لماذا لم يذكر اسم علي
في القرآن؟
تأليف
محمد باقر سجودي
ترجمة ... ... ... ... ... تصحيح وتعليق
محمد سعود محمد بدر العمودي ... ... عبد الرحمن بن محفوظ
F
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
وبعد:
فإن لهذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ قصة لا بد لك من سماعها ومعرفة تفاصيلها، فعسى الله تعالى أن ينفعك بها، ولتقف بنفسك على استخلاص العبر من بين سطورها، ولأدعك بعد ذلك تحكم عليها في ضوء ما آتاك الله تعالى من عظيم المنّة، وسلامة الفطنة وقوة البصيرة، والله تعالى نسأل أن يأخذ بأيدينا إلى ما فيه رضاه وتوفيقه.(1/1)
(شريعت سنكلجي) (1) عالم جليل من علماء طهران، وشيخ من شيوخها، كانت له الكلمة المسموعة، والمنزلة الراقية وخاصة بين من عشقوا كتاباته، وداوموا على قراءة مؤلفاته، ومن تقدير الله تعالى وحكمته أن يعاصر هذا الشيخ قائد الثورة الإيرانية، وإمام الشيعة وآيتهم الخميني، وقد كان هذا الشيخ الجليل من علماء الشيعة المرموقين، وكان / شديد الحرص على معرفة الحق، كثير البحث، دائم التأمل لما يدور حوله من شبهات وادعاءات وتطاولات كثيرة تسيئ إلى الإسلام وحملة رسالته وأصحاب نبيه ص، لا سيما تلك الكتب والمصادر الكثيرة المشحونة بالسب والطعن وكيل التهم بحق خير الأمة بعد نبيها.
وشاءت حكمة الله تعالى أن يقف هذا العالم الجليل على الحق ويعلنها أمام الملأ ليؤلف كتاباً عنوانه: (لماذا لم يُذكر اسم علي في القرآن)؟!
لماذا لم يتطرق القرآن لإمامته ا؟!
ألم يدَّع الشيعة أن الإمامة كالنبوة وركن من أركان الدين كما يدَّعون (2) ؟
وقد أثار هذا السؤال جدلاً كبيراً بين أوساط أهل التشيع في إيران وغيرها؛ لأنهم كانوا يعلمون ما وراء هذا السؤال من تهديد لما يؤمنون به ويعتقدون، ورد واضح لمفهوم الإمامة التي تعتبرها الشيعة الأساس المتين والقاعدة الثابتة التي يقوم عليها مذهبهم وعقيدتهم.
__________
(1) شريعت سنكلجي: هو شريعت بن محمد بن حسن سنكلجي، ولد عام 1310هـ، تتلمذ على يد عدد من علماء الشيعة منهم: أبو الحسن الأصفهاني، وضياء الدين العراقي، حارب الخرافات والبدع و دعى لتنقية التوحيد، من مؤلفاته: توحيد العبادة، ومفتاح القرآن، وكتاب الإسلام، ومحاضرات ليلة الخميس والموسيقى، توفي سنة (1363هـ) عن عمر ناهز الثالثة والخمسين. (مقدمة كتاب توحيد العبادة بتحقيق: خالد البديوي).
(2) انظر: رسالة الاعتقادات للصدوق (ص:103)، كتاب الألفين للحلي (3/13).(1/2)
وعدم الإجابة على هذا السؤال يعني: النقض لمذهبهم من الأساس، وذلك لأن علياً ا هو إمام أئمتهم الاثني عشر، كما أن الإمامة أصل مهم من أصول الدين لا يتم إيمان شخص إلا باعتقادها، ومن لم يعتقد ذلك فهم مجمعون على أنه غير مؤمن، فمن قائل بكفره، إلى قائل بفسقه، وأكثرهم اعتدالاً أو أقلهم تكلّفاً يذهب إلى أنه ليس مؤمناً بالمعنى الخاص، وإنما هو مسلم بالمعنى العام، ما لم يكن مبغضاً للأئمة وشيعتهم، فضلاً عن حربهم، فهو كافر عند جميع الجعفرية (1) .
وذكر الحلي: (أن إنكار الإمامة شر من إنكار النبوة؛ لأن الإمامة لطف عام، والنبوة لطف خاص لإمكان خلو الزمان من نبي حي، بخلاف الإمام... وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص) (2) .
وقال ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق: (اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء، وأنكر نبوة محمد ص) (3) .
وقال المفيد: (اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة، فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار) (4) .
عوداً على بدء.. فقد كان هذا التصريح وغيره هو نقطة التحول في حياة الشيخ، وذلك من فضل الله تعالى على هذا الشيخ، فقد أصبح داعية من دعاة الإسلام.
__________
(1) انظر: عقائد الإمامية للمظفر (ص:73)، الحدائق الناضرة للبحراني (18/153)، بحار الأنوار (23/390).
(2) كتاب الألفين (1/3).
(3) الاعتقادات للصدوق (ص:103).
(4) أوائل المقالات للمفيد (ص:44).(1/3)
وما أن علم القائمون بالأمر بما لهذا الكتاب من أثر كبير بين أوساط العامة والخاصة، فقد أمروا بمصادرة كتب هذا العالم الداعية، وبهذا تكون غالب الكتب التي ألَّفها في حكم العدم، كما أن الشيخ نفسه قد اختفى في ظروف غامضة لم نقف على تفسير مقنعٍ لها إلا الكيد بالإسلام وأهله!!
وبهذا فقد سجلوا جريمة جديدة وأضافوا لتاريخهم صفحة سوداء، ظانين أنهم بهذا الفعل المشين سوف يتمكنون من كتم صوت الحق، ولكن هيهات هيهات، فالحق يعلو ولا يُعلى عليه.
وبالفعل فبعد أكثر من عشرين سنة، قام أحد الدعاة في أرض خراسان بتأليف كتيب صغير الحجم، عظيم الفائدة، غزير المادة، وكان من جميل الموافقة أن يحمل هذا المؤلَف العنوان ذاته الذي نذر ذلك الداعية الرباني له نفسه، وهكذا شاء الله تعالى أن يُحيي ذكره ويرفع قدره، ويكتب لمؤلفه الأخ محمد باقر سجودي أجر ما قام به من جُهدٍ يشكر عليه لخدمة الإسلام والمسلمين، وليرد على تلك الأجوبة التي كتبها الخميني، كرد على هذا السؤال والذي هو عنوان الكتاب الذي بين يدي قارئنا الكريم.
والأخ محمد باقر سجودي - مؤلف هذا الكتاب - هو من مواليد (جي لان) (طبرستان القديم)، وقد نشأ وترعرع في مدينة طهران العاصمة الدينية، وتلقى تعليمه فيها ثم أصبح مديراً لإحدى المدارس هناك، وبعد البحث والدراسة والتدقيق والتحقيق منّ الله تعالى عليه باتباع السُّنَّة والتزام الجماعة وما كان عليه سلف هذه الأمة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ثم هاجر الأستاذ محمد باقر من بلده فراراً بدينه، نسأل الله تعالى أن يتقبل منه ومن جميع العاملين لهذا الدين.(1/4)
والأستاذ محمد باقر من المؤلفين البارزين الناطقين باللغة الفارسية، والتي وجدت مؤلفاته صدى كبيراً بين أوساط المتعلمين والمثقفين مع تباين مستوياتهم، حيث يتميز كاتبنا بسهولة العبارة، وقوة الإشارة، ووضوح الدليل، وظهورالحجة، إضافة إلى ما يتمتع به من قوة في الدين، وحب للمسلمين، وإيماناً بالمبادئ التي من أجلها هجر الأهل والأوطان.
وقد جاءت ترجمة هذا الكتاب إلى العربية بناءً على رغبة الكثيرين من الإخوة الحريصين على نشر العلم، وفضح أقوال الذين يتطاولون بأقوالهم على خير هذه الأمة بعد نبيها ص وأبرها قلوبا وأقلها تكلُّفا وأعمقها علماً، وأصوبها طريقاً، وأوضحها سبيلاً، وأخلصها عملاً، ي، وجعلنا من حزبهم وحشرنا معهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
فأذن المؤلف جزاه الله خيراً بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، وكان في النية أن نضع لهذا الكتاب حاشية مطوَّلة ننقل فيها أقوال أهل العلم كتتمة لما ذكره المؤلف في رده على الخميني، وما جاء به هذا الأخير من أقوال ضعيفة وحجج داحضة، إلا إننا آثرنا الاختصار، ولم ننقل إلا ما فيه الحاجة وما لا بد من ذكره.
وقد اعتمدنا على نقل كلام الخميني من ترجمة الأستاذ محمد باقر سجودي للطبعة الفارسية من كتاب: (كشف الأسرار)، وعلى هذه الطبعة جرى التوثيق.
وفي ختام هذه المقدمة نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب والسداد والرشاد في القول والعمل، ونسأله سبحانه أن يجعل هذا الجهد المتواضع خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجنبنا الزلل وهو المستعان والهادي إلى سواء السبيل: * رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا & [البقرة:286]. * رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) & [البقرة:201].
وكتبه
أبو عمر ... ... ... ... أبو عبد الله
محمد سعود محمد بدر العبودي ... ... ... عبد الرحمن بن محفوظ
benmahfouz@gmail.com
مقدمة المؤلف(1/5)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واقتفى سنته إلى يوم الدين.
يرتفع صوت الأذان في مساجد الشيعة كل يوم ثلاث مرات، مرددين بعد قول المؤذن: "أشهد أن محمداً رسول الله" قولهم: "أشهد أن علياً ولي الله" (1) .
__________
(1) قول: "أشهد أن علياً ولي الله" أو ما تسمى بالشهادة الثالثة من البدع المحدثة حتى عند علماء الشيعة، وفيما يلي نعرض بعض أقوالهم فيها:
1- قال شيخ الطائفة الطوسي: "فأما ما روي من شواذ الأخبار من قول أن علياً ولي الله وآل محمد خير البرية، فمما لا يجوز عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً". [النهاية في مجرد الفقه والفتاوى / الطوسي (ص:69)].
2- قال محمد الكاشاني: "في كتابه مفاتيح الشرائع في معرض تعداد ما يكره في الأذان والإقامة، وكذا غير ذلك من الكلام (يقصد أن علياً ولي الله) وإن كان حقاً بل كان من أحكام الإيمان؛ لأن ذلك مخالف للسنة، فإن اعتقد شرعا فهو حرام". [مرجعية المرحلة وغبار التغيير/ الشيخ جعفر الشاخوري (ص:181)] [مفاتيح الشرائع / المولى محمد محسن الفيض الكاشاني (1/118)].
3- قال الشهيد الثاني: "بل الأصح التحريم لأن الأذان والإقامة سنتان متلقيات من الشرع كسائر العبادات، والزيادة فيهما تشريع محرم كما يحرم زيادة (محمد وآله خير البرية) وإن كانوا ‡ خير البرية، ومنه يفهم حكم الشهادة الثالثة فإنها محرمة؛ لأنها لم ترد في السنُّة" [الاعتصام بحبل الله (ص:48)].
4- قال الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه: فقه الإمام الصادق عرض واستدلال: "ثبت بالإجماع أن الإمام الصادق كان يؤذن هكذا.. الله أكبر الله أكبر.. أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن محمداً رسول الله.. حي على الصلاة.. حي على الفلاح.. حي على خير العمل.. الله أكبر، الله أكبر.. لا إله إلا الله" ثم ذكر الأذان دون ذكر الشهادة الثالثة" [فقه الإمام الصادق - محمد جواد مغنية (1/175)]. =
= 5- قال السيد البروجردي: "والشهادة بالولاية لعلي - عليه السلام - ليست جزءاً من الأذان، ولكن لا بأس بالإتيان بها بقصد الرجحان في نفسها أو بعد الشهادة بالرسالة كأمر مستقل عن الأذان، ويحرم الإتيان بها بقصد الجزئية من الأذان، وكذا يحرم الأذان كله ويبطل لو قصد منها ومن باقي أجزاء الأذان أن الكل أذان أي قصد المجموع بما هو، سواء كان القصد من أول الأذان أو في أثنائه". [الاعتصام بحبل الله (ص:49)] [المسائل الفقهية - البروجردي (1/385)].
6- قال آية الله محمد حسين فضل الله: "إن الفقهاء أجمعوا على أنها ليست جزءاً من الأذان والإقامة، واعتقاد جزئيتها تشريع محرم، وقد ذهب بعضهم إلى استحبابها في الأذان والإقامة، ولكن لم يثبت عندي استحبابها غير أن قولها فيهما لا يوجب بطلانهما. وإن كان الأحوط تركها في الإقامة؛ لاحتمال كون الإقامة جزءاً من الصلاة مما يفرض أن يكون فيها كلام خارج عن الصلاة، كما أنني لا أجد مصلحة شرعية في إدخال أي عنصر جديد في الصلاة في مقدماتها وأفعالها؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة، ونحن نتفق مع الشهيد الثاني في قوله في معرض الرفض لإدخال الشهادة بالولاية لعلي - عليه السلام - في الأذان، (إن الشهادة لعلي بالولاية من حقائق الإيمان لا من فصول الأذان") [المسائل الفقهية / محمد حسين فضل الله (2/123)].
7- وآية الله محمد باقر الصدر في كتابه (الفتاوى الواضحة باب الأذان والإقامة) يذكر الأذان الصحيح دون ذكر الشهادة الثالثة. [الفتاوى الواضحة / محمد باقر الصدر (1/385)].
8- وأما آية الله محمد محمد صادق الصدر فقال عن الشهادة الثالثة: "ملخص الحال فيها: أنها ليست جزءاً من الأذان، ولم تكن موجودة في ردح طويل من عصر المعصومين، وإن قُصد الجزئية للأذان أو الإقامة أو لغيرها فهو كاذب على الله ورسوله، وهو من التشريع المحرَّم، كما أنه ليس عليها آية ولا رواية بعينها تدلنا على استحبابها، ومن الصحيح أن أذان بلال لم تكن فيه الشهادة الثالثة". [السفير الخامس / عباس الزيدي (ص:287-290) للمزيد: راجع كتاب (الشهادة الثالثة في الأذان حقيقة أم افتراء) لعلاء الدين البصير.(1/6)
وهذا أمر معروف عند أهل التشيع، وفي كل بقعة يتواجدون فيها على وجه هذهِ الأرض، زاعمين أن الله أمرهم بهذا!!
ولكي تتضح الصورة، وتقف عزيزي القارئ على الحقيقة واضحة جليّة؛ فإني آمل منك أن تضع ما أسلفنا التنوية إليه من ذكر علي ا في آذانهم نصب عينيك دائماً.
القرآن كتاب الله المعجز لا يمكن تحريفه
مما لا شك فيه أن القرآن الكريم ليس له نظير أو مثيل فيما سواه من الكتب، وهذهِ الحقيقة من المسلمات التي لا تخفى على أحد.
ولا غرو فإن كتاب الله الخالد لا يكون وهو كلام الله تعالى كسواه من سائر الكتب، ومع ذلك فإن الكثيرين لم ينتبهوا إلى هذا الفرق الكبير والبون الشاسع بين القرآن الكريم وغيره من الكتب.
ولو أمعنا النظر فيما أُلف أو كُتب في التاريخ بشكل عام، والتاريخ المعاصر بشكل خاص فإننا ولأول وهلة سنقف على حقيقة لا مراء فيها، وهي أننا سوف نرى وبشكل واضح مدى ذلك التناقض والتحريف فيما ورد فيه من معلومات، وقد يصل ذلك إلى حد التزييف لما ورد فيها من وقائع وأحداث!!
ودليل آخر على ما ذكرنا: أننا لو اطلعنا على كتب سعدي وحافظ (1) وخيام (2) وغيرها من الكتب فإننا نلاحظ بين طبعات هذهِ الكتب وعلى مدى سبعة قرون مضت من تأليف أصحابها لها، نلاحظ أن هناك اختلافاً واضحاً، وبالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت لتحقيق هذهِ الكتب وتنقيحها وتصحيح نصوصها ومقابلة المخطوطات ومعرفة الغث والسمين منها؛ فإنه وبالرغم من ذلك كله فإننا لا نكاد نرى توافقاً كاملاً بين نسخ الكتاب الواحد.
وها هو صاحب رباعيات الخيام المشهورة، قد وصل إلى وزارة نظام الملك (الطوسي) وفي رباعيته الدعوة إلى الإلحاد والمجون.
__________
(1) سعدي وحافظ: من أکابر شعراء إ يران ولهما دواوين معروفة و قبرهما ف? مدينة شيراز.
(2) خيام: عالم وشاعر إيراني، ولد في نيسابور، والخيّام هو لقب والده، حيث كان يعمل في صنع الخيام.(1/7)
فما أثبته أحد المحققين في نسخته قد لا تراه في نسخة المحقق الآخر، فزيادة في بيت هنا ونقص هناك، وكل من اطلع على ما اطلعنا عليه سيقف بنفسه على هذه الحقيقة جلية واضحة، بل حتى يصل الاختلاف بين هذه النسخ إلى الاختلاف في المتن والأسلوب والطريقة في كتابة النص.
لا سيما إذا علمنا بأن هذه الكتب ومؤلفيها وعلى مدى تاريخها الطويل لم يكن لها من الأعداء الألداء، ولم تتعرض كذلك إلى حملات التشكيك والقهر والإيذاء كما تعرض إليه كتاب الله تعالى وحملته الأوفياء منذ أول يوم نزل إلى الأرض، تلك الحملات الشرسة التي ما فتئت تحارب هذا الدين وحامل رسالته، وحاولت بكل ما أوتيت من قوة ومكر ودهاء النيل من كتاب الله تعالى، ولكن الله ردها بغيضها لم تنل خيراً، وحفظ كتابه ولم تستطع أن تمتد تلك الأيدي الآثمة ولو إلى حرف واحد منه، فالقرآن الكريم بترتيب سوره وآياته وحروفه وذلك الأسلوب الأخَّاذ المعجز والمؤثر بقي كما هو منذ أول يوم أنزل فيه وإلى الآن.
