إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله .
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
تمهيد :
أولا : التعريف بمنهج السلف :
المنهج : هي الطريقة التي كان عليها أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] في فهم دين الله .
السلف : هم الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان [رضي الله عنهم ] .
ثانيا : الأدلة من الكتاب والسنة والآثار على وجوب
اتباع منهج السلف :
قال تعالى : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان [رضي الله عنهم] ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } (1) .
وقال تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } (2) .
وقال تعالى مخاطبا للصحابة الكرام ـ [رضي الله عنهم] ـ :
{ فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع
العليم } (3) .
__________
(1) ـ سورة التوبة (100) .
(2) ـ سورة النساء (115) .
(3) ـ سورة البقرة (137) .(1/1)
عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)) (1) .
وعن عبد الله بن مسعود [رضي الله عنه] قال : قال النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] : (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) (2) .
" أقول " : والخيرية تستلزم صحة العقيدة وصدق الاتباع وقد كان الصحابة ـ [رضي الله عنهم] ـ كذلك فهم خير الناس معتقدا واتباعا للسنة ومجانبة للشرك والبدعة والفرقة وهم خير الناس فقها وعلما فمن لم يسعه ما وسعهم فلا وسع الله عليه .
قال الإمام أحمد بن حنبل [ رحمه الله تعالى ] : ( أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] والاقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء وترك المراء والجدال والخصومات في الدين ) (3) وقال أبو عمرو الأوزاعي [رحمه الله] : (اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم ) (4) .
__________
(1) ـ التخريج : أبو داود : في السنة (6/234) عون المعبود . والترمذي في العلم : باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة (7/438) " تحفة " . وابن ماجة في السنة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (1/13 ) . (ص) الألباني ، وقال ـ حفظه الله ـ إسناده صحيح .
(2) ـ التخريج : البخاري في : باب لا يشهد على شهادة جور إذا
أشهد (5/306) " فتح " . ومسلم في صحيحه : باب فضائل الصحابة (6/68) " نووي " .
(3) ـ أصول اعتقاد أهل السنة (1/176 ) .
(4) ـ المصدر السابق : (1/174 ) .(1/2)
وقال أيضا [رحمه الله] : ( عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول ) (1) .
يقول الإمام أحمد [رحمه الله] في خطبته المشهورة في كتابه الرد على الزنادقة والجهمية :( الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله تعالى الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وما اقبح اثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة وهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي كتاب الله بغير علم ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتنة المضلين ) (2) .
ـ من مميزات منهج السلف ـ
1 ـ ثبات أتباعه على الحق :
__________
(1) ـ شرح لمعة الاعتقاد (5/25) ضمن فتاوى ورسائل الشيخ / ابن عثيمين .
" فائدة " : شؤم البدعة قال عبد الله بن المبارك [رحمه الله] : صاحب البدعة على وجهه الظلمة وإن أدهن كل يوم ثلاثين مرة . أصول اعتقاد أهل السنة (1/159) .
ـ التمسك بالسنة نجاه : كان مالك [رحمه الله] كثيرا ما ينشد [ الاعتصام للشاطبي (1/115 ) تحقيق سليم الهلالي ] :
وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع
وقال آخر :
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
(2) ـ اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية : لابن القيم الجوزية (ص93ـ94) .(1/3)
قال الإمام البخاري [ رحمه الله تعالى ] في صحيحه كتاب الفتن ، باب : كيف الأمر إذا لم تكن جماعة . ثم قال رحمه الله ـ حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا الوليد بن مسلم ، قال حدثنا بن جابر قال حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي ، أنه سمع أبا إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول : كان الناس يسألون رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : (( نعم )) قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : (( نعم وفيه دخن )) قلت : وما دخنه ؟ قال : (( قوم يهدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر)) قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : (( نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها )) قلت : يا رسول الله صفهم لنا ، قال : (( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)) قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : (( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم )) قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : (( فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )) .
2 ـ الوضوح :
فأتباعه واضحون في دعوتهم لا يلبسون على المسلمين شيئا من أمور دينهم بعكس الفرق الأخر فإن دعوتهم ليست واضحة فتارة مع الرافضة وتارة مع العلمانية ، فحالهم كما قيل:
يوما يمان إذا ما جئت ذا يمن وإن لقيت معديا فعدنان
ومنهج القرآن الوضوح كما قال تعالى : { ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة } .
3 ـ الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم .
قال تعالى : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } (1) .
4 ـ عدم الخروج على ولاة الأمر المسلمين وإن جاروا ، والسعي لمناصحتهم وبيان الحق لهم ؛ وطاعتهم في غير معصية
__________
(1) ـ سورة يوسف : (108) .(1/4)
قال الإمام الطحاوي [رحمه الله] ( ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ، ولا ندعو عليهم ، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ، مالم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة) (1) .
5 ـ رجوع أتباعه إلى الحق متى ظهر لهم ويقبلونه ممن جاء به سواء أكان الذي جاء به صغيرا أم كبيرا ، قريبا كان أم بعيدا .
6ـ ربط الناس بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح وليس بأشخاص معينين لإن المعصوم عندهم هو رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] أما غيره فيعلم ويجهل ويصيب ويخطئ .
7ـ عدم تكفير أحدا من المسلمين بذنب ما لم يستحله ويكون ذلك أي الحكم بتكفيره ـ بعد قيام الحجة وإزالة الشبهة .
لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : (( لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ردت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك )) (2) .
8 ـ الولاء والبراء عند السلفيين على أساس الكتاب والسنة وليس على أساس حزبي ، فيحبون المسلم لتمسكه بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح . ويبغضون أهل الأهواء والبدع لمخالفتهم لمنهج السلف الصالح .
9ـ تمسك أتباعه بالأدلة الشرعية ونبذ التقليد الأعمى تحقيقا لقوله تعالى : { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون } (3) .
فأتباعه مستنيرون بكتاب الله عز وجل وبسنة رسوله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] .
10 ـ الرد على المخالف كائنا من كان ، لقوله تعالى : { فماذا بعد الحق إلا الضلال } .
وثبت عن الإمام مالك [رحمه الله] أنه كان يقول : (كل أحد يأخذ من قوله ويرد إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم )
11 ـ سلوك أتباعه التفصيل في بيان الحق في أبواب العقيدة والعبادات وغير ذلك .
التحذير من المبتدعة وكتبهم .
__________
(1) ـ شرح الطحاوية ص 371 ، في العقيدة السلفية ـ تحقيق أحمد شاكر .
(2) ـ رواه البخاري .
(3) ـ سورة الأعراف : (3) .(1/5)
قال الله تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بع الذكرى مع القوم الظالمين } (1) .
عن ابن عون قال : كان محمد ـ يعني ابن سيرين [رحمه الله] يرى أن أسرع الناس ردة أهل الأهواء يرى أن هذه الآية أنزلت فيهم (2) .
عن مفضل بن مهلهل السعدي (3) [رحمه الله] قال : لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته وفررت منه ولكنه يحدثك بأحاديث السنة في بدو مجلسه ثم يدخل عليك بدعته فلعلها تلزم قلبك فمتى تخرج من قلبك ؟ (4) .
1 ـ فتوى الإمام مالك رحمه الله تعالى
لا يجوز الإيجارات في شيء من كتب أهل الأهواء والبدع (5)
2 ـ نقل عبد الله بن أحمد عن أبيه رحمهما الله تعالى
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : سلام بن أبي مطيع من الثقات حدثنا عنه ابن مهدي ثم قال أبي : كان أبو عوانة وضع كتابا فيه معايب أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] وفيه بلايا فجاء سلام بن أبي مطيع فقال يا أبا عوانة اعطني ذاك الكتاب ، فأعطاه فأخذه سلام فأحرقه .
قال أبي : وكان سلام من أصحاب أيوب وكان رجلا صالحا (6) .
3 ـ كلام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم
قال أبو محمد (7) :
" وسمعت أبي وأبا زرعة : يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع ويغلظان في ذلك أشد التغليظ وينكران وضع الكتب برأي في غير آثار. وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلمين ويقولان لا يفلح صاحب كلام أبدا "
قال أبو محمد : " وبه أقول أنا " .
__________
(1) ـ سورة الأنعام : (68) .
(2) ـ الإنابة لابن بطة ( 2/431 ) .
(3) ـ ثقة ثبت ، نبيل عابد " التقريب " ( 967 ) .
(4) ـ المصدر السابق (2/444 ) .
(5) ـ جامع بيان العلم وفضله (2/942) تحقيق أبي الأشبال الزهيري .
(6) ـ العلل ومعرفة الرجال ( 1/108 ) .
(7) ـ أصول اعتقاد أهل السنة (1/201 ) ، تحقيق أحمد بن سعد الغامدي .(1/6)
ونقل عن أبي حاتم الرازي [رحمه الله] أنه قال :
" مذهبنا واختيارنا أتباع رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] واصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان والتمسك بمذهب أهل الأثر ، ولزوم الكتاب والسنة والذب عن الأئمة المتبعة لآثار السلف واختيار ما اختاره أهل السنة من الأئمة في الأمصار ، وترك النظر في كتب الكرابيسي ومجانبة من يناضل عنه من أصحابه. ا.هـ . بتصرف (1/202 ) (1) .
4 ـ كلام أبي عثمان الصابوني ـ في موقف السلف
من البدع وأهلها
وقال الإمام أبو عثمان الصابوني [رحمه الله] وهو يتكلم عن موقف السلف من البدع وأهلها : ـ " ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت".
وفيه أنزل الله تعالى قوله : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } (2) .
تعليق
أقول : وقد حذر سلفنا الصالح رضوان الله عليهم ـ من النظر في كتب المبتدعة لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة فإن القلوب ضعيفة والشبه خطافة ومما يؤسف له أن كثيرا من الشباب اليوم يقرؤون في كتب أهل الأهواء والضلال ويربون أنفسهم عليها ثم يعودون حربا على السنة وأهلها وحربا على منهج السلف الحق ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
5 ـ فتوى علماء السنة بقرطبة : بإحراق
إحياء علوم الدين للغزالي .
نقل الشيخ / محمد بن عبد الرحمن المغراوي في كتابه (العقيدة السلفية) فتوى علماء السنة بإحراق كتاب ( إحياء علوم الدين ) للغزالي وقال كان طلبة أهل السنة والجماعة بقرطبة يطلقون عليه (إماتة علوم الدين ) .
__________
(1) ـ أصول اعتقاد أهل السنة ( 1/202 ) .
(2) ـ عقيدة السلف أصحاب الحديث ( ص114 ـ 115 ) تحقيق بدر البدر .(1/7)
وقد أجمل المؤلف الأسباب الحقيقية لحرق الكتاب فقال :
السبب الأول : الكذب على النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] والصحابة والتابعين بإحسان .
السبب الثاني : كتاب إحياء علوم الدين هو الأصل الكبير لكل بدعة منتشرة في الصوفية وفي غيرهم .
السبب الثالث : ما في الكتاب من طامات وضلالات عقدية .
السبب الرابع : شهادة علماء الكتاب والسنة في ( الإحياء) وأنه كتاب ضلالة يجب إحراقه وإبعاده عن المسلمين حتى لا يضلوا بضلالة (1) .
6 ـ كلام الإمام أبي القاسم الأصبهاني
قال [ رحمه الله تعالى ] في كتابه ( الحجة في بيان الحجة وشرح عقيدة أهل السنة ) : نقلا عن أبي منصور معمر بن أحمد .
" ثم من السنة ترك الرأي والقياس في الدين وترك الجدال والخصومات وترك مفاتحة القدرية (2) وأصحاب الكلام وترك النظر في كتب الكلام وكتب النجوم " (3) .
7ـ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية [رحمه الله]
أهل البدع لا يعتمدون على الكتاب والسنة وآثار السلف من الصحابة والتابعين وإنما يعتمدون على العقل واللغة وتجدهم لا يعتمدون على كتب التفاسير المأثورة والحديث وآثار السلف وإنما يعتمدون على كتب الأدب وكتب الكلام فمن هنا أوتوا (4) .
وقال رحمه الله ـ لما ذكر بأن كل ما رغب في المعصية ونهى عن الطاعة فهو من معصية الله قال :
" ومن هذا الباب سماع كلام أهل البدع ، والنظر في كتبهم لمن يضره ويدعوه إلى سبيلهم وإلى معصية الله " (5) .
8 ـ كلام ابن القيم [ رحمه الله تعالى ]
__________
(1) ـ العقدية السلفية (ص33 ـ 49 ) .
(2) ـ القدرية : أتباع معبد الجهني الذي أنكر القدر .
(3) ـ ( 1/252 ) تحقيق محمد بن ربيع .
