انحرافات الفلاسفة والباطنية والزنادقة
في دائرة المعارف الإسلامية
إعداد
د. خالد بن عبد الله القاسم
انحرافات الفلاسفة والباطنية والزنادقة
في دائرة المعارف الإسلامية
المبحث الأول: الاستشراق ودوافعه
(يعد الاستشراق ظاهرة فريدة في تاريخ الفكر الإنساني، فلم يعهد أن طوائف متباينة العقائد والثقافات والجنسيات أطبقت كلمتها على دراسة دين لا تؤمن به كما فعل المستشرقون) (1) .
معنى الاستشراق:
الاستشراق هو: (دراسة الغربيين للشرق وعلومه وأديانه، وخاصة الإسلام، لأهداف مختلفة شتى، ومن أهمها تشويه الإسلام وإضعاف المسلمين) (2) .
نشأة الاستشراق:
نشأ الاستشراق بعد الحروب الصليبية (3) ،
__________
(1) الاستشراق والفقه الإسلامي، محمد الدسوقي701، بحث ضمن حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، العدد الخامس 1407هـ - 1987م.
(2) هناك تعريفات كثيرة مختلفة في اللفظ متقاربة في المعنى. انظر:
- ... الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي33، إصدار الندوة نفسها، الرياض، الطبعة الأولى 1409هـ 1988م
- ... رؤية إسلامية للاستشراق، أحمد عبد الحميد غراب 5-7، المنتدى الإسلامي، لندن، الطبعة الثانية1411هـ
- ... أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها: التبشير – الاستشراق – الاستعمار104-118، عبد الرحمن حسن الميداني، دار القلم دمشق، الطبعة الخامسة 1407هـ - 1986م.
- ... الاستشراق، إدوارد سعيد6، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة الثانية دت.
- ... الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، د. محمود حمدي زقزوق24، دار المنار، القاهرة، الطبعة الثانية، 1409هـ - 1989م.
(3) هناك أقوال عدة في نشأة الاستشراق هذا أرجحها، وقد قيل:
1- ... أنه نشأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بعد احتكاك المسلمين بأهل الكتاب، سواءً نصارى نجران، أو يهود المدينة، أو مع الروم في مؤتة وتبوك.
2- ... أنه نشأ إبان الفتوحات الإسلامية الأولى لمصر والشام
3- ... أنه نشأ مع ظهور نخبة من أهل الكتاب الدارسين للإسلام مثل: يوحنا الدمشقي الذي ألف كتابه (إرشاد النصارى في جدل المسلمين) وعبد المسيح الكندي ويحيى بن عدي، وغيرهم
4- ... أنه نشأ في الأندلس إبان ازدهارها العلمي في ظل الدولة الإسلامية، مما تطلب من علماء الدنيا معرفة اللغة العربية للاطلاع على تلك العلوم وترجمتها.(1/1)
وذلك لما أخفقت تلك الحرب في تحقيق
أهدافها أعاد رواد الاستشراق الكرَّةَ، وعلى رأسهم ريموند لول (1) الذي أقنع ملك أرغون سنة (1276م) بإنشاء مدرسة لتعليم العربية للرهبان، وأشرف بنفسه عليها، ثم انشأ معهد الدراسات الإسلامية في مدريد، وبذل قصارى جهده لإثارة اهتمام الكنيسة والملوك بتعلم اللغات الشرقية في أوربا خلال ست سنوات (1294-1300م)، وفي مؤتمر فيينا سنة (1312م) أقر البابا إنشاء كراسي في خمس من الجامعات الغربية لدراسة اللغات الشرقية (العربية والعبرية والكلدانية) (2) ، وهذه هي البداية الحقيقية للاستشراق الحديث.
__________
(1) ريموند لول (1235هـ-1314) مستشرق فرنسي متعدد المواهب ، فهو شاعر وقصصي ورياضي ومعلم ومنصّر ومتصوّف ورحّالة ، تعلم العربية وحفظ القرآن، وطاف بشمال أفريقيا أكثر من مرة ومات بها، وقد وصف المستشرق رينان بأن هدم الإسلام كان حلم حياته (انظر: المستشرقون للعقيقي 1/122، رؤية إسلامية للاستشراق لأحمد غراب58).
(2) المستشرقون للعقيقي1/112، والموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة33 .(1/2)
وقد ألف القس زويمر (1) كتابه عن ريموند لول بعنوان (أول مبشر بين المسلمين) ومدحه بقوله (وإلى يومنا هذا كل المستشرقين وكتابتهم مدينون لريموند لول) (2) كما سمى ابنه ريموند لول إعجابا به وتخليدا لذكراه (3) .
أهداف المستشرقين:
__________
(1) صمويل زويمر قس أمريكي معاصر، من زعماء المنصرين والمستشرقين، ترأس مؤتمر كلورادو سنة 1978م، أسس مجلة العالم الإسلام وهي أخطر مجلة تنصيرية، كما كان مؤسسا للإرسالية الأمريكية في الخليج العربي، فأنشأ العديد من الكنائس والمدارس والمكتبات والمستشفيات في البحرين والبصرة والكويت وقطر والإمارات، ومن كتبه (تفكك الإسلام) ويعد قدوة لعامة المنصرين. (انظر رؤية إسلامية للاستشراق لأحمد غراب 61-63) .
(2) الاستشراق بين الموضوعية والافتعال، قاسم السامرائي93 نقلا عن أول مبشر بين المسلمين لزويمر64 .
(3) رؤية إسلامية للاستشراق لأحمد غراب 58.(1/3)
بذل المستشرقون جهوداً كبيرة ونشاطاً لا ينكر في معرفة العلوم العربية والإسلامية، وقد تمثل ذلك في تعلمهم اللغة العربية، ومن ثم قراءة القرآن الكريم بلغته، وكذلك السنة النبوية، وما كتبه علماء الإسلام، وفي الترحال المضني في بلاد المسلمين ومخالطتهم والتعرف على عقائدهم وعاداتهم، وربما استدعى ذلك لبس ملابسهم والتسمي بأسمائهم، بل وصل الأمر ببعضهم إلى حد التنكر بأنهم مسلمون لتسهيل مهمتهم كما فعل هورجينيه (1) ، وقد يكون بعضهم أسلم فعلا لما علم الحق كما كان من دينيه (2) ، ولكن غالبيتهم العظمى لم يكونوا كذلك.
إن كل ذلك لم يخرج من فراغ ، وإنما لأهداف ومقاصد ظاهرة لمن تتبع كتاباتهم، وسبر أغوارهم، كما أن الملاحظ لنشأة الاستشراق، ونشاطه في فترات مختلفة مثل نشاطه عند انتصارات المسلمين، أو عند دعوتهم إلى دينهم كما هو حاصل اليوم يعلم أن الهدف العام منه هو دراسة أحوال المسلمين للحيلولة دون انتصاراتهم وظهور دولتهم، وأقصر عبارة تلخص أساب دراسة الغرب للإسلام هي من باب (اعرف عدوك).
ويمكن استقراء أهداف تفصيلية له فيما يأتي:
__________
(1) هورجنيه كرستيان سنوك، (1857-1936) مستشرق هولندي، تعلم في ليدن، وستراسبورغ، رحل إلى جاوه، وسافر إلى الحجاز وأقام بمكة نصف عام مدعيا الإسلام ومتسميا بعبد الغفار (1885)، يعد عميد العربية بعد قولد زيهر، له كتب عن الحج وجغرافية مكة وأمثال أهل مكة، انظر المستشرقون للعقيقي2/315-316، وموسوعة المستشرقين لبدوي 345-347 .
(2) دينيه. ي. ت (1861-1929) مستشرق فرنسي سافر إلى الجزائر وأشهر إسلامه، وتسمى بناصر الدين، حج إلى بيت الله الحرام، وكتب بعض الكتب عن الإسلام وعن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الحج إلى مكة. (انظر المستشرقون للعقيقي 1/228) .(1/4)
أولا: الطعن في نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأساليب شتى، منها: إنكار الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وتكذيبه، والطعن في أخلاقه، والطعن في أزواجه أمهات المؤمنين، وسائر أصحابه.
ثانيا: الطعن في عقيدة أهل السنة والجماعة، ومدح ومناصرة الطوائف المنحرفة مثل الفلاسفة والصوفية والباطنية وغيرهم، وهذا البحث يصب في هذا الموضوع.
ثالثا: الطعن في شريعة الإسلام، وزعمهم أنها غير صالحة للتطبيق.
رابعا: التشكيك في ثبوت السنة النبوية خاصة والتاريخ الإسلامي عامة.
خامسا: الطعن في اللغة العربية ومحولة إحياء اللهجات المحلية والقوميات المختلفة سعياً لإضعاف تمسك المسلمين بالقرآن وتفريق وحدتهم.
سادسا: التبشير بالنصرانية بين المسلمين.
سابعا: أهداف استعمارية تخدم الدول المستعمرة لبلدان المسلمين بأخذ خيراتها، وطمس هويتها والسيطرة عليها.
إن المستعمِر مهما كانت أغراضه المادية فهو يسعى إلى طمس حضارة المستعمَر، لا سيما إذا كانت تلك الحضارة مرتبطة بدين الإسلام الذي يشعر عامة الغربيين بالكره الشديد له.
أضف إلى ذلك رغبة المستعمَر في تبعية المستعمِر، ومن ثم الحرص على تحطيم العامل الذي يمكن أن يقود المسعتمرة إلى الاستقلال.(1/5)
ولا شك أن الإسلام أهم العوامل الدافعة لذلك، حيث إن فيه قوة دافعة للتضحية والجهاد تؤرق أولئك المستعمرين، وقد قال نابليون (1) إبان احتلاله لمصر: (إن أهم العقبات التي تواجه الاحتلال الفرنسي لمصر هي: 1- إنجلترا، 2- الدولة العثمانية. 3- الإسلام وهو أصعبها) (2) .
لذا لا يستغرب وجود تعاون وثيق بين الحكومات المستعمرة وبين كثير من المستشرقين، والذي بلغ أوجه بتوظيف أولئك المستشرقين في وزارات المستعمرات الخارجية والحربية أمثال: هورجنيه، وجوينيبول (3) ، وماسنيون (4) ،
__________
(1) نابليون بونابرت (1769-1824) عسكري فرنسي أصبح إمبراطور فرنسا، غزا مصر سنة 1798 واحتله بعد حرب المماليك، حيث كان يحلم بإمبراطورية الشرق، وبعد انتصارات حربية كثيرة في أوروبا هُزم وقضى السنوات السبع من عمره سجينا. (انظر شخصيات فوق العادة، السيد فرج115-119، دار المعارف بمصر، دطت ) .
(2) الاستشراق بين الموضوعية والافتعال، قاسم السامرائي52 .
(3) حوينيبول (1866-1948) مستشرق هولندي درس القانون واللغة العربية، اهتم بعلمي الحديث والفقه، كان يعمل مستشارا للبريطانيين والأمريكيين في تخطيط سياستهما الموالية لإسرائيل. (انظر الاستشراق إدوارد سعيد 275-276، 307، 321 ، والمستشرقون للعقيقي2/329-330، وموسوعة المستشرقين لبدوي442.)
(4) ماسينيون لويس (1883-1962) مستشرق فرنس، اشترك في مؤتمر المستشرقين في الجزائر سنة (1905) حيث تعرف على قولد زيهر وتتلمذ عليه، استمع إلى دروس الأزهر بالزي الأزهري، وطاف العالم الإسلامي، ورأس تحرير مجلة العالم الإسلامي، وعُين أستاذك كرسي في باريس في الاجتماع الإسلامي، تأثر بالحلاج، وكتب عن التصوف الإسلامي حتى عُد مرجعه في الغرب، تربو آثاره على (650) ما بين كتب ومقالات .(انظر: الاستشراق لإدوارد سعيد 275-276، 307، 321-323. المستشرقون للعقيقي، 1/263-268. والأعلام للزركلي 5/247.)(1/6)
وكولان (1) ، وغيرهم.