ولا ننسى أن كتب سعدي وحافظ وخيام لم يُقدّر لها من القبول والشهرة والحضور القوي والمؤثر إلا في نطاق ضيق، حيث تمثل ذاك في فئة محدودة من الناس وهم الناطقون بالفارسية، فهم المعنيون الحقيقيون بهذه الكتب، ومع ذلك فقد وقفنا على ذلك الاختلاف البين والواضح بين معظم نسخ هذه الكتب، أما كتاب الله تعالى ورسالة الإسلام الخالدة، والذي فتح الله به القلوب بعد إيصادها، وهدى به البشرية كلها بعدما أوغلت في غيها وضلالها، وأزال الله به عن الأبصار عماها، وحط به عن النفوس المثقلة أوزارها
فكان القبول له على وجه هذه البسيطة في سهلها وجبلها؛ فآمن به الناس على اختلاف
في الأجناس والأعراق والطباع والألسنة، فامتدت دولة الإسلام والقرآن من جبال تركستان حتى قلب الصحراء من أفريقيا، ومن جزر أندونسيا إلى أرض البلقان في أوروبا.(1/8)
أقول بعد هذا كله: وبالرغم من ذلك لم تستطع يد التحريف أو التبديل أن تمتد إلى سوره أو آياته أو تزيد أو تنقص كلمة واحدة منه.
محاولات عابثة لتحريف القرآن:
لقد شهد التاريخ محاولات عديدة ومتكررة من قبل أعداء هذا القرآن؛ وذلك للنيل منه وتحريفه وتبديل نصوصه، وبالرغم من الجهود الكبيرة والمتواصلة والتي بُذلت لتحقيق هذا الهدف إلا أن وعد الله تعالى لا يمكن أبداً أن يتبدَّل أو يتغير وهو القائل سبحانه:
* إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) & [الحجر:9]، فباءت جميع محاولاتهم بالفشل وانقلبوا على أعقابهم صاغرين.
ولكي تتضح هذه الصورة بشكل أفضل للقارئ الكريم نود أن نضرب لذلك بعض الأمثلة، غاضين الطرف عن استجداءات الأحكام المسبقة وإسقاطها على فريق بعينه، سواء كان ذلك الفريق هم من أهل السُّنَّة والجماعة أم من الشيعة..
نعم. إن إصدار الأحكام حالياً ومعرفة المحق من المبطل لا يهمنا من قريب أو بعيد، ولكن الذي يجب علينا اعتقاده يقيناً: أن هذه الأمة قد افترقت إلى ثلاث وسبعين فرقة كما صح في الحديث.
ومن أبرز هذه الفرق وأكثرها أثراً وأعظمها حضوراً وأشدها اختلافاً فرقتان هما: أهل السُّنَّة والجماعة من جهة، وأهل التشيع من جهة أخرى، ونظراً لهذا الاختلاف الكبير والتباين العظيم فإننا نجزم القول إن لم نقل بأننا مجبرين على هذا القول أن أحد الفريقين أراد قصداً مع سبق إصرار وسوء طوية أن يهدم هذا الدين ويطعن في أحكامه ويغير شرائعه ويبدل ثوابته، وإلا فبالله عليكم ماذا تقولون وأنتم ترون بأُمِّ أعينكم التناقض الخطير، والتحريف المتعمد لكل ما جاءنا من سنن وشرائع وأنظمة وأحكام وهدي رباني، بل ولكل ما جاء به هذا الدين الحنيف جملة وتفصيلاً؟!(1/9)
ومن الأمثلة على ذلك: التبديل في الأذان والصلاة والزكاة والحج وأحكام الجهاد والميراث، بل وصل بهم الأمر إلى تبديل أوقات الليل والنهار.. نعم أقولها بكل صدق وأمانة لا كما يظنه البعض مزحة أو جزافاً من القول..
لقد بدلوا أوقات الليل والنهار، ففرقة تقول: قد أسفر الصبح فأمسك، وقد جاءك الليل فأفطر. وطائفة أخرى تخالفها القول وتأمر بالإمساك والاستمرار في الصيام؛ لأن النهار لم ينقضِ بعد وأن الليل لم يَقبِل!!
فهل يمكن والحال هذه أن نقبل هذا الخلاف معللين هذا الاختلاف والتضارب والفرقة بين الأمة إلى محض الصدفة واللامسؤولية، أو يعزوا البعض الآخر ذلك كله إلى سنة الله تعالى في طبيعة الاختلاف بين البشر، وأن هذا أمر لا مفر منه ولارادَّ له؟!
إننا إذا نظرنا إلى هذا الأمر بكل روية وتؤدة ورجعنا بعد ذلك إلى جذور هذا الخلاف وأسبابه وأصول منشئه؛ نجد أن الحقيقة ترفض رفضاً قاطعاً مثل هذا التعليل الضعيف الذي لا يستند إلى دليل معقول أو منقول، وأن الجواب الحق الذي لا يقبل جواب آخر سواه هو: أن الاختلاف أمر مقصود ولابد، وإلا فما معنى أن يروي أهل السُّنَّة والجماعة حديثاً صحيحاً ونصاً صريحاً لا يقبل الشك عن رسول الله ص أن أفضل هذه الأمة وخيرها بعد نبيها هو أبو بكر الصديق ا، ثم تأتي الطائفة الأخرى من أهل التشيع ليردوا هذا القول جملة وتفصيلاً وينسبون إلى رسول الله ص رواية مفادها: أن أبا بكر الصديق هو شر هذه الأمة وأرذلها.. مع أن كل طائفة من هاتين الطائفتين لم تختلف مع الأخرى في سورة أو آية أو حتى كلمة أو حرف من كتاب الله تعالى؟!
وهنا فلا بد أن نقف مع أنفسنا وقفة صادقة، ولنتساءل طلباً للحقيقة ورفعاً لكل لبس أو إيهام: لماذا لم تستطع تلك الفرقة التي بدَّلت وحرَّفت وتجرأت بكل وقاحة لتصنع الحديث المكذوب على رسول الله ص، ولتغير بعد ذلك ما شاءت من الشرائع والأحكام وتزييف الحقائق.(1/10)
لماذا بعد هذا كله لم تجرب حظها أو أن تفكر ولو للحظة أن تحرف أو تبدل آيات القرآن الكريم كما صنعت ذلك مع السنة النبوية المطهرة؟!
وليس هذا فحسب بل ما يثير الدهشة والاستغراب هو أن إحدى هاتين الفرقتين تزعم أن لديها روايات وأحاديث كثيرة تدل دلالة قاطعة أن كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قد تعرض للتحريف والتبديل والزيادة والنقصان!!
بل وإمعاناً في تأكيد هذه الروايات لتحريف القرآن الكريم، فقد أشارت هذه الفرقة إلى أماكن التحريف، وعيَّنت السورة وآياتها من القرآن الكريم!! (1) .
وبعد هذا كله وبالرغم من كل ما قيل فإن هذه الفرقة لم يخطر ببالها يوماً أو يعن لها - إن لم نقل تتجرأ - أن تبادر إلى طباعة المصحف الشريف،كما بادرت لذلك الكثير من الدول الإسلامية المحبة لكتاب الله وخدمته.
أقول: لم تبادر إلى طباعة القرآن الكريم بالطريقة التي تعتقدها وتؤمن بها، مع توفر جميع الأسباب والدواعي لذلك من جهة، ووجود كافة الوسائل والإمكانيات من جهة ثانية.
إذاً: ما الذي يحول بينها وبين ما تشتهي من تحقيق ما تصبوا إليه من طباعة مصحفها على النحو الذي تتمناه وترتضيه؟!
ولماذا تراها مضطَّرة مجبرةً إلى تلاوته في مساجدها ومن على منصات محافلها، ووضعه على رفوف منازلها؟!
القرآن الكريم وأعجوبة التحدي:
__________
(1) انظر: أوائل المقالات للمفيد (ص:48-49)، الأنوار النعمانية (2/357-358)، تفسير للكاشاني (1/13).(1/11)
شاءت إرادة الله سبحانه أن يُري فرعون قدره وقدرته فأراه في المنام عدوه الرضيع وعرَّفه به، فحكت كهنة الأقباط لفرعون وحاشيته بأن هلاك فرعون وذهاب مملكته ودولته ستكون على يد غلام من بني إسرائيل، فشرع فرعون في سفك الدماء وقتل الولدان واستحياء النساء، إلا أن الله لا راد لقضائه ولا مُعقِّب لحكمه، وها هو موسى عليه الصلاة والسلام يتربى في حجر فرعون وزوجته وتحت نظره، ويتلقَّى كل رعاية وعناية، ومما لا شك فيه أن الله سبحانه قد أخبرنا في محكم التنزيل بأنه قد حفظ كتابه الذي أنزله على خاتم أنبيائه ورسله، فقال عز من قائل: * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) & [الحجر:9]، فإن الله تعالى في هذه الآية الكريمة قد تحدى جميع الفراعنة والطواغيت وعلى مر العصور وكر الدهور حيث وضع نصب أعينهم وبين أيديهم فرصة؛ لأن يأتوا ولو بآية من مثله.
ولنضرب بعض الأمثلة لذلك لتتضح الصورة: فقد جاء - مثلاً - في القرآن الكريم قوله تعالى: يتفكرون، يعلمون، يفقهون، يتذكرون، يعقلون.. وهنا نقول: ألم يكن من الممكن جداً ومن السهولة بمكان أن يضع من أراد التحريف والتبديل هذه الكلمات بعضها مكان بعض؟
ثم إذا نظرنا إلى جميع السور في القرآن الكريم نرى أن جميعها تبدأ بالبسملة إلا سورة واحدة وهي سورة التوبة، فلو قال قائل: إن هذه السورة حالها كحال مثيلاتها من سور القرآن الكريم فهي تبدأ بالبسملة أيضاً، لكان لحجتهم شيئاً من النظر ولو في الظاهر!!
وهنا أود أن أقول بعد هذه المقدمة البسيطة: ألم يكن لتلك الفرقة التي عبثت وغيرت وبدلت أقوال النبي الكريم ص مئة في المئة أن تغتنم هذه الفرصة الذهبية لتدَّعي تحريف القرآن؟(1/12)
وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم مرة ثانية نجد أن الآية الكريمة وهي قوله تعالى: * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) & [الرحمن:13] قد تكررت مرات عديدة في سورة الرحمن، أفلم يكن بالمستطاع لتلك الفرقة أن تزيد أو تنقص هذه الآية في بعض المواضع من السورة نفسها، فأين أولئك الذين غيَّروا وبدَّلوا حتى جعلوا من الليل نهاراً ومن النهار ليلاً؟!
وبالتالي فإني أريد أن أُثبت حقيقة واحدة وعلى كل واحد أن يُسلِّم بها ألا وهي: أن هذا القرآن الكريم هو وحي الله المنُزَّل على عبده محمد ص المحفوظ من رب العالمين، فلا يمكن لأحد مهما أوتي من الأسباب والقدرة والتمكين أن يمد يده إليه بالتحريف أو التبديل سواء كان ذلك في الماضي أو الحاضر أو المستقبل وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
قصة التاجر الصالح:
كان فيما مضى تاجر صالح، فأراد هذا التاجر يوماً الرحيل عن ديارة وأهله، طلباً للرزق الحلال والسعي وراء لقمة العيش مهما كلَّفه ذلك من البعد عن الأهل والديار، وعندما أراد هذا التاجر السفر أخرج معه ثلاثة وسبعين خادماً لرفقته ومساعدته في أمور تجارته، وليكونوا عوناً له على وعثاء سفره..
وقبل أن يخرج هذا التاجر لسفره كان قد أوصى أبناءَهُ قائلاً لهم: إني يا أبنائي أوصيكم وصية فاحفظوها عني فلعلي لا ألقاكم بعد سفري هذا، وما أراني إلا مفارقكم، فإليكم هذا السر فاحفظوه عني.
قال التاجر: تعلمون جيداً -يا أبنائي- أن ما معي من الذهب والفضة الشيء الكثير، وإني سأُقسم هذا المال في أكياس متماثلة وسأضع في كل كيس منها مقداراً متساوياً من المال كذلك، و سواء كان ذلك في العدد أو الوزن، وسوف أضع مع كل خادم كيساً من الذهب وآخر من الفضة، وبهذا يا أبنائي الأعزاء سوف تستدلو على من تسوِّل له نفسه الخيانة بنقص الكيس الذي معه عن سائر الأكياس الأخرى..
ثم ودَّعهم وسافر برفقة الخدم الذين معه، وبعد سفر طويل حضرت منية ذلك التاجر الصالح.(1/13)
وقبل الوفاة أوصى خدمه بتقوى الله تعالى وطاعته وحفظ الأمانة التي سوف يعهد بها إليهم.
وهكذا.. فقد أعطى التاجر لكل واحدٍ من خدمه كيساً من الذهب وكيساً من الفضة طبقاً لوصيته التي أوصى بها أبناءَهُ قبل سفره.
وبعد وفاة التاجر عاد خَدَمُهُ إلى أرض سيدهم بما كانوا يحملون معهم من أكياس الذهب والفضة التي استودعهم إياها ذلك التاجر الصالح.
وبعد أن سلَّم كل خادم إلى أبناء التاجر ما كان معه من مال، وقع أمر لم يكن يخطر ببال أحد من أبناء التاجر، حيث أنهم بعد قبضهم أمانة أبيهم وجدوا أن أكياس الذهب كانت كلها على النعت الذي أسرَّ إليهم به أبوهم، ولم تكن تختلف لا في العدد ولا في الوزن بل كانت متماثلة تماماً، إلا أن أكياس الفضة لم تكن على النعت الذي عهدوه، إذ إنها كانت مختلفة كل الاختلاف من حيث عددها ووزنها، فبعض الأكياس - مثلاً - يحتوي على خمسين قطعة فضية، والآخر يحتوي على تسع وأربعين، وفي الآخر لا شيء يذكر، وأما الآخر فلم يكن فيه سوى البرونز بدل الفضة!!
وهنا لم يكن أمام الأبناء إلا أن تملَّكتهم الحيرة، ولم يجدوا تعليلاً أو إجابة شافية لهذا الأمر الذي لم يكن بحسبان أحد منهم، ولكنهم وصلوا بعد طول تفكير ومراجعة أن جميع الخدم والحال هذه مشكوك في أمرهم، وأن أغلبهم إن لم نقل كلهم قد همَّوا بخيانة سيدهم، ولكن السؤال الوحيد الذي لم يجدوا له إجابةً شافيةً: لماذا لم يمدوا أيديهم إلى أكياس الذهب؟! ولماذا أكياس الفضة بالذات؟ ولماذا.. ولماذا.. أسئلة كثيرة أشغلت بالهم وبلبلت أفكارهم إلا أنهم لم يجدوا ما يشفي غليلهم.
وفي الأخير وصلوا إلى تعليل واحد وإجابة واحدة، ولم يسعفهم إلا تفسير واحد لكل ما حصل أنه ولابد من وجود قدرة خفية وحكمة لا تدخل تحت إدراك البشر حالت بينهم وبين تلك الأكياس الذهبية!!(1/14)
ولكن أحد أبناء ذلك التاجر الصالح كان يتمتع ويتميز عن سائر إخوانه بحدة الذكاء وسرعة البديهة، إضافة إلى تتبعه للقرائن وكثرة البحث فأوصله ذلك إلى كشف الحقيقة ومعرفة النتيجة، وبهذا عرف ذلك الخادم الأمين الصادق وتم طرد الباقين..
وبعد هذه القصة أصبح من الواضح أن محمداً ص هو الرجل الصالح، وأبناؤه هم أمته، والخدم هي الفرق، والذهب هو كتاب الله، والفضة هي سنته ص.
ومما سلف ذكره.. فقد علمنا بأن السُّنَّة والشيعة قد اختلفوا اختلافاً كبيراً في صحة المصادر والمراجع المعتمد عليها والمردود من السنة المطهرة، إلا أنهم لم يختلفوا بأن القران الكريم هو كتاب الله المعجز المنزَّل على خاتم الأنبياء ص.
إذاً: فليكن من هذه الأمة لنا مثلاً بذلك الولد الذكي البار لذلك الرجل الصالح، وليكن كتاب الله تعالى هو ملاذنا ومرجعنا وهو الفيصل والحَكَمُ وهو القسطاس المستقيم لمعرفة كل ما نُسب لنبينا الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - من الأحاديث والروايات، ولنقف بعدها على الصدق من الكذب لكل ما يتداول ويجري على الألسنة منها.
تعالوا معنا لنقرأ كتاب الله، ولنرى معكم ماذا قال عن هذا الصحابي الجليل
علي بن أبي طالب ا؟
ماذا يقول كتاب الله عن رجل جعل منه الشيعة إماماً وأساساً بنوا عليه مذهبهم وديناً يتعبدون به ربهم!
تعالوا معنا لنرى كم آية من القرآن نزلت في حق رجلٍ جعلوا منه بزعمهم وصياً لرسول الله ص، وأن الله تعالى عصمه وبرأه من كل خطأ كما عصم أنبياءه ورسله؟!
وليس هذا فحسب بل إن الشيعة يدَّعون بأن هناك الآلاف سوى القرآن من الأحاديث النبوية التي تنص وتثبت أحقية علي ا بالإمامة والخلافة بعد رسول الله ص!! ولكننا في الوقت نفسه نرى من يرد هذا القول وينقضه، فالعشرات من الأحاديث النبوية الصحيحة عند أهل السُّنَّة ترد هذه المزاعم وتفندها.(1/15)
إذاً: فإن القرآن وحده هو الشافي والكافي والمرجع الثابت لهذه الأمة، وأن الأحاديث المتضاربة بين الطرفين لا يقبل كل طرف أحاديث الطرف الآخر، فلنقبل على كتاب الله بكل صدق وإخلاص وتدبر، ولنرى معاً: هل جاء القرآن الكريم بذكر علي وإمامته؟
وهل ورد فيه ذكرٌ للحسن والحسين.. وما إلى ذلك مما تدَّعيه الشيعة في أئمتهم؟
ها هو ذا كتاب الله ينطق بالحق وها نحن ذا على نهجه سائرون.
لا نص في القرآن على إمامة علي ا:(1/16)
مرة أخرى نؤكد على هذه الحقيقة الناصعة وهي أن علياً ا والإمامة لم يرد لهما أي ذكر في كتاب الله، ولم تتعرض نصوص القرآن لموضوعها لا تصريحاً ولا تلميحاً، وبهذا يُعلم بأن رسولنا الكريم ص لم يكن له خليفة منصوص عليه من قبل الله تعالى، ولكن في الوقت نفسه كلنا يعلم بأن السُّنَّة النبوية لم تلق من الحفظ والعناية ماكان لكتاب الله تعالى وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان حيث جاءت الآيات الصريحة في القرآن الكريم والتي تثبت إثباتاً قطعياً بأن القرآن محفوظ من عند الله تعالى، كما قال تعالى: * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) & [الحجر:9]، وهذا نص محكم صريح وقاطع في هذه المسألة، ولهذا فإن الشيعة وجدوا ضالتهم في السُّنَّة النبوية فادَّعوا أمام الملأ وبدون أي خجل أو تردد بأن هناك الآلاف من الأحاديث التي نصت على إمامة علي ا وأولاده من بعده، ولم يقفوا عند هذا الحد حتى قالوا: إن ما يصدر من علي وأولاده من الأقوال والأحاديث لها من المصدرية في التشريع والقدسية ما لأقوال الرسول ص وأحاديثه (1) .
