا من الصحابة والفقهاء (6).
…القول الثاني : قول المعتزلة والخوارج ، وهؤلاء يقولون : الإيمان قول واعتقاد وعمل .
…القول الثالث : قول أبي منصور الماتريدي ، ويُروى عن أبي حنيفة رحمه الله إلى أن الإقرار باللسان ركن زائد ليس بأصلي(7).
…القول الرابع : قول الكرّاميّة إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط ، فالمنافقون عندهم مؤمنون كاملوا الإيمان ، ولكنهم يقولون بأنهم يستحقّون الوعيد الذي أوعدهم الله به ، وقولهم ظاهر الفساد(8) .
__________
(1) صريح السنة ص25 .
(2) مسند الحميدي (2/546) .
(3) الإيمان لابن أبي شيبة ص50 .
(4) لمعة الاعتقاد ص92 .
(5) انظر عقائد أئمة السلف جمع / فواز زمرلي ص116 .
(6) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/913) وانظر عقيدة السلف وأصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني ص64-70 .
(7) شرح العقيدة الطحاوية ص332 ، وانظر لوامع الأنوار البهيّة للسفاريني (1/420) ، والمسائل والرسائل (1/75) .
(8) شرح العقيدة الطحاويّة ص332 ، ومجموع الفتاوى (7/509) ، والمسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد في العقيدة (1/68ومابعدها )(1/78)
…القول الخامس : قول الجهم بن صفوان ، وأبو الحسن الصالحي أحد رؤساء القدريّة إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب ، وهذا القول أظهر فساداً مما قبله فإن لازمه أن فرعون وقومه كانوا مؤمنين فإنهم عرفوا صدق موسى وهارون عليهما السلام ولم يؤمنوا بهما ، ولهذا قال موسى لفرعون : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاَءِ إِلاَّ رَبُّ السَمَواتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُوراً }[الإسراء :102] وقال : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُواً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة المُفْسِدِين }[النمل :14] وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يعرفون أبناءهم ولم يكونوا مؤمنين بل كافرين به معادين له ، وكذلك أبو طالب عنده يكون مؤمناً فإنه قال :-
ولقد علمت بأن دين محمدٍ ……من خير أديان البريّة ديناً
لولا الملامة أو حذار مسبّةٍ ……لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً
…بل إبليس يكون عند الجهم مؤمناً كامل الإيمان ، فإنه لم يجهل ربّه ، بل هو عارف به { قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُون }[الحجر : 36] { قَال رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَني } [الحجر :39] { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُم أَجْمَعِين }[ص : 82] والكفر عند الجهم هو الجهل بالربّ تعالى ، ولا أحد أجهل منه بربّه فإنه جعله الوجود المطلق ، وسلب عنه جميع صفاته ، ولا أجهل أكبر من هذا فيكون كافراً بشهادته على نفسه ! .(1)
?ل??ل ?ل??ني
ثمرة الخلاف في الإيمان وبيان الراجح فيه
…مما لاشكّ فيه أن مذهب السلف الصالح هو المذهب الراجح في هذا الخلاف ، وقد ظهر أن السلف يقولون : إن الإيمان قول وعمل .
__________
(1) شرح العقيدة الطحاويّة ص332 . وانظر مجموع الفتاوى (7/195) ، وفتح الباري (1/61) ، والتعليقات على متن لمعة الاعتقاد ص70 .(1/79)
…ومذهب الخوارج والمعتزلة أيضاً : أن الإيمان قول وعمل ، إلاّ أنهم غالوا في ذلك فقالوا : من ترك العمل خرج من الإيمان ، وأدخلته الخوارج في الكفر ، وقالت المعتزلة : هو في منزلةٍ بين المنزلتين (1).
…(( وحاصل الكل يرجع إلى أن الإيمان : إما أن يكون ما يقوم بالقلب واللسان وسائر الجوارح ، كما ذهب إليه جمهور السلف من الأئمة الثلاثة وغيرهم رحمهم الله كما تقدّم أو بالقلب واللسان دون الجوارح ، كما ذكره الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله ، أو باللسان وحده كما تقدّم ذكره عن الكرامية ، أو بالقلب وحده ، وهو إما المعرفة ، كما قال الجهم ، أو التصديق كما قاله أبو منصور الماتريدي رحمه الله ، وفساد قول الجهم والكرامية ظاهر ))(2).
__________
(1) اشتهر مؤخّراً أن الفرق بين مذهب السلف والوعيديّة ( الخوارج والمعتزلة ) ، أن السلف يقولون : إن الأعمال شرط كمال ، والوعيدية تقول : الأعمال شرط صحّة ، وهذا ليس بجيّد ، لأن الشرط خارج عن الماهية ، والسلف لم يقولوا : إن الأعمال شرط ، وإنما قالوا : هي شطر الإيمان أي جزءٌ منه . فليتنبّه . انظر : ترتيب وتقريب شرح الطحاوية ( الحاشية ) (1/159) .
وليعلم القارئ أن الإيمان حقيقةٌ مركّبة ، وترك جنس العمل كفر ، انظر ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور سفر ابن عبدالرحمن الحوالي (2/627-767) .
(2) شرح العقيدة الطحاوية ص333 .(1/80)
…وعند النظر إلى أُسّ الخلاف عند هؤلاء نرى أنهم جعلوا الإيمان شيئاً واحداً إذا زال بعضه زال كلّه ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( وأصل نزاع هذه الفرق في الإيمان حق الخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهميّة وغيرهم ، أنهم جعلوا الإيمان شيئاً واحداً ، إذا زال بعضه زال جميعه ، وإذا ثبت بعضه ثبت جميعه ، فلم يقولوا بذهاب بعضه وبقاء بعضه، وقالت الخوارج والمعتزلة : الطاعات كلّها من الإيمان ، فإذا ذهب بعضها ذهب بعض الإيمان ، فذهب سائره ، فحكموا بأن صاحب الكبيرة ليس معه شيئٌ من الإيمان ، وقالت المرجئة والجهمية : ليس الإيمان إلاّ شيئاً واحداً لا يتبعّض ؛ إما مجرد تصديق القلب كقول الجهمية ، أو تصديق القلب واللسان كقول المرجئة )(1).
…وفي دفع شبهة أصلهم : ( إذا ذهب بعضه ذهب كلّه ) يقول شيخ الإسلام رحمه الله : ( وجماع قولهم : إن الحقيقة المركّبة من أمور متى ذهب بعض أجزائها انتفت تلك الحقيقة كالعشرة المركّبة من آحاد ، فلو قلنا : إنه يتبعّض لزم زوال بعض الحقيقة مع بقاء بعضها )(2).
…وقد ردّ شيخ الإسلام ابن تيمية عليهم فقال : ( .. إذا زال بعض أجزاء المركّب تزول الهيئة الاجتماعية الحاصلة بالتركيب ، لكن لا يلزم أن يزول سائر الأجزاء ، والإيمان المؤلّف من الأقوال الواجبة والأعمال الواجبة الباطنة والظاهرة هو المجموع الواجب الكامل ، وهذه الهيئة الاجتماعية تزول بزوال بعض الأجزاء ، وهذه هي المنفيّة في الكتاب والسنة في مثل قوله : ( لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.. ) ، وعلى ذلك جاء قوله تعالى : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ..} الآيات ، ولكن لا يلزم أن تزول سائر الأجزاء ، ولا أن سائر الأجزاء الباقية لا تكون من الإيمان بعد زوال بعضه .
__________
(1) مجموع الفتاوى (7/510) باختصار ، وانظر منه (18/270) ، ولوامع الأنوار البهيّة (1/417) .
(2) مجموع الفتاوى (18/276) .(1/81)
…كما أن أن واجبات الحجّ من الحج الواجب الكامل ،وإذا زالت زال هذا الكمال ، ولم يزل سائر الحجّ من الحج الواجب الكامل ، وإذا زالت زال هذا الكمال ولم يزل سائر الحجّ وكذلك الإنسان الكامل يدخل في مسماه أعضاؤه كلّها ، ثم لو قطعت يداه ورجلاه لم يخرج عن اسم الإنسان ، وإن كان قد زال منه بعض ما يدخل [ في ] الاسم الكامل .
…وكذلك لفظ الشجرة والباب والبيت والحائط وغير ذلك ، يتناول المسمّى في حال كمال أجزائه بعد ذهاب بعض أجزائه .
…وبهذا تزول الشبهة التي أوردها الرازي ومن اتّبعه كالأصبهاني وغيره على الشافعي ؛ فإن مذهبه في ذلك مذهب جمهور أهل الحديث والسلف ، وقد اعترض هؤلاء بهذه الشبهة الفاسدة على السلف )اهـ(1).
…
…
?ل??ل ?ل??ل?
تعريف الكبائر
…قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( الحمدلله رب العالمين ، أمثل الأقوال في هذه المسألة - القول المأثور عن ابن عباس ، وذكره أبوعبيد وأحمد بن حنبل وغيرهما ، وهو أن الصغيرة مادون الحدين حد الدنيا وحد الآخرة ، وهو معنى قول من قال ماليس فيها حد في الدنيا وهو معنى قول القائل كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو نار فهو من الكبائر .
…ومعنى قول القائل : وليس فيها حد في الدنيا ، ولا وعيدٌ في الآخرة ، أي ( وعيدٌ خاص ) كالوعيد بالنار ، والغضب ، واللعنة ، وذلك لأن الوعيد الخاص في الآخرة ، كالعقوبة الخاصّة في الدنيا ، فكما أنه يفرق في العقوبات المشروعة للناس بين العقوبات التي ليست بمقدرة ، وهي التعزير ، فكذلك يفرق في العقوبات التي يعزر الله بها العباد - في غير أمر العباد بها - بين العقوبات المقدرة : كالغضب ، واللعنة ، والنار ، وبين العقوبات المطلقة .
__________
(1) مجموع الفتاوى (18/276-277) ، وانظر (12/472-475) .(1/82)
…وهذا الضابط يسلم من القوادح الواردة على غيره ؛ فإنه يدخل كلّ ما ثبت في النص أنه كبيرة : كالشرك ، والقتل ، والزنا ....)(1).
?ل??ل ?ل????
خلاف الناس في مرتكب الكبيرة وبيان الراجح فيه
…ذهب الخوارج إلى أن مرتكب الكبيرة كافر خارجٌ من الملّة ، وهو في الآخرة من أهل النار المخلّدين فيها .
…وذهبت المعتزلة إلى أن مرتكب الكبيرة في منزلةٍ بين المنزلتين ، وهو في الآخرة في النار خالداً مخلداً فيها أبداً .
…وذهب جمهور أهل السنة إلى أن مرتكب الكبيرة فاسق بكبيرته ، مؤمنٌ بإيمانه ، واستندوا في ذلك على أن الإيمان يزيد ، مسندين في ذلك على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
…وأصل ضلال هؤلاء أنهم جعلوا الإيمان شيئاً واحداً لا يزيد ولا ينقص ، الأمر الذي أودى بهم القول بخلود مرتكب الكبائر في النار .
…وقد سبق الكلام في ثمرات الخلاف الناشئ عن الإيمان ورجحنا فيها قول السلف رضوان الله عليهم .
…
…
?ل??? ?ل??ل?
الرد على الشيخ ( أحمد الخليلي ) .
…الفصل الأول : منهج المعترض في حكمه بتكفير مرتكب الكبيرة ، والأدلّة العامّة التي استند عليها في رسالته ، ومن ثَمّ منا قشتها ، ودحض شبهها .
…الفصل الثاني : الردّ على المعترض في حكمه بكفر مرتكب الكبيرة ( تفصيلاً ) .
…الفصل الثالث : لوازم القول بخلود أهل الكبائر في النار .
مدخل
…وفي هذه الفصول نأتي إلى فحوى هذا البحث ، ومربط فرسه ؛ وهو الردّ على الخليلي فيما ذهب إليه في كتابه في المبحث الثالث بكفر مرتكب الكبيرة .
__________
(1) مجموع الفتاوى (650-651) ، وانظر الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/11-24) ، ونيل الأوطار للشوكاني (8/307-308) .(1/83)
…وقد حاولت جاهداً ـ مااستطعت ـ في استقصاء شبهه التي أوردها في رسالته ، وأن لاّ أترك شاردةً ولا واردةً إلاّ وكان للرد عليها نصيب ، ثم دحضت تلك الشبه بالأدلّة العقليّة والنقليّة ، دون حيدٍ ـ إن شاء الله ـ عن جادّة الحقّ والصواب ، متّبعاً بذلك سنن السلف ، ولست أخفي - القارئ الكريم - بأنّني استفدت كثيراً ممّاخلّفه علماؤنا رحمهم الله عامّةً ، وشيخ الإسلام ابن تيمية خاصّةً ، والذي ملأ الدنيا علماً ، وفهماً وفقهاً في الدين ، ومقارعةً لأهل الكفر والبدَع ، فإنه لولا أن منّ الله علينا بمثله لضلّت فئامٌ من الناس بين شُبه أهل الكفر والبدع . قال الحافظ عمر البزّار : ( حدّثني غير واحدٍ من العلماء الفضلاء النبلاء ، الممعنين بالخوض في أقاويل المتكلّمين لإصابة الثواب ، وتمييز القشر من اللباب(1): أنّ كلاً منهم لم يزل حائراً في تجاذب أقوال الأصوليين ومعقولاتهم ، وأنه لم يستقر في قلبه منها قولٌ ، ولم يبنْ له من مضمونها حقّ ، بل رآها كلّها موقعةً في الحيرة والتضليل ، وجُلّها ممعنٌ في التشكيك والتعطيل ، حتى منَّ الله تعالى عليه بمطالعته مؤلّفات هذا الإمام [ يعني : ابن تيمية ]..)(2)
…وهأنذا أُعلن ( كلمة الحقّ غير هيّابٍ من أحدٍ )(3)وأخص الشيخ ( أحمد الخليلي ) بالردّ عليه فيما قرره في رسالته مستجيباً لنداءه(4)، وقد جعلت ذلك مضمناً في ثلاثة فصول وهي :
__________
(1) الأصل في الإسلام أنه ليس هناك قشر ولباب ، انظر ( تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب ) لفضيلة الشيخ / محمد بن إسماعيل المقدّم حفظه الله .
(2) الأعلام العليّة في مناقب ابن تيمية ص34 .
(3) وهي نصّ عبارة الشيخ الخليلي في كتابه الحق الدامغ ص229 .
(4) المصدر السابق حيث قال : وأعلن للذين لايرون إلاّ حسم الخلاف في هذه القضايا ...بأنني لا أستنكف من الحوار الموضوعي الهادئ...، وقد سبق النقل عنه في المقدمة ص8 .(1/84)
…الفصل الأول : في منهج المعترض في حكمه بتكفير مرتكب الكبيرة ، والأدلّة العامّة التي استند عليها في كتابه ، ومن ثمّ مناقشتها ، ودجض شببها .
…الفصل الثاني : الردّ على المعترض في حكمه بتكفير مرتكب الكبيرة ( تفصيلاً).
…الفصل الثالث : لوازم القول بخلود أهل الكبائر في النار .
…هذا وأسأل الله العون والسداد ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم .
?ل??ل ?ل?µل
منهج المعترض في حكمه بتكفير مرتكب الكبير ، والأدلّة العامّة التي استند عليها في رسالته ، ومن ثَمّ مناقشتها ، ودحض شبهها
…جرت عادة المخالفين لمنهج السلف رضوان الله عنهم ، السائرين وراء سيطرة العقول السقيمة ، المكتفين بها في بناء مذاهبهم الهدّامة وأفكارهم الموبوءة : أنهم إن وافقت النصوص ما ذهبوا إليه ـ وهيهات ـ أقاموا الدنيا ولم يُقعدوها من أجل ذلك ، وإن خالفت مشاربهم ومعتقداتهم وآرائهم ؛ فإنهم يلجئون في ذلك إلى مهارب و طُرقٍ ملتويّةٍ لردّ النص يتستّرون من ورائها من المخالفة الصريحة للنصوص ؛ إمّا بتقديم العقل على النقل إن تعارضا - زعموا - ، أو بالتأويل الفاسد ، أو بتقرير المجاز ، أو بردّ خبر الآحاد في العقائد(1) ...إلى غير ذلك من المقدّمات المبتكرة المظلمة ، والتي يراها كل من نظر في كتبهم ومصنّفاتهم ، حتى إنهم ليقرّرون ذلك ويجعلونها من المسلّمات التي لا تقبل النقاش أو المحاججة ، واستطاع شيخ المؤوّلين إبليس عليه لعائن الله: اللعب بهم والتفكّه بألبابهم ، والسيطرة عليهم سيطرةً شبه تامة ، فنعوذ بالله من هذه الحال .
…وهذه بليّةٌ عُظمى ابتلي بها كثيرٌ من المفتونين المنتسبين للعلم فضلاً عن عوامهم وجهّالهم وقديماً قيل :-
__________
(1) وقد سمّاها الإمام ابن القيّم رحمه الله : بالطواغيت ، وردّ عليها بالتفصيل في كتابه الرائع الصواعق المرسلة ، انظر على سبيل المثال (2/632) تحقيق الدكتور/ علي الدخيل الله ،ومختصره لابن الموصلي ص59 ، 83 ، 231 .(1/85)
…إذا كان ربّ البيت بالدفّ ضارباً……فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
…وقيل أيضاً : ( وهل يستقيم الظلّ والعود أعوج ؟؟ )
…وسبق أن قلتُ في المقدمة : إن الردود على أهل الأهواء والبدع من مناهج السلف قديماً وحديثاً ، وإن الحق والباطل لا يجتمعان - أبداً - في أنصاف الطرق ، ولا عبرة في ذلك بمن قال : ( نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه )(1)وهذه الكلمة ـ على وجازتها ـ سارت بها الركبان وتلقّفها بعض أدعياء العلم واستحسنوها ، فكان أن لُبّس الحق لباس الباطل ، والباطل لباس الحق ، فحارت العقول بينهما حيرة عظيمة .
…غير أن العقل الذي رُبي على التلقّي الصحيح من المنبع الصافي والمنهل العذب ؛لم يتدنّس بما تدنّس به أولئك القوم من جنود إبليس الإنسيين ، لأن الذي يجعل ميزانه الأول: ميزان الشرع الحكيم لن يتأثّر أبداً ـ بإذن الله ـ بتلك الوساوس والشبهات ، فتجده مقبلاً على النصوص بكليّته وإن خالفت محارات عقله ووساوس قلبه { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَمِيعُ العَلِيم } [فصلت : 36 ] .
__________
(1) انظر مجلّة البحوث الإسلاميّة (10/284) ، مقدمّات في الأهواء للدكتور ناصر العقل ص82 ، الرد على المخالف ، ضمن الردود لبكر أبو زيد ص78 ، إلاّ أن قائلها وهو الشيخ محمد رشيد رضا لم يرد منها ما سار عليه من اعتمدها فيما بعد ، بل ضمّ إليها قاعدةً أخرى يقطع من عرف رأيه فيهما أنهما قاعدتان عظيمتان ، لم يُفهم منهما حقيقتهما ، وانظر ما كتب في ذلك في كتاب ( محمد رشيد رضا ، طود وإصلاح ) ص252 لشيخنا / خالد بن فوزي عبدالحميد حفظه الله ، والذين أشهروا هذه الجملة هم جماعة الإخوان المسلمين ، انظر : الطريق إلى جماعة الأم للأستاذ عثمان عبدالسلام نوح ص60-61.(1/86)
…والكلام عن المنهج العام الذي سار عليه مؤلف ( الحقّ الدامغ ) كلامٌ يطول ، وقد رأيت أن ديدنه في استدلالاته لا يختلف كثيراً عن ديدن الكثير من أهل البدع واستدلالاتهم ، فكأنّ هؤلاء كلّهم قد تواطئوا عليها تواطئاً مريباً على غير ميعاد ، وليس هذا الأمر بمستغربٍ مادام أن معلّمهم واحد ، أعني به : إبليس عليه لعنة الله ، وإنّ هذا ليؤكّد لنا : أنه كما أن الكفر ملّةٌ واحدة ؛ فكذلك أهل البدع والأهواء ملّةٌ واحدة في مخالفة النصوص .
…لذا نجد الاضطراب الكثير عندهم في تحقيق العديد من المسائل ، والحيرة المستديمة أمام النصوص ، وليس لهم مخلصٌ إلاّ إن رجعوا - في تلك المسائل - إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفهم صحابته رضوان الله عليهم ، وتركوا ما هم عليه من إيحاءات شيطانيّة ،كتقديم العقل على النقل إن تعارضا و...و...و..إلخ .
…ومؤلف ( الحقّ الدامغ ) الشيخ / أحمد الخليلي قد سار على منوال وسنن سلفه الخلفيّين دون حيدٍ أومين ، ورأيت عموم أدلّته التي استند عليها في تقرير مذهبه متّفقةٌ تماماً على ما رسمه له سلفه ، وقد قرأت الجزء المخصص لي ـ في تكفير مرتكب الكبيرة ـ قراءةً متأنّية متفحّصة ، وكررت القراءة مرّات عدّة ، وفي كلّ مرّة أكتشف شئاً جديداً لم أكتشفه أثناء القراءة السابقة ، وذلك من فضل الله عليّ ، والحمدلله .
…وإن النقاط العامّة التي استند عليها المعترض كثيرة ، لكني أذكر منها اثنين فقط لأهميتهما في بيان مذهبه ولئلاّ أُطيل المقال ، فأقول :-
…أولاً : ردّ خبر الآحاد في العقيدة : (1)
__________
(1) انظر مثلاً ص 63 - 66 ، 196 من كتابه .(1/87)
…لقد عُلم باستقراء أهل العلم أنّ أهل الأهواء والبدع لا يثبتون على وتيرةٍ واحدة أمام نصوص الوحي ، فإن وجدوا ما يوافق ماذهبوا إليه من النصوص ـ ودونه خرط القتاد ـ لتشبّثوا بها تشبّث الغريق بالقشّ ، وإن خالفت مشاربهم وأهواءهم لردّوها بطرقٍ ملتويةٍ، وقد كان للمؤلّف من ذلك نصيب (1).
…وليعلم القارئ الكريم ؛ أن الخلاف بيننا وبين أهل البدع ليس خلافاً صورياً في فهم بعض النصوص كما يُظنّ ، وإنّما الخلاف بيننا وبينهم هو خلافٌ في المنهج ، ومن تأمّل هذا عرف حقيقته ومدلوله ومغزاه ، وهذا الأمر معلومٌ ومشاهدٌ في السّاحة العلميّة ، والله المستعان .
…وموضوع الأخذ بخبر الآحاد في العقيدة موضوعٌ ينبغي أن يعتنى به ؛ لئلاّ تضلّ الأمة الإسلاميّة بما ينعق به أهل البدع بالامتناع عن الأخذ به في العقيدة دون الأحكام ، فالواجب على العلماء المعاصرين وطلبة العلم أن يأخذوا هذه المسألة بجديّة ، ويبيّنوا عواقب منهج أهل البدع في مشاربهم ، ويقرّروا منهج السلف في فهمهم واستدلالاتهم .
…
…وقبل الولوج في خضمّ هذا الموضوع نريد أن نعرف ماهو الخبر المتواتر والخبر الآحاد ؟
…المتواتر : في اللغة : اسم فاعل مشتق من التواتر(2).
…وفي الإصطلاح : مارواه جمعٌ عن جمعٍ لايمكن تواطؤهم وتوافقهم على الكذب ، عن مثلهم ، من أوله إلى آخره ، ومستند روايتهم الحس ، وأفاد خبرهم السامع (3) .
…وأشير إلى أمرٍ مهمٍ جداً ؛ وهو أنه قد صرّح بعض الأئمة بأنه لا يوجد متواتر أصلاً .
__________
(1) انظر ص79 .
(2) القاموس المحيط (2/152) .
(3) نزهة النظر ص21 كما في (هذا عهد نبيّنا إلينا .خبر الآحاد) لأبي إسلام مصطفى بن محمد بن سلامة ص15 .(1/88)
…قال ابن حبّان ـ رحمه الله ـ : فأما الأخبار ، فإنها كلها أخبار آحاد ..ـ إلى أن قال ـ وأن من تنكّب عن قبول أخبار الآحاد ، فقد عمد إلى ترك السنن كلها ، لعدم وجود السنن إلاّ من رواية الآحاد ) . وقد وافقه على هذا الإمام الحازمي وابن الصلاح(1) .
……الآحاد : لغةً : مايرويه شخصٌ واحدٌ .
…وفي الإصطلاح : ما لم يجمع شروط التواتر (2) .
__________
(1) باختصار من المنهج المقترح للشريف حاتم العوني ص120-122 . وقد وُجدت بعض الأحاديث على المعنى المتواتر كما صرّح به جمعٌ من العلماء كحديث :( من كذب عليّ متعمّداً ) وحديث ( نضّر الله امرءاً سمع مقالتي ..) الحديث .
(2) النكت على نزهة النظر للشيخ علي بن حسن عبدالحميد ص70-71 ، وهو في الأصل تعليقٌ وتحقيقٌ على كتاب ابن حجر ( نزهة النظر ..) !! .(1/89)
…وللإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ كلامٌ نفيسٌ في هذه المسالة ، قال ـ رحمه الله في بيان المتواتر المعنوي : واعلم ـ رحمك الله ـ أنه ليس من شرط صحّة التواتر الذي يحصل به اليقين أن يوجد عدد التواتر في خبرٍ واحدٍ ، بل متى نُقلت أخبارٌ كثيرة في معنىً واحدٍ من طرق يصدق بعضها بعضاً ، ولم يأت ما يكذّبها أو يقدح فيها حتى استقرّ ذلك في القلوب واستيقنته فقد حصل التواتر وثبت القطع واليقين ، فإننا تيقنّا جود حاتم ، وإن كان لم يرد بذلك خبرٌ واحدٌ مرضيُّ الإسناد لوجود ما ذكرنا ، وكذلك عدل عمر ، وشجاعة علي وعلمه ، وعلم عائشة ـ رضي الله عنها ـ ، وأنها زوج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وابنة أبي بكر ، وأشباه هذا ، لايشكّ في شئٍ من ذلك ، ولايكاد يوجد تواتر إلاّ على هذا الوجه ، فحصول التواتر واليقين في مسألتنا مع صحّة الأسانيد ونقل العدول المرضيّين وكثرة الأخبار وتخريجها فيما لايُحصى عدده ، ولايمكن حصره من دواوين الأئمة والحفّاظ وتلقّي الأمة لها بالقبول ، وروايتهم لها من غير معارض يعارضها ، ولامنكرٍ لمن يسمع من لشئ منها أولى ، ولاسيّما وقد جاءت على وفق ماجاء في القرآن العزيز الذي {لايَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد}.[فصلت :42] (1)
…الأدلة على حجّيّة خبر الآحاد في العقيدة :-
…الدليل الأول: قوله تعالى : { ومَاكَان لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤمِنَةٍ إذا قَضى اللهُ وَرَسُولَه أمراً أنْ يَكون لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أمْرِهِم } [ الأحزاب : 36 ] وقوله : {ومَا آتاكُمُ الرَّسولُ فخُذُوه وَمَا نَهَاكُمْ عنْهُ فانْتَهُوا } [ الحشر:7 ] .…
__________
(1) إثبات صفة العلو لموفّق الدين عبدالله بن أحمدبن قدامة . تحقيق / بدر البدر ص42 .(1/90)
…إن كلمتي ( أمراً ) و( ما ) في الآيتين تشملان العقائد والأحكام لأن الأولى نكرة في سياق النفي فتفيد العموم ، والثانية من ألفاظ العموم الدّالة على العموم ، فما الذي حمل أولئك على استثناء أخبار العقيدة من ذلك وهي داخلة في عموم الآيات(1).
…الدليل الثاني : قوله تعالى :{ يَا أيُّها الّذِينَ آمَنوا إِنْ جاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قوْماً بِجهَالةٍ ..} [الحجرات : 6] وفي القراءة الأخرى ( فتثبّتوا ) ، فإنها تدلّ على أن العدل إذا جاء بخبرٍ ما فالحجّة قائمة به ، وأنه لا يجب التثبيت بل يُؤخذ حالاً (2).
…الدليل الثالث : قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( نضّرالله امرءاً سمع مقالتي ووعاها وأدّاها كما سمعها فربّ مبلّغٍ أوعى من سامع )(3) . فقد ندب الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى استماع مقالته ـ وهذا يشمل الدين عقيدةً وأحكاماً(4).
…ولا أريد أن أطيل في تقرير هذه المسألة إلاّ أنني أريد أن أؤكّد بأن أحاديث الآحاد يحتجّ بها في العقيدة كما يحتجّ بها في الأحكام .
__________
(1) الأدلة والشواهد على وجوب الأخذ بخبر الواحد في الأحكام والعقائد للشيخ / سليم الهلالي ص13. وانظر : الحديث حجّةٌ بنفسه للشيخ الألباني ص47 0
(2) الحديث حجة بنفسه ص53 0
(3) حديثٌ صحيح ، وقد حُكم عليه بالتواتر ! ، انظر تخريجه موعباً في جزء فيه قول النبي- صلى الله عليه وسلم - : نضّرالله امرءاً سمع مقالتي فأدّاها . لأبي عمرو أحمد بن محمد المديني تحقيق / بدر البدر ، وكذلك للشيخ العلاّمة عبدالمحسن العبّاد مؤلّف فيه .
(4) الأدلّة والشواهد ص35 0(1/91)
…وبالنظر إلى استدلالات المعترض واحتجاجه بالسنّة نرى أنه قد حاد عن منهجه المقرّر ـ وهو ردّ أخبار الآحاد ـ فنراه يحتجّ بها لإمضاء مذهبه دون التعرّض لتواتره أو آحاديّته لأنّ بعض الأحاديث التي اسنتد عليها ليست بمثابة قوّة الأدلّة المثبتة لغفران الله تعالى لأهل الكبائر إن شاء ، أيضاً فإن إعمال الدليلين خيرٌ من إهمالهما ، ولا يصار إلى الترجيح إلاّ عند عدم إمكان الجمع .
…وفعله هذا لا يبعد كثيراً عن فعل أسلافه الإباضيّة ، بل إن فعله هذا هو ديدن كلّ صاحب هوىً والعياذ بالله . قال الإمام وكيع بن الجرّاح رحمه الله : ( أهل العلم يكتبون مالهم وما عليهم ، وأهل الأهواء لا يكتبون إلاّ مالهم )(1).
…ثم يظهر رجلٌ آخر من الإباضية يُدعى / سعيد بن مبروك القنوبي ، فيسطّر رسالته المبتورة ( السيف الحاد على من أخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد ) سلّط سيفه هذا على أحاديث كثيرة ، فلم تسلم من سيفه الأحاديث ولا الآثار ، كما لم يسلم من سيفه أيضاً العلماء ، فأخذ يقطع هذا ، ويبتر هذا .
…ورسالته تلك مليئة بالأغلوطات والسباب ، بعيدةٌكل البعد عن المنهج العلمي المقرر عند النقاش ، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله .
__________
(1) رواه الدارقطني في سننه (1/19) .(1/92)
…وأختم بقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ( ... ولهذا كان علماء الحديث الجهابذة فيه المتبحّرون في معرفته قد يحصل لهم اليقين التام بأخبار الآحاد ، وإن كان غيرهم من العلماء قد لا يظنّ صدقها فضلاً عن العلم بصدقها ، ومبنى هذا على أن الخبر المفيد للعلم يفيده من كثرة المخبرين تارةً ، ومن صفات المخبرين أخرى ، ومن نفس الأخبار أخرى ، ومن نفس إدراك المخبر له أخرى ، ومن الأمر المخبر به أخرى ، فربّ عدد قليل أفاد خبرهم العلم لما هم عليه من الديانة و الحفظ الذي يؤمن معه كذبهم أو خطؤهم ، وأضعاف ذلك العدد من غيرهم قد لا يفيد العلم ، هذا هو الحقّ الذي لاريب فيه ، وهو قول جمهور الفقهاء والمحدّثين ،وطوائف من المتكلّمين )(1). وقد أطال ابن القيّم النفس في نقض كلام المبتدعة في هذه المسألة كما في مختصرالصواعق ص455-510 .
…ثانياً : التأويل الفاسد(2).
…نهج المعترض طريقة المؤوّلة في كثيرٍ من المساءل المسطّرة في كتابه ، ولابأس ـ هنا ـ أن نقدّم مقدمة مختصرة عن التأويل ، فأقول : -
__________
(1) مجموع الفتاوى (20/258) . وللاستزادة ينظر لمن أفرد في هذه المسألة المؤلفات القيّمة مثل : الحديث حجّة بنفسه ، ووجوب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة والأحكام وكلاهما للعلاّمة /الألباني ، وأخبار الآحاد في الحديث النبوي للعلاّمة /عبدالله الجبرين ، وردّ شبهات الإلحاد عن أحاديث الآحاد للشيخ/ عبدالعزيز بن راشد ، وهذا عهد نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - إلينا خبر الآحاد لأبي إسلام مصطفى بن سلامه ، والأدلّة والشواهد على وجوب الأخذ بخبر الواحد في الأحكام والعقائد للشيخ / سليم الهلالي ، وحجّيّة الآحاد في العقيدة وردّ شبهات المخالفين للدكتور / محمد الوهيبي ، وحجّيّة خبر الآحاد للأمين الحاج . وغيرها
(2) قيّدته بالتأويل الفاسد لوجود نوعٍ آخر وهو منه ، ألا وهو التأويل الصحيح الذي لا يخالف النصوص .(1/93)
…التأويل لغةً : مصدر من باب التفعيل ، وأصله ( أوْل ) من آل يؤول .
…وفي الاصطلاح فعلى معانٍ :
…1- العودة والرجوع : قال ابن دريد الأزدي : ( آل الرجل عن الشئ ارتدّ عنه)(1) وقال الأزهري : ( قال الليث : الأيّل الذكر من الأوعال ، والجمع الأيائل ، قال : وإنما سمي أيّلاً لأنه يعول إلى الجبال يتحصّن فيها )(2)
…2- التفسير : وهو الذي يقصده الإمام ابن جرير الطبري إذ يقول عند تفسيره للآيات : القول في تأويل الآية... ، كما قد صرّح عن معنى التأويل فقال : ( وأما معنى التأويل في كلام العرب فإنه التفسير ، والمرجع والمصير )(3).
…3- بمعنى العاقبة كما قاله الفرّاء .(4)
…4- صرف المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لقرينة تدل عليه(5).
…قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( لفظ التأويل قد صار بتعدد الاصطلاحات مستعملاً في ثلاثة معان :
…أحدها : وهو اصطلاح كثير من المتأخّرين المتكلّمين في الفقه وأصوله : أن التأويل هو صر اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به ؛ وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلّم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات وترك تأويلها .....
…الثاني : أن التأويل بمعنى التفسير ، وهذا هو الغالب على اصطلاح مفسري القرآن كما يقول ابن جرير الطبري وأمثاله من المصنّفين ...
…الثالث : ـ من معاني التأويل ـ هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام ..)(6).
…أما المتكلّمون فقد قالوا عن التأويل ما يلي :
__________
(1) جمهرة اللغة (3/482)
(2) تهذيب اللغة للأزهري (15/437) بتحقيق / إبراهيم الأبياري .
(3) جامع البيان عن تأويل آي القرآن (3/184) بتحقيق / أحمد شاكر .
(4) معاني القرآن ليحي الفرّاء (1/380) بتحقيق / النجار .
(5) انظر المعتمد لأبي الحسين البصري
(6) باختصار من ( التدمرية ) ص91-92) بتحقيق / محمد السعوي .(1/94)
…قال إمام الحرمين الجويني : ( التأويل هو ردّ الظاهر إلى ما إليه مآله في دعوى المؤول )(1).
…وقال الآمدي : ( التأويل هو حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر منه مع احتماله له)(2).
…وقال الطوفي : ( التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره لدليل يصير به المرجوح راجحاً )(3).
…وقد أشار الإمام شمس الدين ابن القيّم عن مراد المتكلمين بالتأويل فقال : ( صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه ، وما يخالف ظاهره ، وهو مراد المعتزلة ، والجهميّة ، وغيرهم من فرق المتكلّمين ، وهو الشائع في عرف المتأخرين من أهل الأصول والفقه )(4)
…قال الدكتور / محمد أحمد لوح : ( نلاحظ من خلال تعريفات المتأخرين للتأويل ما يلي :
…1- اتفقوا على أن التأويل نقل للفظ عن ظاهره إلى ما يخالفه ، ومستندهم في تعيين ذلك المخالف للظاهر قد يكون المجاز أو الاشتراك أو غير ذلك مما يذكرونه في قوانين التأويل .
…2- أن بعض هؤلاء أطلق التعريف فحمل التأويل على كل صرف للمعنى عن ظاهره ، بينما قيّده بعضهم بأن يقترن به دليل يقتضي صيرورة المرجوح راجحاً .
…وهذا الخلاف فتح الباب ـ ولا شك ـ أمام كلّ مؤوّل ومبطل .
…3- أن هذا الاصطلاح لم يرد في لغة المتقدّمين ، ولم يسنده عرف القرآن الكريم ، ولا مدلولات السنة المطهّرة ، ولكن بالنظر إلى كونه اصطلاحاً لا يمكن الحكم عليه إجمالاً فلا بدّ من عرضه على الكتاب والسنة ، ومفهوم السلف الصالح ، ومن ثمّ يمكن الإقرار بما لا يخالف الحق ، مع عدم التردد في ردّ كل ما يخالفه )(5).
__________
(1) البرهان للجويني (1/511) بتحقيق / عبدالعظيم الديب .
(2) الإحكام في أصول الأحكام لعلي بن علي الآمدي .
(3) شرح مختصر الروضة (3/599) بتحقيق / إبراهيم آل إبراهيم .
(4) الصواعق المرسلة لابن القيّم (1/97) بتحقيق د . الدخيل الله .
(5) جناية التأويل الفاسد ص11-12 ( باختصار ) .(1/95)
…وبهذا تبيّن لنا أن التأويل له معانٍ صحيحة ومعانٍ أخرى سقيمة ، لذلك عدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن لفظ التأويل إلى لفظ التحريف في بعض عباراته لشموليّته على المعنى الباطل ، وذلك في رسالته الفذّة ( التدمريّة ) عندما تعرّض لذكر عقيدة السلف في الأسماء والصفات فقال : ( وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها ، إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ، ومن غير تحريف ولا تعطيل..)(1).
…ومن هنا ينبغي أن يُعلم أن التأويل باصطلاحه المتأخر المحدث يمثّل فكراً وافداً تسرّب إلى الجهميّة والمعتزلة من المصادر اليهوديّة والنصرانيّة (2).
…أثر التأويل الفاسد على العقيدة :
…لابدّ أنّ كلّ تأويلٍ فاسدٍ يؤدّي إلى محاذير عدّة ، ولنضرب على هذا مثالاً واحداً :
…قعّد شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله في التدمريّة القاعدة الرابعة في باب الأسماء والصفات ، فقال : إن كثيراً من الناس يتوهّم في بعض الصفات ، أو في كثير منها ، أو أكثرها ، أو كلها ، أنها تماثل صفات المخلوقين ، ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه فيقع في أربعة أنواعٍ من المحاذير :
…أحدها : كونه مثّل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين وظنّ أن مدلول النصوص هو التمثيل .
…الثاني : أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطّله بقيت النصوص معطلة عما دلّت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله ، فيبقى مع جنايته على النصوص ، وظنه السيّئ الذي ظنّه بالله ورسوله ـ حيث ظنّ أن الذي يفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل ـ قد عطّل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات الصفات لله ، والمعاني الإلهيّة اللاّئقة بجلال الله سبحانه .
…الثالث : أنه ينفي تلك الصفات عن الله بغير علم ، فيكون معطّلاً لما يستحقّه الرب تعالى .
__________
(1) التدمرية ص7 بتحقيق / السعوي ، وانظر المناظرة على الواسطيّة في مجموع الفتاوى (3/194-195) .
(2) انظر تفاصيل ذلك في كتاب / جناية التأويل الفاسد ص26-30 .(1/96)
…الرابع : أنه يصف الربّ بنقيض تلك الصفات من صفات الموات والجمادات ، أو صفات المعدومات )(1)
…وملخّص قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله السابق ما يلي :
…1- أنّ المؤوّل للصفات فهم من النصوص التشبيه والتمثيل .
…2- أنه عطّل النصوص .
…3- أنه عطّل الذات الإلهيّة .
…4- أنه وصف الله تعالى بالنقيض من صفات الكمال التي وصف بها نفسه .
