بسم الله الرحمن الرحيم
تنبيهات وتعقيبات
لسماحة الوالد الشيخ
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله- المفتي العام للمملكة العربية السعودية على بعض ما جاء في كتبي وأشرطتي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد..
فيسر جمعية إحياء التراث الإسلامي أن تقدم لطلاب العلم هذا الكتاب، الذي يحوي أربع رسائل متبادلة بين سماحة الوالد الكبير الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -مفتي المملكة العربية السعودية-، وفضيلة الشيخ/ عبدالرحمن بن عبدالخالق، والتي تتعلق ببعض التصويبات والتعليقات على ما جاء في كتب، وأشرطة الشيخ/ عبدالرحمن بن عبدالخالق.
والجمعية إذ تقدم هذه الرسالة لطلاب العلم، إنما تقدمها لتكون نموذجاً يحتذى في النقد، والنصيحة، والتعرف على لغة الخطاب السامي بين العلماء، وطلاب العلم:
فقد ضرب سماحة والدنا الفاضل الشيخ/ عبدالعزيز بن باز المثل الرائع للعالم الفقيه المربي، الذي يعالج الأخطاء بلغة سامية، غاية في الأدب، والأخلاق امتثالاً لقوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}، وكذلك ضرب المثال الكامل في التثبت والتبين، والوقوف بنفسه على جلية الأمر، وتوجيه النصح بعد ذلك لأبنائه، وطلاب العلم في أسلوب بليغ غاية في الأدب والأخلاق..
كما ضرب شيخنا الفاضل/ عبدالرحمن بن عبدالخالق، المثل الرائع في الرجوع إلى الحق، والإعتراف بفضل العلماء، والآباء، والمربين، برغم مكانته العلمية، وفضله على شباب الأمة الإسلامية عامة وشاب الكويت خاصة.(1/1)
ويكفيه فخراً أن يستدرك عليه سماحة والدنا الكبير الشيخ/ عبدالعزيز بن باز هذه المسائل الستة، وهو الذي له من الإصدارات، والمحاضرات، والدروس الآلاف، والكتب العشرات، والتي تناول فيها خلال ثلاثين عاماً الدعوة إلى منهج السلف شرحاً وتحليلاً، وقعد أصولاً وقواعد في فقه الدعوة، والسياسة الشرعية وفق الكتاب والسنة، وله السبق في ذلك من بين أئمة وعلماء الدعوة السلفيين المعاصرين.
والرسالة تأييد للصراط الذي تسير فيه جمعية إحياء التراث الإسلامي، وأنه صراط الإسلام النقي القائم على الكتاب والسنة، واتباع منهج السلف الصالح -رضوان الله عليهم- من الصحابة والتابعين، والإقتداء بأئمة الدين، وعلماء الدعوة السلفية بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشيخنا الشيخ/ عبدالعزيز بن باز هو - بحمد الله مقدمة هؤلاء العلماء وقدوتهم.
وجمعية إحياء التراث الإسلامي ليسرها أن تقدم الشكر الجزيل لشيخنا الشيخ/ عبدالعزيز بن باز -مفتي المملكة العربية السعودية- حفظه الله، على اهتمامه شخصياً بهذا الأمر، وبمسيرة الجمعية التي قامت بحمد الله من أجل نشر علوم الكتاب، والسنة، وسيرة السلف الصالح، والعمل على إبلاغه ونشره في ربوع الأرض، وفعل الخير في كل مكان، وقد كان لهذا آثاره الطيبة بحمد الله في كل مكان.
وإلى فضيلة شيخنا الفاضل/ عبدالرحمن بن عبدالخالق الشكر على ما قدم من خدمة للعلم وأهله، ونصح الشباب، ودعوتهم وحثهم على التمسك بهدي الكتاب والسنة، وفق منهج السلف رحمهم الله تعالى.
هذا، والله نسأل أن يحفظ علماءنا ومشايخنا، وينفعنا بهم، ويجمعنا بهم في ظل عرشه ودار كرامته، وأن ينفع الله بهم الأمة، ويحفظها من الزلل والإنحراف، فالعلماء ورثة الأنبياء، ورحم الله الإمام مالك القائل: (كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر).
والله المستعان
رئيس مجلس الإدارة
خالد سلطان بن عيسى
مقدمة(1/2)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..
وبعد،،،
فهذه أخي القارئ أربع رسائل متبادلة بين سماحة الوالد الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز حفظه الله وأمد في عمره، ونفع المسلمين بعلمه وجهاده، وبين كاتب هذه السطور، وذلك تكرماً منه وتفضلاً حفظه الله لبيان بعض الشبهات والأخطاء التي وردت في بعض رسائلنا وأشرطتنا ومن سنة أهل العلم والمربين أن يبينوا وينبهوا إلى السقطات تصحيحاً لمنهج الدعوة.
والواجب شكره -حفظه الله- على اهتمامه بأمر الدعوة إلى الله وتصحيح مسيرتها، وإرشاد العاملين في حقلها على وجوب إخلاص نياتهم، وتصويب أعمالهم..
وكذلك شكر كل ناصح من المشايخ الكرام، والأخوة المخلصين الذين نصحوا لنا في الله، وأرشدونا إلى خطأ وقعنا فيه، أو زلة سقطنا فيها.. وهؤلاء لهم منا كل شكر وتبجيل.
فإن المؤمن مرآة المؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم (أخرجه أبو داود والبخاري في "الأدب المفرد" وغيرهما من حديث أبي هريرة "السلسلة الصحيحة للألباني رقم 926").. وإن الواجب بين أهل الإسلام هو نصح بعضهم لبعض وإرشاد كل منهم أخيه إلى خطئه أو عيبه. وذلك ليتداركه. وليبقى الطريق إلى الله مستقيماً لا عوج فيه.