فالنص على الإمامة هو عينه النص على الرسالة سواءً بسواء، والكل يخرج من مشكاة واحدة!!
__________
(1) بل جعلوها مساوية لكلام الله جل وعلا، كما نُقل عن أبي عبد الله × قوله: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين × وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وحديث رسول الله قول الله Q" [الكافي للكليني (1/35)، ووسائل الشيعة للحر العاملي (27/83، 18/58)، الإرشاد للمفيد (2 / 168)].(1/17)
وإمعاناً في الضلال والتلبيس على الأمة فإنهم افتروا من الأحاديث المكذوبة والأقوال الضعيفة الشيء الكثير، حتى زعموا أن علياً ا له من المنزلة والمكانة ما لا يدانيه فيها سيدنا إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام، بل زعموا أن إمامهم التقي النقي أفضل من موسى وعيسى عليهما الصلاة و السلام (1) !!
__________
(1) بل من معتقداتهم: أن الأئمة أفضل من جميع الأنبياء ماعدا محمد ص، وإليك بعض هذه النصوص:
1- ذكر الشيخ المفيد في (أوائل المقالات) باب: القول في المفاضلة بين الأئمة والانبياء (ص:85) قوله: [قد قطع قوم من أهل الإمامة بفضل الأئمة (ع) من آل محمد ص على سائر من تقدم من الرسل والأنبياء سوى نبينا محمد ^ وأوجب فريق منهم الفضل على جميع الرسل والأنبياء سوى أولي العزم]. ... ... ... ... ... ... ... ... =
2-ذكر العلامة السيد نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (1/20-21) قوله: [اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا رضوان الله عليهم في أشرفية نبينا محمد ص على سائر الأنبياء ‡ للأخبار المتواترة، وإنما الخلاف بينهم في أفضلية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين ‡ على الأنبياء ما عدا جدهم ص، فذهب جماعة إلى أنهم أفضل باقي الأنبياء ما خلا أولي العزم؛ فإنهم أفضل من الأئمة ‡، وبعضهم إلى المساواة، وأكثر المتأخرين إلى أفضلية الأئمة ‡ على أولي العزم وغيرهم، وهو الصواب...].
3- ذكر ابن بابويه القمي في كتاب عيون أخبار الرضا (1/262) فصلاً بعنوان: (أفضلية النبي والأئمة على جميع الملائكة والأنبياء ‡).
4- يقول آيتهم العظمى الميرزا جواد التبريزي تحت عنوان: (التفضيل بين الأئمة والأنبياء) حول سؤال وجه إليه:[س:هل هناك تفضيل بين الأئمة ‡، والأنبياء باستثناء رسول الله ص؟ وإذا كان فما هو الدليل على ذلك؟
ج: بسمه تعالى: أئمتنا أفضل من الأنبياء ما عدا الرسول ص والله العالم].
5- كذلك الخميني في كتاب الحكومة الاسلامية (ص:47) يؤكد ذلك بقوله: [وإن من ضروريات مذهبنا: أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل].(1/18)
وجاؤوا على ذلك بأحاديث يروونها زوراً وبهتاناً في مراجعهم وكتبهم.
ولكنهم مع كل هذه الأكاذيب والافتراءات والجرأة على الله ورسوله ص لم يستطيعوا أن يمدوا أيديهم بالتحريف والتبديل لكتاب الله.
فكيف يمكن ذلك؟ وهو محفوظ من رب العالمين؟!
وبعد هذا التلخيص والتبسيط لأقوال الشيعة في علي ا نود أن نطرح هذا السؤال فنقول: إن كان علي ا هو خليفة رسول الله ص ووصيّه من بعده، وأنه ا معصوم من الخطأ، وأن إمامته من أصول هذا الدين، وأنه أفضل من إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وأن الأئمة هم مصدر مهم من مصادر التشريع، وأن أقوالهم وأقوال النبي ص كلها تخرج من مشكاة واحدة: أفيعقل بعد هذا كله أن يُغْفِل القرآن هذا الأمر المهم، ولا يأتي في شأنه العشرات إن لم نقل المئات من الآيات القرآنية، لتوضيح وترسيخ هذه الحقيقة في قلوب ووجدان جميع المسلمين؟!
ولكننا في حقيقة الأمر لم نر شيئاً من النصوص القرآنية مما يؤكد هذه الأقوال أو يؤيدها، وهذا يعني مرة أخرى أن الله ـ لم ينصب خليفة لرسوله الكريم ص من بعده، وأن هذه المفتريات من الأقوال التي يستدل بها الشيعة على باطلهم: * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ & [النجم:23].
فدعونا نستمع إلى أقوال علماء الشيعة ولا سيما إمامهم الخميني، والذي يعتبر من أكابر علمائهم المعاصرين والمقدم فيهم، وكان هو واحد من الذين أجابوا على سؤالنا: "لماذا لم يذكر اسم علي في القرآن؟" من تسعة عشر وجهاً.(1/19)
وسوف تقفون بأنفسكم بعد اطلاعكم على هذا الكتاب وقراءتكم لأجوبته إلى أي مدى بلغت تلك الأجوبة من الضحالة والركاكة والاضطراب والتناقض، مما يدلك أيها القارىء الكريم على قلة علم قائلها وكثرة جهله، وإن كل جواب من أجوبته لا يمكن أن يصدر من رجل ينسب إلى العلم وأهله، فضلاً عن أن يكون رأساً فيه، بل وعلاوةً على ذلك لم تكن تتصف بالنظر العلمي الصحيح، كما أنها يعوزها النظر الدقيق والمنطق القويم.
وفي ختام هذه المقدمة نسأل الله تعالى أن يوفقنا ويبارك لنا في هذا العمل والجهد المتواضع القليل.
المؤلف
محمد باقر سجودي
الرد على الجواب الأول
قال الخميني: (الجواب الأول: لا بد من قبول الإمامة وإن لم يرد لها ذكر في القرآن) (1) .
قبل الإجابة على هذا السؤال فإنه لا بد من تحكيم العقل وجعله هو الحكم في هذه المسألة باعتباره هبة ربانية ورسول منه، ويمكننا على ضوء ذلك معرفة: هل الإمامة أصل مهم من أصول الدين أم لا؟
وحتى نستطيع أيضاً تسوية جميع المسائل المختلف فيها فيما بيننا إذا علمنا منطق العقل وجوابه وأحسنَّا التعامل معه؛ كما ذكر الخميني في صفحة (107) من الكتاب نفسه بقوله: (إن الرسول الذي أرسل بهذه الشريعة لم يغفل عن ذكر كل ما يتعلق بآداب الخلاء وآداب الخلوة بين الزوجين وأحكام الرضاع، بل لم يدع صغيرة ولا كبيرة إلا بين لنا آدابها، ووضع لنا حكمها، فكيف بعد ذلك يعقل أنه لم يترك لنا خبراً يذكر في أثناء حياتة الطويلة عن موضوع الخلافة والإمامة وهو أصل عظيم من أصول الدين وأسسه ومقومات بقائه وديمومته؟
أم كيف
لا نعبد إلهاً أقام ذلك البناء المتقن المحكم ثم يسعى في خرابه حينما يضع أمر هذه الأمة بأيدي أناس من أمثال يزيد ومعاوية وعثمان وغيرهم من اللصوص!! أو قد يترك الأمة هملاً لا راعي لها؟
__________
(1) كشف الأسرار (ص:105).(1/20)
إن رئيس المصنع - مثلاً - والذي لديه خمسون عاملاً، أو رب الأسرة المكونة من عشرة أشخاص عندما يريد السفر لمدة شهرين؛ فإنه لا يُمكن بحال أن يدع رئيس المصنع مصنعه بغير نائب، كما أن رب الأسرة لن يترك أسرته بلا معيل ينيبه في أهل بيته.
فهذا الرسول الذي جاء بآلاف الشرائع وبعث بهذه الأحكام، وأسس ذلك النظام العظيم ثم ترك أمته إلى غير رجعة.. كيف يدع الأمة بغير نائب؟ ماذا يقول العقل في هذا؟ إنه بلا أدنى شك سيقول العقل أنه لا بد من تنصيب الخليفة؛ لأنه السبب في بقاء التوحيد وديمومته، ولا يمكن أن يقول في حال من الأحوال: لا بأس ولا ضير أن يدع الأمة بلا خليفة، أو أن يدع أمرها بأيدي أناس لا يخفى أمرهم على أحد!! بل الكل يعلم حرصهم الكبير على الرياسة وطلب الإمارة وقيامهم بأعمال الشغب وضرب بعضهم بعضاً في وقت هو من أحرج الأوقات وأهمها في تاريخ الأمة وذلك يوم وفاة الرسول..!! فماذا تقول لكم عقولكم، وماذا يقول في ذلك ذوو الألباب؟
أيقولون: لا ضرورة لتنصيب الخليفة؟ أم تقولون: أن الإمامة تعتبر من المسلمات في الإسلام، ولا ضير في ذلك إن كان ورد ذكرها في القرآن أم لا؟).
ردنا عليه:
أولاً: لو سلَّمنا جدلاً بصحة قولك؛ فإن ما تعيبه فينا يلزمك أن تعيب به إمامك المهدي، فهو أولى بهذا العيب منا حينما غاب عن الأمة (كما تدَّعون)، وترك مصنع الإسلام وأسرته ولم يوص حتى وصية لخليفته من بعده، بدلاً من أن يدع أمر هذه الأمة هملاً طيلة اثني عشر قرناً من الزمان، ولا يمكن لأحد أن يدَّعي أنه منصوب من عند الله تعالى وهذا ما تقوله عقيدتكم.
ثم كيف تدَّعون أن قول إمامكم المهدي موافق للعقل والمنطق وترون عمل النبي ص مخالفاً لهما؟
ما معنى هذا التناقض الكبير في عقيدتكم؟
بل وأعجب من ذلك: أن الخميني وهو قائل هذا الكلام قد مات ولم يُنصِّب خليفة له من بعده، أفلم يرى أتباعه ومقلديه هذا التناقض العجيب في قوله وعمله؟!(1/21)
وإذا كنتم صادقين فيما تدَّعون بأنه لا بد للبشرية من خليفة وإمام من قبل الله تعالى، فمن هو يا ترى ذلك النائب أو الإمام عن الله تعالى قبل بعثته ص؟!
ثانياً: إننا عندما طرحنا سؤالنا هذا عليك وعلى أتباعك وعلى جميع الشيعة لم نطالبك بالدليل العقلي ولم نلزمك به، إنما المطلوب هو أن توضح لنا الدليل الشرعي وتثبت ما ذهبتم إليه من القول بإمامة علي وخلافته، وإن كان العقل هو مصدركم الوحيد ومفزعكم في كل ما تأتون به من إفك وافتراء وبهتان، إذن لم تكن هنا حاجة البتة إلى القرآن الكريم أو إلى الرسالات، ولكن العليم الخبير سبحانه علم أن هذا العقل ناقص، ولذا فإنه ـ رحمة بخلقه أنزل كتبه وأرسل الرسل إليهم مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس حجة على الله بعد الرسل، وإلا فماذا يقول لنا الإمام وأتباعه: كيف يأمر هذا العقل أتباعه من الهنود بأكل السرجين (1) والتبرك به، كما أمرك وأتباعك بأكل تراب قبور الموتى (2) .
ولا عجب بعد ذلك إذا أمر العقل نساء تايوان بشرب أبوالهن.. والكل منهم يرى أن عمله حق وصواب؛ لأن العقل هو الذي أمر الجميع بذلك؟!.
__________
(1) السِرجين بالكسر : الزِّبْلُ، كما جاء في القاموس المحيط (1/1555).
(2) جاء في رواياتهم عن جعفر الصادق أنه قال: "طينة قبر الحسين شفاء من كل داء، و إذا أكلته تقول: بسم الله وبالله، اللهم اجعله رزقاً واسعاً وعلماً نافعاً وشفاءً من كل داء" [بحار الأنوار (98/129)].
وعن محمد الباقر أنه قال: "طينة قبر الحسين شفاء من كل داء وأمان من كل خوف وهو لما أخذ له" [بحار الأنوار (98/131)].
وذكر المجلسي صاحب البحار من الروايات ما يصل إلى ثلاث وثمانين رواية عن تربة الحسين وفضلها وآدابها وأحكامها. [انظر: بحار الأنوار (101/118-140)].(1/22)
ثالثاً: أن من لم يعرف الطريق فلا بد له من دليل، فمن عرف الطريق وملك الزاد والراحلة فلا حاجة إذن لمرافقة الدليل في كل حين، هذا وقد هدى الله ـ هذه الأمة الكريمة بالرحمة المهداة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله وصحبه أجمعين.
رابعاً: هب أننا بحاجة إلى إمامة علي ا، فما حاجتنا إليه الآن وقد مات؟ أو ما حاجة الأمة إلى ذلك وهي الآن في أشد الحاجة وأمس الضرورة إلى إمام جديد؟
ولكننا نعلم كما يعلم الجميع أن الله ـ لم يُنَصِّب إماماً للأمة في وقتنا هذا كما لم يُعيِّن أحداً بعينه لها، وصدق المثل الفارسي الذي يقول: (إذا كان أساس البيت بني على الخسران فلا ينفع طلي الجدران).
الرد على الجواب الثاني
قال الخميني: (الجواب الثاني: في الحقيقة نحن نعلم أن القرآن كتاب دعوة وهداية جاء لإقامة هذا الدين، كما أنه كتاب سماوي عظيم جاء لتحطيم العقائد الجاهلية الفاسدة، وهو إنما جاء ليقرر القواعد الكلية ويثبتها وليس من شأنه أن يتطرق إلى الجزئيات وإنما ذلك هو من وظيفة الرسول) (1) .
ردنا عليه:
إن قول الخميني وجوابه السابق على سؤالنا كفيل بالرد عليه، إذ إنه عندما أراد إثبات إمامة علي ا وخلافته للنبي ص نسي أن هذا من الجزئيات، وهذا واضح في قوله الذي ذكره في صفحه (107) من كتابه المذكور، حيث قال: "إن الرسول الذي أُرسل بهذه الشريعة لم يغفل عن ذكر كل ما يتعلق بآداب الخلاء وآداب الخلوة بين الزوجين وأحكام الرضاع، بل لم يدع صغيرة ولا كبيرة إلا بين لنا آدابها ووضع لنا حكمها، فكيف بعد ذلك يُعقل أنه لم يترك لنا خبراً عن موضوع الخلافة والإمامة وهذا أمر يعتبر من أصول الدين وأسسه.. ومقومات بنائه وديمومته... أم كيف يترك أمر هذا الدين بأيدي السفلة واللصوص وأراذل الناس".
__________
(1) كشف الأسرار (ص:113).(1/23)
فأنت حينما أردت أن تثبت إمامة علي ا بدليلك العقلي جعلت لهذا الأمر من الأهمية ما لا يساميه فيه أي أمر أو شأن من أمور الإسلام وشؤونه العظيمة!!
ألستم أنتم من زعمتم أن علياً ا خيرٌ عند الله وأعظم منزلة من جميع الأنبياء؟ (1) وعندما لا تجدون ما يدعم قولكم ويؤكد مذهبكم الباطل في الإمامة تأتي لتنقض مذهبك وترد على نفسك من حيث لا تشعر، لتقول لنا: إن أمر الإمامة والخلافة من بعد النبي ص من جزئيات هذا الدين!!
فبالله الذي قامت بإذنه السماوات والأرض: هل تعتقدون أن أمر الإمامة من الجزئيات؟
ولكن صدق فيك قول الشاعر الفارسي:
قافيه جو تنك آيد ... ... شاعر بجفنك آيد
يعني:
إذا ضاقت القوافي ... ... أسعف الشاعر الرفس
نعم. لقد ذكرت آنفا أن الإمامة هي أساس التوحيد والنبوة، والسبب الأول لإقامة هذا الدين، ثم تعود لتقول: إن ذلك من الجزئيات.
نحن لا نتفق معكم في ذلك أبداً، وإنَّ ما تُثرثرون به من هذه الأقوال لهو أعظم دليل على اضطراب عقائدكم، وتهافت حججكم وبُطلان مذهبكم (2) .
وإننا نقولها لكم بصراحة: إن القرآن الكريم الذي صانه الله تعالى وحفظه من أيدي العابثين قد استعصى عليكم أمره؛ لأنه كلام الله تعالى، فلم تجدوا ضالتكم فيه، ومُنِعْتُم بقدرة الله الواحد الأحد من أن تدسوا أباطيلكم وأكاذيبكم، وذلك فيما يخص أمر علي و إمامته، ولكنكم وجدتم ذلك في حديث النبي ص وسنته فوضعتم من الأكاذيب والخزعبلات، وما وضعتم وسميتم ذلك زوراً وبهتاناً حديثاً وسُنَّةً؛ لتجعلوا إمامة علي ا من أسس هذا الدين وأموره العظام.
__________
(1) سبق التعليق على هذه المسألة (ص20-21).
(2) قال تعالى: * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) & [النساء:82].(1/24)
وإننا لنشفق عليك وعلى أتباعك، وإلا كيف تجرأت على الله تعالى وكذبت على رسوله ص وذلك مما يعرضك إلى عذاب النار يوم القيامة، فهل لك طاقة بذلك؟
الرد على الجواب الثالث
قال الخميني: (الجواب الثالث: القرآن لم يذكر علياً وهذا حجة عليكم (1) .
نعم. إن هذا حجة عليكم وهو أمر لا يقبل الزيادة أو النقصان؛ وذلك لأن المؤمنين لهم أن يقولوا: إذا كان أمر الإمامة لا أصل له ولا حقيقة، إذن لماذا لم يرد نص صريح في القرآن ينفي ذلك؟
وحتى لا يكون هناك سبب لاختلاف المسلمين فيما بينهم مما قد يؤدي ذلك إلى إراقة الدماء فيما بينهم.
ألم يكن من الأولى لو أن الله أنزل سورة في القرآن توضح للأمة أن علياً وأولاده من بعده لا حق لهم في الإمامة، وعندها فقط لن يكون هناك أي شقاق أو اختلاف بين المسلمين!).
ردنا عليه:
قبل كل شيء نود أن نطرح هذا السؤال:
أولاً: هل يمكن لمسلم عاقل يحترم عقله أن يتفوه بمثل هذا الكلام؟!
