الوعد والوعيد عند الفرق
دراسة نقدية في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة
إعداد
أ.د. سليمان بن قاسم العيد
جامعة الملك سعود
كلية التربية – قسم الثقافة الإسلامية
1426هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد :-
فإن الله سبحانه وتعالى خلق العباد لعبادته {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }. وجعل لهم الوحيين هدى لهذه العبادة وحثاً عليها ، وتحذيراً من الخلل فيها ، فجاءت نصوص الوعد والوعيد في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) بذلك ، رحمة للناس .
إلا أن الناس لم يكونوا على فهم واحد لتلك النصوص ، فاختلفت أفهامهم فيها كما اختلفت في غيرها ، فاصبحوا بذلك الفهم فرقاً ، ففرقة غلت في نصوص الوعيد ، وفرقة غلت في نصوص الوعيد ، وفرقة هداهم الله للحق فتوسطت وجمعت بين النصوص، وهذه حال أهل العلم والحق والسنة يعرفون الحق الذي جاء به الرسول وهو الذي اتفق عليه صريح المعقول وصحيح المنقول ويدعون إليه ويأمرون به نصحا للعباد وبيانا للهدى والسداد .
وكذلك اختلفت تلك الفرق في الحكم على مرتكبي المعاصي فمنهم من يكفره ومنهم من يجعله مؤمناً كامل الإيمان ، ومنهم من يفسقه بمعصيته مع عدم تجريده من الأيمان . ولا شك أن الخلاف في هذه المسائل وما يتعلق بها كان له الأثر الكبير على الأمة واختلاف أفرادها ، وما وقع بينهم من الشقاق والنزاع بسبب ذلك .
فكان من الأهمية بمكان دراسة تلك المواقف من نصوص الوعد الوعيد ومعرفة الموقف الصحيح منها على ضوء الكتاب والسنة ، طاعة لله ولرسوله ونصحاً للأمة .
مشكلة البحث(1/1)
الجهل ببعض نصوص الوعد والوعيد من الكتاب والسنة ، والاستدلال بها عند البعض في غير مواضعها ، فالبحث جاء لبيان الفهم الصحيح لتلك النصوص والاستدلال بها .
أهمية الموضوع وأسباب اختياره
تعود أهمية الموضوع إلى أمور منها :-
1- مكانة نصوص الوعد والوعيد من الدين.
2- ما حصل من افتراق الأمة بسبب الفهم الخاطئ لتلك النصوص.
3- الآثار الخطيرة المترتبة على الفهم الخاطئ لتلك النصوص كاستحلال الدماء والأموال.
4- سلامة الدين المترتب على الفهم الصحيح لنصوص الوعد والوعيد.
5- السلامة من الانزلاق في البدع المترتبة على الفهم الخاطئ لهذه النصوص.
أهداف البحث
1- بيان الفهم الصحيح لنصوص الوعد والوعيد.
2- الرد على الأقوال المبتدعة في فهم تلك النصوص.
تساؤلات البحث
1- ما مواقف الفرق من نصوص الوعد والوعيد ؟
2- كيف الرد على الأقوال المبتدعة في نصوص الوعد والوعيد ؟
تقسيم البحث
ينقسم البحث إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول ، على النحو التالي : -
المقدمة
التمهيد
افتراق الأمة
الفصل الأول : الوعيدية
المبحث الأول : التعريف بالوعيدية
المبحث الثاني: موقف الوعيدية من نصوص الوعد والوعيد
الفصل الثاني : المرجئة
المبحث الأول : التعريف بالمرجئة
المبحث الثاني : موقف المرجئة من نصوص الوعد والوعيد
الفصل الثالث : أهل السنة والجماعة
المبحث الأول : التعريف بأهل السنة والجماعة
المبحث الثاني : موقف أهل السنة والجماعة من نصوص الوعد والوعيد
الخاتمة
الفهارس
التمهيد
افتراق الأمة(1/2)
لقد قدر الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة – أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) – أن تفترق كما افترقت غيرها من أمم اليهود والنصارى ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما في حديث عوف بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده! لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار)) قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال الجماعة)) (1) .
ولقد روى ابن أبي عاصم هذا الحديث بطرق متعددة ، منها : -
1- عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة واحدة في الجنة وسبعين في النار وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة فإحدى سبعين في النار وواحدة في الجنة والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتيان وسبعين في النار قيل يا رسول الله من هم قال هم الجماعة )) (2) .
2- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ((إن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)) (3) .
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه . وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 1093 . وقد ورد لهذا الحديث روايات عدة عند أبي داود والترمذي وابن ماجة وأحمد كلهم عن أبي هريرة ، وعند ابن ماجة وأحمد أيضاً عن أنس بن مالك . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي 3/345 : الحديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد . (مراجع)
(2) قال الألباني : أسناده جيد ، وراه ابن ماجه وغيره . (مراجع) .
(3) قال الألباني : حديث صحيح ، والحديث أخرجه ابن ماجه (3993) .(1/3)
3- عن معاوية قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ((إن هذه الأمة ستفترق على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة )) (1) .
4- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (( تفرقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة )) (2) .
5- عن أبي أمامة قال : (( افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة أو قال اثنتين وسبعين فرقة وتزيد هذه الأمة فرقة واحدة كلها في النار إلا السواد الأعظم)) فقال له رجل: يا أبا أمامة من رأيك أو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني إذا لجري بل سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وسلم)غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة (3) .
6- عن أبي عامر الهوزني قال : سمعت معاوية يقول: يا معشر العرب والله لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به إن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)قام فينا يوما فذكر أن أهل الكتاب قبلكم افترقوا على اثنتين و سبعين فرقة في الأهواء ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة في الأهواء (4) .
7- عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ((افترق من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك سائرها)) (5) .
8- عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((إن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين فرقة لم ينج منها إلا ثلاث)) (6) . (7)
__________
(1) قال الألباني : حديث صحيح بما قبله وبعده .
(2) قال الألباني : إسناده حسن ، والحديث أخرجه أحمد وغيره من أصحاب السنن .
(3) قال الألباني : إسناده ضعيف .
(4) قال الألباني : حديث صحيح بما قبله وما بعده .
(5) قال الألباني : إسناده ضعيف جداً .
(6) قال الألباني : إسناده ضعيف .
(7) السنة، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني ، ص 32- 37 . (مراجع)(1/4)
ومدار اختلاف هذه الفرق هو مسائل العقيدة ، فيما يتعلق بالأسماء والصفات ، والإيمان والقدر ، وقد اجتهد كثير من أهل العلم بيان هذه الفرق إلا أنه لم يحصل اجتماع على ذلك .
قال ابن الجوزي : " فإن قيل وهل هذه الفرق معروفة فالجواب إنا نعرف الافتراق وأصول الفرق وإن كل طائفة من الفرق قد انقسمت إلى فرق وإن لم نحط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها وقد ظهر لنا من أصول الفرق الحرورية والقدرية والجهمية والمرجئة والرافضة والجبرية وقد قال بعض أهل العلم أصل الفرق الضالة هذه الفرق الستة وقد انقسمت كل فرقة منها على اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنتين وسبعين فرقة" (1) .
وقال بن أبي العز في شرح الطحاوية : " وأكبر المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الأمة مسألة القدر" (2) .
ولقد اجتهد البغدادي في بيان هذه الفرق وأقسامها وكيفية الافتراق في جواب سؤال وجه إليه ، وجاء جوابه : للحديث الوارد في افتراق الأمة أسانيد كثيرة وقد رواه عن النبي(صلى الله عليه وسلم)جماعة من الصحابة كأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي الدرداء وجابر وأبي سعيد الخدري وأبي بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي أمامة ووائله بن الاسقع وغيرهم.
وقد روى عن الخلفاء الراشدين أنهم ذكروا افتراق الأمة بعدهم فرقا وذكروا أن الفرقة الناجية منها فرقة واحدة وسائرها على الضلال في الدنيا والبوار في الآخرة وروى عن النبي(صلى الله عليه وسلم)ذم القدرية وأنهم مجوس هذه الأمة وروى عنه ذم المرجئة مع القدرية وروى عنه أيضاً ذم المارقين وهم الخوارج وروى عن أعلام الصحابة ذم القدرية والمرجئة والخوارج المارقة وقد ذكرهم علي رضى الله عنه في خطبته المعروفة بالزهراء وبرىء فيها من أهل الاديموات.
__________
(1) تلبيس إبليس 1/28 .
(2) شرح العقيدة الطحاوية 2/290 .(1/5)
وقد علم كل ذي عقل من أصحاب المقالات المنسوبة إلى أن النبي(صلى الله عليه وسلم)عليه السلام لم يرد بالفرق المذمومة التي أهل النار فرق الفقهاء الذين اختلفوا في فروع الفقه مع اتفاقهم على أصول الدين لان المسلمين فيما اختلفوا فيه من فروع الحلال والحرام على قولين أحدهما قول من يرى تصويب المجتهدين كلهم في فروع الفقه وفرق الفقه كلها عندهم مصيبون والثاني قول من يرى في كل فرع تصويب واحد من المتخلفين فيه وتخطئة الباقين من غير تضليل منه للمخطىء فيه وإنما فصل النبي عليه السلام بذكر الفرق المذمومة فرق أصحاب الأهواء الضالة الذين خالفوا الفرقة الناجية في أبواب العدل والتوحيد أو في الوعد والوعيد أو في بابى القدر والاستطاعة أو في تقدير الخير والشر أو في باب الهداية والضلالة أو في باب الإرادة والمشيئة أو في باب الروية والإدراك أو في باب صفات الله عز وجل وأسمائه وأوصافه أو في باب من أبواب التعديل والتجويز أو في باب من أبواب النبوة وشروطها ونحوها من الأبواب التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث على أصل واحد خالفهم فيها أهل الأهواء الضالة من القدرية والخوارج والروافض والنجارية والجهمية والمجسمة والمشبهة ومن جرى من فرق الضلال فان المختلفين في العدل والتوحيد والقبور والأسلاف متحدو الروية والصفات والتعديل والتجويز وفى شروط النبوة والإمامة يكفر بعضهم بعضا فصح تأويل الحديث المروى في افتراق الأمة ثلاثا وسبعين فرقة إلى هذا النوع من الاختلاف دون الأنواع التي اختلفت فيها أئمة الفقه من فروع الأحكام في أبواب الحلال والحرام أو ليس فيما بينهم تكفير ولا تضليل فيما اختلفوا فيه من إحكام الفروع.(1/6)
و قد بين البغدادي مايجمع هذه الفرق بالجملة فقال : "اختلف المنتسبون إلى الإسلام في الذين يدخلون بالاسم العام في ملة الإسلام فزعم أبو القاسم الكعبي في مقالاته أن قول القائل امة الإسلام تقع على كل مقر بنبوة محمد(صلى الله عليه وسلم)وان كل ما جاء به حق كائنا قوله بعد ذلك ما كان وزعم قوم أن أمة الإسلام كل من يرى وجوب الصلاة إلى جهة الكعبة وزعمت الكرامية مجسمة خراسان أن امة الإسلام جامعة لكل من أقر بشهادتي الإسلام لفظا وقالوا كل من قال لا اله إلا الله محمد رسول الله فهو مؤمن حقا وهو من أهل ملة الإسلام سواء كان مخلصا فيه أو منافقا مضمر الكفر فيه والزندقة ولهذا زعموا أن المنافقين في عهد رسول الله(صلى الله عليه وسلم)كانوا مؤمنين حقا وكان إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل والأنبياء والملائكة مع اعتقادهم النفاق وإظهار الشهادتين وهذا القول مع قول الكعبي في تفسيراته الإسلام ينتقض بقول العيسوية من يهود أصبهان فان يقرون بنبوة نبينا محمد(صلى الله عليه وسلم)وبأن كل ما جاء به حق ولكنهم زعموا انه بعث إلى العرب لا إلى بني إسرائيل وقالوا أيضاً محمد رسول الله وما هم معدودين في فرق الإسلام وقوم من شاركانية اليهود حكوا عن زعيمهم المعروف بشاركان أنه قال: أن محمدا رسول الله إلى العرب والى سائر الناس ما خلا اليهود وأنه قال: أن القرآن حق وكل الأذان والإقامة والصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج الكعبة كل ذلك حق غير أنه مشروع للمسلمين دون اليهود وربما فعل ذلك بعض الشاركانية قد أقروا بشهادتي أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله واقروا بأن دينه حق وما هم مع ذلك من أمة الإسلام لقولهم بان شريعة الإسلام لا تلزمهم وأما قول من قال إن اسم ملة الإسلام أمر واقع على كل من يرى وجوب الصلاة إلى الكعبة المنصوبة بمكة فقد رضي بعض فقهاء الحجاز هذا القول وأنكره أصحاب الرأي لما روى عن أبي حنيفة أن صحح إيمان من أقر بوجوب الصلاة(1/7)
إلى الكعبة وشك في موضعها وأصحاب الحديث لا يصححون إيمان من شك في موضع الكعبة كما لا يصححون إيمان من شك في وجوب الصلاة إلى الكعبة .
