- سلسلة أبحاث مركز البحوث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبد العزبز - 3
بُغْيَةُ النَّاسِكِ في أَحْكَامِ المَنَاسِكِ
تصنيف الإمام
محمد بن أحمد بن علي البُهُوتِيُّ الحنبليُّ
الشهير بالخَلْوَتِيّ
(ت 1088هـ)
دراسة وتحقيق
الدكتور فايز بن أحمد حابس
قسم الدراسات الإسلامية
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة الملك عبد العزيز
جدة
بسم الله الرحمن الرحيم ...
{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ - لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ - ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ - ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ - حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }
[سورة الحج: الآيات 27-31]
تقديم ...
”إن الحمد لله ، نستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .(1/1)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (2) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (3) “ (4) .
أما بعد فإن الحج أحد أركان الدين، ومن أعظم القربات لرب العالمين، فمن أهم الأمور بيان أحكامه، وإيضاح مناسكه وأقسامه، وذكر فروضه وواجباته، وآدابه ومستحباته، ومحظوراته ومفسداته، وغير ذلك من متعلقاته. وهو يحتاج في غالب الأحوال إلى حمل الزاد وشدِّ الرحال، ولذا أفرده العلماء منذ القدم بالتأليف، وصنفوا فيه ما لا يحصى من المصنفات، وكتبوا فيه المبسوطات والمختصرات.
__________
(1) سورة النساء: الآية (1).
(2) سورة آل عمران: الآية (102).
(3) سورة الأحزاب: الآيتان (70-71).
(4) خطبة الحاجة رواها أبو داود (2118) واللفظ له، والترمذي (1105)، والنسائي (3277)، وابن ماجه (1892)، كلهم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: (علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة الحاجة) فذكرها . قال الترمذي: ((حديث حسن)).(1/2)
ولقد وفقني المولى تبارك وتعالى في الوقوف على أحد أجلِّ هذه المصنفات عند الحنابلة المتأخرين؛ وهو كتاب: بغية الناسك في أحكام المناسك للإمام العالم العلم، الفقيه النحرير، إمام المنقول والمعقول، مخرِّج الفروع على الأصول، المحقق المدقق، المفتي والمدرس، محمد بن أحمد بن علي البُهُوتي الشهير بالخَلْوَتي المصري القاهري، ابن أخت الشيخ منصور بن يونس رحمه الله، الذي لم يَخْلف البهوتي في الحنابلة أوسع علماً وأجلّ قدراً منه.
وكان مما قوى عزمي لتحقيق هذا المخطوط أنك لا تكاد تقف في المطبوع من كتب المناسك على كتاب محرر على مذهب السادة الحنابلة، على الرغم من كثرة مصنفاتهم فيه وقِدَمها، فأولها كتاب: "المناسك الكبير" وكتاب: "المناسك الصغير" لإمام الحنابلة بل إمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله تبارك وتعالى (1) .
وقد مهدت لهذا الكتاب بدراسة مختصرة اشتملت على ثلاثة مطالب:
أولاً: ترجمة المؤلف: عرَّفت فيه باسم المؤلف ونسبه ونشأته، وذكرت نبذة عن علمه وشيوخه، وعددت أبرز شيوخه وتلاميذه وآثاره ومصنفاته.
ثانياً: التعريف بالكتاب: وذكرت فيه الخلاف في اسم الكتاب، وأثبتُّ نسبته إلى الخلوتي، وبينت مصادره والكتب التي أفادت منه، ثم ذكرت أبرز مزاياه و المؤاخذات عليه.
ثالثاً: التعريف بالنسخ المخطوطة وبمنهج التحقيق: وصفت فيه النسخ المخطوطة للكتاب، وبينت منهجي في تحقيقها، ثم عرضت نماذج من صور المخطوطة.
__________
(1) انظر: كتب المناسك عند الحنابلة في كتاب المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (2/843).(1/3)
وقد بذلت في سبيل إخراج هذا العمل ما تقدر لي من التيسير وتيسر من التقدير، فمن عثر على شيءٍ مما طغى به القلم، أو زلَّت به القدم فليدرأ بالحسنة السيئة، وليحضر بقلبه أنَّ الإنسان محلُّ النسيان، وأنَّ الصفح عن عثرات الضعاف من شيم الأشراف، وأنَّ الحسنات يذهبن السيئات، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعصمنا جميعاً من الخطأ والزلل، وأن يحفظنا من التصنع بالقول والعمل، كما أسأله جلَّت قدرته أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وسبباً للفوز عنده بجنات النعيم {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ - إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (1) .
والحمد الله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً { رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} ، {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (2) .
المحتويات
تمهيد .......................................................................................1
أولاً: ترجمة المؤلف.................................................................3-22
اسمه ونسبه ونشأته...................................................................3
علمه ومكانته.......................................................................7
شيوخه...........................................................................8
__________
(1) سورة الشعراء عمران: الآيات (88-89).
(2) سورة يوسف : الآية (101) .(1/4)
تلاميذه..........................................................................12
آثاره ومؤلفاته......................................................................17
شعره...........................................................................22
وفاته............................................................................22
ثانياً: التعريف بالكتاب............................................................23-32
عنوان الكتاب.................................................................23
نسبة الكتاب إلى الخلوتي........................................................24
الباعث على تصنيف الكتاب وزمن تأليفه..........................................25
مصادر الكتاب....................................................................25
الذين استفادوا من الكتاب.....................................................28
مزايا الكتاب......................................................................28
المؤاخذات على الكتاب...........................................................29
ثالثاً: التعريف بالنسخ المخطوطة وبمنهج التحقيق......................................33-38
وصف النسخ المخطوطة.............................................................33
منهج التحقيق.....................................................................34
نماذج من صور المخطوطتين ....................................................35
قسم التحقيق
خطبة الكتاب...................................................41
مقدمة : في بيان فضل السفر وآدابه، وكيفية الترخص واستحبابه، وشرف النُّسُك وطلاَّبه، وذمِّ الراغبين عن قصده وطِلابه .......................................43(1/5)
الأول الباب : في كيفية الترخص في السفر واستحبابه ........................57
الثاني الباب : في الحج والعُمْرَة وبيان شروطهما وأحكامهما .....................61
الثالث الباب : في الإحرام ومحظوراته والفدية والهدي والأضاحي ...........63-76
الأول الفصل : في المواقيت ............................................................65
الثاني الفصل : في الإحرام ..............................................................67
الثالث الفصل : في محظورات الإحرام .....................................................69
الرابع الفصل : في الفدية ...............................................................73
الرابع الباب : دخول مكة وما يتعلق به .................................77-92
الأول الفصل : في آداب الدخول.........................................................79
الثاني الفصل : في الطواف..............................................................85
الثالث الفصل : في شروط الطواف.......................................................89
الرابع الفصل : في السعي...........................................................91
الخامس الباب : صفة الحج والعمرة وما يتعلق بذلك ........................93-118
الأول الفصل : في الوقوف بعرفة..........................................................95
الثاني الفصل : في الرمي والحلق وما يتعلق بهما...........................................103
الثالث الفصل : في طواف الإفاضة والعَوْد إلى منى بعده.................................107
الرابع الفصل : في طواف الوداع ........................................................111
الخامس الفصل : في صفة العمرة......................................................113(1/6)
السادس الفصل : في أركان الحج والعمرة وواجباتهما.....................................115
السابع الفصل : في الهدي.........................................................117
الخاتمة.................................................119-132
الأول الفصل : في زيارته - صلى الله عليه وسلم - وما يتعلق به ................................................121
الثاني الفصل : في الإقامة بمكة وحكم المجاورة بها وما يتعلق بذلك ................................129
الثالث الفصل : في آداب العَوْد أمارة الحاج ................................................ 131
المصادر والمراجع................................................133
تمهيد
وَيَشْتَمِلُ عَلَى: ...
أولاً: ترجمة المؤلف
ثانياً: التعريف بالكتاب
ثالثاً:التعريف بالنسخ المخطوطة وبمنهج التحقيق
أولاً: ترجمة المؤلف (1)
اسمُهُ وَنَسَبُه وَنَشْأتُه
هو محمد بن أحمد بن علي البُهُوتي الشهير بالخَلْوَتي المصري القاهري.
__________
(1) - مصادر الترجمة: خلاصة الأثر في تراجم أهل القرن الحادي عشر (3/390)، مشيخة أبي المواهب (ص49)، النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل (ص239)، السحب الوابلة (2/869)، المدخل لابن بدران (ص441-442)، تسهيل السابلة (3/1570)، مختصر طبقات الحنابلة للشطي (ص123)، الدر المنضد في أسماء كتب مذهب الإمام أحمد (ص58)، إيضاح المكنون (1/253)،(2/401)، هدية العارفين (2/296)، الأعلام (6/12)، معجم المؤلفين (3/83).(1/7)
ولم أقف في ترجمته على لقبه، إلا أن الجبرتي لقَّبَه بشمس الدين في ترجمة ابن أخيه: صالح بن حسن بن أحمد بن علي البهوتي (1) . وهو بُهُوتي نسبة إلى بُهُوت بالغربية بمصر (2) . خَلْوَتي عفا الله عنه نسبة إلى الطريقة الخلوتية؛ إحدى طرق الصوفية (3) .
ولا تذكر مصادر الترجمة سنة ولادته، إلا أنها تتفق على أنه ولد بمصر وبها نشأ، ونستطيع أن نجزم بأنه نشأ في بيئة علمية؛ فإنه من بُهُوت التي خَرَّجَت في القرنين: الحادي عشر والثاني عشر الفطاحل من علماء الحنابلة في مصر (4) .
__________
(1) وقد قال الجبرتي في ترجمة صالح بن حسن بن علي البهوتي (1/69): ”... أخذ عن الشيخ منصور البهوتي وعن محمد الخلوتي ... ولازم عمه الشمس الخلوتي....“.
(2) انظر: النعت الأكمل (ص267).
(3) يقول الدكتور إسماعيل العربي في معجم الفرق والمذاهب الإسلامية (ص160): ”الخلوتية طريقة صوفية أنشأها محمد الخلوتي ظهير الدين الفارسي المولد "ت800هـ - 1397م"... وبموجب تعاليم الطريقة يلتزم المريد بأمور منها: الخلوة والعزلة الشديدة مع التقشف والامتناع عن اللذَّات والقيام بالذكر بصيغة: "لا إله إلا الله" بدون توقف ثلاثة آلاف مرة! مع إعطاء الرأس والجسم وضعاً خاصاً أثناء الذكر!...وقد عرفت الطريقة الخلوتية انتشاراً واسعاً، خصوصاً في آسيا الصغرى والحجاز وأوربا والهند...وفي مرحلة تالية أسست للطريقة فروع في مصر وفي بلدان المغرب...“.
(4) من أشهر الحنابلة الذين عرفوا بهذه النسبة ”بهوتي“:
1. ... العلاَّمة علي البهوتي جد العلاَّمة الشيخ عبد الرحمن المشهور وشيخه (ت ؟). انظر: السحب الوابلة (3/1198)
2. ... شهاب الدين أحمد البهوتي (ت ؟)، ابن عم يونس بن صلاح الدين والد الشيخ منصور البهوتي، وهو من تلاميذ شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز الفتوحي ورصيف ولده تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الشهير بابن النجار. انظر: السحب الوابلة (2/854)
3. ... الجمال يوسف بن علي البهوتي من شيوخ منصور بن يونس ووالد عبد الرحمن. انظر: السحب الوابلة (3/1200)
4. ... عبد الرحمن بن يوسف بن علي (ت بعد 1040هـ). انظر: السحب الوابلة (2/527).
5. ... منصور بن يونس بن صلاح الدين (ت1051هـ). انظر: السحب الوابلة (3/1131).
6. ... محمد بن أبي السرور بن محمد بن سلطان (ت1100هـ). انظر: السحب الوابلة (2/901).
7. ... صالح بن حسن بن أحمد بن علي (ت1121هـ)،ابن أخ الشيخ محمد بن أحمد الخلوتي، وسيأتي في تلاميذ الخلوتي. انظر: السحب الوابلة (2/425).
8. ... تاج الدين بن شهاب الدين بن علي البهوتي (ت ؟) قال ابن حُمَيْد: ”له كتابات على المنتهى“. انظر: السحب الوابلة (3/1194)(1/8)
ثم إنه نشأ في أسرة علمية؛ حيث تضلع من الفقه في كنف خاله العلاَّمة الشيخ منصور بن يونس البهوتي (1) ، ويقول ابن بدران: ”...كان من الملازمين للشيخ منصور“ (2) . واستمرت ملازمة الخلوتي لخاله وعكوفه على حلقته إلى آخر درس عقده الشيخ، وكان قبل موته بستة أيام (3) .
وقد سافر إلى الحجاز للحج بعد موت خاله بثلاث سنين، وقد كان ذلك هو الباعث على تأليف كتابه: بغية الناسك في أحكام المناسك، حيث يقول في مقدمته: ”...قصدت جمع ذلك حين يسر الله المسير إلى حج بيته الحرام، وزيارة قبر نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام؛ وذلك عام أربع وخمسين وألف من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية...“ (4) . ولا نعلم كم طال مكثه في الحجاز، ولا عن من أخذ من علماء الحرمين.
وكذا لا نعلم إن كانت له رحلة في طلب العلم خارج مصر؛ فكل من ذكره المترجمون من شيوخه - على قلتهم - هم مصريون كما سيأتي. إلا أنا لا نستبعد حصول ذلك؛ فإنه كان ولا زال شأن طلبة العلم، ويؤيد ذلك أنه منتسب إلى الطريقة الخلوتية، ولابد من أخذ هذه الطريقة - بزعمهم - على شيخ. وقد تتبعت تراجم المنتسبين من الحنابلة إلى هذه الطريقة قبل الخلوتي وبعده فلم أجد فيهم مصرياً واحداً (5) ،
__________
(1) ذكر الشيخ الدكتور بكر أبو زيد في: المدخل المفصل (2/783) أن الخلوتي تربطه بمنصور بن يونس أيضاً علاقة مصاهرة، حيث كان زوج ابنته. ولم أقف في مصادر ترجمة الخلوتي على ما يؤكد ذلك!
(2) المدخل (ص441).
(3) انظر: النعت الأكمل (ص213)، وسيأتي بيان ذلك (ص9).
(4) انظر: (ص41).
(5) وأشهر من نسب إلى الطريقة الخلوتية من الحنابلة:
1. ... محمد بن عمر العباسي الخلوتي الدمشقي الصالحي (ت1076هـ). قال ابن حُمَيْد: ”أخذ الطريق عن الأستاذ العارف بالله تعالى أحمد العسَّالي، لازمه بقرية عسَّال، وتخرج به حتى صار خليفته من بعده“.. انظر: السحب الوابلة (3/1020).
2. ... أحمد بن علي بن سالم الدمشقي الخلوتي (ت1086هـ). قال ابن حُمَيْد: ”كان خليفة الشيخ أيوب [ابن أحمد القرشي الحنفي الخلوتي الصوفي (ت1071هـ)] والشيخ أيوب أخذ الطريقة عن العسَّالي“. انظر: السحب الوابلة (1/193)
3. ... عيسى بن محمود بن كنان الدمشقي الصالحي الخلوتي (ت1093هـ). قال ابن حُمَيْد: ”وصل إلى شيخنا العارف بالله تعالى السيد محمد العباسي، فأخذ عليه الطريق...وأشار إليه بالخلافة بعده فوليها!...وخلفه في مشيخة الخلوتية ولده محمد“. انظر: السحب الوابلة (2/806).
4. ... محمد بن عيسى بن محمود الكناني(ت 1153هـ). لم أقف على ترجمته، وتقدم أنه أخذ مشيخة الطريقة عن أبيه.
5. ... محمد سعيد بن الشيخ محمد الكناني الخلوتي (ت ؟)، قال ابن حُمَيْد: ”تولى مشيخة الطريقة بعد والده سنة (1153هـ)“. انظر: السحب الوابلة (3/1198).
6. ... عبد الرحمن عبد الله بن أحمد البعلي (ت1192هـ). قال ابن حُمَيْد: ”قرأ على الفاضل المُسَلِّكِ الشيخ محمد بن عيسى الكناني الخلوتي شيئاً من النحو...وأخذ عليه طريق السادة الخلوتية، ولقنه الذكر“ !!! . انظر: السحب الوابلة (2/497).
7. ... أحمد بن عبد الله بن أحمد البعلي (ت1189هـ). قال ابن حُمَيْد: ”أخذ الطريقة الخلوتية عن الأستاذ الشيخ محمد بن عيسى الكناني الصالحي الحنبلي والشيخ محمد عقيلة المكي والشيخ عبد الله الخليلي نزيل طرابلس...“. انظر: السحب الوابلة (1/173)(1/9)
اللهم إلا إن كان قد أخذ الطريقة الخلوتية عن غير الحنابلة، وما ذلك ببعيد.
عِلْمُهُ وَمَكَانَتُهُ
لا جدال بين الحنابلة في جلالة قدر هذا الإمام. وكل من ترجم له نعته بأنه العالم العلم الفقيه النحرير إمام المنقول والمعقول، مخرِّج الفروع على الأصول، المحقق المدقق المفتي والمدرس بمصر القاهرة. ولقد مات الشيخ منصور بن يونس رحمه الله ولم يَخْلفه في الحنابلة أوسع علماً وأجلّ قدراً من الخلوتي؛ ولذا انتقل إلى درسه كبار تلاميذ البهوتي مثل: عثمان ابن قائد (1) وغيره، ونقلوا عنه، يقول ابن حُمَيْد: ”كان رحمه الله سديد البحث، مديد التقرير، أكيد التحرير، بديع التدقيق والتحقيق، أبدى غرائب الأبحاث، وحرر المنتهى قراءةً وإقراءً، واعتنى به اعتناءً بليغاً، وجلس للإقراء، فانتفع به الحنابلة، خصوصاً بعد خاله؛ فإنه تصدر للتدريس والإفتاء في مكانه، وله تحقيق في غير الفقه...“ (2) .
وقد اعتنى متأخرو الحنابلة بحواشيه لا سيما ما كتبه على ”المنتهى“ وعلى ”الإقناع“، وأولوها من العناية والرعاية مالم يعطوه لأحدٍ بعد الشيخ منصور بن يونس، وقد نقل ابن بشر عن مشايخه: ”كل ما وضعه متأخرو الحنابلة من الحواشي على أولئك المتون ليس عليه معوَّلٌ إلا ما وضعه الشيخ منصور؛ لأنه المحقق لذلك، إلا حاشية الخلوتي لأن فيها فوائد جليلة“ (3) .
شُيُوْخُهُ
اقتصر المُحِبِّي في ترجمة الخلوتي على أربعة من شيوخه، ونقلتهم باقي مصادر الترجمة عن المُحِبِّي ولم يزيدوا عليهم ! وإليك تراجمهم:
أولاً: زين الدين عبد الرحمن بن القاضي جمال الدين يوسف بن نور الدين علي البهوتي المصري (؟- بعد1040هـ) (4) .
__________
(1) انظر: (ص15).
(2) السحب الوابلة (2/870).
(3) عنوان المجد في تاريخ نجد (2/324).
(4) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر (2/405)، النعت الأكمل (ص204)، السحب الوابلة (2/527)، مختصر طبقات الحنابلة (ص114).(1/10)
العلاَّمة المسند الأثري. ولد بمصر، ونشأ فيها. وقرأ الكتب الستة وغيرها وروى المسلسل بالأولية عن الجمال يوسف بن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي، وقرأ علوم الحديث عن الشمس محمد الشامي صاحب السيرة تلميذ السيوطي، وتفقه على أبيه وجدِّه وعلى تقي الدين الفتوحي صاحب منتهى الإرادات وأخيه عبد الرحمن ابني الشهاب أحمد بن النجار وغيرهم. وتفقه في المذاهب الفقهية على أعلام فقهاء عصره فمن مشايخه في فقه الإمام أبي حنيفة: شمس الدين البرهمتوشي وأبو الفيض السلمي وعلي بن غانم المقدسي، وفي فقه الإمام مالك: زين الدين الجيزي وأبو الفتح الدميري شارح مختصر خليل ومحمد الحطاب، وفي فقه الإمام الشافعي: الخطيب الشربيني والشمس العلقمي شارح الجامع الصغير وولي الدين الضرير شارح التنبيه.
قال الغزي: ”كان بحراً من بحور العلم، وركناً من أركان الفضل، عالماً بالمذاهب الأربعة، كنزاً به ذخائر الفضل مجتمعة“. وكان من المعمرين؛ إذ عاش نحواً من مائة وثلاثين سنة وأخذ عنه جمعٌ من الأعلام؛ منهم: منصور بن يونس البهوتي والحافظ عبد الباقي الحنبلي مفتي دمشق.
ثانياً: أبو السعادات منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتي المصري (1000-1051هـ) (1) .
العلاَّمة الذائع الصيت البالغ الشهرة. كان أحد الذين انتهى إليهم الفتوى والتدريس، فكان شيخ شيوخ الحنابلة في كل البقاع بلا نزاع. صنَّف عمدة الطالب وشرح الإقناع ومنتهى الإرادات والمفردات وغير ذلك، وشهرة ذكره تغني عن الإطناب في أمره.
__________
(1) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر (4/426)، النعت الأكمل (ص210)، عنوان المجد في تاريخ نجد (2/323)، السحب الوابلة (3/1131)، مختصر طبقات الحنابلة (ص114).(1/11)
وقد لازمه الخلوتي إلى حين وفاته؛ إذ قال الغزي ”رأيت في حاشية تلميذه العلاَّمة الشيخ محمد بن أحمد الخلوتي رحمه الله تعالى على "المنتهى" عند قول المصنِّف في كتاب الحجر: "الثالث: أن يلزم الحاكم.." إلخ ما صورته: "قد انتهت قراءة شيخنا وأستاذنا علاَّمة زمانه وفريد عصره وأوانه، خاتمة المحققين وعمدة المدققين، من طَنَّت حصاته في سائر الأقطار، واتفقت الكلمة على أنه لم تكتحل ولا تكتحل عين الزمان بثانيه فيما مضى وما يأتي من الأعصار، وهو أستاذي وخالي الراجي عفو ربه العلي: منصور بن يونس البهوتي الحنبلي. وكانت قراءته لشرحه على هذا الكتاب، واتفق وقوفه على ذلك يوم السبت رابع شهر ربيعٍ الثاني سنة إحدى وخمسين وألف، ثم انقطع يوم الأحد التالي له، ومات يوم الجمعة العاشر من الشهر والسنة المذكورين.. " “ (1) .
ثالثاً: شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي الغُنَيْمي الأنصاري الخزرجي المصري الشافعي ثم الحنفي (964-1044هـ) (2) .
__________
(1) النعت الأكمل (ص213)، وانظر: السحب الوابلة (3/1133).
(2) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر (1/312)، هدية العارفين (1/158)، الأعلام (1/237)، معجم المؤلفين (1/281).(1/12)
النحوي المتكلم. قال المُحِبِّي: ”هو أجلُّ الشيوخ الذين انفردوا في عصرهم في علم المعقول والمنقول، وتبحروا في العلوم الدقيقة والفنون العويصة، حتى استخرجوها بالنظر الدقيق والفكر الغامض...وحُكِي عن الشَّبْرامَلِّسي أنه قال: مات المعقول والمنقول بعده“. وقال الزِرِكْلِي: ”له شروح وحواشٍ في الأصول والعربية، ورسائل في الأدب والمنطق والتوحيد..“، وذكر مترجموه جملةً صالحةً منها. وقد درس الخلوتي على الغُنَيْمي المنطق وعلم الكلام، قال المُحِبِّي في ترجمة الخلوتي: ”أخذ العلوم العقلية من الشهاب أحمد بن محمد الغُنَيْمي الأنصاري، وعليه تخرَّج وانتفع“ (1) . وقد لازمه الخلوتي إلى حين وفاته، والذي يظهر أن ملازمته له قد طالت؛ ولذا وجدنا أكثر آثاره في العلوم العقلية قد أفادها من تعليقات شيخه الغُنَيْمي كما سيأتي بعد هنيهة.
رابعاً: أبو الضياء نور الدين علي بن علي الشَّبْرامَلِّسي الشافعي القاهري (997-1087هـ) (2) .
__________
(1) خلاصة الأثر (3/390).
(2) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر (3/174)، هدية العارفين (1/761)، الأعلام (4/314)، معجم المؤلفين (2/478).(1/13)
الفقيه الأصولي المتكلم. قال المُحِبِّي: ”وُلِدَ ببلده شَّبْرامَلِّس (1) ، وحفظ القرآن، وكان أصابه الجدري وهو ابن ثلاث سنين فكُفَّ بصره...ثم قَدِمَ مصر صحبة والده سنة ثمان بعد الألف...انتهت إليه الرئاسة، وكان آخر أقرانه موتاً. لازمه لأخذ العلم عنه أكابر علماء عصره؛ كالشيخ شرف الدين بن شيخ الإسلام، والشيخ زين العابدين، والشيخ محمد البهوتي الحنبلي...“، قال الزِرِكْلِي: ”تعلَّم وعلَّم بالأزهر، وصنَّف كتباً“، من مصنَّفاته: حاشية على ”نهاية المحتاج“ لشمس الدين الرملي في شرح ”المنهاج“ للإمام النووي، وهي مطبوعة مع نهاية المحتاج. ومنها حاشية على ”المواهب اللَّدُنِّيْة“ للقسطلاني، وحاشية على ”شرح ابن القاسم“ على ”الورقات“ لإمام الحرمين في أصول الفقه، وغير ذلك. وقد تأخَّرت صحبة الخلوتي للشَّبْرامَلِّسي؛ إذ يقول المُحِبِّي: ”اختص الخلوتي بعده [يعني: بعد الشهاب الغُنَيْمي] بالعلاَّمة نور الدين علي الشَّبْرامَلِّسي الشافعي، ولازمه في دروسه في كثيرٍ من العلوم، فكان لا يفارقه في دروسه في العلوم النظرية، وكان يجري بينهما في الدرس محاوراتٌ ونكاتٌ دقيقةٌ لا يعرفها من الحاضرين إلا من كان من أكابر المحققين.
__________
(1) قال المُحِبِّي (3/177): ”الشَّبْرامَلِّسي بشين معجمة فموحدة فراء فألِف مقصورة، على وزن سكرى، كما في القاموس، مضافة إليها: مَلِّس بفتح الميم وكسر اللام المشددة وبالسين المهملة، أو مركبة تركيب مزج، وهي: قرية في مصر“، وقد اعتمد هذا الضبط الزِرِكْلِي، وقال (4/314): ”...وأهلها ينطقونها اليوم بضم الشين وكسر الميم“.(1/14)
وكان الشَّبْرامَلِّسي يُجِلُّه ويُثْني عليه ويُعَظِّمه ويحترمه، ولا يخاطبه إلا بغاية التعظيم؛ لما انطوى عليه من الفضل، ولكونه رفيقه في الطلب (1) . ولم يزل ملازماً له حتى مات“ (2) . ...
تَلامِيْذ ُ ه ُ
__________
(1) الظاهر أن ترافقهم في الطلب كان عند شيخهما الشهاب الغُنَيْمي؛ فقد قال المُحِبِّي في ترجمة الغُنَيْمي (1/314): ”ممن لازمه سنين عديدة العلاء الشَّبْرامَلِّسي، وكان لا يَفْتُرُ عن ذكره...“، وقال في ترجمة الشَّبْرامَلِّسي (3/175): ”لزم في العقليات الشهاب الغُنَيْمي وكان لا يَفْتُرُ عن ذكره“، وتقدم أنه قال في ترجمة الخلوتي (3/390):”أخذ العلوم العقلية من الشهاب أحمد بن محمد الغُنَيْمي الأنصاري، وعليه تخرَّج وانتفع“.
(2) خلاصة الأثر (3/390).(1/15)
تقدم في ترجمة الخلوتي أنه قد تفرد بالفقه الحنبلي بعد وفاة خاله الشيخ منصور بن يونس البهوتي سنة (1051هـ) فانتهى إليه الإفتاء والتدريس في العقود الأربعة الأخيرة من حياته عند الحنابلة، وصارت حواشيه محل حفاوتهم، وتحريراته محل عنايتهم. فلا ضير أنه قد رحل إليه الناس من الآفاق لأخذ مذهب الإمام أحمد، وأنه قد صار مَقْصِداً للحنابلة في مصر والشام والحجاز ونجد وغيرها، وتتلمذ عليه منهم العدد الغفير. يقول ابن حميد في ترجمة الخلوتي: ”حرَّرّ "المنتهى" قراءةً وإقراءً، واعتنى به اعتناءً بليغاً، وجلس للإقراء، فانتفع به الحنابلة، خصوصاً بعد خاله؛ فإنه تصدر للتدريس والإفتاء في مكانه، وله تحقيق في غير الفقه“ (1) . غير أنَّا - مع ما تقدم - لا نجد في مصادر ترجمة الخلوتي ذكراً لطلابه ! إلا ما جاء مجملاً في قول الغزي: ”أخذ عنه جماعة من الفضلاء“ فسمَّى أربعة شاميين ومكيّاً، كُلُّهم غير مشهورٍ إلا واحداً (2) ! ثم قال: ”وغيرهم من أهل مصر والشام وغيرهما“ (3) . وقد استقرأت تراجم من ذُكِرَ الخلوتي في مشايخهم في كتاب السحب الوابلة فما وجدت إلا ثلاثة؛ شاميٌ ومصري ونجدي ! فصارت مُحَصِّلة ما جمعت من تلاميذ هذا الإمام الفحل ثمانية طلاب ! فإليك تراجمهم:
أولاً: الشيخ إبراهيم الجِنِيني (؟-؟)
__________
(1) السحب الوابلة (2/870).
(2) قصدت أبا المواهب الحنبلي؛ مفتي الحنابلة بدمشق.
(3) النعت الأكمل (ص240)، وقد تبعه الشطي في مختصر الطبقات (ص124)، فذكر هؤلاء الأربعة ولم يزد عليهم.(1/16)
ذكره الغَزِّي والشَّطِّي في تلاميذ الخلوتي. وترجم له الغَزِّي فقال: ”برهان الدين إبراهيم الجِنِيني الشيخ أبو إسماعيل وأبو إسحاق القاطن بنواحي جِنِين. رحل من بلده إلى مصر والقاهرة، وقرأ على أكابر فضلائها؛ فأخذ الفقه عن الشيخ الإمام: محمد بن أحمد بن علي الخلوتي، فقرأ عليه "منتهى الإرادات" مع شروحه وحواشيه وتحريراته مشاركاً للشيخ إسماعيل الجِنِيني ولشيخ الإسلام الشيخ محمد أبي المواهب الدمشقي، كما ذكره في مشيخته، فصار له الفضل التام “ (1) .
ثانياً: الشيخ أحمد بن محمد بن عوض المَرْداوي ثم النَّابُلْسِيُّ، ويعرف بابن عوض (؟ - 1105هـ) (2)
__________
(1) النعت الأكمل (ص256)، وانظر كلام أبي المواهب المذكور في مشيخته (ص50)، ولم أعثر للشيخ إبراهيم الجِنِيني على ترجمة في ما بين يدي من المصادر.
(2) انظر ترجمته في: السحب الوابلة (1/240). وقال محققه الفاضل الدكتور عبد الرحمن العثيمين حفظه الله: ”لم أعثر له على أخبار في أي مصدر، ولعل المؤلف رحمه الله جمع هذه الفوائد من مطالعته“.(1/17)
لم يُذْكَر في تلاميذ الخلوتي، وقد ترجم له ابن حُمَيْد فقال: ”ولد في مَرْدا (1) ، وقرأ على مشايخ بلده والقرى التي حولها، ومشايخ نابلس، ثم رحل إلى دمشق فقرأ على مشايخها، ثم رحل إلى القاهرة فلازم العلاَّمة المحقق المدقق المحرر محمد بن أحمد الخلوتي ملازمة تامة، وقرأ عليه في الفقه قراءةً خاصَّةً وعامَّةً إلى أن تُوُفِّي، ثم لازم أكبر أصحابه العلاَّمة الشيخ عثمان بن أحمد النجدي نزيل القاهرة، وانتفع به في المذهب وغيره، فتمهَّر به في الفقه خاصة، وشارك في أنواع العلوم من القراءات والنحو والصرف والمعاني والبيان وغير ذلك. وله من المصنفات حاشيةٌ على دليل الطالب في الفقه نحو ثلاثين كراساً مفيدةٌ جداً...“ (2) .
ثالثاً: الشيخ إسماعيل الجِنِيني (؟-؟)
ذكره الغَزِّي والشَّطِّي في تلاميذ الخلوتي. وترجم له الغَزِّي فقال: ”الشيخ إسماعيل أبو الفداء عماد الدين القاطن بنواحي المحل المعروف بجب جِنِين. رحل إلى مصر وقرأ على فضلائها وأخذ عنهم؛ فأخذ الفقه عن الشيخ الإمام: محمد بن أحمد بن علي الخلوتي، وقرأ عليه كتاب: "منتهى الإرادات" للتقي الفتوحي مشاركاً لشيخ الإسلام أبي المواهب الحنبلي والشيخ إبراهيم الجِنِيني مع مطالعة ما عليه من الحواشي والتحريرات (3) ، وصار له الفضل التام والبركة الكاملة في الفقه وغيره من العلوم“ (4) .
رابعاً: الشيخ تاج الدين بن أحمد الشهير بالدهان المكي (؟-؟)
ذكره الغزي والشطي في تلاميذ الخلوتي ولم أعثر له على ترجمة.
__________
(1) قال ياقوت في معجمه (5/104): ”مَرْدا: قرية قرب نابلس“.
(2) السحب الوابلة (1/240). وقد ذكر ابنُ بدران حاشيةَ ابن عوض في المدخل (ص442) فقال: ”هي في مجلدين“.
(3) ذكر ذلك أبو المواهب الحنبلي في مشيخته (ص50).
(4) النعت الأكمل (ص256)، ولم أعثر له على ترجمة في ما بين يدي من المصادر.(1/18)
خامساً: الشيخ صالح بن حسن بن أحمد بن علي البُهُوتي الأزهري (؟-1121هـ) (1)
العلاَّمة الفقيه الفَرَضِيّ. ابن أخ الخلوتي؛ كما تبين من كلام الجبرتي التالي في ترجمته. ولد في القاهرة ومات فيها. له الألفية المشهورة: ”عمدة الفارض“ في الفرائض جمع فيها المذاهب الأربعة. لم يذكر في تلاميذ الخلوتي، وقد قال الجبرتي: ”أخذ عن أشياخ وقته، وكان عمدة في مذهبه، وفي المعقول والمنقول والحديث، وله عدة تصانيف وحواشٍ وتعليقاتٍ وتقييداتٍ مفيدة متداولة بأيدي الطلبة. أخذ عن الشيخ منصور البهوتي وعن محمد الخلوتي وأخذ الفرائض عن الشيخ سلطان المزاحي ومحمد الدلجموني، وهو من مشايخ الشيخ عبد الله الشبراوي، ولازم عمه الشمس الخلوتي....“ (2) .
سادساً: الشيخ عثمان بن أحمد بن سعيد بن عثمان بن قائد النجدي (؟-1097هـ) (3)
__________
(1) انظر ترجمته في: تاريخ الجبرتي (1/69)، عنوان المجد في تاريخ نجد (3/1589)، السحب الوابلة (2/425)، هدية العارفين (1/424).
(2) تاريخ الجبرتي (1/69).
(3) انظر ترجمته في: السحب الوابلة (2/697)، تسهيل السابلة (3/1576)، عنوان المجد (1/86)، الأعلام (4/202).(1/19)
المعروف بابن قائد. ومن عجبٍ أن مترجمي الخلوتي لم يذكروه في تلاميذه مع أنه أكبر أصحابه كما تقدم في ترجمة ابن عوض (1) . قال ابن حُمَيْدٍ في ترجمة ابن قايد: ”وُلد في العيينة ونشأ بها، وقرأ على علاَّمتها الفقيه النبيه العلاَّمة الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان، وهو ابن عمته، فأخذ عنه الفقه وعن غيره. ثم ارتحل إلى دمشق فأخذ عن علمائها الفقه والأصول والنحو وغيرها....فخرج من الشام إلى مصر وأخذ عن علمائها، واختَصَّ بشيخ المذهب فيها ومحرِّر الفنون العلاَّمة الشيخ محمد بن أحمد الخلوتي، فأخذ عنه دقائق الفقه وعدة فنون، وزاد انتفاعه به جداً حتى تمهَّر وحقَّق ودقَّق واشتهر في مصر ونواحيها وقصد بالأسئلة والاستفتاء...صنَّف: "هداية الراغب شرح عمدة الطالب" حرره تحريراً نفيساً، فصار من أنفس كتب المذهب...وكان خطه فائقاً مضبوطاً إلى الغاية، بديع التقرير، سديد الأبحاث والتحرير“ (2) .
سابعاً: الشيخ عيسى بن محمود بن كنَّان الدمشقي الصالحي الخلوتي (1042-1093هـ) (3)
ذكره الغَزِّي والشَطِّي في تلاميذ الخلوتي. وقد وُلِد في صَالِحِيَّة دمشق ونشأ بها، وحفظ القرآن لسبع سنين من عمره، ولما بلغ العشر سافر مع والده إلى مصر، وعاد إلى دمشق، ثم سافر إليها ثانياً وحده، وطلب العلم على مشايخ أجلاء سمَّى مترجموه منهم جملة وافرةً، فمنهم: الشيخ محمد الخلوتي، والشيخ مرعي البهوتي، والشيخ النور الشَّبْرامَلِّسي. ثم رجع إلى دمشق سنة (1055هـ).
__________
(1) تقدم في ترجمة ابن عوض في السحب (1/240) ما نصه: ”...لازم العلاَّمة المحقق المدقق المحرر محمد بن أحمد الخلوتي ملازمة تامة، وقرأ عليه في الفقه قراءةً خاصَّةً وعامَّةً إلى أن تُوُفِّي، ثم لازم أكبر أصحابه العلاَّمة: الشيخ عثمان بن أحمد النجدي...“.
(2) السحب الوابلة (2/698).
(3) انظر ترجمته في: النعت الأكمل (ص250)، خلاصة الأثر (3/243)، السحب الوابلة (2/806).(1/20)
ثامناً: الشيخ محمد بن عبد الباقي بن عبد الباقي البعلي الأصل الدمشقي (1044-1126هـ) (1)
المعروف بأبي المواهب الحنبلي. شيخ القراء والمحدثين في عصره، ومفتي الحنابلة بدمشق. أخذ العلم عن جماعة كثيرين من دمشق ومصر والحرمين، وأفرد لهم ثبتاً ذكر تراجمهم فيه، فذكر الخلوتي في شيوخه المصريين (2) . وهو أول من يذكره مترجمو الخلوتي في تلاميذه؛ لشهرته. وقد أرَّخ المترجمون رحلةَ أبي المواهب إلى مصر في سنة (1072هـ) وقالوا: مات أبوه في غيبته بمصر، ثم عاد إلى دمشق وجلس للتدريس مكان والده. وتأريخ الرحلة إلى مصر في هذه السنة فيه إشكالٌ؛ ذلك أن وفاة والده: الشيخ عبد الباقي كانت سنة (1071هـ) بالاتفاق! (3) ولذا استشكل الشَّطِّي تأريخ هذه الرحلة وقال: ”فيه نظر“ (4) ، والصواب أن رحلته إلى مصر كانت قبل سنة (1072هـ)؛ إذ قال أبو المواهب في ترجمة شيخه الخلوتي: ”أجازني لفظاً وكتابة بسائر مروياته سنة إحدى وسبعين وألفٍ“ (5) .