غير أنه قد قامت مجموعة أخرى من الذين اتخذوا لهم منهجاً في جمع ما يظنونه من أخطاء لكل عالم أو داعية أو طالب علم، ونشرها بين الناس من أجل تنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه، وسموا منهجهم هذا منهج أهل السنة في نقد الرجال!!(1/3)
وبالرغم من أن هؤلاء اجتهدوا منذ نحو سبع سنوات تقريباً في جمع ما يظنونه من خطأ لي، وفرغوا مجموعات من طلاب العلم لهذا الغرض تراجع مئات بل آلاف الأشرطة، وجميع ما كتبت من رسائل ومقالات إلا أنهم بحمد الله لم يظفروا بما يبتغونه من خطأ في عقيدة أو انحراف في منهج..
ولكنهم مع ذلك دفعوا بما يظنونه من أخطاء لي إلى جمع من المشايخ من أجل التأليب والتشويه وإفساد ذات البين.
ولما وصل ذلك إلى سماحة الوالد الكريم الشيخ/ عبدالعزيز بن باز وانتهى الأمر إليه كان كعادته حفظه الله في التثبت والوقوف بنفسه على الأمر، فقام بمراجعة سبع رسائل من رسائلي، وبعض الأشرطة ثم كتب سماحته لي بما لاحظه من أخطاء تنبيهاً إليها، واستيضاحاً لبعض العبارات وكان الحق معه حفظه الله في جميع تنبيهاته وتعقيباته..
وقد رأيت أن أجمع هذه الرسائل الأربعة المتبادلة بيني وبين من هو بمنزلة الوالد والمربي في رسالة مستقلة لتصبح نموذجاً في التثبت والتبصر، وكيفية تقويم الأخطاء.. فما قام به الوالد الكريم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز هو فعلاً منهج أهل السنة والجماعة في تقويم الأخطاء، والنصح لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم، وهو منهج العالم الرباني الذي يعالج الخطأ بما يناسبه، ويبصر تلاميذه وأبناءه بما أخطأوا فيه ليتداركوه، وينصح في ذلك -إن شاء الله- لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وهذا هو الدين، والمنهج الحق، والصراط المستقيم..
وختاماً أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزل الثواب لشيخنا الكريم وأبانا الرحيم، وأن يعفو عن أخطائي وزلاتي وأن يهدي إخواننا جميعاً إلى اتباع سبيل المؤمنين في النصح لله ورسوله وجميع المؤمنين، وأن يؤلف بين قلوبنا ويصلح ذات بيننا، ويجمع هذه الأمة على الهدى والتقى، والجهاد في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، والحمد لله أولاً وأخيراً.
وكتبه
عبدالرحمن بن عبدالخالق
الكويت في (19/4/1415هـ)(1/4)
الموافق (25/9/1994م)
أولاً: الرسالة الأولى
إلى سماحة الشيخ الوالد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد المبعوث رحمة للعالمين، وحرزاً للأميين، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، وبعد،،،
سماحة الوالد الكريم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي المملكة العربية السعودية حفظه الله ورعاه وأطال في عمره
آبائي وإخواني هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية
حفظهم الله جميعاً ورعاهم وسدد خطاهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
وأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يوفقكم إلى محبته ومرضاته.
ثم أما بعد..
فكاتب هذه الرسالة لكم هو تلميذكم ومحبكم عبدالرحمن بن عبدالخالق
أولاً: الحامل على هذه الرسالة:
1- الحامل على كتابة هذه الرسالة إليكم ما نمى إلي أنه نقل إليكم كلمات من كتبي وأشرطتي لإبداء رأيكم فيها، وحكمكم على قائلها، ولما كنتم شهداء بما أعطاكم الله من علم، وأمناء بما حملكم الله من أمانة، ورعاة بما استرعاكم الله من رعية، فإنني أحببت أن أرفع لكم هذه الرسالة وخاصة بعد أن صدر من بعض من نحبهم ونجلهم من المشايخ حكم علي في سطور اقتطعت عن أولها وآخرها من بعض مؤلفاتي، وفقرة قيلت في بعض محاضراتي، اقتطعت كذلك عن سياقها.. دون أن يستفسر السائل أو أن يرجع إلى الأصول التي اقتطع منها كلامي.. وسجلت هذه الشهادة في أشرطة وطيرت في كل مكان، وكان خلاصة الحكم الذي صدر من هؤلاء المشايخ سامحهم الله، وعفا عني وعنهم: أن قائل هذا (مجرم كذاب خبيث يجب قطعه عن أمته، ودعوته، وتحذير الناس جميعاً منه).(1/5)
ووالله الذي لا إله إلا هو فإني لا أذكر أني تعمدت كذبة قط في مؤلف ألفته، أو محاضرة ألقيتها.. وما تعمدت قط أن أظلم مسلماً، أو أن أتهمه بما ليس فيه، أو أمكر به.. ولست أبرئ نفسي من خطأ اللسان، وزلة القلم، وخطأ النظر والاجتهاد، مما هو به طبائع البشر، وأسأل الله الصفح والمغفرة عن كل ما بدر مني مما يخالف الحق.
2- ولقد كنت قد دعوت ربي سبحانه وتعالى أنني متصدق بعرضي على كل مسلم سبني أو شتمني لا أطالبه بشيء من ذلك في الدنيا والآخرة، وجعلت أجري في كل ذلك على الله..
3- ولما كان القاضي والحاكم يحكم على نحو ما يسمع، وقد يكون أحد الخصمين ألحن من بعض، وقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في قصة بني أبيرق: {ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك، وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً}.