…ثم اعلم ـ أخا الإسلام ـ أن التأويل هو سبب الفتك بالأمة الإسلاميّة وتصدّع كيانها الداخليّة (( فجرى بسبب هذا التأويل الباطل على الإسلام وأهله ماجرى ، ثم جرت الفتنة التي جرّت قتل عثمان بالتأويل ، ولم يزل التأويل يأخذ مأخذه حتى قُتل به عثمان ، فأخذ في الزيادة ، والتولّد ، حتى قتل به بين علي ومعاوية بصفّين سبعين ألفاً أو أكثر من المسلمين ، وقتل أهل الحرّة بالتأويل ، وقتل يوم الجمل بالتأويل من قتل ، ثم كان قتل ابن الزبير ، ونصب المنجنيق على البيت بالتأويل (2)، ثم كانت فتنة ابن الأشعث(3)، وقتل من المسلمين بدير الجماجم بالتأويل(4)، ثم كانت فتنة الخوارج و ما لقي المسلمون من حروبهم وأذاهم بالتأويل ، ثم خروج أبي مسلم وقتله بني أميّة(5)، وتلك الحروب العظام بالتأويل ، ثم خروج العلويّين ، وقتلهم ، وحبسهم ، ونفيهم بالتأويل . إلى أضعاف أضعاف ما ذكرنا من حوادث الإسلام التي جرها التأويل ، وما ضرب مالك بالسياط وطيف به إلاّ بالتأويل، ولا ضُرب الإمام أحمد بالسياط(6)
__________
(1) المصدر السابق ص79-80 .
(2) انظر البداية والنهاية (8/329-332) .
(3) انظر المصدر السابق (9/35-37) .
(4) انظر المصدر السابق (9/40-43) .
(5) انظر المصدر السابق (10/30وما بعدها ) .
(6) قصّته في محنة خلق القرآن مشهورة ، وقد ألّفت في محنته رسائل عدّة ، منها : ( ذكر محنة الإمام أحمد ) لحنبل بن إسحاق ، وهو مطبوع ، و ( محنة إمام أهل السنّة ) للمقدسي وهو مطبوع أيضاً ، و ( امتحان أحمد مع أمير المؤمنين ) لأبي طاهر إبراهيم بن أحمد بن يوسف القرشي كما في تاريخ التراث العربي (2/198) وله نسخةٌ مصوّرة في الجامعة الإسلاميّة ، استفدت هذا من كتاب : ( الرسائل والمسائل المرويّة عن الإمام أحمد في العقيدة ) لعبدالإله الأحمدي (1/20) ، كما ذُكرت محنته ضمناً في كثيرٍ ممن ترجم عنه أو أفرد له مؤلفاً .(1/97)
، وطلب قتله إلاّ بالتأويل ، ولا قُتل أحمد بن نصر الخزاعي(1) إلاّ بالتأويل ولا جرى على نعيم بن حمّاد الخزاعي ما جرى ، وتوجّع أهل الإسلام لمصابه إلاّ بالتأويل(2)، ولا جرى على محمد بن إسماعيل البخاري ما جرى ونفي وأخرج من بلده إلاّ بالتأويل(3)، ولا قتل من قتل خلفاء الإسلام وملوكه إلاّ بالتأويل ، ولا جرى على شيخ الإسلام عبدالله أبي إسماعيل الأنصاري ما جرى وطلب قتله بضعة وعشرين مرّة إلاّ بالتأويل(4)، ولا جرى على أئمة السنّة والحديث ما جرى حين حبسوا وشرّدوا وأخرجوا من ديارهم إلاّ بالتأويل ، ولا جرى على شيخ الإسلام ابن تيمية ما جرى من خصومه بالسجن وطلب قتله أكثر من عشرين مرّة إلاّ بالتأويل .
__________
(1) كان من أنصار الإمام أحمد في المحنة ، فافتتن وقُتل وصُلب ظُلماً ، انظر سير أعلام النبلاء (11/166) .
(2) دُعي إلى القول بخلق القرآن فلم يُجب فسُجن ومات فيه ببغداد سنة 228هـ انظر المصدر السابق (10/595 ، 612) .
(3) انظر - الدفاع عن موقفه في القرآن ، وأن الذين تحاملوا عليه لم يفهموا مقصوده - : ( العقيدة السلفيّة في كلام ربّ البريّة ) للشيخ / عبدالله بن يوسف الجديع ص261-268 .
(4) هو عبدالله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي ، أبو إسماعيل من كبار العلماء مات سنة 481 . انظر سير أعلام النبلاء (18/503 ، 518 ) .(1/98)
…فقاتل الله التأويل الباطل وأهله ، وأخذ حق دينه وكتابه ورسوله وأنصاره منهم ، فماذا هدموا من معاقل الإسلام وهدوا من أركانه وقلعوا من قواعده ؟ ولقد تركوه أرق من الثوب الخلق البالي الذي تطاولت عليه السنون وتوالت عليه الأهوية والرياح ، ولو بسطنا هذا الفصل وحد وما جناه التأويل على الأديان والشرائع وخراب العالم لقام منه عدّة أسفار ، وإنما نبّهنا تنبيهاً يعلم به العاقل ما وراءه وبالله التوفيق ))(1).
أسس مذهب الوعيديّة ( الخوارج والمعتزلة ) ونقدها (2):
…إذا تأمّلنا مذهب الخوارج في هذا الباب ، وجدنا أنه يرتكز على أربعة أسسٍ ، كلّ أساس يقوم عليه ما بعده ، وهي :
…أولاً : أن الإيمان هو فعل الواجبات ، وترك المحرّمات ، وهو شيئ واحد لا يقبل التجزئة ، فمتى بطل بعضه بطل كلّه كسائر المركّبات ، ولذلك لا يمكن أن يجتمع في حق معيّن سبب العذاب والثواب معاً .
…ثانياً : أن مرتكب الكبيرة كافر كفراً أكبر ، لأن الكبائر لا تجامع الإيمان أبداً ، بل تنافيه وتفسده كما يُفسد الأكل والشرب الصيامَ .
__________
(1) الصواعق المرسلة (1/377-381) وللاستزادة عن موضوع التأويل ينظر هذه الرسائل القيّمة : ( الإمام ابن تيمية وموقفه من قضيّة التأويل ) للدكتور / محمد السيّد الجليند ، و ( التأويل وأثره في أصول الفقه ) للدكتور / سليمان بن سليم الله الرحيلي ، و ( جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلاميّة ) للدكتور / محمد أحمد لوح ، والرسالة الأخيرة من أحسن الرسائل التي تكلّمت عن الموضوع ، وهي رسالةٌ جديرةٌ بالاقتناء .
(2) كان من المفترض ضمّ هذا المبحث في الباب الثاني ، ولكني آثرته هنا لتناسق المناسبة في الردّ على المعترض ، وقد استفدت كثيراً في هذا المبحث بما كتبه الدكتور عيسى السعدي في كتابيه ( موانع إنفاذ الوعيد ) و ( تحقق الوعد الأخروي ) .(1/99)
…ثالثاً : أن مرتكب الكبيرة غير التائب لا بدّ أن يدخل النار ، إذ يستحيل أن يمتنع إنفاذ وعيده بغير مانع التوبة .
…رابعاً : أن مرتكب الكبيرة إذا دخل النار ، فلا بدّ أن يخلّد فيها ، لأن العقوبة تستحق على طريق الدوام .
…أما المذهب المعتزلي في هذا الباب فإنه يرتكز على نفس الأسس تقريباً ، والفرق بين المذهبين من وجهين :
…الأول : من ناحية الاسم : فإن الخوارج يسمّون مرتكب الكبيرة كافراً ، والمعتزلة لا يسمّونه كافراً ولا مؤمناً ، وإنما يسمّونه فاسقاً .
…الثاني : من ناحية الحكم ، فإن الخوارج يجرون على مرتكب الكبيرة أحكام الكفّار الدنيويّة - خلا الإباضيّة (1)- والأخروية ، والمعتزلة يعاملونه معاملة المسلمين في الدنيا ، ويرون أن عذابه الأخروي ، وإن كان دائماً ، إلاّ أنه أخفّ من عذاب الكفّار.(2)
…نقد الأساس الأوّل :
…تعريف الإيمان عندهم مخالفٌ لما عليه السلف ، ذلك لأن الإيمان يكون بأمور :
…أ - قول القلب(3).
…ب - قول اللسان ، وهو التكلّم بكلمة الإسلام .
…جـ - عم القلب ، وهو محبّته وانقياده .
…د - عمل الجوارح ، كالصلاة والزكاة وصدق الحديث ..
…فإذا زال قول القلب أو عمله زال أصل الإيمان ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( لابدّ في أصل الإيمان من قول القلب ، وعمل القلب )(4).
…وإذا زال قول اللسان زال أصل الإيمان أيضاً كما قال شيخ الإسلام : ( فأما الشهادتان إذا لم يتكلّم بهما مع القدرة فهو كافر باتّفاق المسلمين ، وهو كافر باطناً وظاهراً عند سلف الأمة وأئمتها ، وجماهير علماءها )(5).
__________
(1) وهم مع المعتزلة في هذا الباب ، إذ يجيزون نكاح مرتكب الكبيرة ..
(2) انظر موانع إنفاذ الوعيد ص192-193 .
(3) انظر مجموع الفتاوى (7/672) .
(4) المصدر السابق (7/529) .
(5) المصدر السابق (7/629) .(1/100)
…وأما عمل الجوارح ، فزوال جنسه يستلزم زوال أصل الإيمان ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب )(1).
…وأما أفراد عمل الجوارح ؛ فإما أن تكون من مباني الإسلام ، أو لا تكون منها ، فإن كانت من مباني الإسلام ففي زوال أصل الإيمان بزوالها نزاعٌ مشهور بين الأئمة(2).
…وإن كانت من غير المباني ، فأهل السنة متفقون على أن أصل الإيمان لا يزول بزوالها ، وإنما يزول بزوالها الكمال الواجب أو المستحبّ(3).
…وبهذا يتبيّن أن القول بزوال أصل الإيمان بزوال جزءٍ من أجزائه ليس صحيحاً على إطلاقه ، وقد سبق بيان الرد عليه(4).
…وبه أيضاً يتبيّن إمكان اجتماع أسباب الوعد والوعيد في معيّن(5).
…نقد الأساس الثاني :
…دلّت النصوص الشرعي على أن الكبائر لا ترفع مطلق الإيمان ، من هذه النصوص:
…1- { فمن عفي له من أخيه شيئ فاتّباع بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسان } [ البقرة : 178 ] فلم يرفع الله عن القاتل أخوّة الإيمان ، بل أثبت فيها أخوّة الدين ، وفي ذلك دلالة على أن الكبائر لا ترفع مطلق الإيمان .
…2- { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } [ الحجرات : 9 ] .
…3- { إنما المؤمنون إخوة ..} [ الحجرات : 10 ] فأثبت للبغاة أخوة الإيمان(6).
…4- قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كانت عنده مظلمةٌ لأخيه فليتحلله منها...)(7)، فأثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - أخوة الإيمان بين الظالم والمظلوم .
__________
(1) المصدر السابق (7/616) ، وانظر ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور / سفر الحوالي (2/625وما بعدها ) .
(2) انظر المصدر السابق (7/ 302 ، 609-612 ) .
(3) انظر المصدر السابق (7/302) و (12/478) .
(4) انظر ص72-73 من البحث .
(5) انظر المصدر السابق (7/312، 393 ، 353 ، 404 ، 520 ) .
(6) انظر المصدر السابق (7/670-671) .
(7) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب : القصاص يوم القيامة (6534)(1/101)
…ومن مجموع النصوص السابقة يتبيّن أن الكبائر إنما ترفع الإيمان المطلق ، وهو الإيمان الواجب ، المتضمّن فعل الواجبات ، وترك المحرّمات ، وهو الإيمان الذي يستحقّ صاحبه دخول الجنة ، والنجاة من النار ، بمقتضى الوعد الإلهي الصادق المذكور في مثل قوله تعالى : { سابقوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنةٍ عرضها كعرض السماء والأرض أعدّت للذين آمنوا بالله ورسله.. } [ الحديد : 21 ] .
…أما مطلق الإيمان ، وهو أصل الإيمان الذي لا يصحّ الإسلام إلاّ به ؛ فإن الكبائر لاترفعه البتّة .
…وأما ما انفرد به الخوارج - عدا الإباضية - من إجراء أحكام الكفر الدنيوية على الفاسق الملي فأمرٌ تردّه الكتاب والسنة ، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعامل أهل الكبائر معاملة المسلمين في الميراث والفئ والغنائم والزواج ..وما أشبه ذلك .
…أما ماورد في النصوص من إطلاق اسم الكفر على فعل بعض الكبائر فالمراد به الكفر الأصغر ، إذ لو كان المراد به الكفر الأكبر - كما زعمت الخوارج - لكان صاحب الكبيرة مرتداً يُقتل على كل حال ، ولا يُقبل عفو ولي القصاص ، ولا تُجرى الحدود في الزنى والسرقة وشرب الخمر (1).
…نقد الأساس الثالث :
…سلك أهل السنة في نقد هذا الأساس طرقاً عديدة منها :
…أولاً : أن قيام سبب الوعيد المعيّن لا يعني وجوب لحوق الوعيد به ، كما أن قيام سبب الوعد بمعيّن لا يعني وجوب لحوق الوعد به ، لأن وجود السبب لا يكفي وحده في حصول المسبب ، بل لابدّ مع ذلك من وجود شروط تأثيره وانتفاء موانعه ، وهذه القاعدة معتبرةٌ ف يالأسباب الشرعية والقدرية .
__________
(1) انظر الفصل في الملل والنحل (4/87-88) ومجموع الفتاوى (7/482-486) ، (12/486-479) وكتاب الصلاة لابن القيّم ص55-58 .(1/102)
…فالمطر مثلاً سببٌ قدري لإنبات النبات ، كما دلّ على ذلك قوله تعالى : { حتى إذا أقلّت سحاباً ثقالاً سقناه لبلدٍ ...} [ الأعراف : 57 ] ومع ذلك فالمطر وحده لا يُنبت النبات إلاّ بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك ، ثم الزرع لا يتمّ حتى تُصرف عنه الآفات المفسدة له بوجود معتنٍ به .
…والدعاء أيضاً سببٌ شرعي للاستجابة ، ولا تكون الإجابة إلاّ بوجود شروطها وانتفاء موانعها .
…كما دلّت النصوص على أن شرط تأثير أسباب الوعد : الإخلاص والمتابعة ، وعلى أن الموانع من تأثيرها الردّة وما في معناها ، والمنّ بالصدقة ، والرياء ..
…ودلّت أيضاً على أن شرط تأثير أسباب الوعيد انتفاء العذر الشرعي المعتبر في حقّ من قام به سبب الوعيد ، وعلى أن الموانع من تأثيرها : التوبة والاستغفار والحسنات الماحية ودعاء المؤمنين (1).
…ثانياً : أنه يجوز على الله إخلاف الوعيد دون إخلاف الوعد ، وقد استدلّ أصحاب هذه الطريقة بالشرع واللغة والعقل .
…أما الشرع فقوله تعالى : { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ..} [ الأحزاب : 60 ] ووجه الدلالة من الآية أن الله أوعد المنافقين أصحاب هذه الأفعال بالإخراج من المدينة ، ثم إنه لم ينفذ وعيدهم ؛ بدليل بقائهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى وفاته ، رغم بقائهم على أفعالهم تلك ، فدلّ ذلك على جواز إخلاف الوعيد شرعاً ، بل على وقوعه .
…وأما اللغة : فإن العرب تعدّ إخلاف الوعد نقيصة ، وتعدّ إخلاف الوعيد مع القدرة على إنفاذه كرماً ، وتسمّيه عفواً ، ولذلك مدحوا به وتمدّحوا ،قال كعب بن زهير:
نُبّئت أن رسول الله أوعدني……والعفو عند رسول الله مأمول
…وأما العقل : فإنه يقتضي عدم التسوية بين إخلاف الوعد والوعيد ؛ لأن بينهما فرقاً .
__________
(1) للاستزادة ينظر مجموع الفتاوى (12/482-484) والتحفة المهدية لابن مهدي ص381-386 .(1/103)
…فالوعيد حقّ لله ، وإخلافه عفوٌ وهبةٌ وإسقاطٌ ، وهو موجب الكرم والجود والإحسان .
…والوعد حقّ عليه أوجبه على نفسه ، والله لا يُخلف الميعاد (1).
…وهذه الطريقة على جانبٍ كبيرٍ من القول إلاّ أنه يُشكل عليها قوله تعالى : { قال لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد - ما يُبدّل القول لديّ وما أنا بظلاّمٍ للعبيد } [ ق : 28-29 ] .
…قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( وهذه الآية تُضعف جواب من يقول : إن إخلاف الوعيد جائز - إلى أن قال - : لكن التحقيق الجمع بين نصوص الوعد والوعيد ، وتفسير بعضها ببعضٍ من غير تبديل شئٍ منها كما يُجمع بين نصوص الأمر والنهي من غير تبديل شئٍ منها..)(2)، وقيل : إنها في المستحلّ (3).
…ثم ليُعلم أن الوعد ناشئ عن فضل الله ورحمته ، والوعيد ناشئ عن عدل الله وغضبه ، وقد يقرن الوعيد مع الرحمة كما في قوله تعالى : { يا أبت إن أخاف يمسّك عذابٌ من الرحمن فتكون للشيطان ولياً } [ مريم : 45 ] ، وقوله : { فإن كذّبوك فقل ربكم ذو رحمةٍ واسعةٍ ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين } [ الأنعام : 147 ] ، وذلك لنفي الاغترار برحمة الله ، لا لأن الوعيد ناشئٌ عنها ، قال الزركشي رحمه الله : ( ولم يقل : (( ذو عقوبة شديدة )) ؛ لأنه إنما قال ذلك نفياً للاغترار بسعة رحمة الله في الاجتراء على معصيته ، وذلك أبلغ في التهديد ؛ معناه : لا تغترّوا بسعة رحمة الله ، فإنه مع ذلك لا يُردّ عذابه )(4).
__________
(1) انظر البعث والنشور للبيهقي ص50 ، وإيثار الحق على الخلق لابن الوزير ص348 .
(2) مجموع الفتاوى (14/498) ، وانظر : الفصل (4/93) .
(3) موانع إنفاذ الوعيد ص204 .
(4) البرهان للزركشي ، تخريج وتعليق / مصطفى عبدالقادر عطا (4/78) .(1/104)
…وهذا الأصل دليل على أرجحيّة رحمة الله تعالى لحديث : ( لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي غلبت غضبي )(1).
…وفي القرآن إشارات لمثل هذا كقوله تعالى : { نبّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم - وأن عذابي هو العذاب الأليم } [ الحجر : 49-50 ] ، فقدّم الرحمة وأتى بوصفين من صيغ المبالغة ، ووصف ذاته بالرحمة دون التعذيب ، فلم يقل : إني أنا المعذّب المؤلم(2).
…وقد ذكر الرازي في هذا ثلاثة عشر وجهاً(3).
…نقد الأساس الرابع :
…دلّت النصوص الشرعيّة على أن العقوبة المستحقّ نوعان :
…الأول : عقوبة تستحقّ على طريق الدوام ، ونفي عقوبة الكفّار ، كما دلّ على ذلك قوله تعالى : { إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً - إلاّ طريق جهنّم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً } [ النساء : 166-167 ] وقوله تعالى : { إن الله لعن الكافرين وأعدّ لهم سعيراً - خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً } [ الأحزاب : 64-65 ] . وقوله تعالى : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنّم خالدين فيها أبداً } [ الجن : 23 ] .
…الثاني : عقوبة تستحقّ على طريق الانقطاع ، وهي عقوبة الفسّاق كما دلّ على ذلك ما رواه الإمام مسلم بسنده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض .....- إلى أن قال - : فأقول : يارب ، أمتي أمتي ، فيقال لي : انطلق ، فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبّةٍ من خردلٍ من إيمانٍ فأخرجه من النار ، فأنطلق فأفعل )(4).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب بدء الوحي الباب الأول برقم (3194) ، وانظر طريق الهجرتين لابن القيم ص426 .
(2) انظر روح المعاني للآلوسي (14/59-60) .
(3) التفسير الكبير (3/153 ، 159 ، 160 ) .
(4) رواه مسلم (3/59نووي) .(1/105)
…والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وسيأتي - إن شاء الله زيادة بيان - في الفصل الثالث والأخير في : لوازم القول بخلود مرتكبي الكبائر في النار .
…وبهذا يتّضح بطلان الأساس الرابع من أسس مذهب الوعيديّة ؛ لأن القول بأن العقوبة تستحقّ على طريق الدوام غير صحيح على إطلاقه .
…ومن كلّ ماسبق من نقد يتّضح أن مذهب الوعيديّة في العفو الإلهي قائم على أسسٍ غير سليمة ، وإذا كان من الطبيعي الاستدلال على خطأ النتيجة بخطأ المقدّمات التي أدّت إليها ؛ فإنه يمكن الجزم بخطأ الوعيديّة في النتيجة كما جزمنا بخطئهم في تلك المقدّمات .
………
مقدّمات عامّةٌ في منهج المعترض لابدّ منها :
…نهج المعترض في كتابه نهجاً لا ينبغي السكوت عليه ، وقد استخلصت من كتابه هذا مايلي :
…1- استمالة العواطف لتأييد مذهبه :
…يحار عقل المرء كثيراً حينما يرى أهل البدع يكادون أن يتواطئوا على نهج التحريف والكذب وذلك لكل من يستمع إلىكلامهم ، أو يقرأ كتاباتهم ، فنراهم يزيّنون الباطل دون الارتكاز على شئٍ من دلالة الشرع ، فنرى المعترض وأضرابه ـ مثلاً ـ يمثّلون على الناس غيرتهم الشديدة ! على حال الأمة وتصدّع كيانها ، وذلك لاستمالة عواطف الناس ومشاعرهم نحوهم ؛ بأنهم فرقة غيورة على الأمة ، كلّ ذلك ليكسبوا من ورائها الأصوات والتأييد .(1/106)
…ومؤلف ( الحق الدامغ ! ) يستميل عواطف الناس كما في مقدّمة كتابه ، بقوله : ( وقد ابتليت كل أمة بالافتراق فيما بينها ، والانشقاق على نفسها ، ولم تسلم من ذلك أمة حتى محمد - صلى الله عليه وسلم - التي اختصّت بمبعث أعظم رسول إليها ، وإنزال أجل كتاب عليها..) (1) ، ثم يقول : ( ولعلّه مما يفاجئ كثيراً من القرّاء أن يطلعوا لأول مرّة على عناية قادة الفكر الإباضية بلم شعث هذه الأمة وجمع شتاتها بعدما أثخنتها الخلافات المذهبيّة ..) (2)، ثم يقول : ( أوليس ما بليت به من الشقاق هو الذي عكس عليها ما نشهده من آثارٍ سلبيّة في أوضاعها ، فتشتت بعد الوحدة ، وذلّت بعد العزّة وضعفت بعد القوة ، فازدرتها الأعين التي كانت تكبرها ، وطمعت فيها الأمم التي كانت لا تصطلي بنارها ؟ ليت شعري ! ألا صحوة بعد هذه السكرة ، ويقظة بعد هذه النومة التي غرقت فيها عقول هذه الأمة ...)(3).
…أقول : وهل ضعف أمتنا الإسلاميّة كانت من قِبل أهل البدع ؟ ، أليسوا - أعني الخوارج - أوّل من أوقدوا نار الفتنة بين الصحابة ، وبثّوا الشقاق والتناحر بين المسلمين ، كلّ ذلك بتأويلاتٍ لهم غير سائغة ، في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحد المبشّرين بالجنّة ؟ ، أليسوا السبب الرئيسي في ضعف كيان الأمة وانحطاطها إلى هاويةٍ سحيقة ، والتي لا يعرف مداها إلاّ الله عزّوجل ؟ ارجعوا إلى التأريخ وماسطّره علماؤه عن أمجادهم وأسيادهم ، سترون أن تأريخ أهل البدع أسود حالك لا يتنوّر بنور أبداً ، بل لا يهتدي إلاّ إلى الظلام الدامس الحالك .
…حربهم على المسلمين ، لا على الكفّار ، شعارهم : لا حكم إلاّ لله ـ على حدّ زعمهم وهم بعيدون عنه ـ ، ديدنهم : التشهير في المنابر ، منهجهم : هذا كافر ، وهذا مسلم .
__________
(1) الحق الدامغ ص6 .
(2) المصدر السابق ص15 .
(3) المصدر السابق ص14 .(1/107)
…ثم يأتي مؤلّف ( الحقّ الدامغ ) في النهاية يتباكى على حال الأمة وتصدّع كيانها!!، على حدّ قول القائل حين قال : ( رمتني القرعى بدائها وانسلّت ) . اللهم إنّا نبرأ إليك بما فعل السفهاء بنا .
…2- التناقض في الدعاية :
…نرى المعترض وأضرابه من الإباضيّة ؛ يسعون جاهدين في دعوة الناس إلى التمذهب بمذهبهم الباطل : ( الإباضية ) ، ويظهرون لهم بأن هذا المذهب مبني على أسسٍ ثابتة وقواعد متينة ، وأنه يدعو إلى التسامح والمرونة إلى حدّ تكفير مرتكب الكبيرة والحكم عليه بالخلود في النار !! ، كما أنه يدعو أيضاً إلى الكتاب والسنة إلى حدّ ردّ أخبار الآحاد في العقيدة !! ، وتقديم العقل على النقل !! ،
…فنراه يقول عن الإباضية : ( ولست أبالغ إن قلت : إن الإباضية ـ أهل الحق والاستقامة ـ تمتاز عقيدتهم ، وتتسم طريقتهم في فهم أصول الدين بثلاثة أمور : -
…1- سلامة المنزع ... 2- عدم التعصّب ... 3- المرونة والتسامح . ...)(1)
…فأما سلامة المنزع : فهل يتمثّل ذلك في ردّ النصوص والآثار بالعقول ؟؟ كردّه على ابن القيّم في مسألة الرؤية في قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) ص81 إذ قال : ( وهو كلام يُشدَه منه كل من كان يتمتّع بشئ من العقل الذي لم يتكدّر بتأثير الهوى ، فإنه ظاهر البطلان ، بيّن التناقض ..) ، ويقول أيضاً في أثر جابر بن عبدالله ص149: ( ..وما كان لجابر ـ وهو الصحابي الجليل المتخرّج من مدرسة النبوّة ـ أن يجرؤ على مثل هذا القول ، وإنما هو من افتراءات أهل الأهواء ، وتلفيقات أصحاب الغرور...) وغيرها ، أو بالاستناد على أن السنة النبويّة الصحيحة إن كانت آحاداً فإن العقول لا تتقبّلها ، فيقرّر ذلك في صفحات من كتابه ص63-66 ، 197 . ثم يجيز لنفسه أن يستدلّ بالأحاديث الضعيفة فضلاً عن كونها آحاداً أوصحاحاً .
__________
(1) انظر الحق الدامغ ص7-20 .(1/108)
…وأما عدم تعصّبهم ومرونتهم وتسامحهم : فنسوق هنا قائمة لعباراتٍ جميلة لتلميذه المدعو / سعيد بن مبروك القنوبي يذكرها في مخالفيه من أهل السنة هو أو من نقل عنه ممن ارتضى عنه مقولته ، في كتابه ( السيف الحاد على من أخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد ) . تستحقّ أن ترصّع بالجواهر واللؤلؤ و....
…قال سعيدنا المبارك !: ( النحلة الخاسرة ) ص11 ، 19 ، 23 ، ( المبتدع ) ص26 ، ( أضرّ على الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان ) ص26، ( الظالمون الجاحدون ) ص11 ، ( التجسيم ) ص52 ، ( المجسّم ) ص11 ، ( مجانينهم ) ص11 ، ( اللعين ) ص11 ، ( الحشويّة )(1) ص12 ، 24 ، 23 ، 29 ، 34 ، 94 ، 100 ، ( الحشويّة المتعالمين ) ص100 ، ( عبدٌ أضلّه الله ) ص101 ، 102 ، ( الحشوي المجرم الكذّاب الأفّاك أخزاه الله ) ص82 ، ( الحشوي ) ص104 ، ( إمام كل ضال مضل بعده ) ص105 ، ( إمام الضالين وشيخ المجرمين ) ص105 ، ( المتحذلقين ) ص82 ، ( مجسّمٌ خبيث ) ص13 ، ( كاذب ) ص14 ، ( هذه النحلة ) ص12 ، 14 ، 24 ، ( وجوهكم القبيحة السمجة ) ص24 ، ( المجسّمة ) ص19 ، 94 ، ( غر جهول) ص19 ، ( معاندٌ مخذول ) ص19 ، ( ورثه هذا السجزي من جيرانه عبّاد البقر ) ص16 ، ( الخاسر ) ص16 ، ( تكفير وتبديع هذه الطائفة ) ص22 ، ( الحشويّة الأوباش الرعاع) ص22 ، ( الملحد ) ص23 ، ( قصده الخبيث ) ص23 ، ( تباً له ، وقطع الله دابر كلامه ) ص23 ، ( الملعون ) ص23 ، ( الملحدون ) ص101 ، ( يتلاعب به الهوى) ص102 ، ( مبتدعٌ ضال ومضل جاهل غال ) ص103 ، ( كذاب مخلّط حشوي مشبه مجسم ضال مضل ) ص105 ، ( الكذّاب الوضّاع الضال المجسّم ) .
…هذه بعض عبارات تلميذ (2)المعترض وأشياعه ، لَيدلّك دلالةً قطعيّة على مرونة مذهبهم وتسامحهم مع غيرهم ، فهل من مدّكر ؟!! .
__________
(1) ويقصد بهم ( السلف ) رضوان الله عليهم .
(2) صرّح بأنه تلميذه في نفس السيف ص89 .(1/109)
…3- التفسير بالهوى ، والإغفال عن العزو إلى المصادر المنقول عنها :
…رأيت المعترض يأتي بتفسيراتٍ وتأويلاتٍ غريبة لآياتٍ وأحاديث كثيرة ، لانعرف من سلفه في هذا(1) ؟ والتفسيرات التي يأتي بها هي منطلقةٌ من أصل مذهبه الذي يقضي بخلود مرتكبي الكبائر في النار ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله ؛ أن ينشأ الرجل على اصطلاحٍ حادثٍ ، فيريد أن يفسّر كلام الله بذلك الاصطلاح ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها)(2) .
…ورأيته أيضاً : لا يعزو الكثير من النصوص إلى مصاردها ومراجعها المنقول عنها ، فهو يتعب المتتبّع لكلامه تعباً شديداً فنراه مثلاً يقول : ( قالت الجهميّة كذا) أو ( وذهبت المعتزلة إلى كذا ) ، وينقل أحياناً عن العلماء ثم لا يعزو إلى مصدر النقل عنهم ، فيقول مثلاً : ( وهو مذهب الزمخشري وابن عطية والقرطبي والشوكاني ) ولا ندري من أين هذه النقول ، أو من أيّ مؤلَّفٍ من مؤلّفاتهم ، وفي أيّ جزء من أجزاء كتبهم المبثوثة .
__________
(1) اللهم إلاّ ماكان من المبتدعة الوعيديّة أمثال الزمخشري و القاضي عبدالجبار المعتزليّان ، أو محمد أطفيش الإباضي أو غيرهم من أهل الضلال .
(2) مجموع الفتاوى (12/106-107) .(1/110)
…ألا أيّها المعترض : إن كان هدفك الأساسي هو الدعوة إلى انتحال مذهبك ؛ فإن عليك أولاً أن تشبِع دائرة النقول عن العلماء ، لأن لهم حرمة ، والتدليس عليهم كبير ، والإنسان المنصف لا يروي غليله من أجوبة التساؤلات في الاكتفاء بالنظر إلى كتابك هذا فحسب ؛ بل إن للناس عقولاً تدرك خطورة الموقف ، وهم لا يرضون بأن يتكلّم الإنسان في مسألة مهمّةِ من مسائل العقيدة من غير عزوٍ صحيحٍ إلى قائله ، وليس هذا تكذيباً للمؤلّف ـ أياً كان ـ ، ولكن كما قال الخليل إبراهيم عليه السلام : { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [ البقرة : 260 ] ، وخاصّةً أن العزو الصحيح إلى القائل يوحي بل يؤكّد صحّة كلام كلّ متكلّم في عزوه ، علماً بأننا في هذا العصر ؛ عصر ازدهار المكتبات الإسلامية ؛ قد تعوّد المتصدّرون للتأليف بأن يعزوا كلّ ما ورد في مصنّفاتهم ومؤلّفاتهم من أقوال وآراء ، ليستطيع القارئ أن يراجع بنفسه - إذا سنحت له الفرصة - تلك النقولات كما هو منهج البحث العلمي الحديث كما هو معلوم ومشهور.
…وعمل المعترض هذا قد أوحى إليّ بشئٍ من الشكوك من هذه النقول ، وعند الرجوع إلى تلك الإحالات رأيت الشكّ في محلّه ، فرأيت الكلام المحال إليه دليل عليه لا له ، بل رأيته يتلاعب بنصوص العلماء تلاعب المحترف الحاذق ، فيستخدم أسلوب البتر والقطع كثيراً ، ديدنه ديدن كلّ مبتدعٍ في هذا العصر كالكوثري وحسن السقّاف والصابوني وغيرهم ، وكفى للمرء رداً عليهم ؛ أن يراجع إحالاتهم ؛ فيرى بأم أعينهم العجب العجاب .
…والغريب أن هذا الصنف من المبتدعة ، يُرى في مصنّفاتهم ومؤلّفاتهم الجزم الأكيد لصحّة تلك النقولات والإحالات ، بحيث يغترّ القارئ بذلك الجزم ، فلا يراجع تلك المسائل من أمهاتها المعزوّة ، فيقع في شراكهم من غير دراية ، وقد عاينتُ هذا الصنف من القرّاء ، والله المستعان .
…4- تجاهل نصوص السلف وأدلّتهم في عدم خلود أهل الكبائر في النار .(1/111)
…هناك أدلّة كثيرة على الضدّ من مذهب المعترض لم يتطرّق إلى ذكرها ولا التعرّض لها البتّة ، وإنما اكتفى بالإشارة إليها(1)، وعمله هذا يفقد ثقة طالب العلم به ، وفعله هذا لا يخلو من أحد هذه الأشياء :-
…إما أنه لا يعرف تلك الأدلة الباقية ـ وهذا مستبعد عن مثله ـ .
…وإما أنه يعرفها بأعيانها ، غير أن الهوى والعصبيّة المذهبيّة قد تشربتا في قلبه ، فكتم تلك الأدلة خشية أن يتأثّر المنصف عند إيرادها ، فيكون على معتقد السلف .
…وإما أنه يعرفها أيضاً ، غير أنه لا يجد لها أجوبةً شافية تشدّ من أزر مذهبه ، ولعلّ هذا الأخير هو الأقرب ، فإننا نراه يورد أضعف أدلة مخالفيه ، أو الأدلة الغير الصريحة الدلالة لمقتضى مذهب السلف ، وإيراده لهذه الأدلّة دليل على أنه سبر أدلّة مخالفيه ، فانتقى منها ما استطاع الجواب عليها ، وترك الباقي لعدم إيجاده للجواب ، وفي هذا خطرٌ عظيمٌ كما لا يخفى .
…5- الاعتماد على اللغة ، وإجراؤها على العموم(2)، وإغفال مراد الشارع الحكيم .
__________
(1) انظر ص199 من كتابه إذ قال - لما تكلّم عن الإمام ابن القيّم - : وقد أعرضت عن سرد كلامه ، وتتبّعه بالنقض ، مكتفياً بإيراد هذا الملخص وإتباعه بما ذكرته ، توفيراً للوقت ، وإراحةً للقارئ من مزيد عناء ، في قضيّةٍ أصبحت الآن من المسلّمات عند الأمة ، إذ لم يبق ـ فيما أحسب ـ من يذهب مذهب ابن القيّم في التفرقة بين بقاء النعيم والعذاب على الإطلاق .) ، وهو كلامٌ غريبٌ جداً ، فليته أترى لنا بالحجّة والبرهان في صحّة ما يقول ، وليس الحرّ تكفيه الإشارة هنا .
(2) ولأخينا الفاضل : عدنان بن صفا خان البخاري مبحثٌ قيّم في هذه المسألة ، وقد ضمّنها في ردّه على الخليلي في مسألة الرؤية ، وانظر كتاب ( الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبويّة ) ص13-32 لشيخي الدكتور / محمد بن عمر بازمول .(1/112)
…من خلال استقرائي لبعض استدلالات المعترض لإمضاء مذهبه رأيت أنه لا يفرّق بين الأدلّة من حيث دِلالتها العامّة ، ويجعل اللغة العربيّة حجّةً شرعيّةً مطلقةً ولو على حساب الفهم الخاطئ للشرع ، فهو يحمل ـ مثلاً ـ كل ما ورد في لفظ الخلود : على أن مراده : البقاء الدائم الغير منقطع ، دون تفريقٍ بين بقاء المسلم العاصي والكافر المجرم في النار ، ويجعل جميع آيات وعيد الكفّار للمسلمين العاصين ، وهذا ينبئ عن خللٍ في المنهج، والله المستعان .
…6- التناقض في قواعد الاستدلال والترجيح في القرآن(1).
…نرى المعترض أحياناً يُطَرِّدُ الاستدلال بجميع مدلولات الآية المعيّنة ، ويحتجّ بها على من يخالفه من خلال النظر إلى صدر الآية ووسطها وآخرها ، أو بالنظر إلى صلة الآية بما قبلها وما بعدها ، كلّ ذلك إن كانت الآية دليل له .
__________
(1) وهذه القاعدة داخلة تحت قواعد الترجيح المتعلّقة بسياق الآيات ، انظر : قواعد الترجيح عند المفسّرين (1/125ومابعدها ) للشيخ/ حسين بن علي بن حسين الحربي - رسالة ماجستير - .(1/113)
…ثم نراه ينقض تلك القاعدة - التي اعتمدها - في مكان آخر إن كان هذا الاستدلال يخالف عقيدته ومشربه ، بل ويشنّع على القائلين به ، فتراه ـ مثلاً ـ يقول كما في ص200 في معرض ردّه على القائلين بانقطاع العذاب عند استدلالهم بقوله تعالى : { لاَ بِثِينَ فِيْهَا أَحْقَاباً } [ النبأ : 23 ] فيقول بعد كلامٍ طويل ..: ولكن أنى ذلك وقد اختتم هذا الوعيد بقوله : { فذوقوا فلن نزيدكم إلاّ عذاباً } . ثم نراه عندما اعترض عليه بمثل استدلاله يلجأ إلى الحيدة ولا يطرّد قاعدته التي التزمها سابقاً ، فيقول عند استدلاله بقوله { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ...فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُون} [ البقرة : 275 ] : واعترض بأن هذا الوعيد ليس على أكل الربا بله هو على استحلاله ، بدليل ما جاء في صدرها من حكاية قولهم المعارض لحكم الإسلام في الربا { إنما البيع مثل الربا } [ البقرة 275 ] والمستحل لما حرم الله بالنص القطعي كالربا مشرك بالإجماع ، فلا يعم حكم الخلود مرتكبي الكبائر دون الشرك .
…والجواب أن حمل الوعيد على الاستحلال دون الأكل يهوّن من وقع أوامر الله ....
…وكرر هذا الفعل أيضاً ص218 لما تكلّم عن آية القاتل العمد
…... فهي في الموضع الأول مسبوقة بقوله تعالى ....ثم تلا ذلك قوله سبحانه ..
…وقال أيضاً في نفس الصفحة :
…وأما الموضع الثاني فقد سبقت فيه بقوله تعالى ..
…ومن خلال هذا النقل يتبيّن لك أن المعترض صاحب هوى ، فمتى وافقت الآية ـ ظاهر مذهبه وهيهات ـ ؛ تشبّث بها واستدلّ ، ومتى خالفت عقيدته فإنه يلجأ إلى تأويلات عديدة ويحيد عن الطريق الذي مهّده لنفسه عند الموافقة . وليس هذا في هذه القضيّة فحسب ، بل هناك أيضاً قضيّةٌ أخرى ، مشى على نفس هذا النمط ، ألا وهي قضيّة :
…7- التأويل الفاسد :(1/114)
…فمثلاً نراه يشنّع على المؤوّلين ، ثم يكون هو أوّل الواقعين في حبائله ، إذ نقل عن محمد رشيد رضا تعبيره عن شيخه محمد عبده كما في ص208 :
…قال : ( ...والحق أن القرآن فوق ما كتب المتكلّمون الفقهاء ، يجب إرجاع كل قول في الدين إليه ، ولا يجوز تأويل شئ منه ليوافق كلام الناس ، وما الوعيد بالخلود هنا إلاّ كالوعيد بالخلود في آية القتل العمد....) .
…وهذا يُنبئُنا عن خللٍ عظيمٍ في المناهج التي يسلكها أرباب البدع والضلالات ، وهي : متى ماوافق الدليل مذهبهم لتشبّثوا بها ، متى خالفوهم ، شنّعوا على المتمسّكين بدلالته ، وقالوا : إن التأويل غير جائز في مقابل كلام الله ؟؟
( رمتني القرعى بدائها وانسلّت !! ) .
…8- النقل عن المفسّرين المتأخّرين الموافقين له في مذهبه والعزوف عن المفسّرين المتقدّمين :
…فالمعترض يعتمد كثيراً على تفسير الأستاذ محمد عبده ، وتلميذه محمد رشيد رضا ، صاحب مجلة المنار ، كما ترى النقل عنه هنا .
