...
مركز بحوث القرآن الكريم والسنة النبوية
المؤتمر العلمي العالمي الثاني
التكامل المعرفي بين علوم الوحي وعلوم الكون
بحث بعنوان :
محور التطوُّر الإسلامي لمنهجية المعرفة بين العقل والنقل
د. عبد الله موسى يعقوب
جامعة الفاشر ـ كلية التربية ـ قسم الدراسات الإسلامية
المحرّم 1430هـ – يناير 2009م
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، چ ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? چ (1) ، چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ٹ ٹ ٹٹ ? ? ? ? ? ? چ (2) چ ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? چ (3) ، (4)
أما بعد :
لعل أخطر تطور مأساوي في التاريخ الفكري للأمة ؛ كان هو القول بأن كلا من الوحي و العقل غريب عن الآخر. ولقد كان ظهور المنطق اليوناني وتأثيره على بعض المسلمين ، الذين كانوا حريصين كل الحرص على استخدام أساليبه لإقناع غير المسلمين بحقائق الإسلام هو الذي وضعهم على بداية الطريق التي انتهت بهم إلى مثل هذا القول .
__________
(1) ) سورة آل عمران الآية : 102.
(2) ) سورة النساء الآية : 1 .
(3) ) سورة الأحزاب الآية : 70 ، 71 .
(4) ) هذه الخطبة تسمى بخطبة الحاجة ، رواها الإمام الترمذي في سننه كتاب النكاح ، باب ما جاء في خطبة النكاح 3/413 ، برقم 1105 ، وابن ماجة في سننه كتاب النكاح ، باب خطبة النكاح 1/609 ، برقم 1892 وأصلها في صحيح مسلم كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة ، والخطبة ص347 الحديث رقم 868 .(1/1)
إن النصارى واليهود الذين تأثروا بالثقافة اليونانية قد عاشوا قرونا تحت ظل هذه الثنائية ؛ وكثيرون منهم نقلوها معهم إلى "الأمة" عندما أسلموا ، وكان الفارابي هو الذي أعطاها صيغتها التقليدية التي انتصر لها الفلاسفة ضد "المتكلمين". وقد قبلها بعض متأخري "المتكلمين" ممن كان يرضيهم أن يشرحوا العقيدة في تحديد ووضوح. ثم أصبحت سائدة في مجال المجادلات الفكرية في عصر الانحطاط .(1/2)
إن الفصل بين "الوحي" و "العقل" أمر غير مقبول بالمرة... بل إنه لأمر مناف لروح الإسلام كله ومعارض لما في القرآن من دعوة أساسية للعقل والمنهج المتسم بالوسطية. إن دعوة الإسلام عقلية ونقدية مميِّزة ، خلافا لتلك الأديان التي تحاول أن تجرف عقل الإنسان وتسيطر على ضميره بغية أن يسلم راغما بما ليس بمعقول بل بما هو سخيف. إن الإسلام يهيب بالناس دائما أن يستخدموا ذكاءهم ، وأن يمحصوا بملكاتهم النقدية كل الدعاوى ، وأن يفكروا في البدائل وأن يكون فكرهم دائما مقنعا ومنسجما ، وألا يقول أحدهم سوى الحق الذي هو على يقين منه ، وأن لا ينعزلوا بحال عن الواقع. ولا تخلو صفحة من صفحات القرآن من مثل هذا الحث والإلزام. وبدون العقل لا يمكن أن تدرك حقائق الوحي إدراكاً كاملاً أو تنكشف طبيعتها السماوية أو يعترف بها. وبدونه تستوي دعاوى الوحي مع غيرها من الدعاوى الباطلة. وإذا قبل الوحي على غير أساس من العقل ، فإنه يكون مقبولا شخصيا اعتباطيا قابلا للتبدل. وليس لأي أطروحة دينية قائمة على أساس المزاج الشخصي أن تزعم أنها مستحقة للقبول لدى البشر جميعا أو لدى نسبة معتبرة منهم لفترة طويلة. وحين بالغ المسلمون في التأكيد على الحدس على حساب العقل أدى ذلك إلى فتح الأبواب لفساد العقيدة. إن عدم فصلها عقلياً عن اللغو يعطي الفرصة للخرافات وحكايات العجائز أن تتزيا بزي الحقيقة وتتسرب إلى العقيدة ، ومثل ذلك تماما أن المبالغة في التأكيد على "العقل" على حساب العقيدة الحدسية قد أفسد "حياة العقل" حيث اختزلته إلى المادية والنفعية والآلية والخواء.(1/3)
وجزى الله خيرا القائمين على أمر جامعة القرآن الكريم في السودان على اهتماهم البالغ بهذا الأمر العظيم في شأن الأمة وذلك بإنشائهم مركزا متخصصا لبحوث القرآن والسنة يعنى بأمر منهجية المعرفة ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ما فتئوا يقيمون المؤتمرات التي يشارك فيها العلماء والباحثون من أبناء هذه الأمة .
ولذلك فهذا بحث مختصر بعنوان ( بين العقل والنقل ) في قضية أظنها من أهم القضايا في هذا العصر الذي طغت فيه المادة والمحسوسات على كل شيء ، أقدم هذا البحث للمشاركة به في المؤتمر الدولي الثاني ، الذي تنظمه جامعة القرآن الكريم في السودان حرسها الله تعالى ، ووفق القائمين عليها على خدمة الإسلام والمسلمين . وأظن أن الجامعة كانت موفقة جدا في اختيار جميع العناوين في كل المحاور وخاصة في محور التطور الإسلامي المعاصر لمنهجية المعرفة ، وبصفة أخص هذا الموضوع الذي نحن بصدد الكتابة فيه .
أهمية الموضوع :
في نظري إن هذا الموضوع في غاية من الأهمية في ذاته وفي زمنه وفي مستقبل الدعوة إن شاء الله تعالى أما في ذاته ؛ فهو متعلق بدور العقل في منهجية المعرفة الإسلامية ، وأما في زمنه ؛ فإن الإسلام اليوم يتهم من قبل أعدائه بأن قضاياه مخالفة لبدائه العقول ، وهناك من يقيمون التناقض بين العقل والشرع ويدعون أن الثقافة الإسلامية نقلية فقط لا عقلية ولا منطقية ويعتقدون أن جميع علماء الأمة بدون استثناء غير مؤهلين ؛ لأنهم اعتمدوا على النقل وليس على التفكير ، ومحاضرة من يسمونه بالبابا بندكس السادس عشر والتي كال فيها التهم جزافا على الإسلام والمسلمين التي تناقلته وسائل الإسلام المختلفة ليست من الأذهان ببعيد .(1/4)
وبالمقابل أيضا ثلة ممن هم ينتمون إلى هذا الدين الحنيف استجابة منهم لهذا التشويش الذي يطلق هنا وهناك ؛ أنكروا كثيرا من مسلمات هذا الدين بحجة عدم تعقلهم لها ، وأطلقوا العنان لعقولهم دون قيد ولا شرط ، يتحدثون فيما لا يعلمون ، ويهرفون فيما لا يعرفون دفاعا عن الإسلام زعموا ، فشككوا عوام أمة الإسلام في أصول دينها ، فهؤلاء لا للإسلام نصروا ولا للأعداء كسروا .
وأما فيما يتعلق بمستقبل الدعوة فإننا في حاجة ماسة إلى عرض الإسلام إلى غيرنا بصورة صحيحة مدعما بحجج عقلية منطقية مقنعة ، وفي حاجة إلى دفع هذه الشبهات والتهم التي تكال جزافا على أمة الإسلام وكل ذلك لا يتأتى إلا ببيان دور العقل في قضايا العقيدة الإسلامية وأن عقيدتنا الإسلامية ليس فيها ما يناقض صريح العقول السليمة .
خطة البحث :
حاولت جاهدا لملمة أطراف هذا البحث من خلال الخطة التالية :
? التمهيد : وفيه تعريف العقل لغة واصطلاحا ، وبيان محله .
? المبحث الأول : معان العقل في القرآن الكريم .
? المبحث الثاني : منزلة العقل في الإسلام .
? المبحث الثالث : العقل والوحي وقضية الإيمان بالغيب .
? المبحث الرابع : تقييد العقل وعدم الاعتداد به في غير مجاله .
? المبحث الخامس : درء تعارض العقل والنقل .
? الخاتمة : وفيها نتائج البحث وتوصياته. هذا وأسال الله تعالى أن يهدينا إلى سواء الصراط ، ويجعل عملنا خالصا لوجهه سبحانه وتعالى ، ويجزي القائمين على أمر جامعة المنيا خير الجزاء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
حقيقة العقل في اللغة :
العقل في اللغة يطلق على معانٍ متعددة ، سأكتفي منها بما يناسب هذا المقام :
1- الِحْجرُ والنُّهَى : ضِدُّ الحُمْق .(1/5)
2- الجَمْعُ ، يقال : ( رَجُل عاَِقلُُ ) ، أي : جامع لأمره ورأيه ، مأخوذ من : ( عَقَلْتَ الْبَعِيْرَ ) إذا : جَمَعْتَ قوائمه . ومن هذا الباب قوله عليه الصلاة والسلام لصاحب الناقة : ( أعقلها وتوكل على الله ) (1)
3-الْحَبْسُ ، مأخوذ من قولهم : ( قد اعْتُقلَ لسانُهُ ) إذا حُبِسَ ومُنِعَ الكلامَ .
