بروتوكولات ملالي إيران 1
العلاقات الإيرانية ـ اليهودية
خاص بالبينة 30-3-1430هـ / 26-3-2009م
في أوائل ديسمبر عام 2000 استضاف الإعلامي المحترم الأستاذ سامي كليب في برنامجه " زيارة خاصة " الذي تبثه قناة الجزيرة، السيد أبو الحسن بني صدر، أول رئيس لإيران بعد الثورة الخمينية، في حوار مفتوح كشف فيه الرئيس عن حقيقة المشروع الحلم الذي كان يراود آية الله الخميني قائد الثورة قائلا: (كان يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وعندما يصبح سيدًا لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج " الفارسي " للسيطرة على بقية العالم الإسلامي) على حد قوله في الحوار الذي سنعود إلى بقيته لاحقا.
هذا المشروع الإستراتيجي السياسي الذي كشفه " بني صدر " لم ينته بوفاة الخميني، ولكنه أصبح الهدف المؤسسي الأول الذي يتبناه بالفعل كل من ينتمي إلى مؤسسة الساسة والملالي الإيرانية دون استثناء سواء كانوا إصلاحيين أو متشددين، وهو مشروع لا بد له من " بروتوكولات " محددة وصارمة أتصور أنها تستند إلى محورين أساسيين، أولهما قبول إسرائيل لوجود هذا الحزام وهو ما يحتم بداهة وجود تعاون وثيق بين الطرفين، وثانيهما إضعاف مصر، بصفتها قلعة السُنَّة في المحيط الإسلامي والقوة الكبرى في العالم العربي، ومنعها من مواجهة هذا المشروع الضخم الذي يمس أمنها القومي مباشرة، وذلك عن طريق إلهائها في " موضوع " محاربة نشر المذهب الشيعي بين أبنائها، بينما الهدف الحقيقي هو تفجير نطاق أمنها القومي!(1/1)
فالإيرانيون ليسوا من الغباء ليركزوا جهدهم على تحقيق ما فشلت فيه الدولة الفاطمية بكل سطوتها طوال حكمها لمصر قرابة القرنين من الزمان استخدمت فيهما كل وسائل الترغيب والترهيب لنشر مذهبها الشيعي في مصر ورغم ذلك فشلت نتيجة لما تصح تسميته بفطرة " الوسطية " عند المصريين التي جعلت إسلامهم السُنّي خليطا رائعا ومتفردا من الالتزام بنهج السُنّة والجماعة والحب اللامحدود لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك فالبروتوكول الناجح لإضعافها هو حصار نطاق أمنها القومي وتلغيمه بالمشاكل الدموية شرقا، صراع فتح وحماس وفتنة لبنان، لصرف الانتباه عن تغلغلهم حول مقتلها أو شريان حياتها في الجنوب وعبثهم في السودان ودعمهم المادي والمعنوي لحركات التمرد الانفصالية الاثنية على أراضيه كما اتضح في محاولة " حركة العدل والمساواة " لاحتلال " أم درمان " والخرطوم " مؤخرا بدعم من إيران وإسرائيل، وهو ما يؤكد أن المشروع الأمريكي الإسرائيلي المعروف للجميع ضد المنطقة يعتبر، دون تعارض، وجه العملة الآخر للمشروع الإيراني غير المعروف للكثيرين، وهو ربما ما دفع بالمشروعين لتحالف شيطاني قامت أمريكا على أساسه بغزو العراق وتقديمه بأغلبيته الشيعية على طبق من ذهب إلى الهيمنة الإيرانية، في حضور إسرائيل كوصيف، مقابل شيء ما غير معلن رسميا حتى الآن! وان كان يقودنا إلى البحث عن إجابة السؤال حول حقيقة العلاقة بين إيران من جهة وكل من أمريكا وإسرائيل منفردتين أو مجتمعتين من جهة أخرى.(1/2)
البداية كشف عنها كتاب (نقطة اللاعودة - الاستخبارات الإسرائيلية في مقابل إيران وحزب الله) للكاتب رونين برغمان محلل الشؤون الاستخبارية في صحيفة " يديعوت أحرونوت " واستعرض فيه سعى إسرائيل إلى استقدام 40 ألفًا من يهود إيران بعد الثورة الإيرانية وعلى مدى ثلاث سنوات بين 1979 و1981، عن طريق حملة منظمة نفذتها الموساد بواسطة عملاء من يهود إيران، ورغم ما ذكره مؤلف الكتاب إلا أن إيران اليوم ما زالت تضم أكبر عدد من اليهود في المنطقة، خارج إسرائيل، يصل عددهم إلى 25 ألف يهودي إيراني يرون في إيران أرض مخلصهم " كورش " فاتح بابل، والأرض التي تضم رفاث " النبي دانيال " و" النبي حبقوق " و" بنيامين " شقيق النبي " يوسف " عليه السلام، وهو ما دفع بالرئيس الإيراني " أحمدي نجاد " لاستقبال وفد كبير من يهود " أصفهان " على رأسهم زعيم الطائفة اليهودية الإيرانية " هارون ياشاني ".
واستهل " نجاد " كلمته بصفعة مؤلمة على وجوه العرب حين أعاد ترديد مقولة لأبى القاسم الفردوسي الفارسي شاعر أصفهان القديم في ملحمته الشعرية " الشهنامة " يقول فيها (الكلب يلعق الثلج في أصفهان والعربي يأكل الجراد في الصحراء)! يقصد أن رفاهية كلاب أصفهان تجعلها تستمتع بالثلج، أو بشرب الماء البارد، فما بالكم بالبشر فيها، بينما العربي البائس لم يجد في صحرائه القاحلة الا الجراد ليأكله!
ثم عدد " نجاد " أسماء القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين وقتها من يهود أصفهان الإيرانية مثل الرئيس الإسرائيلي " موشية كاتساف " ووزير الدفاع " شاؤول موفاز "مشيرا إلى أن يهود إيران تشكل نسبتهم داخل إسرائيل 3,5% من عدد سكانها.(1/3)
هذا الحديث الودي الغزلي، وتعمد " نجاد " انتقاء مقولة الشاعر " الفردوسي " عن ترف كلاب أصفهان، معقل اليهود الإيرانيين، مقابل حقارة حياة العرب، العدو المشترك للطرفين، ليلقيها في هذا الحفل أمام هذا الحشد اليهودي الكبير، جاء متعمدا ليثبت أن العلاقات الصهيونية الإيرانية راسخة ولم تتغير بتغير " الشاه " ومجيء الملالي إلى الحكم، وأنها علاقة مصالح بعيدة عن وحدة الدين تحرص إيران على إخراجها من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، على غرار تركيا مع الفارق أن إيران تسعى للتحالف مع الغرب الموالى لإسرائيل لتسهيل فرض نفوذها وهيمنتها السياسية على دول وشعوب المنطقة وهو ما يجعلها تتعامل بوجهين وتتبنى خطابين متناقضين نلمسهما في تصريحات الرئيس " نجاد " النافية للمحرقة اليهودية ورعايته لعقد إيران مؤتمرا في ديسمبر 2006 للباحثين عن حقيقة المحرقة حثهم فيه بنفسه على العمل تحت تشجيع إيران ورعايتها داعيا لإزالة إسرائيل من الخريطة!
إلا أن هناك سيل من التصريحات والمواقف الإيرانية تختلف 180 درجة عن تصريحات " نجاد " وتظهر مثلا في الحديث النادر الذي نشرته صحيفة " يدعوت أحرنوت " الإسرائيلية لرئيس جمهورية إيران السابق محمد خاتمي على هامش مؤتمر دافوس يناير 2007 قال فيها (أندد بشدة بعقد هذا المؤتمر حول المحرقة، يقصد مؤتمر " إيران نجاد "، مكملا تصريحه: لأن المحرقة ضد الشعب اليهودي مثلت أشد الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية في عصرنا, ولا يوجد أدنى شك في أنها حدثت وأدعو الجميع إلى فصل المحرقة عن المباحثات الفلسطينية والعربية).(1/4)
أيضا تصريحه الخطير أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر 2006 الذي قال فيه (إن الهلوكست حقيقة حتى إذا تم استغلالها وتم فرض ضغوط هائلة على الشعب الفلسطيني!! وينبغي ألا نسكت حتى إذا قتل يهودي واحد ولا ينبغي أن ننسى أن من جرائم هتلر والنازية والاشتراكية القومية الألمانية المذبحة التي طالت الأبرياء وبينهم الكثير من اليهود).
وفي تصريح آخر لمجلة " التايم " خلال رحلته قال خاتمي (المحرقة حقيقة تاريخية ومطلقة).
وفي لقاء مع مسلمي أمريكا في فرجينيا قال (إن منفذيها لن يدخلوا الجنة) ونفس هذا الاتجاه سار فيه وزير خارجية إيران، بل ان " علي أكبر ولايتي " أحد كبار المؤسسة الدينية والمستشار الدبلوماسي للمرشد الأعلى علي خامنئي أكد في حديثه لصحيفة " لاريبوبليكا " الإيطالية فبراير 2007 (أن محرقة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية حدثت وأنها حقيقة تاريخية).(1/5)
اذا يمكننا اعتبار تصريحات الرئيس " نجاد " الحماسية ليست إلا جزءا من بروتوكولات المشروع الإيراني، فقد صيغت التصريحات عن عمد وبعناية فائقة لتلقى قبولا وترحيبا عند الرأى العام العربي تحديدا، الباحث عن زعامة تستطيع دغدغة عواطفه المشحونة ضد إسرائيل ولو بمجرد اهانتها علنا، وهى أحد الوسائل الخبيثة التي تقرها بروتوكولات ملالي إيران والتي تأتى بنتائج جيدة جدا في الدول التي يصعب احتوائها عن طريق نشر المذهب الشيعي فيها كمصر، فتستخدم الوسيلة كطُعْم شهى يؤدى إلى صيد البسطاء واستقطابهم وحصد تأييدهم للمشروع الإيراني الذي يروج له -كذبا- على أنه مشروع اسلامى وَحْدَوِي، في الوقت الذي يوجد فيه خطاب رسمي آخر في كواليس السياسة الدولية يختلف تماما عن ديماجوجية خطاب الرئيس " نجاد "، بمعنى استخدام بروتوكول آخر لتقديم رأس العربي الغافل مذبوحا على صينية من صفيح لصالح إسرائيل مقابل صمتها عن المشروع الإيراني ودعمه، وهو ما يقودنا إلى البحث في حقيقة علاقات محور " أمريكا وإسرائيل وإيران " ليكون موضوع حديثنا القادم ان أراد الله تعالى, ثم أذنت لنا الجريدة المضيفة، وكان في العمر بقية. ضمير مستتر، يقول تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: 204].
علاء الدين حمدي.