4- ولما كان الذين اتهمونا عندكم وسعوا بكلامي في كل مكان ينتحلون الكذب، ويتعمدون قطع الكلام بعضه عن بعض، ويحرفونه عن مواضعه، ويفسرونه بغير مراد المتكلم، ويجعلون ذلك ديناً يدينون الله به.
فإنني أردت أن أطرح بين أيديكم حقيقة الأمر، وأبعاد الموضوع، وجوانب القضية، فإن وراء هذا الظاهر أمراً كبيراً، ومكراً كباراً، والله المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل.
ثانياً: عقيدتي ومنهجي:(1/6)
إنني بحمد الله - أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأؤمن بكل ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعتقد عقيدة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وسلف هذه الأمة الصالحين من أهل السنة والجماعة، وأصحاب الحديث، وقد دونت هذه العقيدة منذ سبع وعشرين سنة في كتيب بعنوان: (القضايا الكلية للاعتقاد في الكتاب والسنة) وشرحتها في أكثر من مائة وثلاثين محاضرة، وهي بأيدي الناس، ولم ينكر أهل العلم منها حرفاً واحداً منذ دونت وإلى يومنا هذا بحمد الله وتوفيقه، وقد انتفع بها المسلمون بحمد الله في كل أقطار الدنيا وما زالت تؤتي أكلها إلى اليوم.
هذه عقيدتي التي عليها أحيا وعليها أموت إن شاء الله، ولست أقول قولاً في فرعية من فرعيات الفقه إلا إذا كان لي فيه سلف ولا أعلم لي قولاً في المسائل المعاصرة والنوازل الحادثة انفردت به عن علماء الدعوة السلفية المعاصرين.
وديني الذي أدين الله به هو النصح لكل مسلم. والله ما تعمدت أن أغش مسلماً قط، ولا أن أكذبه، ولا أن أظلمه، إلا أن يقع ذلك مني جهلاً أو نسياناً أو خطئاً..
وأدين الله بالنصح لأئمة المسلمين وعامتهم، وأرى أن أؤدي لهم الحق الذي لهم، وأسأل الله الحق الذي هو لي..
سماحة الوالد الكريم..
آبائي وأساتذتي هيئة كبار العلماء..(1/7)
ثالثاً: بعد أن من الله سبحانه وتعالى علينا وعلى هذه الدعوة المباركة بالقبول، وبدأ الناس هنا بالتزام المنهج السلفي، والثقة بالدعاة السلفيين، وزاد الأنصار وكثر المؤيدون والمحبون، وعلا صوت الحق أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وبدأ المسلمون يجنون بعض ثمار هذه الدعوة المباركة في داخل الكويت، بل وفي سائر أنحاء المعمورة، انتفض البعض غيظاً وحقداً، وتنادوا لإيقاف مد الخير وحجب نور الحق عن الناس، وهؤلاء إما خصم أصيل للدعوة السلفية يسعى جهده لإطفاء نورها، وإسقاط رايتها، وإما جاهل مستعجل ظن أن (النصيحة لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم) إنما تعني تتبع سقطات العلماء والبحث عن أخطائهم، ونشرها بين الناس والدعوة للتنفير منهم حتى وإن كانوا من الملتزمين بالكتاب والسنة، الداعين للتمسك بهما، بل هم على هؤلاء أشد!! ويرون عملهم هذا من أعظم القربات إلى الله، ولا أبالغ إن قلنا إنهم رغم قلة عددهم بدأوا يشكلون عائقاً كبيراً في وجه الدعوة إلى الله.
ولعلكم يا سماحة الوالد قد لمستم أسلوبهم في شريطهم الذي سبق أن أشرنا إليه، وسعيهم الجاد في تنفير الناس عن دعوتنا، وحضور محاضراتنا، ودروسنا بسبب ثلاث عبارات اقتطعوها من مواضعها ظانين أنها ضالتهم المنشودة بعد جهد طويل وبحث متواصل في مئات الأشرطة، ومئات الصفحات، نذروا أنفسهم له، وانشغلوا به عن غيره من أعمال البر والتقوى (وأرفق لكم مع هذه الرسالة ملخصاً لجوابنا عن هذه الشبهات الثلاث).(1/8)
رابعاً: أنا لم أزل بحمد الله أفاخر بأنني قد تشرفت بالأخذ عن أعلام الدعوة السلفية المعاصرة: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وسماحة الشيخ محمد الشنقيطي يرحمه الله، وسماحة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ولم أزل بحمد الله وفياً لهم حافظاً لمعروفهم، بل أعتبر نفسي ثمرة من ثمرات دعوتهم، وأبجل وأجل كل علماء الدعوة السلفية فهم منارات الهدى وحملة الحق وأمل الأمة، وأخص بالذكر شيخنا الجليل محمد بن عثيمين حفظه الله، وبارك في علمه، وكنت ولم أزل أنصح إخواني طلبة العلم الشرعي بالتوجه إلى جامعات المملكة العربية السعودية للأخذ من علمائها الأفاضل.
أقول هذا -وهو متناثر في دروسي ومحاضراتي- رداً على من يحاول الإيقاع بيني وبين أساتذتي وإخواني أعلام الدعوة السلفية.
خامساً:
سماحة الوالد الكريم..
آبائي وأساتذتي هيئة كبار العلماء..