آثَارُهُ وُمُؤَلَفَاتُهُ
ذكر كل من ترجم له أنه كتب كثيراً من التحريرات، ويقول ابن حميد: ”كان سديد البحث مديد التقرير أكيد التحرير بديع التدقيق والتحقيق، أبدى غرائب الأبحاث“ (6) . وبعد التتبع في ترجمته يمكن أن نحصر ما أوردوه من آثاره فيما يلي:
أولاً: حاشية على الإقناع لطالب الانتفاع
__________
(1) انظر ترجمته في: النعت الأكمل (ص268)، مختصر طبقات الحنابلة (ص130)، عنوان المجد في تاريخ نجد (3/1594)، السحب الوابلة (1/333).
(2) مشيخة أبي المواهب (ص49).
(3) انظر ترجمته في: النعت الأكمل (ص223)، مختصر طبقات الحنابلة (ص120)، السحب الوابلة (2/439).
(4) مختصر طبقات الحنابلة (ص131).
(5) مشيخة أبي المواهب (ص50).
(6) السحب الوابلة (2/870).(1/21)
كتبها على هامش نُسْخَته من كتاب: ”الإقناع لطالب الانتفاع“ لشرف الدين موسى بن أحمد الحِجَّاوي. ذكر مترجمو الخلوتي أنها جُرِّدت بعد موته من هوامش نُسْخَته فبلغت اثني عشر كراساً. وتوجد منها نسخة في المكتبة الأزهرية في الظاهرية برقم (11041) وعدد أوراقها (86) ورقة (1) . وهذه الحاشية مع حاشيتة على المنتهى التالي ذكرها هي أشهر آثار الخلوتي، وقد ذكرهما كل من ترجم له. وهي محل الاعتماد عند المتأخرين، حيث نقل ابن بشر عن مشايخه: ”كل ما وضعه متأخرو الحنابلة من الحواشي على أولئك المتون ليس عليه معوَّلٌ إلا ما وضعه الشيخ منصور؛ لأنه المحقق لذلك إلا حاشية الخلوتي لأن فيها فوائد جليلة“ (2) . ...
ثانياً: حاشية على منتهى الإرادات
كتبها على هامش نُسْخَته من كتاب: ”منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات“ لتقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الشهير بابن النجار. ذكر مترجمو الخلوتي أنها جُرِّدت بعد موته من هوامش نُسْخَته فبلغت أربعين كراساً، وهي أحد مصادر عثمان بن قائدٍ النجدي في حاشيته على المنتهى، كما ذكر في مقدمته (3) . وتوجد منها نسختان: إحداهما في المكتبة الأزهرية برقم (47645)، والثانية في الظاهرية برقم (6281) وعدد أوراقها (307) ورقة (4) .
ثالثاً: بغية الناسك في أحكام المناسك
وهو الكتاب الذي تناولته بفضل الله بالتحقيق. ويأتي الكلام عنه لاحقاً (5) .
رابعاً: نظمٌ للقواعد الفقهية
انفرد بذكرها ابن حُميد فقال:”...نظم كثيراًُ من القواعد الفقهية وغيرها“ (6) .
__________
(1) المذهب الحنبلي للدكتور عبد الله التركي (2/528).
(2) عنوان المجد في تاريخ نجد (2/324).
(3) حاشية ابن قائد على المنتهى (1/4).
(4) انظر: الدر المنضد في أسماء كتب مذهب الإمام أحمد (ص58)، المدخل المفصل للشيخ بكر أبو زيد (2/783)، المذهب الحنبلي للدكتور عبد الله التركي (2/527).
(5) انظر: (ص23).
(6) السحب الوابلة (2/698).(1/22)
خامساً: التحفة الظرفية في السيرة النبوية
قال الزِرِكْلِي: هي رسالة في السيرة النبوية. وقد ذكرها في مصنفات الخلوتي أيضاً الأستاذ: عمر كحَّالة في معجمه، ومن قبلهما إسماعيل باشا في إيضاح المكنون (1) .
سادساً: حاشية على شرح العقائد النَّسَفِيَّة
ذكرها الغزي (2) ! وهي في عقيدة الماتريدية ! فالشرح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ثم السمرقندي (ت 791هـ) (3) على: ”العقائد“ لعمر بن محمد بن أحمد النَّسَفِي الحنفي (ت 537هـ) (4) . وعندي أنَّ في نسبتها إلى الخلوتي نظراً؛ فلم يعرف الناسُ يوماً حنبلياً ماتريدياً، ولو كان هذا من الخلوتي لذُكِرَ؛ لغرابته. ثم إن الذي كتبها هو شيخُ الخلوتي: شهاب الدين أحمد بن محمد الغُنَيْمي الأنصاري الحنفي على نسخته من الكتاب؛ ولذا قال الغزي: ”جرَّد الخلوتي هذه الحاشية من خطِّ شيخه الشهاب أحمد الغُنَيْمي ورتبها“ (5) ، والكتاب إنما يُنْسَبُ لكاتبه. وقد قال المُحِبِّي في ترجمة الشهاب الغُنَيْمي: ”رأيت بخط بعض الإخوان أن له تآليف؛ منها...حاشية على شرح الاستعارات للمولى عصام، وحاشية على شرح إيساغوجي للقاضي زكريا، وله حواشٍ نفيسة على طرر كتبه، جُرِّد منها في حال حياته وبعد مماته، منها ما كتبه على شرح عقائد النَّسفي للتفتازاني...وكان الشَّبْرامَلِّسي يقول: من رأى دروس الغُنَيْمي وتقريره ودقَّة نظره لا يجوِّز نسبة هذه التآليف إليه؛ لأن مقامه أجلُّ منها، مع أنها في غاية الدقَّة وحسن الصناعة“ (6) .
__________
(1) إيضاح المكنون (1/253).
(2) النعت الأكمل (ص239)، ونقل عبارته الشطي في: مختصر طبقات الحنابلة (ص123).
(3) انظر: كشف الظنون (2/1145)، الأعلام (7/219)، معجم المؤلفين (3/849).
(4) انظر: كشف الظنون (2/1145)، الأعلام (5/60)، معجم المؤلفين (2/571).
(5) النعت الأكمل (ص239)، ونقل عبارته الشطي في: مختصر طبقات الحنابلة (ص123).
(6) خلاصة الأثر (1/314).(1/23)
قلت: لعلَّ هذا ما دعا إلى نسبة هذا الكتاب - مع الكتابين اللاحقَين - إلى الخلوتي.
سابعاً: كشف اللثام عن شرح شيخ الإسلام
ذكرها ابن حُمَيْد، والزِرِكْلِي، وكَحَّالة (1) . وهي في المنطق. وقد كتبها - كالكتاب السابق - شيخُ الخلوتي: الشهاب أحمد الغُنَيْمي تعليقاتٍ على نسخته من شرح شيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصاري المصري الشافعي (ت 926هـ) (2) على ”الإيساغوجي“ في المنطق لأثير الدين المفضل بن عمر الأَبْهَري السمرقندي (ت663هـ) (3) . فجرَّد الخلوتي هذه الحاشية من خطِّ شيخه الشهاب الغُنَيْمي ورتبها. قال ابن حُمَيد: ”هي في سبع كراريس“ (4) . وقال خير الدين الزِرِكْلِي: ”هي عندي بخطه“ (5) ، يعني: بخط الخلوتي. قلت: قد تقدم أن هذا الكتاب - كسابقه ولاحقه - إنما هو للشهاب الغُنَيْمي.
ثامناً: حاشية على شرح عصام الدين على السمرقندية
__________
(1) انظر: السحب الوابلة (2/869)، الأعلام (6/12)، معجم المؤلفين (3/83).
(2) انظر: كشف الظنون (2/1145)، الأعلام (3/46)، معجم المؤلفين (1/733).
(3) انظر: كشف الظنون (2/1145)، الأعلام (5/60)، معجم المؤلفين (2/571).
(4) السحب الوابلة (2/698).
(5) الزِرِكْلِي في الأعلام (6/12).(1/24)
في البلاغة. وانفرد بذكرها الأستاذ: عمر كحَّالة، وقال:”...حاشية على شرح عصام الدين على السمرقندية في البلاغة “ (1) . ولم يزد على ذلك، فلعلها حاشيةٌ على شرح عصام الدين إبراهيم بن محمد الإسفراييني (ت 944هـ) (2) على ”الرسالة السمرقندية“ لأبي القاسم بن أبي بكر السمرقندي الليثي (ت بعد 888هـ) (3) في أقسام الاستعارات (4) . قلت: قد تكون هذه الحاشية هي التي كتبها الشهاب الغُنَيْمي على نسخته، فجّرَّدَها الخلوتي كسابقتيها. وقد قدمنا من كلام المُحِبِّي والشَّبْرامَلِّسي عند الكلام على الحاشية على العقائد النَّسَفِيَّة المنسوبة للخلوتي ما يؤيد ذلك.
تاسعاً : الحجة في نظم أم البراهين
__________
(1) معجم المؤلفين (3/83).
(2) انظر: الأعلام (1/66)، معجم المؤلفين (1/67).
(3) انظر: الأعلام (5/173)، معجم المؤلفين (2/643).
(4) كشف الظنون (1/853).(1/25)
في علم الكلام. انفرد بذكرها إسماعيل باشا في إيضاح المكنون (1) ، ونقلها صاحب تسهيل السابلة عن كشف الظنون (2) ، ولم أقف عليها فيه! وقد نظم فيها الخلوتي مختصر: "أم البراهين"؛ وهي: ”مختصر مفيد محتوٍ على جميع عقائد التوحيد، وخُتم بكلمتي الشهادة“ (3) ، وتسمى أيضاً: "العقيدة الصغرى"، اختصرها مُصَنِّفُها: محمد بن يوسف بن عمر السنوسي (ت 895هـ) (4) من مصنَّف آخرٍ له اسمه: "العقيدة الكبرى"، وتسمى: "عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمات الجهل ورِبْقَة التقليد المرغمة أنف كل مبتدع عنيد". وغير بعيد عندي أن تكون "منظومة الحجة" من تصنيف شيخ الخلوتي: شهاب الدين الغُنَيْمي أيضاً؛ فقد نقل عنه المُحِبِّي في ترجمته: ”...أما مؤلفاتي...فمنها وهي أجلها حاشية على مقدمة الإمام: محمد السنوسي المسماة أم البراهين، في أصول الدين في نحو تسعين كراسة صغيرة، ولم تكمل...“ (5) .
عاشراً: منظومة لذَّة السمع بنظم رسالة الوضع
وهي في المنطق. نظم فيها الخلوتي ”رسالة الوضع“ المشهورة باسم: ”الرسالة العضدية“ للقاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (ت 756هـ) (6) . ذكرها في مصنفاته: ابن حُمَيْدٍ والأستاذ كحَّالة، وكذا أوردها إسماعيل باشا، غير أنه قال: ”...لمحمد ابن أحمد بن علي البهوتي الحنفي المتوفى سنة (1089) تسع وثمانين وألف. أولها: قال محمد هو ابن أحمد...إلخ“ (7) . فتصحَّف عنده: "الخلوتي" إلى: "الحنفي"، وكذا تصحفت عنده سنة الوفاة.
أحد عشر: هوامش على شرح الألفية للأُشْموني
__________
(1) إيضاح المكنون (1/393).
(2) تسهيل السابلة (3/1571).
(3) كشف الظنون (1/170).
(4) انظر: هدية العارفين (1/216)، الأعلام (7/154)، معجم المؤلفين (3/786).
(5) خلاصة الأثر (1/313).
(6) انظر: كشف الظنون (1/898)، الأعلام (3/295)، معجم المؤلفين (2/76).
(7) إيضاح المكنون (2/401).(1/26)
وهي في النحو. كتبها على هامش نُسْخَته من كتاب: ”منهج السالك إلى ألفية ابن مالك“ لعلي بن محمد بن عيسى الأُشْموني القاهري (ت 918هـ) (1) ، وقد انفرد بذكرها ابن حُميد فقال: ”...كتب هوامش جليلة على شرح الألفية للأُشموني جُرِّدت في مجلد، وينقل عنها محشُّو الأُشْموني؛ كالصبَّان وغيره“ (2) .
شِعْرُه
كان له رحمه الله شعرٌ لطيفٌ، وسأورد لك منه ما هو أرقُّ من النَّسيم وأصفى من ماء التَّسْنِيم، فمنه قوله:
كأنَّ الدَّهْرَ في خَفْضِ الأَعَالي ... وَرَفْعٍ?لِلأسافِلَةِ?اللِّئامِ
فَقِيهٌ عِنْدَهُ الأَخْبَارُ صَحَّت ... بِتَفْضِيل?السُّجُودِ?على?القِيَامِ
يشير?رحمه?الله?إلى?أنَّ?كثرة?السجود?أفضل?من?القيام?على?مذهب?الحنابلة (3) ?
ومنه?قوله?
??سَمِحَتْ?بَعْدَ?قَوْلِها?لِفُؤَادي ... ذُبْ أَسَىً يَا فُؤَادَهُ وَتَفَتَّتْ
وَنَجَا?القَلْبُ?مِنْ?حَبَائِلِ?هَجْرٍ ... نَصَبَتْها لِصَيْدِهِ ثُمَّ حَلَّتْ
وَفَاتُهُ
توفي رحمه الله بمصر بعد نصف ليلة الجمعة تاسع عشر ذي الحجة سنة ثمانٍ وثمانين وألفٍ من هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ثانياً: التعريف بالكتاب
عنوان الكتاب:
__________
(1) انظر: كشف الظنون (1/153)، الأعلام (5/10)، معجم المؤلفين (2/521).
(2) السحب الوابلة (2/698).
(3) قال المرداوي في الإنصاف (4/203): ”...الصحيح من المذهب أن كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام...“?(1/27)
اسم الكتاب هو: بغية الناسك في أحكام المناسك، وقد أثبت على النسختين المدنية والمصرية (1) ؛ اللتين اعتمدتهما في تحقيق الكتاب. وبهذا الاسم أثبته المحققان الفاضلان: الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (2) ، ومعالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي (3) ، غير أنهما أوردا معه - بصيغة التضعيف - اسم: ”غنية الناسك في أحكام المناسك“ احتمالاً. والذي يظهر لي أنهما تبعا في هذه التسمية فهرسَ الفقه الحنبلي لمركز البحث العلمي بجامعة أم القرى (4) . وقد وقفت على مصورة المخطوطة المحفوظة بهذا الاسم في جامعة أم القرى، فألفيتها صورة عن النسخة المدنية التي اعتمدتها في تحقيق الكتاب، والاسم المثبت عليها - كما تقدم - هو: بغية الناسك في أحكام المناسك، وإنما أخطأ المفهرسون في نقل الاسم.
ثم إن اسم: ”بغية الناسك“ هو الأليق بمقصد المصنف من كتابه؛ فإنه يفهم من هذا الاسم الاختصار دون البسط والإطالة التي تفهم من اسم: ”غنية الناسك“، وقد قال الخلوتي في مقدمة الكتاب: ”...قصدت جمع ذلك حين يسر الله المسير إلى حج بيته الحرام...سالكاً فيه سبيل الاختصار، راغباً في ثواب الملك الغفار“ (5) .
نسبة الكتاب إلى الخلوتي:
__________
(1) سيأتي وصف هاتين المخطوطتين (ص33).
(2) قال الشيخ بكر أبو زيد في المدخل المفصل (2/847): ”...وقيل: غنية الناسك...منه نسخة بدار الكتب المصرية، وفي مكتبة عارف حكمت بالمدينة، ومصورتها بجامعة أم القرى: (136)“.
(3) قال الدكتور عبد الله التركي في المذهب الحنبلي (2/528): ”...ويقال: غنية الناسك...توجد منه نسخة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة رقم (264)...“.
(4) فهرس الفقه الحنبلي لمركز البحث العلمي بجامعة أم القرى (ص67).
(5) جامع المناسك الثلاثة (ص150).(1/28)
لم يذكر أحدٌ ممن ترجم للخلوتي كتاب: بغية الناسك في أحكام المناسك في مصنفاته. ومع ذلك فلا ريب عندي في نسبة هذا الكتاب إليه، ويمكننا الوثوق من ذلك لأمرين:
الأول: أنَّ الخلوتي قد سمَّى نفسه في مقدمة الكتاب حين قال: ”... فيقول أفقر الورى إلى عفو ربه العلي محمد بن أحمد بن علي البهوتي الحنبلي: هذا ما اشتدت إليه رحال السالكين، وامتدت إليه أعناق الناسكين، من بيان فضل السفر وآدابه، وكيفية الترخص واستحبابه...“ (1) .
__________
(1) انظر: (ص41).(1/29)
الثاني: أن للخلوتي كتاباً في المناسك، مع أنه لم يذكر في ترجمته، وقد كان منسك الخلوتي هو أحد مناسك ثلاثة جمعها العلاَّمة ابن منقور في كتابه: جامع المناسك الحنبلية الثلاثة؛ حيث قال ابن منقور في خاتمة كتابه: ”...هذا آخر ما أردناه، وحاصل ما اختصرناه، وهو حاصل المناسك الثلاثة؛ منسك للشيخ منصور البُهُوتي (1) ، وابن أخته الشيخ محمد الخلوتي، والشيخ محمد بن بلبان الخزرجي (2) ، رحمهم الله تعالى، وفيه من غيرهنَّ زيادات...“ (3) . والحق أن ابن منقور قد ضمَّن أكثر كتاب بغية الناسك في أحكام المناسك في منسكه، حتى إن المقارن بين الكتابين ليحسبهما - في كثير من الأحيان - كتاباً واحداً.
__________
(1) سماه البهوتي في كتابه كشاف القناع (2/399): ”نصيحة الناسك ببيان أحكام المناسك“، وذكره ابن حُمَيد في السحب (3/1133) في جملة مصنفات البهوتي، فقال: ”له منسك مختصر“، وقال الدكتور بكر أبو زيد في المدخل (2/847): ”...في نحو ثلاثة كراريس“.
(2) شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين بن بَلْبان البلباني البعلي ثم الدمشقي الصالحي الخزرجي الحنبلي (1006-1083هـ) ولد بدمشق، وكان من كبار أصحاب الشهاب أحمد بن أبي الوفا الوفائي المقدم ذكره في الحديث والفقه، ثم زاد عليه في فقه المذاهب زيادة على فقه مذهبه، وكان يُقرئ في المذاهب الأربعة، وانتهت إليه رئاسة العلم بالصالحية بعد وفاة الشيخ علي القبردي. له من المصنفات: "أخصر المختصرات"، "كافي المبتدئ"، "بغية المستفيد في أحكام التجويد"، "مختصر الإفادات في ربع العبادات". ولم أقف على أحد ذكر في مصنفاته منسكاً، ولم يذكر المحبي شيئاً من مصنفاته، مع أنه من شيوخه، فعلق صاحب السحب عليه بقوله: ”لم يذكر مصنفاته لأنها لم تكن على قدره...“.
انظر: خلاصة الأثر (3/401)، النعت الأكمل (ص231)، السحب الوابلة (2/902)، مختصر طبقات الحنابلة (ص122).
(3) جامع المناسك الثلاثة الحنبلية (ص150).(1/30)
الباعث على تصنيف الكتاب وزمن تأليفه:
حدد الخلوتي في مقدمة الكتاب باعثه إلى تصنيفه وزمن تأليفه، فقال: ”...قصدت جمع ذلك حين يسر الله المسير إلى حج بيته الحرام، وزيارة قبر نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام (1) ؛ وذلك عام أربع وخمسين وألف من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية...“ (2) .
مصادر الكتاب:
تعددت مصادر هذا الكتاب وتنوعت، ويعد ذلك أحد أبرز مزايا الكتاب. وقد نقل الإمام الخلوتي في هذا الكتاب عن جماعة من أعيان علماء الحنابلة؛ فمنهم: أبو الوفاء ابن عقيل (3) ، وموفق الدين ابن قدامة (4) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية (5) ، والعلاَّمة ابن رجب (6) ، وغيرهم. كما نقل عن جملة صالحة من الكتب؛ فمنها:
1. ”حواشي منتهى الإرادات “، لأخصِّ شيوخه العلاَّمة الشيخ منصور بن يونس البهوتي، ونصَّ الخلوتي على ذلك في بعض مواطن من الكتاب؛ حيث يقول: ”...نقله شيخنا في حواشي المنتهى...“ (7) .
__________
(1) مراده: زيارة المسجد النبوي وزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - تبعاً، لا إفراد القبر بالزيارة؛ حيث قال في خاتمة كتابه (ص121): ”...يستحب لمن قضى مناسكه وأراد الرجوع إلى وطنه أن يقصد المدينة المنورة البهية، على مشرِّفها أفضل الصلاة وأزكى التحية؛ ليزور المسجد الشريف النبوي، والقبر الكريم المصطفوي...“.
(2) انظر: (ص41).
(3) انظر: (ص131).
(4) انظر: (ص107).
(5) انظر: (ص107 ، 132).
(6) انظر: (ص107).
(7) انظر: (ص99).(1/31)
2. ”منسك بدر الدين محمد بن محمد بن أبي بكر السعدي (1) “، وأثبت ذلك في عدة مواطن من كتابه (2) .
3. ”فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية “، حيث نقل في موطن واحد من الكتاب من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما هو مثبت بنصه وفصه في الفتاوى الكبرى (3) .
4. ”زاد المعاد في هدي خير العباد “، للإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية. وأثبت نقله عنه في موطن واحد من الكتاب (4) .
5. ”المناسك الكبرى “، لشمس الدين محمد بن أحمد الرملي المنوفي المصري الشافعي (5) ، وأثبت نقله عنها في موطن واحد من الكتاب (6) .
__________
(1) بدر الدين أبو المعالي قاضي القضاة محمد بن محمد بن أبي بكر السعدي المصري الحنبلي (836-900هـ). ولد بالقاهرة وسمع على الحافظ بن حجر العسقلاني وغيره من علماء الديار المصرية وغيرهم ممن ورد إلى القاهرة. وقرأ على شيخ حنابلة الشام مصحح المذهب علاء الدين المرداوي لما توجه إلى القاهرة كتابَه: "الإنصاف" وغيره، ولازمه فشهد بفضله وأذن له بالإفتاء والتدريس. ولازم قاضي القضاة عز الدين الكناني، ثم ناب عنه أكثر من خمس عشرة سنة، ثم استقل بقضاء الديار المصرية سنة (876هـ) بعد وفاة شيخه العز الكناني. له المصنفات: "الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد بن حنبل" . "مناسك الحج على الصحيح من المذهب"، قال تلميذه العليمي: ”هو في غاية الحُسن“، وقال ابن حُميْد: ”...منسكه مشهورٌ ليس بمطوَّل“.
(2) انظر: (ص80 ، 113 ، 121).
(3) انظر: (ص132).
(4) انظر: (ص99).
(5) شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملي المنوفي المصري الشافعي (919-1004هـ) نسبته إلى الرملة: من قرى المنوفية بمصر، فقيه الديار المصرية في عصره، وإليه انتهى إفتاء الشافعية، من تصانيفه: "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للنووي"، "الغرر البهية في شرح مناسك النووية".
انظر في ترجمته: هدية العارفين (6/261)، الأعلام (6/7)، معجم المؤلفين (3/61).
(6) انظر: (ص56).(1/32)
6. ”منسك بدر الدين الشهاوي الحنفي“، للعلاَّمة بدر الدين محمد الشهاوي الحنفي المصري (1) . وأثبت نقله عنه في موطن واحد من الكتاب (2) .
7. ”تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق “، للمحقق فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي (3) . وأثبت نقله عنه في موطن واحد من الكتاب (4) .
الذين استفادوا من الكتاب: ...
__________
(1) بدر الدين محمد الشهاوي الحنفي المصري. لم أعثر على ترجمته في طبقات الحنفية وتراجمهم، غير أني وقفت في كتب فقه الحنفية على عدة نقولٍ عنه وعن منسكه، فاجتمع لي منها اسمه على النحو الذي ذكرت. انظر بعض هذه النقولات في: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/597)، (5/384) لزين الدين ابن نُجَيْم (ت 970هـ)، غنية ذو الأحكام في بغية درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/160) للشيخ حسن بن عماد بن علي الوفائي (ت1069هـ)، حاشية رد المحتار (2/177)، (3/409) لابن عابدين (ت 1252هـ). ثم وقفت في كشاف القناع (4/284) على قول البهوتي في مسألة في الوقف: ”...أفتى به البدر محمد الشهاوي الحنفي، وتابعه الناصر الطبلاوي الشافعي، والشهاب أحمد البهوتي الحنبلي ولد عمِّ والدي“.
(2) انظر: (ص69).
(3) فخر الدين عثمان بن علي بن محجن الزيلعي الحنفي (؟-743هـ). فقيه نحوي فرضي، قدم القاهرة سنة (705هـ)، فأفتى فيها ودرَّس، وتوفي فيها في رمضان. من تصانيفه: "تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق للنسفي"، "شرح الجامع الكبير للشيباني"، "شرح المختار للموصلي".
انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/519)، هدية العارفين (5/655)، الأعلام (6/210)، معجم المؤلفين (2/365).
(4) انظر: (ص99).(1/33)
استفاد منه العلاَّمة المنقور في منسكه كما تقدم ؛ حيث قال ابن منقور في خاتمة منسكه: ”...هذا آخر ما أردناه، وحاصل ما اختصرناه، وهو حاصل المناسك الثلاثة؛ منسك للشيخ منصور البُهُوتي، وابن أخته الشيخ محمد الخلوتي، والشيخ محمد بن بلبان الخزرجي، رحمهم الله تعالى، وفيه من غيرهنَّ زيادات...“ (1) . والحق أن ابن منقور قد ضمَّن أكثر كتاب بغية الناسك في أحكام المناسك في منسكه، حتى إن المقارن بين الكتابين ليحسبهما - في كثير من الأحيان - كتاباً واحداً.
مزايا الكتاب:
اشتمل الكتاب - على وجازته - على ميزات عديدة ، كان من أهمها - في نظري القاصر - ميزتان:
الأولى: استيعابه رحلة الحج من حين عقد العزم عليه إلى وقت رجوع الحاج إلى أهله؛ فرصد المؤلف في الكتاب كل ما يحتاج إليه الحاج في مدرجته من الأحكام والآداب؛ فذكر على سبيل المثال جملة كبيرة مما يحتاج المسافر إليه من الأحكام؛ كالتيمم، والمسح على الخفين، وقصر الصلاة، وفطر الصائم المسافر، وغير ذلك. وجمع في كتابه إلى جوار ذلك ما ورد من الدعاء في كل ما يمر على الحاج من البقاع والأحوال.
الثانية: دقته البالغة؛ ويظهر ذلك جلياً في صياغة ألفاظه، وفي نقوله، وفي تحريراته، وانظر إن شئت مثالاً على ذلك تحريره لمسافة القصر، وتحديده المشاعر في عرفة، والمزدلفة، ووادي محسر، ومنى، والأبطح، وغيرها.
المؤاخذات على الكتاب:
يمكن أن نحصر المؤاخذات على هذا الكتاب في أمرين:
__________
(1) جامع المناسك الثلاثة الحنبلية (ص150).(1/34)
الأول: أن المؤلف عفا الله عنه لم يسلم مما وقع فيه كثيرٌ من الفقهاء المتأخرين عند الكتابة في المناسك من شطحات التصوف، سيما مغالاته في بعض ما أورده من الدعاء عند كلامه عن زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) ، وكذا قوله بسُنِّية زيارة المشاهد في مكة (2) وفي المدينة (3) . وتفسير ذلك عندي أن الرجل ابن بيئته وعصره كما قيل، ولقد عاش الخلوتي في عصر كان من أبرز سماته أمران: فشو التصوف، وغلبة التقليد.
فأما التصوف فيكفي للدلالة على أثره أن المؤلف قد اشتهر بالخلوتي؛ فغلب انتسابه إلى الطريقة الخلوتية على انتسابه إلى بلده أو عشيرته.
وأما التقليد فإن الفقهاء - والخلوتي من جملتهم - قد تتابعوا على نقل هذه الشطحات تقليداً، فلا تكاد تجد كتاباً في المناسك سلم من ذلك، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - وحسبك به إماماً - لم يسلم من ذلك في أول أمره؛ حيث قال: ”قد ذكر طائفة من المصنفين في المناسك استحباب زيارة مساجد مكة وما حولها، وقد كنت كتبتها في منسك قبل أن أحج في أول عمري لبعض الشيوخ، جمعته من كلام العلماء، ثم تبين لنا أن هذا كله من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشريعة، وأن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لم يفعلوا شيئاً من ذلك، وأن أئمة العلم والهدى ينهون عن ذلك، وأن المسجد الحرام هو المسجد الذي شرع لنا قصده للصلاة والدعاء والطواف وغير ذلك من العبادات، ولم يشرع لنا قصد مسجد بعينه بمكة سواه، ولا يصلح أن يُجعل هناك مسجد يزاحمه في شيء من الأحكام، وما يفعله الرجل في مسجد من تلك المساجد من دعاء و صلاة وغير ذلك، إذا فعله في المسجد الحرام كان خيراً له، بل سنَّة مشروعة، وأما قصد مسجد غيره هناك تحرياً لفضله فبدعة غير مشروعة...“ (4) .
__________
(1) انظر: (ص121).
(2) انظر: (ص83).
(3) انظر: (ص127).
(4) اقتضاء الصراط المستقيم (2/811).(1/35)
الثاني: أنَّ الكتاب - فيما يظهر لي - لم يبيض الخلوتي مُسَوَّدَته. ولقد كان إثبات ذلك متيسراً لو وقفنا على نسخة المؤلف (1) ، غير أنا استدللنا عليه بما وقع في الكتاب من السقط أو السهو، واتفقت فيه النسختان؛ فمن ذلك:
محرم - قوله: ”وإذا قدَّم رِجْلَهُ للركوب قال: بسم الله، وإذا استوى راكباً قال: الحمد لله {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ - وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [سورة الزخرف: الآيتان (13-14)] الحمد لله والله أكبر، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت“ (2) . حيث سقطت كلمة {سُبْحانَ} في أول الآية (3) .
صفر - قوله في شروط الطواف: ”وأن لا يمشي في شيءٍ من البيت؛ كالحِجْر والشَّاذَرْوان، لكن لا يضر محاذاة نحو يده للجدار“ (4) . فقد ورد في كلا النسختين: ”لكن يضر محاذاة نحو يده للجدار“! وهو خطأ واضح بيِّن.
__________
(1) قال الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله في كتابه ”تحقيق النصوص ونشرها“ (ص32): ”من اليسير أن يعرف المحقق مُسَوَّدَة المؤلف بما يشيع فيها من اضطراب الكتابة، واختلاط الأسطر، وترك البياض، والإلحاق بحواشي الكتاب، وأثر المحو والتغيير، إلى أمثال ذلك“.
(2) انظر: (ص49).
(3) ولقد أثبتُّ الآية هناك على وجهها ، ولم ألتفت إلى ما سقط من النسختين، ولقد قال أستاذ المحققين في هذا العصر؛ الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله في كتابه ”تحقيق النصوص ونشرها“ (ص48): ”...أما الشواهد من القرآن الكريم فلما لها من تقدير ديني لابد أن توضع في نصابها...وإنَّ التزمُّتَ في إبقاء النص القرآني المحرف في الصلب كما هو فيه مزلةٌ للأقدام، فإنَّ خطرَ القرآن الكريم يجلُّ عن أن نجاملَ فيه مخطئاً أو نحفظَ فيه حقَّ مؤلف“.
(4) انظر: (ص89).(1/36)
ربيع أول - قوله: ”الباب الثالث: في الإحرام ومحظوراته والفدية والهدي والأضاحي، وفيه خمسة فصول“ (1) . في حين لم يورد المؤلف في هذا الباب إلا أربعة فصول!
4. قوله: ”الباب الرابع: في دخول مكة وما يتعلق به، وفيه خمسة فصول“ (2) . في حين لم يورد المؤلف في هذا الباب إلا أربعة فصول! والعجيب أن ابن منقور قد تابع المؤلف هنا ولم يتنبه إلى خطئه (3) .
ثالثاً: التعريف بالنسخ المخطوطة وبمنهج التحقيق
وصف النسخ المخطوطة
النسخة المصرية: محفوظة في دار الكتب المصرية برقم (1067) فقه حنبلي. وتقع في ثلاث وثلاثين صفحة. ومسطرتها ستة وعشرون سطراً. كتبت بخط نسخ معتاد، بعد وفاة الخلوتي بقرنٍ تقريباً؛ حيث جاء في خاتمة النسخة ما نَصُّه: ”...على يد أحقر العبيد إلى عفو ربه العلي: إسماعيل بن رجب بن يوسف الحنبلي (4) ، وكان الفراغ منه أول يوم من رمضان سنة (198) بالجامع الأزهر...“ ، في القرن الحادي عشر. وليس في مصورتها ذكر ناسخها ولا تاريخ نسخها. غير أن في فاتحتها ما يشير إلى أنها نسخت عن نسخة كتبت في حياة الخلوتي بخطِّ أحد تلاميذه؛ حيث كتب ناسخها: ”كتاب: بغية الناسك في أحكام المناسك. جمع شيخنا وأستاذنا العالم العلاَّمة والعمدة الفهَّامة صاحب القدر العلي الشيخ: محمد بن أحمد ابن علي البهوتي الحنبلي، فسح الله في مدته، وأسكنه فسيح جنته آمين...“.
وقد اعتبرت في تحقيق الكتاب هذه النسخة: النسخة الأم؛ لقربها واتصال سندها بالمؤلف، ولقلة أخطائها.
__________
(1) انظر: (ص63).
(2) انظر: (ص77).
(3) جامع المناسك الثلاثة الحنبلية (ص65).
(4) لم أقف له على ترجمة.(1/37)
النسخة المدنية: محفوظة في مكتبة عارف حكمت برقم (264) فقه حنبلي، ومنها مصورة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية برقم (213- ف)، وأخرى في مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي في جامعة أم القرى، برقم (136)، غير أنها فُهرست بعنوان: ”غنية الناسك في أحكام المناسك“. والمخطوطة تقع في ثماني عشرة ورقة، ومسطرتها ثلاثة وعشرون سطراً. كتبت بخط نسخ معتاد في القرن الثاني عشر تقديراً. وليس في المخطوطة ذكر ناسخها ولا تاريخ نسخها. وهي نسخة واضحة مصححة، ومع ذلك فقد تصحفت على ناسخها كلمات يسيرة، وسقط منها كُلَيْمات في مواطن معدودة، بيَّنْتُها في موضعها.
منهج التحقيق
اجتهدت في تحقيق نص الكتاب، وبذلت غاية وسعي في إخراج النص مصححاً من أدنى شوائب التصحيف والتحريف، وتمثل مسلكي في ذلك في النقاط التالية:
محرم - مقابلة النص على مخطوطتيه المدنية والمصرية.
2. توثيق النص بالرجوع إلى كتاب: ”جامع المناسك الحنبلية الثلاثة“.
3. رسم الكتابة وفق القواعد الإملائية المعروفة .
4. الإشارة في الهامش إلى الفروق المؤثرة بين النسختين.
جمادى أول - إذا دعت الحاجة إلى إضافة كلمة أو جملة لا يستقيم النص إلا بها ، فإني أضيفها وأجعلها بين معكوفتين ، هكذا [ ] . أما إذا كانت حاجة النص لهذه الزيادة غير مقطوع بها ، أو كان المعنى يقوم دونها والحاجة إليها لتحسين الأسلوب أو لتقريب المعنى فلا أضيف للنص شيئاً وأكتفي بالإشارة إلى ذلك في الحاشية.
6. عزو كل ما أورده المؤلف من آيات الكتاب العزيز في صلب الكتاب؛ فأشرت إلى السورة ورقم الآية بين معكوفتين؛ مثل: [سورة البقرة: الآية (88)].(1/38)
7. الإشارة إلى بداية كل صفحة من صفحات المخطوطتين؛ فأشرت في صلب الكتاب إلى بداية كل صفحة من النسخة المدنية بالأرقام الهندية؛ نحو: [1]، [2]، [3]. وأشرت إلى بداية كل صفحة من النسخة المصرية بالأرقام العربية؛ نحو: [1]، [2]، [3]. وقد فضلت اعتماد ترقيم الصفحات على ترقيم اللوحات ؛ ذلك لأنه الذي ثبت على مصورة المخطوطتين ، الأمر الذي يسهل على قارئ الكتاب الرجوع إليها.
8. التعليق في الهامش بما يخدم في فهم النص ، ومن ذلك :
- تخريج الأحاديث والآثار من كتب الصحاح والجوامع والسنن والمسانيد، وبيان حكم أئمة الحديث عليها بالصحة أو الضعف.
- توثيق نقوله عن الكتب الفقهية وعن الأعلام.
- شرح ما ورد في الكتاب من الغريب.
- التعريف لما يلزم مما ورد من المصطلحات والأعلام والبقاع، ونحوها.
9. إعداد فهارس الكتاب التي تعين في الوقوف على محتواه، وتيسر الانتفاع الكامل به.
نماذج من صور المخطوطتين
اللوحة الأولى من النسخة المصرية
اللوحة الأخيرة من النسخة المصرية
اللوحة الأولى من النسخة المدنية
اللوحة الأخيرة من النسخة المدنية ...
كتاب
بُغْيَةُ النَّاسِكِ في أَحْكَامِ المَنَاسِكِ
تصنيف الإمام
محمد بن أحمد بن علي البُهُوتِيُّ الحنبليُّ
الشهير بالخَلْوَتِيّ
حمداً لمن نطق اللسان بذكره تسبيحاً وتهليلاً، وصلاة وسلاما على سيدنا محمد المنزل عليه {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}[سورة آل عمران: الآية (97)] وعلى آله الذين مهَّدوا قواعد الشرع وبيَّنوه تعريفاً وتأصيلاً، صلاة وسلاماً دائمين متلازمين بكرة وأصيلاً. وبعد.(1/39)
فيقول أفقر الورى إلى عفو ربه العلي محمد بن أحمد بن علي البهوتي الحنبلي: هذا ما اشتدت إليه رحال السالكين، وامتدت إليه أعناق الناسكين، من بيان فضل السفر وآدابه، وكيفية الترخص واستحبابه، و[شرف] (1) النُّسُك وطُلاَّبه، وذم الراغبين عن قصده وطِلابه، وبيان كيفية النُّسُك وأماكنه وأوقاته، وشروطه وأركانه وواجباته ومسنوناته.
قصدت جمع ذلك حين يسر الله المسير إلى حج بيته الحرام، وزيارة قبر نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام (2) ؛ وذلك عام أربع وخمسين وألف من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية.