4- التَّثَبُّتُ في الأمور ، يقال : ( إنسان عاقل ) أي : مُتَثَبِّتُُ في أموره .
5- التَّمَيُّزُ : وهو الذي يتميز به الإنسان من سائر الحيوان .
6- الفَهْمُ ، يقال : ( عَقَلَ الّشْيء يَعْقِلهُ عَقْلاً ) إذا فهمه .
7- المَسْكُ ، يقال : (عَقَلَ الدَّواءُ بطْنَهُ يَعْقُلهُ عَقْلاً ) : أمسكه، وقيل: أمسكه بعد استطلاقه .
__________
(1) ) أخرجه الترمذي في جامعه ، كتاب القيامة ، باب رقم 60 ، من حديث أنس رضي الله عنه ، وقال : هذا حديث غريب من حديث أنس ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وقد صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 2044 .(1/6)
8- الْمَلْجَأُ ، يقال: ( فُلان مَعْقِل لقومه ) أي : هو مَلْجَأ لهم . (1) وقال ابن فارس (2) في مقاييسه : عقل : العين والقاف واللام ؛ أصل واحد منقاس مطرد يدل عظمه على حبسة في الشيء ، أو ما يقارب الحبسة ، من ذلك العقل وهو الحابس عن ذميم القول والفعل ) (3) .
وهذه المعاني كلها مجتمعةً تدل على أن ( العَقْل ) في مفهوم العرب ؛ هو العاصم الذي يعصم الإنسان ـ بعد توفيق الله تبارك وتعالى وهدايته ـ من الطيش والحمق والتسرُّع في الأمور دون روِيَّةٍ وأناة ، وذلك بما يضفيه عليه ذلك العقل من الوعي والإدراك الأمر الذي يقيه مخاطر الزلل والخطل .
حقيقة العقل في الاصطلاح :
__________
(1) انظر : لسان العرب لابن منظور ، مادة : (عقل) 11/546 ، والصفحات التي بعدها ، ط/ دار الكتب العلمية بيروت . وانظر أيضا : القاموس المحيط للفيروزبادي مادة ( عقل ).
(2) هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ، من أئمة اللغة وأساطينها ، له فلسفته الخاصة في كتابه المقاييس ، كان شافعيا ، ثم صار مالكيا ، توفي سنة 395 هـ ، انظر ترجمته في : معجم الأدباء لأبي عبد الله ياقوت الحموي 4/80 ، القاهرة ـ دار المأمون ، ط2ـ1355 هـ ، والديباج المذهب في أعيان المذهب لابن فرحون المالكي 1/163 ، ت/ محمد الأحمدي ابو النور ـ القاهرة ـ دار التراث 1972م .
(3) معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هرون ، ط/ دار الجيل ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1411هـ ، 4/94 .(1/7)
صرَّح بعض الأصوليين بأنه من الصعوبة بمكان بيان حقيقة (العقل ) من الناحية الاصطلاحية ، كما ذكر ذلك إمام الحرمين الجويني (1) ـ رحمه الله تعالى ـ حين قال : ( فإن قيل : فما العقل عندكم ؟ قلنا : ليس الكلام فيه بالهيَن ) (2) .
__________
(1) إمام الحرمين : هو أبو المعالي ، عبد الملك ابن الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني ، ثم النيسابوري ، ضياء الدين ، الشافعي ، صاحب التصانيف ، ولد في أول سنة 419 هـ. قال أبو سعد السمعاني: كان أبو المعالي ، إمام الأئمة على الإطلاق ، مجمعا على إمامته شرقاً وغرباً ، لم تر العيون مثله توفي سنة 478 هـ انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي ج 18 ص 468.
(2) البرهان في أصول الفقه . عبد الملك بن عبد الله الجويني ، دار الأنصار بالقاهرة ، الطبعة الثانية 1400هـ ، تحقيق د. عبد العظيم الديب . 1/112 .(1/8)
ولعلَّ مَرْجع هذه الصعوبة ؛ اختلاف اصطلاحات العلماء في تحديد معناه ، نظراً لكونه اسماً مشتركاً يُطلق على عدد من المعاني ، وهذا ما ترجمه الغزالي (1) ـ رحمه الله تعالى ـ بقوله : ( وكذلك إذا قيل : ماحَدُّ العقل ؟ فلا تطمع في أن تحدَّهُ بحدٍ واحد ، فإنه هَوَس ، لأن اسم العقل مشترك يطلق على عدة معانٍ ، إذ يطلق على بعض العلوم الضرورية ، ويطلق على الغريزة التي يتهيّأ بها الإنسان لدَرْك العلوم النظرية ، ويطلق على العلوم المستفادة من التجربة حتى إنَّ مَنْ لم تحنّكه التجارب بهذا الاعتبار لا يُسمَّى عاقلاً ، ويطلق على مَنْ له وقار وهيبة وسكينة في جلوسه وكلامه ، وهو عبارة عن الهدوء فيقال : فلان عاقل أي فيه هدوء ، وقد يطلق على مَنْ جَمَعَ العمل إلى العلم حتى إنَّ المفسد وإن كان في غايةٍ من الكياسة يمنع عن تسميته عاقلاً ... ، فإذا اختلفت الاصطلاحات فيجب بالضرورة أن تختلف الحدود ) (2) .
__________
(1) هو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي ، الشافعي الملقب بحجة الإسلام ، برع في الفقه وأصوله ، وعلم الكلام له مصنفات عديدة فيها الغث والسمين من أشهرها أحياء علوم الدين والمستصفى ... وغيرها كثير غالبها في الفلسفة والمنطق مثل : تهافت الفلاسفة ، والمنقذ من الضلال ، ولد سنة 450هـ ، وتوفي سنة 505هـ . انظر ترجمته في : تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري لابن عساكر الدمشقي ص 291ـ306 . وطبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين عبد الوهاب السبكي 6/961 .
(2) المستصفى من علم الأصول . محمد بن محمد الغزالي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان . 1/23 . وانظر : ذكرى العاقل وتنبيه الغافل لعبد القادر الجزائري ، موقع الوراق http://www.alwarraq.com .(1/9)
ورغم هذه الصعوبة البالغة فقد اقتحم العلماء عُبابها ، وولجوا أبوابها فذكروا حدوداّ تبيَن حقيقة ( العقل ) من الناحية الاصطلاحية ، وبعد سبر وتمحيص لهذه الأقوال يمكننا القول : إن المقصود بالعقل في التصور الإسلامي أربعة معاني (1) :
المعنى الأول :
الأداة الغريزية في الإنسان التي يدرك بها الأشياء على ما هي عليه من حقائق المعنى ، ويسميها بعضهم ( العقل الغريزي ) فهو الطاقة الإدراكية في الإنسان . والتي يمتاز بها عن سائر الحيوان ؛ فبها يعلم ، وبها يعقل ، وبها يميز ، وبها يقصد المنافع دون المضار . يقول أبو حامد الغزالي عن هذا المعنى : ( إنه الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم ، وهو الذي استعد به لقبول العلوم النظرية ، وتدبير الصناعات الخفية الفكرية ) (2) .
__________
(1) انظر : مفهوم العقل لبروفسير جعفر شيخ إدريس مجلة البيان العدد 158 ، 2001م ، ص61 .
(2) ) التذكرة الحمدونية لابن حمدون 1/351 .(1/10)
وهذه الغريزة ، التي هي إحدى معاني العقل ، شرط في المعقولات والمعلومات ، وهي مناط التكليف ؛ فإذا عدمت في الإنسان ، سقطت عنه التكاليف الشرعية . وضد هذه الغريزة الجنون ، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية (1) رحمه الله تعالى عن الفرق بين المجنون والعاقل يشبه هذا الكلام ، ومنه قوله : ( فالمجنون الذي لا يميز بين الدراهم والفلوس ، ولا بين أيام الأسبوع ، ولا يفقه ما يقال له من الكلام ليس بعاقل . أما من فهم الكلام ، وميز بين ما ينفعه وما يضره ؛ فهو عاقل ) (2) .
المعنى الثاني :
ما توفره هذه الأداة الغريزية ، وتلك الطاقة الإدراكية من حصيلة معرفية ، وخبرة وفكرة ويسميها بعضهم : العقل المكتسب ، فهو نتيجة للعقل الغريزي ، وهو ينمو إن استعمل وينقص إن أهمل ، ويكون ضعيفا في مبتدأ العمر ، فلا يزال يربو حتى تتم الأربعون ثم ينتهي نماؤه ) (3)
__________
(1) ) هو أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن علي بن عبد الله ابن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي . الفقيه ، المحدث ، المفسر ، الملقب ب شيخ الإسلام ، أشهر علماء زمانه ، ولد في حران في ربيع الأول 661 هـ ، وانتقل به والده إلى دمشق سنة 728 هـ ، وخلف آثاراً كثيرة مفيدة منها : منهاج السنة النبوية ، درء تعارض العقل والنقل ، الفتاوى الكبرى ... وغيرها . انظر ترجمته في البداية والنهاية لابن كثير 7/148 ، نشر : دار الحديث بالقاهرة ، الطبعة الأولى 1413هـ .