والصحيح (عندنا) أن أمة الإسلام تجمع المقرين بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقدمه وصفاته وعدله وحكمته ونفى التشبيه عنه وبنبوة محمد(صلى الله عليه وسلم)ورسالته إلى الكافة وبتأييد شريعته وبأن كل ما جاء به حق وبأن القرآن منبع أحكام الشريعة وأن الكعبة هي القبلة التي تجب الصلاة إليها فكل من أقر بذلك كله ولم يشبه ببدعة تؤدى إلى الكفر فهو السني الموحد وأن ضم إلى الأقوال بما ذكربدعة شنعاء نظر، فإن كان على بدعة الباطنية أو البيانية أو المغيرة أو الخطابية الذين يعتقدون إلهية الأئمة أو إلهية بعض الأئمة أو كان على مذاهب الحلول أو على بعض مذاهب أهل التناسخ أو على مذهب الميمونية من الخوارج الذين أباحوا نكاح بنات البنات وبنات البنين أو على مذهب اليزيدية من الاباضية في قولها: بان شريعة الإسلام تنسخ في آخر الزمان أو أباح ما نص القرآن على تحريمه أو حرم ما أباحه القرآن نصا لا يحتمل التأويل فليس هو من أمة الإسلام ولا كرامة له وان كانت بدعته من جنس بدع المعتزلة أو الخوارج أو الرافضة الامامية أو الزيدية أو من بدع البخارية أو الجهمية أو الضرارية أو المجسمة فهو من الأمة في بعض الأحكام وهو جواز دفنه في مقابر المسلمين وفى ألا يمنع حظه من الفيء والغنيمة ان غزا مع المسلمين وفي ألا يمنع من الصلاة في المساجد وليس من الأمة في أحكام سواها وذلك ألا تجوز الصلاة عليه ولا خلفه ولا تحل ذبيحته ولا نكاحه لامرأة سنية ولا يحل للسني أن يتزوج المرأة منهم إذا كانت على اعتقادهم وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخوارج: علينا ثلاث لا نبدؤكم بقتال ولا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم من الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا والله أعلم .(1/8)
وأما في بيان كيفية افتراق الأمة وأصول هذه الفرق فقال البغدادي " كان المسلمون عند وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على منهاج واحد في أصول الدين وفروعه غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا وأول خلاف وقع منهم اختلافهم في موت النبي عليه السلام فزعم قوم منهم أنه لم يمت وإنما أراد الله تعالى رفعه إليه كما رفع عيسى بن مريم إليه وزال هذا الخلاف وأقر الجميع بموته حين تلا عليهم أبو بكر الصديق قول الله لرسوله عليه السلام إنك ميت وإنهم ميتون وقال لهم: من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد رب محمد فانه حي لا يموت ثم اختلفوا بعد ذلك في موضع دفن النبي (صلى الله عليه وسلم) فأراد أهل مكة رده إلى مكة لأنها مولده ومبعثه وقبلته وموضع نسله وبها قبر جده إسماعيل عليه السلام وأراد أهل المدينة دفنه بها لأنها دار هجرته ودار أنصاره وقال: آخرون بنقله إلى أرض القدس ودفنه ببيت المقدس عند قبر جده إبراهيم الخليل عليه السلام وزال هذا الخلاف بأن روى لهم أبو بكر الصديق عن النبي (صلى الله عليه وسلم) إن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون فدفنوه في حجرته بالمدينة .
ثم اختلفوا بعد ذلك في الإمامة وأذعنت الأنصار إلى البيعة لسعد بن عبادة الخزرجي وقالت قريش: ان الإمامة لا تكون إلا في قريش ثم أذعنت الأنصار لقريش لما روى لهم قول النبي (صلى الله عليه وسلم) الأئمة من قريش وهذا الخلاف باق إلى اليوم لان ضرارا أو الخوارج قالوا: بجواز الإمامة في غير قريش ثم اختلفوا بعد ذلك في شأن فدك وفى توريث التركات عن الأنبياء عليهم السلام ثم نفذ في ذلك قضاء أبي بكر بروايته عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ان الأنبياء لا يورثون.(1/9)
ثم اختلفوا بعد ذلك في ما نعي وجوب الزكاة ثم اتفقوا على رأي أبي بكر في وجوب قتالهم ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال طليحة حين تبنى وارتد حتى انهزم إلى الشام ثم رجع في أيام عمر إلى الإسلام وشهد مع سعد بن أبي وقاص حرب القادسية وشهد بعد ذلك حرب نهاوند وقتل بها شهيدا ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال مسيلمة الكذاب إلى أن كفى الله تعالى أمره (1) وأمر سجاح المتنبية وأمر الأسود بن زيد العنسي ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتل سائر المرتدين إلى أن كفى الله تعالى أمرهم ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال الروم والعجم وفتح الله تعالى لهم الفتوح وهم في أثناء ذلك كله على كلمة واحدة في أبواب العدل والتوحيد والوعد والوعيد وفى سائر أصول الدين وإنما كانوا يختلفون في فروع الفقه كميراث الجد مع الإخوة والأخوات مع الأب والأم أو مع الأب وكمسائل العدل والكلالة والرد وتعصيب الأخوات من الأب والأم أو من الأب مع البنت أو بنت الابن وكاختلافهم في جر الولا وفى مسألة الحرام ونحوها مما لم يورث اختلافهم فيه تضليلا ولا تفسيقا وكانوا على هذه الجملة في أيام أبي بكر وعمر وست سنين من خلافة عثمان.
ثم اختلفوا بعد ذلك في أمر عثمان لأشياء نقموها منه حتى أقدم لأجلها ظالموه على قتله ثم اختلفوا بعد قتله في قاتليه وخاذليه اختلافا باقيا إلى يومنا هذا ثم اختلفوا بعد ذلك في شأن علي وأصحاب الجمل وفي شأن معاوية وأهل صفين وفي حكم الحكمين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص اختلافا باقيا إلى اليوم.
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/13 .(1/10)
ثم حدث في زمان المتأخرين من الصحابة خلاف القدرية في القدر والاستطاعة من معبد الجهني وغيلان الدمشقي والجعد بن درهم وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله ابن أبي أوفى وعقبة بن عامر الجهني وأقرانهم وأوصوا اختلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يصلوا على جنائزهم ولا يعودوا مرضاهم.
ثم اختلفت الخوارج بعد ذلك فيما بينها فصارت مقدار عشرين فرقة كل واحدة تكفر سائرها.
ثم حدث في أيام الحسن البصري خلاف واصل بن عطا الغزال في القدر وفى المنزلة بين المنزلتين وانضم إليه عمرو بن عبيد بن باب في بدعته فطردهما الحسن عن مجلسه فاعتزلا عن سارية من سواري مسجد البصرة فقيل لهما ولأتباعهما معتزلة لاعتزالهم قول الأمة في دعواها أن الفاسق من امة الإسلام لا مؤمن ولا كافر.
واما الروافض فان السبابية منهم اظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فقال بعضهم لعلى: انت الأمة فاحرق علي قوما منهم ونفى ابن سبأ إلى ساباط المدائن وهذه الفرقة ليست من فرق امة الإسلام لتسميتهم عليا الها ثم افترقت الرافضة بعد زمان علي رضي الله عنه اربعة اصناف زيدية وإمامية وكيسانية وغلاة وافترقت الزيدية فرقا والامامية فرقا ، والغلاة فرقا كل فرقة منها تكفر سائرها وجميع فرق الغلاة منهم خارجون عن فرق الإسلام فاما فرق الزيدية وفرق الامامية فمعدودون في فرق الأمة .(1/11)
وافترقت البخارية بناحية الري بعد الزعفراني فرقا يكفر بعضها بعضا وظهر خلاف البكرية من بكر ابن أخت عبد الواحد بن زيد وخلاف الضرارية من ضرار بن عمرو وخلاف الجهمية من جهم بن صفوان وكان ظهور جهم وبكر وضرار في أيام ظهور واصل بن عطا في ضلالته وظهرت دعوة الباطنية في أيام المأمون من حمران قومط ومن عبد الله بن ميمون القداح وليست الباطنية من فرق ملة الإسلام بل هي من فرق المجوس على ما نبينه بعد هذا وظهروا في أيام محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بخراسان خلاف الكرامية المجسمة .
فأما الزيدية من الرافضة فمطمعها ثلاث فرق وهى الجارودية والسليمانية وقد يقال الحريرية أيضاً والبترية وهذه الفرق الثلاث يجمعها القول بإمامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في أيام خروجه وكان ذلك في زمان هشام بن عبد الملك والكيسانية منهم فرق كثيرة ترجع عن التحصيل إلى فرقتين إحداهما تزعم ان محمد بن الحنفية هي لم يمت وهم على انتظاره ويزعمون انه المهدي المنتظر والفرقة الثانية منهم مقرون باماميته في وقته وبموته وينقلون الإمامة بعد موته إلى غيره ويختلفون بعد ذلك في المنقول إليه .(1/12)
وأما الإمامية المفارقة للزيدية والكسائية والغلاة فإنها خمس عشرة فرقة وهن المحمدية والباقرية والناوسية والشميطية والعمارية والإسماعيلية والمباركية والموسوية والقطعية والاثنى عشرية والهشامية من أتباع هشام بن الحكم أو من أتباع هشام بن سالم الجواليقى والزرارية من أتباع زرارة بن أعين واليونسية من أتباع يونس القمى والشيطانية من أتباع شيطان الطاق والكاملية من أتباع أبي كامل وهو أفحشهم قولا في علي وفى سائر الصحابة رضي الله عنهم فهذه عشرون فرقة من فرق الروافض منها ثلاث زيدية وفرقتان من الكيسانية وخمس عشرة فرقة من الإمامية فاما غلاتهم الذين قالوا بإلهية الأئمة وأباحوا محرمات الشريعة واسقطوا وجوب فرائض الشريعة كالبيانية والمغيرية والجناحية والمنصورية والخطابية والحلولية ومن جرى مجراهم فما هم من فرق الإسلام وان كانوا منتسبين إليه .
وأما الخوارج فإنها لما اختلفت صارت عشرين فرقة وهذه أسماؤها المحكمة الأولى والازارقة ثم النجدات ثم الصفرية ثم العجاردة وقد افترقت العجاردة فيما بينها فرقا كثيرة منها الخازمية والشعيبية والمعلومية والمجهولية والمعبدية والرشيدية والمكرمية والحمزية والابراهيمية والواقفة وافترقت الأباضية منها فرقا حفصية وحارثية ويزيدية وأصحاب طاعة لا يراد الله بها واليزيدية منهم أتباع ابن يزيد بن أنيس ليست من فرق الإسلام لقولها بان شريعة الإسلام تنسخ في آخر الزمان بنبي يبعث من العجم وكذلك في جملة العجاردة فرقة يقال لها الميمونية ليست من فرق الإسلام لأنها أباحت نكاح بنات البنات وبنات البنين كما أباحته المجوس وسنذكر اليزيدية والميمونية في جملة الذين انتسبوا إلى الإسلام وما هم منهم ولا من فرقهم .(1/13)
وأما القدرية المعتزلة عن الحق فقد افترقت عشرين فرقة كل فرقة منها تكفر سائرها وهذه أسماء فرقها واصلية وعمرية والهذيلية والنظامية والاموارية والعمرية والثمامية والجاحظية والحايطية والحمارية والخياطية والسحامية وأصحاب صالح قبة والمويسية والكعبية والجبائية والبهشيمية المنسوبة إلى أبي هاشم ابن الجبائى فهي ثنتان وعشرون فرقة ثنتان منها ليستا من فرق الإسلام وهما الحايطية والحمارية وسنذكرهما في الفرق التي انتسبت إلى الإسلام وليست منها .
وأما المرجئة فثلاثة أصناف صنف منهم قالوا بالإرجاء في الإيمان وبالقدر على مذاهب القدرية فهم معدودون في القدرية والمرجئة كأبي شمر المرجىء ومحمد بن شبيب البصري والخالدي وصنف منهم قالوا بالإرجاء في الإيمان ومالوا إلى قول جهم في الإعمال والإكساب فهم من جملة الجهمية والمرجئة وصنف منهم خالصة في الإرجاء من غير قدروهم خمس فرق يونسية وغسانية وثوبانية وتومنية ومريسية وأما النجارية فإنها اليوم بالري أكثر من عشر فرق ومرجعها في الأصل إلى ثلاث فرق برغونية زغفرانية ومستدركة وأما البكرية والضرارية فكل واحدة منها فرقة واحدة ليس لها تبع كثير والجهمية أيضاً فرقة واحدة والكرامية بخراسان ثلاث فرق حقاقية وطرايقية واسحافية لكن هذه الغرق الثلاث منها لا يكفر بعضها بعضا فعددناها كلها فرقة واحدة .
فهذه الجملة التي ذكرناها تشتمل على ثنتين وسبعين فرقة منها عشرون روافض وعشرون خوارج وعشرون قدرية وعشر مرجئة وثلاث نجارية وبكرية وضرارية وجهمية وكرامية فهذه ثنتان وسبعون فرقة(1/14)
فأما الفرقة الثالثة والسبعون فهي أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث دون من يشترى لهو الحديث وفقهاء هذين الفريقين وقراؤهم ومحدثوهم ومتكلمو أهل الحديث منهم كلهم متفقون على مقالة واحدة في توحيد الصانع وصفاته وعدله وحكمته وفي أسمائه وصفاته وفى أبواب النبوة والإمامة وفى أحكام العقبى وفى سائر أصول الدين وإنما يختلفون في الحلال والحرام من فروع الأحكام وليس بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسقي وهم الفرقة الناجية ويجمعها الإقرار بتوحيد الصانع وقدمه وقدم صفاته الأزلية وإجازة رؤيته من غير تشبيه ولا تعطيل مع الإقرار بكتب الله ورسله وبتأييد شريعة الإسلام وإباحة ما أباحه القرآن وتحريم ما حرمه القرآن مع قيود ما صح من سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واعتقاد الحشر والنشر وسؤال الملكين في القبر والإقرار بالحوض والميزان فمن قال بهذه الجهة التي ذكرناها ولم يخلط إيمانه بها بشيء من بدع الخوارج والروافض والقدرية وسائر أهل الاهواء فهو من جملة الفرقة الناجية أن ختم الله له بها وقد دخل في هذه الجملة جمهور الأمة وسوادها الأعظم من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة والأوزاعى والثوري وأهل الظاهر (1) .
