بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على محمد عبد الله ورسوله سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:-
فإن من أقدم المسائل التي وقع فيها الخلاف وانتشر: مسألة الإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخالفت طوائف من المسلمين منهج أهل السنة والجماعة، وشذت بآراء وأفكار.
ولما كانوا يتعلقون في ذلك بأدلة يحتجون بها ويوردونها على أهل السنة فقد قمنا في هذا البحث بتتبعها ومناقشتها بما يفتح الله عز وجل .
وكان اعتمادنا في المناقشة على ما قرره الشرفي من الزيدية في كتابه العمدة عندهم الموسوم بـ (( عدة الأكياس شرح الأساس )) ورغبة في الفائدة و زيادة في البيان فقد ألحقنا به ما يمكن أن يستدل لهم به مما لم يذكره الشرفي فقارب بل زاد على ما ذكره.
ويجب أن يعلم كل مطلع على بحثنا هذا أنه لا يحب علياً إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وأن علياً رضي الله عنه يصلح للخلافة بعد موت النبي صلى الله عليه آله وسلم، بل مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد ربى جيلاً ناجحاً فيه ثلة من العمالقة في العلم والعمل يصلح كل فرد منهم للخلافة، ونقاشنا هنا لا يعدوا كونه نقاشاً علمياً لإحقاق الحق في منهج الاستدلال الذي قررته الشريعة في النصوص التي يستدل بها من يرى أن علياً رضي الله عنه هو الخليفة(أو الإمام) بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليس المراد منه التعصب أو العناد أو التنقص للآخرين والله المطلع على ما في القلوب.
مع إيماننا القاطع بأن علياً والخلفاء الثلاثة قبله من أهل الجنة وأن لهم من الفضائل ما لا يستطيع أهل الأرض دون الأنبياء أن يأتوا بمثله، فنسأل الله الكريم بمنه أن يجمعنا بهم في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.(1/1)
وقبل أن نبدأ في تفاصيل البحث نحب أن ننبه القارئ على بعض التنبيهات التي يحتاجها في فهم بعض مصطلحات البحث مما يتعلق بعلم الجرح والتعديل :-
التنبيه الأول:- معنى قول الحافظ ابن حجر في الراوي: صدوق، أو صدوق يهم، أو له أخطاء، أو مقبول: فنقول: قد بين الحافظ رحمه الله مصطلحه في أول كتابه (( التقريب- ص4 دار المعرفة )) فقد حصر مراتب الجرح والتعديل في اثنتي عشرة مرتبة فجعل الأولى: للصحابة، والثانية: لمن أكد مدحه إما بأفعل أو بتكرير الصفة لفظاً أو معنى، والثالثة: لمن أفرد بصفة مدح: كثقة أو متقن أو ثبت أو عدل، والرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق أو لا بأس به أو ليس به بأس، والخامسة: من قصر عن درجة الرابعة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق سيء الحفظ أو صدوق يهم أوله أوهام أو يخطئ أو تغير بأخره ويلحق بذلك من رمي بنوع من البدعة، والسادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث ثم ذكر بقية المراتب.
التنبيه الثاني:- معنى ذكر ابن حبان للراوي في الثقات:-
قال خالد المؤذن في كتابه إقامة البرهان: ص80 ، 81 : (( لقد جمع ابن حبان في كتابه "الثقات" بين الثقات من الأئمة والحفاظ الكبار وبين الضعفاء والمجهولين، بل أدخل فيه نفراً من الوضاعين والكذابين عالماً بهم، ولم يقتصر في الكتاب على الرواة الذين هم على شرطه (1) ، حتى بدا الكتاب وكأنه ألف ليكون تاريخاً جامعاً لا يختص بنوع معين من الرواة.
__________
(1) شرطه ألا يذكر إلا الثقات، لكنه متساهل في حد الثقة إذ هو عنده: (( انتفاء الجرح عن الراوي وإن لم يعلم ضبطه فيدخل فيه المجهولون وقد اشترط لذلك الثقة أيضاً ألا يأتي بخبر منكر.(1/2)
فقد يذكر الراوي في هذا الكتاب و ينص على ثقته، أو يذكره ويسكت عنه (1) ويقتصر على ذلك وهو الأغلب وقد يترجم للراوي ويذكر في ترجمته ما يشعر بضعفه أو يصرح بذلك كقوله: يغرب، يخالف، يهم، يروي المقاطيع، يروي المراسيل، رديء الحفظ، يخطئ كثيراً، لا يعتبر حديثه ما كان كذا وكذا... إلخ وقد يجمع بين لفظين في وصف الراوي، أو يدخل الراوي في الثقات ويسكت عليه، لكن يعود فيناقض نفسه ويذكر الراوي في كتابه الآخر " المجروحين" فيجرحه جرحاً شديداً، وقد يذكر الراوي في الكتابين لتردده في أمره ولا يقطع فيه بشيء، ثم ذكر أمثلة تدل على ما قاله.
وعليه فلا ينبغي الاعتماد على توثيق ابن حبان للراوي إذا خالف الأئمة ومن باب أولى إذا لم يوثقه ابن حبان وإنما ذكره مجرد ذكر في كتابه الثقات.
وبعد: فإننا نأمل أن يقرأ هذا البحث المنصفون وطلاب الحق ويتأملوا فيه لعلهم يجدون فيه بغيتهم والأمل في غير المنصف ضعيف لما وضعوا من الحجب والعوائق بينهم وبين الحق فالله المسئول وهو المرجو أن يرزقنا الإنصاف في كل أمر وأن يجنبنا مرادي الهوى والتعصب.
والحمد لله المستحق للحمد أولاً وآخراً باطناً وظاهراً والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الدليل الأول: ما يسمى بآية الولاية:
وهي قوله تعالى: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)) [المائدة:55)].
وقد رتبوا استدلالهم على مقدمات ثلاث والرابع نتيجة:
المقدمة الأولى: التواتر من المفسرين وأهل التواريخ وإطباق العترة أنها نزلت في علي.
__________
(1) قال المعلمي (( وذكر ابن حبان للرجل في ثقاته وإخراجه له في صحيحه لا يخرجه عن جهالة الحال فأما إذا زاد فغمزه نحو قوله هنا ( يخطئ ويخالف ) فقد خرج عن أن يكون مجهول الحال إلى دائرة الضعف )) حاشية الفوائد المجموعة ص492.(1/3)
المقدمة الثانية: أن لفظ الولي في اللغة له معان منها: (نقيض العدو..و..و..الخ) ومعناها في هذه الآية الأولى بالتصرف. وقيل: يجب حملها على جميع معانيها الغير ممتنعة -كالمطر- على قاعدة أئمتنا والجمهور.
المقدمة الثالثة: أن الواو في قوله تعالى: (وهم راكعون) للحال كما في قولك: رأيت زيداً وهو راكب وليست للاستئناف؛ لأن ذكر الركوع بعد ذكر الصلاة المشتملة على الركوع تكرار لا معنى له.
النتيجة: إذا كان لفظ الولي بمعنى الأولى بالتصرف أو الأحق به ففي هذا إشارة واضحة إلى أنه الأولى بالإمامة.
والجواب مستعيناً بالله مستهدياً بهداه يتبين من خلال إبطال مقدماتهم التي اعتمدوا عليها:
رد المقدمة الأولى: وبيان بطلانها:
وذلك أنها تضمنت دعويين:
الأولى: أن سبب الآية تصدق علي.
الثانية: تواتر المفسرين والمؤرخين على ذلك، وقيل: إجماعهم، وحتى يتبين لك أخي القارئ بطلانهما فسنناقشهما في المسألتين التاليتين:
المسألة الأولى: الرد على دعوى: أن سبب نزول الآية تصدق علي رضي الله عنه بخاتمه:
واعتمدوا في ذلك على روايات لا تصح، وإليك تلك الروايات مقرونة ببيان حالها:
1) حديث ابن عباس وقد جاء من طرق:
أ- طريق مجاهد رواها عبد الرزاق -كما ذكر ابن كثير- وابن المغازلي رقم: (354)، وفيه عبد الوهاب بن مجاهد قال ابن كثير: لا يحتج به. وقال يحيى: ليس يكتب حديثه وفي رواية: ليس بشيء، وقال أحمد: ليس بشيء ضعيف وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
وقال البخاري: قال وكيع: يقولون: لم يسمع من أبيه. [الميزان رقم: (5324)].
ب- طريق الضحاك: رواها ابن مردويه كما ذكر ابن كثير والسيوطي في الدر، قال ابن كثير: الضحاك لم يلق ابن عباس، ومثله الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف: (2/244) دار ابن خزيمة، وانظر أقوال الأئمة في ذلك في تحفة التحصيل: صـ155، وقال ابن حجر في التقريب (1/373): صدوق كثير الإرسال.(1/4)
ج- طريق أبي صالح: رواها ابن مردويه -كما ذكر ابن كثير- وابن المغازلي: (357)، والواحدي: صـ200، وفيها: محمد بن السائب الكلبي وهو متروك، وأبو صالح: اسمه باذام لم يسمع من ابن عباس. [انظر تحفة التحصيل: صـ36].
د- طريق أبي عيسى: رواها ابن المغازلي: (356) وفي سندها: إبراهيم بن عبد السلام في الميزان اثنان كلاهما ضعيف. [الميزان: (1/46)]، وأبو عيسى: لا يدرى من هو، وفي التهذيب اثنان كلاهما مقبول، ومحمد بن عمر بن بشير: قال محقق ابن المغازلي: لم أظفر بترجمته فيما بين يدي من المراجع.
وبهذا تعرف أن حديث ابن عباس لا يصح.
2) حديث عمار: رواه الطبراني في الأوسط: (6/218) رقم: (6232)، وقال الهيثمي في المجمع: (........): فيه من لم أعرفهم. وقال ابن حجر في الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف هامش الكشاف (1/649): رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر... وفي إسناده خالد بن يزيد العمري وهو متروك (1) .
3) حديث أبي رافع: رواه ابن مردويه وأبو نعيم كما في الدر المنثور: (3/105) وسيأتي الحكم عليها فيما بعدها.
4) حديث علي: رواه أبو الشيخ وابن مردويه كما في الدر المنثور: (3/106). قال ابن كثير: بعد أن ساق روايات التصدق بالخاتم، ثم روى ابن مردويه من حديث علي وعمار وأبي رافع وليس يصح شيء منها بالكلية: لضعف أسانيدها وجهالة رجالها).
5) حديث أبي ذر: قال الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف المطبوع بهامش الكشاف (1/649): ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولاً وإسناده ساقط، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا الإسناد الذي ذكره الثعلبي إسناد ضعيف فيه رجال متهمون). [منهاج السنة: (7/15)].
6) أثر سلمة بن كهيل: رواه ابن أبي حاتم: (4/1162) وفيه:
أ- موسى بن قيس الحضرمي: قال العقيلي: وهو يحدث بأحاديث ردية بواطيل الكامل في الضعفاء رقم: (1736).
__________
(1) عن تحقيق الحجج الباهرة: صـ81.(1/5)
ب- إسناده مرسل: فإن سلمة لم يدرك علياً رضي الله عنه فقد ولد سنة سبع وأربعين بينما مات علي رضي الله عنه سنة أربعين.
7) رواية مجاهد: رواها الطبراني: (6/289) وفيها: غالب بن عبيد الله قال البخاري: منكر الحديث، التاريخ الكبير: (7/101)، وقال أبو حاتم: متروك الحديث منكر الحديث، الجرح والتعديل: (11816).
8) رواية السدي: رواها ابن جرير: (6/288) دار الفكر: ثنا محمد بن الحسين ثنا أحمد بن المفضل ثنا أسباط عن السدي.
أ- أحمد بن المفضل: في التقريب: في حفظه شيء (1/26).
ب- أسباط: هو ابن نصر، وفي التقريب: صدوق كثير الخطأ (1/53).
ج- السدي: هو إسماعيل بن عبد الرحمن في التقريب: صدوق يهم (1/72).
وإذ قد ثبت للقارئ ضعف روايات تصدق علي بخاتمه في الصلاة وهو راكع ونزول الآية في ذلك من حيث الصناعة الحديثية فإن في مضمون الآية ومعناها وسياقها ما يمنع من صحة تصدق علي رضي الله عنه بخاتمه في الصلاة ونزول الآية في ذلك وإليك بيان شيء من ذلك في الأوجه التالية:
الوجه الأول: أن الزكاة في الآية: (ويؤتون الزكاة) لا يصح أن تطلق ويراد بها صدقة النفل لأمور:
1. أن سياق الآية يمنع حمل معنى الزكاة على الصدقة النافلة لأن الآيات بصدد بيان صفات من تنحصر فيهم الولاية بذكر شروطها وليس التصدق المندوب شرطاً في ذلك.
2. أن الزكاة متى جاءت مقرونة بالصلاة في السور المدنية فالمقصود بها زكاة الفرض وليس صدقة التطوع.
3. أن حمل الزكاة على الصدقة النافلة خلاف الأصل كما ذكر الرازي في تفسيره: (12/33).
وبالتالي فإن حمل هذه الآية على علي رضي الله عنه « والحالة هذه » لا يسوغ لأمور:
الأمر الأول: أن علياً رضي الله عنه طلق الدنيا ولم يكن له مال -كما يقر بذلك الموافق والمخالف- والآية فيها ذكر الزكاة وهي لا تكون إلا ممن له مال فتنافيا. الحجج (38).
الأمر الثاني: أن الزكاة لا تكون إلا من الأنفع للمستحق وأي نفع في قطعة فضة. [الحجج: (83)].(1/6)
الأمر الثالث: أن إعطاء الخاتم في الزكاة لا يجزئ عند كثير من الفقهاء إلا إذا قيل بوجوب الزكاة في الحلي وقيل إنه يخرج من جنس الحلي، ومن جوز ذلك بالقيمة فالتقويم في الصلاة متعذر والقيم تختلف باختلاف الأحوال. [منهاج السنة: (7/17-18)].
الأمر الرابع: لو كان كذلك لكان رضي الله عنه قد أخر أداء الزكاة الواجب عن أول أوقات الوجوب وذلك عند أكثر العلماء معصية لا يجوز إسنادها إلى علي عليه السلام كما ذكر الرازي في تفسيره: (12/33).
وحتى وإن سلمنا جدلاً أن المراد بالزكاة هنا صدقة النفل: فإن من اللائق بعلي رضي الله عنه أن يكون مستغرق القلب بذكر الله حال ما يكون في الصلاة والظاهر أن من كان كذلك فإنه لا يتفرغ لاستماع كلام الغير وفهمه كما يقول الرازي: (12/33).
ثم إن من المعلوم أن الصحابة أنفقوا في سبيل الله وقت الحاجة إليه ما هو أعظم قدراً ونفعاً من إعطاء سائل خاتماً وفي صحيح البخاري: (إن من أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر) وقد تصدق عثمان بألف بعير في سبيل الله في غزوة العسرة حتى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم) أو بهذا المعنى.
والإنفاق في سبيل الله وفي إقامة الدين في أول الإسلام أعظم من صدقة على سائل محتاج ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) أخرجه البخاري ومسلم.
وقال تعالى: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) [الحديد: من الآية10].(1/7)
فالإنفاق الذي صدر في أول الإسلام في إقامة الدين ما بقي له نظير يساويه، وأما إعطاء السُّؤَّال لحاجتهم فهذا البر يوجد مثله إلى يوم القيامة، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأجل تلك النفقات العظيمة النافعة الضرورية لا يدعو بمثل (1) هذا الدعاء فكيف يدعو به لأجل إعطاء خاتم لسائل قد يكون كاذباً في سؤاله. [منهاج السنة: (7/22- 23)].
بل كيف تنزل هذه الآية التي حصرت الولاية وحددتها.
الوجه الثاني: أن من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير خلفاً عن سلف أن هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة الكفار والأمر بموالاة المؤمنين. لما كان بعض المنافقين كعبد الله بن أبي يوالي اليهود ويقول إني أخاف الدوائر فقال بعض المؤمنين وهو عبادة بن الصامت: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا وأبرأ إلى الله ورسوله من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم) قال الرازي رحمه الله تعالى: (وأما استدلالهم بأن هذه الآية نزلت في حق علي فهو ممنوع فقد بينا أن أكثر المفسرين زعموا أنه في حق الأمة، والمراد أن الله تعالى: أمر المسلم ألا يتخذ الحبيب والناصر إلا من المسلمين) تفسير الرازي. (12/22).
الوجه الثالث: أن سياق الكلام في الآيات يدل على ذلك لمن تدبر القرآن فإنه تعالى بدأ بالنهي عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ثم ذكر من حال الذين في قلوبهم مرض أنهم يسارعون فيهم -ثم هدد المؤمنين إن ارتدوا بأنه سوف يأتي بقوم يحبهم ويحبونه.. ثم قال: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)) [المائدة: من الآية55].
__________
(1) يقصد ابن تيمية ما جاء في حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا لعلي بقوله: (اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به ظهري).(1/8)
الوجه الرابع: أن هذا السياق مع إتيانه بصيغة الجمع مما يوجب لمن تدبره: أن الآية عامة في كل المؤمنين المتصفين بهذه الصفات ولا تختص بواحد بعينه لا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي لكن هؤلاء أحق الأمة بالدخول فيها.
ولذلك لما سئل أبو جعفر محمد الباقر رحمه الله عن معنى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا ... ) قال: نزلت في المؤمنين: فقيل له: إنا أناساً يقولون: إنها نزلت في علي رضي الله عنه قال: هو من المؤمنين رواه ابن أبي حاتم في التفسير: (4/1162).
الوجه الخامس: مجيء الآية الكريمة بالفعل المضارع فهو يدل على أن الآية الكريمة لا تشير إلى حادثة حدثت وانتهت وإنما يدل على الاستمرار والدوام أي أن صفات المؤمنين وطبيعتهم الصلاة والزكاة ولا يستقيم المعنى -بغير تكلف- أن يكون من صفاتهم إخراج الزكاة أثناء الصلاة. [مع الشيعة: (1/64)].
فهذه الأوجه تؤكد عدم صحة دعوى تصدق علي رضي الله عنه بخاتمه وهو راكع ونزول الآية في ذلك من حيث الرواية والدراية.
وعلى فرض التسليم بأن سبب الآية هو تصدق علي رضي الله عنه بالخاتم فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب واللفظ عامٌ ولا ضرورة إلى التخصيص وكون التصدق في حالة الركوع لم يقع لغير علي رضي الله عنه غير داعٍ للتخصيص إذ القصة ليست مذكورة في الآية بحيث تكون مانعاً من حمل الموصول وصلاته على العموم بل جملة (وهم راكعون) عطف على السابق وصلة للموصول أو حال من ضمير يقيمون، وعلى كلٍ فالركوع الخشوع وقد ورد كقوله تعالى: ((وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)) [آل عمران: من الآية43]. ولم يكن ركوع اصطلاحي في صلاة من قبلنا بالإجماع، وقوله تعالى: ((وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ)) [صّ: من الآية24)]. وليس في الاصطلاحي خرور بل انحناء إلى غير ذلك من الآيات فهو معنى متعارف أيضاً يصح الحمل عليه كما هو المقرر في محله.(1/9)
وأيضاً حمل الزكاة على التصدق كحمل الركوع على الخشوع، فالجواب هو الجواب بل ذكر الركوع بعد إقامة الصلاة مؤيد لنا لئلا يلزم التكرار وذكر الزكاة بعدها مضر لكم إذ في عرف القرآن يكون المراد بها حينئذٍ الزكاة المفروضة لا الصدقة المندوبة.
ولو حملنا الركوع على المشهور وجعلت الجملة حالاً من ضمير (يقيمون) لعمت المؤمنين أيضاً لأنه احتراز عن صلاة اليهود الخالية من الركوع وفي هذا التوجيه غاية لصوق بالنهي عن موالاة اليهود الوارد بعد.
وأيضاً لو كان حالاً من ضمير (يؤتون) لم يكن فيه كثير مدح إذ الصلاة إنما تمدح إذا خلت عن الحركات المتعلقة بالغير وقطع صاحبها العلائق عما سوى الخالق المتوجه إليه الواقف بين يديه ومع هذا لا دخل لهذا القيد بالإجماع لا طرداً ولا عكساً في صحة الإمامة فالتعليق به لغوٌ ينزه الباري تعالى عنه. [انظر نهج السلامة إلى مباحث الإمامة للعلامة الآلوسي:صـ163-164بتصرفٍ يسير].
المسألة الثانية: الرد على دعوى: تواتر المفسرين والمؤرخين على ذلك، وادعاه البعض إجماعاً:
ويتبين بطلان هذه الدعوى من خلال الأوجه التالية:
الوجه الأول: أن أهل الاختصاص في هذه القضية هم المفسرون وعليهم المعول دون غيرهم، وهم فيما يذكرونه من روايات خاضعون لأهل الرواية من المحدثين أهل التخصص.
الوجه الثاني: لم يتواتر المفسرون على ذلك بل هذا القول أحد أقوال تذكر في تأويل الآية ومنها:
1. أن الآية عامة في المؤمنين كما قال الحسن،والباقر وهو قول أكثر المفسرين كما سبق من قول الإمام الرازي رحمه الله، وأشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
2. أنها نزلت في أبي بكر كما قال عكرمة وابن عباس.
3. أنها نزلت في عبادة بن الصامت لما تبرأ من يهود وتولى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.(1/10)
4. أنها نزلت بسبب قوم أسلموا من أهل الكتاب فجاءوا فقالوا: يا رسول الله: بيوتنا بعيدة ولا متحدث لنا إلا مسجدك وقد أقسم قومنا أن لا يخالطونا ولا يوالونا فنزلت الآية مؤنسة لهم.
5. أنها نزلت في عبادة وسعد بن عبادة لما تبرآ من بني قينقاع.
6. أنها نزلت في علي عليه السلام لما تصدق بخاتمه وهو راكع، وقد ذكر هذه الأقوال كلها الفقيه يوسف في تفسيره: الثمرات اليانعة: (3/146)، وانظر الطبري: (6/287-288)، الرازي: (12/27-28)، المحرر الوجيز: (2/209)، البغوي: (2/62-64)، الدر المنثور: (2/293-294)].
فبهذا يظهر لك أن المفسرين لم يتواتروا على أن الآية نزلت في علي رضي الله عنه فضلاً عن أنهم أجمعوا على ذلك.
الوجه الثالث: أن مجرد نقل بعض المفسرين لذلك ليس دليلاً يصح الاعتماد عليه في المسألة لثلاثة أوجه:
1) لأن عادة المفسرين أنهم ينقلون كل ما قيل في الآية ولو كان ضعيفاً عندهم حتى إن بعضهم لينقل عن الروايات الإسرائيلية كما هو مشهور.
2) أن كثيراً من المفسرين الذين نقلوا تلك الروايات لم يرجحوها بل يحكونها بعد أن يفسروا الآية بأنها عامة ثم يذكرونها في سياق ما جاء من الروايات أو الأقوال في سبب نزولها، ويرجحون غيرها. [انظر: الطبري: (6/287/288)، الزمخشري: (1/623-624)، ابن كثير: (5/264فما بعدها) طبعة أولاد الشيخ، المحرر الوجيز: (2/208، 209)، الرازي: (12/32)، البغوي: (2/62)].
3) وعلى تقدير أن من المفسرين ولو كثروا -من يقول إنها نزلت في علي رضي الله عنه فلا حجة فيه بعد أن علمنا ضعف ما استندوا عليه من الروايات والأحاديث فيما سبق.