ثانياً: بناءً على قول الخميني هذا واعتماداً على ما تقدم؛ فإن أتباع ودعاة الفرق الضالة من أمثال الفرقة البهائية، وأتباع غلام أحمد القادياني وغيرهم لهم أن يحتجوا بهذا القول على نصرة مذاهبهم الباطلة، ولهم أن يقولوا: بما أن الله لم ينزل سورة تنفي نبوة بهاء الله ونبوة غلام أحمد قادياني؛ فإن ذلك يعني أنهم على الحق، ونحن في الحقيقة لا نعجب من قول الخميني هذا بالقدرالذي نعجب به من أتباعه.
ثالثاً: نقول لك: أبشر بالذي يخزيك؛ فإن الله تعالى قد أنبأنا في كتابه أن علياً ا وأهل بيته لم تكن لهم خصوصية الانفراد بالإمامة دون سائر الأئمة المهديين المرضيين بعد نبي الهُدى والرحمة ص، وعلى هذا الكثير من الأدلة إلا إننا نكتفي بذكر دليلين اثنين فقط:
__________
(1) كشف الأسرار (ص:114).(1/25)
الدليل الأول: قوله تعالى: * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) & [يوسف:40].
الدليل الثاني: قوله تعالى: * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) & [الأعراف:71].
وهنا أريد أن أطرح عليك هذا السؤال: كيف تجادلني في أسماء سميتها أنت وأباؤك ما أنزل الله بها من سلطان؟
ألم يأمرنا الله عزوجل ألا نتبع هذه المسميات التي لا برهان عليها ولا سلطان من الله تعالى؟
إن ما تزعمونه من أقوال في إمامة علي ا وأولاده من بعده إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.
الرد على الجواب الرابع
قال الخميني: (الجواب الرابع: أن مجيء الإمامة وذكرها في القرآن الكريم لا يعني هذا تسليم المخالفين وقبولهم بذلك (1) .
لو فرضنا جدلاً أن القرآن ذكر علياً؛ فإن الخلاف بين المسلمين لا ينتهي عند هذا الحد لورود نص قرآني بذلك؛ لأننا نعلم أن الذين اعتنقوا الإسلام والتفوا حول الرسول لم يكن ذلك إيماناً منهم بمبادئه ولا حباً لشرعه، إنما دخلوه لنيل المكاسب والمناصب وطمعاً في الدنيا ومتاعها، فكيف يعقل أن يرضوا ويسلِّموا بما ينزل من الآيات في إمامة علي؟
ألم يكن ذلك سبباً آخر لاتساع هوة الخلاف والشقاق بين المسلمين أكثر فأكثر؛ مما يؤدي بالتالي إلى هدم الإسلام ونقضه من أساسه؟
__________
(1) كشف الأسرار (ص:114).(1/26)
ولا يستبعد بعد ذلك عندما يرى أولئك الذين اعتنقوا الإسلام طمعاً في الرئاسة ونيل المكاسب أنهم سوف لن يصلوا إلى تحقيق مقاصدهم ونيل ما يرغبون، سوف يشكلون حزباً معارضاً بل أحزاب تعمل لهدم الإسلام ونقضة، وبهذا فإن علياً وأتباعه من المؤمنين لن يقفوا مكتوفي إلايدي أمام هذا الوضع القائم، وبالتالي سوف تقوم الانتفاضة لرفض هذا الوضع الفاسد، مما يؤدي بالتالي إلى القضاء على النصف الآخر من الإسلام..!!
وخلاصة القول: إن تطرق القرآن لذكر علي والإمامة ومجيئهما فيه أمر مخالف للمصلحة وما تقتضيه من حكمة، بل ومضر بالإمامة نفسها).
ردنا عليه:
أولاً: إن الله تعالى لا يقبل من عبده نصف الدين إذ إنه لا فائدة في ذلك، كما لا يقبل سبحانه تعالى الصيام إلى وقت الظهر، ولذا فإن الله تعالى لا يرضى نصف الدين المتمثل بأبي بكر وعمر ب (كما تزعمون) إذ إنه لا فرق بين من كفر بهذا الدين جملة، وبين من آمن بنصف هذا الدين وكفر بالنصف الآخر، بل قد يكون الكفر بنصف هذا الدين أشد من الكفر به جملة وأعظم ضرراً، والذي نقصده هنا: أنه ليس لله ـ حاجة في حفظ نصف هذا الدين إذا كفر عباده بالنصف الآخر ولم يرتضوه.(1/27)
ثانياً: يتضح مما قلته آنفاً: أن الله تعالى لم يذكر علياً في القرآن ولم يأت على إمامته نص صريح بذلك، فهذا يعني أن الله ـ من حكمته العظيمة وفضله على هذه الأمة وحباً لها لم يفرق كلمتها بذكر أمر فيه كل هذا الضرر العظيم، والخطر الجسيم في تعكير صفو هذه الأمة ووحدتها، فهل للخميني أن يقول لنا: من أين تأتي له كل هذه الغيرة على هذا الدين وتحمل كل هذا الهم العظيم لحفظ بيضة الإسلام والدين، وتفتق عقله بعبقريةٍ لم نرها في الأولين حتى غاص في أعماق بعيدة؛ ليستخرج لنا من هذا القرآن العظيم حكماً وأسراراً غابت عن سيد الأولين والآخرين؛ حيث ادعيتم عليه ص أنه قال بلسانه الشريف آلاف الأحاديث والنصوص التي تنص نصاً قطعياً على إمامة علي ا وأولاده، وهذا ما نطقت به كتبكم وخطته أيديكم ثم نسبتموه زوراً وبهتاناً إلى الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، ولم تكتفوا بهذا الضلال والعمى الذي أركسكم الله فيه، حتى زعمتم أن رسول الله ص لم يغفل أمرالإمامة وهو في الرمق الأخير من حياته الشريفه؟!
ثالثاً: لم يخبرنا الإمام الملهم: لماذا كل هذا الحرص من النبي ص وهوالمؤيد من عند الله تعالى على تلك العصبة الحريصة على الرياسة، المحبة للدنيا ومتاعها، والتي لم تعتنق هذا الدين حباً فيه وإيماناً بمبادئه واعتقاداً منها بفضله وشرفه.. لماذا لم يبعدهم ص عن طريقه وهو يعلم أنهم لم يلتفوا حوله إلا لتحقيق تلك المقاصد الخبيثة والنوايا السيئة؟
هلاَّ وضح لنا جناب الإمام: هل كان الرسول ص عاجزاً عن إزاحة شرذمة قليلة وإبعادهم عن طريقه، وهو يعلم قبل غيره أن الله ـ قد أيده وأمدَّه بالنصر والقوة والتمكين حتى أزاح طغاة الكفر وأئمته وقاتل أعداء هذا الدين ومن ناوءه، وهدم كل صروح الكفر على رؤوس أهلها من أمثال أبي جهل وشيعته؟
فهل يكترث ص بطرد فتى مثل عمر إن كان (كما تزعمون) إنه ما آمن إلا حباً للدنيا وحرصاً على زخرفها؟(1/28)
وهذه رسالة الإسلام ودعوة الحق يصدع بها محمد الأمين بين أهل مكة والمسلمين لم تقو شوكتهم بعد ولم يشتد عودهم والدين جديد على أهله، والقرآن الكريم لم يدع سبيلاً إلا وسلكه ولا باباً إلا وطرقه، ولا مثلاً إلا ضربه للتنديد والطعن وذكر كل ما يشين بالكفر وأهله، فلا عابد ولا معبود من طواغيت الكفر وأئمة الضلال إلا وأخذ نصيبه الكامل من التقريع والتنكيل والتهديد والوعيد الشديد، وذلك مما تنزَّل على قلب أطهر إنسان عرفته البشرية، فكيف بعد هذا كله تظن أن القرآن يدع أبا بكر وعمر يقفان عقبة كؤود أمام الإسلام دون أن يشير إلى ذلك ولو بآية واحدة؟
ولكن لتعلم أنت ومن غرته أكاذيبك وافتراءاتك أن القرآن الكريم لم يُداهن أحداً من البشر، ولم يتأخر يوماً في فضح المؤامرات، وكشف المكايد التي كانت تحاك ضد الإسلام وعصبة الرحمن، كما أن الذين وقفوا وتصدوا لرسالته ودعوته لم يحصدوا مما جنت أيديهم غير الخيبة والندامة والخسران.. فأين جناب الإمام من هذا كله؟!
أم لم يعلم الخميني أن أبا بكر وعمرب لم تكن لديهما حتى وهم بالمدينة أي قدرة أو شوكة للتصدي أو الوقوف والمعاداة للدين وأهله، فمن أين لك كل هذا الإفك حتى تدعي أنهمالم يتبعا الرسول ص ولم يدخلا في الإسلام إلا حباً في الرياسة وطلب المكاسب؟!
أي مكاسب هذه التي ترتجى من دين قامت الدنيا كلها ولم تقعد لمحاربته وبذلت كل غال ونفيس للوقوف أمام دعوته وهديه؟!(1/29)
نعم. إن الشوكة والمنعة والقوة والقدرة إن كان لهذه المسميات من حقيقة وأثر؛ فإن ذلك كله كان بيد الأنصاري لأنهم هم الذين آووا ونصروا ي. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الذي يكون حريصاً على هذه الدنيا وزهرتها ومناصبها فالأجدر به أن يبحث عنها عند من يملك أسبابها، لأنه لا يحقق مآربه وينال مقاصده إلا عند من يملك القدرة على ذلك من أمثال أبي جهل وحزبه، أما أن يدعوا ذلك كله ليقفوا إلى جنب محمد ص مؤمنين مذعنين وهو الوحيد في محنته، الطريد من أهله وعشيرته، فأي مكسب سيحققانه؟ وأي عرض زائل من الدينا سيكسبانه إن كانا كما يقول الخميني لم يؤمنا به إلا طمعاً في نيل المكاسب والحصول على المناصب؟
ثم دعونا لنطرح هذا السؤال على جَنَاب الإمام: متى آمن أبو بكر وعمر وعثمان يبالنبي ص؟
ألم يكن ذلك في وقت هو من أشد الأوقات غربة وضعفاً وضنكاً، حيث التعذيب والقتل والحرمان الذي كان يصبه المشركون على رؤوس المؤمنين صباً؟!
ولكن جناب الإمام الأعظم لا يعي ما يقول، بل لا يكاد يعلم من وقائع ومجريات التاريخ الإسلامي شيء.
الرد على الجواب الخامس
قال الخميني: (الجواب الخامس: لو ذكر اسم علي في القرآن لحرفوا القرآن وبدلوه (1) .
إن تلك الفئة التي لم يكن لها يوماً حاجة أو عناية بكتاب الله، بل كان أكبر همها هو طلب الدنيا والرياسة، كان باستطاعتها مع ما لها من نيات فاسدة أن تحرف القرآن، وذلك على فرض مجيء اسم علي في القرآن، كما لم يكن بمستبعد أن يرفعوا جميع الآيات التي تنص على الإمامة من القرآن..!!
وبالتالي فإنه لن تبقى أي حرمة أو تقدير لهذا القرآن، وكما لا يبقى له أي احترام في نظر سائر البشر في هذا العالم؛ بل سيبقى ذلك وصمة عارٍ في جبين المسلمين إلى قيام الساعة!!
وإن ما نالته كتب الأمم السابقة من التحريف والتبديل سينال هذا القرآن كذلك بلا أدنى شك).
ردنا عليه:
__________
(1) كشف الأسرار (ص:114).(1/30)
أولاً: إن الخميني لحاجة في نفسه أظنها لا تخفى على أحد؛ فإنه قد أعطى أبا بكر وعمر ب من المنزلة والمكانة ما لم يكن لأحدٍ من البشر، وذلك ليمرِّر على عوام الناس وسُذَّاجهم ألاعيبه وأكاذيبه، بيد أن الخميني هذا يعلم جيداً أن هذه الأراجيف لا تثبت أمام الحقائق القرآنية وأدلته الواضحة، وذلك أن الله تعالى قد تولَّى حفظ كتابه فلا يستطيع أحد في الأرض أو في السماء فضلا عن أبي بكر وعمر بمن أن يمد يده لتبديل آية واحدة من هذا الكتاب العزيز، وأن هذه من الحقائق الراسخة في قلوب المؤمنين رسوخ الشم الرواسي، وإلا فإن كان ذلك في القدرة والإمكان، فلا يستبعد أبداً أن تدخلوا اسم علي في مئة آية (1) ، وعندها لن يضركم ما سيكون عليه حال المسلمين من الفرقة والتشتت والاختلاف، كيف وقد اختلفتم معهم في كل صغيرة وكبيرة من أحكام هذا الدين، حتى الأذان لم يكن بمنأى من تبديلكم وابتداعكم المقيت.
ثانياً: قلتَ: إن الله تعالى لم يذكر اسم علي في القرآن ولم يأت على إثبات إمامته بنص صريح؛ وذلك حفظاً منه لهذا الدين وجمعاً لكلمة المسلمين، فهلَّا بيَّنتم لنا لماذا كان بلال ا يؤذن أمام النبي ص في اليوم والليلة خمس مرات ولم يكن يقول: (أشهد أن علياً ولي الله) فهل لديكم رد على ذلك؟!
__________
(1) بل حصل من بعض علماء الشيعة كما زعم عالمهم رجب البرسي في كتابه (500 آية نزلت في أمير المؤمنين)، وكذلك مرجعهم صادق الشيرازي في كتابه: (علي سلام الله عليه في القرآن)، حيث زعم أن (711) آية من القرآن الكريم نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ا.(1/31)
نعم. لعلكم تقولون: إن هذا الأذان لم يكن على الصورة التي ذكرتم، وإن هذا أمر نحن أحدثناه وأضفناه على الأذان الشرعي الذي سنَّه لنا رسول الله ص، فنقول: إن عذركم أقبح من ذنبكم، ولا يوجد لديكم في حقيقة الأمر أي جواب شاف ومقنع لتسوغوا فعلتكم القبيحة هذه، وابتداعكم الشنيع في دين الله تعالى (1) .
الرد على الجواب السادس
قال الخميني: (الجواب السادس (2) : نحن لا نطمئن إذا علمنا أن تلك الفئة الحريصة على الدنيا المحبة لها والتي ليس لها هم سوى طلب المكاسب والحصول على الرياسة، أقول لا يستبعد أبداً أن يأتوا بحديث من أحاديثهم لينسخ ما يأتي من الآيات في حق علي وأولويته بالإمامة!!
وليس بمستبعد كذلك أن تأتي هذه الفرقة المحبة للرياسة بحديث آخر مفاده "أن الأمر شورى بينكم"، وبهذا سوف لن يكون هناك لعلي أي نصيب أو حظ في الإمامة، ولربما تقوَّلوا: لو أن القرآن ذكر علياً ونص على إمامته؛ فإن الشيخين أبا بكر وعمر لن يخالفوا نصوص القرآن؛ بل والأمة لا يمكن لها قبول مثل هذا المخالفة الصريحة، ولكننا سوف نثبت لكم بما لا يدع مجالاً للشك فيه أن الشيخين قد خالفوا النصوص القرآنية!! وليس هذا فحسب بل إن الأمة كلها قد أيَّدتهم ووافقتهم على هذا، والدليل على ذلك ما جاء في الصحاح الستة لأهل السُّنَّة: أن فاطمة بنت محمد جاءت إلى أبي بكر تطلب إرث أبيها، فقال لها أبو بكر: سمعت رسول الله ص يقول: "إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة". فهذا النص الذي ذكره أبو بكر مخالف لنصوص القرآن الكريم حيث جاء في سورة النمل
__________
(1) سبق الكلام عنه في الرد على الجواب الثالث.
(2) كشف الأسرار (ص:115).(1/32)
* وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ & [النمل:16]، وجاء في سورة مريم على لسان زكريا: * فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) & [مريم:5-6] فما هو ردكم؟ هل تكذِّبون ما جاء في هذه النصوص الصريحة المحكمة، أم تقولون إن رسول الله قد خالف ما في كتاب الله؟ أم تقولون إن هذا الحديث ليس من أقوال النبي وأنه من وضع تلك الفئة؛ لكي يحرموا ويمنعوا أهل بيت النبي وأبناءه من إرث أبيهم، ويجعلوا هذا المال في صدقات المسلمين وليدعوهم بعد ذلك عالة على بيت مال المسلمين؟).
ردنا عليه:
لو صح زعمك وادعاؤك أن أبابكر وعمر ب سوف ينسخون آيات الذكر الحكيم المنزلة من عند رب العالمين المؤيدة لإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ا بأحاديث يضعونها من أنفسهم؛ لكان ذلك من أوضح الحجج الدامغة والبراهين القاطعة في محل النزاع، ولأغناك ذلك عن هذا التشدق في الكلام والثرثرة التي لا نهاية لها، ولكان ذلك كافياً لدحض حججي وإبطال ما جاء في كتابي هذا، ولم تكن مضطراً بعد ذلك لمنع هذا الكتاب عن قارئيه وخاصة في الوسط الذي هو تحت حكمك وسلطانك.
ثانياً: إن مما أجمعت عليه هذه الأمة واتفق عليه سلفها وخلفها من أهل الحق والعلم: أن القرآن الكريم هو المصدر التشريعي الأول، أما المصدر التشريعي الثاني فهو سنة الرسول ص، وذلك على النقيض لما أنتم تذهبون إليه، وإن خالفتمونا بهذا فلن تخالفونا(1/33)
في قوله ص: "العلماء ورثة الأنبياء" (1) .
فهلاَّ أخبرتمونا ماذا تعني كلمة (ورثة) في هذا الحديث المبارك؟ وما هو المراد منها؟
هل يعني ذلك أن علماء هذه الأمة ورثوا فراشه وثيابه وما ترك من متاع وأثاث؟ أم يعني ذلك أن علماء الأمة يتوارثون العلم فيما بينهم إلى يوم الساعة؟
أهذا هو كل مافهمتموه من هذا الحديث؟
وهل هذا هو المعقول الذي آمنت به، أم أن الموافقه للمنقول والمعقول والمنطق الصحيح إنما هو ميراث العلم لا غير؟
أليس هذا هو الحق الذي لا مناص منه، أم أنك تُصرُّ على نقض قولك لتدَّعيَ على الله بغير علم ولا سلطان؟!
إنما كان سؤال زكريا ربه مدة ثلاثين سنة أو أكثر ألا يجعل ما تحت قدميه من فراش ومتاع لا وارث له؟!