(2) ) مجموع الفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 9 /287
(3) انظر : ذم تقديم العقل على النقل لبدر بن عبد الله بن عبد الكريم ، ط/ دار طيبة الرياض ، الطبعة الثانية 1414هـ ، الصفحات ( 28-30) ، وانظر أيضا : منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة لعثمان بن علي حسن 1/158 ، مكتبة الرشد الرياض ، الطبعة الثانية 1413هـ .(1/11)
وهذا العقل يعد نتيجة للعقل الغريزي ، وهو نهاية المعرفة ، وصحة السياسة ، وإصابة الفكرة . وليس لهذا حد ؛ لأنه ينمو إن استعمل ، وينقص إن أهمل ، وعنه يقول الغزالي : ( علوم تستفاد من التجارب بمجاري الأحوال ؛ فإن من حنكته التجارب ، وهذبته المذاهب ، يقال إنه عاقل في العادة ، ومن لا يتصف بهذه الصفة ، يقال : إنه غبي غمر جاهل . فهذا نوع آخر من العلوم يسمى عقلا ) (1) ، ولقد كانت العرب تقول : ( العقل : التجارب ) (2) ، وقد سئل بعضهم عن العقل ، فقال : لب أعنته بتجريب ) (3) .
المعنى الثالث :
العلوم التي تلازم الإنسان العاقل ؛ فتقع في نفسه ابتداء ، ولا تنفك عن ذاته ؛ كالعلم بالممكنات ، والواجبات ، والممتنعات .
وهذا معنى من معاني العقل ؛ إذ ثمة علوم تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميز ، بجواز الجائزات ، واستحالة المستحيلات ؛ كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد ، وأن الشخص الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد ، وأن الشيء لا يخلو من وجود أو عدم ، وأن الموجود لا يخلو من حدوث أو قدم ، وأن من المحال اجتماع الضدين (4) . وهذه العلوم تشمل جميع العقلاء .
المعنى الرابع :
الأعمال التي يستوجبها العلم ؛ من إيمان بالله تعالى ، وتصديق بكتبه ، ورسله ، والتزام بأمره ونهيه ؛ كحبس النفس على الطاعات ، وإمساكها عن المعاصي .
__________
(1) ) انظر : التذكرة الحمدونية لابن حمدون 1/352 ، لم أعثر عليه مطبوعا ولكنني عثرت عليه بصيغة إلكترونية على الشبكة الإلكترونية على موقع موقع الوراق http://www.alwarraq.com
(2) ) العقل وفضله لابن أبي الدنيا ، مصدر سابق ، ص 52.
(3) ) المصدر نفسه ص62 .
(4) ) انظر : المرجع نفسه .(1/12)
وهذا معنى رابع من معاني العقل ، وعنه يقول ابن تيمية : ( لفظ العقل يطلق على العمل بالعلم فالعمل من لوازم العقل ؛ لأن صاحب العقل إذا لم يعمل بعلمه ، قيل : إنه لا عقل له ، فإن العقل مستلزم لعلوم ضرورية يقينية ، وأعظمها في الفطرة : الإقرار
بالخالق ) (1) .
وقد وصف الله عز وجل في كتابه أناسا بالعقل ، وأخبر في الوقت نفسه أنهم لم يستفيدوا منها ؛ فقال: چ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ (2) فهؤلاء قد عقلوا البيان الذي لزمتهم من أجله الحجة ، لكنهم لم يعملوا بما عقلوا ؟ فحالهم أن لهم عقولا يعرفون بها الحق ، ولكن هواهم صدهم عن اتباع موجب العقل ، فلا عقل لهم بهذا الاعتبار (3) .
فالعاقل - كما قال سفيان بن عيينة (4) : ( ليس الذي يعرف الخير من الشر ، ولكن العاقل الذي يعرف الخير فيتبعه ، ويعرف الشر فيجتنبه ) (5) . وقد حكى الله تعالى عن أهل النار قولهم - وهم في النار -: چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ (6) . وقد كانت لهم عقول ، وأسماع لزمتهم بها حجة الله عز وجل ، ولكنهم لما لم يستفيدوا من عقولهم في الانقياد لشرع الله تعالى ؛ كانوا بمنزلة من لا عقل له .
محل العقل ومكانه :
__________
(1) ) انظر : مجموع الفتاوى ، مصدر سابق 16 / 336.
(2) سورة الأحقاف الآية : 26 .
(3) ) المصدر نفسه 16 /337.
(4) ) هو أبو محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي الإمام الحافظ الحجة الفقيه ، ولد سنة 107هـ ، وتوفي سنة 198 هـ انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي 8/454 .
(5) ) ابن أبي الدنيا ، مصدر سابق ، ص 59.
(6) سورة الملك الآية (10).(1/13)
لقد اختلف العلماء في مكان العقل ومحله من جسم الإنسان فقالت الأحناف والحنابلة : إن العقل محله الدماغ ، أي الرأس ، ودليلهم أنه إذا ضرب الرأس ضربة قوية زال معها العقل ، وقالوا أيضا : إن العرب تقول للعاقل : وافر الدماغ ، ولضعيف العقل : خفيف الدماغ ، وهو محل الإحساس (1) . ولهم أدلة أخرى ولكن هذا من أقوى ما استدلوا به (2) ، وقالت المالكية والشافعية : محله القلب وعليه بعض الحنابلة ، ونسب إلى الأطباء ودليلهم قوله تعالى : چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?چ (3) ، فأضاف منفعة كل عضو إليه فمنفعة القلب التعقل ، كما أن منفعة الأذن السمع (4) . يقول الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى : ( وأسند التعقل إلى القلوب ؛ لأنها محل العقل ، كما أن الآذان محل السمع ) ، قلت : ومثله في المعنى قوله تعالى : چ ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹٹ ٹ ? ? ? ?? ? ? ? چ (5) . ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : ( ذاكم فتى الكهول ، إن له لسانا سئولا ، وقلبا عقولا ) (6) .
__________
(1) انظر : شرح الكوكب المنير ص 24، 25 .
(2) ) انظر : الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي 12/77، وانظر أيضا : الأذكياء للإمام ابن الجوزي ص 2 .
(3) سورة الحج : الآية (46)
(4) انظر : منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة 1/163 .
(5) سورة الأعراف: الآية (179) .
(6) رواه الحاكم في مستدركه 3/539 ، كتاب معرفة الصحابة ، ذكر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما . وقال الذهبي : منقطع .(1/14)
والذي يترجح عندي والعلم عند الله تعالى : أن العقل له تعلق بالقلب والدماغ معا ، حيث يكون مبدأ الإرادة والقصد في القلب ، ومبدأ الفكر والنظر في الدماغ ، فالمريد لا يكون مريدا إلا بعد تصور المراد ، والتصور محله الدماغ ، ولهذا يمكن أن يقال : إن القلب موطن الهداية والدماغ موطن الفكر ؛ لذا فقد يوجد في الناس من فقد عقل الهداية الذي محله القلب ، واكتسب عقل الفكر والنظر الذي محله الدماغ ، كما قد توجد ضد هذه الحال (1) . وهذا القول وسط بين الأقوال ، وفيه إعمال لأدلة الفريقين ، وإعمال الأدلة كلها خير من تجاهل بعضها والله أعلم (2) .
المبحث الأول : معان العقل في القرآن الكريم .
وللعقل في القرآن معان بحسب نوع المعقول ـ أعني نوع الشيء المراد عقله وفهمه ـ من هذه المعاني :
أ/ فهم الكلام : مثل قوله تعالى : چ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ (3) ، وقوله تعالى : چ ہ ھ ھ ھ ھ ےچ (4) ؛ فبين أن السبب في جعله عربيا ؛ هو أن يفهمه ويعقله أولئك المتحدثون بهذه اللغة .
__________
(1) انظر : منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد 1/163 . وانظر ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض الفلاسفة في الفتوى الحموية حيث قال عنهم : أوتوا ذكاء ، وما أوتوا زكاء ، وأعطوا فهوما ، وما أعطوا علوما ، وأعطوا سمعا وأبصارا وأفئدة { فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون }، الفتوى الحمية الكبرى ص90.
(2) انظر : العقل عند الأصوليين د. علي بن سعد الضويحي ضمن منشورات مجلة جامعة أم القرى العدد 20 .
(3) سورة البقرة : الآية (175) .
(4) سورة يوسف : الآية (2) .(1/15)
ب/ عدم التناقض في القول قال تعالى : چ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ?? ? ?چ (1) ، فالذي يقول : إن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا كأنه يقول : إن إبراهيم كان سابقا في وجوده لليهودية والنصرانية لكنه كان أيضا لا حقا لهما. وهذا كقوله تعالى : چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ?? چ چچ چ ? ? ? ? چ (2) . هذا الكلام موجه لليهود الذين يزعمون أنهم يؤمنون بنبوة موسى ؛ فكأن الآية الكريمة تقول لهم إن من التناقض أن تقولوا إن الله أنزل التوراة على موسى ثم تقولوا : ما أنزل الله على بشر من شيء .
ج/ فهم الحجج والبراهين كما في قوله تعالى : چ ? ? ? ? ?? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ?? ? ? ? ? ںچ (3) ، چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ژ ژ ڑ ڑک ک ک چ (4) .