كاتب مصري.
a4hamdy@yahoo.com
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=27590(1/6)
بروتوكولات ملالى ايران(2) ـ علاء حمدى
علاء حمدى : بتاريخ 27 - 10 - 2008
استعرضت مع حضراتكم فى المقال السابق ، تحت عنوان بروتوكولات ملالى ايران (1) ، حقيقة المشروع الحلم الذى كان يراود " آية الله الخمينى " قائد الثورة الايرانية وسعيه لاقامة حزام " شيعي " يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان يُمكِّنه من السيطرة على ضفتي العالم الإسلامي ثم استخدام النفط وموقع الخليج العربى لاستكمال هذه السيطرة حسب ما ذكره " أبو الحسن بنى صدر " ، أول رئيس لإيران بعد الثورة الخمينية ، فى حواره فى أوائل ديسمبر عام 2000 مع قناة الجزيرة ، وقلت أن هذا المشروع السياسى وضِعَت له ، على حد تصورى ، بروتوكولات محددة لضمان تنفيذه ، ولو على المدى الطويل ، تستند على محورين رئيسيين ، أولهما حصار نطاق أمن مصر القومى لتحجيم دورها كقلعة للمسلمين السُنّة وكأكبر قوة عربية , وثانيهما اكتساب التأييد الأمريكى والاسرائيلى ، كحليفيين على عدو مشترك هو العرب عموما سُنّة أو شيعة ! وقلت كذلك أن الساسة الايرانيين ، وحسب تصورى أيضا ، يستخدمون بروتوكول " فوبيا " نشر المذهب الشيعى بين العرب " السُنّة " كستار يشغلهم عن الهدف السياسى الذى وضعه " الخمينى " فى مشروعه .(1/1)
ـ واليوم نعود الى استكمال استعراض ما يعنينا فى حوار " بنى صدر " لقناة الجزيرة خاصة قوله ( كان الخميني مقتنعاً بأن الأمريكيين سيسمحون له بتنفيذ حلمه ، فقلت له إن الأمريكيين يخدعونك ، ورغم نصائحي له ونصائح الرئيس عرفات الذي جاء يحذره من نوايا الأمريكيين فإنه لم يكن يريد الاقتناع ) هذا ما قاله " بنى صدر " حرفيا ، ويُفهم منه أن ، المرحوم ، الرئيس " عرفات " كان على علم كامل بخطة " الخمينى " وأن تحذيره له كان خوفا على مشروعه من عدم سماح الأمريكيين ، لا خوفا من خطورة المشروع نفسه على الأشقاء الذين لا نَدرِ ما اذا كان الرئيس "عرفات " قد حذرهم وقتها أم أنه فضل الصمت ! أيضا نلاحظ أن عبارة بنى صدر للخمينى ( إن الأمريكيين يخدعونك ) يُفهم منها أن المشروع الايرانى كان معلوما للأمريكيين وتم اقراره بالفعل من حيث المبدأ ، وأن المفاوضات تجرى حول ضمانات تنفيذه وتتم بعلم " بنى صدر " تحت رعاية " الخمينى " وباطلاع شخصيات عربية ، على نوايا الأمريكيين ، كالرئيس " عرفات " !(1/2)
ـ اذا فالمشروع الحلم لن يتحقق الا بتقديم ضمانات تكفل الحصول على موافقة الادارة الأمريكية بصورة كاملة أهمها طمأنتها باستمرار التعاون مع اسرائيل كما كان عليه فى عهد " الشاه " قبل " الثورة " ، هذا على فرض أن أمريكا كانت بالفعل مرتابة أوقلقة جدا وتحتاج الى طمأنة ! فعلى حد تصورى ، فان فرصة تحقيق نتائج ايجابية لصالح المشروع " الأمريكى ـ الاسرائيلى " فى المنطقة مضمونة مع " ايران الملالى " على عكس " ايران الشاه " التى كان لها نفس الأطماع السياسية الا أنها لم تسع لتحقيقها عن طريق الزعم بمسئوليتها أمام الله تعالى عن نشر مذهب عقائدى أو أنها نموذج يُحتذى لما يجب أن تكون عليه الدولة الاسلامية الراشدة ، لذلك لم يكن لها نفوذ اقليمى يُذكر على المستوى الجماهيرى ، وبالتالى فلم يكن لها دور محورى فعّال فى المنطقة يمكن استغلاله كآلية جيدة لصالح المشروع " الأمريكى ـ الاسرائيلى " ويضطر الأمريكيين الى استمرار دعمها ، لذلك توقف دورها عند مرحلة الحليف القوى لأمريكا فى مواجهة دوائر الحكم الاقليمية دون أن يكون لها أى تأثير ملموس على رجل الشارع العربى ، على عكس " ايران الملالى " وبروتوكولها شديد الذكاء الذى ادعت من خلاله أنها " ثورة اسلامية " لدغدغة عواطف " الطيبين " فى دولنا العربية تحديدا وبالتالى الحصول على تعاطفهم وتأييدهم الجماهيرى الضاغط كمرحلة أولى ، يليها دعم الحركات ، غير الشرعية ، داخل هذه الدول لضمان ولائها " للملالى " ومن ثم تكرار تجربة الثورة الايرانية فى بلادهم أو على الأقل اثارة القلاقل فيها ، تحت رعاية " الأب الروحى الايرانى " ، حتى لو كان هؤلاء المتعاطفون المدعومون من المسلمين السُنّة ! وبالتالى ينجح البرتوكول الشيطانى فى جعل المشروع " الأمريكى ـ الاسرائيلى " هو الأشد حاجة والأكثر الحاحا وحرصا على التحالف مع مشروع " ايران الملالى " ، وهذا ، ان لم يشطح بى تصورى ، ربما يكون أحد المبررات(1/3)
الرئيسية ، غير المعلنة ، التى دفعت بالأمريكيين للتخلى عن رَجُلِهم " الشاه " بسهولة واستبداله " بالخمينى " وثورته التى رُوج لها كثورة اسلامية ، رغم ما يفترض من أن نجاح " الخمينى " ، لو تم رغم ارادتهم ، فانما يعنى تصدير ثورته وكذلك مصطلحه " ان أمريكا هى الشيطان الأكبر " الى دول الجوار " المعتدلة " حتى ولو بدون دعم ، فالثورات ، فى رأيى ، دائما ما تكون مادة جيدة التوصيل بين الشعوب التى لها نفس الواقع والظروف ، خاصة لو كانت ثورات دينية حقيقية ، وربما عدم انطباق وصف "حقيقية " هذا بمفهومه الدينى هو السبب فى منع تكرار التجربة الايرانية على المستوى الشعبى فى دول عربية أخرى حتى الآن رغم مرور ما يقرب من ثلاثة عقود على ثورة " الخمينى " !(1/4)
ـ وفى نفس الحوار ، كشف " بنى صدر " أيضا كيف وضع " الخمينى " بنفسه أسس البروتوكول التعاونى مع اسرائيل قائلا ( في اجتماع للمجلس العسكري أخبرنا وزير الدفاع أننا بصدد شراء أسلحة من إسرائيل ، عجبناً كيف يعقل ذلك ؟! سألته: من سمح لك بذلك ؟ فأجابني: الإمام الخميني ، قلت: هذا مستحيل !! قال: إنني لا أجرؤ على عمل ذلك وحدي ، سارعت للقاء الخميني ، وسألته: هل سمحت بذلك ؟ أجابني : نعم فالإسلام يسمح بذلك ، وأضاف قائلاً: إن الحرب هي الحرب ، صعقت لذلك صحيح أن الحرب هي الحرب ولكن أعتقد أن حربنا نظيفة ، الجهاد هو أن تقنع الآخرين بوقف الحرب ، والتوق إلى السلام ، نعم ، هذا الذي يجب عمله وليس الذهاب إلى إسرائيل وشراء سلاح منها لمحاربة العرب ، لا ، لن أرضي بذلك أبدا ً، حينها قال لي : إنك ضد الحرب وكان عليك أن تقودها لأنك في موقع الرئاسة ) ، وأتصور أن الجزء الخطابى الأخير من كلام " بنى صدر " الذى تولى رئاسة ايران لمدة 17 شهرا منذ اندلاع الثورة وحتى اقالته فى آواخر مايو 1981 ، ربما أراد منه غسل يديه من بروتوكول " الخمينى ـ اسرائيل " لمجرد تحسين صورته أمام " بعض " الدوائر الرسمية العربية الغنية ، بعد خروجه من السلطة وتحوله الى معارض لنظام " الملالى " ، اذ ليس من المنطقى أنه لم يكن على دراية ، مثلا ، أن ايران اشترت فى عهده من الاسرائيليين اطارات لطائراتها من طرازF5 ، F4 فى بداية حربها مع العراق (1980 – 1988) !(1/5)
ـ الشاهد أن بروتوكول التعاون الايرانى الاسرائيلى استمر ، وحتى الآن ، وظهر فى أكثر من موقف منها قضية " ايران ـ كونترا " الشهيرة ، وهى الخطة التى باعت بمقتضاها إدارة الرئيس الأمريكى " رونالد ريجان " بواسطة نائبه " جورج بوش الأب " صواريخ مضادة للدروع الى ايران عن طريق إسرائيل تحت زعم اطلاق سراح خمسة من الأمريكيين المحتجزين في لبنان " !! " ثم استعمال عائد الصفقة فى تمويل حركات "الكونترا" المناوئة للنظام الشيوعي في " نيكاراجوا " بعيدا عن رقابة الكونجرس ، الذى صنف " ايران الملالى " أمام الرأى العام الأمريكى كدولة عدوة لا يجب التعامل معها ، كذلك شراء ايران لصواريخ أخرى من الاسرائيليين عام 1986 ، وغير ذلك الكثير الذى دفع " ببنيامين نتنياهو " رئيس الوزراء الاسرائيلى بعد ذلك (1996 – 1999) الى اصدار أمره بعدم الاعلان عن أي تعاون سابق أو لاحق بين اسرائيل وايران ، وذلك حتى يمنع " ناحوم منبار " ، المتهم بتصدير كيماويات خاصة إلى ايران فى تلك الفترة ، من الحصول على معلومات خطيرة عن صفقات الصواريخ والأسلحة ، وذلك بعد أن حاول محاميه السعى لاثبات أن " منبار " هذا ليس هو الاسرائيلى الوحيد الذى يبيع السلاح لايران ، وأن هناك شبكة علاقات واسعة لإسرائيل " الرسمية " معها ، وربما ، وعلى حد رأيى أيضا ، أراد " نيتنياهو " بقراره هذا حماية سرية بنود التعاون مع ايران ، لأن كشفها سينسف كل البروتوكولات المتفق عليها مسبقا ، وسيفضح محاولات " ايران الرسمية " المستمرة لارتداء مسوح " الأب الروحى " الداعم للثورات الاسلامية أمام الشعوب العربية ، وسيهدم تبنيها لشعار " ازالة اسرائيل من على الخريطة " الذى لا يعدو عن كونه بروتوكولا شيطانيا آخر لخداع البسطاء العرب ، تحت زعم معاداة اسرائيل ، لتستطيع من خلاله تحقيق مشروعها الحلم !(1/6)
ـ نفس هذا التوجه يظهر بجلاء فى بعض الدراسات والتصريحات الاسرائيلية المعنية ، منها ما قاله " افرايم كام " ، الباحث في مركز " جافي " للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب ( ان ايران لا تعتبر اسرائيل العدو الاول لها ولا حتى الاكثر أهمية من بين أعدائها ) ونفس المعنى قاله " زيو مائور " الباحث بمعهد " أوميدا " الإسرائيلي في بحثه تحت عنوان " إيران بحاجة الى إسرائيل " جاء فيه ( ان إيران لا تشكل أي خطر على إسرائيل ولا تريد تدميرها , بل هي في حاجة اليها وتعتبرها مكسبًا استراتيجيًا مهما حتى تظل قوة عظمى في المنطقة ) , وتصريح آخر " لديفيد ليفى " وزير خارجية اسرائيل الأسبق لجريدة " هاآرتس " الاسرائيلية عدد 1/6/1997 قال فيه ( إن اسرائيل لم تقل فى يوم من الأيام أن ايران هى العدو ) ، وفى صحيفة " معاريف " الاسرائيلية عدد 23 /9/1997 يقول الصحفي " اوري شمحوني " ( ان ايران دولة اقليميه ولنا الكثير من المصالح الاستراتيجية معها ، فايران تؤثر على مجريات الاحداث وبالتاكيد على ما سيجري في المستقبل ، ان التهديد الجاثم على ايران لا ياتيها من ناحيتنا بل من الدول العربية المجاورة فاسرائيل لم ولن تكن ابداً عدواً لايران ) وعن جريدة " لوس انجلس تايمز " نقلت جريدة الانباء العدد 7931 مقالا للصحفي الإسرائيلي " يوسي مليمان " قال فيه ( في كل الاحوال فانه من غير المحتمل ان تقوم اسرائيل بهجوم على المفاعلات الايرانية فقد اكد عدد كبير من الخبراء تشكيكهم بان ايران - بالرغم من حملاتها الكلامية - تعتبر اسرائيل عدواً لها .(1/7)
وان الشيء الاكثر احتمالا هو أن الرؤوس النووية الايرانية موجهة للعرب ) ثم نختتم بما جاء فى مذكرات " أرييل شارون " ، التى سنعود اليها لاحقا ان شاء الله ، صفحتى 583-584 الطبعة الأولى 1992 ، ترجمة أنطوان عبيد / مكتبة بيسان ـ بيروت ، يقول ( لم أرَ يوماً في الشيعة أعداء لاسرائيل على المدى البعيد ) ، هذا بصرف النظر عن جدية رأيه أو كونه يدق " اسفينا " لصب الزيت على نيران الفتنة المذهبية الاسلامية التى " تصقل وتضىء " مستقبل اسرائيل القوية بضعف الآخرين ، طبقا لبروتوكولات " حكماء صهيون هذه المرة " !