(4) ـ الفتاوى : (7/119 ) بتصرف يسير .
(5) ـ الفتاوى (15/336 ) .(1/8)
لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها (1) وقال أيضا: " وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها بل مأذون في محقها وإتلافها ، وما على الأمة اضر منها وقد حرق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان لما خافوا على الأمة من الاختلاف فكيف لو رأوا هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفريق بين الأمة" (2) . وقال كذلك : " والمقصود أن هذه الكتب المشتملة على الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها وهي أولى بذلك من إتلاف آلات اللهو والمعازف وإتلاف آنية الخمر فإن ضررها أعظم من ضرر هذه ولا ضمان فيها كما لا ضمان في كسر أواني الخمر وشق زقازقها (3) .
تعليق
أقول فكيف لو رأى بن القيم [رحمه الله] كتب سيد قطب والغزالي والترابي وغير هؤلاء وما فيها من الضلال في العقيدة والانحراف والمخالفة لمنهج سلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ فالله المستعان.
وقال رحمه الله تعالى ـ عند قول كعب بن مالك : " فتيممت بالصحيفة التنور " :
" فيه المبادرة إلى إتلاف ما يخشى منه الفساد والمضرة في الدين، وأن الحازم لا ينتظر به ولا يؤخره ، وهذا كالعصير إذا تخمر ، وكالكتاب الذي يخشى منه الضرر والشر ، فالحزم المبادرة إلى إتلافه وإعدامه " (4) .
وقال أيضا بعد ذكره لبعض أقوال أهل البدع :
يا من يظن بأننا حفنا عليـ ... ـهم كتبهم تنبيك عن ذا الشان
فانظر ترى لكن نرى لك تركها ... حذرا عليك مصائد الشيطان
فشباكها والله لم يعلق بها ... من ذي جناح قاصر الطيران
إلا رأيت في قفص الردى ... يبكي له نوح على الأغصان
ويظل يخبط طالبا لخلاصه ... فيضيق عنه فرجة العيدان
والذنب ذنب الطير خلى أطيب الثـ ... ـمرات في عال من الأفنان
وأتى إلى تلك المزابل يبتغي الـ ... ـفضلات كالحشرات والديدان
__________
(1) ـ الطرق الحكمية لابن القيم (ص327) .
(2) ـ المصدر السابق ( ص327 ـ 328) .
(3) ـ المصدر السابق ( ص 329 ) " الزق " كل وعاء اتخذ لشراب ونحوه ، جمع ازقاق ".
(4) ـ زاد المعاد (3/581) .(1/9)
يا قوم والله العظيم نصيحة ... من مشفق وأخ لكم معوان (1)
قال الشيخ محمد خليل هراس في شرحه لنونية ابن القيم عند هذه الأبيات (2) :
" ولا يظنن أحد أننا نتجنى على القوم أو نتهمهم بغير الحق ، فتلك كتبهم تخبر عنهم كل من ينظر فيها وتشهد عليهم شهادة صدق ، فليقرأها من شاء ليتأكد من صحة ما نسبناه إليهم ، ولكنا مع ذلك ننصح كل أحد أن لا يقرأ هذه الكتب حتى لا يقع في حبائلها ويغره ما فيها من تزويق المنطق وتنميق الأفكار ، لا سيما إذا لم يكن ممن رسخ في علوم الكتاب والسنة قدمه ولا تمكن منهما فهمه ، فهذا لا يلبث أن يقع أسير شباكها ، تبكيه نائحة الدوح على غصنها ، وهو يجتهد في طلب الخلاص فلا يستطيع ، والذنب ذنبه هو ، حيث ترك أطيب الثمرات على أغصانها العالية حلوة المجتنى طيبة المأكل ، وهبط إلى المزابل وأمكنه القذارة يتمم الفضلات كما تفعل الديدان والحشرات .
وما أروع تشبيه الشيخ [رحمه الله] حال من وقع أسير هذه الكتب وما فيها من ضلالات مزوقة قد فتن بها لبة وتأثر بها عقله ، بحال طير في قفص قد أحكم غلقه فهو يضرب بجناحيه طالبا للخلاص منه فلا يجد فرجة ينفذ منها لضيق ما بين العيدان من فرج .
وما أجمل أيضا تشبيهه لعقائد الكتاب والسنة بثمرات شهية كريمة المذاق على أغصان عالية ، بحيث لا يصل إليها فساد ولا يلحقها تلوث ، وتشبيهه لعقائد هؤلاء الزائغين بفضلات قذرة وأطعمة عفنة ألقيت في أحد المزابل ، فلا يأي إليها إلا أصحاب العقول القذرة والفطرة المنتكسة .
9 ـ نقل كلام الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال .
__________
(1) ـ نونية ابن القيم (ص180) .
(2) ـ (1/360ـ361) .(1/10)
قال الحافظ سعيد بن عمرو البرذعي : " شهدت أبا زرعة وقد سئل عن الحارث المحاسبي وكتبه فقال للسائل : إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك . قيل له في هذه الكتب عبرة فقال من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة . بلغكم أنا سفيان ومالكا والأوزاعي صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس ، ما أسرع الناس إلى البدع " (1) .
10 ـ كلام الذهبي في السير
قال [رحمه الله] بعد أن ذكر بعض كتب أهل الضلال :
" فالحذار الحذار من هذه الكتب ، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل وإلا وقعتم في الحيرة ، فمن رام النجاة والفوز فليلزم العبودية ، وليدمن الاستغاثة بالله ، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة، وسادة التابعين ، والله الموفق . " (2) .
11 ـ كلام أبي عبد الله بن مفلح
[رحمه الله تعالى ]
يقول الشيخ [ رحمه الله تعالى ] : " وكان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم (3) .
وقال أيضا ، ونص الإمام أحمد [ رحمه الله تعالى ] على المنع من النظر في كتب أهل الكلام والبدع المضلة وقراءتها وروايتها (4) .
12 ـ كلام أبي زيد عبد الرحمن بن خلدون
__________
(1) ـ ميزان الاعتدال الذهبي (1 / 431 ) .
" نصيحة " :
أخي طالب العلم السني السلفي عليك بتحصيل العلم الشرعي من الكتاب والسنة الصحيحة ومن كتب السلف الصالح ففي ذلك الهدى والنور واحذر أن تتلقى العلم عن أهل البدع فلا تأخذ عن رافضي أو خارجي أو قبوري أو حزبي أو سروري ، قال محمد بن سيرين : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم " ( مقدمة صحيح مسلم ) .
وقال سفيان الثوري [رحمه الله] من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بما سمعه ( الكفاية للخطيب ) وفقنا الله وإياك للاقتداء بالسلف .
(2) ـ سير أعلام النبلاء (19/328،329) .
(3) ـ الآداب الشرعية لابن مفلح (1/125 ) .
(4) ـ المصدر السابق ( 1/219 ) .(1/11)
قال العلامة قاضي (1) القضاة أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون :
" وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة ، وما يوجد من نسخها بأيدي الناس مثل : الفصوص والفتوحات المكية لابن عربي والبد لابن سبعين وخلع النعلين لابن قسي وعين اليقين لابن برجان وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض والعفيف التلمساني ، وأمثالهما أن يلحق بهذه الكتب وكذا شرح ابن الفرغاني للعقيدة التائية من نظم ابن الفارض فالحكم في هذه الكتب وأمثالها إذهاب أعيانها متى وجدت بالتحريق بالنار والغسل بالماء حتى ينمحي أثر الكتاب لما في ذلك من المصلحة العامة في الدين بمحو العقائد المختلفة فيتعين على ولي الأمر إحراق هذه الكتب دفعا للمفسدة العامة ويتعين على من كانت عنده التمكين منها للإحراق " ا.هـ .
13 ـ رسالة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ (1225ـ1293هـ ) إلى عبد الله بن معيذر ، وكان قد بلغ الشيخ أنه يشتغل بكتاب الإحياء للغزالي ويقرأ فيه عند العامة :
" من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخ عبد الله
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد :
__________
(1) ـ مصرع التصوف : لبرهان الدين البقاعي (ص167ـ168) تحقيق عبد الرحمن الوكيل .
انظر : معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر (ص114 ـ 115) .(1/12)
فقد بلغني عنك ما يشغل كل من له حمية إسلامية ، وغيرة دينية على الملة الحنيفية ، وذلك أنك اشتغلت بالقراءة في كتاب ( الإحياء) للغزالي ، وجمعت عليه من لديك من الضعفاء والعامة الذين لا تمييز لهم بين مسائل الهداية والسعادة ، ووسائل الكفر والشقاوة ، وأسمعتهم ما في الإحياء من التحريفات الجائرة ، والتأويلات الضالة الخاسرة ، والشقاشق التي اشتملت على الداء الدفين ، والفلسفة في أصل الدين ، وقد أمر الله تعالى وأوجب على عباده أن يتبعوا الرسول ، وأن يلتزموا سبيل المؤمنين ، وحرم اتخاذ الولائج من دون الله ورسوله ومن دون عباده المؤمنين ، وهذا الأصل المحكم لا قوام للإسلام إلا به ، وقد سلك في الإحياء طريق الفلاسفة والمتكلمين ، في كثير من مباحث الإلهيات وأصول الدين ، وكسا الفلسفة لحاء الشريعة ، حتى ظنها الأغمار والجهال بالحقائق من دين الله الذي جاءت به الرسل ، ونزلت به الكتب ، ودخل به الناس في الإسلام ، وهي في الحقيقة محض فلسفة منتنة يعرفها أولو الأبصار ، ويمجها من سلك سبيل أهل العلم كافة في القرى والأمصار .
قد حذر أهل العلم والبصيرة عن النظر فيها ، ومطالعة خافيها وباديها ، بل أفتى بتحريقها علماء المغرب ممن عرف بالسنة ، وسماها كثير منهم : إماتة علوم الدين ، وقام ابن عقيل أعظم قيام في الذم والتشنيع ، وزيف ما فيه من التمويه والترقيع ، وجزم بأن كثيرا من مباحثه زندقة خالصة لا يقبل لصاحبها صرف ولا عدل " (1) .
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن [ رحمه الله ] ناصحا في رسالة أخرى :
" فعليك بكتب أهل السنة واحذر من كتب المبتدعة فإنهم سودوها بالشبهات والجهالات التي تلقوها عن أسلافهم وشيعهم " (2) .
14 ـ فتوى علماء السنة بالهند بمجانبة كتب
المودودي وجماعته .
__________
(1) ـ مجموع الرسائل والمسائل النجدية (3/130ـ131) .
(2) ـ مجموعة الرسائل والمسائل النجدية. (3/83) .(1/13)
قال الشيخ المحدث / محمد بن يوسف البنوري في كتابه : (الأستاذ المودودي وشيء من حياته وأفكاره ) .
يقول في آخر الجزء الأول : ( وفي ختام هذه المقدمة نأتي بقرار اتخذه أكابر العلماء وجهابذة الدين في حق الأستاذ المودودي وجماعته ودستورها في 27 من شوال سنة 1370 في دلهي في مكتب جمعية العلماء وقد اتفق أكابر علماء الدين على هذا القرار وفيهم شيخ الإسلام السيد حسين أحمد المدني رئيس أساتذة دار العلوم بديوبند ومثل المحقق مفتي الهند الأكبر الشيخ محمد كفاية الله الدهلوي ومثل حكيم الإسلام الشيخ القارئ محمد طيب الديوبندي مدير دار العلوم الديونبدية وفيهم الشيخ عبد اللطيف المحدث مدير مظاهر العلوم في سهارنفور وفيهم شيخ الحديث الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي الصديقي صاحب ( أوجز المسالك شرح الموطأ لمالك ) ، وفيهم الشيخ أحمد سعيد خطيب الهند سكرتير جمعية العلماء وفيهم الشيخ سعيد أحمد المفتي في مظاهر العلوم وغيرهم من أصحاب مراكز العلم والفتوى وهؤلاء الأكابر أعيان هذه البلاد وأعلامها علما وفقها ودينا وتقوى وكان أصبح عليهم مدار الفتوى وهذا نص القرار المترجم إلى العربية يقولون فيه :
" إن مطالعة تآليف المودودي وحزبه الجماعة الإسلامية يجعل الناس في حرية من اتباع أئمة الدين وأن لا يبقى لهم صلة بهم وهذا مما يهلك العامة ويضلهم ضلالا ووسيلة لانتقاص صلة المسلمين بصحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ والسلف الصالحين ، وإن كثيرا من تحقيقاته وأفكاره الخاطئة إذا اتخذها الناس وسيلة لفقه جديد وإحداث في الدين وبدعة في الإسلام باليقين وهذا في غاية الضرر في الدين فنحن نقول بكل صراحة : " إن كل حركة تحوي أمورا مثل هذه خطأ يضر المسلمين ونعلن براءتنا عن هذه الجماعة وعن هذه الحركة . (1)
__________
(1) ـ الأستاذ : المودودي وشيء من حياته وأفكاره ) للشيخ محمد يوسف البنوري نقلا عن شريط جرح الجرح والتعديل لعبد السلام آل عبد الكريم .(1/14)
وقال [ رحمه الله تعالى ] إن مركز الفتوى في الهند ورئاسة دار الإفتاء في دار العلوم في ديوبند أصدرت الفتوى في الأستاذ المودودي وجماعته وهاك نص الفتوى مترجما إلى العربية :
" يجب على المسلمين أن يجتنبوا عن الجماعة الإسلامية وأن المشاركة فيها سم قاتل ، وعلى المسلمين أن يكفوا الناس عن المشاركة فيها لكي لا يضلوا ، وضرر الجماعة أكثر من النفع فلا يحل شرعا المساهمة فيها ، وكل من أيدها وأعانها بالنشر والإشاعة يكون آثما ويكون داعيا للاثم والمعصية بدل أن يكون مثابا ، ومن كان منهم إماما في مسجد فتكره الصلاة وراءه " ا.هـ (1) .