وبمثل هذا الكلام يكون جوابنا على دعوى تواتره عند المؤرخين.(1/11)
وإذ قد ثبت لنا بطلان دعوى أن هذه الآية نزلت في تصدق علي رضي الله عنه بالخاتم رواية ودراية سنداً ومتناً فضلاً عن أن يكون ذلك قد تواتر أو أُجْمِعَ عليه فلا حجة لهم بعد ذلك في هذه الآية ويبطل استدلالهم بها وبه ينتهي الرد عليهم ولكن زيادة في الرد عليهم ولينتفع القراء أكثر وتقام الحجة أكثر فسوف نرد بإذن الله على باقي مقدماتهم.
الرد على المقدمة الثانية:
وهي هنا قول الشرفي أن لفظ الولي في اللغة له معان وذكرها ومنها الأولى بالتصرف وأنه يجب حملها على جميع معانيها الغير ممتنعة.
ويهمنا هنا أن نبين أنه لا يصح أن يراد بالولاية هنا ولاية التصرف والإمارة، وأن المراد هو المحبة والنصرة وذلك في مقامين:
المقام الأول: أنه لا يصح أن يراد بالولاية هنا الإمارة أو الأولى بالتصرف وذلك لما يلي:
1. لو حملنا الولاية على التصرف والإمامة لما كان المؤمنون المذكورون في الآية موصوفين بالولاية حال نزول الآية: لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما كان نافذ التصرف حال حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والآية تقتضي كون هؤلاء المؤمنين موصوفين بالولاية في الحال.
أما لو حملنا الولاية على المحبة والنصرة كانت الولاية حاصلة في الحال...
والذي يؤكد ما قلناه: أنه تعالى منع المؤمنين من اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ثم أمرهم بموالاة هؤلاء المؤمنين فلابد وأن تكون موالاة هؤلاء المؤمنين حاصلة في الحال حتى يكون النفي والإثبات متواردين على شيء واحد ولما كانت الولاية بمعنى التصرف غير حاصلة في الحال امتنع حمل الآية عليها. [تفسير الرازي: (12/30)].
2. لو أراد الولاية التي هي الإمارة لقال: إنما يتولى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا ولما قال (ومن يتولى الله ورسوله) فإنه لا يقال لمن ولي عليهم والٍ إنهم: تولوه، بل يقال: تولى عليهم. [منهاج: (7/29)].(1/12)
3. أن الله سبحانه لا يوصف بأنه متول على عباده وأنه أمير عليهم جل جلاله وتقدست أسماؤه فإنه خالقهم ورازقهم وربهم ومليكهم له الخلق والأمر.. وأما الولاية المخالفة للعداوة فإنه يتولى عباده المؤمنين فيحبهم ويحبونه ويرضى عنهم ويرضون عنه.. وهذه الولاية من رحمته وإحسانه وليست كولاية المخلوق للمخلوق التي هي لحاجته إليه قال تعالى: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل). [منهاج بتصرف: (7/30)].
4. أن الأمير يسمى الوالي ولا يسمى الولي ولكن قد يقال: هو ولي الأمر كما يقال: وليت أمركم ويقال: أولو الأمر وأما إطلاق القول بالولي وإرادة الوالي فهذا لا يعرف، بل يقال في الولي المولى ولا يقال الوالي ولهذا قال الفقهاء: إذا اجتمع في الجنازة الوالي والولي فقيل: يقدم الوالي، وهو قول أكثرهم وقيل يقدم الولي.
5. أن هناك فرقاً بين (الوَلاية) بالفتح و (الوِلاية) بالكسر، فالوَلاية ضد العداوة وهي المذكورة في هذه النصوص، ليست هي الوِلاية بالكسر التي هي الإمارة.
6. أنه ليس كل من تولى عليه إمام عادل يكون من حزب الله ويكون غالباً فإن أئمة العدل يتولون على المنافقين والكفار كما كان في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت حكمه ذميون ومنافقون. وكذلك علي رضي الله عنه.
والله تعالى يقول: ((وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)) [المائدة:56]. فلو أراد الإمارة لكان المعنى: إن كل من تأمر عليهم الذين آمنوا يكونون من حزب الله الغالبين وليس كذلك. [منهاج: (7/31)].
7. أن أمر الله للمؤمنين بموالاة أقوام ونهيه إياهم عن موالاة آخرين كل هذا صدر في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونفذ في حياته فكيف يكون إمام المسلمين الأعظم علياً مع وجود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .(1/13)
ولو اختص علي بالإمامة لوجود لفظ (إنما) فإن هذا التخصيص يخرج ابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما لأنهما يكونان فيمن نفي الحكم عنهما كما سبق. [مع الشيعة: (1/68)].
وبهذا تعرف وهاء قول من قال: (إذا كان لفظ الولي بمعنى الأولى بالتصرف أو الأحق به ففي هذا إشارة واضحة إلى أنه الأولى بالإمامة) اهـ. إذ ليس مجرد كون لفظ الولي يأتي بمعنى الأولى بالتصرف -لو قلنا- به دليلاً كافياً على أن هذا هو المراد بلفظة (الولي) دائماً لأن لفظ الولي لفظ مشترك فلا ينبغي أن يحمل إلا على ما دلت عليه القرائن من معانيه وقد علمت بما ذكرنا أن القرائن تدل على عدم إرادة معنى التصرف والإمامة من لفظ الولي في هذه الآية: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ...)) [المائدة: من الآية55]. ونزيدك بياناً أن القرائن تدل على أن المراد بالولي في هذه الآية، المحب والناصر وذلك في المقام الثاني:
المقام الثاني: أن حمل لفظ الولي على الناصر والمحب أولى من حمله على المتصرف لوجوه:(1/14)
الوجه الأول: أن سياق الآيات يدل على ذلك لمن تدبر القرآن وقد مر ذكر السياق، وفي هذا المعنى يقول الإمام الرازي رحمه الله: إن اللائق بما قبل هذه الآية وما بعدها ليس إلا هذا المعنى أما ما قبل هذه الآية فلأنه تعالى قال: (... لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) وليس المراد لا تتخذوهم أئمة متصرفين في أرواحكم وأموالكم لأن بطلان هذا كالمعلوم بالضرورة بل المراد لا تتخذوهم أحباباً وأنصاراً ولا تخالطوهم ولا تعاضدوهم. ثم لما بالغ في النهي عن ذلك قال: (إنما وليكم الله والذين آمنوا) الموصوفون، والظاهر أن الولاية المأمور بها هنا هي المنهي عنها فيما قبل وهي بمعنى النصرة وأما ما بعد هذه الآية فقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء..) فأعاد النهي عن اتخاذ اليهود والنصارى والكفار أولياء ولا شك أن الولاية المنهي عنها هي بمعنى النصرة.
وكل من أنصف وترك التعصب وتأمل في مقدمة الآية وفي مؤخرها قطع بأن الولي في قوله: (إنما وليكم الله) ليس إلا بمعنى الناصر والمحب ولا يمكن أن يكون بمعنى الإمام، لأن ذلك يكون إلقاء كلام أجنبي فيما بين كلامين مسوقين لغرض واحد وذلك يكون في غاية الركاكة والسقوط ويجب تنزيه كلام الله عنه. [تفسير الرازي: (12/30) بتصرف يسير.].
الوجه الثاني: أنه تعالى ذكر المؤمنين الموصوفين في هذه الآية بصيغة الجمع في سبعة مواضع وهي قوله: (والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وحمل ألفاظ الجمع وإن جاز على الواحد على سبيل التعظيم لكنه مجاز لا حقيقة. والأصل حمل الكلام على الحقيقة. [الرازي: (12/30)].
الوجه الثالث: معظم أو كل الآيات الواردة بولاية المؤمنين بعضهم لبعض فهي بمعنى المحبة والنصرة وليست بمعنى التصرف ومن هذه الآيات:(1/15)
1. ((وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)) [التحريم: من الآية4]. وليس المراد أن صالح المؤمنين متولياً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا متصرفاً فيه.
2. ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) [التوبة: من الآية71].
3. ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [يونس:62].
4. ((اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة: من الآية257].
5. ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ)) [محمد:11)].
6. ((الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)) [النساء: من الآية139].
7. ((وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً)) [النساء: من الآية89].
ولم يخرج عن هذا المعنى إلا حالات خاصة كولاية الدم وولاية السفيه ولكن حالة من هذه الحالات لم تأت بمعنى الولاية العامة على المؤمنين. وراجع الآيات القرآنية مستعيناً بما جاء في مادة (ولي) من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن. [مع الشيعة: (1/66،67)].
الوجه الرابع: أن الحصر إنما يكون في الذي يحتمل اعتقاد التردد والشك، والتردد بين المؤمنين والشك إنما كان في ولاية غير المؤمنين بمعنى المحبة والنصرة. أما الولاية بمعنى التصرف والإمامة فهذا معروف ومتفق على منعه عن غير المؤمنين.
الوجه الخامس: أنه تعالى مدح المؤمنين في الآية المتقدمة بقوله: ((يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) [المائدة: من الآية54].(1/16)
فإذا حملنا قوله تعالى: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)) [المائدة: من الآية55]. على معنى المحبة والنصرة كان قوله تعالى: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ...)) [المائدة: من الآية55]. يفيد فائدة قوله: ((يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) [المائدة: من الآية54]. وقوله: ((يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) [المائدة: من الآية54]. يفيد فائدة قوله: ((يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ...)) [النمل: من الآية3]. فكانت هذه الآية مطابقة لما قبلها مؤكدة لمعناها فكان ذلك أولى. [الرازي: (12/32)].
وبهذين المقامين تسقط مقدمتهم الثانية بعد سقوط الأولى أيضاً وبسقوطهما يسقط استدلالهم بالآية على دعواهم ومع ذلك فلنناقش مقدمتهم الثالثة ليزداد يقين القارئ المنصف أن جميع مقدماتهم لا تثبت أمام النقد العلمي:
الرد على المقدمة الثالثة وهي:
أن الواو في قوله تعالى: ((وَهُمْ رَاكِعُونَ)) [المائدة: من الآية55]. للحال لا للاستئناف أو العطف.
أقول وبالله التوفيق: إن الواو هنا لها أحوال وذلك بناء على معنى الركوع: فإن كان بمعنى الخضوع فيجوز كونها حالاً، ويجوز كونها مستأنفة.
وإن كان بمعناه المعهود في الصلاة فلا يمكن أن تكون حالاً وإنما تكون عاطفة.
وبيانه في مقامين:
المقام الأول: بيان معنى الواو إن كان المراد بالركوع هنا الركوع المعهود في الصلاة.
إذا فسرنا الركوع هنا بالركوع الشرعي المعهود في الصلاة فإنه لا يصح أن تكون الواو هنا للحال لما يلي:
1. أن هذه الآية مثل: ((الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)) [لقمان:4]. فلو حملنا الواو على الحال فإن صفة اليقين بالآخرة مختصة في وقت إعطاء الزكاة، وإعطاء الزكاة مختص بوقت اليقين وهو في الحالتين معنى ركيك.(1/17)
ومثل قوله تعالى: (ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة كافرون) فلو كانت الواو للحال لكان المعنى أنه إنما ذمهم على منع الزكاة حال كونهم كفار بالآخرة. ومفهومه عدم الذم لو لم يكفروا بالآخرة وإن كانوا لا يؤتون الزكاة وهذا باطل.
فلا تحتمل الواو في الآيتين إلا العطف والآية التي يحتجون بها وهم راكعون كذلك لأنها بنفس التركيب.
2. أنه لا دليل على أن الواو للحال: إلا ما ورد في سبب النزول وقد بينا ضعفه.
أو تركيب الآية: وقد بينا في الوجه الأول أنه يدل على أنها للعطف.
3. أن المعنى سيكون مدح أن يؤتي الإنسان الزكاة حال ركوعه وهذا ضعيف لما يلي:
أ- أن الفضيلة في الصلاة كونها خالية عما لا يتعلق بها من الحركات سواء كانت كثيرة أم قليلة غاية الأمر أن الكثيرة مفسدة للصلاة دون القليلة ولكن تؤثر قصوراً في معنى إقامة الصلاة. [مع الشيعة: (1/63)].
ب- أن الله لا يثني على الإنسان إلا بما هو محمود عنده والتصدق لله تعالى في الصلاة ليس من الأعمال الصالحة وإلا لكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعله ويحض عليه أصحابه ولكان علي رضي الله عنه يفعله في غير هذه الواقعة، وإعطاء السائل لا يفوت فيمكن المتصدق إذا سلم أن يعطيه وإن في الصلاة لشغلا. [منهاج بتصرف: (7/16)].
ج- لو كان المراد بالآية ذلك لوجب أن يكون ذلك شرطاً في الموالاة وأن لا يتولى المسلمون إلا علياً وحده فلا يتولى الحسن ولا الحسين ولا سائر بني هاشم وهذا خلاف إجماع المسلمين. [منهاج: (7/16)].
د- لو كان الأمر كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح وليس الأمر كذلك عند أحد العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى كما قال ابن كثير: (5/264) طبعة أولاد الشيخ المحققة.
إذا تقرر ذلك فالصواب أن الواو عاطفة: فيكون هذا بمنزلة قوله تعالى: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)) [البقرة:43].(1/18)
وكذلك قوله تعالى: ((يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)) [آل عمران:43].
ويكون معناها: وصفهم بتكثير الصلاة وخص الركوع بالذكر لكونه من أعظم أركان الصلاة وهو هيئة تواضع فعبر به عن جميع الصلاة كما قال تعالى: ((وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)) [البقرة: من الآية125]. وهي عبارة عن المصلين وهذا قول جمهور المفسرين. [قاله ابن عطية في المحرر: (2/208)، وانظر البغوي: (2/63)].
المقام الثاني: بيان معنى الواو إن كان الركوع هنا بمعنى الخضوع.
يعني أنهم منقادون خاضعون لجميع أوامر الله ونواهيه، وكون الركوع يأتي بمعنى الخضوع وارد في اللغة وبعض استعمالات الشرع لأن الركوع في اللغة هو الخضوع كما قال ثعلب، وقال الراغب الأصفهاني: الركوع الانحناء، فتارة يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة كما هي وتارة في التواضع والتذلل: إما في العبادة وإما في غيرها.
وتقول ركع فلان لكذا وكذا إذا خضع له ومنه قول الشاعر:
بيعت بكسر لئيم واستغاث بها ... ... من الهزال أبوها بعدما ركعا
يعني بعدما خضع من شدة الجهد والحاجة.
وقد استعمل بهذا المعنى في القرآن كما قيل في قوله تعالى: ((وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)) [آل عمران: من الآية43]. إذ ليس في صلاة من قبلنا من أهل الشرائع ركوع هو أحد الأركان بالإجماع، وكذا في قوله تعالى: ((وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ)) (صّ:24)، وقوله تعالى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ)) [المرسلات:48]. أي اخضعوا واستسلموا لأمر الله تعالى.
فقوله تعالى: ((وَهُمْ رَاكِعُونَ)) [المائدة: من الآية55]. يعني به وهم خاضعون لربهم منقادون لأمره متواضعون متذللون في أدائهم للصلاة وإيتاء الزكاة. [انظر: مع الشيعة: (1/63-64) بتصرف].(1/19)
فعلى هذا المعنى للركوع يجوز أن تكون الواو هنا للعطف فيكون المعنى: الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويخضعون لله في جميع ما يأمر به أو ينهى عنه، فيكون حينئذ من باب عطف العام على الخاص.
وعلى جواز أن تكون الواو للحال فحينئذ بم تتعلق؟ نقول هناك ثلاثة احتمالات لها:
الأول: أن تكون حالاً لـ (يقيمون الصلاة).
الثاني: أن تكون حالاً لـ (ويؤتون الزكاة).
الثالث: أن تكون حالاً لـ (يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة).
لكن الأولى هو الاحتمال الثالث وهو أن تكون الواو حالاً للذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهذا ما اعتمده الزمخشري في الكشاف: (1/623-624).
بقوله: الواو فيه للحال: أي يعملون ذلك في حال الركوع وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله إذا صلوا وإذا زكوا.
وقيل: هو حال من يؤتون الزكاة بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة وأنها نزلت في علي..).
(والزمخشري هنا ذكر أولاً المعنى المفهوم من النص ثم ما قيل في سبب النزول دون تمحيص وقد ظهر أن سبب النزول هذا غير صحيح فلا ضرورة للتأويل الذي ذهب إليه). [مع الشيعة: (1/65)].
ومن خلال المقامين السابقين يتبين للقارئ المنصف انهدام مقدمتهم الثالثة كما انهدمت مقدمتيهم الأولى والثانية فيما سبق ليسقط بذلك احتجاجهم بهذه الآية ويبطل استدلالهم بها والله الموفق.
وبعد فنقول: إن علياً رضي الله عنه أعلم بتفسير القرآن من هؤلاء، فلو كانت هذه الآية دالة على إمامته لاحتج بها في محفل من المحافل وليس للقوم أن يقولوا إنه تركه للتقية فإنهم ينقلون عنه أنه تمسك يوم الشورى بخبر الغدير وخبر المباهلة وجميع فضائله ومناقبه ولم يتمسك البتة بهذه الآية في إثبات إمامته (1) .
الدليل الثاني: آية البلاغ وحديث غدير خم :
حاصل ما يذكرونه في هذا الدليل:
1. أن سبب الحديث هو نزول آية البلاغ في علي رضي الله عنه؟!
__________
(1) انظر تفسير الرازي: (12/31).(1/20)
2. تواتر الحديث والإجماع من الموافق والمخالف على صحته؟!
3. أنه مفيد لمعنى الإمامة على قواعد كل مذهب قال الشرفي: أما على قاعدة أئمتنا والجمهور من وجوب حمل المشترك على جميع معانيه فواضح.
وأما على قاعدة غيرهم: فقد أجمعوا على أن المشترك يحمل على أحد معانيه إن دلت عليه قرينة ومعنى الإمامة هنا قد دلت عليه قرينة.
وقد ذكروا أن القرائن قد دلت على فهمهم هذا بنوعيها اللفظية والحالية.
1) فأما اللفظية فهي:
أ- (ألست أولى بكم من أنفسكم) فإنه صريح في ملك أمرهم والتصرف عليهم، ولو أريد بـ(المولى) خلاف ذلك لما تناسب الكلام.
ب- (لا أمر لكم معي).
ج- (انصر من نصره واخذل من خذله).
2) حالية:
أ- تعظيم الموقف وجمع الناس ولم يزد على الخطبة وإثبات ولاية علي رضي الله عنه.
ب- ما ظهر وشاع من فهم الجمع الذي حضر الموقف لمراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من معنى الإمامة.
الجواب على استدلالهم بحديث الغدير وآية البلاغ:
أولاً: مناقشة قولهم: إن سبب الحديث هو نزول آية البلاغ في علي رضي الله عنه:
ويرومون من وراء هذا الربط بين الآية والحديث أن الأمر الذي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغه هو: (إمامة علي رضي الله عنه) وهذه الدعوى باطلة وقد تضمنت أمرين عليهم إثباتهما:
الأول: أن التبليغ في الآية مختص بما أنزل في علي رضي الله عنه.
الثاني: أن الذي أنزل في علي رضي الله عنه هو إمامته.
فأما المقدمة الأولى: وهي أن آية البلاغ نزلت في شأن علي رضي الله عنه.
فيتبين بطلانها في مقامين:
المقام الأول: بيان ما صح من وقت نزول الآية ومعناها وسبب نزولها.
المقام الثاني: بطلان دعوى نزولها في شأن علي رضي الله عنه.
ولنبدأ بـ
المقام الأول: وهو بيان ما صح من وقت نزول الآية ومعناها وسبب نزولها:
فنقول:
التحقيق أن نزول الآية كان قبل يوم الغدير بل قبل يوم عرفة.
ولا يصح أنها نزلت يوم الغدير لما يلي:(1/21)
1. أنه لا دليل صحيح يثبت أنها نزلت يوم الغدير.
2. أنها نزلت قبل آية الإكمال: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ...الآية)) [المائدة: من الآية3]. وآية الإكمال نزلت يوم عرفة كما سيأتي.
3. ما يقتضيه ظاهر الخطبة التي خطبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة يوم الحج الأكبر وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نهايتها ( اللهم هل بلغت... مما يشعر بأن هذا من الإعذار إلى الله بأنه قد بلغ كما أمرته آية البلاغ.
4. ثم ظاهر حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الحجة من إراءة المناسك ووضع الربا ودماء الجاهلية وغير ذلك مما يطول ذكره وقد ذكره أهل السير؛ يقتضي أن الآية نزلت قبل ذلك وأن ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم هو تطبيق عملي وتنفيذ فعلي للآية. [انظر: روح المعاني: (6/198)].
5. أن الله تعالى ضمن له العصمة من الناس إذا بلغ ليؤمنه بذلك من الأعداء وهذا إنما يكون قبل تمام التبليغ، وفي حجة الوداع تم التبليغ، فلا تكون هذه الآية: ((بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)) [المائدة: من الآية67]. نزلت بعد حجة الوداع. لأنه قد بلغ قبل ذلك. [منهاج السنة بتصرف: (7/315-316)].
6. مما يدل على أن الآية لم تنزل في حجة الوداع أو في غدير خم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن في حجة الوداع خائفاً من أحد حتى يحتاج أن يعصم منه بل في حجة الوداع كان أهل مكة والمدينة وما حولهما كلهم مسلمين منقادين له ليس فيهم كافر، والمنافقون مقموعون مُسرُّون للنفاق ليس فيهم من يحاربه ولا من يخاف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منه فلا يقال له في هذه الحال: (بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) [منهاج بتصرف: (7/316-317)].(1/22)
ومما يؤكد ما قررناه من أن نزولها كان قبل الغدير ما ذكره المفسرون من أقوال في سبب نزولها فإنها كلها تدل بمجموعها على أن الآية نزلت قبل الغدير فإليك الأقوال:
وقبل أن أسوق الأقوال أنبه إلى أن ظاهر صنيع المفسرين كابن أبي حاتم وابن جرير والبغوي وغيرهم التفريق بين قوله تعالى ( ياأيها الرسول بلغ .. ) وبين قوله سبحانه:( والله يعصمك من الناس )
وهو كذلك ما تدل عليه بعض الروايات ومن أصرحها ما جاء عن مجاهد أنه قال :
«لما نزلت بلغ ماأنزل اليك من ربك قال : يارب إنما أنا واحد كيف أصنع ليجتمع علي الناس ؟ فنزلت وإن لم تفعل فما بلغت رسالته »
رواه الإمام سفيان الثوري في تفسيره (1/104) ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره برقم : (6613) .
فأما أول الآية فقد حكى الإمام البغوي في تفسيره الأقوال فيها ـ وهو أوسع من ذكرـ فقال(2/68):
« روى الحسن : أن الله تعالى لما بعث رسوله ضاق ذرعا وعرف أن من الناس من يكذبه فنزلت هذه الآية.
وقيل : نزلت في عيب اليهود وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الإسلام فقالوا أسلمنا قبلك وجعلوا يستهزؤون به فيقولون له : تريد أن نتخذك حنانا كما اتخذت النصارى عيسى بن مريم حنانا فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سكت فنزلت هذه الآية وأمره أن يقول لهم : { يا أهل الكتاب لستم على شيء } الآية.