هذه كتبي ورسائلي جميعاً بين أيديكم، وأنا على استعداد لأن أوصل لكم كل آثاري من أشرطة ومقالات.. فأرجو أن تراجعوها وأنا والله شاكر لكم في كل خطأ تبصرونني به، وكل زلة تعرفونني بها، وأشهد الله سبحانه وتعالى ثم أشهدكم أنني راجع عن كل قول يخالف كتاب الله، وسنة رسوله، وإجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وختاماً فإنني استغفر الله وأتوب إليه من كل ذنب ارتكبته، وأرجع عن كل قول قلته يخالف كتاب الله وسنة رسوله، وأعتذر إليكم وإلى جميع مشايخي وأساتذتي وإخواني من أي إساءة كانت مني لكم، ووالله ما تعمدت إساءة مسلم قط، ولا قصدت ظلم مسلم قط، وأعوذ بالله أن أظلم مسلماً أو أغشه، أو أنسب إليه ما لم يقله.. وإن وقع مني شيء من ذلك جهلاً، أو نسياناً، أو خطئاً فأنا أستغفر الله منه، وأتوب إليه سبحانه وتعالى، وهو القائل: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر يجد الله غفوراً رحيماً}..
وإنني والله إن شاء الله لعلى استعداد لأن أقبل ما تشيرون به، وترشدون إليه من خطأ وقعت فيه، أو جهل، أو ظلم تلبست به.(1/9)
وختاماً أسأل الله أن يمد في عمركم وأن ينصر بكم دينه ورسالته، وأن ينفعنا وجميع المسلمين بعلمكم وجهودكم.
كتبه
عبدالرحمن بن عبدالخالق
الكويت 8 ربيع الأول 1415هـ
الموافق 15/8/1994م
ثانياً: رسالة سماحة الشيخ
التي ذكر فيها التنبيهات والأخطاء
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الابن المكرم صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق وفقه الله لما فيه رضاه وزاده من العلم والإيمان آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 8/3/1415هـ بيد الأخ الكريم عبدالله خلف السبت وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق وجميع ما شرحتم فيه كان معلوماً.
ولقد سرني كثيراً ما ذكرتم فيه من التزامكم بما درج عليه سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان.. إلا ما قد يقع خلاف ذلك من خطأ أو نسيان.. كما سرني أيضاً رغبتكم وحرصكم على إيضاح ما نسب إليكم من الأخطاء لترجعوا عنها إن صح صدورها منكم.
وسرني أيضاً عفوكم وصفحكم عمن أساء إليكم وطلبكم الأجر من الله عز وجل في ذلك.. إلى آخر ما أوضحتم في رسالتكم. وكان وصولها إلي بعد انتهاء مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثانية والأربعين المنتهية في الثلاثين من شهر صفر سنة 1415هـ ومتى رأينا الحاجة إلى عرضها عليهم في المجلس عرضناها عليهم في الدورة القادمة إن شاء الله.
وإليكم بيان ما لاحظته عليكم من خلال كتبكم الآتية أسماؤها:
الأول: أصول العمل الجماعي.
الثاني: الخطوط الرئيسية لبعث الأمة الإسلامية.
الثالث: وجوب تطبيق الحدود الشرعية.
الرابع: مشروعية الجهاد الجماعي.
الخامس: الوصايا العشر.
السادس: فصول من السياسة الشرعية.
السابع: ما لاحظناه بالشريط المعنون بالمدرسة السلفية
أولاً: قلتم في كتابكم أصول العلم الجماعي ما نصه: إن بعض المنتسبين إلى دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله زعموا أن كل من أسس جماعة للدعوة والجهاد فهو خارجي ومعتزلي.(1/10)
كما زعموا أن النظام ليس من دين الله، وأن التحزب ليس من الإسلام..
كما زعمت أن بعض هؤلاء التلاميذ المنتسبين للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله أعطوا للحكام المعاصرين حقوقاً لم تعط للصديق ولا للفاروق ولا عرفها المسلمون في كل تاريخهم.. ولا دونها حسب علمكم عالم موثوق في شيء من كتب العلم. وهو لا يجوز أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا بإذن الإمام، ولا يجوز رد عدوان على ديار الإسلام إلا بإذن السلطان. وهؤلاء أعطوا الحاكم صفات الرب سبحانه وتعالى. فالحق ما شرعه والباطل ما حرمه، وما سكت عنه فيجب السكوت عنه وعندهم أن ما أهمله الحاكم من أمر الدين، ومصالح المسلمين فيجب على أهل الإسلام إهماله والتغاضي عنه حتى لا يغضب أمير المؤمنين.
(ينظر أصول العمل الجماعي ص10 ص11).
انتهى ما ذكرتم. ولا نعلم أن أحداً من أتباع الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله قال هذه المقالة التي ذكرتم فأرجو بيان الكتاب الذي نقلتم منه ذلك أو الشخص الذي بلغكم ذلك. وإلا فالواجب بيانكم خطأكم فيما نقلتم وأن ذلك شيء لا أصل له. وأنه قد اتضح لكم عدم صحة هذه المقالات عن أحد من أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.. مع التثبت مستقبلاً في كل ما تنقلون وأن يكون الهدف بيان الحق والباطل مع عدم الحاجة إلى بيان ذلك الشخص المنقول عنه إلا عند الضرورة التي تقتضي بيانه.
ثانياً: قلتم في الشريط المسمى المدرسة السلفية ما نصه: إن طائفة العلماء في السعودية في عماية تامة وجهل تام عن المشكلات الجديدة.. وأن سلفيتهم سلفية تقليدية لا تساوي شيئاً. انتهى.(1/11)
وهذا قول باطل فإن العلماء في السعودية يعرفون مشاكل العصر وقد كتبوا فيها كثيراً وأنا منهم بحمد الله وقد كتبت في ذلك ما لا يحصى وهم بحمد الله من أعلم الناس بمذهب أهل السنة والجماعة، ويسيرون على ما سار عليه السلف الصالح في باب توحيد الله وفي باب الأسماء والصفات، وفي باب التحذير من البدع وفي جميع الأبواب: فاقرأ إن كنت جاهلاً بهم مجموعة ابن قاسم الدرر السنية. وفتاوي شيخنا محمد بن ابراهيم رحمه الله، واقرأ ما كتبنا في ذلك في فتاوانا وكتبنا المنشورة بين الناس (فاصلة) ولا شك أن ما قلته عن علماء السعودية غير صحيح وخطأ منكر فالواجب عليك الرجوع عن ذلك وإعلان ذلك في الصحف المحلية في الكويت والسعودية نسأل الله لنا ولك الهداية والرجوع إلى الحق والثبات عليه إنه خير مسئول.