ـ وعلى الجانب الآخر من " مزاد " الغزل غير العفيف ، وفى تصريح " لاسفنديار مشائي " نائب الرئيس الايراني " نجاد " نقلته صحيفة " اعتماد " ووكالة أنباء " فارس " الايرانيتين فى 20-7-2008 يقول ( إن إيران اليوم هي صديقة الشعب الأمريكي والشعب الإسرائيلي ) وهو التصريح الذى انتقدته الدوائر المقربة من " المحافظين " الايرانيين بشدة ، ليس لأن اسرائيل تحديدا هى من نعلم ، ولكن لأنهم يرون أن شعبية الرئيس " نجاد " في العالمين العربي والاسلامي مبنية على مهاجمة إسرائيل والتشكيك بالمحرقة وليس على صداقتها !
ـ والى هنا نصل الى نهاية هذا الاستعراض ، المتواضع ، لبروتوكولات العلاقات " الايرانية الاسرائيلية " ، ليبقى لدينا الحديث عن البروتوكولات بين " أمريكا وايران " و" حدوتة حزب الله " ، وطابور " الملالى العرب " من غير " الشيعة " ، ان جاز عليهم هذا التعبير ، ورغم أنه قد يضعنى داخل عش للدبابير ، الا أننى أرجو أن يكون هو موضوع حديثنا القادم ان أراد الله تعالى , ثم أذن مضيفونا ، وكان فى العمر بقية .
ـ ضمير مستتر ، يقول تعالى :(1/8)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }آل عمران118
a4hamdy@yahoo.com
http://www.almesryoon.com/ShowDetails.asp?NewID=55654(1/9)
بروتوكولات ملالى ايران ... بقلم: علاء الدين حمدى ...
السبت, 28 مارس 2009 09:16
(3) العلاقات الايرانية ـ الأمريكية
ـ استعرض الكاتب الأردنى الأستاذ " على باكير " كتابا صدر مؤخرا للدكتور " تريتا بارسي" أستاذ العلاقات الدولية في جامعة " جون هوبكينز " الأمريكية ، ورئيس المجلس القومي الإيرانى - الأمريكي ، عنوانه " التحالف الغادر: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران وأمريكا "
Treacherous Alliance: THE SECRET DEALING OF ISRAEL, IRAN AND THE U.S.
كشف فيه المؤلف عن الكثير من الوثائق والمعلومات التى تؤكد وجود تحالف شيطانى بين المشروعين الأمريكى والايرانى ، كما سبق وطرحت من تصورات فى المقالين السابقين ، اتضحت أبعاده فى عملية غزو العراق بحيث يستفيد المشروع الأمريكى من البترول ويقترب المشروع الايرانى من تحقيق المرحلة الأولى من حلمه للسيطرة على منطقته الاقليمية ، ويكشف المؤلف كذلك ، كما بين الأستاذ " باكير " ، أن الايرانيين وجدوا فرصة ذهبية أخرى لكسب الدعم الأمريكى ، خلاف تعاونهم مع اسرائيل ، وذلك عن طريق تقديم مساعدة أكبر وأهم للامريكيين في غزوهم للعراق عام 2003 , فقدموا وقتها عرضا احتوى على مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية فى عدد من المواضيع الحساسة منها برنامجهم النووي , محاربة القاعدة ، والتفاوض على أسلحة الدمار الشامل والإرهاب و الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي كما ورد فى " الجزء " الذى اكتفى الأستاذ " باكير " بتناوله من هذا الكتاب .(1/1)
ـ وليسمح لى القارىء أن أستكمل استعراض الكتاب من حيث توقف " باكير " وأضيف هنا ما طلبته ايران مقابل هذه التنازلات ، حسب ما ذكره مؤلف الكتاب ولخصه فى عدة نقاط أهمها الغاء تصنيف ايران كدولة داعمة للارهاب ورفع العقوبات الاقتصادية والتجارية عنها والافراج عن أموالها المجمدة فى البنوك الغربية وعدم دعم حركة مجاهدي خلق المعادية لنظام الملالى واحترام مصالحها الدينية في العراق والسماح بوصولها الى الطاقة النووية السلمية والحصول على التكنولوجيا البيولوجية والكيماوية ، ولكن الأخطر من كل ما سبق كان مطلب ايران الحصول على إقرار واعتراف أميركي بها كقوة إقليمية فى المنطقة ، وهو ما يعنى أن تصبح ايران صاحبة اليد العليا في الخليج وهو ما رفضه الأميريكيون الذين رأوا ان ايران ساوت نفسها بالولايات المتحدة الأمر الذي ما كان يتم قبوله للاتحاد السوفياتي " الراحل " فكيف بايران ! وهو ما حال دون اتمام الصفقة ، حسب رأى المؤلف الذى يمكننا تلخيصه فى أن هناك حالة من " العداء " مع أمريكا دفعت الايرانيين الى تقديم هذا العرض ! هذا ما أورده الكتاب الذى تناوله آخرون غير الأستاذ " باكير " منهم " مارشا كوهين " الباحثة بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فلوريدا الأمريكية ، الى جانب كتب أخرى لا تقل أهمية تحدثت عن العلاقات الايرانية الامريكية ولكن من منظور آخر منها كتاب " الصداقة المُرّة فى أحضان الأعداء " للصحفية الأمريكية " باربارا سليفن "
Bitter Friends, Bosom Enemies: Iran, the U.S. and the Twisted Path to Confrontation
وهو كتاب لا يقل أهمية عن غيره ، وربما أعود لاستعراضه على حضراتكم اذا سنحت الظروف فى مناسبة أخرى .(1/2)
ـ وبعيدا عن رأى " بارسى " وفى رأيى الشخصى ، فان الأمريكيين رفضوا اتمام هذه الصفقة ، اذا صحت ، لأسباب أخرى غير التى أشار اليها الكتاب ، أولها ، وأنا اتحدث بتحليلى الشخصى ، الحرص على سرية العلاقة مع الحليف الايرانى حتى يستمر تأثيره " الديماجوجى " الفعال من خلال تبنيه لعملية " التغييب " والنُصّرَة الدينية المزيفة التى يمارسها على العقل العربى بدعوى الثورة الاسلامية والعداء لاسرائيل وتحدى أمريكا .. الخ ، وبالتالى يصبح هذا الحليف فى وضع مميز يسمح بتمرير أى توجهات أو أيدولوجيات أمريكية الى عقل العربى " الغافل " من خلاله فى الوقت الذى يدور وراء الكواليس أمور أخرى تختلف كليا عن ذلك ، هذه واحدة ، والثانية ، وهى الأهم وان صُنِّفت تحت باب مناورات الذئاب ، هى عدم السماح لايران بالسيطرة على بترول الخليج بسهولة ويسر ، وأقول بسهولة لأن أمريكا تعلم يقينا أن هذه السيطرة ستأتى مع الأيام رغما عنها لا ريب فى ذلك وأنها مسألة وقت لا أكثر ، لأن حكمة الله تعالى وضعت خزانات البترول الخليجية العربية فى المناطق ذات الكثافة السكانية "الشيعية " الكبيرة والمتزايدة والتى من البديهى أن ولائها بالدرجة الأولى سيكون للأب الروحى فى " ُقم " الايرانية قبل مواطنها الأصلية دون أدنى شك .
ـ وهذا التصور ، ان صح ، فهو يوضح عمق الاستراتيجيات الأمريكية وحُسن قراءتها لمستقبل المنطقة وقواها الاقليمية وكيفية توظيفها الجيد لخدمة هذه الاستراتيجيات مهما كانت التضحيات ، على عكس الصورة السطحية الاستخفافية التى يخدعنا بها البعض عن غباء الأمريكيين وانجرارهم الى مستنقعات الاحتلال الموحلة بسبب افتقارهم للتخطيط ! وخطأهم فى تقدير قوة المحتَلين أو بنى جلدتهم المجاورين !(1/3)
ـ لذلك وُضِعت الخطط والاتفاقات منذ عهد " الخمينى " وربما قبل أن يقوم بثورته ، لاحتواء عنفوان هذا الحليف الايرانى الفَتِى المتنامى القوة صاحب السيطرة على البترول فى المستقبل القريب ، وذلك بطرق تضمن مصالح الغرب حاليا ومستقبلا ، وتضمن كذلك تحويل هذا الحليف الصاعد الى حارس من نوع خاص جدا يحمى مصالح السيد الأمريكى فى الخليج ، حارس له دور محدد ومرسوم بدقة متناهية لا تستطع أن تقوم به اسرائيل ، ولا يُوثَق أبدا فى اسناده الى أى دولة عربية مهما كانت قوتها أو حتى ، عفوا ، درجة " انبطاحها " ، وذلك ببساطة لأن أمريكا ، بعيدة النظر الباحثة عن مصالحها فى المقام الأول ، لن تراهن يوما على دول غير مؤسسية تفتقد للثوابت السياسية وتتنقل نُظمها الحاكمة بين القومية والليبرالية والاشتراكية والديمقراطية والرأسمالية و" المهلبية " أيضا !
وهو ما قد يجوز اختصاره فى عبارة " الشرق الأوسط الجديد " أو اعادة تقسيم المُقسم أصلا باتفاقية " سايكس بيكو " من قبل ، مع بقاء محور " اسرائيل ـ ايران " عسكريا واقتصاديا لضبط ايقاع النبض العربى والآسيوى خاصة الاسلامى ، ليظل الجميع يسبح ويقدس صبح مساء بحمد العم " سام " والعياذ بالله ، والا لماذا تغاضت أمريكا عن الاحتلال الايرانى " الاسلامى الثورى " لجُزر " ُطنب " الاماراتية بما لها من أهمية استراتيجية فى تهديد خطوط ملاحة ناقلات البترول الا اذا كان لهذا الاحتلال دور مفيد لأمريكا ؟! ولماذا لم تطلب الامارات تحرير هذه الجزر على غرار تحرير الكويت ؟!(1/4)
ـ سبب آخر يمكننا تلخيصه فى مسألة استيعاب الأمريكيين لتجربة الملك فيصل أثناء حرب اكتوبر 1973 وتزعمه لعملية منع البترول العربى ، عدا بترول العراق وليبيا والجزائر ، عن الدول المتعاونة مع اسرائيل ، ومقولته الشهيرة " لهنرى كيسينجر" وزير الخارجية الأمريكى وقتها : " نحن كنا ولا نزال بدوا , وكنا نعيش في الخيام , وغذاؤنا التمر والماء فقط ، ونحن مستعدون للعودة إلى ما كنا عليه ، أما أنتم الغربيون فهل تستطيعون أن تعيشوا بدون النفط ؟ " فى اشارة واضحة الى استعداده لردم آبار البترول العربية لصالح كرامة العرب والعروبة ، وقتها أصبح " الفيصل " قوة اقليمية عظمى مؤثرة يمكنها تهديد المصالح الغربية فى المنطقة وليس فى بلاده فقط ، فكان قرار اغتياله حتميا ! فى عملية مريبة لم تتكشف كافة حقائقها حتى اليوم .