... بل إن جل المستشرقين ينظرون إلى الشرق والإسلام نظرة استعلائية، وقد ساق إدوارد سعيد (2) الشواهد العديدة المثبتة لذلك، حيث إن الانطباع عن الشرقي هو أنه لا عقلاني، فاسق، طفولي، بينما الأوروبي عقلاني متحل بالفضائل...الخ (3)
(إن من يتتبع تاريخ الاستشراق في العصر الحديث يتبين له بكل وضوح أن دراسات المستشرقين للإسلام والمسلمين ذات ارتباط وثيق بخدمة الاستعمار ، وخدمة التنصير، وخدمة الحكومات والاستخبارات الغربية في تحقيق مخططاتها وأهدافها الرامية –على المدى القريب والبعيد، بالوسائل الخفية والمعلنة- إلى حرب شاملة ودائمة على الإسلام والمسلمين في مجالات العقيدة والشريعة والثقافة الإسلامية، وأحياناً في ميادين القتال) (4)
__________
(1) كولان (183-1977) مستشرق فرنسي درس اللغات الشرقية في باريس، عمل مدير مدرسة اللغات الشرقية في مراكش، ، وعمل في وزارة الخاجية الفرنسي في المغرب وفرنسا، وفي الاستخبارات، ودرّس في باريس في أماكن متفرقة، له عدة أبحاث ومقالات عن اللغة العربية واللهجات المحلية. (انظر المستشرقون للعقيقي 1/291، وموسوعة المستشرقين لبدوي343. )
(2) إدوارد سعيد مفكر فلسطيني الأصل أمريكي الجنسية، نصراني الديانة، أستاذ بالجامعة الأمريكية، وله كتابه المشهور (الاستشراق) توفي في نهاية رجب 1424هـ .
(3) الاستشراق، إدوارد سعيد، 63-79، ترجمة كمال أبو ديب .
(4) رؤية إسلامية للاستشراق لأحمد غراب173 .(1/7)
وهذا الهدف لم ينته بانتهاء الاستعمار المعلن، بل هو باق مع بقاء الإسلام، ومع بقاء أولئك القوم من أهل الكتاب، ومهما أرضاهم بعض بني جلدتنا بتقديم التنازلات فإنهم لن يقبلوا في النهاية إلا أن نتبع ما هم عليه، كما أخبرنا بذلك ربنا تبارك وتعالى: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَتَهُم ... } (1) ، { ُ ... وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاًَ } (2) .
ولكن هذا الهدف يتشكل حسب طبيعة المعركة فتارة يكون حرباً صليبية، وأخرى جهودا ًحثيثة لردة المسلمين عن دينهم باسم التبشير، وثالثة استعماراً ظاهراً، ورابعة فرض العقوبات والمحاصرة الاقتصادية على من لا يذعن لإرادتهم، وخامسة وضع الحكومات العميلة لتكفيهم ما يودون عمله، وسادسة التدخل باسم حقوق الإنسان، وسابعة التدخل بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل، وثامنة باسم القضاء على الإرهاب، وتاسعة وعاشرة....
وهذا الأمر واضح من مواقف المستشرقين من العودة إلى الإسلام المنتشرة في العالم الإسلامي التي أثارت القلق والهلع في الغرب؛ وذلك لأسباب عديدة، أهمها العداء الصليبي القديم، وأيضاً لأن في قوة المسلمين وعودتهم إلى دينهم تحرُّرُهم من التبعية للغرب، وبالتالي المساس بمصالح البلاد الغربية –على حد قولهم في البلاد الإسلامية.
لذا نجدهم يسخِّرون جهودهم لدراسة الدعوات الإسلامية وتسميتها جميعا (التطرف الإسلامي) لمحاربتها.
__________
(1) البقرة120 .
(2) النساء 78.(1/8)
وما نسمع اليوم ونشاهد في وسائل الإعلام المختلفة من تصريحات كبار الساسة والمثقفين في الغرب أن التطرف الإسلامي هو العدو الأول للغرب بعد تفكك الاتحاد السوفيتي؛ إلا أن أبلغ شاهد على ذلك، ومن ذلك تصريح الأمين العام لحلف الأطلسي (الناتو) حيث وصف ظاهرة التطرف الأصولي في بعض الدول الإسلامية بأكبر خطر فردي تواجهه دول الحلف (1) ، وكذا اجتماع وزراء داخلية دول حلف (الناتو) مع نظرائهم الدول العربية (مصر وتونس والمغرب وموريتانيا) بالإضافة لإسرائيل، بغرض مساعدة هذه الدول في محاربة التطرف الديني (2) .
وهذا ما يدور عليه هننجتون في كتابه صدام الحضارات الذي جعل الحضارة الإسلامية هي العدو الأول للحضارة الغربية، وكتابه هو في الحقيقة تحريض لقادة الغرب على الإسلام (3) .
__________
(1) صحيفة الشرق الأوسط اليومية 17/9/1415هـ ص9.
(2) كان هذا في نهاية رمضان 1415هـ، (انظر صحيفة الشرق الأوسط 25/9/1415هـ الصفحة الأولى، ومقالة لفهمي هويدي بنفس الصحيفة بتاريخ 14/9/1415هـ، ص9 بعنوان (دوافع مواجهة حلف الأطلسي للأصولية الإسلامية المتطرفة في دول الشرق الأوسط).
(3) انظر كتاب صدام الحضارات ، صمويل هننجتون، ترجمة طلعت الشايب، شركة سطور، القاهرة، الطبعة الثانية، 1999م.(1/9)
وأيضا تخصيص الكونجرس الأمريكي ملايين الدولارات للدراسات عن الأصولية الإسلامية في البلاد الإسلامية (1) مما أسهم في إخراج بعض الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها كتاب (الأصولية في العالم العربي) لكمجيان (2) الذي درس فيه بواعث الحركات الإسلامية، وتاريخها ، وحجمها خاصة في مصر والعراق وسوريا والسعودية ودول الخليج، وأخيرا وضع توقعاته المستقبلية، وفي الكتاب ملحق لجدول (91) جماعة إسلامية في العالم صنفها بحسب معتقداتها ودرجة جهاديتها، ومعلومات عن عضويتها وقياداتها وحجمها وبلدها وروابطها الخارجية (3)
كما خرجت توصيات عديدة من المستشرقين الخبراء للحكومة الأمريكية لمحاربة الحركات الإسلامية، منها على سبيل المثال:
__________
(1) أعرف طالبا درس في الولايات المتحدة، ولما رأى المشرف عليه أن له اتجاهات دينية طلب منه دراسة (علاقة العنف السياسي الرسمي بالعنف الشعبي، حالة دراسية للحركات الإسلامية في مصر) وأنه سيموله بمبالغ طائلة لدراسة هذا الموضوع، واعتذر الطالب أول الأمر ثم بعد عدم الموافقة على موضوعات أخرى، وذهاب المدة، وتشجيعهم له، وتحمل النفقات عنه، وافق على الموضوع، وزودوه بكل ما يطلب ومنها مساعدته في دخوله للمعتقلات في بعض الدول العربية لتحقيق الدراسة.
(2) ريتشارد كمجيان مستشرق نصراني أرمني ولد سنة 1933م في حلب ونشأ بها، هجر إلى أمريكا وتجنس بجنسيتها، وعمل أستاذا للعلوم السياسية بجامعة نيويورك، ومحاضرا ومستشارا في وزارة الخارجية، له كتاب الأصولية قدمه في الأصل كتقرير للحكومة الأمريكية كتب فيه عن خطر الصحوة الإسلامية وكيفية تحجيمها. (انظر رؤية إسلامية للاستشراق لغراب152).
(3) الأصولية في العالم العربي، ريتشارد كمجيان 247-265، ترجمة وتعليق عبد الوارث سعيد، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة 1409هـ-1989م.(1/10)
- يوصي كمجيان بإيجاد بديل إسلامي قادر على الحياة ليحل محل الأصولية النضالية، كما ينصح الحكام العرب بالقضاء على الأصولية بالإصلاح الشامل، والاعتدال في استخدام القوة (1) .
- يوصي إيلتس (2) بإعداد دراسة الخطط في إثارة الشقاق بين الجماعات الإسلامية (3) .
- كما يوصي بابيس (4) بتخفيض الروابط الأمريكية المعلنة بالحكومات (الموالية لأمريكا)، ولا سيما في البلدان التي تكون فيها حركات (إسلامية) متعصبة وقوية، فهنا لا بد من إقامة تعاون سري بدلاً من الروابط المعلنة الواضحة، وينصح بعدم تقديم المساعدة للمتعصبين (الإسلاميين) في صفوف المعارضة، مع التسليم بأن اتصال الولايات المتحدة بهم يساعد على فهم وجهات نظرهم ورصد نفوذهم، إلا أنه يجب ألا تمد يد المساعدة إليهم (5) .
وقد عقد مؤتمر عن الأصولية في قسم اللاهوت بجامعة شيكاغو في منتصف مارس 1993م، واستمر ثلاثة أيام، وكان من أهم نتائجه إنشاء بنك معلومات حول الأصولية وحركاتها، وقد طبع ثلاثة مجلدات في هذا الموضوع (6) .
__________
(1) رؤية إسلامية للاستشراق لغراب 164-165.
(2) هرمان إيليس مستشرق أمريكي دبلوماسي خطير عمل في المخابرات الأمريكية، ثم تولى مناصب دبلوماسية متعددة في عدد من المدن العربية منها الرياض وجدة. (انظر رؤية إسلامية للاستشراق لغراب153).
(3) رؤية إسلامية للاستشراق لغراب168.
(4) دانيل بابيس مستشرق أمريكي سياسي عمل وثيقة هامة لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفرد بعنوان: (المسلمون المتعصبون وسياسة الولايات المتحدة)، ويقدم فيها توصياته للحكومة الأمريكية بشأن التعامل مع الشرق الأوسط. (انظر رؤية إسلامية للاستشراق لغراب 164-165)
(5) رؤية إسلامية للاستشراق لغراب 168.
(6) مقال بعنوان الأصولية والسياسة العامة تشكيل العالم الحديث في مؤتمر بجامعة شيكاغو، مجلة المجتمع الكويتية العدد 1048 بتاريخ 13/11/1413هـ ص29.(1/11)
ثامنا: أهداف تجارية لتسويق بضائعهم وتشغيل شركاتهم، وتوظيف خبرائهم، وقد ظهر هذا الهدف جليا في احتلال العراق، كما كانت المؤسسات والشركات الكبرى تدفع المال الوفير من أجل الحصول على معلومات عن العالم الإسلامي.
تاسعا: أهداف علمية متجردة وهذا لا ينكر؛ ولكنه لا يوجد إلا في أقل القليل منهم، ويعد أمرا ً فردياً خارجاً عن منظومة المؤسسات الاستشراقية التي لا ترضى ذلك، كما لا يرضاه الحكام السياسيون وتأباه المؤسسات الدينية عندهم.
ومن أمثلة هؤلاء: المستشرق الفرنسي دينيه الذي عاش في الجزائر وأسلم حين علم الحق.
وموريس بوكاي (1) الذي أعلن إسلامه بعد تبين موافقة القرآن مع العلم الحديث، على كثرة الموضوعات العلمية فيه، وظهور تناقض كتب اليهود والنصارى مع العلم أن موضوعاته فيها قليلة.