__________
(1) في المدنية: ”شوق“. وما في المصرية يوافقه ما في جامع المناسك الحنبلية (ص2).
(2) مراده: زيارة المسجد النبوي وزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - تبعاً، لا إفراد القبر بالزيارة؛ حيث قال في خاتمة كتابه (ص121): ”...يستحب لمن قضى مناسكه وأراد الرجوع إلى وطنه أن يقصد المدينة المنورة البهية، على مشرِّفها أفضل الصلاة وأزكى التحية؛ ليزور المسجد الشريف النبوي، والقبر الكريم المصطفوي...“. وقد نقل ابن قاسم في حاشية الروض (4/190) عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوله: ”النية في السفر إلى مسجده وزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - مختلفة؛ فمن قصد السفر إلى مسجده للصلاة فيه فهذا مشروع بالنص والإجماع، وكذا إن قصد السفر إلى مسجده وقبره معاً، فهذا قصد مستحباً مشروعاً بالإجماع. وإن لم يقصد إلا القبر ولم يقصد المسجد، فهذا مورد النزاع؛ فمالك والأكثرون يحرِّمون هذا السفر، وكثيرٌ من الذين يحرمونه لا يجوَّزون قصر الصلاة فيه، وآخرون يجعلونه سفراً جائزاً، وإن كان السفر غير جائز ولا مستحب ولا واجب بالنذر...“.(1/40)
[سالكاً] (1) فيه سبيل الاختصار، راغباً في ثواب الملك الغفار. ورتبت ما قصدت جمعه على مقدمة وخمسة أبواب، وخاتمة بها يتم الكتاب. وسميته: بغية الناسك في أحكام المناسك. وعلى الله قصد السبيل، وهو حسبي ونعم الوكيل. [2]
مقدمة
في بيان فضل السفر وآدابه، وكيفية الترخص واستحبابه،
وشرف النُّسُك وطُلاَّبه، وذمِّ الراغبين عن قصده وطِلابه
[2] فأقول وبالله التوفيق: اعلم أن السفر إنما سُمي بذلك لكونه يُسفِر عن أخلاق الرجال. ويترتب عليه فوائد؛ منها [اختبار الرفقة] (2) ، ومنها رؤية البلاد النائية، ومنها اكتساب الفضائل، إلى غير ذلك من الفوائد المذكورة في مجالها.
وأما آدابه فينبغي لمن أراد السفر أن يبدأ بالتوبة من كل المعاصي، وإخلاص النية لله في الطاعات، وأن يجتهد في ذلك وفي قضاء ما عليه من الديون، وردِّ الودائع، والاستحلال ممن بينه وبينه معاملة أو مشاحنة، وأن يكتب وصيته ويُشهِد عليها، وأن يترك لأهله مؤنهم مدَّة ذهابه وإيابه إن كان له أهلٌ، وأن يحرص على أن تكون نفقته [سالمة] (3) من الشبهة.
__________
(1) تصَحَّفَت في المدنية إلى: ”ساكناً“.
(2) في المدنية: ”اختيار الرفعة“. وما في المصرية يوافقه ما في جامع المناسك الحنبلية (ص2).
(3) تصَحَّفَت في المدنية إلى: ”ساملة“.(1/41)
وأن يُكثِر من الزاد والنفقة إن كان قادراً؛ ليواسي بها المحتاجين، وأن لا يشارك في الزاد والراحلة لئلا يمتنع من المواساة فيهما، ويتحرى الحلَّ ما أمكنه؛ ”فإن الله طيَّبٌ لا يقبل إلا طيباً“ (1) ، وإلى ذلك يُشير قول بعضهم:
إذا حَجَجْتَ بمالٍ أصلُه سُحُتٌ ... فما?حَجَجْتَ?ولكن?حجَّت?العيرُ
وأن يصحب عارفاً بالمناسك وغيرها؛ ليرشده إلى [طرق العبادة] (2) ، أو كتاباً فيه ذلك، ويُديم مطالعته إن كان أهلاً.
__________
(1) روى مسلم في صحيحه (1015) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [سورة المؤمنون: الآية (51)] ، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [سورة البقرة: الآية (172)] ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب. ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك!).
(2) سقطت من المدنية?(1/42)
وأن?يكون?سفره?يوم?إثنين?أو?خميس،?لكن?الأول?أولى؛?لأنه?يوم?تنقلاته? - صلى الله عليه وسلم - ? (1)
__________
(1) روى ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/170) من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسافر يوم الإثنين ويوم الخميس). ولم أقف على الدليل على تفضيل يوم الإثنين على الخميس في الخروج للسفر، اللهم إلا ما روى أحمد في المسند (2506)، وفي العلل ومعرفة الرجال (2/222)، (3/289)، وابن سعد في الطبقات (1/101،193)، والطبراني في الكبير (12984)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الإثنين، واستنبىء يوم الإثنين، وتوفى يوم الإثنين، وخرج مهاجراً من مكة إلى المدينة يوم الإثنين، وقدم المدينة يوم الإثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الإثنين).
وقد ثبت أن خروجه - صلى الله عليه وسلم - من مكة مهاجراً كان يوم الإثنين، قال الحافظ في الفتح (7/278): ”قال?الحاكم???تواترت?الأخبار?أن?خروجه? - صلى الله عليه وسلم - ?كان?يوم?الإثنين،?ودخوله?المدينة?كان?يوم?الإثنين،?إلا?أن?محمد?بن?موسى?الخوارزمي?قال??إنه?خرج?من?مكة?يوم?الخميس?،?قلت??يجمع?بينهما?بأن?خروجه?من?مكة?كان?يوم?الخميس،?وخروجه?من?الغار?كان?ليلة?الإثنين؛?لأنه?أقام?فيه?ثلاث?ليال؛?فهي?ليلة?الجمعة?وليلة?السبت?وليلة?الأحد?وخرج?في?أثناء?ليلة?الإثنين“.
وكذا ورد أن خروجه - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته كان في يوم الإثنين كما في غزوة المريسيع [طبقات ابن سعد في (2/63)]، وفي يوم الخندق [طبقات ابن سعد في (2/63)]، وفي يوم الحديبية [طبقات ابن سعد في (2/95)، فتح الباري (7/504)] .
إلا أن الأولى في مسألة يوم الخروج هنا: هو اختيار الخروج يوم الخميس؛ لما روى البخاري في صحيحه (2949)، من حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: (لقلَّما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس)، وروى البخاري أيضاً (2950) من حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس)?(1/43)
??وأن?يصلي?في?بيته?ركعتين?عند?خروجه،?ثم?يدعو?بما?أحب؛?ومنه??”أستودع?الله?نفسي?ومالي?وأهلي??وأمانتي? (1) ?وخواتيم?عملي“ (2) ??
”اللهم?إنك?تعلم?أني?لم?أخرج?أشَراً (3) ?ولا?بطراً?ولا?رياءاً?ولا?سمعة،?ولكن?خرجت?ابتغاء?مرضاتك“ (4) ??
__________
(1) تصَحَّفَت في المدنية إلى: ”وأمانة“??
(2) لم أقف عليه على هذا النحو. وسيأتي (ص48) حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يقول للرجل إذا أراد سفراً: (ادن مني أودعك كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يودعنا فيقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك).
(3) أشِر أشَراً وزان: فَرِحَ فرحاً. والأشَر: شدة البطر. وفي التنزيل: {?بَلْ?هُوَ?كَذَّابٌ?أَشِرٌ}??سورة?القمر??الآية?????? قال الراغب: ”الأشر?أبلغ?من?البطر،?والبطر?أبلغ?من?الفرح ... “?
انظر: (أشر) مفردات ألفاظ القرآن (ص77)، النهاية (1/51)، المعجم الوسيط (ص19)??
(4) روى الإمام أحمد في مسنده (11173)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/29)، وابن الجعد (2031)، وابن ماجه في سننه (778)، كلهم من طريق فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةً، وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، فأسالك أن تعيذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. أقبل الله عليه بوجهه، واستغفر له سبعون ألف ملك)??قال?المنذري?في?الترغيب?والترهيب??????????”رواه?ابن?ماجه?بإسناد?فيه?مقال“??وقال?البوصيري?في?زوائد?ابن?ماجه??ص??????”هذا?إسناد?مسلسل?بالضعفاء،?وعطية?وهو?العوفي?وفضيل?بن?مرزوق?والفضل?بن?الموفق?كلهم?ضعفاء ... “?(1/44)
”اللهم?إني?أعوذ?بك?أن?أضِلَّ?أو?أُضَلَّ،?أو?أزِلَّ?أو?أُزَلَّ،?أو?أجهل?أو?يُجهل?عليَّ“ (1) ??
”اللهم?اجعل?في?قلبي?نوراً،?وفي?سمعي?نوراً،?وفي?بصري?نوراً،?????وأمامي?نوراً،?وخلفي?نوراً،?واجعلني?نوراً“ (2) ??
__________
(1) روى الإمام أحمد في مسنده (27151، 27240، 27265)، وأبو داود في سننه (5094) واللفظ له، والنسائي في سننه (5486، 5539)، كلهم من طريق الشعبي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: (اللهم إني أعوذ بك أن أَضِلَّ أو أُضَلَّ، أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ، أو أَظلِمَ أو أُظلَمَ، أو أجهل أو يُجْهَل علي). قال الحاكم في المستدرك (1/519): ”هذا?حديث?صحيح?على?شرط?الشيخين،?ولم?يخرجاه??وربما?توهم?متوهم?أن?الشعبي?لم?يسمع?من?أم?سلمة،?وليس?كذلك؛?فإنه?دخل?على?عائشة?وأم?سلمة?جميعاً،?ثم?أكثر?الرواية?عنهما?جميعاً“??
(2) متفق عليه من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - ؛ رواه البخاري (6316)، ومسلم (763) واللفظ له??كلاهما?من?طريق?سلمة?بن?كهيل?عن?كُرَيْب?أن?ابن?عباس? - رضي الله عنه - ?بات?ليلة?عند?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ?قال???فقام?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ?إلى?القربة،?فسكب?منها،?فتوضأ?ولم?يكثر?من?الماء?ولم?يقصر?في?الوضوء?،?وساق?الحديث??وفيه???قال??ودعا?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ?ليلتئذ?تسع?عشرة?كلمة،?قال?سلمة??حدثنيها?كريب?فحفظت?منها?ثنتي?عشرة?ونسيت?ما?بقي،?قال?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ??اللهم?اجعل?لي?في?قلبي?نوراً،?وفي?لساني?نوراً،?وفي?سمعي?نوراً،?وفي?بصري?نوراً،?ومن?فوقي?نوراً،?ومن?تحتي?نوراً،?وعن?يميني?نوراً،?وعن?شمالي?نوراً،?ومن?بين?يدي?نوراً،?ومن?خلفي?نوراً،?واجعل?في?نفسي?نوراً،?وأعظم?لي?نوراً???وللحديث?ألفاظ?أخرى،?أنظرها?في?صحيح?مسلم?????????????(1/45)
”ربِّ?اغفر?وارحم،?واهدني?السبيل?الأقوم،?وتجاوز?عما?تعلم،?برحمتك?يا?أرحم?الراحمين“ (1) ??
”بسم?الله?وبالله،?آمنت?بالله،?اعتصمت?بالله،?توكلت?على?الله،?لا?حول?ولا?قوَّة?إلا?بالله“ (2) ??
__________
(1) روى الإمام أحمد في مسنده (27126، 27220)، وعبد بن حميد (1539)، وأبو يعلى (6893)، من حديث الحسن عن أم سلمة رضي الله عنها أن?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ?كان?يقول???رب?أغفر?لي?وارحمني?واهدني?السبيل?الأقوم)??قال?الهيثمي?في?مجمع?الزوائد???????????”رواه?أحمد?وأبو?يعلى?بإسنادين?حسنين“?
(2) روى الإمام أحمد في مسنده (471) من طريق رجلٍ عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال??قال?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ???ما?من?مسلم?يخرج?من?بيته?يريد?سفراً?أو?غيره?فقال?حين?يخرج??بسم?الله?آمنت?بالله?اعتصمت?بالله?توكلت?على?الله?لا?حول?ولا?قوة?إلا?بالله??إلا?رزق?خير?ذلك?المخرج،?وصرف?عنه?شرّ?ذلك?المخرج)??قال?الحافظ?المنذري?في?الترغيب?والترهيب?????????”رواه?أحمد?عن?رجل?لم?يسمه،?وبقية?رواته?ثقات“،?وكذا?قال?الهيثمي?في?مجمع?الزوائد???????????
وللحديث?شواهد?من?حديث?أبي?هريرة?وأنس?بن?مالك? - رضي الله عنهم - ?؛?إذ?روى?أبو?داود???????،?والترمذي???????،?من?حديث?أنس?بن?مالك? - رضي الله عنه - ?أن?النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?قال???إذا?خرج?الرجل?من?بيته?فقال??بسم?الله،?توكلت?على?الله،?لا?حول?ولا?قوة?إلا?بالله??قال??يقال?حينئذ??هديت?وكفيت?ووقيت??فتتنحى?له?الشياطين??فيقول?له?شيطان?آخر??كيف?لك?برجل?قد?هدي?وكفي?ووقي????قال?الترمذي??”حديث?حسن?صحيح?غريب“??
وروى?ابن?ماجه???????،?والحاكم????????،?نحوه?من?حديث?أبي?هريرة? - رضي الله عنه - ?،?وقال?الحاكم??”حديث?صحيح?على?شرط?مسلم،?ولم?يخرجاه“،?وقال?البوصيري??ص??????”إسناد?حديث?أبي?هريرة? - رضي الله عنه - ?ضعيف؛?لضعف?هارون?بن?هارون?بن?عبد?الله“?(1/46)
”اللهم?إني?أسألك?خير?هذا?المخرج?وخير?ما?فيه،?وأعوذ?بك?من?شرِّه??3??وشرِّ?ما?فيه“ (1) ??
”خرجت?بحول?الله?وقوته،?وبرئت?إليه?من?حولي?وقوتي“??
”اللهم?اكفني?ما?أهمني،?وما?أنت?أعلم?به?مني??اللهم?زوِّدني?التقوى،?واغفر?لي?ذنبي،?ووجهني?للخير?حيثما?توجهت“ (2) ??
__________
(1) روى أبو داود في سننه (5096)، والطبراني في الكبير (3452)، ومسند الشاميين (1674)، كلاهما من حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال??قال?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ???إذا?ولج?الرجل?في?بيته?فليقل??اللهم?إني?أسألك?خير?المولج?وخير?المخرج،?بسم?الله?ولجنا?وبسم?الله?خرجنا?وعلى?الله?ربنا?توكلنا??ثم?ليسلم?على?أهله)? وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (8/4): ”في إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه، وفيهما مقال“.
(2) روى أبو يعلى في مسنده (2770)، والبيهقي في سننه (5/250)، من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال???لم?يرد?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ?سفراً?قطّ?إلا?قال?حين?ينهض?من?جلوسه??اللهم?بك?انتشرت،?وإليك?توجهت،?وبك?اعتصمت،?اللهم?أنت?ثقتي?وأنت?رجائي،?اللهم?اكفني?ما?أهمني?وما?لا?أهتم?به?وما?أنت?أعلم?به?مني،?وزودني?التقوى،?واغفر?لي?ذنبي،?ووجهني?للخير?حيث?ما?توجهت??قال??ثم?يخرج?? وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/133): ”فيه?عمر?بن?مساور،?وهو?ضعيف“.(1/47)
”اللهم?أنت?الصاحب?في?السفر،?والخليفة?في?الأهل،?اللهم?أني?أعوذ?بك?من?وعثاء?السفر،?وكآبة?المنقلب،?وسوء?المنظر?في?الأهل?والمال?والولد??اللهم?اطوِ?لنا?البعيد،?وهوِّن?علينا?العسير“ (1)
__________
(1) روى الإمام أحمد في المسند (9597)، واللفظ له، وأبو داود (2598)، والترمذي (3438)، والنسائي (5501)، كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ?أنه كان إذا سافر قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال. اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم اطوِ لنا الأرض وَهوِّن علينا السفر). قال الترمذي: ”هذا حديث حسن غريب من حديث أبي هريرة? - رضي الله عنه - “.
وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/408): ”قد أخرجه مسلم في صحيحه أتم منه من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - ?وأخرج?من?حديث?عبد?الله?بن?جرجس?طرفاً?منه“. قلت: قد روى مسلم في صحيحه (1342) من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - : (أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ?كان إذا استوى على بعيره - خارجاً إلى سفر - كبر ثلاثاً ثم قال: {سُبْحانَ?الَّذِي?سَخَّرَ?لَنَا?هَذَا?وَمَا?كُنَّا?لَهُ?مُقْرِنِينَ? - ?وَإِنَّا?إِلَى?رَبِّنَا?لَمُنقَلِبُونَ}??سورة?الزخرف??الآيتان??????????اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنَّا بعده. اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل. وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون?? وروى مسلم أيضاً في صحيحه (1343) من حديث عبد الله بن جرجس - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحَوْر بعد الكَوْن، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال).(1/48)
?
ويودِّع?أهله?وأصحابه،?ويتزوَّد?دعاءهم؛?للحديث?المرفوع؛?فيقولون?له??”نستودع?الله?دينك?وأمانتك?وخواتيم?عملك“ (1) ??ويقول?هو?لهم?ذلك?أيضاً،?ويزيدون?عليه??”زوَّدك?الله?التقوى،?وغفر?ذنبك،?ويسَّر?لك?الخير?حيثما?كنت،?ووجهك?له،?وكفاك?الهمَّ،?وجعلك?في?حفظه?وكنفه“ (2)
__________
(1) روى الإمام أحمد في مسنده (4524، 4781، 4957، 6199)، وأبو داود في سننه (2600)، والترمذي (3443)، واللفظ له، وابن ماجه (2826): (أن ابن عمر - رضي الله عنه - كان يقول للرجل إذا أراد سفراً: ادن مني أودعك كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يودعنا فيقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)، قال الترمذي: ”هذا حديث حسن صحيح“، وقال الحاكم في المستدرك (1/442)، (2/97): ”هذا?حديث?صحيح?على?شرط?الشيخين،?ولم?يخرجاه“?
وروى?الإمام?أحمد?أيضاً?في?مسنده??????،???????من?حديث?أبي?هريرة? - رضي الله عنه - ???أن?النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?كان?إذا?ودَّع?أحداً?قال??أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)?
وروى أبو داود في سننه (2061) والحاكم في مستدركه (2/97) كلاهما من?حديث?عبد?الله?الخطمي? - رضي الله عنه - ?قال???كان?النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?إذا?أراد?أن?يستودع?الجيش?قال??أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم)?
(2) روى الترمذي (3444) من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ?فقال: يا رسول الله إني أريد سفراً فزودني. قال: زودك الله التقوى. قال: زدني. قال: وغفر ذنبك. قال: زدني بأبي أنت وأمي. قال: ويسر لك الخير حيثما كنت)، وقد رواه الدارمي في سننه (2671)، ولفظه: (في حفظ الله وفي كنفه. زودك الله التقوى. وغفر لك ذنبك. ووجهك للخير أينما توخيت أو أينما توجهت). قال الترمذي: ”هذا حديث حسن غريب“??
كما?روى?الطبراني?في?الأوسط???????،?والكبير????????،?من?حديث?ابن?عمر? - رضي الله عنه - قال???جاء?غلام?إلى?النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?فقال??إني?أريد?هذه?الناحية?الحج??قال??فمشى?معه?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ?،?وقال??يا?غلام?زوَّدك?الله?التقوى،?ووجهك?في?الخير،?وكفاك?الهمَّ??فلما?رجع?الغلام?سلَّم?على?النبي? - صلى الله عليه وسلم - ???فرفع?رأسه?إليه،?وقال??يا?غلام?قبل?حجك?وكفر?ذنبك?وأخلف?نفقتك??(1/49)
??
وإذا?قدَّم?رِجْلَهُ?للركوب?قال??”بسم?الله،?وإذا?استوى?راكباً?قال???الحمد?لله???????{سُبْحانَ?الَّذِي?سَخَّرَ?لَنَا?هَذَا?وَمَا?كُنَّا?لَهُ?مُقْرِنِينَ? - ?وَإِنَّا?إِلَى?رَبِّنَا?لَمُنقَلِبُونَ}?سورة?الزخرف??الآيتان??????????الحمد?لله?والله?أكبر،?سبحانك?إني?ظلمت?نفسي?فاغفر?لي؛?فإنه?لا?يغفر?الذنوب?إلا?أنت“ (1) ?
__________
(1) روى الإمام أحمد في المسند (753، 930، 1056)، وأبو داود (2602)، والترمذي (3446)، والنسائي (5501)، كلهم عن عليٍّ - رضي الله عنه - : (أنه أتي بدابة ليركبها. فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله ثلاثاً. فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: {سُبْحانَ?الَّذِي?سَخَّرَ?لَنَا?هَذَا?وَمَا?كُنَّا?لَهُ?مُقْرِنِينَ? - ?وَإِنَّا?إِلَى?رَبِّنَا?لَمُنقَلِبُونَ}??سورة?الزخرف??الآيتان????????? ثم قال: الحمد لله ثلاثاً، والله أكبر ثلاثاً، سبحانك إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم ضحك. فقيل: يا أمير المؤمنين: من أي شيء ضحكت؟ قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنعت ثم ضحك، فقلت: من أي شيء ضحكت يا رسول الله؟ قال: إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب غيرك). قال الترمذي: ”وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال: هذا حديث حسن صحيح“??وقال الحاكم (2/99): ”هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه“. قلت??قد?تقدم?حديث?ابن?عمر?قبل?قليل?(1/50)
وإذا?أشرف?على?منزلٍ?قال??”اللهم?ربَّ?السموات?وما?أظللن،?وربَّ?الأرضين?السبع?وما?أقللن،?وربَّ?الشياطين?وما?أضللن،?وربَّ?الرياح?وما?ذَرَيْن،?وربَّ?البحار?وما?جَرَيْن،?أسألك?خير?هذا?المنزل?وخير?أهله?وخير?ما?فيه،?وأعوذ?بك?من?شرِّه?وشرِّ?أهله?وشرِّ?ما?فيه“ (1) ??
فإذا نزل اشتغل بالتسبيح والذكر حال حطِّه الرِّحال (2) . فإذا [استقل] (3) على الأرض قال: ”أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق“ (4) ؛
__________
(1) روى ابن خزيمة في صحيحه (2565)، وابن حبان في صحيحه (2709)، والنسائي في السنن الكبرى (8826-8827، 10377-10378)، والحاكم في المستدرك (1/446)، (2/100)، والطبراني في الكبير (7299). كلهم من حديث صهيب - رضي الله عنه - : (أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها). قال الحاكم: ”هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه“.
(2) روى عبد الرزاق (9263)، والبخاري في التاريخ الكبير (3/49)، والطبراني في الأوسط ??????،?كلهم?من?حديث?أنس?بن?مالك? - رضي الله عنه - ?قال???كنا?إذا?نزلنا?منزلا?سَبَّحْنا?حتى?تُحَلَّ?الرحال???والحديث?في?سنن?أبي?داود???????،?غير?أن?لفظه??? ... لا?نسبح?حتى?نحل?الرحال??
(3) في المدنية: ”اشتغل“??وفي?جامع?المناسك?الحنبلية??ص????”استقر“،?ومعناها?مقارب?لما?أثبته?
(4) روى مسلم في صحيحه (2708) من حديث خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها قالت: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك).
وكذا روى في الصحيح (2709) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة. قال: أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك).(1/51)
فإنه [4] لا يضرُّه شيءٌ حتى يرتحل.
وينبغي?أن?يختار?عدم?النزول?في??الطرق? (1) ?وبطن?الوادي??ثم?إن?كان?نزوله?نهاراً?فلا?بأس?له?أن?ينام?نومةً?مُعِينةً?له?على?دفع?الوسن?وعلى?سير?الليل،?خصوصاً?نومة?وسط?النهار؛?فإنه?سنَّةٌ?مطلقاً??4??
وإذا?نزل?ليلاً?قال??”يا?أرضُ?ربي?وربك?الله،?أعوذ?بالله?من?شرِّك?وشرِّ?ما?خُلق?فيك?وشرِّ?ما?دبَّ?عليك??أعوذ?بالله?من?شرِّ?كل?أسدٍ?وأسْود،?ومن?الحيَّة?والعقرب،?وساكن?البلد،?ووالدٍ?وما?ولد“ (2) ?
__________
(1) تصَحَّفَت في المدنية إلى: ”الطرف“??وما?في?المصرية?يوافقه?ما?في?جامع?المناسك?الحنبلية??ص????
(2) رواه أحمد في مسنده (6161)، وأبو داود في السنن (2603)، كلاهما من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر، فأقبل الليل، قال: يا أرض ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرِّك، وشرِّ ما فيك، وشرِّ ما خلق فيك، ومن شرِّ ما يدب عليك. وأعوذ بالله من أسدٍ وأسودٍ، ومن الحيَّة والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد)??وقد?رواه?ابن?خزيمة?في?صحيحه???????،?وقال?الحاكم????????،??????????”حديث?صحيح?الإسناد?ولم?يخرجاه“،?ووافقه?الذهبي?(1/52)
فإذا?أصبح?قال??”أصبحنا?وأصبح?الملك?لله?الذي?لا?إله?إلا?هو،?وحده?لا?شريك?له،??له? (1) ?الملك?وله?الحمد?وهو?على?كلِّ?شيءٍ?قدير??ربِّ?أسألك?خير?هذا?اليوم?وخير?ما?فيه?وخير?ما?بعده“??وإذا?أمسى?قال??”أمسينا?وأمسى?الملك?لله“،?إلخ??”أعوذ?بك?من?شرِّ?هذا?الليل“،?إلخ (2) ??
__________
(1) سقطت من المدنية.
(2) روى مسلم في صحيحه (2723) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال: أراه قال فيهن: له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ربِّ أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شرِّ ما في هذه الليلة، وشرِّ ما بعدها. ربِّ أعوذ بك من الكسل، وسوء الكبر. ربِّ أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر وإذا أصبح قال ذلك أيضا: أصبحنا وأصبح الملك لله)?(1/53)
وكلما خاف وحشةً قال: ”سبحان الملك القدوس ربِّ الملائكة والروح“ (1) . وكلما وجد كرباً قال: ”لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العليُّ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم“ (2) .
__________
(1) روى الطبراني في الكبير (1171) والعقيلي في الضعفاء (2/46) من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: (أن رجلاً اشتكى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحشة. فقال: قل: سبحان الملك القدوس، ربِّ الملائكة والروح، جللت السماوات والأرض بالعزة والجبروت. فقالها الرجل، فأذهب الله عز وجل عنه الوحشة). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/131): ”رواه?الطبراني،?وفيه?محمد?بن?أبان?الجعفي?وهو?ضعيف“?
(2) روى البخاري (7431)، ومسلم (2730)، من حديث أبي العالية عن ابن عباس - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم)،?وروى?البخاري???????????،?????،?ومسلم???????،?هذا?الحديث?من?الطريق?ذاتها?بألفاظ?مقاربة??
وقد?روي?الخبر?عند?الإمام?أحمد?في?المسند??????،?واللفظ?له،?وابن?حبان?في?صحيحه??????،?والنسائي?في?السنن?الكبرى???????،??????،?????????????،???????،?والحاكم?في?المستدرك????????،?كلهم?من?حديث?علي?بن?أبي?طالب? - رضي الله عنه - ?أنه?قال???علمني?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ?إذا?نزل?بي?كرب?أن?أقول??لا?إله?إلا?الله?الحليم?الكريم،?سبحان?الله?وتبارك?الله?رب?العرش?العظيم،?والحمد?لله?رب?العالمين???قال?الحاكم??”حديث?صحيح?على?شرط?مسلم،?ولم?يخرجاه؛?لاختلاف?فيه?على?الناقلين“??(1/54)
وكلما علا نشزاً من جبلٍ أو رابيةٍ كبَّر. وكلما هبط وادياً سبَّح (1) .
”وإذا??استعصت?عليه?الدابة?? (2) ?قرأ?في?أذنها????{أَفَغَيْرَ?دِينِ?اللّهِ?يَبْغُونَ}??سورة?آل?عمران??الآية??????،?الآية?والآية?بعدها (3) “ (4)
__________
(1) روى الإمام أحمد (14622)، واللفظ له، والبخاري (1993-2994)، كلاهما من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (كنا نسافر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا صعدنا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا)?
(2) في المدنية: ”استعصب?الدابة“،?وفي?جامع?المناسك?الحنبلية??ص?????”استصعب?عليه?دابة“?
(3) قال الله تعالى:?{أَفَغَيْرَ?دِينِ?اللّهِ?يَبْغُونَ?وَلَهُ?أَسْلَمَ?مَن?فِي?السَّمَاوَاتِ?وَالأَرْضِ?طَوْعًا?وَكَرْهًا?وَإِلَيْهِ?يُرْجَعُونَ? - ?قُلْ?آمَنَّا?بِاللّهِ?وَمَا?أُنزِلَ?عَلَيْنَا?وَمَا?أُنزِلَ?عَلَى?إِبْرَاهِيمَ?وَإِسْمَاعِيلَ?وَإِسْحَقَ?وَيَعْقُوبَ?وَالأَسْبَاطِ?وَمَا?أُوتِيَ?مُوسَى?وَعِيسَى?وَالنَّبِيُّونَ?مِن?رَّبِّهِمْ?لاَ?نُفَرِّقُ?بَيْنَ?أَحَدٍ?مِّنْهُمْ?وَنَحْنُ?لَهُ?مُسْلِمُونَ}??سورة?آل?عمران??الآيتان??????????
(4) روى الطبراني في الأوسط (64) من حديث محمد بن عبد الله بن عقيل عن أبي خلف عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرءوا في أذنيه : {أَفَغَيْرَ?دِينِ?اللّهِ?يَبْغُونَ}). قال الطبراني: ”لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد“، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/29): ”فيه محمد بن عبد الله بن عقيل بن عمير، وهو متروك“..وقد عزاه النووي في الأذكار (ص324) والسيوطي في الدر المنثور (2/86) إلى ابن السني في عمل اليوم والليلة من حديث التابعي الجليل يونس بن عبيد بن دينار البصري مقطوعاً قال: ”ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقرأ في أذنها : {أَفَغَيْرَ?دِينِ?اللّهِ?يَبْغُونَ?وَلَهُ?أَسْلَمَ?مَن?فِي?السَّمَاوَاتِ?وَالأَرْضِ?طَوْعًا?وَكَرْهًا?وَإِلَيْهِ?يُرْجَعُونَ}إلا ذلَّت بإذن الله“. ونقل ابن علاَّن في الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (5/152) عن الحافظ ابن حجر قوله: ”هو خبر مقطوع، وراويه عنه: المنهال - يعني: ابن عيسى - قال أبو حاتم: هو مجهول. قال الحافظ: وقد وجدته عن أعلى من يونس؛ أخرجه البيهقي في التفسير بسنده من طريق الحكم عن مجاهد عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: إذا استصعبت دابة أحدكم أو كانت شموصاً فليقرأ في أذنها: {أَفَغَيْرَ?دِينِ?اللّهِ?يَبْغُونَ?وَلَهُ?أَسْلَمَ?مَن?فِي?السَّمَاوَاتِ?وَالأَرْضِ?طَوْعًا?وَكَرْهًا?وَإِلَيْهِ?يُرْجَعُونَ}.(1/55)
??وإن?ندَّت?منه?قال??”يا?عباد?الله?احبسوا“ (1) ?
__________
(1) روى أبو يعلى في مسنده (5269)، والطبراني في الكبير (10518)، كلاهما من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ?أنه قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا، يا عباد الله احبسوا؛ فإن لله حاضراً في الأرض سيحبسه)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/135):?”فيه?معروف?بن?حسان،?وهو?ضعيف“.(1/56)
وإذا?نام?تحصن?بما?ورد؛?ومنه??قراءة?آية?الكرسي (1) ،?وآخر?البقرة (2) ،?و??{شَهِدَ?اللّهُ?أَنَّهُ?لاَ?إِلَهَ?إِلاَّ?هُوَ?وَالْمَلاَئِكَةُ?وَأُوْلُواْ?الْعِلْمِ?قَآئِمَاً?بِالْقِسْطِ?لاَ?إِلَهَ?إِلاَّ?هُوَ?الْعَزِيزُ?الْحَكِيمُ}??سورة?آل?عمران??الآية?????? (3) ،
__________
(1) مما ورد فيه ما رواه البخاري (2311، 3275، 5010) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقص الحديث - فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي؛ لن يزال معك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : صدقك وهو كذوب؛ ذاك شيطان).
(2) مما ورد فيه ما رواه البخاري (4008)، ومسلم (808) من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ثم من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)?
(3) روى الطبراني في الكبير (10/199)، والعقيلي في الضعفاء (3/325)، وأبو نعيم في الحلية (6/187)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/193)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/464)، كلهم من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله عز وجل: عبدي عهد إلي، وأنا أحق من وفي بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة)??قال العقيلي: ”عمار بن عمر بن المختار عن أبيه، ولا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به“، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/325): ”فيه عمر بن المختار، وهو ضعيف“، وقال البيهقي: ”عمار بن عمر بن المختار عن أبيه ضعيفان، وهذا لم يأت به غيرهما“..(1/57)
?وآخر?الكهف (1) ،?وآخر?الحشر (2) ،?والإخلاص?والمعوِّذتين (3) ??
__________
(1) مما ورد فيه ما رواه أحمد في المسند (28066) من حديث أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من قرأ عشر آياتٍ من آخر الكهف عصم من فتنة الدجال)? والحديث رواه مسلم في الصحيح (809) من الطريق ذاتها، ولفظه: (من حفظ عشر آياتٍ من أول سورة الكهف عصم من الدجال)، وفي لفظ: (من آخر الكهف).
(2) مما ورد فيه ما رواه أحمد في مسنده (20572)، والترمذي (2922)، والدارمي (3301)، كلهم من حديث معقل بن يسار - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر وَكَّل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، إن مات في ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة)??قال?الترمذي??”حديث?غريب?لا?نعرفه?إلا?من?هذا?الوجه“،?وقال?الحافظ?المنذري?في?الترغيب??????????”رواه?الترمذي?من?رواية?خالد?بن?طهمان،?وقال??حديث?غريب،?وفي?بعض?النسخ??حسن?غريب“؛?ولذا?قال?السيوطي?في?الدر?المنثور??????????”أخرجه?أحمد?والدارمي?والترمذي?وحسنه“?
(3) مما ورد فيه ما رواه البخاري (5017، 5748، 6319) من حديث عن عائشة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: {قُلْ?هُوَ?اللَّهُ?أَحَدٌ}? و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ?أَعُوذُ?بِرَبِّ?النَّاسِ}?، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده؛ يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات).(1/58)
ويقول?عند?وضع?جنبه??”باسم?ربي?وضعت?جنبي،?وبه?أرفعه،?اللهم?إن?روحي?بيدك،?إن?شئت?أمسكتها،?وإن?شئت?أرسلتها،?فإن?أمسكتها?فاقبضها?إليك?غير?مفتونة،?واغفر?لها?وارحمها،?وإن?أرسلتها?فاحفظها?بما?تحفظ?به?أرواح?عبادك?الصالحين“ (1) ?
وإذا?????ارتحل?قال??الحمد?لله?الذي?عافانا?في?منقلبنا?ومثوانا،?اللهم?كما?حملتنا?من?منزلنا?فبلِّغنا?غيره?في?عافية،?لا?إله?إلا?الله?العليُّ?العظيم?الحليم،?لا?إله?إلا?الله?ربُّ?العرش?العظيم،?وحسبنا?الله?ونعم?الوكيل?
__________
(1) روى البخاري (6320، 7393)، ومسلم (2714)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه: ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)?(1/59)
ويُكره?أن?يصحب?كلباً?أو?جرساً (1) ،?أو?ينفرد?عن?القافلة?لغير?عذر (2) ؛?لنهيه? - صلى الله عليه وسلم - ?عن?ذلك??5??ويُستحب?إكثار?السير?في?الليل؛?لقوله? - صلى الله عليه وسلم - ????عليكم? (3) ?بالدلجة?فإنها?تطوي?الأرض?طياً? (4) ،?وأن?يُريح?دابته?بالنزول?عنها?غدوة?وعشيَّة?وعند?كل?عقبة،?ويتجنب?النوم?على?ظهرها؛?لما?فيه?من?زيادة?المشقة?عليها?بثقل?جسمه?حينئذٍ??ويحرم?أن?يُحملها?فوق?طاقتها،?وأن?يجيعها?من?غير?ضرورة?
وينبغي أن يتجنب الشبع المفرط، والترفه والتبسط في المطعم والملبس؛ فإن الحاجَّ أشعث أغبر. ويستعمل الرفق وحسن الخلق مع الغلام والرفيق والسائل. ويصون لسانه عن الشتم والغيبة، ولعن الدواب، وجميع الألفاظ القبيحة، والمخاصمة، ومزاحمة الناس في الطرقات وموارد الماء ما أمكنه.
__________
(1) روى مسلم (2113) في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلبٌ ولا جرسٌ)?
(2) روى أحمد في مسنده (17888)، وأبو داود (2628) من حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: (كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - ”إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان“، فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض، حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم). وقال?الحاكم??????????”هذا?حديث?صحيح?الإسناد،?ولم?يخرجاه“،?ووافقه?الذهبي?
(3) سقطت من المدنية?
(4) روى أبو داود في سننه (2571)، وابن خزيمة في صحيحه (2555)، كلاهما من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (عليكم بالدلجة؛ فإن الأرض تطوى بالليل)??وقال?الحاكم????????،??????????”هذا?حديث?صحيح?على?شرط?الشيخين?ولم?يخرجاه“?(1/60)
وإذا?نزل?منزلاً?قال??”أعوذ?بكلمات?الله?التامات?من?شرِّ?ما?خلق“ (1) ??وإذا?خاف?قوماً?قال??”اللهم?إنا?نجعلك?في?نحورهم،?ونعوذ?بك?من?شرورهم“ (2) ?
تنبيه: على?الإمام?أو?من?يستنيبه?في?المسير?بالقوم?تعهد?الرجال?والخيل?والدواب،?ومعونتهم?بدابته?وماله?ونواله،?وأن?يكون?ذا?رأيٍ?وشجاعةٍ?وهدايةٍ??وعليه?جمعهم?وتربيتهم?وحراستهم?وقت?النزول?وغيره،?والرفق?بهم?في?الأحوال?كلها??ويلزمهم?طاعته?في?ذلك??ويصلح?بين?الخصمين،?ولا?يحكم?إلا?أن?يفوَّض?إليه،?فيعتبر?كونه?من?أهله??وما?يُفعل?عند?جبل?الزينة?ببدر?بدعة (3) ??وكذا?إشهار?السلاح?عند?قدوم?تبوك (4) ?
__________
(1) رواه مسلم، وتقدم (ص50)?
(2) روى الإمام أحمد (19957)، وأبو داود في سننه (1537)، من حديث أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري عبد الله ابن قيس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قوما قال: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم)??وقد?رواه?من?الطريق?ذاتها?النسائي?في?السنن?الكبرى????????،????????،?والحاكم????????،?وقال??”هذا?حديث?صحيح?على?شرط?الشيخين?وأكبر?ظني?أنهما?لم?يخرجاه“?