د/ موافقة القول للعمل قال تعالى : چ ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھھ ھ ے ے چ (5) . ولذلك قال النبي الصالح: چ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?? ? ? ? ? چ (6) .
هـ/ اختيار النافع وترك الضار سواء كان ماديا أو معنويا قال تعالى : چ ? ? ? ? ? ہہ ہ ہ ھ ھ ھھ ے ے چ (7) . وقال تعالى : چ ? ? ? ? ? ?? ? ? چ (8)
و/ التضحية بالمصلحة القليلة العاجلة من أجل مصلحة كبيرة آجلة : قال تعالى : چ ? ? ? ? ? پ پ پپ ? ? ? ? ?? ? ? چ (9) ، ويؤيد هذا آيات أخرى لم يرد فيها ذكر العقل ، منها قوله تعالى : چ ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک چ (10) .
__________
(1) سورة آل عمران : الآية (65).
(2) سورة الأنعام : الآية (91).
(3) سورة الروم : الآية (28).
(4) سورة يونس : الآية (16) .
(5) سورة البقرة الآية (44) .
(6) سورة هود : الآية (88).
(7) سورة الأنعام : الآية (32).
(8) سورة الأنبياء : الآية (10).
(9) سورة القصص : الآية (60).
(10) سورة التوبة : الآية (38).(1/16)
ز/ استخلاص العبر الصحيحة من الحوادث قال تعالى : چ ? ? ? ں ں ? ?چ (1) يشير - سبحانه وتعالى - هنا إلى قرى قوم لوط التي قال عنها في آية أخرى مبينا عدم إدراك الكفار لمغزاها بسبب إنكارهم للبعث كما قال تعالى : چ ? ? ? ں ں ? ? ?? ? ? ہہ ہ ہ ھ ھ ھ چ (2) .
ح/ استخلاص العبر مما جرى في التاريخ قال تعالى : چ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ںں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ?? ? ? چ (3) .
ط/ فهم دلالات الآيات الكونية قال تعالى : چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ (4) ، چ ? ? ? ? ? ںں ? ? ?? ? ? ہ ہ ہ ہ چ (5) .
هذه بعض المواضع في القرآن الكريم جاء فيها ذكر العقل ، ولكن ينبغي أن يعلم أن بيان القرآن للمسائل العقلية ، وإقراره لها ليس محصورا في الآيات التي ذكرت فيها كلمة العقل , فهنالك آيات يذكر ربنا سبحانه وتعالى فيها كلمات أخرى تشير إلى المقدرات العقلية بذلك المعنى العام الذي ذكرناه ، بل إنه يبدو أن كل سؤال استنكاري في القرآن يدل على أن المسؤول عنه أمر بدهي ما ينبغي لذي عقل أن يماري فيه .
المبحث الثاني : منزلة العقل في الإسلام .
إن الإسلام كرم العقل أيما تكريم ، كرمه حين جعله مناط التكليف عند الإنسان ، والذي به فضله الله على كثير ممن خلق تفضيلا ، وكرمه حين وجهه إلى النظر والتفكير في النفس ، والكون ، والآفاق: اتعاظاً واعتباراً ، وتسخيراً لنعم الله واستفادة منها ، وكرمه حين وجهه إلى الإمساك من الولوج فيما لا يحسنه ، ولا يهتدي فيه إلى سبيل ما ، رحمة به وإبقاء على قوته وجهده . وتفصيل هذه الجمل في الآتي (6) :
__________
(1) سورة العنكبوت : الآية (35).
(2) سورة الفرقان : الآية (40).
(3) سورة يوسف : الآية (109).
(4) سورة البقرة : الآية (164).
(5) سورة النحل : الآية (12).
(6) انظر : منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة 1/169 .(1/17)
1. خص الله أصحاب العقول بالمعرفة لمقاصد العبادة ، والوقوف على بعض حكم التشريع ، فقال - سبحانه وتعالى - بعد أن ذكر جملة أحكام الحج چ ? ? ?چ (1) ، وقال عقب ذكر أحكام القصاص: چ ? ? ? ? ? ?چ (2) .
2. قصر سبحانه وتعالى الانتفاع بالذكر والموعظة على أصحاب العقول ، فقال عز وجل : چ ? ? ? ? ? چ (3) .. وقال عز وجل : چ ? ? ? ? ? ? ??چ (4) .وقال عز وجل : چ ? ? ? ں ں ? ? چ (5) .
3. ذكر الله أصحاب العقول ، وجمع لهم النظر في ملكوته ، والتفكير في آلائه ، مع دوام ذكره ومراقبته وعبادته، قال تعالى : چ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ?چإلى قوله عز وجل: چ ? ? ? ? چ (6) .
4. ذم الله عز وجل المقلدين لآبائهم ، وذلك حين ألغوا عقولهم وتنكروا لأحكامها رضاً بما كان يصنع الآباء والأجداد ، قال عز وجل: چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? چ چ چ چ (7) .
5. حرم الإسلام الاعتداء على العقل بحيث يعطله عن إدراك منافعه .
فمثلاً : حرم على المسلم شراب المسكر والمفتر وكل ما يخامر العقل ويفسده ، قال عز وجل : چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? چ (8) . وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ ) (9) .
__________
(1) سورة البقرة : الآية (197).
(2) سورة البقرة : الآية (179).
(3) سورة البقرة : الآية (269).
(4) سورة يوسف : الآية (111).
(5) سورة العنكبوت : الآية (35).
(6) سورة آل عمران : الآيات من 190 – 194.
(7) سورة البقرة : الآيتان : (170-171)
(8) سورة المائدة : الآية (90).
(9) / رواه أبو داود ، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم 4732 .(1/18)
6. وجعل الإسلام الدية كاملة في الاعتداء على العقل وتضييع منفعته بضرب ونحوه ، قال عبد الله بن الإمام أحمد : سمعت أبي يقول : في العقل دية ، يعني إذا ضرب فذهب عقله ، قال ابن قدامة : ( لا نعلم في هذا خلافاً ) (1) .
وفي الجملة فإن العقل من الضرورات الخمس التي ما جاءت شريعة الإسلام إلا لتحصيلها وتكميلها والمحافظة عليها ، ودرء المفاسد عنها ، وقد تحدث علماء الأصول والمقاصد بإسهاب في التشريعات التي شرعت في الإسلام من أجل المحافظة على العقل من جانب الوجود ، ومن جانب العدم مما يدل على مكانة العقل في هذه الشريعة المباركة (2) .
ونستطيع أن نقول قولا عاما : أنه ليس ثمة عقيدة تقوم على احترام العقل الإنساني ، وتكريمه ، والاعتزاز به ، والاعتماد عليه ـ بعد توفيق الله تعالى ـ في فهم النصوص كالعقيدة الإسلامية ، بل إن العقيدة الإسلامية تدعو العقل إلى تشغيل طاقاته ، وتستثيره ؛ ليؤدي دوره الذي خلقه الله من أجله ، وتنبهه ؛ ليتدبر ، ويتفكر ، وينظر ، ويتأمل مدللة بذلك على أن الدعوة إلى الإيمان قامت على الإقناع العقلي.
__________
(1) انظر المغني لابن قدامة 8/465 .
(2) انظر في هذا : الموافقات في أصول الشريعة للإمام الشاطبي رحمه الله تعالى .(1/19)
ويبدوا هذا واضحا في آيات كثيرة من كتاب الله الكريم تكررت عشرات المرات في السياق القرآني ، مدح الله عز وجل من خلالها مسمى العقل ورفع من شأنه من خلال توجيهه إلى النظر والتفكر والتدبر والتأمل ؛ مثل قوله - سبحانه وتعالى - : چ ک ک ک ک گ گ گ گ چ (1) ، وقوله عز وجل: چ ہ ھ ھ ھ ھ ے چ (2) ، وقوله جل جلاله : چ ? ? ? ? ? ? ? چ (3) .. وقوله عز وجل: چ ? ? ? ? ? چ (4) ، وقوله سبحانه وتعالى: چ ? ژ ژ ڑ ڑ کک ک ک گ گ گچ (5) ، ... وغير ذلك من الآيات إلى لا يمكن حصرها في مكان واحد.
المبحث الثالث : العقل والوحي وقضية الإيمان بالغيب .
__________
(1) سورة البقرة : الآية : (73).
(2) سورة يوسف : الآية (2).
(3) سورة النور : الآية (61).
(4) سورة يونس : الآية (24).
(5) سورة الأنعام : الآية (98).(1/20)
المقصود بالغيب هنا كل ما غاب عن حواس الإنسان ومنها ؛ قضايا الإيمان بالله سبحانه وتعالى وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والإيمان هنا يعنى اليقين في كل ذلك . والمقصود بالعقل هنا العقل المكلف الباحث عن الحكمة والهدف والغاية ( القلب أو اللب ) . وإذا كان العقل يوقن بالمغناطيسية والكهرباء وهو لم يرها ، ويوقن بالجاذبية والإلكترون وهو لم يرها أيضا ، ولكن بمشاهدة الآثار تعرف على ما ورائها من مؤثرات . فعندما يرى ذلك العقل ساعة أو جهازا معقدا ، أو حتى عود ثقاب ، أو دبوسا ؛ يوقن بأن هناك عالما خبيرا حكيما عليما صنع ذلك وإن لم يره . وعندما يشاهد مبنى ضخما وفخما ؛ يوقن أيضا بأن هناك مهندسا قديرا قد قام ببنائه ، فكيف إذا رأي كونا يحيط به ، شديد الضخامة ، منظما وبديعا ، ورأى ما فيه من كواكب ونجوم ومجرات ... ، أو رأى المخلوقات التي هي في غاية من الصغر والدقة والتقدير كالذرات والموجات والجزيئات ، تحكمها قوانين غاية في العلم والحكمة والدقة ، حتما سيوقن العقل أن فوق كل ذلك خالق له صفات الكمال ، قيوم لا يغفل ، ولا تأخذه سنة ولا نوم .