15 ـ كلام العلامة صديق حسن خان
قال العلامة صديق حسن خان :
" ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين والسنة ، وكل محدثة في الدين بدعة ، وترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم في أصول الدين وفروعه ، كالرافضة والخوارج والجهمية والقدرية ، والمرجئة ، والكرامية ، والمعتزلة ، فهذه فرق الضلالة وطرائق البدع " (2) .
16 ـ كلام الشيخ حمود التويجري [رحمه الله] (3) .
ولله در الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني إذ يقول في مدح شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب .
وحرق عمدا للدلائل دفترا ... أصاب ففيها ما يجل عن العد
غلو نهى عنه الرسول وفرية ... بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدي
أحاديث لا تعزى إلى عالم فلا ... تساوي فُليسا إن رجعت إلى النقد
لقد سرني ما جاءني من طريقة ... وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي
__________
(1) ـ ( 1/50) .
(2) ـ قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر (ص157) .
(3) ـ القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ ( ص19 ) .
" فائدة :
قال شيخ الإسلام [رحمه الله] شعار أهل البدع ترك اتباع السلف . الفتاوى (4ـ155 ) . وقال أيضا : " لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليهم واعتزى إليهم بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا " [ الفتاوى (4/129)] .(1/15)
17ـ فتوى محدث الديار اليمانية الشيخ :
مقبل الوادعي ـ حفظه الله ـ
بإحراق كتاب ( الخطوط العريضة ) لعبد الرزاق الشايجي قال الشيخ في شريط ( من وراء التفجيرات في أرض الحرمين) فتواي في هذا الكتاب أن يحرق وقد حذر الشيخ أيضا من صحيفة السنة التي يصدرها ( محمد بن سرور ) وقال هي أحق أن تسمى صحيفة البدعة.
" تعليق " :
أقول والأمر كما قال الشيخ فإنها تحمل البلايا وتطعن في علماء السنة والحديث تحت شعار السنة كلمة حق يراد بها باطل فهي عن السنة بمعزل وعن منهج السلف بمعزل ولو كانت تدعو إلى السنة حقا فإن من علامات الداعي إلى السنة أن يحب أهل السنة وعلماء السنة .
يقول أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف نقلا عن أبي حاتم الرازي [رحمه الله] : " علامات أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر " .
ويقول الإمام أحمد بن سنان [ رحمه الله تعالى ] : " ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أصحاب الحديث وإذا ابتدع الرجل بدعة نزعة حلاوة الحديث من قلبه" (1) .
18ـ كلام الشيخ صالح الفوزان [حفظه الله ]
سئل الشيخ / ما هو القول الحق في قراءة كتب المبتدعة ، وسماع أشرطتهم ؟
ج ـ لا يجوز قراءة كتب المبتدعة ولا سماع أشرطتهم إلا لمن يريد أن يرد علهم ويبين ضلالهم (2) .
19ـ كلام الشيخ إبراهيم بن عامر الزحيلي
حفظه الله تعالى
في كتابه ( موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع )
قال الشيخ وهو يتكلم عن عقوبات البدع : ومن ذلك تحريق كتبهم وإتلافها فإن فيه تعزيرا لهم ، ودرء للمفسدة الحاصلة باطلاع الناس عليها وقراءتها وتضررهم بهما في دينهم " أمر بذلك السلف وحثوا عليه " (3) .
__________
(1) ـ عقيدة السلف أصحاب الحديث .
(2) ـ عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص118 ) تحقيق بدر البدر .
الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة (ص70) .
(3) ـ موقف أهل السنة (2/630) .
" فائدة وعبرة " :
قال محمد بن سيرين [رحمه الله] كان عمران بن حطان من أهل السنة فتزوج امرأة خارجية " على مذهب الخوارج " وقال أتزوجها وأهديها فأضلته فأصبح من أعيان الخوارج . تهذيب الكمال (22/323).(1/16)
" تعليق" :
مما تقدم يتبين أن منهج السلف في التعامل مع كتب المبتدعة قائم على الإدراك العميق لخطورة تلك الكتب ، والرسول [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] يقول : (( من عشنا فليس منا )).
قال ذلك في أمور البيع والشراء فكيف بمن غش الأمة في عقيدتها وأصول دينها ، لا شك أن التحذير منه مقدم على غيره .
وفي نهاية هذا البحث لا يفوتني أن أشير إلى ما قام به فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي من بيان لما في كتب أهل الأهواء المعاصرين من ضلالات عقدية ومنهجية تجد ذلك في كتبه أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب ـ كشف موقف الغزالي من السنة وأهلها ـ وكتاب جماعة واحدة لا جماعات وصراط واحد لا عشرات .
تم المراد والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،
جمعه وعلق عليه
أبو إبراهيم
محمد بن محمد بن عبد الله بن مانع الآنسي الأثري
صنعاء ـ في العشرين من جمادي الآخر ـ 1418هـ
المبحث الثاني
الأجوبة السديدة
على
الأسئلة الرشيدة
للشيخ
زيد بن محمد بن هادي المدخلي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الله على آله وأصحابه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين
أما بعد :
فإن الرحلة إلى العلماء واللقاء بهم من نعم الله العظيمة، وفي ذلك فوائد منها :
أولا : التعرف على علماء السنة فإن كثيرا من الناس اليوم صار لا يفرق بين العالم السني وبين العالم الصوفي ، الرافضي والحزبي بسبب كثرة التدليس والتلبيس .
ثانيا : الاستفادة من علمهم ونصائحهم وتوجيهاتم السديدة.
ثالثا : الاطلاع على مؤلفاتهم العلمية ، وغير ذلك كثير .(1/17)
ومن توفيق الله عز وجل ، وفي أثناء رحلتنا إلى الديار الشامية لزيارة محدث الشام الشيخ : ناصر الدين الألباني ـ حفظه الله ـ أن يسر الله لنا لقاءات ببعض علماء السنة الذين عرفوا بصحة المعتقد وسلامة المنهج وصدق الاتباع والذب عن السنة ونشر منهج السلف الصالح ، ومنهم فضيلة الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ الذي رحب بنا كثيرا وأكرمنا في ضيافته فجزاه الله خيرا.
وللشيخ مؤلفات نافعة كثيرة منها :
1 ـ الأفنان الندية شرح السبل السوية لفقه السنن المروية، سبعة مجلدات كبار .
2 ـ المنهج القويم في التأسي بالرسول الكريم .
3 ـ الحياة في ظل العقيدة .
4 ـ المنظومات الحسان في العقائد والمناهج وقطوف من علوم القرآن .
5 ـ قطوف من نعوت السلف ومميزات منهجهم .
6 ـ مجموعة رسائل .. وغير ذلك كثير .
وقد استغلينا الفرصة فوجهنا أسئلة للشيخ ووعدنا بالإجابة عليها وأرسلها إلينا وقد وفى بوعده فجزاه الله خيرا وأرسلها مطبوعة مرتبة .
ومن أجل أن يستفيد إخواني من طلبة العلم ومن يريد الحق ، فقد رأيت أن أجعلها مسك الختام .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
أبو إبراهيم
صنعاء
في الرابع والعشرين من ربيع الآخر
لعام 1420من الهجرة النبوية .
س1: ما المقصود بالفرقة الناجية المنصورة ، وما أبرز صفاتها ؟
ج1: ينبغي أن يفهم أولا أن الفرقة الناجية هي الطائفة المنصورة وعلى رأسهم أهل الحديث رواية ودراية في كل زمان ومكان ، والجدير بالذكر أن أئمة هذه الطائفة الناجية المنصورة هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من المهاجرين والأنصار الذين أثنى الله تبارك وتعالى عليهم بقوله الحق : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } (1) .
__________
(1) ـ سورة التوبة آية (100)(1/18)
ورضي عنهم بقوله عز وجل : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما } (1)
ومدحهم بقوله سبحانه : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما } (2)
واختارهم لصحبة نبيه المصطفى وخليله المجتبى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فعزروه ونصروه ووقروه وجاهدوا تحت راياته وألويته المنعقدة لنصرة الحق وذويه وكسر الباطل وسحق أهدافه ومراميه هذا وقد تلقوا عنه ثقلين عظيمين أحدهما كتاب الله عز وجل ، والثاني سنة رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] المشار إليهما بقول الحق سبحانه : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } (3) ، ونظائرها من آي الذكر الحكيم .
والمشار إليهما بقول الرسول الكريم عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ،ولا كل ذي ناب من السبع ، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فله فإن يعقبهم بمثل قراه)).
والمشار إليهما بقوله عليه الصلاة والسلام ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض)).
__________
(1) ـ سورة الفتح 18 .
(2) ـ سورة الفتح 29.
(3) ـ سورة النساء(59)(1/19)
كما ينبغي أن يعلم ثانيا أن الفرقة الناجية والسلف الصالح وأتباعهم بإحسان والجماعة وأصحاب الحديث أهل السنة والأثر والعلماء الربانيين والفقهاء في الدين العالمين بالله وبأمره والقائمين على الحق والمجاهدين في سبيل نصرته ونظائر هذه الأوصاف الحسنة كلها أوصاف حزب الله المفلحين وجنده الغالبين على تفاوت بين أفرادهم في العلم والعمل والجهاد والدعوة وغيرها من أبواب العلم إلا أن لأصحاب الحديث من تلك الصفات القدح المعلَّى والمقام الأسمى والنصيب الأعظم والحظ الوافر .
(( أبرز صفاتهم في الكتاب والسنة وأقوال العلماء ))
هذا وكم من آيات كريمات قد جاءت بذكر صفاتهم :
1 ـ ومنهم قول الله تبارك وتعالى : { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدا من ربهم وأولئك هم المفلحون } (1) . وبدون شك أن أهل الحديث
الذين هم أهله رواية ودراية هم أئمة أهل التقوى وسادة المفلحين .
2ـ ومنها قول الله عز وجل : { ومن يطع الله والرسول مع الذين أنعم الله عليهم من والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } (2) من غير شك أن الطائفة الناجية أهل الحديث هم ورثة الأنبياء ومنهم الصديقون والشهداء وهم أئمة الصالحين .
3 ـ ومنهم قول الله عز وجل : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ، أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } (3) .
ومن غير تردد أن لأهل الحديث من هذه الصفات الخمس أعلاها وأكملها وأزكاها.
__________
(1) ـ سورة البقرة آية : (2- 5 ) .
(2) ـ سورة النساء 69.
(3) ـ سورة الأنفال آية : (2-4).(1/20)
4 ـ ومنها قول الحق تبارك وتعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعتكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ، التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين } (1) .
ولا شك ولا ريب أن أهل الحديث الذين هم أهله في كل عصر وبادية ومصر هم أئمة الموصوفين بهذه الصفات الحميدة والنعوت الجليلة من سورة التوبة .
5 ـ ومنها قوله عز وجل : { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون ، والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ، والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ، والذين هم على صلواتهم يحافظون ، أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } (2) .
ولا شك أيضا أن أهل الحديث هم أئمة الموصوفين بما ذكر في مطلع سورة المؤمنون.
__________
(1) ـ سورة التوبة آية : (111-112).
(2) ـ سورة المؤمنون 1-10.(1/21)
6 ـ ومنها قول الله سبحانه : { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ،والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ، إنها ساءت مستقرا ومقاما ، والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ، والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ، يضاعف لها العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب و آمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ، ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ، والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ، والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ، والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ، أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما ، خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما } (1)
وإن من المعلوم بالضرورة أن أهل الحديث هم أحق من وصف بتلك الصفات الحسنة المبدوءة بصفة الصبر والسكينة والوقار والمختومة بكمال النصح للنفس وللغير الذي تجلى في خالص الدعاء ودوامه .