ثالثاً: ذكرتم في كتابكم: خطوط رئيسية لبعث الأمة الإسلامية ص72-73 ما نصه: إن دولنا العربية والإسلامية بوجه عام لا ظل للشريعة فيها إلا في بعض ما يسمى بالأحوال الشخصية. وأما المعاملات المالية والقوانين السياسية والقوانين الدولية، فإن دولنا جميعها بلا استثناء خاضعة لتشريع الغرب أو الشرق، وكذلك قوانين الجرائم الخلقية والحدود مستوردة مفتراة.. الخ ما ذكرتم ص 78.
وهذا الإطلاق غير صحيح فإن السعودية بحمد الله تحكم الشريعة في شعبها وتقيم الحدود الشرعية وقد أنشأت المحاكم الشرعية في سائر أنحاء المملكة وليست معصومة لا هي ولا غيرها من الدول.
وقد بلغني أن حكومة بروناي قد أمر سلطانها بتحكيم الشريعة في كل شيء وبكل حال فالواجب الرجوع عن هذه العبارة وإعلان ذلك في الصحف المحلية في المملكة العربية السعودية والكويت ولو عبرت بالأكثر لكان الموضوع مناسباً لكونه هو الواقع في الأغلب نسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق.
رابعاً: قلتم في كتابكم: وجوب تطبيق الحدود الشرعية ص26 ما نصه:(1/12)
3- إزالة أسباب الجريمة قبل إيقاع العقاب: وبعيداً عن التعصب والجهل نقول: لا يجوز بتاتاً أن نوقع العقوبة الشرعية قبل إزالة أسباب الجريمة، والإعذار إلى الجانح والجاني، فقد يكون في ظل الاحتكار والظلم وضياع التكافل الاجتماعي ووجود الأثرة، وحب النفس، أقول قد يكون في ظل مجتمع هكذا عذر لمن يلجأ إلى السرقة، ومن انحرفت نحو الزنا والبغاء لتعول ولداً، أو أماً عجوزاً، أو أباً مريضاً، وأظن أنه من السذاجة والجهل أيضاً أن نعاقب الزاني ونحن نسمح بكل ألوان الفسق والفجور، والدعوة إلى الخناء، ولذلك فليس من العقل والحكمة أبداً، أن تطبق الحدود الشرعية الخاصة بالجرائم دون إزالة حقيقية لأسباب هذه الجرائم.. إلى آخر ما ذكرتم ص27. فأقول إن هذا الكلام بعيد عن الصواب مخالف للحق ولا أعلم به قائلاً من أهل العلم إلا ما روي عن عمر رضي الله عنه من التوقف عن إقامة حد السرقة في عام الرمادة، وهذا إن صح عنه فهو محل اجتهاد ونظر.
والنصوص من الكتاب والسنة صريحة في وجوب إقامة الحد الشرعي على من ثبت عليه ما يوجبه.. فالواجب عليكم الرجوع عن هذا الكلام وإعلان ذلك في الصحف المحلية في الكويت والسعودية.. وفي مؤلف خاص يتضمن رجوعكم عن كل ما أخطأتم فيه. ولا يخفى أن الحق قديم كما قال عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم فالرجوع إليه خير من التمادي في الباطل.. وفقنا الله وإياكم لما فيه رضاه وأعاذنا جميعاً من أسباب سخطه.
خامساً: دعوتكم في كتابكم مشروعية الجهاد ص28،37،39 وكتابكم الوصايا العشر ص71 ص44 إلى تفرق المسلمين إلى جماعات وأحزاب وقولكم: إن هذا ظاهرة صحية ولا يخفى أن هذا مصادم للآيات القرآنية والأحاديث النبوية مثل قوله سبحانه: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وقوله سبحانه: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء} الآية. في آيات كثيرة في هذا المعنى.(1/13)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إن الله يرضى لكم ثلاث: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم] في أحاديث كثيرة في هذا المعنى.
فالواجب عليكم الرجوع عن ذلك وإعلانه في الصحف المحلية وفي الكتاب الذي أوصيناكم به آنفاً في بيان ما رجعتم عنه من الأخطاء.
سادساً: ذكرتم في كتابكم فصول من السياسة الشرعية ص31-32: أن من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة التظاهرات (المظاهرة) ولا أعلم نصاً في هذا المعنى فأرجو الإفادة عمن ذكر ذلك وبأي كتاب وجدتم ذلك فإن لم يكن في ذلك مستند فالواجب الرجوع عن ذلك لأني لا أعلم في شيء من النصوص ما يدل على ذلك. ولما قد علم من المفاسد الكثيرة في استعمال المظاهرات، فإن صح فيها نص فلا بد من إيضاح ما جاء به النص إيضاحاً كاملاً حتى لا يتعلق به المفسدون بمظاهراتهم الباطلة.
والله المسئول أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً وأن يجعلنا جميعاً من الهداة المهتدين إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
ثالثاً: الرسالة الجوابية على
رسالة سماحة الشيخ
سماحة الوالد الكريم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.
أثابه الله وحفظه وأمد في عمره ونفع به عباده وأعز به الإسلام والمسلمين.. اللهم آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
فقد وصلت رسالتكم الكريمة المؤرخة (9/4/1415هـ)..