فالعلم في الخلق يدل على أن الخالق عليم ، والحكمة فيه تدل على أن الخالق حكيم ، واستمرار الخلق في نظام مضبوط بلا خلل يدل على أن الخالق قيوم . وعندما يشاهد العقل آيات الحكمة وميزان العدل والتوازن في صنعة الله يوقن بأن هذا الكون لم يخلق عبثا بل خلق لهدف وغاية عظيمة قال تعالى مخاطبا أولي الألباب : چ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ چ (1) .
__________
(1) سورة آل عمران : الآيات : (189-191).(1/21)
ولقد تفرد القرآن الكريم بقيادة العقل المكلف على سلم الأسباب في عالم الشهود حتى إذا وصل إلى منتهاه أطل إلى عالم الغيب وكأنه يراه فيوقن ، فهو يأخذ بالعقل في رحلة في ظواهر ، ومظاهر الكون من حوله ، منشطا قناة العقل الباحثة عن الحكمة حتى لا يكتفي العقل بمشاهدتها ، وتسخيرها بل يتعرف على ما فوقها من هدف وحكمة وغاية ، فيوقن أن ذلك الكون المنظم البديع المتقن والمسخر للمخلوق المكلف ؛ لابد أن يكون من فوقه خالق له صفات الكمال ، وأن تلك الآيات لا يمكن أن تكون قد خلقت باطلا ، أو لهوا بل لابد أن تكون لهدف وغاية ، فيوقن العقل بالرسل تحمل رسالات الهدى للمكلفين ويوقن بيوم الحساب .
ويقدم القرآن للعقل المتقدم الحديث إشارات علمية تصف الكون من الذرة إلى المجرة ، وصفا يتطابق مع ما وصل إليه العلماء بأدق وسائل التقنية المكتشفة بعد نزول القرآن بأكثر من ألف عام ، فيوقن العقل بأن القرآن كلام الخالق المحفوظ . قال تعالى : چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? چ چ چ (1) . . عن محمد بن جبير ابن مطعم ، عن أبيه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ . أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ } كاد قلبي أن يطير (2) .
__________
(1) سورة الطور : الآيتان : (35-36).
(2) ) رواه البخاري في صحيحه كتاب التفسير برقم 4476 .(1/22)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : وجبير بن مطعم كان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر في فداء الأسارى ، وكان إذ ذاك مشركا ، وكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام بعد ذلك ) (1) .
وما نريد الوصول إليه هو أن العقل قي قضايا الإيمان بالغيب غير ملغي تماما ، نعم إنه بمفرده لا يستطيع الوصول إلى حقائق الأشياء الغيبية ، ولكن هنالك إشارات كثيرة في عالم الشهادة تدل على أن من ورائها خالقا ، وهدفا ، وغاية ... فإذا انضاف إلى ذلك وحي السماء الذي جاءت به الأنبياء والمرسلون ؛ وصل العقل إلى اليقين ، والاطمئنان الذي كان يبحث عنه .
المبحث الرابع : تقييد العقل وعدم الاعتداد به في غير مجاله :
__________
(1) ) تفسير القرآن العظيم لابن كثير تحقيق سامي بن محمد سلامة ، دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة : الثانية 1420هـ - 1999 م ، 7/437 .(1/23)
ذلك أن العقل ، مهما بلغ من العظمة والتألق في الحكمة والإبداع ، هو ملكة من ملكات الإنسان ، وكل ملكات الإنسان - بالخبرة التاريخية والمعاصرة - هي ملكات محدودة وقاصرة (1) ، تجهل اليوم ما تعلمه غدًا ، وما يقصر عنه عقل هذا يبلغه عقل ذاك الآخر ، وإذا كانت ميادين عالم الشهادة النفس والكون.. أي الدنيا مفتوحة على مصاريعها أمام العقل ، وأمام التجربة بالنسبة للإنسان ، فإن هناك ميادين ، وخاصة في معارف عالم الغيب سبيل معرفتها النقل أي الوحي ، فالهدايات التي يهتدي بها الإنسان هي : النقل والعقل .. وليست العقل وحده دون سواه.. وبتنوع الهدايات ، وسبل المعرفة الإنسانية ، مع تنوع مصادر المعرفة الإنسانية الوحي وآيات الله المسطورة ، مع الكون وآيات الله المنظورة ؛ تتكامل وتتوازن المعرفة الإنسانية ، وهذه هي نظرية المعرفة الإسلامية بينما يختل توازن هذه النظرية إذا هي وقفت في المصادر عند الكون وعالم الشهادة وحده ، وفى الوسائل وإدراك المعرفة عند العقل وحده ، أو العقل والتجربة وحدهما ، دون النقل.
__________
(1) ) والعقل أيضا مخلوق من مخلوقات الله تعالى شأنه كشأنها له قدراته المحدودة ، وخصائصه الثابتة ، فهل يطلب من العين أن تبصر ما يبعد عنها آلاف الأميال ؟ ، وهل يطلب من الأذن أن تسمع ما يدور بين الطيور من مناجاة ؟ ، وهل يطلب من اليد أن تحمل جبلا من الجبال ؟ ، أو غير ذلك من أمور المحال . انظر لزوما : مقدمة كتاب الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة لابن بطة العكبري 1/17 ، بقلم المحقق رضا بن نعسان .(1/24)
فليس هناك عاقل يحكِّم العقل فيما لا يستقل العقل بإدراكه من مبادئ الشرائع والمعجزات ، وكنه وجوهر وحقائق المغيبات . وليس هناك عاقل يغفل أو يتغافل عن مكانة ودور العقل في دين الإسلام . وإدراك وظيفة العقل ، وميدان عمله ، وحدود قدراته ، هو لب الاحترام للعقل ، وليس فيه انتقاص من سلطانه ، الذي تألق في دين الإسلام وفكر المسلمين .
ولهذا قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى : ( إن الله جعل للعقول في إدراكها حداً تنتهي إليه لا تتعداه ، ولم يجعل لها سبيلاً إلى الإدراك في كل مطلوب . ولو كانت كذلك لاستوت مع الباري تعالى في إدراك جميع ما كان ، وما يكون ، وما لا يكون ، إذ لو كان كيف كان يكون ؟ فمعلومات الله لا تتناهى ، ومعلومات العبد متناهية ، والمتناهي لا يساوي ما لا يتناهى ) (1) .
وقال أيضا بعد أن أورد عدة أمثلة على ما تحتار فيه العقول ، ولا تستطيع الوصول إلى حقيقة كنهها إلا من جهة الأدلة الشرعية قال : ( وينبغي أن لا يجعل العقل حاكماً بإطلاق ، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع ، بل الواجب عليه أن يقدم ما حقه التقديم ـ وهو الشرع ـ ويؤخر ما حقه التأخير وهو نظر العقل ؛ لأنه لا يصح تقديم الناقص حاكماً على الكامل ؛ لأنه خلاف المعقول والمنقول ، بل ضد القضية ... ؛ ولذلك قال : اجعل الشرع في يمينك والعقل في يسارك ، تنبيهاً على تقدم الشرع على العقل ) (2) .
والعلوم من حيث إدراك العقل لها تنقسم إلى ثلاثة أقسام (3) :
1 - قسم ضروري لا يمكن التشكيك فيه كعلم الإنسان بوجوده ، وعلمه بأن الاثنين أكثر من الواحد ، وأن الضدين لا يجتمعان .
2 - وقسم نظري يمكن العلم به ، ويمكن أن لا يعلم به ؛ وهي النظريات . و التي يتوصل إلى العلم بها بواسطة ، لا بأنفسها .
__________
(1) ) الاعتصام للشاطبي 2/486.
(2) ) الاعتصام للشاطبي 2/492 .
(3) ) انظر : العقل تعريفه ، منزلته ، مجالاته ، ومداركه ، مصدر سابق .(1/25)
3 - وقسم لا يعلمه البتة ، إلا أن يعلم به ، أو يجعل له طريق إلى العلم به ؛ وذلك كعلم المغيبات عنه . ويدخل في هذا القسم الأخير أغلب مسائل الاعتقاد ؛ فلا تعلم إلا عن طريق الخبر ؛ إذ لا يمكن للعقول أن تستقل بمعرفة هذه المسائل ، لولا مجيء الوحي بها ، وبأدلتها العقلية. وما على العقل إلا فهمها وتدبرها . وأيضا فإن كثيرا من مسائل الاعتقاد - بعد معرفتها ، والعلم بها عند العقول - لا تدرك العقول حقيقتها وكيفياتها . ولعلي أضرب هنا بعض الأمثلة :
1 – الروح : فهذه الروح التي توجد فينا ، والتي توصف بصفات متعددة ، منها : الوجود ، والحياة ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ، والصعود ، والنزول ، وغير ذلك . وهى مخلوقة ، ومع ذلك فالعقول قاصرة عن معرفة كيفيتها ، وتحديدها ؛ لأنهم لم يشاهدوا لها نظيرا ، كما قال ابن تيمية : ( والناس لما لم يشهدوا لها نظيرا ، عسر عليهم التعبير عن حقيقتها ) (1) . لذلك لما سألت يهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها، لم يبين لهم ماهيتها ، بل قال : هي من أمر ربي ، فقد أخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما ( أن اليهود مروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متكئ على عسيب ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، فسألوه . فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليهم شيئا ، حتى نزل عليه الوحي ) (2) .