…وكان الأولى بطالب العلم فضلاً عن العالم الرجوع إلى المصادر الأصليّة في التفسير كتفسير ابن جرير الطبري وابن كثير وغيرهما ، ليكون ارتكازه على أمثالهم أقوى ، والسير على منهجهم وأقوالهم أقوم .
…ونهيب بجميع طلاّب العلم بأن يأخذوا العلم من مصادره الأصليّه ، وأن لايستغنوا عنه بالمصادر الحديثة فإنها كثيراً لاتخلو من مقال - وخاصّةً إذا كان صاحبها صاحب هوى ، ولايعني هذا إبطال الجهود المتأخّرة في تدوين العلم الشريف ، ولكن غاية ما في الأمر أن لايصير أولئك المتأخّرين هم العمدة في كلّ شئ .
……
?ل??ل ?ل??ني
الرد على المعترض في حكمه بكفر مرتكب الكبيرة ( تفصيلاً )
…استهلّ المعترض في رسالته إلى معنى الخلود بأنها موضوعةٌ على الدوام الأبدي ونقل ذلك عن ابن منظور في اللسان فقال ص185:-(1/115)
…قال صاحب اللسان : ( الخلد دوام البقاء في دار لا يخرج منها ، خلد / يَخلد / خُلداً وخلوداً بقي وأقام ، ودار الخلد لبقاء أهلها فيها ، وخلده الله وأخلده تخليداً ، وقد أخلد الله أهل دار الخلد فيها وخلدهم ) .
…ومنه قوله تعالى ( وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد أفإن مِتّ فهم الخالدون ) .
…وكلام صاحب اللسان يدلّ على أن الخلد موضوع لغةً للدوام الأبدي ، وهو مذهب الزمخشري وابن عطيّة والقرطبي والشوكاني من المفسّرين ، وانتصر له أتمّ الانتصار العلاّمة البطاشي رحمة الله تعالى عليه .
…واستعمال الخلود في المكث الطويل ، كقول لبيد في معلّقته :
صماً خوالد ما يبين كلامها
…وقول الأعشى :
لن تزالوا كذلكم ثم لازلـ……ــت لكم خالدا خلود الجبال
محمول عند هؤلاء على التجوّز .
…أقول : والجواب على هذا من وجوه :-
…أولاً : إن نسبة هذا الكلام على ابن منظور صحيح إلاّ أنه مبتورٌ مخلٌ بالمعنى ، وليس مراده ما أراده المعترض ، وبتر الكلام في موضعٍ لا يحتمل البتر تدليس وخيانة ، إذ أن المعترض يريد أن يمضي مذهبه القاضي بخلود مرتكب الكبيرة في النار ، فيستند على أمثال ابن منظور رحمه الله - وهو من العلماء المعتبرين في اللغة - ، والكذب والتلبيس كبيرةٌ من الكبائر كما دلّ على ذلك نصوص الشرع فمابالك بمن كذب على عالم ونسب إليه ما يُفهم منه نقيض مقصوده ، فهل نعامل المعترض بمقتضى مذهبه أم..؟!!
…وأسوق للقارئ تمام عبارة ابن منظور رحمه الله ليرى الأمر بجلاء .
…قال رحمه الله : ( ..وأهل الجنّة خالدون مخلّدون آخر الأبد ، وأخلد الله الجنّة إخلاداً ، وقوله تعالى : { أَيَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَه } [ الهمزة : 3 ] أي يعمل عمل من لا يظنّ مع يساره أنه يموت )(1).
__________
(1) لسان العرب (3/146) ، وانظر تهذيب اللغة للأزهري (7/277) ، ومحيط المحيط (1/575) ، وقطر المحيط (1/561) .(1/116)
…وبهذا يتبيّن لنا أن المعترض قد اكتفى النقل عما أراده ولم يكمل النقل عن ابن منظور ، ولو أتم النقل عنه لبان للقارئ أن ابن منظور تكلّم هنا عن خلود أهل الجنة ، ولم يتطرّق إلى ذكر أهل النار البتّة ، وخلود أهل الجنة في الجنة معلومٌ لدينا لتضافر الأدلّة على ذلك ، أمّا خلود أهل الكبائر في النار ، فإنه محل النزاع بيننا وبينهم .
…ثانياً : إن مجرّد التأمّل لقول ابن منظور رحمه الله ، وهو قوله : ( ..لبقاء أهلها فيها ) ، يظهر بجلاء من أن الضمير هنا راجع إلى مطلق الآخرة ، لا إلى النار وحدها ، وإن كان المعترض لم يتعرّض إلى ذكر هذه النقطة ، إلاّ أنّ التعمية في هذا الموضع لاتُحتمل، لأن ذلك يوهم القرّاء أن ابن منظور يقصد ما قصده المعترض من إثبات خلود أهل الكبائر في النار ، وذلك لتصديره إيّاه في أوّل مباحثه .
…ثالثاً : لفظ ( الخلد ) يأتي لمعانٍ عدّةٍ منها : ( الخوالد ) وهي الأثافي في مواضعها ، والخوالد : الجبال والحجارة والصخور (1)، وقال الأزهري رحمه الله : ( قال الليث : ( الخلود ) : البقاء في دارٍ لا يخرج منها ، والفعل : خلَد يخلُد ، قال وأهل الجنة خالدون مخلّدون آخر الأبد ، وأخلد الله أهل الجنة إخلاداً ، والخلد : اسمٌ من أسماء الجنان ، وأخلد فلانٌ إلى كذا وكذا : أي ركن إليه ورضي به .
…وقال الفراء في قوله تعالى : { ولكنه أخلد إلى الأرض واتّبع هواه } [ الأعراف : 176 ] : أي ركن إليها وسكن ، قال : ويُقال : خلد إلى الأرض - بغير ألف - وهي قليلة )(2).
…وقال ابن فارسٍ رحمه الله : الخاء واللام والدال أصلٌ واحدٌ يدل على الثبات والملازمة ، فيقال : خلَد : أقام ، وأخلَد أيضاً ، ومنه جنة الخلد ، قال ابن أحمر :
خلد الحبيب وباد حاضرُه……إلا منازل كلُّها قفْرُ
__________
(1) انظر المصادر السابقة .
(2) تهذيب اللغة (7/277) ، وانظر الاشتقاق لابن دريد ص162 .(1/117)
…ويقولون رجل مُخْلدٌ ومُخْلِد ، إذا أبطأ عنه المشيب ، وهو من الباب ، لأن الشباب قد لازمه ولازم هو الشباب ، ويُقال : أخلد إلى الأرض إذا لصق بها .
…قال الله تعالى : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ } ، فأمّا قوله تعالى : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مخَلَّدُونَ } ، فهو من الخُلد ، وهو البقاء ، أي لا يموتون . وقال آخرون : من الخِلَد ، والخِلَدُ : جمع خَلِدَة ، وهي القرط ، فقوله : { مُخَلّدُون } أي مقرّطون مشنَّفون ، قال :
ومخلّداتٍ باللُّجَينِ كأنّما……أعجازُهُنَّ أقاوزُ الكُثْبانِ
…والخَلَد : البال ، وسمّي بذلك لأنه مستقرٌّ في القلب ثابت ) اهـ(1).
…فهذه أقوال أئمة اللغة في معنى الخلد ، فهل نحصر لفظ الخلد بأنه لأهل النار فقط؟؟ وبأن من دخل فيها لا يخرج منها أبداً ؟؟ أليس هذا هو عين التحكّم في اللغة .
…وقد أعياني المعترض في الرجوع إلى المراجع التي نقل منها عن الأئمة في معنى الخلود ، إذ استند على الزمخشري والقرطبي وابن عطيّة والشوكاني .
…ويظهر لنا أن المعترض لم يتطرّق أبداً في نقله هذا عن الآيات التي تكلّم عليها العلماء المشار إليهم وأثبتوا فيها أن الخلد لا يأتي إلاّ على معنى الدوام الأبدي ، فلو أنّ المعترض أبدى لنا الآيات التي نقلها عن هؤلاء لظهر لنا ما كان خافياً وراء الستار .
…ثم يتمّ المعترض كلامه عن مدلول لفظ ( الخلد ) فيذكر المذهب الثاني فيه فيقول :
__________
(1) معجم مقاييس اللغة (2/207-208) .(1/118)
…وذهب الفخر الرازي وأبو حيّان وأبو السعود وقطب الأئمة إلى أنه موضوع للمكث الطويل ، مع قطع النظر عن دوامه أو انقطاعه ، فهو عند هؤلاء من باب المشترك الذي يتعيّن ما يراد به بالقرينة الدالّة عليه ، وجعل هؤلاء دوام الثواب والعقاب بالدلائل الأخرى من الكتاب والسنة غير لفظة الخلود ، كاقترانه بالأبد في قوله تعالى - في الذين آمنوا وعملوا الصالحات : { جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍِ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فيهَا أَبَداً } [ الجن : 23 ] ، وما يستفاد من الأحاديث الصحيحة الصريحة في خلود أهل الدارين فيهما ، وإجماع الأمّة - إلاّ من لايُعتدّ به - على عدم فنائهما .
…وهؤلاء نظروا إلى إطلاق الخلود على المكث المنقطع في كلام العرب كبيتي لبيد والأعشى ، وأن الحقيقة هي الأصل في الاستعمال .
…وقول هؤلاء هو الموافق للصواب الذي دلّ عليه النصوص
…قوله : ( إلاّ من لا يُعتدّ به ) مجملٌ يدخل فيه الجهميّة القائلين بفناء الجنّة والنار ، كما أنه يدخل فيه أيضاً ما نُسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم رحمهما الله في القول بفناء النار دون الجنّة .(1/119)
…أما الجهميّة القائلين بفناء الجنة والنار ، فإنّه بناءٌ على أصلهم الذي اعتقدوه وهو : امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث ، (( فرأى الجهم : أن ما يمنع من وجود ما لايتناهى بمنعه في المستقبل، كما يمنعه في الماضي ، فيلزم أن يكون الفعل الدائم ممتنعاً على الربّ في المستقبل كما كان ممتنعاً عليه في الماضي ، وأبو الهذيل العلاّف وافقه على هذا الأصل ، لكن قال : هذا إنما يقتضي فناء الحركات ، فقال : إنه تفنى حركات أهل الجنة والنار ، حتى يبقوا في سكون دائمٍ لايقدر أحد منهم على حركة ))(1)وقد ردّ عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض كتبه(2)، وكذا تلميذه ابن القيّم(3).
…والقول في ضلال الجهميّة في هذه المسألة وغيرها تكاد أن تكون محلّ اتّفاق ، لكن الكلام عن المذهب الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم رحمهما الله في فناء النار هو أهم ، إذ يلِجُ من خلاله بعض أهل البدع أمثال المعترض ، فيجدون لأنفسهم مستساغاً في الطعن على ابن تيمية وابن القيّم ، بينما لم يتعرّض المنصفون من العلماء بالتنقيص لهما لأجل هذا الخطأ الواقع - في نظرهم - ، وإنما كانت مناقشتهم لهما مناقشةً هادئةً تُنبئ عن مبدأ مفهوم الخطأ والنسيان الواقع في بني البشر .
__________
(1) الردّ على القائلين بفناء الجنة والنار لشيخ الإسلام ابن تيمية ، تحقيق الدكتور السمهري ص44 .
(2) انظر مثلاً المرجع السابق ، ومنهاج السنة (1/ 146-148 ، 157 ، 158 ، 160-161 ) .
(3) انظر مثلاً : النونيّة ص .(1/120)
…وقد ظنّ بعض المعاصرين(1) أنّ هذا القول - أعني القول بفناء النار - مكذوباً على ابن تيمية ، وجمعوا في ذلك نصوصاً عن ابن تيمية في الردّ على الجهميّة القائلين بفناء الجنة والنار ، ولم يفرّق المشار إليهم بين القول : بفناء الجنة والنار - الذي هو قول الجهميّة - ، وبين القول : بفناء النار دون الجنّة - وهو قول ابن تيمية وابن القيّم - .
…والكلام في آيتي الأنعام : ( 128 ) ، وهود : ( 107 ) كلامٌ يطول ، ولعلّ أقرب الأجوبة في هذا هي الوقوف على قوله تعالى : { إن ربّك فعّالٌ لما يُريد } ، والله أعلم(2).
…ثم قال :
…وتعقّبهم العلاّمة البطاشي بقوله : ( كما أخذت العرب من الخلد قولهم للأحجار ( خوالد ) فقد أخذوا من الأبد قولهم للوحوش ( أوابد ) [[ رسالة في الخلود للشيخ العلاّمة ! سلطان بن محمد البطاشي مدرجة في تمهيد قواعد الإيمان ج2 ، ص19 ط1 ..وزارة التراث القومي والثقافة الإسلامية ]] .
…وحمل العلاّمة البطاشي ما جاء في الشعر العربي من إطلاق وصف الخلود على الجمادات ذات العمر المديد ، على عقيدة الجاهلية في اعتقاد عدم فناء الكون ، واستدل له بقول زهير بن أبي سلمى :
ألا لا أرى على الحوادث باقيا……ولاخالداً إلاّ الجبال الرواسيا
…قال : (( فلو لم يكن مراده من الخلود معنى الدوام لما غالى حتى أشركها في الدوام مع الله سبحانه ، بخلاف القول بالتأبيد ؛ فإن انقطاعه بالإضافة إلى الدنيا ليس عنه محيد ))
…وبحسب هذا المفهوم - وهو الدوام الأبدي - كان اختلاف الأمة في خلود المجرمين في النار كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
__________
(1) انظر رسالة كشف الأستار لإبطال ادّعاء فناء النار للدكتور / علي الحربي ، وتعليق الشيخ ابن قاسم على بيان تلبيس الجهميّة (1/157) .
(2) وفي جامعة أم القرى رسالة بعنوان ( الجنة والنار والآراء فيهما ) لفيصل بن عبدالله ، رقد رجّح فيها مذهب ابن القيّم رحمه الله ص228 ، ولعلّ الأقرب للصواب ما أثبتُه .(1/121)
…من أين للبطاشي أن المشركين كانوا يعتقدون أن الكون لا تفنى؟! ومن أين له بقاء الجبال عندهم ، وهم يرون أنهم ينقلون منها الحجارة ، وربّما علم بعضهم بالبراكين والاهتزازات الأرضيّة التي تزيلها من أماكنها ، واستدلاله بهذا الشعر قاصر غير كافٍ .
…ثم عرّف المعترض الكبائر فقال ص187 :
…وأما الكبائر فهي جمع كبيرة ، وهي كل ما عظم من المعصية ، فترتّب على ارتكابها وعيد في القرآن أو السنة الصحيحة ، سواء شرع لها حد في الدنيا كالزنا والسرقة وقذف المحصنات ، أم لم يشرع كأكل الربا والميتة والدم ولحم الخنزير .
…تعريف المعترض للكبائر فيه قصور ، فقوله : ( كل ما عظم من المعصية ) ما ضابط هذه العظمة ، فلربّما عظمت المعصية عن رجلٍ من الناس ، وهي عن آخر لا تعدو أن تكون صغيرةً من الصغائر .
…وقد ذكر شيخ الإسلام التعريف الصحيح للكبائر ، وأطال النفس في تقريره وتصحيحه ، إذ قال رحمه الله : ( أمثل الأقوال في هذه المسألة القول المأثور عن ابن عباس ، وذكره أبو عبيد ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما ، وهو : أن الصغيرة مادون الحدين : حدّ الدنيا ، وحدّ الآخرة ، وهو معنى قول من قال : ماليس فيها حد في الدنيا ، وهو معنى قول القائل : كلّ ذنبٍ ختم بلعنةٍ ، أو غضبٍ ، أو نارٍ ، فهو من الكبائر .
…ومعنى قول القائل : وليس فيها حد في الدنيا ، ولا وعيدٌ في الآخرة ، أي ( وعيدٌ خاص ) كالوعيد بالنار ، والغضب ، واللعنة ، وذلك لأن الوعيد الخاص في الآخرة ، كالعقوبة الخاصّة في الدنيا ، فكما أنه يفرق في العقوبات المشروعة للناس بين العقوبات التي ليست بمقدرة ، وهي التعزير ، فكذلك يفرق في العقوبات التي يعزر الله بها العباد - في غير أمر العباد بها - بين العقوبات المقدرة : كالغضب ، واللعنة ، والنار ، وبين العقوبات المطلقة .(1/122)
…وهذا الضابط يسلم من القوادح الواردة على غيره ؛ فإنه يدخل كلّ ما ثبت في النص أنه كبيرة : كالشرك ، والقتل ، والزنا ....)(1).
…أما قوله : ( سواء شرع لها حد في الدنيا كالزنا والسرقة وقذف المحصنات ..) .
…فالجواب عليه بأن يقال :
…إن الحدود التي شرعها الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة ولغيرها من الأمم لم تكن هكذا لا بسببٍ وحكمةٍ .
…فعند التأمّل إلى الحكمة من مشروعيّتها ؛ نجد أنها تدرأ الكثير من المفاسد الواقعة في المجتمعات والدُول الإسلامية التي تقيم حدود الشرع - على قلّتها - ، إذ أنها تجعل الذي يهمّ بالسرقة يتوقّف عن السرقة ، وتجعل الذي يهمّ بالزنا يُحجم عن زناه ....وهلمّ جراً .
…لذلك شرع الله القصاص وبيّن الحكمة منها فقال عزّ شأنه : { وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُم تَتَّقُون } [ البقرة : 179 ] .
…قال الحافظ ابن كثير في معناها : (.. وفي شرع القصاص لكم ، وهو قتل القاتل ، حكمةٌ عظيمة وهي بقاء المُهَج وصونها ، لأنه إذا علم القاتل أنه يُقتل انكفّ عن صنيعه ، فكان في ذلك حياة للنفوس - إلى أن قال - قال أبو العالية : جعل الله القصاص حياة ، فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه مخافة أن يُقتل ، وكذا رُوي عن مجاهد وسعيد بن جبير وأبي مالك والحسن وقتادة والربيع بن أنس ومقاتل بن حيّان )(2)
__________
(1) مجموع الفتاوى (650-651) .
(2) تفسير القرآن العظيم (1/314-315) .(1/123)
…أيضاً من النقاط الأساسيّة في مشروعيّة الحدود ؛ أنها تكفّر ذنب مقترف الكبيرة لأدلّةٍ كثيرةٍ منها حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وحوله عصابةٌ من أصحابه : ( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شئاً ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتانٍ تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولاتعصوا في معروفٍ ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شئاً فعوقب في الدنيا فهو كفّارةٌ له ، ومن أصاب من ذلك شئاً ثم ستره الله فهو إلى الله ، إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه ) ، فبايعناه على ذلك .(1)بل إن الإمام البخاري رحمه الله بوّب في صحيحه في كتاب الحدود : (( باب : الحدود كفّارة )) .
…وقال - صلى الله عليه وسلم - في ماعز الذي اعترف بالزنا وأُقيم عليه الحدّ : ( لقد تاب توبةً لوقُسمت بين أمةٍ لوسعتهم )(2)، وقال أيضاً في الغامديّة المعترفة بالزنا حينما سبّها خالد عند رجمها : ( مهلاً يا خالد ، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبةً لو تابها صاحب مكسٍ (3)
__________
(1) رواه البخاري رقم (18 ، 3892 ، 3999 ، 4894 ، 6784 ، 6801 ، 6783 ، 7055 ، 7199 ، 7213 ، 7468 ) .
(2) رواه مسلم (11/200نووي )
(3) قال ابن فارسٍ في معجمه (5/345-346) : ( كلمةٌ تدلّ على جَبْيِ مالٍ وانتقاصٍ من الشئ ، ومكَس ، إذا جبى ، والمكس الجباية قال زهير :……وفي كلِّ أسواقِ العراقِ إِتاوةٌ ……وفي كلِّ ما باعَ امرؤٌ مكسُ دِرهم ) اهـ .
وقال النووي رحمه الله تعليقاً على الحديث : ( ..فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات ، لكثرة مطالبات الناس له ،وظلاماتهم عنده ، وتكرر ذلك منه ، وانتهاكه للناس ، وأخذ أموالهم بغير حقّها ، وصرفها في غير وجهها ) اهـ .(1/124)
لغُفر له ) وفي رواية : ( لقد تابت توبةً لو قُسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت توبةً أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى )(1).
…فقوله : ( سواءٌ شرع له حدٌ ) قلنا : لم إذن شُرعت هذه الحدود ؟؟ ، أهي دليلٌ على تكفير مرتكب الكبائر ؟؟ ، أم أن هذه الحدود دليلٌ على تكفير الذنب الذي اقترفه هذا المقترف كما سبق بيان ذلك من نصوص ؟؟.
…ولو كانت الكبائر ( كفراً ) لأقمنا على مرتكبه حدّ الردّة ، وليس حدّ الكبيرة .
…فإن أثبتَ للعاصي حداً في الدنيا لزمه ما قلناه ، ولزمه أيضاً ترك الاعتقاد بخلود مرتكبي الكبائر في النار ، وإلاّ فعليه أن ينفي الحدود أصلاً وفصلاً ، فيكون بذلك قد كذّب نصوص الكتاب والسنة التي أثبتتها . …
فصل…
…عقد المعترض الفصل الأول ، وذكر فيه ملخّص اختلاف الناس في خلود الجنة والنار ، وتعرّض فيه على الإمام ابن القيّم رحمه الله ، وزعم فيه بأنه موافق للجهميّة ، وقد سبق لنا الكلام على هذه النقطة(2)، وكلامه على الإمام شمس الدين ابن القيّم رحمه الله دليلٌ على تناقضه لقوله ص227 :
…وقد ضربت صفحاً عن الإشارة إلى بعض هؤلاء بالأسماء أو الكنى حرصاً على السلامة من مزالق القول ، وصوناً لأعراض المسلمين ، وحفاظاً على حرماتهم .
__________
(1) رواه مسلم (11/202 ، 203 ) .
وليس للمعترض متمسّك في الحديثين الأخيرين الذين أثبتت التوبة لماعزٍ والغامديّة ، فالمعترض يرى أن التوبة من الأسباب التي تمنع من إنفاذ الوعيد ، وليس هذا نطاق خلافٍ بيننا وبينه ، ولكن الشاهد الذي أقصدُه من الحديثين أنه قد أُقيم حدّ الزنا عليهما ... .
(2) انظر ص111 .(1/125)
…وإنني لأبرأ من إقرار ما نُسب إليهم ، فإن من مبادئنا احترام حرمات جميع المسلمين ، خواصهم وعوامهم ، فضلاً عن علمائهم الذين زادهم الله حرمة العلم مع حرمة الإسلام ، ولكنني أقول : إن نفس الاجتراء على نسبة هذه السفاسف إلى أعلام الأمة إجرام لا يستهان به في حقها وحقّهم ، لم ينشأ إلاّ من الاستخفاف بأوامر الله الناتج عن الاستخفاف بوعيده الذي يتمثّل في دعوى أن الموحّد لا يعذّب ، وإن عُذّب لم يخلّد في العذاب .
…وكلامه هذا يدلّك دلالةً قطعيّة على أن حقيقة المبتدع لا تخفى على ذي بصيرة ، ولا بدّ أن يظهر منه ما يدلّ على حاله ، وخبايا نفسه من فلتات لسانه وبنانه .
…قال الإمام أبو عمرو الأوزاعي رحمه الله : ( من ستر عنّا بدعته ، لم تخفَ علينا أُلْفَتُه )(1).
…والخليلي يريد أن يبرّر موقفه هذا بادّعاء الغيرة على مسألة عدم خلود أهل الكبائر في النار .
…ثم على التسليم بما قال ـ وهيهات ـ فهل نخرج الإمام ابن القيّم عن دائرة السلفيّة ؟! لأجل هذا الخطأ .
…وقد تشرّف المعترض بموافقة المعتزلة والخوارج لمذهبه الإباضيّة ، فقال ص191:-
…وعقيدتنا معشر الإباضيّة أن كل من دخل النار من عصاة الموحّدين والمشركين مخلّدون فيها إلى غير أمد ، كما أن من دخل الجنة من عباد الله الأبرار لا يخرجون منها ، إذا الداران دار خلود ، ووافقنا على ذلك المعتزلة والخوارج على اختلاف طوائفهم ، وإنما خالفنا الخوارج من حيث إنهم يحكمون على كل معصيةٍ تؤدي إلى العذاب بالشرك المخرج من الملّة ، فخالفوا بذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة .
…وبئست الموافقة والمواطئة .
…وأما قوله : ( إذ الداران دار خلود ) نعم ، ذاتهما على الراجح من أقوال أهل العلم ، بخلاف أهل الكبائر فإنهم لا يخلّدون في النار بمقتضى نصوص الشرع .
__________
(1) رواه ابن بطّة في الإبانة رقم (420) .(1/126)
…وقوله : ( وإنما خالفنا الخوارج من حيث إنهم يحكمون على كل معصية ...بالشرك ) ، محاولة يائسة لإخراج مذهب الإباضية من مذهب الخوارج ، وقد تقدّم الكلام على هذه القضيّة في الفصل الثاني من الباب الأول ، فلتراجع .
…وعلى التسليم بإخراج أنفسهم من مذهب الخوارج ، فإن النتيجة واحدة والمآل واحد ، وهو : خلود أهل الكبائر في النار ، والخلاف بينهما لفظي لا جوهري في أحكام الآخرة ، بل إن مذهب الإباضيّة يقارب مذهب المعتزلة ؛ فالمعتزلة تقول في مرتكب الكبيرة : بأنه في منزلةٍ بين المنزلتين ، وهو في الآخرة في النار خالداً مخلداً .
…أما الخوارج فإنهم يحكمون ، بإنه مخلّدٌ في النار ، وأنه كافرٌ بكبيرته ، وهؤلاء من طرف .
…وذلك بخلاف قول المرجئة فإنهم يقولون بأنه مؤمنٌ كامل الإيمان ، وهؤلاء من طرفٍ آخر .
…قال ابن أبي العزّ رحمه الله : ( وإذا اجتمعت نصوص الوعد التي استدلّت بها المرجئة ، ونصوص الوعيد التي استدلّت بها الخوارج والمعتزلة : تبيّن لك فساد القولين ، ولا فائدة في كلام هؤلاء سوى أنك تستفيد من كلام كل طائفة فسادَ مذهب الطائفة الأخرى )(1).
…وكلامه جامعٌ ومتين لمن تأمّل ، بل ويمكن أن نعتبره قاعدة عظمى لطالب العلم في مواجهة أهل البدع والأهواء .
…وأمّا حُكم السلف على مرتكب الكبائر فهو : أنه مؤمنٌ بإيمانه ، فاسقٌ بكبيرته ، وأنه داخل تحت مشئة الله تعالى ، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له ، وقد تقدّم الكلام عليه، وسيأتي المزيد إن شاء الله.
…ثم إننا (( إذا تأمّلنا مذهب الخوارج في هذا الباب ، وجدنا أنه يرتكز على أربعة أسس ، كل أساس يقوم عليه ما بعده وهي :
…أولاً : أن الإيمان هو فعل الواجبات وترك المحرّمات ، وهو شئ واحد لا يقبل التجزئة ، فمتى بطل بعضه بطل كلّه كسائر المركّبات ، ولذلك لايمكن أن يجتمع في حقّ معيّن سبب العذاب والثواب معاً .
__________
(1) شرح العقيدة الطحاويّة ص322 .(1/127)
…ثانياً : أن مرتكب الكبيرة كافرٌ كفراً أكبر ، لأن الكبائر لا تجامع الإيمان أبداً ، بل تنافيه وتفسده كما يفسد الأكلُ والشربُ الصيامَ .
…ثالثاً : أن مرتكب الكبيرة غير التائب لا بدّ أن يدخل النار إذ يستحيل أن يمتنع إنفاذ وعيده بغير مانع التوبة .
…رابعاً : أن مرتكب الكبيرة إذا دخل النار فلابدّ أن يخلد فيها ؛ لأن العقوبة تستحقّ على طريق الدوام .
…أما المذهب المعتزلي في هذا الباب : فإنه يرتكز على نفس الأسس تقريباً ، والفرق بين المذهبين من وجهين :
…الأول : من ناحية الاسم ، فإن الخوارج يسمّون مرتكب الكبيرة كافراً ، والمعتزلة لا يسمّونه كافراً ولا مؤمناً ، وإنما يسمّونه فاسقاً .
…الثاني : من ناحية الحكم ، فإن الخوارج يجرون على مرتكب الكبيرة أحكام الكفّار الدنيويّة والأخرويّة ، والمعتزلة يعاملونه معاملة المسلمين في الدنيا ، ويرون أن عذابه الأخروي ، وإن كان دائماً ، إلاّ أنه أخفّ من عذاب الكفّار ))(1)، وقد تقدّم الردّ على هذه الأسس ، في بداية هذا الفصل .
…وتكلّم أيضاً في هذا الفصل عن مذهب الأشعريّة فقال في ص191 أيضاً :-
…وذهب الأشعريّة ، ومن حذا حذوهم من الطوائف المنتسبة إلى السنة ، إلى خلود الدارين ، وعدم انقطاع ثواب الأبرار ، وعذاب غير الموحّدين من الفجّار. أما الموحّدون ، فقالوا : إنهم يعذّبون إلى أمد ثم يخرجون من النار ، ويدخلون الجنة فيتنعّمون ويخلدون فيها مع الأبرار …
…كلام المعترض صحيح مجملاً (2)إلاّ أنه ينبغي يُعرف أن بعض الأشعريّة ، منهم الباقلاني ؛ وهو من كبار الأشعريّة متوقّف في المسألة ، حيث جوّز أن لا يدخل النار أحدٌ من أهل التوحيد .
__________
(1) موانع إنفاذ الوعيد للدكتور / عيسى بن عبدالله بن سعدي ص192-193 مضروبة على الآلة الكاتبة بجامعة أم القرى .
(2) انظر الإيمان لابن تيمية ص338 بتخريج الشيخ الألباني .(1/128)
…قال شيخ الإسلام بان تيمية رحمه الله : ( ...وفيه ردٌ على من يقول : يجوز أن لا يدخل الله من أهل التوحيد أحداً النار . كما يقوله طائفةٌ من المرجئة الشيعة ، ومرجئة أهل الكلام المنتسبين إلى السنة - وهم الواقفة من أصحاب أبي الحسن وغيرهم كالقاضي أبي بكر وغيره ) (1) وقولهم هذا مخالف لما عليه سلف الأمّة كما سبق بيانه في الباب الثاني .
…وينبغي أن يُعرف أيضاً أن ماذهب إليه عامّة الأشعريّة هو نفس ما ذهب إليه السلف في مسألة الكبائر ، وهو مقصد قوله :-
…ومن حذا حذوهم من الطوائف المنتسبة إلى السنة
…وانظر ـ يارعاك الله ـ إلى استهتار المعترض وتوهينه بالسلف ؛ فزعم ـ وهو غير صادق ـ : إنهم لاحول لهم إلاّ أنهم ينتسبون إلى السنة ، وهذا من التنابز بالألقاب كما لا يخفى على كلّ صاحب بصيرة .
…بل إننا نقول : إن الانتساب إلى السنة شرفٌ لكلّ إنسان ، وسبق أن قلت : إن الطائفة المنصورة والفرقة الناجية هي في غربةٍ من أمرها ، وذلك بإخبار الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - ، وياليت شعري : وهل ضلّت الأمّة إلاّ بسبب ابتعادها عن السنة النبويّة .
فصل …
…أما الفصل الثاني الذي عنونه بأدلّة القائلين بانقطاع العذاب ص192 ؛ فإنه لم يأت بأدلّةٍ لأهل السنة القائلين بانقطاع العذاب في أوّله ، بل أتى بأدلّة الجهمية ، وأهل السنة متفقون على أن قول الجهم قولٌ مخالفٌ للكتاب والسنة والإجماع ، وإن كان لأهل السنة من قال بفناء النار ، فإن منتزعه ليس كمنتزع الجهم القائل بفناء النار ، وقد سبق الكلام على هذا (2).
…وقد وافق المعترض اليهود في مسألة إنكاره التناسخ في الأخبار لعلّة : أن الله تعالى لا تبدو له البدوات فقال ص194 :
__________
(1) مجموع الفتاوى (16/196) ، وانظر التسعينيّة ص269-270 ، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/1374) .
(2) ص117-118 .(1/129)
…والتناسخ في أخبار الشارع لا يجوز بحال ، لأنه سبحانه لا تبدو له البدوات ولا يجهل شيئاً مما يكون ولا يوحي إلا بالصدق .
…والمعترض لم يختلف معنا في التقرير ، لكنه من ناحية العلّة في نفي التناسخ في الأخبار ، قد خالف أهل السنة ، ووافق اليهود في استلزام البداءة .
…وقد اختلف الناس في جواز النسخ وعدمه على مذاهب أربعة :
…المذهب الأول : اليهود - عليهم لعائن الله - : فهم ينكرونه لأنه يستلزم - في زعمهم - البداء ، وهو الظهور بعد الخفاء (1)، وهم يعنون بذلك : أن النسخ إما أن يكون لغير حكمةٍ ، وهذا عبث محال على الله ، وإما أن يكون لحكمة ظهرت ، ولم تكن ظاهرةً من قبل ، وهذا يستلزم البداء وسبق الجهل ، وهو محال على الله تعالى .
…واستدلالهم هذا فاسد ؛ لأن كلاً من حكمة الناسخ وحكمة المنسوخ معلومٌ لله تعالى من قبل ، فلم يتجدد علمه بها ، وهو سبحانه ينقل العباد من حكم إلى حكم لمصلحةٍ معلومةٍ له من قبل ، بمقتضى حكمته وتصرّفه المطلق في ملكه .
…ثم إن اليهود أنفسهم يعترفون بأن شريعة موسى عليه السلام ناسخة لما قبلها ، وجاء في نصوص التوراة النسخ ؛ كتحريم كثير من الحيوان على بني إسرائيل بعد حلّه كما قال تعالى : { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلى نَفْسِهِ} [ آل عمران : 93 ] ، وكما قال أيضاً : { وَعَلى الذِينَ هَادُوا حرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُر } [ الأنعام : 146 ] .
…وثبت في التوراة : أن آدم عليه السلام كان يزوّج من الأخت ، وقد حرّم الله ذلك على موسى ، وأن موسى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا من عبد منهم العجل ، ثم أمرهم برفع السيف عنهم(2).
__________
(1) سيأتي بعد قليل معنى البداء والرد على المعترض فيها .
(2) انظر تفسير الحافظ ابن كثير لقوله تعالى : { ما ننسخ من آية ..} (1/225-226) وإرشاد الفحول (2/75-76) .(1/130)
…وقد وافقهم على ذلك المعتزلة إذ قالوا في تعريف النسخ (( خطاب الدال على أن مثل الحكم الثابت بالنصّ المتقدّم زائل على وجه لولاه لكان ثابتاً ، ولا يصحّ لأن حقيقة النسخ : الرفع ، وقد أحلّوا الحدّ عنه .
…واستندوا في ذلك على أوجهٍ خمسة :
…أحدها : أنه لا يخلو إما أن يكون رفعاً لثابت ، أو لما لا ثبات له ، فالثابت لا يمكن رفعه ، وما لا ثبات له لا حاجة إلى رفعه .
…الثاني : أن خطاب الله تعالى قديم فلا يمكن رفعه .
…الثالث : أن الله تعالى إنما أثبته لحسنه فالنهي يؤدّي إلى أن ينقلب الحسن قبيحاً.
…الرابع : أن ما أمر به ، إن أراد وجوده كيف يَنْهى عنه حتى يصير غير مراد .
…الخامس : أنه يدل على البداء فإنه يدلّ على أنه بدا له مما كان حكم به وندم عليه ، وهذا محال في حقّ الله تعالى .
…والردّ عليهم من وجوه :
…أما الأول : ففاسد ، فإنا نقول : بل هو رفع لحكم ثابت لولاه لبقي ثابتاً كالكسر من المكسور والفسخ في العقود ، لو قال قائل : إن الكسر إما أن يردّ على معدوم أو موجود فالمعدوم لا حاجة إلى اعدامه ، والموجود لا ينكسر كان غير صحيح لأن معناه أن له من استحكام البنية ما يبقى لولا الكسر ، وندرك تفرقته بين كسره ، وبين انكساره بنفسه لتناهي الخلل فيه كما ندرك تفرقته بين فسخ الإجارة وبين زوال حكمها لانقضاء مدّتها ، وبهذا فارقَ التخصيص النسخ ، فإن التخصيص يدلّ على أنه أريد باللفظ البعض .
…وأما الثاني : فإنه إنما يراد بالنسخ رفع تعلّق الخطاب بالمكلّف كما يزول تعلّقه لطريان العجز والجنون ، ويعود بعود القدرة والعقل والخطاب في نفسه لا يتغيّر .
…وأما الثالث : فينبني على التحسين والتقبيح في العقل ، وهو باطل ، وقد قيل : إن الشيئ يكون حسناً في حالةٍ ، وقبيحاً في أخرى ، لكن لا يصحّ هذا العذر بجواز النسخ قبل دخول الوقت فيكون قد نهى عما أمر به في وقت واحد .
…والرابع : ينبني على أن الأمر مشروط بالإرادة وهو غير صحيح .(1/131)
…وأما الخامس : ففاسد ، فإنهم إن أرادوا أن الله تعالى أباح ما حرّم ونهى عما أمر به فهو جائز يمحو الله ما يشاء ويُثبت ، ولا تناقض كما أباح الأكل ليلاً ، وحرمه نهاراً ، وإن أرادوا أنه انكشف له ما لم يكن عالماً به فلا يلزم من النسخ ، فإن الله تعالى يعلم أنه يأمرهم بأمر مطلق ويديم عليهم التكليف إلى وقت معلوم يقطع فيه التكليف بالنسخ .
…فإن قيل : فَهُم مأمورون به في علم الله تعالى إلى وقت النسخ أو أبداً ؟
…إن قلتم : إلى وقت النسخ ؛ فهو بيان مدّة العبادة ، وإن قلتم : أبداً ؛ فقد تغيّر علمه ومعلومه .
…قلنا : بل هم مأمورون في علمه إلى وقت النسخ الذي هو قطع الحكم المطلق الذي لولاه لدام الحكم ، كما يعلم الله البيع المطلق مفيداً لحكمه إلى أن ينقطع بالفسخ ولا يعلمه في نفسه قاصراً ، ويعلم أن الفسخ سيكون ، فينقطع الحكم به لا لقصوره في نفسه )).(1)
…المذهب الثاني : الروافض : وهؤلاء غلوا في إثبات النسخ وتوسّعوا فيه ، وأجازوا البداء على الله تعالى ، فهم مع اليهود على طرفي نقيض ، واستدلّوا على ذلك بأقوال نسبوها إلى عليّ - رضي الله عنه - زوراً وبُهتاناً ، وبقوله تعالى : { يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِت } [ الرعد : 39 ] على معنى أنه يظهر له المحو والإثبات .
…وذلك إغراقٌ في الضلال ، وتحريف للقرآن ، فإن معنى الآية ينسخ الله ما يستصوب نسخه ، ويُثبت بدله ما يرى المصلحة في إثباته ، وكلٌ من المحو والإثبات موجود في كثير من الحالات ، كمحو السيئات بالحسنات : { إِنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } [ هود : 114 ] ، ومحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة ، وإثبات إيمانهم وطاعتهم ، ولا يلزم من ذلك الظهور بعد الخفاء ، بل يفعل الله هذا مع علمه به قبل كونه .
__________
(1) روضة الناظر ص67-68 بتصرّف ، وانظر المستصفى للغزالي (1/108-110) .(1/132)
…المذهب الثالث : أبو مسلم الأصفهاني(1): وهو يجوّز النسخ عقلاً ، ويمنع وقوعه شرعاً ، وقيل : يمنعه في القرآن خاصّة محتجاً بقوله تعالى : { لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد } [ فصّلت : 42 ] .
…ورُدّ عليه بأن معنى الآية أن القرآن لم يتقدّمه ما يبطله من الكتب ، ولا يأتي بعده ما يبطله .
…المذهب الرابع : جمهور علماء السنة : على جواز النسخ عقلاً ووقوعه شرعاً لأدلّة كثيرة منها :
…1- لأن أفعال الله لا تعلّل بالأغراض ، فله أن يأمر بالشيئ في وقت ، وينسخه بالنهي عه في وقت ، وهو أعلم بمصالح العباد .
…2- ولأن نصوص الوحيين دالّة على جواز النسخ ووقوعه ، قال تعالى { مَا نَنْسَخُ مِنْ آيةٍ أَوْ نُنْسِهَا أَوْ مِثْلِهَا } [ البقرة : 106 ] ، وقال أيضاً : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيةً مَكَانَ آيةٍ } [ النحل : 101 ] ، وفي الصحيح عن ابن عبّاس - رضي الله عنه - قال : قال عمر - رضي الله عنه - : أقرؤنا أُبي ، وأقضانا ، وإنا لندع من قول أبيّ ، وذاك أن أبيًا يقول : لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قال الله عزوجل : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ أَوْ نُنْسِهَا } )(2) )).(3)
…ومن خلال ما تقدّم من عرض الخلاف في جواز النسخ وعدمه ، فإنه قد تبيّن لنا أن اليهود أنكروا جواز النسخ لاستلزام ذلك البداءة على الله تعالى ، (( وبهذا تعلم - أخي القارئ أن القول [[ باستلزام النسخ في الأخبار : البداءة ]] ؛ ماهو إلاّ أثرٌ من آثار الغزو اليهودي للفكر الإسلام ))(4).