وقيل : بلغ ما انزل إليك من الرجم والقصاص نزلت في قصة اليهود.
وقيل : نزلت في أمر زينب بنت جحش ونكاحها.(1/23)
وقيل : في الجهاد وذلك أن المنافقين كرهوه كما قال الله تعالى : { فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت } ( محمد - 20 ) وكرهه بعض المؤمنين قال الله تعالى : { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم } الآية ( النساء 70 ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعلم من كراهة بعضهم فأنزل الله هذه الآية». اهـ
وقال ابن الجوزي في زاد المسير( 2/396ـ397 ):
« ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت على أسباب روى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعا وعرفت أن من الناس من يكذبني وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهاب قريشا واليهود والنصارى فأنزل الله هذه الآية.
وقال مجاهد لما نزلت يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك قال يا رب كيف أصنع إنما أنا وحدي يجتمع علي الناس فأنزل الله وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس.
وقال مقاتل لما دعا اليهود وأكثر عليهم جعلوا يستهزؤون به فسكت عنهم فحرض بهذه الآية.
وقال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس فيرسل معه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية فقال يا عماه إن الله قد عصمني من الجن والإنس.
وقال أبو هريرة نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها فجاء رجل فأخذه فقال يا محمد من يمنعني منك فقال الله فنزل قوله والله يعصمك من الناس.(1/24)
قالت عائشة سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقلت ما شأنك قال ألا رجل صالح يحرسني الليلة فبينما نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح فقال من هذا فقال سعد وحذيفة جئنا نحرسك فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه فنزلت والله يعصمك من الناس فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أدم وقال انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله تعالى » اهـ.
وأما قوله تعالى :( والله يعصمك من الناس ) ففيه روايات مردها إلى قولين حكاهما الإمام الطبري في تفسيره (6/308 ) فقال :
« واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية:
فقال بعضهم : نزلت بسبب أعرابي كان هم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفاه الله إياه.
ذكر من قال ذلك (1) :
حدثني الحارث قال حدثنا عبد العزيز قال حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي وغيره قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال : من يمنعك مني ؟ قال : الله ! فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه قال : وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه فأنزل الله : { والله يعصمك من الناس } ].
ـ وقال آخرون : بل نزلت لأنه كان يخاف قريشا فأومن من ذلك.
ذكر من قال ذلك :
__________
(1) قلت : قد روي نحو ذلك عن أبي هربرة ابن حبان كما في موارد الضمآن (430) وهو في الصحيحة (5/645) وفي الصحيح المسند من أسباب النزول (99) ، ومن حديث أبي هريرة رواه أيضا ابن مردويه كما ذكر ابن كثير في تفسيره ، و رواه ابن أبي حاتم في تفسيره برقم (6614) عن جابر بن عبد الله الأنصاري في قصة أخرى وقد أورد الحافظ ابن كثير رواية ابن أبي حاتم هذه وعقب عليها بقوله:
« وهذا حديث غريب من هذا الوجه وقصة غورث بن الحارث مشهورة في الصحيح »(1/25)
حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال : [ كان النبي صلى الله عليه وسلم يهاب قريشا فلما نزلت : { والله يعصمك من الناس } استلقى ثم قال : من شاء فليخذلني مرتين أو ثلاثا ] ».
تنبيه: يذكر بعض المفسرين في قوله تعالى : { والله يعصمك من الناس } روايات كثيرة ويظنها البعض مما ورد في أسباب نزول الآية وليست كذلك ومن ذلك ما أورده الإمام السيوطي في كتابه لباب النقول (1/86) بقوله:
« وأخرج الحاكم و الترمذي عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحرس حتى نزلت هذه الآية { والله يعصمك من الناس } فأخرج رأسه من القبة فقال : يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله في هذا الحديث دليل على أنها - أي الآية - ليلية نزلت ليلا - فراشية - والرسول في فراشه.
وأخرج الطبراني عن أبي سعيد الخدري قال : كان العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه فلما نزلت { والله يعصمك من الناس } ترك الحرس.
( ك ) وأخرج أيضا عن عصمة بن مالك الخطمي قال : كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى نزلت { والله يعصمك من الناس } فترك الحرس » .
فأنت تلاحظ أن الروايات لا تتحدث عن سبب نزول الآية بل عن ما حصل بعد نزولها من ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كان يفعله قبل أن تنزل من حراسة أصحابه له فتأمل والله تعالى أعلم .
ومما يزيد ما قررناه وضوحاً ما يذكره المفسرون في المراد بالتبليغ في الآية :
فعامة المفسرين على أن المراد بالآية :تبليغ جميع ما أنزل إما على وجه الاستيفاء والكمال أو على وجه الجهر ، وإليك إشارة إلى بعض أقوالهم:
فقد قال الإمام البغوي في تفسيره(2/68ـ 69):(1/26)
«ومعنى الآية : إن لم تبلغ الجميع وتركت بعضه فما بلغت شيئا أي : جرمك في ترك تبليغ البعض كجرمك في ترك تبليغ الكل كقوله : { ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا } ( النساء 150 - 151 ) أخبر أن كفرهم بالبعض محبط للإيمان بالبعض.
وقيل : بلغ ما أنزل إليك أي : أظهر تبليغه كقوله : { فاصدع بما تؤمر } ( الحجر 94 ) وإن لم تفعل : فإن لم تظهر تبليغه فما بلغت رسالته أمره بتبليغ ما أنزل إليه مجاهرا محتسبا صابرا غير خائف فإن أخفيت منه شيئا لخوف يلحقك فما بلغت رسالته » .
وقال ابن الجوزي في زاد المسير(2/397):
«قال الزجاج قوله بلغ ما أنزل إليك معناه بلغ جميع ما أنزل إليك ولا تراقبن أحدا ولا تتركن شيئا منه مخافة أن ينالك مكروه فان تركت منه شيئا فما بلغت قال ابن قتيبة يدل على هذا المحذوف قوله والله يعصمك وقال ابن عباس إن كتمت آية فما بلغت رسالتي وقال غيره المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك جهرا فان أخفيت شيئا منه لخوف أذى يلحقك فكأنك ما بلغت شيئا».
وقال الثعالبي في تفسيره (1 /475) :
« وقوله سبحانه يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيه عليه السلام بالتبليغ على الاستيفاء والكمال لأنه قد كان بلغ صلى الله عليه وسلم وإنما أمر في هذه الآية بأن لا يتوقف عن شيء مخافة أحد وذلك أن رسالته عليه السلام تضمنت الطعن على أنواع الكفرة وبيان فساد حالهم فكان يلقى منهم صلى الله عليه وسلم عنتا وربما خافهم أحيانا قبل نزول هذه الآية فقال الله تعالى له بلغ ما أنزل إليك من ربك أي كاملا والله يعصمك من الناس » .
ولا يسمح المقام أن نسرد أكثر من ذلك وعلى مبتغي الزيادة مراجعة أقوالهم في مضانها كتفسير الرازي وابن كثير والقرطبي وابن عطية وأبي السعود والبيضاوي والنسفي والواحدي والزمخشري وغيرهم.(1/27)
إلا أن الإمام الطبري آثر تفسيرها على ما يدل عليه السياق فجعلها في شأن تبليغ ما جاء في اليهود فقال: (6/307) : هذا أمر من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغ هؤلاء اليهود والنصارى من أهل الكتابين الذين قص الله تعالى قصصهم في هذه السورة، وذكر فيها معايبهم وخبث أديانهم و.. و.. ما أنزل عليه فيهم من معايبهم و... وأن لا يشعر نفسه حذراً منهم أن يصيبه في نفسه مكروه ما قام فيهم بأمر الله، ولا جزعاً من كثرة عددهم وقلة عدد من معه وأن لا يتقي أحداً في ذات الله فإن الله تعالى كافية كل أحد من خلقه ودافع عنه مكروه كل من يتقي مكروهه، وأعلمه تعالى ذكره أنه إن قصر عن إبلاغ شيء مما أنزل إليه إليهم، فهو في تركه تبليغ ذلك، وإن قل ما لم يبلغ منه فهو في عظيم ما ركب بذلك من الذنب بمنزلته لو لم يبلغ من تنزيله شيئاً وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل)اهـ.
قلت : ولذلك قال بعدها: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ...)) [المائدة: من الآية68].
وعلى كل فلا نعرف أحدا ممن ألف في التفسير قصر المراد بالبلاغ على خصوص شأن علي رضي الله عنه .
وبهذا تعرف بطلان دعوى أن الآية نزلت يوم الغدير في شأن التبليغ بخصوص ما أنزل في علي رضي الله عنه ، ومما يؤيد هذا:
المقام الثاني: وهو أدلة بطلان دعوى نزول الآية في شأن علي رضي الله عنه:
ويتبين ذلك من خلال الأوجه التالية:
1) أن ما ذكرناه من معنى الآية هو قول أهل التفسير ولم يفسرها بعلي رضي الله عنه أحد من المفسرين فيما نعلم، فانظر الطبري: (6/307)، الرازي: (1/630)، الزمخشري: (1/630)، والقرطبي: (6/128) دار الكتاب العربي، وزاد المسير: (2/301)، ابن كثير: (5/264)، الآلوسي: (6/188)، والشوكاني: (2/59) دار إحياء التراث، وغيرهم فليس منهم من فسرها بعلي رضي الله عنه .(1/28)
2) أن ما ذكرناه من تأويل مأخوذ من ظاهر النص وعمومه، فإن «ما» في قوله تعالى: ((بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)) [المائدة: من الآية67]. اسم موصول بمعنى الذي وهو من ألفاظ العموم فيعم كل ما أنزل ومدعي التخصيص بما أنزل في علي رضي الله عنه خاصة يطالب بالدليل الصحيح وحيث لا دليل فتبقى الآية على عمومها.
3) أن الآية نزلت قبل آية ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ)) [المائدة: من الآية3] (1) .
وآية ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ)) [المائدة: من الآية3]. نزلت قبل يوم الغدير كما جاء في الروايات الكثيرة الصحيحة التي تثبت نزولها يوم عرفة يوم الجمعة لا يوم الغدير وقد ذكر الإمام الطبري يرحمه الله تعالى بعض هذه الروايات وروايات أخرى معارضة ثم قال: وأولى الأقوال في وقت نزول الآية القول الذي روي عن عمر بن الخطاب أنها نزلت يوم عرفة؛ لصحة سنده، ووهَّى أسانيد غيره.
وكذلك ابن كثير فقد ذكر روايات تؤيد ما ذكرنا ثم ذكر روايات الطبري التي صح سندها وهي تبين -كما سبق- أن الآية نزلت يوم عرفة يوم الجمعة ثم ذكر الروايات المعارضة وهي التي استوهاها الطبري وبين ضعفها ومنها: ما روى عن الربيع بن أنس أنها نزلت في المسير في حجة الوداع.
__________
(1) انظر الآلوسي: (6/195)، مع الشيعة: (1/108).(1/29)
وقال وقد روى ابن مردوية عن طريق أبي هارون العبدي (1) عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم حين قال لعلي: (من كنت مولاه...) ثم رواه عن أبي هريرة وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يعني مرجعه عليه السلام من حجة الوداع ولا يصح هذا ولا هذا بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية أنها أنزلت يوم عرفة وكان يوم جمعة كما روى ذلك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان وترجمان القرآن عبد الله بن عباس وسمرة بن جندب رضي الله عنهم وأرسله الشعبي وقتادة بن دعامة وشهر بن حوشب وغير واحد من الأئمة العلماء واختاره ابن جرير اهـ. [مع الشيعة: (1/105)].
وعلى أن آية إكمال الدين نزلت يوم عرفة تتابع المفسرون فانظر زيادة على ما سبق. [روح المعاني: (6/60)، البغوي: (2/12)، الرازي: (11/142)، وغيرها من التفاسير]. فإذا ثبت أن آية إكمال الدين نزلت يوم عرفة وأن آية البلاغ نزلت قبلها فهذا مما يؤكد ما ذكرناه من أن آية البلاغ لا علاقة لها بالغدير وبالتالي فلا علاقة لها بما يدعيه الشيعة في شأن إمامة علي رضي الله عنه.
4) أنه لا دليل يثبت نزول الآية في علي رضي الله عنه وأما ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (4/1173) والواحدي في أسباب النزول صـ200 مؤسسة الريان من طريق علي بن عابس عن الأعمش وأبي الجحاب (2) عن عطية عن أبي سعيد أنها نزلت يوم غدير خم في علي رضي الله عنه.
فلا يصح بحال وذلك لأن فيه:
أ- علي بن عابس: ضعفه ابن معين والنسائي، وقال ابن حبان: فحش خطؤه فاستحق الترك. وقال أبو زرعة: منكر الحديث يحدث بمناكير كثيرة عن قوم ثقات. [انظر تهذيب الكمال: (20/504) مع الحاشية].
__________
(1) كذبه ابن معين وابن خداش، وتركه القطان والنسائي وأبو أحمد الحاكم وضعفه غير واحد من الأئمة، انظر تهذيب التهذيب: (21/234، 236).
(2) كذا في الأصل والصواب أبي الجحاف.(1/30)
ب- عطية العوفي: قال الذهبي في المغني: مجمع على ضعفه.
5) ما قاله الألوسي يرحمه الله: (ومما يبعد دعوى الشيعة من أن الآية نزلت في خصوص خلافة علي كرم الله وجهه وأن الموصول فيها خاص: قوله تعالى: ((وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)) [المائدة: من الآية67]. فإن الناس فيه وإن كان عاماً إلا أن المراد بهم الكفار ويهديك إليه (إن الله لا يهدي القوم الكافرين) فإنه في موضع التعليل لعصمته عليه الصلاة والسلام وفيه إقامة الظاهر مقام المضمر أي لأن الله تعالى لا يهديهم إلى أمنيتهم فيك ومتى كان المراد بهم الكفار بَعُدَ إرادة الخلافة.
بل لو قيل: لم تصح لم يبعد لأن التخوف الذي تزعمه الشيعة منه ص - وحاشاه في تبليغ أمر الخلافة - إنما هو من الصحابة ش، حيث أن فيهم -معاذ الله- من يطمع فيها لنفسه ومتى رأى حرمانه منها لم يبعد منه قصد الإضرار برسول الله ص والتزام القول -والعياذ بالله - عز وجل - بكفر من عرضوا بنسبة الطمع في الخلافة إليه مما يلزمه محاذير كلية أهونها:
1) تفسيق الأمير [علي] كرم الله وجهه وهو هو.
2) أو نسبة الجبن إليه وهو أسد الله تعالى الغالب.
3) أو الحكم عليه بالتقية وهو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يخشى إلا الله سبحانه.
4) أو نسبة فعل الرسول ص بل الأمر الإلهي إلى العبث والكل كما ترى. [روح المعاني: (6/197)].
وبعد فقد تبين لنا من خلال هذين المقامين بطلان مقدمتهم الأولى: وهي أنه قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) [المائدة:67]. نزلت في شأن علي رضي الله عنه وببطلانها يبطل استدلالهم بهذه الآية على دعواهم.
وحتى لو سلمنا جدلاً بصحة مقدمتهم الأولى وهي أن الآية السابقة نزلت في شأن علي رضي الله عنه.(1/31)
فإن ذلك وحده ليس كافياً في الاستدلال بها على الإمامة، حتى يثبتوا لنا المقدمة الثانية وهي: أن الذي أنزل في علي رضي الله عنه هو إمامته.
وأنى لهم أن يثبتوا ذلك فهذا كتاب الله تعالى بيننا هل أنزل فيه إمامة علي رضي الله عنه أم يعنون أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير القرآن فهذه سنته الطاهرة بين أيدينا هل صح فيها أنه بلغ شيئاً من ذلك بلاغاً صريحاً.
بل إن هذه الآية (البلاغ) مع ما علم من أحوال النبي ص تدل على نقيض ما ذكروه وهو أن الله لم ينزلها (1) عليه ولم يأمره بها. فإنها لو كانت مما أمره الله تعالى بتبليغه لبلغه فإنه لا يعصي الله تعالى في ذلك ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنه - : (من زعم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئاً من الوحي فقد كذب والله تعالى يقول:
((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ...الآية)) [المائدة: من الآية67].
لكن أهل العلم يعلمون بالاضطرار أن النبي ص لم يبلغ شيئاً من إمامة علي ولهم على هذا طرق كثيرة يثبتون بها هذا العلم منها:
1. أن هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله فلو كان له أصل لنقل كما نقل أمثاله من حديثه لاسيما مع كثرة ما ينقل في فضائل علي رضي الله عنه من الكذب الذي لا أصل له فكيف لا ينقل الحق الصدق الذي قد بُلِّغ للناس؟!
ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه فلا يجوز عليهم كتمان ما أمرهم الله بتبليغه.
__________
(1) أي أمامة علي رضي الله عنه.(1/32)
2. ومنها: ما كان يوم السقيفة حينما طلب بعض الأنصار أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير فأنكروا ذلك عليه وقالوا الإمارة لا تكون إلا في قريش ورووا في ذلك أحاديث ولم يرو واحد منهم لا في ذلك المجلس ولا غيره ما يدل على إمامة علي رضي الله عنه وبايع المسلمون أبا بكر رضي الله عنه، وكان أكثر بني عبد مناف من بني أمية وبني هاشم وغيرهم - لهم ميل قوي إلى علي رضي الله عنه يختارون ولايته ولم يذكر أحد منهم هذا النص، وهكذا أجرى الأمر في عهد عمر وعثمان وفي عهده أيضاً لما صارت له الولاية ولم يذكر هو ولا أحد من أهل بيته ولا من الصحابة المعروفين هذا النص بعد ذلك.
3. وأهل العلم بالحديث والسنة الذين يتولون علياً ويحبونه ويقولون إنه كان الخليفة بعد عثمان كأحمد وغيره قد نازعهم في ذلك طوائف فاحتج الإمام أحمد -مع أنه أعلم أهل زمانه بالحديث- على إمامة علي بالحديث الذي في السنن: (تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تصير ملكاً).
فهذه عمدتهم من النصوص على خلافة علي فلو ظفروا بحديث مسند أو مرسل موافق لهذا لفرحوا به.
4. وقد جرى تحكيم الحكمين ومعه أكثر الناس فلم يكن في المسلمين من أصحابه ولا غيرهم من ذكر هذا النص مع كثرة شيعته ولا فيهم من احتج به في مثل هذا المقام الذي تتوفر فيه الهمم والدواعي على إظهار مثل هذا النص مع أنهم قد احتجوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تقتل عمار الفئة الباغية) ...... فيا لله العجب كيف ساغ عند الناس احتجاج شيعة علي رضي الله عنه بذلك الحديث ولم يحتج أحد منهم بالنص.
5. وأبو موسى الأشعري نفسه كان من خيار المسلمين لو علم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص عليه لم يستحل عزله، ولكان من أنكر عليه عزله يقول: كيف تعزل من نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خلافته. [المنهاج بتصرف: (7/47-51)].وعند الذهبي في تاريخ الخلفاء أن علياً لما اختاره للتحكيم قال له ولو اخترت عزلي.(1/33)
أما ما يقولون أن البلاغ هو ما حصل في غدير خم من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فسيأتي معنا أن الحديث ليس على ما يفهمون.
وإذ قد تبين لنا أن الآية بجميع ملابساتها من حيث وقت نزولها وسبب نزولها ومعناها وغير ذلك من القرائن كل ذلك يشهد ببطلان دعوى أن سبب حديث الغدير هو نزول آية البلاغ وأن المراد به بلاغ ولاية علي رضي الله عنه.
فلعل أولى ما يمكن أن يذكر في سبب الخطبة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما شعر بدنو أجله وكان بعض من كان مع علي رضي الله عنه في اليمن قد تكلم عليه وشكاه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فحباً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي خاصة وأهل بيته عامة وإقامة للحجة على من في نفسه شيء عليهم فقد قام صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الموقف فذكر دنو أجله ثم ألقى وصيته الخالدة للأمة وذلك بالتمسك بكتاب الله تعالى ورعاية أهل بيته الأطهار وخصص بعد ذلك علياً رضي الله عنه وهو سيد العترة لما كان قد بلغه من تكلم بعضهم عليه واختار ذلك الموقف والتوقيت ليكون أدعى للانتباه والحرص.
وقد نص على نحو من ذلك جمع من الأئمة كالشافعي والبيهقي وابن كثير وغيرهم وإليك بعض أقوالهم في ذلك :
قال الإمام البيهقي في كتابه الاعتقاد (1 /354ـ355):(1/34)
« وأما حديث الموالاة فليس فيه إن صح إسناده نص على ولاية علي بعده فقد ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وهو أنه لما بعثه إلى اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته فقال من كنت وليه فعلي وليه وفي بعض الروايات من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والمراد به ولاء الإسلام ومودته وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضا ولا يعادي بعضهم بعضا وهو في معنى ما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق وفي حديث بريدة شكا عليا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتبغض عليا فقلت: نعم فقال: لا تبغضه وأحببه وازدد له حبا قال بريدة فما كان من الناس أحد أحب إلي من علي بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا أبو عبد الله السلمي ثنا محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي ثنا العباس بن يوسف الشكلي قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي رحمه الله يقول في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من كنت مولاه فعلي مولاه يعني بذلك: ولاء الإسلام ، وذلك قول الله عز وجل:{ ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} وأما قول عمر بن الخطاب لعلي: أصبحت مولى كل مؤمن يقول: ولي كل مسلم » .(1/35)
قال ابن كثير: إن علياً رضي الله عنه لما كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه؛ لذلك والله أعلم لما رجع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من حجته وتفرغ من مناسكه وفي طريقه إلى المدينة مر بغدير خم فقام في الناس خطيباً فبرأ ساحة علي رضي الله عنه ورفع قدره ونبه على فضله ليزيل ما وقر في قلوب كثير من الناس) [البداية والنهاية: (5/95).
ولقد أخر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكلام إلى أثناء رجوعه إلى المدينة ولم يتكلم وهو في مكة في حجة الوداع أو في يوم عرفة وإنما أجل الأمر إلى بعد ذلك ، وهذا ـ والله أعلم ـ يدل على أن الأمر خاص بأهل المدينة لأن بعض الذين تكلموا في علي رضي الله عنه من أهل المدينة ممن كانوا مع علي رضي الله عنه في الغزو .
وغدير خم في الجحفة وهي تبعد عن مكة تقريباً مائتين وخمسين كيلوا متراً والذي يقول إنه مفترق الحجيج فهذا غير صحيح، لأن مجتمع الحجيج مكة فلا يكون مفترق الحجيج بعيداً عن مكة أكثر من مائتين وخمسين كيلوا متراً أبداً.
فإن أهل مكة يبقون في مكة وأهل الطائف يرجعون الطائف وأهل اليمن إلى اليمن وأهل العراق إلى العراق.. وهكذا كل من أنهى حجه فإنه يرجع إلى بلده وكذلك القبائل العربية ترجع إلى مضاربها فلم يكن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أهل المدينة ومن كان على طريق المدينة فقط، وهم الذين خطب فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
ثانياً: دعوى تواتر الحديث والإجماع على صحته:
وينبغي أن ننوه هنا إلى أن للحديث كيفيات عدة فلا ينبغي تعميم الكلام عليها وسياقته مساقاً واحداً ويمكن أن نلخص الكلام على ذلك بأن نبين أن الحديث على كيفيتين:-
__________
(1) أنظر: (أسمى المطالب في سيرة الإمام علي بن أبي طالب) للصلابي: صـ762-763.(1/36)
الكيفية الأولى: اتفق عليها الجميع ولم يخالف فيها أحد وهي: ما رواه مسلم في صحيحه وغيره من الأئمة من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي قال له حصين -الراوي عن زيد- ومن هم أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال نعم، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس قال كل هؤلاء حُرِم الصدقة؟ قال: نعم. [رواه مسلم برقم: (2408) وغيره].