ومحمد أسد (2) المستشرق النمساوي الذي أسلم وألف كتابه الشهير (الإسلام على مفترق الطرق) وكتابه الآخر (الطريق إلى مكة)
ومراد هوفمان (3) السفير الألماني في المغرب، الذي أسلم بعد معرفة الإسلام وكتب كتابه (الإسلام كبديل).
والسفير الإيطالي في الرياض الذي أسلم سنة 1422هـ بعدما تأثر بالعقيدة الإسلامية الصحيحة والشعائر الإسلامية.
__________
(1) موريس بوكاي، طبيب فرنسي معاصر أسلم بعد ما تبين الحق له من خلال مقارنة التوراة والإنجيل الموجودة اليوم والقرآن، مع العلم الحديث، وألف كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم) وخرج بنتيجة تناقض كتب التوراة والإنجيل مع العلم الحديث، وعدم معارضة القرآن لهذا العلم .
(2) ليوبولد فايس، مستشرق نمساوي ولد في ليفو سنة 1900م عملا مراسلا صحفياً في الشرق الأوسط، أسلم بعد دراسة مستفيضة للإسلام.
(3) مراد هوفمان سياسي ألماني تولى سفارة بلده بالمغرب واعتنق الإسلام بعد دراسة واطلاع. (انظر مقدمة كتاب الإسلام كبديل نشر مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام، ومجلة النور الكويتية، الطبعة الأولى 1413هـ - 1993م).(1/12)
كما لا ينكر جهود بعض المستشرقين وإسهامهم العلمي –أيا كانت أهدافهم- ومن ذلك الكتب والمعاجم والموسوعات التي أخرجوها، والكتب التي حققوها، وكانت مفيدة للمسلمين، وعلى سبيل المثال:
- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الذي أخرجته جماعة من المستشرقين وعل رأسهم فنسنك.
- مفتاح كنوز السنة لفنسنك أيضاً، وقد قام بنشره باللغة العربية محمد فؤاد عبد الباقي، وقدم له رشيد رضا وأحمد محمد شاكر (1) .
كما كانت لهم جهودٌ لا تنسى في كشف المخطوطات، وحفظها، وفهرستها والعناية بها، ويوجد في مكتبات أوروبا عشرات الآلاف من المخطوطات الإسلامية (2) ، وفي مكتبة باريس الوطنية وحدها سبعة آلاف مخطوط عربي بينها نفائس علمية وأدبية وتاريخية ونوادر قلما توجد في غيرها (3) .
المبحث الثاني: تعريف بدائرة المعارف الإسلامية:
تعد دائرة المعارف الإسلامية أهم مؤلف استشراقي على الإطلاق وهذا يرجع لأسباب متعددة منها: العدد الكبير من أساطين المستشرقين المساهمين فيها، وكبر حجمها، وتنوع المعارف فيها، واستمرارية إخراجها، وتعدد لغاتها، حيث خرجت بالإنجليزية والفرنسية والألمانية، وترجمت إلى العربية والأردية والتركية وغير ذلك، وتعد بحق خلاصة الفكر الاستشراقي لذا لا يستغني عنها أي باحث في علم الاستشراق.
__________
(1) من المعلوم أن هذه الكتابين ألفهما المستشرقون لتسهيل الرجوع للأحاديث النبوية لخدمة أهدافهم الخاصة، لا لخدمة الإسلام، وهذا معلوم من سيرة المؤلف.
(2) المخطوطات الإسلامية وصلت للغرب عن طريقين في الغالب، الأول: المستشرقون الرحالة الباحثون عنها، ومن ثم شراؤها، والكلام هنا عنهم، والثاني: سرقة تلك المخطوطات أيام الاستعمار، ونقلها للغرب.
(3) المستشرقون للعقيقي 1/142.(1/13)
وقد شعر المستشرقون في مؤتمراتهم الدولية بالحاجة إلى دائرة معارف لأعلام العرب والإسلام لكي تجمع شتات دراساتهم عنهم باللغات الثلاث الألمانية والإنجليزية والفرنسية، فدعوا إليها في سنة 1895م وكلفوا هوتسما (1) بإنشائها ومطبعة ليدن بإصدارها، واستعين بالمجامع ومؤسسات نشر العلم في أوروبا قاطبة للإنفاق عليها (2) .
__________
(1) هوتسما: مستشرق هولندي (1851م – 1943م) تخرج باللغات العربية والفارسية والتركية في جامعة أوترخت، وعلّمها فيها، حصل على الدكتوراه من ليدن على رسالته (النزاع حول العقيدة في الإسلام) وانتخب عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق، (انظر الأعلام للزركلي 5/252، المستشرقون للعقيقي 2/315، وموسوعة المستشرقين لبدوي 428-429)، حرر في الدائرة عدة مواد منها (القاديانية، والسلاجقة).
(2) المستشرقون للعقيقي 3/371.(1/14)
بدأ تأليفها سنة 1906م ومن أوائل من بادر بها هوتسما، وحرر الدراسات المتعلقة بالخلافة العثمانية وفارس والهند الهولندية (1) ، ثم حل محله فيما بعد فنسنك (2) عام 1924م، وتولى تحرير النسخة الألمانية شادة (3) ، وهارتمان (4) ،
__________
(1) المستعمرات الهولندية في جنوب شرق آسيا كإندونيسيا وماليزيا وغيرها.
(2) فنسنك: مستشرق هولندي (1882م – 1939م) من أشهر المستشرقين وأكثرهم إنتاجاً، تعلم اللغة العربية وأصبح أستاذاً في جامعة ليدن، ألف معجماً للحديث النبوي وترجمه محمد فؤاد عبدالباقي وسماه (مفتاح كنوز السنة) ووضع بمساعدة غيره المعجم المفهرس للحديث النبوي ، (انظر الأعلام للزركلي 1/289، المستشرقون للعقيقي 2/319-320، وموسوعة المستشرقين للبدوي 289-290)، وهو من أكثر المستشرقين كتابة في الدائرة، حرر 75 مادة متنوعة، وفي كثير من كتاباته يرجع الشريعة الإسلامية إلى مصادر يهودية ونصرانية.
(3) شادة: مستشرق ألماني (1883م – 1952م) درس اللغات الشرقية وعين أستاذاً في جامعة هامبورج وفي الجامعة المصرية، ثم مديراً لدار الكتب المصرية بالقاهرة، من آثاره: كتاب الشريعة الإسلامية، (انظر المستشرقون للعقيقي 2/448 – 449، 3/371)، وحرر 32 مادة في الدائرة في الطبعة الأولى أغلبها في اللغة والأدب.
(4) هارتمان: مستشرق ألماني (1881م – 1965م) درس العربية وتعين أستاذاً لها في جامعة برلين، ومديراً لمعهد اللغات الشرقية ببرلين، وانتخب عضواً في مجامع كثيرة منها المجمع العلمي العربي بدمشق، له آثار كثيرة منها: تفسير القرآن، ودراسات عن البدو وعن الوهابيين، (انظر المستشرقون للعقيقي 2/445-446)، حرر في الطبعة الأولى 37 مادة لمواقع جغرافية في آسيا، ووصف العقيدة الإسلامية بالتشدد، وطعن في دعاة الإسلام..(1/15)
وبوبير (1) ، وتولى تحرير النسخة الفرنسية رينيه باسة (2) ، وأشرف أيضاً على جميع الأبحاث المتعلقة بشمال أفريقيا،
ثم خلفه ابنه هنري (3) .
__________
(1) بوبير: لم أجد له ترجمة، ووجدت ترجمة لمستشرق ألماني باسم سالمون بوبير نشر رسالتين فيما وراء الطبيعة للبهلواني ولم أجد له سوى ذلك، (انظر المستشرقون للعقيقي 2/360).
(2) رينيه باسيه: مستشرق فرنسي (1855م – 1924م) تخرج من مدرسة اللغات الشرقية بباريس، وأسند إليه تدريس العربية بمدرسة الآداب العليا بالجزائر ودرس فيها أيضاً الحبشية والتركية والبربرية، كتب في مجلات استشراقية عديدة، ورأس مؤتمر المستشرقين في الجزائر سنة 1905م، عينته وزارة الخارجية قنصلاً لها في الجزائر وانتخب عضواً في مجامع كثيرة، وله آثار بالعربية والبربرية والحبشية، كتب عن المسلمين في الصين والشعر العربي قبل الإسلام، (انظر المستشرقون للعقيقي 1/218، 3/371)، حرر في الدائرة في الطبعة الأولى والثانية 25 مادة عن الغرب العربي والبربري و المرابطين والصوفية، وقد ذم مذهب الإمام مالك ووصفه بالتشدد.
(3) هنري باسيه: مستشرق فرنسي (1893م – 1926م) تخصص بدراسة المسلمين تاريخاً وأدباً واجتماعاً، عين مديراً لمعهد الدراسات العليا بالرباط، تحدث عن الغرب وخاصة الآثار، (انظر المستشرقون للعقيقي 1/289، مستشرقون لنذير حمدان 120) لم أجد له كتابات في الدائرة ولعله أشرف من غير أن يكتب، ووجدت له خارجها كتابا وفيه (الرجل المطرود من قبيلته على أثر خطأ أو جرم يجد نفسه في وضعية بائسة، وهذه كانت حالة محمد في فترة ما)، انظر الإسلام: هنري باسيه 24-25 ترجمة بهيج شعبان إصدار عويدات بيروت د. ط.ت.(1/16)
وتولى تحرير النسخة الإنجليزية أرنولد (1) فأشرف على جميع الدراسات المتعلقة بالبلاد
المتصلة ببريطانيا ما عدا مصر (2) .
ثم عهد بالمقالات المختلفة في كل موضوع من موضوعاتها إلى مستشرقين آخرين يوقعون على ما يكتبون.
__________
(1) أرنولد توماس: مستشرق ومؤرخ إنجليزي مشهور (1864م – 1930م) تعلم في بريطانيا، ودرس في عليكره في الهند، ثم في بريطانيا أستاذاً في تدريس الدراسات العربية في مدرسة اللغات الشرقية، في لندن ثم عميداً لها إلى وفاته، لم تظهر في كتاباته التعصب له كتابه المشهور (الدعوة إلى الإسلام) وترجم إلى عدة لغات أظهر فيه إعجابه بالإسلام، (انظر الأعلام للزركلي 2/94، والمستشرقون للعقيقي 2/84، ومستشرقون لنذير حمدان 120)، حرر في الدائرة في الطبعة الأولى 13 مادة متنوعة.
(2) المستشرقون للعقيقي 3/371.(1/17)
وأصيب نشاط لجنة الدائرة بعد الحرب العالمية الثانية بشيء من الاضطراب وقضي على بعض أعضائها في ساحاتها، ثم استأنفت من بعد نشاطاتها بإشراف كرامرز (1) ، وجب (2) ،
__________
(1) كرامرز: مستشرق هولندي (1891م – 1951م) عمل ترجمان للسفارة الهولندية في الآستانة، وعين أستاذا للتركية والفارسية في جامعة ليدن، ثم خلف فنسنك على كرسي العربية فيها، له بعض الكتب والمقالات في التاريخ والجغرافيا والشريعة، (انظر المستشرقون للعقيقي 2/321)، حرر في الطبعة الأولى من الدائرة 57 مادة جغرافية وتاريخية ولا يظهر من كتاباته التعصب؛ بل اتهم المصادر الأوروبية بعدم الإنصاف في تاريخ العثمانيين، انظر الدائرة الأولى 12/152 سليمان القانوني.