__________
(1) هو محمد بن بحر ، المشهور بأبي مسلم الأصبهاني ، معتزلي المذهب ، من كبار المفسّرين توفّي سنة 322 هـ
(2) رواه البخاري رقم (4481 ، 5005) .
(3) مباحث في علوم القرآن للشيخ / منّاع القطّان ص240-242 بتصرّف .
(4) الحق الدامغ ص190 ، وانظر ص210 .(1/133)
…ثم إن مستنَد المعترض في إنكاره للنسخ في الأخبار هو أنّ ذلك يستلزم البداءة على الله تعالى !! والجواب عليه ما يلي :
…ذكر أهل اللغة أنّ البداء يأتي لمعنيين(1) :
…الأول : الظهور بعد الخفاء ، فيقال : بدا لنا سور المدينة ، وذلك إذا ظهر بعد خفائه ، ومن ذلك قوله تعالى : { وَبَدَا لَهُمْ من الله مَالَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُون - وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون } [ الزمر : 47-48 ] .
…الثاني : نشأة رأي جديد لم يكن موجوداً ، قال صاحب القاموس : ( وبدا له في الأمر ، بدوا ، وبداء ، وبداة : أي نشأ له فيه رأي ..) ومن ذلك قوله تعالى : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّه حَتَّى حِين } [ يوسف : 35 ] أي نشأ لهم في يوسف عليه السلام رأي جديد .
__________
(1) انظر لسان العرب (14/65،66) مادة ( بدا ) ، والقاموس المحيط (4/296،297) مادّة ( بدا ) ، والتعريفات للجرجاني ص43 .(1/134)
…قال الشيخ الزرقاني رحمه الله : ( ولعلّ هذا المعنى الثاني هو الأنسب والأوفق بمذهب القائلين به - قبّحهم الله - ، ولأن عباراتهم المأثورة عنهم جرت هذا المجرى في الاستعمال دون الاستعمال الأول - إلى أن قال في معرض ردّه على النافين - : ....وزعموا أن النسخ ضرب من البداء ، أو مستلزم للبداء وهكذا اشتبهوا أو شبهوا على الناس الأمر ، وقالوا : لولا ظهور مصلحةٍ لله ، ونشوء رأي جديد له ؛ مانسخ أحكامه ، وبدّل تعاليمه ، ونسوا أو تناسوا أن الله تعالى حين نسخ بعض أحكامه ببعض ؛ ماظهر له أمرٌ كان خافياً عليه ، وما نشأ له رأي جديد كان يفقده من قبل ، إنما كان سبحانه يعلم الناسخ والمنسوخ أزلاً من قبل أن يشرعهما لعباده ، بل من قبل أن يخلق الخلق ، ويبرأ السماء والأرض ، إلاّ أنه - جلّت حكمته - علم أن الحكم الأوّل المنسوخ منوط بحكمة ، أو مصلحةٍ تنتهي في وقتٍ معلوم ، وعلم بجانب هذا أن الناسخ يجئ في هذذا الميقات المعلوم منوطاً بحكمة ، وبمصلحةٍ أخرى .
…ولا ريب أن الحكم والمصالح تختلف باختلاف الناس ، وتتجدد بتجدد ظروفهم وأحوالهم ، وأن الأحكام وحكمها ، والعباد ومصالحهم ، والنواسخ والمنسوخات ، كانت كلّها معلومة لله من قبل ظاهرةٌ لديه لم يخف شيئ منها عليه .
…والجديد في النسخ إنما هو إظهاره تعالى ما علم لعباده ، لا ظهور ذلك له ، على حدّ التعبير المعروف ( شؤون يبديها ولا يبتديها ) ، { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِياً }… )(1).
…وقد اجتمعت اليهود والرافضة على هذه الضلالة ؛ ضلالة استلزام النسخ للبداء ، لكنهم افترقوا بعد ذلك إلى ناحيتين خطيرتين : …
…فاليهود : أنكروا النسخ وأسرفوا في الإنكار ، لاستلزامه في زعمهم البداء ، وعلى ذلك رفضوا غير شريعة موسى عليه السلام ، لأنها لاتنسخ ، إذ النسخ يستلزم البداء وهو محال على الله .
__________
(1) مناهل العرفان (2/181-182) باختصار .(1/135)
…أما الرافضة : فأثبتوا النسخ ثم أسرفوا في إثبات هذا البداء اللازم له في زعمهم ، ونسبوه إلى الله ، وجعلوا النسخ والبداء شيئاً واحداً لا ينفكّان أبداً ، واستندوا في ذلك على قوله تعالى : { يمْحُوا الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَاب } [ الرعد : 39 ] ، وأن علم الله تعالى يتبدّل نتيجة ما يبدو له(1).
…أما الآية فهي دليل على النسخ لا على البداء ، يبيّن ذلك ما قبلها ، وهي قوله : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ - يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ..} قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها : ( أي لكلّ مدّة مضروبةٍ ؛ كتابٌ مكتوبٌ بها ، وكلّ شيئ عنده بمقدار )(2)، ونقل عن الضحّاك قوله : ( لكلّ كتابٍ أجل ) يعني : لكل كتابٍ أنزله من السماء مدّة مضروبة عندالله ، ومقدار معيّن ، فلهذا { يمْحُوا الله مَا يَشَاءُ } منها { وَيُثْبِتُ } يعني حتى نسخت كلّها بالقرآن الي أنزله الله على رسوله صلوات الله وسلامه عليه )(3).
…وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ( يبدّل الله من القرآن ما يشاء فينسخه ويُثبت ما يشاء فلا يبدّله ، وعنده أم الكتاب ، يقول جملة ذلك عنده في أم الكتاب : الناسخ والمنسوخ )(4).
__________
(1) وسبب استدلالهم بها ، هو أن المختار الثقفي وعد جنوده النصر ، وكان قد ادّعى النبوّة ، وزعم أن الله تعالى أوحى إليه بأنه سينصر ، فلمّا هُزم جنوده ، قال له جنوده : لماذا تعِدنا بالنصر على عدوّنا ؟! فقال : إن الله تعالى كان قد وعدني ذلك ، لكنه بدا له . واستدل على ذلك بقوله تعالى : { يمحوا الله ما يشاء ويُثبت ..} الآية ، انظر الفرق بين الفِرق ص51-52 ، والفِصل في الملل والنحل (5/40-41) .
(2) تفسير القرآن العظيم (2/803) .
(3) المصدر السابق .
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (9/331) .(1/136)
…فالآية - إذاً - دليلٌ على النسخ لا على البداءة ، ولا غرابة بمن جعلهما شيئاً واحداً فأساء إلى معبوده أيّما إساءة ، لأنهم - في الحقيقة - ضالّون في أنفسهم ، مضلّون لغيرهم .…
…كما استندت الرافضة أيضاً إلى أقوالٍ مفترياتٍ على أئمة البيت ، وليس هنا مكان بسطها(1).
…ثم إن البداء يكون في أحوال ثلاث(2):
…الأولى : إذا كان الفعل مستلزماً لمصلحةٍ ، فالأمر به بعد النهي عنه ، على الحد الذي نهي عنه ، إنما يكون لظهور ما كان قد خفي من المصلحة .
…الثانية : إذا كان الفعل مستلزماً لمفسدةٍ ، فالنهي عنه بعد الأمر به على الحد الذي أمر به ، إنما يكون لظهور ما كان قد خفي من المفسدة .
…الثالثة : الإخبار بنقيض ما أخبر به سابقاً ، وذلك لظهور علم لم يكن موجوداً .
…وكلّ تلك الأحوال مما يتنزّه الله عنه ، وذلك لكمال علمه وحكمته وإرادته ، وإحاطته بكلّ شيئ ، فمحال عليه سبحانه أن تبدو له البدوات ، وكلّ ذلك مما يعتري المخلوقين ، والله عنه بعيد ، وهذه المقالة ( البداء ) توجب الكفر بمجرّدها كما قال الإمام الشوكاني رحمه الله (3).
…قال شيخ الإسلام : ( فبيّن سبحانه أنه لا نقص في ذلك بلك كلّ ما نسخ أو ينسى فإن الله يأتي بخير منه أومثله ، فلا يزال المؤمنون في نعمةٍ من الله لا تنقص بل تزيد ، فإنه إذا أتى بخيرٍ منها زادت النعمة ، وإن أتى بمثلها كانت النعمة باقية ، وقال تعالى : { أَوْ نُسِها } فأضاف الإنساء إليه ، فإن هذا الإنساء ليس مذموماً ، بخلاف نسيان ما يجب حفظه فإنه مذموم ..)(4).
فصل
ن?? ????ل?ل?? ?لم????
…ثم عقد المعترض الفصل الثالث وذكر فيه بعض أدلّة القائلين بخلود مرتكبي الكبائر ؛ عشرة من الكتاب ، وعشرةٌ من السنة .
أولاً : نقض استدلاله ( بالقرآن )
نقض الاستدلال ( الأوّل ) :
__________
(1) انظر مناهل العرفان (2/183) .
(2) انظر الأحكام للآمدي (2/241) .
(3) إرشاد الفحول (2/76) .
(4) مجموع الفتاوى (17/184) .(1/137)
… قال المعترض ص202 :
…1- قوله تعالى : { وقالوا لن تمسّنا النار إلاّ أياماً معدودة قل أتخذتم عندالله عهداً فلن يُخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لاتعلمون ، بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [ البقرة 80/81 ] ودلالته عليه من وجوه :
…- أولها : أن هذه العقيدة يهودية المنبت كما هو ظاهر من هذا النص ، وقد ذكرت في مساق التنديد بهم والتشهير بضلالهم .
…- ثانيها : ما فيه من الاستنكار لهذا القول الوارد مورد الاستفهام المقصود به التحدّي ، والتقرير بأنهم لم يستندوا في مقالتهم هذه إلى عهد من الله ، وإنما هي من ضمن ما يتقولونه عليه تعالى بغير علم ، وناهيك بذلك ردعاً عن التأسّي بهم فيما يقولون ، والخوض معهم فيما يخوضون .
…- ثالثها : ما فيه من البيان الصريح بأن مصير كل من ارتكب سيّئة وأحاطت به خطيئته لعد تخلّصه منها بالتوبة النصوح أنه خالد في النار مع الخالدين ، وهو رد على هذه الدعوى يستأصل أطماع الطامعين في النجاة مع الإصرار على الإثم .
…والردّ على الدلالة الأولى بأن يُقال :
…أوّلاً : تشبيه قولنا بقول اليهود تشبيه مع الفارق فاليهود عليهم لعائن الله قالوا - مع كفرهم - إنهم سيخرجون من النار ، وأمّا نحن فلا نقول كقولهم ، ولكننا نقول : إن أهل الكبائر يخرجون بمقتضى أحاديث الشفاعة .
…واليهود منهم مؤمنون ومنهم فسّاقٌ بل وكفّار ، قال تعالى : { وقالت اليهود نحن أبناء الله وأحبّاؤه قُل فلم يعذّبكم بذنوبكم بل أنتم بشرٌ ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير } [ المائدة : 18 ] . ولعلّ هذا الغرور المفرط هو السبب المؤدّي لقولهم : { لن تمسّنا النار إلاّ أياماً معدودة } [ البقرة : 80 ] .(1/138)
…وقد ذكر ابن الجوزي في بيان افتراءهم هذا فقال : ( قوله تعالى : { وقالوا لن تمسّنا النار إلاّ أيّاماً معدودة } ، وهم اليهود ، وفيما عنوا بهذه الأيّام قولان :
…أحدهما : أنهم أرادوا أربعين يوماً ، قاله ابن عباس وعكرمة ، وأبوالعالية ، وقتادة، والسدّي .
…ولماذا قدّروها بأربعين ؟ فيه ثلاثة أقوال :
…أحدها : أنهم قالوا : بين طرفي جهنّم مسيرة أربعين سنة ، ونحن نقطع مسيرة كلّ سنة في يوم ، ثم ينقضي العذاب وتهلك النار ، قاله ابن عباس .
…والثاني : أنهم قالوا : عتب علينا ربنا في أمر ، فأقسم ليعذّبنا أربعين ليلة ، ثم يدخلنا الجنة ، فلن تمسّنا النار إلاّ أربعين يوماً تحلّة القسم ، وهذا قول الحسن وأبي العالية.
…والثالث : أنها عدد الأيّام التي عبدو فيها العجل ، قاله مقاتل .
…والقول الثاني : أن الأيّام المعدودة سبعة أيام ، وذلك لأن عندهم أن الدنيا سبعة آلاف سنة ، والناس يعذّبون لكلّ ألف سنة يوماً من أيّام الدنيا ، ثم ينقطع العذاب . قاله ابن عباس )اهـ .(1)
…ثانياً : أنّ أمثال اليهود لايُستبعد مثلهم الوقوع في مثل هذه الترّهات ، فهم الذين قالوا لموسى عليهم السلام { أرِنا الله جهرة } [ النساء : 153 ] وتوانَوا عن القتال معه فقالوا : { اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } [ المائدة : 112 ] ، وقالوا : { ياموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } [ الأعراف : 138 ] .
…وأمّا تعدّيهم على الله تعالى فإنه لايخفى على المسلم ما قالوه معبودهم : { إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء } [ آل عمران : 181 ] وقالوا أيضاً : { يد الله مغلولة } [ المائدة : 64 ] .
…وبعد هذا : أيُستبعد عن أمثال هؤلاء التقوّل على الله بلا علمٍ فيقولوا : { لَن تمسّنا النار إلاّ أيّاماً معدودة } ؟؟ بأيّ مقارنةٍ بيننا نحن ( السلفيين ) المسلمين ، وبين اليهود ؟؟، وأين الإنصاف في حقّنا أيّها المعترض ؟؟
__________
(1) زاد المسير (1/91-92) .(1/139)
…أمّا الدلالة الثانية فالجواب بأن يُقال :
…إننا نستند لمذهبنا هذا إلى عهدٍ من الله تعالى ، والأدلّة في ذلك متضافرة ، كما سبق بيانه في الباب الثاني .
…أما الجواب على الدلالة الثالثة فيُقال :
…أن المراد بالإحاطة هنا ( الشرك ) كما جاء عن بعض أهل العلم ، ولا يكون الإنسان محاطاً به بحيث لا يستطيع التخلّص منه سوى الشرك ، وسيأتي النقاش في المراد بالإحاطة ، إن شاء الله .
…ثم قال المعترض ص202 :
…وما أجدر العاقل بأخذ الحيطة وعدم الاغترار بهذه الأماني التي تشبث أهل الكتاب ، وحذّر الله هذه الأمة من التشبّث بها كما تشبّثوا حيث قال { ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } [ النساء : 123 ] .
…أقول : إن أخذ الحيطة شئ والحكم شئ آخر ، فلم الخلط إذاً بين هذا وهذا ؟ فالذين يذهبون إلى أن أهل الكبائر لا يخلّدون في النار ؛ ليس معنى قولهم هذا أنهم يُجيزون للناس ارتكاب المعاصي من كبائر وصغائر ، بل إن غاية ما إليه يأوون هي أنهم يقفون على حدود النصوص ، فإن النصوص - على كثرتها - لم تبيّن أن مرتكب الكبائر مخلّد في النار ، بل رأينا العكس من ذلك .
…ثم إن تغليب جانب العاطفة على جانب النصّ عملٌ لا يقرّه عالم أو عاقل ، فإن العوام من الناس هم - فقط - الذين يغلّبون جانب العاطفة على جانب العلم ، وليسوا بأهلٍ للاحتجاج بهم أو بأقوالهم ، ولكن الأسى يعتصر القلب حينما نرى رجالاً ممن ينتسبون إلى العلم ، ويكون قولهم كقول العوام ، لم يستفيدوا من علمهم ، بل أنّهم لم يتربّوا - أبداً إلاّ ما رحم ربّك - على تقبّل النصوص مهما كانت الظروف .(1/140)
…وليس هذا الكلام دليلاً على تعطيل جانب العاطفة ، فإن العاطفة - في حدّ ذاتها- غريزة محمودةٌ أودعها الله في الإنسان ، وذلك إن وُضعت في مكانها الصحيح ، أمّا أن تكون غلاّبةً على النصوص فهذا مما لا يرتضيه العقلاء ، فضلاً عن العلماء .
…وأمّا استدلاله بقوله تعالى : { ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } ، فليس فيها وجه الدلالة التي ذكرها ، إذ جاء عن أبي بكرٍ الصديق - رضي الله عنه - أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية { ليس بأمانيّكم ..} الآية ، فكلّ سوءٍ جزينا به ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : غفر الله لك يا أبا بكر ، ألست تمرض ، ألست تنصب ، ألست تحزن ، ألست تصيبك اللأواء ؟ قال : بلى ، قال : فهو ما تُجزون به )(1).
…ثم يورد المعترض الاعتراضات على تلك الاستدلالات فيقول ص203 :
…واعترض على الاستدلال به بأمرين :
…- أولهما : أن السيّئة هنا هي الشرك كما روي عن طائفة من المفسّرين ، وإذا كان هذا الوعيد للمشركين فهو لا يعم الموحّدين .
…- ثانيهما : أن الخلود لم يرد به التأبيد ، وإنما أريد به المكث الطويل .
…ويردّ الاعتراض الأول أن حمل السيّئة على الشرك وحده خروج بالآية عما يقتضيه لفظها ، فإن لفظ ( سيّئة ) نكرة مطلقة في سياق الشرط ، والنكرات إذا وردت في الشرط فهي محمولة على العموم ، لأن الشرط كالنفي ، وحكم النكرة في سياق النفي عمومها .
…ويُرد عليه اعتراضه على الاعتراض الأول الصحيح بأن يُقال :
…ذهب أغلب المفسّرين على أن المراد بـ ( سيّئة ) هنا : الشرك .
__________
(1) رواه أحمد في المسند (1/15) ، والحاكم في المستدرك (3/78) وصحّحه ووافقه الذهبي(1/141)
…قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله : والسيّئة هاهنا : الشرك في قول ابن عباس وعكرمة ، وأبي وائل ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقاتل .(1)والحسن (2)
…وللحسن روايةٌ أخرى بأن المراد بها : الكبيرة ، وهو قول السدّي أيضاً(3).
…وقول المتقدّمين أولى بالأخذ من المتأخّرين ، لاسيّما أن حبر الأمة ابن عبّاسٍ - رضي الله عنه - فسّرها بالشرك ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : الصواب ذكر أقوال السلف ، وإن كان فيها مرجوح ،فهي أولى من ذكر أقوال المتأخرين ، وإن قدّر أن ذلك القول ضعيف ، فالحجّة تبيّن ضعفه ، فلا يعدل عن ذكر أقوالهم لكونها قد وافقها قول طائفةٍ من أهل البدع ، فنذكر ضعفها ، ونبيّنه بالحجّة ) اهـ(4).
…وهذا الذي قاله شيخ الإسلام تنزّلاً ، وإلاّ فالقول بأن المراد بالشرك هنا أرجح .
…وأما الإحاطة فقد نقل المعترض ص203-205 عن ابن جرير بعض الآثار عن السلف في المراد بقوله : { وأحاطت به خطيئته } وأذكرها ملخصة :
…عن الضحّاك قال : مات بذبه .
…وعن الربيع بن خيثم قال : مات عليها . وفي رواية قال : هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب
…وعن ابن عباس قال : يحيط كفره لما له من حسنة ـ والكفر يعم الكبائر لأنها من كفران النعم .
…وعن ابن نجيح عن مجاهد قال : ما أوجب الله فيه النار . وعن منصور عن مجاهد قال : كل ذنب محيط فهو ما وعدالله عليه النار .
…وعن سعيد عن قتادة قال : أما الخطيئة فالكبيرة الموجبة . وعن عبدالرزاق عن قتادة : الخطيئة الكبائر .
…وعن سلام بن مسكين قال : سأل رجل الحسن عن قوله { وأحاطت به خطيئته } فقال : ما تدري ما الخطيئة ؟ يابني اتل القرآن فك آية وعدالله عليها النار فهي الخطيئة .
__________
(1) زاد المسير (1/92) . وانظر تفسير ابن أبي حاتم (1/157) والطبري (1/428-130) والقرطبي (2/10-11) وابن كثير (1/179) .
(2) نقله ابن كثير (1/179) .
(3) انظر المصدر السابق .
(4) تفسير آيات أشكلت (1/368) .(1/142)
…وعن أبي رزين قال : مات بخطيئته .
…وعن الأعمش قال : مات بذنوبه .
…وعن الربيع قال : الكبيرة الموجبة .
…وعن السدّي قال : مات ولم يتب .
…أقول : جاء عن ابن عباس { وأحاطت به خطيئته } قال : ( من عمل بمثل أعمالكم ، وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط به كفره ، فماله من حسنة )(1).
…وعن عطاء قال : الشرك (2).
…ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ابن أبي حاتم قوله في تفسيره : (( ورُوي في تفسير هذا الحرف ثلاثة أقاويل :
…أحدها : ما تقدّم روايتنا فيه ، وكذا فسّره أبو وائل وعطاء والحسن في رواية عباد ابن منصور .
…والوجه الثاني : ثنا أبو سعيد الأشج ، وأحمد بن سنان قالا : ثنا أبو يحي الحماني ، ثنا الأعمش ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خثيم : { وأحاطت به خطيئته } قال : ( الذي يموت على خطاياه قبل أن يتوب ) .
…قال : وروي عن السدي وأبي رزين والأعمش نحو ذلك .
…والوجه الثالث : رواه من طريق أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال : (( الكبيرة الموجبة )) قال : وروي عن الحسن من رواية سلام بن مسكين ، ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك )) .
…قلت (3): هؤلاء الذين جعلوا أصحاب الكبائر الذين يموتون عليها داخلين في هذا الوعيد ، لم يقولوا : إنهم لا يخرجون من النار لا بشفاعة ولا غيرها ، كما ظنّه من لم يجد أقوالهم (4).
__________
(1) تفسير الطبري ، المحقق (2/380) .
(2) الطبري (1/431) .
(3) القائل هو ابن تيمية .
(4) من أمثال المعترض ، إذ ظنّ أن ما نقله عنهم يفيد تأييداً لمذهبه ، بينما نسي أو تناسى أن هؤلاء الذين نقل عنهم لا يقولون بقوله بخلود مرتكبي الكبائر في النار ، وهم وإن قالوا ذلك قالوه في هذه الآية فقط ، بينما وردت عنهم نصوصٌ كثيرة على خلاف مذهب المعترض . ولايجوز لنا نسبة شئ لهم لم يقولوا به ولم يقصدوه .(1/143)
…بل الحسن البصري هو ممن قال ذلك ، وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه روى حديث الشفاعة عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرّةٍ من إيمان .
…فيكون عند هؤلاء { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } أي : أن خلودهم فيها على قدر ذنوبهم ، ثم يخرجون منها .
…ولم يقل (( أبداً )) بل هذا خلود أهل الذنوب من أهل التوحيد )اهـ (1).
…وكلام ابن تيمية هذا كلامٌ دقيقٌ متنوّرٌ بنور ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
…وخلاصة أقوال السلف الصالح رحمهم الله السيّئة والخطيئة ثلاثة أقوال :
…1- من فسّر الكلمتين بالكفر والشرك ، وعلى هذا فلا حجّة في الآية على تخليد مرتكب الكبيرة في النار .
…2- من فسّر أحد اللفظين بالشرك أو الكفر ، والآخر بالكبيرة ، ولاحجّة فيه أيضاً لأن المعلّق على شرطين لايتمّ بأقلّهما .
… قال القرطبي رحمه الله : ( لما قال تعالى : { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته } دلّ على أن المعلّق على شرطين لايتمّ بأقلّهما ، ومثله قوله تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } [ فصلت : 30 ] ، وقوله عليه السلام لسفيان بن عبدالله الثقفي ، وقد قال له : يارسول الله : قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك . قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) رواه مسلم )(2).
__________
(1) تفسير آيات أشكلت (1/375-379) .
(2) تفسير القرطبي (2/11) .(1/144)
…وذكر أبو حيان الخلاف الواقع في السيّئة هنا ثم قال : ( في قوله : { أصحاب النار هم فيها خالدون } إشارة إلى أن المراد : الكفّار ، ويدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أما أهل النار الذين هم أهلها ، فلا يموتون ولا يحيون ) وقد رتب كونهم أصحاب النار على وجود أمرين : أحدهما : كسب السيّئة . والآخر : إحاطة الخطيئة . وما رتب على وجود شرطين لا يترتب على وجود أحدهما ، فدل ذلك على أن من لم يكسب سيّئة ، وهي الشرك ، و إن أحاطت به خطيئته ، وهي الكبائر لا يكون من أصحاب النار ، ولا يخلد فيها ، ويعني بأصحاب النار الذين هم أهلها حقيقةً ، لا من دخلها ثم خرج منها )(1).
…3- من فسّر الكلمتين بالكبيرة ، فالجواب بأن يُقال :
…أ- تُحمل الآية على المستحلّ للذنب ، واستحلال الذنب كفرٌ مخرجٌ من الملّة .
…ب- يُحمل الخلود هنا على المكث الطويل ، وهو واردٌ في اللغة كما تقدّم (2).
…وأمّا قول المعترض : ( فإن لفظ ( سيّئة ) نكرة مطلقة في سياق الشرط ، والنكرات إذا وردت في الشرط فهي محمولة على العموم ، لأن الشرط كالنفي ، وحكم النكرة في سياق النفي عمومها ) فيُقال :
…نعم ، القاعدة التي ذكرها صحيحة لا غبار عليها ، ولكن الغبار على هذا الاستدلال السقيم ، فلو أردنا طرد هذه القاعدة لأدخلنا في لفظ ( سيّئة ) الصغائر ، ولكن المعترض يُريد أن يحصر السيئة بالشرك والكبيرة ، بينما نسي ، أو تناسى - وهو الأقرب - الصغائر ، فهل يُثبتها هنا كي يُطرّد الاستدلال بتلك القاعدة ؟؟!
__________
(1) البحر المحيط (1/279) .
(2) انظر ملحق شرح العقيدة الطحاويّة (3/330-331) .(1/145)
…وقد تنبّه إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال : ( فقوله : سيّئة ، نكرة، وليس المراد جنس السيّئات بالاتّفاق ، فلو كسب شيئاً من السيّئات الصغائر ، ومات مصراً على ذلك مع إيمانه وكثرة حسناته لم يستحقّ هذا الوعيد بالكتاب والسنة والإجماع ).اهـ(1)
…فإن قيل : قد أُخرجت الصغائر بدليلٍ آخر ، قلنا :
…1- وكذلك الكبائر قد أُخرجت بدليلٍ آخر ، بل بأدلّة كثيرة يصعب حصرها .
…2- إن أجاب بتلك الإجابة ( وهي : بإخراج الصغائر عن لفظ (( سيّئة )) ) بطُلت حينئذٍ القاعدة التي استند عليها قبلاً وبطلت حجّته .
…وقد حاول المعترض بضرب مثالٍ لدفع هذا الاعتراض ، غايته أنه مثال مغلوطٌ فقال ص203 :
…وإن أردت مزيد البيان في ذلك فانظر في قول القائل لعبيده : من جاءني بعملةٍ فهو حر ، فإنه يعتق بقوله هذا من جاءه بأي شئ يصدق عليه أنه عمله ، سواء كان درهماً أو ديناراً أو ريالاً أو جنيهاً ، أو غيرها ، وكذلك لو قال لهم من أتاني بثوب فهو حر ، فإن هذا الحكم يصدق على من جاء بما يصدق عليه اسم الثوب ، قميصاً كان أو إزاراً ، أو عمامة ، أو سراويل ، أو أيّ شئ آخر ، ولو حلف أنه لم يرتكب سيئة وقد زنى ، أو سرق أو شرب الخمر ، أو عقّ والديه ، أو أكل الربا يعدّ حانثاً بقسمه هذا .
…فقوله : ( سواء كان درهماً أو ديناراً أو ريالاً أو جنيهاً ) ، يلاحظ منه أنه أدرك الأمر الذي قلناه آنفاً ، فلم يذكر القيراط ولا الفلس ولا القرش ، وهي من أدنى الدرجات عمولةً ، إذ كلّها يصدق عليها بأن تُسمّى عملة .
…
…ثم يقول المعترض ص203 :
__________
(1) تفسير آيات أشكلت (1/388) .(1/146)
…ولا متعلّق لهم في قوله تعالى : { وأحاطت به خطيئته } وإن زعموا أن مرتكب الكبيرة إن كان موحداً لم تحط خطيئته لأن له حسنات لا يحرم ثوابها ، لأنا نقول : إن عدم التخلّص من المعصية بالتوبة النصوح يجعلها محيطة بصاحبها ، مستولية عليه كالآخذ بناصيته الممسك بتلابيبه ، بخلاف ما إذا تخلّص منها باللجوء إلى التوبة النصوح ، وهذا معنى ماروي عن السلف ودونكم بعض النصوص المرويّة في ذلك .
…تقدّم الكلام على لفظ ( الخطيئة ) ، لكن من الملاحظ هنا أن المعترض يرى أن التوبة هي السبب الوحيد المانع من إنفاذ الوعيد ، وسيأتي الكلام عليه بالتفصيل عند قوله ص213: ( والله تعالى يقول { إنما يتقبّل الله من المتّقين } والتقوى لاتجامع الإصرار ).
…قال المعترض ص206 :
…ويرد الاعتراض الثاني أن حمل الخلود هنا على المكث الطويل دون التأبيد يستتبع حمله على ذلك في نظيره ، وهو الخلود الموعود به الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة إذ لا دليل على الفرق بينهما
…ويُقال في هذا : إن حمل الخلود على المكث الطويل واردٌ في اللغة كما سبق بيانه ، وبما أنه واردٌ فيها ، فلا بأس بالاحتجاج به هنا .
…وأما استتباع حمله في خلود أهل الجنة فهو كلامٌ ساقط ينقضه الكتاب والسنة ، فآيات إثبات الشفاعة كثيرة جداً ، لا يردّها هذا الوهم .
…وأما السنة فلا تختلف عما أثبته القرآن ، فقد جاء فيها أنه يُخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبّة من إيمان ..وسيأتي مزيد بيانٍ إن شاء الله .
نقض الاستدلال ( الثاني ) :
…ثم يذكر المعترض الدليل الثاني فيقول ص207 :
…2 - قوله تعالى { فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [ البقرة : 275 ] ووجه الاستدلال بالآية أنها وعيد لأكلة الربا وهم غير المشركين ، لأن الآية في معرض التحذير من أكل الربا بعد تحريمه .(1/147)
…واعترض بأن هذا الوعيد ليس على أكل الربا بل هو على استحلاله ، بدليل ما جاء في صدرها من حكاية قولهم المعارض لحكم الإسلام في الربا .
…ثم يجيب المعترض على الاعتراض السابق فيقول ص208 :
…والجواب : أن حمل الوعيد على الاستحلال دون الأكل يهوّن من وقع أوامر الله تعالى ونواهيه في نفوس العباد ، ويقلل من أهميّة حكم الحرمة في المحظورات ، على أن سياق ما قبل هذه الآية إنما هو حظر الربا ، وتغليظ أمره على الناس ، وليس ذكر ما يقوله مستحلّوه مخرجاً لهذا الوعيد عما يقتضيه السياق ، وإلاّ لما كانت فائدة في شئ مما ذكر قبلها أو بعدها .
…أقول : والجواب عليه من شقّين ، إجمالي وتفصيلي :
…فأما الشقّ الأول فنقول : إنّ الشرع الحكيم يعرف أين تكون المصلحة قبل أن تظهر الوعيديّة من الخوارج أو المعتزلة ، الذين أعماهم حماسهم الشديد عن النظر الصحيح الثاقب إلى ميزان الشرع ونصوصه ، والآيات والأحاديث التي جاءت في التحذير من الوقوع في الكبائر كافية - إن لم يطمس الله الهداية في قلب الإنسان - لردع كلّ مسلمٍ يهمّ في ارتكابها ، ولايستدعي هذا تكفير واقعها .
…صحيح أن الناس قد يرتدعون أكثر حينما يرون أن غاية ما يؤول إليه ارتكاب الكبائر أنه كفر ( كما تقوله الوعيديّة ) ، ولكن هذا الاعتقاد قد يجد الشيطان إلى قلب مرتكبيه مساغاً ، فيقنّطه من رحمة الله تعالى ، كما حدث لبعض هؤلاء الوعيديّة .
…حكى البغدادي عن ابن قتيبة : أن ثمامة بن أشرس - وهو من أئمة المعتزلة وإليه تُنسب الثّماميّة - رأى الناس يوم جمعة بتعادَوْن إلى المسجد الجامع لخوفهم فَوت الصلاة ، فقال لرفيق له : انظر إلى هؤلاء الحمير والبقر . ثم قال : ماذا صنع ذاك العربيّ بالناس ؟ يعني : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1)وأيّ كفرٍ بعد هذا .
__________
(1) الفرق بين الفرق ص173 .(1/148)
…قال البغدادي رحمه الله : ( وكان أبو هاشم - مع إفراطه في الوعيد - أفسق أهل زمانه ، وكان مصراً على شرب الخمر ، وقيل : إنه مات في سكره ، حتى قال فيه بعض المرجئة :
يعيبُ القول بالإرجاء حتى……يرى بعضَ الرجاء من الجرائر
وأعظم من ذوي الإرجاء جُرماً وعيديّ أصرّ على الكبائر(1)
…فهاهي أحوال الوعيديّة يقولون ما لايفعلون ، نعوذ بالله من الخذلان .
…وأما الشق الثاني ( وهو تفصيلي ) فنقول :
…ذهب العديد من المفسّرين إلى أن المراد بالآية هنا : استحلال الربا ، وذلك بأدلّة :
…أولاً : قوله { ومن عاد } أي عاد إلى قوله { إنما البيع مثل الربا } .
…نقل ابن الجوزي عن ابن جبير أنه قال : من عاد إلى الربا مستحلاً (2)، وقال ابن أبي حاتم { ومن عاد } يعني في الربا بعد التحريم فاستحلّه لقولهم : { إنما البيع مثل الربا } (3)، وقال الشوكاني رحمه الله : { ومن عاد } : يعني في الربا بعد التحريم فاستحلّه بقوله { إنما البيع مثل الربا } (4)، وقال في آية آل عمران : [ 131 ] : { يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا الربا أضعافاً مضاعفه واتقول النار الله لعلّكم تفلحون - واتقوا النار التي أُعدّت للكافرين } : قال كثير من المفسّرين : وفيه أنه يكفر من استحلّ الربا )(5).
…قال الإمام أبويعلى : ( ومن اعتقد تحليل ما حرّم الله بالنص الصريح ، أو من رسوله ، أو أجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر ..)(6).
…ثانياً : تمام الآية { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ، والمؤمن لايخلّد في النار إن تناول الربا ، ولكنه يخلّد في النار إن استحلّ أكله . ولعل المفسّرين نظروا إلى تمام الآية فحكوا ما نقلناه عنهم . والله أعلم .
__________
(1) الفرق بين الفرق ص191 .
(2) زاد المسير (1/286) .
(3) تفسير ابن أبي حاتم (2/546) .
(4) فتح القدير (1/297) .
(5) المصدر السابق (1/381) .
(6) المعتمد في أصول الدين ص271-272 .(1/149)
… ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى بعد هذه الحكاية : { ...والله لايحبّ كلّ كفّارٍ أثيمٍ} ، ولايكون المرء كافراً - في هذه الحالة - إلاّ إذا استحلّ ماحرّمه الله تعالى .
…ثالثاً : ولئلاّ يخرج المسلمون عن الخطاب في الآية ، أو أن الخطاب موجّه إلى الكفّار ، فقد نقل القرطبي عن ابن عطيّة قوله : ( إن قدّرنا الآية في كافر فالخلود خلود تأبيد حقيقي ، وإن لحظناها في مسلم عاص فهذا خلود مستعار على معنى المبالغة ، كما تقول العرب : ملك خالد ، عبارةً عن دوام ما لا يبقى على التأبيد الحقيقي )اهـ(1).
…ثم ينقل عن السيّد وتقوّله على السلف :
وهو مذهب السلف الصالح ، وإن جهله كثير ممن يدّعون اتّباع السنّة ، حتى جرّأوا الناس على هدم الدين بناء على أن مدار السعادة على الاعتراف بالدين ، وإن لم يعمل به ، حتى صار الناس يتبجّحون بارتكاب الموبقات مع الاعتراف بأنها من كبائر ما حرّم ، كما بلغنا عن بعض كبرائنا أنه قال : إنني لا أنكر أنّني آكل الربا ، ولكنني مسلم أعترف بأنه حرام ، وقد فاته بأنه يلزمه بهذا القول الاعتراف بأنه من أهل الوعيد ، وبأنه يرضى أن يكون محارباً لله ولرسوله ، وظالماً لنفسه وللناس ، كما سيأتي في آيةٍ أخرى ، فهل يعترف بالملزوم ؟ أم ينكر الوعيد المنصوص فيؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ؟ نعوذ بالله من الخذلان .
تفسير المنار ج3 ص98/99 .…
…ونحن نقول : نعوذ بالله من الجهل المركّب . فقوله : ( وهو مذهب السلف الصالح، وإن جهله كثير ممن يدّعون اتّباع السنّة ) : كلامٌ باطل وقد سبق لنا النقل عن السلف الصالح رضوان الله عليهم بأنهم لايخلّدون مرتكب الكبيرة في النار ، وإن ورد عن بعضهم قولهم في بعض جزئيّات الكبائر بأنها كفر ، فلا يستتبع كلامهم هذا بأنهم يقصدون أن جميع الكبائر يخلّد مرتكبيها النارَ .
__________
(1) تفسير القرطبي (3/234) .(1/150)
…ولعلّ السيّد رشيد رضا قد خفي عليه هذا الأمر ، وهو في الجملة سلفيّ العقيدة والمنهج ، إلاّ أنّ له هفواتٍ لاتُخرجه عن سلفيّته (1).
…ونسبة هذا المذهب إلى السلف خطأٌ محض ، إذ لا يجوز نسبة شئٍ إليهم وهم عنه بريئون ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( ...والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُخرجهم من الإسلام ، بل جعلهم من أمّته ، ولم يقل : إنهم يخلّدون في النار . فهذا أصلٌ عظيم ينبغي مراعاته ؛ فإن كثيراً من المنتسبين إلى السنة فيهم بدعة ، من جنس بدع الرافضة والخوارج )(2).
…وقد وُجد في ثنايا كتب كثيرٍ من العلماء نسبة أقوالٍ إلى السلف لظنّهم أن هذا هو مذهب السلف ، كما هو الحال بأبي الحسن الأشعري ، إذ خرج عن مذهب الاعتزال، وعرف أن مذهب السلف الصالح هو المذهب الحقّ الذي يجب أن يُسار على منواله ، فنسبَ إليهم أقوالاً لا يقولون بها ، وإنما نسبها إليهم ظناً منه أن هذا القول حقّ ، و أن هذا الحقّ المظنون يجب أن يقول به السلف !! ، وهذا خطأٌ غير مرضيٍ عنه وعن غيره .
…وأما قوله : ( كما بلغنا عن بعض كبرائنا أنه قال : إنني لا أنكر أنني آكل الربا ، ولكنني مسلم أعترف بأنه حرام ، وقد فاته بأنه يلزمه بهذا القول الاعتراف بأنه من أهل الوعيد ، وبأنه يرضى أن يكون محارباً لله ولرسوله ، وظالماً لنفسه وللناس ، كما سيأتي في آيةٍ أخرى ، فهل يعترف بالملزوم ؟ أم ينكر الوعيد المنصوص فيؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ؟ ) نقول : هذه مصادرة عن المطلوب ، والدعوى يُستدلّ لها لايُستدلّ بها.
نقض الاستدلال ( الثالث ) :
…ثم يستطرد المعترض بذكر الدليل الثالث ـ على حسب زعمه ـ بأن مرتكب الكبيرة خالد مخلّدٌ في النار ، فيقول ص210 :
__________
(1) انظر ماكتبه شيخنا / خالد بن فوزي في أطروحته للماجستير ( محمد رشيد رضا طود وإصلاح ) .
(2) منهاج السنة النبويّة (5/241) .(1/151)
…3- قوله تعالى : { ذلك بأنهم قالوا لن تمسّنا النار إلاّ أيّاماً معدودات وغرّهم في دينهم ما كانوا يفترون } [ آل عمران : 24 ] ، ووجه الاستدلال به ما سبق في نظيره من إثبات أن هذه العقيدة من عقائد اليهود ، وأنها جرّأتهم على معصية الله ، وقادتهم إلى الإعراض عن كتابه ، وذكرت في معرض تفنيد ضلالهم وتبكيتهم على عيوبهم ..