أهذا هو مبلغك من العلم؟
ثم قل لي بربك: لماذا كان سيدنا زكريا × يلح على ربه في الدعاء ليجعل له وارثاً ولجميع آل يعقوب ×؟
ألم يكن هناك وارث لآل يعقوب سوى زكريا ×، أم كنت تظن أنه لم يكن لداود × ذرية سوى سليمان ×؟
أو تظن أن أثاث مطبخهم له كل هذه المنزلة والأهمية حتى يُذكر في أعظم كتاب أنزل على هذه الأرض؟!
إننا نظن أنك على يقين تام بأن المراد من هذه الآيات البينات إنما هو ميراث العلم والحكم والنبوة، ولكن ماذا نصنع بك إن أعمى الله تعالى بصرك وبصيرتك؟!
ولكي نوضح هذه المسألة أكثر دعنا نضرب لك هذا المثال:
__________
(1) روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله × قوله: قال رسول الله ص "...وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر". قال عنه المجلسي في مرآة العقول (1/111): (الحديث الأول: (أي: الذي بين يدينا)، له سندان: الأول مجهول والثاني حسن أو موثق، لا يقصران عن الصحيح). والخميني تناقض في حكمه على هذا الحديث فقد ضعفه في كشف الأسرار (ص:123) بينما يصححه في كتاب الحكومة الاسلامية (ص:143).(1/34)
لا يشك أحد أنك عندما أصبحت الحاكم المطلق للإيرانيين وتبوأت تلك المنزلة الرفيعة لدى معظم الإيرانيين - وإن لم نقل كلهم - وهو أمر معلوم لدى الجميع، وقبل هذا وذاك فأنت عندهم آية الله العظمى - كما يزعم ذلك أتباعك - وكما يحلو لك، وبالرغم من هذا كله، فهل يبيح لك ذلك ويخولك أن تهب مثلاً جزيرة كيش الايرانية لولدك حتى تطلب منا بعد ذلك أن يورِّث أبو بكر ا وأرضاه فاطمة ل من إرث أبيها؟!
وهل كانت أرض فدك مالاً ورثه محمد ص من آبائه؟
هل نسيت أن أبا بكر ا عندما منع فاطمة من إرث أبيها قد منع في الوقت ذاته ابنته عائشة وحفصة بنت عمر وسائر أزواجه ص من ميراث أرض فدك وغيرها؟!
أم أنك لا تتفق معنا عندما تعلم أن علياً ا عندما تولَّى خلافة المسلمين فإنه لم يهب فدك ولاغيرها إلى أولاد فاطمة ل؟
قل لنا بصدق وأمانة: أأنت أشفق وأخوف على أولاد فاطمة أم علي، أم لم تكن لديك الجرأة أن تعلنها على الملأ أنك أعلم من علي في هذا؟!
ثالثاً: إذا كنت تزعم أن حرمان أبناء النبي ص من إرثهم هو أمر مخالف للمعقول، فلماذا لا تدَّعي في الوقت نفسه بأن زواج النبي ص بتسع نسوة دون أمته أمر مخالف للمعقول أيضا؟!
ولماذا لا تدَّعي كذلك أن ترغيب النبي ص أمته بتزويج الأرامل من النساء والمسارعة فيه مع نهي الله تعالى الأمة عن التزوج بنسائه ص أمر مخالف للمعقول مع أنهن من الأرامل؟
ثم أليس من المخالف للمعقول عندك إباحة الشرع الحكيم للأمة أن تأخذ حظها من الدنيا وزينتها ولا تنسى نصيبها الذي قسم الله لها ثم يمنع وينهى أزواج النبي ص عن ذلك؟!
إذاً: فاعلم أن هناك فرقاً ظاهراً بين حياة الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم - وبين حياة سائر البشر وإن لم يقبل عقلك المريض ذلك!!(1/35)
أم هل نسيت أم تناسيت أن الرسول الكريم ص كان من أزهد الخلق في متاع الدنيا وحطامها الزائل؛ كما أنه ص عاش حياته فقيراً كسائر فقراء المهاجرين من أصحابه لا يملك شيئاً من المتاع أو المال، وسيدنا أبوبكر ا كان يعلم ذلك ويرى بأم عينيه أن الهلال يمر تلو الهلال على بيت النبي ص دون أن توقد نار في بيته أو يرى أثراً لدخان، وإنما كان طعامه ص الأسودان: الماء والتمر (1) .
إني لأعلم يقيناً أنك تعلم ذلك ولا يخفى عليك أمره.
إذاً: فلم تكن هناك حاجة لأن يختلق أصحاب النبي ص الأحاديث المكذوبة حتى يمنعوا أبناء النبي ص من ميراثهم، وإن لم يكن لهذه الأحاديث من أصل ثابت فلماذا يمتنع علي وابنه الحسن يوهما أصحاب الحق في ميراث النبي ص من ترك العمل بهذا الحديث المختلق المكذوب (بزعمك) مدة خلافتهم؟
وبهذا يعلم أن علياً وإمامته لو جاء لهما ذكر في القرآن الكريم؛ فإنه لا يمكن لأحد من البشر فضلاً عن أبي بكر أن ينسخ النص القرآني بحديث يختلقه ويفتريه من عند نفسه.
وفي ختام هذا الرد نقول لك: دعنا من هذيانك وأباطيلك؛ فإن جميع الطرق قد سُدَّت بوجهك، ولا أراك تجد جواباً يسعفك ويمنعك من التردي في حمأة الباطل الذي أُركست فيه.
الرد على الجواب السابع
قال الخميني: (الجواب السابع: إشارة القرآن للإمام علي، قال تعالى: * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ & [النساء:59]، فهذه الآية ترشد إلى أن الله أمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله وأولي الأمر، وذلك يعني اقتضاء حكومة إسلامية موحدة توجد على أرض الواقع، وأن هذه الطاعة لله ورسوله وأولي الأمر هو أمر دائم إلى قيام الساعة، وهذا أمر في غاية الظهور والوضوح.
__________
(1) أخرجه البخاري في باب الهبة وفضلها والتحريض عليها (2567)، ومسلم في الزهد والرقائق (2972).(1/36)
وإن من مقتضيات هذه الطاعة: أن تكون لولي أمر المسلمين لا لسواه، وهنا لا بد لنا من تحكيم العقل الذي وهبه الله لنا واستفراغ الجهد؛ لنعلم بعد ذلك من هم أولي الأمر الذين أمرنا بطاعتهم؟ هل هم من أمثال أتاتورك ورضا خان ومعاوية ويزيد وآخرين من أمثال الأمويين والعباسيين؟ أم أن ولي الأمر المقصود في هذه الآية هو ذلك الشخص الذي عُلِم عنه أنه ما خالف أمر الله وشرعه ولو لمرة في حياته (يعني علي)!!).
ردنا عليه:
أولاً: لم يكتف الخميني عن العبث بآيات الله تعالى واتخاذ هذا القرآن هزواً ولعباً.. إلا أن هذا الصنيع السيء هو استدراج من الله تعالى له ليكشف زيفه ويفضح باطله للأمة.
وإلا فإنه إن كان محقاً فيما ذهب إليه من هذا القول الباطل كان الأولى به أن يأتي بالآية تامة كما أنزلها الله تعالى في كتابه؛ ليتبين مراد الله تعالى بكل يُسرٍ ووضوح.
قال تعالى: * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) & [النساء:59].
وكما نعلم فإن الشيعة تدَّعي العصمة لعلي ا، وأنه أحد المراجع المهمة للتشريع الإسلامي، فما قاله أو أمر به أو نهى عنه فهو عينه أمر النبي ص ونهيه، والقول الصادر منهما إنما يخرج من مشكاة واحدة.
ولكننا لو أمعنا النظر في هذه الآية الكريمة وتلونا قوله تعالى: * فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ & [النساء:59]. يتبين لنا أن الله تعالى إنما أمرنا بالرد عند التنازع إلى الله ورسوله دون سائر الأمة، وإذا كان المراد من هذه الآية الكريمة الإشارة إلى علي كما يزعم الخميني فلماذا لم يأمرنا الله تعالى بالرد إليه عند التنازع إن كان عليٌ إمام معصوم؟(1/37)
ولكن الخميني لم يكن بدعاً فيما ذهب إليه عندما اقتطع من الآية ما يؤيد مذهبه الباطل ولم يأتِ بالآية على وجهها، فهو عندما لم يجد جواباً يسعفهُ أخذ من الآية نصفها وترك النصف الآخر والذي يدل دلالة واضحة أن أُولي الأمر- عندما يقع النزاع - هم من جملة الأمة في رد الأمر فيما تنازعت فيه إلى الله ورسوله ص، فليس لهم العصمة دون الأمة، ولا يوجد أمر شرعي بالتحاكم إليهم عند التنازع.
إذاً: فإن ما تدَّعونه في علي ا وعصمته هو أمر لا حقيقة له ولا وجود إلا في روؤسكم، وإن ما ذهبت إليه من الاستدلال بهذه الآية الكريمة هو حجة عليك لا لك، فلا نعلم أيها الإمام عمن أخذت قولك هذا؟ وكيف دلك عقلك السقيم إلى هذا الفهم الذي لا دلالة عليه من كتاب أو سنة أو قول مأثور؛ حيث اعتمدت فيما ذهبت إليه على نص هو من أوضح الأدلة على بطلان قولك ودحض ما تعتقده؟
ثانياً: من قال: إن أتاتورك ورضا خان والخميني هم من أولي الأمر المرضي عنهم؟
فإن هذا قول لا نرتضيه لأنفسنا ولا لمسلم، وبهذا تعلم أننا لا نقبل بحال ولا نعترف بك ولا بأمثالك ولياً للأمر على أحد من المسلمين.
الرد على الجواب الثامن
قال الخميني: (الجواب الثامن: أثبتنا فيما مضى أن رسول الله كان خائفاً من أن يذكر علياً في القرآن؛ حتى لا يتخذ المنافقون ذلك ذريعة لتحريف القرآن، أو أن يكون سبباً للشقاق ووقوع الخلاف بين المسلمين؛ مما يؤدي ذلك إلى هدم الدين من أساسه، وسنذكر ذلك بالأدلة والبراهين من القرآن، وما كان يتخذه الرسول من الحذر الشديد والخوف من المنافقين من أن يأتي ذكر لعلي في القرآن، حيث جاء في سورة المائدة قول الله:
* يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ & [المائدة:67].(1/38)
اتفق أهل العلم على أن سبب نزول هذه الآية: أنها جاءت لإثبات أحقية علي بالإمامة والخلافة بعد رسول الله، وقد جاء في الحديث من طرق عديدة عن أبي سعيد وأبي رافع وأبي هريرة ومن طرق أخرى عديدة عند الشيعة أن هذه الآية إنما نزلت في يوم غديرخم، علماً بأن هذه الآية وقوله تعالى في الآية أخرى: * الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ & [المائدة:3] هو آخر ما نزل من القرآن، وكان ذلك في حجة الوداع ولم يكن بين نزولها ووفاة النبي ص سوى سبعين يوماً تقريباً.
ومما لا يخفى على أحدٍ: أن النبي قد بلَّغ ما أُنزِل عليه من ربه من شرائع الدين، إلا أنه لم يبلغهم أمراً واحداً ألا وهو أمر الإمامة هذا؛ فأنزل الله هذه الآية ليؤكد الله هذا الأمر، ويحث نبيه على تبليغه لأمته!!
وقول الله في هذه الآية: * وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ & [المائدة:67] دليل واضح على خوف النبي من إخبار أمته بإمامة علي، مع العلم أن النبي لم يكن لديه ذلك الخوف عند تبليغ الأمة ما أنزل عليه من شرائع وأحكام، وبهذا نعلم علماً لا مجال للشك فيه ومن خلال فهمنا لهذه الآية وما ذكرناه من الأدلة والقرائن والأحاديث العديدة: أن النبي كان خائفاً من تبليغ هذا الأمر للأمة، ولو رجعنا إلى الروايات والمصادر التاريخية، نعرف عندها أن خوف النبي كان في محله، ومع هذا كله فإن الله قد أمر نبيه بالتبليغ، ووعده أن يعصمه من الناس، وقد بلَّغ الرسول الأمانة واجتهد حتى الرمق الأخير، ولكن الفريق المخالف لم يشأ أن تسير الأمور كما أراد الله ورسوله..!!).
ردنا عليه:(1/39)
أولاً: جاء في كتابك (كشف الأسرار) مما ذكرته سابقاً: أنه لم يكن من المصلحة أن يرد ذكر علي في القرآن؛ لأن ذلك سيكون سبباً للشقاق والخلاف والقتال بين المسلمين من جهة، وذريعة لتحريف القرآن من جهة أخرى؛ لذا فإن الله ـ لم يكن ليذكر علياً مع وجود كل هذه المفاسد المترتبة على ذلك، وإنه قد أخبر رسوله بأن ذلك ليس من المصلحة في شيء (1) .
ثم تأتي لتقول لنا ثانية أنه لا بأس يا محمد أن تذكره أنت للأمة مع خوفه ص من هذا الأمر!! ولكن الله قد أكد هذا الأمر، وأمر نبيه أن يخبر أمته بذلك، وإنَّا والله لا نفهم معنى لهذا القول المتناقض والمذهب الفاسد، ولا ندري ما هو مرادك من ذلك كله!!
ثانياً: قلتَ: إن خوف محمد ص كان في محله، فماذا يعني قولك هذا؟
هل أن الله تعالى لم يكن ليضع الأمور في محلها الصحيح؟ * كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) & [الكهف:5].
ولكننا نقول لك: يا هذا أقصر ودع عنك هذا الهذيان والقول بالباطل.
ثالثاً: قد ثبت عندكم في كتب الشيعة من روايات عديدة وصحيحة - كما تدعون - أن رسول الله ص عندما بلَّغ أمته وأخبرها بإمامة علي وخلافته للأمة من بعده، وكان ذلك في غدير خم؛ فإن الناس وكل من حضر هذه الوصية قاموا وهنؤوا علياً بهذا الخبر السار، وما أكرمه الله به من هذه النعمة والمنزلة، وكان أول من قام له وهنأه هما: أبو بكر وعمر ب (2) ، فقل لنا بربك: ممن كان يخاف النبي ص بعد ذلك؟
إن هذه الآية الكريمة في حقيقة الأمر لا علاقة لها ألبته، ولا رابط بينها وبين أمر الإمامة أو الخلافة في شيء، وإن ما تصورته أنت وسلفك وما يتوهمه أتباعك كذلك إنما هي أوهام وتخرصات لا وجود لها إلا في تلك الرؤوس الصدئة النتنة.
__________
(1) راجع الجواب الثالث.
(2) انظر: الغدير للأميني (1/ 9 -12).(1/40)
رابعاً: زعمت أن ما ذكرته من تفسير للآية الكريمة وما أشرت إليه من نقولات لسبب نزولها إنما ذلك هو المذهب المختار والثابت لأهل السُّنَّة والجماعة، وجعلت ذلك ركيزةً تعتمد عليها وحجة لك في إثبات ما تصبوا إليه نفسك في أمر الإمامة، ولكنك في الوقت نفسه نسيت ما ذكرته في جوابك السادس واتهامك لأهل السُّنَّة والجماعة - عليهم رضوان الله تعالى - حينما قلت: (نحن لا نطمئن إذا علمنا أن تلك الفئة - تقصد أهل السُّنَّة والجماعة - الحريصة على الدنيا المحبة لها، والتي ليس لها هم سوى طلب المكاسب والحصول على الرياسة، لا يستبعد أبداً أن يأتوا بحديث من أحاديثهم لينسخ ما يأتي من النصوص والآيات في حق علي وأولويته بالإمامة (1) .
ألم يكن الأجدر بمن تتهمه باختلاق الأحاديث وتأويل النصوص وتحريف ما أنزل الله على رسوله لإبطال إمامة علي ا.. أقول: ألم يكن الأجدر بهذه الطائفة أن تفسر الآيات وتأتي من النقولات بسبب نزولها بما يتفق وما تذهب إليه من الباطل؟ أو لنقل لماذا لم تجعل هذه النصوص المختلقة من الروايات والتفسيرات وأسباب النزول وما إلى ذلك من الأكاذيب.
نعم. لماذا لا يكون ذلك كله إثباتاً ودليلاً لأحقيّة أبي بكر وعمر في الإمامة والخلافة دون علي وأولاده؟!
ولكن ما ذهبت إليه من هذه الأقوال الباطلة لم يكن له أدنى مستوى من الصحة أو المصداقية، وإنما هو محض الكذب والافتراء والتقول على الله ورسوله بما لا دليل لك به ولا سلطان.
خامساً: إن الله تعالى عندما أمر نبيه الكريم ص في الآية الكريمة قائلا له: (بلّغ) وهو أمر واضح وصريح، فيا ترى ماذا سيبلغ؟ هل يعني ذلك بناء على قولك السقيم: أن الله تعالى (معاذ الله) قد خاف ليأمر نبيه ليقوم بنفسه بهذه الوظيفة والمهمة؟!
هل هذا هو مبلغ علمك وفهمك للآيات وتفسيرك لها؟
أيقول هذا إنسان يحترم نفسه أو يملك ذرةً من عقل أو أثارة من علم؟
__________
(1) راجع الرد على الجواب الثالث.(1/41)
سادساً: لو اطلعنا على سياق الآيات الواردة في هذه السورة الكريمة وتدبرنا قول الله تعالى ومراده من الآيات، لعلمنا أن هذه الآية الكريمة وهو قوله تعالى: * يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ & [المائدة:67] الآية. لا دخل لها في موضوع الإمامة ولا دلالة فيها على ذلك، وإنما هي آيات في سياق الدعوة لأهل الإيمان إلى التمسك بدين الله تعالى وعدم موالاة اليهود والنصارى.
ومن ثَمَّ أمَرت المؤمنين بأن من تجب موالاته ومحبته هو الله تعالى ورسوله والمؤمنين، ولا يمكن بحال أن تجتمع هذه المحبة مع موالاة اليهود والنصارى، وهم في حقيقة الأمر ألد الأعداء لهذا الدين وأهله.
وهكذا يستمر سياق الآيات ليظهر لنا كفر وضلال اليهود والنصارى، وما أنزلت فيهم من العقوبات حتى جُعل منهم القردة والخنازير، ووبَّخ الله علماءهم إذ إنهم لو قاموا برسالة الدعوة وتبليغ ما منّ الله به عليهم من علم الكتاب لما كان هذا حالهم من الكفر والطعن في دين الله، وتكذيب ما جاء به محمد ص.