وأما الشهرستاني فإنه في كتابه "الفصل" لا يرى صحة حديث الافتراق ، يقول : " قال أبو محمد ذكروا حديثا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن القدرية والمرجئية مجوس بهذه الأمة وحديثا آخر تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة كلها في النار حاشى واحدة فهي في الجنة قال أبو محمد: هذان حديثان لا يصحان أصلا من طريق الإسناد وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد فكيف من لا يقول به" (2) .
__________
(1) الفرق بين الفرق، دار المعرفة ، بيروت، 3/28 (مراجع)
(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل 3/138 .(1/15)
وأما في كتاب الملل والنحل فإنه أورد الحديث وسكت عنه ثم شرع في بيان هذه الفرق وكيفية افتراقها ، حيث قال : وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام ((فترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة الناجية منها واحدة والباقون هلكى قيل ومن الناجية قال أهل السنة والجماعة قيل وما السنة والجماعة قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) (1) .
وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة وقال عليه الصلاة والسلام لا تجتمع أمتي على ضلالة)) . (2)
ثم شرع بعد ذلك مبيناً أربع قواعد في اختلاف هذه الفرق ، على النحو التالي :-
القاعدة الأولى: الصفات والتوحيد فيها وهى تشتمل على مسائل الصفات الأزلية إثباتا عند جماعة ونفيا عند جماعة وبيان صفات الذات وصفات الفعل وما يجب لله تعالى وما يجوز عليه وما يستحيل وفيها الخلاف بين الأشعرية والكرامية والمجسمة والمعتزلة .
القاعدة الثانية: القدر والعدل فيه وهي تشتمل على مسائل القضاء والقدر والجبر والكسب وإرادة الخير والشر والمقدور والمعلوم إثباتا عند جماعة ونفيا عند جماعة وفيها الخلاف بين القدرية والنجارية والجبرية والأشعرية والكرامية .
القاعدة الثالثة: الوعد والوعيد والأسماء والأحكام وهي تشتمل على مسائل الإيمان والتوبة والوعيد والإرجاء والتفكير والتضليل إثباتا على وجه عند جماعة ونفيا عند جماعة وفيها الخلاف بين المرجئة والوعيدية والمعتزلة والأشعرية والكرامية .
القاعدة الرابعة: السمع والعقل والرسالة والإمامة وهي تشتمل على مسائل التحسين والتقبيح والصلاح والأصلح واللطف والعصمة في النبوة وشرائط الإمامة نصا عند جماعة وإجماعا عند جماعة وكيفية انتقالها على مذهب من قال بالنص وكيفية إثباتها على مذهب من قال بالإجماع والخلاف فيها بين الشيعة والخوارج والمعتزلة والكرامية والأشعرية .
__________
(1) الملل والنحل 1/14
(2) الملل والنحل ص11 .(1/16)
فإذا وجدنا انفراد واحد من أئمة الأمة بمقالة من هذه القواعد عددنا مقالته مذهبا وجماعته فرقه وإن وجدنا واحدا انفرد بمسألة فلا نجعل مقالته مذهبا وجماعته فرقة بل نجعله مندرجا تحت واحد ممن وافق سواها مقالته ورددنا باق مقالاته إلى الفروع التي لا تعد مذهبا مفردا فلا تذهب المقالات إلى غير النهاية فإذا تعينت المسائل التي هي قواعد الخلاف تبينت أقسام الفرق الإسلامية وانحصرت كبارها في أربع بعد أن تداخل بعضها في بعض.
كبار الفرق الإسلامية أربع : 1 القدرية 2 الصفاتية 3 الخوارج 4 الشيعة ثم يتركب بعضها مع بعض ويتشعب عن كل فرقة أصناف فتصل إلى ثلاث وسبعين فرقة (1) .
وقد بينهم الإسفراييني بقوله :
اعلم أن الله حقق في افتراق هذه الأمة ما أخبر به الرسول(صلى الله عليه وسلم)من افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة واحدة منها ناجية والباقون في النار فأما الاثنتان والسبعون فعشرون منهم الروافض من جملتهم الزيديون وهم ثلاث فرق الجارودية والسليمانية والأبترية ومن جملتهم الكيسانية وهم فرقتان كما نبينه فيما بعد
ومن جملة الروافض الإمامية وهم خمس عشرة فرقة المحمدية والباقرية والناووسية والشميطية والعمارية والإسماعيلية والمباركية والموسوية والقطعية والإثنا عشرية والهشامية والزرارية واليونسية والشيطانية والكاملية فهذه جملة فرق الروافض الذين يعدون في زمرة المسلمين
فأما البيانية والمغيرية والمنصورية والجناحية والخطابية والحلولية منهم فلا يعدون في زمرة المسلمين لأنهم كلهم يقولون بآلهية الأئمة كما نفصله فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وعشرون منهم الخوارج وهم المحكمة الأولى والأزارقة والنجدات والصفرية والعجاردة والأباضية فالعجاردة منهم فرق كالخازمية والشعيبية والشيبانية والمعبدية والرشيدية والمكرمية والحمزية والإبراهيمية والواقفية .
__________
(1) الملل والنحل ص 12- 14. (مراجع)(1/17)
والأباضية منهم أربع فرق الحفصية والحارثية واليزيدية وأصحاب طاعة لا يراد بها الله تعالى ولا يعد اليزيدية من فرق الإسلام لأنهم جوزوا فسخ شريعة الإسلام وذلك خلاف أجماع المسلمين ومن جملة العجاردة فرقة يقال لهم الميمونية ولا يعدون من فرق المسلمين لأنهم يجوزون التزوج ببنات البنات ويبيحونه وذلك خلاف ما عليه المسلمون .
وعشرون منهم القدرية المعتزلة كل فريق منهم يكفر سائرهم وهم الواصلية والهذلية والعمروية والنظامية والأسوارية والمعمرية والإسكافية والجعفرية والبشرية والمردارية والهشامية والثمامية والجاحظية والخابطية والحمارية والخياطية والشحامية وأصحاب صالح قبة والمؤنسية والكعبية والجبائية والبهشمية وفرقتان من هذه الجملة لا يعدان من فرق الإسلام وهما الخابطية والحمارية .
وثلاث فرق هم المرجئة فريق منهم يجمعون بين الإرجاء في الإيمان وبين القول بالقدر كأبي شمر ومحمد بن شبيب البصري والخالدية فؤلاء مرجئون قدريون وفريق منهم يجمعون القول بالارجاء في الإيمان وبين قول جهم كما سنذكره فيما بعد فهؤلاء هم مرجئون جهميون وفريق جوزوا القول بالارجاء ولا يقولون بالجبر ولا بقدر وهم فيما بينهم خمس فرق اليونسية والغسانية والثوبانية والتومنية والمريسية فصارت المرجئة على هذا التفصيل سبع فرق والشيبانية والمعبدية والرشيدية والمكرمية والحمزية والإبراهيمية والواقفية .
والأباضية منهم أربع فرق الحفصية والحارثية واليزيدية وأصحاب طاعة لا يراد بها الله تعالى ولا يعد اليزيدية من فرق الإسلام لأنهم جوزوا فسخ شريعة الإسلام وذلك خلاف أجماع المسلمين ومن جملة العجاردة فرقة يقال لهم الميمونية ولا يعدون من فرق المسلمين لأنهم يجوزون التزوج ببنات البنات ويبيحونه وذلك خلاف ما عليه المسلمون(1/18)
وعشرون منهم القدرية المعتزلة كل فريق منهم يكفر سائرهم وهم الواصلية والهذلية والعمروية والنظامية والأسوارية والمعمرية والإسكافية والجعفرية والبشرية والمردارية والهشامية والثمامية والجاحظية والخابطية والحمارية والخياطية والشحامية وأصحاب صالح قبة والمؤنسية والكعبية والجبائية والبهشمية وفرقتان من هذه الجملة لا يعدان من فرق الإسلام وهما الخابطية والحمارية كما نذكره فيما بعد .
وثلاث فرق هم المرجئة فريق منهم يجمعون بين الإرجاء في الإيمان وبين القول بالقدر كأبي شمر ومحمد بن شبيب البصري والخالدية فؤلاء مرجئون قدريون وفريق منهم يجمعون القول بالارجاء في الإيمان وبين قول جهم كما سنذكره فيما بعد فهؤلاء هم مرجئون جهميون .
وفريق جوزوا القول بالارجاء ولا يقولون بالجبر ولا بقدر وهم فيما بينهم خمس فرق اليونسية والغسانية والثوبانية والتومنية والمريسية فصارت المرجئة على هذا التفصيل سبع فرق وفرقة هم البكرية وفرقة هم النجارية المقيمون بالري ونواحيها وهم أكثر من عشر فرق فيما بينهم كالبرغوثية والزعفرانية والمستدركة وغيرهم ويعدون فرقة واحدة وفرقة هم الضرارية وفرقة هم الجهمية وفرقة هم كرامية خراسان وهم ثلاث فرق الحقائقية والطرائقية والإسحاقية ويعدون فرقة واحدة لأن بعض فرقهم لا يكفر بعضا فهؤلاء الذين ذكرناهم اثنتان وسبعون فرقة .
والفرقة الثالثة والسبعون هي الناجية وهم أهل السنة والجماعة من أصحاب الحديث والرأي وجملة فرق الفقهاء الذين اختلفوا في فروع الشريعة التي لا يجري فيها التبري والتكفير وهم من أخبر النبي(صلى الله عليه وسلم)عنهم بقوله الخلاف بين أمتي رحمه والله ولي العصمة من كل إلحاد وبدعة. (1)
__________
(1) التبصير في الدين ص 23- 35 .(1/19)
وقال الإيجي في تحديد هذه الفرق : " إعلم أن كبار الفرق الإسلامية ثمانية المعتزلة والشيعة والخوارج والمرجئة والنجارية والجبرية والمشبهة والناجية" (1) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) في تعيين هذه الفرق : " وأما تعيين هذه الفرق فقد صنف الناس فيهم مصنفات وذكروهم في كتب المقالات لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة هي إحدى الثنتين والسبعين لا بد له من دليل فإن الله حرم القول بلا علم عموما وحرم القول عليه بلا علم خصوصا فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (2) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (3) وقال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (4) .
__________
(1) المواقف ، ص 3/649.
(2) سورة الأعراف ، الآية33
(3) سورة البقرة ، الآيات 168، 169
(4) سورة الإسراء ، الآية36(1/20)
وأيضا فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة ويجعل من حالفها أهل البدع وهذا ضلال مبين فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر وطاعته في كل ما أمر وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله فمن جعل شخصا من الأشخاص غير رسول الله من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك كان من أهل البدع والضلال والتفرق .
وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها وأئمتهم فقهاء فيها وأهل معرفة بمعانيها واتباعا لها تصديقا وعملا وحبا وموالاة لمن والاها ومعاداة لمن عاداها الذين يروون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه. (1)
الفصل الأول
الوعيدية
المبحث الأول : التعريف بالوعيدية
فرق الوعيدية هي الفرق التي غلبت جانب الوعيد ، وقال الشهرستاني في تعريفهم : ((هم القائلون بتكفير صاحب الكبيرة وتخليده في النار)) . (2)
ويدخل فيها عدد من الفرق هي : المعتزلة ، والخوارج ، وما يندرج تحتهما من الفرق ، وسأعرض فيما يلي تعريفاً بهذه الفرق على النحو التالي : -
المعتزلة
__________
(1) الفتاوى 3/ 347 .
(2) الملل والنحل :1/114 .(1/21)
هي فرقة نشأت عندما حدث في أيام الحسن البصري خلاف واصل بن عطا الغزال في القدر وفى المنزلة بين المنزلتين وانضم إليه عمرو بن عبيد بن باب في بدعته فطردهما الحسن عن مجلسه فاعتزلا عن سارية من سواري مسجد البصرة فقيل لهما ولأتباعهما معتزلة لاعتزالهم قول الأمة في دعواها أن الفاسق من امة الإسلام لا مؤمن ولا كافر (1) .
وهي فرقة عقلانية كلامية فلسفية تتكون من طوائف من أهل الكلام الذين خلطوا بين الشرعيات والفلسفة العقليات في كثير من مسائل العقيدة ، وقد خرجت المعتزلة عن السنة والجماعة في مصادر التلقي ، ومناهج الاستدلال ، ومنهج تقرير العقيدة، وفي أصول الاعتقاد (2) .
تسميتهم
يطلق على المعتزلة أسماء أخرى، فيسمون أصحاب العدل والتوحيد ويلقبون بالقدرية والعدليه وهم قد جعلوا لفظ القدرية مشتركا وقالوا لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره وشره من الله تعالى احترازا من وصمة اللقب إذ كان الذم به متفقا عليه لقول النبي عليه الصلاة والسلام القدرية مجوس هذه الأمة (3) .
أصولهم الخمسة
يجمع المعتزلة خمسة أصول هي : -
1- المنزلة بين المنزلتين ، وهي قولهم بأن الفاسق الملي (مرتكب الكبيرة) لا مؤمن ولا كافر ، بل في منزلة بين المنزلتين.
2- التوحيد ، ويقصدون به نفي صفات الله تعالى .
3- العدل ، ويقصدون به نفي القدر .
4- الوعد والوعيد – أو إنفاذ الوعيد- وهو زعهمهم أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار إذا مات على كبيرته .
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويقصدون به الخروج على ولاة الأمور ، وإلزام لناس بمقالاتهم وعقائدهم .