7ـ ومنها قول الله تبارك وتعالى : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما } (2) .
__________
(1) ـ سورة الفرقان 63-76.
(2) ـ سورة الفتح29 .(1/22)
وحقا إن أصحاب رسول الله عليه وعلى آله وسلم الموصوفين بما ذكر في هاتين الآيتين هم أئمة أصحاب الحديث وأشياخهم الأوائل وكل من أتى بعدهم من المحدثين فهو عنهم ناقل ومن علومهم مستفيد إذ هم أول الوارثين لميراث النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] .
وكفى كل محدث شرفا وفضلا أن أئمته أصحاب النبي الكريم وإن بعد العهد وتعددت القرون وكل من أتى بعدهم فهو وراث منهم .
وكم من حديث شريف علا سنده وصح متنه قد جاء بذكر أوصاف أولياء الله وعلى رأسهم أصحاب الحديث الذين إذا ذكرت الطائفة المنصورة فهم أئمتهم وما ذلك إلا لأن أهل العناية بالحديث رواية ودراية هم المبرزون في العناية بالقرآن وعلومه وعلى العموم هم المبرزون في علوم الشريعة والعاملون بها والحافظون لنصوصها والناشرون لها والذابون عنها .
ومن تلكم الأحاديث الواردة بذكر صفات المؤمنين عموما وأهل الحديث خصوصا:
1ـ ما ثبت في الصحاح والمسانيد والسنن ومنها :
ما جاء في سنن أبي داود وغيره من حديث أبي عامر بن عبد الله بن لحي قال : حججنا مع معاوية [ رضي الله عنه ] فلما قدمنا مكة صلينا الظهر بمكة ثم قام فقال :" إن رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم] قال : (( ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة وهي الجماعة وإنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلِبُ لصاحبه لا يبقى منه عرقا ولا مفصلا إلا دخله )) .
ففي هذا الحديث إخبار من النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] عن الفرق الهالكة وخطرها وسبب هلاكها وسوء عاقبتها .
وعن الفرقة الناجية الطائفة المنصورة التي أطلق عليها وصف الجماعة المتمسكة بالحق علما وعملا ودعوة وجهادا وإن قل عددهم كما قال ابن مسعود [ رضي الله عنه ] : " إنما الجماعة ما وافق كتاب الله وإن كنت وحدك " .(1/23)
2ـ وما جاء في السنن وغيرها بألفاظ متقاربة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة رضي الله عنهم عن النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] أنه قال: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، قالوا ما هي يا رسول الله : قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) . قلت فقد دل هذا الحديث على ما دل عليه الذي قبله من الإخبار عن الفرق الهالكة من هذه الأمة ومن الأمم التي قبلها وذلك بسبب التفرق في الدين واتباع الهوى ، والإخبار عن الفرقة الناجية ووصفها بالتمسك بالذي كان عليه [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] وأصحابه، وعليه فمن كان من أهل التمسك بذلك في أي عصر وفي أي مكان فهو فرد من أفراد الطائفة الناجية المنصورة أهل الحديث والأثر والفقه في الدين.
3ـ كما جاء وصفهم بالمحبة فيما بينهم والتراحم والتعاطف كذلك إذ جاء في المسند وغيره من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] قال : (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) بخلاف أصحاب البدع والأهواء فإنهم ليسوا كذلك بسبب اختلافهم فيما بينهم ومخالفتهم للحق الذي عليه أهل السنة بالفهم الصحيح ، بلا جدال أن لأصحاب الحديث الدرجة الأولى في هذا المقام الرفيع والصفات المجيدة .
4ـ وما ثبت في المسند والسنن أن النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم] قال : (( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ،وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار )) . ولا شك أن هذه الصفات لا تتوفر صدقا إلا في قلوب الطائفة الناجية المنصورة وفي مقدمتهم أهل الحديث رواية ودراية وعلما وعملا .(1/24)
5ـ وما جاء في موطأ الإمام مالك من حديث عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] قال: قال : رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] (( إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله عز وجل ، قالوا يا رسول الله تخبرنا بهم ؟ قال : هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها ، والله إن وجوههم لنور ، وإنهم لعلى نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ هذه الآية: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } )) .
قلت : ولا ريب أن لأصحاب الحديث من هذه العالية في الدار الآخرة أعلاها إزاء ما قاموا به من حفظ دين الله ونشره وذلك من خلال العناية بالثقلين العظيمين كتاب الله عز وجل والسنة الغراء التي أفنوا أعمارهم في الرحلة في جمعها وقضاء الأوقات في تدوينها وإملائها على الغير كل بالقدر الذي استطاع أن يحرزه فسالت أودية بقدرها رجاء ثواب الله وخشية عقابه وتأسيا بالرسل الكرام والأنبياء العظام وكل عالم رباني من الأنام وحفظا لميراث النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] للعمل به وتبليغه من لا غنى لهم عنه طرفة عين .
6ـ وما جاء في صحيح مسلم وغيره من حديث ثوبان [ رضي الله عنه ] أن النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] قال : ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )) فإن هذا الحديث قد فسره الأئمة المعتبرون والمقتدى بهم بأن المراد بالطائفة المذكورة فيه هم أهل الحديث في كل مكان وزمن ومن هؤلاء الأئمة الذين بينوا أن المراد بالطائفة الناجية المنصورة أهل الحديث :(1/25)
عبد الله بن المبارك (1) ، ويزيد بن هارون الواسطي (2) ، وعلي بن المديني (3) ، وأحمد بن محمد ابن حنبل (4) ، والبخاري (5) والترمذي (6) ، وابن جرير الطبري (7) ، وابن أبي عاصم (8) ، وابن بطة العكبري (9) ، والحاكم (10) ، واللالكائي (11) ، والبغدادي (12) وأبو الفضل (13) وغيرهم كثير تراجع لمعرفة أسمائهم ونصوصهم وتصريحاتهم في هذا الموضوع كتبهم وكتب أهل العلم الذين دونوا تاريخ حياتهم العلمية والدعوية والجهادية [ رحمهم الله ] جميعا .
__________
(1) ـ هو الإمام عبد الله بن المبارك ت 181هـ .
(2) ـ هو الإمام يزيد بن هارون الواسطي ت 206هـ .
(3) ـ هو الإمام علي بن عبد الله المديني ت 234هـ .
(4) ـ هو الإمام أحمد بن حنبل ت241 هـ .
(5) ـ هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري ت 256هـ .
(6) ـ هو الإمام الحافظ محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ت 279هـ .
(7) ـ هو الإمام محمد بن جرير الطبري ت 310هـ .
(8) ـ هو الإمام الحافظ أبوا بكر عمر بن أبي عاصم الضحاك ت 287هـ .
(9) ـ هو الإمام عبد الله بن محمد بن بطة العكبري ت387 هـ .
(10) ـ هو الإمام الحافظ أبوا عبد الله عبد الله الحاكم ت 405هـ .
(11) ـ هو الإمام الحافظ أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي ت 418هـ .
(12) ـ هو الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ت 463هـ .
(13) ـ هو الإمام قوام السنة أبو القاسم إسماعيل بن محمد أبو الفضل ت 535هـ .(1/26)
وأما الإمامان شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام ابن القيم الجوزية فإنهما قد أشادا في مواضع كثيرة من مؤلفاتهما بأهل الحديث وأنهم هم الطائفة الناجية المنصورة كما ذكر ذلك الإمام بن تيمية في العقيدة الواسطية وغيرها من مؤلفاته ،وابن القيم الجوزية في نونيته المشهورة بنونية بن القيم وغيرها من مؤلفاته ، التي ما هي إلا انتصار لأهل الحديث والأثر الطائفة الناجية المنصورة ، ورد قوي على كل من خالفهم من أهل الأهواء والبدع الذين لا يحترمون الحق ولا يحبون أهله بل هم على العكس من ذلك وعلامتهم الوقيعة في أهل الأثر قرر ذلك علماء السلف [رحمهم الله] والله أعلم .
كما أن من صفات أهل الأهواء والبدع بغض أهل الحديث كما قال أحمد القطان :ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث وإذا ابتدع الرجل ينزع حلاوة الحديث من قلبه . فاللهم سلم سلم .
س2 : ظهر في هذا الزمان من يقول إن علم الجرح والتعديل إنما وضع لفترة زمنية معينة وأما الآن فلسنا بحاجة إليه فما رأيكم في ذلك وفقكم الله؟
ج : قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن اذكر أمورا ينبغي لطلاب العلم ورثة الأنبياء الاطلاع عليها وفهمها حق الفهم :
الأمر الأول : ما اثر عن السلف فيما يتعلق بأهمية الإسناد وأنه من خصائص هذه الأمة التي امتازت بخصائص جليلة عن الأمم السابقة لا تخفى على ذوي الفقه في الدين فقد قال : محمد بن سيرين (( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم )) وقال أيضا لم يكونوا يبالون بالإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ))(1/27)
قلت : وفي هاتين الجملتين شرف عظيم لأهل السنة وقدح صريح لأهل البدع فهنيئا لأهل الحديث في كل زمان ومكان ذلكم الثناء العاطر والتزكية الصادرة لهم من ذويها وأسفا بالغا على أهل البدع من المسلمين الذين انعكست عليهم الأمور بسبب سوء تصرفهم الذي تجلى في إحيائهم للبدع وانتصارهم لها في إماتة السنن وبغض أهلها .
الأمر الثاني : أن الجرح والتعديل في كل عصر من العصور له رجاله الذين من أجل صفاتهم العلم بالكتاب والسنة وعلومهما مصحوبا بالعدالة والتيقظ .
كما قال الإمام مالك [ رحمه الله ] : (( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم لقد أدركت سبعين ممن يحدث قال فلان ، قال : رسول الله [صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] عند هذه الأساطين ، وأشار إلى مسجد الرسول [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] فما أخذت عنهم شيئا وإن أحدهم لو أوتمن على بيت المال لكان أمينا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن وقدم علينا ابن شهاب فكنا نزدحم على بابه )) .
قلت : وما ذلك إلا لأن ابن شهاب من أهل العلم بالرجال وإتقان المتون والعدالة والتيقظ.
وقبل مقالة الإمام مالك قال : (( مجاهد [ رحمه الله ] جاء بشير العدوى إلى ابن عباس فجعل بشير يحدث ويقول : قال رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] ، قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه ، فقال : يا ابن عباس مالي أراك لا تسمع لحديثي ، أحدثك عن رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم] ولا تسمع فقال : ابن عباس إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول : قال : رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف)) .(1/28)
الأمر الثالث : وجوب العناية بتطبيق قاعدة التصفية والتربية والمراد بالتصفية حسب فهمي : تمييز الصحيح من الأحاديث من الضعيف وتمييز الضعيف المنجبر عن الضعيف الذي لا ينجبر وتميز السنة من البدعة ، وتمييز عقيدة السلف ومنهجهم العلمي من عقائد أهل البدع ومناهجهم من السابقين والمعاصرين ، وتمييز العدول من الناس من المجرمين ، وتمييز من ينبغي أن يأخذ عنهم العلم وتسند إليهم الفتوى وهم العلماء الربانيون السائرون على نهج السلف علما وعملا ممن ليسوا كذلك من كل مبتدع ضال يدعوا لترويج ضلالته وينصح للناس ليقبلوا على غوايته .
وأما التربية : فالمقصود منها تربية النفوس والعقول بنصوص الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح [ رحمهم الله]. إذ إن الناس إذ ربوا من قبل علمائهم بالالتزام بكتاب ربهم وصحيح سنة نبيهم فإنهم يفوزون بالحياة الطيبة المباركة ، وإن ربوا على أفكار المفكرين ممن قلت بصائرهم بالفقه في الدين وآراء المبتدعين التي لا تستمد من نصوص الشرع المبين فقد ظلموا أنفسهم وأوردوها موارد العطب فباءت بالإثم وسوء المنقلب .
وأما الجواب على نص السؤال فأقول : مستمدا العون والسداد من الله الذي علمنا الاستعانة به في قوله الحق { إياك نعبد وإياك نستعين } .