وبعد هذا السرد والتوضيح لمراد الله تعالى من هذه الآيات الكريمة التي سبقت الآية الكريمة التي نحن بصددها نجد أن الله تعالى يُلحقها بآية أخرى فيها من التوبيخ والتهديد الشديدين لأهل الكتاب إذا هم لم يقيموا التوراة الإنجيل ويعملوا بما فيها ويؤمنوا بما جاء به محمد ص من الدين والهدى مصدقاً لما بين يديه من التوراة و الإنجيل، وإن هم لم يعملوا بما فيها من أوامر ونواهي ولم يتركوا مخالفتهم لدين الإسلام، ولم يتبعوا خاتم الأنبياء والمرسلين فليعلموا أنهم من الطغاة والكافرين.
إذاً: ما هو الرابط بين قول الله تعالى (بلِّغ) وبين إمامة علي ا؟
ثم هل هذه الأقوال التي تدَّعيها هو ما أثبته الصحابي الجليل أبو هريرة وغيره من الصحابة ي؟(1/42)
ألم يقل الشيعة وأنت معهم أن أبا هريرة ا هو من ألد الأعداء لعلي ا وأهل بيته؟ (1) .
إن الحقيقة التي لا مراء فيها: أن هذا الكلام لا يعوِّل عليه في قليل أو كثير، وأن التناقض والاضطراب واضح فيه كل الوضوح.
الرد على الجواب التاسع
قال الخميني: (الجواب التاسع (2) : سنذكر هنا الآيات القرآنية التي تنص على إمامة علي، والتي يقر بها أهل السُّنَّة كذلك..
قال الله تعالى: * أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ & [المائدة:3] الآية.
حيث ذكر صاحب كتاب غاية المرام (3) (الباب التاسع والثلاثون) ستة أحاديث من كتب أهل السُّنَّة والتي تثبت إمامة علي وتشهد بأن هذه الآية ما نزلت إلا في هذا الشأن، حيث تزامن ذلك مع وصية النبي لعلي بالإمامة عند غدير خم، وقد جاء في أكثر هذه الأحاديث قوله ص "الله أكبر, بعلي كمل الدين، وتمت النعمة، ورضي الله برسالتي والولاية لعلي"..!).
ردنا عليه:
__________
(1) أبو هريرة لعبد الحسين شرف الدين (ص:41).
(2) كشف الأسرار (ص:136).
(3) كتاب: (غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام) للسيد هاشم البحراني.(1/43)
إن ردنا على أقوال الخميني في هذا الجواب سيكون من كتاب الخميني نفسه وأقواله هذه المرة حيث جاء في صفحة (114) من كتابه المذكور قوله: (لا نطمئن إذا علمنا أن تلك الفئة الحريصة على الدنيا المحبة لها والتي ليس لها هم سوى طلب المكاسب، والحصول على الرياسة. أقول: لا يستبعد أبداً أن يأتوا بحديث من أحاديثهم لينسخ ما يأتي من الآيات في حق علي وأولويته بالإمامة..!! وليس بمستبعد كذلك أن تأتي هذه الفرقة المُحِبة للرياسة بحديث آخر مفاده (أن الأمر شورى بينكم) وبهذا لن يكون لعلي أي نصيب أو حظ في الإمامة، ولربما تقولون: إن القرآن لو ذكر علياً ونص على إمامته؛ فإن الشيخين أبا بكر وعمر لن يخالفوا نصوص القرآن، بل والأمة لا يمكن لها قبول مثل هذا المخالفة الصريحة، ولكننا سوف نثبت لكم بمالا يدع مجالاً للشك بأن الشيخين قد خالفوا النصوص القرآنية، وليس هذا فحسب بل إن الأمة كلها قد أيَّدتهم ووافقتهم على هذا..) إلى آخر ما قال في جوابه السادس من هذا الكتاب (1) .
فالخميني قالها بكل صراحة ووضوح أن الشيخين ب لن يخضعوا أو يستسلموا لقول الله تعالى ولا لأحد من البشر، ولو كان ذلك هو رسول الله ص وإنما هم طلَّاب رياسة ومكاسب.
إذاً: فكيف يتفق رفضهم للنصوص الصريحة في إمامة علي (كما تزعم وتدعي) مع قولك ونقلك من كتاب (غاية المرام) أن أهل السُّنَّة يقرون أن هذه الآية التي لا تعلق لها بإمامة علي ا من أي جهة وإنما هي جاءت للتنصيص على إمامة علي وللتأكيد على ذلك؟!
هل أصبح أهل السُّنَّة بين جوابك السادس والتاسع على هذه الدرجة الراقية من الأمانة والدقة في نقل النصوص؟!
__________
(1) راجع الرد على الجواب الثالث.(1/44)
إن ما نقله الخميني واقتطعه لنفسه من هذه الآية الكريمة لا تعلق له بأمر الإمامة من قريب أو بعيد، ولا رابط يربط بينهما، ولكن جناب الإمام رأى نفسه مضطراً أن يلجأ إلى الدس والافتراء على أهل السُّنَّة والجماعة بكل جرأة ليسطر لنا تلك الاعترافات والشهادات على لسان أهل السُّنَّة، وإنما هي في حقيقتها لا تعدو أن تكون أوهاماً وخرافات لا وجود لها إطلاقاً على أرض الواقع.
ولرب سائل يسأل: أيصح للسني أن يبقى على سنيته وهو يشهد بنصوص قاطعة وصريحة أن علياً ا هو المستحق للإمامة والخلافة دون سائر أصحاب النبي ص من الأئمة الراشدين المهديين؟!
إن صح هذا فلا يستبعد من يأتينا غداً ليقول لنا: إن السني يبقى على سنيته وإن صاحب ذلك اعتراف منه بنبوة غلام أحمد قادياني بعد رسول الله ص!!
إن مما لا شك فيه أن هذا القول من الخميني هو محض الكذب والافتراء والتجني على أهل السُّنَّة والجماعة.
الرد على الجواب العاشر
قال الخميني: (الجواب العاشر (1) :
قال الله تعالى في سورة المعارج: * سَأَلَ 7@ح !$y™ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) & [المعارج:1] عندما سمع النعمان بن حارث أن النبي ص قد أوصى لعلي بالإمامة والخلافة من بعده، جاء إلى رسول الله وقال له: أمرتنا بلا إله إلا الله وقبلنا ذلك منك وأطعناك، وأمرتنا بالجهاد والحج والصلاة والصيام وقبلنا ذلك منك وأطعناك، فما رضيت حتى نصبت هذا الغلام وقلت: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه"، فهل هذا القول منك أم هو من عند الله؟ فأقسم رسول الله بأن هذا أمر من عند الله، فرفع النعمان رأسه إلى السماء وقال: يارب إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فجاءه حجرٌ من السماء فقتله، فأنزل الله: * سَأَلَ 7@ح !$y™ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) & [المعارج:1] وقد وردت هذه القصة بتمامها في الكتب والمصادر التالية:
__________
(1) كشف الأسرار (136-137).(1/45)
1- التفسير الكبير للإمام الثعلبي (1) .
2- نور الأبصار للعلامة المصري الشبلنجي (2) .
3- حجة الوداع الجزء الثالث للحلبي (3) .
__________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة و كأمثال ذلك و لهذا يقولون هو كحاطب ليل". منهاج السُّنَّة (7/5).
وقال صاحب مختصر التحفة الاثنى عشرية: "ولا يعد المحدثون من أهل السُّنَّة روايات الثعلبي قدر شعيرة، ولقبوه بحاطب ليل، فإنه لا يميز بين الرطب واليابس"، مختصر التحفة (ص:187).
وقال ايضاً: "ولا يخفى ضعفه؛ لأن هذه رواية الثعلبي، ولا اعتبار لمراوياته في التفسير" (ص:208).
(2) هو مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي الشافعي، مولده في مصر سنة (نيّف وخمسين بعد المائتين وألف للهجرة) ووفاته في سنة (1291 هـ) وقيل (1308هـ)، ومن أشهر مؤلفاته: (نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي الأطهار).
ترجم له: الزركلي في الأعلام (7/334) وعباس القمي في الكنى والألقاب (2/353) وبروكلمان (Brock. S. 2:737).
وقد نقلوا ترجمة الشبلنجي مما كتبه في ترجمتة لنفسه في مقدمه نور الأبصار، ولا يوجد في كتب التراجم ترجمه معتمدة غير التى كتبها عن نفسه مع أنه وصف بعلامة الشوافع من المتأخرين ولكن من اطلع على كتابه يرى أنه جمع بين غلو التصوف و التشيع.
(3) دلس الخميني وذلك بإيهامه أن الحلبي يرى صحة القصة ولم ينقل تكذيب الحلبي لها في كتابه: السيرة الحلبية (3/309)، فليراجع.(1/46)
4- المستدرك للحاكم الجزء الثاني صفحة (502) وهؤلاء الأئمة هم من الأئمة المعتبرين عند أهل السُّنَّة) (1) .
ردنا عليه:
أولاً: سبق وأن أوردنا عليك سؤالاً عن السبب الذي لم يذكر لأجله علي في القرآن؟ فأجبتنا قائلاً: إن القرآن لو تطرق إلى ذكر علي وإمامته، فسوف يكون ذلك سبب للفتنة والخلاف والفرقة بين المسلمين، فاقتضت حكمة الله تعالى ألا يأتي على ذكر الإمامة.
__________
(1) قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (1/97): "إن أهل العلم متفقون على أن الحاكم فيه من التساهل والتسامح في باب التصحيح حتى أن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني وأمثالهما (وهما من المتساهلين) بلا نزاع. فكيف بتصحيح البخاري ومسلم؟ بل تصحيحه دون تصحيح أبي بكر بن خزيمة وأبي حاتم بن حبان البستي وأمثالهما (وهما من أشد المتساهلين من المتقدمين) بل تصحيح الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في مُختارته خيرٌ من تصحيح الحاكم، فكتابه في هذا الباب خيرٌ من كتاب الحاكم بلا ريب عند من يعرف الحديث، وتحسين الترمذي أحياناً (رغم تساهله الشديد) يكون مثل تصحيحه أو أرجح، وكثيراً ما يُصَحِّحِ الحاكمُ أحاديثَ يُجْزَمُ بأنها موضوعة لا أصل لها". وقال ابن القيم في "الفروسية" (ص245): "وأما تصحيح الحاكم فكما قال القائل:
فأصبحتُ من ليلى الغداةَ كقابضٍ ... ... على الماء خانته فروجُ الأصابع =
ولا يعبأ الحفاظ أطِبّاء عِلَل الحديث بتصحيح الحاكم شيئاً، ولا يرفعون به رأساً البَتّة، بل لا يعدِلُ تصحيحه ولا يدلّ على حُسنِ الحديث، بل يصحّح أشياء موضوعة بلا شك عند أهل العلم بالحديث، وإن كان من لا علم له بالحديث لا يعرف ذلك، فليس بمعيارٍ على سنة رسول الله، ولا يعبأ أهل الحديث به شيئاً، والحاكم نفسه يصحّح أحاديثَ جماعةٍ، وقد أخبر في كتاب "المدخل" له أن لا يحتج بهم، وأطلق الكذب على بعضهم". انتهى.(1/47)
ثم بعد هذا كله تأتي لتقول لنا إن الله قد أنزل حجارة من السماء لتقتل من أنكر الإمامة، وأنزل في ذلك قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، فلماذا لم تنزل هذه الحجارة على أبي بكر وعمرب وعلى كل من أنكر إمامته..؟!
ثانياً: إن الجُرم الذي اقترفه النعمان بن الحارث وجنته يداه - كما زعمت - لا يساوي شيئاً أمام ما اقترفه أبوبكر وعمر ب، إذ كان جرم النعمان هو الإنكار باللسان لا غير، أما أبو بكر وعمر فقد أنكرا ذلك بالقول والعمل، فأين هي الحجارة التي قتلت النعمان؟ فهذا أبوبكر وعمر إماما المسلمين وخليفتا رسول الله ص من بعده، والذين أعز الله تعالى بهما دينه ونصر حزبه وكانوا غيظاً لأعدائه وقذى في عيون الكافرين والمنافقين!!
ثالثاً: إن مثلك ومثل هذهِ الأكاذيب التي تسوقها سوقاً في أجوبتك الهزيلة كمثل رجل وامرأة تزوجا سراً، حتى إذا جاءهما طفلاً أرادا أن يتخذا له هوية واعترافاً قانونياً من تلك الحكومة أو السلطة التي لا تعرف عن أمر زواجهما شيئا البتّه!!
فهل يعقل أو يصدق إنسان أن قرآنا ينزل من السماء، وحجارة تقتل رجلاً أنكر ما أنزل في أمر الإمامة ثم لا يذكر هذا القرآن الإمام نفسه؟!
رابعاً: إذا سلَّمنا أن قوله تعالى: * الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ & [المائدة:3] نزلت في حق علي ا وإمامته، فهذا يعني أن القرآن الكريم أصبح من أعظم الكتب للمعميات والحجج والألغاز (معاذ الله) إذ إنه لا يستبعد بعد ذلك أن يأتي كل صاحب بدعة وضلالة وداعيةٍ إلى باطل بدليل من القرآن الكريم على هذيانه وباطله كما أحرزت أنت قصب السبق بذلك.
ثم ألا تعلم بأن البهائيين لهم كتاب يثبتون فيه نبوة بهاء الله من القرآن الكريم، وعلى نفس الطريقة التي تتبعها أيها الإمام في استدلالك من آيات القرآن على ضلالك وباطلك!!
ونحن لا نعجب من هذا التوافق والوئام بينك والبهائيين إذا علمنا أنكم أصحاب دعوة واحدة ودعاة إلى الباطنية البغيضة.(1/48)
ولربما سائل يسأل: ألا يمكن لهذهِ الأحاديث أن تكون صحيحة؟ خاصة وأنها جاءت في كتب أئمة معتبرين من أئمة أهل السُّنَّة كما ذكر ذلك الخميني؟!
فنقول: كلا. لأن الخميني بنى باطله على أربعة أشياء:
الأول: أن لعلي ا عند أهل السُّنَّة والجماعة مكانة عظيمة حيث يعتبرونه من أجل أصحاب النبي ص ومن كبار أهل بيته ي.
ثانياً: أن الخميني بلا أدنى شك قد خلط بين الحق والباطل ولم يميز الخطأ من الصواب ولكنه لم يكن بدعاً فيما ذهب إليه؛ لأنه قد سبقه في ذلك الكثير من أهل ملته ومذهبه.
ثالثاً: أن التلاعب بالنصوص واختلاق الأكاذيب، والتجني على الأئمة هو الأسلوب المفضل الذي ارتضاه الخميني طريقاً له، كما فعل ذلك مع نصوص القرآن سابقاً، إلا أنه قد فاته أن هذه النصوص والآيات كلها تشهد على حيرته واضطرابه وكذبه.
رابعاً: أن معظم نقولاته عن أناس ليس له بهم سابق معرفة، أو علم بما ينقل عنهم من أقوال، وإلا فمن جعل الثعلبي من كبار أئمة أهل السُّنَّة والجماعة؟!
ألا يقول لنا الخميني إلى أي مدرسة من مدارس أهل السُّنَّة ينسب هذا الثعلبي حتى يجعله إماماً يقتدى به ولا يمكن لأحد منازعته في أقوال هي في حقيقتها أقوال لا تمت لأهل السُّنَّة بأي صلة؟ ومن ثم كيف يمكن للثعلبي وأمثاله أن يكونوا أئمةً لأهل السُّنَّة والجماعة وهم يقولون: إن قول الله تعالى: * سَأَلَ 7@ح !$y™ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) & [المعارج:1] نزلت في رجل أنكر إمامة علي ا!!
إن الذي لا يشك فيه مسلم هو أن القرآن الكريم هو المصدر التشريعي الأول للمسلمين، والسنة النبوية هي المصدر التشريعي الثاني، ولا يصح أبداً لأي أحدٍ مهما كانت منزلته أن يتأول نصوص القرآن والسنة على هواه، أو أن يتقوَّل على الله ورسوله بغير علم.
ثم هلاَّ أخبرنا الخميني مما كان يخاف الله سبحانه تعالى - تعالى الله عما يقول الخميني علواً كبيراً - أن ينزل آيات في إثبات الإمامة لعلي ا.(1/49)
هذا جمهور أهل السُّنَّة والجماعة وهؤلاء هم أئمتهم جميعهم متفقون على أن هذهِ الآيات لم يكن سبب نزولها هو التنصيص على إمامة علي، ومعظم التفاسير المعتمدة عندهم على خلاف ما ذهب إليه الخميني ومن قال بقوله.
ولنا هنا سؤال أخير وهو: إن مما لا شك فيه: أن جمهور أهل السُّنَّة متفقون على خلافة أمير المؤمنين علي ا وأنه رابع الخلفاء الراشدين المرضيين المهديين.
إذاً: فما هو المانع من أن تشهد له نصوص القرآن بذلك، ولتعلن أمام الجميع بأن علياً هو خليفة رسول الله ووصيه من بعده، وأنه الخليفة الراشد المهدي المرضي الأول؛ علماً بأن نصوص القرآن والسنة وجمهورأهل الإسلام من أهل السُّنَّة والجماعة، وكل الأدلة قد تظاهرت على ذلك.
إذاً: لماذا كان يخاف الله ـ؟! ومن أين لك هذهِ الأقوال التي لم يسبقك بها أحد من العالمين؟!
نعوذ بالله من الخذلان!!
الرد على الجواب الحادي عشر
قال الخميني: (الجواب الحادي عشر (1) :
قال الله تعالى: * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ & [المائدة:55]، فقد جاء من طريق أهل السُّنَّة والجماعة أربعة وعشرون حديثاً كلها تدل على أن هذهِ الآية نزلت في علي، ونحن سوف نذكر هنا حديثاً واحداً ذكره الحمويني (2) ،
__________
(1) كشف الأسرار (ص:137-138).
(2) إبراهيم بن محمد الحمويني الجويني صاحب (فرائد السمطين) المتوفى سنة (722هـ)، زعموا أنه من كبار علماء السنة ولكنه من الشيعة بدليل مقدمة كتابه: (فرائد السمطين) التى توافق معتقد الشيعة في الإمامة.
وقال آغا بزرك الطهراني في كتابه: ذيل كشف الظنون (ص:70): (فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والحسنين مرتب على سمطين: أولهما: في فضائل الأمير × في سبعين باباً وخاتمة، وثانيهما في فضائل البتول والحسنين في اثنين وسبعين باباً. لصدر الدين إبراهيم بن سعد الدين محمد بن المؤيد بن أبى الحسين بن محمد بن حمويه الحمويني الذي أسلم على يده السلطان محمود غازان في سنة (694) وتشيع أخيراً، لكن أظهر التشيع أخوه الشاه خدا بندة نسخة منه عند السيد أحمد آل حيدر).