كذلك استيعاب الأمريكيين لتجربة " الشاه محمد رضا بهلوى " وتجربة " الرئيس صدام حسين " ورغبة كل منهما فى الهيمنة على بترول الخليج وتحويل بلده الى قوة بترولية تستطيع لىِّ ذراع الدول العظمى الصناعية لأسباب مختلفة عند كل من الرجلين ، لذلك تخلص الأمريكيون منهما معا لصالح نظام الملالى فى الحالتين ، بدون مصادفة ! وكخطوة أولى على طريق تحقيق مشروع " الخمينى " بالتعاون الأمريكى لانشاء " الهلال الشيعى " بدلا من " الهلال الخصيب " تمهيدا لضم الجزيرة العربية ومصر وشمال افريقيا للمشروع ، وهو بالمناسبة ما ظهر مؤخرا فى الدعوة غير المفهومة التى أطلقها القائد الليبى القذافى لاحياء الدولة الفاطمية الشيعية من جديد ! وهو ما قد نعود اليه بالتفصيل لاحقا باذن الله .(1/5)
ـ بقى أن نقول أن التحالف الايرانى السرى مع أمريكا ظهرت أواصره فى مناسبتين ، الأولى تسهيل الغزو الأمريكى لأفغانستان ، السُنّية ، والذى لم يكن ليتحقق مطلقا بغير الدعم الايرانى ، راجع خريطة المنطقة ، أى بدون فتح المجال الجوى الايرانى أمام المقاتلات الأمريكية والدعم اللوجيستى المحمول جوا والصواريخ التى تطلق من حاملات الطائرات المتمركزة فى الخليج العربى عبر نفس المجال الجوى الايرانى لتدك جبال " تورابورا " وغيرها من المدن الافغانية لما يقرب من ثلاثة شهور متصلة حتى انتهت افغانستان ومقوماتها وبنيتها التحتية كدولة ، وانتهت ، أو توقفت الى حين ، " حدوتة طالبان " التى كانت تقُضّ مضاجع ايران ، وليس أمريكا ، ليل نهار بتشددها السُنّى .
ـ المناسبة الثانية كانت فيما قدمه نظام الملالى الى الأمريكيين من دعم وخدمات جليلة مكنتهم من احتلال العراق فى 2003 ، وتسلمه منهم بعدها ، منها الدور المحورى شديد الخطورة الذى قام به " فيلق بدر " العراقى الشيعى المتشدد ، الذى تشكل سنة 1980 كمخلب لايران داخل العراق ثم أصبح جزءا من الحرس الثورى الإيرانى ! حيث كان دوره حماية قوات المارينز الأمريكية القادمة من الكويت لاحتلال العراق وكذلك خطوط دعمها اللوجيستى بعد ذلك من عمليات المقاومة العراقية ، وتأمينه لمنطقة " البصرة " ، ذات الأغلبية الشيعية كما تابعنا وقتها ، وهو ما لخصه تصريح " محمد أبطحي " مدير مكتب الرئيس الايرانى وقتها قائلا " لولا الدعم الإيراني لأمريكا لما استطاعت أن تحتل أفغانستان ثم العراق " !!(1/6)
ـ اذا ، وفى الحالتين ، افغانستان والعراق ، يمكننا القول أن ما حدث كان تنسيقا بين قوى حليفة بالفعل ولم يكن أبدا مجرد التقاء مصالح ينتهى بانتهاء تحقيق هدف وقتى محدد ، اذ لم يكن الايرانيون ، بطبيعتهم التفاوضية البارعة ، ليفعلوا ذلك دون الاتفاق على المقابل المرضى السَّخى خاصة وهم المشهورون بصناعة السجادة الفاخرة فى ساعة بينما يمكنهم التفاوض حول سعرها لسنة كاملة دون كلل !! وأيضا لم يكن الأمريكيون ليُقدِموا أو يجرأوا على خطوة غزو افغانستان أو العراق قبل التنسيق الكامل مع " الشريك " الايرانى ، وسرا ، فى الوقت الذى أظهروا فيه أمام العالم العربى أن حليفهم الأول فى احتلال العراق هم الحكام العرب ! كما سبق وأظهروا أمام العالم الاسلامى ان حليفهم لاحتلال أفغانستان هو الرئيس الباكستانى وقتها " برويز مشرف " ، الذى لم يع وقاحة الدروس الأمريكية ، ولم ينتبه الى ما يهدد مستقبله السياسى كراعى لأول قنبلة نووية اسلامية ، ان لم يكن يهدد مستقبل حياته كلها ! وهى قصة أخرى حتى لا نخلط الأوراق والمواضيع .
ـ هذا ما حاولت ايجازه عن برتوكولات العلاقة بين ملالى ايران وأمريكا " الشيطان الأكبر " رغم ضخامة الموضوع وأسانيده ، وعلى قدر امكانى وجهدى المتواضع ، ليبقى لدينا الحديث عن " حدوتة حزب الله " ، وطابور " الملالى العرب " من غير " الشيعة " ، ان جاز عليهم هذا التعبير ، وذلك ان أراد الله تعالى , ثم أذن مضيفونا ، وكان فى العمر بقية .
ـ ضمير مستتر :
يقول تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } فاطر10
علاء الدين حمدى(1/7)
http://www.sudanile.com/arabic/index.php?option=com_content&view=article&id=1898:2009-03-28-05-50-46&catid=207:2009-03-22-06-15-33&Itemid=55(1/8)
بروتوكولات ملالى ايران (4) ـ علاء حمدى
علاء حمدى : بتاريخ 22 - 11 - 2008
ـ ليس بوسعنا الحديث عن " حزب الله " اللبنانى دون أن نعرج أولا ، فى عجالة ، على العلاقات " السورية الايرانية " التى تُعتبر التحالف الاستراتيجى العربى الوحيد مع الثورة الايرانية منذ بدايتها ، والذى نشأ كنتيجة طبيعية للعداء المذهبى بين " العراق " ، ذى الأغلبية الشيعية الذى تحكمه الأقلية السُنِّية القوية متمثلة فى الرئيسين " أحمد حسن البكر " ثم " صدام حسين " منذ سبيعينيات القرن الماضى وحتى سقوط بغداد 2003 ، وبين " سوريا " ، ذات الأغلبية السُنِّية ، حوالى 70% من عدد السكان ، التى تحكمها الأقلية الشيعية القوية منذ انقلاب لؤى الأتاسى عام 1963 ، الذى أتى بحزب البعث الى السلطة ، مرورا بانقلاب نور الدين الأتاسى عام 1966 ، ثم سبيعينيات القرن الماضى وحتى الآن متمثلة فى الرئيسين " الأسد " المنتميين الى المذهب " الشيعى العلوى النصيرى " ، نسبة الى " محمد بن نصير البصرى النميري " الذي عاصر " الحسن العسكرى " ، الإمام الحادي عشر للشيعة الاثنى عشرية ، وزعم أنه ورث مرجعيته بعد غياب ابنه " محمد المهدى " الإمام الثاني عشر ( 847 م ) أو امام الشيعة الغائب ، وهو موضوع أخر ليس هنا مجال الخوض فيه .(1/1)
ـ الشاهد أن هذا التحالف ظهرت فعالياته فى التأييد السورى المطلق للايرانيين فى حربهم ضد العراق ( 1980ـ 1988 ) واستمر حتى فقد أهميته الاستراتيجية بسقوط النظام العراقى فى 2003 كما يرى " إدوارد لاتووك " الباحث بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية فى مقال له بعنوان " الحليفيين " نشر فى جريدة The wall street journal فى يناير 2007 ، أو كما يقول " عبد الحليم خدام " ، رُكن النظام السورى سابقا والمعارض حاليا ، فى حديثه لجريدة المستقبل اللبنانية 8 فبراير 2007 ( في الماضي كان هناك تحالف إستراتيجي وكان لسوريا مصالح ولإيران مصالح وكانت نقطة الالتقاء الأساسية لهذا التحالف هى وجود صدام حسين لكن الأمور تحولت بعد ذلك نتيجة غياب نقطة الالتقاء الأساسية وضعف سوريا التي لم يعد لديها أي إستراتيجية ) .
ـ الا أننى أختلف مع الرأيين السابقين ، حيث أتصور أن غياب نقطة الالتقاء الأساسية هذه التى أشار اليها " خدام " والتى وضع غيابها نهاية للعداء المذهبى بين النظامين العراقى والسورى بالفعل ، هو نفسه الذى يدفع بالطرفين السورى والايرانى الى التمسك باطار التحالف بينهما بصورة أكبر ولأسباب أكثر الحاحا تتفق ومقتضيات الوضع الاقليمى الجديد بعد سقوط بغداد ، وان اختلفت التفاصيل أو ، الخبايا ، طبقا لمصالح كل طرف منهما !
ـ فالسوريون بعد تدهور علاقاتهم مع العرب عموما خاصة مصر والسعودية نتيجة تحالفهم مع النظام الايرانى ، وهو التحالف الذى انعكست أثاره بعد سقوط بغداد على الوضع المتردى فى لبنان وصراعات فتح وحماس ، أى شرق الأمن القومى المصرى ، فانهم ، أى السوريين ، يحرصون بشدة على بقاءه لعدة أسباب أهمها فى رأيى :(1/2)
أولا : حماية أمنهم الاقليمى المهدد شرقا من الوجود الأمريكى فى العراق ، كما بين الأستاذ " خالد الحروب " فى بحثه القيم ( تداعيات الغزو الأميركي للعراق على خريطة القوى بالمنطقة ) الذى نشرته مجلة شؤون عربية العدد 113 عام 2003، وجنوبا ، ليس من اسرائيل ولكن بكل أسف من لبنان ، الشقيق ، الذي تخشى سوريا الرسمية أن يستكمل اكتساب التأييد والدعم العربى ، والغربى أيضا ، ليصبح شوكة فى جانبها ، خاصة وقد اضطرت الى سحب جيشها منه في مارس 2005 واتهامها بتدبير اغتيال رفيق الحريري وعدد من الشخصيات اللبنانية الأخرى .
ثانيا : رغبة مؤسسة النظام السورى " العلوى " فى دعم نفسها داخليا فى مواجهة الأغلبية السُنّية وعلى رأسها جماعات السلفيين والاخوان المسلمين ، الذين تختلف أهدافهم على الأرض عن أهداف زملائهم فى مصر ، لذلك سمح النظام السورى للايرانيين بتأسيس حوزات ، مدارس دينية ، شيعية كنوع من الترسيخ للدور الايرانى وتمكينه من نشر مذهبه على المستوى الشعبى ، وهو ما سيصب لصالح مؤسسة النظام السورى كنظام " شيعى " فى النهاية سواء بقى تحالفهم مع الايرانيين مستقبلا أو نُقِض تحت أى ظروف ، وهو ما دفع بالرئيس الإيرانى " أحمدي نجاد " للتصريح لجريدة السفير اللبنانية يناير 2007 مبررا بقاء هذا التحالف قائلا ( إن أمن سوريا هو أمن إيران ) ، وكأن " فوبيا الأمن " انتقلت عدواها من اسرائيل الى سوريا ، ركن العروبة الحصين ، بعد أن تشابهت ظروف العزلة عن المحيط الاقليمى ، مع فارق التشبيه والمبررات والدوافع .(1/3)
ـ أما الايرانيون ، وعلى حد تحليلى أيضا ، فربما هم الأكثر حرصا على استمرار هذا التحالف ولكن لأسباب أخرى تختلف عن " حدوتة " الأمن الواحد التى يرددها " نجاد " ، وتحديدا للدور الحيوى الذى يقوم به النظام السورى فى احتواء ، أو قمع ، الأغلبية الُسّنية السورية التى تعتبر ، بعد سقوط بغداد ، حائط الصد الوحيد الباقى والقَوىِّ الذى يقف كحجر ، بل جبل ، عثرة يعرقل مشروع الهلال الشيعى الكبير ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فان تخلى الايرانيين عن سوريا الرسمية فى هذا التوقيت سيدفعها فورا لتحسين علاقاتها مع العرب ، وكلهم دون استثناء من السُنَة نُظما أو شعوبا ، وكذلك توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل ، وهو ما يعنى فى الحالتين خروج سوريا من دائرة النفوذ الايرانى ومنعها لمصالحه الاستراتيجية التى تمر خلالها بصفتها جزء أساسى من مشروعه " الخمينى " المأمول .