إن قول القائل في شأن علم الجرح والتعديل إنما وضع لفترة زمنية معينة قد مضت وانتهت ورفعت أقلامها وجفت صحفها ومات أساطينها خطأ وفيه مجازفة واضحة وتثبيط للهمم عن العناية بنصوص الكتاب والسنة وعلومهما وصرف لطلاب العلم الشرعي عن النظر في رواية الأحاديث ومتونها وذلك من الخطر بمكان لا يخفى على رجال العلم وأئمة الفقه في الدين .(1/29)
والحق إن شاء الله أن علم الجرح والتعديل باق وسيبقى ما دام العلم والعلماء وذلك أن في كل زمان غالبا أئمة مؤهلين لتعديل من يستحق التعديل وجرح من يستحق الجرح بدليل قول النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] (( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس )) وفي رواية: (( لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرهم من خالفها)) .
وقد قال : جمع من الأئمة إن لم تكن هذه الطائفة هم أهل الحديث فلا ندري من هم ، وأهل الحديث في الحقيقة هم العارفون بأسانيده ومتونه من حيث الصحة والضعف والمقبول والمردود وأسباب القبول وأسباب الرد إلى غير ذلك من مباحث علوم الحديث المدونة في أسفارها ثم إنه يوجد اليوم وقبل اليوم وبعد اليوم علماء بأيديهم إجازات من أشياخهم الذين لهم أسانيد متصلة إلى النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] فتراهم يروون الأمهات الست كل كتاب بسند متصل وهذا دليل قائم على وجود علم الجرح والتعديل في هذا الزمان وبعده .
ثم إنه قد يفتح الله لمتأخر من أهل العلم فيما يتعلق بموضوع الجرح والتعديل شيء قد خفي على بعض من كان قبله ولو كانت المدة بينهم تعد بالقرون وهذا أمر مسلم به ولكنه لا يحط من قدر الأوائل شيئا ولا يزري بهم ، ومما ينبغي التنبيه عليه أن كلا من الجرح والتعديل يجري في نقل الأخبار عن قوم لآخرين والناقل حينئذ إما أن يكون عدلا وإما أن يكون مجروحا كما يجري ذلك في الشهادة فيما يتعلق بالأموال والأعراض والدماء هذا ما ظهر لي ودونته على سبيل الاختصار . والله أعلم .(1/30)
وخير ما يحمل عليه القائلون بأن الجرح والتعديل قد انتهى أمره ومات رجاله من قرون عديدة أنهم نظروا في المؤلفات التي عينت بهذا الفن ومدى كثرتها وتنوع رتبها من حيث البسط والتوسط والاختصار فقرروا عدم وجود ما يسمى بالجرح أو التعديل في هذا الزمان وعدم وجود أهله كما قرروا عدم حاجة الناس إلى شيء من ذلك أبدا . والله أعلم .
س3 : ما حكم هجر المبتدع والمجاهر بالمعاصي في ميزان الشرع الشريف ؟
ج : لا شك ولا ريب أن من مميزات منهج السلف الصالح وأتباعهم في كل زمان ومكان بغض أهل البدع والأهواء بقدر انحرافهم عن سنن الحق الذي يجب أن يحب ويتبع ومن ثم هجرهم ديانة مبنية على الحب في الله والبغض في الله ، إذ أن المكلف لا يكون على سبيل نجاة ولا وليا لله إلا إذا كان حبه في الله وبغضه في الله وموالاته في الله ومعاداته في الله ، وإذا كان الأمر كذلك حقا فإن السلف وأتباعهم كما أسلفت يتقربون إلى الله بهجر أهل البدع وهجر كتبهم تطبيقا لحق الولاء و البراء .
وحيث أن أصحاب الحديث أهل العقيدة السلفية والمنهج السلفي ينشدون الخير للغير فإن هجرهم ووصلهم لأهل البدع والمجاهرين بالمعاصي مقيد بما يحقق المصالح ويدفع المضار والمفاسد ، فمتى رأوا المصلحة في هجرهم هجروا ولو كان أقرب الناس إليهم وأعظم جاها فيهم ، ومتى رأوا المصلحة في الوصل للدعوة والمناظرة وإقامة الحجة لتتضح المحجة وتزول الشبة فعلوا براءة للذمة ونصحا للأمة ، فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها . هذا ولكل من الهجر الشرعي والوصل الشرعي مقاصده المثمرة التي يجب أن تراعى ويحسب لها الحساب .
فمن مقاصد هجر المبتدعين و الفساق ما يأتي :
ـ تطبيق حكم الولاء و البراء الشرعيين إذ قد لا يتحققان إلا بالهجر الشرعي.
ـ لينزجر المبتدعون والمجاهرون بالسوء والمعاصي عندما يشعرون بالجفاء لهم والإعراض عنهم والتحذير من مجالستهم ومجادلتهم .(1/31)
ـ وليعرف الناس عنهم فلا يغترون بما يظهرون لهم من التحلي بالتدين وحسن الخلق الذين يقصدون من ورائهم استقطاب الناس ومن ثم سقوطهم في حمأة بدعهم المضلة أو عملهم الإجرامي البغيض .
كما أن من مقاصد الوصل
ـ الإيضاح والبيان لمن قل نصيبهم من العلم فوقعوا في ضروب البدع أو أصناف السوء والمعاصي بسبب دعاة الباطل وأئمة الدعوة إلى الفوضى والمحدثات .
ـ ولإقامة الحجة بأدلة الكتاب والسنة بفهم سلف الصالح على المعاندين المنتصرين للباطل وأعوانهم من كل ناعق يهذي بمنكر القول ويهرف بزوره .
ـ وللقيام بالجهاد بالعلم إذ أن النشر للعلم رجاء رحمة الله وخشية عقوبته جهاد في سبيل الله عظيم القدر وجليل الفائدة ، ولا يقوم به إلا طائفة من الناس هم العلماء الربانيون الصادقون المخلصون الصابرون على ما أصابهم ابتغاء مرضاة الله .
ـ ثم إن السلف وأتباعهم يستندون في هجرهم لمن يستحق الهجر إلى نصوص من الكتاب العزيز والسنة المطهرة وعمل أسلافهم أهل الفقه في الدين وأهل العناية بالوحي المنزل من رب العالمين على قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن ذلك ما يأتي:
1- قول الله عز وجل : { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا } (1) .
قال القرطبي [ رحمه الله ] في معنى قوله : { فلا تقعدوا معهم } الآية ، ما نصه: (( فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر ، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ، والرضى بالكفر كفر لقول الله : { إنكم إذا مثلهم } فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء ، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها ، فإن لم يقدر على النكير عليهم ينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية .
__________
(1) ـ سورة النساء آية: ( 104) .(1/32)
قلت : وإذ قد أتى التحذير من مجالسة أهل المعاصي فإنه من أهل البدع من باب أولى وما ذلك إلا لأن صاحب البدعة أعظم جرما وأشد خطرا من صاحب المعصية بيان ذلك أن صاحب المعصية يلم بها تارة ويمتنع عنها أخرى غالبا بينما صاحب البدعة يظل ثابتا عليها لتمكنها من قلبه واستحواذها على عقله وجوارحه بينما صاحب المعصية يعرف أنها معصية، أما صاحب البدعة فإن دعواه مناصرة الحق وتطبيق الشريعة ، وجملة ما ، قال : القاسمي في تفسيره لهذه الآية وروى بن جرير عن الضحاك أنه قال : دخل في هذه الآية كل محدث في الدين وكل مبتدع إلى يوم القيامة إلى أن قال : ( وفي الإكليل ) قال ابن الفرس استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اجتناب أهل المعاصي والأهواء أ . هـ.
2- ومنها قوله تعالى في سورة الأنعام : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } (1) .
__________
(1) ـ سورة الأنعام آية:(68).(1/33)
قال القرطبي [ رحمه الله] تعالى : (( في هذه الآية رد من كتاب الله عز وجل على من زعم أن الأئمة الذين هم حجج وأتباعهم لهم أن يخالطوا الفاسقين ويصوبوا آراءهم تقية ، وذكر الطبري عن أبي جعفر محمد بن علي [ رضي الله عنه ] قال : لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله قال بن العربي : هذا دليل على أن مجالسة أهل الكبائر لا تحل . قال بن خويز منداد : من خاض في آيات الله تركت مجالسه وهجر مؤمنا كان أو كافرا ، وكذلك منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو وكنائسهم والبيع ومجالسة الكفار وأهل البدع وألا تعتقد مودتهم ولا يسمع كلامهم ولا مناظرتهم )) أ . هـ . ثم ذكر [ رحمه الله ] آثار دالة على وجوب هجر المبتدعين عن جملة من السلف منهم أبو عمران النخعي وأيوب السختياني والفضيل بن عياض [ رحمهم الله ] .(1/34)
وقال الإمام الشوكاني [ رحمه الله ] في تفسير هذه الآية ما نصه : (( وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله ويتلاعبون بكتاب الله وسنة رسوله ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة فإنه إذ لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقل الأحول أن يترك مجالستهم ، وذلك يسير عليه غير عسير ، وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه يتلبسون به شبهة يشتبهون بها على العامة فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر ، وقد شاهدنا في هذه المجالس الملعونة مالا يأتي عليه الحصر وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه وبلغت إليه طاقتنا ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم و هذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه فيعمل بذلك مدة عمره ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق وهو والله من أبطل الباطل وأنكر المنكر )) أ. هـ .
3- ومنها قوله تعالى : { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } (1) .
قال القرطبي فيها الصحيح في معنى هذه الآية أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم فإن صحبتهم كفر أو معصية إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة وقد قال حكيم ـ أي طرفة بن العبد :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي . أ . هـ .
وغير هذه الآيات في هذا الحكم كثير .
__________
(1) ـ سورة هود آية 113.(1/35)
ومن السنة من قول النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] وفعله ، فمن قوله ما رواه مسلم عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] عن النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] قال : (( سيكون في أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا ولا آباؤكم فإياكم وإياهم )) ، قال الإمام البغوي بعد هذا الحديث ما نصه : (( قد أخبر النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] عن افتراق هذه الأمة وظهور الأهواء والبدع فيهم ، وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته وسنة أصحابه رضي الله عنهم فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره ويتبرأ منه حيا وميتا فلا يسلم عليه إذا لقيه ، ولا يجيبه إذا ابتدأ إلى أن يترك بدعته ويراجع الحق )) إلى أن قال [ رحمه الله ] : ((والنهي عن الهجران فوق ثلاث فيما يقع بين الرجلين من التقصير في حقوق الصحبة والعشرة دون ما إذا كان ذلك في حق الدين فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة إلى أن يتوبوا )) . أ . هـ .
ولما أورد البغوي حديث كعب بن مالك عن قصة تخلفه عن النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] في غزوة تبوك ، قال : على إثره : (( وفيه دليل على هجران أهل البدع على التأبيد ، وكان النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] قد خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم وعرف رسول الله [صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] براءتهم ، وقد مضت الصحابة ، و التابعون وأتباعهم وعلماء المسلمين على هذا ، مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم ) . أ . هـ ومن فعل النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] عدة وقائع منها :(1/36)
أ ـ هجر النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي وجميعهم من الأنصار حيث استمر هجرهم من قبل النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] وجميع الأصحاب حتى تاب الله عليهم بعد مدة دامت خمسين ليلة .
ب ـ وهجر [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] زينت بنت جحش رضي الله عنها نحوا من شهرين حينما قالت : (( أنا أعطي تلك اليهودية ، تعني صفية بنت حيي رضي الله عنها )) رواه أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها .
ت ـ (( وهجر صاحب القبة المشرفة بالإعراض عنه حتى هدمها )) رواه أبو داود أيضا من حديث أنس [ رضي الله عنه ] .
ث ـ (( وهجر رجلا في يده خاتم من ذهب حتى طرحه وكان هجره له بالإعراض عنه )) رواه أحمد وغيره .
وهذه النصوص القرآنية والنبوية كلها متفقة على هجر العصاة والمبتدعين بسبب ما اختاروا لأنفسهم من الفسوق والعصيان والضلال ومجانبة الحق والصواب .
وأما الصحابة الكرام وأتباعهم من خيرة الأنام فإنهم قد تأسوا برسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] وإليك غيضا من فيض من الأمثلة التي توضح مواقفهم المشرفة من أهل الجهر بالمعصية وأهل الأهواء والبدع المحدثة :
1 ـ هجر عبد الله بن المغفل [ رضي الله عنه ] : (( رجلا يخذف بالحصى بعد ما أعلمه أن رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] نهى عن الخذف فاستمر )) .
2 ـ وكان علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ] :(( يعتقل أصحاب النرد غدوة ونحوها وينهى عن السلام عليهم)) رواه البخاري في الأدب المفرد .