الكيفية الثانية: الزيادات على رواية الإمام مسلم وهي:
الزيادة الأولى: (من كنت مولاه فعلي مولاه).
وقد تنازع الناس في صحتها
فمن الذين صححوها:
1ـ الإمام أحمد فقد نقل عنه تحسينه كما سيأتي في كلام ابن الجوزي .
2ـ الترمذي فقال: هذا حديث حسن صحيح (3713).
3ـ الحاكم فقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي ( 3/109).
4ـ الذهبي حيث قال: صدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاله. [نقله ابن كثير في البداية والنهاية: (7/681) دار عالم الكتب].
5ـ ابن حجر الهيتمي قال عنه: أنه حديث صحيح لا مرية فيه [الصواعق: (1/106)].
6ـ العجلوني حيث قال كما في كشف الخفاء (2/ 1588 ) :
« من كنت مولاه فعلي مولاه رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة عن زيد بن أرقم وعلي وثلاثين من الصحابة بلفظ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فالحديث متواتر أو مشهور » .
وقد صححه من المعاصرين:
1ـ أحمد شاكر قال: إسناده صحيح تحقيق المسند (ح/95،951،952،916).(1/37)
2ـ الألباني قال: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وتصحيح الحاكم على شرط مسلم قصور السلسلة الصحيحة رقم: (1755).
3ـ الأرنؤوط فقد صححه في جامع الأصول: (8/649) رقم: (6488).
ومن الذين ضعفوها:
1- أبو داود السجستاني.
2- أبو حاتم الرازي كما ذكر ابن حجر في الصواعق (1/107) بقوله " بل الطاعنون في صحته جماعة من أئمة الحديث وعدوله المرجوع إليهم فيه كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم " اهـ.
3- الإمام البخاري .
4- الإمام إبراهيم الحربي ، كما نقل عنهما ابن الجوزي .
5- ابن الجوزي فقال: وأما قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فليس هو في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته، فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعفوه ونقل عن أحمد أنه حسنه كما حسنه الترمذي. [العلل المتناهية: (1/223)].
6- ابن حزم فقال: فلا يصح من طريق الثقات أصلاً. [الفصل: (4/224)].
7- الزيلعي حيث قال كما في نصب الراية (1 /265):
« وكم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه وهو حديث ضعيف ؟ كحديث : الطير وحديث الحاجم والمحجوم ، وحديث : من كنت مولاه فعلي مولاه ، بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفا».
وإنما عرضت للخلاف لأبين عدم مصداقية دعوى الإجماع على صحته.
وكذلك الأمر في الزيادة الثانية: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
والزيادة الثالثة: (وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه).
والزيادة الرابعة: (وانصر من نصره واخذل من خذله).
والزيادة الخامسة: ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ).
فقد تنازع الناس في صحتهن على أحسن أحوالهن وهن دون الزيادة الأولى بكثير من حيث الطرق والأسانيد ومن حيث تصحيح العلماء لهن.
وأما الزيادة السادسة: (وأدر الحق معه حيث دار).
والسابعة: ( لا أمر لكم معي ).(1/38)
فلم نجدها في كتب الحديث التي تروى بالأسانيد أصلاً نعم قد ورد معنى الزيادة السادسة في أحاديث أخرى مستقلة لا علاقة لها بالغدير كما سيأتي معنا في هذا البحث.
وبهذا تعرف المجازفة في ادعاء الشرفي تواتر الحديث بكل ألفاظه وزياداته بل وإجماع الموالف والمخالف على صحته.
ثالثاً: وجه استدلالهم بالحديث:
وإذا تجاوزنا قضية الإسناد وصحة الحديث وانتقلنا إلى مناقشتهم في وجه الدلالة من الحديث فإنه سيتبين لنا إن شاء الله وهاء ما استندوا إليه وضعف ما اعتمدوا عليه من الدلالات.
وحاصل وجه استدلالهم: أن كلمة (مولى) لفظ مشترك بين عدة معان منها:
(مالك التصرف، والمعتِق والمعتَق، والمود، والناصر، ابن العم، المحالف، وبمعنى الأولى والأحق).
وأنه يجب حمل المشترك على جميع معانية الغير ممتنعة وهي هنا ما عدا ابن العم والجار والمعتِق والمعتَق، وأن المراد: مالك التصرف، والمود، والناصر، والمخالف، والأولى بالشيء.
وبالتالي فقد أفاد الخبر معنى الإمامة على قاعدتهم هذه.
وأنه قد أفاد ذلك حتى على قاعدة غيرهم وهي أن المشترك يحمل على أحد معانيه إن دلت عليه قرينة زاعماً أن القرائن قد دلت على معنى الإمامة.
والجواب عن هذا بعون الله كالتالي:
في البداية نذكر أن الاشتراك خلاف الأصل فإذا احتمل اللفظ الاشتراك وعدمه فالثاني أرجح، وإذا تحقق الاشتراك فإن قامت قرينة على المعنى المراد منه، وإلا فإنه لا يستعمل المشترك في كل معانيه في إطلاق واحد لأنه وضع لكل معنى من معانيه بوضع خاص فلا يراد منه المجموع حقيقة، لأنه لم يوضع له ولو كان موضوعاً له حقيقة لكان عاماً لا مشتركاً.(1/39)
كما أنه لا يراد منه المجموع مجازاً لما يلزمه من الجمع بين الحقيقة والمجاز في إطلاق واحد وذلك باطل فإذا وقع المشترك في الكلام البليغ فلا بد أن يقع معه من القرائن اللفظية أو الحالية ما يدل على المراد منه وإلا كان استعماله مخلاً بالإبانة لأن الكلام حينئذٍ يكون مهملاً للجهل بمعناه.
وعلى المجتهد إذا خفيت القرينة أن يتوقف ويلتمسها بالبحث والتأمل. [أصول التشريع لعلي حسب الله: صـ250].
وفي مسألتنا هذه فإن القرائن تدل على أن المراد بالولاية في الحديث هي ولاية المحبة والنصرة وقد تقدم بعضها وإليك زيادة على ذلك ما يلي:
1) أن كون المولى بمعنى الأولى لم يعهد لغة ولا شرعاً أما الثاني فواضح وأما الأول فلأن أحداً من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلاً يأتي بمعنى أفعل وقوله تعالى: (مأواكم النار هي مولاكم) أي مقركم أو ناصرتكم مبالغة في نفي النصرة كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له وأيضاً فالاستعمال يمنع من أن مفعلاً بمعنى أفعل إذ يقال: هو أولى من كذا دون مولى من كذا، وأولى الرجلين دون مولاهما. [انظر الصواعق: (1/108)].
2) ولو سلمنا أن مولى بمعنى أولى فلا نسلم بأن المراد أنه الأولى بالإمامة بل بالاتباع والقرب منه كقوله تعالى: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) فلا يعني هذا أنهم هم الرؤساء على إبراهيم بل هو إمامهم ورئيسهم، ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال بل هو الواقع إذا هو الذي فهمه أبو بكر وعمر وناهيك بهما من الحديث فإنهما لما سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. [أخرجه الدار قطني].
وأخرج أيضاً أنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنه مولاي [ الصواعق بتصرف (1/110) وحقبة من التاريخ ( 186)].(1/40)
فكيف يقال بعد هذا أن الصحابة فهموا من الحديث إمامة علي رضي الله عنه كما قال الشرفي، ويؤيد أن الصحابة لم يفهموا هذا الفهم الوجه التالي.
3) أن أبا بكر احتج على الأنصار حين قالوا: منا أمير ومنكم أمير بخبر (الأئمة من قريش) فكيف سلموا له هذا الاستدلال؟ ولأي شيء لم يقولوا له ورد النص على إمامة علي فكيف تحتج بهذا العموم؟ [الصواعق: 1/112-113)].
4) أن الإمام نشد الناس في الكوفة أيهم سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحديث بعد أن آلت الخلافة إليه وأهل الكوفة بايعوه بلا خلاف ولكن أكثرهم خذلوه ولم ينصروه كما هو معلوم مشهور وللإمام خطب كثيرة تبين تخاذل هؤلاء الشيعة يمكن الرجوع إليها في نهج البلاغة.
ولذلك احتج عليهم بهذا الحديث مما يبين فهم الإمام علي رضي الله عنه لهذا الحديث وأنه في المحبة والنصرة التي افتقدها من أهل الكوفة، لا في الخلافة التي أعطوه إياها. [مع الشيعة: (1/143) بتصرف].
5) لو أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخلافة لما أتى بكلمة تحتمل كل هذه المعاني (1) ولكان يقول: الكلمة الصريحة ولكن لم يأت بهذه الكلمة الفاصلة التي تنهي الخلاف فعدوله إلى ما سبق من قوله: (من كنت مولاه) ظاهر في عدم إرادة ذلك. [انظر الصواعق: (1/114-115)، حقبة من التاريخ: صـ185].
__________
(1) قال ابن الآثير: المولى يقع على: الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتِق والناصر والمحب والتابع والحليف والجار ، والعبد والمعتِق وابن العم والصهر والمنعم عليه. النهاية: (5/510) المكتبة العلمية تحقيق الزاوي والطناحي.(1/41)
6) لو كانت الموالاة تعني الخلافة لاحتج بها على الصديق ومن بايعه ولما تمت البيعة أصلاً. فكيف يكون هذا الحديث نصاً على إمامته ولم يحتج به هو ولا العباس رضي الله عنهما ولا غيرهما وقت الحاجة إليه ولو كان نصاً على إمامة علي لما احتاج هو والعباس إلى مراجعته صلى الله عليه وآله وسلم المذكورة في حديث البخاري ولما قال العباس: فإن كان هذا الأمر فينا علمناه. [مع الشيعة: (1/145)، الصواعق: (1/111).
7) ويؤيد هذا أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل هذا في خطبته الجامعة يوم عرفة في حجة الوداع فلو كان المراد الخلافة لكان من الأرجح إن لم يكن من المؤكد أن يقال هذا في تلك الخطبة لا أن يقال بعد ذلك. [مع الشيعة: (1/145)].
وفي بعض ما ذكرناه في مناقشة استدلالهم بآية الولاية ما يصلح أن يكون رداً على استدلالهم بهذا الحديث فارجع إليه.
وإنما جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس في الغدير ولم يقتصر على الشَاكِينَ علياً بخصوصهم فقط مبالغة في طلب موالاته وتلطفاً في الدعوة إليها كما هو الغالب في شأنه صلى الله عليه وآله وسلم في مثل ذلك كما كان يقول في مجامع أصحابه ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا والذي فعل محدود معلوم.
ـ وليس في ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) على فرض صحته ما يصلح أن يكون قرينة على أن المراد (بالمولى) في الحديث الأولى بالتصرف كما زعم الشرفي وبيانه في وجهين :
الوجه الأول : أن المراد من هذا أيضاً الأولى بالمحبة يعني ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم بالمحبة.
بل قد يقال: الأولى ههنا مشتق من الولاية بمعنى المحبة والمعنى: ألست أحب إلى المؤمنين من أنفسهم؟ ليحصل التلاؤم بين أجزاء الكلام ويحسن الانتظام ويكون حاصل المعنى هكذا:(1/42)
يا معشر المؤمنين إنكم تحبوني أكثر من أنفسكم، فمن يحبني يحب علياً اللهم أحب من أحبه وعاد من عاداه ويرشد إلى أنه ليس المراد بالأولى -في تلك الجملة- الأولى بالتصرف أنها مأخوذة من قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين...) وهو مسوق لنفي نسب الأدعياء ممن يتبنونهم وبيانه: أن زيد بن حارثة لا ينبغي أن يقال: إنه ابن محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأن نسبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى جميع المؤمنين كالأب الشفيق بل أزيد وأزواجه عليه السلام أمهاتهم، والأقرباء في النسب أحق وأولى من غيرهم، وإن كانت الشفقة والتعظيم للأجانب أزيد لكن مدار النسب على القرابة وهي مفقودة في الأدعياء لا على الشفقة والتعظيم وهذا ما (في كتاب الله) أي في حكمه ولا دخل لمعنى الأولى بالتصرف في المقصود أصلاً.
فالمراد فيما نحن فيه هو المعنى الذي أريد في المأخوذ منه.
الوجه الثاني : لو فرضنا كون الأولى في صدر الخبر: (ألست أولى..)بمعنى الأولى بالتصرف: فيحتمل أن يكون ذلك لتنبيه المخاطبين بذلك الخطاب ليتوجهوا إلى سماع كلامه صلى الله عليه وآله وسلم كمال التوجه ويلتفتوا إليه غاية الالتفات فيقرر ما فيه من الإرشاد أتم تقرير.
وذلك كما يقول الرجل لأبنائه في مقام الوعظ والنصيحة: ألست أباكم؟ وإذا اعترفوا بذلك يأمرهم بما قصده منهم ليقبلوا بحكم الأبوة والبنوة ويعملوا على طبقهما: فقوله عليه الصلاة والسلام في هذا المقام: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ مثل: ألست رسول الله تعالى إليكم؟ أولست نبيكم. ولا يمكن إجراء ذلك فيما بعده تحصيلاً للمناسبة. [روح المعاني: (6/195-196) بتصرف].
وأما زيادة : (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) وزيادة : ( وانصر من نصره واخذل من خذله ) فهما تبينان أن المراد بأصل الحديث: (من كنت مولاه...) المحبة ـ كما في زيادة الموالاة والمعادات ـ والنصرة ـ كما في زيادة النصرة والخذلان ـ فهما شرح لقوله: (فعلي مولاه).(1/43)
ولو كان المراد من المولى : المتصرف في الأمور أو الأولى بالتصرف لقال صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم وال من كان في تصرفه وعاد من لم يكن كذلك).
ولعل في زيادة : (وانصر من نصره واخذل من خذله) على فرض صحتها إشارة إلى ما حصل في أيام ولاية علي من حروب ضد البغاة والخوارج وأنه يكون فيها على الحق فتجب مناصرته ويحرم خذلانه بل فيها إشارة إلى أنه ليس المراد الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن متعلقها لم يحصل فلم يخالف علي رضي الله عنه أبا بكر رضي الله عنه ولا ناوأه ولا نزع يداً من طاعته.
وأما ما ذكره الشرفي من قرينة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا أمر لكم معي ) فهذه زيادة ليس لها أصل في كتب السنة التي تروي الأحاديث.
وبهذا يتبين للمنصف أن الصواب هو خلاف ما قاله صاحب الأساس (1) أن هذا الحديث مفيد لمعنى الإمامة على قواعد كل مذهب، بل على العكس من ذلك تماماً فالحديث لا يفيد معنى الإمامة على قواعد كل مذهب أما على قاعدة جماهير العلماء من الأصوليين وعلماء البيان وغيرهم من أن المشترك يحمل على أحد معانيه وهو الذي تدل عليه القرينة فواضح مما ذكرنا أن القرائن تدل على أن معنى (مولى) إنما تفيد المحبة والنصرة لا الإمامة والخلافة.
وأما على قاعدتهم من وجوب حمل المشترك على جميع معانيه فذلك مشروط عندهم بألا تكون القرينة قد صرفت بعض معاني المشترك، فإذا وجدت القرينة الصارفة لإرادة معنى من معاني المشترك فإنه يستثنى من قاعدتهم.
وفي هذا يقول الشرفي وهو يشرح قول صاحب الأساس: (فيجب حملها على جميع معانيها الغير الممتنعة على قاعدة أئمتنا والجمهور من غيرهم، قال: في أن المشترك يحمل على جميع معانيه إن لم تصرف عن بعضها قرينة) [عدة الأكياس: (2/144)].
__________
(1) انظر عدة الأكياس: (2/150).(1/44)
وقد رأيت -فيما ذكرنا- القرائن الصارفة لإرادة معنى الإمامة من كلمة (مولى) وعليه يبطل احتجاجهم بهذا الحديث على ما ادعوه من إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى على قواعدهم هم، والله أعلم.
وعموماً فإن هذه الخطبة التي خطبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم (في غدير خم) أراد بها تبرئة ساحة علي رضي الله عنه ورفع مكانته والتنبيه على فضله ليزيل ما كان وقر في نفوس الناس من أصحابه الذين كانوا معه في اليمن وأخذوا عليه بعض الأمور.
الدليل الثالث: آية التطهير
وهي قوله تعالى ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب:33):
وقد استدل بها بعض الرافضة فأحببنا أن لا يخلو بحثنا هذا منها زيادة في الفائدة وإن كان أصل اعتمادنا على ما قرره الزيدية على لسان الشرفي في كتابه عدة الأكياس .
ووجه استدلالهم (1) بها « أن المفسرين أجمعوا على نزول هذه الآية في حق علي وفاطمة والحسن والحسين -رضي الله عنهم-
وهي تدل على عصمتهم دلالة مؤكدة.
وغير المعصوم لا يكون إماماً (2) » (3) .
فواضح أن استدلال الرافضة هذا يتكون من ثلاث مقدمات:
المقدمة الأولى: زعمهم الإجماع على نزول الآية في هؤلاء الأربعة.
المقدمة الثانية: زعمهم أن الآية تدل على عصمتهم.
المقدمة الثالثة: زعمهم أن غير المعصوم لا يكون إماماً.
__________
(1) استفدنا الكلام على هذه الآية بواسطة كتاب ( جهود أبي الثناء الألوسي في الرد على الرافضة ) للدكتور : عبد الله البخاري (ص461-467) بتصرف يسير
(2) النفحات القدسية (ص17).
(3) انظر استدلال الرافضة بالآية في: منهاج الكرامة (ص151)، والاحتجاج (1/119)، وعقائد الإمامية (3/10)، وللرد عليهم انظر: منهاج السنة (7/68-88) .(1/45)
وقد رد الألوسي عليها جميعها واحدة تلو الأخرى حسب ترتيبها في العرض فقال: « ولا يخفى أن المقدمات كلها مخدوشة، أما الأولى: فلكون الإجماع ممنوعاً » (1) ، ثم ساق روايات تبطل إجماعهم المزعوم فقال: « روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
وروى ابن جريرعن عكرمة (3) أنه كان ينادي في الأسواق: إن قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب:33) نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم (4) والسباق والسياق يشهدان له » (5) .
وأيضاً إضافة البيوت إلى الأزواج( فِي بُيُوتِكُنَّ ) (الأحزاب:33) يدل على أن المراد بأهل البيت إنما هو الأزواج المطهرات إذ بيته صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن يكون غير ما يسكن فيه أزواجه » (6) .
وبعد أن نقل قول الرافضي: « أن كون البيوت جمعاً "في بيوتكن" وإفراد البيت في "أهل البيت" يدل على الغيرية »، أبطله بقوله: « وفساد هذا ظاهر لأن «بيت» اسم جنس، يطلق على القليل والكثير، والإفراد باعتبار الإضافة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالبيوت بهذا الاعتبار« بيت»والجمع في «بيوتكن» باعتبار الإضافة إلى الأزواج» (7) .
__________
(1) النفحات القدسية (ص17).
(2) تفسير ابن أبي حاتم (9/3132)، وتفسير ابن كثير (3/383)، والدر المنثور (6/602-603).
(3) هو عكرمة بن عبد الله البربري المدني، أبو عبد الله، مولى ابن عباس، كان إماماً في التفسير ثقة ثبت اتهم برأي النجدات، ولا يثبت ذلك عليه، (ت105هـ) انظر: حلية الأولياء (3/326)، السير (5/12)، التقريب (ص397).
(4) تفسير ابن جرير (21/7)، وأسباب النزول للواحدي (ص375).
(5) النفحات القدسية (ص17).
(6) النفحات القدسية (ص17).
(7) النفحات القدسية (ص17)، وروح المعاني (22/15).(1/46)
ثم نقل أيضاً كلاماً آخر عن الرافضي وهو قوله: « لا يبعد أن يقع بين المعطوف والمعطوف عليه فاصل وإن طال، كما قال تعالى: ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ) (النور:54) ثم قال بعد تمام الآية: ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) (النور:56) قال المفسرون: وأقيموا الصلاة عطف على أطيعوا » انتهى كلام الرافضي (1) .
رد الألوسي عليه:
قال رحمه الله : « وفيه أنه غفلة عن محل النزاع؛ إذ الكلام في الفصل بالأجنبي باعتبار الموارد وهو المنافي للبلاعة، لا الأجنبي من حيث الإعراب على أن في عطف "أقيموا" على "أطيعوا" (2) بحث (3) ؛ لأنه وقع أطيعوا أيضاً بعد وأقيموا فيلزم التكرار وعطف الشيء على نفسه، ولا احتمال للتوكيد لوجود حرف العطف » (4) .
« هذا وأما إيراد ضمير جمع المذكر في "عنكم" فبملاحظة لفظ "الأهل" كقوله تعالى لسارة امرأة الخليل: ( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) (هود:73).
وكذا ( قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا ) (القصص:29) الآية خطاباً من موسى لامرأته » (5) .
__________
(1) النفحات القدسية (ص17-18).
(2) سياق الآية هكذا: ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (النور:56)
(3) كذا في الأصل والصواب « بحثاً ».
(4) النفحات القدسية (ص18)، وروح المعاني (22/17).
(5) النفحات القدسية (ص18)، وروح المعاني (22/13).(1/47)
« وما روي في سنن الترمذي وغيره أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا هؤلاء الأربعة ودعا لهم: « اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وقالت أم سلمة: أشركني فيهم أيضاً؟ قال: أنت على خير وأنت على مكانك » (1) فهو دليل صريح على نزولها في حق الأزواج فقط، وإلا كان الدعاء من باب تحصيل الحاصل » (2) .
« وذهب محققوا أهل السنة إلى أن هذه الآية ولو كانت واقعة في حق الأزواج، لكن بحكم «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» دخل في البشارة الجميع واختيار الأربعة في الحديث هرباً من توهم الاختصاص بالأزواج بمعونة القرائن كالسباق واللحاق » (3) .
وما قاله الرافضي : « من أن المراد بالبيت: بيت النبوة، ولا شك في أن أهل البيت لغة شامل للخدام من الإماء الائي يسكن في البيت، وليس المراد هذا بالاتفاق، فالمراد أهل العبا الذين خصصهم حديث الكسا» (4) .
أبطله الألوسي بقوله: « وفيه أن هذه الوسعة لا تضر أهل السنة لأن العصمة بالمعنى الذي تقول به الشيعة لا يثبتونها، والغير غير ضار ...
والقرائن تُعيِّن المراد، وأيضا يخصص العقلُ هذا اللفظ باعتبار العرف والعادة بمن يسكنون في البيت لا بقصد الانتقال، ولم يكن التحول والتبدل جاريين عادة فيهم كالأزواج والأولاد دون العبيد والخدم الذين هم في معرض من التبدل والتحول من ملك إلى ملك بالهبة والبيع وغير ذلك.
ثم إنما يدل التخصيص بالكسا على كون هؤلاء المذكورين مخصصين لو لم يكن للتخصيص فائدة أخرى وهي ظاهرة » (5) .