…والجواب عليه بأن يُقال :
…الاستدلال بهذه الآية باطل من وجوه :
…الوجه الأول : نسبته أن من اعتقد خروج أهل الكبائر من النار فقد شابه اليهود في ذلك ، وقد سبق الردّ عليه عند استدلاله بالآية الأولى.
…الوجه الثاني : أن المفسّرين قالوا : إن هذه الآية ردٌ على اليهود في :
…1- قولهم : { لن تمسّنا النار إلاّ أيّاماً معدودات } وهذا واردٌ عن مجاهد والزجاج .
…2- وقولهم : { نحن أبناء الله وأحبّاؤه } قاله قتادة ومقاتل (1).
…الوجه الثالث : أن ابتداء القصّة هي قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يُدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولّى فريقٌ منهم وهم مُعرضون..} [ آل عمران : 23 ] وهذه الآية نزلت في اليهود ، ولايجوز أن تُحمل على الموحّدين العصاة ، وقد تنبّه إلى هذا المعترض (2).
… وقد عدّ ابن الجوزي أربعة أقوال في سبب نزولها ، وكلّها في اليهود .
…قال رحمه الله : ( في سبب نزولها أربعة أقوال :
__________
(1) انظر تفسير ابن أبي حاتم (2/623) ، وزاد المسير (1/314) .
(2) انظر ص112 ؛ إذ قال : واستدلال القائلين بخروج أهل الكبائر من النار بقوله تعالى : { هم لايُظلمون } - بجانب كونه مستلزماً لما قاله العلاّمة السيّد رشيد رضا من اشتراك الكفّار في ذلك مع المؤمنين - يقتضي أن اليهود هم أولى بهذا الحكم لأن الآية نزلت فيهم .(1/152)
…أحدها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل بيت المدارس على جماعةٍ من اليهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال رجلان منهم : على أيّ دين أنت ؟ فقال : على ملّة إبراهيم . قال : فإنه كان يهودياً . قال : فهلمّوا إلى التوراة . فأبيا ، فنزلت هذه الآية . رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .
…والثاني : أن رجلاً وامرأةً من اليهود زنيا ، فكرهوا رجمهما لشرفهما ، فرفعوا أمرهما إلى النبي عليه السلام رجاء أن يكون عنده رخصة ، فحكم عليهما بالرجم ، فقالوا: جرْت علينا يا محمد ، ليس علينا الرجم . فقال : بيني وبينكم التوراة ، فجاء ابن صوريا ، فقرأ التوراة ، فلما أتى على آية الرجم ، وضع كفّه عليها ، وقرأ ما بعدها ، فقال ابن سلاّم : قد جاوزها ، ثم قام ، فقرأها ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليهوديين فرُجما ، فغضب اليهود ، فنزلت هذه الآية . رواه أبو صالح عن ابن عباس .
…والثالث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا اليهود إلى الإسلام ، فقال نعمان بن أبي أوفى : هلم نحاكمك إلى الأحبار . فقال : بل إلى كتاب الله . فقال : بل إلى الأحبار ، فنزلت هذه الآية . قاله السدّي .
…والرابع : أنها نزلت في جماعة من اليهود ، دعاهم النبي [ - صلى الله عليه وسلم - ] إلى الإسلام ، فقالوا : نحن أحقّ بالهدى منك ، وما أرسل الله نبياً إلا… من بني إسرائيل . قال فأخرجوا التوراة ، فإني مكتوب فيها : أني نبي ، فأبوا . فنزلت هذه الآية . قاله مقاتل بن سليمان )اهـ(1).
…ومما سبق يتبيّن لنا أن هذا لايُقاس على الموحّدين العصاة .
…ثم يعود ينقل المعترض عن السيّد محمد رشيد رضا ، قوله ص210 :
__________
(1) زاد المسير (1/312-313) وانظر : أسباب النزول للواحدي ص131 ، ولباب النقول في أسباب النزول للسيوطي ( المطبوع بحاشية تفسير الجلالين ) ص160 ، وسيرة ابن هشام (2/585) ، وتفسير الطبري (3/217-218) ، وفتح القدير (1/329) .(1/153)
…لعلّ المراد المراد بعبارة الآية أنهم كانوا يعتقدون أن الإسرائيلي إذا عوقب فإن عقوبته لا تكون إلاّ قليلة ، كما هو اعتقاد أكثر المسلمين اليوم ، إذ يقولون : إن المسلم المرتكب لكبائر الإثم والفواحش إما أن تدركه الشفاعات ، وإما أن تنجيه الكفّارات ، وإما أن يمنح العفو والمغفرة ثم يخرج من النار ويدخل الجنّة ، وأما المنتسبون إلى سائر الأديان فهم خالدون في النار كيفما كانت حالهم ، ومهما كانت أعمالهم ، والقرآن لا يقيم للأنتساب إلى دين ما وزناً ، وإنما ينوط أمر النجاة من النار والفوز بالنعيم الدائم في دار القرار بالإيمان الذي وصفه وذكر علامات أهله وصفاتهم ، وبالأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة ، مع التقوى وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
…والجواب من وجوه :
…أولاً : تصديره بقوله : ( لعلّ ) خطأ ، لأن اليهود - حقيقةً - يعتقدون هذا القول كما سبق بيانه على قولين .
…ثانياً : مما سبق يتبيّن لنا بطلان قوله : ( كما هو اعتقاد أكثر المسلمين اليوم ..) ، فأين من المسلمين اليوم من يقول كقول اليهود الآنف الذكر ؟؟.
…ثالثاً : قياسه قولَ اليهود بقولِ المسلمين قياسٌ فاسد كما مرّ ، وأما كلامه عن اعتقاد المسلمين بأنه قد تنجيه الكفّارات ، أو قد يشمله العفو الإلهي ، فإننا نقول : إن الشارع الحكيم هو الذي أثبت هذه الاعتقادات ، وقد سبق الكلام عليه في الفصل الثالث والرابع من الباب الثاني ، فلتراجع .
… وأما قوله : ( وأما المنتسبون إلى سائر الأديان فهم خالدون في النار كيفما كانت حالهم ، ومهما كانت أعمالهم ) فقولٌ مجمل : وذلك لأن بعض أفراد الأمم السابقة قد آمنوا برسلهم ، فهم من أهل الوعد إن شاء الله ، وأمّا أن ينتسب المرء إلى دينٍ غير الإسلام بعد الرسالة المحمّديّة ، فإنه لا يُقبل منه ، لأن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - ناسخٌ لجميع الأديان، فوجب المصير إليه طوعاً أو كرهاً .(1/154)
…وقوله : (.. بالأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة ...) كلامٌ فيه قصور ، وذلك لأن هذه الصفات يتصف بها الكفّار فضلاً عن المسلمين ، ولو قال مثلاً : ( باتباع الكتاب والسنة والإخلاص ) لكان أولى وأوفق .
…ثم إن الأعمال الصالحة وحدها لا تستقلّ بأن تدخل الإنسان الجنة ، لأنّ المسلمين كلهم مهما بلغت حسناتهم المبلغ العظيم فلن يدخل أحدهم الجنة إلا برحمةٍ من الله وفضله ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( لن يدخل أحد الجنة بعمله ، قالوا : ولا أنت يارسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمّدني الله برحمةٍ منه وفضل )(1) فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي عن نفسه، فكيف الحال بنا ؟ اللهم رُحماك رُحماك بنا .
… ثم يتابع السيّد قوله في مرتكب الكبيرة وأسباب المغفرة فيقول :
__________
(1) رواه البخار يفي كتاب المرض باب تمني المريض الموت برقم (5673) ومسلم (17/156نووي ) .(1/155)
…وأما المغفرة فهي خاصّة في حكم القرآن بمن لم تحط به خطيئته ، ، وأما من أحاطت به حتى استغرقت شعوره ورانت على قلبه فصار همّه محصوراً في إرضاء شهوته ، ولم يبق للدين سلطان على نفسه { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } لهذا يحكم هذا الكتاب الحكيم بأن من يجعل الدين جنسية ، وينوط النجاة من النار بالانتساب إليه أو الاتّكال على من أقامه من السلف فهو مغترّ بالوهم مفتر ، يقول على الله بغير علم كما قال هنا { وغرّهم في دينهم ما كانوا يعملون } [ آل عمران : 24 ] أي بما زعموا من تحديد مدة العقوبة للأمة في مجموعها ، وهذا من الافتراء الذي كان منشأ غرورهم في دينهم ، ومثله لا يعرف بالرأي ولا بالفكر لأنه من أمر عالم الغيب فلا يعرف إلا بوحي من الله ، وليس في الوحي ما يؤيده ، ولا يوثق به إلا بعهد من الله عزوجل ، ولا عهد بهذا ، وإنما عهد الله هو ما سبق في سورة البقرة { وقالوا لن تمسّنا النار إلاّ أياماً معدودة ، قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ، بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [ البقرة : 80/81 ]
تفسير المنار ج3 ص267/268 .
…والجواب على هذا قد سبق ذكره في النقض على الاستدلال الأوّل ، قد أغنى عن الإعادة هنا .
…ثم قال المعترض ص212 :
…والتحقيق أن العبرة بخواتم الأعمال ، فمن ختم له بالعقيدة الصحيحة والعمل الصالح كان سعيداً عندالله مهما عمل من قبل ، فإن التوبة تمحو الآثام وتطهر صاحبها من الحوب ، ومن ختم له بالإصرار على الآثام تجده أعماله السابقة شئاً لأنه محبطة بإصراره ، والله تعالى يقول : { إنما يتقبّل الله من المتّقين } [ المائدة : 27 ] والتقوى لا تجامع الإصرار .(1/156)
…نعم إن العبرة بخواتم الأعمال ، لكن استدلاله بقوله تعالى { إنما يتقبّل الله من المتّقين } دليل على تناقضه ، فهو يرى أن التوبة هي السبب الوحيد في الخُلف في الوعيد، ثم يستدلّ بهذه الآية ، والتي معناها : أن الله تعالى لا يتقبّل إلاّ من المتّقي الذي يجتنب الذنوب والمعاصي ، صغيرها وكبيرها ، فكيف إذاً يتوب العاصي حالة كونه عاصياً ؟؟ ونجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يحكي هذا القول ويردّ عليه فيقول : ( وقد احتجّت الخوارج والمعتزلة بقوله تعالى : { إنما يتقبّل الله من المتّقين } ، قالوا : فصاحب الكبيرة ليس من المتّقين ، فلا يتقبّل الله منه عملاً ، فلا يكون له حسنة ، وأعظم الحسنات الإيمان ، فلا يكون معه إيمان فيستحقّ الخلود في النار .. - إلى أن قال - .. وأيضاً فما زال السلف يخافون من هذه الآية ، ولو أُريد بها من يتّقي الكفر لم يخافوا ، وأيضاً : فإطلاق لفظ المتّقين ، والمراد به من ليس بكافر ، لا أصل له في خطاب الشارع فلا يجوز حمله عليه.(1/157)
…والجواب الصحيح : أن المراد من اتّقى الله في ذلك العمل كما قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى : { ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً } [ الملك : 2 ] قال : أخلصه ، وأصوبه . قيل : يا أبا علي ! ما أخلصه ، وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً . والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة ، فمن عمل لغير الله - كأهل الرياء - لم يُقبل منه ذلك ...- إلى أن قال - ... وخوف من خاف من السلف أن لا يتقبّل منه لخوفه أن لا يكون أتى بالعمل على وجهه المأمور : وهذا أظهر الوجوه في استثناء من استثنى منهم في الإيمان ، وفي أعمال الإيمان كقول أحدهم : أنا مؤمن إن شاء الله ، وصلّيت إن شاء الله ، لخوف أن لا يكون آتى بالواجب على الوجه المأمور به ، لا على جهة الشكّ فيما بقلبه من التصديق ؛ لا يجوز أن يراد بالآية : أن الله لايقبل العمل إلاّ ممن يتّقي الذنوب كلّها ، لأن الكافر والفاسق حين يريد أن يتوب ليس متّقياً ، فإن كان قبول العمل مشروطاً بكون الفاعل حين فعله لا ذنب له امتنع قبول التوبة ، بخلاف ما إذا اشترط التقوى في العمل ، فإن التائب حين يتوب يأتي بالتوبة الواجبة ، وهو حين شروعه في التوبة منتقل من الشر إلى الخير لم يخلص من الذنب ، بل هو متقٍ في حال تخلّصه منه .
…وأيضاً : فلو أتى الإنسان بأعمال البر وهو مصرّ على كبيرة ، ثم تاب لوجب أن تسقط سيّئاته بالتوبة ، وتقبل منه تلك الحسنات ، وهو حين أتى بها كان فاسقاً .(1/158)
…وأيضاً : فالكافر إذا أسلم وعليه للناس مظالم من قتل ، وغصب ، وقذف - وكذلك الذمّي إذا أسلم - قُبل إسلامه مع بقاء مظالم العباد عليه ، فلو كان العمل لا يُقبل إلاّ ممن لا كبيرة عليه لم يصحّ إسلام الذمّي حتى يتوب من الفواحش والمظالم ، بل يكون مع إسلامه مخلّداً ، وقد كان الناس مسلمين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهم ذنوب معروفة وعليهم تبعات فيُقبل إسلامهم ، ويتوبون إلى الله سبحانه من التبعات ...- إلى أن قال - :... ولا نعرف أحداً من المسلمين جاءه ذمّي يسلم فقال له : لا يصحّ إسلامك حتى لا يكون عليك ذنب ، وكذلك سائر أعمال البرّ من الصلاة والزكاة )(1).
…وقد حكم شيخ الإسلام قول الوعيديّة القائلين : أن التوبة هي السبب الوحيد للمغفرة : التوبة .
…قال رحمه الله : ( ..فهذان القولان : قول الخوارج الذين يكفّرون بمطلق الذنوب، ويخلدون في النار ، وقول من يخلّدهم في النار ، ويجزم بأن الله لايغفر لهم إلاّ بالتوبة ، ويقول : ليس معهم من الإيمان شئ ، لم يذهب إليهما أحدٌ من أئمة الدين أهل الفقه والحديث ، بل هما من الأقوال المشهورة عن أهل البدع )(2)
…والمعترض يرى أن التوبة من أسباب الخُلف في الوعيد - كما أسلفت -، فلو ارتكب المسلمُ كبيرةً من الكبائر - وهم يحكمون بأنه مخلّدٌ في النار - لكان الأولى بهم أن يدعوه إلى الإسلام ، لا إلى التوبة !! فلماذا إذن يدعونه إلى التوبة ويحثّون عليها مع إخراجهم مرتكبيه عن دائرة الإسلام ؟!! { إِنَّ هَذا لشئ عُجَاب } .
__________
(1) مجموع الفتاوى (7/494-498) باختصار ، وانظر منه (10/322) و (11/662) ، ومنهاج السنة (5/296) ، وأضواء البيان (10/341-342) .
(2) مجموع الفتاوى (7/501) .(1/159)
…ثم أليس هذا دليلاً واضحاً وضوح الشمس بأنّ المبتدع لايستطيع أن يطرد مذهبه ، بل إن تناقض أمثال هؤلاء لمما يشجّع كلّ غيورٍ في دينه من أهل العلم ؛ بأن يردّ على كُل من يخالف طريق الحق ، دون خوفٍ أو خشيةٍ منهم ؛ لأنّ بضاعتهم - دائماً - مزجاة ، وليعلم كلّ أحدٍ بأنه مهما كانت حُجج المبتدعة قويّةً - في نظره - ، فإنها لا يمكن - أبداً - أن تكون أقوى من حججِ الذي اتّبع سبيل المرسلين عند المقارعة والمناظرة والمحاججة { ولينصرنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُه إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ عَزِيز } [ الحج : 40 ].
نقض الاستدلال ( الرابع )
…قال المعترض ص213 :
…4- قوله تعالى : { ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهين } [ النساء : 14 ] ، ووجه الاستدلا به أنه جاء بعد تبيان أحكام المواريث ، والنص على أنها من حدود الله ، ووعد من يطيع الله ورسوله بالخلد في جنات تجري من تحتها الأنهار ، فثبت من ذلك بأن من جاوز حكماً من أحكام الله صدق عليه هذا الوعيد ..
…والجواب عليه بأن يُقال :
…أولاً : أن الخلود هنا مقيّد بتعدّي الحدود .
…قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الآية : ( ..فهنا قيّد المعصية بتعدّي حدوده ، فلم يذكرها مطلقة )(1).
…وهذا التعدّي ينقسم إلى أقسام :
…1- الاعتراض على قسمة الله تعالى التي قسمها بين عباده في المواريث ، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله : ( قوله تعالى : { ومن يعص الله } فلم يرض بقسمه { يُدخله ناراً } ، فإن قيل : كيف تقطع للعاصي بالخلود ؟ فالجواب : أنه إذا ردّ حكم الله ، وكفر به ، كان كافراً مخلداً في النار )اهـ(2).
…2- الشكّ في حكم الله أو حادّ الله ورسوله في القسمة ، ومن كان هذا حاله فهو كافر مخلّدٌ في النار في الميراث .
__________
(1) مجموع الفتاوى (7/60) .
(2) زاد المسير (2/96) .(1/160)
…قال الإمام الطبري رحمه الله : ( فإن قال قائل : أومخلدٌ في النار من عصى الله ورسوله في قسمة المواريث ؟
…قيل : نعم ، إذا جمع إلى معصيتهما في ذلك شكاً في أن الله فرض عليه ما فرض على عباده في هاتين الآيتين ، أو علم ذلك فحادّ الله ورسوله في أمرهما ، على ماذكر ابن عباس من قول من قال حين نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول الله تبارك وتعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين } إلى تمام الآيتين : أيورّث من لايركب الفرس ولايقاتل العدوّ ولايحوز على الغنيمة ، نصفَ المال أو جميع المال ؟ استنكاراًمنهم قسمة الله ماقسم من ميراث أهل الميراث بينهم على ماقسمه في كتابه ، وخالف حكمه في ذلك وحكم رسوله ، استنكاراً منه حكمهما ، كما استنكره الذين ذكر أمرَهم ابن عباس ممن كان بين أظهر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين الذين فيهم نزلت ، وفي أشكالهم هذه الآية ، فهو من أهل الخلود في النار ، لأنه باستنكاره حكم الله في تلك ، يصير بالله كافراً ، ومن ملّة الإسلام خارجاً )اهـ(1).
__________
(1) تفسير الطبري (3/633) ، وانظر تفسير ابن كثير (1/695) ، ونواقض الإيمان القولية والعملية للدكتور / عبدالعزيز العبداللطيف ص308 .(1/161)
…3- الكفر بالله تعالى : قال العلامة عبدالرحمن بن سعدي في تفسيره - وأشار إلى شبهة الخوارج - : ( ويدخل في اسم المعصية المعصية ، الكفر فما دونه من المعاصي ، فلايكون فيها شبهة للخوارج القائلين بكفر أهل المعاصي ، فإن الله تعالى رتّب دخول الجنة على طاعته ، وطاعة رسوله ، ورتّب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله ، فمن أطاعه طاعةً تامّةً دخل الجنة بلاعذاب ، ومن عصى الله ورسوله معصيةً تامّةً - يدخل فيها الشرك فما دونه - دخل النار وخلد فيها ، ومن اجتمع فيه معصية وطاعة ، كان فيه من موجب الثواب والعقاب بحسب مافيه من الطاعة والمعصية ، وقد دلّت النصوص المتواترة على أن الموحّدين الذين معهم طاعة التوحيد ، غير مخلّدين في النار ، فما معهم من التوحيد مانع لهم من الخلود فيها )اهـ(1).
…ثانياً : على التسليم بأن المعصية هنا المراد منها الكبائر ، فيجب حينئذٍ المصير إلى تأويله لتتّفق النصوص ولئلاّ تتناقض ، فيُحمل ( الخلود ) هنا على : طول المكث ، لا على التأبيد ، وذلك لأن الآية لم تقيّد بالتأبيد .
نقض الاستدلال ( الخامس ) :
…ثم يذكر المعترض دليله الخامس على خلود مرتكبي الكبائر في النار فيقول ص213 :
…قوله تعالى { ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً [ النساء : 93 ] ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى توعّد فيها قاتل المؤمن ـ فيما توعّده به ـ بالخلود في النار مع أن القتل كبيرة دون الشرك .
…ثم حاولوا التخلّص مما دلّ عليه هذا النصّ بضروب من التأويلات التي أنكر فيها بعضهم على بعض ، ولم يتّفقوا منها على شئ .
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن ..(1/328) .(1/162)
…وقبل الخوض في هذه المسألة أستعرض الآراء في هذه المسألة وأشير إلى الخلاف فيها ، فأقول : إن الناس قد اختلفوا في هذه المسألة إلى أقوال وأذكرها هنا ملخّصةً(1):
…القول الأول : قول ابن عباس : إنها محكمة ، وإنها نزلت بعد آية الفرقان التي ذُكرت فيها التوبة ، وأنه لا توبة للقاتل .
…القول الثاني : إن القاتل المتعمّد كافرٌ لأنه عصى الله ورسوله ، وكل من عصى الله ورسولة وارتكب كبيرة فهو كافر ، وهو قول الخوارج .
…القول الثالث : إن صاحب الكبيرة منافق ؛ لأنه لو كان مؤمناً لمنعه الإيمان بالله وجلاله ووعيدُه من ارتكابها ، وهو مرويٌ عن الحسن البصري رحمه الله .
…القول الرابع : قول المرجئة : أنه مؤمن كامل الإيمان .
…القول الخامس : قول المعتزلة : إن الآية مخصوصةٌ متأوّلة بغير التائب ، وغير من جدد الإسلام بعد القتل ، وغير قاتل المؤمن في القصاص ، وحدّ الزاني خصوصاً بعد التوبة فيهما ، وذلك لأن الآية لم تنص على التعدّي مع التعمّد ولا بدّ منه ، ومن تعمّد وليس بمتعدٍّ ، فلا وعيد عليه ، وإن وعيد القاتل بالعذاب والخلود إنما هو بسبب حق الله ، لا بسبب حق المقتول ...
…القول السادس : أن القاتل عاصٍ لله ، صاحب ذنب كبير مستحق للعذاب الشديد العظيم المهين في الآخرة ، وهو مستحق للقتل في الدنيا قصاصاً .
…القول السابع : الوقف .
__________
(1) انظر تفاصيل النقاش في كتاب الإمام ابن الوزير : العواصم والقواصم (9/21-68) فقد أطال الكلام فيه فأجاد وأفاد ، وانظر أيضاً مدارج السالكين لابن القيم (1/424-431) والفتح (3/269) ، والكلام على حقيقة الإسلام والإيمان لابن تيمية بتحقيق الدكتور / محمد حسن أبو ناجي الشيباني ص241.(1/163)
…ومما لا شكّ فيه أن قتل النفس من أعظم الكبائر التي يستحقّ صاحبها العقوبة المردعة ، وقد ورد في شأن هذه الجريمة الشنيعة أحاديث كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( كلّ ذنب عسى أن يعفره الله إلاّ من مات كافراً أو مؤمنٌ قتل مؤمناً متعمّداً )(1)، وقوله : (لو أنّ أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دمٍ ، لأكبّهم الله في النار )(2)، وقوله : ( لا يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه ما لم يصبْ دماً حراماً )(3)، وقوله : ( ومن استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنّة كف من دمٍ أهراقه ، فليفعل )(4)، وغيرها من الأحاديث الدالة على عظم هذه الجريمة وشناعتها .
…وقد سبق المعترض في إيراد هذا الاستدلال القاضي عبدالجبّار ( المعتزلي )(5) إذِ استدلّ بالآية على خلود مرتكبي الكبائر في النار ، فقال في الآية : ( ووجه الاستدلال هو أنه تعالى بيّن أن من قتل مؤمناً عمداً جازاه الله جهنّم خالداً فيها وعاقبه وغضب عليه ولعنه ... وفي ذلك ماقلناه )(6).
…ويقول في موضعٍ آخر : ( وقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمناً متعمّداً ..} الآية يدلّ على أن قتل المؤمن على وجه التعمّد يستحقّ به الخلود في النار ..- إلى أن قال - : ولايمكن حمل الكلام في الآية على الكافر إذا قتل متعمّداً من وجهين :
…الأول : أنه عام ؛ لأن لفظة ( من ) إذا وقعت في المجازاة كانت شائعةً في كلّ عاقل .
__________
(1) رواه أبوداود رقم (4270) ، وابن حبّان (5980) ، والبيهقي (8/21) وفيه مؤمّل بن الفضل وفيه كلامٌ ، لكنه توبع كما في ابن حبان والبيهقي .
(2) رواه الترمذي من حديث أبي الحكم البجلي رقم (1398) .
(3) رواه البخاري رقم (6862) ، وأحمد (2/94) .
(4) رواه البخاري (7152) .
(5) ترجمته في سير أعلام النبلاء (17/244-145) ، وطبقات الشافعية للسبكي (5/97) ، والأعلام (3/273،274) .
(6) شرح الأصول الخمسة ص659 .(1/164)
…الثاني : أنه تعالى جعل ذلك جزاءً لهذا الفعل المخصوص ، ولايُعتبر بحال الفاعلين ، بل يجب متى وقع من أي فاعل كان ان يكون هذا الجزاء لازماً له ..)(1).
…والردّ على هذه الشبهة بأن يُقال :
…أولاً : أن الخلود في الآية لمستحلّ القتل ، وهو كافرٌ إجماعاً ، والكافر مخلّد ، يقول أبو السعود رحمه الله : ( ...ولادليل في الآية للمعتزلة في قولهم بخلود عصاة المؤمنين في النار لما قيل أنها في حقّ المستحل كما هو رأي عكرمة وأضرابه ، بدليل أنها نزلت في مقيس بن صبابة الكناني المرتد...)(2).
…وعلى هذا : فالآية لاتتناول صاحب الكبيرة ، لأنها في الكافر ، وصاحب الكبيرة لم يخرج من الإيمان إلى الكفر (3).
…ثانياً : الجزاء في الآية ليس المقصود به وقوعه ، وإنما الإخبار به ، والمعنى أن هذا جزاؤه إن جوزي ولكن الله يتفضّل عليه ويعفو لعموم الأدلة في ذلك .
…فعن أبي مجلز لاحق بن حميد أنه قال : ( هي جزاؤه ، فإن شاء الله أن يتجاوز عنه فعل ) (4).
…وجاء أيضاً عن أبي صالح أنه قال : ( جزاؤه جهنّم إن جازاه )(5).
__________
(1) متشابه القرآن (1/201-202) وانظر ص659 من شرح الأصول الخمسة .
(2) تفسير أبي السعود (2/217) .
(3) انظر المعتزلة وأصولهم الخمسة ص226 .
(4) رواه أبو داود (2/313) وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (3/806) برقم (3559) ، والطبري في تفسيره (4/219) ، وأبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص272.
(5) رواه الطبري (4/219) .(1/165)
…قال الطبري رحمه الله : وأولى الأقوال ، قول من قال : معناه : ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه إن جازاه جهنّم خالداً فيها ، ولكنه يعفو ويتفضّل على أهل الإيمان به وبرسوله ، فلايجازيهم بالخلود فيها ، ولكنه عزّ ذكره إمّا أن يعفو بفضله فلا يُدخله النار ، وإمّا أن يُدخله إيّاها ثم يخرجه منها بفضل رحمته ، لما سلف من وعده عباده المؤمنين بقوله: { ..ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً } [ الزمر : 53 ]
…فإن ظنّ ظان أن القاتل إن وجب أن يكون داخلاً في هذه الآية ، فقد يجب أن يكون المشرك داخلاً فيه ، لأن الشرك من الذنوب ، فإن الله عزّ ذكره قد أخبر أنه غير غافرٍ الشرك لأحدٍ بقوله : { إن الله لايغفر أن يُشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ، 116 ] ، والقتل دون الشرك )(1).
…وقال ابن العربي في قوله تعالى { والذين لايدعون مع الله ..} الآية : قد بيّنا أنها خاصّة بمن تاب ، خاصّة لمن قتل متعمداً على كل الوجوه ، فينتظم المعنى ، وإن نظرنا إلى هاتين الآيتين خاصّة ، فالآية الأولى عامّة ، لكن الاستثناء خصّ منها التائب ، فإن قيل: هو وإن كان بصيغة الاستثناء ؛ فإنه نسخ ، لأن الآية الثانية تأخّرت عن الآية الأولى سنة ، قلنا : وتأخّرها عنها لايوجب صفة النسخ لها لأنها لاتعارضها ، فإن المخصوص لايعارض العام ، وما لم يستوف شروط النسخ فليس بمنسوخ . والله أعلم )اهـ(2)
…وقال النووي ( ..فالصواب في معناها : أن جزاءه جهنم ، وقد يجازى به ، وقد لايجازى بغيره ، وقد لايجازى ، بل يعفى عنه ، فإن قتل عمداً مستحلاً له بغير حقّ ، ولا تأويل ، فهو : كافر مرتد يخلّد به في جهنّم بالإجماع ، وإن كان غير مستحل ، بل معتقداً
__________
(1) تفسير الطبري (4/223) .
(2) الناسخ والمنسوخ لابن العربي (2/322) .(1/166)
تحريمه ، فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤه جهنّم خالداً فيها ، لكن بفضل الله تعالى ، ثم أخبر أنه لايخلد من مات موحداً فيها ، فلا يخلد هذا ، ولكن قد يعفى عنه ، فلايدخل النار أصلاً ، وقد لايُعفى عنه ، بل يعذّب كسائر العصاة الموحّدين ، ثم يخرج معهم إلى الجنة ولايدخل في النار ، فهذا هو الصواب في معنى الآية ، ولايلزم من كونه يستحقّ أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتّم ذلك الجزاء ، وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنّم ، وإنما فيها أنها جزاؤه ، أي يستحقّ أن يجازى بذلك )(1).
…وقد استرعى انتباهي أن المعترض لم يتطرّق إلى ذكر مذهب ابن عباس القائل بأن القاتل العمد : لاتوبة له ، وهذا القول مع كونه مشهوراً عنه ؛ فإن المعترض لم يذكره البتّة ، وهذا قصورٌ منه ، ولعل الداعي إلى ذلك هو أن قول ابن عباسٍ - رضي الله عنه - يتعارض مع أصل المعترض ، وهو أن التوبة هي السبب الوحيد في غفران الذنوب ، ولأجل هذا لم يتطرّق إلى ذكره .
…أيضاً : قول ابن عباس ومن ذهب مذهبه ، لايدلّ على خلود مرتكب جريمة القتل في النار ، وإنما أجروا المنع من قبول توبته .
…وقد وهم ابن حزم فظن أن ابن عباس - رضي الله عنه - يقول بخلود مرتكب الكبيرة في النار(2).
…وقد بيّن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ودفع التهمة عن ابن عباس - رضي الله عنه -.(3)
…ثالثاً : يُحمل لفظ ( الخلود ) على المكث الطويل للمسلم القاتل العمد ، وعلى الأبد للكافر القاتل المؤمن .
…رابعاً : خلاصة الكلام أن على القاتل ثلاثة حقوق :
…1- حقّ الله . 2- حق الولي . 3- حق المقتول .
…فحق الله قد يسقط بالتوبة ، أو بالمجازاة حتى يطهر بالتعذيب ، أو بالعفو عنه .
…وحقّ الولي فيسقط بالقصاص ، أو الدية .
__________
(1) شرح مسلم (17/85-86)
(2) انظر الفصل في الملل والنحل (4/80 ، 82 ، 83 ) .
(3) انظر الفتاوى (7/222-223) .(1/167)
…وأمّا حق المقتول : فإنه لايسقط عنه إلاّ إذا عفا عنه ، وهو متعذّر الوقوع في الدنيا، ممكن الوقوع في الآخرة ، أو يُقتصّ منه ، أو يأخذ المقتول من حسنات قاتله ، أو يعطي له سيّئاته ، وهذا كلّه واردٌ في الشرع ، وكلّ هذا لايستلزم تكفير القاتل(1).
…وحديث توبة قاتل المائة مشهور ومعلوم(2) .
نقض الاستدلال ( السادس ) :
…ثم يذكر المعترض دليله السادس فيقول ص220 :
…6- قوله تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قترٌ ولا ذلّة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ، والذين كسبوا السيئات جزاء سيّئة بمثلها وترهقهم ذلّة مالهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [ يونس : 26/27 ] ، والاستدلال به من وجوه :
__________
(1) انظر مدارج السالكين (1/424-425) . وجامع الأصول (2/97-98) .
(2) رواه البخاري في كتاب الأنبياء (4/149) ، ومسلم (3/2118) .
…وقد يقول المعترض إن هذا دليل لنا ؛ ذلك لأنا نقول : إن أصحاب الذنوب والمعاصي ، ليس لهم ما يُنجيهم إلاّ التوبة ، فنقول : إن هذا باطل لأمور :
…أولاً : أن غفران الذنوب لاتنحصر في التوبة ، بل إن هناك أسباباً كثيرةً في غفران الذنوب ، كالمصائب ، والأمراض..وغيرهما ، ولأنها ذُكرت في مقام التحضيض في التوبة إلى الله تعالى ، وعدم القنوط من رحمته ، وحصرها فيها فقط تحكّم.
…ثانياً : أن العالم الذي قال : إن له توبة ؛ لم يكفّره ابتداءًا ، وإنما نصحه بالذهاب إلى الأرض الصالحة .
…ثالثاً : أن الملائكة اختلفت فيه ، فكان من نصيب ملائكة الرحمة ، لا ملائكة العذاب ، علماً بأنه لم يكن قد وطئت قدمه القرية الصالحة ، فدلّ هذا على بقاءه في أصل الإسلام ، وعدم خروجه عن حياضه ، إذ لوكان كافراً - على مذهب المعترض - لتناولته ملائكة العذاب .(1/168)
…- أولها : أن الله وعد بالجنة الذين أحسنوا وحصرها فيهم بقوله : { أولئك أصحاب الجنة } فعرّف المسند والمسند إليه ، ووسّط بينهما ضمير الفصل لتأكيد الحصر .
…والجواب عليه بأن يُقال :
…نعم ، الذهب المشوب ، فإنه - ابتداءًا - يحتاج إلى تصفيته بإدخاله الكير ليخرج صافياً من الشوائب ، فإذا أُخرج من الكير انتفت عنه مسمّى الشائبه ، فصار ذهباً خالصاً، وكذلك الحال بهؤلاء الذين عندهم إيمانٌ ومعصية ، فلما طُهّروا بدخولهم النار ، فكأنّهم لم يعصوا ربهم ، فصار عنده الحسنى لا السيّئة ، وتسمّوا بالإيمان لا بالفسّاق .
…ثم يورد المعترض الوجه الثاني لاستدلاله بالآية فيقول ص220 :
…- ثانيهما : أنه أخبرعنهم أنهم لا يصيبهم قترٌ ولا ذلّة ، ولا يعقل أن يصلى أحد النار ولو لمدّة ثواني فلا يرهقه فيها قترٌ ولا ذلّة .
…والجواب على شبهته هذه أن الآية في معرض ذكر أحوال أهل الجنة وما هم فيه من نعيم مقيم ، وسعادةٍ أبديّة .
…فالمؤمنون لايصيبهم قترٌ ولاذلّة ماداموا في الجنّة ، بينما نحن نرى بعض المؤمنين في الدنيا يصيبهم القتر والذلّة ، وكذلك الحال بعصاة المؤمنين ، فإنهم إذا دخلوا النار وطُهّروا من ذنوبهم ، ثم خرجوا منها إلى الجنة ، فإنهم - بعد هذا - لايصيبهم القتر ولا الذلة .
…فإن قيل : هذه الآية عامّة في كلّ زمان .
…قلنا : المؤمن في الدنيا يرهقه القتر والذلّة ، فليس المراد بعدم الإصابة بالقتر والذلّة في هذه الآية عامّة ، بل هي مخصوصة بالداخلين الجنة .
…وهذه الآية ردٌ عليه أيضاً في مسألة الرؤية ، قد أوفى أخي الفاضل البخاري الكلام عليها ، فلتراجع .
…أما احتجاج المعترض بأن هؤلاء ( أهل الجنة ) لا يصيبهم قترٌ ولا ذلّة ؛ فإنه احتجاجٌ واعتراض في غير محلّه ، إذ الآية في بيان حال أهل الجنة في جنتهم وبساتينهم وأنهم - وهم كذلك - لا يصيبهم قترٌ ولا ذلّة .(1/169)
…وإن كان الأمر كما قال المعترض فإنه يلزمه أن الناس في العرصات - مؤمنهم وكافرهم - لا يصيبهم هوان الموقف وشدّته وعظمته ، وهذا الأمر قد دلّت عليه النصوص، فهؤلاء الأنبياء كلُهم يقول ـ من هول الموقف ـ : نفسي نفسي ، لا أسألك غيرها ، فإذا كان هذا حال الأنبياء ، فياترى ماهي أحوال من دونهم من الصالحين والمؤمنين ، بل ماهي أحوال الكفّار والمنافقين ، إنه ـ والله ـ لموقف يعجز القلم عن بيانه ، ويكفينا أن نستعدّ له .
…وبعد هذا فما عسى المعترض أن يقول ؟؟
…ثم بيّن المعترض الوجه الثالث من وجوه الاستدلال بتلك الآية قائلاً ص220 :
…ثالثهما : أنه توعّد الذين عملوا السيّئات بالنار مخلّدين فيها ، وهذا الحكم يصدق على من أتى أيّ سيّئة ، فإن السيّئات جنس غير محصورة أفراده ، وما كان كذلك فحكمه يصدق على كل فرد من أفراده سلباً وإيجاباً ، ألا ترى أن قول القائل : تزوجت النساء لا يعني أنه تزوّج جميع أفراد النساء ، بل يصدق على ما لو تزوّج ولو واحدةً منهن ، ولو حلف أنه لم يتزوّج النساء ، وقد تزوّج واحدةً كان في قسمه حانثاً .
…قوله : ( وهذا الحكم على من أتى أيّ سيّئة ، فإن السيّئات جنس غير محصورة أفراده ....) .
…أقول : وكذلك الصغائر ، فإنها من جنس السيّئات ، فهل يخلّد المعترض أيضاً مرتكبها ، وقد سبق الكلام بشئٍ من التفصيل في هذه القضيّة في النقض على الاستدلال ( الأول ) .
…وقد فسّر ابن عباس - رضي الله عنه - ( السيّئة ) هنا فقال : ( عملوا الشرك )(1).
…قال ابن تيمية رحمه الله معلقاً على قول ابن عباس : ( وذلك لأنه وصفهم بأنهم كسبوا السيّئات فقط ، ولو كانوا مؤمنين لكان لهم حسنات وسيّئات )(2).
…ثم يفترض المعترض اعتراضاً ويجيب نفسه بنفسه قائلاً كما في ص221 :
__________
(1) زاد المسير (4/23) .
(2) تفسير آيات أشكلت (1/390) .(1/170)
…فإن قيل : إن الله وعد المحسنين بالجنة ، وكل من أتى حسنة فقد أحسن ، على أن المفسّرين من فسّر المحسنين هنا بالموحّدين لأن التوحيد أس الحسنات .
…فجوابه : لو كان الأمر كذلك لم يكن داعٍ إلى أمر أو نهي في كتاب أو سنة ما دام المطلوب هو التوحيد وحده ، ولتساقط جميع آيات الوعيد على ما دون الشرك من المعصية ، كترك الصلاة ، ومنع الزكاة ، وأكل الربا ، وعقوق الوالدين ، وقطيعة الرحم ، وقتل النفس المحرمة بغير حق ، والزنى ، واللصوص ، وسائر أهل الكبائر في تعداد المحسنين ما داموا يلوكون كلمة التوحيد بألسنتهم ، وإن من أعجب العجب أن يفسّر الإحسان بقوله : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
…هذا الكلام يُرد به على المرجئة وليس على أهل السنة ، فأهل السنة يُثبتون العمل مع الإيمان ، وقد تقدّم في الباب الثاني التفصيل في هذا .
…فنحن لا نقول : إن من جاء بالحسنة : أي بلا إله إلاّ الله ، ولم يعمل خيراً قطّ يكون من أهل الوعد ، بل هذا هو عين قول أهل الإرجاء .
…ثم إن من أهل السنة الذين قالوا في قوله { للذين أحسنوا } ، أي الموحّدين ؛ لايقصدون من ذلك أن الإيمان لايدخله العمل ، ولكن غاية ما يقولون : إن الحسنة العظمى التي يستحقّ دخول الجنة هي قول ( لا إله إلاّ الله ) .
…قال - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله حرّم على النار من قال : لا إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله )(1).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصلاة ، باب المساجد بيوت الله برقم (425) .(1/171)
…وقال أيضاً في حديث البطاقة : ( إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعةً وتسعين سجلاً ، كلّ سجلٍ مثلُ مدّ البصر ، ثم يقول : أتنكر من هذا شيئاً ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يارب . فيقول : أفلك عذرٌ ؟ فيقول : لا يارب . فيقول : بلى ؛ إن لك حسنةً ، فإنه لا ظُلم عليك اليوم ، فتخرج بطاقةٌ فيها : (( أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله )) ، فيقول : احضر وزنك . فيقول : ماهذه البطاقة مع هذه السجلاّت ؟ فقال : إنك لا تُظلم. قال : فتوضع السجلاّت في كفّة ، والبطاقة في كفّةٍ ، فطاشت السجلاّت وثقلت البطاقة ، فلا يثقل مع اسم الله شئ )(1).