3 ـ وهجر عبد الله بن عمر [ رضي الله عنه ] : (( رجلا رآه يخذف بعدما أخبره أن النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] كان ينهى عن ذلك وقال له : والله لا أكلمك أبدا )) رواه الحاكم .(1/37)
4 ـ وهجر عبد الله بن مسعود رجلا رآه يضحك في جنازة فقال : (( والله لا أكلمك أبدا )) رواه أحمد في الزهد ، هذا وكم من الآثار قد جاءت عن السلف في الترغيب في الرد على أهل البدع والأهواء وفي هجرهم حتى يفيئوا إلى أمر الله كما جاءت آثار أخرى تحذر من الركون إليهم ومن مجالستهم ومودتهم والسكوت عن بدعهم المحدثة وهذه بعض الأمثلة .
قال ابن مسعود [ رضي الله عنه ] : (( إياكم وما يحدث الناس من البدع فإن الدين لا يذهب من القلوب بمرة ولكن الشيطان يحدث له بدعا حتى يخرج الإيمان من قبله ، ويوشك أن يدع الناس ما ألزمهم الله به من فرضه في الصلاة والصيام والحلال والحرام ويتكلموا في ربهم عز وجل فمن أدرك ذلك الزمان فليهرب قيل يا أبا عبد الرحمن فإلى أين ؟ قال : يهرب بقلبه ودينه لا يجالس أحدا من أهل البدع )) .
وقال الفضيل بن عياض : (( من جلس مع صاحب بدعة فليحذره ، ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد ، آكل عند اليهودي والنصراني أحب إلي من آكل عند صاحب بدعة)).
وقال [ رحمه الله ] : (( من أتاه رجل فشاوره فدله على مبتدع فقد غش الإسلام، واحذروا الدخول على أصحاب البدع فإنهم يصدون عن الحق)) .
وقال : (( لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة)) .
وقال : (( إن لله ملائكة يطلبون حلق الذكر فانظر مع من يكون مجلسك ، لا يكون مع صاحب بدعة فإن الله لا ينظر إليهم ، وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة )) .
وقال : (( أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وينهون عن أصحاب البدع )) .
وقال الحسن البصري : (( ثلاثة ليست لهم حرمة في الغيبة أحدهم صاحب البدعة الغالي ببدعته )) .
وقال سفيان الثوري : (( من أصغى بأذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إليها يعني إلى البدع )) .(1/38)
وقال الإمام بن تيمية [ رحمه الله ] : (( ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة ، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين ، حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع . فقال : إذا قام وصلى واعتكف فإنما لنفسه ، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل ، فبين أن هذا نفع عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله ، ودينه ومنهاجه وشرعه ، ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين ، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب ، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء )) ،أ.هـ .
وكتب أسد بن موسى ـ أسد السنة ـ إلى أسد بن الفرات رسالة طويلة قال فيها : (( اعلم أخي أن ما حملني من الكتاب إلا ذكر أهل بلدك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس وحسن حالك مما أظهرت من السنة وعيبك لأهل البدع وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم فقمعهم الله بك وشد بك ظهر أهل السنة وقواك عليهم بإظهار عيبهم والطعن عليهم فأذلهم الله بيدك وصاروا ببدعتهم مستترين فأبشر يا أخي بثواب ذلك واعتد به من أفضل حسناتك من الصلاة والقيام والجهاد ، وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله تعالى ، وإحياء سنة رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] إلى أن قال : وإياك أن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب فإنه جاء في الأثر : من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه ومن مشى إلى صاحب بدعة فقد مشى في هدم الإسلام))أ.هـ .(1/39)
وقال أبو قلابة : (( لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون )) قال أيوب : كان والله من الفقهاء وذوي الألباب .
وروى حماد بن زيد عن أيوب قال : (( دخل على محمد بن سيرين يوما رجل فقال : يا أبا بكر ، اقرأ عليك آية من كتاب الله على أن أقرأها ثم أخرج فوضع ابن سيرين اصبعيه في أذنيه ثم قال : أحرج عليك إن كنت مسلما لما خرجت من بيتي قال : فقال يا أبا بكر لا أزيد على أن أقرأ ثم أخرج ، فقال : بإزاره يشده عليه وتهيأ للقيام قال : فأقبلنا على الرجل فقلنا قد حرج عليك إلا خرجت فقلنا يا أبا بكر ما عليك لو قرأ عليك آية ثم خرج قال : (( إني والله لو ظننت أن قلبي يثبت على ما هو عليه ما باليت أن يقرأ ولكن خفت أن يلقي في قلبي شيئا أجهد أن أخرجه من قلبي فلا أستطيع )) .
وجاء عن عبد الله بن القاسم أنه قال : سودة ـ الراوي عنه ـ فذكرت ذلك لبعض أصحابنا فقال : تصديقه في حديث عن النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] : ((يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون حتى يرجع السهم إلى فوقه )) .
وجاء عن حماد بن زيد عن أيوب قال : كان رجل يرى رأيا فرجع عنه فأتيت محمدا فرحا بذلك فأخبرته فقلت : أشعرت أن فلانا ترك رأيه الذي كان يرى فقال : انظروا إلى ما يتحول إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله: (( يمرقون من الإسلام )) لا يعودون إليه ، وقال الأوزاعي كان بعض أهل العلم يقولون : لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صدقة ولا صياما ولا جهادا ولا حجا ولا صرفا ولا عدلا ، وكان أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم وتشمئز منهم قلوبهم ويحذرون الناس بدعتهم .(1/40)
وجاء عن الحسن البصري قوله من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث : ( إما أن يكون فتنة لغيره ، وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله النار ، وإما أن يقول : والله ما أبالي ما تكلموه ، وإني واثق بنفسي فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه ) .
هذه أمثلة من مواقف السلف الكرام تجاه أهل الفسوق والفجور والأهواء والبدع وهي كما أسلفت غيض من فيض ولغير من ذكرت من السلف مواقف كثيرة كهذه وما ذلك إلا لما تميز به منهجهم المؤسس على القاعدة الأصلية (( الحب في الله والبغض في الله )) .
نعم إنهم يفعلون ذلك لئلا يكون منهم إيواء لصاحب البدعة والفسق والهوى أو تقدير أو تحصل منهم تغطية على سوء أعمالهم فينشأ عن ذلك مفاسد عظيمة تسخط الله العلي القدير ، قال الشاطبي ـ [ رحمه الله ] ـ في هذا المقام : (( إن الإيواء بجامع التوقير ووجه ذلك لأن المشي إليه والتوقير له تعظيم لأجل بدعته وقد علمنا أن الشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله بما هو أشد من هذا كالضرب والقتل فصار توقيره صدودا عن العمل بشرع الإسلام ، وإقبالا على ما يضاده وينافيه ، والإسلام لا ينهدم إلا بترك العمل به والعمل بما ينافيه ، وأيضا فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان بالهدم على الإسلام إحداهما التفات العامة والجهال إلى ذلك التوقير فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس وأن ما هو عليه أفضل مما عليه غيره فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون .
الثانية : أنه إذا وقِّر من أجل بدعته صار ذلك كالحافز المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء .
وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن وهو هدم الإسلام بعينه))أ.هـ
قلت : يا لله ما أخطر البدع في دين الله ، وما أعظمها في نفوس السلف وإن دقت في أعين الناس ، واسمع معي أيها الناصح لنفسه ، هذه القصة :(1/41)
قال أبو مصعب صاحب الإمام مالك [ رحمه الله ] تعالى ـ : قدم علينا ابن مهدي ـ يعني المدينة ـ فصلى ووضع رداءه بين يدي الصف فلما سلم الإمام رمقه الناس بأبصارهم ، ورمقوا مالكا وكان قد صلى خلف الإمام فلما سلم قال : من هاهنا من الحرس فجاءه نفسان فقال : خذا صاحب هذا الثوب فاحبساه فحبس فقيل له إنه ابن مهدي فوجه إليه بالنظر وقال : له : أما خفت الله واتقيته أن وضعت ثوبك بين يديك في الصف وشغلت المصلين بالنظر إليه وأحدثت في مسجدنا شيئا ما كنا نعرفه ، وقد قال النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] : (( من أحدث في مسجدنا حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )) فبكى ابن مهدي وآلى على نفسه أن لا يفعل ذلك أبدا في مسجد النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] ولا غيره ، وهذا غاية في التوقي في ترك إحداث ما لم يكن خوفا من تلك اللعنة فما ظنك بما سوى وضع الثوب )) ، أ.هـ .
س4 ـ ما رأيكم فيمن يربي الناشئين في الطلب على كتب فيها بدع وضلالات ككتب حسن البنا ، وكتب سيد قطب ، وكتب الغزالي ، وكتب المودودي، وكتب سعيد حوى ، وفكر جماعة التبليغ وأشباه هؤلاء وهم كثر في العالم الإسلامي ثم يغري الشباب ويستميلهم بالثناء الدائم على هؤلاء المذكورين وأفكارهم ومؤلفاتهم ولم يبين بدعة واحدة من بدعهم ولا خطأ فاحشا من أخطائهم ومع ذلك يدعي بأنه سلفي العقيدة والمنهج ؟(1/42)
ج 4 ـ أقول : وبالله التوفيق إن تربية الأمة عموما والشباب خصوصا على كتب أهل البدع وفاحشي الغلظ غلط عظيم ومنكر جسيم وغش للمسلمين عموما وللشباب خصوصا وهؤلاء الذين ذكرت أسماؤهم ومن نهجوا واشربوا في قلوبهم حبهم وحب أفكارهم ومؤلفاتهم قد وقعوا في كثير من البدع العظيمة والأخطاء الجسيمة التي ما زالت ولا تزال مدونة في كتبهم التي قد ملئت بها المكتبات التجارية وغيرها وطبعت طباعات متعددة بسبب ما لها من الدعايات لنشرها والترويج من أنصارها المتعصبين لأفكار أهلها ومناهجهم في كل زمان ومكان الذين يعتبرون أضعافا مضاعفة بالنسبة للدعاة إلى المنهج السلفي ولا غرابة في ذلك وقد قال الله عز وجل : { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } الآية .
وقال النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] : (( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، قالوا : ما هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) .
هذا وإن أهل المنهج السلفي حقيقة لا ادعاء لا ينكرون أن في مؤلفات وأفكار من ذكرت أسماؤهم في السؤال ، المقبول والمردود والغث والسمين، ومن أمعن النظر وسبر الحال وجد أن طلاب العلم غالبا قسمان :
قسم متمكن من علوم الشريعة ووسائلها بحيث أنهم إذا احتاجوا إلى شيء من الكتب التي على أهلها مآخذ سواء كانوا من المتقدمين أو المعاصرين ميزوا بين المقبول والمردود والغث والسمين ، فأخذوا النافع ودعوا إليه وتركوا الضار وحذروا منه ، وهذا الأسلوب لا يطبقه إلا من حفظه الله من داء التحزب والتنظيم السري والمنهج الحركي المعاصر .(1/43)
أما المصابون بذلك فإنهم لا يرضون بديلا بمنهجهم ولا يرغبون في الكشف عن أخطاء زعمائهم ومنظريهم من الأحياء والميتين لكيلا يسقطوا من أعين الناس وبالأخص الشباب ومن ثم تكون ثقة الاتباع مهزوزة حيال أولئك الزعماء والمنظرين .
وقسم آخر من طلاب العلم ناشئون غير متمكنين من العلوم الشرعية ووسائلها بل وغير متمكنين من فهم المنهج السلفي فتراهم إذا قرأوا في الكتب يأخذون بكل ما وجدوا خلال فراءتهم بدون تمييز بين صحيح وفاسد ومقبول ومردود ولا قدرة لديهم على عرض ما قرأوا على نصوص الشريعة وقواعدها الكلية ومن كان كذلك فيخشى عليه أن يتعلم شيئا من كتب أهل الضلال يضره ولا ينفعه ، وإنني لأقرر جازما أن طلاب العلم في هذا العصر ليسوا بحاجة إلى كتب من ذكرت أسماؤهم في السؤال ولا إلى كتب من على شاكلتهم ، ورحم الله أبا زرعة الرازي الذي قال في كتب الحارث المحاسبي : إنها كتب بدع وضلالات وذلك حينما سأله سائل عنها فقال : (( إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات وعليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب ، فقال له السائل : إن في هذه الكتب لعبرة ، فقال : من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة ، أبلغكم أن مالكا والثوري والأوزاعي أو الأئمة صنفوا كتبا في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم يأتوننا مرة بالمحاسبي ومرة بعبد الرحيم بيبلي ومرة بحاتم الأصم ثم قال : ما أسرع الناس إلى البدع )) .
قلت : ما أشبه الليلة بالبارحة فإن الحركيين المعاصرين الناصرين لكتب من ذكروا في السؤال والمروجين لها يدعون أن كتبهم بيانا للواقع وحثا على التضحية والنضال وسبيلا إلى تخطيط قيام دولة إسلامية ، ونحو ذلك مما ذكروا مما لايمت إلى الصواب بصلة .