(3) قال البهوتي في الكشاف في (2/522)??”شهر?السلاح?عند?قدوم?الحاج?الشامي?تبوكَ?بدعة?محرمة،?ومثله?ما?يفعله?الحاج?المصري?ليلة?بدر?في?المحل?المعروف?بجبل?الزينة?من?إيقاد?الشموع“،?وكذا?قال?رحمه?الله?في?شرح?المنتهى????????
(4) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (4/468)??”شهر?السلاح?عند?قدوم?تبوك?بدعة?محرمة،?وما?يذكره?الجهال?من?حصار?تبوك?كذبٌ?لا?أصل?له“،?وقال?في?منهاج?السنة?(6/195)??”ما?يذكره?جهال?الحجاج?من?حصار?تبوك?كذبٌ?لا?أصل?له؛?فلم?يكن?بتبوك?حصنٌ?ولا?مقاتلة،?وقد?أقام?بها?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ?عشرين?ليلة?ثم?رجع?إلى?المدينة“?(1/61)
وأما فضل النُّسُك?فقد?قال?تعالى??{وَأَذِّن?فِي?النَّاسِ?بِالْحَجِّ?يَأْتُوكَ?رِجَالاً?وَعَلَى?كُلِّ?ضَامِرٍ?يَأْتِينَ?مِن?كُلِّ?فَجٍّ?عَمِيقٍ? - ?لِيَشْهَدُوا?مَنَافِعَ?لَهُمْ}??سورة?الحج??الآيتان?????????،?قالوا?في?تفسيرها??”غفر?لهم?????وربِّ?الكعبة“ (1) ،?وقال? - صلى الله عليه وسلم - ???من?حج?البيت?ولم?يرفث??6??ولم?يفسق?خرج?من?ذنوبه?كيوم?ولدته?أمه? (2) ،?الرفث??اللغو،?والفسوق??المعصية??وقال? - صلى الله عليه وسلم - ???العُمْرَة?إلى?العُمْرَة?كفارة?لما?بينهما،?والحج?المبرور?ليس?له?جزاءٌ?إلا?الجنَّة? (3) ،?والمبرور??قيل??هو?الذي?لا?يخالطه?إثمٌ،?وقيل??هو?المقبول??وعلامة?المقبول??أن?يرجع?خيراً?مما?كان?ولا?يعاود?المعاصي??
__________
(1) قال?ابن?جرير?في?تفسيره???????????”اختلف?أهل?التأويل?في?معني?المنافع?التي?ذكرها?الله?في?هذا?الموضع؛?فقال بعضهم: هي التجارة ومنافع الدنيا...وقال آخرون: هي الأجر في الآخرة والتجارة في الدنيا...وقال آخرون: بل هي العفو والمغفرة...وأولى الأقوال بالصواب: قول من قال: عنى بذلك: {لِيَشْهَدُوا?مَنَافِعَ?لَهُمْ}??من?العمل?الذي?يرضي?الله?والتجارة؛?وذلك?أن?الله?عمَّ?لهم?منافع?جميع?ما?يشهد?له?الموسم،?ويأتي?له?مكة?أيام?الموسم?من?منافع?الدنيا?والآخرة، ولم يخصص من ذلك شيئاً من منافعهم بخبر ولا عقل، فذلك على العموم في المنافع التي ذُكرت“.
(2) روى البخاري (1819-1820، 1521)، ومسلم (1350)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)?
(3) متفق عليه؛ رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .(1/62)
وأما ذمُّ تاركه?فقد?قال?تعالى??{وَلِلّهِ?عَلَى?النَّاسِ?حِجُّ?الْبَيْتِ?مَنِ?اسْتَطَاعَ?إِلَيْهِ?سَبِيلاً?وَمَن?كَفَرَ}???أي??ترك?الحجَّ?{فَإِنَّ?الله?غَنِيٌّ?عَنِ?الْعَالَمِينَ?}??سورة?آل?عمران??الآية??????،?وقال? - صلى الله عليه وسلم - ???من?ملك?زاداً?وراحلةً?تبلغه?إلى?بيت?الله?الحرام?ولم?يحج،?فلا?عليه?أن?يموت?يهودياً?أو?نصرانياً? (1) ،?والأدلة?في?ذلك?كثيرةٌ?شهيرةٌ،?ذكر?بعض?ذلك?الشمس?الرَّملي?الشافعي (2) ?في?مناسكه?الكبرى?
الأول الباب
في كيفية الترخص في السفر واستحبابه
__________
(1) روى الترمذي في سننه (812) من حديث عليٍّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا؛ وذلك أن الله يقول في كتابه: {وَلِلّهِ?عَلَى?النَّاسِ?حِجُّ?الْبَيْتِ?مَنِ?اسْتَطَاعَ?إِلَيْهِ?سَبِيلاً}???سورة?آل?عمران??الآية???????. قال الترمذي: ”هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفي إسناده مقال، وهلال بن عبد الله مجهول، والحارث يضعَّف في الحديث“??
وانظر?طرق?الحديث?والكلام?فيه?في??نصب?الراية????????،?التلخيص?الحبير?????????
(2) شمس الدين محمد بن أحمد الرملي المنوفي المصري الشافعي (919-1004هـ). من تصانيفه: "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للنووي"، "الغرر البهية في شرح مناسك النووية". تقدمت ترجمته (ص27).(1/63)
من نوى سفراً مباحاً ولو نزهة وفرجة يبلغ ستة عشر فرسخاً تقريباً براً أو بحراً؛ وهي: يومان قاصدان (1) ، أو: أربعة بُرُد؛ والبريد: أربعة فراسخ، والفرسخ: ثلاثة أميالٍ هاشمية، وبأميال بني أمية: ميلان ونصف الميل. والميل الهاشمي: اثنا عشر ألف قدم؛ ستة آلاف ذراعٍ؛ والذراع: أربعة وعشرون أصبعاً معترضةً معتدلةً؛ كل أصبعٍ: ستّ حبات شعيرٍ بطونُ بعضها إلى بعضٍ؛ عرض كل شعيرةٍ: ست شعرات بِرْذَوْنٍ (2) . جاز له إذا فارق بيوت قريته العامرة أو خيام قومه أو ما نُسِبت إليه عرفاً سكان قصور وبساتين ونحوهم أن يقصر الرباعية وأن يفطر، وهما أفضل من الإتمام والصوم (3) .
__________
(1) قال الحجاوي في: الإقناع (1/274): ”???يومان?قاصدان?في?زمن?معتدل?بسير?الأثقال?ودبيب?الأقدام???ولو?قطعهما?في?ساعة?واحدة“، وكذا قال ابن النجار في منتهى الإرادات (1/328)??وقال?الشيخ?البسام?في?الاختيارات?الجلية??????????”هي?على?وجه?التقريب?حوالي??????كيلو?متر“?
(2) البرذون يطلق على غير العربي من الخيل والبغال ذكراً كان أم أنثى، وربما قالوا في الأنثى: برذونة ويختص البرذون بأنه عظيم الخلقة غليظ الأعضاء قوي الأرجل عظيم الحوافر.
انظر (برذن): القاموس المحيط (ص1522)، المصباح المنير (ص41)، المطلع (ص216)، قصد السبيل (2/268)، المعجم الوسيط(ص48)?
(3) انظر مسافة القصر وما أورده المؤلف هنا من مقادير في: الإقناع (1/274)، ومنتهى الإرادات (1/328)??وانظر?ما?يعادل?هذه?المقادير?بالمقاييس?المعاصرة?في??معجم?لغة?الفقهاء??ص????????،?المقادير?الشرعية?والأحكام?المتعلقة?بها??ص?????????(1/64)
ثم?إن?رفض?نية?السفر،?أو?نوى?إقامة?مطلقة،?أو?أكثر?من?عشرين?صلاة،?أو?لحاجةٍ?وظنَّ?????أنها?لا?تنقضي?قبلها،?أو?عزم?في?صلاته?على?قطع?الطريق?ونحوه،?أو?أخرها?بلا?عذرٍ?حتى?ضاق?وقتها،?لزمه?أن?يُتِمَّ??لا?إن?سلك?أبعد?طريقين،?أو?ذكر?صلاة?سفر?في?آخر،?أو?أقام?لحاجةٍ?بلا?نية?إقامة،?ونحو?ذلك?
?7??وإذا?تعذَّر?عليه?الماء?حسَّاً?أو?شرعاً؛?بأن?احتاج?إلى?شربه،?أو?علم?أو?ظنَّ?احتياجه،?أو?احتياج?رفيقه?إلى?ذلك،?جاز?له?التيمم??وينوي?به?الاستباحة?لأنه?لا?يرفع?الحدث??
وإذا?نوى?استباحة?شيءٍ?جاز?له?فعله،?وفعل?مثله،?وفعل?ما?هو?دونه?في?الرتبة?بذلك?التيمم؛?فإذا?نوى?استباحة?فرض?العين؛?كالصلاة?المفروضة?بتيمم?جاز?له?فعلها،?وفعل?مثلها?من?فرض?العين،?وفعل?ما?دونها?من?فرض?كفايةٍ?وسُنَّةٍ??
ولا?يجوز?له?فعل?شيءٍ?بنية?استباحة?ما?هو?دونه؛?فأعلاه?فرض?عين،?فنذرٌ،?فكفايةٌ،?فنافلةٌ،?فطواف?فرضٍ،?فطواف?نفلٍ،?فمس?مصحفٍ،?فقراءة?قرآنٍ،?فلبثٌ?بمسجدٍ?
وإن?نوى?الحدثين?حصلا،?وإن?نوى?أحد?أسباب?أحدهما?أجزأ?عن??جميع? (1) ?تلك?الأسباب??
وإن?نوى?استباحة?فرضٍ?بتيممٍ?جاز?له?أن?يجمع?بين?فروضٍ?ونوافل،?ولا?يجب?أن?يتيمم?لكل?فرضٍ،?خلافاً?للإمام?الشافعي (2) ?
__________
(1) في المدنية: ”الجميع“??وما?في?المصرية?يوافقه?ما?في?جامع?المناسك?الحنبلية??ص????
(2) قال الإمام الشافعي - رضي الله عنه - في الأم (1/64): ”إن?تيمم?ينوي?نافلة?أو?جنازة?أو?قراءة?مصحف?أو?سجود?قرآن?أو?سجود?شكر?لم?يكن?له?أن?يصلي?به?مكتوبة?حتى?ينوي?بالتيمم?المكتوبة،?وكذلك?إن?تيمم?فجمع?بين?صلوات?فائتات?أجزأه?التيمم?للأولى?منهن?ولم?يجزه?لغيرها،?وأعاد?كل?صلاة?صلاها?بتيمم?لصلاة?غيرها،?ويتيمم?لكل?واحدة?منهن“?(1/65)
ويبطل?التيمم?بدخول?الوقت?وبخروجه?ما?لم?يكن?في?صلاة?جمعةٍ،?أو?ينو?الجمع?في?وقت?ثانيةٍ،?فلا?يبطل?بخروج?وقت?الأولى??ويبطل?أيضاً?بوجود?ماءٍ?لم?يتعذر?عليه?استعماله?حساً??ولا?شرعاً? (1) ،?وبزوال?مبيح?ومبطل?ما?تيمم?له،?وخلع?ما?يمسح?إن?تيمم?وهو?عليه??لا?عن?حيضٍ?ونفاسٍ?ونحوهما??وإن?وجد?الماء?في?صلاة?وطوافٍ?بطلا،?وإن?انقضيا?لم?يجب?إعادتهما?
وصفته??أن?ينوي،?ثم?يسمي،?ويضرب?التراب?بيديه?مفرجتي?الأصابع?ضربةً?يمسح?وجهه?بباطن?أصابعه،?وكفيه?براحتيه?
ومن?الرخص?المشتركة?بين?المقيم?والمسافر??المسح?على?الخُف،?بشرط?أن?يكون?ظاهراً،?صفيقاً،?ساتراً?لمحل?الفرض،?يثبت?بنفسه،?ويمكن?تتابع?المشي?عليه،?????تقدم?لبسه?طهارةٌ?كاملة?بماء??وإن?اختلفا?في?قدر?المدة؛?فهي?للمقيم?يومٌ?وليلة،?وللمسافر?ثلاثة?أيام?بلياليهن?إن?كان?سفر?قصرٍ??والعاصي?بسفره?كالمقيم،?بخلاف?العاصي?فيه?
ومن الرخص المشتركة [8] بينهما أيضاً الجمع بين الظهرين وبين العشائين بوقت أحدهما، وتركه أفضل غير جمع عرفة ومزدلفة. لكن بشرط: أن يكون سفر قصرٍ، وأن يكون المقيم معذوراً؛ كمريضٍ يلحقه بتركه مشقة، ومرضعٍ لمشقة كثرة نجاسة، ومستحاضةٍ ونحوها، وعاجزٍ عن طهارةٍ أو تيممٍ لكل صلاةٍ، أو معرفة وقتٍ كأعمى أو نحوه، أو بما يبيح ترك جمعة وجماعة، ومن الأعذار المختصة بالعشائين ثلجٌ وبردٌ وجليدٌ ومطرٌ يَبُلُّ الثياب وتوجد معه مشقَّة ولو صلى ببيته أو بمسجد طريقه تحت ساباط (2) ونحوه، وريحٌ باردةٌ شديدةٌ، وظاهر كلامهم هنا: ولولم يكن بليلةٍ مظلمةٍ.
__________
(1) في المدنية: ”لا?شرعاً“??وما?في?المصرية?يوافقه?ما?في?جامع?المناسك?الحنبلية??ص?????
(2) الساباط: سقيفة بين دارين أو حائطين تحتها ممرٌ نافذ، وجمعها: سوابيط وساباطات.
انظر: (سبط) القاموس المحيط (ص864)، المعجم الوسيط (ص413)??(1/66)
والأفضل فعل الأرفق من تقديم وتأخير سوى جمعي عرفة ومزدلفة إن عزم، فإن استويا فتأخيرٌ أفضل سوى جمع عرفة.
ويشترط له مطلقاً: ترتيبٌ. ولجمعٍ بوقت أولى: نيَّةٌ عند إحرامها، وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر إقامةٍ ووضوءٍ خفيف؛ فيبطل براتبةٍ بينهما، ووجود العذر عند افتتاحها وسلام الأولى، واستمراره - في غير جمع مطر ونحوه - إلى فراغ الثانية. ولجمعٍ بوقت ثانيةٍ: نيَّةٌ بوقت أولى ما لم يضق عن فعلها وبقاء عذرٍ إلى دخول وقت ثانية، لا غير.
وتصح منه الصلاة على الراحلة لجهة سيره، ويلزمه افتتاحها إلى القبلة إن أمكنه بلا مشقة، وكذا ركوع وسجود واستقبال لمن في مِحَفَّةٍ (1) أو على راحلةٍ واقفةٍ، وإلا فإلى جهة سيره. ويومئ ويجعل الإيماء بسجوده أخفض إن قَدَر. ويعتبر طهارة محله من نحو بَرْذَعَةٍ (2) ، وإن وطئت دابته نجاسة فلا بأس. والوتر وغيره سواء، وإن نذر الصلاة على الراحلة جاز. ويدور في السفينة والمحفة في الفرض [9] دون النفل، والمراد: غير الملاح؛ لحاجته. وتصحّ الفريضة على الراحلة - واقفةً كانت أو سائرة - خشية تأذٍ بمطرٍ أو وحلٍ أو نحوهما، وكذا لو خاف بنزوله انقطاعاً عن رفقةٍ، أو عجزاً عن الركوب، لا لمرضٍ [9] مع قدرته على النزول والركوب بلا ضررٍ.
والله?الموفق?للصواب?
الثاني الباب
في الحج والعُمْرَة وبيان شروطهما وأحكامهما
الحج??قصد?مكة?لعمل?مخصوص،?والعُمْرَة??زيارة?البيت?على?وجهٍ?مخصوص??ويجبان?في?العمر?مرَّةً?واحدةً?بشروط؛?وهي??
?????الإسلام ... 2- والعقل ... ???والبلوغ
???والحرية ... 5- والاستطاعة
__________
(1) المِحَفَّة: مركبٌ للنساء كالهودج، إلا أنها لا قبة لها.
انظر: (حفف) القاموس المحيط (ص1034)، المعجم الوسيط (ص186)?
(2) البَرْدَعَة والبَرْذَعَة: ما يوضع على الحمار أو البغل ليُركب عليه؛ كالسرج للفرس.
انظر: (بردع) القاموس المحيط (ص1034)، المعجم الوسيط (ص186)?(1/67)
فالإسلام?والعقل?شرطان?للوجوب?والصحة؛?فلا?يجبان?على?كافرٍ?ولا?مجنون،?ولا?يصحان?منهما?
والبلوغ?والحرية?شرطان?للوجوب?والإجزاء?لا?للصحة؛?فلا?يجبان?على?صغيرٍ?ولا?رقيق?ولو?مكاتباً?أو?أم?ولدٍ?أو?مدبراً?أو?معلقاً?عتقه?بصفةٍ?أو?مبعضاً،?ويصحان?منهم،?ولا?يجزئانهم?عن?حجة?الإسلام?وعمرته??ويُحرم?المميز?عن?نفسه?بإذن?وليه،?وغير?المميز?يُحرم?عنه?وليه??ولا?يحرم?عن?مجنون?اقتصاراً?على?مورد?النصِّ?
والاستطاعة?شرطٌ?للوجوب?فقط؛?فإن?فعلهما?غير?المستطيع?أجزأه??وهي??ملك?زادٍ?يحتاجه?مطلقاً،?وراحلةٍ?إن?بَعُد?مسافة?قصرٍ،?صالحَيْن?لمثله?بآلتهما،?أو?ما?يقدر?به?على?تحصيل?ذلك،?فاضلاً?عن?حاجته?من?مسكنٍ?وخادمٍ?ونحوهما،?وعن?نفقته?ونفقة?عياله?على?الدوام،?وقضاء?ديونه??ومن?وجد?ذلك?ولم?يستطع?ركوباً?استناب?من?يحج?ويعتمر?عنه?من?بلده،?وكذا?من?مات?بعد?وجوبه?عليه?
ومن?الاستطاعة?في?حقِّ?المرأة?أن?يصحبها?محرمٌ؛?وهو??زوجها?أو?من?يحرم?عليها?أبداً?بنسبٍ?أو?سببٍ?مباحٍ؛?كرضاعٍ?أو?مصاهرة??ويشترط?فيه??أن?يكون?مسلماً?مطلقاً،?ذكراً??ونفقته?عليها?إن?كان?غير?زوجها،?فإن?كان?هو?فعليها?ما?زاد?عن?نفقة?الحضر??فإن?حجت?بغير?محرمٍ?حرم?وأجزأ??فإن?أيست??????من?المحرم?استنابت?من?يحج?عنها??ولا?يملك?زوجها?منعها?من?حجة?الإسلام?حيث?وجد?المحرم،?ويستحب?لها?أن?تستأذنه?
والله أعلم
الثالث الباب
في الإحرام ومحظوراته والفدية ?10???والهدي والأضاحي
وفيه خمسة فصول (1) :
الأول الفصل
في المواقيت
__________
(1) - لم يورد المؤلف في هذا الباب إلا أربعة فصول! وقد تطابقت في هذا النسختان!(1/68)
اعلم أن ميقات أهل المدينة: ذو الحُلَيْفة؛ عن المدينة بنحو ستة أميالٍ، وهو المكان المعروف الآن بأبيار علي (1) ، وهي عن مكة بعشر مراحل، فصارت ميقاتاً لأهل الشام لمرورهم بها (2) .
وميقات أهل مصر والمغرب: الجُحْفَة (3) ، ويحرمون الآن من رابغ (4) ؛ وهي قُبَيل الميقات بيسير، وبينهما وبين مكة ثلاثة مراحل (5) .
وميقات أهل اليمن: يلملم (6) .
__________
(1) قال الأستاذ البلادي: ”ذو الحليفة قرية بظاهر المدينة على طريق مكة، بينها وبين المدينة تسعة أكيال، تقع بوادي العقيق عند سفح جبل عير الغربي، ومنها تخرج البيداء تجاه مكة، وتعرف اليوم بأبيار علي“?
انظر??معجم?معالم?الحجاز???????،?معجم?المعالم?الجغرافية?في?السيرة?النبوية??ص?????
(2) انظر: معجم البلدان (2/295)?
(3) قال الأستاذ البلادي: ”كانت الجحفة مدينة عامرة ومحطة من محطات الحاج بين الحرمين، ثم تقهقرت في زمنٍ لم نستطع تحديده إلا أنه قبل القرن السادس، وتوجد اليوم آثارها شرق مدينة رابغ بحوالي (22) كيلاً، إذا خرجت من رابغ تؤم مكة كانت إلى يسارك حوز السهل من الجبل، وقد بنت الحكومة السعودية مسجداً هناك يزوره بعض الحجاج“?
انظر??معجم?معالم?الحجاز????????،?معجم?المعالم?الجغرافية?في?السيرة?النبوية??ص????
(4) قال الأستاذ البلادي: ”رابغ: بلدة حجازية ساحلية بين جُدَّة وينبع، على (155) من جُدَّة شمالاً و (195) كيلاً من ينبع جنوباً“?
انظر??معجم?معالم?الحجاز???????
(5) انظر: معجم البلدان ”الجحفة“ (2/111)، ”رابغ“ (3/11)?
(6) قال الأستاذ البلادي: ”يلملم وقد يقال: ألملم: وادٍ فحل يمر جنوب مكة على (100) كيل، فيه ميقات أهل اليمن من أتى على الطريق التهامي، ويُعرف الميقات إلى سنة (1399هـ) بالسَّعدية، ثم زفِّت طريق السيارات فاخذ الساحل فهُجِر هذا الميقات اليوم لبعده عن الطريق الحديثة“?
انظر??معجم?معالم?الحجاز????????،?معجم?المعالم?الجغرافية?في?السيرة?النبوية??ص?????(1/69)
وأهل نجدٍ: قَرْن المنازل (1) . وأهل المشرق: ذات عِرْقٍ (2) . وهذه الثلاثة على مرحلتين من مكة (3) .
فمن?مرَّ?بميقاتٍ?مِنْ?هذه???ولو?من?غير?أهلها???مريداً?نُسُكاً?أو?مكة?والحرم?لم?يجز?أن?يتجاوزه?بغير?إحرامٍ?إذا?كان?مسلماً?مكلفاً?حُرَّاً،?إلا?لقتالٍ?مباحٍ?أو?حاجةٍ?تتكرر؛?كاحتطاب?ونحوه،?ومكيٍّ?يتردد?لقريته?بالحلِّ??
ومَن?مَنْزِلُهُ?دون?الميقات?يُحرم?من?منزله،?ومن?بمكة?يحرم?لحجٍ?منها،?وهو?أفضل?ويجوز?من?أي?موضعٍ?شاء،?ولو?من?عرفة،?وإذا?أراد?العُمْرَة?أحرم?من?أقرب?موضع?من?الحلِّ?إلى?الحرم?
__________
(1) قال الأستاذ البلادي: ”قرن المنازل: وهو ما يُعرف اليوم باسم السيل الكبير، وما زال الوادي يُسمى قَرْناًَ والبلدة تُسمَّى: السيل، وهو على طريق الطائف من مكة المار بنخلة اليمانية، يبعد عن مكة (80) كيلاً وعن الطائف (53) كيلاً“?
انظر??معجم?معالم?الحجاز????????،?معجم?المعالم?الجغرافية?في?السيرة?النبوية??ص?????
(2) قال ياقوت في معجمه (4/108): ”ذات عرق: مهل أهل العراق، وهو الحدُّ بين نجدٍ وتهامة، وقيل: عرق جبلٌ بطريق مكة ومنه ذات عرق...“، وقال ابن جاسر في منسكه (1/62): ”ذات عرق هي ميقات أهل المشرق والعراق وخراسان وباقي الشرق، وموضعها معروف مشهور، وبها وادٍ، وهي بين العقيق وبين قرية المضيق، وكان بعض حجاج أهل نجد إذا حجوا على الإبل يحرمون منها، فيدخلون إليها مع الطريق المسمى الآن بريع الضريبة - بفتح الضاد وكسر الراء على وزن الزريبة - وأما أهل المشرق والعراق وغيرهم ممن على جهاتهم فهم في هذه الأزمان لا يحرمون من هذا الميقات؛ لأنهم يحجون في الغالب على سيارات وهي لا تتمكن من عبور هذا الطريق لمشقته، وإنما يأتون على قرن الميقات أو من طريق جُدَّة...“?
(3) انظر: معجم البلدان ”يلملم“ (5/441)، ”قرن المنازل“ (4/332)، ”ذات عرق“ (4/107)?(1/70)
ويَحْرُم?على?من?كان?من?أهل?الوجوب?مجاوزة?الميقات?بلا?إحرام،?ويجب?عليه?الرجوع?إن?لم?يخف?ضرراً،?فإن?لم?يعد?وأحرم?من?موضعه???ولو?لعذرٍ???فعليه?فدية?
ويكره?الإحرام?قبل?الميقات،?وبالحج?في?غير?أَشْهُرِه؛?وهي??شوال?وذو?القعدة?وعشرٌ?من?ذي?الحجة?
الثاني الفصل
في الإحرام
وهو: نية الدخول في النُّسُك والتلبس به. فمن نوى ذلك صار محرماً وإن لم يجتنب محظوراته، ولو أراد بعد ذلك رفضه لم يكن له ذلك. [لكن] (1) إن شرط في ابتدائه؛ بأن قال: ”وإن حبسني حابسٌ [11]فمحلي حيث حبستني“ (2) ؛ فإنه يحل إذا حُبس عن البيت بمرضٍ أو عدوٍ أو ضياع نفقةٍ أو غير ذلك؛ للشرط المذكور، ولا دم عليه.
ويُسنُّ?لمن?أراد?الإحرام?أن?يغتسل،?ولو?حائضاً?أو?نفساء?أو?دائم?الحدث،?ويتيمم?لعذرٍ،?ويتنظف?بإزالة?شعرِ?نحو?إبطٍ?وعانةٍ??ويتطيب?في?بدنه،?ويكره?في?ثيابه??ويتجرد?الرجل?عن?المخيط?في?إزارٍ?ورداءٍ?أبيضين?جديدين?أو?غسيلين?
ويحرم?عقب?صلاة?فرضٍ?أو?ركعتين?نفلاً??11??إن?لم?يكن?وقت?نهيٍ??ويخير?بين?التمتع?فالإفراد?فالقِران??
والتمتع??أن?يحرم?بالعُمْرَة?في?أشهر?الحج،?ثم?يحرم?بالحج?في?عامه?مطلقاً?بعد?فراغه?منها،?وهو?أفضل?عندنا??
والإفراد??أن?يحرم?بحجٍ?ثم?بعُمْرَةٍ?بعد?فراغه?منه،?وهو?أفضل?عند?مالك?والشافعي??
__________
(1) في المدنية: ”ليس“??وما?في?المصرية?يوافقه?ما?في?جامع?المناسك?الحنبلية??ص????
(2) روى البخاري (5089)، واللفظ له من حديث عائشة رضي الله عنها، ومسلم (1207-1208)، من حديث عائشة وابن عباس - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على ضُبَاعة بنت الزبير فقال لها: (لعلك أردت الحج؟ قالت: والله لا أجدني إلا وجعة. فقال لها: حجي واشترطي؛ قولي: اللهم محلي حيث حبستني وكانت تحت المقداد بن الأسود)?(1/71)
والقِران?أن?يحرم?بهما?معاً،?أو?بالعُمْرَة?ثم?يدخل?الحج?عليها?قبل?شروعه?في?طوافها،?ويصح?بعده?ممن?معه?هدي?فقط،?وهو?أفضل?عند?أبي?حنيفة?رحمه?الله??وكان?النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?في?حجة?الوداع?قارناً،?قال?الإمام?أحمد??”لا?أشك?فيه“ (1) ??
ومن?أحرم?بالحج?ثم?أدخل?عليه?العُمْرَة?لم?تصح?عُمْرَته??وتدخل?أفعال?عُمْرَة?القارن?في?أفعال?حجه??
فمن?أراد?نُسُكاً?من?هذه?نواه?بقلبه?قائلاً?بلسانه??”اللهم?إني?أريد?النُّسُك?الفلاني،?فيسره?لي?وتقبله?مني،?وإن?حبسني?حابسٌ?فمحلي?حيث?حبستني“،?فإن?أطلق?نية?الإحرام?ولم?يُعين?نُسُكاً?انعقد?إحرامه،?وله?صرفه?إلى?أيها?شاء?بالنية??
ويستحب?أن?يلبي?عقب?إحرامه؛?فيقول??”لبيك?اللهم?لبيك،?لبيك?لا?شريك?لك“،?ثم?يصلي?على?النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?ويدعو?بما?أحبَّ،?ويسأل?الله?رضاه?والجنة،?ويستعيذ?به?من?غضبه?والنار??
ويكثر?من?التلبية?في?كل?حال؛?ويتأكد?إذا?علا?نَشَزاً،?أو?هبط?وادياً،?أو?التقت?الرفاق،??????أو?أقبل?ليلٌ?أو?نهارٌ،?أو?ركب?أو?نزل،?أو?صلى?مكتوبة،?أو?رأى?البيت،?أو?أتى?محظوراً?ناسياً،?أو?سمع?ملبياً??
ويُلبَى?عن?أخرسٍ?ومريضٍ??ويرفع?ذَكَرٌ?صوته?بالتلبية،?وتُسِرُّ?بها?امرأةٌ?بقدر?ما?تُسمِع?رفيقتَها??
__________
(1) انظر: زاد المعاد (1/141)، الفروع (3/301)، الإنصاف (8/155)?(1/72)
ولا?يلبى?في?الطواف?ولا?في?السعي،?لكن?لا?بأس?بها?في?طواف?القدوم?سراً??وإذا?رأى?ما?يعجبه?قال??”لبيك?إن?العيش?عيش?الآخرة“ (1) .
الثالث الفصل
في محظورات الإحرام
وهي تسعٌ:
[الأول] (2) : إزالة الشعر من الرأس أو غيره، بحلق أو غيره.
__________
(1) روى الإمام الشافعي في مسنده (569)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (5/45)، (7/48)، بسنده عن مجاهدٍ مرسلاً قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يظهر من التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه، كأنه أعجبه ما هو فيه، فزاد فيها: لبيك إن العيش عيش الآخرة. قال ابن جريج: وحسبت أن ذلك يوم عرفة)??
قال?البيهقي??”وهذا?مرسلٌ،?وقد?روي?موصولا?مختصراً?عن?عكرمة?عن?ابن?عباس??وهذه?كلمة?صدرت?من?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ?في?أنعم?حاله?يوم?الحج?بعرفة?وفي?أشد?حاله?يوم?الخندق“??قلت??خبر?يوم?الخندق?متفق?عليه؛?رواه?البخاري????????????،?ومسلم???????،?من?حديث?أنس?بن?مالك? - رضي الله عنه - ?قال???خرج?رسول?الله? - صلى الله عليه وسلم - ?إلى?الخندق،?فإذا?المهاجرون?والأنصار?يحفرون?في?غداة?باردة؛?فلم?يكن?لهم?عبيدٌ?يعملون?ذلك?لهم??فلما?رأى?ما?بهم?من?النصب?والجوع?قال?
??اللهم?إن?العيش?عيش?الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدا ... على?الجهاد?ما?بقينا?أبدا??
وهو متفق عليه أيضاً من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - ?، رواه البخاري (3797، 4098، 6414)، ومسلم (1804)، واللفظ له عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ?قال: (جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتافنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ?
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للمهاجرين والأنصار).
(2) ليست في شيء من الأصول، والسياق يقتضيها.(1/73)
الثاني: تقليم [ظفرٍ] (1) بيدٍ أو رِجْلٍ، فإن خرج بعينه شعرٌ أو كُسِر ظفره فأزاله، أو قطع جلداً عليها شعرٌ فلا شيء عليه، وإن حُلِق رأسه بإذنه أو وهو ساكتٌ فدى، وإن مشَّط شعره أو خلله وانفصل بذلك [12] شيءٌ وجب فداؤه، وإن شكَّ هل انفصل بذلك أو كان ميِّتاً قَبْلُ سُنَّت فديةٌ.
الثالث: تغطية رأس ذكرٍ أو بعضه، ومنه الأذنان، ولو بسيرٍ أو قرطاسٍ عليه دواء، أو تظليلٍ بمحملٍ راكباً أو ماشياً، لا بنحو خيمةٍ. فإن تأذى بكشفه فله تغطيته ويفدي. ويحرم على المرأة تغطية وجهها، وتسدل لحاجة، وعند أبي حنيفة: لا يفدي إلا إذا فعل ذلك يوماً كاملاً أو ليلة كاملة، أو غطى رأسه كذلك. وعبارة [البدر] (2) الشهاوي (3) في مناسكه: ”فإذا لبس المخيط يوما كاملاً أو ليلة كاملة فإن كان لغير عذرٍ وكان على الوجه المعتاد وجب عليه، وإلا فإن كان لعذر مرضٍ أو شبهه فهو مخيرٌ بين أحد ثلاثة أمور: صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين؛ لكل مسكينٍ نصف صاعٍ من برٍ أو دقيقه أو سَويقِه أو صاع تمر أو قيمة ذلك، أو دمٌ. [والصوم] (4) والصدقة لا يختصان بمكانٍ ولا زمانٍ، والدم يختص بالحرم“، انتهى (5) .
الرابع: لبس المخيط في جميع بدنه أو بعضه، حتى في يديه؛ كقفازين أو غيرهما، ورجليه؛ كخفين أو غيرهما، إلا النعلين ونحوهما.
فإن عدم الإزار والنعلين [13] فله لبس السراويل والخفين بحالهما ولا شيء عليه إلى أن يجدهما.
__________
(1) في المدنية: ”ظفره عليها“، وهو خطأ لا ريب.
(2) في المدنية وفي جامع المناسك الحنبلية (ص53): ”الشيخ“، وما في المصرية أدلُّ على المقصود فأثبته.
(3) محمد بدر الدين الشهاوي المصري الحنفي. تقدمت ترجمته (ص27).
(4) سقطت من المدنية.
(5) انظر مذهب الحنفية في: الاختيار لتعليل المختار (1/161)، اللباب في شرح الكتاب (1/203)، مناسك الملا علي القاري (ص260). من المدنية.(1/74)
ومن بجسده شيء لا يحب أن يطلع عليه أحدٌ، أو خاف من بردٍ لبسه وفدى.
وله أن يلتحف بالقميص ويرتدي به. وأن يحمل جِرابَه وقربة الماء في عنقه، ولا يُدخل ذلك في صدره.
ويتقلد بسيفٍ لحاجةٍ فقط، ولا يعقد عليه شيئاً من منطقة أو رداء أو غيرهما، ولا يخله بشوكة ونحوها، ولا يغرز أطرافه في إزاره، فإن فعل فدى؛ لأنه كمخيط.
وله شدُّ وسطه بمنديلٍ ونحوه بلا عقدٍ، قال الإمام في محرم حزم عمامته على وسطه: ”لا يعقدها، ويدخل بعضها في بعضٍ“ (1) . وله عقد إزاره وهِميانه (2) ومنطقة؛ لنفقة فيهما فقط.
الخامس: ابتداء الطِّيبِ وتعمدُ شَمِّه أيَّ طيبٍ كان؛ كالمِسْك (3) ، والعنبر (4) والكافور (5) ،
__________
(1) انظر: المغني (5/124)، الشرح الكبير (8/255)، الإنصاف (8/254)، وروى الإمام أحمد في مسائل أبي داود (ص107) بسنده عن طاوس قال: ”رأيت ابن عمر يطوف بالبيت وعليه عمامة قد شدَّها على وسطه قد أدخلها هكذا“.
(2) الهِمْيان بالكسر يجمع على هَماينُ وهَمايين: كيسٌ للنفقة يُشدُّ في الوسط، ويطلق أيضاً على المِنطقة وعلى التِّكة؛ وهي: شِداد السراويل.
انظر: (هميان) القاموس المحيط (ص1600)، المعجم الوسيط (ص996).
(3) المِسْكُ: ضربٌ من الطيب يتخذ من ضرب من الغِزلان، القطعة منه: مِسْكة.
انظر: (مسك) القاموس المحيط (ص1230)، المعجم الوسيط (ص869).
(4) العنبر: ضربٌ من الطيب، وهو مادة صلبة لا طعم لها ولا ريح إلا إذا سُحِقت أو أُحرِقت، ويفرزها حيوان ثديي بحري من الحيتان يسمي: العنبر.
انظر: (عنبر) القاموس المحيط (ص572)، المعجم الوسيط (ص630).
(5) الكافور: ضربٌ من الطيب، وهو مادة شفافة بلورية الشكل يميل لونها إلى البياض، يستخلص من شجرٍ عظام بجبال بحر الهند والصين خشبه أبيض هشٌّ يخرج الطيب من جوفه بعد تشقيقه.
انظر: (كفر) القاموس المحيط (ص606)، المعجم الوسيط (ص792)، معجم النبات والزراعة (1/353).(1/75)
والزعفران (1) ، والوَرْس (2) ، وشمُّ الدهن المطيَّب واستعماله، وأكل ما فيه طيب تظهر رائحته أو طعمه. وله شمُّ الشِيح (3) والإذخِر (4) ونحوهما، والادِّهان [13] بزيتٍ ونحوه غير مطيَّب.
السادس: قتل صيد البر الوحشي المأكول وما تولد منه واصطياده وتملكه والإعانة على صيده بدلالة أو صياحٍ أو إشارةٍ أو إعانةٍ ولو بمناولة آلته.
وحرم أكل لحمه من ذلك كله، إلا أن يصيد حلالٌ بغير قصدِ ذلك المُحْرِم.
فإن ذبح محرمٌ صيداً برياً لغير حاجة أكله كان ميتة، وإن حبسه حتى تحلل ثم ذبحه ضمِنه ولم يحل. وإن أحرم ومعه صيدٌ لزمه إرساله، ويجبر عليه إن امتنع.
ويباح له قتل ما صال عليه بلا ضمان، وقتل نحو ذئب وفأرة وبراغيث، ويسنُّ مطلقاٍ قتل كلِّ مؤذٍ غير آدمي لا قملٍ وصيبان، فتحرم على المحرم ولا فداء فيه. ولا يحرم عليه صيد البحر إن لم يكن بالحرم، ولا أكل إنسي نحو غنمٍ ودجاجٍ.
السابع: عقد النكاح له أو لغيره، ولو وكيلاً.
الثامن: الوطء في الفرج.
__________
(1) الزعفران: نبات معروف يتخذ للعلاج والطيب والصبغ.
انظر: (زعفر) القاموس المحيط (ص512)، المعجم الوسيط (ص394)، معجم النبات والزراعة (1/301).
(2) الورس: نبات كالسمسم أصفر لا يوجد إلا في بلاد اليمن وما جاورها، يستخدم للكَلَف طِلاء وللبَهق شرباً، كما يستعمل لتلوين الملابس الحريرية.