(2) هاملتون جب: من أكبر مستشرقي إنجلترا في وقته، (1895م – 1971م)، ولد في الإسكندرية وتعلم في إنجلترا، وترحل في الدول العربية، عمل أستاذا للعربية في اكسفورد، ثم هارفارد الأمريكية، عين عضواً بالمجمع اللغوي المصري وعضواً في المجمع العربي بدمشق وبغداد، كتاباته في غاية الخطورة، حيث كتب في التاريخ الإسلامي والمذاهب الإسلامية، وحاول أن يرد كل تقدم في الإسلام إلى المسيحية، كما حاول أن يرد الأدب العربي إلى الثقافة اليونانية، (انظر موسوعة المستشرقين لبدوي 105-106، المستشرقون للعقيقي 2/129-130، 3/372)، من أكثر المستشرقين كتابة في الدائرة حيث حرر في الطبعة الثانية 170 مادة أغلبها تراجم متنوعة وقد كتب متنقصاً لأبي عبيدة رضي الله تعالى عنه..(1/18)
وليفي بروفنسال (1) ، بنشر طبعة جديدة منقحة سنة 1945م ثم اجتمعت في روما سنة 1956م وقبلت استقالة جب، فأصبحت لجنة التحرير مكونة
__________
(1) ليفي بروفنسال: مستشرق يهودي فرنسي (1894م – 1956م) ولد في الجزائر وتخرج في كلية الآداب فيها، اشترك في الحرب وعين ضابطاً في الشئون الإسلامية بالمغرب ثم أستاذاً بمعهد الدراسات العليا بالرباط، ثم مديراً له، نال الدكتوراه في لغة قبائل شمال المغرب، كلفته حكومته بمهام بين لندن والقاهرة والقدس ودمشق، كان كثير الاشتغال بالمخطوطات العربية، كوفئ على جهوده في الحرب والاستشراق بأوسمة عديدة، وعضوية مجمعات عدة منها المجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع اللغوي بالقاهرة، (انظر الأعلام للزركلي 2/35، والمستشرقون للعقيقي 1/293-300)، حرر في الدائرة 68 مادة في كلا الطبعتين عن المغرب العربي وأسبانيا ولا يظهر من كتاباته التعصب.(1/19)
من شاخت (1) وشار بيلا (2) ، وبرنارد لويس (3) ثم عقد بعد ذلك دورات تتغير فيها اللجان مع بقاء الهدف.
__________
(1) يوسف شاخت: مستشرق يهودي ألماني (1902م – 1969م)، تخرج في جامعتي برسلاوا وليبزيج وعين أستاذا في جامعة فرابورج، ثم الجامعة المصرية، ثم درس في الجزائر، وتجنس بالبريطانية، ودرس في قسم الدراسات الإسلامية بإكسفورد، ثم ليدن، ثم كولمبيا بأمريكا إلى وفاته، انتخب في مجامع عدة منها المجمع العلمي بدمشق، اشتهر بدراسة التشريع في الإسلام، (انظر الأعلام للزركلي 8/234، والمستشرقون للعقيقي 2/469-471)، حرر في الطبعة الثانية من الدائرة 32 مادة عن الشريعة، مليئة بالتعصب والحقد، وهو من أكثر الكتاب المشككين في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اتهمه بعدم العدل في توزيع الأموال، وأن الزكاة عرفها النبي صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة، كما هاجم كثيراً من فقهاء المسلمين، كالشافعي، والحنابلة، وابن تيمية، وابن القيم، وهاجم دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
(2) شار بلا: مستشرق فرنسي ولد في الجزائر 1914م، درس اللغة العربية والبربرية في الجزائر ثم دكتوراه الآداب من باريس، تقلد عدة مناصب علمية في مراكش، ثم السربون، ثم مديراً لقسم الدراسات الإسلامية في باريس، له آثار تقارب الأربعمائة في المجلات العلمية ودائرة المعارف، (انظر المستشرقون للعقيقي 1/353-357) حرر في الطبعة الثانية من الدائرة 46 مادة غالبها عن الأدب.
(3) برنارد لويس: مستشرق إنجليزي ولد في سنة 1916م، درس الدراسات الشرقية بلندن، ثم درس بجامعاتها، وهو عضو في كثير من الجمعيات، والجامعات الأوروبية المعنية بالدراسات الشرقية، له كتابات عدة عن الإسلام، (انظر المستشرقون للعقيقي 2/143-145، 3/372)، حرر في الدائرة في الطبعة الثانية 35 مادة غالبها عن الشام ولم أجد له فيها ما يدل على التعصب أو ضده.(1/20)
وكانت مؤسسة روكفلر منحتها 45 ألف دولار لاستكمالها سنة 1962م.
فالطبعة الأولى صدرت خلال الأعوام 1913م – 1938م باللغات الثلاث، والثانية بالإنجليزية والفرنسية فقط 1945م 1977م (1) .
وقد عربت دائرة المعارف في ثلاث إصدارات (2) هي:
1- الإصدار الأول: وهو ترجمة للطبعة الأولى، وقد بدأ إخراجها في سنة 1933م في خمسة عشر مجلداً، كل مجلد يقارب خمسمائة صفحة اشتملت على مواد من حرف الألف حتى أجزاء من حرف العين، وبالتحديد انتهت بمادة (عارفي باشا) وطبعتها دار الفكر بالقاهرة.
2- الإصدار الثاني: وقد بدأ إخراجها في سنة 1969م في ستة عشر مجلداً كل مجلد يقارب ستمائة صفحة، واشتملت من حرف الألف وحتى أجزاء من حرف الخاء، وانتهت بمادة (خدا بخش) وهي مشتملة على ما وجد في الطبعة الأولى ورمزوا للمواد المضافة في الطبعة الثانية بالرمز (+).
وقد بلغ عدد كتاب الدائرة في كلا الإصدارين 486 كاتباً، حرروا 3930 مادة، وقد جعلت لكل مادة رمزاً مستقلاً نظراً لاختلاف المواد والكتاب في دائرة المعارف.
وقد علق المترجمون وبعض الفضلاء على كلا الطبعتين تعليقات مفيدة، وتنبيهاً على بعض الأخطاء، وبقي كثير من الملاحظات التي لم يعلق عليها، أو علق عليها تعليقات غير كافية.
3- الإصدار الثالث: أصدره مركز الشارقة للإبداع الفكري سنة 1418هـ 1998م، بالتعاون مع هيئة الكتاب المصرية وفي هذا الإصدار تم عمل الآتي:
__________
(1) المستشرقون للعقيقي 3/372.
(2) عند النقل من الدائرة يكتب في الهامش: الدائرة ثم رقم الإصدار ثم الجزء ثم الصفحة ثم المادة ثم الكاتب.(1/21)
1- الاعتماد على الإصدارين الأولين المترجمين بما فيهما من تعليقات مع اختصار كثير من المواد، والمعلومات، والتعليقات الأقل أهمية، أو لكونها غير لائقة للقرآن الكريم أو لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بقي ملاحظات كثيرة لم تحذف وقد أخذت 22 مجلداً كل مجلد قرابة 330 صفحة، وربما أضيفت معلومات جديدة لمادة موجودة في مكان آخر. (1)
تمت ترجمة ما بقي من الدائرة من حرف العين إلى حرف الياء مع اختصار لكثير من المواد الأقل أهمية، مع إضافة بعض التعليقات الجديدة، وقد بلغت 10 مجلدات فأصبح المجموع 32 مجلداً.
المبحث الثالث: الفلاسفة:
نجد في الدائرة ذكر الفلاسفة والدفاع عنهم رغم تكفير علماء المسلمين لهم بسبب مخالفتهم الصريحة لبعض الأصول القطعية عند المسلمين، بل تجاوز الأمر إلى مدحهم وتمجيدهم، ولعل سبب ذلك جهودهم الحثيثة لنقل الفلسفة اليونانية إلى الفكر الإسلامي، مما ترتب عليه إفساد عقائد كثير من المسلمين.
ومن أمثلة ذلك:
__________
(1) مثال ذلك أبو العلاء المعري الموجود ترجمته في الإصدار الثالث في نفس ترتيبها 2/374-380 ثم أضيفت مادة جديدة ((المعري)) 30/9443-9449، وربما أراد أن الموضع الثاني أنسب وليس الأمر سهوا بدليل إشارتهم إلى ذلك في الهامش، وفي تقديري أن المادتين يجب أن تكونا في موضع واحد تسهيلا للقارئ. .(1/22)
ما جاء في مادة فلاسفة مدح الفارابي (1) عند الحديث عن سيف الدولة الحمداني: "وكان يحيط نفسه بالشعراء والعلماء، وأشهرهم الشاعر المتشكك المتنبي مداحه، ثم مداح كافور من بعده، وكان من جلسائه أيضاً الفارابي ذلك الفيلسوف والموسيقي العظيم الذي توفي وهو يصحبه في رحلة إلى دمشق، وقد أهدى إليه صاحب الأغاني نسخة من هذا الكتاب الجليل التي كتبها بخطه" (2) .
وعند الحديث عن ابن سينا (3) الذي أفرد له ثماني صفحات نجد أنه لم يذكر خلالها مخالفة معتقده للقرآن ولما يدين به أهل الإسلام، والإشارة الوحيدة لنقده صيغت في سياق المدح، وهي: "ولا نستطيع أن نفصل القول هنا في آراء ابن سينا التي لا يزال يرجع إليها في الأوساط الدينية والفلسفية والطبية في الشرق إلى اليوم رغم ما وجهه الغزالي إلى بعض أجزائها من المطاعن، ولكن نكتفي هنا بإجمالها والإشارة إلى مميزاتها"، ثم أخذ يسرد مميزات فلسفته وعلومه؛ بل قال عنه في افتتاحية ترجمته: "كان يعد طوال عدة قرون – ولا يزال يعد في بلاد الشرق الإسلامي – إمام العلوم كلها (الشيخ الرئيس)" (4) .
__________
(1) أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان الفارابي 260-339، ويعرف بالمعلم الثاني، موسيقي وفيلسوف مشهور، له مقالات فلسفية كفرية مخالفة لما علم ضرورة من الكتاب والسنة. انظر ترجمته في البداية والنهاية لابن كثير 11/224.
(2) الدائرة الأولى 12/478، سيف الدولة الحمداني، كارده فو.
(3) الحسين بن عبدالله بن سينا الملقب بالشيخ الرئيس 370-428، كان عالماً بالطب، ولكن له من المقالات الفلسفية الباطنية المخالفة لمسلمات المسلمين وما جاء في القرآن والسنة مما كفره بها علماء السنة انظر ترجمته في البداية والنهاية لابن كثير 12/42.
(4) الدائرة الثانية 1/318-319، ابن سينا، ده بور، والأسوأ من ذلك أن أحد المعلقين وهو محمد ثابت أفندي علق على ترجمته بما يعادل الترجمة ذاتها أطنب في فلسفته، ولم يشر إلى زندقته.(1/23)
قلت لابد من الإشارة إلى سعة علمه في الطب، وذكائه، ولكن فلسفته لم تبن على الكتاب والسنة، وإنما كان متأثراً بالفلسفة اليونانية.
ونظرية الفيض التي يؤمن بها مخالفة لعقيدة القرآن، ذلك أنها تسلب إرادة الخالق، كما أنها أدت إلى القول بقدم العالم، وخلود الأنفس، وإنكار الحشر الجسماني، وأن ما ذكره الرسل في ذلك إنما هو من باب التخييل لا الحقيقة (1) .
إن الفارابي وابن سينا وغيرهم من الفلاسفة المخالفين للقرآن في مسائل أساسية كفرهم من أجل بعضها الغزالي وابن تيمية وغيرهم، ومن ذلك قولهم: إن المعاد لا يكون بالأجسام، والقول بقدم العالم، ونفي علم الله بالجزئيات، وما انفرد به الفارابي من تقديم الفيلسوف على النبي (2) ، وما قرره ابن سينا من كذب الرسل على الناس بما خيلت به عن الله وملائكته واليوم الآخر (3) .