ـ هذا الحرص الايرانى على استمرار " احتواء " الحليف السورى من المفيد جدا أن نقرأه بعيون الايرانيين أو بمخاوفهم ونواياهم ، من عدة نقاط يأتى على رأسها :
أولا : نظرة " الاستراتيجية الأمريكية الاسرائيلية " للنظام السورى وامكانية تقبلها له كنظام يمكن الوثوق به ودعمه والتعامل معه مستقبلا .
ثانيا : أطر الصراع داخل مؤسسة النظام السورى وتداعياتها ، سلبا أو ايجابا ، على مستقبل العلاقات الاقليمية سواء مع ايران ، أو لبنان وبقية العرب ، أو اسرائيل ، وخاصة فى ظل التقارب التركى ـ السورى مؤخرا .
ثالثا : مستقبل " حزب الله " ، كذراع اقليمى للايرانيين ، اذا خرجت سوريا ، جسر الربط الوحيد مع الحزب ، عن دائرة نفوذهم ، وبالتالى سيخسر الايرانيون ورقة ضغط قوية على اسرائيل والأمريكيين فى " مناورات الذئاب " .(1/4)
رابعا: تأييد السوريين لترسيخ دور سياسى " لحزب الله " على الساحة اللبنانية ذات التوازنات السياسية المعقدة ، وما اذا كان هذا التأييد هو الوجه الرئيسى للتحالف مع الايرانيين ، أو كان الهدف منه اضعاف السُنّة فى لبنان وتقليص نفوذهم لصالح " حزب الله " ، الشيعى خاصة بعد اغتيال الحريرى ، وبالتالى اضعاف شوكة الأغلبية السُنّية السورية حتى يستتب الأمر للنظام " العلّوى " السورى حاليا أو مستقبلا ، وهو الأمر المفيد لايران فى الحالتين على أى حال .
خامسا : موقف " تركيا " الباحثة عن دور اقليمى يتناسب مع نفوذها وامكانياتها ويقنع الاتحاد الأوروبى فى نفس الوقت بقبول انضمامها لعضويته اذا استطاعت اثبات أنها لاعب أساسى فى المنطقة يستطيع بنفوذه اضافة فوائد كثيرة للاتحاد ، وبالتالى كان توسطها لتحقيق تقارب " سورى اسرائيلى " دفع بالرئيس بشار أن يعرض فض تحالفه مع ايران مقابل حل عادل للمشكلة " السورية ـ الاسرائيلية " يضمنه الأمريكيون ! رغم أنه لم يوضح منظوره أو مفهومه لهذا الحل العادل أومستقبل الجولان المحتلة ! وان كان اشترط دور واسع لنفوذ النظام السورى فى لبنان كأساس للدخول فى مفاوضات مع بقية الأطراف المعنية ، رغبة منه ، حسب تحليلى ، فى دعم مصيره كنظام شيعى وسط بحيرة اقليمية تموج بالمسلمين السُنّة ، أو ليكون هذا النفوذ ورقة ضغط عكسية على الملالى فى ايران لصالح أطراف أخرى !! وتأكيدا لجدية العرض ، أطلق الرئيس بشار تصريحات " مغازلة " عبر فيها عن عدم اهتمامه من الناحية العسكرية بأي حرب مستقبلية ضد إيران أو حزب الله !(1/5)
سادسا : علم الايرانيين أن إسرائيل , رغم تعاونها القوى معهم منذ الثورة ، فانها لن تسمح لنفوذهم بتعدى حدود معينة ضدها أمام العرب السُنّة قبل الشيعة ، وهو أحد الأسباب " السياسية " التى دفعت اسرائيل الى الانسحاب المفاجىء من جنوب لبنان عام 2000 مفضلة أن تبدو فى صورة " المهزوم " مقابل تجريد حزب الله من شرعيته الشعبية كتنظيم مقاومة يحظى باعجاب الشارع العربى الذى لم يهتم بتبعيته للنفوذ الايرانى ، على حد رأى دكتور " تريتا بارسي" فى كتابه " التحالف الغادر: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران وأمريكا " الذى تعرضت له فى الجزء الثالث من السلسلة .
سابعا : عرقلة أى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل قبل الاتفاق مع الأمريكيين أولا على الاطار الخاص بدور ايران الاقليمى ونفوذها فى الخليج ، وكذلك عرقلة أى محاولة تقارب بين سوريا والعرب خاصة مصر ، بالتأكيد لعلمهم أن المحور " السورى ـ المصرى " القوى هو الملجأ والحصن فى كل المحن والكوارث التى مرت بهذه الأمة ، وأن العرب بخير ما التقت القاهرة ودمشق ، هكذا أثبت التاريخ قديمه وحديثه بدروسه التى استوعبها الايرانيون جيدا بينما تفرغنا نحن لتكرار كل أخطائنا التاريخية دون أن نتعلم أو نفهم !(1/6)
ـ هذا من ناحية قراءة الايرانيين لاستمرار احتواء الحليف السورى ، أما الأمريكيون ، وبعد سقوط بغداد ، فقد قرروا اغراء السوريين لفض التحالف اضعافا لموقف ايران ، كما ذكرت آنفا ، ليس تمهيدا لضربها الذى لن يمنعه بقاء هذا التحالف بأى حال ، ولكن حرقا لأوراقها وتقليما لأظافرها قبل عقد صفقة سياسية مرتقبة للتعاون بين المشروعين الايرانى والأمريكى الاسرائيلى ، يرجح أن تتم بعد استقرار الادارة الأمريكية الجديدة اذا استطاع الجميع أن يتوصلوا لحل مرضى حول مطالب ايران المتشددة للهيمنة الاقليمية ومنحها اليد العليا في الخليج مع اعتراف أميركي صريح بها كقوة أساسية فى المنطقة ، الأمر الذى رفضه الأمريكيون من قبل ، ولكننى أتصور أن هذه المفاوضات ستشهد تنازلات كثيرة سيقدمها الامريكيون اذا حصلوا على تعهدات ايرانية قوية تضمن عدم العبث بامدادات بترول الخليج مستقبلا ، وعدم تكرار تجربة " محمد مصدق " الذى أمم البترول الايرانى 1951 وعزل الشاه " محمد رضا بهلوى " وأجبره على مغادرة البلاد للمرة الأولى قبل أن يعود اليها من جديد بتدبير المخابرات الأمريكية والبريطانية ، أو تجربة " الملك فيصل " فى حرب اكتوبر ، أو تجربة الرئيس " صدام حسين " التى عجلت بنهايته بعد قطعه البترول العراقى عن أمريكا لمدة شهر كامل تضامنا مع انتفاضة الأقصى سبتمبر 2000 فى الوقت الذى قام فيه " الأشقاء العرب " بتعويض حصة العراق المقطوعة حتى لا يتضرر " الأشقاء الأمريكان " أو تعانى " كلابهم " من قلة التدفئة فى برد أمريكا القارص !(1/7)
ـ هذه التنازلات سيضطر الأمريكيون اليها ، وربما لأكثر منها ، ليمكنهم ابرام الصفقة مع ايران مقابل " بيع " أو التخلى عن كل حلفائهم فى الخليج ، وذلك ببساطة لأنهم يعلمون أن سيطرة ايران الملالى على بترول ضفتى الخليج مسألة وقت ليس الا ، خاصة فى ظل وجود منابعه على الضفتين وسط كثافة سكانية " شيعية " كبيرة ومتزايدة ، وعلمهم كذلك أنه ليس باستطاعتهم ابقاء قواعدهم فى الخليج الى يوم القيامة لذلك كانت رغبة الغرب عموما فى تعيين حارس قوى لمصالحه فى الخليج يناسب مرحلة " الشرق الأوسط الجديد " يكون له دور محدد ومرسوم بدقة متناهية لا يناسب اسرائيل ولا يُوثَق فى اسناده الى أى دولة عربية مهما كانت قوتها كما ذكرت فى الجزء الثالث من السلسلة ، وهنا تجدر الاشارة الى أن أهداف السياسة الأمريكية ، كدولة مؤسسات حقيقية لا شك فى ذلك ، لا تتغير مع وصول الديمقراطيين أو الجمهوريين الى الحكم ، لأن ما يختلف بين الفريقين هو طريقة الوصول الى الهدف الثابت ، أشبه بمن يسلك الطريق الصحراوى للوصول الى مدينة الاسكندرية مثلا بينما يفضل غيره الطريق الزراعى ، ولكن فى النهاية محطة الوصول تبقى واحدة رغم اختلاف الطرق المؤدية اليها ، أو كما يقول المثل الرومانى القديم " كل الطرق تؤدى الى روما " !(1/8)
ـ اذا نصل الى أن هذا الحرص السورى الايرانى على بقاء صيغة مشتركة للتحالف بينهما ، بعد سقوط بغداد ، يستطيع كل طرف من خلالها استغلال الآخر كورقة ضغط على المحور " الاسرائيلى ـ الأمريكى " للحصول على مكاسب محددة فى أى مفاوضات محتملة ، دفع بالطرفين الى توقيع اتفاقية للدفاع المشترك فى منتصف يونيو 2006 ، اطلق عليها " اتفاق تعاون عسكرى " ونشرت تفاصيلها فى صحيفة الحياة اللندنية عدد 16 يونيو 2006 ، وايا كان الاسم ، فان حرية كل دولة فى البحث عن مصالحها وحقها فى ابرام التحالفات مع الغير لا يتفق مطلقا ، فى رأيى ، مع التصور المفترض للعلاقات بين دول " الوطن العربى " مهما استبدلوه بمصطلح " الشرق الأوسط الكبير " حيث ستبقى وحدة المصير شئنا أم أبينا ، دون ارتداء مسوح القومية العربية حتى لا نُغضِب معتنقى " العولمة " وأشياعهم ، لذلك فالاتفاقية ، من حيث المبدأ ، تعد اختراقا مباشرا للأمن القومى العربى لصالح الايرانيين ، ومخالفة صريحة من النظام السورى لاتفاقية الدفاع المشترك العربية الموقعة فى ابريل 1950 فى عهد الرئيس السورى " هاشم الأتاسى " حتى ولو لم يكن لها أهمية أو جدوى تذكر على الأرض أو فى الواقع !(1/9)
ـ الغريب أن توقيع هذه الاتفاقية لم يسبب ازعاجا للاسرائيليين رغم الحرب المعلنة مع سوريا منذ احتلال هضبة الجولان بعد هزيمة الخامس من يونيو 1967 وحتى الآن ! كذلك لم يظهر الأمريكيون أى درجة من القلق ! رغم أن الاتفاقية تعنى صراحة اعلان سوريا الحرب عليهم اذا تعرضوا لايران بضربة عسكرية ! وذلك لأن الفريقيين ، المعنيين مباشرة بنتائج الاتفاقية ، يعلمان جيدا أنها اتفاقية مسرحية تنحصر نتائجها على مستوى المناورات السياسية فقط ولا يمكن استراتيجيا استخدامها بمفهومها العسكرى مطلقا فى ظل وجود العراق ، خارج الاتفاقية ، وكونه فاصلا جغرافيا يمنع انتقال أى دعم " لوجيستى " برا أو جوا بين طرفيها ، اضافة الى وقوعه حاليا ، ولأجل طويل غير مسمى ، تحت سيطرة الأمريكيين المفترض أن الاتفاقية موقعة للتعاون ضدهم فى المقام الأول ! كذلك فان الفريقين يعلمان أن لكل من سوريا وايران آلياتهما العسكرية القوية التى بوسع أيهما استخدامها منفردة وبكفاءة تامة وموجعة دون احتياج لتوقيع اتفاق تعاون عسكرى مع الطرف الآخر أوتلقى دعمه ، سواء ايران فى ظل تطويرها لصواريخ الردع الباليستية عابرة القارات أو الصاروخ " سجيل " الذى أعلن عنه فى 12 نوفمبر 2008 والذى يصل مداه الى 2000 كيلو متر والذى صاحبه تصريح " حنجورى " للرئيس " نجاد " عن استعداد ايران " لسحق " كل من يعرقل تقدمها العلمى ! ، أو سوريا فى ظل امتلاكها للصواريخ الكورية التى تصل الى أى نقطة داخل اسرائيل ، وصواريخ سكود الروسية مدى 500 و700 كيلومتر ، وصواريخ أرض - أرض ، اسكندر- إي ، أس 300 المضادة للطائرات ، اضافة الى الصناعة العسكرية السورية ، المحمودة ، التى نجحت بالتعاون مع ايران وكوريا الشمالية فى تجميع صواريخ سكود وتصنيع صواريخ أخرى بتصميم سوري هى التى يدعم بها السوريون حزب الله ، هذا باب الصواريخ فقط خلاف المدرعات والمدفعية والطيران !(1/10)
ـ اذا فالهدف من الاتفاقية ، بايجاز ، ليس التعاون العسكرى فى حالات الحروب وانما هو ، فى رأيى ، هدف سياسى ذو شقين ، الأول : استغلال الآخر كورقة ضغط تدعم موقفه فى أى مفاوضات مرتقبة كما قلنا ، والثانى : تحسبا لفشل المفاوضات وما سيعقبها من تغير المصالح وتَعرُضّ نظام الملالى لضربة عسكرية أمريكية ، حيث سيقع تنفيذ شق الاتفاق العسكرى من الاتفاقية على كاهل السوريين وحدهم عن طريق الضغط على اسرائيل سواء بتصعيد الموقف على هضبة الجولان أو تحريك ميليشيات " حزب الله " لتكرار تجربته فى " استدراج " اسرائيل لضرب لبنان فى منتصف يوليو 2006 كما سنعرض اليه بالتفصيل لاحقا ! هذا بافتراض اتخاذ قرار بضرب ايران ، وهو ما أظنه لن يحدث .