نقض الاستدلال ( السابع )…
…ثم يسرد المعترض دليله السابع قائلاً ص221 :
…7- قوله تعالى : { والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً } [ الفرقان : 65 ] ، فإن وصفه بالغرام يدل على عدم انقطاعه ، قال في اللسان : (( والغرام : اللازم من العذاب والشرّ الدائم والبلاء ، والحب والعشق وما لا يستطاع أن يتقصّى منه ))
…وقال الزجاج : هو أشد العذاب في اللغة ، قال الله عزوجل : { إن عذابها كان غراماً } وقال الطرماح :
ويوم النسار ويوم الفجا……ر كان عذابا وكان غراما
…وقوله عزوجل : { إن عذابها كان غراماً } أي ملحا دائماً ملازماً ، وقال أبو عبيدة : (( أي هلاكاً ولزاماً لهم ))
[[ لسان العرب ج12 ص436 ط دار صادق للطباعة والنشر ـ دار بيروت للطباعة والنشر ، بيروت ]]
…وقال شارح القاموس : (( والغرام : مالا يستطاع أن يتقصّى منه ، وأيضاً المُلح الدائم الملازم ))
[[ تاج العروس ج9 ، ص4 ط دار مكتبة الحياة ]]
…والجواب بأن يُقال :
__________
(1) رواه الترمذي (5/24-25) وابن ماجة (2/1437) ، وغيرهم وصححه الشيخ الألباني في الصحيحه برقم (135) .(1/172)
…أولاً : نقله عن أهل اللغة ابتداءًا دون الرجوع إلى أهل التفسير لا يُرتضى ، ذلك لأنه قد تختلف الحقيقة الشرعيّة والحقيقة اللغويّة . فمثلاً ، لفظ : الصلاة ، فإن معناها في اللغة : الدعاء ، فهل كلّ داعٍ يُسمّى مصلٍ باصطلاح الشرع ؟!
…فأهل التفسير هم أعلم الناس بالحقيقتين ( اللغويّة ، والشرعيّة ) ، بل إن بعض علماء أصول التفسير وضعوا شروطاً للمفسّر منها : أن يكون ملماً باللغة العربيّة .
…وهكذا أهل البدع والأهواء دائماً يحتجّون باللغة على الشرع ، لا العكس ، فيقعون في التأويل والتحريف ...وهلمّ جراً .
…وعوداً على بدء أقول : إن أهل التفسير لم يغايروا أهل اللغة في معنى الغرام ، والمعنى الذي ذكره المعترض هو معنىً من المعاني التي ذكرها أهل التفسير ، وقد اختار المعنى الذي يناسب مقتضى مذهبه .
…ثانياً : ذكر ابن الجوزي رحمه الله خمسة أقوالٍ في معنى الغرام فقال :
…( أحدها : دائماً ، رواه أبوسعيد الخدري ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
…والثاني : موجعاً : رواه الضحّاك عن ابن عباس .
…والثالث : ملحاً ، قاله ابن السائب ، وقال ابن جريج : لا يُفارق .
…والرابع : هلاكاً ، قاله أبو عبيدة .
…والخامس : أن الغرام في اللغة : أشدّ العذاب ، قال الشاعر :
ويوم النسار ويوم الجفا……ر كانا عذاباً وكانا غراماً
…قاله الزجاج )(1)، فهذه أقوال الأئمة في معنى الغرام ، ولا يجوز حصرها في المعاني التي ذكرها المعترض .
…ثالثاً : يُمكن أن يُقال إن معنى الغرام : هو الملازم ، والمعنى : أن عذاب جهنّم ملازمٌ لمن كان فيها ، فإذا خرج منها الموحّد العاصي فلا يُقال إن العذاب يلحقه ، كالنور في البيت ، فهو ملازم لمن فيه ، وإذا خرج منه لا يُقال : إن النور يلازمه حتى لو خرج .
__________
(1) زاد المسير (6/23) ، وانظر تفسير القرطبي (13/49) .(1/173)
…روى الحاكم في المستدرك عن عبدالله - رضي الله عنه - قال : ( يجمع الله الناس يوم القيامة..- إلى أن قال -: ..فيُعطون نورهم على قدر أعمالهم ، قال : فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه ، ومنهم من يُعطى دون ذلك بيمينه حتى يكون آخر ذلك من يُعطى نوره على إبهام قدمه يضئ مرة ويطفى مرة ، فإذا أضاء قدّم قدمه ، وإذا طفئ قام ، قال : فيمر ويمرون على الصراط ، والصراط كحدّ السيف ، دحض ، مزلة ، فيقال لهم : امضوا على قدر نوركم ، فمنهم من يمرّ كانقضاض الكوكب ، ومنهم من يمرّ كالريح ، ومنهم من يمرّ كالطرف ، ومنهم من يمر كشد الرجل ، يرمل رملاً ، فيمرّون على قدر أعمالهم ، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه ، تخر يدٌ وتعلق يد ، وتخر رجل وتعلق رجل ، وتصيب جوانبه النار ، فيخلصون ، فإذا خلصوا قالوا : الحمدلله الذي نجّانا منكِ بعد أن أراناكِ ، لقد أعطانا الله مالم يعط أحداً ..).(1)
نقض الاستدلال ( الثامن ) :
…ثم يذكر المعترض دليله الثامن فيقول ص222 :
…8- قوله تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً ، يضاعف له العذاب يوم القيامة له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً } [ الفرقان : 68/69 ] فقد توعّد الله فيه قاتل النفس المحرّمة بغير الحق ، والزاني بما توعّد به من دعا مع الله إلهاً آخر من الخلود في النار .
…واعترض بأن هذا الوعيد خاص بمن جمع بين الكبائر الثلاث دون من أتى واحدة منها .
…وأجيب بأن هذا يعني أن من أشرك مع الله إلهاً آخر ، ولم يجمع مع شركه بين الزنا وقتل النفس المحرّمة لم يصدق عليه هذا الوعيد ، وهذا لا يقوله أحد منكم .
…والجواب بأن يُقال :
__________
(1) المستدرك (2/408) وصححه ووافقه الذهبي .(1/174)
…أولاً : قد بيّن القرآن والسنة أن النار دركات والجنة درجات ، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار ، كما قال تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ..} [ النساء : 145 ] ، وقد بيّن الله سبحانه وتعالى أن الكفر قد يزداد فقال عزّ من قائل في بيان حال المرتدّين : { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً } [ النساء : 137 ] ، وقال أيضاً: { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تُقبل توبتهم وأولئك هم الضالّون } [ آل عمران : 90 ] ، فلا يمنع حينئذٍ أن يتفاوت عذاب الكفار - أنفسهم- في النار ، والعياذ بالله .
…ثانياً : جاء في سبب نزول الآية ثلاثة أقوال :
…1- أن ناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ ، لو تُخبرنا أن لما عملناه كفّارةً ، فنزلت (1).
…2- أنها نزلت في وحشي ( قاتل حمزة )(2).
…3- أنها نزلت تصديقاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - : فقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيّ الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك . قلت : ثم أيّ ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك . قلت ثم أيّ ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ؟ فأنزل الله تصديقها : { والذين لا يدعون مع الله}الآية(3).
…وبهذه الأسباب لم يأت واحدٌ منها على أنها في الموحّد العاصي ، ولو حملناه على الموحّد العاصي لقلنا : هو في استحلّ لما حرّم الله ، وذلك توفيقاً بين النصوص . والله أعلم .
…ثم يفترض المعترض اعتراضاً آخر فيقول كما في ص222 :
__________
(1) رواه مسلم ، وانظر تفسير الطبري (9/414-415) ، وأسباب النزول للواحدي ص368 .
(2) انظر أسباب النزول للواحدي ص387 .
(3) زاد المسير (6/24) ، وتفسير القرطبي (13/51) .(1/175)
…فإن قيل : إن خلود المشرك ثبت بنصوص أخرى دلّت على شركه كافٍ في استحقاقه هذا العذاب ، فالجواب : أن النصوص لم تفرق بين الشرك وغيره في الخلود ، بل دلّت على خلود غير المشرك بالنصّ على بعض الكبائر كالقتل تارة والتوعّد به على مطلق المعصية تارةً أخرى كما في الآية الآتية
…جوابه هذا مصادرة عن المطلوب ، فليُثبت العرش أولاً ثم لينقش ، وقد سبق بيان بطلان جميع أقواله .
نقض الاستدلال ( التاسع )
…ثم يذكر المعترض الدليل التاسع فيقول كما في ص222 :
…9- قوله تعالى : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنّم خالدين فيها أبداً } [ الجن : 23 ] ، ولا يماري أحد يؤمن بما أنزل الله أن مقارفة الكبيرة معصية لله ولرسوله ، فإن قيل : إن هذا الوعيد خاص بالمعصية الكبرى وهي الإشراك بالله تعالى .
…قلنا : هذه مخالفة لصريح اللفظ بدون داع .
…أقول :
…أولاً : أين المخالفة ( الصريحة ) في هذا ؟، إذِ الخلود في المشرك متّفقٌ عليه بيننا وبينه ، كما قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ، 116 ] .
…وقد تنبّه المعترض لهذا ، فأراد الخروج عن النزاع ، فادّعى بأنه مخالف للفظ .
…والجواب عليه : أن المعصية يدخل فيها الصغائر ، والمعترض لا يحكم بمرتكبها بالخلود في النار ، وإنما أراد بهذا الكلام ؛ حصر دائرة المعصية في هذه الآية في الشرك والكبائر ، وهذا حيدٌ غير مقبول .
…فإن قيل : إن الصغائر أخرجناها بدليلٍ منفصل .
…قلنا : وكذلك الكبائر أخرجناها بدليلٍ منفصل ، كما سبق بيانه في الباب الثاني ، وقد سبق الكلام على هذا بشئٍ من التفصيل في النقض على الاستدلال الأول ، فلتراجعه إن شئت .
…ثانياً : سياق الآية في الكفّار وبيان ذلك من ثلاثة أوجه :
…1- أنها سيقت في بيان دعوة الرسل صلوات الله عليهم ، وأن من عصى الله وكذّب برسوله فإنه مستحقٌ للخلود في النار .(1/176)
…قال الطبري رحمه الله : ( ومن يعص الله فيما أمره ونهاه ، ويكذّب به ، ورسوله ، فجحد رسالاته ، فإن له نار جهنّم يصلاها { خالدين فيها أبداً } يقول : ما كثين فيها أبداً إلى غير نهاية )(1).
…وقال ابن الجوزي : ( { ومن يعص الله ورسوله } بترك الإيمان والتوحيد )(2)، وبه قال أبو السعود(3). وقال القرطبي في المعصية هنا : ( في التوحيد والعبادة )(4).
…وقد أوهم المعترض القرّاءَ فلم يذكر ابتداء السياق - وهي قوله تعالى : { قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحداً ...} [ الجن : 20 ] - ليستقيم الأمر كما أراد ، وهذا عملٌ غير مرضيّ .
…2- آخر الآيات يفسّرها وهي قوله { حتى إذا رأوا ما يُوعدون } : أي الكفّار كما قاله ابن الجوزي(5) وابن كثير(6) والشوكاني(7)، وقوله : { خالدين فيها أبداً } دليل على ذلك أيضاً ، قاله ابن عطيّة (8)، وأبو حيّان(9).
…والنظر إلى السياق من القواعد المعتمدة عند العلماء في الترجيح والتفسير(10).
…3- أنها مكّيّة ، والكلام فيها مع الكفّار(11).
…ثالثاً : تُحمل المعصية هنا على المعصية الكفريّة .
…قال العلاّمة ابن سعدي رحمه الله : ( { ومن يعص الله ورسوله } ، وهذا المراد به : المعصية الكفريّة ، كما قيّدتها النصوص الأخر المحكمة ، وأما مجرّد المعصية ، فإنه لا يوجب الخلود في النار ، كما دلّت آيات القرآن ، والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأجمع عليه سلف الأمّة ، وأئمة الدين )اهـ(12).
__________
(1) تفسير الطبري (12/275) .
(2) زاد المسير (8/110) .
(3) تفسير أبي السعود ( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ) (5/780) .
(4) تفسير القرطبي (19/18) .
(5) زاد المسير (8/110) .
(6) تفسير القرآن العظيم (4/677) .
(7) فتح القدير (5/310) .
(8) المحرر الوجيز (16/142) .
(9) البحر المحيط (8/354) .
(10) انظر قواعد الترجيح عند المفسّرين (1/125) .
(11) التسهيل لعلوم التنزيل (4/155) .
(12) تيسير الكريم الرحمن (5/321) .(1/177)
…ويذكر اعتراضاً آخر فيقول كما في ص222 :
…فإن قيل : إن الداعي إلى ذلك حمل هذا الوعيد ما جاء من وعيد المشركين بهذا الجزاء .
…قلنا : إن ورود الحكم العام في بعض الأفراد مدلولاته لا يخصص عمومه ، وكما توعّد المشركون بهذا الجزاء توعّد سائر أصحاب الكبائر به في نصوص أخرى كما سبق .
…أقول : نعم توعّد أصحاب الكبائر في نصوصٍ أخرى ، لكنه حكم بأن من ارتكبه تحت مشيئته إن شاء عذّبه عذاباً لا يخلّده في ناره ، وإن شاء عفا عنه بعفوٍ منه وكرم ، كما قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ، 116 ] ، قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : ( كنا نوجب لأهل الكبائر النار حتى نزلت هذه الآية على النبي - صلى الله عليه وسلم - [ وذكر الآية ثم قال ] : فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نوجب لأحدٍ من أهل النار (1)، وفي رواية : ( ثم قطعنا بعد ورجونا ) كما في الدر المنثور للسيوطي(2).
…وقال تعالى أيضاً : { قُل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } [ الزمر : 53 ] ، ماذا يُفهم من الإسراف هنا ، أليس الإسراف في المعصية ؟؟
النقض على الاستدلال ( العاشر )
…ثم يذكر الدليل العاشر والأخير من القرآن الكريم فيقول كما في ص223 :
__________
(1) رواه ابن أبي عاصم في السنة وجوّد إسناده الشيخ الألباني (2/457-458) برقم (973) .
(2) الدر المنثور (2/169) ، وانظر تحقق الوعد الأخروي ص481 .(1/178)
…10- قوله تعالى : { إن الأبرار لفي نعيم ، وإن الفجار لفي جحيم ، يصلونها يوم الدين وماهم عنها بغائبين } [ الإنفطار : 13/16 ] (1)ووجه الاستدلال به ما فيه من تقسيم الناس إلى طائفتين ، أبرار وفجار ، وتقسيم جزائهم إلى مصيرين ، نعيم وجحيم ، مع النص على عدم غياب أصحاب الجحيم عنها ، وذلك على حدّ قوله تعالى : { فريق في الجنة وفريقٌ في السعير } [ الشورى : 7 ]
…أقول : المعترض يرى أن الفجّار : هو كلّ من فجر ، ونقول : أعظم الفجور الشرك بالله .
…وحتى لو قلنا : إن الفجّار غير المشرك ( أعني : العصاة الموحّدين ) ؛ فليس في الآية أنهم يخلّدون فيها .
…ولو قيل { وما هم عنها بغائبين } أي مخلّدين فيها ، فنقول : هذا فجور خاص ، وليس فجوراً عاماً ، وهذا الفجور الخاص ينصرف إلى الشرك بالله الذي يخرج صاحبه من الملّة السمحة .
…ثم يذكر المعترض الاعتراض على استدلاله السابق فيقول كما في ص223 :
…واعترض بأن المراد بالفجّار الكاملون في الفجور الذين وصفهم الله بقوله : { أولئك هم الكفرة الفجرة } [ عبس : 42 ] حتى أن الفخر الرازي قال : (( لا نسلم أن صاحب الكبيرة فاجر )) .
…[[ التفسير الكبير ج31 ص84 ط2 دار الكتب العلميّة ـ طهران ]]
…ويردّ هذا الاعتراض أنهم ملزومون على قولهم هذا أن يكون الزناة ، ومن عمل عمل قوم لوط ، وأكلة الربا ، وقتلة الأنفس بغير حق ، ومانعو الزكاة ، وسائر أهل الكبائر ما عدا الشرك في تعداد الأبرار الموعودين بالنعيم ، ورضوان من الله أكبر .
…أقول :
…أولاً : لا يلزمنا هذا الإلزام ، وإنما هو قول المرجئة القائلين بأن العصاة مؤمنون كاملوا الإيمان .
…ثانياً : من خلال النظر في أصناف الناس .
__________
(1) قد سبق المعترض في الاستدلال بهذه الآية القاضي عبدالجبّار ( المعتزلي ) كما في متشابه القرآن (2/682) .(1/179)
…فالمعترض يريد أن يقول : الناس صنفان فقط لا ثالث لهما :( أبرار ، و فجّار ) بدليل استدلاله بهذه الآية واستماتته في الدفاع عن مفهومها الذي فهمه هو ، لا الذي فهمه أهل التفسير .
…وسأورد عليه هذه الإيرادات :
… - رجلٌ يستكثر من المعاصي الصغيرة ، التي لا يراها المعترض أنها تخلّد صاحبها في النار ، فأين نصنّف هذا الصنف ؟ أمن الأبرار أم من الفجّار ؟
… - رجلٌ آخر لم يأت بالصغائر ، ولكنه لم يأتِ أيضاً بالأعمال الكبيرة ، التي تقرّبه إلى الله تعالى ، فأين نصنّف هذا أيضاً ؟.
…فالآية لم تحصر أصناف الناس كما حصرهم المعترضون ، وإنما هي كما قال الله تعالى : { فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السعير } [ الشورى : 7 ] (1).
…فإن كانت الآية حاصرةً : في ( إن لم يكونوا أبراراً فهم فجّار ، وإن لم يكونوا فجاراً فهم أبرار ) ، فأين نجعل هذين الصنفين الآنفي الذكر ؟؟ .
…اللهم إلاّ أن يُقال { إن الأبرار لفي نعيم } ذكر صنفاً وهم المؤمنين المتنعّمين في الجنّة . و { إن الفجّار لفي جحيم } ذكر صنفاً آخر وهم الكفّار المعذّبون في النار ، وترك ذكر الأصناف الباقية .
…أو يُقال في ( الأبرار ) : كلّ من برّ بإيمانه ، فيدخل فيها حتى من عصى ولم يدخل النار لرُجحان حسناته على سيّئاته . وأن ( الفجّار ) : كلّ من فجر سواء كفر أو لم يكفر، فيخرج الثاني ( الذي لم يكفر ) من النار بدليلٍ آخر .
…والجنّة درجات ، والنار دركات ، فكونه سبحانه ذكر درجةً هنا ودركةً هنا ؛ لا يلزم من عدم وجود الباقي .
…ثالثاً : أن المراد بالفجّار هنا : الكفّار .
…يقول الطبري رحمه الله:( { وإن الفجّار } الذين كفروا بربهم { لفي جحيم})(2).
__________
(1) انظر تفسير القرطبي (20/163) .
(2) تفسير الطبري (12/481) .(1/180)
…وقد ذكر ابن الجوزي قولين في معنى الفجار : الكفّار والظلمة ، ثم لما تكلّم عن قوله : { وماهم عنها بغائبين } قال : ( وهذا يدلّ على تخليد الكفّار )(1)، فدلّ على أنها في الكفّار لا العصاة الموحّدين .
…ثم يندب المعترض على حال الأمة فيقول كما في ص223 :
…ولعمر الله ما من وسيلةٍ لهدم قواعد الدين ، واستئصال الفضائل ، وإشاعة الفحشاء ، ونشر الرذائل ، أبلغ من هذا الاعتقاد ، فإنه يهدم جميع أوامر الله ونواهيه ، وينسف كل ما جاء في كتابه ، وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من وعيد لأهل الكبائر ، وناهيك أن يكون الزنى ، واللواط ، وشرب الخمور ، والدياثة ، وسائر المنهيّات من أعمال البرّ لأن مرتكبيها في صفوف الأبرار .
…أقول كما قال الشاعر :
أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ……ما هكذا يا سعد تورد الإبل !!
…ما هكذا تكون الغيرة أيّها الشيخ ، إن الدين الإسلامي دينٌ كاملٌ بكلّ معاييره ، لا يحتاج إلى زيادةٍ من أحدٍ ، قال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } [ المائدة : 3 ] ، فالله الذي قال : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم } [ الجن : 23 ] هو الذي قال : { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ، 116 ] ، وهو الذي قال : { قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً } [ الزمر : 53 ] وهو القائل : ( يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ، ثم استغفرتني ، غفرت لك ، يا ابن آدم ، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ،ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئاً ، لأتيتك بقرابها مغفرة )(2).
__________
(1) زاد المسير (8/198) .
(2) رواه الترمذي وحسّنه ، وقال الحافظ ابن رجب : إسناده لابأس به ، انظر جامع العلوم والحكم ص464 .(1/181)
…فديننا الإسلامي يحمينا من الدُخلاء الذين يريدون تشويه صورته الحقيقيّة - بقصدٍ أو بدون قصد - ، والسلف الصالح هم الذين تلقّوا هذا الدين غضاً طرياً من فيّ محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه ، وهم أعلم الناس بمصالح دينهم ودنياهم ، وأحرصهم على الثواب ، وأسرعهم إلى الاستغفار ، وأغيرهم على الدين ، ومع ذلك لم يأت عن أحدٍ منهم تكفير مرتكب الكبيرة على وجه العموم ، ومنهجهم أقوم من منهج المعترض وأضرابه ، فالسعيد من كان على سننهم ومنوالهم ، والشقي من ترك سبيلهم ، وابتدع سبيلاً غير سبيلهم .
…ثم ينتقل المعترض إلى نصوص السنة ، وقد استدل بعشرةٍ منها ، مشوبة بأدلةٍ عقليّة كما هو منهجه في الاستدلال بالآيات .
ثانياً : نقض استدلاله ( بالسنة النبويّة ) :
توطئة
…إن السنة النبويّة تأتي في الدرجة الثانية في الاستدلال بعد القرآن الكريم ، ولا يخرج من فيّ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما هو حقّ لا مرية فيه ، ومن كذّب بأقواله فقد كذّب برسالته ، لذلك كان من حسنات السلف رضوان الله عليهم ؛ أنهم يأخذون من كل ما أتت به السنة ، لا يتشكّكون في صحّتها أو في نسبتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما دام الإسناد الناقل له صحيحاً .(1/182)
…قال تعالى : { قُل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون}(1) [ يونس : 58 ] فالمؤمنون يفرحون بكلّ ما جاء عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الهدى ودين الحقّ ، ولا يتركون لعقولهم منفذاً لتحكّم الشبه التي يُلقيها الشيطان لأولياءه ، فمن كانت هذه حاله وهذه صفته فليبشروا بوعد الله تعالى إذ قال : { الذين يؤمنون بالغيب ويُقيمون الصلاة ومما رزقناهم يُنفقون - والذين يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون - أولئك على هدىً من ربّهم وأولئك هم المفلحون } [ البقرة : 3-5 ] ، فحياتهم بسيطة ، وعقيدتهم سهلة ، بخلاف أولئك الناعقين من أهل البدع ، إذ يمرّ الواحد منهم بمراحل عدّة لكي يصدّق آيةً واحدة أو حديثاً واحداً ، نعوذ بالله من خذلانهم وضلالهم .
…وقد رأيت أن المعترض - هداه الله - يخالف نهجه الذي انتهجه للنقد ، ألا وهو ردّ أخبار الآحاد في العقائد .
…وحينما ننظر هنا إلى احتجاجه بالسنة النبويّة ؛ لا نجده يدقّق في الإسناد ، بل نجده يُقبل عليه بكليّته ، بل ويبني عليها عقيدةً ؛ لأنها أحاديثٌ تؤيّد - في الظاهر - مذهبه القاضي بخلود أهل الكبائر في النار .
…وهذا المنهج خطير جداً جدّ خطير ، ليؤنبئنا أن المعترض ليس له منهجٌ مستقيم يسير عليه أو قاعدةٌ يستطيع طردها ؛ ذلك لأن الله لايريد أن يكون الكمال إلاّ لمن اتّبع سبيل المرسلين ، ويزيد الله في تضليل أولئك الناعقين من أهل البدع ، قال تعالى : { أفرأيت من اتّبع إلهه هواه وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكّرون ؟؟} [ الجاثية : 23 ] ، وقال أيضاً: { أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ إن الله عليمٌ بما يصنعون } [ فاطر : 8 ] .
__________
(1) انظر تفسير ابن كثير (2/652) .(1/183)
…فهنيئاً لأهل السنة إقبالهم على السنة ، وهنيئاً لهم رضوان الله والجنة ، وعزاؤنا لأهل البدع والأهواء ضلالهم واستكانتهم وحيرتهم .
…قال المعترض ص223 :
…وأما من السنة فكثير من الروايات الصحيحة التي لا يمكنني جمعها إلاّ بعد جهدٍ جهيد ، وإنما أقتصر منها على ما يأتي :
…ومن كلامه هذا نستخلص ما سبق ذكره في المقدّمة العامة في منهج المعترض وهو : أنه قد سبر وعرف أدلّة القائلين بعدم خلود مرتكبي الكبائر في النار ، فكتمها خلسةً ، لا جهالةً ، والله يعامله بعدله .
…والأحاديث التي ذكرها المعترض ، في بيان جزاء بعض مرتكبي الكبائر ، لم يفهم منها أحدٌ من السلف خلود مرتكبيها النار ، بل غاية ما يقوله السلف في نصوص الوعد والوعيد ( أنها لبيان مقادير الأعمال ، لا لبيان منازل العباد ) .
نقض الاستدلال ( الأول والثاني ) :
…قال المعترض ص224 :
…1- روى البخاري ومسلم وغيرهما من طريق ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :( يدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، ثم يقوم مؤذّن بينهم يا أهل النار لا موت ، ويا أهل الجنة لا موت ، كل هو خالد فيما هو فيه ) وروى مثله البخاري من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - والطبراني والحاكم وصححة من طريق معاذ - رضي الله عنه - ، ودلالته على صحّة عقيدة القائلين بخلود أهل الكبائر في النار لا غبار عليها ، فإنه يفيد أن ذلك يعقب دخول الطائفتين في الدارين .
…2- أخرج الطبراني وأبو نعيم وابن مردوية عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لو قيل لأهل النار إنكم ما كثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها ، ولو قيل لأهل الجنة : إنكم ما كثون فيها عدد كل حصاة لحزنوا ، ولكن جعل لهم الأبد ) .
…أقول : الحديث الأول صحيح أخرجه الشيخان .(1/184)
…وأمّا الحديث الثاني فقد رواه الطبراني في الكبير (10/179 ) ، وأبو نعيم ( 4/168 ) وقال : تفرّد به الحكم بن ظهير ، وهو الفزاري ، قال أبوحاتم : متروك الحديث لايكتب حديثه ، وقال أبو زرعة : واهي الحديث كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( 3/119 ) ، وقال البخاري في التاريخ الكبير ( 2/345 ) : تركوه ، منكر الحديث ، وكذّبه ابن معين كما في التهذيب لابن حجر ( 2/385 ) ، قال الهيثمي بعد ذكر الحديث في مجمع الزوائد (10/396 ) : رواه الطبراني وفيه الحكم بن ظهير وهو مجمعٌ على ضعفه ، والحديث حكم عليه العلاّمة الألباني بالوضع كما في السلسلة الضعيفة ( 2/70-71 ) رقم ( 605 ) .
…وبعد هذا البيان ؛ فلايجوز لمسلمٍ الاحتجاج بحديث ضعيفٍ فضلاً عن كونه موضوعاً .
…ثم هو مع كونه موضوعاً فهو من الأحاديث الآحاد التي يُنكر المعترض الاحتجاج بها في الجملة ، لتفرّد الحكم بن ظهير به كما مرّ ، فيسقط - حينئذٍ - الاحتجاج به ، وعلى فرض ثبوته فإن ابتداء الحديث ( لو قيل ..) وهل يُقال ذلك ؟.
…والجواب عن الحديث الأول بأن يُقال : إنه بعد أن يدخل أهل الجنة الجنة بما فيهم العصاة الموحّدون ، الخارجون من النار إلى الجنّة بعد تطهيرهم من ذنوبهم ، ويدخل أهل النار النار ؛ يُنادى بينهم : أن خلودٌ فلا موت .
نقض الاستدلال ( الثالث ) :
…قال المعترض ص224 :
…3- روى أحمد والبزّار والحاكم والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يدخل الجنّة عاق ، ولا مدمن خمر ) وفي رواية : ( ثلاثة قد حرّم الله عليهم الجنة ، مدمن الخمر ، والعاق لوالديه ، والديّوث ، وهو الذي يقرّ السوء في أهله ) .(1/185)
…الحديث الأول صحيح إذ رواه أحمد في المسند ( 2/273 ) وابن أبي شيبة ( 5/97، 220 ) ، و قد صحّحه العلاّمة أحمد شاكر في شرحه للمسند ( 11/118-119 ) ، ( 10/44-47 ) وأطال النفس فيه ، كما حسّنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (675) .
…أما الرواية الثانية ؛ فقد رواها أحمد في المسند ( 2/95،174 ) وضعّفه الشيخ أحمد شاكر في شرحه للمسند ( 7/197 ) ، ( 8/635 ) لجهالة الراية عن سالم بن عبدالله ، لكن روى الحاكم في المستدرك ( 1/144 ) وذكر الراوية عن سالم بن عبدالله وهو : عبدالله بن يسار الأعرج بلفظ : ( ثلاثة لا يدخلون الجنّة : العاق بوالديه ، والديّوث ، ورجلة النساء ) ، وجاء عند أحمد بلفظ : ( ثلاثةٌ قد حرّم الله عليهم الجنّة : مدمن الخمر ، والعاقّ ، والديّوث الذي يقرّ في أهله الخبث ) ، وصحّحه الألباني في صحيح الجامع ( 1/585 ) رقم ( 3052 ) .
…والجواب عنه بأن يُقال :
…أولاً : إنهم لا يدخلونها ابتداءً ، لكن بعد تطهيرهم من ذنوبهم تلك ؛ فإنهم سيدخلونها بكرم الله وفضله ، كما دلت ذلك نصوص القرآن والسنة .
…ثانياً : لا يسعه الاستدلال به لأنه خبر آحاد ، وهو يُنكر الاحتجاج به .
النقض على الاستدلال ( الرابع )
…قال المعترض ص224 :
…4- روى الشيخان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الآخرة ) وهو كناية عن حرمانه من دخول الجنّة ، لأن أهل الجنة لهم فيها ما تشتهيه أنفسهم ، وتلذّ أعينهم فلا يحرمون من شئ .
…والجواب على هذا الحديث بأن يُقال :(1/186)
…أولاً : نقل الحافظ ابن حجر عن ابن عبدالبر قوله : ( هذا وعيدٌ شديد يدلّ على حرمان دخول الجنة ، لأن الله تعالى أخبر أن في الجنة أنهار الخمر لذة للشاربين ، وأنهم لا يصدّعون عنها ولا ينزفون ، فلو دخلها - وقد علم أن فيها خمراً أو أنه حرمها عقوبةً له- لزم وقوع الهمّ والحزن في الجنّة ، ولا همّ فيها ولا حزن ، وإن لم يعلم بوجودها في الجنة ولا أنه حرّمها عقوبةً له ؛ لم يكن عليه في فقدها ألم ، فلهذا قال بعض من تقدّم : إنه لا يدخل الجنة أصلاً ، قال : وهو مذهبٌ غير مرضي ، قال : ويُحمل الحديث عند أهل السنة على أنه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلاّ إن عفا الله عنه كما في بقيّة الكبائر ، وهو في المشيئة ، فعلى هذا فمعنى الحديث : جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلاّ إن عفا الله عنه ، قال : وجائز أن يدخل الجنة بالعفو ثم لا يشرب فيها خمراً ولا تشتهيها نفسه وإن علم بوجودها فيها ....) ، ثم يقول الحافظ ابن حجر : ( وفصل بعض المتأخرين بين من يشربها مستحلاً فهو الذي لا يشربها أصلاً لأنه لا يدخل الجنة أصلاً ، وعدم الدخول يستلزم حرمانها ، وبين من يشربها عالماً بتحريمها فهو محل الخلاف ، وهو الذي يحرم شربها مدة ولو في حال تعذيبه إن عذّب ، أو المعنى : أن ذلك جزاؤه إن جوزي والله أعلم )(1).
…ثانياً : فقد روى البخاري في بسنده عن عمر بن الخطاب أن رجلاً كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبدالله ، وكان يُلقب حماراً ، وكان يُضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب ، فأوتيَ به يوماً فأمر به فجُلد ، فقال رجلٌ من القوم : اللهم العنه ، ما أكثر ما يُؤتى به ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تلعنوه ، فوالله ما علمت أنه يحبّ الله ورسوله ) .
__________
(1) فتح الباري (10/35) .(1/187)
…وروى أيضاً بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بسكران ، فأمر بضربه ، فمنا من يضربه بيده ، ومنا من يضربه بنعله ، ومنا من يضربه بثوبه ، فلما انصرف قال رجل : ما له أخزاه الله ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم)(1).
…وقد بوّب له البخاري بباب : ما يُكره من لعن شارب الخمر ، وأنه ليس بخارجٍ من الملّة .
…ومن خلال هذين الحديثين يتبيّن لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامله معاملة مسلمٍ ، بل أثبت له أوثق عرى الإيمان وهو حبّ الله وحبّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأنكر على من لعنه ، ولو كان في شربه كفراً لكفّره ابتداءاً ، ولأخرجه من الملّة ، وقتله قتْلة المرتدّين ، ولم يحدّه حدّ شارب الخمر ، فإن جزاء الردّة : القتل كما هو معلوم .
…قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( وفيه الردّ على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر لثبوت النهي عن لعنه ، والأمر بالدعاء له ، وفيه أن لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه )(2).
…ثالثاً : أنه خبر آحاد لا يُحتجّ به ، كما هو مذهب المعترض .
…وبهذا يظهر لنا بطلان استدلال المعترض بهذا الحديث ، والله أعلم .
النقض على الاستدلال ( الخامس ) :
…قال المعترض ص224 :
…5- أخرج البخاري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من استرعاه الله رعيّة ثم لم يحطها بنصحه إلاّ حرّم الله عليه الجنّة ) .
…ما قيل في شأن العاق والمدمن الخمر يُقال هنا .
النقض على الاستدلال ( السادس ) :
…قال المعترض ص224 :
__________
(1) البخاري (12/77 فتح ) حديث (6780 ، 6781) .
(2) الفتح (12/80) ، وانظر مجموع الفتاوى ( 10/329 ، 638 ) (12/484) .(1/188)
…6- روى الإمام الربيع في مسنده الصحيح عن أبي عبيدة عن جابر ابن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من اقتطع حق مسلمٍ بيمينه حرّم الله عليه الجنّة وأوجب له النار) ، فقال رجل : وإن كان شئاً قليلاً يسيراً يارسول الله ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإن كان قضيباً من أراك ) ورواه الإمام مالك في موطئه ، ومسلم في صحيحه ، والنسائي في سننه من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - .
…الجواب بأن يُقال :
…أولاً : تصديره النقل عن مسند الربيع غير مرضيّ ، وقد أراد المعترض أن يجعل مسنده هذا أصلاً ، أما موطّأ مالك وصحيح مسلم وسنن النسائي ، فإنما هي تبع لمسنده .
…ثم إن غالب الأحاديث في هذا المسند آحاد ، لا يجوز الأخذ بها !!.
… وانظر ما كتبه أخونا عدنان البخاري عن مسند الربيع بن حبيب ، ولشيخنا الدكتور / سعد بن عبدالله الحميد مذكّرة مفصّلة في شأنها ، وهو يحوي الآحاد من الأخبار .
…ثانياً : ليس في الحديث ما يدلّ على خلود مرتكب هذه الكبيرة ، وإنما هو إخبارٌ عن استحقاقه العذاب ، وعلى فرض صحّة استدلال المعترض به ، فإنه يُقال هذا في الكافر ، أو المستحل اللّذان يخلّدان في النار .
نقض الاستدلال ( السابع )
…قال المعترض ص225 :
…7- أخرج الشيخان وغيرهما من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من قتل نفسه بحديدة في يده بتوجأ بها في بطنه في نار جهنّم خالداً فيها أبداً ، ومن قتل نفسه بسمٍ فسمّه في يده يتحساه في نار جهنّم خالداً فيها أبداً ، ومن نزل من جبل فقتل نفسه فهو ينزل في نار جهنّم خالداً مخلّداً فيها أبداً ) .
…والجواب بأن يُقال :(1/189)
…ثبت في صحيح مسلم في حديث الطفيل بن عمرو الدوسي ( ......فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو ، وهاجر معه رجل من قومه ، فاجتووا المدينة ، فمرض ، فجزع ، فأخذ مشاقص له ، فقطع بها براجمه ، فشخبت يداه حتى مات ، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه ، فرآه وهيئته حسنة ، ورآه مغطياً يديه ، فقال له : ما صنع بك ربّك عزوجل ؟ فقال : غفر لي بهجرتي إلى نبيّه - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : مالي أراك مغطّياً يديك ؟ قال : قيل لي : لن نُصلح منك ما أفسدت ، فقصّها الطفيل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( اللهم وليديه فاغفر )(1).
…وقد بوّب له النووي في شرحه لمسلم فقال : ( باب : الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر ) .
…أما شرب السمّ فقد قال الحافظ في الفتح : ( وأما مجرّد شرب السم فليس بحرامٍ على الإطلاق ؛ لأنه يجوز استعمال اليسير منه إذا ركب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع ، أشار إلى ذلك ابن بطّال ، وقد أخرج ابن أبي شيبة وغيره أن خالد بن الوليد لما نزل الحيرة قيل له : احذر السم لا تسقيكه الأعاجم ، فقال : ائتوني به فأتوه به ، فأخذه بيده، ثم قال : بسم الله ، واقتحمه ، فلم يضرّه )(2).
…ومن هذا الحديث يتبيّن لنا أن قتل النفس لا تُحبط العمل بالكلّية ، بل يكون تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له .
نقض الاستدلال ( الثامن ) :
…قال المعترض ص225 :
…8- روى مسلم في صحيحه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( صنفان من أهل النار لم أرهما ،قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ، رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه (2/312 نووي ) .
(2) فتح الباري (10/258-259) .(1/190)
…الجواب أولاً : هذه حكايةٌ عن موقف أهل النار ، وبيانٌ لشدّة عذابهم ، وعظم جرمهم .
…ثانياً : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحكِ عن الصنف الأوّل أنهم يخلّدون في النار ، أو أنهم لا يخرجون منها إلى الجنّة ، وإنما حكى الصنف الثاني .
…ثالثاً : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثبت في نفس هذا الحديث أنهنّ قد يدخلن الجنّة بعد مسيرة كذا وكذا .
…رابعاً : عدم إيجادهنّ رائحة الجنة محمولٌ حال تعذبيبهن ، ومن الممكن أن يخرجن فيجدن رائحة الجنّة .
…خامساً : على التسليم بأنه يفيد الخلود ؛ فإنه محمول على النساء الكافرات الكاسيات - وما أكثرهنّ - ، لا على المسلمات اللاّتي ارتكبن هذه المعصية .
…سادساً : هو حديث آحاد .
نقض الاستدلال ( التاسع ) : …
…قال المعترض ص225 :
…9- روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يدخل الجنة نمّام ـ وفي رواية ـ : قتّات ) .
…والجواب عليه ما يلي :
…أولاً : أنه لا يدخلها ابتداءاً ، وسيدخلها إن طُهّر من ذنوبه ، بحيث لا يتعلّق به إثم النميمة ، أو يعفو عنه الله (1).
…ثانياً : أنه في المستحلّ للنميمة .
…ثالثاً : لوكان كافراً لما شفع النبي - صلى الله عليه وسلم - للذين مرّ عليهما في قبهما إذ قال : ( إنهما ليُعذّبان ، وما يعذّبان في كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ...ثم أخذ جريدة فشقّها بنصفين ، فغرز في كلّ قبر واحد ، قالوا : يارسول الله لم صنعت هذا ؟ ، قال : لعلهما أن يخفف عنهما ما لم ييبسا )(2).
…رابعاً : أن هذا جزاؤه ، ولكن الله يتفضّل عليه ، فيخرجه من النار بتوحيده(3).
…خامساً : أنه خبر آحاد ، فلا يُحتجّ به !
نقض الاستدلال ( العاشر )
…ثم يختم المعترض دليله العاشر فيقول كما في ص225 :
__________
(1) انظر التوحيد لابن خزيمة (2/868-869) .
(2) رواه البخاري (1/65) ومسلم (1/166) وغيرهما .