الرد على المقدمة الثانية: وهي زعمهم أن الآية تدل على عصمتهم.
__________
(1) أخرجه الترمذي (8/344، ح 3203)، وأحمد في المسند (6/292)، والحاكم في المستدرك (2/416)، وصححه ووافقه الذهبي وكذلك الألباني كما في صحيح الترمذي (3/92، ح 2562).
(2) النفحات القدسية (ص18).
(3) النفحات القدسية (ص18).
(4) روح المعاني (22/15).
(5) النفحات القدسية (ص18)، وروح المعاني (22/17).(1/48)
قال الألوسي رحمه الله : « دلالة هذه الآية على العصمة مبنية على عدة أبحاث:
أحدها: كون كلمة « ليذهب عنكم الرجس » أيُّ محلّ لها؟ (1) مفعول له ليريد، أو به (2) .
الثاني: معنى «أهل البيت».
الثالث: أي مراد من «الرجس».
وفي هذه المباحث كلام كثير يطلب من الكتب المبسوطة في التفسير (3) .
وبعد اللَّتيا والَّتي (4) لو كانت هذه الجملة مفيدة للعصمة، ينبغي أن يكون الصحابة رضي الله عنهم لا سيما البدريين قاطبة معصومين، لأن الله قال في حقهم تارة ( وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة:6)، وتارة: ( لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) (لأنفال:11) وظاهر أن إتمام النعمة في حق الصحابة كرامة زائدة بالنسبة إلى ذينك اللفظين، ووقوع هذا الإتمام أدل على عصمتهم؛ لأن إتمام النعمة لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان، فليتأمل فيه تأملاً صادقاً لتظهر به حقيقة الملازمة وبيان وجهها (5) .
أما المقدمة الثالثة: « التي هي غير المعصوم لا يكون إماماً فمقدمة باطلة وكلمة عاطلة، يدرؤها الكتاب، وكلام رب العزة المستطاب، فتذكر، ولا تغفل وتبصر » (6) (7) .
الدليل الرابع: حديث المنزلة:
وجه الاستدلال: أنه يفيد الاستغراق بدليل الاستثناء فلو علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً مما لهارون من المنازل لم يكن لعلي لأخرجه كما أخرج النبوءة، ومن جملة ما لهارون الخلافة: (اخلفني في قومي).
الجواب ومن الله نستمد الصواب:
__________
(1) أيُّ محل لها من الإعراب.
(2) أي: « أو مفعول به ».
(3) انظر: روح المعاني (22/12-14)، وغيره من التفاسير عند الآية (33) من الأحزاب.
(4) مثل يضرب للداهية، واللتيا والتي: الداهية الصغيرة والكبيرة، انظر: مجمع الأمثال (1/159).
(5) النفحات القدسية (ص18-19)
(6) النفحات القدسية (ص19).
(7) روح المعاني (22/18).(1/49)
1- أن المراد ما دل عليه ظاهر الحديث أن علياً رضي الله عنه خليفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مدة غيبته بتبوك كما كان هارون خليفة عن موسى عليه السلام مدة غيبته عنهم للمناجاة.
ومما يؤيد كون هارون عليه السلام إنما استخلفه موسى عليه السلام مدة غيبته:
1) قول موسى عليه السلام: (اخلفني في قومي) فليس في هذا عموم حتى يقتضي الخلافة عنه في زمن حياته وزمن موته بل الواضح وهو المتبادر أنه خليفته مدة غيبته فقط.
2) أن هارون لو عاش بعد موسى فإنه لا يحتاج لمن يستخلفه من البشر إذ هو مستخلف من الله بالنبوة.
2- سلمنا جدلاً يبقى لو أراد الخلافة المطلقة لقال: أنت مني بمنزلة يوشع من موسى لأن نبي الله يوشع هو الذي استخلف بعد وفاة موسى عليه السلام.
فإن قالوا: لو بقي هارون فإنه كان سيكون هو الخليفة؟ قلنا: سيكون مستقلاً بالرسالة والتصرف من الله تعالى كما تقدم لأنه نبي فالسبب في تبوئه ذلك هو النبوة وقد نفيت عن علي رضي الله عنه فقياس علي على هذا الافتراض باطل من وجوه:
الأول: أنه افتراضي لم يقع.
الثاني: أنه قياس مع الفارق فذاك نبي وهذا غير نبي.
قال ابن حجر في الصواعق (1/122-123بتصرف): ثم نفاذ أمر هارون بعد وفاة موسى لو فرض إنما هو للنبوة لا للخلافة عنه، وقد نفيت النبوة هنا لاستحالة كون علي نبياً فيلزم نفي مسببه الذي هو افتراض الطاعة ونفاذ الأمر.
3- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما طيب خاطر علي رضي الله عنه لأن علياً رضي الله عنه هو الذي جاء واشتكى فلما اشتكى علي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: تخلفني في النساء والصبيان؟ بين له أن الأمر ليس كذلك وأني ما خلفتك بغضاً لك فموسى لما خرج للقاء ربه ترك هارون ولم يكن هذا منقصة لهارون عليه السلام فكذلك استخلافي لك ليس منقصة لك.(1/50)
ولذلك لو كان غير علي رضي الله عنه جاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم واشتكى بنفس الشكوى لما كان يبعد أن يقول له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكلام نفسه. [حقبة من التاريخ بتصرف: صـ198].
وإنما قلنا: لم يبعد أن يقول له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكلام نفسه: لأنه ليس في لفظ الحديث ما يدل على التخصيص بعلي رضي الله عنه.
وأما ما جاء في بعض الروايات بلفظ (أنت مني...) فهو مفهوم لقب، قال في الفصول اللؤلؤية في أصول فقه العترة الزكية صـ 222: لا يعمل به عند أئمتنا والجمهور مطلقاً).
4- قول القائل: (هذا بمنزلة هذا) هو لتشبيه الشيء بالشيء وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق ولا يقتضي المساواة في كل شيء؛ ألا ترى إلى ما روي من تشبيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر بإبراهيم وعيسى، وتشبيه عمر بنوح وموسى في حديث أسارى بدر. أنه لم يرد أنهما مثلهم في كل شيء لكن فيما دل عليه السياق في الشدة في الله واللين في الله.
وكذلك هنا إنما هو بمنزلة هارون فيما دل عليه السياق وهو استخلافه في مغيبه. [المنهاج بتصرف: (7/330-331)].
5- مما ينقض دعوى العموم: أن هارون كان أخاً لموسى وأفصح لساناً منه، وأكبر سناً وغير ذلك مما لا يتحقق لعلي رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبهذا تعرف تهافت قول الشرفي: (فلو علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً مما لهارون من المنازل لم يكن لعلي لأخرجه كما أخرج النبوة) وبعده عن الحقيقة .
وأما ما روي عن أسماء بنت عميس سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (اللهم إني أقول كما قال أخي موسى: (واجعل لي وزيراً من أهلي أخي علياً أشدد به أزري وأشركه في أمري...) فلا يصح بحال فقد رواه أحمد في فضائل الصحابة رقم: (1158) من طريق عباد بن يعقوب ثنا علي بن عابس عن الحارث بن حصيرة عن القاسم سمعت رجلاً من خثعم عن أسماء بنت عميس به.
والحديث فيه علل منها:(1/51)
1) علي بن عابس: ضعفه ابن معين والنسائي وقال ابن حبان: فحش خطؤه فاستحق الترك، وقال أبو زرعة: منكر الحديث يحدث بمناكير كثيرة عن قوم ثقات. [انظر تهذيب الكمال: (20/504) مع الحاشية].
2) إبهام الراوي عن أسماء (رجل من خثعم).
على أنه قد جاءت روايات أخرى عن أسماء بنت عميس تخالف هذه الرواية:
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند: (27081) ثنا يحيى بن سعيد عن موسى الجهني دَخَلَتْ عليَّ فاطمة بنت علي فقال لها رفيقي أبو مهمل كم لك؟ قال: ست وثمانون سنة، قال: ما سمعت من أبيك شيئاً؟ قالت: حدثتني أسماء بنت عميس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون...الحديث) ولم تذكر فيه ما ذكر في الرواية السابقة وسند الرواية هذه صحيح وقد رواه أيضاً أحمد في الفضائل: (1020)، والنسائي في الكبرى: (8143) وغيرهما.
فهذا هو المحفوظ عن أسماء بنت عميس، على أن في متن الرواية الأولى نكارة يأتي شرحها في حديث ابن عباس الآتي.
وفي الباب أحاديث أخر منها:
حديث أبي ذر الذي ذكره الثعلبي في قصة تصدق علي رضي الله عنه بخاتمه وهو راكع وفي أخره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا له بنحو ما جاء في حديث أسماء السابق.
وقد تقدم معنا في مناقشة الدليل الأول: قول الحافظ ابن حجر أن إسناده ساقط، وقول شيخ الإسلام ابن تيمية: فيه رجال متهمون فراجعهما هناك.
ومنها حديث ابن عباس عند أبي نعيم قال: أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي وبيدي ونحن بمكة وصلى أربع ركعات ورفع يده إلى السماء فقال: اللهم موسى بن عمران سألك وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي علي بن أبي طالب أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري، قال ابن عباس: سمعت منادياً ينادي: يا أحمد قد أوتيت ما سألت).
وهذه الرواية كذب ومما يدل على ذلك أمور منها:(1/52)
1) أن ابن عباس ولد وبنو هاشم في الشعب وكان له عند الهجرة خمس سنين ومن كان بهذا السن فإنه لا يعقل الصلاة ولا يحفظ مثل هذا الدعاء إلا بتلقين لا بمجرد السماع.
2) قوله في الرواية: (وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) فهل كان أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وآله وسلم فيه عقدة من لسانه لا يفقه بها قوله؟!
3) قوله في الرواية ومثلها رواية أسماء السابقة: (وأشركه في أمري) وفي رواية ابن عباس أنه قد أوتي ما سأل؟ وهذا تصريح بأن علياً كان شريكاً في أمره كما كان هارون شريك موسى وهذا قول من يقول بنبوته من غالية المتشيعة وهو كفر صريح.
ولا تحمل العبارة (أن المراد الخلافة من بعده) إذ الخلافة ليست شراكة في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى (1) .
4) ثم هذه الرواية متعارضة مع رواية أبي ذر السابقة: وذلك أن هذه الرواية تحكي الحكاية في مكة وأن الدعاء قد استجيب ورواية أبي ذر تذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا بالدعاء عقب تصدق علي بالخاتم وعند نزول آية الولاية وذلك من آخر ما نزل بالمدينة، فلماذا يدعو وقد سبق أن دعا واستجيب له. ولكنه التناقض الذي هو أبرز سمات الروايات الموضوعة.
ومن الروايات في هذا الباب: رواية السلفي في الطيوريات:
لما نزلت: (واجعل لي وزيراً من أهلي...) كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جبل ثم دعا ربه فقال: (اللهم اشدد أزري بأخي علي فأجابه إلى ذلك).
وقد حكم السيوطي في الدر المنثور: (4/295) على سندها بأنه واهٍ فقال: (وأخرج السلفي في الطيوريات بسند واهٍ) اهـ.
والقصد من إيراد هذه الروايات أن البعض قد يتمسك بها كدليل على أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحديث المنزلة عام.
وحيث قد تبين لنا وهاء تلك الروايات وضعفها فلا حجة لهم بعد ذلك والله الموفق.
__________
(1) انظر نقد الإمام ابن تيمية لهذه الرواية في منهاج السنة: (7/274-276).(1/53)
6- لو سلمنا أن الحديث يعم المنازل كلها لكنه عام مخصوص إذ من منازل هارون كونه أخاً نبياً والعام المخصوص غير حجة في الباقي أو حجة ضعيفة على الخلاف فيه، فكيف يحتج به على الإمامة التي هي عندهم من الأصول.
وعن استثناء النبوة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إلا أنه لا نبي بعدي) فلعل مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبين أن التشابه بين منزلة علي رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين منزلة هارون من موسى عليهما السلام ليس تشابهاً مطلقاً وإنما هو فقط في أصل الاستخلاف حال الغيبة وإلا فمنزلة هارون عليه السلام من موسى عليه السلام حينما استخلفه في غيبته كان معها النبوة وليس كذلك منزلة علي رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك لما شبه صلى الله عليه وآله وسلم منزلة علي منه بها احتاج أن يذكر الفرق بين المنزلتين فاستثنى النبوة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إلا أنه لا نبي بعدي).
ثم إنهم يتناقضون فإن هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخاطب علياً بهذا الخطاب إلا ذلك اليوم في غزوة تبوك فلو كان علي رضي الله عنه قد عرف أنه المستخلف من بعده -كما يزعمون- لكان علي رضي الله عنه مطمئن القلب أنه مثل هارون بعده وفي حياته ولم يخرج إليه يبكي ولم يقل له: أتخلفني مع النساء والصبيان؟ [منهاج السنة: (7/336) بتصرف يسير].(1/54)
كانت الأوجه السابقة رداً على الاستدلال بدلالة الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما الاستدلال باستخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم له فليس في استخلاف علي رضي الله عنه ما يدل على الإمامة فقد استخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة غير علي ففي بدر استخلف ابن أم مكتوم وهو أعمى لا يصلح للإمامة العامة وفي غزوة سليم: استخلف سباط بن عرفطة أو ابن أم مكتوم على خلاف، وفي غزوة السويق: بشير بن عبد المنذر، وفي غزوة بني المصطلق: أبا ذر الغفاري، وفي الحديبية: نميلة بن عبد الله الليثي وغير ذلك. [انظر سيرة ابن هشام: (2/650، 804، 806)].
بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استخلف غير علي رضي الله عنه بعد غزوة تبوك فحين خرج إلى حجة الوداع مثلاً استخلف أبا دجانة الساعدي. [سيرة الإمام علي عليه السلام للصلابي: صـ769].
بل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستخلف على المدينة غير علي رضي الله عنه وهو فيها كما استخلف على المدينة عام خيبر غير علي رضي الله عنه وكان علي بها أرمداً حتى لحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاه الراية فلو كان علي رضي الله عنه بمنزلة هارون مطلقاً لم يستخلف عليه أحداً. [المنهاج بتصرف: (7/336-337)].
وبهذا تعرف أنه لا حجة لهم في حديث المنزلة، والله تعالى أعلم.
الدليل الرابع: أخبار الوصاية:
يقول الشرفي: وقد صح إجماع العترة عليهم السلام على أنه صلى الله عليه وآله وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه وإجماعهم حجة قطعية مع أن أخبار الوصاية قد بلغت في الشهرة حداً يقارب التواتر.
وقد تضمن كلامه ثلاث دعاوى:
الأولى: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى لعلي رضي الله عنه بالخلافة بعده.
والثانية: أن الأخبار في ذلك قد بلغت في الشهرة حداً يقارب التواتر.
والثالثة: أن العترة أجمعت على الوصية لعلي رضي الله عنه وإجماعهم حجة قاطعة.(1/55)
وسنعرض لهذه الثلاث الدعاوى في المسائل الثلاث التالية:
المسألة الأولى: دعوى الوصاية لعلي رضي الله عنه بالخلافة.
والجواب عن ذلك:
هو المطالبة بالإثبات فإن الدعوى المجردة عن البرهان تبقى دعوى لا يستفاد منها علم ولا يؤخذ منها حكم.
والدعاوى ما لم يقيموا عليها ... ... بينات أصحابها أدعياء
فكيف إذا كانت الأدلة تناقض تلك الدعاوى.
ونذكر هنا بعضها فمن ذلك:
1- أن علياً رضي الله عنه لم يدع تلك الوصية لنفسه ولم يحتج بها على غيره، بل ورد عنه ما يدل على نفيها فقد ذكر الإمام يحيى بن حمزة في الرسالة الوازعة: صـ31 دار التراث ما نصه: وسابعها: أنه عليه السلام -يعني علياً- لما حضرته الوفاة قالوا له ألا توص يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: لم يوص رسول الله فأوص ولكن إن أراد الله بالناس خيراً فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم على خيرهم بعد نبيهم أبو بكر) (1) .
2- أن علياً رضي الله عنه لم يحكم إلا بالمبايعة من باقي الصحابة وطلبه البيعة رضي الله عنه ومد يده لها اعتراف وإنذار منه ودليل ظاهر على عدم النص فيه وعدم استحقاقه لها بغير الإجماع والمبايعة.
3- أن أبا بكر رضي الله عنه بويع ولم يدع أحد لعلي رضي الله عنه نصاً ولا ادعى هو ذلك لنفسه فدل على عدم النص.
4- أن أبا بكر رضي الله عنه احتج على الأنصار حين قالوا: (منا أمير ومنكم أمير) بحجة عامة انقطعوا بها وسلموا لها وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمة من قريش) ولو وُجد نص خاص في علي رضي الله عنه أو غيره لاحتُج به عليهم وكان أولى من العام وأقوى من الإجماع وإذ لم يحتج به فقد ثبت عدمه.
5- أن أبا بكر رضي الله عنه نص على عمر رضي الله عنه وانقاد الآل والصحب له، ولم يعارض أحد في ذلك ولا ادعى علي رضي الله عنه أيضاً لنفسه الوصية فثبت عدمها.
__________
(1) رواه بنحوه أبو يعلى: (590) بسند حسن.(1/56)
6- أن عمر رضي الله عنه جعل الأمر شورى في ستة وعلي رضي الله عنه منهم ودخل في الشورى معهم من غير دعوى النص عليه منه أو من غيره فدل على عدمه.
7- أن تركه لنزاع الخلفاء قبله مع ثبوت الوصية له إما إخلال بالواجب، أو لعدم الوصية والأول باطل اتفاقاً فتعين الثاني وهو عدم الوصية.
8- ولا يقال إنه للتقية؛ لأن التقية إنما تكون من الكفار ونحوهم لخوفهم على النفس.
وهؤلاء صدور الأمة وخيارها ولا يخاف على نفس علي رضي الله عنه منهم. فلا يجوز لعلي التقية من مسلم يرتكب باطلاً وبالخصوص مثل مسألة الإمامة التي هي أصل في الدين فثبت عدم الوصية.
9- ثبت أن علياً بايع أبا بكر وذلك دليل عدم الوصية.
10- أن الله تعالى عدَّل هذه الأمة وزكَّاها بقوله تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس) وقد شهدوا لأبي بكر رضي الله عنه فدل على عدم النص في غيره.
11- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) رواه الترمذي وقد أجمعت على أبي بكر فلا وصية لغيره ومما يؤكد ذلك طاعتهم له وانقيادهم لأمره وببينة تنفيذ جيش أسامة وإرساله جيوش المسلمين في حروب الردة وما تخلف منهم إلا من كان له عذر شرعي.
واستمروا على ذلك إلى موته من غير معارض ولا منازع ثم انقادوا بعده أيضاً لمنصوصه عمر رضي الله عنه.
12- أن علياً رضي الله عنه نكح في أيام إمامة المتقدمين عليه بالخلافة وتسرى من سبيهم، والحسين رضي الله عنه تسرى بنت كسرى من سبي عمر رضي الله عنه وهذا دليل منهما يشعر بصحة خلافة من تقدمهما وبأنه لا نص.
13- (1) أن علياً رضي الله عنه كان مباشراً أشوار الخلفاء قبله في إنفاذ العساكر ومنعها وفيما يهم من أمر الأعداء، يؤكد ذلك حوادث كثيرة نذكر بعضها:
__________
(1) الحجج الباهرة مع تعليق المحقق: صـ165-166 ملاحظة: أبقينا عزوه للمصادر على ما نقله هو ولم نغير ذلك إلى ما اعتمدناه من طبعات مخالفة لما اعتمده.(1/57)
أ ففي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما أراد الصديق أن يقابل المرتدين بنفسه فسأله الصحابة منهم علي رضي الله عنه وألحوا عليه أن يرجع المدينة ويبعث غيره فأجابهم. [البداية والنهاية: (6/319)].
ومن ذلك: لما أراد أن يغزو الروم فشاور جماعة من الصحابة فقدَّموا وأخروا فاستشار علياً رضي الله عنه فأشار أن يفعل ففعل. [تاريخ فتوح الشام للأزدي: (1-4)، تاريخ اليعقوبي: (2/132-133)].
ب وفي عهد عمر رضي الله عنه استشاره في سواد الكوفة وقال له: وفقك الله هذا الرأي. [تاريخ اليعقوبي: (2/151-152)].
وعندما شاور الصحابة في ذهابه إلى (نهاوند) فمنعه علي رضي الله عنه أن يذهب لحاجة المسلمين إليه. [تاريخ الطبري:(4/123)].
ت وفي عهد عثمان: ذكر التاريخ أنه أمر علياً رضي الله عنه أن يخرج إلى الثوار ليردهم قبل أن يدخلوا المدينة فخرج علي رضي الله عنه فردهم وأنبهم وسألهم علي رضي الله عنه: ماذا ينقمون عليه؟ فذكروا أشياء فأجاب على ذلك وعلل لعثمان. [تاريخ الطبري: (4/358-359)، البداية والنهاية: (7/170)].
14- أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا مناصرين لعثمان رضي الله عنه مطيعين له ومما يدل على ذلك:
أ أنهما كانا ضمن جنود الفتح الذين وجههم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى برقة وطرابلس وأفريقية. [انظر تاريخ ابن خلدون: (2/103)].
ب ومن ذلك أنهما كانا من بين الشباب من أبناء المهاجرين الذين قاموا بحماية عثمان رضي الله عنه من الخارجين عليه. [انظر تاريخ الطبري: (4/385-388-392)، تاريخ الإسلام للذهبي: (3/452،460)].
وعثمان هو مختار الشورى الذين هم وصية عمر رضي الله عنه والذي هو منصوص أبي بكر رضي الله عنهم وفي ذلك دليل على صحة الخلفاء المذكورين وأنه لا نص لغيرهم.(1/58)
15- أن علياً رضي الله عنه أنكح عمر رضي الله عنه ابنته من فاطمة رضي الله عنها أم كلثوم وأولدها عمر رضي الله عنه زيداً وهذا مما يدل على الوداد بين علي وعمر رضي الله عنهما وصحة إمامة عمر رضي الله عنه الذي هو منصوص أبي بكر رضي الله عنه وأنهما لم يكونا على باطل وإذ ثبت ذلك فلا وصية لغيرهما.
16- لم لم تَدَّعِ فاطمة رضي الله عنها الوصية؟ وأي تقية يحتمل في حقها؟ وهل كان أحد يقدر على مخالفتها؟ خصوصاً بعد علمها بقرب موتها حيث أخبرها والدها الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنها وهل كانت تخون والدها صلى الله عليه وآله وسلم (وحاشاها) بكتمان وصيته ونصه؟
وهل يحتمل عليها وعلى عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه الطاهرات وأصحابه الكرام من المهاجرين والأنصار وأهل الصفة وغيرهم أن يخونوا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عند موته ويصروا على خيانتهم.
إلى موت عثمان رضي الله عنه؟ وهم الذين بذلوا في محبته ونصرة دينه أموالهم وأرواحهم وهجروا أوطانهم وأهلهم وتركوا راحتهم ورياستهم وهل اعتقاد ذلك في حقهم إلا كفر وضلال.
هذه الأوجه وغيرها تؤكد أن لا وصية لعلي وأما ما قد يتعلق به البعض من روايات في هذا الباب فسيأتي في المسألة الثانية جوابها.