ـ أيضا أتصور أن اتفاقية التعاون العسكرى هذه كان من شروطها " الأدبية " عدم توريط ايران أو استدراجها للمشاركة فى أى عمل عسكرى سورى فى الجولان أو ضد مصالح الأمريكيين عموما ، أو حتى دعم سوريا فى حالة تعرضها لاعتداء أمريكى أو اسرائيلى ، وهو ما اتضح فى الموقف السورى ، واحتجاجه " المهذب " ، الذى رأيناه مرتين ، اختباريتين ، الأولى بعد تعرضه لأكثر من غارة طيران اسرائيلية ، والثانية بعد الغارة الأمريكية الأخيرة على عمال البناء المدنيين منذ أسابيع دون أن يطلب السوريون من " الحليف الايرانى " موقفا أقوى من الاستنكار حتى ولو بمجرد التلويح بتفعيل الاتفاقية ، مكتفين بمجرد التحذير من " العواقب الوخيمة " اذا تكررت الاعتداءات ، التى تتكرر بالفعل !(1/11)
ـ اذا فالأمر ليس الا مجرد " ضحك على الذقون " أو " تبويس لحى " كما يقول أهلنا فى الشام ، وتنافس اقليمى " اسرائيلى أمريكى ـ ايرانى " سيعقبه اتفاق تعاونى يحكم " لجام " عدو مشترك هو العرب عموما سُنّة أو شيعة أو مسيحيين ، تحت زعم معاهدات السلام وما سيليها من أمن ورخاء وبهللة واسترخاء ، أو تحت زعم أوهام النصرة الإيرانية لقضايا العروبة والاسلام عن طريق استخدام الخطاب الدينى المؤثر الذى يعتبر الباب الملكى للعبور الى قلوب شعوبنا العربية البسيطة ، وللحديث بقية ان أراد الله تعالى , ثم أذن مضيفونا ، وكان فى العمر بقية .
ـ ضمير مستتر :
يقول تعالى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
آل عمران173
a4hamdy@yahoo.com
http://www.almesryoon.com/ShowDetails.asp?NewID=56763(1/12)
بروتوكولات ملالى ايران (5) ـ علاء الدين حمدى
علاء الدين حمدى (المصريون) : بتاريخ 5 - 5 - 2009 حزب الله ـ تمهيد
ـ بعد استقلال لبنان ، 22 نوفمبر 1943 ، وفى ظل قوى وصراعات ومصالح ودوافع سياسية متباينة ، وضعت الدولة الوليدة لنفسها أعرافا دستورية لها طبيعة خاصة ، صيغت على خلفية أن " تمتلك " كل طائفة من طوائف المجتمع اللبنانى تمثيلا معينا ، كوتة ، داخل المنظومة الحاكمة ، وفقا لقوة كل منها وحجم نفوذها وعدد المنتمين اليها ، بمعنى أن الدستور ، الذى نص فى مقدمته فقرة " ح " على أن ( إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية ) ، جاءت أعرافه بتجميع هيكلى لطوائف المجتمع اللبنانى لتركيب آلية محددة للحكم وادارة الدولة ، وليس لصهر هذه الطوائف بكاملها فى بوتقة الوطن لتشكيل كيان واحد تنتقى منه الإرادة الشعبية أدواتها الحاكمة دون قيد أو شرط أو ترجيح للنفوذ الطائفى وعناصر قوته القابلة للتغير وفقا لمقتضيات الأمور وسنن الحياة ، وبالتالى سعت هذه القوى الى تقسيم الإطار السياسى ومناطق النفوذ الجغرافية داخل الدولة فيما بينها بدلا من توحيدها على أساس " حق المواطنة " أو الوحدة الوطنية ، فأضحى الانقسام هو الأصل والولاء للطائفة يسبق الولاء للوطن الكبير ، وباتت الدولة ، بأعرافها الدستورية ، هى الراعى الرسمى لهذا الوضع الذى لا يوجد مثيل له ، على الأقل فى عالمنا العربى ، والذى ربما كان أحد أسباب خروج الكثير من صفوة اللبنانيين الى دول المهجر ، فأصبح لبنان " جمهورية ديمقراطية برلمانية " ولكن طوائفية ، نظامها وعرفها الدستورى يستوجبان توزيع السلطات على الطوائف ال 18 المؤلفة للمجتمع اللبناني ، فمثلا رئيس الجمهورية يجب أن يكون مسيحى مارونى ، ورئيس الوزراء مسلم سنى ، ثم بعدها أصبح رئيس مجلس النواب مسلم شيعى ، الخ ! وذلك وفقا للقوى الطائفية والتركيبة السكانية كما قلنا دون(1/1)
اعتبار للمتغيرات التى من الممكن أن تطرأ مستقبلا لتقلب موازين القوة بين الطوائف سلبا أو ايجابا ، وبالتالى يمكن لأحداها المطالبة بمنصب الرئاسة مثلا ! أو ظهور قوة طائفية مسلحة يمكنها تغيير المنظومة " المتعارف " عليها بالقوة وفقا لارادتها أو لارادة الدولة الراعية الداعمة لها ، كما حدث بعد رفض الدولة اللبنانية الرسمية لوجود " شبكة اتصالات حزب الله " فى مطار بيروت مؤخرا ، وما تلاه من نزول ميليشياته الى الشارع واحتلالها لبيروت ، ومحاصرتها لسراي الحكومة بغية اسقاطها ، وتوجيه سلاحها الايرانى الى صدور شركاء الوطن والمصير ! الأمر الذى عجزت فيه الدولة الرسمية بكل أدواتها عن اتخاذ قرار حاسم حياله ، فاضطرت للتراجع والخضوع للأمر الواقع ، لتعود ميليشيات الحزب الى قواعدها بعد أن أصابت البنيان اللبنانى بشرخ جديد عميق تصعب مداواته على المدى القريب .(1/2)
ـ الشاهد أن النتيجة الحتمية لهذا الوضع الغريب كانت تحول تلك " الطوائف " الى دول شبه مستقلة داخل الدولة الأم ، دول لها ثقافات وقوانين وأعراف متباينة ، ومذاهب دينية خاصة ، يتم توظيفها جميعا للحصول على مكاسب سياسية وفقا لقوة كل طائفة وعلاقاتها الخارجية إقليميا ودوليا ، دول لها مدن وعواصم ومناطق نفوذ جغرافية ارتضاها الجميع ، مرغما أو الى حين ! واتفق على أن تجاوز ذلك يعتبر بمثابة اعلان للحرب ، للدرجة التى جعلت التجول داخل بعض مناطق الوطن الواحد يستلزم تصريحا خاصا من أصحاب مناطق النفوذ ! فسمعنا عن بيروت الشرقية وبيروت الغربية ، وعن الشمال والجنوب ، الخ ! فكانت الخطوة الطبيعية المكملة لهذا الوضع هى البحث عن سبل الحماية ، والتنافس المحموم على إنشاء قوات مسلحة خاصة بكل طائفة ، ميليشيات ، بلغت حد تشكيل جيوش شبه نظامية لها هيكل عسكرى متكامل من ضباط وصف وجنود ، واقامة حفلات وعروض عسكرية لتخريج دفعات جديدة من هذه الميليشيات بعلم الدولة ورعايتها وبتغطية من وسائل إعلامها المختلفة وبحضور رسمى لممثلين عن الدول الداعمة لهذه الطوائف ! فكان نتاج ذلك تنامى مشاعر الغرور بالقوة وترسيخ عقيدة " أن الطائفة هى الأساس " ، وليس الوطن بمفهومه التقليدى !(1/3)
ـ ودفع استفحال هذا المناخ سياسيا وعسكريا بلبنان الى ان يصبح بيئة خصبة للتوترات والحروب الأهلية التى ليس فى وسع مؤسسات الدولة منع نشوبها فى ظل وجود الميليشيات التى أعدت أصلا انتظارا لهذا اليوم ، وفى ظل الحكومات التى يتم " تجميعها " ، رغم دستوريتها ! لتكون ممثلة عن الطوائف المختلفة ولخدمة وتنمية مصالحها المقتطعة من الجسد اللبنانى ومقوماته وجغرافيته التى لا تتغير ! بمعنى أن أى مكاسب إضافية لطائفة ما ، هى بداهة انتقاص من مصالح طائفة أخرى ، لذلك لا يمكن الحصول عليها إلا عنوة أو نتيجة خوف الآخرين ! وكذلك فى ظل عدم وجود جيش نظامى بمعناه المعروف يخضع لسيطرة الدولة بصورة كاملة باستطاعته تحجيم هذه الميليشيات أو حلها ، ناهيكم عن وجود الطائفية داخل قوى الجيش نفسه ، بل ان الدولة سمحت ، وقتا ما ، للاجئين الفلسطينيين المحتمين داخل أراضيها بالدفاع عن أنفسهم ضد الغارات الإسرائيلية دون انتظار حماية منها ! فكان من الطبيعى أن يرفع أولئك السلاح فى وجه أى قوى تهدد وجودهم على الأرض وبقائهم على الحياة بما فيها اللبنانيين أنفسهم ، خاصة بعد أن أصبحوا ، وأغلبهم من المسلمين السنة ، جزء لا يستهان به من التركيبة السكانية للبنان ومصدر قلق طائفى لجنوبه الشيعى تحديدا ، الأمر الذى تسبب فى كثير من الصراعات الدموية كمذبحة مخيم " تل الزعتر " 1976 التى ( قام بها الجيش السوري ، بحق اللاجئين الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر في لبنان ، شرق بيروت ، وراح ضحيتها أكثر من ثلاثة ألاف فلسطيني حيث تم القيام بعمل ابادة جماعية لسكان المخيم بعد قطع الماء والكهرباء والطعام لعدة أيام عن المخيم قبل المذبحة مما سهل الأمر على الجيش السوري وبعض المليشيات اليمينية اللبنانية المتعاونة معهم من تحقيق هدفها والقضاء على المقاتلين المتحصنين بالمخيم وأهاليهم بالكامل حيث قام الأهالي الناجون من المذبحة بأكل لحوم الأموات من المقاتلين ولحوم(1/4)
الكلاب والقطط خوفاً من الموت جوعا ) " محمد عبد الغني النواوي ـ الصراع العربي الإسرائيلي " .