فرق المعتزلة
__________
(1) الفرق بين الفرق، دار المعرفة ، بيروت، 3/28
(2) د. ناصر العقل ، دراسات في الأهواء والافتراق والبدع 2 / 349 ، ط2(دار الوطن ، الرياض، 1423هـ) .
(3) الملل والنحل 1/43(1/22)
افترقت المعتزلة إلى فرق عدة ، قال البغدادي : وأما القدرية المعتزلة عن الحق فقد افترقت عشرين فرقة كل فرقة منها تكفر سائرها وهذه أسماء فرقها:-
واصلية ، وعمرية، والهذيلية، والنظامية، والاموارية، والعمرية، والثمامية، والجاحظية، والحايطية، والحمارية، والخياطية، والسحامية، وأصحاب صالح قبة، والمويسية، والكعبية، والجبائية، والبهشيمية المنسوبة إلى أبي هاشم ابن الجبائى، فهي ثنتان وعشرون فرقة ثنتان منها ليستا من فرق الإسلام وهما الحايطية والحمارية. (1)
معتقدات المعتزلة وأقوالهم
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/18 .(1/23)
قال أبو الحسن الأشعري : أجمعت المعتزلة على إن الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ولا مجسة ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا اجتماع ولا افتراق ولا يتحرك ولا يسكن ولا يتبعض وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء وليس بذي جهات ولا بذي يمين وشمال وأمام وخلف وفوق وتحت ولا يحيط به مكان ولا يجرى عليه زمان ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدثهم ولا يوصف بأنه متناه ولا يوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات وليس بمحدود ولا والد ولا مولود ولا تحيط به الأقدار ولا تحجبه الأستار ولا تدركه الحواس ولا يقاس بالناس ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه ولا تجرى عليه الآفات ولا تحل به العاهات وكل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فغير مشبه له لم يزل أولا سابقا متقدما للمحدثات موجودا قبل المخلوقات ولم يزل عالما قادرا حيا ولا يزال كذلك لا تراه العيون ولا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأوهام ولا يسمع بالأسماع شيء لا كالأشياء عالم قادر حي لا كالعلماء القادرين الأحياء وانه القديم وحده لا قديم غيره ولا اله سواه ولا شريك له في ملكه ولا وزير له في سلطانه ولا معين على إنشاء ما انشأ وخلق ما خلق لم يخلق الخلق على مثال سبق وليس خلق شيء بأهون عليه من خلق شيء آخر ولا بأصعب عليه منه لا يجوز عليه اجترار المنافع ولا تلحقه المضر ولا يناله السرور واللذات ولا يصل إليه الاذى والآلام ليس بذي غاية فيتناهى ولا يجوز عليه الفناء ولا يلحقه العجز والنقص تقدس عن ملامسة النساء وعن اتخاذ الصاحبة والأبناء فهذه جملة قولهم في التوحيد. (1)
__________
(1) مقالات الإسلاميين 1/155، 156 .(1/24)
وبالجملة فإن للمعتزلة أقوال متفق عليها وأخرى مختلف فيها على النحو التالي :-
أولاً : الأقوال والمعتقدات المتفق عليها
1- القول بان الله تعالى قديم والقدم اخص وصف ذاته ونفوا الصفات القديمة أصلا فقالوا هو عالم بذاته قادر بذاته حي بذاته لا بعلم وقدرة وحياة هي صفات قديمة ومعان قائمة به لأنه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو اخص الوصف لمشاركته في الإلهية.
2- اتفقوا على أن كلامه محدث مخلوق في محل وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه فان ما وجد في المحل عرض قد فني في الحال، وقالوا بحدوث أمره ونهيه وخبره .
3- واتفقوا على أن الإرادة والسمع والبصر ليست معاني قائمة بذاته لكن اختلفوا في وجوه وجودها ومعامل معانيها .
4- اتفقوا على نفى رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار ونفى التشبيه عنه من كل وجه جهة ومكانا وصورة وجسما وتحيزا وانتقالا وزوالا وتغيرا وتأثرا وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة فيها وسموا هذا النمط توحيدا .
5- اتفقوا على إن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها مستحق على ما يفعله ثوابا وعقابا في الدار الآخرة والرب تعالى منزه أن يضاف إليه شر وظلم وفعل هو كفر ومعصية لأنه لو خلق الظلم كان ظالما كما لو خلق العدل كان عدلا .
6- اتفقوا على أن الله تعالى لا يفعل إلا الصلاح والخير ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد وأما الأصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف وسموا هذا النمط عدلا .
7- اتفقوا على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض والتفضل معنى آخر وراء الثواب وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار لكن يكون عقابه اخف من عقاب الكفار وسموا هذا النمط وعدا ووعيدا .(1/25)
8- اتفقوا على أن أصول المعرفة وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع والحسن القبيح يجب معرفتهما بالعقل واعتناق الحسن واجتناب القبيح واجب كذلك . وورود التكاليف الطاف للبارى تعالى ارسلها إلى العباد بتوسط الأنبياء عليهم السلام امتحانا واختبارا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
9- اتفقوا على نفي صفات الله الازلية وأنه ليس لله عز وجل علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا صفة أزلية وزادوا على هذا بقولهم ان الله تعالى لم يكن له في الازل اسم ولا صفة.
10- اتفاقهم على دعواهم في الفاسق من أمة الإسلام بالمنزلة بين المنزلتين وهى انه فاسق لا مؤمن ولا كافر ولاجل هذا سماهم المسلمون معتزلة لاعتزالهم قول الأمة بأسرها.
11- اتفقوا على ان كل ما لم يأمر الله تعالى به أو نهى عنه من أعمال العباد لم يشأ الله شيئا منها. (1)
ثانياً : الأقوال والمعتقدات المختلف فيها
1- اختلفت المعتزلة في ذلك فقال قائلون البارىء بكل مكان بمعنى انه مدبر لكل مكان وان تدبيره في كل مكان والقائلون بهذا القول جمهور المعتزلة أبو الهذيل و الجعفران والاسكافى ومحمد بن عبد الوهاب الجبائى وقال قائلون البارىء لا في مكان بل هو على مالم يزل عليه وهو قول هشام الفوطى وعباد بن سليمان وأبي زفر وغيرهم من المعتزلة وقالت المعتزلة في قول الله عز وجل: {الرحمن على العرش استوى} يعنى استولى .
2- اجمعت المعتزلة على ان الله سبحانه لا يرى بالابصار واختلفت هل يرى بالقلوب فقال أبو الهذيل واكثر المعتزلة نرى الله بقلوبنا بمعنى انا نعلمه بقلوبنا وانكر هشام الفوطى وعباد بن سليمان ذلك القول في ان الله عز وجل عالم قادر.
3- واختلفت المعتزلة في البارىء عز وجل هل يقال انه لم يزل عالما بالاجسام وهل المعلومات معلومات قبل كونها وهل الاشياء اشياء لم تزل ان تكون على سبع مقالات .
__________
(1) انظر : الفرق بين الفرق 1/93- 110 ، الملل والنحل :1/44 ، 45(1/26)
4- واختلفوا أيضاً لافعال الله سبحانه آخر ام لا آخر لها على مقالتين فقال جهم بن صفوان لمقدورات الله تعالى ومعلوماته غاية ونهاية ولافعاله آخر وان الجنة والنار تفنيان ويفنى اهلهما حتى يكون الله سبحانه آخرا لا شىء معه كما كان اولا لا شىء معه .
5- واختلف الذين قالوا لم يزل الله عالما قادرا حيا من المعتزلة فيه اهو عالم قادر حى بنفسه ام بعلم وقدرة وحياة وما معنى القول عالم قادر حى .
6- اختلفت المعتزلة في ذلك فمنهم من اثبت البارىء متكلما ومنهم من امتنع ان يثبت البارىء متكلما وقال لو ثبته متكلما لثبته متفعلا والقائل بهذا الاسكافى وعباد بن سليمان .
7- اختلفت المعتزلة في القول ان الله مريد على خمسة اقاويل .
8- اختلفت المعتزلة في كلام الله سبحانه هل هو جسم ام ليس بجسم وفى خلقه على ستة اقاويل . (1)
الخوارج
تعريف الخوارج
كل من خرج عن الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيا سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كل زمان . (2)
ظهور الخوارج
أول من خرج على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه جماعة ممن كان معه في حرب صفين وأشدهم خروجا عليه ومروقا من الدين الأشعث بن قيس الكندي ومسعر بن فدكى التميمي وزيد بن حصين الطائي حين قالوا القوم يدعوننا إلى كتاب الله وأنت تدعونا إلى السيف حتى قال أنا أعلم بما في كتاب الله انفروا إلى بقية الأحزاب انفروا إلى من يقول كذب الله ورسوله وأنتم تقولون صدق الله ورسوله قالوا لترجعن الأشتر عن قتال المسلمين وإلا فعلنا بك مثل ما فعلنا بعثمان، فاضطر إلى رد الأشتر بعد أن هزم الجمع وولوا مدبرين وما بقى منهم إلا شرذمة قليلة فيهم حشاشة قوة فامتثل الأشتر امره. (3)
أقوالهم المتفق عليها
__________
(1) انظر: مقالات الإسلاميين 1/ 157 وما بعدها .
(2) الملل والنحل :1/114
(3) الملل والنحل :1/114(1/27)
وقد اختلفوا فيما يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها فذكر الكعبى في مقالاته أن الذى يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها: إكفار علي وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضى بتحكيم الحكمين والإكفار بارتكاب الذنوب ووجوب الخروج على الإمام الجائر.
وقال أبو الحسن الذى يجمعها إكفار علي وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضى بالتحكيم وصوب الحكمين او أحدهما ووجوب الخروج على السلطان الجائر ولم يرض ما حكاه الكعبى من إجماعهم على تكفير مرتكبى الذنوب.
وقال البغدادي : الصواب ما حكاه شيخنا أبو الحسن عنهم وقد أخطأ الكعبى في دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبى الذنوب منهم وذلك ان النجدات من الخوراج لا يكفرون أصحاب الحدود من موافقتهم وقد قال قوم من الخوارج ان (1) التكفير انما يكون بالذنوب التي ليس فيها وعيد مخصوص فاما الذى فيه حد او عيد في القرآن فلا يزاد صاحبه على الاسم الذى ورد فيه مثل تسميته زانيا وسارقا ونحو ذلك وقد قالت النجدات إن صاحب الكبيرة من موافقتهم كافر نعمة وليس فيه كفر دين وفى هذا بيان خطإ الكعبى في حكايته عن جميع الخوارج تكفير أصحاب الذنوب كلهم منهم ومن غيرهم وإنما الصواب فيما يجمع الخوارج كلها ما حكاه شيخنا الحسن رحمه الله من تكفيرهم عليا وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن صوبهما او صوب احدهما أو رضى بالتحكيم. (2)
فرقهم
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/55
(2) الفرق بين الفرق :1/56 مقالات الإسلاميين :1/86 اعتقادات فرق المسلمين والمشركين 1/46(1/28)
تنقسم الخوارج إلى فرق عدة ، قال البغدادي : الخوارج عشرون فرقة وهذه أسماؤها المحكمة الاولى الأزارقة والنجدات والصفرية ثم العجاردة المفترقة فرقا منها الخازمية والشعيبية والمعلومية والمجهولية وأصحاب طاعة لا يراد الله تعالى بها والصلتية والاخنسية والشيبية والشيبانية والمعبدية والرشيدية والمكرمية والخمرية والشمراخية والابراهيمية والوافقة والاباضية منهم افترقت فرقا معظمها فريقان حفصية وحادثية فأما اليزيدية من الأباضية والميمونية من العجاردة فانها فرقتنا من غلاة الكفرة الخارجين. (1) وتفصيل الفرق على النحو التالي :-
1- المحكمة الأولى
يقال للخوارج محكمة وشراة واختلفوا في أول من تشرى منهم فقيل عروة بن حدير أخو مرادس الخارجى وقيل اولهم يزيد بن عاصم المحاذى وقيل رجل من ربيعة من بنى يشكر كان مع علي بصفين فلما رأى اتفاق الفريقين على الحكمين استوى على فرسه وحمل على أصحاب معاوية وقتل منهم رجلا وحمل على أصحاب علي وقتل منهم رجلا ثم نادى بأعلى صوته ألا إنى قد خلعت عليا ومعاوية وبرئت من حكمهما ثم قاتل أصحاب علي حتى قتله قوم من همذان ثم إن (2) .
__________
(1) الفرق بين الفرق 1/55
(2) الفرق بين الفرق :1/56(1/29)
ثم إن الخوارج بعد رجوع علي من صفين إلى الكوفة انحازوا إلى حرورا وهم يومئذ اثنا عشر الفا ولذلك سميت الخوارج حرورية وزعيمهم يومئذ عبد الله بن كوا وشبت بن ربعى وخرج اليهم علي وناظرهم ووضحت حجته عليهم فاستأمن اليه ابن الكوا مع عشرة من الفرسان وانحاز الباقون منهم إلى النهروان وأمروا على أنفسهم رجلين أحدهما عبد الله بن وهب الراسبى والآخر حرقوص بن زهير البجلي العرني المعروف بذى الثدية والتقوا في طريقهم إلى نهروان برجل رأوه يهرب منهم فأحاطوا به وقالوا له من أنت قال انا عبد الله بن خباب بن الأرت فقالوا له حدثنا حديثا سمعته عن أبيك عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)فقال: سمعت أبي يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ((ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشى والماشى خير من الساعى فمن استطاع ان يكون فيها مقتولا فلا يكونن قاتلا)) فشد عليه رجل من الخوارج يقال له مسمع بن قدلي بسيفه فقتله فجرى دمه فوق ماء النهر كالشراك إلى الجانب الآخر ثم إنهم دخلوا منزله وكان في القرية التى قتلوه على بابها فقتلوا ولده وجاريته أم ولده.