هذا وإن الواجب على المسلمين عموما وعلى طلاب العلم خصوصا حفظ خمسة أشياء هي : [ الدين والعقل والعرض والدم والمال ] .(1/44)
وإذا كان الأمر كذلك فإنه ينبغي على طلاب العلم الذين يحبون النجاة لأنفسهم أن يضربوا صفحا عن كتب أهل البدع وجميع نشراتهم وسائر أفكارهم حماية للدين وحراسة للعقيدة السلفية السمحة مما يتوقع أن يكون فيها ما هو بخس لها أو إساءة إليها بسبب القراءة في كتب أهل البدع ومنهم من ذكرت أسماؤهم في السؤال الوارد، وعلى الجميع أن يأخذوا بديلا من كتب العلماء الربانيين على اختلاف أنواعها فيربون عليها أنفسهم وغيرهم وبالأخص الشباب الذين هم بحاجة ماسة إلى التوجيه والتربية على نهج قويم وصراط مستقيم ذلك لأنهم يتدرجون في حقول العلم ويمخرون في مستوياته فلا تصلح لهم إلا كتب علماء السلف وأتباعهم السائرين على نهجهم ولم يبدلوا تبديلا .
وإن مما ينبغي التنبيه عليه هو أن العلماء الربانيين هم الذين يجاهدون أهل البدع بنصوص الكتاب والسنة فيحيي الله بجهادهم السنن ويقمع البدع ويشد أزر أهل السنة ويقمع فكر أهل البدع على اختلاف فرقهم.
هذا وإن مما لا شك فيه أن جهاد العلماء الربانيين لأهل البدع والانحراف لهو أخص الجهادين وما ذلك إلا لشدة خطر البدع وأهلها على السنن وأهلها وإنه ليكفي في شؤم البدعة وضلال المبتدعين قول النبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] في حديث طويل : (( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )).
ولما كانت كتب الردود الصادرة من أهل العلم الشرعي والمنهج السلفي على أهل البدع ومن والاهم في كل زمان ومكان تدحض البدعة وتخزي أهلها الداعين إلهيا والمروجين لها ، وتعظم شأن السنة وتبين جلالة قدرها فإن ذلك يزعج أصحاب البدع ويزيد من عداوتهم لأهل السنة عبر تأريخ الزمان وتعدد المكان .(1/45)
وفي خلال القرن الماضي وإلى وقتنا هذا أضيف إلى بدع الرفض والتجهم والاعتزال والتمشعر وبدع المبادئ الهدامة على اختلاف أسمائها ومسمياتها بدع مضللة في منهج من أطلقوا على أنفسهم جماعة الإخوان المسلمون ومن أطلقوا على أنفسهم جماعة التبليغ ، وقد تصدى للرد على جميع تلك البدع والمبادئ وهاتين الجماعتين علماء سلفيون قديما وحديثا فنصر الله بمؤلفاتهم وفتاواهم السنة وهي المستحقة للنصر وأدحض بمؤلفاتهم وفتاواهم كل بدعة محدثة وكل مبدأ هدام حكمة منه وعدلا ورحمة من لدنه وإحسانا وفضلا فقامت الحجة على الجميع واتضحت المحجة لمن يريد أن يتفيأ ضلالها .
فليطلبها الناصح لنفسه الحريص على سلامتها وليقرأ وليسأل عما أشكل عليه ذوي الكفاءات العلمية والمنهج السلفي ومن يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .
وقد ذكرت نموذجا حيا من كتب الردود على أهل البدع والأخطاء في كتابي [ الأجوبة السديدة ] ج5 ، فمن أراد الاطلاع على شيء من ذلك فليرجع إليه ومن ثم إلى الأصول التي فيها الإسهاب في موضوع نصر السنة والإشادة بها وبأهلها ورد البدع وذمها وذم أهلها ، وفق الله الجميع لما فيه رضاه .
س 5 / ما رأيكم ـ فتح الله لكم أبواب العلم النافع والعمل الصالح ـ فيمن يفرق
بين العقيدة والمنهج ؟(1/46)
ج 5 ـ هذا السؤال لا بد فيه من التفصيل كي يتضح الأمر ويزول الإشكال، وذلك أنه إن إريد بالعقيدة الأعمال القلبية ، وبالمنهج التكاليف العلمية الظاهرة فهذا قد سبق التفصيل فيه . وإن أريد بالتفريق المذكور ما ذكره العقلانيون من أن العقائد لا تثبت إلا بما كان متواترا من النصوص فقط ولا تثبت بالآحاد ولو بلغ في الصحة مبلغ إفادة اليقين بخلاف المنهج العلمي فإنه يثبت بما كان متواترا وما كان آحادا فهذا التفريق لا يصح عند أهل السنة والجماعة السائرين على نهج السلف الصالح فقد كان الرسول [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] يرسل الآحاد بأصول العقيدة التي تتضمنها شهادة (أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وكان ذلكم الإرسال حجة ملزمة للمرسل إليهم والأمثلة على ذلك كثيرة منها : بعثه [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] معاذا إلى أهل اليمن وهي رحلة ميمونة مشهورة، وغير ذلك كثير من إرساله عليه الصلاة والسلام رسله إلى ملوك العجم وغيرهم بالدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك بجميع أنواعه ، وكان الذي يحمل رسالة الحق فرد من جنود الإسلام وحملة القرآن آنذاك ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ وفي هذا الزمن وقبل هذا الزمن وبعد هذا الزمن لو أرسلت دولة الإسلام إلى كل أهل ملة من ملل الكفر داعيا من دعاة الإسلام صاحب قدرة على إقامة الحجة والبيان لصار حجة ملزمة لهم في الدنيا والآخرة فبطل بذلك قول أهل البدع من أن أحاديث الآحاد لا تفيد اليقين وإنما تفيد الظن فلا تثبت بها العقيدة ، ولا يصح الاستدلال بها في باب الاعتقاد.(1/47)
وإما إن أريد بالتفريق بين العقدية والمنهج بمعنى الالتزام بعقيدة السلف الصالح والاتفاق مع أهلها حذوا القذة بالقذة ، بخلاف ما يتعلق بالجهاد والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للناس على اختلاف طبقاتهم حكاما ومحكومين علماء وأميين ، ونحو ذلك من العمليات ، فإنهم يختارون ما يشاءون من الأساليب بميزان الشرع الشريف فهذا الصنيع غير معقول ولا مقبول وإنما الواجب أن يلتزموا في هذا الأحكام العملية بالنصوص الشرعية بفهمها الصحيح ، كما التزموا في باب الاعتقاد بالنصوص الشرعية بمعناها الصحيح .
أقول : إن التفريق بين العقيدة والمنهج بهذا الاعتبار سلكه الحركيون الذين انحرفوا بمنهج الدعوة إلى الله عز وجل عن نهج الرسل الكرام والأنبياء العظام وأتباعهم من علماء الإسلام في كثير من أصولها حيث سلكوا فيها بأسلوب المسيرات والمظاهرات ، وربما يشترك فيها الصغير والكبير والذكر والأنثى ، كما سلكوا فيها أسلوب الاغتيالات والتفجيرات في المنشآت باسم الغيرة على شريعة الإسلام ، ومحاربة العلمنة كما يدَّعون ، فلم يحقق أهل هذه الأساليب المعاصرة للدعوة شيئا من المصالح بل العكس هو الذي حصل من عشرات السنين ، والوقائع والنكبات خير شاهد على بطلان تكل الأساليب بعد أدلة الشرع من كتاب الله وسنة رسوله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] ، وعمل سلف هذه الأمة [ رحمهم الله ] .(1/48)
وإنني لأوكد لإخواني وأبنائي طلاب العلم أنه لن يستقيم لداع إلى الله أو آمر بالمعروف وناه عن المنكر وناصح للناس حال أو مآل إلا إذا تقيدوا في كل ذلك بنصوص الكتاب والسنة بالفهم الصحيح وترك الأساليب المعوجة التي سلكها قادة الإخوان المسلمين وفصائلهم ، وجماعة التبليغ وعربهم وعجمهم إن تلكم الأساليب التي سلكها هؤلاء وهؤلاء قد أمست وأصبحت معروفة باعوجاجها وجهل أهلها لدى أهل البصائر والفهوم ولم يتقيد بها إلا أهل التحزب ، والتعصب المذمومين والانتماء الذي قد يجر إلى التعاون على الإثم والعدوان لعدم شرعيته هداهم الله ، ولمخالفته لمنهج الولاء والبراء الشرعيين ، لمن أطلقوا على أنفسهم جماعة كذا وجماعة كذا .
والحقيقة أن الجماعة المعتبرة شرعا هم من اجتمعوا على الحق عقيدة ومنهج عمل بالفهم الصحيح وإن كان له وال من المسلمين أدوا الحق الذي له عليهم من الوفاء بالبيعة والنصيحة الشرعية وتأليف القلوب على طاعته في المعروف والتحذير من وسوسة الشياطين الداعية إلى نشر مثالبه والتشهير بأخطائه وإغراء الناس بالتبرم من ولايته وعمل التخريب في المنشآت التي فيها نفع للمسلمين وذلك عمل الخوارج الذي يبدأ بالإرهاب الفكري الذي يفضي بمن تقبلوه واقتنعوا بمدلولاته إلى إثارة الفتن ، التي إذا قام سوقها ظهر الفساد في البر والبحر والسهل والجبل ، ونعوذ بالله من مضلات الفتن التي تعصف بالقلوب حتى تزيغ عن منهج الحق وطريق الهدى .(1/49)
ورحم الله الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز الأثري الذي قال : في رد أساليب الحركيين في دعوتهم ما نصه : (( فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق والأسلوب السيء العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله ، أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات ، ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات التي تسبب شرا عظيما على الدعاة فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليس هي الطريق للإصلاح والدعوة ، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذه الطريقة لا بالعنف والمظاهرة .
فالنبي [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] مكث في مكة ثلاثة عشر سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم ، ولا شك أن هذا الأسلوب يضر الدعوة والدعاة ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن ، فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل ضده ، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله )) (1) أ . هـ .
وأخيرا أقول لقاصدي سبيل الحق في العقيدة والمنهج : إن دعوى من يقول إن عقيدته عقيدة أهل السنة والجماعة والسلف الصالح وأتباعهم ، وأما المنهج الدعوي وسيلة وغاية فسبيل الاجتهاد الباطل، إذ أن مقتضى هذا القول هو أن كل جماعة تريد أن تدعو إلى الله لها أن تخترع منهجا تسلكه في التبليغ بغض النظر عن مقتضى النصوص التي تبين منهج الكتاب والسنة في دعوة الخلق إلى رحاب الحق كما تبين أنها توقيفية وغاية .
فيا أيها الدعاة إلى الله افهموا جيدا قول الله عز وجل : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } (2) .
__________
(1) ـ مجلة البحوث الإسلامية عدد 38 ص 210 .
(2) ـ سورة يوسف آية : ( )(1/50)
فإنه سيتبين لكم إن شاء الله أن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكيفية إسداء النصيحة كلها قد حددت معالمها النصوص القرآنية والنصوص النبوية فمن خالف مدلولات نصوصها فقد أصيب بداء الانحراف عن سنن الحق في هذه الأبواب وخير له الرجوع عن الاستمرار في هذا الداء وأزكى وأفضل ، والله أعلم وأحكم بعباده وأرحم .
الخاتمة
من قواعد الدعوة السلفية الراسخة ، ومزاياها الرفيعة الثابتة :
1 ـ دعوة المسلمين والمسلمات ليستجيبوا لنداء ربهم الملك الحق المبين ، ودعوة نبيهم الناصح الأمين وذلك بالرجوع الصادق المخلص إلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة في كل شأن من شؤونهم على منهاج السلف الصالح وأتباعهم من العلماء الربانيين والأولياء القانتين الذين علموا الحق وعملوا به ودعوا الناس إليه بأسلوب رحيم وعلى هدي مستقيم رجاء رحمة الله وخشية عقابه .
2 ـ الحرص على العلم بالحق من مصدره الأصيل المنوه عنه آنفا ، ونشره لأهل الأرض رحمة بالخلق وإقامة الحجة بإيضاح المحجة .
3 ـ وجوب بذل النصح ممن يحسنه للمسلمين والمسلمات إذ أن ذلك من أعظم الفرائض وأزكى القربات بشرط أن يكون الناصح متحليا بالعلم والحلم والصدق والإخلاص ، وكيف لا تكون هذه المنزلة الرفيعة للنصيحة ، وقد قال النبي الكريم [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] : (( الدين النصيحة)) الحديث .