وأيضا مذبحة " صابرا وشاتيلا الأولى 1982 ( أكثر من 3500 قتيل أغلبهم من الفلسطينيين ، شنتها ميليشيات حزب الكتائب المارونى وقوات " سعد حداد " التى سبق وضمت الى صفوفها 2000 مقاتل من عناصر " منظمة أمل الشيعية " لتشكيل ما سمى " بالحرس الوطني " في الجنوب اللبنانى تحت رعاية إسرائيل ( مجلة " الأيكونومست يوليو1982 " ، وجرت المجزرة بتعاون اسرائيلى قاده" آريل شارون " الذى حاصر المخيم بقواته العسكرية وأطلق قنابله المضيئة ليلا فى سمائه لينير الطريق أمام " جزارى " الكتائب وحلفائهم !
ثم تلاها فى 1985 ما اصطلح على تسميته " مجازر حرب المخيمات " ( شنتها " منظمة أمل الشيعية " ، الأب الروحى لحزب الله ، بقيادة " نبيه برى" واثنين من أعوانه هما " داود داود وعقل حمية " مدعمة بقوات لوائين من الجيش اللبنانى يسيطر عليهما ضباط شيعة ، على مخيمات الرشيدية والبرج الشمالى والجنوب وبرج البراجنة وصبرا وشاتيلا للمرة الثانية ، وهى مجازر أسفرت عن ما يفوق ال 3100 قتيل أغلبهم من الفلسطينيين ) " أمل والمخيمات الفلسطينية ـ د. عبد الله الغريب " ، " نصر الله رئيسا لوزراء لبنان ـ شاكر النابلسى ".
ـ والطوائف فى أى مجتمع ، ليس بامكانها أن تصبح ذات سطوة ونفوذ داخلى الا اذا تلقت الدعم الخارجى السياسى والمالى من الدول التى لها نفس الأيدلوجية السياسية أو الثقافية أو الدينية للطائفة ، وبالتالى لها مصالح داخل دولتها الأم أو فى نطاقها الاقليمى ، أو ببساطة دعم الطائفة لتكون مخلب القط لصالح الدولة الداعمة ، دون الوقوف طويلا أو قصيرا عند مسألة الولاء للوطن والُلحمة الوطنية وما شابه مما يأتى فى مراحل متأخرة جدا من أيدلوجيات الطائفة ، وهذا هو مدخلنا للحديث عن " حزب الله اللبنانى " ، مع تحفظى الشخصى على الاسم .(1/5)
ـ فلبنان ، بشعبه العبقرى المحب للحياة المتميز بمراحل عن غالبية الشعوب العربية ، وبالخلفية السياسية المختصرة التى سردتها آنفا ، وبموقعه الجغرافى كأحد أهم مناطق " الهلال الخصيب " عربيا ، أو" الهلال الشيعى " فى المشروع الايرانى المنشود , إضافة الى كونه يضم طائفة شيعية قوية ذات تاريخ مرجعى يجعلها الأب الروحى ، والأم أيضا ، لكل الشيعة " الاثنى عشرية " على مستوى العالم حتى فى إيران ! لكل ذلك أصبح لبنان بمثابة المعبر الأمثل الذى يسمح للساسة الإيرانيين عموما باختراق المنطقة ، خاصة مع تاريخية العلاقة المذهبية المشتركة بينهما التى كتب عنها الكثيرون ، مثل " وضاح شرارة ـ دولة حزب الله " ، " أحمد الكاتب ـ تطور الفكر السياسي الشيعي " ، " أوليفيه روا ـ تجربة الإسلام السياسي " ، " عبد المنعم شفيق ـ حزب الله رؤية مغايرة " ، " حسن غريب ـ مجموعة ابحاث " ، " مهدى فرهانى الايرانى ـ هجرة علماء الشيعة " ، وغيرهم الذين شرحوا كيف بدأت هذه العلاقة منذ تأسيس الدولة " الصفوية " 1501 : 1722 م ، وقرار ، أو دهاء ، مؤسسها " أبى المظفر شاه اسماعيل الهادى الوالى الصفوى " بالتحول من " مذهب السنة والجماعة " ، الذى استمر فى ايران وأغلب المناطق حولها طيلة ما يقرب من الألف عام السابقة على تأسيس دولته ، الى المذهب الشيعى الاثنى عشرى ليصبح المذهب الرسمى الجديد للدولة ، ربما ليس عن اقتناع دينى ، فلم يكن هناك ما يحتم ذلك ، ولكن ، فى تحليلى ورأيى الذى قد يحتمل الخطأ ، كان رغبة منه فى توطيد أركان الدولة الصفوية الوليدة سياسيا , وتحصينها شعبيا ، باختلاق مبرر دينى يظهرها بمظهر جند الله المدافعين عن " مذهبه الحق " وذلك لاكتساب نوع من الشرعية تمكنه من حشد الشعوب الخاضعة لسيطرته ومن ثم تمنحه القوة لمواجهة دولة الخلافة العثمانية القوية ذات المذهب السنى ، وهى نفس الايدولوجية الديماجوجية فى ادعاء احتكار الحق والحقيقة للوصول(1/6)
الى أهداف سياسية بحتة عن طريق استغلال الدين التى تمارس منذ بدء الخليقة حتى عند الوثنيين ! والتى دائما ما تأتى بنتائج مضمونة على المستوى الجماهيرى ، هذا اضافة الى رغبة المؤسس ، بنزعته العنصرية ، فى استخدام المذهب " الاثنى عشرى " كسلاح شعبى قومى يحافظ على تفرد وبقاء واستقلالية الهوية " الفارسية " التى كادت تذوب وتتلاشى فى محيطها الاقليمى بعد تلاشى هيمنتها على دولة الخلافة العباسية عقب سقوطها فى الشرق 1258م ، قبل سقوطها الأخير فى مصر 1517 م ، وبالمناسبة ، وبين قوسين ( بقيت من دولة الخلافة العباسية امارة وحيدة اسمها " بستك " على الضفة الإيرانية للخليج العربي ، ظلت تحت حكم العباسيين من نسل حبر الأمة عبد الله بن عباس رضى الله عنه ، وعلى مذهب الإمام الشافعي ، الى أن سقطت نهائيا تحت سيطرة إيران الشاه عام 1967 م ) .(1/7)
ـ كان المذهب الشيعى الاثنى عشرى فى ذلك الحين ، أى مع بدايات ظهور الدولة الصفوية ، مهمشا خاضعا لنظرية "الانتظار والتَّقِيَّة" ، منزويا ومحصورا فى منطقة " جبل عامل " بجنوب لبنان وسط بحيرة اقليمية واسعة تموج بالمسلمين السنة ، لذلك كان فقهاء " جبل عامل " يمثلون أهم المرجعيات الاثنى عشرية على الاطلاق بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر الميلادى ، وهو ما دفع بالصفويين الى الاستعانة بهم واستجلابهم ، مع قلة آخرى من علماء العراق والبحرين ، للمساهمة فى توطيد أركان الدولة الصفوية كما ذكرت آنفا ، عن طريق ترسيخ التشيع بهيكل فقهى وبنيان دعوى الى جانب ما تقوم به الدولة بحد السيف ! ومن هنا بدأ الارتباط المصيرى" الايرانى ـ اللبنانى " وتحولت ايران الى المذهب الشيعى الاثنى عشرى ، وتبدلت المواقف والمواقع لتصبح " قُم " الايرانية قبلة الشيعة الاثنى عشرية على مستوى العالم ، حتى لأولئك الباقين فى " جبل عامل " حاليا ، وليصبح لبنان بؤرة لاهتمام الساسة الايرانيين عموما من وقتها والى الآن ، ونستكمل فى حديث قادم ان أراد الله تعالى ، ثم أذن مضيفونا ، وكان فى العمر بقية .
ضمير مستتر، يقول تعالى
{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } المجادلة6(1/8)
بروتوكولات ملالى ايران (6)..
حزب الله ـ موسى الصدر ـ علاء الدين حمدى
علاء الدين حمدى (المصريون) : بتاريخ 7 - 7 - 2009
ــ فى عام 1958 , توفى " عبد الحسين شرف الدين " المرجع الدينى لشيعة لبنان بعد أن أوصى أن يخلفه فى مرجعيته حفيد المرجع " عبد الحسين العاملي " أحد كبار علماء الشيعة اللبنانيين الذين ساهموا في ترسيخ المذهب الاثنى عشرى فى بدايات الدولة الصفوية واستقروا فيها كما ذكرنا فى الحلقة السابقة .