المسألة الثانية: مناقشة دعوى تواتر أخبار الوصية لعلي رضي الله عنه بالخلافة:
وحتى يتبين لك مدى مصداقية كلام الشرفي نذكر الروايات التي يستدلون بها على الوصية بالخلافة ثم نبين حالها لتعرف هل هناك أخبار في الوصية بالخلافة العامة أصلاً أم أنها روايات ذكرت الوصية وأطلقتها ولم تبين أنها الوصية بالخلافة العامة، وما ورد من التقييد بالخلافة فقد ورد مقيداً بقوله: (فيكم) أي أهل بيته على أنها كلها لا تصح بحال فإليك الروايات:
أولاً: روايات ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) [الشعراء:214]:(1/59)
قال الحافظ البيهقي في دلائل النبوة (2/178-180) دار الكتب العلمية: ( نا محمد بن عبد الله الحافظ نا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يوسف بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: حدثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل واستكتمني اسمه عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) [الشعراء:214]. وساق قصة جمعه بني عبد المطلب وإطعامه لهم وفي آخره:
(يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة) قال أحمد بن عبد الجبار: بلغني أن ابن إسحاق إنما سمعه من عبد الغفار بن القاسم أبي مريم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث.
ورواه الإمام الطبري في تفسيره: (19/121،122) ثنا ابن حميد ثنا سلمة ثني محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال عن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فذكر مثله وزاد بعد قوله: (إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة: وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت: وإني لأحدثهم سناً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً وأخمشهم ساقاً، أنا يا نبي الله أكون وزيرك فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي وكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا، قال فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع).(1/60)
ولكن الإمام البغوي في تفسيره: (3/480) دار إحياء التراث، قال: روى محمد بن إسحاق وساقه مثله إلا أنه ذكر في الرواية: (فأيكم يوازرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها جميعاً وسكتوا عن آخرهم فقلت: وأنا أحدثهم: أنا يا نبي الله أكون وزيرك فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم).
فالزيادة التي نقلها البغوي عن محمد بن إسحاق ليست موجودة في روايتي الطبري والبيهقي وعلى كل حال فهذا الإسناد ضعيف بمرة بل ساقط فإن فيه عبد الغفار بن القاسم أبو مريم، قال ابن المديني: كان يضع الحديث، وقال أبو حاتم والنسائي: متروك الحديث وقال أبو داود: وأنا أشهد أن أبا مريم كذاب لأني قد لقيته وسمعت منه واسمه عبد الغفار بن القاسم. [انظر الميزان ترجمة رقم: (5147)].
وحتى لو فرضنا صحة هذه الرواية فأقصى ما تدل عليه أنه وصيه في غير أمر الخلافة بل في قضاء الديون ووفاء الوعود ونحو ذلك كما جاء ذلك في الروايات التالية، ولأنه في هذه الرواية عطف الخلافة على الوصية فدل على أن الوصية في شيء غير الخلافة، ثم قوله: (وخليفتي) قد خصصها وقيد متعلقها بقوله: (فيكم) إذاً فلا دلالة في هذه الرواية على ما زعموه من الوصية بالخلافة العامة لعلي رضي الله عنه.
هذا وقد وردت الرواية على سياقات عدة وكلها ضعيفة، وحتى لو صحت فليس فيها ذكر للوصية أصلاً.
فمن تلك السياقات:
1) رواية ابن أبي حاتم في تفسيره: (9/2826) رقم: (16015) ثنا أبي ثنا الحسين بن عيسى بن ميسرة الحارثي ثنا عبد الله بن عبد القدوس ثنا الأعمش بن عمرو عن عبد الله بن الحارث قال قال علي بنحوه.
ولفظ الشاهد: (فقال: أيكم يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي؟...).(1/61)
وفيه: عبد الله بن عبد القدوس: قال أبو داود: ضعيف الحديث، وقال النسائي: ضعيف وفي موضع: ليس بثقة وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: هو في الأصل صدوق إلا أنه يروي عن أقوام ضعاف. وذكره الدار قطني في الضعفاء والمتروكين، وقال أبو أحمد الحاكم: في حديثه بعض المناكير. [تهذيب الكمال: (15/243، 244)].
2) رواية أحمد رقم: (883) ثنا أسود بن عامر ثنا شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي قال: لما نزلت هذه الآية: ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) [الشعراء:214]. قال: جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل بيته فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا قال: فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي، ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي؟ فقال رجل -لم يسمه شريك- يا رسول الله، أنت كنت بحراً من يقوم بهذا؟ قال: ثم قال لآخر. قال: فعرض ذلك على أهل بيته فقال علي: أنا).
وإسناده ضعيف من أجل:
1- شريك بن عبد الله النخعي: قال ابن حجر: صدوق يخطئ كثيراً تغير حفظه منذ ولي القضاء. [التقريب: (1/351)].
2- عباد بن عبد الله الأسدي: قال البخاري: فيه نظر، وقال ابن المديني: ضعيف الحديث وذكره في الضعفاء العقيلي وابن عدي وابن الجوزي وعلى عادة ابن حبان في التساهل فقد ذكره في الثقات، انظر تهذيب الكمال مع تعليق المحقق ( 14/138،139).
3) كما رواه أحمد أيضاً رقم: (1371) ثنا عفان ثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -أو دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- بني عبد المطلب وذكره بسياق أطول من السابق وفيه: (فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟...
وإسناده ضعيف:
1- ربيعة بن ناجذ: قال الذهبي في الميزان: رقم: (2758): لا يكاد يعرف، وعنه أبو صادق بخبر منكر منه: عليُّ أخي ووارثي.
وتساهل ابن حجر في التقريب فقال فيه: ثقة!(1/62)
وقد أخرجه النسائي في خصائص علي (66) من طريق الفضل بن سهل عن عفان بهذا الإسناد وزاد (أنت أخي وصاحبي ووارثي ووزيري).
تلك هي السياقات الضعيفة والتي تضمنت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع بني عبد المطلب على طعام... الخ، وليس فيها كما رأيت ذكر الوصية أصلاً وما ذكر فيها من الخلافة فقد ذكر مقيداً بالأهل( وخليفتي فيكم ).
والصحيح الثابت هو ما رواه البخاري ومسلم أنه لما نزل: ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ...)) [الشعراء:214]. صعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الصفا فجعل ينادي:يا بني فهر، يا بني عدي -لبطون قريش- حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جر بنا عليك إلا صدقاً قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديدٍ فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: ((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)) [المسد:1-2].
وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أنزل الله: ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) [الشعراء:214]. قال: يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً ويا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم سليني من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً).
2) حديث سلمان: وقد جاء عنه من طرق خمسة:(1/63)
الطريق الأولى: عن أبي سعيد الخدري: رواه الطبراني في الكبير: (6/221) ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا إبراهيم بن الحسن الثعلبي ثنا يحيى بن يعلي عن ناصح بن عبد الله عن سماك بن حرب عن أبي سعيد عن سلمان قال: قلت: يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك فسكت عني فلما كان بعد رآني فقال: يا سلمان فأسرعت إليه قلت: لبيك قال: تعلم من وصي موسى قلت: نعم يوشع بن نون قال: لم؟ قلت: لأنه كان أعلمهم قال: فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز وعدي ويقضي ديني علي بن أبي طالب.
قال أبو القاسم (الطبراني): قوله وصيي يعني أنه أوصاه في أهله لا بالخلافة، وقوله: (خير من أترك بعدي: يعني من أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم).
قال الهيثمي في المجمع: (9/113،114)وفي إسناده ناصح بن عبد الله وهو متروك.
وذكره الذهبي في الميزان: (5/365) في ترجمة ناصح بن عبد الله رقم: (8988) وقال: (هذا خبر منكر) وذكر الشوكاني في الفوائد المجموعة صـ 369: أن الأزدي رواه وفي إسناده متروك وضعيف.
الطريق الثانية: عن أبي هريرة.
أخرجه العقيلي في الضعفاء ترجمة (1) حكيم بن جبير من طريق عبد العزيز بن مروان عن أبي هريرة عن سلمان أنه قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله لم يبعث نبياً إلا بين له من يلي بعده فهل بين لك قال: نعم علي بن أبي طالب) [نقلاً عن فتح الباري: (8/150)].
وأورده الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: صـ368 رقم: (61) وقال: رواه العقيلي عن سلمان مرفوعاً وفي إسناده مجهولان وضعيف) اهـ.
الطريق الثالثة: عن أشياخ.
__________
(1) لم نجد الرواية في ترجمة حكيم بن جبير من الضعفاء الكبير للعقيلي فالله أعلم.(1/64)
ذكره ابن حجر في فتح الباري: (8/150)قال : (( ومن طريق جرير بن عبد الحميد عن أشياخ من قومه عن سلمان قلت يا رسول الله: من وصيك؟ قال: (وصيي وموضع سري وخليفتي على أهلي وخير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب) وذكر معه رواية أبي هريرة السابقة وحديث بريدة وأبي ذر الآتيان وقال: أوردها وغيرها ابن الجوزي في الموضوعات.اهـ.
قال الصغاني في الدر الملتقط: موضوع.
وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: (369): رواها ابن ناصر عن سلمان مرفوعاً. قال عبد الغني: أكثر رواته مجهولون وضعفاء، وقال الجوزقاني: باطل لا أصل له.
وذكره ابن حجر في لسان الميزان: (2/102)وقال: أخرجه الجوزقاني في كتاب الأباطيل من طريق إسماعيل بن موسى السدي عن عمر بن سعد البصري عن إسماعيل بن زياد عن جرير وقال هذا حديث باطل قال ابن حبان: إسماعيل دجال وجرير وأشياخ من قومه مجهولون وجرير هذا ليس هو جرير بن عبد الحميد كذا قال والله أعلم.
وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات: (2/149) وقال: فيه إسماعيل بن زياد قال ابن حبان: لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه. قال الدار قطني: كذاب متروك.
الطريق الرابعة: أنس.
قال الذهبي في الميزان في ترجمة خالد بن عبيد أبو عاصم رقم: (2443): وأورد ابن حبان له ثنا عبد الله بن محمود ثنا العلاء بن عمران عن أبي عاصم خالد عن أنس عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: (هذا وصيي وموضع سري وخير من أترك).(1/65)
وعزاه الشوكاني في الفوائد المجموعة: صـ369 تحت حديث رقم: (63). إلى ابن حبان وقال: (وهو من نسخة موضوعة) وخالد بن عبيد الراوي في هذا السند عن أنس قال البخاري: في حديثه نظر: وقال الحاكم: حدث عن أنس بموضوعات انظر الميزان (2/157) ترجمة رقم (443) نقل ابن حجر في تهذيب التهذيب (3/91) في ترجمة خالد بن عبيد عن ابن حبان قوله: (( ....يروي عن أنس نسخة موضوعة مالها أصول يعرفها من ليس الحديث صناعته أنها موضوعة لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب منها عن أنس عن سلمان وذكر الحديث. اهـ.
وذكره ابن الجوزي في الموضوعات: (2/148) أضواء السلف.
الطريق الخامسة: قيس بن ميناء.
ذكره الذهبي في الميزان: (4/318) رقم: (6921) (قيس بن ميناء عن سلمان الفارسي بحديث: علي وصيي وهذا كذب رواه عبد العزيز بن الخطاب عن علي بن هاشم عن إسماعيل عن جرير عن شراحيل عن قيس عن سلمان قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وصيي علي بن أبي طالب) اهـ.
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات: (2/148) وأقره السيوطي في اللآلئ: (1/358) وابن عراق في التنزيه: ( 1/374-375 ).
3) حديث بريدة.
رواه ابن عدي في الكامل في الضعفاء: (4/14) ثنا محمد بن منير ثنا علي بن سهل ثنا محمد بن حميد ثنا سلمة ثني محمد بن إسحاق عن شريك عن عبد الله عن أبي ربيعة الإيادي عن ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لكل نبي وصي ووارث وإن علياً وصيي ووارثي..)
ورواه البغوي في معجم الصحابة: (......) نا محمد بن حميد الرازي نا علي بن مجاهد نا محمد بن إسحاق به.
ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق: (42/392) نا أبو القاسم السمرقندي أنا أبو الحسين بن النقور أنا أبو القاسم عيسى بن علي أنا أبو القاسم البغوي به.
ورواه ابن عساكر أيضاً بنفس الموضع من طريق عاصم الرازي نا محمد بن حميد به وهو في الفردوس بمأثور الخطاب: (3/336).(1/66)
وقد ذكره الذهبي في الميزان: (2/463) في ترجمة شريك النخعي رقم: (3697) في مناكيره وقال: هذا كذب ولا يحتمله شريك.
وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات: (2/150) من طريقين وقال: أما الطريق الأول: ففيه محمد بن حميد وقد كذبه أبو زرعة وابن وارة، وفي الطريق الثاني الفرياناني قال ابن حبان: كان يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم وفيه سلمة قال ابن المديني: رمينا حديث سلمة بن الفضل.
وأورده الألباني في السلسلة الضعيفة: (4962) وقال: موضوع.
4) حديث ابن عباس.
1- طريق عكرمة:
رواه أبو يعلى: (4/344) رقم: (2459) ثنا وهب ثنا خالد عن حسين عن عكرمة عن ابن عباس في قصة بنت حمزة وفيه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أما أنت يا جعفر فأنت تشبه خلقي وخلقي وأما أنت يا علي فأنا منك وأنت وصيي، وأما زيد فمولاي ومولاكم فادفع الجارية إلى خالتها وهي أولى بها).
والحديث:
1. في سنده: الحسين بن قيس: متروك.
2. وقد جاء من طرق ليس فيها ذكر الوصية رواه أبو يعلى: (4/266) رقم: (2379) ثنا أبو بكر ثنا ابن نمير عن حجاج عن الحكم عن مقسم وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا زيد أنت مولاي ومولاهما) وقال لعلي: (أنت أخي وصاحبي) وقال لجعفر: (شبيه خلقي وخلقي وهي إلى خالتها...) والحديث رواه أحمد من طريق ابن نمير بهذا الإسناد.
وأصله في الصحيح من حديث البراء بلفظ: (... فقضى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخالتها وقال: الخالة بمنزلة الأم وقال لعلي: أنت مني وأنا منك وقال لجعفر. أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا). [انظر الحديث رقم: (4251) مع الفتح.
2- سعيد بن جبير (42/392):(1/67)
رواه ابن عساكر نا أبو غالب بن البنا أنا أبو محمد الجوهري أنا أبو عمر محمد بن العباس أنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن الحكم الأسدي الدهان المعروف بأخي حماد نا علي بن محمد بن الخليل بن هارون البصري نا محمد بن الخليل الجهني نا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: كنت جالساً مع فتية من بني هاشم عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ انقض كوكب فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من انقض هذا النجم في منزله فهو الوصي من بعدي فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوب قد انقض في منزل علي قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غويت في حب علي فأنزل الله تعالى: (((وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى... وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى)) [لنجم:1-7].
قال ابن عساكر عقب روايته الحديث: هذا حديث منكر ومن بين أبي عمر وبين هشيم مجهولون لا يعرفون) [تاريخ دمشق: (42/392)].
5) حديث أنس:
أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المرسلين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين... ).
وقد أورده الشوكاني في الفوائد المجموعة: (370) رقم: (64) وقال: رواه أبو نعيم قال في الميزان: هذا الحديث موضوع ورواه الجوزقاني عن أبي ذر مرفوعاً كما أنا خاتم النبيين كذلك علي وورثته يختمون الأوصياء) وهو موضوع. اهـ.
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات: (2/151)، وانظر اللآلئ المصنوعة للسيوطي: (1/350).
آخر عن أنس: (وصيي ووارثي ومنجز وعدي علي بن أبي طالب).
قال في كشف الخفاء: (2/466) رقم: (2895): موضوع، وقال الصغاني في الدر الملتقط: (27): وهو من مفتريات الشيعة.
6) حديث أبي ذر وفيه: (أنا خاتم النبيين وعلي خاتم الوصيين).(1/68)
أورده ابن الجوزي في الموضوعات: (2/152) وقال: هذا حديث موضوع، قال محقق الموضوعات وأقره السيوطي في اللآلئ: (1/361) وقال: العلوي منكر الحديث رافضي، وقال بن عراق: وإبراهيم هذا هو ابن همام وهو كذاب، وأخرجه الجوزقاني في الأباطيل: (1/280) وقال: هو حديث منكر، وأورده الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: صـ37، والذهبي في الترتيب (27 ب) اهـ.
7) حديث فاطمة الزهراء:
طويل وفيه: (... ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك... .
رواه الطبراني في الكبير: (3/57) والأوسط: (6/327) ثنا محمد بن رزيق بن جامع ثنا الهيثم بن حبيب ثنا سفيان بن عيينة عن علي بن علي المكي الهلالي عن أبيه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه... الحديث.
قال الهيثمي في المجمع: (9/166) وفيه الهيثم بن حبيب قال أبو حاتم: منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث وهو غير الصيرفي الثقة قال في الميزان ترجمة رقم: (9294) الهيثم بن حبيب عن سفيان بن عيينة بخبر باطل في المهدي هو المتهم به.
رواه أبو نعيم عن الطبراني عن محمد بن رزيق بن جامع عنه أما الهيثم بن حبيب عن عكرمة و... فوثقة أبو حاتم. اهـ. كلام الذهبي.
8) حديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد علي بمحضر من الصحابة... ثم قال: (هذا وصيي وأخي والخليفة من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا).
ذكره غير واحد ممن ألف في الموضوعات على أنه مما يعلم وضعه لوجود علامة الوضع فيه.
انظر المنار المنيف: (1/57) أسنى المطالب: (1/337) والأسرار المرفوعة: (1/432،433) والسلسلة الضعيفة: (4932).
9) حديث أبي الطفيل: خطبنا الحسن بن علي فحمد الله وأثنى عليه وذكر أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه خاتم الأوصياء ووصي الأنبياء...).
أورده الهيثمي في المجمع: (9/146) وقال في تخريجه: رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار.(1/69)
وأبو يعلى باختصار والبزار بنحوه ورواه أحمد باختصار كثير.
قلت وقد رجعنا إلى تلك المصادر كلها فلم نجد فيها ذكر لوصية أو أوصياء.
ولكن في الحاكم: (3/172) ثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن أخي طاهر العقيقي الحسني ثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ثني عمي علي بن جعفر بن محمد ثني الحسين بن زيد عن عمر بن علي عن أبيه علي بن الحسين قال خطب الحسن بن علي الناس حين قتل علي... وفيه أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن النبي وأنا ابن الوصي وأنا ابن البشير وأنا ابن النذير وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه...).
قال الذهبي: قلت: ليس بصحيح.
وحتى لو فرضنا صحة الحديث فليس فيه أنه الوصي بالخلافة وإنما النزاع في ذلك.
10) حديث ابن عمر: (أن الله لما أخذ ميثاق النبيين أخذ ميثاقك وأنت في صلب آدم فجعلك سيد الأنبياء وجعل وصيك سيد الأوصياء).
أورده الحافظ ابن حجر في لسان الميزان: (1/480) ترجمة أيوب بن زهير وقال: أورده الدار قطني في الغرائب عن أبي طالب أحمد بن نصر عن موسى بن عيسى بن يزيد عنه عن عبد الله بن عبد الملك وقال: هذا حديث موضوع ومن بين مالك وأبي طالب ضعفاء وقد رواه أبو سعد بن السمعاني في خطبة كتاب الأنساب من هذا الطريق لكن قال عن أيوب بن زهير عن يحيى بن مالك بن أنس عن أبيه فكان الواضع له أيوب المذكور فكان يخبط في إسناده )اهـ.
وحديث آخر عن ابن عمر رواه ابن المغازلي في المناقب (309) وهو طويل وفيه: ( لك في هذا المسجد مالي وعليك فيه ما علي، وأنت وارثي ووصيي تقضي ديني وتنجز عداتي وتقتل على سنتي، كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني ).
وهذا في إسناده :
1- حصين بن مخارق قال الذهبي في الميزان: قال الدارقطني يضع الحديث، ونقل ابن الجوزي أن ابن حبان قال لا يجوز الاحتجاج به.(1/70)
2- خالد بن عيسى العكلي وحسين بن نصر بن مزاحم. قال الشيخ الألباني عن كل منهما لم أعرفه.
تلك أخي القارئ هي الروايات التي ذكر فيها الوصية أو الإيصاء أو الوصي ونحو ذلك.
والملاحظ فيها أمور عدة كلها تعود على من يتمسك بها بالإبطال:
1- ورود الوصية بدون متعلق فلم يأت في رواية من تلك الروايات: أنه الوصي بالخلافة بعدي مثلاً ونحو ذلك مما يدل على المدعى وهو الخلافة العامة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
2- أن غالب تلك الروايات مظانها هي كتب الموضوعات كما رأيت فهي إذاً في أحط درجات الضعف.
3- أن أسانيد تلك الروايات لا تخلو من كذاب أو متهم أو مجهول.
وبالتالي فلا يجوز الالتفات إلى هذه الروايات فضلاً عن ادعاء تواترها، خاصة وهي تتكلم عن وصاية لم تحددها فما وجه تحديدكم لها بأنها وصاية الخلافة العامة.
وأما رواية: (وخليفتي فيكم) فقد وردت مقيدة بأنها الخلافة في الأهل والرواية الوحيدة التي يمكن أن يتمسكوا بها هي رواية أبي هريرة عن سلمان: (إن الله لم يبعث نبياً إلا بين له من يلي بعده فهل بين لك؟ قال: نعم علي بن أبي طالب).
وقد ذكرنا سابقاً شدة ضعفها لأن في إسنادها مجهولون وضعيف، ثم هي رواية واحدة فأين التواتر المزعوم؟!!
المسألة الثالثة: مناقشة دعوى أنه قد صح إجماع العترة.
فنقول: لا يهولُونَّك أخي القارئ دعاويهم للإجماع فإن كثيراً منها لا يثبت ومجازفتهم في هذا ظاهرة ومن ذلك في مسألتنا هذه فلا يصح الإجماع المدعى وقد خالف. (1) الإمام علي رضي الله عنه نفسه وقد ذكرنا قوله فيما سبق حينما حضرته الوفاة وقيل له : ألا توص يا أمير المؤمنين؟ فقال: لم يوص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوص، ولكن إن أراد الله بالناس خيراً فسيجمعهم على خيرهم، كما جمعهم على خيرهم بعد نبيهم أبو بكر » رواه أبو يعلى (590) بسند حسن.
__________
(1) سبق النقل عن يحي بن حمزة في الرسالة الوازعة.(1/71)
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (1/115):
« وقد أخرج جمع كالبزار بسند حسن والإمام أحمد وغيرهما بسند قوي كما قاله الذهبي عن علي أنه لما قالوا له استخلف علينا قال: لا ولكن أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخرج البزار ورجاله رجال الصحيح : ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأستخلف عليكم.
وأخرجه الدار قطني أيضاً وفي بعض طرقه زيادة : « دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا يا رسول الله استخلف علينا قال : لا إن يعلم الله فيكم خيراً يول عليكم خيركم، قال علي رضي الله عنه : فعلم الله فينا خيراً فولى علينا أبا بكر، فقد ثبت بذلك أنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف »اهـ.