انظر: (ورس) القاموس المحيط (ص747)، المعجم الوسيط (ص1025)، معجم النبات والزراعة (1/412).
(3) الشِيح: نبت سهليٌ رائحته طيبة قوية، وهو كثير الأنواع ترعاه الخيل والماشية، ويتخذ من بعضه المكانس.
انظر: (شيح) القاموس المحيط (ص290)، (شاح) المعجم الوسيط (ص502)، معجم النبات والزراعة (1/184).
(4) الإذْخِر: حشيش طيب الرائحة، يسقف به البيوت فوق الخشب.
انظر: (إذخر) النهاية (1/33) (ذخر) القاموس (ص506)، معجم النبات والزراعة (1/297).(1/76)
التاسع: المباشرة فيما دونه، ودواعي الوطء، من نحو قُبلةٍ ولمسٍ واستدامة [14] نظرٍ لشهوةٍ واستمناءٍ.
فإن وطئ في الفرج قبل التحلل الأول فسد نُسُكه، فيمضي فيه مطلقاً، وعليه بدنة. وإن كان بعد التحلل الأول لم يفسد نُسُكه لكن فسد باقي إحرامه، فيلزمه أن يحرم من الحِلِّ ليطوف للحج بإحرامٍ صحيحٍ، وعليه شاةٌ. وعُمْرَة كحج يفسدها الوطء قبل إتمام سعي لا بعده وقبل حلقٍ، وعليه شاة.
وللمحرم أن يحتجم ويفتصد (1) ويَبُطَّ (2) الجرح، فإن لم يقدر على ذلك إلا بقطع بعض الشعر فعل وفدى. ويحرم على كلٍ من الرجل والمرأة لبس القفازين؛ وهما شيءٌ يعمل لليدين، كما يفعل البزاة، ويفديان بلبسهما. ويجتنبان وجوباً الرفث والفسوق والجدال، ويسنُّ لهما قلَّة الكلام فيما لا ينفع.
الرابع الفصل
في الفدية
وهي تجب بسبب نُسُك أو إحرامٍ.
ففدية اللبس والطيب وتغطية الرأس وإزالة أكثر من شعرتين على التخيير؛ ذبح شاةٍ، أو صيام ثلاثة أيامٍ، أو إطعام ستة مساكين؛ لكل مسكين مُدُّ بُرٍّ (3) أو مُدَّان من تمرٍ أو شعير.
__________
(1) فَصَدَ العِرق: شقَّه، ويقال: فصد المريض: أخرج مقداراً من دم وريده بقصد العلاج.
انظر: (فصد) القاموس المحيط (ص391)، المصباح المنير (ص474)، المعجم الوسيط (ص690).
(2) بطَّ الرجلُ الجُرحَ أو الدُّمَّلَ ونحوه بطاً: شقَّه، والمِبطُّ: ما يُبَطُّ به؛ من مِبضعٍ ونحوه.
انظر: (بطط) القاموس المحيط (ص851)، المصباح المنير (ص51)، المعجم الوسيط (ص61).
(3) المُدُّ: مكيال قديم يعادل ربع الصاع. وهو قدر مِلء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومدَّ يده بهما. وقد اختلف الفقهاء في قدره قديماً وحديثاً، وقدرُه عند المعاصرين منهم (509) جرام أو (543) جرام.
انظر (مدد): النهاية (4/308)، القاموس (ص407)، المطلع (ص31)، معجم لغة الفقهاء (ص448-450)، المقادير الشرعية والأحكام المتعلقة بها (ص226-230).(1/77)
وفي شعرة أو ظفر طعام مسكين. وفي شعرتين أو ظفرين طعاما مسكين، والبعض من ذلك كالكل.
والمُدَّ: رطلٌ وأوقيتان وسُبُعا أوقية بالمصري، وما [14] وافقه كالمكي (1) .
ومن قتل صيداً أو دلَّ عليه ونحوه، فعليه مِثْلُه من النَّعم إن كان له مِثْلٌ، وإن كانا اثنين فأكثر اشتركوا فيه.
ففي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش (2) وبقره (3) والأيل والتيتل والوعل بقرة، وفي الضَبُع (4) كَبْشٌ (5) ،
__________
(1) انظر قدر المُدِّ وما أورده المؤلف هنا من مقادير في: الإقناع (1/72)، ومنتهى الإرادات (1/87).
(2) حمار الوحش ويسمى حمار الزرد وهو : حيوان من ذوات الحوافر وفصيلة الخيل ، معروفٌ بلونه الأبيض المخطط بالسواد.
انظر: معجم الحيوان (ص270)، المعجم الوسيط (196).
(3) بقر الوحش: اسم يُطلق على الظباء الكبيرة المجوفة القرون؛ كالوعل والأيل والتيتل واليحمور.
انظر: حياة الحيوان للدميري (1/252)، المطلع على أبواب المقنع (ص179)، معجم الحيوان للفريق أمين معلوف (ص58)، حيوانات وطيور الشام لأحمد وصفي زكريا (ص37).
(4) الضَبُْع بضم الباء ويجوز بسكونها: وهي الأنثى، ولا يقال: ضبعة، والذكر: ضِبْعان بكسر الضاد وسكون الباء، ويجمع على أضبُع وضِباع وضُبُع - بضمتين - وهو جنس من السباع أكبر من الكلب وأقوى، وهي كبيرة الرأس قوية الفكَّيْن، يشبه الذئب إلا أنه إذا جرى كأنه أعرج، وهي نوعان: رقطاء، وموطنها أفريقيا. ومخططة، وموطنها جزيرة العرب والشام والعراق وشمال أفريقيا.
انظر: القاموس المحيط (ص956)، المطلع (ص180)، معجم الحيوان (ص129)، المعجم الوسيط (ص533).
(5) الكبش: فحل الضأن في أي سنٍّ كان.
انظر: القاموس المحيط (ص778)، المطلع (ص180)، المعجم الوسيط (ص774).(1/78)
وفي الغزالة شاة، وفي الوَبْرِ (1) والضبِّ جديٌ؛ من أولاد المعز له ستة أشهر، وفي أرنب عَنَاقٌ؛ وهي: أنثى المعز أصغر من الجَفْرَة (2) ، وفي حمام - وهو: كلُّ ما عبَّ وهدر - شاةٌ. وما له مِثْل غير ذلك يرجع فيه لقول عدلين خبيرين، ويخير في المِثْل بين تقويمه [15] بدراهم يشتري بها بُرَّاً أو تمراً أو نحوه مما يجزئ في كفارة، فيطعم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ أو مُدَّين من غيره، أو يصوم عن طعام كل مسكين يوماً. وما لا مِثل له من النعم يقومه بدراهم ويشتري بها طعاماً فيطعمه كما تقدم، أو يصوم عن طعام كل مسكينٍ يوماً كما تقدم أيضاً، والقارن وغيره في ذلك سواء.
ومن أحرم متمتعاً أو قارناً فعليه دم نسك شاةٌ إن لم يكن من مستوطني الحرم.
ويشترط في دم متمتع وحده: أن يحرم بالعُمْرَة في أشهر الحج. وأن يحرم من عامه. وأن لا يسافر بينهما مسافة قصر، فإن فعل فأحرم فلا دم عليه. وأن يحل منها قبل إحرامه به وإلا صار قارناً. وأن يحرم بها من ميقاتٍ أو من مسافة قصرٍ فأكثر من مكة. وأن ينوي التمتع في ابتدائها أو أثنائها.
__________
(1) الوَبْر بسكون الباء، والأنثى: وَبْرة، وجمعها: وُبُورٌ، ووِبار. وهو حيوان من ذوات الحوافر يعيش في: لبنان والحجاز وجبال سيناء وجبال مصر الشرقية. وهو في حجم الأرنب، قصير الذنب، لونه بين الغبرة والسواد، وقد يدجن في البيوت.
انظر: النهاية (5/145)، المطلع (ص180)، معجم الحيوان (ص131)، المعجم الوسيط (ص1008).
(2) الجفرة: أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر وعظمت واستكرشت وفصلت عن أمهاتها وأخذت في الرعي، والذكر منها: جَفْرٌ، وجمعه: أجفارٌ وجِفار - بكسر الجيم - وجَفَرَة.
انظر: النهاية (1/277)، القاموس المحيط (ص467)، المطلع (ص181)، المعجم الوسيط (ص1008).(1/79)
ويلزم الدم بطلوع فجر يوم النحر، فإن عدِمه أو ثمنه في ذلك الوقت صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وإن شاء إذا فرغ من أفعال الحج، والأفضل كون آخر الثلاثة يوم عرفة، فإن فاته ذلك صام أيام منىً، فإن أخرها عنها صام بعد عشرةً وعليه دمٌ. ولا يجب في الصوم المذكور تتابع ولا تفريق.
ومن وطئ قبل التحلل الأول، أو باشر دون الفرج، أو كرر النظر أو قَبَّل أو لمس لشهوةٍ فأنزل، أو استمنى فأمنى فعليه بدنة، فإن عدمها صام كذلك. وإن باشر ولم ينزل، أو استمنى فأمذى فكفدية لُبْسٍ.
ولا شيء على من فكر فأنزل، ولا في عقد النكاح، ولا في اصطيادٍ إذا لم يقتله، فإن جرحه غير موحٍ (1) فأرش [15] نقصه، وإن كان موحياً فجزاؤه.
ومن كرر محظوراً من جنسٍ غير قتل صيدٍ؛ بأن حلق وقلَّم، أو لبس أو تطيب مرتين فأكثر قبل التكفير ففديةٌ واحدةٌ، وإلا لزمه أخرى. وإن كانت من أجناس فلكل جنسٍ فداء. وفي الصيود ولو قتلت معاً جزاءٌ بعددها.
ومن حلق أو قلَّم أو وطئ أو قتل صيداً ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فدى، لا إن لبس أو تطيب أو غطى رأسه في حالٍ من ذلك، ومتى زال عذره أزاله [16] في الحال.
ومن أحرم في مخيط خلعه على العادة، ولا يشقُّه، فإن استدامه ولو لحظة فوق المعتاد من خلعه فدى. وإن لبس أو افترش ما كان مطيباً - ولو انقطع ريحه لكن يفوح برش الماء عليه – فدى.
والأفضل ذبح ما بحجٍ بمنى، وما بعُمْرَة بالمروة، وما وجب لفعل محظورٍ جاز ذبحه بالحرم وحيث وجد المحظور، والدم المطلق: شاةٌ أو سُبُع بدنة أو بقرة.
__________
(1) يقال: وَحَيْت العمل وأوحيته: عجلته. فالجرح الموحي: المسرع للموت الذي لا تبقى معه غالباً.
انظر: المصباح (ص652)، المطلع (ص385)، المعجم الوسيط (ص1109).(1/80)
تتمة: يحرم على المكلف ولو حلالاً صيد حرم مكة، ويضمن كصيد إحرام، ويحرم قطع شجره أو حشيشه إلا اليابس والإذخر وما غرسه آدمي أو زرعه. ويحرم صيد حرم المدينة وشجرها، ولا جزاء، لكن له الأخذ للعلف ولحاجة حرثٍ ونحوه.
الرابع الباب
في دخول مكة وما يتعلق به
وفيه خمسة فصول (1) :
الأول الفصل
في آداب الدخول
يستحب له أن يغتسل، قال بعضهم: وأن يكون من ”بئر ذي طوى (2) اقتداءاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3) ، ويجوز من غيرها.
__________
(1) - لم يورد المؤلف في هذا الباب إلا أربعة فصول! وقد تطابقت في هذا النسختان. والعجيب أن ابن منقور في: ”جامع المناسك الثلاثة الحنبلية“ (ص65) قد تابع المؤلف هنا ولم يتنبه إلى خطئه
(2) قال الأستاذ البلادي: ”بئر طوى لا زالت معروفة بجرول يزورها حجاج المغاربة، وهي في المكان الذي بات فيه رسول الله ليلة الفتح، وهذه البئر يشرف عليها من مطلع الشمس جبل قُعَيْقِعان، وجهته هذه تُسمى اليوم: جبل السودان“. قلت: لا يزال مكانها اليوم معروفاً قريباً من مستشفى النساء والولادة بحي جرول.
انظر: معجم معالم الحجاز (5/237)، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (ص188).
(3) روى البخاري (491، 1553، 1573، 1769)، ومسلم (1259)، من حديث نافع: (أن ابن عمر - رضي الله عنه - كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهاراً، ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعله).(1/81)
وأن يدخلها نهاراً من ثنية ”كَداء“بفتح الكاف والمدِّ (1) ؛ وهي: أعلى مكة من جهة باب المعلى (2) .
وأن يخرج من أسفلها من ثنية ”كُدى“ بضم الكاف والقصر (3) ؛ وهو: موضع بأسفل مكة عند ذي طوى بقرب شعب الشافعيين (4) ، وأما ”كُدَيّ“ بالتصغير فموضعٌ يجتاز عليه من خرج منها يريد اليمن (5) .
__________
(1) قال ابن حجر في الفتح (3/437): ”كَداء: بفتح الكاف والمد. قال أبو عبيد: لا يصرف. وهذه الثنية هي التي ينزل منها إلى المعلى؛ مقبرة أهل مكة؛ وهي التي يقال لها: الحَجُون - بفتح المهملة وضم الجيم - وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي [ تاريخ مكة (2/286)]، ثم سُهِّل في عصرنا هذا منها - سنة إحدى عشرة وثمانمائة - موضعٌ، ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر: الملك المؤيد، في حدود العشرين وثمانمائة. وكل عقبة في جبل أو طريق عال فيه تسمى ثنية“.
(2) روى البخاري (1767) في صحيحه من حديث نافع: ( ... أن ابن عمر - رضي الله عنه - كان يبيت بذي طوى بين الثنيتين ثم يدخل من الثنية التي بأعلى مكة ... ).
(3) روى البخاري (1576)، واللفظ له، ومسلم (1257)، من حديث نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - : (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة من كداء من الثنية العليا التي بالبطحاء ويخرج من الثنية السفلى).
(4) قال ابن حجر في الفتح (3/511): ”كُدا: وهو بضم الكاف مقصور؛ وهي عند باب شبيكة، بقرب شعب الشافعيين، من ناحية قعيقعان، وكان بناء هذا الباب عليها في القرن السابع“.
(5) قال الأستاذ البلادي في معجم المعالم الجغرافية (ص261): ”كَداء بالتحريك والمد، وكُدى بالضم والقصر، وكُديّ بالضم وآخره ياء: هذه الأكدية يتردد ذكرها كثيراً في السيرة وكتب البلدان وتواريخ مكة، وكثر فيها الغلط والخلط، وأطلت الحديث عنها في: "معجم معالم الحجاز" [(7/196-203)] وما يهم قارئ السيرة هنا هو:
1. ... كَدَاء: بالتحريك والمد، هو ما يُعرف اليوم بريع الحجون، يدخل طريقه بين مقبرتي المعلاة، ويفضي من الجهة الأخرى إلى حي العتيبية وجرول.
2. ... كُدَىً: بضم الكاف والقصر، هو ما يُعرف اليوم بريع الرَّسَّام، بين حارة الباب وجرول.
3. ... كُدَيّ: بضم الكاف وآخره ياء مثناة تحت، ريعٌ ما زال يُعرف بهذا الاسم، يخرج فيه من مسفلة مكة إلى جبل ثور وجنوب شرقي مكة إلى منى، وطريقه تُسمى: "اللاَّحِجة" وكلها من مكة“.
وانظر تفصيل الكلام في هذه المواضع في: معجم البلدان (4/439-441)، مثير العزم الساكن (1/340).(1/82)
قال الإمام أحمد: ”إذا دخلت مكة فقل: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، والبلد بلدك، جئتك مؤمناً بك لأؤديك فرائضك، متبعاً لأمرك، راضياً بقضائك، أسألك مسألة المضطر إلى رحمتك، الخائف من عذابك وعقوبتك، أن تستقبلني بعفوك، وتحفظني برحمتك، وتتجاوز عني بمغفرتك، [16] وتعينني على أداء فرائضك“.
قال السعدي (1) : ”ويقول حال دخول مكة: آيبون تائبون لربنا حامدون، الحمد لله كثيراً على تيسيره وحسن بلاغه، والحمد لله الذي أقْدَمَنِيها سالماً مُعافاً، فاللهم هذا حرمك وأمنك [17] فحرم لحمي وشعري وبشري على النار، وآمنِّي من عذابك يوم تبعث عبادك، وأدخلني برحمتك الواسعة، وأعذني من الشيطان وجنوده وشرِّ أوليائه وحزبه، واجعلني من أوليائك وأحبابك وأهل طاعتك برحمتك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم“.
__________
(1) بدر الدين أبو محمد بن محمد بن أبي بكر السعدي. تقدمت ترجمته (ص26).(1/83)
ويدخل المسجد من باب بني شيبة (1) ؛ وهو المسمى الآن بباب السلام (2) .
__________
(1) روى الطبراني في الأوسط (491) من طريق مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: (دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخلنا معه من باب بني عبد مناف؛ وهو الذي يسميه الناس: باب بني شيبة. وخرجنا معه إلى المدينة من باب الحزورة؛ وهو باب الخياطين). قال الطبراني: ”لم يرو هذا الحديث عن مالك إلا عبد الله بن نافع تفرد به مروان بن أبي مروان“. وقال ابن حجر في التلخيص (2/243): ”في إسناده عبد الله بن نافع وفيه ضعف“. وقال البيهقي في السنن (5/72): ”إسناده غير محفوظ. وروينا عن ابن جريج عن عطاء قال: "يدخل المحرم من حيث شاء، قال: ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من باب بني شيبة وخرج من باب بني مخزوم إلى الصفا". وهذا مرسل جيد“.
(2) هو غير الباب المسمى بهذا الاسم اليوم في التوسعة السعودية كما يتوهم البعض. قال الأزرقي (2/87)، والفاكهي (2/188): ”الباب الكبير الذي يقال له اليوم: باب بني شيبة، وهو باب بني عبد شمس بن عبد مناف، وبهم كان يُعرف في الجاهلية والإسلام عند أهل مكة“. وأما موضعه فقد ذرعه الأزرقي (2/86)، والفاكهي (2/186)، فقالا: ”من الركن الشامي إلى وسط باب بني شيبة مائتا ذراع وخمسة وأربعون ذراعاً وخمس أصابع“، وقد بقي هذا الباب إلى العهد السعودي في وسط المطاف شرق المقام مرموز له بعقد يمر الناس تحته وحوله، ثم أزيل توسعة على الطائفين.(1/84)
ويقدم رجله اليمنى ويقول: ”بسم الله والسلام على رسول الله محمد (، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك“ (1) . وإن شاء قال غير ذلك مما ورد.
__________
(1) روى الإمام أحمد (26948-26949، 26951)، والترمذي (314-315)، وابن ماجه (771)، من حديث فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد يقول: بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج قال: بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك). قال الترمذي: ” ... وفي الباب عن أبي حميد وأبي أسيد وأبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث فاطمة حديث حسن، وليس إسناده بمتصل، وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى؛ إنما عاشت فاطمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أشهراً“.
قلت: قد رواه مسلم في صحيحه (713) بسنده عن عبد الملك بن سعيد عن أبي حميد - رضي الله عنه - أو عن أبي أسيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك).(1/85)
وإذا رأى البيت رفع يديه وقال: ”اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام“ (1) .”اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً ومهابةً وبِراً، وزد من عظمه وشرَّفه ممن حجه واعتمره تعظيماً وتشريفاً ومهابةً وبِراً“ (2) .
__________
(1) روى ابن معين في التاريخ (3/211)، وابن سعد في الطبقات (5/120)، البخاري في التاريخ الكبير (1/294)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/73)، عن سعيد بن المسيب قال: ”سمعت من عمر - رضي الله عنه - كلمةً ما بقي أحدٌ من الناس سمعها غيري؛ سمعته يقول إذا رأى البيت: اللهم أنت السلام ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام“.
(2) روى الشافعي في مسنده (1/125)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (5/73)، عن ابن جريج: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابةً. وزِد من شرفه وكرمه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً). قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/242): ” ... وهو معضل فيما بين ابن جريج والنبي - صلى الله عليه وسلم - . قال الشافعي بعد أن أورده: ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شيءٌ؛ فلا أكرهه ولا أستحبه. قال البيهقي فكأنه لم يعتمد على الحديث لانقطاعه“.
وقال البيهقي: ”هذا منقطع. وله شاهد مرسلٌ عن سفيان الثوري عن أبي سعيد الشامي عن مكحول قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام. اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً ومهابةً. وزد من حجه أو اعتمره تكريماً وتشريفاً وتعظيماً وبراً. أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الأصبهاني الحافظ أنبأ أبو نصر العراقي ثنا سفيان بن محمد ثنا علي بن الحسن الدرابجردي ثنا عبد الله بن الوليد ثنا سفيان حدثني أبو سعيد الشامي، فذكره“. قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/242): ” ... أبو سعيد هو محمد بن سعيد المصلوب كذاب. ورواه الأزرقي في تاريخ مكة [(1/279)] من حديث مكحول أيضاً، وفيه مهابةً وبراً في الموضعين“.
قلت: ورواه أيضاً ابن أبي شيبة في المصنف (3/437)، (6/81) من طريق سفيان عن رجل من أهل الشام عن مكحول، وليس فيه: ”اللهم أنت السلام ... “.
وروى الطبراني في الأوسط (6/183)، والكبير (3053)، عن حذيفة بن أسيد أبي سَرِيحة الغفاري: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نظر إلى البيت قال: اللهم زد بيتك هذا تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبراً ومهابةً. وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تعظيماً وتشريفاً وتكريماً وبراً ومهابةً). قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/242): ” ... وفي إسناده عاصم الكوزي؛ وهو كذاب“. وقال الزيلعي في نصب الراية (3/36): ” ... وروى الواقدي في كتاب المغازي: حدثني ابن أبي سبرة عن موسى بن سعد عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة نهاراً من كدى، فلما رأى البيت قال: اللهم زد هذا تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابةً. وزد من عظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابةً وبراً“.(1/86)
”الحمد لله ربِّ العالمين كثيراً كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعزِّ جلاله. الحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلاً، والحمد لله على كل حال. اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام، وقد جئتك لذلك، اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت“. يرفع بذلك صوته.
ويندب له الاعتكاف كلما دخل المسجد. وأن يشرب من ماء زمزم. وأن يزور المواضع المشهورة بمكة؛ وهي: البيت الذي ولد به - صلى الله عليه وسلم - ، والغار الذي بجبل حراء، وبيت خديجة، ودار الأرقم، والغار الذي بجبل ثور (1) .
الثاني الفصل
في الطواف
__________
(1) سبق التعليق على هذا في المؤاخذات على الكتاب (ص29)، وسيأتي نظير هذا عند المؤلف عفا الله عنه (ص127). وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منسكه (ص50)، وهو في مجموع فتاويه (26/144): ” ... أما زيارة المساجد التي بنيت بمكة غير المسجد الحرام؛ كالمسجد الذي تحت الصفا، وما في سفح أبي قُبَيْسٍ، ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - ؛ كمسجد المولد وغيره، فليس قصد شيءٍ من ذلك من السُنَّة، ولا استحبه أحدٌ من الأئمة، وإنما المشروع إتيان المسجد الحرام خاصة، والمشاعر؛ عرفة ومزدلفة والصفا والمروة. وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة - غير المشاعر عرفة ومزدلفة ومنى - مثل جبل حراء، والجبل الذي عند منى الذي يقال: إنه كان فيه قبة الفداء، ونحو ذلك، فإنه ليس من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيارة شيءٍ من ذلك، بل هو بدعة. وكذلك ما يوجد في الطرقات من المساجد المبنية على الآثار والبقاع التي يقال: إنها من الآثار لم يشرع النبي - صلى الله عليه وسلم - زيارة شيءٍ من ذلك بخصوصه ولا زيارة شيء من ذلك ... “.(1/87)
وهو تحية الكعبة؛ فيبدأ به إذا دخل المسجد، فيطوف إذا كان متمتعاً لعمرته، وإن كان مفرداً أو قارناً لقدومه. ويضطبع في كل أسبوعه؛ بأن يجعل وسط ردائه تحت كتفه الأيمن [17] وطرفيه فوق الأيسر.
ويرمل في الثلاث طوفاتٍ الأُوَل، ويمشي الأربعة الباقية بسكينة. ولا يُقضى فيها رَمَلٌ [18] فات. والرَمَلُ: إسراع المشي مع تقارب الخطا. ولا يُسنُّ رَمَلٌ لحاملِ معذورٍ، ولا نساءٍ، ومُحْرِمٍ من مكة أو قربها، ولا في غير هذا الطواف.(1/88)
ويبتدئ الطواف من الحجر الأسود؛ فيستقبله بجملته، ويستلمه بيده اليمنى ويقبِّله ويسجد عليه، فإن شقَّ لم يزاحم واستقبله بيده وقبَّلها، فإن شقَّ فبشيء وقبَّله، فإن شقَّ أشار إليه بيده أو بشيءٍ ولا [يقبِّله] (1) ، واستقبله بوجهه وقال: ”بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك (2) ، ووفاءاً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد (“ (3) .
__________
(1) في المدنية: ”يقبله بيده“. وما في المصرية يوافقه ما في جامع المناسك الحنبلية (ص72).
(2) نقل ابن قايد في حاشيته على المنتهى (2/143) عن الخلوتي: ”روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: لما أخذ الله تعالى الميثاق على الذرية، كتب كتاباً وألقمه الحَجرَ؛ فهو يشهد للمؤمن بالوفاء وعلى الكافر بالجحود. ذكره الحافظ أبو الفرج، انتهى "مطلع" . فالمراد من كتابه تعالى هنا: غيرُ القرآن“. قلت: قد أورد هذا الخبر البعلي في كتابه المطلع على أبواب المقنع (ص189) وقال: ”ذكره الحافظ أبو الفرج“، والخبر قد رواه الحاكم في المستدرك (1/457)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/451) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حدَّث به عمرَ - رضي الله عنه - حين قال: ”والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع...“، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/540): ”في إسناده أبو هارون العبدي، وهو ضعيفٌ جداً“، وقال الذهبي في تلخيصه المستدرك: ”أبو هارون ساقط“.
(3) قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/247): ” ... حديث عبد الله بن السائب أنه كان يقول في ابتداء الطواف: بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ووفاءاً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك. لم أجده هكذا. وقد ذكره صاحب المهذب من حديث جابر - رضي الله عنه - ، وقد بيَّض له المنذري والنووي. وخرَّجه ابن عساكر من طريق ابن ناجية بسند له ضعيف.
ورواه الشافعي عن ابن أبي نَجِيح قال: أخبرت أن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا؟ قال: قولوا: بسم الله والله أكبر، إيماناً بالله، وتصديقاً بما جاء به محمد. قلت: وهو في الأم [(2/186)] عن سعيد بن سالم عن ابن جريج.
وروى البيهقي [(5/79)]، والطبراني في الأوسط [لم أقف عليه] والدعاء من حديث ابن عمر: أنه كان إذا استلم الحجر قال: بسم الله والله أكبر. وسنده صحيح.
وروى العقيلي من حديثه أيضاً أنه كان إذا أراد أن يستلم يقول: اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك واتباعا لسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يستلمه [الضعفاء (4/135)، من حديث محمد بن المهاجر عن نافع، وقال: ”لا يتابع عليه“. وكذا رواه من الطريق ذاتها الطبراني في الأوسط (5/338)، وقال: ”لم يرو هذا الحديث عن محمد بن المهاجر إلا عون بن سلام“].
ورواه الواقدي في المغازي مرفوعاً.
ورواه البيهقي [(5/79)]، والطبراني في الأوسط [(1/157)] والدعاء، وابن أبي شيبة [ (3/441)، (6/81)] عن الحارث الأعور عن علي - رضي الله عنه - أنه كان إذا مرَّ بالحجر الأسود فرأى عليه زحاما استقبله وكبَّر، ثم قال: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك واتباعاً لسنة نبيك“.
قلت: قد روى أيضاً عبد الرزاق في مصنفه (8898-8899) من حديث الضحاك بن مزاحم وعطاء عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه كان إذا استلم قال: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك وسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - “.(1/89)
ويجعل البيت عن يساره، ويدنو منه إن أمكنه بلا مشقة مع الرمل؛ فالرمل أولى من الدنو من البيت، والتأخير له وللدنو أولى. وكلما حاذى الحجر والركن اليماني استلمهما، أو أشار إليهما، لا الشامي؛ وهو أول ركن يمر به، ولا الغربي؛ وهو الذي يليه.
ويقول كلما حاذى الحجر: ”الله أكبر“. وبين اليماني وبينه: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[سورة البقرة: الآية (201)].
وكلما حاذى البيت: اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام خليلك إبراهيم العائذ بك من النار“.
وعند الانتهاء إلى الركن العراقي: ”اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وسوء المنقلب في المال والأهل والولد“ (1) .
وعند الانتهاء إلى الميزاب (2) : اللهم أظلني تحت ظلِّ عرشك يوم لا ظلَّ إلا ظلُّك، واسقني بكأس محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - شربةً هنيئةً مريئةً لا أظمأ بعدها أبداً يا ذا الجلال والإكرام“.
__________
(1) قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/247): ” ... قوله: ويقول إذا انتهى إلى الركن العراقي: اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق. هكذا ذكره ولم يذكر له مستندا. وقد أخرجه البزار من حديث أبي هريرة مرفوعا لكن لم يقيده بما عند الركن ولا بالطواف“.
(2) الميزاب بالياء والمئزاب بالهمز: المرزاب بتقديم الراء وتأخيرها، وهو قناة أو أنبوبة يُصرف بها ماء المطر ونحوه من سطح بناء وموضع عالٍ، وجمعه: مآزيب وميازيب وربما قيل: موازيب. وهو فارسي معرَّب معناه: بُلِ الماء، كأنه الذي يبول الماء، وقيل: هو عربي؛ من أَزَبَ أو وَزَب الماءُ - كضَرَبَ - أي: جرى.
انظر: (أزب) القاموس المحيط (ص75)، المعرب (ص598)، المصباح المنير (ص12)، قصد السبيل (2/438)، المعجم الوسيط (ص15).(1/90)
وفي بقية طوافه: اللهم اجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، ”ربِّ اغفر وارحم، واهدني السبيل الأقوم، وتجاوز عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم“ (1) .
ويذكر ويدعو بما أحب. وتسنُّ القراءة فيه.
الثالث الفصل [19]
في شروط الطواف
وهي عشرة:
1. النية.
2. وستر العورة.
3. والطهارة [18] من الحدث والخبث.
4. وتكميل السبع.
5. والموالاة؛ بأن لا يقطعه طويلاً؛ فإن كان يسيراً، أو أقيمت صلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى، ويكون البناء من الحجر الأسود ولو كان القطع في أثناء شوطٍ.
6. وأن يجعل البيت عن يساره.
7. وأن لا يمشي في شيءٍ من البيت؛ كالحِجْر (2) ، والشَّاذَرْوان (3) ،
__________
(1) تقدم تخريجه (ص46).
(2) الحِجْر: لازال معروفا اليوم بهذا الاسم، ويسمى أيضاً حِجْر إسماعيل، وهو ما نقصته قريش من سعة البيت لما قصُرت نفقتهم عن بنائها على أسس إبراهيم الخليل، ثم حجروا عليه بجدار من حجارة، ثم ستر جدار الحجر بالرخام في خلافة أبي جعفر المنصور. والحِجْر في الجهة الشمالية من الكعبة التي فيها الميزاب بين الركنين الشامي والغربي، وطوله ستة أذرع وشئ. وهو محاطٌ اليوم بجدار من الرخام ارتفاعه قريبٌ من القامة.
انظر خبر الحجر وذرعه في: تاريخ مكة للأزرقي (1/311-322)، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام للفاسي (1/339-351).
(3) الشَّاذَرْوان: بفتح الشين والذال وسكون الراء، وهو دخيلٌ. وهو من جدار البيت الحرام؛ القدر الذي تُرِك من عَرْضِ الأساس خارجاً عن عرض الجدار مرتفعاً عن الأرض قدر ثلثي ذراع، ويُسمى: تأزيراً لأنه كالإزار للبيت.
قال الأزرقي في تاريخ مكة(1/309): ”عدد حجارة الشاذروان التي حول الكعبة ثمانية وستون حجراً في ثلاثة وجوه... وطول الشاذروان في السماء ستة عشر أصبعاً وعرضه ذراع، قال: والذراع أربعة وعشرون أصبعاً...“، وقال النووي بعدما نقل كلام الأزرقي: ”قال أصحابنا وغيرهم: هذا الشاذروان جزءٌ من الكعبة نقصته قريشٌ من أصل البناء حين بنوها، وهو ظاهرٌ في جوانب البيت، لكن لا يظهر عند الحجر الأسود، وقد أُحدث في هذه الأزمان عنده شاذروان“.
وقال البعلي في المُطْلِِع بعدما نقل كلام الأزرقي: ”هو في هذا الزمان قد صُفِّح فصار بحيث يعسر الدوس عليه، فجزى الله فاعله خيراً“، قلت: لازال اليوم مصفحاً برخام مائل بحيث يعسر جداً المشي عليه.
انظر: تحرير ألفاظ التنبيه (ص152)، المصباح المنير (ص307)، قصد السبيل (2/179)، المطلع على أبواب المقنع (ص191).(1/91)
لكن [ لا يضر ] (1) محاذاة نحو يده للجدار.
8. وأن لا يخرج عن المسجد.
9. وأن يبدأ بالحجر الأسود.
10. وأن يحاذيه بجميع بدنه.
فلا يصح الطواف مُنَكَساً، ولا خارجاً عن المسجد، ولا على أرضٍ تنجست. ويصح على ظهر المسجد، وكذا لو نوى الطواف وقصد معه نحو غريمٍ، لكن عدَّه بعض الأصحاب مما ينقص الثواب.
ولا يصح راكباً أو محمولاً لغير عذرٍ، ويجزئ حينئذٍ عن المحمول فقط، وسعي كطوافٍ فيه.
ويقطعه حدثٌ، فيستأنفه بعد أن يتطهر.
وإذا طاف في المسجد وبينه وبين البيت حائلٌ أجزأ.
ويستحب للمرأة الجميلة تأخير الطواف والسعي لليلٍ مع الإمكان وعدم المحظور.
فإذا أتمَّ الطواف تنفل بركعتين ولو وقت نهي، والأفضل كونهما خلف المقام، وأن يقرأ فيهما بالكافرون والإخلاص بعد الفاتحة، وتجزئ مكتوبة عنهما.
الرابع الفصل
في السعي
__________
(1) في المدنية والمصرية: ”يضر“. وجرى تصويبهما من جامع المناسك الحنبلية (ص80).(1/92)
يسنُّ أن يخرج له من باب الصفا (1) ، فيرقى الصفا؛ ليرى البيت إن كان ماشياً، وإن كان راكباً صعد بدابته حتى تضع حافرها على شيءٍ منه. ويكبر ثلاثاً، ويقول ثلاثاً: ”الحمد لله على ما هدانا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويُميت وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وإليه المصير، وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده“ (2) . ويدعو بما أحبَّ. ولا يلبي. ثم يترك ويمشي حتى يبقى بينه وبين العَلَم نحو ستة أذرع فيسعى ماشياً [20] سعياً شديداً إلى العَلَم الآخر. ثم يمشي حتى يرقى المروة كما تقدم في الصفا، ويقول كما قال عليها.
ويجب استيعاب ما بينهما في كل شوط، فيلصق عقبه بأصلهما إن لم يرقهما، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا، يفعله [19] سبعاً؛ ذهابه سعية ورجوعه أخرى. فإن بدأ بالمروة لم يحتسب له بذلك الشوط.
__________
(1) لم يبق اليوم أثر لهذا الباب ولا لغيره، وقد ضُمَّ المسعى بحمد الله إلى المسجد في التوسعة السعودية، ولو بقيت هذه الأبواب لضاق المطاف جداً على الطائفين؛ فقد كان موضع باب الصفا كما قال الأزرقي (2/86)، والفاكهي (2/186): ”من الركن الأسود إلى وسط باب الصفا مائة ذراع وخمسون ذراعاً وست أصابع“.
(2) رواه مسلم في صحيحه (1218) في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولفظه: ( ... فبدأ بالصفا، فرقي عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك ... ).(1/93)
ويقول في سعيه: ”رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعزُّ الأكرم“ (1) .
__________
(1) قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/251): ”..وأما الدعاء في السعي؛ يقول: "اللهم اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم". فرواه الطبراني في الدعاء وفي الأوسط [لم أقف عليه] من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سعى بين الصفا والمروة في بطن المسيل قال: (اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم). وفي إسناده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف.
وقد رواه البيهقي [السنن الكبرى (5/95)، وقد نقله ابن عبد البر في الاستذكار (12/224) عن عبد الرزاق، ولم أقف عليه في مصنفه] موقوفاً من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : أنه لما هبط إلى الوادي سعى، فقال: فذكره. وقال: "هذا أصح الروايات في ذلك عن ابن مسعود - رضي الله عنه - "، يشير إلى تضعيف المرفوع.
وذكره المحب الطبري في الأحكام من حديث امرأة من بني نوفل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين الصفا والمروة: "رب اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم". قال المحب: رواه الملا في سيرته، ويراجع إسناده.
وعن أم سلمة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سعيه: "اللهم اغفر وارحم، واهد السبيل الأقوم". رواه الملا في سيرته أيضاً.
وروى البيهقي [السنن الكبرى (5/95)، وابن أبي شيبة في مصنفه (3/420-421)، (6/83)، ونقله ابن عبد البر في الاستذكار (12/224) عن عبد الرزاق، غير أني لم أقف عليه في مصنفه] من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يقول ذلك بين الصفا والمروة مثل حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - موقوفاً.
وعلى هذا فقول إمام الحرمين في النهاية: صح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في سعيه: اللهم اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [سورة البقرة: الآية (201)] الآية، فيه نظر كثير“.(1/94)
ويشترط: نيته، وموالاته، وأن يكون بعد طواف نسكٍ ولو مسنوناً.
وسننه: الطهارة، وستر العورة، والموالاة بينه وبين الطواف.
والمرأة لا ترقى ولا تسعى سعياً شديداً. وتسنُّ مبادرة معتمر بذلك وتقصيره؛ ليحلق للحج، إن لم يكن متمتعاً ساق هدياً، فلا يتحلل حتى يذبحه يوم النحر فيدخل الحج على العمرة.
الخامس الباب
في صفة الحج والعمرة وما يتعلق بذلك
وفيه سبعة فصول:
الأول الفصل
في الوقوف بعرفة
يسنُّ أن يخرج إلى منى يوم التروية؛ وهو الثامن من ذي الحجة، قبل الزوال، ويحرم بالحج عند الخروج إليها إن كان حلالاً أو متمتعاً - ولو بقي على إحرامه - لسوق الهدي، لكن إذا عدم المتمتع الهدي سُنَّ له الإحرام في السابع؛ ليصوم الثلاثة أيام في إحرام الحج.