ـ كان هذا الحفيد هو الامام الشيعى " موسى الصدر " الذى ولد فى ايران وتتلمذ على يدى " الخمينى " قبل أن يصبح صهرا له ، وتنفيذا للوصية ، التى أثبتت مع مرور الأيام بعد نظر الموصى وصواب اختياره ! جاء " موسى الصدر " الى لبنان سنة 1958 وعمره حوالى الثلاثين عاما ، وحصل على الجنسية اللبنانية وبدأ فى التفاعل الفورى مع القوى السياسية المختلفة بطريقة ذكية تنم عن دهاء كبير يفتقده الكثير من السياسيين المحترفين ربما يعود الى خلفيته العلمية كأحد خريجى كلية الحقوق والاقتصاد والسياسة من جامعة طهران ، طريقة اعتمدت على تكثيف الروابط داخل لبنان وخارجه ، فأصبح الرجل قطبا لبنانيا كبيرا له وزنه المحلى والاقليمى ، وصاحب رسالة " سياسية " محددة لخدمة طائفته نذر نفسه لتحقيقها بكل اخلاص وبطريقة تستوجب الاحترام حتى لو اختلفنا معه ، ساعده على ذلك الدعم المالى الكبير الذى قدمه شاه إيران وقتها " محمد رضا بهلوي " الذى كان حريصا ، لأسباب سياسية ، على قمع الحركات الدينية داخل إيران ، سنية أو شيعية ، حريصا على دعمها الكامل خارجها ، وعلى رأسها حركتا " موسى الصدر " في لبنان ، و" محمد باقر الصدر " في العراق ، لذلك فقد دعم الشاه تنفيذ وصية المرجع " شرف الدين " على أساس أن ذلك من شأنه تعزيز مشروع الهلال الشيعى ، العراق وسوريا ولبنان .(1/1)
ـ كانت الطائفة الشيعية اللبنانية عند وصول " الصدر " متفرقة مشتتة ليس لها أى ثقل أو تأثير يذكر على الساحة السياسية اللبنانية ، حتى فى معقلها التاريخى فى " جبل عامل " فى الجنوب اللبنانى الذى أصبح يعج بالفلسطينيين النازحين من الأراضى المحتلة تحت وطأة المذابح الصهيونية ، وكانت خاضعة لهيمنة الطائفة السنية باعتبارها صاحبة مذهب " اسلامى " ، أو كما يقول الأستاذ " عبد المنعم شفيق ـ حزب الله رؤيا مغايرة " ( جاهد الصدر كثيراً لضم الشتات المبعثر لشيعة لبنان ، وما إن بدأ الالتئام حتى سعى إلى الانفصال التام بالشيعة باعتبارها طائفة مستقلة عن المسلمين السنة في لبنان ، فقد كان للمسلمين في لبنان وقتها مُفتٍ واحد ودار فتوى واحدة ، وكان المفتي وقتها هو الشيخ حسن خالد ، رحمه الله ، وادعى الشيعة أن الشيخ حسن خالد رفض التوصل إلى عمل مشترك معهم ، وفكر الشيعة في إنشاء "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" عام 1966م ووافق مجلس النواب اللبناني على إنشائه واختير الصدر رئيساً للمجلس ، وبهذا أصبح الشيعة طائفة معترفاً بها رسمياً في لبنان كالسنَّة والموارنة ، وأصبح هذا المجلس المرجعية السياسية والدينية الجديدة التي تهتم بكل ما يتعلق بالشيعة اللبنانيين وبجميع شؤون حياتهم ومماتهم ) .(1/2)
ـ وبعد نجاحه فى انشاء هذا " المجلس الشيعى " ، أثبت " الصدر " مرة أخرى أنه بالفعل رجل سياسة من الطراز الأول بامكانه تحريك الشارع واستقطابه بكل أطيافه ، وذلك حين قام ، ربما اقتداء بالزعيم الهندى " غاندى " وتجربته المشابهة الناجحة ، بتأسيس حركة اجتماعية سماها " المحرومين " كانت تنادى بتحسين أحوال الشيعة اللبنانيين خاصة فى الجنوب ، وضع لها شعارات براقة ، كالإيمان بالله والحرية والعدالة الاجتماعية والوطنية و " تحرير فلسطين " ! ، مروجا أن الحركة تأسست لتكون ملاذا لجميع المحرومين وليس للشيعة فقط ، وبذلك استطاع تجميع وتوحيد عناصر الشيعية اللبنانية المختلفة داخل الإطار القوى لحركته ، وأن يجعل من " الحرمان " ، بما تحمله الكلمة من إيحاء بالزهد والتجرد من متع الدنيا ، شعارا مميزا لهم بصرف النظر عن الفروق الاجتماعية والثقافية والمادية ، وهو ما ساعده أيضا على استقطاب الشباب الذى سبق وانضم الى تنظيمات سياسية مدعومة من سوريا أو العراق أو تظيمات ماركسية ويسارية مختلفة بسبب افتقاده لوجود تنظيم لبنانى قوى يعبر عن ايدولوجية سياسية واضحة وحقيقية يستطيع من خلاله المشاركة فى العمل السياسى الوطنى .(1/3)
ـ كان من أهم التنظيمات المنضمة تحت لواء حركة " المحرومين " هى " الجماعة الإسلامية " الشيعية الإيرانية الولاء لاحقاً ، والتى تحولت بعد ذلك الى جناح مسلح عرف باسم " أفواج المقاومة اللبنانية " وعبر عنه اختصارا بحركة " أمل " وكان هدفه الأول توفير الأمن للطائفة ثم التحول بلبنان كله الى دولة شيعية متى أتيحت الفرصة ، وكان أحد أهم عناصر هذا التأمين الى تَشَكَلَ الجناح المسلح على خلفيتها هو مواجهة اللاجئين الفلسطينيين ، وأغلبهم من المسلمين السُنّة , بعد أن شكل وجودهم الكثيف فى الجنوب اللبنانى بما يقترب من النصف مليون نسمة منذ 1948 ، اضافة الى الفارين بعد ذلك من مذابح " أيلول الأسود " نتيجة مواجهة التنظيمات الفلسطينية مع السلطة الأردنية ، شكل خللا فى موازين القوى داخل لبنان بين السنة والشيعة لصالح السنة ، وبالتالى أصبح وجودهم يمثل خطرا شديدا لعدة أسباب أهمها :
ـ أولا : اتخاذ الفلسطينيين من الجنوب اللبنانى قاعدة لعملياتهم الفدائية ضد الصهاينة ، ربما اقتناعا منهم بالقومية العربية وبأن الجرح الفلسطينى جرح لكل العرب ، وهو ما أسفر عن الغارات الاسرائيلية المتواصلة التى ربما كان تركيزها على مناطق وقرى الشيعة لدفعهم الى الثورة على الفلسطينيين واخراجهم من الجنوب الى الأبد .
ـ ثانيا : خطورة استقرار الفلسطينيين ، السنة على أغلبهم ، فى الجنوب بعتادهم وسلاحهم وخبرتهم القتالية حتى ولو لم تحدث منهم عمليات فدائية ضد الصهاينة ، وعلى خلفية العداء التاريخى بين السنة والشيعة ، كان من البديهى أن يشكل ذا الوضع تهديدا قويا ومباشرا على وجود الطائفة الشيعية وسطوتها التى خلقها " الصدر " ونَسْف كل الجهود التى بذلها لتوحيدها .(1/4)
ـ هذا الموقف الشائك فى الجنوب ، تناوله " الصدر " بكل حذر وكياسة ، فداهن المقاومة الفلسطينية بما ذكره فى أدبيات حركة المحرومين ( فلسطين ، الأرض المقدسة التي تعرضت ، ولما تزل ، لكل أنواع الظلم ، هي في قلب حركتنا وعقلها ، وإن السعي إلى تحريرها أول واجباتنا ، وإن الوقوف إلى جانب شعبها وصون مقاومته والتلاحم معها شرف الحركة وإيمانها ) ، وهى مناورة ، فى رأيى الذى قد يحتمل الخطأ ، سببها يقين " الصدر " أنه لم يكن بوسعه ولا بوسع حركته البقاء والاستمرار على الساحة اللبنانية اذا استشعر الفلسطينيون خطرها من اللحظة الأولى ، وأن أى صدام مع الفلسطينيين فى بدايات تجميع حركته ستكون نتيجته لصالحهم لا ريب ! اضافة الى أنه لم يكن بمقدور شيعة لبنان تغيير الوضع فى الجنوب لصالحهم قبل أن يصبح لهم كيان مسلح قوى ، لذلك وضع " الصدر " منذ البداية خطة بعيدة المدى تركزت فيها استراتيجيته على محورين :
الأول : النهوض بالطائفة الشيعية ودعمها اجتماعيا وعلميا ، بعيدا عن العمل الدينى أو السياسى بشقيه المدنى والعسكرى ، وذلك للقضاء على آفات أى مجتمع وأسباب ضعفه من فقر وجهل ومرض ، فانشأ مدارس ومعاهد تعليم مهنية ومستشفيات ومراكز رعاية اجتماعية وكل ما من شأنه التدعيم بعناصر القوة الاجتماعية ان جاز التعبير ، مع ترك حقل العلوم الدينية والامامية الى المرجع " حسين فضل الله " الزعيم " الروحى " لحزب الله بعد ذلك وصاحب المقولة الشهيرة ( لم يكن هؤلاء الذين حكموا العالم الإسلامي في الماضي يحكمون باسم الإسلام ) " باتريك سيل ـ الأسد .. الصراع على الشرق الأوسط " ، وأيضا مقولته الأشهر ( الفقيه العادل هو أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم ) " وضاح شرارة ـ دولة حزب الله " .(1/5)
ثانيا : التحول ، بعد امتلاك عناصر القوة المجتمعية والاستقلال عن الطائفة السنية ، الى حركة سياسية ذات أنياب واظافر منذ 1974 عندما خطب " الصدر " يوم 18 فبراير من نفس العام ، أو فلنقل أعلن عن هذا التحول قائلا ( إن اسمنا ليس المَتَاوِلة ، إننا جماعة الانتقام ، أي هؤلاء الذين يتمردون على كل استبداد ، حتى إذا كان ذلك سيكلفنا دمَنا وحياتنا ، إننا لم نعد نريد العواطف ، ولكن نريد الأفعال ، نحن تعبون من الكلمات والخطابات ، لقد خطبت أكثر من أي إنسان آخر ، وأنا الذي دعا أكثر من الجميع إلى الهدوء ، ولقد دعوت إلى الهدوء بالمقدار الذي يكفي ، ومنذ اليوم لن أسكت أبداً ، وإذا بقيتم خاملين ، فأنا لست كذلك " ، " لقد اخترنا اليوم فاطمة بنت النبي ، يا أيها النبي ، يا رب ، لقد اجتزنا مرحلة المراهقة ، وبلغنا عمر الرشد ، لم نعد نريد أوصياء ، ولم نعد نخاف ، ولقد تحررنا ، على الرغم من كل الوسائل التي استخدموها لمنع الناس من التعلم ، ولقد اجتمعنا لكي نؤكد نهاية الوصاية ، ذلك أننا نحذو حذو فاطمة ، وسننتهي كشهداء" ) " الإمام المستترـ فؤاد عجمي " ، " الإسلام الشيعي عقائد وأيديولوجيات ـ يان ريشار ترجمة حافظ الجمال ـ بيروت " ، مع ملاحظة أن كلمة " المتاولة " يطلقها أهل الشام على الشيعة ومعناها " الذين يؤلون كتاب الله وآياته والأحاديث النبوية الشريفة " وذلك من باب رفضهم للتسليم المطلق بكتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .(1/6)
ـ ثم وعلى نفس المحور ، وفي خطابه فى 20/1/1975 دعا " الصدر " المواطنين اللبنانيين إلى تشكيل مقاومة لبنانية تتصدى للاعتداءات الإسرائيلية ، حسب مبرره المعلن وقتها ، ثم أعلن في مؤتمر صحفي فى 6/7/1975 عن ولادة أفواج المقاومة اللبنانية " أمل " , على إثر إنفجار وقع في معسكر تدريبي لحركة " المحرومين " في قرية " عين البنية " في قضاء بعلبك الهرمل ، قتل فيه أكثر من 35 من شباب الحركة ، ورغم أن لبنان وقتها كان مسرحاً لانفجارات أعنف وأكثر دماراً لم تكن تستهدف طائفة معينة ، إلا أن إنفجار " عين البنية " كانت له نتائج مختلفة أسفرت عن ولادة الجناح المسلح الذى أراده " الصدر " لتعزيز قدرة طائفته العسكرية ، ومن الطريف ، أو المبكى ، أن الزعيم الفلسطينى الراحل " ياسر عرفات " هو الذى اقترح الاسم " أمل " على " الصدر " ، ( " نبيه بري " لمجلة الوسط عدد 28/4/1997) .
ـ الشاهد أن " الصدر " ، ذلك السياسى البارع ، حرص على توطيد تحالفه وعلاقاته الجيدة مع الفلسطينيين فى بداية تأسيس حركته احتماء بهم عسكريا ضد أى قوى لبنانية أخرى تحاول إجهاض مشروعه الوليد ، لذلك استطاع الوصول بعلاقاته مع الفلسطينيين ، جيران الجنوب الأقوياء ، الى الحد الذى جعل منظمة " فتح " بما لها من خبرة قتالية كبيرة ، تتولى بنفسها تدريب ميليشيات " حركة أمل " على فنون القتال المختلفة بكل اخلاص ومثابرة ، بل وامدادها ببعض الأسلحة البسيطة أيضا دون أن تعلم أنهم يتدربون تحت يديها اليوم لقتالها غدا !! ( كينيث كاتزمان ـ الحرس الثوري الإيراني نشأته وتكوينه ودوره ، وضاح شرارة ـ دولة حزب الله ) .(1/7)
ـ هكذا كانت براعة " الصدر " فى الانتقال خلال أقل من العشرين عاما ! بمجموعة من " الأُسر" الشيعية المتشرذمة المفككة دون رابط ، الى مجتمع موحد قوى يشبه الدولة المستقلة يعتمد فى بقائه على عقيدته وتلاحمه وقوته لا على الدولة الرسمية ، مجتمع له اقتصاده وعلومه وتكافله الاجتماعى وعلاقاته الخارجية بل وجيشه شبه النظامى أيضا ، الأمر الذى فشل فيه بجدارة أغلب زعماء الدول العربية الذين توافرت لهم كل العناصر والمقومات اللازمة لاقامة دولة قوية ، ولم يبدأوا بأظافرهم من الصفر كما فعل " الصدر " ! ألا يستوجب ذلك احترام الرجل ، سياسيا ، حتى لو اختلفنا معه ومع أهدافه وعقيدته ؟! ، ونستكمل فى حديث قادم ان أراد الله تعالى ، ثم أذن مضيفونا ، وكان فى العمر بقية .
ضمير مستتر :
يقول تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } الحج 17
a4hamdy@yahoo.com
http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=66653&Page=7&Part=1(1/8)