ثم عسكروا بنهروان وانتهى خبرهم إلى علي رضي الله عنه فسار اليهم في أربعة ألف من أصحابه وبين (1) يديه عدى بن حاتم الطائى وهو يقول:
نسير اذا ما كاع قوم وبلدوا ... ... برايات صدق كالنسور الخوافق
الى شر قوم من شراة تحزبوا ... ... وعادوا إله الناس رب المشارق
طغاة عماة مارقين عن الهدى ... ... وكل ينفى قوله غير صادق
وفينا علي ذو المعالى يقودنا ... ... اليهم جهارا بالسيوف البوارق
فلما قرب علي منهم أرسل اليهم علي أن سلموا قاتل عبد الله ابن حباب فأرسلوا اليه إنا كلنا قتله ولئن ظفرنا بك قتلناك.
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/57(1/30)
فأتاهم علي في جيشه وبرزوا اليه يجمعهم فقال لهم قبل القتال ماذا نقمتم منى فقالوا له أول ما نقمنا منك أنا قاتلنا بين يديك يوم الجمل فلما انهزم أصحاب الجمل أبحت لنا ما وجدنا في عسكرهم من المال ومنعتنا من سبى نسائهم وذراريهم فكيف استحللت مالهم دون النساء والذرية؟
فقال: إنما أبحت لكم أموالهم بدلا عما كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومى عليهم، والنساء والذرية لم يقاتلونا وكان لهم حكم الاسلام بحكم دار الاسلام ولم يكن منهم ردة عن الاسلام ولا يجوز استرقاق من لم يكفر وبعد لو أبحت لكم النساء أيكم يأخذ عائشة فى سهمه!
فخجل القوم من هذا ثم قالوا له: نقمنا عليك محو إمرة أمير المؤمنين علي اسمك في الكتاب بينك وبين معاوية لما نازعك معاوية في ذلك (1) .
فقال: فعلت مثل ما فعل رسول الله(صلى الله عليه وسلم)يوم الحديبية حين قال له سهيل بن عمرو: لو علمت انك رسول الله لما نازعتك ولكن اكتب باسمك واسم ابيك فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو وأخبرنى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)ان لى منهم يوما مثل ذلك فكانت قصتى في هذا مع الأبناء قصة رسول الله(صلى الله عليه وسلم)مع الآباء.
فقالوا له: فلم قلت للحكمين إن كنت اهلا للخلافة فأثبتانى فإن كنت في شك من خلافتك فغيرك بالشك فيك أولى؟
فقال: إنما أردت بذلك النصفة لمعاوية ولو قلت للحكمين احكما لى بالخلافة لم يرض بذلك معاوية وقد دعا رسول الله عليه السلام نصارى نجران إلى المباهلة وقال لهم تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين فانصفهم بذلك عن نفسه ولو قال ابتهل فاجعل لعنة الله عليكم لم يرض النصارى بذلك لذلك أنصفت انا معاوية من نفسى ولم أدر غدر عمرو بن العاص.
قالوا: فلم حكمت الحكمين في حق كان لك؟
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/58(1/31)
فقال: وجدت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد حكم سعد بن معاذ فى بنى قريظة ولو شاء لم يفعل وأقمت أنا أيضاً حكما لكن حكم رسول الله عليه (1) السلام حكم بالعدل وحكمى خدع حتى كان من الامر ما كان فهل عندكم شيء سوى هذا؟
فسكت القوم وقال اكثرهم صدق والله وقالوا التوبة واستأمن اليه منهم يومئذ ثمانية الف وانفرد منهم أربعة الآف بقتاله مع عبد الله بن وهب الراسبى وحرقوص بن زهير البجلى وقال علي للذين استأمنوا اليه: اعتزلونى في هذا اليوم. وقاتل الخوارج بالذين قدموا معه من الكوفة وقال لأصحاب قاتلوهم فوالذى نفسى بيده لا يقتل منا عشرة ولا ينجو عشرة منهم فقتل من أصحاب علي يومئذ تسعة .
وبرز حرقوص بن زهير إلى علي وقال: يا بن أبي طالب والله لا نريد بقتالك إلا وجه الله والدار الآخرة وقال له علي: بل مثلكم كما قال الله عز وجل {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً}{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} (2) منهم أنتم ورب الكعبة ثم حمل عليهم في أصحابه وقتل عبد الله بن وهب في المبارزة وصرع ذو الثدية عن فرسه (3) وقتلت الخوارج يومئذ فلم يفلت منهم غير تسعة أنفس صار منهم رجلان إلى سجستان ومن اتباعهما خوارج سجستان ورجلان صارا إلى اليمن ومن أتباعهما أباضية اليمن ورجلان صارا إلى عمان ومن اتباعهما خوارج عمان ورجلان صارا إلى ناحية الجزيرة ومن اتباعهما كان خوارج الجزيرة ورجل منهم صار إلى تل مورون.
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/59
(2) سورة الكهف ، الآيات103،104
(3) الفرق بين الفرق :1/60(1/32)
وقال علي لأصحابه يومئذ: اطلبوا ذا الثدية فوجدوه تحت دالية ورأوا تحت يده عند الابط مثل ثدى المراة فقال: صدق الله ورسوله وأمر فقتل فهذه قصة المحكمة الاولى وكان دينهم إكفار علي وعثمان وأصحاب الجمل ومعاوية وأصحابه والحكمين ومن رضى بالتحكيم وإكفار كل ذى ذنب ومعصية .
2- الأزارقة
اتباع نافع بن الازرق الحنفى المكنى بأبي راشد ولم تكن للخوارج قط فرقة اكثر عددا ولا أشد منهم شوكة والذى جمعهم من الدين أشياء:
منها قولهم بأن مخالفيهم من هذه الامة مشركون وكانت المحكمة الاولى يقولون (1) إنهم كفرة لا مشركون ومنها قولهم إن القعدة ممن كان على رأيهم عن الهجرة اليهم مشركون وإن كانوا على رأيهم وكانت المحكمة الاولى لا يكفرون القعدة عنهم اذا كانوا على رأيهم .
ومنها أنهم أوجبوا امتحان من قصد عسكرهم إذا ادعى أنه منهم أن يدفع اليه اسير من مخالفيهم وأمروه بقتله فإن قتله صدقوه في دعواه أنه منهم وان لم يقتله قالوا هذا منافق ومشرك وقتلوه.
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/62(1/33)
ومنها أنهم استباحوا قتل نساء مخالفيهم وقتل أطفالهم وزعموا أن الاطفال مشركون وقطعوا بأن أطفال مخالفيهم مخلدون في النار واختلفوا في أول من أحدث ما انفردت الأزارقة به من إكفار القعدة عنهم ومن امتحان من قصد عسكرهم فمنهم من زعم أن أول من أحدث ذلك منهم عبد ربه الكبير ومنهم من قال عبد ربه الصغير ومنهم من قال أول من قال ذلك رجل منهم اسمه عبد الله ابن الوضين وخالف نافع بن الأزرق في ذلك واستتابه منه فلما مات ابن الوضين رجع نافع واتباعه إلى قوله وقالوا كان الصواب معه ولم يكفر نافع نفسه بخلافه إياه حين خالفه وأكفر من يخالفه بعد ذلك ولم يتبرأ من المحكمة الاولى في تركهم إكفار القعدة عنهم وقال ان هذا شىء ما زلنا دونهم وأكفر من يخالفهم بعد ذلك في اكفار القعدة عنهم وزعم نافع واتباعه أن دار مخالفيهم دار كفر (1) ويجوز فيها قتل الأطفال والنساء.
وأنكرت الأزارقة الرجم واستحلوا كفر الأمانة التي أمر الله تعالى بأدائها وقالوا ان مخالفينا مشركون فلا يلزمنا إذا امانتنا إليهم ولم يقيموا الحد على قاذف الرجل المحصن وأقاموه على قاذف المحصنات من النساء . وقطعوا يد السارق في القليل والكثير ولم يعتبروا في السرقة نصابا.
وأكفرتهم الأمة في هذه البدع التي أحدثوها بعد كفرهم الذى شاركوا فيه المحكمة الاولى فباءوا بكفر على كفر كمن باء بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين.
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/63(1/34)
ثم الازارقة بعد اجتماعها على البدع بايعوا نافع بن الازرق وسموه أمير المؤمنين وانضم اليهم خوارج عمان واليمان فصاروا اكثر من عشرين ألفا واستولوا على الأهواز وما وراءها من أرض فارس وكرمان وجبوا خراجها وعامل البصرة يومئذ عبد الله بن الحرث الخزاعى من قبل عبد الله بن الزبير فأخرج عبد الله بن الحرث جيشا مع مسلم بن عبس بن كريز بن حبيب بن عبد شمس لحرب الأزارقة فاقتتل الفريقان بدولاب الاهواز فقتل مسلم ابن عبس وأكثر أصحابه فخرج إلى حربهم من البصرة عثمان ابن عبيد الله بن معمر التميمى فى ألفى فارس فهزمته الازارقة فخرج اليهم حارثة بن بدر الفدانى في ثلاثة آلاف من جند البصرة (1) فهزمتهم الازارقة فكتب عبد الله بن الزبير من مكة إلى المهلب ابن أبي صفرة وهو يومئذ بخراسان يأمره بحرب الازارقة وولاه ذلك فرجع المهلب إلى البصرة وانتخب من جندها عشرة آلاف وانضم اليه قومه من الأزد فصار في عشرين ألفا وخرج وقاتل الأزارقة وهزمهم عن دولاب الأهواز إلى الأهواز ومات نافع ابن الأزرق في تلك الهزيمة وبايعت الأزارقة بعده عبيد الله بن مأمون التميمى وقاتلهم المهلب بعد ذلك بالاهواز فقتل عبيد الله بن مأمون في تلك الواقعة وقتل أيضاً أخوه عثمان بن مأمون مع ثلاثمائة من أشد الازارقة وانهزم الباقون منهم إلى ايدج وبايعوا قطرى بن الفجاءة وسموه أمير المؤمنين وقاتلهم المهلب بعد ذلك حروبا كانت سجالا وانهزمت الأزارقة في آخرها إلى سابور من أرض فارس وجعلوها دار هجرتهم وثبت المهلب وبنوه وأتباعهم على قتالهم تسع عشرة سنة بعضها في أيام عبد الله بن الزبير وباقيها في زمان خلافة عبد الملك بن مروان وولاية الحجاج على العراق وقرر الحجاج المهلب على حرب الازارقة فدامت الحرب في تلك السنين بين المهلب وبين الازارقة كرا وفرا فيما بين فارس والاهواز إلى أن وقع الخلاف بين الازارقة ففارق عبد ربه الكبير قطريا وصار إلى
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/64(1/35)
واد بجيرفت كرمين في سبعة آلاف رجل وفارقه (1) عبد ربه الصغير في أربعة آلاف وصار إلى ناحية اخرى من كرمان.
وبقى قطري في بضعة عشر ألف رجل بأرض فارس وقاتله المهلب بها وهزمه إلى أرض كرمان وتبعه وقاتله بأرض كرمان وهزمه منها إلى الرى ثم قاتل عبد ربه الكبير فقتله وبعث بابنه يزيد بن المهلب إلى عبد ربه الصغير فأتى عليه وعلى أصحابه وبعث الحجاج سفين بن الأبرد الكلبى في جيش كثيف إلى قطرى بعد أن انحاز من الرى إلى طبرستان فقتلوه بها وانفذوا برأسه إلى الحجاج وكان عبيدة بن هلال اليشكرى قد فارق قطريا وانحاز إلى قومس فتبعه سفين بن الابرد وحاصره في حصن قومس إلى ان قتله وقتل اتباعه وطهر الله بذلك الارض من الازارقة والحمد لله على ذلك . (2)
والازارقة تقول ان كل كبيرة كفر وان الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم وان كل مرتكب معصية كبيرة ففى النار خالدا مخلدا ويكفرون عليا رضوان الله عليه في التحكيم ويكفرون الحكمين ابا موسى وعمرو بن العاص ويرون قتل الاطفال. (3)
والازارقة يرون ان الاطفال المشركين في النار وان حكمهم حكم آبائهم وكذلك اطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم وزعمت الازارقة ان من اقام في دار الكفر فكافر لا يسعه الا الخروج . (4)
3- النجدات
اتباع نجدة بن عامر الحنفى وكان السبب في رياسته وزعامته أن نافع بن الازرق لما أظهر البراءة من القعدة عنه ان كانوا على رايه وسماهم مشركين واستحل قتل أطفال مخالفيه ونسائهم وفارقه أبو قديل وعطية الحنفى وراشد الطويل ومقلاص وأيوب الأزرق وجماعة من اتباعهم وذهبوا إلى اليمامة فاستقبلهم نجدة بن عامر في جند من الخوارج يريدون اللحوق بعسكر نافع فاخبروهم بأحداث نافع وردوهم إلى اليمامة (5) وبايعوا بها نجدة بن عامر.
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/65
(2) الفرق بين الفرق :1/66
(3) مقالات الإسلاميين :1/87
(4) مقالات الإسلاميين :1/89
(5) الفرق بين الفرق :1/66(1/36)
وأكفروا من قال بإكفار القعدة منهم عن الهجرة اليهم وأكفروا من قال بإمامة نافع وأقاموا على إمامة نجدة إلى أن اختلفوا عليه في امور نقموها منه فلما اختلفوا عليه صاروا ثلاث فرق.
فرقة صارت مع عطية بن الأسود الحنفى إلى سجستان وتبعهم خوارج سجستان ولهذا قيل لخوارج سجستان في ذلك الوقت عطوية.