ويبدو أنه كان يتعامل بالتقية حيث لم يظهر تشيعه حتى مماته، فالحمويني شيعي بلا ريب لما أشرنا إليه من مقدمة كتابه ويضاف إلى ذلك ما ذُكر من أنّ من مشايخه ابن المطهر الحلي ونصير الدين الطوسي وهما من علماء الشيعة المعروفين، ففي موسوعة مؤلفي الإمامية (1/379) ما نصه: (إبراهيم بن محمد الحموي الجويني (644- 722هـ) عالم بالحديث، من شيوخ خراسان. لقب بـ"صدر الدين"، رحل متقصياً للحديث إلى: العراق، الشام، الحجاز، تبريز، آمل بطبرستان، القدس، كربلاء، قزوين، وغيرها. ... ... ... ... ... ... ... ... =
من مشايخه: الشيخ سديد الدين يوسف بن المطهر الحلي، المحقق الحلي، ابنا طاووس، الخواجه نصير الدين الطوسي، إضافة إلى مشايخه من العامة.
ومن تلاميذه: شمس الدين الذهبي، أسلم على يديه غازان الملك. توفي بالعراق.
الآثار: فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين يتكون من سمطين: أحدهما في فضائل أمير المؤمنين (×) موزعة على سبعين باباً وخاتمة، والآخر في فضائل المرتضى والبتول والحسنين (‡) في اثنين وسبعين باباً، كما ذكر فيه الزيارة الجامعة الكبيرة. فرغ منه سنة (716 هـ).
قال الذهبي / في الحموي كلاماً نقله الزركلي في الأعلام (1/63) (شيخ خراسان، كان حاطب ليل - يعني في رواية الحديث - جمع أحاديث ثنائيات وثلاثيات ورباعيات من الأباطيل المكذوبة. وعلى يده أسلم غازان).(1/50)
وهو من الأئمة الكبار عند أهل السُّنَّة وكذلك الثعلبي عن عباية بن ربعي أن ابن عباس كان جالساً عند بئر زمزم وهو يروي حديثاً عن رسول الله وإذا برجل يظهر فجأة وقد غطَّى وجهه بعمامته، وإذا به يسرد الأحاديث حديثاً حديثاً، كلما ذكر ابن عباس أو روى حديثاً عن النبي ص سأله ابن عباس: قل لي من أنت بالله عليك؟ وإذا بالرجل يكشف النقاب عن وجهه ويقول: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله ص بأذني هاتين وأصم الله أذني إن لم أكن سمعت منه، ورأت عيناي وأعمى الله عيني إن لم أكن رأيت، أنه قال: (علي إمام الأبرار، وقاتل الكفار، ينصر الله من ينصره، ويخذل الله من يخذله).
ولتعلموا أني كنت يوماً أصلي مع النبي وإذا سائل يسأل الناس فلم يعطه أحد شيئاً فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد أني قد سألت الناس في مسجد النبي ولم يعطني أحد شيئاً وإذا بعلي وهو في صلاته أثناء الركوع يشير إلى السائل ويمد له يده اليمنى لكي يأخذ الخاتم من إصبعه الصغير، فأخذ السائل الخاتم من إصبعه.
وكل هذا يجري أمام مرأى من النبي ص.
كما نقل إمام من أئمة أهل السُّنَّة وهو الموفق بن أحمد حكاية مفادها: أن عمرو بن العاص كتب إلى معاوية يقول له: إن الله قد أنزل في علي آيات كثيرة، ولم يشرك أحداً معه، ومنها هذهِ الآية: * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ & [المائدة:55] الآية.
قال ابن شهر آشوب: قد أجمعت الأئمة أن هذهِ الآية نزلت في علي. وقال القوشجي (1) (وهو من كبار علماء أهل السُّنَّة) لقد أجمع أئمة التفسير أن هذه الآية نزلت في حق علي).
ردنا عليه:
__________
(1) هو علاء الدين علي بن محمد، عالم رياضي وفلكي، اشتهر في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي، وليس له شهرة بالعلم الشرعي، ووصفه بأنه من كبار علماء أهل السُّنَّة تدليس وكذب واضح، فتأمل.(1/51)
أولاً: الخميني لم يكن صادقاً فيما ادَّعاه حينما قال: إن الأمة قد أجمعت على أن هذه الآية إنما نزلت في علي ا، كما أنه كذب عندما جعل القوشجي من كبار علماء أهل السُّنَّة، ولكن الخميني هذا ديدنه فهو يقول فيمن شاء ومتى شاء ما يحلو له، وبغير خوف أو وجل من رقيب أو حسيب، إذ إنه لم يكتف بذكر اسم هذا القوشجي حتى جعله من كبار أئمة وعلماء أهل السُّنَّة والجماعة، وأعظم من ذلك فِرية قوله: إن جميع أئمة التفسير من أهل السُّنَّة قد أجمعوا على أن هذهِ الآية نزلت في حق علي ا، أبعد هذا البهتان بهتان، أم أنه المنتهى في الكذب والخذلان!!
إننا نقولها وبكل صراحة ووضوح: هذه كتب التفسير لأئمتنا - ي وأرضاهم - في متناول جميع الأمة، وقد أُعطيت من الجهد والعناية والرعاية في سبيل إخراجها للناس مالا يعلمه إلا الله تعالى، فكيف يدَّعي الخميني بعد هذا كله أن أئمة التفسير من أهل السُّنَّة والجماعة ذهبوا إلى هذا المذهب السقيم، والذي عَلِم الله سبحانه أن علماء أهل السُّنَّة والجماعة منه برآء براءة الذئب من دم يوسف ×.
ثانياً: نود أن نطرح هنا سؤالاً وهو: كيف يمكن للمصلي وهو في حال الركوع أن يقوم بأعمال لا صلة لها بالصلاة من قريب أو بعيد، بل هي منافية لما يجب أن يكون عليه المصلي من الخشوع والتذلل بين يدي الله ـ؟
نعم. حتى ولو كان ذلك مثلاً أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر أو تلاوة لكتاب الله، كيف لا وقد نهى الرسول الكريم ص حتى عن قراءة القرآن في الركوع أو السجود (1) .
__________
(1) عن النبي صلّى الله عليه وآله قال: "إنّي قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود، فأمّا الركوع فعظّموا الله فيه، وأمّا السجود فأكثروا فيه الدعاء، فإنّه قمن أن يستجاب لكم"، أي جدير وحري أن يستجاب لكم. وسائل الشيعة (2/309).(1/52)
كما أنه لا يخفى على أحدٍ أن لكل و(3) من هذهِ الواجبات والأعمال الوقت المناسب لها، وأنه مما لا يختلف فيه اثنان: أن الأئمة عليهم رحمة الله قد أوضحوا بما لا يدع مجالاً للشك مراد الله تعالى من هذهِ الآية الكريمة، وأنها جاءت لبيان وصفي لما يتحلى به المؤمنون من صفات.
وبالرجوع إلى سياق الآيات يتبين لنا أن هذه الآية لم تأت لإثبات ولاية فرد بعينه، وإنما الولاية وصف عام لجميع المؤمنين، فلا اليهود ولا النصارى لكم أيها المؤمنون بأولياء، وإنما المؤمنون بعضهم أولياء بعض.
والخلاصة: أن هذهِ الرواية هي رواية موضوعة مختلقة لا أساس لها من الصحة.
ثالثاً: ألم يكن هذا السائل من جملة المسلمين؟
إذن كيف يدع هذا السائل الصلاة مع جماعة المسلمين لينصرف بعدها إلى سؤال المصلين وإشغالهم عن صلاتهم؟
ألم يعلم هذا السائل: أن إشغال المصلي عن صلاته خطيئة يعاقب عليها الله ـ؟!
وهب أن السائل لا يعلم ذلك فكيف يمد الإمام علي يده في جيبه وهو في حال الركوع، أو يمد يده إلى السائل (كما يدعي ذلك الشيعي) لينزع السائل خاتمه الذي كان في يده، أيقول هذا أحد من الناس يملك من العقل ذرة؟
ألم يأت في كتبكم أيها الشيعة أن علياً ا إذا دخل الصلاة فإنه ينشغل بها عن كل ما سواها حتى لا يشعر بما حوله ولا يصرفه عنها صارف مهما عظم؟ فكيف تأتي بعد هذا لتقول: إن علياً بمجرد أن وقف السائل إلى جنبه مدَّ له يده بالصدقة؟!
ألم تقولوا إن علياً ا عندما أُصيب بسهم وأرادوا إخراجه من جسده الشريف طلب منهم أن يمهلوه حتى يلج في الصلاة؟!
ثم أين كان النبي ص عندما جاء هذا السائل، ألم يكن أكرم من علي ليسبقه إلى هذهِ الفضيلة والمكرمة؟!(1/53)
ثم إنه من المعلوم عند كل أحد: أن الرسول ص وصحابته الكرام قد أنفقوا كل ما يملكون في سبيل هذا الدين ما يشهد به الجميع، حيث ضربوا -ي -أروع الأمثلة في التضحية والبذل والعطاء لإعلاء كلمة الله تعالى، والسؤال الذي لا بدّ منه هو: ما هو الشيء الذي يميز عليّ ا في إعطائه هذا السائل خاتمه الصغير وهو يملك ذلك الرصيد الضخم من المواقف العظيمة والمشرفة، والتي يشهد بها القاصي والداني من تضحية وشجاعة وإقدام وإنفاق في سبيل الله؟
ما هي قيمة هذا الموقف والشيء المميز فيه عن سائر المواقف الأخرى حتى نقول بعد ذلك.. أن نبي الله ص قام هذا المقام الطويل ودعا بذلك الدعاء لينزل جبريل × على أثر ذلك بهذه الآيات الكريمة تأييداً لعلي وإثباتاً لإمامته؟ ألم يكن صحابة رسول الله ص لهم من المواقف العظيمة ما يزيد على هذا العطاء المتواضع أضعافاً مضاعفة فضلا وشرفاً وأجراً وزلفى عند الله تعالى؟
ألم يكونوا ي جديرين بهذا الشرف الذي أصاب علياً ا فينزل في كل موقف من مواقفهم جملة من الآيات؟
ألم يقل الشيعة وهذا ما تشهد به كتبهم: أن عمرو بن العاص ا كان من ألد الأعداء لعلي ا، فكيف يصح بعد هذا كله أن يأتي ا ليشهد لعلي ا بهذهِ المواقف الجليلة والفضائل العديدة؟!
إذاً: أيقول بعد ذلك عاقل: إن الله تعالى كان يخاف من أن ينزل في حق علي وإمامته جملة من الآيات لإثبات هذا الحق لأهله؟ (تعالى الله عما يقول الشيعة علواً كبيراً).
علماً وأن الإمامة - كما يزعم الشيعة - من أمهات الإسلام وأصوله العظيمة، وهذا عمرو بن العاص وهو العدو اللدود لعلي - كما يدَّعون - يذكر لهذهِ الأمة ما لعلي من حق وفضائل، وما نزل فيه من الآيات. أيكون مثل هذا القول مقبولاً عند أحد من الناس، أم هل يصدقه عاقل؟!(1/54)
ثم لا يغيب عن أذهاننا أنكم عندما يئستم من تحريف كتاب الله تعالى وتيقنتم بعد ذلك أنكم لن تستطيعوا أن تبنوا أوهامكم على أساسٍ معتبر لجأتم بعدها إلى تأويل النصوص وتلفيق الأكاذيب؛ لتجعلوا من ذلك كله ذريعةً لتمرير هذيانكم وباطلكم على أمثالكم.
ثم إن أبا ذر ا ألم تكن في صلاته شغلاً عن مراقبة هذا وذاك؟ أم أنكم ترونه مرة يلتفت ذات اليمين ومرة ذات الشمال ليرى من أي إصبع أخرج عليٌ خاتمه ليعطيه إلى ذلك المسكين؟!
هل تظنون أننا نصدق دجلكم هذا وكذبكم الواضح الصريح بحق صحابي جليل مثل أبي ذر ا؟!
إن الصحابة الكرام ي والذين هم عند الخميني وأبناء جلدته منافقون مرتدون كفرة لو قالوا مثلاً: إن هذهِ النصوص التي جاءت في علي ا هي في حقيقة الأمر إنما جاءت في عمر مثلاً، فهل يعتبر عاقل بعد ذلك أن كتاب الله هو ميزان حق ومنهاج عدل، وأنه كتاب هداية للبشر؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
ولو قبلنا وسلَّمنا أن هذا الحديث الذي ذكرتموه هو حديث صحيح، فهل يعني ذلك أن الله تعالى قد استجاب لعبده موسى × حين دعاه أن يجعل أخاه هارون × وزيراً له من أهله، وشريكاً له في رسالته، ولم يستجب لعبده ونبيه وخاتم رسله محمد ص عندما سأله أن يجعل علياً وصيه وخليفته من بعده؟
إن هذا الاتهام الصريح لذات الله تعالى بأنه أخلف وعده لا يقره مسلم يؤمن بالله العظيم.
ثم إن دعاء موسى وسؤال ربه كان لأمر ظاهر لا يخفى على أحد، وهو كما ذكر الله ـ أنه أرسل عبده موسى × للقيام بتلك المهمة الخطيرة، والتي كان لا بد له من معين ووزير ومؤيد له في أداء هذهِ الأمانة والرسالة، أما سيدنا محمد ص والذي أيده الله تعالى بالمهاجرين و الأنصار - عليهم رضوان الله تعالى - والذين هم قرة عين لكل مؤمن وأهل لحمل الأمانة وأداء الرسالة، فما الحاجة بعد ذلك إلى مثل هذا الدعاء وما ضرورته؟!(1/55)
وإننا وبمجرد الرجوع إلى سياق الآيات ومعرفة نسقها يتبين لنا أن هذهِ الآية لا دخل لها في موضوع الإمامة، فضلاً عن دلالتها على تقديم علي وتفضيله على سائر أصحاب محمد ص.
إن الله ـ قد أمر المؤمنين في هذهِ الآيات بمحبة بعضهم بعضاً، وأن تكون الولاية بين المؤمنين خاصة دون أحد من أهل الكفر أو النفاق، وبهذا يتضح أن هذهِ الآيات الكريمة التي وردت في هذه السورة لا صلة بينها ولا رابط يربطها بإمامة علي أو خلافتة من قريب أو بعيد.
الرد على الجواب الثاني عشر
قال الخميني: (الجواب الثاني عشر (1) : قال تعالى: * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا & [آل عمران:103]، فقد ثبت عند أهل السُّنَّة أربعة أحاديث تفيد بأن حبل الله المذكور في هذه الآية هو علي بن أبي طالب).
ردنا عليه:
إنك والحق يقال: أصبحت لا تعي ما تقول، وإلا فما معنى كلامك هذا؟ هل القرآن الكريم - حسب قولك - لم يكن هو حبل الله، أم أن حبل الله ليس هو محمدا ص؟!
أيقول مثل هذا القول مؤمن ينتسب إلى أهل السُّنَّة والجماعة؟
أتزعم أن الله تعالى أمر عباده أن يتمسكوا بحبله المتين ولكنه في الوقت ذاته لم يبين لهم ما هو المراد بهذا الحبل ولم يدلهم عليه وذلك خوفاً من بعض الناس؟!
فهل من العدل والحكمة أن يُعذِّب الله تعالى عباده ويحاسبهم على أمر لم يبينه لهم؟ وإذا كان الأمر كما تزعم فإنك بتخرصك هذا سوف تقيم الحجة للعباد على ربهم (تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً) إذ إنهم سوف يقومون على صعيد واحد ويجأرون إلى ربهم متضرعين ليقولوا: يا إلهنا وربنا: أتعذبنا على أمر أخفيته عنا ولم تبيِّنه لنا خوفاً من أبي بكر وعمر وأنت الحكيم العليم!!
ألا تتفق معي أن هذا القول يتنافى مع عدل الله تعالى وحكمته؟
__________
(1) كشف الأسرار (ص: 139).(1/56)
وأخيراً نقول لك: إن كان أهل السُّنَّة والجماعة بهذهِ الجرأة في تهجمهم على نصوص القرآن الكريم كما تجرأت أنت على تحريف النصوص والأدلة بهذهِ التأويلات السقيمة والتي لا يقبلها عقل ولا منطق لتقول لنا: إن حبل الله تعالى هو علي ا، وأهل السُّنَّة يقولون: لا. إن حبل الله هو عمر، وهكذا لن يبقى لهذا الكتاب العزيز أي قدسية أو هيبة في صدور المسلمين والمؤمنين، بل كيف يكون هذا الكتاب، كتاب هداية وإرشاد للأمة وأنتم تضربون آياته بعضها ببعض؟
إننا نقولها لك بكل صراحة: إن أهل السُّنَّة والجماعة برآء من هذه التهم والافتراءات والألاعيب، وإن الله تعالى لك ولأمثالك بالمرصاد.
الرد على الجواب الثالث عشر
قال الخميني: (الجواب الثالث عشر (1) : قال تعالى: * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) & [التوبة:119]، فقد ثبت عند أهل السُّنَّة بأن هذهِ الآية نزلت في حق علي بن أبي طالب. ذكر ذلك: ابن شهر آشوب في رواية من طريق أهل السُّنَّة أن أبا يوسف يعقوب بن سفيان ذكر حديثا برواية مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر: "أن الله أمر أصحاب محمد بأن يتقوا الله ويكونوا مع الصادقين" يعني: مع محمد وأهل بيته).
ردنا عليه:
__________
(1) كشف الأسرار (139).(1/57)
أولاً: سبق وأن ذكرت في كتابك وأكدت على ذلك: أن ما جاء في القرآن من ذكر للصادقين والراكعين والمتقين والمؤمنين والمسلمين والموقنين إنما المراد من ذلك كله هو علي بن أبي طالب، وكأن الحكمة من نزول القرآن الكريم إنما هو لغرض الإشارة إلى علي ا، وما حباه الله به وأكرمه من صفات يستحق بها المدح والثناء والإطراء، ولكي يؤمر بعد ذلك أصحاب النبي ص بالطاعة والاتباع لخليفة رسول الله ووصيه من بعده، كما يزعم ذلك الخميني، ولكننا لا نعلم سبباً واضحاً لقولك: (إن الله تعالى أخفى هذا الأمر خوفاً من أصحاب رسول الله ص) فلا ندري لماذا كل هذا التناقض الواضح والاضطراب الفاضح بين قولك: (أمر الله)، (وخاف الله)؟!