(3) انظر مدارج السالكين (1/395) .(1/191)
…10- روى الشيخان عن سعد وأبي بكرة رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من ادّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) .
…والجواب على هذا :
…أولاً : أنه في المستحلّ .
…ثانياً : أنه للتغليظ في هذا الأمر .
…ثالثاً : تحرّم عليه الجنّة ابتداءًا ، فإذا طُهر من ذنبه هذا أُدخل الجنّة بعفو الله تعالى .
…رابعاً : هو خبر آحاد .
?ل??ل ?ل??ل?
لوازم القول بخلود مرتكبي الكبائر في النار .
…إن لكلّ بدعة ضلالتها ، فالبدعة تأخذ بجوانب صاحبها بحيث لا يستطيع الانفكاك عنها إلاّ من كتب الله له الخير لهدايته وإرشاده طريق الحق ، لذا اختلف العلماء في قبول توبة المبتدع ، إذِ المبتدع يصعب عليه الرجوع عن الأمور التي قررتها له عقيدته المنحرفة .
…فعقيدة هؤلاء تفرض عليهم أموراً كثيرةً ، بحيث لا يقولون بقولٍ إلاّ ويلتزمون بجميع لوازمه وجوانبه ، فنجدهم يحاولون جاهدين لطرد قواعدهم وعقائدهم ؛ لئلاّ تتناقض أقوالهم ، فيسلمون من القدح والنقد .
…ومن هذه العقيدة ( أعني : عقيدة القول بخلود مرتكبي الكبائر في النار ) نشأ عنها أمورٌ عدّة ، أذكر أهمّها ، فأقول وبالله التوفيق :
أولاً : ?ن??? ?ل????? (1) :
__________
(1) للشيخ مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله رسالة فيها ، وللدكتور ناصر الجديع رسالة أيضاً فيها ، ضمّن فيها الرد على منكريها ، وقد استفدت منها كثيراً .
ومما يجدر التنبيه إليه أن الخوارج أثبتوها فقط لأهل الطاعة ، وقصروا أثرها على زيادة الثواب دون درء العقاب ، قال السالمي : ( شفاعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - مقصورة على التقي من المكلّفين ، والتقي هو من جانب المحرمات ، فادى الواجبات ، فلا شفاعة لغيره من الأشقياء ) مشارق أنور العقول ص287 ، وانظر أصدق المناهج ص27 ، وتحقق الوعد الأخروي للدكتور / عيسى السعدي ص442.(1/192)
…نجد أن الشفاعة من أقوى أدلّة أهل السنة على الإطلاق في إثبات خروج أهل الكبائر من النار ، لذا نجد الوعيديّة ينكرونها أشدّ الإنكار ، ومنهم الإباضيّة .
…ونلخّص مباحث الشفاعة بأمورٍ :
… - أولاً : تعريف الشفاعة :
…هي في اللغة كما قال ابن فارس : ( الشين والفاء والعين أصل صحيح يدلّ على مقارنة الشيئين ، والشفع خلاف الوتر )(1).
…وفي الاصطلاح : قال ابن الأثير : ( هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم).(2)
…وقال السفاريني : ( سؤال الخير للغير )(3).
…وعند التأمل لهذين التعريفين نرى أن الأول يحصر في دفع المضرّة ، والثاني لجلب الخير ، والحقّ أنهما متلازمتان فهي سؤالٌ لدفع مضرة أو جلب منفعة .
…قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله : ( هي التوسّط للغير بجلب منفعةٍ أو دفع مضرّة )(4). وهذا التعريف شاملٌ بطلب الشفاعة في الدنيا والآخرة .
… - ثانياً : الأدلّة في إثبات الشفاعة :
…تضافرت الأدلّة الكثيرة في الكتاب والسنة على إثبات الشفاعة ، فمن القرآن قوله تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه } [ البقرة : 255] ، وقوله : { ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] ، وقوله : { ما من شفيع إلاّ من بعد إذنه} [ يونس : 3 ] ، وقوله : { يومئذٍ لا تنفع الشفاعة إلاّ من أذن له الرحمن ورضي له قولاً } [ طه : 109 ] .
…ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - ( لكل نبيٍ دعوة دعا بها فاستجيب ، فجعلت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة )(5).
…وقال أيضاً : ( لكل نبيٍ دعوة مستجابة ، فتعجل كل نبيٍ دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي ..)(6).
__________
(1) معجم مقاييس اللغة (3/201) وانظر لسان العرب (8/1238) .
(2) النهاية في غريب الحديث (2/485) .
(3) لوامع الأنوار البهيّة (2/204) .
(4) شرح لمعة الاعتقاد ص128 .
(5) رواه البخاري في كتاب الدعوات في الباب الأول (7/145) . ومسلم في الإيمان (1/190) .
(6) رواه مسلم (1/189) .(1/193)
…وجاء في الصحيحين عن جابر رضي الله عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلي ) وذكر منها ( وأعطيت الشفاعة )(1).
…وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ...وأول شافع وأول مشفّع )(2).
…ونظائرها كثيرة جداً .
…علماً بأنه قد وقع الإجماع على ثبوتها ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وأما شفاعته - صلى الله عليه وسلم - لأهل الذنوب من أمته فمتّفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم ، وأنكرها كثيرٌ من أهل البدع )(3).
…وقال السفاريني رحمه الله : ( انعقد عليها إجماع أهل الحقّ من السلف الصالح قبل ظهور المبتدعة )(4).
…وقد عقد جمعٌ من علماء السلف رحمهم الله في ثنايا مصنّفاتهم على إثبات الشفاعة والرد على منكريها(5).
…
… - ثالثاً : أنواع الشفاعة
…1- الشفاعة العظمى وهي الخاصّة بنبيّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) رواه البخاري (1/86) في كتاب التيمم الباب الأول ، ومسلم (1/371) .
(2) رواه مسلم (4/1782) .
(3) مجموع الفتاوى (1/148) .
(4) لوامع الأنوار البهيّة (2/208) .
(5) انظر الشفاعة للدكتور ناصر الجديع ص30-33 .(1/194)
…فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : أُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلحم فدُفع إليه منها الذراع ، وكانت تُعجبه ، فنهس منها نهسةً ، ثم قال : ( أنا سيّد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون مم ذلك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض : ألا ترون إلى ما أنتم فيه ؟ ألا ترون إلى ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض : أبوكم آدم ، فيأتون آدم ، فيقولون : يا آدم ، أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ...ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول آدم : إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى نوح ، فيأتون نوحاً.........- إلى أن قال - : ..فيأتوني فيقولون : يا محمد ، أنت رسول الله ، وخاتم الأنبياء ، غفر الله لك ذنبك ، ما تقدم منه وما تأخر ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فأقوم ، فأقوم ، فآتي تحت العرش ، فأقع ساجداً لربي عز وجل ، ثم يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحدٍ قبلي ، فيُقال : يا محمد ، ارفع رأسك ، سل تعطه ، اشفع تشفّع ، فأقول : يارب أمتي أمتي ، يارب أمتي أمتي ، يارب أمتي أمتي ، فيُقال : أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب ، ثم قال : والذي نفسي بيده ، لما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر ، أو كما بين مكة وبصرى )(1).
…
…2- شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في استفتاح باب الجنة لأهلها :
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التفسير ، باب ذرية من حملنا مع نوح (8/395) برقم (4712) .وأحمد (2/435-436) .(1/195)
…قال - صلى الله عليه وسلم - : ( أنا أول شفيع في الجنة ، لم يصدق نبي من الأنبياء ما صُدقت ، وإن من الأنبياء نبياً ما يصدّقه من أمته إلاّ رجلٌ واحدٌ )(1).
…3- شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في تخفيف العذاب عمن يستحقّه :
…وهي خاصّة بشفاعته لعمّه أبي طالب ، فعن العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - أنه قال : يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشئ ، فإنه كان يحوطك ويغضب لك ؟ قال : ( نعم هو في ضحضاح من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار )(2)، وقال أيضاً: ( أهون أهل النار عذاباً أبو طالب ، وهو منتعل بنعلين ، يغلي منهما دماغه )(3).
…4- الشفاعة في رفع درجات أقوام من أهل الجنة :
__________
(1) روه مسلم (1/188) .
(2) رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار ، باب قصة أبي طالب (4/247) .
(3) رواه مسلم (1/196) .(1/196)
…روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عمه أبا عامر - رضي الله عنه - على جيش إلى أطاوس ، فرمى أبو عامر بسهم في ركبته ، فقال لأبي موسى: يا ابن أخي : انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقرئه مني السلام ، وقل له : يقول لك أبو عامر : استغفر لي ، قال : واستعملني أبو عامر على الناس ، ومكث يسيراً ، ثم إنه مات ، فلما رجعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - دخلت عليه فأخبرته بخبرنا ، وخبر أبي عامر ، وقلت له : قال قل له : يستغفر لي ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فتوضّأ منه ، ثم رفع يديه ، ثم قال : ( اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ) حتى رأيت بياض إبطيه ، ثم قال : ( اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثيرٍ من خلقك ، أو من الناس ) فقلت : ولي يارسول الله فاستغفر ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم اغفر لعبدالله بن قيس ذنبه ، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً)(1).
…وقد قيل إن هذه الشفاعة خاصّة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل إنها ليست خاصّة به - صلى الله عليه وسلم - ولكنه هو المقدّم فيها(2).
…5- الشفاعة في دخول الجنة بلا حساب :
__________
(1) رواه البخاري (5/101) في كتاب المغازي ، باب غزوة أوطاس ، ومسلم (4/1943) .
(2) انظر مجموع الفتاوى (14/499) ، ولوامع الأنوار البهيّة (2/211) ، وأعلام السنة المنشورة للشيخ حافظ الحكمي ص116 .(1/197)
…في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( عرضت عليّ الأمم ، فأخذ النبي يمر معه الأمة ، والنبي يمرّ معه النفر ، والنبي يمرّ معه العشرة ، والنبي يمرّ معه الخمسة ، والنبي يمرّ وحده ، فنظرت فإذا سواد كثير ، قلت : ياجبريل هؤلاء أمتي ! قال : لا ، ولكن انظر إلى الأفق ، فنظرت فإذا سواد كثير قال : هذه أمتك ، وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب ، قلت : ولم ؟ قال : كانوا لا يكتوون ، ولا يسترقون ، ولا يتطيّرون ، وعلى ربهم يتوكّلون ) ، فقام إليه عكاشة بن محصن فقال : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : ( اللهم اجعله منهم ) ثم قام إليه آخر فقال : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : ( سبقك بها عكاشة )(1).
…6- الشفاعة في أهل الكبائر :
…قال - صلى الله عليه وسلم - : ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي )(2).
…وهناك أحاديث كثيرة أعرضت عن ذكرها اختصاراً ، والقصد من هذا الجمع الإشارة لا الاستقصاء ، وهذه الأحاديث تفيد وجوب الإيمان بالشفاعة ، فهل يسع المعترض كلّ هذه الأحاديث المثبتة للشفاعة ؟
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقائق ، باب يدخل الجنة سبعون ألفاً (7/199) . ومسلم (1/199) .
(2) رواه أبو داود (2/427) وأحمد في المسند (3/261) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/691) .(1/198)
…إن كان حماسه واستماتته في الدفاع عن مذهبه ، وتعظيم حرمة عصيان الله تعالى كافياً في إظهار الغيرة على هذا الدين ؛ فإنّ عليه أيضاً أن يغار على الذين يطعنون في الله تعالى وأقوال رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فنبينا - صلى الله عليه وسلم - هو المبعوث إلى الناس كافّةً ، ومن كذّبه فإنما يكذّب الله ، ومن أطاعه فقد أطاع الله { من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظاً } [ النساء : 80 ] ، ثم انظر إلى جزاء هذه الطاعة ، قال تعالى : { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً } [ النساء : 69 ] ، ومن ضمن ما أخبر به : وقوع الشفاعة للناس يوم القيامة ، فيجب تصديقه (1).
…فهنيئاً لأهل السنة طاعتهم لله ورسوله ، وياخسارة من كذّب بنصوصهما ، وأعمل عقله في هذا الجانب . …
ثانياً : ?ل??? ?ي ن?µ? ?لµ?? :(2)
…كثيراً ما يرد هؤلاء الوعيديّة نصوص الوعد بتأويلاتٍ لهم غير سائغة فيتأوّلون مثلاً قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ، 116 ] ، على أن المراد منها هنا : أصحاب الصغائر ومن تاب من أصحاب الكبائر ، أو الكافر الذي لديه صغائر فإنه لا يغفر الله له حتى يُسلم كما تأوّله المعترض(3).
…ولا يخفى ما في هذا المبدأ من تحجير الواسع على الناس ، وإبراز صورة الإسلام على غير صورته الحقيقيّة ، بحيث يتردد المقبل عليه تردداً يمنعه من اعتناق الإسلام .
…وبعد هذا : ينتهي المعترض من سرد أدلّته ، والتي زعم أنها تُنهض مذهبه في خلود أهل الكبائر في النار .
…
?ل???م? ( نسأل الله حسنها ) :
__________
(1) ذلك لأن معنى ( محمد رسول الله ) : طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر .
(2) انظر تحقق الوعد الأخروي ص436 .
(3) انظر الحق الدامغ ص218 .(1/199)
…1- أن مذهب السلف خير المذاهب على الإطلاق ، ولا يُقارن بأيّ مذهبٍ في الوجود ، وهم - في الأصل - امتدادٌ لمذهب صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والتمسّك بهديهم نجاةٌ وفلاح ، والإعراض عن طريقتهم خسارةٌ أيّما خسارة .
…2- أن مذهب السلف وسطٌ بين الوعيديّة وأهل الإرجاء .
…3- أن مذهب الإباضية تعدّ من الخوارج تأريخاً وعقيدةً ، مشوبة باعتزالية ظاهرة، وتناقض ظاهرٌ في الادّعاء ، إذ نرى الإباضية أنفسهم يدافعون عن أعمال الخوارج الأوائل، ويُبرّرون مواقفهم العدائيّة على عثمان وعليٍ رضي الله عنهما بتأويلاتٍ لهم غير سائغة .
…4- الإيمان عند السلف قولٌ وعمل ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالعصيان .
…5- الكبائر لا تُخرج مرتكبها من النار كما هو مذهب السلف ، والوعيديّة يحكمون عليه بالخلود في النار .
…6- العفو الإلهي غالبةٌ على انتقامه وغضبه ، ورحمته تعالى شاملةٌ لجميع الناس عدا أهل الشرك والإلحاد ، والقول بخلود مرتكب الكبائر في النار ينافي العفو الإلهي للعصاة .
…7- أن القول بخلود مرتكب الكبائر النار له لوازم كثيرة كإنكار الشفاعة ، وإنكار أحاديث العفو الإلهي للعصاة وتأويلها !.
…
…
…
…µ??ي??? ......
…وبعد هذا التجوال ، أستسمح - أخي القارئ - لتفضّله قراءة هذا البحث أن لا يبخل عليّ بالنصيحة الهادفة البنّاءة ، والتي تهدف إلى بناء لبنةٍ قويّةٍ راسخةٍ من لبنات المجتمع ، ألا وهي لبنة التقويم الحسن ، والذي يُفضي إلى إصلاح ما من شأنه الخطأ .
…وأتمثّل هنا بقول الشاعر :
وإن تجد عيباً فسدّ الخللا ……جلّ من لاعيب فيه وعلا
…وقول الآخر :
من عاب عيباً له عذرٌ فلا وزرا……ينجيه من عزَمات اللوم متّئراً
وإنما هي أعمالٌ بنيّتها………خذ ما صفا واحتمل بالعفو ما كدرا
…فالمرء مرآة أخيه ، والنصيحة الصادقة الهادفة غالباً ما تقع موقعها في القلب ( ورحم الله امرءاً أهدى لي عيوبي ) .(1/200)
…وكلمة أوجّهها إلى الشيخ / أحمد الخليلي - والألم يعتصر قلبي ، والحزن يتملّكني فيأخذني كلّ مأخذٍ - أقول :
…إن الإنسان مهما طال عمرُه ، ومهما بلغ ما بلغ من العلم والمعرفة ، فلا بدّ له يوماً أن يكتشف أشياء عديدة ودروس كثيرة - بحكم معاشرته للعلماء ومصنّفاتهم -كانت في البداية خفيّة عليه خفاء الحمل في بطن أمه ، ثم ما أن يلبث ردحاً من العمر حتى يتكشّف له الحقّ الحقيق شيئاً فشيئاً ، إلى أن ينجلي ذاك الغبار المغشّى على عينيه ، فيُجيله ليرى ما كان خافياً عليه من قبل .
…ذلك لأن ظروف الحياة الدنيويّة لا تجعل الإنسان على حالةٍ واحدةٍ بل تجعله في تقلّب دائمٍ ، لا يستقر إلى شئٍ معيّن { وتلك الأيّام نداولها بين الناس } [ آل عمران : 140 ] .
…وكلمةٌ أخرى أوجّهها إلى كل قارئٍ منصفٍ باحثٍ عن الحق ، وأخصّ منهم الواقعين في شراك مذهب الإباضيّة : أن يراجع أصل الكتاب ( الحق الدامغ ) ثم لينظر إلى هذا البحث المتواضع ، ويقرأه قراءةً متأنّية ، بل ليراجع جميع الإحالات الموجودة والنقولات المبثورة في هذا السفر ، علّه أن يرى ما كان خافياً عليه من قبل ، { والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبُلنا وإن الله لمع المحسنين } [ العنكبوت : 69 ] .
…والله أعلى وأعلم ، وصلى الله على نبيّنا محمد - صاحب الحوض المورود والمقام المحمود ، والشفاعة العظمى - وعلى آله وصحبه وسلم . والحمدلله أولاً وآخراً .
حرر هذا البحث ضُحى يوم الثلاثاء لأربعٍ بقين
من شهر الله المحرّم للعام العشرين بعد
الأربعمائة والألف
قاله بلسانه وزبره ببنانه الفقير إلى عفو مولاه الغني
??µ?م?? ????ل??ي? µ?ي ه?م? µ?ي ???ي ?ل???ني ?لم?ي ?ل???ي
?ل?µ?ي?? µ?لم?????? :
…أوصي نفسي وكلّ من وقعت عينه على هذا البحث المتواضع بما وصّى الله به الأوّلون فقال عزّ من قائل : { ولقد وصيّنا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا الله } .(1/201)
…وعلى المسلم أن ينظر إلى هذه الآية بعين الاعتبار ، فتقوى الله أصل كلّ شئ كما أنه أصل علم الشريعة ، فبالتقوى تعمر القلوب بالإيمان واليقين ، وتتحرّك جنباته نصرةً لهذا الدين ، الذي ندرست معالمه الشئ الكثير ، وتتحرّك العواطف للمستضعفين من المسلمين ، وتعلو الهمّة لنيل الدرجات العلى في الجنّة ، بكلّ الطرق المؤدّية إليها .
…كما أوصي أهل العلم الذين اصطفاهم الله للعلم دون غيرهم ؛ أن لا يتوانوا عن بيان الحقيقة الخافية لدى الكثير من الناس بكافّة طبقاتهم وكلّ أفرادهم ، وأن يسخّروا جهودهم للدفاع عن هذا الدين من دخلاءه الذين يدخلون علينا ليل نهار ، والله المستعان.
…وبما أن الموضوع متصلٌ بمذهب الإباضية : فإنني أهيب بأهل العلم المتمكّنين ؛ أن يسخّروا جهودهم العلميّة لبيان حقيقة هذا المذهب الذي انتشر في بعض الأقطار انتشار السم الزعاف ، وأرى أن يكون ذلك في مصنّفٍ مستقلٍ يستقصي فيه باحثُه عن جميع القضايا المتعلّقة بالإباضيّة تأريخاً وعقيدةً ، ويفنّد جميع أدلّة هذا المذهب الاعتقاديّة ( جملةً وتفصيلاً ) ، ويناقشها مناقشةً علميّةً مستفيضة ، بحيث يستغني به القارئ عن غيره من المؤلّفات ، ولا بأس بأن يكون هذا الموضوع موضوع دراسة للمرحلة الماجستير أو الدكتوراه ، والنيّة في هذا العمل قائمة ، والسابق فيه فائز .
م?????? لل??? ?ل?ي?ي°? :
…
…1- أن يكون تعيين المدرّس للدار بعرفه بين أوساط أهل العلم ، لا بالاختبار ، ذلك لأن الاختبار ليس كافياً في إثبات كفاءته .
…2- يُمنح لطلاب المرحلة الرابع العالي مكافأةً ماليّةً عند تخرّجهم ، وكتباً مخصّصةً ليتسنّى لهم الاستفادة فيما بعد ، كما هي الحال بالجامعات .
…3- تشجيعاً لطلاّب المرحلة العالية ، وبالأخص ( الرابع العالي ) فإنني أقترح للإدارة بأن تمنح معدّي البحوث الجيّدة ، والتي تستحقّ النشر : مكافأةً ماليّة .(1/202)
…4- بعض حرّاس الدار يجب فصلهم من وظائفهم لسوء أخلاقهم مع بعض المشايخ بله الطلاّب .
…5- في حفلات الدار وبرامجها ، لاأرى أنها معدّة إعداداً صحيحاً ، يستفيد الطالب من خلالها ، وينبغي أن يكون الإعداد قبل موعد الحفل بأيّامٍ عدّة ، لا في نفس الموعد !! ، لتلافي الأخطاء الواقعة ، والعجيب أن معدّيها لم يستفيدوا من تلك الأخطاء إلاّ ما ندر ! .
…6- بعض المناهج المقرّرة في الدار ينبغي إعادة النظر فيها ، كمادّتي الثقافة والدفاع إذ لايُستفاد منهما إلاّ الشئ اليسير ، وأرى حذفهما ، ذلك لأنهما مما يصحّ أن يُجعلا من ثنايا العلم لا من أصله ، إذ يُمكن الاستفادة من مواضيعهما بالمطالعة المجرّدة ، دون الحاجة إلى الدراسة ، وأرى أن تكون مادّة أصول الفقه ، والقواعد الفقهيّة محلّهما ، لأنّ الطلاّب بحاجةٍ إليهما أكثر من حاجتهم إلى ثقافةٍ إسلاميّة !! ، ولا يخفى على إدارة الدار البون الشاسع بين المفكّر الإسلامي !!(1)، والعالم الربّاني ، والناس بحاجةٍ إلى الثاني أكثر من حاجتهم إلى الأوّل ، بل إنهم قد يستغنون عن الأوّل استغناءاً تاماً .
…وأخيراً وليس آخراً ...
…ما سُطّر من ملاحظات ومقترحات ، لا يساوي شيئاً أمام حسنات الدار ، وإنما المرء يحبّ أن يسعى دائماً نحو الكمال ، وتلك إشارةٌ فقط إلى أن ( الكمال لله ) ، ولست أستطيع التعبير عن مدى استفادتي من بعض المشايخ في هذه الدار ، وما لمست منهم العلوم الصحيحة المؤصّلة على الكتاب والسنة ، وفهم سلف الأمة ، الأمر الذي يُنبئنا عن صحّةٍ في التربية وسلامةٍ في المنهج ، فجزاهم الله خيراً على ما قدّموه للطلاب ويقدمون ، والله على ما أقول شهيد .…
………………………والله أعلم .
?ل?ه??? ?ل??م°?
………
……… فهرس الآيات القرآنيّة
……… فهرس الأحاديث النبويّة
__________
(1) هذا إن صحّ أن يُسمّى مفكراً ، وللشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ محاضرة قيّمة في هذا ، بعنوان ( الفكر والعلم ) .(1/203)
……… فهرس الآثار السلفيّة
……… فهرس الفرق
……… فهرس الأعلام
……… المصادر والمراجع
………فهرس المواضيع
?ه?? ?ل?ي?? ?ل???ني°? :
الآية…… رقم الصفحة
سورة البقرة
{ إنما البيع مثل الربا } ( 274 )
146
{ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } ( 258 )
50
{ فمن عفي له من أخيه شئ فاتّباعٌ بالمعروف } ( 178 )
55
{ فمن جاءه موعظةٌ من ربه فانتهى فله ما سلف } ( 275 )
105
{ ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها } ( 106 )
130 ، 131
{ من ذالذي يشفع عنده إلاّ بإذنه } ( 155 )
190
{ الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة } ( 3-5 )
178
{ وقالوا لن تمسّنا النار إلاّ أياماً معدودة } ( 80 )
136 ، 133 ، 141 ، 149
{ ولكن ليطمئن قلبي } ( 260 )
109
{ ولكم في القصاص حياة } ( 179 )
120
سورة آل عمران
{ إن الذين كفروا بعد إيمانهم } ( 90 )
196
{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } ( 23 )
149
{ لقد سمع الله قول الذي قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } (181)
137
{ كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل } ( 93 )
127
{ زتلك الأيام نداولها بين الناس } ( 140 )
197
{ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا ..} ( 130 )
146
سورة النساء
{ إن الذين آمنوا ثم كفروا } ( 137 )
169
{ إن الله لا يغفر أن يُشرك به } ( 48 ، 116)
160 ، 171 ، 173 ، 176 ، 195
{ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } ( 145 )
169
{ إن الذين كفروا وظلموا } ( 166-167 )
103
{ أرنا الله جهرة } ( 136 )
136
{ ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب } ( 123 )
138
{ من يطع الرسول فقد أطاع الله } ( 80 )
194
{ ومن يقتل مؤمناً متعمداً } ( 96 )
159
{ ومن يطع الله والرسول } ( 69 )
195
{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى } ( 115 )
31
{ ولا تقتلوا أنفسكم } ( 29 )
13ح
سورة المائدة
{ اذهب أنت وربك فقاتلا } ( 112 )
137
{ إنما يتقبّل الله من المتّقين } ( 27 )(1/204)
144 ، 152 ، 153
{ قل لا يستوي الخبيث والطيّب } ( 100 )
3
{ وقالت اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه } ( 18 )
135 ، 149
{ وقالت اليهود يد الله مغلولة } ( 64 )
137
{ اليوم أكملت لكم دينكم } ( 3 )
176
سورة الأنعام
{ خالدين فيها إلاّ ما شاء ربك } ( 128 )
118 ، 127
{ فإن كذّبوك فقل ربكم ..} ( 147 )
102
{ لا تدركه الأبصار } ( 103 )
53 ، 107
{ وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون } ( 121 )
58
{ وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل الله } ( 116)
3
{ وعلى الذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظُفر } ( 146 )
127
سورة الأعراف
{ حتى إذا أقلّت سحاباً } ( 57 )
100
{ قال الملأ الذين استكبروا من قومه } ( 75 )
4
{ قل إنما حرّم ربي الفواحش } ( 33 )
33
{ ولكنه أخلد إلى الأرض } ( 176 )
116
{ ياموسى اجعل لنا إلهاً } ( 138 )
136
سورة التوبة
{ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم } ( 111)
61
{ فرح المخلّفون بمقعدهم } ( 87 )
56
{ ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّة } ( 46 )
56
سورة يونس
{ قل بفضل الله وبرحمته } ( 58 )
177
{ ما من شفيعٍ إلاّ من بعد إذنه } ( 3 )
190
سورة هود
{ إن الحسنات يُذهبن السيّئات } ( 114 )
130
{ خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلاّ ما شاء ربك } ( 107 )
118 ، 160
{ وما نراك اتّبعك إلاّ الذين هم أراذلنا } ( 27 )
4
سورة يوسف
{ ثم بدا لهم من بعد ما رأوُا الآيات } ( 35 )
131
{ قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة } ( 108 )
46
{ والله غالبٌ على أمره } ( 21 )
6
{ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } ( 103 )
3
سورة الرعد
{ يمحوا الله ما يشاء ويُثبت } ( 39 )
130 ، 133
سورة الحجر
{ قال رب انصرني ..} ( 36 )
75
{ قال رب بما أغويتني } ( 39 )
75
{ نبّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم } ( 49-50 )
103
سورة النحل
{ وإذا بدّلنا آيةً مكان آية } ( 101 )
130(1/205)
{ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } ( 91 )
60
سورة الإسراء
{ لقد علمت ما أنزل هؤلاء } ( 102 )
75
{ وقل جاء الحقّ وزهق الباطل } ( 81 )
1
{ يوم ندعوا كلّ أناسٍ بإمامهم } ( 71 )
15
سورة مريم
{ يا أبت إني أخاف أن يمسّك عذابٌ من الرحمن } ( 45 )
102
سورة طه
{ يومئذٍ لا تنفع الشفاعة إلاّ من أذن له الرحمن } ( 109 )
190
سورة الأنبياء
{ بل نقذف بالحقّ على الباطل } ( 18 )
1
{ ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى } ( 28 )
190
سورة النور
{ في بيوتٍ أذن الله أن ترفع } ( 36 )
17
سورة الفرقان
{ والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } ( 68 )
160
سورة النمل
{ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } ( 14 )
75
سورة العنكبوت
{ والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبُلنا } ( 69 )
198
سورة الأحزاب
{ إن الله لعن الكافرين } ( 64-65 )
103
{ لئن لم ينته المنافقون } ( 60 )
101
{ وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنة } ( 36 )
89
سورة فاطر
{ أفمن زُيّن له سوء عمله } ( 8 )
178
سورة يس
{ وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه } ( 78-79 )
50
سورة ص
{ إن هذا لشئ عجاب } ( 5 )
154
{ قال فبعزّتك لأغوينهم } ( 82 )
75
سورة الزمر
{ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } ( 47-48 )
131
{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } ( 53 )
160 ، 173 ، 176
سورة الشورى
{ فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير } ( 7 )
175
سورة الزخرف
{ فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين } ( 56 )
30
سورة الجاثية
{ أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه } ( 23 )
178
سورة الحجرات
{ إنما المؤمنون إخوة } ( 10 )
99
{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } ( 36 )
99
{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ } ( 6 )
89
سورة ق
{ قال لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد } ( 28-29)
102
سورة الحديد
{ سابقوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنة } ( 21 )
102
سورة الحشر
{ وما آتاكم الرسول فخذوه } ( 7 )
89
سورة الملك(1/206)
{ ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً } ( 2 )
153
سورة الجن
{ ومن يعص الله ورسوله } ( 23 )
103 ، 171
{ قل إنما أدعوا ربي } ( 20 )
172
سورة النبأ
{ لا بثين فيها أحقاباً } ( 23 )
101
سورة الإنفطار
{ إن الأبرار لفي نعيم - وإن الفجار لفي جحيم } ( 13-14 )
175
سورة الهمزة
{ أيحسب أن ماله أخلده } ( 3 )
115
?ه?? ?ل????ي? ?لن?µي°? :
…الحديث…………… رقم الصفحة
( أ )
( إذا كان يوم القيامة ماج الناس )…………… 103
( استوصوا بأصحابي خيراً )………………23
( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد )………………191
( أنا سيّد ولد آدم ) …………………191
( أنا سيّد الناس يوم القيامة )………………192
( أنا أول شفيعٍ في الجنة )…………………193
( إنهما ليعذّبان ، وما يعذّبان في كبير )……………187
( ألا إن من قبلكم )…………………28
( أما أهلها الذين هم أهلها )………………142
( أنا والذين معي ..)…………………31
( إن الله حرم على النار من قال لا إله إلاّ الله )…………166
( إن الله سيخلص رجلاً من أمتي )……………166
( أهون أهل النار عذاباً أبو طالب )……………193
( أي الذنب أعظم ؟ ..)…………………170
( ب )
( بايعوني على أن لا تشركوا بالله )……………121
( ت )
( تلزم الجماعة ..)…………………24
( ث )
( ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة )……………… 181
( ثلاثةٌ قد حرّم الله عليهم الجنة )……………181 ……………… ………………
( خ )
( خير الناس قرني )……………… 30 ، 44
( س )
( سيخرج قوم ..)…………………56
( ش )
( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي )………………194
( ع )
( عرضت عليّ الأمم )…………………194
( غ )
( غفر الله لك يا أبا بكر )………………138
( ف )
( فادعوا المسلمين ..)…………………16
( ق )
( قل آمنت بالله ثم استقم )………………142
( ك )
( كل ذنبٍ عسى أن يغفره الله )………………158
( ل )
( اللهم وليديه فاغفر )…………………185
( اللهم اغفر لعبيدالله أبي عامر )………………193
( لقد تاب توبةً )……………………121
( لقد تابت توبة ..)…………………121
( لكل نبيٍ دعوة مستجابة )…………… 190 ، 191(1/207)
( لما قضى الله الخلق كتب كتابه )………………103
( لن يدخل أحد الجنة بعمله )………………152
( لو أن أهل السماء وأهل الأرض )……………158
( م )
( ما أنا عليه اليوم وأصحابي )………………28
( من رأى من أميره )…………………24
( من لا يشكر الناس لا يشكر الله )……………10
( من خرج عن الطاعة ..)………………24
( من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله )……………99
( مهلاً يا خالد ..)…………………121
( ن )
( نضّر الله امرأً ..)…………………89
( نعم ، هم في ضحضاح من نار )………………193
( و )
( ولا أراني إلاّ قد حضر أجلي )………………30
( ومن استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة )…………158
( لا )
( لا تزال طائفة من أمتي )…………………28
( لا تلعنوه ..)……………………172
( لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم )……………183
( لا يزني الزاني حين يزني )………………78
( لا يزال المؤمن في فسحة )………………158
( ي )
( يجمع الله الناس يوم القيامة )………………168
قال الله ( يا ابن آدم إنك ما دعوتني )……………176
?ه?? ?ل???? ?ل?ل?ي°? :
…الأثر…………………رقم الصفحة
( أ )
( الإسناد من الدين ) عبدالله بن المبارك …………27
( الإيمان عندنا قول وعمل ، ويزيد وينقص ) ابن أبي شيبة………74
( الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ) مالك ……… 73
( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) الشافعي …………73
( الإيمان قول وعمل ، قول باللسان وعمل بالأركان) أحمد بن حنبل……73
( الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ) أحمد بن حنبل…………73
( الإيمان قول وعمل ونيّة ..) سفيان الثوري…………74
( الإيمان قول وعمل ونيّة ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ) عبدالغني المقدسي 74
( { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } : أخلصه وأصوبه ..) الفضيل بن عياض…153
( إذا تسمّى الرجل بغير الإسلام ) مالك بن مغول…………17
( أصل اثنين وسبعين فرقة ..) عبدالله بن المبارك…………34
( أصول البدع أربع ..) يوسف بن أسباط……………34
( إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم ؟ ) يزيد بن هارون…29(1/208)
( إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم ؟ ) أحمد بن حنبل……29
( أهلٌ لا يُعرفون بلقب ) مالك بن أنس……………16
( أهل العلم يكتبون مالهم وما عليهم ..) وكيع…………90
( إياكم وكل اسمٍ يسمى بغير الإسلام ) ميمون بن مهران ………16
( ج )
( الجماعة ما وافق الحقّ )…عبدالله بن مسعود…………3
( ح )
( الحمد لله الذي جعل في كل فترةٍ ) أحمد بن حنبل ………2
( ع )
( العلم بالكلام هو الجهل ) أبو يوسف………… 5
( عليك بطريق الهدى ) الفضيل بن عياض………… 3
( عليك بآثار من سلف ) أبو عمرو الأزاعي ……… 3
( ف )
( فلولا الإسناد ..) الحاكم ………………27
( فلقد أحسن أحمد ..) الحاكم ………………29
( ق )
( القول في السنة التي أنا عليها ..) الشافعي……………23
( ك )
( كنا نوجب لأهل الكبائر النار حتى نزلت ..) عبدالله بن عمر……173
( كنا مرةً إذا سمعنا رجلاً ..) عبدالله بن عباس …………26
( ل )
( لم يكونوا يسألون عن الإسناد ..) محمد بن سيرين…………21
( م )
( من عمل بمثل أعمالكم ..) عبدالله بن عباس…………140
( من أقر باسم ..) عبدالله بن عباس ……………16
( هـ )
( هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ) محمد بن سيرين……27
( و )
( وأما القول في الإيمان هل هو قول وعمل ؟ ) أبو جعفر الطبري……74
( والإيمان قول باللسان ، وعمل بالأركان ..) موفّق الدين ابن قدامة……74
( ... وأن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ) الحميدي………74
(...وأن الإيمان قول باللسان ..) ابن أبي زيد القيرواني………74
?ه?? ?ل??? :
( أ )
أصحاب الحديث ( أهل الحديث ) 7 ، 15 ، 21 ، 25 ، 26 ، 31 .
أهل السنة والجماعة 7 ، 15 ، 36 ، 37 ، 39 ، 40 ، 178 ، 195 .
أهل السنة 18 ، 20 ، 21 ، 23 ، 33 ، 41 ، 72 ، 98 ، 166 .
الإباضية 7 ، 8 ، 20 ، 58 ، 61 ، 62 ، 63 ، 64 ، 66 ، 90 ، 97 ، 105 ، 106 ، 107
الأثريّة 39 .
الأزارقة 61 ، 64 ، 65 .
الأشعريّة 20 ، 37 ، 39 ، 40 ، 41 ، 44 ، 51 ، 52 ، 125 ، 126 .
( ج )(1/209)
الجهميّة 19 ، 34 ، 77 ، 108 ، 122 ، 126 159 ، 160 .
( ح )
الحفصيّة 61 .
( خ )
الخوارج 7 ، 12 ، 19 ، 30 ، 33 ، 34 ، 56 ، 58 ، 59 ، 60 ، 64 ، 65 ، 74 ، 77 ، 78 ، 81 ، 95 ، 123 ، 124 ، 148 ، 153 ، 154 ، 156 ، 158 .
( س )
السلف 4 ، 7 ، 15 ، 20 ، 29 ، 39 ، 45 ، 46 ، 48 ، 50 ، 52 ، 73 ، 77 ، 85 ، 87 ، 93 ، 124 ، 148 ، 179 .
( ش )
الشراة 61 .
الشيعة ( الرافضة ) 12 ، 19 ، 21 ، 30 ، 33 ، 125 ، 129 ، 132 ، 133 ، 148 .
( ص )
الصفريّة 62 .
( ط )
الطائفة المنصورة 28 .
( ف )
الفرقة الناجية 28 .
( ق )
القدريّة 34 .
( ك )
الكرّامية 19 .
( م )
الماتريديّة 19 ، 37 ، 39 ، 40 ، 41 ، 44 .
المحكّمة 60 .
المرجئة 12 ، 19 ، 33 ، 34 ، 125 ، 158 ، 165 .
المسلمون ( المسلمين ) 16 ، 48 ، 55 ، 59 ، 106 ، 111 ، 151 .
المعتزلة 19 ، 74 ، 77 ، 78 ، 81 ، 97 ، 123 ، 125 ، 145 ، 153 ، 158 ، 159 .
( ن )
النجدات 61 ، 65 .
( ي )
اليهود 127 ، 132 ، 136 ، 149 ، 151 .
?ه?? ?ل??ل?م :(1)
الأسماء
( أ )
إباض بن عمر 62 .
أحمد بن حنبل 6 ، 13 ، 30 ، 36 ، 73 ، 119 ، 161 .
أحمد شاكر 180 ، 181 .
أحمد الخليلي 5 ، 8 ، 69 ، 83 ، 87 .
أحمد بن سعد الشماخي 66 .
أحمد بن نصر الخزاعي 96 .
آدم عليه السلام 128 .
أنس بن مالك 103 .
( ب )
بكر أبو زيد 18 .
( ج )
جابر بن زيد 68 .
الجهم بن صفوان 19 ، 75 ، 117 ، 126 .
( ح )
الحارث بن تليد 68 .
حسن السقاف 109 .
الحسن البصري 19 ، 139 ، 141 .
( ر )
الربيع بن حبيب الفراهيدي 68 .
( ز )
زيد بن علي 19 .
( س )
سرحان بن سعيد 66 .
سعيد بن مبروك القنوبي 90 ، 107 .
سعيد بن جبير 121 .
سفيان الثوري 74 .
سلمة بن سعد 68 .
السمح أبو طالب 68 .
( ش )
الشافعي 73 .
( ط )
__________
(1) ذكرت الأسماء على حدة ، والكنى على حدة ، والألقاب على حدة ، وكذا من عُرف بابن ( فلان ) ؛ اعتماداً على شهرة العلَم ، بُغيةً للاختصار .(1/210)
طفيل الغنوي 29 .
الطائي مازن بن غضوبة السعدي 69 .
( ع )
عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما 89 .
عبدالجبار بن قيس المرادي 68 .
عبدالعزيز الكناني 6 .
عبدالغني المقدسي 74 .
عبدالرحمن المعلمي 6 ، 44 ، 46 .
عبدالرحمن بن زياد الافريقي 28ح .
عبدالرحمن حسن قائد 10 .
عدنان صفاخان 10 ، 174 .
عبدالله بن إباض 20 ، 62 ، 68 ، 64 .
عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - 16 ، 26 ، 60 ، 119 ، 130 ، 140 ، 150 ، 157 ، 161 ، 165 .
عبدالله بن كلاّب 20 .
عبدالقاهر البغدادي 33 ، 37 145 ، 146 .
عبدالوهّاب بن رستم 69 .
عمر البزار 83 .