ومنهم: عمه الحسن بن الحسن أخو عبد الله بن الحسن فقد قال في حواره مع الرجل الذي كان يغلوا في آل البيت : « ... ولو كان الأمر كما تقولون : إنَّ الله ورسوله اختار علياً لهذا الأمر، وللقيام على الناس بعده، إن كان علي لأعظم الناس في ذلك خطيئة وجرماً إذ ترك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يقوم فيه كما أمره، أو تعذر فيه إلى الناس، قال: فقال له الرافضي: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ؟ قال: أما والله، أن لو يعني رسول الله بذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس لأفصح لهم بذلك، كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم: أيها الناس إن هذا ولي أمركم من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا شيء، فإن أنصح الناس كان للمسلمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
رواه المزي في تهذيب الكمال (6/86-88) وقال عقبه : « وهذا من أصح الأسانيد وأعلاها ».
ورواه البيهقي في الاعتقاد (1/355-356) دار الآفاق الجديدة ، والخلال في السنة (2/350) دار الراية.(1/72)
وقد رواه ابن سعد في الطبقات (5/319-320) في ترجمة أبيه الحسن المثنى .
ولو سلمنا بإجماع العترة الذين يعنون فهل هم كل العترة ألا يعلم القاصي والداني أن العترة تفرقوا في البلدان وتفرقوا في المذاهب فكيف يمكن أن يدعى إجماع من لا يحويهم مكان ولا يجمعهم مذهب؟! وبمن تكون الحجة أفي آل البيت الذين انخرطوا في مسلك الإمامية، أم الذين سلكوا مسلك الباطنية الإسماعيلية؟
أم هم أئمة الفرق الصوفية، أم هم الذين انضووا تحت الأشعرية والماتريدية أم هم المنتمون إلى السلفية؟!
ثم لو سلمنا أن إجماع العترة قائم فأين الدليل على ما ادعاه الشرفي أن إجماعهم حجة قطعية فإن معنى ذلك تفسيق المخالف على أقل الأحوال والله عز وجل إنما قال: ((وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) [النساء:115)]. فلم يتوعد إلا على مخالفة سبيل المؤمنين كل المؤمنين والعترة بعض المؤمنين.
ثم مما يدل على بطلان قول الشرفي ما قاله أحد أئمة العترة وهو الإمام يحيى بن حمزة فقد قال عن إجماع العترة: أن دلالته ظنية كما في الانتصار: (1/152) وبالتالي فلا يفسق من خالفه لعدم الدلالة على فسقه.
بل قال الإمام يحيى بن حمزة في نفس الموضع: (وإذا كان مظنوناً جاز مخالفته بالاجتهاد، ولهذا فإنك ترى كثيراً من المسائل التي وقع فيها إجماع العترة، الخلاف من جهة الفقهاء فيها ظاهر، والاجتهاد فيها مضطرب من غير نكير هنا في المخالفة ولا تأثيم للمخالف ولا تجريح عليه، ولو كان إجماعهم قاطعاً لحرم. اهـ كلام الإمام يحيى بن حمزة في الانتصار: (1/152).
وهو كافٍ لرد مجازفة أمثال الشرفي.
الدليل الخامس: (علي مني وأنا من علي وهو وليكم بعدي):(1/73)
روى الترمذي: (3712) والنسائي في الكبرى: (8474) و (8146) - مقتصراً على الشاهد- ثنا قتيبة ثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن يزيد الرشك عن مطرَّف بن عبد الله عن عمران بن حصين في قصة بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي على سرية وشكايتهم علياً عندما رجعوا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما تريدون من علي؟ ثلاثاً إن علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان.
ورواه الحاكم: (3/110-111) ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثني أبي ومحمد بن نعيم قالا ثنا قتيبة به.
رواه أحمد (1) : (19928) ثنا عبد الرزاق وعفان المعنى وهذا حديث عبد الرزاق قالا ثنا جعفر بن سليمان به ورواه أيضاً في الفضائل: (1035).
ورواه أبو يعلى: (355) ثنا عبيد الله ثنا جعفر بن سليمان به ورواه الطبراني في الكبير: (18/265) من طرق عن جعفر به ورواه ابن حبان: (6929) نا أبو يعلى ثنا الحسن بن عمر بن شقيق ثنا جعفر بن سليمان به.
ورواه ابن أبي عاصم في السنة: (1187) ثنا عباس بن الوليد النرسي وأبو كامل قالا ثنا جعفر بن سليمان بسنده مقتصراً على المرفوع عن يزيد بن الرشك عن مطرف عن عمران قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (علي مني وأنا من علي وهو وليكم بعدي).
وذكر ابن عدي في الكامل: (2/567،569) هذا الحديث مما استنكر على جعفر.
وكذلك الذهبي في ترجمته من الميزان رقم: (1505).
وقد جاء الحديث عن بريدة رواه أحمد: (23012) ثنا بن نمير ثني أجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه نحوه ورواه في الفضائل: (1175) كذلك ورواه من طريقه ابن عساكر: (45/145).
ورواه النسائي في الكبرى: (8475) نا واصل بن عبد الأعلى عن ابن فضيل عن الأجلح به.
__________
(1) قال في تحقيق المسند: وقد كنا قوينا إسناده في ابن حبان: (2929) فليستدرك من هنا وحكم على إسناده بالضعف.(1/74)
ورواه البزار: (2563) ثنا إسحاق بن شاهين الواسطي ثنا خالد بن عبد الله ثنا أجلح بنحوه إلى قوله: (فإنه مني وأنا منه) ولم يذكر زيادة: (وهو وليكم بعدي) قال البزار: لا نعلم روي هذا عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بإسناد أحسن من هذا وقد رواه الجريري أيضاً عن عبد الله بن بريدة.
ورواه ابن عساكر: (45/144) نا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك أنا أبو القاسم إبراهيم بن منصور أنا أبو بكر بن المقرئ نا أبو يعلى نا أبو خيثمة زهير بن حرب نا أبو الجواب نا عمار بن زريق عن الأجلح به.
ونا أبو القاسم بن السمرقندي أنا عاصم بن الحسن أنا عبد الواحد بن محمد أنا أبو العباس بن عقدة أنا أحمد بن يحيى نا عبد الرحمن -وهو ابن شريك- نا أبي عن الأجلح به.
وقد ذكر الإمام ابن كثير رواية أحمد لحديث بريدة السابق: (لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي) ثم قال:هذه اللفظة منكرة والأجلح شيعي ومثله لا يقبل إذا تفرد بمثلها وقد تابعه فيها من هو أضعف منه، والله أعلم.
والمحفوظ في هذا رواية أحمد عن وكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كنت وليه فعلي وليه).
ورواه أحمد أيضاً والحسن بن عرفة عن أبي معاوية عن الأعمش به، ورواه النسائي عن أبي كريب عن أبي معاوية به ثم ساق روايات. [انظر البداية والنهاية: (11/590) دار عالم الكتب].
قلت: قد روى الحديث ابن عساكر: (45/144) من طريق ابن عقدة نا يحيى بن زكريا بن شيبان الكندي نا إبراهيم بن الحكم بن ظهير ثني أبي عن منصور بن مسلم بن سابور عن عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً: (علي مولى كل مؤمن ومؤمنة وهو وليكم بعدي).
وهذه الرواية فيها:
1) عبد الله بن عطاء: قال الترمذي: ثقة عند أهل الحديث وقال البخاري: ثقة.(1/75)
وقال الدار قطني: ليس به بأس وذكره ابن حبان وابن شاهين في الثقات وقال النسائي: ضعيف وفي موضع: ليس بالقوي. [تهذيب الكمال: (15/313)].
وفي التقريب: صدوق يخطئ ويدلس.
2) منصور بن مسلم بن سابور: لم نجده.
3) الحكم بن ظهير: قال أبو زرعة: واهي الحديث متروك الحديث، وقال أبو حاتم: متروك الحديث لا يكتب حديثه، وقال البخاري:منكر الحديث تركوه، وقال النسائي: متروك الحديث وفي موضع: ليس بثقة ولا يكتب حديثه وقال الترمذي: قد تركه بعض أهل الحديث، وضعفه أحمد وابن معين. [تهذيب الكمال: (7/101-103)].
ورواه أيضاً: (45/145) من طريق ابن عقدة نا الحسن بن علي بن عفان نا حسن -يعني ابن عطية- نا سعاد عن عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه في قصة بعث علي وفيه: (يا بريدة إن علياً وليكم بعدي فأحب علياً فإنه يفعل ما يؤمر).
وهذه الرواية فيها:
1) عبد الله بن عطاء: تقدم حاله.
2) سعاد: هو ابن سليمان الجعفي: وإن كان ابن حبان ذكره في الثقات فقد قال فيه أبو حاتم: وليس بقوي في الحديث. [تهذيب الكمال: (10/237،238)]. وفي التقريب: (1/285): صدوق يخطئ).
3) حسن بن عطية هو القرشي: في التقريب: (1/168): صدوق).
ومن حديث بريدة روى الطبراني في الأوسط (6/ ص232-233 ) دار الحديث: ثنا محمد بن عبد الرحمن بن منصور الحارثي نا أبي نا حسين الأشقر نا زيد بن أبي الحسن ثنا أبو عامر المري عن أبي إسحاق عن ابن بريدة عن أبيه في قصة بعث علي إلى اليمن وفيه ( يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ وأنه وليكم من بعدي ).
وفيه:
1) - حسين الأشقر قال البخاري: عنده مناكير وقال أبو زرعة: منكر الحديث وقال أبو حاتم: ليس بقوي وقال النسائي والدار قطني وأبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي وذكره ابن حبان في الثقات، انظر تهذيب الكمال (6/368-369) مع حاشية المحقق.
2) - محمد بن عبد الرحمن بن منصور الحارثي وأبوه: لم نجد لهما ترجمة.(1/76)
3) - أبو عامر المري: لم نجد له ترجمة.
هذا وقد جاء من حديث ابن عباس في حديث طويل بلفظ: (أنت خليفتي في كل مؤمن بعدي) رواه أحمد والطبراني والحاكم وسيأتي في الدليل الثالث عشر الكلام عليه.
وقد جاءت هذه اللفظة (وليكم بعدي) من حديث وهب بن حمزة.
فقد ذكر الحافظ بن حجر في الإصابة: (5/457) دار الفكر في ترجمة وهب بن حمزة ما نصه:
(قال ابن السكن: له صحبة، وفي إسناد حديثه نظر ثم أخرج من طريق يوسف بن صهيب عن ركين عن وهب بن حمزة قال: سافرت مع علي فرأيت منه جفاءً فقلت: لئن رجعت لأشكونه فرجعت، فذكرت علياً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنلت منه فقال: (لا تقولن هذا لعلي فإنه وليكم بعدي). المراد.
والخلاصة أن لفظة: (وهو وليكم بعدي) جاءت عن أربعة من الصحابة:
الأول: عمران بن حصين، وقد جاء من طرق مدارها على جعفر بن سليمان الضبعي وقد عدت من منكراته.
والثاني: ابن عباس وسيأتي تفصيل الكلام عليه في الدليل الثالث عشر.
والثالث: وهب بن حمزة وقد مر كلام ابن السكن أن في إسناد حديثه نظر.
والرابع: بريدة بن الحصيب وقد جاء من طرق مدارها على أربعة:
الأول: الأجلح الكندي: واختلف عليه فروى عنه ابن نمير وابن فضيل وعمار بن زريق وشريك بزيادة: (وهو وليكم بعدي) بينما روى عنه خالد بن عبد الله بدونها وقد قال البزار: لا نعلم روي هذا عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بأحسن من هذا، فواضح أنه يرجح عدم الزيادة.
وهذا كله مع الإغماض عن حال الأجلح، وإلا فقد قال ابن كثير كما سبق: هذه اللفظة منكرة والأجلح شيعي ومثله لا يقبل إذا تفرد بمثلها.
الثاني: عبد الله بن عطاء: وقد تقدم أن الطرق إليه فيها ضعف.
والثالث:- طريق أبي إسحاق السبيعي: وتقدم بيان ضعف طريقه.(1/77)
والرابع: الجريري كما ذكر البزار وقد بحثنا عن السند إليه فلم نجد وعلى كل حال فقد حكم البزار أنه لم يرو أحسن من طريق خالد بن عبد الله عن الأجلح وهي بدون زيادة (وهو وليكم بعدي) ويؤيد هذا قول ابن كثير السابق وقد تابعه [يعني الأجلح] من هو أضعف منه. يعني أن الطرق المتابعة أضعف.
الدليل السادس: ما روي أن علياً رضي الله عنه مع القرآن أو على الحق ونحو ذلك:
والجواب: أن الروايات في ذلك كالتالي:
1) اللهم أدر الحق معه حيث دار: (رواه الترمذي: (3714) ثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى البصري ثنا أبو عتاب سهل بن حماد. ورواه أبو يعلى: (550) ثنا أبو موسى ثنا سهل بن حماد أبو عتاب الدلال ثنا المختار بن نافع التميمي ثنا أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي.
وقال الترمذي عقبه: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمختار بن نافع شيخ بصري كثير الغرائب. اهـ.
ورواه الحاكم: (3/124) نا أحمد بن كامل القاضي ثنا أبو قلابة ثنا أبو عتاب به قال الذهبي: كذا قال ومختار ساقط قال النسائي وغيره ليس بثقة.
قلت: وفي تهذيب الكمال: (27/323،323) قال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال البخاري، والنسائي وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال النسائي في موضع آخر: ليس بثقة.
وقال ابن حبان: كان يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك منكر الحديث جداً، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم. اهـ.
2) (علي مع الحق والحق مع علي) رواه الخطيب في تاريخ بغداد: (14/230) ترجمة رقم: (7643).
من طريق يوسف بن محمد بن علي سنة 328 ثنا الحسن بن أحمد بن سليمان السراج ثنا عبد السلام بن صالح ثنا علي بن هاشم بن البريد عن أبيه عن أبي سعيد التيمي عن أبي ثابت مولى أبي ذر عن أم سلمة. ومن طريقه رواه ابن عساكر: (42/449).
والحديث فيه أبو ثابت وأبو سعيد التيمي سيأتي الكلام عليهما بعد أسطر.(1/78)
3) (علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
رواه الحاكم في المستدرك: (3/124) نا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد ثنا أحمد بن محمد بن نصر ثنا عمرو بن طلحة القناد الثقة المأمون ثنا علي بن هاشم بن البريد عن أبيه ثني أبو سعيد التيمي عن أبي ثابت مولى أبي ذر عن أم سلمة به ورواه الطبراني في الأوسط: (4880) والصغير: (707) ثنا عباد بن سعيد الجعفي الكوفي ثنا محمد بن عثمان بن أبي البهلول ثنا صالح بن الأسود عن هاشم بن البريد عن أبي سعيد التيمي عن ثابت مولى أبي ذر عن أم سلمة.
1) أبو ثابت: لم نجد ترجمته.
2) أبو سعيد التيمي اسمه دينار ويعرف بعقيصاء قال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدار قطني: متروك الحديث وقال السعدي: غير ثقة، وقال البخاري: يتكلمون فيه وقال ابن معين ليس بشيء وقال أبو حاتم: هو لين. [انظر اللسان: (2/433، 434) فتوثيق الحاكم رحمه الله تعالى تساهل منه والله أعلم.
4) (الحق مع ذا الحق مع ذا) رواه أبو يعلى: (1052) ثنا محمد بن عباد المكي ثنا أبو سعيد عن صدقة بن الربيع عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من المهاجرين والأنصار فخرج علينا فقال: ألا أخبركم بخياركم قالوا: بلى قال خياركم الموفون المطيبون إن الله يحب الخفي التقي قال ومر علي بن أبي طالب فقال: (الحق مع ذا الحق مع ذا).
ورواه من طريق أبي يعلى ابن عساكر (42/ 449).
1) أبو سعيد الراوي عن صدقة هو مولى بني هاشم عبد الرحمن بن عبد الله بن عُبيد في التقريب: صدوق ربما أخطأ.
2) صدقة بن الربيع: ترجمه أبو حاتم في الجرح والتعديل: (7017) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات.(1/79)
ولو فرضنا صحة الحديث فليس في قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( الحق مع ذا الحق مع ذا ) ما يدل على أحقيته بالإمامة عقب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بل يحمل على ما حصل من الحروب والنزاعات في عهد علي رضي الله عنه من قبل البغاة والخوارج وأن الحق فيها معه رضي الله عنه والله تعالى أعلم.
الدليل السابع: ما روي أن من أطاعه أطاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن عصاه أو فارقه عصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
1- (من أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد عصاني).
رواه الحاكم في المستدرك: (3/121) نا أبو أحمد بن محمد الشيباني من أصل كتابه ثنا علي بن سعيد بن بشير الرازي بمصر ثنا الحسن بن حماد الحضرمي ثنا يحيى بن يعلى ثنا بسام الصيرفي عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر مرفوعاً.
ورواه ابن عساكر: (45/233) من طرق عن يحيى بن يعلى به.
1) معاوية بن ثعلبة: ذكره ابن حبان في الثقات.
2) يحيى بن يعلى ولم يتميز لي من هو ولكن الألباني رحمه الله ذكره في الضعيفة (4892) أنه الأسلمي والأسلمي هذا قال فيه البخاري مضطرب الحديث وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث ليس بقوي، وقال ابن معين: ليس بشيء، وضعفه ابن الجوزي والدار قطني والذهبي وابن حجر، انطر تهذيب الكمال )32/52) مع تعليق المحقق .(1/80)
3) علي بن سعيد بن بشير الرازي: قال الذهبي: حافظ رحّال جوّال قال الدار قطني: ليس بذاك تفرد بأشياء، انظر الميزان ترجمة رقم: (5850) والحديث رواه ابن عدي في الكامل ( 4/349) ترجمة عبادة بن زياد: ثنا محمد بن جعفر بن يزيد المطيري، ثنا إبراهيم بن سليمان النهمي الكوفي ثنا عباد بن زياد ثنا عمر بن سعد عن عمر بن عبد الله الثقفي عن أبيه عن جده يعلى بن مرة الثقفي سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكر الحديث وفيه زيادات وروى ابن عدي عن موسى بن هارون الحمال قوله في عبادة هذا: ( تركت حديثه) وقال ابن عدي: عبادة بن زياد هو من أهل الكوفة من الغالين في الشيعة وله أحاديث مناكير في الفضائل، اهـ.
وعمر بن عبد الله الثقفي وأبوه ضعيفان قال الذهبي في الميزان (4710) ترجمة عبد الله بن يعلى الثقفي: ( ضعفه غير واحد روى عنه ابنه عمر وهو ضعيف أيضاً قال البخاري: ( فيه نظر ) وإبراهيم بن سليمان النهمي قال الألباني في الضعيفة (4892): ضعفه الدار قطني.
2- (يا علي من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك يا علي فقد فارقني).
رواه الحاكم في المستدرك: (3/124) ثنا أبو العباس محمد بن أحمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ثنا عبد الله (1) عمير ثنا عامر بن السمط عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف عن معاوية بن أبي (2) ثعلبة عن أبي ذر به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه قال الذهبي: بل منكر.
ورواه البزار: (2565) في الكشف:قال: ثنا علي بن المنذر وإبراهيم بن زياد قالا ثنا عبد الله بن نمير عن عامر بن السبط (3) ، عن أبي الحجاف دواد بن أبي عوف عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر به.
قال البزار لا نعلمه يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد.
__________
(1) كذا الصواب: عبد الله بن نمير.
(2) كذا والصواب: معاوية بن ثعلبة.
(3) يقال ابن السمط وابن السبط والأول أصح كما في تهذيب الكمال: (14/25).(1/81)
ورواه ابن عساكر: (45/234) من طرق عن عبد الله بن نمير به.
وقد ذكر الذهبي هذا الحديث من طريق عبد الله بن نمير به في الميزان (2/208) ط مكتبة العلوم والحكم في ترجمة أبي الجحاف وقال عن الحديث: هذا منكر.
الدليل الثامن: (أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي)
رواه الحاكم في المستدرك: (3/122) ثنا عبدان بن يزيد بن يعقوب الدقاق من أصل كتابه ثنا إبراهيم بن الحسين بن ذي زيل (1) ثنا أبو نعيم ضرار بن صرد ثنا معتمر بن سليمان سمعت أبي يذكر عن الحسن عن أنس بن مالك مرفوعاً به قال الذهبي: هو فيما أعتقده من وضع ضرار قال ابن معين: كذاب.
وقد رواه ابن عساكر (45/296) من طريق ضرار بن صرد به.
قلت ضرار بن صرد: قال البخاري والنسائي: متروك الحديث. تهذيب الكمال: (13/305) وقال ابن معين: كذابان بالكوفة هذا وأبو نعيم النخعي. [انظر الميزان: (3951)].
وقد جاءت هذه اللفظة فيما رواه أبو نعيم في الحلية: (1/63) من حديث أنس وسيأتي في الدليل التاسع:
وروى ابن عساكر: (45/295) نا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله أنا أبو بكر الخطيب أنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن عبيد الله النجار نا محمد بن المظفر نا إسحاق بن محمد بن مروان نا أبي نا الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي إسحاق عن بشير الغفاري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: (أنت تغسلني، وتواريني في لحدي، وتبين لهم بعدي).
1) أبو حمزة الثمالي: قال أحمد: ضعيف الحديث ليس بشيء وقال ابن معين: ليس بشيء وقال أبو زرعة: لين وقال أبو حاتم : لين الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به وقال النسائي:ليس بثقة وفي موضع: ليس بالقوي.
وقال الدار قطني: ضعيف وقال ابن حبان: كثير الوهم في الأخبار حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد. انظر تهذيب الكمال: (4/358، 359).
__________
(1) في معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم الألباني: (1/39): بن ديزيل، وقال: ثقة مأمون.(1/82)
3) محمد بن مروان: في الميزان: (5/157- 158) خمسة اثنان منهم ضعاف وثلاثة مجاهيل.
4) إسحاق بن محمد بن مروان: في الميزان: (إسحاق بن محمد بن مروان الكوفي القطان) وقال الدار قطني: ليسا ممن يحتج بحديثهما ترجمة رقم: (790).
الدليل التاسع: ما روي أنه سيد المسلمين أو سيد العرب:
1- أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب:
رواه الحاكم في المستدرك: (3/124) ثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا محمد بن معاذ ثنا أبو حفص عمر بن الحسن الراسبي ثنا أبو عوانة عن أبي بشر [ جعفر بن إياس ] عن سعيد بن جبير عن عائشة به، وقال الحاكم: وفي إسناده عمر بن الحسن وأرجوا أنه صدوق، ولولا ذلك لحكمت بصحته على شرط الشيخين.
قال الذهبي معلقاً: أظن أنه هو [عمر بن حسن الراسبي] الذي وضع هذا. وانظر ترجمته في الميزان: (6069).
ورواه ابن عساكر: (45/232) من طريق عمر بن الحسن الراسبي به، ورواه أيضاً: (45/231، 232) من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني نا أبو عوانة به، ورواه أيضاً: (45/232) بلفظ هذا سيد المسلمين، من طريق أبي بلال الأشعري نا يعقوب التيمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى عن عائشة مرفوعاً وأبو بلال الأشعري ضعفه الدار قطني ولينه الحاكم كما ذكر الألباني في الضعيفة رقم ( 4890).
ورواه الحاكم: (3/124) ثنا أبو بكر محمد بن جعفر القاري ببغداد ثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ثنا الحسين بن علوان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به، قال الذهبي في التلخيص: وضعه ابن علوان.