وفرقة صارت مع أبي قديل حربا على نجدة وهم الذين قتلوا نجدة.
وفرقة عذروا نجدة في احداثه وأقاموا على إمامته.
والذى نقمه على نجدة اتباعه أشياء منها: انه بعث جيشا في غزو البر وجيشا في غزو البحر ففضل الذين بعثهم في البر على الذين بعثهم في البحر في الرزق والعطا.
ومنها أنه بعث جيشا فأغاروا على مدينة الرسول عليه السلام وأصابوا منها جارية من بنات عثمان بن عفان فكتب اليه عبد الملك في شأنها فاشتراها من الذى كانت في يديه وردها إلى عبد الملك بن مروان فقالوا له إنك رددت جارية لنا على عدونا.
ومنها أنه عذر أهل الخطأ في الاجتهاد بالجهالات وكان السبب في ذلك أنه بعث ابنه المطرح مع جند من عسكره إلى القطيف فأغاروا عليها وسبوا منها النساء والذرية وقوموا النساء على أنفسهم ونكحوهن قبل إخراج الخمس من الغنيمة وقالوا ان دخلت النساء في قسمنا فهو مرادنا وان زادت فيمهن على (1) نصيبنا من الغنيمة غرمنا الزيادة من أموالنا.
فلما رجعوا إلى نجدة سألوه عما فعلوا من وطء النساء ومن أكل طعام الغنيمة قبل إخراج الخمس منها وقبل قسمة أربعة أخماسها بين الغانمين فقال لهم: لم يكن لكم ذلك.
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/67(1/37)
فقالوا: لم نعلم ان ذلك لا يحل لنا فعذرهم بالجهالة. ثم قال ان الدين أمران أحدهما معرفة الله تعالى ومعرفة رسله وتحريم دماء المسلمين وتحريم غصب اموال المسلمين والإقرار بما جاء من عند الله تعالى جملة فهذا واجب معرفته على كل مكلف وما سواه فالناس معذورون بجهالته حتى يقيم عليه الحجة في الحلال والحرام فمن استحل باجتهاده شيئا محرما فهو معذور ومن خاف من العذاب على المجتهد المخطىء قبل قيام الحجة عليه فهو كافر.
ومن بدع نجدة أيضاً انه تولى أصحاب الحدود من موافقيه وقال لعل الله يعذبهم بذنوبهم في غير نار جهنم ثم يدخلهم الجنة وزعم أن النار يدخلها من خالفه في دينه.
ومن ضلالاته أيضاً أنه أسقط حد الخمر. ومنها أيضاً أنه قال من نظر نظرة صغيرة أو كذب كذبة صغيرة وأصر عليها فهو مشرك. ومن زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر عليه فهو مسلم، اذا كان من موافقيه على دينه.
فلما أحدث هذا الإحداث وعذر اتباعه بالجهالات استتابه أكثر أتباعه من إحداثه وقالوا له: اخرج إلى المسجد وتب من (1) إحداثك. ففعل ذلك.
ثم ان قوما منهم ندموا على استتابته وانضموا إلى العاذرين له، وقالوا له أنت الإمام ولك الاجتهاد ولم يكن لنا ان نستتيبك فتب من توبتك، واستتب الذين استتابوك، وإلا نابذناك ففعل ذلك. فافترق عليه أصحابه وخلعه اكثرهم، وقالوا له: اختر لنا إماماً، فاختار أبا فديك.
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/68(1/38)
وصار راشد الطويل مع أبي فديك يدا واحدة، فلما استولى أبو فديك على اليمامة علم ان أصحاب نجدة اذا عادوا من غزواتهم أعادوا نجدة إلى الإمارة، فطلب عبده ليقتله فاختفى نجدة في دار بعض عاذريه ينتظر رجوع عساكره الذين كان قد فرقهم في سواحل الشام ونواحى اليمن، ونادى منادى أبي فديك من دلنا على نجدة فله عشرة آلاف درهم وأى مملوك دلنا عليه فهو حر فدلت عليه أمة للذين كان نجدة عندهم فأنفذ أبو فديك راشدا الطويل في عسكر اليه فكسبوه وحملوا رأسه إلى أبي فديك.
فلما قتل نجدة صارت النجدات بعده ثلاث فرق: فرقة أكفرته وصارت إلى أبي فديك كراشد الطويل وأبي بيهس وأبي الشمراخ واتباعهم .
وفرقة عذرته فيما فعل وهم النجدات اليوم
وفرقة من النجدات بعدوا عن اليمامة وكانوا بناحية البصرة شكوا فيما حكى من احداث (1) نجدة توقفوا في أمره وقالوا لا ندري هل أحدث تلك الأحداث ام لا فلا نبرأ منه الا باليقين. وبقى أبو فديك بعد قتل نجدة إلى ان بعث اليه عبد الملك بن مروان يعمر بن عبيد الله بن معمر التيميى في جند فقتلوا أبا فديك وبعثوا برأسه إلى عبد الملك بن مروان فهذه قصة النجدات . (2)
4- الصفرية
اتباع زياد بن الأصفر، وقولهم في الجملة كقول الأزارقة في أن أصحاب الذنوب مشركون غير أن الصفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم والأزارقة يرون ذلك.
وقد زعمت فرقة من الصفرية أن ما كان من الأعمال عليه حد واقع لا يسمى صاحبه الا بالاسم الموضوع له كزان وسارق وقاذف وقاتل عمد وليس صاحبه كافرا ولا مشركا وكل ذنب ليس فيه حد كترك الصلاة والصوم فهو كفر وصاحبه كافر.
وفرقة ثالثة من الصفرية قالت بقول من قال من البيهسية ان صاحب الذنب لا يحكم عليه بالكفر حتى يرفع إلى الوالي فيحده.
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/69
(2) الفرق بين الفرق :1/70 مقالات الإسلاميين :1/89-92(1/39)
فصارت الصفرية على هذا التقدير ثلاث فرق فرقة تزعم أن صاحب كل ذنب مشرك كما قالت الازارقة والثانية تزعم أن اسم الكفر واقع على صاحب دين ليس فيه حد والمحدود في ذنبه خارج عن الايمان وغير داخل في الكفر والثالثة تزعم أن اسم الكفر يقع على صاحب الذنب اذا حده الوالي على ذنبه (1) .
وكل الصفرية يقولون بموالاة عبد الله بن وهب الراسبى وحرقوص بن زهير واتباعهما من المحكمة الاولى ويقولون بإمامة أبي بلال مرداس الخارجى بعدهم وبإمامة عمران بن حطان السدويسي بعد أبي بلال، ولما قتل مرداس اتخذت الصفرية عمران بن حطان إماما وهو الذى رثى مرداسا بقصائد يقول في بعضها:
أنكرت بعدك ما قد كنت اعرفه ما الناس بعدك يا مرداس بالناس
وكان عمران بن حطان هذا ناسكا شاعرا شديدا في مذهب الصفرية وبلغ من خبثة في غزوة علي رضي الله عنه أنه رثى عبد الرحمن بن ملجم وقال في ضربه عليا :
يا ضربة من منيب ما أراد بها الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنى لأذكره يوما فأحسبه أو في البرية عند الله ميزانا
قال عبد القاهر وقد أجبناه عن شعره هذا بقولنا:
يا ضربة من كفور ما استفاد بها إلا الجداء بما يصليه نيرانا
إنى لألعنه دينا وألعن من يرجو له أبدا عفوا وغفرانا
وذاك ابن ملجم أشفى الناس كلهم أخفهم عند رب الناس ميزانا (2)
قال أبو الحسن : أصل قول الخوارج انما هو قول الازارقة والاباضية والصفرية والنجدية وكل الاصناف سوى الازارقة والاباضية والنجدية فانما تفرعوا من الصفرية . (3)
6- العجاردة
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/70
(2) الفرق بين الفرق :1/72
(3) مقالات الإسلاميين :1/101(1/40)
قال البغدادي : هم أتباع عبد الكريم بن عجرد وكان عبد الكريم من اتباع عطيه بن الاسود الحنفى وقد كانت العجاردة مفترقة عشر فرق يجمعها (1) القول بأن الطفل يدعى إذا بلغ وتجب البراءة منه قبل ذلك حتى يدعى إلى الإسلام أو يصفه هو وفارقوا الازارقة في شيء آخر وهو ان الازارقة استحلت أموال مخالفيهم بكل حال والعجاردة لا يرون أموال مخالفيهم فيئا الا بعد قتل صاحبه فكانت العجاردة على هذه الجملة إلى ان افترقت فرقها التى نذكرها بعد هذا . (2)
وقال أبو لحسن : العجاردة وهم خمس عشرة فرقة ، فالفرقة الاولى منهم يزعمون انه يجب ان يدعى الطفل اذا بلغ وتجب البراءة منه قبل ذلك حتى يدعى إلى الاسلام ويصفه هو.
والفرقة الثانية من العجاردة الميمونية والذي تفردوا به القول بالقدر على مذهب المعتزلة وذلك انهم يزعمون ان الله سبحانه فوض الاعمال إلى العباد وجعل لهم الاستطاعة إلى كل ما كلفوا فهم يستطيعون الكفر والايمان جميعا وليس لله سبحانه في اعمال العباد مشيئة وليس اعمال العباد مخلوقة لله فبرئت منه العجردية وسموا الميمونية .
والفرقة الثالثة من العجاردة الخلفية أصحاب رجل يقال له خلف فارقوا الميمونية في القول بالقدر وقالوا بالاثبات .
والفرقة الرابعة منهم الحمزية أصحاب رجل يدعى حمزة ثبتوا (3) على قول الميمونية بالقدر وانهم يرون قتال السلطان خاصة ومن رضى بحكمه فاما من انكره فلا يرون قتله الا اذا اعان عليهم او طعن في دينهم او صار عونا للسلطان او دليلا له وحكى زرقان ان العجاردة أصحاب حمزة لا يرون قتل اهل القبة ولا اخذ المال في السر حتى يبعث الحرب .
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/72
(2) الفرق بين الفرق :1/73
(3) مقالات الإسلاميين :1/93(1/41)
والفرقة الخامسة من العجاردة الشعيبية أصحاب شعيب وهو رجل يرى من ميمون ومن قوله فقال انه لا يستطيع احد ان يعمل الا ما شاء الله وان اعمال العباد مخلوقة لله وكان سبب فرقة الشعيبية والميمونية انه كان لميمون على شعيب مال فتقاضاه فقال له شعيب اعطيكه ان شاء الله فقال ميمون قد شاء الله ان تعطينيه الساعة فقال شعيب لو شاء الله لم اقدر الا اعطيكه فقال ميمون فان الله قد شاء ما امر وما لم يأمر لم يشأ (1) وما لم يشأ لم يأمر فتابع ناس ميمونا وتابع ناس شعيبا فكتبوا إلى عبد الكريم بن عجرد وهو في حبس خلد بن عبد الله البجلى يعلمونه قول ميمون وشعيب فكتب عبد الكريم انا نقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا نلحق بالله سوءا فوصل الكتاب اليهم ومات عبد الكريم فادعى ميمون انه قال بقوله حين قال لا نلحق بالله سوءا وقال شعيب: لا بل قال بقولى حيث قال ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فتولوا جميعا عبد الكريم وبرىء بعضهم من بعض وقال بعض الناس: ان عبد الكريم بن عجرد وميمون الذى تنسب اليه الميمونية رجل من اهل بلخ وقال قوم: ان عبد الكريم كان من أصحاب أبي بهس خالفه وفارقه في بيع الامة وذكر الكرابيسي في بعض كتبه ان العجاردة والميمونية يجيزون نكاح بنات البنين وبنات البنات وبنات بنات الاخوة وبنات بنى الاخوة ويقولون ان الله حرم البنات وبنات الاخوة وبنات الاخوات (2) وحكى لنا عنهم مالم نتحققه انهم يزعمون ان سورة يوسف ليست من القرآن .
والفرقة السادسة من العجاردة الخازمية والذي تفردوا به انهم قالوا في القدر بالاثبات وبأن الولاية والعداوة صفتان لله عز وجل في ذاته وان الله يتولى العباد على ماهم صائرون اليه وان كانوا في اكثر احوالهم مؤمنين.
__________
(1) مقالات الإسلاميين :1/94
(2) مقالات الإسلاميين :1/95(1/42)
والفرقة السابعة من العجاردة وهى الثانية من الخازمية ويدعون المعلومية والذي تفردوا به انهم قالوا: من لم يعلم الله بجميع اسمائه فهو جاهل به وان افعال العباد ليست مخلوقة وان الاستطاعة مع الفعل ولا يكون الا ما شاء الله .
والفرقة الثامنة من العجاردة وهى الثالثة من الخازمية المجهولية ، ومن قولهم ان من علم الله ببعض اسمائه فقد علمه ولم يجهله وقالوا باثبات القدر (1) .
والفرقة التاسعة من العجاردة الصلتية أصحاب عثمان بن أبي الصلت والذي تفرد به انه قال: اذا استجاب لنا الرجل واسلم توليناه وبرئنا من اطفاله لانه ليس لهم اسلام حتى يدركوا فيدعون إلى الاسلام فيقبلونه .
والفرقة العاشرة من العجاردة الثعالبة يقولون: ليس لاطفال الكافرين ولا لاطفال المؤمنين ولاية ولا عداوة ولا براءة حتى يبلغوا فيدعوا إلى الاسلام فيقروا به او ينكروه وكان ثعلبة مع عبد الكريم يدا واحدة إلى ان اختلفا في امر الطفل .