والتي تفضلتم فيها وتكرمتم بالرد على ما جاء في بعض كتبي وأشرطتي.. وقد سرني -يعلم الله ذلك- غاية السرور، ووالله لو يجوز تعمد الخطأ للفوز بردكم وتقويمكم لفعلت ذلك.(1/14)
ووالله ما كان يسرني أنني لم أكن أخطأت، ولم أنل دعوتكم الصالحة لي بالتوفيق والعلم والإيمان.. زادك الله أيها الوالد الكريم براً وحلماً وإحساناً.
ولعل الله سبحانه وتعالى العلي الكريم قدر خطئي فيما أخطأت ليبين الله علو منزلتك، ورفعة درجتك ولييسر الله لي ولأمثالي من طلاب العلم فرصة عظيمة للتعلم والتخلق بأخلاق الصالحين: من الحلم والعلم والأناة والصبر، والتثبت، وكيفية تقويم الأخطاء، ورد الإساءة.. زادك الله أيها الوالد الحبيب تشريفاً وتعظيماً وإجلالاً.
وأحب أن أعلن لسماحتكم أنني راجع إلى جميع ما ذكرتموه، وقائل بكل ما قلتموه، وأن ما قلتموه هو الحق الذي أعتقده وأدين الله به، ولا أخالفكم في حرف واحد منه. وتحقيقاً لأمركم وطلبكم فإنني ذاكر كل قول انتقدتموه، ومبين عذري أو خطئي فيه، ورجوعي عنه؟ والله أسأل أن يجعل لما أقول القبول عنده سبحانه ثم عندكم، وجميع المؤمنين. واستغفره سبحانه وتعالى من كل خطأ وزلل جرى به القلم، وعثر به اللسان.
أولاً: ما جاء في كتاب أصول العمل الجماعي (ص10-11):
1- أبرأ إلى الله أن أكون قد عنيت بهذه المقالة أحداً ممن أخذوا عن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب مباشرة أو أحداً من أبنائه، أو أتباعه المشهورين إلى يومنا هذا، فقد كانت دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب قائمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله في الأرض، وقد كان تلاميذه وأتباعه منذ وقته وإلى يومنا هذا هم بحمد الله رؤوس الطائفة الظاهرة المنصورة. وهم القائمون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى توحيد الله وعبادته.
2- وإنما عنيت بعض صغار طلاب العلم في عصرنا ممن بدأوا بوضع أصول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقتال في سبيل الله مخالفة لأصول أهل السنة والجماعة.(1/15)
وقد رأيت أن لا حاجة لذكر القائلين بهذه المقالات اتباعاً لسنة النبي في البيان والتحذير [ما بال أقوام يقولون..] ولما درج عليه كثير من سلف الأمة من إهمال ذكر المعين والتنبيه على ما وقع فيه من الخطأ فقط.
وهذا هو أرشدتم إليه حفظكم الله في رسالتكم الكريمة حيث قلتم: (مع عدم الحاجة إلى بيان ذلك الشخص المنقول عنه إلا عند الضرورة التي تقتضي بيانه) (ص/3 من رسالتكم سطر2).
ويعلم الله أننا نجلكم -وسائر آبائنا ومشايخنا- ونجعلكم مثلاً لنا يحتذى في الصدع بكلمة الحق والنصح لله وكتابه ورسوله، وأئمة المسلمين، وعامتهم، ونتمنى أن يكون شباب الإسلام على غراركم في المناصحة لأئمة المسلمين وعامتهم واتباع السياسة الحكيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومناصحة أولي الأمر.
ولأن هذه العبارة قد أثارت ما أثارت من اللبس فإنني عازم على حذف هذه العبارة كلها من الطبعة القادمة إن شاء الله تعالى.
ثانياً: وأما ما قلته في شريط المدرسة السلفية:
فقد كان هذا منذ أكثر من عشرين عاماً، وقد أخطأت فيه خطئا بالغاً، واستغفر الله منه وأستميحكم عذراً، وقد صححت هذا الخطأ في عشرات بل مئات الأشرطة والمقالات بالثناء على العلماء العاملين الذين أخذت العلم عنهم أو رأيناهم. وما زال لساني رطباً بذكركم الدائم، والثناء على أخذكم بالكتاب والسنة علماً وعملاً.
وشريط المدرسة السلفية الذي قلت فيه ذلك القول قد كان شريطاً منسياً لا يدري عنه أحد بل أنا نفسي نسيته، واستعظمعت صدور هذا الكلام مني، وتعجبت منه عندما ذكرت به..
ولكن الذين يبحثون عن الزلات سامحهم الله وقعوا على هذه السقطة وهم يجهدون أنفسهم في التنقيب عن خطأ لي..
وأنا بحمد الله في كل سلوكي وأقوالي على خلاف ذلك القول.(1/16)
وأستغفر الله منه، وأعتذر إليكم وإلى جميع آبائي وإخواني من المشايخ وطلاب العلم عنه، ورجال المدرسة السلفية، وعلماء المملكة العربية السعودية ودعاتها اليوم هم اليوم قادة الأمة، ومربو أجيالها، والموجهون لمسيرتها في العالم أجمع وعلى رأسهم سماحة والد الجميع وشيخهم عبدالعزيز بن باز..
وهذا بحمد الله نقوله ونعتقده، وهو مثبوت في كتبي وأشرطتي ومحاضراتي ومجالسي.
ثالثاً: وأما الفقرة التي جاءت في كتاب (خطوط رئيسية لبعث الأمة الإسلامية) (ص72-73):
فلا شك أنني كنت مخطئا في هذا الإطلاق والتعميم والذي صدر عن غفلة وسبق قلم، ولا شك أنني حتماً أنني أستثني المملكة العربية السعودية التي تقوم على الكتاب والسنة، وتطبق الحدود الشرعية، والتي هي منارة للإسلام والمسلمين في الأرض، والتي نسأل الله أن يتم عليها نعمة الإسلام ويعزها بالقيام به والدعوة إليه.