قال ابن كثير (4) في ترجمته للفارابي: (ويخص بالمعاد الأرواح، العالمة لا الجاهلة، وله مذاهب في ذلك يخالف المسلمين والفلاسفة من سلفه الأقدمين، فعليه إن كان مات على ذلك لعنة رب العالمين، ولم أر الحافظ ابن عساكر ذكره في تاريخه لنتنه وقباحته والله أعلم) (5) .
وكان له دور بارز في إفساد هذه العقيدة في نفوس من تأثر بها وخالفوا القرآن الكريم والسنة النبوية، لا سيما في قولهم بقدم العالم وإنكار حشر الأجساد، وإنكار علم الله وسائر صفاته، فأي مفخرة للإسلام بمن يناقض كتابه؟!
__________
(1) الرسالة الأضحوية في أمر المعاد، ابن سينا الحسين بن عبدالله 44-48، تحقيق د. سليمان دنيا، دار الفكر العربي، القاهرة، 1368هـ - 1949م.
(2) آراء أهل المدينة الفاضلة للفارابي 8 مطبعة حجازي بمصر، الطبعة الثانية 1368هـ 1949م.
(3) الرسالة الأضحوية 44-48.
(4) إسماعيل بن كثير الدمشقي 701-774هـ الحافظ العلامة المؤرخ المفسر الفقيه (انظر تذكرة الحفاظ تذييل المحاسني 5/57-59).
(5) البداية والنهاية 11/224.(1/24)
وأخيرا فإن الفلسفة فكر دخيل على العقيدة الإسلامية، باعتراف الدائرة نفسها، (والخلاصة أن الفلسفة الإسلامية كانت تركز تأملاتها في تراث اليونان، ولم تكن في بداياتها من قبيل الدفاع عن العقيدة مع استخدام الفلسفة العلنية لشرح هذه العقيدة وتبريرها) (1) .
المبحث الرابع: فلاسفة التصوف القائلون بالاتحاد ووحدة الوجود والحلول:
جاء في الدائرة تمجيد للقائلين بتلك المقولات، ومحاولة الدفاع عنهم، وذم منتقديهم، فقد جاء في ترجمة ابن تيمية: "وطعن كذلك على الرجال الذين يعدون حجة في الإسلام، كما هاجم محيي الدين بن عربي، وعمر بن الفارض، والصوفية بوجه عام" (2) .
كما جاء في ترجمة ابن عربي (3) : "أما فيما يختص بالعقائد الدينية فقد كان باطنياً، وابن عربي مع قيامه بفرائض الإسلام وتمسكه بعقائده، كان رائده الوحيد هو ذلك النور الباطني الذي أفاضه الله عليه على ما كان يعتقد، وذهب ابن عربي إلى أن الوجود كله واحد، وأنه ليس مظهراً إلا للذات الإلهية، وعلى ذلك فالأديان كانت في نظره متكافئة" (4) .
__________
(1) الدائرة الثالثة 25/7916، فلسفة، أرنالديز.
(2) الدائرة الثانية 1/234، ابن تيمية، محمد بن شنب.
(3) محمد بن علي بن عربي الطائي الأندلسي 560- - 638هـ فيلسوف من أئمة المتكلمين القائلين بوحدة الوجود، تزهد وعمل الخلوات، وله التصانيف العديدة منها الفصوص، قال الذهبي (فإن كان لا كفر فيه، فما في الدنيا كفر)، (انظر: سير أعلام النبلاء 23/48-49).
(4) الدائرة الثانية 1/344، ابن عربي، فاير.(1/25)
وجاء عن الحلاج (1) في الدائرة ترجمتان: الأولى في الطبعة الأولى لماسنيون، وجاءت في صفحتين (2) ولا يظهر فيها التحيز الموجود في الترجمة الثانية التي كتبها كارديه، وخير ما في الترجمة الثانية إعادة لما كتبه ماسنيون مع بعض التغيير، حيث أن ماسنيون كتب بعد سرد لسيرة الحلاج ما نصه تحت عنوان: "مذهب الحلاجية:
1- في الفقه: يمكن الاستعاضة عن الفرائض الخمس بشعائر أخرى بما في ذلك الحج (إسقاط الوسائط).
2- في علم الكلام: تنزيه الله عن حدود الخلق (الطول والعرض) وجود روح ناطقة غير مخلوقة تتحد مع روح الزائر المخلوقة (حلول اللاهوت مع الناسوت) يصبح الولي الدليل الذاتي الحي على الله (هو هو) ومن ثم القول (أنا الحق) (انظر الطواسين).
3- في التصوف: الاتحاد التام مع الإرادة الإلهية (عين الجمع) عن طريق الشوق والاستسلام للألم والمعاناة، أما الذكر الذي ينسبه الشيخ السنوسي إلى الحلاجية فمن الأمور المستحدثة، وقلَّ بين المسلمين من ثار حوله جدل كما ثار حول الحلاج، وذلك أن الرأي العام وضعه موضع التقديس والولاية على الرغم من إجماع القضاة على تكفيره" (3) ، ثم سرد آراء الفقهاء والمتكلمين والصوفية ثم العلماء الأوروبيين الذين انتقدوه، وتباينت مواقفهم بين من اتهمه بالكفر، أو النصرانية في سريرته، أو بالتناقض أو بالمرض العصبي (4) .
__________
(1) الحسين بن منصور الحلاج كان جده مجوسياً، تصوف ودخل بغداد وتردد إلى مكة، صدر منه عبارات كثيرة في الحلول دالة على كفره فقتل سنة 309هـ، انظر: البداية والنهاية 11/132-134.
(2) الدائرة الأولى 8/17-19، الحلاج، ماسنيون.
(3) الدائرة الأولى 8/17-18 الحلاج، ماسنيون.
(4) الدائرة الأولى 8/17-19 الحلاج، ماسنيون.(1/26)
بينما تجد أن كارديه (1) في الطبعة الثانية ترجم للحلاج في اثنتي عشرة صفحة تصوره مظلوماً مفترى عليه تدبر عليه الحيل والمكائد وهو ماض في الإصلاح، حتى انتهى الأمر إلى قتله الذي كان الدافع له كما قال: "وكانت مطالب الحلاج بالإصلاح الروحي، وأثره في الناس، مصدر إزعاج لكثير ممن كانوا في السلطة" (2) .
كما يدافع عن اتهامه بالحلول بأنه لم يفهم كما أراد الحلاج، وإنما دخل ذلك في التهم التي حوكم من أجلها، والحلول عنده ليس التجسيد، أو اتحاد المادة، إنما "حلول الحلاج بأجلى معانيه يجب أن يفهم على أنه اتحاد كامل مراد في الحب" (3) .
ثم يسرد بالنص كلام ماسنيون السابق مع عدم التصريح بنقل النص السابق منه مع بعض التغيير فهو يضع مذهب الحلاج تحت النقاط التي دار حولها الجدل، وساق إجماع القضاة بأسلوب آخر: "وعلى الرغم من إجماع القضاة الذين أدانوه فإننا نجد له متعصبين من الحكماء، وعامة الناس"، ثم سرد ما ذكره ماسنيون من اختلاف الآراء فيه (4) ، كما ينتقد آراء بعض المفكرين الغربيين الذين ذموا الحلاج ويصف تلك الآراء بالسطحية، ويختم مبحثه عنه بقوله : "لكن البحوث الدقيقة المتميزة التي أجراها ماسنيون أعادت هذه الشخصية الفذة إلى مكانها الصحيح في بيئتها، وفي تطور الفكر الإسلامي .. إن شهرة الحلاج قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة العالمية" (5) .
__________
(1) كارديه أو{جارديه} لويس مستشرق فرنسي ولد سنة 1904م ودرس الفلسفة ، وتأثر بالمفكرين الكاثوليك، وأحب الثقافة العربية ومدحها، ألقى المحاضرات في الجامعات الأوروبية والعربية، وله مقالات متنوعة في المجلات المختلفة عن التصوف وعن الإسلام. انظر المستشرقون للعقيقي3/280-281.
(2) الدائرة الثانية 15/362، الحلاج، كارديه.
(3) الدائرة الثانية 15/364، الحلاج، كارديه.
(4) الدائرة الثانية 15/366-367، الحلاج، كارديه.
(5) الدائرة الثانية 15/368، الحلاج، كارديه.(1/27)
وتحرص الدائرة على تزكية الفلاسفة المنحرفين بوجه عام والثناء عليهم في مواطن كثيرة، وبغض الطرف عن انحرافاتهم، وتصف خصومهم بالتشدد والظلم وتقصد بذلك في الغالب أئمة أهل السنة والجماعة التي تشوه سيرهم.
إن الميزان الواجب اتباعه عند المسلمين هو الوحي الإلهي الذي جاء في الكتاب والسنة: { وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ } (1) .
وهما الحكمان اللذان يجب الرجوع إليهما عند التنازع: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (2) .
وهذا الميزان يجب أن يكون موجوداً في هذه الدائرة لا سيما وقد تسمت بالإسلام، وليس هناك ميزان آخر معتبر عند المسلمين سوى هذا، فيجب أن يقيّم الأفراد والدعوات من خلال الرد إلى هذا الحَكَم عند التنازع.
ومن المعلوم في القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع السلف الصالح، وهو ما يدل عليه العقل والفطرة علو الرب سبحانه وتعالى ومباينته لخلقه، والآيات القرآنية الدالة على علو الله تعالى واستوائه على عرشه كثيرة معلومة، والفطرة دالة على العلو، إذ يتجه الداعي إلى العلو دون غيره فطرة، وحلول الله واتحاده بالمخلوقات مما يأباه العقل.
أما ابن عربي فإن من يقرأ كتبه يجد الانحرافات الكثيرة المكفرة، وكيف يكون متمسكاً بعقائد الإسلام، وهو يرى وحدة الوجود وتكافؤ الأديان كما جاء ذلك في الدائرة.
قال ابن كثير عن كتابه الفصوص المكية: "فيها ما يعقل وما لا يعقل، وما ينكر وما لا ينكر، وما يعرف وما لا يعرف" (3) .
__________
(1) الرحمن 7-9.
(2) النساء 59
(3) البداية والنهاية 13/156.(1/28)
وقال أيضاً عن كتابه فصوص الحكم: "فيه أشياء كثيرة ظاهرها كفر صريح" (1) .
وقال الذهبي (2) : "من أردأ تواليفه كتاب الفصوص فإن كان لا كفر فيه، فما في الدنيا كفر .. وقد عظمه جماعة وتكلفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات، وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخنا أنه سمع الشيخ عز الدين بن عبدالسلام يقول عن ابن عربي: شيخ سوء، كذاب، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجاً" (3) ، وقال: "إن كان محيي الدين رجع عن مقالاته تلك قبل الموت فقد فاز فوزاً عظيماً .. له شعر رائق، وعلم واسع، وذهن وقاد، ولا ريب أن كثيراً من عباراته له تأويل إلا كتاب الفصوص" (4) .
وأما ابن الفارض (5) فهو يصرح بالاتحاد في تائيته، ومما جاء فيها:
جلت في تجليها الوجود لناظري ... ففي كل مرئي أراها برؤية
وأشهد غيبي إذ بدت فوجدتني ... هنالك إياها بجلوة خلوتي
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها ... وذاتي بذاتي إذ تحلت تجلت
إلى كم أواخي الستر ها قد هتكته ... وحل أواخي الحجب في عقد بيعتي
فإذا دعيت كنت المجيب وإن أكن ... منادى أجابت من دعائي ولبت
ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن ... شهود ولم تعهد عهود بذمة
فلا حي إلا من حياتي حياته ... وطوع مرادي كل نفس مريدة
__________
(1) البداية والنهاية 13/156.