والفرقة الحادية عشرة من العجاردة وهى الاولى من الثعالبة يدعون الاخنسية يتوقفون عن جميع من في دار التقية من منتحلى الاسلام واهل القبلة الا من قد عرفوا منه ايمانا فيتولونه عليه او كفرا فيتبرءون منه لاجله ويحرمون الاغتيال والقتل في السر وان يبدأ احد (2) من اهل البغى من اهل القبلة بقتال حتى يدعى الا من عرفوه بعينه فبرئت منهم الثعلبية وسموهم الاخنسية لان الذي دعاهم إلى قولهم رجل كان يقال له الاخنس .
والفرقة الثانية عشرة من العجاردة وهي الثانية من الثعالبة المعبدية ومما تفردوا به انهم رأوا اخذ زكاة اموال عبيدهم اذا استغنوا واعطاءهم من زكاتهم اذا افتقروا ثم رأوا ان ذلك خطأ ولم يتبرءوا ممن فعل ذلك فقال لهم رجل يقال له معبد: ان كنتم لا تتبرءون ممن فعل ذلك فانا لا ندعه فاقام على ذلك وبرئت منه الثعالبة ومن أصحابه.
__________
(1) مقالات الإسلاميين :1/96
(2) مقالات الإسلاميين :1/97(1/43)
والفرقة الثالثة عشرة من العجاردة وهى الثالثة من الثعالبة الشيبانية أصحاب شيبان بن سلمة الخارج ايام أبي مسلم والمعين له ومن قصتهم ان شيبان بن سلمة لما احدث احداثا من معاونة أبي مسلم وغير ذلك برئت منه الخوارج فلما قتل شيبان جاء قوم فذكروا توبته فلم تقبل الثعلبية منهم توبة شيبان وقالوا: ان احداث شيبان كانت قتل المسلمين واخذ اموالهم وضربهم فان كنتم دفعتم من دار العلانية فانا لا نقبل من القاتل في دار العلانية توبة حتى يعفوا عنه ولى المقتول ولا نقبل توبة من ضرب المسلمين حتى يقص من نفسه او يوهب ذلك له وحتى يرد اموالهم وشيبان لم يفعل شيئا من ذلك فان زعمتم انكم قد دفعتم توبته من دار التقية فقد كذبتم فان امره كان ظاهرا ودعوته كانت ظاهرة إلى ان قتل فقبل قوم منهم توبته فسموا الشيبانية ثم ان الشيبانية احدثوا التسبيه لله بخلقه وثبت قوم منهم على قول الثعلبية وهم اعظم أصحاب الثعلبية وجمهورهم فسموا الزيادية وذلك ان رجلا منهم كان يسمى زياد ابن عبد الرحمن كان فقيه الثعلبية ورئيسهم ، ثم ان الشيبانية الذين اجازوا توبته قالوا في الولاية والعداوة انهما صفتان لله من صفات الذات لا من صفات الفعل (1) .
والفرقة الرابعة عشر من العجاردة وهى الرابعة من الثعالبة الرشيدية (2) ومما تفردوا به انهم كانوا يؤدون عما سقى بالعيون والانهار الجارية نصف العشر ثم رجعوا عن ذلك وكتبوا لى المسمى زياد بن عبد الرحمن فاجابهم ثم اتاهم فأعلمهم ان في ذلك العشر وانه لا يجيز البراءة ممن غلط منهم في ذلك فقال رجل منهم يسمى رشيدا: ان كان يسعنا ان لا نتبرأ منهم فأنا نعمل بالذي يعملون به وثبت هو ومن معه على الفعل الاول فبرئت منهم الثعالبة وسموهم العشرية .
__________
(1) مقالات الإسلاميين :1/98
(2) مقالات الإسلاميين :1/99(1/44)
والفرقة الخامسة عشرة من العجاردة وهى الخامسة من الثعالبة المكرمية أصحاب أبي مكرم ومما تفردوا به انهم زعموا ان تارك الصلاة كافر وليس هو من قبل تركه الصلاة كفر ولكن من قبل جهله بالله وكذلك قالوا في سائر الكبائر وزعموا ان من اتى كبيرة فقد جهل الله سبحانه وبتلك الجهالة كفر لا بركوبة المعصية وقالوا بالموافاة وهى ان الله سبحانه انما يتولى عباده ويعاديهم على ما هم صائرون اليه لا على اعمالهم التى هم فيها فبرئت منهم الثعالبة ، ومن قول الثعالبة في الاطفال انهم يشتركون في عذاب آبائهم وانهم ركن من اركانهم يريدون بذلك انهم بعض من ابعاضهم. (1)
7- الخازمية
__________
(1) مقالات الإسلاميين :1/100(1/45)
منهم هؤلاء أكثر عجاردة سجستان وقد قالوا في باب القدر والاستطاعة والمشيئة بقول أهل السنة أن لا خالق إلا الله ولا يكون إلا ما شاء الله وأن الاستطاعة مع الفعل وأكفر والميمونية الذين قالوا في باب القدر والاستطاعة بقول القدرية المعتزلة عن الحق ثم إن الخازمية خالفوا أكثر الخوارج في الولاية والعداوة وقالوا انهما صفتان لله تعالى وإن الله عز وجل إنما يتولى العبد على ما هو صائر اليه من الايمان وإن كان في أكثر عمره كافرا ويرى منه ما يصير اليه من الكفر فى آخر عمره وإن كان فى أكثر عمره مؤمنا وان الله تعالى لم يزل محبا لأوليائه ومبغضا لأعدائه وهذا القول منهم موافقا لقول أهل السنة فى الموافاة غير ان أهل السنة ألزموا الخازمية على قولها بالموافاة ان يكون علي وطلحة والزبير وعثمان من أهل الجنة لانهم من أهل بيعة الرضوان الذين قال الله تعالى (1) فيهم {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} (2) وقالوا لهم اذا كان الرضا من الله تعالى عن العبد انما يكون على علم انه يموت على الايمان وجب ان يكون المبايعون تحت الشجرة على هذه الصفة وكان علي وطلحة والزبير منهم وكان عثمان يومئذ أسيرا فبايع له النبي (صلى الله عليه وسلم) وجعل يده بدلا عن يده وصح بهذا بطلان قول من أكفر هؤلاء الاربعة . (3)
8- الشعيبية
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/73
(2) سورة الفتح ، آية 18
(3) الفرق بين الفرق :1/74(1/46)
هؤلاء فى باب القدر والاستطاعة والمشيئة كقول الخازمية وانما ظهر ذكر الشعيبية حين نازع زعيمهم المعروف بشعيب رجلا من الخوارج اسمه ميمون وكان السبب في ذلك أنه كان لميمون على شعيب مال فتقاضاه فقال له شعيب أعطيكه ان شاء الله فقال له ميمون قد شاء الله ذلك الساعة فقال شعيب لو كان قد شاء ذلك لم استطع ألا اعطيكه فقال ميمون قد أمرك الله بذلك وكل ما أمر به فقد شاءه وما لم يشأ لم يأمر به فافترقت العجاردة عند ذلك فتبع قوم شعيبا وتبع آخرون ميمونا وكتبوا في ذلك إلى عبد الكريم بن عجرد وهو يومئذ في حبس السلطان فكتب في جوابهم إنما نقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا نلحق بالله سواء فوصل الجواب اليهم بعد موت ابن عجرد وادعى ميمون (1) أنه قال بقوله لأنه قال: لا نلحق بالله سوءا وقال شعيب بل قال بقولى لأنه قال نقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ومالت الخازمية وأكثر العجاردة إلى شعيب ومالت الحمزية مع القدرية إلى ميمون ثم زادت الميمونية على كفرها في القدر نوعا من المجوسية فأباحوا نكاح بنات البنات وبنات البنين ورأوا قتال السلطان ومن رضي بحكمه فرضا فأما من أنكره فلا يرون قتله إلا اذا أغار عليهم أو طعن في دينهم أو كان دليلا للسلطان وسنذكر الميمونية في جملة فرق الغلاة الخارجين عن الملة في باب بعد هذا إن شاء الله عز وجل وقد كان من جملة الميمونة رجل يقال له خلف ثم أنه خالف الميمونية في القدر والاستطاعة والمشيئة وقال في هذه الثلاثة بقول أهل السنة وتبعه على ذلك خوارج كرمان ومكران فيقال لهم الخلفية وهم الذين قاتلوا حمزة ابن اكرك الخارجى في أرض كرمان . (2)
9- الخلفية
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/74
(2) الفرق بين الفرق :1/75(1/47)
أتباع خلف الذى قاتل حمزة الخارجى والخلفية لا يرون القتال إلا مع إمام منهم وقد كفوا أيديهم عن القتال لفقدهم من يصلح للإمامة منهم وصارت الخلفية إلى قول الأزارقة في شىء واحد وهو دعواهم أن أطفال مخالفيهم في النار . (1)
10- المعلومية والمجهولية
منهم هاتان فرقتان من جملة الخازمية ثم أن المعلومية منهما خالفت سلفها في شيئين أحدهما دعواها أن من لم يعرف الله تعالى بجميع أسمائه فهو جاهل به والجاهل به كافر والثانى أنهم قالوا إن أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى ولكنهم قالوا في الاستطاعة والمشيئة بقول اهل السنة فى أن الاستطاعة مع الفعل وأنه لا يكون إلا ما شاء الله وهذه الفرقة تدعى إمامة من كان على دينها وخرج بسيفة على اعدائه من غير براءة فهم عن القعدة عنهم وأما المجهولية منهم فقولهم كقول المعلومية غير أنهم قالوا من عرف الله ببعض اسمائه فقد عرفه وأكفروا المعلومية منهم في هذا الباب . (2)
11- الصلتية
منسوبون إلى صلت بن عثمان وقيل صلت بن أبي الصلت وكان من العجاردة غير أنه قال إذا استجاب لنا الرجل وأسلم توليناه وبرئنا من أطفاله لأنه ليس لهم إسلام حتى يدركوا فيدعون حينئذ إلى الاسلام فيقبلونه وبازاء هذه الفرقة فرقة اخرى وهى التاسعة من العجاردة زعموا أنه ليس لأطفال المؤمنين ولا لأطفال المشركين ولاية ولا عداوة حتى يدركوا فيدعوا إلى الاسلام فيقبلوا او ينكروا . (3)
12- الحمزية
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/75
(2) الفرق بين الفرق :1/76
(3) الفرق بين الفرق :1/76(1/48)
أتباع حمزة بن أكرك الذي (1) عاث سجستان وخراسان ومكران وقهستان وكرمان وهزم الجيوش الكثيرة وكان في الاصل من العجاردة الخازمية ثم خالفهم في باب القدر والاستطاعة فقال فيها بقول القدرية فأكفرته الخازمية في ذلك ثم زعم مع ذلك أن أطفال المشركين في النار فأكفرته القدرية في ذلك ثم إنه والى القعدة من الخوراج مع قوله بتكفير من لا يوافقه على قتال مخالفيه من فرق هذه الامة مع قوله بأنهم مشركون وكان اذا قاتل قوما وهزمهم أمر باحراق أموالهم وعقد دوابهم وكان مع ذلك يقتل الاسراء من مخالفيهم وكان ظهوره في أيام هارون الرشيد فى سنة تسع وسبعين ومائة وبقى الناس في فتنته إلى أن مضى صدر من أيام خلافة المأمون ولما استولى على بعض البلدان جعل قاضيه أبا يحيى يوسف بن بشار وصاحب جيشه رجلا اسمه جيويه بن معبد وصاحب حرسه عمرو بن صاعد وكان معه جماعة من شعراء الخوارج كطلحة بن فهد وأبي الجلندى وأقرانهم وبدأ بقتال البيهسية من الخوارج وقتل الكثير منهم فسموه عند ذلك أمير المؤمنين وقال الشاعر طلحة بن فهد في ذلك أمير المؤمنين على رشاد :
وغير هداية نعم الأمير أمير يفضل الامراء فضلا كما فضل السها القمر المنير (2)
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/76
(2) الفرق بين الفرق :1/77(1/49)
ثم ان حمزة أسرى سرية إلى الخازمية من الخوارج بناحية فلجرد فقتل منهم مقتلة عظيمة ثم قصد بنفسه هراة فمنعه اهلها من دخولها فاستعرض الناس خارج المدينة وقتل منهم الكثير فخرج اليه عمرو بن يزيد الازدى وهو يومئذ والى هراة مع جنده فدامت الحرب بينهم شهورا وقتل من ارض هراة جماعة وقتل من أصحاب هيصم الشاري وكان داعية حمزة يدعو الناس إلى ضلالته ثم أغار حمزة على كروخ من رستاق هراة واحرق أموالهم وعقر أشجارهم ثم حارب عمرو بن يزيد الأزدى بقرب بوشبخ وقتل عمر ثم انتصب علي بن عيسى بن هاديان وهو يومئذ والى خراسان لحرب حمزة فانهزم منه إلى ارض سجستان بعد ان قتل من قواده ستون رجلا سوى اتباعه فلما وصل إلى سجستان منعه أهل زرنخ عن دخول البلد فاستعرض الناس بالسيف في صحراء البلد ثم تنكر لأهل زرنخ بان ألبس أصحابه السواد يوهمهم انهم أصحاب السلطان وأنذرهم بذلك منذر فمنعوه من دخول البلدة فعقر نخلهم في سوادهم وقتل المجتازين فى صحاريهم ثم قصد نهر شعبة وقتل بها الكثير من الخوارج الخلفية وعقر اشجارهم وأحرق أموالهم وانهزم منه رئيس للخلفية اسمه مسعود بن قيس وعبر فى هزيمته واديا وغرق فيه وشك أتباعه في موته وهم ينتظرونه الى (1) اليوم ثم رجع حمزة من كرمان وأغار في طريقه على رستاق بست من رساتيق نيسابور وكان بها قوم من الخوارج الثعالبة فقتلهم حمزة ودامت فتنة بخراسان وكرمان وقهستان وسجستان إلى آخر ايام الرشيد وصدر من خلافة المأمون لاشتغال حند أكثر خراسان بقتال رافع بن ليث بن نصر بن سيان على باب سمرقند فلما تمكن المأمون من الخلافة كتب إلى حمزة كتابا استدعاه فيه إلى طاعته فما ازداد الا عتوا في امره فبعث المأمون بطاهر بن الحسين لقتال حمزة فدارت بين طاهر وحمزة حروب قتل فيها من الفريقين مقدار ثلاثين ألفا أكثرهم من اتباع حمزة وانهزم فيها حمزة إلى كرمان وأتى طاهر على القعدة عن حمزة ممن كان على
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/78(1/50)
رأيه وظفر بثلثمائة منهم فأمر بشد كل رجل منهم بالحبال بين شجرتين قد جذبت رؤوس بعضها إلى بعض ثم قطع الرجل بين الشجرتين فرجعت كل واحدة من الشجرتين بالنصف من بدن المشدود عليها ثم ان المأمون استدعى طاهر بن الحسين من خراسان وبعث به إلى منصبه فطمع حمزة في خراسان فأقبل فى جيشه من كرمان فخرج اليه عبد الرحمن النيسابورى في عشرين الف رجل من غزاة نيسابور ونواحيها فهزموا حمزة باذن الله وقتلوا الالوف من أصحابه وانفلت منهم حمزة جريحا ومات في هزيمته هذه . (1)
13- الثعالبة
هؤلاء اتباع ثعلبة بن مشكان والثعالبة تدعى إمامته بعد عبد الكريم بن عجرد ويزعم أن عبد الكريم بن عجرد كان إماما قيل أن خالفه ثعلبة في حكم الاطفال فلما اختلفا في ذلك كفر بن عجرد وصار ثعلبة إماما والسبب في اختلافهما أن رجلا من العجاردة خطب إلى ثعلبة بنته فقال له بين مهرها فأرسل الخاطب امرأة إلى ام تلك البنت يسألها هل بلغت البنت فإن كانت قد بلغت ووصفت الاسلام على الشرط الذى تعتبره العجاردة لم يبال كم كان مهرها.