وأستغفر الله من الخطأ والزلل والنسيان.
وسأقوم بتبديل هذه العبارات في طبعة قادمة للكتاب إن شاء الله تعالى.
رابعاً: وأما ما جاء في كتاب (وجوب تطبيق الحدود الشرعية) (ص26):
فأقول: لا شك يا سماحة الشيخ أن ما قلتموه هو الحق، وأن نصوص الكتاب والسنة صريحة في وجوب إقامة الحد الشرعي على من ثبت عليه ما يوجبه.
وقد كانت رسالتي هذه في وجوب تطبيق الحدود الشرعية، وفي التحذير عن استبدالها بالأحكام الوضعية.. ولكنني كتبت هذه العبارات وقد كان الرئيس السادات يريد أن يبدأ في تطبيق الشريعة بداية بقتل المرتد. ولما بدأ النميري حاكم السودان في تطبيق الشريعة بدأ بداية حسنة بتحريم الخمر ولكنه أعقبها مباشرة بتطبيق حد السرقة في ظل أوضاع سيئة من الفقر والجهل، فقد كان يعيش حول العاصمة الخرطوم أكثر من مليون شخص دون مأوى فكانت النتيجة قطع عدد كبير من الأيدي والأرجل دون الردع عن وقوع الجريمة.(1/17)
فأرجو من سماحتكم النظر في هذا الأمر وإرشاد المسلمين في بلاد العالم الإسلامي إلى ما يتوجب عليهم نحو تطبيق الشريعة، وهذا أمر مهم وملح جدا.. حيث أن كثيراً من الدول الآن تتحول بحمد الله نحو تطبيق شريعة الله فمن أين يبدأون؟ وهل يكون البدء بتطبيق العقوبات الشرعية في ظل هذه الأوضاع أمثل. أم أنه يجب البدء بإزالة أسباب الوقوع في الجريمة؟!
إن هذا بحث جدير باهتمامكم، وإن المسلمين في كل بلاد العالم ينتظرون البصيرة منكم في هذا الأمر..
زادكم الله توفيقاً وبصيرة وعلماً وفضلاً..
وسأقوم كذلك بحول الله بتعديل الفقرة المشار إليها وإثبات أنه يجب المسارعة إلى تنفيذ الحدود الشرعية لأنها من أعظم الزواجر عن مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى.
خامساً: الموقف من الجماعات الدعوية:
وأما ما جاء في كتاب (مشروعية الجهاد ص28،37،39) (والوصايا العشر ص71،44) حول الجماعات الإسلامية.
فقد كنت أرى كما جاء في رسائلي التي أشرتم إليها (مشروعية الجهاد الجماعي، والوصايا العشر) أن تعدد الجماعات الدعوية ربما كان فيه فائدة لنصر الدعوة إلى الإسلام ولكني أرى الآن أن الحق ما جاء في رسالتكم الكريمة أن الدعوة يجب أن تكون لتوحيد المسلمين في جماعة واحدة، وأنه يجب أن نتعامل مع الجماعات الدعوية القائمة بما يجب علينا من تأييد ما عندها من الخير، ونهيهم عن التعصب والتحزب لتابعيهم دون غيرهم من عامة المسلمين، وأن يعملوا جميعاً مجتمعين لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.
وسأقوم بحول الله بصياغة جديدة لهذه الصفحات المذكورة لتكون وفق هذا الذي قررتموه وأرشدتم إليه، وما هو مدون لكم من فتاوى في هذا الصدد، وأسأل الله سبحانه أن يزيدكم من التوفيق، والفضل والعلم والحكمة.
سادساً: وأما في قولي في كتاب: (فصول من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله) (ص31-33):(1/18)
فأقول: لقد ذكرت المظاهرات في معرض الوسائل التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإظهار الإسلام، والدعوة إليه لما روي أن المسلمين خرجوا بعد إسلام عمر رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفين (إظهاراً للقوة) على أحدهما حمزة رضي الله عنه، وعلى الآخر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولهم كديد ككديد الطحين حتى دخلوا المسجد.
ولم أر لذلك من هدف إلا إظهار القوة، وقد روى هذا الحديث أبو نعيم في الحلية بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما وفيه:
(فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: [بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم] قال فقلت ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال فنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق. وفرق الله به بين الحق والباطل) انتهى (حلية الأولياء 1/40).
وأورده صاحب الإصابة في أسماء الصحابة هكذا: (وأخرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه بسند فيه إسحق ابن أبي فروة عن ابن عباس أنه سأل عمر عن إسلامه فذكر قصته بطولها وفيها أنه خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة وأصحابه الذين كانوا اختفوا في دار الأرقم فعلمت قريش أنه امتنع فلم تصبهم كآبة مثلها، قال فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق) انتهى (الإصابة 2/512).
وذكره ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري قائلاً: (وروى أبو جعفر بن أبي شيبة نحوه في تاريخه من حديث ابن عباس، وفي آخره "فقلت يا رسول الله ففيم الإختفاء؟ فخرجنا في صفين: أنا في أحدهما، وحمزة في الآخر، فنظرت قريش إلينا فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها" وأخرجه البزار من طريق أسلم مولى عمر عن عمر مطولاً) انتهى (فتح الباري 7/59).(1/19)
ولكنني وجدت بعد رسالتكم أن مدار هذا الحديث على إسحق بن عبدالله بن أبي فروة وهو منكر الحديث.