فيه الحسين بن علوان: قال ابن معين: كان كذاباً، الضعفاء للعقيلي: (1/251، 252) وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل (2570): واهٍ ضعيف متروك الحديث: قال الحاكم: وله شاهد آخر من حديث جابر، قال الذهبي في التلخيص(3/124): رواه عمر بن موسى الوجيهي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً، قلت : عمر وضاع.(1/83)
وروى ابن عساكر: (45/232) نا أبو القاسم بن حصين أنا أبو غالب بن غيلان نا أبو بكر الشافعي نا بشر بن موسى نا إبراهيم بن زياد نا خلف بن خليفة عن إسماعيل بن أبي خالد قال بلغني أن عائشة نظرت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا سيد العرب. فقال: أنا سيد ولد آدم وأبوك سيد كهول أهل العرب وعلي سيد شباب أهل العرب).
قال ابن عساكر: رواه عبد الملك بن عبد ربه الطائي، عن خلف عن إسماعيل عن قيس عن عائشة مرسلاً.
1- خلف بن خليفة في التقريب (1/225): صدوق اختلط في الآخر.
2- إبراهيم بن زياد: لم أعرفه.
3- بشر بن موسى: في الجرح والتعديل اثنان وسكت عنهما: (2/رقم: 1414، 1415).
وروى ابن عساكر: (45/232) أنا أبو علي الحداد وثني أبو مسعود المعدل عنه أنا أبو نعيم الحافظ نا أبي نا محمد بن أحمد بن يزيد نا الخليل بن محمد العجلي نا أبو بكر الواسطي نا عبيد بن العوام عن فطر عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رجل يا رسول الله: أنت سيد العرب؟ قال: لا أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب، وإنه لأول من ينفض الغبار عن رأسه يوم القيامة قبلي علي).
1- عبيد بن العوام: ليس له ترجمة فيما وقفنا عليه.
2- أبو بكر الواسطي: ليس له ترجمة.
3- الخليل بن محمد العجلي: ليس له ترجمة.
وعطية فيه كلام سيما في روايته عن أبي سعيد.
ورواه الطبراني في الكبير: (2749) ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا إبراهيم بن إسحاق الصيني ثنا قيس بن الربيع عن ليث عن أبي ليلى عن الحسن بن علي قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أنس انطلق فادع لي سيد العرب؟ قال: (أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب) الحديث.
ورواه أبو نعيم في الحلية: (1/63) ثنا أحمد بن يعقوب بن المهرجان ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة به، والحديث فيه علل:
1) ليث بن أبي سليم: قال ابن حجر في التقريب: (2/ص 138): صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك.(1/84)
2) قيس بن الربيع: ساء حفظه فخلط وما ورد من الثناء عليه يحمل على ما قبل الاختلاط وقد أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به. انظر التقريب: (2/128) وتهذيب التهذيب: (8/رقم 698).
3) إبراهيم الصيني: قال الدار قطني: متروك الحديث . انظر الميزان: (31).
2- (إذا سرك أن تنظري إلى سيد العرب فانظري إلى علي بن أبي طالب) فقالت عائشة: يا نبي الله ألست سيد العرب؟ فقال:(أنا إمام المسلمين وسيد المتقين إذا سرك أن تنظري إلى سيد العرب فانظري إلى علي بن أبي طالب).
ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (11/89) ترجمة عبد الباقي بن أحمد الخوميني.
أخبرني الخوميني ثنا عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمود الفقيه -أبو محمد السماك- ثنا أحمد بن خالد الحروري ثنا محمد بن حميد ثنا يعقوب -يعني ابن عبد الله الأشعري- عن جعفر عن سلمة بن كهيل قال: مر علي بن أبي طالب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده عائشة فقال لها: ...) الحديث.
والحديث فيه:-
1) يعقوب الأشعري القمي: في التقريب: صدوق يهم.
2) محمد بن حميد هو الرازي: كذبه إسحاق بن منصور وصالح الأسدي الحافظ وأبو زرعة وابن خراش وقال يعقوب السدوسي: كثير المناكير وقال البخاري: فيه نظر وقال النسائي: ليس بثقة وقال ابن حبان: كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات ولا سيما إذا حدث عن شيوخ بلده)
وكان أحمد حسن الرأي فيه ثم رجع عن ذلك بعد ما قال له أبو زرعة وابن واره صح عندنا أنه يكذب قال ابنه صالح: فرأيت أبي بعد ذلك إذا ذكر بن حميد نفض يده.
وكان ابن معين حسن الرأي فيه. [انظر تهذيب الكمال: (25/100-108)] فهل بلغه ما بلغ الإمام أحمد أم لا؟.
3- (أوحي إلي في علي ثلاث: أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين).(1/85)
رواه الحاكم في المستدرك: (3/137) ثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ محمد بن أيوب أنا عمرو بن الحصين العقيلي أنبأ يحيى بن العلاء الرازي ثنا هلال بن أبي حميد عن عبد الله بن أسعد بن زرارة عن أبيه مرفوعاً به قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي: أحسبه موضوعاً وعمرو وشيخه متروكان.اهـ
ومتنه يخالف ما قبله تماما.
1) عمرو بن الحصين: قال أبو حاتم ذاهب الحديث وليس بشيء، وقال أبو زرعة: واهي الحديث وقال ابن عدي: حدث عن الثقات بغير حديث منكر وهو مظلم الحديث وقال الدار قطني: متروك. انظر تهذيب الكمال: (22/588، 589).
2) يحيى بن العلاء: قال أحمد: كذاب يضع الحديث، وكذبه وكيع وقال الدار قطني: متروك، وقال ابن عدي: وأحاديثه موضوعات. [انظر تهذيب الكمال: (31/487، 488)].
4- (يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين، فدخل علي بن أبي طالب، وفي آخره أن علياً قال: يا رسول الله لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعته بي من قبل؟ قال: وما يمنعني وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي) رواه أبو نعيم في الحلية (1/63): ثنا محمد بن أحمد بن علي ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون ثنا علي بن عياش (1) عن الحارث بن الحصيرة عن القاسم بن جندب عن أنس وذكر الحديث وقال عقبة: رواه جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن أنس نحوه. ورواه ابن عساكر: (45/295) من طريق أبي نعيم.
ورواه ابن عساكر: (45/230) من طريق عمرو بن الحصين به.
__________
(1) قال الناشر: في: ح: علي بن عابس والصواب ما أثبتناه، وفي الميزان: علي بن عابس، وفي ابن عساكر: علي بن عباس، وفي موضع علي بن عائش.(1/86)
وقد حكم الإمام الذهبي عليه بالوضع في ترجمة إبراهيم بن محمد بن ميمون (1) كما أورده الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة رقم: (64).
ورواه ابن عساكر: (45/229، 230) من طريق يحيى بن [أبي] بكير نا جعفر بن زياد نا هلال الصيرفي نا أبو كثير الأنصاري عن عبد الله بن أسعد بن زرارة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليلة أسري بي انتهيت إلى ربي عز وجل فأوحي إلي أو أخبرني -جعفرشك- في عليّ بثلاث:
أنه سيد المسلمين وولي المتقين وقائد الغر المحجلين.
1) هلال الصيرفي: ذكره ابن حبان في الثقات وابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
2) أبو كثير الأنصاري: ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وقد لخص ابن حجر في الإصابة: (4/6) اختلاف الطرق في هذا الحديث نقلاً عن الموضح للخطيب ثم قال ابن حجر: ومعظم الرواة في هذه الأسانيد ضعفاء والمتن منكر جداً، والله أعلم.
4- (مرحباً بسيد المسلمين وإمام المتقين).
رواه أبو نعيم في الحلية: (1/66) ثنا عمر بن أحمد بن عمر القاضي القصباني ثنا علي بن العباس البجلي ثنا أحمد بن يحيى ثنا الحسن بن الحسين ثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن الشعبي قال: قال علي: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكره.
وفيه:
1) الحسن بن الحسين هو العرني: قال أبو حاتم لم يكن يصدق عندهم كان من رؤساء الشيعة، وقال ابن عدي: لا يشبه حديثه حديث الثقات وقال ابن حبان: يأتي عن الأثبات بالملزقات ويروي بالمقلوبات وساق له الذهبي مناكير، انظر الميزان ترجمة رقم (1828).
2) إبراهيم بن يوسف قال ابن معين: ليس بشيء وقال النسائي: ليس بالقوي وقال أبو داود: ضعيف وقال أبو حاتم: حسن الحديث يكتب حديثه، وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة وليس بمنكر الحديث يكتب حديثه.
__________
(1) في الميزان: محمود والصواب: محمد.(1/87)
وقال ابن حجر في التقريب: (1/47): صدوق يهم. [انظر تهذيب الكمال: (2/250، 251)].
وقال أبو نعيم: لم يسمع من أبيه شيئاً. الميزان: (258).
3) الشعبي قال الدار قطني: سمع من علي حرفاً ما سمع غير هذا. [انظر تهذيب الكمال: (14/30) مع الحاشية].
4) علي بن العباس البجلي: ليس له ترجمة.
الدليل العاشر: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نسلم على علي بأمير المؤمنين) :
رواه ابن عساكر: (45/231) نا أبو المحاسن عبد الرزاق بن محمد في كتابه أنا أبو بكر عبد الغفار بن محمد الشيروي نا أبو بكر الحيري نا أبو العباس الأصم نا عبد الله بن أحمد بن محمد بن مستور ونا يوسف بن كليب المسعودي نا يحيى بن سلام عن صباح عن العلاء بن المسيب عن أبي داود عن بريدة الأسلمي قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نسلم على علي بأمير المؤمنين ونحن سبعة وأنا أصغر القوم يومئذ قال ابن عساكر عقبه: منكر وفيه مجاهيل.
1) أبو داود هذا هو الأعمى واسمه نفيع: قال أحمد: أبو داود الأعمى يقول: سمعت العبادلة ولم يسمع منهم شيئاً .
وقال يحيى: أبو داود الأعمى يضع ليس بشيء وفي رواية: ليس بثقة ولا مأمون وفي ثالثة: ليس بشيء. وقال أبو زرعة: لم يكن بشيء. وقال أبو حاتم: منكر الحديث ضعيف الحديث وقال البخاري: يتكلمون فيه وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: نفيع أبو داود الأعمى يروي عن الثقات الموضوعات توهما لا يجوز الاحتجاج به، وقال ابن عبد البر: أجمعوا على ضعفه وكذبه بعضهم وأجمعوا على ترك الرواية عنه. انظر تهذيب الكمال: (30/12-14).
2) يحيى بن سلام: ضعفه الدار قطني وقال ابن عدي: يكتب حديثه مع ضعفه. الميزان: (9526). وقال أبو حاتم: صدوق. [الجرح والتعديل: 9/ص190/ رقم 16297)].
3) يوسف بن كليب المسعودي: ليس له ترجمة.
وفيه من لا يعرف.
وقد مرت هذه التسمية في رواية أبي نعيم لحديث أنس في الدليل التاسع.(1/88)
الدليل الحادي عشر: (من ناصب علياً الخلافة بعدي فهو كافر، وقد حارب الله ورسوله ومن شك في عليّ فهو كافر)
رواه ابن المغازلي: (68) نا الحسن بن أحمد بن موسى الغندجاني ثنا أبو الفتح هلال بن محمد ثنا إسماعيل بن علي ثنا علي بن الحسين ثنا عبد الغفار بن جعفر ثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر مرفوعاً به.
وفيه:
1) إسماعيل بن علي هو الخزاعي: قال الذهبي في الميزان: (917): متهم يأتي بأوابد.
2) عبد الغفار بن جعفر: لم نجد له ذكر في كتب التراجم.
3) علي بن الحسين: لم نعرفه، وليس هو بزين العابدين كما يظهر من طبقته المتأخرة.
ومتنه كما ترى منكر جدا لم يعمل به علي ولا الحسن ولا الحسين رضي الله عنهم.
الدليل الثاني عشر: (أما والذي نفسي بيده لو أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين)
رواه عبد الرزاق في المصنف: (20646) عن أبيه عن ميناء عن ابن مسعود قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة وفد الجن فتنفس فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود قلت استخلف قال: من؟ قلت: أبو بكر قال فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس فقلت: ما شأنك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود قلت فاستخلف قال: من؟ قلت: عمر فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس فقلت: ما شأنك؟ قال: نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود، قلت فاستخلف قال: من؟ قلت علي بن أبي طالب قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين).
ومن طريقه رواه: الطبراني في الكبير: (1183) ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ثنا عبد الرزاق به ومن طريقه رواه أحمد: (4294) ثنا عبد الرزاق إلى قوله: (نعيت إلى نفسي يا ابن مسعود)، ولم يذكر الاستخلاف.(1/89)
ومن طريقه ابن أبي عاصم في السنة: (1183) ثنا سلمة ثنا عبد الرزاق بسنده إلى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ليلة الجن نعيت إليّ نفسي فقلت: (يقوم بالناس أبو بكر الصديق فسكت فقلت: يقوم بالناس عمر، فسكت فقلت: يقوم بالناس علي فقال: لا يفعلون ولو فعلوا دخلوا الجنة أجمعين).
ومن طريق عبد الرزاق أيضاً رواه ابن عساكر: (45/322).
والحديث فيه: ميناء بن أبي ميناء: قال ابن معين والنسائي: ليس بثقة وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث روى أحاديث في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مناكير لا يعبأ بحديثه كان يكذب، وقال العقيلي: روى عنه همام بن نافع أحاديث مناكير لا يتابع منها على شيء. وقال الدار قطني: منكر الحديث، وقال ابن حجر في التقريب: متروك. [انظر تهذيب الكمال: (29/246، 247)].
وقد أورد الحديث ابن كثير في التفسير: (13/40)طبعة أولاد الشيخ وقال: غريب جداً، وأحر به ألا يكون محفوظاً.
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/104،105) طبعة أضواء السلف، وقال: هذا حديث موضوع والحمل فيه على ميناء.
ورواه الطبراني: (9969) من طريق آخر ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا علي بن الحسين بن أبي بردة البجلي الذهبي ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن حرب بن صبيح ثنا سعيد بن مسلم عن أبي مرة الصنعاني عن أبي عبد الله الجدلي عن ابن مسعود بنحو الحديث السابق.
والحديث فيه:
1) يحيى بن يعلى الأسلمي: قال ابن معين: ليس بشيء وقال البخاري: مضطرب الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث ليس بالقوي، تهذيب الكمال: (32/52).
2) أبو مرة الصنعاني: لم نجد له ترجمة.
3) حرب بن صبيح: لم نجد له ترجمة.
وقد ذكره ابن كثير في تفسيره:(13/40) طبعة أولاد الشيخ وقال: وهذا إسناد غريب وسياق عجيب.
الدليل الثالث عشر: (إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)(1/90)
رواه أحمد: (3061) ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة ثنا أبو بلْج ثنا عمرو بن ميمون عن ابن عباس وهو قطعة من حديث طويل.
ومن طريقه رواه الحاكم في المستدرك: (3/132) ثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ببغداد من أصل كتابه ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي.
ورواه الطبراني في الكبير: (12593) ثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ثنا كثير بن يحيى ثنا أبو عوانة به.
ورواه ابن أبي عاصم في السنة: (1351) ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن حماد بسنده.
و فيه أبو بلج يحيى بن سليم، وهو مختلف فيه فوثقه ابن معين والنسائي والدار قطني وقال البخاري: فيه نظر وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به.
وتوسط ابن حبان فيه فرأى أنه لا يحتج بما انفرد به من الرواية.
وأما ابن حجر في التقريب فقال: صدوق ربما أخطأ. انظر تهذيب الكمال: (33/162، 163).
وفي متن الحديث نكارة تدل على كذبه ( فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير علي، كما اعتمر عمرة الحديبية وعلي معه وخليفته غيره، وغزا بعد ذلك خيبر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره، وغزا غزوة الفتح وعلي معه وخليفته في المدينة غيره، وغزا حنيناً والطائف وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره، وحج حجة الوداع وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره، وغزا غزوة بدر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره وكل هذا معلوم بالأسانيد الصحيحه وباتفاق أهل العلم بالحديث وكان علي معه في غالب الغزوات وإن لم يكن فيها قتال) (1)
وبعد، فهذه أهم أدلتهم وأقواها ولهم بعد ذلك أخبار وأخبار كثير منها لا يرقى لدرجة الاحتجاج به في مسائل الفروع فكيف في أصل كهذا.
وهي كلها مع ذلك لا تدل على الإمامة لا من قريب ولا من بعيد ولذلك فلم نشغل أنفسنا بالرد عليها (2)
__________
(1) منهاج السنة: (5/34-36).
(2) ومن أراد الاستفاضة في مناقشة هذه الأدلة فليرجع إلى مثل منهاج السنة المجلد السابع، والله أعلم.
.(1/91)
كخبر المؤاخاة والعمامة والطير وخبر الراية وإن صح ليس فيه دلالة.
إلا أنه يناسب ونحن في ختام المناقشة لهذه المسألة أن ننوه إلى أنه قد أقر بضعف الاستدلال بها وأنه ليس فيها ما يدل على الإمامة بعض أئمتهم كالإمام يحيى بن حمزة، فمن ذلك قوله عن حديث المؤاخاة: ليس في حديث المؤاخاة ما يدل على الإمامة وإنما لبيان فضله على غيره وأنه أخص الناس به وأقربهم إليه وأحبهم عنده. اهـ
هذا إن كان صحيحاً.
وقال عن حديث الراية والطير:
ليس في إعطاء الراية دليل على الإمامة فقد كان يعطيها غيره في مواقع أخرى كزيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وابن رواحة كما فعل في غزوة مؤتة.
وإن استدلوا بالمحبة على الإمامة فليس في ظاهر المحبة ولا في مفهومها ما يدل على الإمامة أما إن استدلوا بالحديث على أفضليته واستدلوا من أفضليته على أحقيته بالإمامة فإن الأمر يرجع إلى الأفضلية لا إلى الإمامة. اهـ من كتاب الشامل، نقلاً عن كتاب الإمام يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية للدكتور أحمد محمود صبحي: صـ169.
بقي أن نبين أن الشرفي قد وافق الإمامية في قولهم بأن النص في علي رضي الله عنه كان جلياً... (2/137)، وكون هذا القول هو قول الإمامية ظاهر من كتب الإمامية ومن كلام أئمة الزيدية أنفسهم ومن ذلك ما نقله الشرفي نفسه عن القرشي في المنهاج فانظره في عدة الأكياس: (2/137).
وما قاله الإمام يحيى بن حمزة في الشامل فقد نسب القول بالنص الجلي إلى الإمامية. [عن الإمام يحيى بن حمزة وآراؤه: صـ170].
ولا شك أن من تأمل الكلام السابق في مناقشة أدلتهم تبين له بُعد هذا القول، ومع ذلك فلا بأس أن نذكر هنا رد الإمام يحيى بن حمزة على الإمامية في قولهم بالنص الجلي والذي وافقهم عليه الشرفي.
قال الإمام يحيى بن حمزة رحمه الله تعالى في الشامل:(1/92)
هل كان النص جلياً أم خفياً؟ معنى أنه نص جلي أن المراد منه معلوم بالضرورة من قصد صاحب الشريعة فتكون إمامة أمير المؤمنين معلومة بالضرورة من قصده وهذا ما ذهبت إليه الإمامية.
والمراد بكون النص خفياً أن المراد منه ليس معلوماً بالضرورة من قصده وإنما يدرك بنوع من النظر والاستدلال ويحصل المقصود منه بنظر خفي كسائر الأمور النظرية، وهذا ما ذهب إليه أئمة العترة.
وللرد على قول الإمامية بالنص الجلي نقول:
1) لو علمه الصحابة بالضرورة لاستحال منهم مخالفته لعلمنا بشدة محبتهم له عليه السلام واستعظام أوامره ونواهيه فقد صبروا لأجله على هجرة الأوطان وصمدوا معه في القتال وقتلوا أقاربهم من الكفار نصرة لدينه وتشددوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا كانت هذه حالهم استحالت منهم مخالفته فبطل ما زعموه أنهم كانوا عالمين المقصود من النص بالضرورة كما استحال تواطؤهم على كتمانه.
2) ولو كان النص جلياً وعلمه الصحابة بالضرورة ثم دفعوه لدل هذا على فساد إيمانهم ولاقتضى الأمر إكفارهم لعصيانهم أوامره وهذا باطل، ذلك أن القرآن قد ورد بالثناء عليهم كما كان عليه السلام يكرمهم ويودهم ويعظم حالهم.
3) ولو كان المراد من النص معلوماً بالضرورة فإما أنها نفس النصوص التي أوردها الزيدية أو غيرها: ولا يمكن أن تكون نفسها لأنها لا تفيد علماً ضرورياً بإمامة علي رضي الله عنه.
وإن كانت غيرها فإما أنها منقولة بالتواتر أو الآحاد؛ فإن كانت منقولة بالتواتر لوجب اشتهارها ولابد من انتشارها بين الخلق ولتعذر كتمانها، وإن كانت آحاداً فإنها لا تفيد علماً في أمر عظيم كهذا.(1/93)
4) روي أن أبا بكر قال في مرضه الأخير: وددت كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الأمر -يعني من يخلفه- وكنا لا ننازعه أهله، وقال عمر وهو يحتضر: إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني -يعني أبا بكر- وإن أترك فقد ترك من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلو كان النص جلياً لكان إطلاق هذه العبارات جارياً مجرى الاستخفاف بأمر صاحب الشريعة والإعراض عن مراده، ونسبة مثل هذه الأمور إلى نفر من الصحابة محال فكان النص الجلي الذي زعموه محالاً.
5) هذا وقد أنكر النص الجلي زيد بن علي وجميع أصحابه وأتباعه من أفاضل العلماء وجميع سادات أهل البيت مع فرط محبتهم لأمير المؤمنين واجتهادهم في نشر فضائله. اهـ [عن كتاب الإمام يحيى بن حمزة وآراؤه الاجتهادية: صـ170-171.
وبهذا ينتهي ما أردنا رقمه في «القول الجلي» وقد ظهر إن شاء الله تعالى من خلاله للمنصف المتجرد ما ذهب إليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان من القرون المفضلة وتبناه أهل السنة من أن الأولى بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أبو بكر الصديق.
كما اتضح إن شاء الله تعالى أن ما تمسك به المتشيعة من أدلة على أن الأولى كان علياً رضي الله عنه، لا يستقيم لهم الاستدلال به ولا يسلم لهم الاعتماد عليه.
كما نحب أن ننبه هنا إلى أن الذي سلكناه في مناقشة الأدلة أياً كانت هو المنهج العلمي ولا يعني هذا عدم الفضيلة لعلي رضي الله عنه أو عدم كفاءته للخلافة أو بغض له رضي الله عنه نعوذ بالله من ذلك كله، وإنما نبهنا على هذا لأن من الناس إذا لم يستطع النقاش العلمي لجأ إلى التشغيب والدخول في النيات ولكن الله الموعد.
ونسأل الله تعالى في نهاية البحث أن يتجاوز عنا خطأنا وأن يتقبل منا صوابنا وأن يكتب لهذا البحث القبول، إنه ولي ذلك والقادر عليه.(1/94)
والحمد لله حمداً كثيراً طيباً حمداً يكافئ نعمه ويوافي مزيده، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والسراج المنير سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/95)