2 - صفات الله عز وجل : فللعقل دور في تفهم معانيها ؛ لأنا بعقولنا نعتبر الغائب بالشاهد ، فتبقى في أذهاننا قضايا عامه كلية ، ثم إذا خوطبنا بوصف ما غاب عنا ، لم نفهم ما قيل لنا إلا بمعرفة المشهود لنا (3) . وأما حقيقة الصفات وكيفياتها : فلا يدركها العقل ، مع أنه لا يحيلها ؛ إذ كيف يدرك ما يفتقر إلى تصوره .
__________
(1) ) تفسير سورة الإخلاص لابن تيمية ص 202.
(2) ) صحيح البخاري تفسير القرآن (4721) ، صحيح مسلم صفة القيامة والجنة والنار (2794) .
(3) ) انظر : شرح حديث النزول لابن تيمية ص 104.(1/26)
ونحن لا نعلم كيفية صفات ربنا عز وجل ؛ إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف ، وهو فرع له ، وتابع له ؛ لذلك لما جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه ؛ إمام دار الهجرة ، فقال له : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } كيف استوى ؟ أطرق الإمام مالك برأسه ، وعلته الرحضاء (1) ، ثم رفع رأسه ، وقال: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } كما وصف نفسه ، فلا يقال: كيف ؟ وكيف عنه مرفوع ، وقال للسائل : أنت صاحب بدعة ، وطلب من أصحابه أن يخرجوه من مجلسه ) (2) . فسبب إنكار الإمام مالك - رحمه الله - على السائل، كونه أراد أن يخوض بعقله ، ما ليس في متناول عقله ؛ وهو إدراك كيفية الصفة ؛ لأن الرب جل جلاله لا يحيط به علما أحد من خلقه .
3 - وكذلك ما أخبر الله سبحانه وتعالى عنه من أمور الآخرة ؛ كالجنة ونعيمها ، والنار وجحيمها ، وغير ذلك من المغيبات ، ليست من مدارك العقل ، ولا في متناوله ، مع أن العقل يقر بها ، ولا يحيلها فالله سبحانه وتعالى أخبرنا عما في الجنة من المخلوقات ؛ من أصناف المطاعم ، والمشارب ، والمناكح ، والمساكن ؛ فأخبرنا أن فيها لبنا ، وعسلا ، وخمرا ، وماء ، ولحما ، وفاكهة ، وحريرا ، وذهبا ، وفضة ، وحورا ، وقصورا ، وقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء ) (3) . أما الكيفية فمختلفة ، ولا طاقة للعقل في إدراك كيفية هذا النعيم المقيم ، الذي أعده الله للمتقين ، مع أن وجوده لا يتعارض معه بحال .
__________
(1) ) الرحضاء : عرق يغسل الجلد لكثرته .
(2) ) هذا الأثر من الشهرة بحيث لا يحتاج حتى إلى تخريج فقد ذكرته جل كتب العقيدة ، ويروى هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها وقد صححه الألباني في مختصر العلو للذهبي ، وتخريج شرح الطحاوية .
(3) ) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره 1/210، مصدر سابق .(1/27)
يقول العلامة السفاريني (1) : ( ومما يوضح ذلك أن العقول لو كانت مستقلة بمعرفة الحق وأحكامه ، لكانت الحجة قائمة على الناس قبل بعث الرسل وإنزال الكتب ، واللازم باطل بالنص ، قال تعالى : چ ? ? ? ? ? ? چ (2) ، وقال تعالى : چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ (3) ، فكذا الملزوم ، فلما بعث الله الرسل ، وأنزل الكتب ، وجبت لله على الخلق الحجة البالغة ، وانقطعت علقة الاعتذار ، چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک کک چ (4) ، چ ? ? ? ? ? ? ? چ (5) ، ولما عجزت العقول من طريق الفكر عن معرفة الحق التي هي وراء طورها ومنحها القبول ، وقد أنزل الكتاب ، وأنزل فيه ما حارت في إدراكه العقول من الآيات المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله ، أمرنا الشارع بالإيمان بها ، ونهانا عن التفكير في ذات الله رحمة منه بنا ، ولطفا لعجزنا عن إدراكه ، فإن تسليط الفكر على ما هو خارج عن حده تعب بلا فائدة ، ونصب من غير عائدة ، وطمع في غير مطمع ، وكد من غير
منجع ... ) (6)
المبحث الخامس : درء تعارض العقل والنقل :
__________
(1) ) شمس الدين ، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي ، المتوفى : 1188هـ، انظر ترجمته في الأعلام للزركلي 6/14 .
(2) سورة الإسراء : الآية (15) .
(3) سورة طه : ألآية (134).
(4) سورة البقرة : الآية (213) .
(5) سورة النساء : الآية (165).
(6) ) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية لشمس الدين ، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي 1/105 ، نشر : مؤسسة الخافقين ومكتبتها – دمشق الطبعة : الثانية - 1402 هـ - 1982 م(1/28)
مشكلة تعارض العقل والنقل مشكلة قديمة ، ظهرت أوّل ما ظهرت بشكل جادّ في الفكر الإسلامي عند ترجمة الفلسفة اليونانيّة (1) ، ذلك أنّ تلك الفلسفة كانت مبنية على ما يسمى بالمنطق الصوري ، الذي يعطي التأمل العقلي المحض إمكانات أكبر بكثير مما يستحقه . كان اليونان يعتقدون أن العقل وحده مصدر المعرفة اليقينية ، ولا يرون حدوداً لإمكانياته ، وكان من أخطائهم الكثيرة في هذا المجال استخفافهم بكل مصدر آخر للمعرفة غير العقل حتى المصدر الحسي ، والتأمل في الكون ، والسير فيه لجمع المعلومات والاستقراء العلمي (2) . حصل هؤلاء الفلاسفة بهذه المناهج على معارف بعضها صحيح ، والكثير منها زائف لا قيمة له . عندما ترجمت هذه المناهج والمعارف بهرت كثيراً من أبناء المسلمين الذين لم تكن لديهم الكفاية في المعرفة بالعلم المادي ولا العلم الشرعي .
__________
(1) ترجمت كتب اليونان في عهد الخليفة العباسي المأمون عندما بنى لها دار الحكمة في بغداد ، وكان لها الأثر الكبير في ظهور الكثير من القضايا الجدلية التي كانت الأمة منها في عافية من قبل ، ومن ثم ظهرت العديد من الطوائف والفرق في هذه الأمة ، وانشغلت الأمة بالرد على بعضها بعضا ، فأهدرت الطاقات ، وبددت العقول في قضايا انصرافية ، الأمر الذي انعكس سلبا على مسيرة الأمة الحضارية ، واستفادتها من معطيات هذا الكون الذي استخلفها ربها فيه ، ونتج عن ذلك تخلف الأمة وانحطاطها ، وسيرها خلف الأمم بعد أن كانت هي صاحبة القيادة والريادة ، انظر : أثر ترجمة كتب الفلاسفة على المسلمين للشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي من محاضرة : نشأة وتأريخ المذاهب العقدية على موقع الشيخ الحوالي http://www.alhawali.com .
(2) انظر : ما قاله ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه تلبيس إبليس حيث عقد فصلا كاملا ذكر فيه تلبيس إبليس على الفلاسفة ومن تابعهم ، تلبيس إبليس لابن الجوزي ص43 .(1/29)
ومن هنا جاءت المشكلة : إذا تعارض العقل والنقل فأيهما نقدم ؟ ! ويقصدون بالعقل : مناهج البحث اليونانية ومجموعة المعارف الحاصلة منها . هنا تفاوتت أجوبة هؤلاء الدارسين للتراث اليوناني بين معجب غاية الإعجاب بهذا التراث ، ومستخفٍّ غاية الاستخفاف بكل شيء يخالفه أو يختلف معه ، وعُرف هؤلاء بفلاسفة الإسلام (1) ، وهؤلاء قد بالغوا في الركون إلى الفلسفة اليونانية ، حتى لقد جرؤ بعضهم على التصريح بأن الوحي إنما هو لعامة الناس الذين تقصر ملكاتهم العقلية عن الوصول إلى المعارف اليقينية عن غير طريق الوحي ، أما الفلاسفة الذين يملكون هذا الاستعداد فهم في غنى عن هذا الوحي (2) .