4 ـ منهج السلف الصالح وأتباعهم لا ينحصر في مباحث الاعتقاد بل إنه عقيدة وعمل بما تحمل كلمة العمل من معنى وعليه ( فالسلفية عقيدة وعمل ) .
5 ـ السعي الحثيث والجهاد المخلص الدائم على جمع كلمة المسلمين والتعاون بينهم على البر والتقوى ألا وإن خير معين على جمع الكلمة ووحدة الصف وتحقيق منهج التعاون على البر والتقوى هو لزوم السنة وإحياؤها بالتصفية والنشر ، ومحاربة البدع التي يريد أهلها هدم السنن ليحققوا مقاصدهم الخاطئة بحسن نية أو بعكس ذلك .(1/51)
6 ـ الرجوع في الأمور التي يقع التنازع فيها إلى الكتاب والسنة مطلب شرعي دل عليه الوحي الكريم والعقل الصحيح السليم كما قال المولى الكريم : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ذلك خير وأحسن تأويلا } ، ومن غير جدل أن هذا هو الميزان بالقسط ولكن بفهم السلف وعلى أصولهم السليمة وقواعدهم المستقيمة ، فإن هذه الأمور جعل عافيتها في أولها فالرجوع إلى نصوص الكتاب بفهومهم دأب العلماء الراسخين وخُلُق الأولياء الصالحين المتقين .
7 ـ منهج التصفية والتربية ثابت للسلف ومعلوم للفضلاء منهم بطريقة الاستقراء ، والمراد بالتصفية بمعناها العام تصفية الحق من الباطل ، والطيب من الخبيث ، وعلى سبيل الخصوص تصفية السنة الغراء وأهلها من البدعة المضلة وأنصارها .
وأما المراد بالتربية : فهو دعوة جميع المكلفين ليتأدبوا ويتخلقوا بما أنزله لهم ربهم على عبده ورسوله محمد [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] ليكون لهم خلقا وأدبا وسلوكا إذ لا تطيب حياتهم ويصلح حالهم ومآلهم إلا بذلك ونعوذ بالله من سوى ذلك .
8 ـ وجوب الالتزام ـ ظاهرا وباطنا ـ بطاعة ولاة أمور المسلمين في المعروف والدعاء لهم سرا وعلنا بالهداية والعون والتوفيق ، إذ أن صلاحهم سبب في صلاح العباد والبلاد والعكس بالعكس إلا ما رحم ربك ، ألا وإن من طاعتهم :
أ ـ القيام بحقوقهم وتأليف قلوب الرعية عليهم طاعة لله وعملا بهدي رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] .
ب ـ وعدم الخروج عليهم بأي وسيلة من وسائل الخروج سواء كان بالسلاح أو بالكلام المهيج لرعاع الناس ودهمائهم ، ونصوص الكتاب والسنة إذ تحرم ذلك فلأنه يفضي إلى النقص في الدين ، كما يفضي إلى هتك أعراض المسلمين وسفك دمائهم وتعطيل مصالحهم وانتشار الفوضى بينهم ، وزرع العداوات الجاهلية في مجتمعاتهم ، إلى غير ذلك من الأسواء القولية والفعلية التي لا يرضها الشرع الكريم ولا صاحب العقل السليم .(1/52)
9 ـ الإيمان الجازم بأن دعوة الهدى والنور تستمد قوتها وتقتبس ضوءها بصحة البرهان الذي جاء به من أنزل عليه الفرقان [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] ولم يستمد ذلك من كثرة أقوال الرجال وآرائهم ، وعليه ((فلا وحشة من قلة السالكين على درب الحق المبين ، ولا اغترار بكثرة المنحرفين والزائغين عن هدي سيد المرسلين عليه من الله افضل الصلاة وأتم التسليم )) .
10 ـ محبة الصحابة الكرام وأتباعهم على الإيمان والإحسان والإسلام فرض من فروض الإسلام ، والحق أن من سب الصحابة أو شتمهم أو تنقص واحدا منهم أو أظهر بغضهم أو أضمره فقد جمع إلى الزندقة كبائر الذنوب والآثام .
وأن المعادي لأولياء الله بالسب والشتم والعداوة والبغضاء محارب لله فلينتظر عقوبات الله التي إذا نزلت لا ترد عن أهل الفساد والإجرام .
دليل ذلك أيها القراء الكرام في برهانين من براهين دين الإسلام ، أحدهما قول ذي الجلال والإكرام في وصف الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام ووصف أصحابه الكرام: { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا
عظيما } (1) .
وقول المصطفى [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] : (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب )) .
11 ـ العناية بعلاج النفوس والقلوب من أمراض الشبهات التي يلقيها الشيطان إلى العبد لتقدح في إيمانه وكذا العناية بعلاج النفوس والقلوب من مرض الشهوات التي يلقيها الشيطان على النفوس والقلوب فتقدح في الإيمان كذلك .
__________
(1) ـ سورة الفتح آية : (29) .(1/53)
ودفع هذين المرضين يحتاج إلى أمرين : أحدهما : الصبر ، والثاني : اليقين ، كما قال الله تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } فقد أخبر سبحانه في هذه الآية الكريمة أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين ، فالصبر يدفع الشهوات ، واليقين يدفع الشبهات .
12 ـ (( لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها )) هذه قاعدة جليلة عند السلف وأتباعهم تشهد لها نصوص الكتاب والسنة التي تهدف إليها تلكم القاعدة يعرف ذلك من عرف المعاني .
13 ـ توقير العلماء الربانيين أحياء وأمواتا ، ومحبتهم وأخذ العلم عن الأحياء منهم والتتلمذ على كتب الموتى منهم والذب عنهم ميزة من ميزات منهج السلف ، والعكس بالعكس ، فإن الوقيعة في العلماء ونبزهم بالألقاب ولمزهم بإلصاق التهم الباطلة والعيوب المختلفة من علامات أهل البدع والضلال الذين زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون.
14 ـ الفرح بهداية المهتدي بالهداية الشرعية ، والأسى على المتمادي في الغواية والضلالة بدون اعتراض على القدر من صفات السلف وأتباعهم وخلق من أخلاقهم .
15 ـ المحبة الشرعية على وجهها الأسنى ومنهج الولاء والبراء من قواعد المنهج السلفي ولا يشاركهم فيه إلا من تأسى بهم وألزم نفسه بسلوكهم وآدابهم .
16 ـ التصريح الواضح الجلي المأثور عن الأسلاف وأتباعهم حقيقة أن طلاب العلم في كل زمان ومكان في حاجة ماسة إلى معرفة كتب الردود على أهل الأهواء والبدع وكتب الجرح والعديل ليحذروا من الاغترار بالمجرحين ويسلموا من شر المبتدعين ومن ثم يكونون حرَّاسا من حرَّاس العقيدة السليمة وقائمين بالذب عن السنة الصحيحة القويمة .
17 ـ من علم وعمل وعلم فإنه يدعى ربانيا في ملكوت السماوات .
18 ـ الحق عندهم وسط بين ضلالتين وهما الإفراط والتفريط .(1/54)
19 ـ أهل السنة والجماعة وسط بين الخوارج الذين يكفرون بكبائر الذنوب وبين المرجئة بالذين يقولون إنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة .
ومعنى وسطية أهل السنة بين هاتين الفرقتين أن أهل السنة يقولون في صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ، ومؤمن بما معه من الإيمان ، ومن مات مصرا على الكبيرة فهو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه في النار بقدر ما جنى وأدخله الجنة وإن شاء عفا عنه فلم يعاقبه بالنار أبدا .
20 ـ الرد على المخالف من القواعد التي قامت وتقوم عليها الدعوة السلفية ، وبالأخص الرد على أهل البدع ، كما قال ابن القيم [ رحمه الله ] في : [ مدارج السالكين 1/372 ] ما نصه : (( وأشتد نكير السلف والأئمة لها ( البدعة ) وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض وحذروا من فتنتهم أشد التحذير وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش والظلم والعدوان ، إذ مضرة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد )) أ.هـ .
قلت : ولشدة ضررها فإن الرد على أهلها باب عظيم من أبواب الجهاد، وموقع مهم سده من افضل الجهاد في سبيل الله ، قال ابن تيمية [رحمه الله ] [ فتاوى : 4/13 ] : (( فالراد على أهل البدع مجاهد حتى كان يحيى بن يحيى يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد ... )) أ . هـ.
وأما كيفية الرد فإنه يكون بمجادلتهم بالنصوص وبيان وجه الاستدلال ليتضح الأمر وتنقطع الشبه ويزول الضرر عن الناس لا سيما من قل نصيبهم من العلم وهذا الصنيع يعتبر جهادا بالقلم واللسان .
21 ـ كل دعوة عند أتباع السلف باسم الإسلام وشريعة خير الأنام لم تكن على منهاج النبوة لا تقبل ولا تثمر لأنها لا نصيب لها من النجاح الحقيقي مهما نظمت لها من الدعايات وروج لها في المجتمعات .(1/55)
22 ـ اختيار الكتاب والمعلم من منهج أتباع السلف فتراهم يختارون في مكتباتهم الخاصة كتب علماء السلف وأتباعهم لسلامتها من أنواع الانحراف العقدي والمنهجي ، وهكذا يختارون الأشياخ السلفيين لأخذ العلم عنهم حرصا منهم على سلامة المعتقد والمنهج الذي لا يوجد على وجه التمام إلا عندهم ، والواقع شاهد بذلك .
23 ـ السلف وأتباعهم لا يعتبرون أهل البدع والخرافات مجددين، وإن أحرزوا شيئا من العلم ، لأن من صفات المجدد بالدرجة الأولى صحة المعتقد وسلامة المنهج العلمي، والله تعالى أعلم [ وصلى الله على نبنا محمد وعلى آله وسلم ].
محتويات الكتاب
م ... الموضوع ... الصفحة
1. ... تمهيد : التعريف بمنهج السلف ووجوب اتباعه ... 1-5
2. ... من مميزات منهج السلف ... 5-9
3. ... التحذير من المبتدعة وكتبهم ... 9
4. ... فتوى الأمام مالك ... 10
5. ... نقل عبد الله بن أحمد
6. ... كلام ابن أبي حاتم الرازي ... 10-11
7. ... كلام أبن عثمان الصابوني ... 11-12
8. ... تعليق ... 12
9. ... فتوى علماء السنة بقرطبة ... 12-13
10. ... كلام الإمام الأصبهاني ... 13
11. ... كلام شيخ الإسلام ابن تيمة ... 14
12. ... كلام ابن القيم ... 14-15
13. ... تعليق ... 15
14. ... تابع كلام ابن القيم مع شرح الشيخ الهراس ... 15-17
15. ... نقل كلام الذهبي في الميزان ... 17-18
16. ... كلام الذهبي في السير ... 18
17. ... كلام ابن مفلح ... 19
18. ... كلام ابن خلدون ... 19-20
19. ... رسالة الشيخ عبد الطيف بن عبد الرحمن ... 20-21
20. ... فتوى علماء السنة بالهند ... 22-24
21. ... كلام صديق حسن خان ... 24
22. ... كلام حمود التربوي ... 25
23. ... فتوى مقبل الوادعي ... 25
24. ... تعليق ... 26
25. ... كلام الفوزان ... 26
26. ... كلام الرحيلي ... 27
27. ... تعليق الخاتمة ... 27-28
28. ... الأجوبة السديدة ... 29
29. ... مقدمة ... 30-31
30. ... السؤال الأول وجوابه : ... 32 -44
ما المقصود بالفرقة الناجية المنصورة وما أبرز صفاتها ؟
31. ... السؤال الثاني وجوابه : ... 44-49
ظهر في هذا الزمان من يقول أن علم الجرح والتعديل إنما وضع لفترة زمنية معينة وأما الآن فلسنا بحاجة إليه فما رأيكم في ذلك وفقكم الله ؟(1/56)
32. ... السؤال الثالث وجوابه : ... 49-63
ما حكم هجر المبتدع والمجاهر بالمعاصي في ميزان الشرع الشريف ؟
33. ... السؤال الرابع وجوابه : ... 64-68
ما رأيكم فيمن يربي الشباب في الطلب على كتب أهل البدع ؟
34. ... السؤال الخامس وجوابه : ... 69-73
ما رأيكم فتح الله لكم أبواب العلم النافع فيمن يفرق بين العقيدة والمنهج ؟
35. ... الخاتمة ... 74-81
من قواعد الدعوة السلفية الراسخة
{ نصيحة }
الخروج من الحزبية خروج من الضيق إلى السَعة
ومن البدعة إلى السنة
ومن الفرقة إلى الجماعة
ومن التكتم والسرية إلى العلنية والوضوح
ومن عبودية الحزب إلى عبودية الله وحده(1/57)