عمرو بن عبيد 36 .
عمرو بن جميع 67 .
( ك )
كعب بن برستة الطاحي 69 .
( ل )
الليث 91 .
( م )
مالك بن أنس 16 ، 30 ، 95 ، 73 ، 84 .
مجاهد بن جبر 121 ، 140 .
محمد أحمد لوج 93 .
محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطي 33 .
محمد رشيد رضا 112 ، 148 ، 150 .
محمد سعيد رمضان البوطي 38 .
محمد بن سيرين 21 ، 27 .
محمد عبده 112 .
محمد عيد العباسي 31 .
محمد بن كرام 19 .
محمد بن عبدالرحمن الأدرمي 35 .
مسلمة بن مسلم العوبتي 66 .
موتيلنسكي 67 .
موسى عليه السلام 75 ، 128 .
موفق الدين المقدسي 74 ، 88 .
ميمون بن مهران 16 ، 49 .
( ن )
نافع بن الأزرق 58 ، 61 62 .
نعيم بن حماد 96 .
( هـ )
هارون 75 .
( و )
واصل بن عطاء 19 .
وكيع بن الجراح 90 .
( ي )
يحي بن أبي بكر الوارجلاني 66 .
يزيد بن هارون 29 .
الكنى
أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - 35 ، 55 .
أبو إسماعيل الأنصاري 96 .
أبوحاتم يعقوب بن حبيب ثم حاتم المزوزي 68 .
أبو حذيفة 24 .
أبو حمزة السكري 3ح .
أبو حنيفة 30 .
أبو الحسن الأشعري 20 ، 62 ، 148 .
أبوذر أبان بن وسيم 69 .
أبو الربيع بن عبدالسلام 66 .
أبو سعيد القلهاني 66 .
أبو شداد الذماري 69 .
أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة 67 .
أبو عبيد 119 ، 161 .
أبو العالية 120 .
أبو العبّاس أحمد بن سعيد 66 .(1/211)
أبو العباس صحار بن العباس 69 .
أبومسلم 95 .
أبو منصور الماتريدي 19 ، 75 .
أبو يوسف 5 .
أبو المعالي الجويني 38 ، 92 .
أبوعبيدة مسلمة بن أبي كريمة 68 .
أبو القاسم بن إبراهيم 66 .
أبو الهذيل العلاّف 117 .
الألقاب
الآمدي 92 .
الأزهري 29 ، 57 ، 190 .
الألباني 31 ، 44 ، 47 ، 180 ، 181 .
الباقلاني 37 .
الأوزاعي 3 ، 123 .
البخاري 73 ، 56 .
الحازمي 88 .
الحاكم 27 29 ، 181 .
الحميدي 74 .
الدارمي 49 ، 6 .
الرازي 5ح ، 79 .
الزبيدي 38 .
الزرقاني 131 .
الزركشي 109 .
الزمخشري 109 .
السجزي 6 .
السهسواني 6 .
الشاطبي 21 ، 32 ، 34 ، 35 .
الشهرستاني 33 ، 57 .
الطرطوشي 32 .
الطوفي 92 .
الفراء 92 .
القرطبي 141 ، 147 ، 171 .
اللكنوي 27 .
النصير الطوسي 36 .
المتوكّل 13 .
اللالكائي 74 .
ابن ( فلان )
ابن أبي زيد القيرواني 74 .
ابن أبي شيبة 74 .
ابن أبي العز 124 .
ابن تيمية 4 ، 6 ، 13 ، 17 ، 33 ، 44 ، 48 ، 49 ، 51 ، 53 ، 77 ، 78 ، 80 ، 83 ، 90 ، 92 ، 94 ، 108 ، 118 ، 119 ، 125 ، 134 ، 139 ، 140 ، 141 ، 143 ، 153 154 ، 155 ، 161 ، 162 ، 165 ، 191 .
ابن جرير الطبري 74 ، 91 ، 156 .
ابن الجوزي 32 ، 34 ، 36 ، 139 ، 149 ، 167 ، 172 ، 176 .
ابن حبان 88 .
ابن حزم الظاهري 23 ، 33 ، 58 ، 163 .
ابن دريد 91 .
ابن الصلاح 88 .
ابن عبدالهادي 6 .
ابن فارس 29 ، 57 ، 115 .
ابن القيّم 4 ، 13 ، 17 ، 21 ، 23 ، 48 ، 53 ، 91 ، 93 ، 118 ، 122 .
ابن المبارك 34 ، 27 .
ابن المطهر 36 .
ابن كثير 15 ، 120 ، 133 ، 172 .
ابن مندة 6 .
ابن منظور 115 .
ابن مقطير الجناوني 68 .
ابن ناصر الدين الدمشقي 6 .
ابن واصل الحموي 5ح .
?لم???? µ?لم???? :
( أ )
1- إثبات العلو لموفق الدين ابن قدامة ، ت/ بدر البدر ، الدار السلفية ط1 1406هـ .(1/212)
2- أحكام القرآن للإمام عماد الدين بن محمد الطبري المعروف بإلكيا الهرس ، ت/ موسى محمد علي ، د. عزت علي ، دار الكتب الحديثة .
3- الأربعين في صفات رب العالمين للذهبي ، ت/ عبدالقادر صوفي ، مكتبة العلوم والحكم .
4- إعلام العابد في حكم تكرار الجماعة في المسجد الواحد لمشهور بن حسن ، دار المنار ط2 1412هـ
5- الأدب المفرد للإمام أبي عبدالله البخاري ، تخريج محمد عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية .
6- الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي ، ت/ سليم الهلالي ، دار ابن عقان ، ط1 1412هـ .
7- الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع لجلال الدين السيوطي ، ت/ مشهور بن حسن ، دار ابن القيم ط1 1410هـ .
8- إزالة الوعثاء عن أتباع أبي الشعثاء لسالم السمائلي ، وزارة التراث القومي بسلطنة عمان تحقيق وشرح د. سيد إسماعيل كاشف .
9- أصدق المناهج في تمييز الإباضية عن الخوارج لسالم السمائلي ، ت/ سيد كاشف ، وزارة التراث القومي بسلطنة عمان .
10- الإباضية بالجريد في العصور الإسلامية الأولى ، لصالح باجيه ط1 ، دار أبو سلامة .
11- الإباضية في موكب التاريخ لعلي يحي معمر ط1 1384هـ ، مطابع دار الكتاب العربي بمصر.
12- أساس البلاغة لأبي القاسم الزمخشري ط2 مطبعة دار الكتب 1972م .
13- الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة ، لعبدالحي اللكنوي ، حلب ، 1384هـ .
14- الإبانة الصغرى لابن بطة .
15- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ت/ محمد حامد الفقي ، دار الكتب العلمية .
16- آداب الإمام الشافعي لأبي محمد عبدالرمن بن أبي حاتم الرازي ، ت/ عبدالغني عبدالخالق ، مكتبة الخانجي ، ط2 1413هـ .
17- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود ، دار الفكر .
18- الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للحافظ عمر بن علي البزار ، ت/ زهير الشاويش ، المكتب الإسلامي ط2 1396هـ .
19- الإعلام لخير الدين الزركلي ط3 .(1/213)
20- أخصر المختصرات لابن بلبان ت/ محمد بن ناصر العجمي ، دار البشائر ط1 1416هـ .
21- إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للزبيدي .
22- الأنساب لأبي سعد عبدالكريم بن محمد ط1 دار الجنان بيروت 1408هـ .
23- الإبانة الكبرى لابن بطة ، ت/ رضا بن نعسان .
24- أسباب النزول لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي ، دار القبلة ، مؤسسة علوم القرآن ط3 1407هـ .
25- اعتقاد الإمام الشافعي ( ضمن مجموع فيه ثلاث رسائل ) ت/ د . عبدالله البراك ، دار الوطن ط1 1419هـ .
26- الأدلة والشواهد على وجوب الأخذ بخبر الواحد في الأحكام والعقائد للشيخ سليم الهلالي .
27- الأنساب لأبي سعد عبدالكريم بن محمد السمعاني ، ط1 دار الجنان ، 1408هـ .
28- اعتقاد الأئمة الأربعة ، للدكتور محمد الخميس ، دار العاصمة ، ط1 1412هـ .
29- الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ت/ عبدالفتاح أبو غدة ، دار البشائر الإسلامية ط1 1417هـ .
30- إرشاد الفحول لمحمد بن علي الشوكاني ، ت/ د. شعبان محمد إسماعيل ، دار الكتبي ط1 1413هـ
31- أهل الحديث للدكتور / ربيع المدخلي ، دار الغرباء الأثرية ط2 1413هـ .
32- أصول الحديث لمحمد عجاج الخطيب ، المكتبة الفيصلية ، ط4 1401هـ .
33- أبجد العلوم لصديق حسن خان القنوجي .
34- أضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي الجكني ، تكميل / عطية محمد سالم .
35- اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي ، ت/ الألباني .
36- اجتماع الجيوش الإسلامية ، لشمس الدين ابن القيم ، ت/ بشير عيون ، المؤيد ط1 1414هـ.
37- أحكام في أصول الأحكام لسيف الدين الآمدي ، دار الكتب العلمية 1400هـ ، وطبعة أخرى بتعليق الشيخ / عبدالرزاق عفيفي ، المكتب الإسلامي ، ط2 1402هـ .
38- الاشتقاق لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد ، ت/ عبدالسلام هارون ، مؤسسة الخانجي ، مطبعة السنة المحمدية 1378هـ .(1/214)
39- إيثار الحق على الخلق لمحمد بن المرتضى الشهير بابن الوزير ، دار الكتب العلمية ، 1407هـ .
40- الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ، تخريج الشيخ / الألباني ، المكتب الإسلامي ط3 1408هـ .
( ب )
41- بيان تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، تصحيح وتعليق / محمد بن عبدالرحمن بن قاسم ط1 ، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة .
42- البداية والنهاية للحافظ ابن كثير ، مكتبة المعارف ببيروت ، ط5 1404 .
43- البدع والنهي عنها لمحمد بن وضاح القرطبي ، ت/ عمرو عبدالمنعم ، مكتبة ابن تيمية ، توزيع مكتبة الخراز ، ط1 1416هـ .
44- البرهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي ط1 1408هـ ، دار الكتب العلمية .
45- البعث والنشور للحافظ أبي بكر البيهقي ، ت/ أبي هاجر محمد زغلول ، مؤسسة الكتب الثقافية 1408هـ .
46- البدء والتاريخ لأبي زيد أحمد بن سهل البلخي .
47- البحر المحيط لأثير الدين محمد بن يوسف ابن حيان الأندلسي ، مطبعة السعادة ، ط1 1328هـ .
( ت )
48- تهذيب التهذيب ، ت/ مصطفى عبدالقادر ، دار الكتب العلمية ، ط1 1415هـ .
49- تاريخ الإسلام لشمس الدين الذهبي ، مكتبة القدسي ، 1367هـ .
50- تاج العروس للزبيدي ، ت/ مجموعة من المختصين ، التراث العربي 1386هـ .
51- التاريخ الكبير للإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري ، مؤسسة الكتب الثقافية .
52- تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري ، ت/ عبدالسلام سرحان ، الدار المصيرية للتأليف والترجمة.
53- تحفة الأشراف للإمام يوسف المزي ، ت/ عبدالصمد شرف الدين ، المكتب الإسلامي ، ط2 1403هـ .
54- تعرفة الأزارقة لمحمد رضا الدجيلي ، وزارة التربية 1393هـ .
55- تحقق الوعد الأخروي للدكتور عيسى السعدي ( رسالة دكتوراه ) بجامعة أم القرى .
56- التصفية والتربية وأثرهما في استئناف الحياة الإسلامية لعلي بن حسن ، دار التوحيد ط2 1414هـ.(1/215)
57- التوابين لابن قدامة المقدسي ، ت/ محمد عبدالقادر شاهين ، دار الكتب العلمية ، ط1 1418هـ .
58- تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير ، كتب هوامشه / حسين زهران ، دار الفكر ، ط2 1408هـ .
59- تذكرة الحفاظ لشمس الدين الذهبي ، دار الكتب العلمية .
60- التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ت/ محمد بن عودة السعوي ، ط1 1405هـ .
61- التبصير في الدين لأبي المظفر الإسفرائيني ، ت/ كمال الحوت ، ط1 ، عالم الكتب . وطبعةٌ أخرى ت/ الكوثري ، الأنوار ، 1359هـ .
62- التعليقات على متن لمعة الاعتقاد للشيخ عبدالله الجبرين ، دار الصميعي ط1 1412هـ .
63- ترتيب وتقريب شرح العقيدة الطحاوية للشيخ خالد بن فوزي ، دار التربية والتراث ، مكتبة الضياء ط1 1417هـ .
64- تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشرٍ ولباب ، للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم ، دار طيبة ط10 1414هـ .
65- تاريخ بغداد ، دار الكتاب العربي .
66- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة عبدالرحمن بن سعدي ، تقديم محمد زهري النجار، دار المدني 1408هـ .
67- التسهيل لعلوم التنزيل لمحمد بن أحمد ط1 1355هـ المكتبة التجاري الكبرى .
68- التوحيد لابن خزيمة ، ت/ د. عبدالعزيز الشهوان ، الرشد ، ط5 1414هـ .
69- تلبيس إبليس لابن الجوزي ، ت/ محمد بن الحسين ، ومسعد السعدني ، دار الكتب العلمية ط1 1418هـ .
70- تصنيف الناس بين الظن واليقين ( ضمن الردود ) للشيخ بكر أبو زيد ، دار العاصمة ، النشرة الأولى 1414هـ .
71- تفسير القرآن العظيم لعبدالرحمن بن محمد الرازي ، ت/ أسعد محمد الطيب ، مكتبة نزار مصطفى الباز ، ط1 1417هـ .
72- تفسير آيات أشكلت لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ت/ عبدالعزيز محمد الخليفة ، الرشد ، ط1 1417هـ .
73- تبيين كذب المفتري لعلي بن عساكر ، دار الكتاب العربي 1399هـ(1/216)
74- التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع لأبي الحسين الملطي ، ت/ يمان المياديني ، رمادي ط1 1414هـ .
75- التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني ، دار الفكر 1408هـ .
76- التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني ط2 1397هـ .
78- التفسير الكبير للفخر الرازي ، دار الكتب العلمية بطهران ط2 .
79- التحفة المهدية شرح التدمرية للشيخ فالح بن مهدي آل مهدي ، مكتبة الحرمين ، ط2 1405هـ .
( ث )
80- الثقات لابن حبان البستي .
( ج )
81- الجامع لأحكام القرآن لأبي عبدالله محمد بن أحمد القرطبي ، دار الكتب العلمية ، ط1 1408هـ .
82- الجرح والتعديب لأبي محمد بن أبي حاتم ، دار الكتب العلمية ، ط1 .
83- الجامع الصحيح للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري ، تحقيق / محمد فؤاد عبدالباقي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع 1403هـ .
84- الجنة والنار والآراء فيهما لفيصل عبدالله ( ماجستير ) .
85- جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية للدكتور / محمد بن أحمد لوج ، دار ابن عفان ط1 1418هـ .
86- الجواهر المنتقاة لأبي القاسم بن إبراهيم البرادي .
87- الجامع الصحيح للإمام البخاري ، دار السلام ، وطبعة أخرى ، بتحقيق / محمد فؤاد .
88- جامع البيان في تأويل آي القرآن لأبي جعفر بن جرير الطبري ، دار الكتب العلمية ط1 1412هـ
89- جامع العلوم والحكم لأبي الفرج ابن رجب الحنبلي ، ت/ شعيب الأرناؤوط ، وإبراهيم ناجس ، الرسالة 1412هـ .
( ح )
90- حلية طالب العلم لبكر أبو زيد ، مؤسسة قرطبة ، ط3 1409هـ .
91- حكم الانتماء لبكر أبو زيد ط2 ، دار ابن الجوزي 1413هـ .
92- حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ، دار الكتاب العربي ط3 1400هـ .
93- الحجة في بيان المحجة لقوام السنة الأصفهاني ، ت/ محمد المدخلي ، محمد أبو رحيم .
94- حديث افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة لمحمد بن إسماعيل الصنعاني ، ت/ سعد السعدان ، تقديم الدكتور / عبدالرحمن المحمود .(1/217)
95- الحديث حجة بنفسه للشيخ الألباني .
96- الحق الدامغ للشيخ أحمد الخليلي 1409هـ .
97- الحقيقة الشرعية للدكتور / محمد عمر بازمول ط1 1415هـ .
( خ )
98- الخوارج للدكتور / ناصر العقل ، دار الوطن ط1 1416هـ .
99- خلق أفعال العباد لأبي عبدالله البخاري ، ت/ محمد السعيد زغلول ، مكتبة التراث الإسلامي.
( د )
100- الدعوة السلفية ، وموقفها من الحركات الأخرى لمحمد عيد العباسي ، تعليق الشيخ الألباني .
101- دراسات في الجرح والتعديل د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي ، مكتبة الغرباء الأثرية ط1 1415هـ.
102- درء تعارض العقل والنقل للإمام ابن تيمية ، ت/ د . محمد رشاد سالم ، دار الكنوز الأدبية .
103- دراسات إسلامية في الأصول الإباضية ، لبكير بن سعيد أعوشت ، ط3
( ر )
104- الرسالة لأبي عبدالله الشافعي ، ت/ أحمد شاكر ، دار الكتب العلمية .
105- الرد على الزنادقة الجهمية المنسوب للإمام أحمد ، السلفيّة ، القاهرة 1393هـ .
106- رسالة الحيرة ( المطبوع باسم الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ) للباقلاني ، نشر الخانجي ، ط2 1382هـ .
107- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لأبي الفضل شهاب الدين محمد الآلوسي ، إدراة الطباعة المنيرية .
108- روضة الناظر لموفق الدين ابن قدامة المقدسي ، دار الكتاب العربي ط4 1414هـ .
109- الرسائل والمسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة ، جمع د. عبدالإله الأحمدي ، دار طيبة ط1 1412هـ .
110- الرد على القائلين بفناء الجنة والنار لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق / د. محمد السمهري ، دار بلنسية ط1 1415هـ .
111- الرد على من أنكر الصوت والحرف لأبي نصر عبدالله بن سعيد السجزي ، ت/ محمد باكريم ، دار الراية ط1 1414هـ .
112- الرد على المخالف ( ضمن الردود ) للشيخ بكر أبو زيد ، دار العاصمة 1414هـ . النشرة الأولى .
( ز )(1/218)
113- زاد المسير لجمال الدين عبدالرحمن ابن الجوزي ، دار الفكر ت/ محمد بن عبدالرحمن ، تخريج / محمد السعيد زغلول ط1 1407هـ .
114- الزواجر عن اقتراف الكبائر لأبي العباس أحمد بن حجر الهيتمي ، ت/ محمد خير طعمة ، وخليل مأمون شيحا ، دار المعرفة ، ط1 1419هـ .
( س )
115- سنن الترمذي لأبي عيسى الترمذي ، دار الحديث ، القاهرة .
116- سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي ، ت/ شعيب الأرناؤوط وأعوانه ، الرسالة ط2 1402هـ .
118- السنة لابن أبي عاصم ، تخريج الألباني ، المكتب الإسلامي ، ط3 1413هـ .
119- سنن أبي داود لأبي داود السجستاني ، دار الحديث ، القاهرة .
120- سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني ، مكتبة المعارف ، 1415هـ .
121- سلسلة الأحاديث الضعيفة للشيخ الألباني ، المكتبة الإسلامية .
122- سنن الإمام الدارمي ، دار الفكر ، بيروت .
123- سنن الإمام الدارقطني ، تحقيق وتخريج / مجدي بن منصور الشوري ، عباس الباز ، ط1 1417هـ
124- السيرة النبوية لأبي محمد بن عبدالملك بن هشام ، دار الفكر .
125- السيف الحاد على من أخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد ، لسعيد بن مبروك القنوبي ، مكتبة الضامري ، السيب سلطنة عمان ط1 1415هـ .
126- السنن للإمام أحمد بن شعيب النسائي ، دار الريان 1407هـ .
127- السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي للدكتور / محمد سعيد البوطي ، دار الفكر ط1 1408هـ .
127- السنن الكبرى لأبي بكر البيهقي ، ت/ محمد عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، ط1 1414هـ.
128- السنن لابن ماجة القزويني ، ترقيم / محمد فؤاد عبدالباقي .
( ش )
129- شرح الأصول الخمسة للقاضي عبدالجبار الهمذاني ، مكتبة وهبة ، ط1 1384هـ ، مطبعة الاستقلال الكبرى .
130- شرح مسند الإمام أحمد للعلامة أحمد شاكر ، المؤيد ، دار المعارف بمصر ، 1375هـ .(1/219)
131- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لهبة الله اللالكائي ، ت/ د. أحمد سعد الغامدي ، دار طيبة ط3 1415هـ .
132- شرح الأصول الخمسة للقاضي عبدالجبّار بن أحمد الهمذاني ، نشر : مكتبة وهبة ، ط1 ، سنة 1384هـ - 1965م ، مطبعة الاستقلال الكبرى .
133- شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ، ت/ عمرو عبدالمنعم ، مكتبة ابن تيمية ، توزيع مكتبة العلم ، ط1 1417هـ .
134- شرح لمعة الاعتقاد للشيخ ابن عثيمين ، الرسالة ، 1403هـ .
135- شرح صحيح مسلم للإمام محي الدين النووي ، ت/ خليل مأمون شيحا ، كنوز المعرفة ط1 1414هـ .
136- شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي ، ت/ نور الدين عتر ، ط1 دار الملاح .
137- شرح السنة للإمام أبي محمد الحسين البغوي ، ت/ شعيب الأرناؤوط ، وزهير الشاويش ، المكتب الإسلامي .
138- شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي .
139- الشفاعة عند أهل السنة والرد على المخالفين فيها ، للدكتور / ناصر الجديع ، دار أطلس ، ط1 1417هـ .
140- شعب الإيمان لأبي بكر البيهقي ، ت/ أبي هاجر زغلول ، دار الكتب العلمية ، 1410هـ .
141- الشريعة لأبي بكر محمد الآجري ، ت/ محمد حامد الفقي ، أنصار السنة المحمدية .
142- شرح السنة للبربهاري ، ت/ الأرناؤوط ، وطبعة أخرى بتحقيق خالد الردادي ، دار السلف ط2 1418هـ .
( ص )
143- صحيح الإمام مسلم ، ت/ محمد فؤاد عبدالباقي .
144- صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - للشيخ الألباني ، مكتبة المعارف ط1 1411هـ .
145- صحيح سنن أبي داود باختصار السند ، صحح أحاديثه محمد ناصر الدين الألباني ، اختصر أسانيده وعلّق عليه وفهرسه : زهير الشاويش ، ط1 ، 1409هـ، الناشر : مكتب التربية العربي لدول الخليج ، توزيع المكتب الإسلامي .
146- صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ، تخريج وتحقيق / شعيب الأرناؤوط !! ، الرسالة ، ط2 1414هـ .(1/220)
147- الصحاح في اللغة والعلوم ، نديم مرعشلي ، وأسامة مرعشلي ، تقديم / عبدالله العلايلي .
148- صحيح الجامع الصغير للشيخ الألباني ، المكتب الإسلامي ط2 1406هـ
149- صريح السنة لأبي جعفر الطبري .
150- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لشمس الدين ابن القيم ، ت/د. علي الدخيل الله ، دار العاصمة ، ط3 1418هـ .
151- الصمت لابن أبي الدنيا ، ت/ أبي إسحاق الحويني ، دار الكتاب العربي ، ط1 1410 .
152- الصحاح للجوهري ، ت/ أحمد عبدالغفور عطار ، دار العلم للملايين ، ط2 1417هـ .
( ض )
153- الضعفاء للعقيلي .
( ط )
154- طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي ، ت/ محمد الطناجي ، وعبدالفتاح الحلو ، دار إحياء الكتب العربية .
155- طلقات المعهد الرياضي في حلقات المذهب الإباضي لسالم بن حمود ، وزارة التراث القومي بسلطنة عمان ، 1400هـ .
156- طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى
157- طريق الهجرتين لشمس الدين ابن القيم ، دار الكتب العلمية 1416هـ .
158- الطريق إلى جماعة الأم للشيخ عثمان نوح ، دار المنار ط2 1412هـ
( ظ )
159- ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور / سفر بن عبدالرحمن الحوالي ، مكتب الطيب ط1 1417هـ .
( ع )
160- العقد الفريد لابن عبدربه ، ت/ عبدالسلام هارون .
161- عقيدة السلف وأصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني ، ت/ نبيل السبكي ، ط1 1413هـ .
162- عقائد أئمة السلف ، جمع / فواز زمرلي ، دار الكتاب العربي ط1 1415هـ .
163- العبر في خبر من غبر ، لشمس الدين الذهبي .
164- العقيدة السلفية في كلام رب البريّة للشيخ عبدالله الجديع ، دار الصميعي ط2 1416هـ .
165- العقود الفضية في أصول الإباضية لسالم الحارثي وزارة التراث القومي بسلطنة عمان 1403هـ .
166- العلو لشمس الدين الذهبي ، ت/ عبدالرحمن محمد عثمان ، دار الفكر ط2 1388هـ .(1/221)
167- العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم لابن الوزير ، ت/ شعيب الأرناؤوط ، الرسالة ط3 1415هـ .
168- العقود الياقوتية لابن بدران الحنبلي ، ت/ عبدالستار أبو غدة ، جمعية الشيخ عبدالله النوري 1404هـ .
169- عقيدة ابن أبي زيد القيرواني وعبث بعض المعاصرين بها ( ضمن الردود ) للشيخ بكر أبو زيد ، دار العاصمة ، النشرة الأولى 1414هـ .
( غ )
170- غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام ، دار الكتب العلمية 1406هـ ط1 .
171- غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام للشيخ الألباني ، المكتب الإسلامي ط3 1405هـ .
( ف )
172- الفصل في الملل والنحل لأبي محمد ابن حزم الظاهري ، ت/ محمد إبراهيم ، عبدالرحمن عميرة ، عكاظ للنشر ط1 1402هـ .
173- فتح القدير لمحمد بن علي الشوكاني ، دار الفكر ، 1403هـ .
174- فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني ، دار الريان ، القاهرة ، ط1 1407 .
175- الفرق بين الفرق لعبدالقاهر البغدادي ، ت/ محمد محي الدين عبدالحميد ، دار المعرفة .
( ق )
176- قطر المحيط للمعلم ! بطرس البستاني
177- قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين بن علي الحربي ، دار القاسم 1417هـ الرياض .
178- قواعد العقائد ، ت/ موسى محمد علي ، ط2 1405هـ ، عالم الكتب .
179- القائد إلى تصحيح العقائد للعلامة عبدالرحمن المعلمي ، تعليق / الألباني ، المكتب الإسلامي ط3 1404هـ .
180- القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروزبادي ، دار إحياء التراث العربي ط1 1412هـ .
( ك )
181- كشف الأستار لإبطال إدعاء فناء النار المنسوب لابن تيمية وابن القيم للدكتور / علي الحربي ، دار طيبة ، ط1 1410هـ .
182- الكفاية في علم الرواية لأب بكر أحمد بن علي البغدادي ، دار الكتاب العربي ، ت/ أحمد عمر هاشم ط2 1406هـ .
183- الكلام على حقيقة الإسلام والإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ت/ محمد حسن الشيباني ط1 1409هـ .
( ل )(1/222)
184- لباب النقول في أسباب النزول لجلال الدين السيوطي ، دار الريان ، 1407هـ ( مطبوع بهامش تفسير الجلالين ) .
185- لمع الأدلة للجويني ، ت/ د. فوقية حسين ط1 1385 ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف .
186- لمعة الاعتقاد لموفق الدين ابن قدامة ، ت/ محمد أشرف عبدالمقصود .
187- اللمعة المرضية في أشعار الإباضية لنور الدين السالمين ، وزارة التراث القومي بسلطنة عمان ، 1981م .
188- لوامع الأنوار البهيّة لمحمد السفاريني ، المكتب الإسلامي ، دار الخاني ، ط3 1411هـ .
189- لسان العرب لابن منظور الافريقي ، دار صادر ، 1955م .
( م )
190- مجلة البيان ( العدد الرابع والثلاثين ) .
191- الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي ، شرح وتخريج / عبدالله دراز ، دار الكتب العلمية .
192- معجم مقاييس اللغة ، لأبي الحسين أحمد بن فارس ، ت/ عبدالسلام هارون ، دار الجيل .
193- مدارج السالكين ..لشمس الدين ابن القيم ، دار الكتب العلمية .
194- المستدرك لأبي عبدالله الحاكم ، دار الكتب العلمية ، دراسة وتحقيق / محمد عبدالقادر عطا ، ط1 1411هـ .
195- مقدمات في الأهواء والافتراق والبدع للدكتور / ناصر العقل ، دار الوطن ط2 1417هـ .
196- مختصر الصواعق المرسلة لابن الموصلي ، دار الكتب العلمية .
197- محمد رشيد رضا ، طود وإصلاح ، دعوة وداعية للشيخ خالد بن فوزي ، دار علماء السلف ط2 1415هـ .
198- مجلة البحوث الإسلامية .
199- معالم التنزيل لأبي محمد الحسن بن مسعود البغوي ، ت/ محمد عبدالله النمر ، وعثمان ضميرية ، وسليمان مسلم الحرس ، دار طيبة 1411هـ .
200- موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف لأبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول ، دار الفكر ، ط1 1410هـ .
201- متشابه القرآن للفاضي عبدالجبار الهمذاني ، دار النصر للطباعة 1386هـ .
202- المستصفى لأبي حامد الغزالي ، دار إحياء التراث العربي .(1/223)
203- مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري ت/ محمد محي الدين عبدالحميد ، المكتبة العصرية 1411هـ .
204- مناهل العرفان لمحمد بن عبدالعظيم الزرقاني ، دار الفكر 1408هـ .
205- مشارق أنوار العقول لعبدالله بن حميد السالمي ، تعليق / أحمد الخليل .
206- الملل والنحل للشهرستاني ، ت/ عبدالأمير علي ، وعلي حسن فاعور ، دار المعرفة ط1 1410هـ .
207- الموسوعة الميسرة ، الندوة العالمية للشباب الإسلامي ط2 1409هـ .
208- معرفة علوم الحديث لأبي عبدالله الحاكم ، تعليق / د. معظم حسين ، دار الكتب العلمية ط2 1397هـ .
209- المعجم الكبير للإمام سليمان بن أحمد الطبراني ، ت/ حمدي السلفي ، دار إحياء التراث ، ط2 .
210- مناقب الإمام أحمد لعبدالرحمن بن الجوزي .
211- محيط المحيط للمعلم!! بطرس البستاني .
212- مسند الإمام أحمد ، ترقيم / محمد عبدالشافي ، دارالكتب العلمية ، ط1 1413هـ .
213- المجروحين لابن حبان البستي ، ت/ محمد إبراهيم زايد ، دار المعرفة 1412هـ .
214- مسند أبي يعلى الموصلي ، ت/ إرشاد الحق ، دار القبلة ، ط1 1408هـ .
215- مسند الشهاب لأبي عبدالله القضاعي ، ت/ حمدي السلفي ، الرسالة ، ط1 1405هـ .
216- مسند أبي داود الطيالسي ، دار المعرفة .
217- مشكاة المصابيح للتبريزي ت/ محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، ط3 1405هـ .
218- متشابه القرآن للقاض عبدالجبار الهمذاني ، دار النصر سنة1386-1966 .
219- ?لم??م? ?ي ??µل ?ل?ين ، ل??ي ي?لى ، ???ي? / µ?ي? ???? ، ??? ?لم??? ، ?ي?µ? .
220- ?لم??م? ل??ي ?ل??ين م?م? ?ن ?لي ?ن ?ل?ي? ?ل???ي ، ?/ م?م? ?مي? ?لله ، ????µن م? م?م? ???، ??ن ??ي ، ?م?? ، ?لم?ه? ?ل?لمي ?ل??ن?ي لل?????? 1384ه? .
221- م??م ?ل????? لي??µ? ?ل?مµي .
223- مµ?? ??ن ?يمي? من ?ل?????? ، لل???µ? / ????ل??من ?لم?مµ? ، م???? ?ل??? ?1 1415ه? .(1/224)
224- م?هµم ?هل ?ل?ن? µ?ل?م??? ?ن? ?هل ?ل?ن? µ?ل?م??? ، ?. ن??? ?ل??ل ، ??? ?لµ?ن
225- م???? ?ل????? ل??? ???ى ???? .
226- ?لم??? ?لµ?ي? ?ي ???ي? ?ل???? ?ل??ي? لل???ي ??ي م?م? ????ل?? ??ن ??ي? ?ل?ن?ل?ي ?/ 227- ?لم?ل? ?ل?لمي ???µ??ن? ، 1411ه? ، ??? ?ل???? ?ل???ي .
228- ?لم??م?? لم?هµ? ?ن ??ن ?ل ?لم?ن ، ??? ?ل?ي??? ?1 1407ه? .
229- مجموع الفتاوى ، جمع محمد بن عبدالرحمن بن قاسم ، دار عالم الكتب ، 1412هـ .
230- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للحافظ الهيثمي ، ت/ حسين سليم ، دار الثقافة العربية ط1 1411هـ .
231- موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع ، للدكتور / إبراهيم الرحيلي ، مكتبة الغرباء الأثرية ط2 1418هـ .
232- مختصر العلو للشيخ الألباني ، المكتب الإسلامي ط2 1412هـ .
233- منهاج السنة النبوي لشيخ الإسلام ابن تيمية ت/ د محمد رشاد سالم ، 1406 ط1 .
234- المنهج المقترح لفهم علم المصطلح ، للشيخ حاتم الشريف ، دار الهجرة ط1 1416هـ .
235- مباحث في علوم القرآن للشيخ / مناع القطان ، مكتبة المعارف ، ط2 1417هـ .
( ن )
236- النهج الحديث في مختصر علوم الحديث د. علي نصر .
237- النكت على نزهة النظر للشيخ علي بن حسن ، دار ابن الجوزي ط2 1414هـ .
238- النونية للقحطاني .
239- نظام العزابة عند الإباضية الوهبية في جربة لفرحات الجعبيري ، المكتبة التاريخية للمعهد القومي للآثار والفنون ، تونس 1975م .
240- الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام ، دراسة وتحقيق / محمد بن صالح المديغر ، ط1 ، 1411هـ - 1990هـ - مكتبة الرشد . الرياض .
241- نواقض الإيمان القولية والعملية للدكتور / عبدالعزيز العبداللطيف ، دار الوطن ط2 1415هـ .
242- الناسخ والمنسوخ للقاضي أبي بكر بن العربي ، تحقيق / د.عبدالكبير العلوي ، 1408هـ - 1988م(1/225)
243- النهاية في غريب الحديث والأثر للإمام مجد الدين المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير ، دار الفكر ط2، 1399هـ ، تحقيق / طاهر الزاوي ومحمود الطناحي .
244- النهاية في غريب الحديث والأثر لمجد الدين ابن الأثير ، دار الفكر ط2 1411هـ .
245- نشأة الحركة الإباضية د. عوض خليفات ، نشر بدعم من الجامعة الأوربية 1978م .
246- نيل الأوطار لمحمد بن علي الشوكاني ، دار الجيل ، بيروت لبنان .
( هـ )
247- هذا عهد نبينا إلينا خبر الآحاد لأبي إسلام مصطفى بن محمد بن سلامة ، مكتبة ابن حجر .
( و )
248- وسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم ، دار الراية ط1 1415هـ .
249- وفيات الأعيان وأنباء الزمان ، لأبي العباس ابن خلكان ، ت/ د. إحسان عباس ، دار صادر
?ه?? ?لمµ?µ??? :
?لمµ???????????????????????????????µ?
??م ?ل????
?لم??م?
1
??? ?ل???
7
?لم? ?ل???
10
?ل?مهي?
12
?????? ??م ?هل ?ل?ن? µ?هل ?ل????
19
?هل ?ل?ن?
20
?ل?م???
23
?هل ?ل??ي?
25
?ل?ل?
29
?ن?يه?? : ?ل?ن?يه ?ل?µل
32
?ل?ن?يه ?ل??ني
35
?ل?ن?يه ?ل??ل?
42
?لم??? ?ل??ني : منه? ?ل?ل? ?ي ?ل??µ? µ?ل??ي??
46
?لم??? ?ل??ل? : مµ?? ?ل?ل? من ?لم?????
48
?لم??? ?ل???? : منه? ?ل?ل? ?ي ??µ?هم ?لى ?هل ?ل???
50
?ل??? ?ل?µل : منهم ?ل????ي? ?
54
?ل??ل ?ل?µل : ن??? ???ي?ي? ?ن ?ل?µ??? ، µن??? ?ل????ي?
55
??م?? ?ل?µ??? µ?ل???هم
59
?ل??ل ?ل??ني : هل ?ل????ي? ???? من ??? ?ل?µ??? ?
64
?ل??ل ?ل??ل? : م???? ?ل?ل?ي ?ن? ?ل????ي?
66
?ل??ل ?ل???? : ?هم ?ل???ي?? ?ي ?لم?ه? ?ل????ي
68
?ل??ل ?ل??م? : ???? ?ل????ي? ?ي ?ل??ي?? µ?ل????م
70
?ل??? ?ل??ني : ?ل?يم?ن µ?ل?????
72
?ل??ل ?ل?µل : ???ي? ?ل?يم?ن µ?ل?? ?لن?? ?يه
77
?ل??ل ?ل??ني : ?م?? ?ل?ل?? µ?ي?ن ?ل???? ?يه
77
?ل??ل ?ل??ل? : ???ي? ?ل?????
80
?لمµ???????????????????????????????µ?
??م ?ل????(1/226)
?ل??ل ?ل???? : ?ل?? ?لن?? ?ي م???? ?ل??ي?? µ?ي?ن ?ل???? ?يه
81
?ل??? ?ل??ل? : ?ل?? ?لى ?ل?ي? / ??م? ?ل?ليلي
82
م??ل
83
?ل??ل ?ل?µل : منه? ?لم???? ?ي ??مه ????ي? م???? ?ل??ي??
85
?ل??ل? ?لى ??ي? ??? ?ل???? ?ي ?ل??ي??
89
?ل??µيل ?ل????
91
??? ?ل??µيل ?ل???? ?لى ?ل??ي??
94
??? م?ه? ?لµ?ي?ي°? ( ?ل?µ??? µ?لم???ل? ) µن??ه?
97
م??م?? ??م? ?لى منه? ?لم???? ل???° منه?
105
?ل??ل ?ل??ني : ?ل?? ?لى ?لم???? ?ي ??مه ????ي? م???? ?ل??ي?? ( ???يل?? )
114
??ل :
126
??ل : ن?? ????ل?ل?? ?لم???? ( ??ل???ن )
135
ن?? ?ل????ل?ل ?ل?µل
135
ن?? ?ل????ل?ل ?ل??ني
145
ن?? ?ل????ل?ل ?ل??ل?
149
ن?? ?ل????ل?ل ?ل????
155
ن?? ?ل????ل?ل ?ل??م?
157
ن?? ?ل????ل?ل ?ل????
163
ن?? ?ل????ل?ل ?ل????
166
ن?? ?ل????ل?ل ?ل??من
169
ن?? ?ل????ل?ل ?ل????
170
ن?? ?ل????ل?ل ?ل????
173
??ني?? : ن?? ????ل?له ??ل?ن? ?لن?µي? ( ?µ??? )
177
ن?? ?ل????ل?ل ?ل?µل µ?ل??ني
179
ن?? ?ل????ل?ل ?ل??ل?
180
ن?? ?ل????ل?ل ?ل????
181
ن?? ?ل????ل?ل ?ل??م?
183
?لمµ???????????????????????????????µ?
??م ?ل????
ن?? ?ل????ل?ل ?ل????
184
ن?? ?ل????ل?ل ?ل????
185
ن?? ?ل????ل?ل ?ل??من
186
ن?? ?ل????ل?ل ?ل????
187
ن?? ?ل????ل?ل ?ل????
188
?ل??ل ?ل??ل? : لµ??م ?ل?µل ??لµ? م???? ?ل????? ?ي ?لن??
189
?µل?? : ?ن??? ?ل?????
189
???ي? ?ل?????
189
?ل??ل? ?ي ????? ?ل?????
190
?نµ?? ?ل?????
192
??ني?? : ?ل??? ?ي ن?µ? ?لµ??
195
?ل???م?
196
?ل?µ?ي?? µ?لم??????
199
م?????? لل??? ?ل?ي?ي?
200
?ل?ه??? ?ل??م?
202
?ه?? ?ل?ي?? ?ل???ني?
203
?ه?? ?ل????ي? ?لن?µي?
210
?ه?? ?ل???? ?ل?ل?ي?
213
?ه?? ?ل??? µ?لم??ه?
215
?ه?? ?ل??ل?م
207
?لم???? µ?لم????
224
?ه?? ?لمµ?µ???
238(1/227)