وكنت أرى أن التشريع الإسلامي قد جاء بكثير من الشعائر لإظهار عزة الإسلام والدعوة إليه، كصلاة الجماعة والجمعة والعيدين، ورأيت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر النساء الحيّض وذوات الخدور أن يخرجن إلى المصلى يوم العيد معللاً ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: [ليشهدن الخير، ودعوة المسلمين] ومن الخير الذي يشهدنه هو كثرة أهل الإسلام وإظهارهم لشعائره، وكذلك كان الرسول يرسل البعوث والسرايا ومن أهدافها الأساسية (عرض القوة) كما قال لأسامة رضي الله عنه: [أوطيء الخيل أرض البلقاء]..
فهذا هو الذي جعلني أنسب هذا النوع من التظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعني إلا ما جاء في هذه الأحاديث من إظهار عزة الإسلام، وكثرة المسلمين، وهذا باب من أبواب الدعوة إلى الله..
وكنت أرى أن هذا الأسلوب يمكن استخدامه استخداماً صحيحاً في الحض على صلاة الجمعة والجماعة، والحض على صلاة العيدين في المصلى خارج المدينة وحث الرجال والنساء على الخروج لهذه الصلاة الجامعة وكذلك جمع الناس بين الفينة والأخرى للأمور الهامة التي تنزل بالمسلمين كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل إذا نزل بالمسلمين أمر فيقول الصلاة جامعة، وكذلك في المحاضرات والندوات الحاشدة التي يكون من مقاصدها -بعد تلقي العلم- إظهار كثرة المهتدين، وجمهور المسلمين، وكذلك في عرض قوة أهل الإسلام في جيوشهم الحربية وآلاتهم العسكرية لأن كل ذلك مما يكسر قلوب العدو، ويرهب أعداء الله، ويعلي منار الإسلام.(1/20)
ولم أعن بتاتاً، ولا يدور في خلدي أن أدعو إلى هذا الإفساد في الأرض الذي يسمونه مظاهرات يخرج فيها الغوغاء والرعاع بلا قيادة، ولا توجيه، فيخربون ويفسدون، فإن هذا من الإفساد في الأرض، وفرق كبير بين الجهاد في سبيل الله والإفساد في الأرض، ولذلك فأنا لم أدع كل حياتي -بحمد الله- إلى شيء من هذه (المظاهرات) التي تخرج للإفساد.
بل من فصول هذا الكتاب الذي جاءت فيه هذه العبارة (السياسة الشرعية) فصل بعنوان (الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى شرف في الغاية وطهارة في الوسيلة).
ومع ذلك فسأقوم بحذف كلمة (المظاهرة) من جملة الوسائل التي استخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم منعاً لأي لبس.
سماحة الوالد الشيخ:
أحمد الله سبحانه وتعالى أن هيأ لي هذه الفرصة للتعلم منكم والتأسي بأخلاقكم، وأختم هذه الرسالة بالثناء عليكم وتكرمكم لاهتمامكم شخصياً ببيان ما تفضلتم به من هذه الأخطاء. وأذكر كلماتكم الطيبة التي ذيلتم بها الفتوى الصادرة من سماحتكم في حكم الصلاة خلف من عرف بالغلو في الأنبياء والصالحين حيث قلتم: "وكل مفت وكل عالم وكل طالب علم قد يقع منه بعض الخطأ أو بعض الإجمال، ثم بعد وضوح الحق وظهوره يرجع إليه وفي ذلك شرف وفضل، وهذه طريقة أهل العلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وقد أثنى عليهم أهل العلم بذلك وشكروهم على هذه الطريقة الحميدة وهذا هو الذي يجب علينا وعلى غيرنا الرجوع إليه والأخذ به في جميع الأحوال" أ.هـ (مجموع فتاوي ومقالات متنوعة 4/ 312-313).
وأشهدكم أنني راجع في حياتي وبعد موتي عن كل قول خالفت فيه كتاب الله وسنة رسوله، وإجماع أمة محمد، وأنني قابل الحق الذي تفضلتم ببيانه، والله أسأل أن يوفقنا جميعاً إلى محبته ورضوانه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وكتبه
ولدكم وتلميذكم
عبدالرحمن عبدالخالق
الكويت في
(14 من ربيع الآخر 1415هـ)
الموافق (20/9/1994م )
ملحوظة:(1/21)
وسأقوم إن شاء الله بنشر هذه الرسالة -حسب أمركم- في الصحف التي تصدر في الكويت والسعودية، ورسائل ليطلع عليها الجميع.
رابعاً
رسالة سماحة الشيخ الختامية
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
إلى حضرة الإبن المكرم صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق
وفقه الله لما فيه رضاه ونصر به دينه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد:..
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 14/4/1415هـ وسرني كثيراً ما تضمنه من الموافقة على ما أوصيتكم به. فأسأل الله أن يزيدكم من التوفيق ويجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين إنه جواد كريم. وما ذكرتم حول المظاهرة فقد فهمته وعلمت ضعف سند الرواية بذلك حسبما ذكرتم لأن مدارها على إسحاق بن أبي فروة وهو لا يحتج به ولو صحت الرواية فإن هذا في أول الإسلام قبل الهجرة وقبل كمال الشريعة. ولا يخفى أن العمدة في الأمر والنهي وسائر أمور الدين على ما استقرت به الشريعة بعد الهجرة. أما ما يتعلق بالجمعة والأعياد ونحو ذلك من الإجتماعات التي قد يدعو إليها النبي صلى الله عليه وسلم كصلاة الكسوف وصلاة الإستسقاء فكل ذلك من باب إظهار شعائر الإسلام وليس له تعلق بالمظاهرات كما لا يخفى، وأسأل الله أن يمنحني وإياكم وسائر إخواننا المزيد من العلم النافع والعمل به وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً وأن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن ونزغات الشيطان إنه خير مسئول والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء(1/22)