ثانياً: قال الله تعالى: * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) & [الحجرات:15]، فقد بين الله تعالى بما لا يدع حجة لمتقول أو متأول في عدة مواضع من كتابه من هم الصادقون وما هي صفاتهم، ولم يدع ـ بيان ذلك لأحد من خلقه حتى بيَّن ذلك بنفسه.
إلا أن الخميني لا يزال مصراً على أن مراد الله في كتابه من الصادقين إنما هو علي وأهل بيته، معتمداً في ذلك على أقوال تنسب لأهل السُّنَّة زوراً وبهتاناً، كما نسبها إليهم ابن شهر آشوب الشيعي هذا.(1/58)
وإن ما جاء في قوله تعالى من سورة الحشر: * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) & [الحشر:8] لأصدق دليل وأوضح برهان على ما ذكرناه آنفاً، إذ إن هذهِ الآية تصدق على جميع الصحابة ي وبدون استثناء، ولا يمكن لأحد أن يدَّعي أنها خاصة بعلي وأهل بيته دون سائر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
الرد على الجواب الرابع عشر
قال الخميني: (الجواب الرابع عشر (1) : قال تعالى: * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) & [الصافات:24]، حيث جاء من طرق عديدة عند أهل السُّنَّة ثمانية أحاديث، كلها تدل على أن الناس سوف يسألون يوم القيامة عن ولايتهم لعلي بن أبي طالب.. وكما جاء في رواية أخرى بأن السؤال يوم القيامة للناس إنما هو عن قوله ص: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه").
ردنا عليه:
أقول لكل من يقرأ هذهِ السطور: أيها القارئ لكتاب الله تعالى! اقرأ هذه الآية الكريمة وانظر لما قبلها من الآيات وما بعدها، ثم انظر هل ورد فيها ذكر لعلي ا أو إشارة إلى إمامته وولايته؟ أم هل هناك ما يشير ولو بالتلميح إلى ما يدعيه الخميني من سؤال الناس وامتحانهم يوم القيامة في إمامة علي وولايته؟
إن هذهِ الآية والآيات التي سبقتها أو تلتها إنما جاءت لتقرر أمر الساعة، ولترد على منكريها وإنها سوف تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون، فأين هي من علي وإمامته؟
إن الخميني وبلا أدنى شك قد تجاوز جميع الحدود من اللا معقول، أم أنه يظن بثرثرته وكثرة تكراره أن يجعل من الباطل حقاً ومن الكذب صدقاً.
ثم إن كانت هذهِ الآية لم تنزل إلا في حق علي ا فلتكن جميع آيات الساعة ويوم القيامة التي ذكرها الله في كتابه العزيز إنما جاءت لإثبات الولاية والإمامة لعلي!!
__________
(1) كشف الأسرار (139).(1/59)
الرد على الجواب الخامس عشر
قال الخميني: (الجواب الخامس عشر (1) : جاء في الآية الرابعة والعشرين بعد المئة من سورة البقرة قوله تعالى: * قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) & [البقرة:124]. حيث جاء من طريق أهل السُّنَّة حديثان في تفسير هذهِ الآية ونحن نكتفي بإيراد حديث واحد منهما، فقد روى ابن المغازلي الشافعي (2) حديثاً عن ابن مسعود: أن رسول الله قال: أنا دعوة أبي إبراهيم إذ قال: * وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) & [إبراهيم:35] الآية. وعندما قال الله: * لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) & [البقرة:124] فقد دخلت أنا وعلي في دعاء إبراهيم؛ لأني وعلي لم نعبد الأصنام فجعلني الله نبيّا وجعل علياً وصياً).
ردنا عليه:
لقد ذكرت أن رسول الله ص جعل علياً وصياً له قبل وفاته بسبعين يوماً، كما حكيت في الوقت نفسه أنه ص كان يخاف من الناس.
إذاً: فمن أين لك كل هذا العدد الكبير من الأحاديث والنصوص التي أشرت إليها وادعيت أن أهل السُّنَّة قد أوردوها في كتبهم!! وهل لك بعد هذا أن تذكر لنا ما هو عدد الأحاديث التي جاءت في كتبكم أنتم؟ ثم ألا تتفق معي أن النبي ص لو تكلَّم ليله ونهاره طيلة الليالي السبعين الأخيرة هذه فإنه لا يمكن أن يُصدَّق عاقل أنه حكى من الأحاديث مثل ما ذكرتم في كتبكم أنتم من المرويات كثرة وعدداً.
__________
(1) كشف الأسرار (ص:139).
(2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن ابن المغازلي: (فقد جمع في كتابه من الكذب ما لا يخفى على من له أدنى معرفة بالحديث) ا.هـ. منهاج السنة (7/15).(1/60)
ونحن عندما طرحنا عليكم هذا السؤال: لماذا لم يذكر اسم علي في القرآن؟ تبين لنا واتضح أن الخميني بأجوبته المتناقضة وحججه الركيكة ودفاعه الهزيل عن باطله قد جعل نفسه أضحوكة للعقلاء، فهو لم يقف عند حد الكذب على أهل العلم حتى كذب على الله ورسوله.
وكما رأينا فإن الخميني لم يدع آية من كتاب الله تعالى إلا وأولها بهواه ورأيه تأويلاً يتفق وما ذهب إليه من مذهب باطل ومعتقد منحرف، فهو بهذا قد فتح الباب أمام جميع فرق الضلال والمذاهب الهدَّامة الخارجة عن دين الإسلام المحاربة لأهله أن تتخذ من هذهِ الآيات الكريمة التي جعلها الخميني تقية يعتمد عليها في تثبيت دعائم الباطل الذي آمن به.
أقول: تستطيع هذهِ المذاهب المنحرفة أن تجعلها دليلاً على صدق ما تدعيه من كفرٍ وضلال وانحراف، وقصدهم من وراء ذلك كله هو نزع المهابة والاحترام من صدور المؤمنين، وما يكنونه من تقدير عظيم لكتاب الله تعالى، وحتى لا يبقى لهذا القرآن تلك المنزلة الرفيعة والسلطان الظاهر لإعلاء الحق وطمس الباطل: * وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) & [التوبة:32].
الرد على الجواب السادس عشر
قال الخميني: (الجواب السادس عشر (1) : قال تعالى: * فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) & [النحل:43], فقد جاء من طرق عديدة عند أهل السُّنَّة أن المراد من أهل الذكر في هذهِ الآية هو علي بن أبي طالب).
ردنا عليه:
__________
(1) كشف الأسرار ص 139.(1/61)
إننا إذا أردنا فهم هذه الآية الكريمة ومعرفة مراد الله تعالى فلابد لنا ولابد للقارئ من الاطلاع على سياق الآيات السابقة لهذه الآية واللاحقة لها، ومن ثَمَّ فإننا نجزم أن هذه الآية الكريمة لا تشير ولو مجرد إشارة إلى ما ذهب إليه الخميني، وذلك لأن سياق الآيات إنما جاء لتقريع المشركين ومحاججتهم، ودحض ما جاؤوا به من شبه وافتراءات، وليقيم عليهم الحجة ببعثة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وليدعوا عباده إلى النظر في عاقبة الكفر وأهله، وليثبت لنا بشرية الأنبياء وإنما هم رجالٌ جاؤوا لتبليغ رسالات الله تعالى إلى عباده، وليدعوا أهل الكفر والنفاق من مشركي قريش وأمثالهم إن كانوا في شك وريب من هذهِ الحقيقة الناصعة أن يسألوا مؤمني أهل الكتاب إن كانوا لا يعلمون، فإنهم سيخبرونهم بأن جميع الأنبياء كانوا بشراً، وأنهم إنما أرسلوا بالبينات والحجج والبراهين ليتأملوا ويُعمِلوا أفكارهم فيتعضوا.
ولكن الخميني كما هي عادته لم يأت بالنص القرآني بصورته المتكاملة وسياقه البديع؛ مبتغياً من وراء ذلك تحريف النصوص القرآنية وتبديل معانيها، فهو يريد أن يقول لنا بأن المراد من هذهِ الآية الكريمة هو: أن الله تعالى أمر نبيه أن يقول للمشركين: إن لم تؤمنوا ببشر مثلي أن يكون مرسلاً من عند الله فاسألوا علياً!! والسؤال هو: من يكون علياً وهو الفتى الوحيد بين جموع الكفر وأئمة الضلال، ويا ترى ماذا سيكون لقوله من أثر في نفوس من لم يستجب لهدي المصطفى وهو الصادق الأمين، والذي أيَّده الله بالآيات وأرسله بخير الرسالات؟
ثم ألم يكن علياً ا هو أحد المؤمنين السابقين الذين استجابوا لله ورسوله؟!
فهل يعقل بعد هذا أن يرضى أهل الكفر والعناد بقوله أو يرتضونه حكماً يقفون عند أمره؟(1/62)
إن مثل هذا لا يقوله عاقل حتى تقوّل النصوص القرآنية ما لم تقلها، ومن ثم نجعل هذهِ الآية الكريمة: * فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) & [النحل:43] أنها نزلت لهذا السبب بعينه!!
وتبيَّن لنا إذاً: أن المراد بأهل الذكر في هذه الآية الكريمة هم أهل الكتاب؛ حيث أنهم بالرغم من كفرهم وعدم إيمانهم بما جاء به رسول الله ص لم يكن لهم بد إلا أن يعترفوا ويشهدوا بصدق الرسالة ونبوة محمد ص، وهذا أمر واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، والإيمان به ومعرفته من المسلَّمات عند كل أحد، والأدلة على ذلك كثيرة؛ لأن جميع الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم -كانوا بشراً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وها نحن ذا نذكرالآية الكريمة كاملة لنبطل قول الخميني ونفضح باطله، قال تعالى:
* وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ & [النحل:43].
الرد على الجواب السابع عشر
قال الخميني: (الجواب السابع عشر (1) : قال تعالى: * وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) & [البقرة:43]، فقد روى أهل السُّنَّة بطرق عديدة أربعة أحاديث تثبت أن هذا الآية خاصة بالنبي وعلي).
ردنا عليه:
إن من دواعي الشكر لله Q هو أنكم أشركتم النبي محمداً ص مع علي في هذه الآية الكريمة، فله الحمد الكثير أن هداكم لهذا وهذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن كل قارئ لكتاب الله تعالى يعلم أن هذه الآية الكريمة إنما جاءت في بني إسرائيل ولا نعتقد أن لها تعلقاً بعلي ولا بالنبي ص.
وإن عاندتم وكابرتم فلماذا لا تقولون إن آيات القرآن كلها إنما نزلت في حق علي ا لا غير؟!
الرد على الجواب الثامن عشر
__________
(1) كشف الأسرار (ص:140).(1/63)
قال الخميني: (الجواب الثامن عشر (1) : قال تعالى: * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) & [الرعد:7] فقد جاءت سبعة أحاديث في كتب أهل السُّنَّة بأن المنذر هو النبي والهادي هو علي.
وكما ذكر إبراهيم الحمويني (2) وهو من كبار أهل السُّنَّة حديثا عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: "إنما أنت منذر، ووضع يده على صدره ولكل قوم هاد ووضع يده على يد علي").
ردنا عليه:
ماذا تعني من كلامك هذا؟
هل تعتقد أن النبي ص لم يكن هادياً وإنما هو منذر فحسب؟!
أيقول هذا مسلم؟!
إن ما يدهشنا ويدهش كل لبيب أن يعلم أن من أهم الأدلة المعتمد عليها في نبوة البهاء عند البهائيين هو هذه الآية بعينها، وهكذا يصنع الباطل بأهله؛ فإن من فسر كتاب الله برأيه وهواه فمن السهل جداً أن يدّعي أن هذه الآية أو تلك نزلت في إمامة فلان أو نبوته، ولا نستبعد منهم أن يقولوا بألوهيته.
الرد على الجواب التاسع عشر
قال الخميني: (الجواب التاسع عشر (3) : وبعد: فإيثاراً منا للإيجاز والاختصار فقد رأينا أن نكتفي بهذا القدر من ذكر أحاديث التفسير الواردة في كتب أهل السُّنَّة، أما من أراد الاستزادة فعليه بكتاب غاية المرام للسيد الجليل: سيد هاشم البحراني، فقد ذكر في كتابه هذا مئة وأربعين آية، تنص الأحاديث الواردة بطرق مختلفة عند أهل السُّنَّة والشيعة بأن هذه الآية إنما نزلت في علي).
ردنا عليه:
إن كنت صادقاً فيما تدعي من أن أهل السُّنَّة أثبتوا لعلي مائة وأربعين آية فلا نعجب إذن عندما يثبت الشيعة في علي ألف وأربعمائة آية وأنها كلها لم تنزل إلا في علي؟!
ولكننا نود أن نطرح بهذا الصدد سؤالان:
__________
(1) كشف الأسرار (ص:140).
(2) سبق ترجمته في هامش الرد على الجواب الحادي عشر.
(3) كشف الأسرار (ص:140).(1/64)
الأول: إن كان الأمر كما تدعي أن مائة وأربعين أو ألفاً وأربعمائة آية نزلت في الإمامة فلماذا قلت في جوابك الثاني بأن القرآن لا يهتم بالجزئيات؟!
ألم تقل من قبل أن علياً من الجزئيات؟!
الثاني: إن كنت يا خميني تثبت بهذا العدد الكبير من الآيات وآلاف من الأحاديث التي تروى من طرق مختلفة وعديدة في كتب أهل السُّنَّة في حق علي وإمامته، فلماذا قلت
في جوابك الرابع والخامس والسادس: "أن الله تعالى خاف من أهل السُّنَّة، ولذلك فإنه
لم ينزل آية صريحة في ذكر علي!!".
إن تناقضك هذا واضطرابك يثبت للجميع أنك إنما تخوض في باطل وتدعو إلى ضلال، وأن الحق خلاف ذلك كله.
نعم. إنَّا نقولها وبكل صراحة: أن الخميني على باطل، ونحن والحمد لله - أهل السُّنَّة والجماعة - أهل الحق وأنصاره، والقائلون بعصمة كتاب الله تعالى وسلامته وحفظه من قبل الله تعالى، وأنه لا يمكن بحال أن تمد له يد بتحريف أو تبديل، وبهذا نثبت أن الشيعة وغيرهم لم يستطيعوا لا في الماضي ولا في الحاضر أو المستقبل أن يدخلوا اسم علي في القرآن؛ ولذا فإنهم كانوا مضطرين إلى وضع الحديث وتلفيقه في حق علي وأهل بيته.
وكما رأى القارئ الكريم بأن أجوبة الخميني على سؤالنا قد كشفت زيفه وفضحت باطله، وأظهرت جهله المطبق، وعدم معرفته وتمييزه بين صحيح الأقوال من ضعيفها، وإني لأدعو كل من قرأ هذه السطور أن يضع نصب عينيه وحشة القبر وظلمته وغربته فيه.. وليكن ذلك دافعاً قوياً لقبول الحق ورفض الباطل، وما علينا إلا البلاغ.
كلمة أخيرة للمؤلف
منذ نعومة أظافري وصغر سني وأنا على المذهب الشيعي، وذلك أني ولدت وسط أسرة شيعية؛ كما أني جلست عند منابر الشيعة وقرأت الكثير من كتبهم إلى أن هداني الله تعالى وأنجاني بفضله ورحمته ثم بفضل وبركة هذا القرآن الكريم.(1/65)
وبما أني من المطَّلعين على هذا المذهب ولي معرفة وإلمام تام به؛ فإني والحق يقال: وجلٌ من مكر بعض دعاة الضلال وسادة الكفر فيهم، فإنهم عندما لا يجدون مخرجاً من الإجابة على سؤالنا وبعد أن رأوا بأُمِّ أعينهم فضيحة إمامهم الخميني أن يلجأوا إلى طريقتهم في المكر والتلبيس والتنصل من كل ما اقترفت ألسنتهم من أكاذيب وأباطيل، فيدَّعون بكل وقاحة وجرأة بأن هذه الأقوال لم ترد في كتاب كشف الأسرار، ولربما يقومون كذلك بطبع هذا الكتاب طبعة جديدة ليطمسوا الكثير مما جاء فيه ويحرفوا أو يبدلوا ما تبقى منه، وهذا أمر ليس بالجديد عليهم فقد تجرأوا من قبل على سيد البشر وخاتم الرسل صلوات الله وسلامه عليه فوضعوا الأحاديث وكذبوا عليه، وافتروا كذلك على صحابته الكرام وأهل بيته البررة رضوان الله عليهم أجمعين.
ولا يستبعد كذلك أن يتهموننا بالكذب محاولين بكل ما أوتوا من مكر ودهاء وحيلة أن يُنسوا القارئ الكريم الموضوع الذي نحن بصدد مناقشته في هذا الكتاب.
ورجاؤنا الأخير هو: ألا يبتعد القارئ عن أصل مادة هذا الكتاب، وليبق دائماً على الخط الذي رسمناه وبيناه أثناء طرحنا ومناقشتنا لهذا الموضوع، وعليه كذلك ألا يتأثر كثيراً بما يلقى على سمعه من أكاذيب أو افتراءات، وعليه أن يسأل بإلحاح وإصرار:
لماذا لم يذكر القرآن الكريم اسم علي ا؟
لماذا لم يتطرق القرآن إلى موضوع الإمامة؟
والله أعلم، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
الفهرس
المقدمة ... 3
مقدمة المؤلف ... 3
القرآن كتاب الله المعجز لا يمكن تحريفه ... 3
محاولات عابثة لتحريف القرآن: ... 3
القرآن الكريم وأعجوبة التحدي: ... 3
قصة التاجر الصالح: ... 3
لا نص في القرآن على إمامة علي ا: ... 3
الرد على الجواب الأول ... 3
الرد على الجواب الثاني ... 3
الرد على الجواب الثالث ... 3
الرد على الجواب الرابع ... 3
الرد على الجواب الخامس ... 3
الرد على الجواب السادس ... 3
الرد على الجواب السابع ... 3
الرد على الجواب الثامن ... 3(1/66)
الرد على الجواب التاسع ... 3
الرد على الجواب العاشر ... 3
الرد على الجواب الحادي عشر ... 3
الرد على الجواب الثاني عشر ... 3
الرد على الجواب الثالث عشر ... 3
الرد على الجواب الرابع عشر ... 3
الرد على الجواب الخامس عشر ... 3
الرد على الجواب السادس عشر ... 3
الرد على الجواب السابع عشر ... 3
الرد على الجواب الثامن عشر ... 3
الرد على الجواب التاسع عشر ... 3
كلمة أخيرة للمؤلف ... 3
الفهرس ... 3
موقع فيصل نور(1/67)