__________
(1) ظهر ذلك عند أمثال ابن سيناء ، وذلك عند كلامه في النبوات والإلهيات . انظر : الرد على المنطقيين لابن = تيمية ص143،144. ، وابن رشد رحمه الله تعالى ألف في ذلك كتابا سماه فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ، وهو مطبوع طبعات متعددة بتحقيق محمد عمارة ، دار المعارف المصرية 1972م ، حاول جاهدا إيجاد صيغة توافقية بين شريعة الرحمن وحكمة اليونان .
(2) انظر في هذا ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في درء تعارض العقل والنقل 7/360 عن أبي الحسن الطبري المعروف بالكيا قوله ( وفي القرآن حجاج وإن لم يكن فيه الغلبة والفلج غير أن العامي يكتفي له كقوله تعالى : { أفعيينا بالخلق الأول } وليس من أنكر الحشر ينكره لأجل العياء ، وكذلك قوله تعالى : ( ويجعلون لله ما يكرهون ) ( ألكم الذكر وله الأنثى ) ، وليس هذا يدل على نفي الولد قطعا فمبادئ النظر كافية لهم فإن قيل : فإذا لم يجب هذا النظر على كافة الناس فهل يجب على الآحاد ؟ قلنا : أجل يجب في كل عصر أن يقول به آحاد الناس وهو فرض من فروض الكفايات كالجهاد وتعلم القرآن وغير ذلك من فروض الكفايات فأما عامة الناس فلا يتعين عليهم العلم بل الاعتقاد الصحيح يكفيهم )(1/30)
چ پ ? ? ? ?? چ (1) ! وقد اتفق علماء الإسلام على أنّ من قال بمثل هذا القول أو اعتقد مثل هذه العقيدة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه . وكان لفريق آخر رأي مختلف ؛ حيث رأى بعض المتكلمين أن الوحي مصدر للمعرفة ، كما أن العقل مصدر للمعرفة ، فإذا تعارضا فإنه يقدم العقل باعتباره أصلاً للنقل ؛ لأن الإنسان آمن بعقله أولاً ، ثم تابع الوحي بعد ذلك . وهؤلاء أرادوا دفع شبه الخصوم من اليهود والنصارى ، وغيرهم بمحض الحجج العقلية دون اعتبار لنصوص الوحي زعما منهم أن الوحي خال من ذلك ، بل منهم من ادعى أن الحجاج التي جاء بها الوحي ضعيفة وقاصرة ، بل قد يأتي عليها النقض بخلاف الحجاج العقلية ، فالدليل العقلي قطعي ، والسمعي ظني ؛ لذا عند تعارضهما يجب تقديم العقلي مطلقا ، فردوا البدعة بالبدعة ، والباطل بمثله حتى أحدثوا في دين الله تعالى ما لم يكن أحد من خصومهم يتصور بلوغه (2) . وعلى رأس هذه الطائفة الفخر الرازي حيث يقول فيما سماه بالقانون الكلي : ( إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية ، أو السمع والعقل ، أو النقل والعقل ، أو الظواهر النقلية والقواطع العقلية ، أو نحو ذلك من العبارات ، فإما أن يجمع بينهما ، وهو محال ؛ لأنه جمع بين النقيضين ، وإما أن يردا جميعا ، وإما أن يقدم السمع وهو محال ؛ لأن العقل أصل النقل فلو قدمناه عليه ؛ كان ذلك قدحا في العقل الذي هو أصل النقل ، والقدح في أصل الشيء قدح فيه ، فكان تقديم النقل قدحا في النقل والعقل جميعا ؛ فوجب تقديم العقل ، ثم النقل : إما أن يتأول ، وإما أن يفوض ...) (3) .
__________
(1) سورة الكهف : الآية (5).
(2) انظر : منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد 1/166.
(3) نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في بداية كتابه درء تعارض العقل والنقل ، وكذا بيان تلبيس الجهمية الذي ألفه أصلا في الرد على القانون الكلي للرازي الذي ذكره ضمن كتابه تأسيس التقديس .(1/31)
وطائفة من الفقهاء والعلماء رأت أن فلسفة اليونان وكل ما صدر عنها من اعتقاد فلسفي أو نتاج علمي إنما هو زبالة أذهان البشر ، لا يستحق الدرس ولا العناية ، ولا خير فيه على الإطلاق ، ومن يدرسه أو يتعلمه فلا ثقة في دينه فضلاً عن أن يعارض به وحي رب العالمين سبحانه وتعالى (1) .
__________
(1) / قال العلامة الأخضري في منظومته السلم المنورق :
والخلف في جواز الاشتغال ......... به على ثلاثة أقوال
فابن الصلاح والنواوي حرما .... وقال قوم ينبغي أن يعلما
والقولة المشهورة الصحيحة.......... جوازه لكامل القريحة(1/32)
لم تكن هذه كل الآراء في المسألة ، فقد كانت هنالك طائفة رابعة أبرز من مثَّلها وتكلَّم بلسانها وفصلّ رأيها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث لم يرفض كل النتاج اليوناني ، لكنه في الوقت ذاته لم يقلل مطلقاً من قيمة النصّ الشرعي ، وإنما عمد إلى مراجعة السؤال القديم من منظور جديد نفصله كما يلي (1) : إذا تعارض العقل والنقل فهنالك عدة احتمالات : أن يكونا قطعيَّيْن ، أو يكونا ظنِّيَّيْن ، أو يكون أحدهما قطعياً والآخر ظنياً . في الحالة الأولى يستحيل أن يتعارض قطعي العقل مع قطعي النقل ؛ وذلك لأن خالق العقل والكون هو منزِّل النص والوحي چ ں ں ? ?? چ (2) ، چ ? ? ? ? ? ? ?چ (3) ، وهذه كانت أبرز وأخطر إضافات الشيخ رحمه الله إلى هذه القضية الجدلية القديمة . أما في الحالة الثانية ، فإذا تعارض القطعي مع الظني قُدّم القطعي سواء كان عقلياً أو نقلياً ، ولنضرب أمثلة على هذه الحالة لأهميتها :
__________
(1) وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتاب درء تعارض العقل والنقل ، وهو أعظم كتاب عقلي كتب في الإسلام ، حتى قال بعض العلماء : إنه لم يكتب في تاريخ الفكر العالمي كتاب أدق وأعمق من هذا الكتاب ؛ لأنه ما بقي من أنواع الفلسفات والآراء والنظريات التي يمكن أن تصعب أو يدق فهمها ولا يستطيع كل عقل أن يخوض فيها ؛ إلا وتعرض لها شَيْخ الإِسْلامِ في هذا الكتاب بإسهاب عظيم ، ويبقى هذا الكتاب حجة قائمة إِلَى قيام الساعة .
(2) سورة الأعراف : الآية (54).
(3) سورة الملك : الآية (14) .(1/33)
1/ كان من المسائل العقلية الظنية فيما سبق الاعتقاد بأن الشمس ثابتة والأرض تدورحولها ، وكان هذا الظن مخالفاً لقطعي النصّ الذي يقول : چ ? ? ? ?? چ (1) ومن ثم يجب رفض هذا الظن العلمي الذي ثبت بطلانه بعد التقدم العلمي . أما عن ظني النصّ الذي يتعارض مع قطعي العلم فهو ما فهمه بعض الناس من قول الله تبارك وتعالى : چ ژ ژ ڑ چ (2) أن الأرض منبسطة مستوية ، بينما قطعيات الحسّ والعلم تفيد بأن الأرض كرويّة ، ومن هنا قُدِّم هذا القطعي على الظني علماً بأن هنالك نصوصاً ظنية الدلالة تفيد بأن الأرض كروية ، مثل قوله تعالى : چ ? ? ? ? ? ? ? ?? چ (3) ، وقوله سبحانه : چ ? ? ? ں چ (4) . هذا عن الحالتين الأوليين ، أما عن الحالة الثالثة ، فإن الشيخ يقول : إذا كان العقل والنقل ظنيين قُدِّم أكثرهما رجحاناً وقرائن ، عقلياً كان أو نقلياً ، فكُلّ ما ثبت من مسائل العقيدة في الكتاب ، والسنة ، يصدقها العقل الكامل الصحيح الذي يُستخدم بدقةِ وإِمعانٍ ؛ لأن العقل الصريح في دلالته على المراد ، لا يمكن أن يخالف المنقول الصحيح الثابت ؛ لأن العقل والنقل وسيلتان لغايةٍ واحدةٍ ، هي الوصولُ إِلى الله ، والوسائل التي تؤدِّي إِلى غايةٍ واحدةٍ لا يمكن لها أن تتعارض .
__________
(1) سورة يس : الآية (38) .
(2) سورة نوح : الآية (19) .
(3) سورة الزمر : الآية (5) .
(4) سورة النازعات : الآية (30) .(1/34)
حيث قال : ( المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط ، وقد تأملت ما تنازع فيه الناس ، فوجدت ما خالف النصوص الصريحة شبهات فاسدة يُعلم بالعقل بطلانها ، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع ، وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار ، كمسائل التوحيد والصفات ، ومسائل القدر ، والنبوات ، والمعاد ، وغير ذلك . ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه السمع ، والذي يقال إِنه يخالفه : إِما حديثٌ موضوعٌ ، أو دلالةٌ ضعيفةٌ ، فلا يصلح أن يكون دليلًا لو تجرد عن معارضة العقل الصريح ، فكيف إِذا خالفه صريح المعقول ! ونحن نعلم أن الرسل لا يُخبِرون بمحالات العقول ، بل بمحارات العقول ، فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه ، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته ) (1) .