(2) محمد بن علي بن الحسن ويرجع نسبه إلى الحسين بن علي، ولد وعاش وتفي بدمشق 715-765هـ، وتتلمذ على كبار علمائها، واهتم بالحديث والتاريخ والرجال، قال العراقي لما سئل عن أربعة أيهم أحفظ: ملغاطاي، وابن كثير، وابن رافع، والحسيني. قال: أعرفهم بالشيوخ المعاصرين وبالتخريج الحسيني. (انظر تذكرة الحفاظ مقدمة ذيل تذكرة الحفاظ 5/ ب-ج).
(3) سير أعلام النبلاء 23/48
(4) سير أعلام النبلاء 23/49.
(5) عمر بن علي بن مرشد حموي الأصل مصري المولد والوفاة، فيلسوف وشاعر متصوف عاشق، قائل بوحدة الوجود له تائيته المشهورة (نظم السلوك) مات سنة 632هـ، (انظر البداية والنهاية 13/143).(1/29)
كلانا مصل: واحدٌ ساجدُ إلى ... حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم تكن ... صلاتي لغيري في أداء كل سجدة
وتظهر للعشاق في كل مظهر ... من اللبس في أشكال بديعة
ففي مرة ولبنى وأخرى بثينة ... وآونة تدعى بعزة غرتي
ولسن سواها ولا كن غيرها ... وما إن لها في حسنها من شريكة
ففي البيت الأول يزعم أن الذات الإلهية تجلت له فرآها في كل الوجود، وفي الثاني شهد الوجود الإلهي ولم يجد للرب سوى وجوده (ابن الفارض) وفي الثالث خشي أن يتوهم أحد أن ذلك الوجود وهم طارئ، أو سكرة، فنبه إلى أن ذلك كان في (الصحو) وهو عند الصوفية رجوع العارف إلى الإحساس بعد السكرة التي تختلط عليه فيها الأمور ويتداخل عنده الخالق والمخلوق، ويصدر منها الكفر، فنبه ابن الفارض أن ذلك حقيقة في الصحو، وهو بذلك هتك الستر والسر وهو عدم المغايرة بين الرب وخلقه – تعالى عما يقول علواً كبيراً – وفي جميع الأبيات الباقية يزيل الفرق بين العابد والمعبود ويدعي أنه لولاه (ابن الفارض) لم يكن وجود، وأن كل حي لم يكن إلا به، وهذا هو الكفر الصريح، ثم لم يدع فرقاً بينه وبين الله فكلاهما ساجد إلى نفسه، ولفظة كلانا قد تقتضي اثنين فنجده يستدركها في البيت الذي يليه ليزال ذلك التوهم فلم يكن يصلي إلا لنفسه (1) .
والحلوليون مع تصريحهم بما يدل عليه إلا أنهم ينفرون لفظه، فنجد ابن الفارض مع ذلك ينفي الحلول بقوله:
ولي من أتم الروايتين إشارة ... تنزه عن رأي الحلول عقيدتي (2)
__________
(1) انظر شرح الأبيات في: هذه هي الصوفية، عبدالرحمن الوكيل 25-30، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الرابعة 1984م.
(2) ديوان ابن الفارض 95.(1/30)
وليس هذا تراجع ولكنه كما ذكر ابن تيمية (1) عنهم: (وهم يفرون من لفظ "الحلول " لأنه يقتضي حالاً ومحلاً، ومن لفظ "الاتحاد" لأنه يقتضي شيئين اتحد أحدهما بالآخر، وعندهم الوجود واحد) (2) .
وقد انتقده ابن تيمية وغيره، فنجد ابن تيمية يمدح نظم القصيدة، ويذم ما فيها من الكفر حيث يقول: (وابن الفارض من متأخري الاتحادية صاحب القصيدة التائية المعروفة (بنظم السلوك)، وقد نظم فيها الاتحاد نظماً رائق اللفظ، فهو أخبث من لحم خنزير في صينية ذهب، وما أحسن تسميتها بنظم الشكوك) (3) .
ومن ذلك قول الذهبي في الميزان: (ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وهذه بلية عظيمة، فتدبر نظمه ولا تستعجل، ولكنك حسن الظن بالصوفية، وما ثم إلا زي الصوفية، وإشارات مجملة، وتحت الزي والعبارة فلسفة وأفاعٍ، وقد نصحتك) (4) ، وقد نقله بدوره ابن حجر في لسان الميزان (5) .
فكيف مع هذا كله يقال في الدائرة أنه حجة في الإسلام أو يذم من طعن فيه.
وأما الحلاج فباعتراف كلا المستشرقين فإن غالب الفقهاء والمتكلمين والمشايخ المتقدمين كفروه، وتبرأوا منه.
__________
(1) هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، 661-728هـ ولد في بيت علم حفظ القرآن صغيرا وقرأ الحديث واللغة والتفسير والفقه فأحكم كل ذلك وهو لم يتعد التاسعة عشرة، وانتهت إليه الإمامة في الزهد والورع والعلم والشجاعة والكرم، وجاهد الكفار بالسيف والقلم. (انظر: العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، محمد بن أحمد بن عبد الهادي، مطبعة المدني بالقاهرة، دطت، والبداية والنهاية لابن كثير14/23-127) .
(2) مجموع الفتاوى 11/242.
(3) مجموع الفتاوى 4/75.
(4) ميزان الاعتدال 3/214-215
(5) لسان الميزان 4/364.(1/31)
قال عمرو بن عثمان المكي (1) : (كنت أماشي الحلاج وكنت أقرأ القرآن، فسمع قراءتي فقال: يمكنني أن أقول مثل هذا ففارقته) (2) .
وقد بدأ يصدر من الدجل ويطالب الناس بالإيمان به وطاعته، ويدعي أنه الإمام المنتظر، وأنه النبي، وأخيراً أنه إله مع الله، فأحضره القاضي، وقد وُجِد عند بعض أصحابه: (أن من أراد الحج، ولم يتيسر له فليبن في داره بيتاً لا يناله نجاسة، ولا يدخله أحد، فإذا كان في أيام الحج فليصم ثلاثة أيام وليطف به كما يطاف بالكعبة، ثم يفعل في داره ما يفعل الحجيج في مكة، ثم يطعم ثلاثين يتيماً ويخدمهم ويكسوهم ويعطي كل واحد بضعة دراهم، فإذا فعل ذلك قام له مقام الحج) وله قريب من ذلك في الصيام وغيره، فأقر بذلك عند القاضي كتابياً وشهد من كان حاضراً، وكتب القاضي للوزير، فكتب الوزير إلى الخليفة المقتدر: إن أمر الحلاج قد اشتهر ولم يختلف فيه اثنان، فأمر الخليفة بقتله (3) .
__________
(1) عمرو بن عثمان بن كرب أبو عبد الله المكي، شيخ الصوفية الزاهد، له تصانيف عديدة، وكان ينكر على الحلاج ويذمه، توفي بعد الثلاثمائة. انظر سير أعلام النبلاء للذهبي، 14/57.
(2) البداية والنهاية 11/133.
(3) انظر البداية والنهاية 11/139-143.(1/32)
قال ابن النديم (1) عن الحلاج: (كان رجلاً محتالاً مشعبذاً يتعاطى مذاهب الصوفية، يتحلى بألفاظهم ويدعي كل علم، وكان صفراً من ذلك، وكان يعرف شيئاً من صناعة الكيمياء، وكان جاهلاً مقداماً جسوراً على السلاطين مرتكباً للعظائم، يروم انقلاب الدول، ويدعي عند أصحابه الإلهية، ويقول بالحلول، ويظهر مذاهب الشيعة للملوك، ومذاهب الصوفية للعامة) (2) .
وقال ابن الجوزي: (كان الحلاج متلوناً وهو مع كل قوم على مذهبهم، إن كانوا أهل سنة، أو رافضة، أو معتزلة، أو صوفية، أو فساقاً، أو غيرهم) (3) .
وقال ابن تيمية لما سئل عنه: (من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحاد، ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد، كقوله "أنا الله".
__________
(1) هو محمد بن إسحاق بن النديم البغدادي، كان معتزليا شيعيا يصف أهل السنة بالحشوية كما يقول اب حجر العسقلاني، توفي ابن النديم سنة 438هـ. انظر لسان الميزان، أحمد بن حجر العسقلاني، 5/72، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ 1978م.
(2) الفهرست لابن النديم 269، وقد توفي الحلاج 309.
(3) البداية والنهاية 11/137.(1/33)
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا إله إلا الله، وأن الله خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق، و { إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } (1) ، وقال تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً } (2) ، وقال تعالى: { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (3) .
فالنصارى الذين كفرهم الله ورسوله، واتفق المسلمون على كفرهم بالله ورسوله، كان من أعظم دعواهم الحلول والاتحاد بالمسيح بن مريم، فمن قال بالحلول والاتحاد في غير المسيح – كما تقول الغالية في علي وكما تقول الحلاجية في الحلاج والحاكمية في الحاكم، وأمثال هؤلاء – فقولهم شر من قول النصارى، لأن المسيح ابن مريم أفضل من هؤلاء كلهم) (4) .
__________
(1) مريم 93.
(2) النساء 171.
(3) المائدة 17.
(4) مجموع الفتاوى 2/480-481.(1/34)
وصدق ابن القيم (1) في رده على الحلولية:
حاشا النصارى أن يكونوا مثله ... وهم الحمير عابدوا الصلبان
هم خصصوه بالمسيح وأمه ... وأولاء ما صانوه عن حيوان (2)
وقال ابن كثير: (لم يزل الناس منذ قتل الحلاج مختلفين في أمره، فأما الفقهاء فحكي عن غير واحد من العلماء والأئمة إجماعهم على قتله، وأنه قتل كافراً، وكان كافراً ممخرقاً مموهاً مشعبذاً، وبهذا قال أكثر الصوفية فيه، ومنهم طائفة أجملوا القول فيه، وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه، ولا باطن قوله، فإنه كان في ابتداء أمره فيه تعبد وتأله وسلوك، ولكن لم يكن له علم، ولا بنى أمره وحاله على تقوى من الله ورضوان) (3) .
وقال الذهبي في ترجمته: (المقتول على الزندقة، وما روى ولله الحمد شيئاً من العلم، وكانت له بداية جيدة، وتأله وتصوف، ثم انسلخ من الدين، وتعلم السحر، وأراهم المخاريق، أباح العلماء دمه فقتل) (4) .
المبحث الخامس: الباطنية:
جاء في بيان أسس المنهج الإسماعيلي الباطني: (ومذهب الباطن يقوم على ركنين: الأول: تأويل القرآن والشريعة الذي برع فيه القاضي النعمان وجعفر بن منصور اليمن، الثاني – وهو أهم من الأول بكثير -: الحقائق: أي ذلك المنهج الإسماعيلي في الفلسفة والعلم الذي يتسق مع الدين ويكشف عما ينطوي عليه باطنه من أسرار.
وهذا المذهب ثمرة مثلى للعقل الإسلامي في القرن الرابع أو الخامس الهجري، وهو يشبه من عدة وجوه فلسفة الفارابي) (5) .
__________
(1) محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية 691-751هـ برع في علوم متعددة لا سيما التفسير والحديث، كان عابدا زاهدا، قال عنه ابن كثير: لا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر منه عبادة. البداية والنهاية 14/235.
(2) القصيدة النونية، محمد بن أبي بكر بن القيم 1/182، شرح وتحقيق محمد خليل هراس، دار الفاروق مصر، دطت.
(3) البداية والنهاية 11/133.
(4) ميزان الاعتدال 1/256.