ويسنُّ له أن يغتسل لإحرامه، وأن يتنظف ويتطيب، ويتجرد عن المخيط في إزار ورداء كما تقدم. وله الإحرام من حيث شاء، والأفضل من تحت الميزاب بعد طوافٍ وصلاة ركعتين، ولا يطوف لوداعه.
ويسير إلى منى مكثراً من التلبية، فيصلي بها الظهر مع الإمام، ويبيت بها. فإذا أشرقت الشمس على ثبير؛ وهو جبلٌ معروفٌ بمنى (1)
__________
(1) الجبال التي تُسمَّى ثبيراً بمكة كثيرةٌ، ولا زال الخلاف بين أهل العلم قديماً وحديثاً في تعيينها، ومنها: ثبير النِّصْع الذي كانت العرب في جاهليتها تقول إذا أرادت الدفع من المزدلفة: أشرق ثبير كيما نُغير، فلا يدفعون حتى يروا الشمس عليه. وقد رجَّح الدكتور عبد الملك بن دهيش أنه الجبل الأشم الذي على يسار الذاهب من منى إلى المزدلفة.
انظر: تاريخ مكة للأزرقي (2/278)، أخبار مكة للفاكهي(4/167)، معجم البلدان (2/72)، شفاء الغرام للفاسي (1/464)، معجم معالم الحجاز (2/69).(1/95)
سار إلى نَمِرَة (1) ، فيقيم بها إلى الزوال، ويخطب بها نائب الإمام خطبة [21]قصيرة يعلمهم فيها الوقوف ووقته والدفع منه والمبيت بمزدلفة وطواف الزيارة. ثم يجمع من له الجمع – حتى المنفرد - بين الظهر والعصر تقديماً.
__________
(1) قال الأزرقي (2/188): ”نمرة هو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم، على يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف، وتحت جبل نمرة غار أربعة أذرعٍٍ في خمسة أذرعٍ، ذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينزله يوم عرفة حتى يروح إلى الموقف، وهو منزل الأئمة إلى اليوم“، وكذا قال الحجاوي في الإقناع (2/18): ”نمرة هو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم، على يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف“، وقال ابن جاسر في منسكه (2/14) بعدما ساق كلام الحجاوي: ”قلت: في زمننا هذا ليست أنصاب الحرم على جبلٍ، بل هي على أرضٍ مستوية كما هو مُشاهَد“، وقال أيضاً بعدما ساق كلام الأزرقي: ”في كلام الأزرقي نظر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضُرِبت له قبةٌ - أي: خيمة - فنزل بها لا بالغار، وفي هذا الزمن لا يوجد على الجبل المذكور أنصاب للحرم، وإنما أنصاب الحرم على وجه الأرض“.
و أكثر العلماء على أن نَمِرَة جبلٌ كما تقدم، وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى أن نمرة قرية؛ حيث قال ابن القيم في زاد المعاد (2/233): ”هي قرية شرقي عرفات ، وهي خرابٌ اليوم“ وكذا قال شيخ الإسلام في فتاويه (24/117)، (26/129،161).
انظر: تاريخ مكة للأزرقي (2/188)، معجم البلدان (5/304)، شفاء الغرام للفاسي (1/521)، معجم معالم الحجاز (9/92).(1/96)
ثم يأتي عرفة، وكلها موقفٌ إلا بطن عُرَنَة (1) .
__________
(1) سيأتي قريباً حدُّ عرفة من كلام المصنِّف. وأما حدُّ عُرَنة فيقول الأستاذ البلادي في معجم المعالم الجغرافية في السيرة (ص205): ”عُرَنَة الوادي الذي لو وقع جدار مسجد نمرة القبلي وقع فيه، ويقال أيضاً: إن هذا الجدار وموضع صلاة الإمام في عرفة خارج عن حدِّ عرفة. وهذا هو الجزء الذي يعرفه الناس، ولكن وادي عُرَنَة هو الوادي الفحل الذي يخترق أرض المُغَمَّس، فيمر بطرف عَرَفَة من الغرب عند مسجد نمرة "مسجد عَرَفَة" ثم يجتمع مع وادي نعمان غير بعيدٍ من عَرَفَة، ثم يأخذ الواديان اسم عُرَنَة فيمر جنوب مكة على حدود الحرم، ثم يغرِّب حتى يفيض في البحر جنوب جُدَّة...“.
انظر: معجم البلدان (4/111)، شفاء الغرام للفاسي (1/464)، معجم معالم الحجاز (6/81).(1/97)
ويُسَنُّ وقوفه عند الصخرات وجبل الرحمة (1) - ولا يُشْرع صعوده (2) - مستقبل القبلة، ويُكثر من الدعاء والذكر والتضرع والتنصل من الذنوب والندم على ما فات، والعزم والتصميم على عدم العَوْد إلى شيءٍ من المنهيات. ويكثر من قول: ”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك [20] وله الحمد، يحيي ويُميت وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير“ (3) ،
__________
(1) انظر بحثاً نفيساً حول هذا الجبل وموقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنده في كتاب: ”جبل إلال بعرفات: تحقيقات تاريخية شرعية“ للدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد.
(2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية (ص175): ”لا يُشرع صعود جبل الرحمة إجماعاً“. وقال الإمام النووي في شرح مسلم (8/185): ”يستحب أن يقف عند الصخرات المذكورات؛ وهي: صخراتٌ مفترشاتٌ في أسفل جبل الرحمة...فهذا هو الموقف المستحب. أما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل، وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فغلطٌ، بل الصواب: جواز الوقوف في كل جزءٍ من أرض عرفات، وأنَّ الفضيلة في موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الصخرات، فإن عجز فليقرب منه حسب الإمكان“.
(3) روى الإمام أحمد في مسنده (6961) من حديث محمد بن أبي حميد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (كان أكثر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير).
والحديث له شواهد، حيث قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/272): ”حديث: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)، مالك في الموطأ [(1/214،422)] من حديث طلحة بن عبد الله بن كَرِيز بفتح الكاف مرسلاً.
وروي عن مالك موصولا؛ ذكره البيهقي [السنن الكبرى (5/117)] وضعفه، وكذا ابن عبد البر في التمهيد [(6/38)، وقال: "لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث، ولا أحفظه بهذا الإسناد مسنداً من وجه يحتج بمثله"].
وله طريق أخرى موصولة، رواه أحمد [لم أقف عليه في المسند، إلا أن يكون الذي ذكرناه أول التعليق ] والترمذي [السنن (3585)] من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة) الحديث. وفي إسناده حماد بن أبي حميد، وهو ضعيف.
ورواه العقيلي في الضعفاء [(3/462)] من حديث نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - بلفظ: (أفضل دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة: لا إله إلا الله) الحديث، وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف جداً. قال البخاري: "منكر الحديث".
ورواه الطبراني في المناسك من حديث علي - رضي الله عنه - نحو هذا، وفي إسناده قيس بن الربيع [هو: الأسدي، قال عنه ابن حجر في التقريب (5573): "صدوق تغير لما كبر"]“.(1/98)
”اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ويسِّر لي أمري“ (1) .
وحدُّ عرفة من الجبل [المشرف] (2) على عُرَنَة إلى الجبال المقابلة إلى ما يلي آبار حوائط بني عامر (3) .
__________
(1) قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/254): ”رواه البيهقي [السنن الكبرى (5/117)، وابن أبي شيبة (3/382)، (6/84)] من حديث علي - رضي الله عنه - في الحديث المذكور بهذا وأتم منه [وتمامه: ( ... وأعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الأمر، وفتنة القبر. اللهم إني أعوذ بك من شرِّ ما يلج في الليل، وشرِّ ما يلج في النهار، وشرِّ ما تهب به الرياح، ومن شرِّ بوائق الدهر)]. وهو من رواية موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، وتفرد به عن أخيه عبد الله عن علي - رضي الله عنه - ، قال البيهقي: ولم يدرك عبد الله بن عبيدة أخو موسى علياً - رضي الله عنه - “.
(2) في المدنية: ”المشرق“، وما في المصرية موافق لسائر ما سيرد من المراجع في حد عرفة.
انظر: القاموس المحيط (ص778)، المطلع (ص180)، المعجم الوسيط (ص774).
(3) كذا ذُكر حدُّ عرفة في المغني (5/266)، والمقنع (9/158)، والإقناع (2/18)، والمنتهى (2/156)، وغيرها من كتب الأصحاب. وقد عرَّف ابن جاسر في منسكه (2/22) حوائط بني عامر فقال: ”هذه البساتين تُنسب إلى عبد الله بن عامر بن كُرَيْز، ابن خال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - الذي افتتح فارس وخُراسان، وقد اكتشفتها في خامس عشر صفر سنة ألفٍ وثلاث مائة وثمان وثمانين هجرية، فوجدت الساقي الذي يجري معه ماء العين مستطيلاً، ومشيت معه جنوباً شرقاً حتى أتيت على موضع بركة العين، فوجدتها مبنية هي وساقيها بالحجارة والنورة القوية الصلبة، وقد عَجِزتُ عن فصل النورة من الحجارة، وهذا أول اكتشاف لبساتين ابن عامر وعينها“.
وأما حدود عرفات فقد عيَّنها الشيخ البسام في الاختيارات الجلية (2/524)، فقال: ”حدود عرفات:
1. ... الحد الشمالي: هو ملتقى وادي وصيق بوادي عُرنة في سفح جبل سعد.
2. ... الحد الغربي: هو وادي عرنة، ويمتد هذا الحد الغربي من التقاء وادي عُرنة بوادي وصيقٍ إلى أن يحاذي جبل نمرة، ويبلغ طول هذا الضلع خمسة آلاف متر، فهذا الوادي فاصلٌ بين الحرم وبين عرفات، فليس واحداً منهما.
3. ... الحد الجنوبي: هو مابين الجبال الجنوبية لعرفات وبين وادي عُرنة.
4. ... الحد الشرقي: هي الجبال المقوسة على ميدان عرفات ابتداءً من الثنية التي تنفذ إلى طريق الطائف وتستمر تلك الجبال حتى تنتهي بجبل سعد“.(1/99)
ووقت الوقوف من فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر، فمن حصَّل في ذلك لحظةً بعرفة وهو محرمٌ بالحج، عاقلٌ ليس بسكران ولا مغمى عليه صحَّ حجه، ولو نائماً أو ماراً أو جاهلاً أنها عرفة.
ومن طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة - ولو لعذرٍ - فاته الحج، ويتحلل بعمرة، وعليه القضاء وهديٌ يذبحه فيه.
وإن وقف الناس الثامن أو العاشر خطأً أجزأهم.
وينبغي أن لا يتشاغل بشيءٍ من أمور الدنيا. وأن يكون مفطراً؛ ليقوى على الدعاء والذكر، إن لم يكن صائماً عن دم التمتع. وأن يأكل من أحلِّ ما يقدر عليه.
فائدة: يوم الجمعة في آخر ساعة الإجابة، فإذا اجتمع فضيلة الوقوف، وفضيلة يوم الجمعة كان له مزيةٌ على سائر الأيام. قال في الهدي: ”وأما ما استفاض على ألسنة العوام: أنها تعدل ثنتين وسبعين حجةً فباطلٌ لا أصل له“ (1) ، نقله شيخنا (2) في حواشي المنتهى. لكن في شرح كنز الحنفية للمحقق الزيلعي (3)
__________
(1) زاد المعاد (1/65).
(2) أبو السعادات منصور بن يونس البُهوتيُّ (1000-1051هـ). الإمام الذائع الصيت البالغ الشهرة، شيخ الخلوتي وخاله. تقدمت ترجمته (ص9).
(3) فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي (؟-743هـ). من تصانيفه: "تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق للنسفي"، تقدمت ترجمته (ص28).
انظر في ترجمته: هدية العارفين (5/655)، الأعلام (6/210)، معجم المؤلفين (2/365).(1/100)
ما نَصُّه: ”عن طلحة بن عبيد الله أنه عليه أفضل الصلاة والسلام قال: (أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجةً في غير يوم جمعة) (1) ، رواه رَزِين بن معاوية (2) في تجريد الصحاح (3) .
__________
(1) قال ابن حجر في الفتح (8/121): ”وأما ما ذكره رزين في جامعه مرفوعاً: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غيرها)، فهو حديث لا أعرف حاله؛ لأنه لم يذكر صحابيه، ولا من أخرجه، بل أدرجه في حديث الموطأ الذي ذكره مرسلا عن طلحة بن عبد الله بن كريز، وليست الزيادة المذكورة في شيء من الموطآت، فإن كان له أصل احتمل أن يراد بالسبعين التحديد أو المبالغة ... “.
(2) أبو الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري الأندلسي السَّرَقُسْطي (؟-535هـ). الإمام المحدِّث الشهير، جاور بمكة دهراً، وبها مات وقد شاخ. حدَّث عنه جماعة منهم: قاضي الحرم أبو المظفر محمد بن علي الطبري والزاهد أحمد بن محمد بن قدامة والد الشيخ أبي عمر والحافظ أبو موسى المديني والحافظ ابن عساكر، وقال: كان إمام المالكيين بالحرم.
انظر: سير أعلام النبلاء (20/204)، شذرات الذهب (4/106)، كشف الظنون (1/345)، شجرة النور الزكية (ص133)، معجم المؤلفين (1/713).
(3) جمع رزين بن معاوية في كتابه: "تجريد الصحاح" بين كتب البخاري ومسلم والموطأ لمالك وجامع الترمذي وسنن أبي داود والنسائي، وجرد متون أحاديثهم من الإسناد والشروح، ورتب كتابه على الأبواب دون المسانيد.
واعتمد الإمام مجد الدين ابن الأثير على هذا الكتاب في تصنيف كتابه: "جامع الأصول" كما ذكر في مقدمة الكتاب (1/48-51)، وقد قال فيما استدركه على رزين بن معاوية: ”...رأيت في كتابه أحاديث كثيرة لم أجدها في الأصول التي قرأتها وسمعتها ونقلت منها؛ وذلك لاختلاف النسخ والطرق...“، وكذا قال الذهبي في السير عن "تجريد الصحاح": ”أدخل كتابه زياداتٍ واهية، لو تنزه عنها لأجاد“.(1/101)
وذكر النووي في مناسكه (1) :" قيل: إذا وافق يوم عرفة يوم [22] جمعة غفر لكل أهل الموقف" “ (2) ، انتهى.
فإذا غربت الشمس أفاض إلى مزدلفة على طريق المأزمين (3) - وهما جبلان صغيران - بسكينة ووقار. فإن دفع قبل الغروب ولم يَعُد، أو عاد قبله ولم يقع وهو بها فعليه دمٌ، بخلاف [واقفٌ] (4) ليلاً فقط.
وينوي الجمع بين العشائين عند ذهابه إلى مزدلفة إن كان ممن له الجمع. واختار بعض العلماء أن الجمع بعرفة ومزدلفة نُسُكٌ لا يشترط له سفرٌ ولا غيره، واختاره بعض أصحابنا (5) ، وخوف فوت الوقوف عذرٌ في الجمع.
__________
(1) شرح الإيضاح في مناسك الحج للنووي (ص297).
(2) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (2/26).
(3) قال النووي في تحرير ألفاظ التنبيه (ص155): ” طريق المأزمين: هو بهمزة بعد الميم الأول، ويجوز ترك الهمزة كما في: رأس ونظائره، والزاي مكسورة. والمأزِم: المضيق بين جبلين، هذا أصله في اللغة، ومراد الفقهاء: الطريق الذي بين جبلين؛ وهما جبلان بين عرفات ومزدلفة“.
وقد ذكر الأزرقي (2/187)، والفاكهي (4/329) في تاريخيهما ذرع مابين المأزمين، فقالا: ”ذرع ما بين مأزمي عرفة مائة ذراع وذراعان واثنتا عشرة أصبعاً“.
وقال الأستاذ البلادي في معجمه (8/9)، (4/5): ”المأزمان طريق يأتي المزدلفة من جهة عرفة، إذا أفضيت معه كنت في المزدلفة، وهو طريق ضيِّقٌ بين جبلين يسميان: الأخشبين، وقد عُبِّد اليوم، وجعلت له ثلاث معبدات إحداها طريق للمشاة “.
قلت: قد وقفت على طريق المأزمين بعد حج عام (1423هـ)، فوجدت مساراته قد صارت خالصةً للمشاة بعد أن حُوِّلت مسارات المركبات عنه.
(4) سقطت من المدنية.
(5) زاد ابن منقور في جامع المناسك الحنبلية (ص111): ” ... وهو أبو الخطاب في "العبادات الخمس"، والموفق، والشيخ تقي الدين . قال في الفروع: "وهو الأشهر عن أحمد" انتهى“.(1/102)
فإذا بلغها صلى بها العشائين قبل حطِّ رحله إن أمكن بأذانٍ وإقامتين. وإن صلى المغرب في طريقه وترك الجمع جاز، لكن الجمع لمن يباح له الجمع - ولو منفرداً - إذاً أفضل.
ويبيت بمزدلفة حتى يطلع الفجر، وله الدفع منها بعد نصف الليل، فإن دفع قبله فعليه دمٌ إن لم يَعُد إليها ليلاً. ومن وصل إليها بعد نصف الليل قبل الفجر فلا شيء عليه.
ويأخذ منها حصى الجِمار؛ سبعين حصاةً فوق الحُمُّص ودون البندق، ومن حيث أخذه جاز، لكن لا يأخذه من مسجدٍ.
وهذه الليلة مشهورةٌ وإحياؤها مستحبٌ (1) ،[21] ويُكثر من الدعاء. ويضطجع ساعةً؛ ليذهب عنه شدَّة الوسن.
ويصلي الفجر بغلسٍ قبل مسيره اقتداءاً برسول الله ( (2) .
__________
(1) ليس على استحباب إحياء هذه الليلة دليلٌ فيما أعلم وقد روى مسلم في صحيحه (1218) في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ... حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئا، ثم اضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى طلع الفجر)؛ ولذا قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/247): ”...ثم نام - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح، ولم يحي تلك الليلة، ولا صحَّ عنه في إحياء ليلتي العيدين شيء“.
(2) روى البخاري (1682)، ومسلم (1289)، من حديث عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة بغير ميقاتها إلا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء، وصلى الفجر قبل ميقاتها)، وفي رواية مسلم: (قبل وقتها بغلس).
وروى البخاري أيضاً (1683) عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ”خرجنا مع عبد الله إلى مكة، ثم قدمنا جمعاً، فصلى الصلاتين، كل صلاة وحدها بأذان وإقامة، والعشاء بينهما. ثم صلى الفجر حين طلع الفجر؛ قائلٌ يقول: طلع الفجر، وقائلٌ يقول: لم يطلع الفجر. ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء فلا يقدم الناس جمعاً حتى يعتموا، وصلاة الفجر هذه الساعة). ثم وقف حتى أسفر ... “.(1/103)
ثم يأتي المشعر الحرام (1) ، فيرقى عليه ويقف عنده، ويحمد الله تعالى، ويهلل ويكبر، ويدعو فيقول: اللهم كما أوقفتنا فيه، وأريتنا إياه، فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ ( ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة البقرة: الآيتان (198-199)]. ولا يزال يدعو حتى يسفر جداً (2) ، فإذا أسفر جداً سار بسكينة فإذا بلغ مُحَسِّراً (3)
__________
(1) قال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله في الاختيارات الجلية (2/529): ”...ذهب جمهور العلماء إلى أن المراد بالمشعر الحرام: الجبل الذي أُزيل عام (1384هـ) وجُعِل مكانه المسجد الذي في وسط مزدلفة، ويُسمّى الجبل المزال: "قُزَح" بضمٍّ ففتح“.
(2) روى مسلم في صحيحه (1218) في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - المتقدم في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه: ( ... ثم اضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى طلع الفجر. وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة. ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام. فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جداً. فدفع قبل أن تطلع الشمس ... ).
(3) محسر: وادٍ بين المزدلفة ومنىً على حدِّهما، وليس من واحد منهما، وذكر الأزرقي والفاكهي أن وادي محسراً خمس مائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعاً، ولا زال الوادي اليوم معروفاً بهذا الاسم ويسمونه أيضاً وادي النار، قال الفاسي: ”ذكر المحب وابن خليل أنه سُمِّي محسِّراً لأن فيل أصحاب الفيل حُسِر فيه؛ أي: أعيا. قلت: وفي ذلك نظر؛ لأن ابن الأثير ذكر في: "نهاية الغريب" [(1/329)] أن هذا الفيل لم يدخل الحرم“.
انظر: أخبار مكة للأزرقي (2/190)، أخبار مكة للفاكهي (4/311)، معجم البلدان (5/62)، شفاء الغرام (1/498)، معجم معالم الحجاز (8/40).(1/104)
أسرع رمية حجر.
الثاني الفصل
في الرمي والحلق وما يتعلق بهما
إذا وصل منى [23] - وهو ما بين وادي مُحَسِّر وجمرة العقبة (1) - بدأ برمي جمرة العقبة؛ لأنها تحيَّة منى، فيرميها بسبع حصياتٍ راكباً إن كان وإلا ماشياً، واحدةً بعد واحدةٍ، عند طلوع الشمس ندباً، فإن رمى بعد نصف ليلة النحر أجزأ، وإن غربت الشمس فبعد الزوال من الغد.
ويكبر مع كل حصاةٍ، ويستبطن الوادي، ويقول: ”اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً مشكوراً“ (2) .
__________
(1) من لطيف استنباط ابن القيم رحمه الله في مناسك الحج ما قاله في زاد المعاد (2/256): ”بين كل مشعرين برزخ ليس منهما؛ فمِنى من الحرم وهي مشعر، ومُحَسِّر من الحرم وليس بمشعر، ومزدلفة حرم ومشعر، وعُرنة ليست بمشعر وهي من الحِلِّ، وعرفة حلٌّ ومشعر“..
(2) روى الإمام أحمد (4061)، وأبو يعلى في مسنده (5185)، وابن أبي شيبة (4/344)، ومن طريقه البيهقي في السنن (5/129)، كلهم من طريق ليث عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه قال: (كنت مع عبد الله - رضي الله عنه - حتى انتهى إلى جمرة العقبة، فقال: ناولني أحجاراً. قال: فناولته سبعة أحجار. فقال لي: خذ بزمام الناقة. قال: ثم عاد إليها، فرمى بها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب، يكبر مع كل حصاة. وقال: اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً. ثم قال: ها هنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة).
وأصل الحديث متفق عليه؛ إذ رواه البخاري (1747)، ومسلم (1296)، من طريق الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد، وليس فيه لفظ ابن مسعود - رضي الله عنه - في الدعاء؛ ولذا قال ابن حجر في الفتح (3/681): ”زاد محمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن أبيه في هذا الحديث عن ابن مسعود أنه لما فرغ من رمي جمرة العقبة قال: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً“.
وقد رويت هذه اللفظة أيضاً عن ابن عمر - رضي الله عنه - موقوفاً؛ إذ روى ابن أبي شيبة (4/344) عن الهيثم بن حنش قال سمعت ابن عمر حين رمى الجمار يقول: (اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً).
وروى البيهقي في سننه (5/129) عن عبد الله بن حكيم بن الأزهر المدني عن زيد أبي أسامة قال: ”رأيت سالم بن عبد الله يعني ابن عمر استبطن الوادي، ثم رمى الجمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة: الله أكبر، الله أكبر، اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً مشكوراً. فسألته عما صنع؟ فقال: حدثني أبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرمي الجمرة في هذا المكان ويقول كلما رمى بحصاة مثل ما قلت“، وأعقب البيهقي الحديث بقوله: ”عبد الله بن حكيم ضعيف“.
وأصل هذا الحديث أيضاً رواه البخاري (1751-1753)، وليس فيه لفظه في الدعاء؛ حيث روى من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر - رضي الله عنه - : (أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبر على إثر كل حصاة. ثم يتقدم حتى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه. ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال، فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه ويقوم طويلاً. ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها. ثم ينصرف. فيقول: هكذا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله).(1/105)
ويرفع الرامي يمناه حتى يُرى بياض إبطه. ويرميها على جانبه الأيمن، وله رميها من فوقها. ولا يقف عندها، بل يرميها وهو ماشٍ.
ويشترط علم الحصول بالمرمى، فإن وقعت خارجه ثم تدحرجت فيه أجزأ، فظهر أن موضع الرمي هو مجتمع الحصى لا ما سال منه، ولا الشاخص، نصَّ عليه الشافعي رحمه الله (1) .
ويقطع التلبية مع رمي أول حصاة منها. وإن رماها دفعةً لم تُحتسب له إلا واحدةً يتمم عليها.
ولا يجزئ الرمي بغير حصى؛ كذهبٍ وجوهرٍ ونحوه، ولا بِطِينٍ ومَدَرٍ؛ وهو التراب المتلبد، ولا بما رُمي به، ولا بصغيرٍ جداً ولا كبيرٍ.
ويجزئ مع الكراهة نجسٌ، فإن غَسَله زالت، ولا يستحب غسل الحصى إن لم تعلم نجاسة.
ولا فرق بين أن يكون الحصى أسود أو أبيض، [22] أو من كذَّان (2) أو مَرْمَرٍ (3) أو نحو ذلك.
ثم ينحر هدياً معه واجباً كان أو تطوعاً، فإن لم يكن معه اشتراه إن قدر. وإن أحب اشترى ما يضحي به.
ثم يحلق رأسه، ويبدأ بأيمنه، ويستقبل القبلة فيه، ويكبِّر وقت الحلق. والأولى أن لا يشارط الحلاق على أجرته، وله أن يقصِّر من جميع شعور رأسه.
والمرأة تقصُّ قدر أنملة فأقلَّ من رأس الضفائر. وكذا العبد، ولا يحلق إلا بإذن سيده.
__________
(1) قال عز الدين ابن جماعة في هداية السالك (3/1100):”قال الشافعية: إن المرمى مجتمع الحصى عند البناء الشاخص هناك لا ما سال من الحصى ولا البناء الشاخص؛ فإنه بُني على موضع الرمي. قال الشافعي في الإملاء: "فمن أصاب مجتمع الحصى بالرمي أجزأ عنه، ومن أصاب سائله لم يجزئ عنه" وهذا مقتضى قول الحنابلة“.
(2) الكَذَّان بالفتح والتثقيل: الحجر الرخو، كأنه مدر وربما كان نخراً. الواحدة: كَذَّانة.
انظر: (كذن) لسان العرب (13/357)، المصباح المنير (ص529).
(3) المَرْمَر، وِزان جعفر: نوعٌ من الرخام إلا أنه أصلب وأشد صفاءاً.
انظر: (مرمر) القاموس المحيط (ص610)، المصباح المنير (ص568)، المعجم الوسيط (ص865).(1/106)
ويسنُّ أخذ أظفاره وشاربه ونحوه. ومن عدم الشعر استحب له أن يُمرَّ الموسى على رأسه.
ثم قد حلَّ له كل شيءٍ من طيبٍ وغيره إلا النساء؛ من الوطء ودواعيه وعقد النكاح.
والحلق والتقصير نُسُكٌ [24] في تركه دمٌ. وإن أخرَّه عن أيام منى فلا دم عليه. وإن قدم الحلق على الرمي أو النحر، وطاف للزيارة أو نحر قبل رميه جاز، لكن يكره مع العِلم. وإن قدم الإفاضة على الرمي أجزأه.
وتسنُّ الخطبة بمنى يوم النحر، يفتتحها بالتكبير ويعلمهم فيها النحر والإفاضة والرمي.
الثالث الفصل
في طواف الإفاضة والعَوْد إلى منى بعده
أول وقت طواف الإفاضة بعد نصف ليلة النحر لمن وقف قبل، وإلا فبعد الوقوف، والأفضل فعله يوم النحر، وإن أخره إلى الليل فلا بأس، كما لو أخره عن أيام منى.
وإذا أفاض إلى مكة طاف المتمتع لقدومه نصاً بلا رَمَلٍ ولا اضطباع، ثم للإفاضة. وكذا مفردٌ وقارنٌ إن لم يدخلاها قبل؛ فيطوفان للقدوم برملٍ واضطباع، ثم للإفاضة. وقيل: لا يطوف أحدٌ منهم للقدوم، واختاره الموفق وأبو العباس (1) ،
__________
(1) تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام (661-728هـ). شيخ الإسلام ابن تيمية علامة الزمان. شهرته تغني عن الإطناب في ذكره، والإسهاب في أمره. وقد أفردت في ترجمته مصنفات مستقلة؛ منها: "العقود الدرية" لابن عبد الهادي، و "الشهادة الزكية" لمرعي بن يوسف الكرمي، وكذا صنع جماعة من المعاصرين؛ منهم: الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه: "ابن تيمية: حياته وعصره - آراؤه وفقهه"، والأستاذ صلاح الدين المنجّد في كتابه: "شيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره عند المؤرخين"، والأستاذان: محمد عزيز شمس وعلي بن محمد العمران في كتابهما: "الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون".
انظر ترجمته في: ذيل طبقات الحنابلة (2/387)، المنهج الأحمد (5/24)، الدر المنضد (2/476)، شذرات الذهب (6/80).(1/107)
قال ابن رجبٍ: ”وهو الأصح“ (1) .
ثم يسعى بين الصفا والمروة - كما تقدم - إن كان متمتعاً، ولا يكفيه سعي عمرته عن سعي حجه. وكذا مفردٌ وقارنٌ إن لم يسعيا مع طواف القدوم، وإلا لم يسعيا.
والسعي ركنٌ في الحج؛ فلا يحصل التحلل الثاني إلا به. ولا يصح قبل الطواف كما تقدم.
ثم قد حلَّ له كلُّ شيءٍ حتى النساء، ويستحب التطيب عند الإحلال، ويشرب من ماء زمزم كما تقدم.
ثم يرجع إلى منى فيصلي بها ظهر يوم النحر. ويكبِّر عقب المكتوبات إذا صلاها في جماعة [23] من ظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق؛ وصفته: ”الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد“ (2) .
__________
(1) قال ابن رجب في القواعد (ص25):”...المنصوص هاهنا أنه يطوف قبله للقدوم، وخالف فيه صاحب المغني، وهو الأصح“.
(2) روى الدارقطني في السنن (2/50) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح من غداة عرفة يقبل على أصحابه فيقول: على مكانكم، ويقول: ”الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد“. فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق). قال الزيلعي في نصب الراية (2/224): ”سنده ضعيف“.
وقد رويت صفة التكبير موقوفة على ابن مسعود - رضي الله عنه - في مصنف ابن أبي شيبة (2/72) عن أبي إسحاق عن الأسود قال: ”كان عبد الله يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من النحر. يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد“. قال الزيلعي في نصب الراية (2/224): ”سنده جيد“.
وكذا روي التكبير بالتثنية عن ابن مسعود - رضي الله عنه - موقوفاً أيضاً؛ حيث روى الطبراني في الكبير (9/307) عن أبي إسحاق عن أصحاب عبد الله عن عبد الله: ”أنه كان يكبر صلاة الغداة من يوم عرفة، ويقطع صلاة العصر من يوم النحر؛ يكبر إذا صلى العصر. قال: وكان يكبر: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد“. وروى ابن أبي شيبة (2/74) نحوه عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود - رضي الله عنه - . وكذا روى ابن أبي شيبة (2/74) عن شريك قال: ”قلت لأبي إسحاق: كيف كان يكبر على وعبد الله - رضي الله عنهم - ؟ قال: كانا يقولان: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد“. وروى أيضاً (2/73) عن إبراهيم قال: ”كانوا يكبرون يوم عرفة، وأحدهم مستقبل القبلة في دبر الصلاة: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد“.(1/108)
ويبيت بمنى ليالي أيام التشريق، ويرمي الجمرات بها في أيام التشريق كل يومٍ بعد الزوال، إلا السقاة والرعاة فلهم الرمي ليلاً ونهاراً، وإن رمى غيرهم قبل الزوال لم يجزئه فيعيده، [وآخر] (1) رمي كل يومٍ إلى الغروب.
ويستحب الرمي قبل صلاة الظهر، وأن [25] لا يدع الصلاة مع الإمام في مسجد الخَيْفِ، وأن يغتسل للرمي.
ويرمي كل جمرةٍ بسبع حصياتٍ؛ واحدةً بعد واحدةٍ، فيبدأ بالجمرة الأولى (2) وتلي مسجد الخَيْفِ، ويجعلها عن يساره، ويرميها كما تقدم. ثم يتقدم قليلاً؛ لئلا يصيبه الحصى، ويقف فيدعو الله رافعاً يديه، ويطيل.
ثم يأتي الوسطى فيجعلها عن يمينه، ويرميها كذلك. ويقف كما تقدم، ويدعو ويرفع يديه.
ثم جمرة العقبة كذلك، ويجعلها عن يمينه ويستبطن الوادي، ولا يقف عندها. ويستقبل القبلة في الكل.
ورميها كما ذكر شرط؛ فإن نكسه لم يجزئه (3) . وإن أخلَّ بحصاة من جمرةٍ لم يعتد برمي ما بعدها، وإن جهل محلها بنى على اليقين (4) .
ثم يرمي في اليوم الثاني والثالث كذلك. وإن أخر بعض الرمي أو كلَّه - حتى رمي يوم النحر - فرماه آخر أيام التشريق أجزأه أداءاً؛ لأن أيام الرمي كلها بمثابة اليوم الواحد، لكن يكون تاركاً للأفضل، ويجب ترتيبه حينئذٍ بالنية.
__________
(1) في المدنية إلى: ”وإن أخر“، وفي جامع المناسك الحنبلية (ص120): ”وأجزأ“، وكلاهما تصحيف.
(2) قال في جامع المناسك الحنبلية (ص120): ”وهي أبعدهن عن مكة“.
(3) جاء في هامش المصرية: ”قوله: "فإن نكسه" كذا قالوا ، لكن التحقيق أن يقال: لم تجزئه إلا الأولى، وهي ما ختم به؛ قياساً منه على ما ذكر في أعضاء الوضوء إذا نكس غسلها، فتدبر“.
(4) نقل ابن قايد في حاشيته على المنتهى (2/166) عن الخلوتي قوله: ”أي: فيجعلها من الأُولى، فيذهب إليها فيرميها بحصاة واحدة فقط، ثم يعيد رمي ما بعدها؛ فإنه لو كانت الموالاة معتبرةً لأعاد رمي الأُولى كاملاً؛ لطول الزمن“.(1/109)
وليس على الرعاة وأهل سقاية الحاج مبيت بمزدلفة ولا منى، فإذا غربت الشمس وهم بمنى لزم الرعاة فقط المبيت.
ومن كان مريضاً أو محبوساً ونحوه فله أن يستنيب في الرمي، والأولى أن يشهده إن قَدَر. ويستحب أن يضع الحصى في يد النائب؛ ليكون له عملٌ في الرمي. ويفعل ولي الصغير ما يعجز عنه كما تقدم.
وفي ترك حصاةٍ ما في شعرةٍ (1) ، وفي حصاتين ما في شعرتين، وفي ترك ثلاثةٍ فأكثر - ولو الكلَّ - وتركِ مبيتِ ليلةٍ بمنى فدية. لكن من أراد أن يتعجل في اليوم الثاني من أيام التشريق كان له ذلك مالم تغرب الشمس [24] وهو بمنى، فإن غربت وهو بها لزمه المبيت والرمي من الغد بعد الزوال، وإلا سقط عنه مبيت الثالثة ورمي يومها، ويدفن بقية الحصى بالمرمى.
وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما [26] إذا نفر من منى نزل بالأبطح (2)
__________
(1) نقل ابن قايد في حاشيته على المنتهى (2/167) عن الخلوتي قوله: ”أي: بشرط أن يكون الترك من الأخيرة، وأن يكون سائرُ ما قبلها من الجمرات وقع تاماً، وأن تكون أيام التشريق قد مضت؛ فإنه لو كان الترك من غير الأخيرة لم يصح رمي ما بعد الجمرة التي ترك منها، ولو كان ما قبلَ المتروك منها لم يصح رميه لم يصح رمي ما بعده بالمرة. ولو كان الترك من الأخيرة ولم تمض جميع أيام التشريق وجب عليه أن يُعيد ولم يجزئه الفداء؛ لبقاء وقت الرمي كما تقدم جميع ذلك، فافهم تسلم“.
(2) قال ياقوت الحموي في معجمه (1/74): ”الأبطح يضاف إلى مكة وإلى منى؛ لأن المسافة بينهما واحدة، وربما كان إلى منىً أقرب. وهو المُحَصَّب“، وقال أيضاً (5/62): ”حدُّه: من الحجون ذاهباً إلى منىً“، وقال الحجاوي في الإقناع (2/29): ”حدُّه ما بين الجبلين إلى المقبرة“.
انظر:تاريخ الأزرقي (2/159)، تاريخ الفاكهي (4/72)، شفاء الغرام (1/502)، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (ص13، 282)، معجم معالم الحجاز (1/31)، (8/43).(1/110)
فصلى به الظهرين والعشائين [وهجع] (1) يسيراً، ثم دخل مكة (2) . وكان ابن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهما لا يريانه سنَّة (3) .
الرابع الفصل
في طواف الوداع
من حجَّ وأراد الخروج من مكة لم يخرج حتى يودع البيت بالطواف إذا فرغ من جميع أموره بعد أن يغتسل له استحباباً، ثم يصلي ركعتين خلف المقام.
ثم يأتي الحطيم؛ وهو تحت الميزاب (4) ،
__________
(1) تصَحَّفَت في المدنية إلى: ”والجمع“، وستأتي هذه اللفظة على ما أثبته في حديث البخاري التالي.
(2) روى البخاري (1768) في صحيحه عن خالد بن الحارث عن عبيد الله عن نافع: (...أن ابن عمر - رضي الله عنهم - كان يصلي بها - يعني المُحَصَّب - الظهر والعصر، أحسبه قال: والمغرب - قال خالد: لا أشك في العشاء - ويهجع هجعة، ويذكر ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ).
(3) روى البخاري (1765)، ومسلم (1311)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (نزول الأبطح ليس بسنة؛ إنما نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج)، وروى البخاري (1766)، ومسلم (1312)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ليس التحصيب بشيءٍ، إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ).
(4) هذا أحد أقوال عدة في تعيين الحطيم، ساق أكثرها ياقوت فقال: ”الحَطِيم بالفتح ثم الكسر: بمكة، قال مالك بن أنس: هو ما بين المقام إلى الباب. وقال ابن جريج: هو ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر. وقال ابن حبيب: هو ما بين الركن الأسود إلى الباب إلى المقام حيث يتحطم الناس للدعاء، وقال ابن دريد: كانت الجاهلية تتحالف هناك يتحطمون بالأيمان، فكلُّ من دعا على ظالم وحلف إثماً عُجِّلت عقوبته. وقال ابن عباس: الحطيم: الجَدْر، بمعنى: جدار الكعبة. وقال ابن منصور: حِجر مكة يقال له: الحطيم، مما يلي الميزاب؛ وإنما سُمِّي حطيماً لأن البيت رُبِّع وتُرِك محطوماً“.