هكذا بيسر وسهولة حل الشيخ المعضلة القديمة حلاً يريح القلب ، ويرضي العقل دون أن يقلل من هيبة النص ، ولا يضعف من مقدرة العقل ؛ فرحمه الله رحمة واسعه .ومما ينبغي أن يعلم : إن المقابلة بين العقل والنقل ؛ هي أثر من آثار الثنائيات المتناقضة التي تميزت بها المسيرة الفكرية للحضارة الغربية ، تلك التي عرفت لاهُوتًا كنسيًا نقلاً ، لا عقلانيًا ، فجاءت عقلانيتها فى عصر النهضة والتنوير الوضعي العلماني ثورة على النقل اللاعقلاني ونقضًا له .
__________
(1) درء تعارض العقل والنقل 1/96 .(1/35)
أما في الإسلام ، والمسيرة الفكرية لحضارته وأمته - وخاصة في عصر الازدهار والإبداع - فإن النقل لم يكن أبدًا مقابلاً للعقل ؛ لأن المقابل للعقل هو الجنون ، وليس النقل ؛ ولأن النقل الإسلامي - الوحي - هو مصدر العقلانية المؤمنة ، والباعث عليها ، والداعي لاستخدام العقل والتفكر والتدبر في آيات الله المنظورة والمسطورة جميعًا ، وآيات القرآن التي تحض على العقل والتعقل تبلغ تسعًا وأربعين آية ، والآيات التي تتحدث عن اللُّب - بمعنى عقل وجوهر الإنسان - هي ست عشرة آية. كما يتحدث القرآن عن النُّهى - بمعنى العقل - في آيتين ، وعن الفكر والتفكر في ثمانية عشر موضعًا ، وعن الفقه والتفقه - بمعنى العقل والتعقل - في عشرين موضعًا ، وعن التدبر في أربع آيات.. وعن الاعتبار في سبع آيات ، وعن الحكمة في تسع عشرة آية ، وعن القلب كأداة للفقه والعقل - في مائة واثنين وثلاثين موضعًا.. ناهيك عن آيات العلم والتعلم والعلماء التي تبلغ في القرآن أكثر من ثمانمائة آية.. فالنقل الإسلامي - أي الشرع الإلهي - هو الداعي للتعقل والتدبر والتفقه والتعلّم.. والعقل الإنساني هو أداة فقه الشرع ، وشرط ومناط التدين بهذا الشرع الإلهي.. ولذلك لا أثر للشرع بدون العقل ، كما أنه لا غنى للعقل عن الشرع ، وخاصة فيما لا يستقل العقل بإدراكه من أمور الغيب وأحكام الدين .
فالإسلام لا يعرف - على الإطلاق - هذه الثنائية المتناقضة بين العقل والنقل.. وصريح المعقول لا يمكن أن يتعارض مع صحيح المنقول ، وعلى هذا فإن الدين قد يأتي بشيء يعلو على الفهم ، إلا إنه لا يمكن أن يأتي بما يستحيل عند العقل ، ففرق بين ما يعلو على إدراك العقل ، من بعض أمور الدين ، وبين ما يستحيل في العقل الذي برئ ويبرأ منه الدين .
الخاتمة(1/36)
نحمد الله تعالى الذي أعاننا على كتابة هذا البحث في هذا الموضوع المهم وأسأله تعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأهم مستخلصات البحث ما يلي :
العقل في اللغة يطلق على معان متعددة من أهمها : الحِجْر ، الجَمْع ، الْحَبْس ، التَثبت في الأمور ، التميُّز ، الفَهْم ، المَسْك ، الملْجَأ .
العقل اصطلاحا يطلق على أربعة معان : يطلق على الأداة الغريزية في الإنسان ، وعلى العلوم التي يكتسبها الإنسان بتلك الأداة ، وعلى العلوم الضرورية ، وعلى العمل بمقتضى الشرع .
الصحيح في مكان العقل أنه له تعلق بالقلب والدماغ معا .
للعقل منزلته السامية والرفيعة في دين الإسلام بل هو إحدى الضرورات الخمس التي ما جاءت الشرائع إلا لتحصيلها وتكميلها .
العقل مخلوق من مخلوقات الله تعالى له مداركه المحدودة ، ومجالاته المعلومة ، وأنه في حاجة ماسة إلى الوحي ليهتدي به إلى كامل الصواب ، وخاصة في قضايا الإيمان بالغيب . العقل في قضايا العقيدة غير ملغي تماما ، كما أنه لا يعتمد عليه وحده في معرفة كل ما يتعلق بها بل يستعان بالعقل في فهم نصوص الشرع وأمور العقيدة ، وهي بفضل الله تعالى ليس فيها ما يناقض العقول السليمة .
لا يوجد أي تعارض بين القواطع النقلية الشرعية ، والعقلية ، وما قيل في ذلك إنما هو مجرد وهم والشريعة لا تأتي بما تحيله العقول ، وإنما تأتي بما تحتار فيه العقول .
لا توجد ديانة كرمت العقل ، ورفعت من شأنه مثل دين الإسلام . وما أشيع أخيرا من أن تعاليم الإسلام لا تتماشى ومقتضى العقل إنما هي مجرد دعوى من مغرضين لا يسندها الواقع ولا العقل السليم .
أهم المراجع :
1- الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية لابن بطة العكبري ، تحقيق رضا بن نعسان .
2- الأذكياء للإمام ابن الجوزي .
3- الاعتصام للإمام الشاطبي .
4- الإيمان لمحمد عبد الله الشرقاوي .
5- البداية والنهاية لابن كثير، دار الحديث بالقاهرة ، الطبعة الأولى 1413هـ .(1/37)
6- البرهان في أصول الفقه ، لإمام الحرمين الجويني ، دار الأنصار القاهرة ، الطبعة الثانية 1400هـ .
7- بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية .لشيخ الإسلام ابن تيمية ط/ المطبعة الحكومية ، مكة المكرمة الطبعة الأولى 1391هـ .
8- تاريخ الحروب الصليبية ستيفن رنسيمان .
9- تبيين كذب المفتري فيما نسب إلي أبي الحسن الأشعري لابن عساكر الدمشقي .
10- التذكرة الحمدونية لابن حمدون .
11- تفسير القرآن العظيم للابن كثير ، دار طيبة للنشر ، الطبعة الثانية 1420هـ .
12- تفسير سورة الإخلاص لشيخ الإسلام ابن تيمية .
13- جامع البيان في تفسير آي القرآن للإمام الطبري .
14- الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي .
15- الجامع للإمام محمد بن سورة الترمذي .
16- درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية . تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ، ط/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى / 1403هـ .
17- الديباج المذهب في أعيان المذهب لابن فرحون المالكي ، القاهرة دار التراث 1972م .
18- ذم تقديم العقل على النقل لبدر بن عبد الله بن عبد الكريم ، دار طيبة الرياض ، الطبعة الثانية 1414هـ.
19- سلسلة الأحاديث الصحيحة ، لمحمد ناصرالدين الألباني ، مكتبة المعارف الرياض
20- سلسلة الأحاديث الضعيفة ، لمحمد ناصرالدين الألباني ، مكتبة المعارف الرياض .
21- سير أعلام النبلاء ، للإمام شمس الدين الذهبي .
22- شرح حديث النزول لشيخ الإسلام ابن تيمية .
23- الصحاح للجوهري .
24- صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري .
25- صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري .
26- طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين عبد الوهاب السبكي .
27- العقل وفضله لابن أبي الدنيا .
28- الفتوى الحموية البرى لشيخ الإسلام ابن تيمية .
29- فصل المقال في ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال لابن رشد ، دار المعارف المصرية 1972م .(1/38)
30- القاموس المحيط للفيروز أبادي .
31- الكامل في التاريخ لابن الأثير .
32- لسان العرب لابن منظور .
33- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لعلامة السفاريني ، مؤسسة الخافقين ـ دمشق ، الطبعة الثانية 1402هـ .
34- مجموع فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية ، لابن القاسم ، ط/ إدارات البحوث العلمية ، والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية .
35- المستصفى من علم الأصول للإمام الغزالي ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .
36- معجم الأدباء لأبي عبد الله ياقوت الحموي ، القاهرة دار المأمون ، الطبعة الثانية .
37- معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، دار الجيل ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1411هـ .
38- مقارنة الأديان لأحمد شلبي .
39- منظومة السلم المنورق في علم المنطق للعلامة الأخضري .
40- منهج الإستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة لعثمان بن علي حسن ، مكتبة الرشد ـ الرياض ، الطبعة الثانية 1413هـ .
41- الموافقات في أصول الشريعة للإمام الشاطبي .
الدوريات والمواقع الإللكترونية :
42- مجلة البحوث الإسلامية ـ السعودية الرياض .
43- مجلة البيان ـ المنتدى الإسلامي لندن
44- مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .
45- مجلة جامعة أم القرى ـ السعودية مكة المكرمة .
46- موقع إسلام أون لاين .
47- موقع الإسلام اليوم .
48- موقع الشبكة الإسلامية .
49- موقع الشيخ سفر الحوالي .
50- موقع صيد الفوائد .
51- موقع طريق الإسلام .(1/39)