(5) الدائرة الثانية 3/390، الإسماعيلية، فاير.(1/35)
مع أن بعض كتاب الدائرة نبهوا على حقيقة المذهب الباطني (1) إلا أن الأكثر هو تمجيده والدفاع عنه.
ومذهب الباطن يقوم في عقائده على مذاهب الفلاسفة، وتحريف النصوص الشرعية لمعان توافق ما يعتقدون، فيقوم مذهبهم على سلب كافة الصفات عن الله تعالى، والتصريح مع ذلك بتعدد الآلهة، والغلو في الأئمة إلى حد المجاهرة بحلول الله في البشر، فآلهة الإسماعيلية هم الأئمة المستورون، وإله النصيرية علي ابن أبي طالب، وإله الدروز الحاكم العبيدي، والملائكة لا وجود لهم، والنبوة مكتسبة وهي فيض من العقول، لا بواسطة ملك، وليس هناك جنة ولا نار حقيقية، وإنما عذاب ونعيم روحي وحلول وتناسخ.
أما الشريعة فلا حقيقة لها، حيث إن الباطنية بمذاهبها المختلفة تحرف معاني النصوص الشرعية في القرآن الكريم لمعانٍ باطنة، فلا صلاة، ولا صوم، ولا زكاة، ولا حج، حيث إنهم متفقون على عدم حقيقة تلك العبادات وكافة ما في الشريعة، فالصلاة هي الطاعة للإمام، أو الاتصال به، أو تعلم العلم، أو الدخول في العهد والإحرام، .. ، والصوم ستر المنهج وكتمانه، والحج لا علاقة له بمكة، بل هو قصد إمام الزمان، ومعرفة الأئمة، بل وصل الأمر بالدروز إلى إلغاء هذا التأويل الباطني للشريعة، وإسقاط التكاليف، وإنكار الرسل) (2) .
فهل هذا المذهب الكفري هو ثمرة مثلى للعقل الإسلامي!، سبحانك هذا بهتان عظيم.
__________
(1) الدائرة الثانية 6/87-90، الباطنية، هودكسون، وهو لم يذكر تكفيرهم، وإنما ذكر حقيقة مذهبهم من غير حكم عليهم.
(2) انظر:
- ... الإسماعيلية تاريخ وعقائد، إحسان إلهي ظهير 278-313، 322، 421-426، 453-455، 500، 508، إدارة ترجمان السنة، لاهور الطبعة الأولى 1406هـ 1986م.
- ... دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين، أحمد محمد جلي 201-214، مركز الملك فيصل للبحوث بالرياض، الطبعة الأولى 1406هـ، 1986م.
- ... الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة 49-50، 224-225، 513.(1/36)
وكان الغزالي (1) ممن درس الباطنية وخالطهم، ثم تبين له فساد عقائدهم، فألف كتابه (فضائح الباطنية) ولخص فساد مذهبهم بمقولته: (إن مذهب الإسماعيلية ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض ..)، ثم أخذ يطيل في سرد تفاصيل مذهبهم (2) .
وقال ابن تيمية عنهم: (إن باطن مذهبهم أعظم كفراً من أقوال كفار أهل الكتاب، وأقوال الغالية الذين يدعون نبوة علي أو إلهيته ونحوهم، إذ كان مضمون مذهبهم: تعطيل الخالق، وتكذيب رسله، والتكذيب باليوم الآخر، وإبطال دينه) (3) .
وقال ابن القيم عن الباطنية: (لا يؤمنون بمبدأ ولا معاد، ولا رب خالق ولا رسول مبعوث جاء من عند الله تعالى، وكان هؤلاء زنادقة يتسترون بالرفض، ويبطنون الإلحاد المحض، وينتسبون إلى أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، هو وأهل بيته براء منهم نسباً وديناً، وكانوا يقتلون أهل العلم والإيمان، ويدعون أهل الشرك والكفران، لا يحرمون حراماً، ولا يحلون حلالاً) (4) ، فكيف يتسق هذا المذهب مع الدين؟.
المبحث السادس: الزنادقة:
حظي الزنادقة والمنحرفون في الدائرة بالدفاع عنهم وتبرئتهم، بل ومدحهم وتمجيدهم، ويلاحظ أن الزنادقة قد يجمعون بين كفريات وبدع مختلفة، وسوف أعرض لدفاع الدائرة عن زنديقين: الأول: فيلسوف متصوف باطني زنديق، والثاني: فيلسوف مغالٍ في الزندقة.
__________
(1) محمد بن محمد الغزالي 450-505هـ متكلم فيلسوف فقيه تحول إلى التصوف، من الأذكياء المعدودين، وممن جمع علوما شتى، له المصنفات العديدة (انظر سير أعلام النبلاء 19/322).
(2) فضائح الباطنية، أبو حامد الغزالي 37، تحقيق عبد الرحمن بدوي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1383هـ 1964م.
(3) درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 5/9.
(4) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، محمد بن أبي بكر ابن القيم الجوزية 2/266-267، دار الباز للنشر، مكة المكرمة دطت.(1/37)
الأول: أبو حيان التوحيدي (1) : حيث جاء في ترجمته: "وأبو حيان – كابن الرواندي وأبي العلاء – يعد من زنادقة الإسلام، وخاصة أنه قد عرض آرائه في الحقيقة عرضاً أغمض، بل هو من ثم أكثر دهاءاً، بيد أن مصنفاته التي وصلت إلينا لا تكاد تبرر هذا الرأي، ولو أن اسم الكتاب العاشر (الحج العقلي إذا ضاق الفضاء عن الحج الشرعي)، يوحي بالزندقة التي أودت بحياة الحلاج) (2) .
قلت: ذكر العلماء والمؤرخون فساد عقيدة أبي حيان وقلة ورعه، وطعنه في الشريعة.
قال ابن الرماني (3) في كتابه الفريدة: (كان أبو حيان كذاباً قليل الدين والورع مجاهراً بالبهت، تعرض لأمور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل).
وقال ابن الجوزي (4) : (كان زنديقاً، وكان صاحب زندقة وانحلال) (5) .
وقال الذهبي في السير: (أبو حيان التوحيدي الضال الملحد) (6) .
كما جاء في الميزان للذهبي: (نفاه الوزير المهلبي لسوء عقيدته، وكان يتفلسف) (7) .
واسم كتابه المذكور ينبئ من عنوانه بصحة حكم العلماء بزندقته، إذ هذا مذهب الباطنية المعطلين لشعائر الدين بما يستبدلونه من معانٍ أخرى كما سبق بيانه.
__________
(1) هو علي بن محمد التوحيدي فيلسوف متصوف، معتزلي توفي سنة 400هـ، انظر: الأعلام للزركلي 4/326.
(2) الدائرة الثانية 1/460، أبو حيان التوحيدي، شتيرن.
(3) علي بن عيسى ابن عبدالله من كبار علماء النحو واللغة، وكان عارفاً بالمنطق والكلام، وكان معاصراً للتوحيدي توفي سنة 384هـ، انظر: البداية والنهاية 11/314.
(4) عبد الرحمن بن علي الجوزي البغدادي يرجع نسبه إلى أبي بكر الصديق، أحد أفراد العلماء في العلم والوعظ والفصاحة والبيان والتاريخ والتفسير والحديث، صاحب التصانيف الكثيرة النافعة، توفي ببغداد سنة 597هـ. (انظر البداية والنهاية لابن كثير 13/28-30).
(5) ميزان الاعتدال 3/355.
(6) سير أعلام النبلاء 17/119.
(7) ميزان الاعتدال للذهبي، 3/355.(1/38)
ثانياً: أبو العلاء المعري (1) : حيث جاء في الدائرة مدحه، ومحاولة تبرئته من الزندقة، ومن ذلك:
"ولكن يجب أن نعرف بأن أبا العلاء قد ظهر في هذه المجموعة – اللزوميات – بمظهر المفكر الجريء المبتكر إلى حد عجيب، كما أثبت أنه رجل الأخلاق السامية." (2) .
كما جاء أيضاً في مدحه: (إدراكه العميق وقدراته الطبيعية وفكره المشرق المتوهج وبصيرته النافذة) (3) .
وجاء أيضاً: "وقد حدث جدل طويل حول عقيدة أبي العلاء في حياته، وهو إن لم يعدم من يدافع عنه، فقد عده الكثيرون من معاصريه زنديقاً، وشاعت عنه هذه الصفة منذ ذلك الوقت، والشواهد على ذلك من مصنفاته غامضة متناقضة" (4) .
وإنني سأعود للدائرة وللكاتب نفسه، في نفس ترجمة أبي العلاء، فما ذكره آنفاً يتعارض مع عقيدة أبي العلاء التي ذكر الكاتب طرفاً منها، ومن ذلك:
اعترف الكاتب بالمروق الشديد في العادة لآراء أبي العلاء، وعند الحديث عن مجموعة أشعار للمعري تسمى (سقط الزند)، شرحها أبو العلاء نفسه في كتاب (ضوء السقط)، جاء: (ومع أن الشاعر تند منه في بعض الأحيان عدم الاحترام عند تعرضه للمسائل الدينية، إلا أننا لا نجد في هذا الكتاب أثراً للآراء الشديدة للمروق التي يعرف بها عادة) (5) .
__________
(1) هو أحمد بن عبدالله التنوخي المعري 363-449، فيلسوف ولد ومات بمعرة النعمان (بلد صغير قرب حماة) عمي وهو صغير رحل إلى بغداد، حرم أكل اللحم وإيلام الحيوان، كان عفيفاً زاهداً نابغة في الشعر ذكياً، سريع الحفظ أملى في العديد من المؤلفات، إلا أنه كان زنديقاً، انظر: سير أعلام النبلاء 18/23-39، الأعلام للزركلي 1/157).
(2) الدائرة الثانية 1/550، أبو العلاء المعري، نيكلسون.
(3) الدائرة الثالثة 30/9443، المعري، مكور.
(4) الدائرة الثانية 1/550-551، أبو العلاء المعري، نيكلسون.
(5) الدائرة الثانية 1/550، أبو العلاء المعري، نيكلسون.(1/39)
وعند المقارنة مع أبي العتاهية قال: (وقد تخلص أبو العلاء في اللزوميات من القيود الثقيلة التي كانت تقيد سلفه، وسما بنفسه إلى مستوى أعلى) (1) .
كما جاء في وصف رسالته المسماه بـ (رسالة الغفران) : (هي في الحقيقة قصة جريئة خلط فيها الجدل بالهزل، وسخر فيها من العقائد والأفكار الإسلامية التي تتعلق بالحياة الأخرى) (2) .
قال الذهبي: (من أراد تواليفه (رسالة الغفران) وقد احتوت على مزدكة (3) وفراغ) (4) .
كما جاء في الدائرة: "فليست هناك عقيدة إسلامية لم يسخر منها" (5) .
وأخيراً: "وكان أبو العلاء يؤمن بالتوحيد بيد أن إلهه ليس إلا قدراً غير مشخص، كما أنه لم يأخذ بنظرية الوحي الإلهي، فالدين عنده من صنع العقل الإنساني، ونتيجة للتربية والعادة" (6) .
فهذه المقالات للكاتب تدل على مروقه من الدين الذي حاول المستشرق التشكيك فيه.
وهذا عرض لبعض أفكاره الدالة على زندقته وإلحاده:
يقول المعري معترضاً على حد السرقة:
تناقض فما لنا إلا السكوت له ... ... وأن نعوذ بمولانا من النار
يد بخمس مئين عسجد وديت ... ... ما بالها قطعت في ربع دينار (7)
__________
(1) الدائرة الثانية 1/550، أبو العلاء المعري، نيكلسون.
(2) الدائرة الثانية 1/550، أبو العلاء المعري، نيكلسون.