انظر: أخبار مكة للأزرقي (1/23)، أخبار مكة للفاكهي (3/271)، القِرى لقاصد أم القُرى (ص313)، معجم البلدان (2/273)، شفاء الغرام (1/318).(1/111)
فيدعو ويقول: اللهم ما عملت من عملٍ سراً أو جهراً في ملاءٍ أو خلاءٍ فإني أتوب إليك منه. ومما عاينه بصري أو سمعته أذني أو انبسطت إليه يدي أو انتقلت إليه قدمي أو باشرت به جلدي أو حدثت به نفسي، مما هو علي معصية أو وِزْر من كل فاحشةٍ أو ذنب أصبته في سواد الليل أو بياض النهار من يوم خلقتني إلى يوم أحللتني في هذا المكان، وأقمتني في هذا المقام، فإني أتوب إليك منه وأسألك. فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. وارزقني العمل بأداء ما افترضتَ عليَّ وسُنَّة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - “.
ثم يأتي ماء زمزم فيشرب منها. ثم يستلم الحجر ويقبله.(1/112)
ثم يأتي الملتزم؛ وهو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة (1) ، فيلتزمه ملصقاً به صدره ووجهه وبطنه، ويبسط يديه عليه، ويجعل يمينه نحو الباب ويساره نحو الحجر، ويدعو بما أحب من خير الدنيا والآخرة، ومنه: ”اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي. فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضاً، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، وهذا أوان انصرافي إن أذنت لي، غير مستبدلٍ بك ولا ببيتك، [27] ولا راغبٍ عنك ولا عن [25] بيتك. اللهم فأصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيءٍ قدير“ (2) .
وإن أحبَّ دعا بغير ذلك، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويقول في انصرافه: اللهم لا تجعله آخر العهد. والحائض تقف على باب المسجد وتدعو.
ومن ودَّع ثم أقام أو اتَّجر أو اشتغل بغير شدِّ رحله أعاد الوداع، لا إن اشترى حاجة في طريقه أو صلى. فإن خرج قبله فعليه الرجوع إليه لِفِعْلِه إن قَرُبَ ولم يَخَفْ على نفسه أو ماله أو فوت رفقته، وإن لم يعد ولم يرجع - لعذرٍ أو غيره - فعليه دمٌ.
وإن أخر طواف الزيارة والقدوم فطافه عنهما عند الخروج كفاه عنهما.
__________
(1) انظر: أخبار مكة للأزرقي (1/347)، مثير العزم الساكن لابن الجوزي (2/90)، القِرى لقاصد أم القرى (ص313)، شفاء الغرام للفاسي (1/317).
(2) روى البيهقي في سننه (5/164) مسنداً عن الإمام الشافعي رحمه الله قال: ”أحب له إذا ودع البيت أن يقف في الملتزم - وهو: بين الركن والباب - فيقول: اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك ... “ فذكر الدعاء بطوله، ثم قال البيهقي: ”وهذا من قول الشافعي رحمه الله، وهو حسن“.(1/113)
ولا وداع على حائضٍ ونفساء ولا فدية، وإن طهرت قبل مفارقة البُنْيَان رجعت واغتسلت وودَّعت.
والله أعلم.
الخامس الفصل
في صفة العمرة
إذا أرادها من بالحرم من مكيٍّ وغيره خرج وجوباً إلى الحِلِّ فأحرم من أدناه، ومن التنعيم المعروف الآن بمساجد عائشة (1)
__________
(1) كذا في الأصلين: ”مساجد عائشة“ بصيغة الجمع، وكذا وردت بصيغة الجمع في بعض كتب الفقه كما في جامع المناسك (ص132)، وكتب اللغة؛ كالمصباح المنير (2/614)، غير أن الأكثر يذكرها بصيغة الإفراد: ”مسجد عائشة“.
ولعل السبب في ذكرها بصيغة الجمع تعدد المساجد التي أقيمت وقتها في التنعيم؛ ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه (26/43): ”جبل التنعيم هو الجبل الذي عند المساجد التي تُسمى: "مساجد عائشة" عن يمينك وأنت داخلٌ إلى مكة، وتلك المساجد مبنيةٌ في التنعيم، ولم تكن هذه المساجد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ...“.
والسبب في تعدد هذه المساجد حينئذٍ اختلافهم في تعيين الموضع الذي أحرمت منه عائشة رضي الله عنها في التنعيم فأقيم في كل موطن منها مسجد ثم عُرف التنعيم بها ، حيث قال الفاكهي في تاريخه (5/61): ”...هما مسجدان، فقد زعم بعض المكيين أن المسجد الأدنى إلى الحرم - الخرب - هو الذي اعتمرت منه عائشة رضي الله عنها، ولا أعلم إلا أني سمعت أن ابن أبي عمر يذكر ذلك عن أشياخه من أهل مكة أنه هو الصحيح عندهم. وقد زعم بعضهم أنه المسجد الأقصى مفضي الأكمة الحمراء...“، قال المحب الطبري بعدما نقل كلام الفاكهي (ص623): ”قلت: وهذا هو الأظهر؛ فإنه قد نُقِل بالتواتر عندهم أن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - أحرم من ثمَّ، والظاهر أنه إنما أحرم من ذلك المكان اتباعاً للأثر. وقد كان ذلك الموضع مندثراً، ولم يبق منه إلا أحجارٌ بعضها فوق بعض، إلى أن جاء سيلٌ فأظهر أنصاباً مكتوبة مُشْعرة ببناءٍ قديم كان ثمَّ تاريخ بنائه من ثلاث مائة سنة، فبُنِي وحُفِرت بئره - وكانت قد ارتدمت - وذلك في عام أربع وأربعين وست مائة، وتمَّ البناء وحَفر البئر في عام خمسة وأربعين“.
قلت: في التنعيم اليوم - بحمد الله - مسجد واحدٌ كبير جداً يعرف بمسجد عائشة.(1/114)
أفضل. ويفعل قبل الإحرام ما تقدم من الغسل والصلاة وغيرهما. ثم يأتي المسجد فيطوف، ثم يخرج للسعي فيسعى، ثم يحلق أو يقصِّر [26] كما تقدم. وإن أحرم من الحرم فعليه دمٌ.
وتجزئ عمرة القارن عن عمرة الإسلام. والعمرة في غير أشهر الحج أفضل، ولا تكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق. ولا بأس أن يعتمر في السنة مراراً، ويكره الإكثار منها والموالاة بينها، ويستحب تكرارها في رمضان؛ لأنها فيه تعدل حجة. وتسمى العمرة حجاً أصغر. قال السعدي (1) : ”كثرة الطواف أفضل من كثرة الاعتمار“.
السادس الفصل
في أركان الحج والعمرة وواجباتهما
أركانه أربعة:
شوال - محرم - الوقوف بعرفة. ... صفر - ?وطواف?الزيارة??????وهي?الإفاضة??
ربيع أول - والسعي. ... ربيع ثان - والإحرام.
وواجباته سبعة:
1. الإحرام من الميقات على غير متمتع.
2. والوقوف بعرفة إلى الليل على من وقف نهاراً.
3. والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل إن وافاها قبله.
4. والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق، على ما سبق.
5. والرمي مرتباً.
6. والحلاق أو التقصير.
7. وطواف الوداع.
وما عدا ذلك سننٌ؛ كالمبيت بمنى ليلة عرفة، وطواف القدوم، والرمل والاضطباع فيه، والأذكار في مواضعها.
وأركان العمرة ثلاثة:
شوال - محرم - الإحرام. ... صفر - ?والطواف?
ربيع أول - والسعي.
وواجباتها شيئان:
شوال - محرم - الإحرام من الميقات أو الحِلِّ. ... صفر - ?والحلق?أو?التقصير?
فمن ترك الإحرام لم ينعقد نُسُكه، ومن ترك نُسُكاً غيره لم يتم نُسُكه إلا به.
ومن فاته الوقوف في وقته - ولو لعذرٍ – فاته الحج، وانقلب إحرامه به عمرةً كما تقدم؛ فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصِّر، ولا تجزئه عن عمرة الإسلام، وعليه قضاء حتى النفل، وهديٌ يذبحه في القضاء إن لم يكن اشترط في ابتداء إحرامه.
__________
(1) بدر الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن أبي بكر السعدي. تقدمت ترجمته (ص26).(1/115)
ومن ترك واجباً - ولو سهواً - فعليه شاةٌ، فإن لم يجد صام كمتمتعٍ. ومن ترك سنَّةً فلا شيء عليه.
ومن أحرم فحصره (1) عدوٌ عن البيت ذبح هدياً، فإن لم يجد صام عشرة أيامٍ بنية التحلل ثم حلَّ، ولا طعام فيه، ومن كان اشترط في إحرامه؛ بأن قال في ابتدائه: ”وإن حبسني حابسٌ فمحلي حيث حبستني“ (2) فلا شيء عليه.
السابع الفصل
في الهدي
يُسنُّ الإهداء للحرم، وسَوْقُ [27] الحيوان من الحِلِّ، ويوقفه معه بعرفة، وإشعارُ البُدْنِ (3) والبقرِ بشقِّ الصفحة اليمنى حتى يسيل الدم من سنامٍ أو محله، وتقليدهما مع غنمٍ النِّعالَ والعُرى وآذانَ القرب. وإن كانت الهدايا معه قبل الميقات سُنَّ فعل ذلك فيه إذا بلغه.
__________
(1) الحَصْر كالضَّرْبِ والنَّصْر: التضييق والحبس عن السفر وغيره.
انظر: (حصر) القاموس المحيط (ص480)، المصباح المنير (ص138)?
(2) متفق عليه، تقدم تخريجه (ص67)?
(3) أشْعَر البدنة إشعاراً: أعلمها؛ وهو أن يَشُقَّ جلدها أو يحزَّ سنامها أو يطعنها حتى يسيل الدم فيُعلم أنها شعيرة.
انظر: (شعر) القاموس المحيط (ص534)، المصباح المنير (ص315)?(1/116)
ويبدأ بذبح الهدي الواجب قبل النفل، ويكبر عند الذبح، ويقول ندباً: ”اللهم هذا منك ولك“ (1) ، [29] ولا بأس بقوله: ”اللهم تقبل من فلان“ (2) . ويسنُّ أن يتولى الذبح بيده، وإن وكَّل حضره.
ويدخل وقت ذبح الهدي [بمضي] (3) قدر صلاة العيد من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، وفي الأول فما يليه أفضل، فإن فات الوقت قضى الواجب كالأداء وسقط التطوع.
__________
(1) روى الإمام أحمد (15086)، وأبو داود (2795)، وابن ماجه (3121)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (ذبح?النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?يوم?الذبح?كبشين?أقرنين?أملحين?موجئين،?فلما?وجههما?قال: {إِنِّي?وَجَّهْتُ?وَجْهِيَ?لِلَّذِي?فَطَرَ?السَّمَاوَاتِ?وَالأَرْضَ?حَنِيفًا?وَمَا?أَنَاْ?مِنَ?الْمُشْرِكِينَ}??سورة?الأنعام??الآية??????، {إِنَّ?صَلاَتِي?وَنُسُكِي?وَمَحْيَايَ?وَمَمَاتِي?لِلّهِ?رَبِّ?الْعَالَمِينَ? - ?لاَ?شَرِيكَ?لَهُ?وَبِذَلِكَ?أُمِرْتُ?وَأَنَاْ?أَوَّلُ?الْمُسْلِمِينَ}??سورة?الأنعام??الآيتان???????????، اللهم?منك?ولك?عن?محمد?وأمته،?باسم?الله?والله?أكبر??ثم?ذبح)??قال?الحاكم?في?مستدركه??????????”هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه“?
(2) روى مسلم في صحيحه (1967) من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد، فأتى به ليضحى به. فقال لها: يا عائشة هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر. ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه. ثم قال: باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد، ثم ضحى به)??
وقد?روى?البيهقي?في?سننه?????????من?حديث?ابن?عباس?رضي?الله?عنهما?قال???لا?يذبح?أضحيتك?إلا?مسلم،?وإذا?ذبحت?فقل??بسم?الله،?اللهم?منك?ولك،?اللهم?تقبل?من?فلان??
(3) تصَحَّفَت في المدنية إلى:”بمنى“،?وهو?تصحيف?لا?يستقيم?المعنى?به?(1/117)
ووقت ذبح ما وجب بفعل محظورٍ من حين فعله؛ فإذا أراد فعله لعذرٍ فله ذبحه إذن.
الخاتمة
وفيها ثلاثة فصول:
الأول الفصل
في زيارته - صلى الله عليه وسلم - وما يتعلق به
يستحب لمن قضى مناسكه وأراد الرجوع إلى وطنه أن يقصد المدينة المنورة البهية، على مشرِّفها أفضل الصلاة وأزكى التحية؛ ليزور المسجد الشريف النبوي، والقبر الكريم المصطفوي (1) ، ويكثر في طريقه من الاستغفار وتلاوة القرآن والتهليل والتسبيح والتحميد والتكبير والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يصلي عليه في التشهد.
قيل: ويستحب أن يغتسلَ قبل دخولها، ويتطيَّبَ، ويلبسَ أحسن ثيابه، ويدخلَ بسكينةٍ ووقارٍ، ويقول: ”بسم الله، وعلى ملَّة رسول الله، {رَّبِّ?أَدْخِلْنِي?مُدْخَلَ?صِدْقٍ?وَأَخْرِجْنِي?مُخْرَجَ?صِدْقٍ?وَاجْعَل?لِّي?مِن?لَّدُنكَ?سُلْطَانًا?نَّصِيرًا}???سورة?الإسراء??الآية?????? “. ويستحضر بقلبه أنها البلدة التي اختارها الله لأكرم خلقه عليه وأفضلهم عنده وطناً لإظهار دينه، وأنها موطئ أقدامه الشريفة؛ فإنه ما من موضع قدمٍ بها إلا ويمكن قد وطئه قدمه الشريف، فلا يطؤه إلا متأدباً. قال السعدي (2) :”ويكره الركوب في أزقتها إلا لعذرٍ“.
فإذا وصل مسجدها قَدَّمَ عند دخوله رجله اليمنى وقال ما ورد، [28] وتقدم بعضه (3) . ثم يصلي ركعتين تحية المسجد. قال السعدي: ”ويتحرى لصلاته جانب المنبر حذو منكبه الأيمن، ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق، وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه [30] فذلك موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يؤمُّ الناس فيه“.
__________
(1) انظر التعليق المتقدم (ص41).
(2) بدر الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن أبي بكر السعدي. تقدمت ترجمته (ص26)?
(3) انظر: (ص81)?(1/118)
ثم يأتي القبر الشريف، قال السعدي: ”من باب المقصورة القبلي فيقف قبالة وجهه - صلى الله عليه وسلم - مستدبراً القبلة“، ويستقبل جدار الحجرة والمسمار الفضة في الرخامة الحمراء، قال السعدي: ”نحو أربعة أذرعٍ من السارية التي في زاوية المقصورة، ويجعل القنديل على رأسه“، فيسلم عليه؛ فيقول: ”السلام عليك يا رسول الله“، وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يزيد على ذلك (1) ، وإن زاد فحسن. ولا يرفع صوته؛ قال الله تعالى: {يَا?أَيُّهَا?الَّذِينَ?آمَنُوا?لا?تَرْفَعُوا?أَصْوَاتَكُمْ?فَوْقَ?صَوْتِ?النَّبِيِّ?وَلا?تَجْهَرُوا?لَهُ?بِالْقَوْلِ?كَجَهْرِ?بَعْضِكُمْ?لِبَعْضٍ?أَن?تَحْبَطَ?أَعْمَالُكُمْ?وَأَنتُمْ?لا?تَشْعُرُونَ}??سورة?الحجرات??الآية?????؛ ولأن حرمته ميتاً كحرمته حياً - صلى الله عليه وسلم - . وإن كان أحدٌ حمَّله تبليغ سلامٍ قال: ”السلام عليك يا رسول الله من فلان“.
__________
(1) روى عبد الرزاق (6724) من طريق معمر وعبد الله بن عمر العُمَري، وابن أبي شيبة (3/222) من طريق عبيد الله بن عمر العُمَري، والبيهقي في السنن (5/245) من طريق حماد بن زيد، كلهم عن أيوب، ورواه ابن سعد في الطبقات (4/156) من طريق بشر بن كثير الأسدي كلاهما عن نافع قال: (كان عبد الله بن عمر إذا قدم من سفر بدأ بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر؛ فيقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه)?(1/119)
وينبغي للزائر أن يسأل لأهله وإخوانه الشفاعة ولسائر المسلمين، ثم يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره قريباً؛ لئلا يستدبره - صلى الله عليه وسلم - (1) ، ويدعو، ويكون من دعائه: ”اللهم إني أتيت قبر نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - متقرباً إليك بزيارته، متوسلاً إليك به (2) ، وأنت قلت وقولك الحق ولا تخلف الميعاد: {وَلَوْ?أَنَّهُمْ?إِذ?ظَّلَمُواْ?أَنفُسَهُمْ?جَآؤُوكَ?فَاسْتَغْفَرُواْ?اللّهَ?وَاسْتَغْفَرَ?لَهُمُ?الرَّسُولُ?لَوَجَدُواْ?اللّهَ?تَوَّابًا?رَّحِيمًا}??سورة?النساء??الآية??????، وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي فاشفع لي يا شفيع الأمة، وأجرني من النار (3) .
__________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة": ”...مذهب الأئمة الأربعة - مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد - وغيرهم من أئمة الإسلام أن الرجل إذا سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة. واختلفوا في وقت السلام عليه، فقال الثلاثة؛ مالك والشافعي وأحمد: يستقبل القبلة ويسلم عليه من تلقاء وجهه، وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام؛ كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم، ثم في مذهبه قولان: قيل: يستدبر الحجرة، وقيل: يجعلها عن يساره. فهذا نزاعهم في وقت السلام، وأما في وقت الدعاء فلم يتنازعوا في أنه إنما يستقبل القبلة لا الحجرة“?
(2) قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في فتاويه (ص31): ”...التوسل إلى الله بذوات المخلوقين وجاههم الصواب أنه لا يحل؛ لأنه لا يُتقرب إلى الله إلا بما شرع، وهذا ليس بمشروع. وأيضاً فذوات المخلوقين، وإن كان لهم عند الله مقام وقدر وجاه، فهذا ليس لغيرهم، وليس التوسل بهم سبباً لشفاعتهم للمتوسِّل عند الله، ولم يجعله الله من الأمور المقربة إليه، وليس ذلك إلا توسلاً بما منَّ الله به على المتوسَّل، فتعين أنه لا يجوز“?
(3) استغفر الله..هذه كلمة شنيعةٌ تقشعر منها الجلود، وخروجها من مثل هذا الإمام الحنبلي أمرٌ مستغربٌ! ولعل في العبارة سقطاً وتمامها: ”وأجرني?اللهم?من?النار?بشفاعته“?أو?نحو?ذلك? كما لا يستبعد أن تكون هذه العبارة من شطحات التصوف الذي عمَّ وطمَّ في القرون المتأخرة. ولم تؤثر مثل هذه الكلمات المستبشعة عن الإمام أحمد ولا عن أحدٍ من أصحابه المتقدمين، بله الصحابة - رضي الله عنهم - وتابعيهم بإحسان في القرون المفضلة، ولقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته عن دقيق الشرك وجليله، وغضب - صلى الله عليه وسلم - حين قال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (أجعلتني لله نداً ! بل ما شاء الله وحده). رواه الإمام أحمد (1839 ، 1964 ، 2561 ، 3247)، والنسائي في السنن الكبرى (10825)، والبيهقي في سننه (3/217).(1/120)
يا نبي الرحمة، يا سراج الظلمة، يا كاشف الغمة، يا سيدي يا رسول الله أتيناك من البلاد البعيدة وخلعنا المال والأهل والوطن، وجئنا في محبتك.
يا سيدي يا رسول الله أشهد أنك قد بلغت الرسالة، [31] وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت [29] الغمة، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده، وعبدت ربك حتى أتاك اليقين، جزاك الله أفضل ما جزى نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه. ثم يقول:
عبدٌ ذليلٌ ضعيفٌ قد ألمَّ بكم ... ومستجيرٌ بكم يا سادة العربِ
حلَّ الحِمى والتجا يا خيرَ من وَفِدت ... كلُّ الوفودِ له يا طيبَ الحسبِ
يا رسول الله قد وقفت ببابك، واستجرت بجنابك، وتمسكت بأعتابك، أسألك الشفاعة لي ولوالديَّ، وأنت صاحب الشفاعة والوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، والمقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود، والشفاعة العظمى في اليوم المشهود (1) .
يا خَيْرَ من دُفِنت في القاعِ أعْظُمُهُ ... فطاب?من?طيبهنَّ?القاعُ?والأكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكِنهُ ... فيه?العفافُ?وفيه?الجودُ?والكَرمُ
أنت الشفيعُ الذي تُرجَى شَفَاعَتُهُ ... عند?الصراطِ?إذا?ما?زلَّتِ?القَدمُ
__________
(1) كل هذا من المغالاة المقيتة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منسكه (ص54)، وهو في مجموع الفتاوى (26/148): ”زيارة القبور على وجهين: شرعية وبدعية؛ فالشرعية: المقصود بها السلام على الميت والدعاء له؛ كما يقصد بالصلاة على جنازته؛ فزيارته بعد موته من جنس الصلاة عليه، فالسُنَّة أن يسلم على الميت، ويدعو له، سواءٌ كان نبياً أو غير نبي، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر أصحابه - رضي الله عنهم - إذا زاروا القبور...والزيارة البدعية: أن يكون مقصود الزائر أن يطلب حوائجه من ذلك الميت، أو يقصد الدعاء عند قبره، أو يقصد الدعاء به؛ فهذا ليس من سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا استحبه أحدٌ من سلف هذه الأمة وأئمتها...“.(1/121)
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
اللهم اجعلها زيارةً مقبولةً، وسعياً مشكوراً، وعملاً متقبلاً مبروراً، ودعاءاً تدخلنا به جنتك، وتشيع به علينا رحمتك. اللهم اجعل نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - أنجح السائلين، وأكرم الأولين والآخرين. اللهم كما آمنَّا به ولم نره، وصدَّقناه ولم نلقه، فأدخلنا مدخله، واحشرنا محشره، وأوردنا حوضه، واسقنا من يده شربةً هنيئةً مريئةً لا نظمأ بعدها أبداً“.
ثم يتقدم قليلاً من مقام [سلامه] (1) ، نحو ذراعٍ عن يمينه، فيسلم على خليفة رسول الله أبي بكرٍ الصدِّيق - رضي الله عنه - . ثم يتقدم نحو ذراع على يمينه أيضاً، فيسلم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
__________
(1) تصَحَّفَت في المدنية إلى:?”سلام?سلامه“??وما?في?المصرية?يوافقه?ما?في?جامع?المناسك?الحنبلية??ص?????(1/122)
ثم يدور [32] حتى يأتي قبر فاطمة بنت رسول الله (، فيسلم عليها، بناءاً على أنها مدفونة معه بالحجرة الشريفة، وقيل: إنها مدفونة بالبقيع، والأول أشهر (1) .
ولا يمسح قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا حائطه، ولا يلصق به صدره، ولا يقبِّله، ويحرم طوافه بغير البيت العتيق اتفاقاً.
__________
(1) ذكر ذلك أيضاً صاحب كتاب الدرة الثمينة في أخبار المدينة، ومستند هذا الخبر ما روي أن فاطمة رضي الله عنها قُبِرت في بيتها الذي أدخله عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - في المسجد. وهذا مردود عند جماعة من المحققين؛ من أقدمهم ابن شَبَّة في "تاريخ المدينة"، ومن أوسعهم كلاماً السمهودي في "وفاء الوفا"، والذي عليه جمهور أصحاب السير والتراجم والمؤرخين أنها قُبرت في البقيع. ويشهد لهم ما روي من طرقٍ عدة أنها قالت في مرض موتها لأسماء بنت عُمَيس:”يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء؛ أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها. فقالت أسماء: يا بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة؛ فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً. فقالت فاطمة: رضي الله عنها ما أحسن هذا وأجمله...?“??رواه?الحاكم?في?مستدركه????????،?وابن?عبد?البر?في?الاستيعاب?????????،?والبيهقي?في?سننه???????،?وغيرهم??وقال?ابن?عبد?البر??”فاطمة?رضي?الله?عنها?أول?من?غطي?نعشها?من?النساء?في?الإسلام?على?الصفة?المذكورة?في?هذا?الخبر“?
انظر: طبقات ابن سعد (8/30)، تاريخ المدينة لابن شبة (1/104)، الاستيعاب (4/1897)، الدرة الثمينة في أخبار المدينة (ص123)، البداية والنهاية (5/332)، الإصابة (8/60)، وفاء الوفا (3/901)?(1/123)
ومما اتفق للعُتْبيّ أنه كان جالساً [30] عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء أعرابيٌ فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول:?{وَلَوْ?أَنَّهُمْ?إِذ?ظَّلَمُواْ?أَنفُسَهُمْ?جَآؤُوكَ?فَاسْتَغْفَرُواْ?اللّهَ?وَاسْتَغْفَرَ?لَهُمُ?الرَّسُولُ?لَوَجَدُواْ?اللّهَ?تَوَّابًا?رَّحِيمًا}??سورة?النساء??الآية??????، وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي. ثم أنشأ يقول:
يا خَيْرَ من دُفِنت في القاعِ أعْظُمُهُ ... فطاب من طيبهنَّ القاعُ والأكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكِنهُ ... فيه العفافُ وفيه الجودُ والكَرمُ
قال العُتْبيّ: ثم انصرف الأعرابي. فحملتني عيني، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم. فقال لي: ”يا عُتْبيّ، الحق الأعرابي فبشِّره بأن الله تعالى قد غفر له“ (1) .
__________
(1) نقل هذه الحكاية عن العتبي ابنُ كثير في تفسيره، فقال: ”...وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي...“، فساق هذه القصة والأبيات، ورواها البيهقي في شعب الإيمان (3/495) من طريق أبي حرب الهلالي قال: ”حج أعرابي...“ فذكر القصة، قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي (ص238): ”هذه الحكاية التي ذكرها، بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي، وبعضهم يرويها عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي، وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم...وليست هذه الحكاية المنكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة، وإسنادها مظلمٌ مختلفٌ، ولفظها مختلف أيضاً، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض، ولا يصلح بمثل هذه الحكاية ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم...“.(1/124)
ويستحب الإكثار من الصلاة بمسجده (، وهي بألف صلاةٍ، وبالمسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة (1) .
__________
(1) قال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/179): ”معناه في معجم الطبراني الكبير [لم أقف عليه في المعجم الكبير. وقد عزاه الحافظ ابن حجر في الفتح (3/81) إلى الطبراني والبزار وقال: "قال البزار: إسناده حسن"] من حديث أبي الدرداء رفعه: (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة).
ورواه ابن عدي [الكامل (7/213)] من حديث يحيى بن أبي حية عن عثمان بن الأسود عن مجاهد عن جابر بلفظ: (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة)، وإسناده ضعيف. وقد ورد ذلك في أحاديث مفترقة:
فأما الصلاة في مسجد المدينة فمتفق عليه [البخاري (1190)، ومسلم (1394)] من حديث أبي هريرة بلفظ: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام)، ولمسلم عن ابن عمر - رضي الله عنه - [(1395)] وعن ميمونة [(1396)] مثله، ولأحمد [(14750، 15344)] عن جابر - رضي الله عنه - مثله.
وأما الصلاة في مسجد إيلياء؛ وهو: بيت المقدس فروى ابن ماجه [(1407)] من حديث ميمونة بنت سعد: (فإن صلاة فيه - يعني: بيت المقدس - كألف صلاة في غيره)، وروى ابن ماجه [(1413)] من حديث أنس: (وصلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة)، وإسناده ضعيف. وروى الدارقطني في العلل [(6/243)] والحاكم في المستدرك [(4/509)، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي] من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - : (صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات في بيت المقدس).
وأما الصلاة في المسجد الحرام فرواه أبو هريرة - رضي الله عنه - في المتفق [البخاري (1190)، ومسلم (1394)] كما تقدم، وتقدم عن ابن عمر [مسلم (1395)] وميمونة [مسلم (1396)] ، وروى أحمد [(16216)] وابن حبان [(1620)] والبيهقي [السنن الكبرى (5/246)] من حديث عبد الله بن الزبير: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي)، وروى ابن عبد البر في التمهيد [(6/15-36)] من حديث الأرقم: (صلاة هنا خير من ألف صلاة ثمَّ) - يعني: في مسجد بيت المقدس - قال ابن عبد البر: "هذا حديث ثابت". وقال أحمد [المسند (15344)]: نا أحمد بن عبد الملك نا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم - هو: الجزري - عن عطاء عن جابر رفعه: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)، وإسناده صحيح، إلا أنه اختلف فيه على عطاء“.(1/125)
وحسنات الحرم كصلاته في المضاعفة، وتتضاعف الحسنة والسيئة في كل مكانٍ وزمانٍ فاضلين، {وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة: الآية (261)].
وتسنُّ زيارة البقيع والمساجد والمشاهد التي به؛ كمشهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، ومشهد فاطمة بنت أسدٍ أمُّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنها، ومشهد حليمة السعدية مرضعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومشهد إبراهيم ابن الرسول عليهما الصلاة والسلام، ومشهد [33] سيدنا نافع مولى ابن عمر - رضي الله عنهم - ، ومشهد الإمام مالك - رضي الله عنه - ، ومشهد عقيل بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، ومشاهد أزواجه وبناته - صلى الله عليه وسلم - ، ومشهد العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسيدنا الحسن والإمام زين العابدين وسيدنا الباقر وجعفر الصادق - رضي الله عنهم - ، ومشاهد عمات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، والسيد إسماعيل بن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنهما، وكمسجد بني حرام أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والكهف الذي في جبل سلع؛ وهو في شعبة في قبلة المسجد، ومسجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكرم وجهه، ومسجد سلمان الفارسي [31] - رضي الله عنه - ، ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي فوق الجبل؛ وهو المسمى بمسجد الفتح، ومسجد القبلتين، وبئر رؤمة؛ ويسمى بئر أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - . ويستحب أيضاً أن يزور مسجد حمزة - رضي الله عنه - وما حوله من الشهداء؛ وهم سبعون رجلاً كما ضبط ذلك بعضهم. ومسجد المصرع الذي في جبل الرماة. وبئر أريس. وبئر غرس. وبئر العهن. وبئر بضاعة. ومسجد قباء، وبه الأصطوانة التي أول ما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - به صلى وراءها، والركن الشرقي شرقي المسجد، ومحراب الآية، ومحراب الرحبة، ومبرك الناقة؛ وهي دكةٌ في وسط المسجد مربعة.(1/126)
ومسجد بني النجار، ويقال له أيضاً: مسجد الجمعة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى فيه أول جمعة في الإسلام. ومسجد أبي - رضي الله عنه - الذي بالبقيع. ومسجد مصلى العيد (1) .
ثم يدعو بعد الزيارة فيقول: اللهم بحقِّ محمدٍ وآلهِ وأصحابهِ وذريتهِ وأزواجهِ وأهلِ بيته وعِتْرَتِه (2) كما بلغتنا زيارة [34] نبينا في الدنيا فلا تحرمنا شفاعته في الآخرة (3) .
يا الله يا الله يا الله، اللهم ارزقنا العَوْد ثم العَوْد، وردنا إلى بلادنا وأهل بيتنا وإخواننا وجيراننا سالمين غانمين آمنين فائزين فرحين مستبشرين مطمئنين، مقبولاً حجَّنا، مشكوراً سعينا، مغفوراً ذنبنا، متقبلة زيارتنا، مستجاباً دعاؤنا، واجعلنا من الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، برحمتك يا أرحم الراحمين.
الثاني الفصل
في الإقامة بمكة وحكم المجاورة بها وما يتعلق بذلك
يستحب الإكثار من الطواف زمن إقامته، ومن مشاهدة البيت، ومن الذكر والتلاوة والدعاء بالملتزم؛ بين الركن الذي به الحجر الأسود والباب.
__________
(1) تقدم نظير هذا عند المؤلف غفر الله له عند قوله باستحباب زيارة المشاهد في مكة (ص83)، وانظر التعليق على هذا عند الكلام عن المؤاخذات على الكتاب (ص29).
(2) قال ابن الأثير في النهاية (3/177): ”عترة الرجل أخص أقاربه، وعترة النبي - صلى الله عليه وسلم - : بنو عبد المطلب، وقيل: أهل بيته الأقربون؛ وهم أولاده وعلي وأولاده، وقيل: عترته الأقربون والأبعدون منهم...والمشهور المعروف أن عترته أهل بيته الذين حرمت عليهم الزكاة“.
(3) انظر ما تقدم في التعليق على مسألة التوسل (ص122).(1/127)
ويشرب من ماء زمزم لما أحبَّ، ويتضلع ويرشُّ على بدنه وثوبه، ويقول: ”اللهم اجعله لنا عِلماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وريَّاً وشِبعاً، وشفاءاً من كل داءٍ، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك“ (1) .
ويستحب دخول الكعبة بلا خفٍ ونعلٍ وسلاحٍ، فيكبِّر في نواحيه، ويمشي تلقاء وجهه حتى يكون بينه [32] وبين الجدار الذي يقابله ثلاثة أذرعٍ، فيصلي ركعتين نفلاً بين الاسطوانتين، وإن شاء زاد، ويدعو مخلصاً.
والحِجْر - تحت الميزاب قريبٌ من البيت قدر ستة أذرعٍ وشيءٍ (2) - من البيت فلا يصح الفرض فيه، ويصح التوجه إليه ولو من مكيٍّ.
__________
(1) روى الحاكم في المستدرك (1/473) من طريق مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ”ماء زمزم لما شرب له؛ فإن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته مستعيذا عاذك الله، وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه“. قال: وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: ”اللهم أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءاً من كل داء“)، وقد رواه الدارقطني في سننه (2/289) مختصراً دون دعاء ابن عباس، وفي سنده عندهما: محمد بن حبيب الجارودي، قال الحاكم: ”هذا حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي، ولم يخرجاه“، وقال الحافظ المنذري في الترغيب (2/167): ”...سلم منه؛ فإنه صدوق، قاله الخطيب البغدادي وغيره، لكن الراوي عنه: محمد بن هشام المروزي لا أعرفه“،.
قلت: قد روي دعاء ابن عباس المتقدم مفرداً من غير هذا الوجه؛ حيث رواه عبد الرزاق في مصنفه (9112) عن الثوري قال: (سمعت من يذكر أن ابن عباس شرب من زمزم ثم قال: ”أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءاً من كل داء“)، وكذا رواه الدارقطني في سننه (2/288) من طريق عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه - .
(2) سبق الكلام عن الحِجر (ص89).(1/128)
ومن محاسن الدعاء في البيت: اللهم إنك وعدت من دخل بيتك الأمن، وأنت خيرُ من وفى، اللهم فاجعل أماني أن تكفيني ما أهمني من أمور الدنيا والآخرة، حتى أدخل الجنَّة بغير عذاب.
ويكثر من أفعال الخير، ويجتنب اللغو ومساوئ الأخلاق. ويستحب المجاورة بمكة، وهي أفضل من المدينة، ويكره إخراج ترابها وطينها، فمن أراد التبرك بطيب [35] الكعبة فليلصق بها من طيبه ثم يأخذه (1) .
الثالث الفصل
في آداب العَوْد وأمارة الحاج
__________
(1) قال الحجاوي في الإقناع (2/26): ”ومن أراد أن يستشفي بشيءٍ من طيبها [أي: الكعبة] فليأت بطيبٍٍ من عنده، فيَلْزِقَه على البيت ثم يأخذه، ولا يأخذ من طيب الكعبة شيئاً “، وعلل ذلك البهوتي في الكشاف (2/507) فقال: ”أي: يحرم ذلك؛ لأنه صرفٌ للموقوف في غير ما وُقِف عليه“، وعلق ابن جاسر في منسكه (2/101) على المسألة فقال: ”في جواز الاستشفاء بالطيب الذي يضعه على الكعبة نظرٌ ظاهر، ولو قيل بالمنع من ذلك لكان له وجهٌ صحيحٌ؛ لأنه من قبيل التبرُّك، ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جواز ذلك، ولا فعله الخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم - ، ولا سائر الصحابة - رضي الله عنهم - ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه“، وقال الدكتور التركي في تحقيقه على المغني (5/464): ”هذا شيءٌ مبتدع؛ لم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والشفاء إنما يُطلب من الله وبفعل الأسباب المشروعة والمباحة؛ كالدعاء والرقية بالقرآن والتداوي بالأدوية المباحة“، وقال أيضاً في تحقيقه على الإقناع: ”لم يرد دليل من الكتاب والسنة على هذا الادعاء؛ لأن العبادات مبناها على التوقيف. ولعل ما أورده المصنف هو نقل عن العوام دون استناد لنص شرعي“. قلت: قد قال ابن هانئ في مسائله عن الإمام أحمد - رضي الله عنه - (1817): ”سمعته يقول: لا بأس أن يجيء الرجل بالطيب فيلطخه بالبيت ثم يقلعه؛ يستشفي به، ولا يقلع من البيت شيئاً“.(1/129)
يسنُّ لمن أراد العَوْد عند انصرافه من حجه متوجهاً أن يقول: ”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير. آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده“ (1) .
وإذا وصل وطنه وحلَّ بمنزله صلى ركعتين، وحمد الله، وأثنى عليه وشكره، وسأله المزيد من فضله، والعصمة فيما بقي من عمره، وقال: ”توباً توباً، لربنا أوباً أوباً، لا يعاد علينا حوباً“ (2) .
قال ابن عقيل: ”ويكره تسمية من لم يحجَّ صرورة (3) ؛
__________
(1) روى البخاري (1797، 2995، 3084، 4116، 6385)، ومسلم (1344)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا أوفى على ثنية أو فدفدٍٍ كبر ثلاثاً، ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده).
(2) روى ابن أبي شيبة (7/100،725)، وأحمد في المسند (2311)، وابن حبان في صحيحه (6/431)، والحاكم في المستدرك (1/488)، والطبراني في الكبير (11735)، والأوسط (1528)، والبيهقي في السنن (5/250)، كلهم من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفرٍ فرأى أهله قال: أوباً أوباً، إلى ربنا توباً، لا يغادر علينا حوباً)، قال الحاكم: ”هذا حديث صحيح بين الشيخين؛ لأن البخاري تفرد بالاحتجاج بعكرمة، ومسلم بسماك بن حرب، ولم يخرجاه“.
(3) قال في القاموس: ”رجل صَرورٌ وصَرُورَةٌ وصَرارَةٌ وصارُورَةٌ وصارُورٌ وصَرُورِيٌّ وصارُوراءُ: لم يحج أو لم يتزوج“. وقال ابن الأثير: ”أصله من الصرِّ: الحبس والمنع“.
انظر: (صرر) النهاية (3/22)، القاموس (ص543).(1/130)
لأنه اسمٌ جاهلي، وأن يقال: حِجَّة الوداع؛ لأنه اسمٌ على أن لا يعود“ (1) .
واعلم أن العلماء قد اتفقوا على أن الحجَّ المبرور يكفِّر الصغائر جميعاً. واختلفوا في تكفيره الكبائر؛ فمنهم من قال به؛ نظراً لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (2) ، وأقام ابن تيمية النكير على من قال: إن شيئاً من العبادات يكفِّر شيئاً من التَّبِعات؛ كالدَّيْن وغيره، وعبارته: ”ومن اعتقد أن الحجَّ يسقط ما عليه من الصلاة والزكاة فإنه يستتاب بعد تعريفه إن كان جاهلاً، فإن تاب وإلا قُتِل. ولا يسقط حقُّ [33] الآدمي من مالٍ أو عِرضٍ أو دمٍ بالحجِّ إجماعاً“ (3) ، انتهى.
وهذا آخر ما قصدنا جمعه والحمد لله وحده
وصلى الله على من لا نبي بعده
محمدٍ المجتبى المختار
وآله المجتبين الأخيار
وصحبه البررة الأطهار
وسلم تسليماً كثيراً
دائماً أبداً إلى يوم الدين
آمين
المصادر والمراجع
- الآداب الشرعية والمنح المرعية، لشمس الدين محمد بن مفلح (763هـ)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعمر القيَّام، نشر: بيروت - مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1406- 1996.
- الأخبار العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدين ابن تيمية، للعلامة علاء الدين علي بن محمد بن عباس البعلي المعروف بابن اللحام (803هـ)، تحقيق: أحمد بن محمد بن حسن الخليل، الرياض - دار العاصمة للنشر والتوزيع، ط: الأولى، 1418هـ – 1998م.
__________
(1) نقله ابن مفلح في الفروع (3/529) عن كتاب الفصول لابن عقيل. قال ابن رجب في الذيل على الطبقات (1/156) في ترجمة ابن عقيل: ”له في الفقه كتاب الفصول، ويسمى: كفاية المفتي، في عشر مجلدات“.
(2) متفق عليه، تقدم تخريجه (ص56).
(3) الفتاوى الكبرى (4/467).(1/131)
- أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسحاق الفاكهي (بعد 272هـ)، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، مكة المكرمة - مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، ط: الأولى، 1407هـ.
- أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، للإمام أبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي (223هـ)، تحقيق: رشدي الصالح ملحس، مكة المكرمة - دار الثقافة، ط: الثانية، 1385هـ - 1965م.
- الاختيار لتعليل المختار، للعلاَّمة عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي (683هـ)، علق عليه: الشيخ محمود أبو رقيقة، استانبول - دار الدعوة.
- الاختيارات الجلية من المسائل الخلافية، لعبد الله بن عبد الرحمن البسام، مكة - مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، مطبوع مع نيل المآرب للمؤلف نفسه.
الاختيارات الفقهية = الأخبار العلمية.
- الأذكار، ليحيى بن شرف الدين النووي (676هـ)، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط ، الرياض - دار الهدى، ط: الثالثة، 1410هـ - 1990م.
- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لمحمد ناصر الدين الألباني، دمشق - المكتب الإسلامي، ط: الثانية، 1405هـ - 1985م.
- الاستذكار، لابن عبد البر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر الأندلسي (463هـ)، تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت - دار قتيبة للطباعة والنشر، ط: الأولى، 1414هـ.
- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر الأندلسي (463هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، بيروت - دار الجيل، ط: الأولى، 1412هـ.
- الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (852هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، بيروت - دار الجيل، ط: الأولى، 1412هـ.
- الأعلام، لخير الدين الزركلي (1396هـ)، بيروت - دار العلم للملايين، ط: السادسة، 1984م.(1/132)
- اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (728هـ)، تحقيق: الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل، الرياض – مكتبة الرشد، ط: الثانية، 1411هـ - 1991م.
- الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، لأبي النجا شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي المقدسي (968هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، القاهرة – دار هجر للطباعة والنشر، ط: الثانية.
- الأم، للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (204هـ)، أشرف على طبعه وباشر تصحيحه: محمد زهري النجار، القاهرة - مكتبة الكليات الأزهرية، ط: الأولى، 1381- 1961.
- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، لعلي بن سليمان المرداوي (885هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، القاهرة - دار هجر للطباعة والنشر، ط: الأولى، 1416هـ - 1996م.
- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، لإسماعيل باشا بن محمد أمين بن مير سليم الباباني (1339 هـ)، الناشر: بغداد - مكتبة المثنى.
- البحر الرائق شرح كنز الدقائق، للعلاَّمة زين الدين بن إبراهيم بن محمد الحنفي المعروف بابن نجيم (970هـ)، تحقيق: زكريا عميرات، بيروت - دار الكتب العلمية.
- البداية والنهاية، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير (774هـ)، بيروت - مكتبة المعارف، الطبعة: الثانية، 1977م.
البيهقي = السنن الكبرى.
- تاريخ بغداد، للحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (463هـ )، بيروت - دار الكتاب العربي.
- تاريخ التراث العربي، لفؤاد سزكين، نقله إلى العربية: د. محمود فهمي حجازي، راجعه: د. عرفة مصطفى ود. سعيد عبد الرحيم، الرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1403-1983م.
تاريخ الجبرتي= عجائب الآثار في التراجم والأخبار.(1/133)
- التاريخ الكبير، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (256هـ)، نشر: بيروت - دار الفكر، تصوير طبعة حيدر أباد الدكن بالهند.
- تاريخ المدينة المنورة، لأبي زيد عمر بن شبة النميري البصري (ت262هـ)، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، القاهرة - مكتبة ابن تيمية.
- تاريخ ابن معين (رواية الدوري)، لأبي زكريا يحيى بن معين (233هـ)، تحقيق: الدكتور أحمد محمد نور سيف، مكة المكرمة - مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، ط: الأولى، 1399هـ.
- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للعلاَّمة فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي (743هـ)، مصر- المطبعة الأميرية ببولاق، ط: الأولى، 1313هـ .
- تحرير ألفاظ التنبيه، ليحيى بن شرف الدين النووي (676هـ)، تحقيق: عبد الغني الدقر،
دمشق - دار القلم، ط: الأولى، 1408هـ - 1988م.
- تحفة الناسك بأحكام المناسك، تأليف: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (1233هـ)، تحقيق: الوليد بن عبد الرحمن آل فريان، الرياض - دار الصميعي، ط: الأولى، 1416هـ - 199م.
- تحقيق النصوص ونشرها، تأليف الأستاذ عبد السلام هارون، القاهرة - مكتبة الخانجي، ط: الرابعة، 1397هـ - 1977م.
- الترغيب والترهيب، لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري (656هـ)، تحقيق: محيي الدين مستو وسمير العطار ويوسف بديوي، بيروت - دار ابن كثير، ط: الأولى، 1414هـ.
الترمذي = سنن الترمذي.
- تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة، تأليف: صالح بن عبد العزيز بن علي آل عثيمين الحنبلي القصيمي البردي (ت 1410هـ)، تحقيق: بكر بن عبد الله أبو زيد، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1421هـ - 2000م.
- تصحيح الفروع (مع كتاب الفروع)، لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (885 هـ)، حققه: عبد اللطيف السبكي، راجعه: عبد الستار أحمد فراج، بيروت - عالم الكتب، ط: الرابعة، 1405هـ - 1985م.
تفسير ابن جرير = جامع البيان عن تأويل القرآن.(1/134)
تفسير ابن كثير = تفسير القرآن العظيم.
- تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير (774هـ)، صحح بإشراف: الشيخ خليل الميس، بيروت - دار القلم، ط: الثانية.
تكملة مصنف ابن أبي شيبة = المصنف لابن أبي شيبة.
- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (852هـ)، تحقيق: د. شعبان محمد إسماعيل، القاهرة - مكتبة الكليات الأزهرية.
- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر (463هـ)، توزيع: مكة المكرمة - المكتبة التجارية، ط: بدون.
- التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع، لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي (885هـ)، تحقيق: عبد الرحمن حسن محمود، نشر: الرياض - المؤسسة السعيدية، 1981م.
- تهذيب الأسماء واللغات، للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي (676هـ)، نشر: بيروت - دار الفكر، ط: الأولى، 1996م.
- التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح، لشهاب الدين أحمد بن أحمد العلوي الشويكي (939هـ)، تحقيق: الدكتور ناصر بن عبد الله الميمان، مكة المكرمة - المكتبة المكية، ط: الثالثة، 1419هـ -1998م.
- جامع الأصول في أحاديث الرسول، لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير (606هـ)، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان، ط: 1389هـ.
- جامع البيان عن تأويل القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (310هـ )، حققه وخرج أحاديثه: محمود شاكر، راجع أحاديثه: أحمد شاكر، القاهرة - دار المعارف، ط: 1969م.
- جامع المسالك في أحكام المناسك، تأليف: الشيخ عبد الله بن سليمان آل بليهد (1359هـ)، الرياض - مكتبة الإمام الشافعي، ط: الثانية، 1409هـ .(1/135)
- جامع المناسك الثلاثة الحنبلية، للعلاَّمة الشيخ أحمد بن محمد المنقور التميمي النجدي (1125هـ)، تحقيق: محمد زهير الشاويش، بيروت: المكتب الإسلامي، ط: الثالثة، 1398هـ.
- جبل الإل بعرفات تحقيقات تاريخية شرعية، تأليف: الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، الرياض – دار العاصمة، ط: الأولى، 1419هـ - 1998م.
- الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (327هـ)، بيروت - دار إحياء التراث العربي، ط: الأولى، 1371هـ .
ابن الجعد = مسند ابن الجعد.
- الجواهر المضية في طبقات الحنفية، للعلاَّمة محيي الدين أبي محمد عبد القادر بن محمد القرشي (775هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، مصر - دار هجر، ط: الثانية، 1413هـ - 1993م.
- الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد بن حنبل، لمحمد بن محمد بن أبي بكر السعدي الحنبلي (900هـ)، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، نشر: مصر - هجر، ط: الأولى، 1407هـ - 1987م.
- حاشية ابن حجر الهيتمي على شرح الإيضاح في مناسك الحج، لأحمد بن محمد بن محمد بن علي الهيتمي السعدي الأنصاري المكي (973هـ)، بيروت - دار الحديث، ط: الثانية، 1405هـ.
حاشية ابن عابدين = رد المحتار على الدر المختار
- حاشية ابن قائد على منتهى الإرادات (مطبوع مع المنتهى)، للشيخ العلاَّمة عثمان بن أحمد بن سعيد بن عثمان بن قائد النجدي (1097هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1419هـ - 1999م.
- حاشية الروض المربع، لعبد الله بن عبد العزيز العنقري (1373هـ)، الرياض - مكتبة الرياض الحديثة.
- حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع، لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي (1392هـ)، ط: الثالثة، 1405هـ.
- حاشية المقنع، لسليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1233هـ)، القاهرة - المكتبة السلفية، ط: الثانية.(1/136)
الحاكم = المستدرك على الصحيحين.
- حلية الأولياء، لأبي نُعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430هـ)، بيروت - دار الكتاب العربي، ط: الرابعة، 1405هـ .
- حواشي التنقيح في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد بن سالم المقدسي الصالحي (960هـ)، تحقيق: الدكتور يحيى بن أحمد بن يحيى الجردي، القاهرة - دار المنار للنشر والتوزيع، ط: الأولى، 1412ـ1992.
- حياة الحيوان الكبرى، لكمال الدين محمد بن موسى الدميري (808هـ) نشر: دار التحرير للطبع والنشر، 1965م.
- حيوانات وطيور بلاد الشام، تأليف: أحمد وصفي زكريا، دمشق - المركز الجغرافي الفلسطيني، ط: الأولى، 1403هـ - 1983م.
- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، تأليف: محمد بن أمين المحبي (1111هـ)، القاهرة – دار الكتاب الإسلامي.
الدارمي = سنن الدارمي.
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للحافظ جلال الدين السيوطي (911هـ )، بيروت - دار الكتب العلمية، ط: الأولى، 1411هـ-1990م .
- الدر المنضد في أسماء كتب مذهب الإمام أحمد، لعبد الله بن علي بن حميد السبيعي المكي الحنبلي (1346هـ)، تحقيق وتعليق وتذييل: جاسم بن سليمان الفهيد الدوسري، بيروت - لبنان - دار البشائر الإسلامية، ط: الأولى، 1410هـ - 1990م.
- الدر المنضد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، لمجير الدين عبد الرحمن بن محمد العليمي الحنبلي (928هـ)، تحقيق: د. عبد الرحمن سليمان العثيمين، الرياض - مكتبة التوبة، ط: الأولى، 1412هـ - 1992م.
- الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، ليوسف بن حسن بن عبد الهادي ابن المبرد (909هـ)، تحقيق: د. رضوان مختار بن غربية، جده - دار المجتمع، ط: الأولى، 1411هـ - 1991م.(1/137)
- الدر الثمينة في أخبار المدينة، للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادي (643هـ)، تحقيق: حسين محمد علي شكري، المدينة المنورة - دار المدينة المنورة، ط: الثانية، 1418هـ - 1998م
- دليل الطالب على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، مع حاشية الشيخ محمد بن مانع (1385هـ)، لمرعي بن يوسف الكرمي (1033هـ)، بيروت - المكتب الإسلامي، ط: الثالثة، 1397هـ - 1977م.
- الذيل على طبقات الحنابلة، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (795هـ)، بيروت - دار المعرفة.
- رد المحتار على الدر المختار، للعلاَّمة محمد أمين الشهير بابن عابدين (1252هـ)، بيروت - دار إحياء التراث العربي، ط: الثانية، 1407هـ - 1987م.
- الروض المربع بشرح زاد المستقنع، للعلامة الشيخ منصور بن يونس البهوتي (1051هـ)، الطائف - مكتبة السيد المؤيد الحسني، 1389هـ - 1969م.
- الروض الندي شرح كافي المبتدي، لأحمد بن عبد الله بن أحمد البعلي (1189هـ)، القاهرة - المطبعة السلفية ومكتبتها.
- زاد المستقنع في اختصار المقنع، لأبي النجا موسى بن أحمد الحجاوي (960هـ)، القاهرة - المطبعة السلفية ومكتبتها، ط: السابعة، 1385هـ.
- زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم الجوزية شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب (751هـ)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، عبد القادر الأرناؤوط، بيروت - مؤسسة الرسالة، الكويت - مكتبة المنار الإسلامية، ط: الثالثة، 1402هـ - 1982م.
زوائد ابن ماجه على الكتب الستة = مصباح الزجاجة.
- السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، تأليف: محمد بن عبد الله بن حميد النجدي ثم المكي (1295هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، بيروت - مؤسسة الرسالة الإسلامية، ط: الأولى، 1416هـ.
- السلسبيل في معرفة الدليل (حاشية على زاد المستقنع)، لصالح بن إبراهيم البليهي (1410هـ)، الرياض، ط: الثالثة، 1401هـ.(1/138)
- سلسلة الأحاديث الصحيحة، لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر: بيروت - المكتب الإسلامي، الرياض – مكتبة المعارف، ط: أولى، 1392ـ 1412هـ / 1972ـ1991م.
- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، لمحمد بن ناصر الدين الألباني، بيروت - المكتب الإسلامي، ط: الثالثة، 1392 هـ.
- سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني (275هـ)، تحقيق: عزت عبيد الدعاس، عادل السيد، حمص - دار الحديث، ط: الأولى، 1388هـ - 1969م.
- سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني (273هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة - دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي.
- سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (279هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت - دار إحياء التراث العربي.
- سنن الدارقطني، للإمام علي بن عمر الدارقطني (385هـ)، بيروت - عالم الكتب، ط: الثانية، 1403هـ - 1983م .
- سنن الدارمي، للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي (255هـ)، تحقيق: الدكتور مصطفى ديب البغا، دمشق - دار القلم، ط: الأولى، 1412هـ - 1991م.
- السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ)، بيروت - دار المعرفة.
- السنن الكبرى، للإمام أحمد بن شعيب النسائي (303هـ)، تحقيق: عبد الغفار البنداري، بيروت - دار الكتب العلمية، ط: الأولى، 1411هـ.
- سنن النسائي (المجتبى)، للإمام أحمد بن شعيب النسائي (303هـ)، حلب - مكتبة المطبوعات الإسلامية، ط: الثانية، 1406هـ – 1986م.
- سير أعلام النبلاء، للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (748هـ)، تحقيق: مجموعة من المحققين، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1401هـ - 1981م.
- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، تأليف: الشيخ محمد بن محمد مخلوف، مصر – المطبعة السلفية، ط: الأولى، 1349هـ.(1/139)
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن العماد الحنبلي (1089هـ)، بيروت - دار الأفاق الجديدة.
- شرح الإيضاح في مناسك الحج، للإمام يحيى بن شرف الدين النووي (676هـ)، نشر: بيروت - دار الحديث، ط: الثانية، 1405هـ - 1985م.
- شرح السنة، لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي (516هـ)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، دمشق - المكتب الإسلامي، ط: الأولى، 1394هـ - 1974م.
- شرح العمدة في بيان ((مناسك الحج والعمرة))، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (728هـ)، تحقيق: الدكتور صالح بن محمد الحسن، الرياض - مكتبة الحرمين، ط: الأولى، 1409هـ – 1988م.
- الشرح الكبير، لشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي (682هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، القاهرة - دار هجر للطباعة والنشر، ط: الأولى، 1416هـ - 1996م.
- شرح النووي على صحيح مسلم، ليحيى بن شرف الدين النووي (676هـ)، نشر: بيروت - دار الفكر، ط: الثانية، 1392هـ - 1972م.
- شرح منتهى الإرادات (دقائق أولي النهى لشرح المنتهى)، لمنصور بن يونس البهوتي (1051هـ)، نشر: بيروت - دار الفكر.
- شعب الإيمان، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ)، تحقيق: محمد السيد بسيوني زغلول، بيروت - دار الكتب العلمية، ط: الأولى، 1410هـ .
- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، للعلاَّمة الحافظ تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسي المكي المالكي (832هـ)، تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام تدمري، بيروت – دار الكتاب العربي، ط: الأولى، 1405هـ - 1985م.
ابن أبي شيبة = المصنف في الأحاديث والآثار.
- الصارم المنكي في الرد على السبكي، تأليف: الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي (744هـ)، القاهرة - المطبعة الخيرية، ط: الأولى، 1318هـ.
- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن حمّاد الجوهري (393هـ)، تحقيق: أحمد(1/140)
عبد الغفور عطّار، نشر: بيروت - دار العلم للملايين، ط: الرابعة، 1990م.
- صحيح ابن حبان، لابن حبان محمد بن حبان البستي (354هـ)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، بيروت -مؤسسة الرسالة، ط: الثانية، 1414هـ.
- صحيح ابن خزيمة، لإمام الأئمة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (311هـ)، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، بيروت - المكتب الإسلامي، ط: بدون، 1390هـ.
- صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (256هـ)، اعتنى به: أبو صهيب الكرمي، الرياض - بيت الأفكار الدولية للنشر، 1419هـ - 1998م.
- صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، دمشق - المكتب الإسلامي، ط: الثالثة، 1402هـ – 1982م.
- صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (261هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: القاهرة - دار إحياء الكتب العربية.
- الضعفاء، لمحمد بن عمر بن موسى العقيلي (322هـ)، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت - دار المكتبة العلمية، ط: الأولى، 1404هـ .
- ضعيف الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، دمشق - المكتب الإسلامي، ط: الثانية، 1399هـ - 1979 م.
- طبقات الحنابلة، للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى (526هـ)، تحقيق: محمد حامد الفقي، بيروت - دار المعرفة (ط: مصورة).
- الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد بن منيع (230هـ)، تحقيق: د. إحسان عباس، نشر: بيروت - دار صادر، 1405-1985.
- عجائب الآثار في التراجم والأخبار، للعلاَّمة عبد الرحمن بن الحسن الجبرتي الزيلعي العقيلي المصري الحنفي (ت 1237هـ)، معلومات النشر: بدون.
- العدة شرح العمدة، لبهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي (634هـ)، ط: المطبعة السلفية ومكتبتها .
- العلل، لعلي بن عمر بن أحمد الدارقطني (385هـ)، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله السلفي، الرياض - دار طيبة، ط: الأولى، 1405هـ.(1/141)
- العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد بن محمد بن حنبل (241هـ)، تحقيق: الدكتور وصي الله محمد عباس، الرياض - دار الخاني، ط: الأولى ، 1408هـ .
- عمدة الطالب، للإمام منصور بن يونس البهوتي (1051هـ)، (مطبوع مع شرحه هداية الراغب).
- عمدة الفقه، لموفق الدين ابن قدامة المقدسي (620هـ)، (مطبوع مع شرحه العدة شرح العمدة).
- عنوان المجد في تاريخ نجد، تأليف: عثمان بن بشر النجدي الحنبلي (1288هـ)، تحقيق: عبد الرحمن ابن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، الرياض - دارة الملك عبد العزيز، 1403هـ - 1983م.
- غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى، لمرعي بن يوسف الحنبلي (1033هـ)، الرياض - المؤسسة السعيدية، ط: الثانية، 1401هـ.
- غنية ذو الأحكام في بغية درر الحكام، للشيخ حسن بن عماد بن علي الوفائي الشرنيلالي الأزهري الحنفي (1069هـ)، "مطبوع في حاشية درر الحكام في شرح غرر الأحكام للملا خسرو (885هـ)"، تركيا - مطبعة الشركة الصحافية العثمانية، ط: الأولى، 1318هـ.
- الفتاوى السعدية، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (1376هـ)، الرياض - منشورات المؤسسة السعيدية.
- الفتاوى الكبرى، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (728هـ)، تحقيق: حسنين محمد مخلوف، بيروت - عالم المعرفة، ط: الأولى، 1386هـ.
- فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852هـ)، القاهرة - المطبعة السلفية ومكتبتها، ط: الثالثة، 1407هـ.
- الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية ، للشيخ محمد بن علان الصديقي الشافعي الأشعري (1057هـ)، القاهرة - جمعية النشر والتأليف الأزهرية، ط: الأولى، 1347هـ.
- الفروع، لشمس الدين محمد بن مفلح المقدسي (763هـ)، تحقيق: عبد اللطيف السبكي، راجعه: عبد الستار أحمد فراج، بيروت - عالم الكتب، ط: الرابعة، 1405هـ، 1985م.(1/142)
- فهرس الفقه الحنبلي ”المصورات الميكروفيلمية الموجودة بمكتبة الميكروفيلم بمركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي“، إعداد: قسم الفهرسة بالمركز، مكة المكرمة - جامعة أم القرى، ط: بدون.
- الفواكه العديدة في المسائل المفيدة (مجموع المنقور)، للشيخ أحمد بن محمد المنقور التميمي النجدي (1125هـ)، طبع على نفقة عبد العزيز بن عبد العزيز المنقور، شركة الطباعة العربية السعودية، ط: الخامسة، 1407هـ - 1987م.
- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (728هـ)، بيروت - دار الآفاق الجديدة، ط: بدون، 1399هـ - 1979م.
- القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (817هـ)، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط: الثانية، 1407هـ - 1987م.
- القِرى لقاصد أم القُرى، تأليف: الحافظ أبي العباس محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري المكي (694هـ)، تحقيق: مصطفى السقا، بيروت – دار الكتب العلمية.
- قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل، للعلامة محمد الأمين بن فضل الله المحبي (1111هـ)، تحقيق: الدكتور عثمان محمود الصيني، الرياض - مكتبة التوبة، ط: الأولى، 1415هـ.
- القواعد، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (795هـ)، بيروت - دار الفكر.
- الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل، لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة (620هـ)، تحقيق: زهير الشاويش، بيروت - المكتب الإسلامي، ط: الثالثة، 1402هـ - 1982.
- الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي عبد الله بن عدي الجرجاني (365هـ)، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، بيروت - دار الفكر، ط: الثالثة، 1409هـ.
- كشاف القناع عن متن الإقناع، لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي (1051هـ)، مراجعة وتعليق: هلال مصيلحي مصطفى هلال، بيروت - عالم الكتب، ط: 1403هـ - 1983م.(1/143)
- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لمصطفى بن عبد الله الشهير بابن حاجي خليفة (1067هـ)، الناشر: بغداد - مكتبة المثنى.
- اللُّباب في شرح الكتاب، للشيخ عبد الغني الغُنَيمي الدمشقي الميداني الحنفي، تحقيق: محمود أمين النواوي، بيروت – دار الكتاب العربي.
- لسان العرب، لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري (711هـ)، بيروت – دار صادر.
مالك = الموطأ.
- المبدع في شرح المقنع، لبرهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح (884هـ)، نشر: بيروت - المكتب الإسلامي، 1394هـ - 1974م.
- مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن، للعلاَّمة أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي (597هـ)، تحقيق: مرزوق علي إبراهيم، الرياض - دار الراية، ط: الأولى، 1415هـ - 1995م.
- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807هـ)، بيروت - مؤسسة المعارف، ط: 1406هـ - 1986م.
- المجموع شرح المهذب، للإمام يحيى بن شرف النووي (676هـ)، حققه وعلق عليه وأكمله بعد نقصانه: الشيخ محمد نجيب المطيعي (1406هـ)، جدة - مكتبة الإرشاد.
- مجموع فتاوي شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد، أمر بطبعه: خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، 1404هـ.
- المحرر في الفقه، لمجد الدين عبد السلام بن تيمية (652هـ)، القاهرة - مطبعة السنة المحمدية،
ط: 1369هـ - 1950م.
- مختار الصحاح، لزين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (بعد 666هـ)، ترتيب: محمود خاطر(1267هـ)، تحقيق: حمزة فتح الله (1226هـ)، بيروت - دار البصائر، مؤسسة الرسالة، ط: 1407هـ - 1987م.
- مختصر الخرقي، لأبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي (334هـ)، تحقيق: زهير الشاويش، دمشق - المكتب الإسلامي، ط: الثالثة، 1403هـ.(1/144)
- مختصر طبقات الحنابلة، لمحمد جميل بن عمر الشطي (1379هـ)، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، بيروت - دار الكتاب العربي، ط: الأولى، 1406هـ - 1986م.
- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لعبد القادر بن بدران الدمشقي (1346هـ)، تحقيق: د. عبد الله التركي، نشر: بيروت - مؤسسة الرسالة، ط: الثالثة، 1405هـ - 1985م.
- المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل وتخريجات الأصحاب، تأليف: بكر بن عبد الله أبو زيد، تقديم: الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، الرياض - دار العاصمة، جدة - مجمع الفقه الإسلامي في منظمة المؤتمر الإسلامي، ط: الأولى، 1417هـ.
- المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته وأشهر أعلامه ومؤلفاته، تأليف: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بيروت – مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1423هـ - 2002م.
- مسائل الإمام أحمد، رواية أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275هـ)، تحقيق: السيد محمد رشيد رضا (1354هـ)، بيروت - دار المعرفة، ط: مصورة.
- مسائل الإمام أحمد، رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري (275هـ)، تحقيق: زهير الشاويش، بيروت - المكتب الإسلامي، ط: الأولى، 1400هـ.
- مسائل الإمام أحمد، رواية إسحاق بن منصور المعروف بلقب: الكوسج (251هـ)، مخطوط من مجلدين محفوظ في دار الكتب المصرية برقم (22660ب).
- مسائل الإمام أحمد، رواية إسحاق بن منصور المعروف بلقب: الكوسج (251هـ) ((المناسك والكفارات)، تحقيق: عيد بن سفر الحجيلي، رسالة ماجستير مقدمة إلى شعبة الفقه بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة للعام الجامعي 1405-1406هـ.
- مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه أبي الفضل صالح (266هـ)، تحقيق: د. فضل الرحمن دين محمد، الهند - دلهي - الدار العلمية، ط: الأولى، 1408هـ، 1988م.(1/145)
- مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله (290هـ)، تحقيق: د. علي سليمان المهنا، المدينة المنورة - مكتبة الدار، ط: الأولى، 1406هـ - 1986م.
- مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية عبد الله بن عبد العزيز البغوي (317 هـ)، تحقيق: محمود بن محمد الحداد، الرياض - دار العاصمة، ط: الأولى، 1407 هـ.
- المسائل التي لم يختلف فيها قول الإمام أحمد، تأليف: إبراهيم جالو محمد، الرياض - مكتبة الرشد، ط: الأولى، 1421هـ - 2000م.
- المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (405هـ)، بيروت - دار المعرفة.
- المستوعب، لنصر الدين محمد بن عبد الله السامُرِّي (616هـ) ((القسم الرابع: من كتاب الجنايات إلى آخر الكتاب)، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد الله بن بطيح الشمراني، رسالة دكتوراة مقدمة إلى قسم الفقه بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض للعام الجامعي 1408هـ.
- المسند، لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني (241هـ)، بيروت - دار صادر، المكتب الإسلامي، ط: (مصورة عن الطبعة الميمنية).
- المسند، للإمام أحمد بن حنبل (241هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مصر - دار المعارف، ط: الثانية، 1368هـ.
- مسند أبي يعلى، لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي (307هـ)، تحقيق: حسين سليم أسد، دمشق - دار المأمون للتراث، ط: الأولى، 1404هـ .
- مسند ابن الجعد، لعلي بن الجعد بن عبيد الجوهري البغدادي (230هـ)، تحقيق: عامر أحمد حيدر، بيروت - مؤسسة نادر، ط: الأولى، 1410هـ.
- مسند الإمام الشافعي، للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (204هـ)، نشر: بيروت - دار الكتب العلمية، ط: بدون.
- مسند الشاميين، لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (360هـ)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1405هـ.(1/146)
- مسند عبد بن حُمَيْد، لعبد بن حميد بن نصر (249هـ)، تحقيق: صبحي البدري السامرائي ومحمود محمد خليل الصعيدي، القاهرة - مكتبة السنة، ط: الأولى، 1408هـ.
- مشيخة أبي المواهب الحنبلي، لأبي المواهب محمد بن عبد الباقي الحنبلي البعلي الدمشقي (1126هـ)، تحقيق: محمد مطيع الحافظ، دمشق - دار الفكر، ط: الأولى، 1410هـ - 1990م.
- مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، للإمام أبي العباس شهاب الدين البوصيري (840هـ)، تحقيق: محمد مختار حسين، بيروت - دار الكتب العلمية، ط: الأولى، 1414هـ - 1993م.
- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي (770هـ)، بيروت - المكتبة العلمية.
- المصنف، لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (211هـ)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت - المكتب الإسلامي، ط: الثانية، 1403هـ - 1983م.
- المصنف في الأحاديث والآثار، لعبد الله بن محمد ابن أبي شيبة (235هـ)، تحقيق: عامر العمري الأعظمي ومختار أحمد الندوي، بومباي - الدار السلفية.
- المصنف في الأحاديث والآثار، لعبد الله بن محمد ابن أبي شيبة (235هـ)، (القسم الأول من الجزء الرابع المعروف بالجزء المفقود) بتحقيق: عمر بن غرامة العمروي، الرياض - عالم الكتب، ط: أولى، 1408هـ - 1988م.
- مطالب أولى النهي في شرح غاية المنتهى، لمصطفى السيوطي الرحيباني (1243هـ)، بيروت - المكتب الإسلامي، ط: الأولى، 1380هـ - 1961م.
- المطلع على أبواب المقنع، لشمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي (709هـ)، بيروت - المكتب الإسلامي، ط: 1401هـ - 1981م.
- المعجم الأوسط، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360هـ)، تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن الحسيني، القاهرة - دار الحرمين، ط: بدون، 1415هـ.
- معجم البلدان، لياقوت بن عبد الله الحموي (626هـ)، بيروت - دار صادر للطباعة والنشر، ط: الأولى، 1399هـ - 1979م.(1/147)
- معجم الحيوان، تأليف الفريق أمين المعلوف، بيروت - دار الرائد العربي، ط: الثالثة، 1405هـ.
- المعجم الصغير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (360هـ)، صححه وراجع أصوله: عبد الرحمن محمد عثمان، نشر: بيروت - دار الفكر، ط: الثانية، 1401هـ - 1981م.
- معجم الفرق والمذاهب الإسلامية، تأليف: الدكتور إسماعيل العربي، المغرب – دار الآفاق الجديدة.
- المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360هـ)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، المدينة المنورة - مكتبة العلوم والحكم، ط: الثانية، 1404هـ.
- معجم لغة الفقهاء، د. محمد رواس قلعه جي، د. حامد صادق قنيبي، بيروت - دار النفائس، ط: الأولى، 1405هـ – 1985م.
- معجم المؤلفين، للأستاذ عمر رضا كحالة، اعتنى به: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1414هـ - 1993م.
- معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، تأليف: عاتق بن غيث البلادي، مكة المكرمة – دار مكة للنشر والتوزيع، ط: الأولى، 1402هـ.
- معجم معالم الحجاز، تأليف: عاتق بن غيث البلادي، مكة المكرمة – دار مكة للنشر والتوزيع، ط: الأولى، 1398هـ.
- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، ترتيب وتنظيم جماعة من المستشرقين، نشره: أبي، ونسنك، مكتبة بريل ليدن هولندا 1936م، ط: الثانية، 1986م - دار الدعوة باستنبول.
- معجم النبات والزراعة، تأليف: الشيخ محمد حسن آل ياسين، العراق - مطبعة المجمع العلمي العراقي، ط: بدون، 1406هـ.
- المعجم الوسيط، قام بإخراجه: إبراهيم مصطفى، أحمد حسن الزيات، حامد عبد القادر، محمد علي النجار، مصر - مجمع اللغة العربية، الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث، ط: 1400هـ- 1980 م.
- المُعرَّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، لأبي منصور الجواليقي (540هـ)، تحقيق: الدكتور: ف. عبد الرحيم، دمشق - دار القلم، ط: الأولى، 1410هـ – 1990.(1/148)
- المغني، لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة (620هـ)، تحقيق: د. عبد الله التركي، د. عبد الفتاح الحلو، القاهرة - هجر للطباعة والنشر، ط: الأولى، 1406ـ1411هـ / 1986ـ1990م.
- المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم، للعلامة محمد طاهر بن علي الهندي (986هـ )، بيروت - دار الكتاب العربي، 1399هـ - 1979م.
- مفاتيح الفقه الحنبلي، للدكتور سالم علي الثقفي، ط: الأولى، 1398هـ – 1978م.
- مفردات ألفاظ القرآن، للعلامة الراغب الأصفهاني (في حدود 425هـ)، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دمشق - دار القلم، بيروت - الدار الشامية، ط: الأولى، 1412هـ – 1992 م.
- مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام، تأليف: الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جاسر (1401هـ)، مصر: مكتبة النهضة المصرية، ط: الثانية، 1389هـ - 1969م.
- المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها، كيل – وزن – مقياس، منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتقويمها بالمعاصر، تأليف: محمد نجم الدين الكردي، مصر – مطبعة السعادة، 1404هـ - 198م.
- المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، لبرهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح (884هـ)، تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، الرياض - مكتبة الرشد، ط: الأولى، 1410هـ - 1990 م.
- المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل الشيباني، لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (620هـ)، (مطبوع مع الإنصاف)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، القاهرة - دار هجر للطباعة والنشر، ط: الأولى، 1416هـ - 1996م..
- منار السبيل، لإبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان (1353هـ)، تحقيق: زهير الشاويش، بيروت - المكتب الإسلامي، ط: السادسة، 1404هـ – 1984م.(1/149)
- مناسك الملا علي القاري، للشيخ العلامة ملا علي القاري، مطبوع مع حاشيته: إرشاد الساري للشيخ حسين محمد سعيد عبد الغني المكي الحنفي، لاهور - دار المعارف النعمانية.
- منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات، لتقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي "ابن النجار" (972هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1419هـ - 1999م.
- منح الشفا الشافيات في شرح نظم المفردات، لمنصور بن يونس البهوتي (1051هـ)، تصحيح: عبد الرحمن حسن محمود، الرياض - المؤسسة السعيدية، ط: 1981م.
- مناسك الحج، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (728هـ)، راجعه وعلق عليه: سماحة الشيخ عبد الله بن حميد، مكة المكرمة - مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، 1392هـ - 1972م.
منسك ابن جاسر = مفيد الأنام.
- منسك الحج، تأليف العلاَّمة الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1242هـ)، نشرها: قصي محب الدين الخطيب، القاهرة – المطبعة السلفية ومكتبتها، ط: الثانية، 1399هـ.
- المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد، لأبي اليمن مجير الدين عبد الرحمن بن محمد العليمي (928هـ)، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، نشر: بيروت - دار صادر، ط: الأولى، 1997م.
- منهج السالك إلى بيت الله المبجل في أعمال المناسك على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تأليف: محمد البيومي أبي عياشة الدمنهوري (1335هـ)، تحقيق: الدكتور صالح بن غانم السدلان، الرياض – دار بلنسية، ط: الأولى، 1417هـ.
- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807هـ)، تحقيق: محمد عبد الرزاق حمزة، بيروت - دار الكتب العلمية.
- الموطأ، لإمام الأئمة وعالم المدينة مالك بن أنس - رضي الله عنه - (179هـ)، صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، مكة المكرمة - المكتبة التجارية.(1/150)
- نصب الراية لأحاديث الهداية، لجمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي (762هـ)، الهند - المجلس العلمي، ط: الثانية، 1393هـ.
- نظم المفردات، للشيخ محمد بن علي العمري المقدسي (820هـ)، (مطبوع مع شرحه منح الشفا الشافيات).
- النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل، لمحمد كمال الدين بن محمد الغزي (1214هـ)، تحقيق: محمد مطيع الحافظ ونزار أباظة، دمشق - دار الفكر، ط: 1402هـ - 1982م.
- النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين أبي السعادات المبارك محمد بن الأثير (606هـ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، دار الفكر - طبعة بالأوفست عن الطبعة الأولى، ط: 1383هـ - 1963م.
- نيل المآرب شرح دليل الطالب، للشيخ عبد القادر بن عمر الشيباني (1135هـ)، تحقيق: د. محمد سليمان عبد الله الأشقر، الكويت - مكتبة الفلاح، ط: الأولى، 1403هـ - 1983م.
- نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب، لعبد الله بن عبد الرحمن البسام، مكة - مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، ط: الأولى.
- هداية الراغب لشرح عمدة الطالب، لعثمان بن أحمد قائد النجدي (1079هـ)، تحقيق: الشيخ الكبير حسنين محمد مخلوف، جدة - دار البشير، بيروت - الدار الشامية، ط: الثانية، 1410هـ - 1989 م.
- هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك، للإمام عز الدين بن جماعة الكناني (767هـ)، تحقيق: الدكتور نور الدين عِتْر، بيروت - دار البشائر الإسلامية، ط: الأولى، 1414هـ.
- هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، لإسماعيل باشا البغدادي، نشر: بيروت – مكتبة المثنى.
- وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، للعلاَّمة نور الدين علي بن أحمد السمهودي (911هـ)، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، بيروت - دار الكتب العلمية.(1/151)