(3) نسبة إلى آراء مزدك الفارسي، وهو من الثانوية القائلين بوجود إلهين اثنين، انظر: الملل للشهرستاني 1/249.
(4) سير أعلام النبلاء 18/25.
(5) الدائرة الثانية 1/551، أبو العلاء المعري، نيكلسون.
(6) الدائرة الثانية 1/551، أبو العلاء المعري، نيكلسون.
(7) اللزوميات، أبو العلاء المعري 1/369، تحقيق جماعة من الأخصائيين، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ 1986م(1/40)
قال ابن كثير: (وهذا من إفكه يقول: اليد ديتها خمسمائة دينار، فمالكم تقطعونها إذا سرقت ربع دينار، وهذا من قلة عقله وعلمه، وعمى بصيرته، وذلك أنه إذا جني عليها يناسب أن تكون ديتها كثيرة لينزجر الناس عن العدوان، وأما إذا جنت هي بالسرقة فيناسب أن تقل قيمتها وديتها لينزجر الناس عن أموال الناس وتصان أموالهم، ولهذا قال بعضهم: كانت ثمينة لما كانت أمينة فلما خانت هانت) (1) .
وقال أيضاً طاعناً في جميع الأديان:
دين وكفر وأنباء نقص وفر ... ... قان ينص وتوراة وإنجيل
في كل جيل أباطيل يدان بها ... ... فهل تفرد يوماً بالهدى جيل (2)
فأجابه الحافظ الذهبي رحمه الله:
نعم أبو القاسم الهادي وأمته ... ... فزادك الله ذلا يادجيجيل (3)
وقال أيضاً:
فلا تحسب مقال الرسل حقاً ... ... ولكن قول زور سطروه
فكان الناس في عيش رغيد ... ... فجاؤوا بالمحال فكدروه (4)
فأجابه ابن كثير رحمه الله:
فلا تحسب مقال الرسل زوراً ... ... ولكن قول حق بلغوه
وكان الناس في جهل عظيم ... ... فجاؤوا بالبينات فأوضحوه (5)
وقال أيضاً معترضاً على الموت والبعث:
أنهيت عن قتل النفوس تعمداً ... ... وبعثت أنت ليقبضها ملكين
وزعمت أن لها معاداً ثانياً ... ... ما كان أغناها عن الحالين (6)
لذا نجد أن الذهبي يقول: (له شعر يدل على الزندقة) (7) .
__________
(1) البداية والنهاية 12/73-74.
(2) اللزوميات للمعري 2/187.
(3) سير أعلام النبلاء 18/30.
(4) هذان البيتان نسبهما له الذهبي في السير 18/30، وابن كثير 12/74، ولم أجدها في اللزوم.
(5) لم أجدها، وقد ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية 12/73-74.
(6) حكاها عنه الذهبي في السير 18/29، ولم أجدها.
(7) ميزان الاعتدال 1/112.(1/41)
كما قال الحافظ السلفي (1) : (إن المعري يرى رأي البراهمة، في إثبات الصانع وإنكار الرسل، وفي شعره ما يدل على هذا الرأي، وفيه ما يدل على غيره، وكان لا يثبت على نِحلة) (2) .
وقد قيل إنه تاب وندم، وصدر منه ما يدل على التحسر، مما جعل البعض يقول إنه مؤمن.
ومما يكذب ذلك أنه أوصى أن يكتب على قبره:
هذا جناه أبي عليَّ ... ... وما جنيت على أحد
قال ابن خلكان (3) : (وهذا متعلق باعتقاد الحكماء (4) ، فإنهم يقولون اتخاذ الولد وإخراجه إلى هذا الوجود جناية عليه، لأنه يتعرض للحوادث والآفات) (5) .
وقال الذهبي بعد ذكره لوصية المعري: (الفلاسفة يعدون اتخاذ الولد وإخراجه إلى الدنيا جناية عليه، ويظهر لي في حال المخذول انه متحير لم يجزم بنحلة، اللهم فاحفظ علينا إيماننا) (6) .
قال ابن كثير: (وهذا يدل على أنه لم يتغير عن اعتقاده، وهو ما يعتقده الحكماء إلى آخر وقت، وأنه لم يقلع عن ذلك كما ذكره بعضهم، والله أعلم بظواهر الأمور وبواطنها) (7) .
فهل يصح بعد ذلك ما يلبس به المستشرق من أن الزندقة في مصنفاته غامضة ومتناقضة؟.
__________
(1) شيخ الإسلام أبو طاهر عماد الدين أحمد بن محمد الأصفهاني السلفي من كبار المحدثين في زمانه، كان ورعاً زاهداً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، نشأ ببغداد ورحل إلى الاسكندرية، عُمِّر فجاوز المائة، وتوفي سنة 576هـ انظر: تذكرة الحافظ للذهبي 4/1289-1304.
(2) لسان الميزان 1/219.
(3) أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان، قال عنه ابن كثير: (أحد الأئمة الفضلاء، والسادة العلماء، والصدور الرؤساء)، صاحب التاريخ، توفي بدمشق سنة 681هـ. انظر: البداية والنهاية 13/301.
(4) الحكماء: اصطلاح يدل على الفلاسفة المفكرين، وهو تفكير على غير منهج النبوة، وهو أبعد ما يكون عن الحكمة المقتضية لالتزام الشرع.
(5) وفيات الأعيان لابن خلكان 1/116.
(6) سير أعلام النبلاء 18/36.
(7) البداية والنهاية لابن كثير 12/76.(1/42)
إن ما سقته من شعره هو قليل من كثير، مما اتهم بالزندقة بسببه، ولا شك أن في تلك الأبيات الكفر الصريح باتفاق أئمة الإسلام، إما لاعتراضه على حكمة الله في ابتلاء عباده وحسابهم، أو على شرع الله، أو على ذمه لكتب الله ورسله، وهل بعد هذا الكفر من كفر؟.
وأقوال هذا المستشرق الممجدة لهذا الملحد تدل على اندثار غيرته على دينه حيث إن المعري اعترض على ما تتفق عليه جميع الرسل، واستخف بكل الأديان، وخاصة الثلاثة الأخيرة، كما سبق في بعض أشعاره، وكما قال في لزومه:
عقول تستخف بها سطور ... ... ولا يدري الفتى لمن الثبور
كتاب محمد وكتاب موسى ... ... إنجيل ابن مريم والزبور (1)
مراجع البحث
1- القرآن الكريم.
2- آراء أهل المدينة الفاضلة: محمد بن محمد بن طرخان أبو نصر الفارابي، مطبعة حجازي بمصر، الطبعة الثانية 1368هـ- 1949م.
3- أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها: التبشير – الاستشراق – الاستعمار، عبد الرحمن حسن الميداني، دار القلم دمشق، الطبعة الخامسة 1407هـ - 1986م
4- الاستشراق: إدوارد سعيد، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة الثانية دت.
5- الاستشراق بين الموضوعية والافتعال: قاسم السامرائي، دار الرفاعي، الرياض، 1403هـ 1983م.
6- الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري: د. محمود حمدي زقزوق، دار المنار، القاهرة، الطبعة الثانية، 1409هـ -1989م.
7- الإسلام كبديل: مراد فلفريد هوفمان، ترجمة غريب محمد غريب، مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام، ومجلة النور الكويتية، الطبعة الأولى 1413هـ - 1993م.
8- الإسماعيلية تاريخ وعقائد: إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة، الطبعة الأولى 1406هـ - 1986م.
9- الأصولية في العالم العربي: ريتشارد كمجيان ، ترجمة وتعليق عبد الوارث سعيد، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة 1409هـ-1989م.
__________
(1) اللزوميات للمعري 1/289.(1/43)
10- الأعلام: قاموس وتراجم: خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السادسة 1984م.
11- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، دار الباز للنشر، مكة المكرمة، دطت.
12- البداية والنهاية: إسماعيل بن كثير الدمشقي، مكتبة المعارف بيروت، الطبعة الخامسة 1404هـ - 1984م.
13- بين القرآن والإنجيل: أحمد ديدات، كتاب المختار، مصر، دطت.
14- تذكرة الحفاظ: محمد بن احمد الذهبي، ومذيلة بثلاثة ذيول: الأول للمحاسني، والثاني لحظ الألحاظ للهاشمي المكي، والثالث للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، دطت، موافقة لطبعة حيدر آباد.
15- حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، العدد الخامس 1407هـ - 1987م .
16- دائرة المعارف الإسلامية: (الإصدار الأول)، أعلام المستشرقين، أصدرها بالعربية أحمد الشنتناوي، إبراهيم زكي خورشيد، عبدالحميد يونس، مراجعة محمد مهدي علام، دار الفكر، القاهرة 1933م.
17- دائرة المعارف الإسلامية: (الإصدار الثاني)، أعلام المستشرقين، تحت رعاية الاتحاد الدولي للمجامع العلمية، أصدرها بالعربية أحمد الشنتناوي، إبراهيم زكي خورشيد، عبدالحميد يونس، دار الشعب، القاهرة 1969م.
18- دائرة المعارف الإسلامية: (الإصدار الثالث)، إصدار مركز الشارقة للإبداع الفكري بالتعاون مع هيئة الكتاب المصرية 1418هـ، 1998م.
19- دراسة عن الفرق في تاريخ الإسلام: أحمد بن محمد جلي، نشر مركز الملك فيصل للبحوث في الرياض، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م.
20- درء تعارض العقل والنقل: أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، الطبعة الأولى 1401هـ - 1981م.
21- ديوان ابن الفارض: عمر بن أبي الحسن الفارض، دار النجم، بيروت، الطبعة الأولى 1994م.(1/44)
22- الرسالة الأضحوية في أمر المعاد: الحسين بن عبدالله بن سينا، تحقيق د. سليمان دنيا، دار الفكر العربي، القاهرة 1368هـ- 1949م.
23- رؤية إسلامية للاستشراق: أحمد عبد الحميد غراب، المنتدى الإسلامي، لندن، الطبعة الثانية1411هـ
24- سير أعلام النبلاء: محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1401هـ - 1981م.
25- شخصيات فوق العادة: السيد فرج، دار المعارف بمصر، دطت.
26- فضائح الباطنية: أبو حامد الغزالي، تحقيق عبدالرحمن بدوي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة 1383هـ - 1964م.
27- الفهرست: ابن النديم، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، دطت.
28- القصيدة النونية المسماة الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية: محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، شرح وتحقيق محمد خليل هراس، دار الفاروق، مصر، دطت.
29- اللزوميات: أحمد بن عبدالله أبو العلاء المعري، تحقيق جماعة من الأخصائيين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ - 1986م.
30- لسان الميزان: أحمد بن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ - 1987م.
31- مجموع الفتاوى: أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، جمع وترتيب عبدالرحمن بن قاسم، الرياض، دطت.
32- المستشرقون: نجيب عقيقي، دار المعارف، بيروت، الطبعة الرابعة، دت.
33- مستشرقون، سياسيون،جامعيون،مجمعيون: نذير حمدان، مكتبة الصديق للنشر، الطائف، الطبعة الأولى 1408هـ، 1988م.
34- الملل والنحل: محمد بن عبدالكريم الشهرستاني، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار لمعرفة، بيروت، 1400هـ، 1980م.
35- موسوعة المستشرقين: عبدالرحمن بدوي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية 1989م.
36- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة: الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الرياض، الطبعة الأولى 1409هـ - 1988م.(1/45)
37- ميزان الاعتدال في نقد الرجال: محمد بن عثمان الذهبي، تحقيق علي البجادي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، 1382هـ.
38- هذه هي الصوفية: عبدالرحمن الوكيل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الرابعة 1984م.
39- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: أحمد بن محمد بن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر بيروت، دطت.(1/46)