فقالت امها: هى مسلمة في الولاية بلغت أم لم تبلغ فاخبر بذلك عبد الكريم بن عجرد وثعلبة بن مشكان فاختار عبد الكريم البراءة من الاطفال قبل البلوغ وقال ثعلبة: نحن على ولايتهم صغارا وكبارا إلى أن يبين لنا منهم إنكار للحق فلما اختلفا في ذلك برىء كل واحد منهما من صاحبه وصار أتباع كل واحد منهما فرقا وصارت الثعالبة بعد ذلك ست فرق فرقة منهم أقامت على إمامة ثعلبة ولم تقل بإمامة أحد بعده ولم يكترثوا لما ظهر فيهم من خلاف الاخنسية والمعبدية . (2)
14- المعبدية
منهم والفرقة الثانية منهم معبدية قالت بإمامة رجل منهم بعد ثعلبة اسمه معبد خالف جمهور الثعالبة فى أخذ الزكاة من العبيد العبيد فى إعطائهم منها واكفر من لم يقل بذلك وأكفره سائر الثعالبة في قوله .
15- الأخنسية
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/79
(2) الفرق بين الفرق :1/80(1/51)
والفرقة الثالثة منهم الاخنسية اتباع رجل منهم كان يعرف بالأخنس وكان في بدء أمره على قول الثعالبة في موالاة الأطفال ثم خنس من بينهم فقال يجب علينا ان نتوقف عن جميع من فى دار التقية الا من عرفنا منه ايمانا فنوليه عليه او كفرا فبرئنا منه وقالوا بتحريم القتل والاغتيال في السروان يبدأ أحد من أهل القبلة بقتال حتى يدعى إلا من عرفوه بعينه وصار له تبع على هذا القول وبرىء من سائر الثعالبة وبرىءمنه سائرهم .
16- الشيبانية
والفرقة الرابعة من الثعالبة شيبانية هم اتباع شيبان بن سلمة الخارجى الذى خرج في ايام أبي مسلم صاحب دولة بنى العباس وأعان أبا مسلم على أعدائه فى حروبه وكان مع ذلك يقول بتشبيه الله سبحانه لخلقه فأكفره سائر الثعالبة مع أهل السنة في قوله بالتشبيه وأكفرته الخوارج كلها في معاونته أبا مسلم والذين أكفروه من الثعالبة يقال لهم زيادية أصحاب زياد بن عبد الرحمن والشيبانية يزعمون أن شيبان . (1) تاب من ذنوبه وقالت الزيادية إن ذنوبه كان منها مظالم العباد التى لا تسقط بالتوبة وأنه أعان أبا مسلم على قتاله مع الثعالبة كما أعانه على قتاله مع بنى أمية .
17- الرشيدية
منهم والفرقة الخامسة من الثعالبة يقال لهم رشيدية نسبوا إلى رجل اسمه رشيد وانفردوا بأن قالوا فيما سقى بالعيون والانهار الجارية نصف العشر وإنما يجب العشر الكامل فيما سقته السماء فحسب وخالفهم زياد بن عبد الرحمن فأوجب فيما سقى بالعيون والأنهار الجارية العشر الكامل .
18- المكرمية
منهم والفرقة الثالثة من الثعالبة يقال لهم المكرمية اتباع أبي مكرم زعموا ان تارك الصلاة كافر لا لاجل ترك الصلاة لكن لجهله بالله عز وجل وزعموا ان كل ذي ذنب جاهل بالله والجهل بالله كفر وقالوا أيضاً بالموافاة في الولاية والعداء فهذا بيان فرق الثعالبة وبيان اقوالها
19- الإباضية
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/81(1/52)
أجمعت الاباضية على القول بإمامة عبد الله بن أباض وافترقت فيما بينها فرقا يجمعها القول بأن كفار هذه الامة يعنون بذلك مخالفيهم من هذه الامة براء من الشرك والإيمان وانهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفار وأجازوا شهادتهم وحرموا دماءهم في السر واستحلوها (1) فى العلانية وصححوا منا كحنهم والتوارث منهم وزعموا انهم في ذلك محاربون لله ولرسوله لا يدينون دين الحق وقالوا باستحلال بعض أموالهم دون بعض والذى استحلوه الخيل والسلاح فأما الذهب والفضة فانهم يردونهما على أصحابهما عند الغنيمة ثم افترقت الاباضية فيما بينهم أربع فرق وهى الحفصية والحارثية واليزيدية وأصحاب طاعة لا يراد الله بها واليزيدية منهم غلاة لقولهم بنسخ شريعة الاسلام في آخر الزمان. والحفصية منهم هؤلاء قالوا بإمامة حفص بن أبي المقدام وهو الذى زعم أن بين الشرك والايمان معرفة الله تعالى وحدها فمن عرفه ثم كفر بما سواه من رسول او جنة او نار او عمل بجميع المحرمات من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر المحرمات فهو كافر برىء من الشرك ومن جهل بالله تعالى وأنكره فهو مشرك وتأول هؤلاء فى عثمان بن عفان مثل تأول الرافضة في أبي بكر وعمر وزعموا ان عليا هو الذى انزل الله تعالى فيه {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} (2) .
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/82
(2) سورة البقرة ، الآية 204(1/53)
(1) وأن عبد الرحمن بن ملجم هو الذى أنزل الله فيه {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ} (2) ثم قالوا بعد هذا كله ان الإيمان بالكتب والرسل متصل بتوحيد الله عز وجل فمن كفر بذلك فقد اشرك بالله عز وجل وهذا نقيض قولهم إن الفصل بين الشرك والايمان معرفة الله تعالى وحده وأن من عرفه فقد برىء من الشرك وإن كفر بما سواه من رسول او جنة أو نار فصار قولهم في هذا الباب متناقضا.
والحارثية منهم هؤلاء اتباع حارث بن مزيد الأباضي وهم الذين قالوا في باب القدر بمثل قول المعتزلة وزعموا أيضاً أن الاستطاعة قبل الفعل وأكفرهم سائر الأباضية في ذلك لان جمهورهم على قول أهل السنة فى ان الله تعالى خالق أعمال العباد وفى أن الاستطاعة مع الفعل وزعمت الحارثية انه لم يكن لهم إمام بعد المحكمة الاولى إلا عبد الله بن أباضى وبعده حارث ابن مزيد الاباضى .
وأصحاب طاعة لا يراد الله بها زعم هؤلاء أنه يصح وجود طاعات كثيرة ممن لا يريد الله تعالى بها كما قاله أبو الهزيل وأتباعه من القدرية وقال أصحابنا أن ذلك لا يصح إلا في طاعة واحدة وهو النظر الاول فإن صاحبه اذا استذل به كان (3) مطيعا لله تعالى في فعله وإن لم يقصد به التقرب إلى الله تعالى لاستحالة تقربه اليه قبل معرفته فاذا عرف الله تعالى فلا يصح منه بعد معرفته طاعة منه لله تعالى الا بعد قصده التقرب بها اليه .
أقوال الإباضية
زعمت الأباضية كلها أن دور مخالفيهم من أهل مكة دار توحيد الا معسكر السلطان فإنه دار بغى عندهم
واختلفوا في النفاق على ثلاثة أقوال:
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/83
(2) سورة البقرة ، الآية 207
(3) الفرق بين الفرق :1/84(1/54)
فقال فريق منهم إن النفاق براءة من الشرك والايمان جميعا واحتجوا بقول الله عز وجل في المنافقين مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وفرقة منهم قالت كل نفاق شرك لأنه يضاد التوحيد، وفرقة ثالثة قالت لا نزيل اسم النفاق عن موضعه ولا نسمى بالنفاق غير القوم الذين سماهم الله تعالى منافقين ومن قال منهم بأن المنافق ليس بمشرك زعم أن المنافقين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)كانوا موحدين وكانوا أصحاب كبائر فكفروا وإن لم يدخلوا في حد الشرك.
قال عبد القاهر بعد الجملة التى حكيناها عنهم شذوذ من الأقوال انفردوا بها منها أن فريقا منهم زعموا أن لا حجة لله تعالى على الخلائق في التحويد وغيره الا بالخبر وما يقوم مقام الخبر من إشارة وايماء ومنها أن قوما منهم قالوا كل من دخل فى دين الاسلام وجبت عليه الشرائع والاحكام سمعها أو (1) عرفها أولم يسمعها ولم يعرفها وقال سائر الامة لا يأثم بترك ما لم يقف عليه منها إلا أن ثبتت عليه الحجة فيه ومنها أن قوما منهم قالوا بجواز ان يبعث الله تعالى إلى خلقه رسولا بلا دليل يدل على صدقة.
ومنها ان قوما منهم قالوا من ورد عليه الخبر بأن الله تعالى قد حرم الخمر او ان القبلة قد حولت فعليه ان يعلم ان الذى أخبره به مؤمن او كافر وعليه ان يعلم ذلك بالخبر وليس عليه ان يعلم أن ذلك عليه بالخبر.
ومنها قول بعضهم ليس على الناس المشى إلى الصلاة ولا الركوب والمسير للحج ولا شيء من الاسباب التى يتوصل بها إلى أداء الواجب وانما يجب عليهم فعل الطاعات الواجبة بأعيانها دون اسبابها الموصلة اليها.
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/85(1/55)
ومنها قولهم جميعا بوجوب استتابة مخالفيهم في تنزيل او تأويل فان تابوا والا قتلوا سواء كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله او فيما لا يسع جهله وقالوا من زنى او سرق أقيم عليه الحد ثم استتيب فان تاب والا قتل وقالوا ان العالم يفنى كله اذا افنى الله اهل التكليف ولا يجوز الا ذلك لأنه انما خلقه لهم .(1/56)
وأجازت الاباضية وقوع حكمين مختلفين فى شيء واحد من وجهين كمن دخل زرعا بغير إذن مالكه فان الله قد نهاه عن الخروج منه اذا كان خروجه منه مفسدا للزرع وقد أمره به وقالوا لا يتبع المدبر في الحرب اذا (1) كان من أهل القبلة وكان موحدا ولا نقبل منهم امرأة ولا ذرية وأباحوا قتل المشبهه واتباع مدبرهم وسبى نسائهم وذراريهم وقالوا ان هذا كما فعله أبو بكر بأهل الردة وقد كان من الاباضية رجل يعرف بابراهيم دعا قوما من اهل مذهبة إلى داره وأمر جارية له كانت على مذهبه بشيء فأبطأت عليه فحلف ليبيعنها في الاعراب فقال له رجل منهم اسمه ميمون وليس هو صاحب الميمونية من العجاردة كيف تبيع جارية مؤمنة إلى الكفرة فقال له ابراهيم ان الله تعالى قد أحل البيع وقد مضى أصحابنا وهم يستحلون ذلك فتبرأ منهم ميمون وتوقف آخرون منهم فى ذلك وكتبوا بذلك إلى علمائهم فأجابوهم بأن بيعها حلال وبأنه يستتاب ميمون ويستتاب من توقف فى ابراهيم فصاروا في هذا ثلاث فرق إبراهيمية وميمونية واقفة وتبع إبراهيم على إجازة هذا البيع قوم يقال لهم الضحاكية وأجازوا نكاح المسلمة من كفار قومهم في دار التقية فأما فى دار حكمهم فلا يستحلون ذلك وقوم منهم توقفوا في هذه المسلمة وفى أمر الزوجة وقالوا ان ماتت لم نصل عليها ولم نأخذ ميراثها لأنا لا ندري ما حالها وتبع بعد هؤلاء الإبراهيمية قوم يقال لهم البيهسية أصحاب أبي بيهس هيصم بن عامر قالوا ان ميمونا (2) كفر بأن حرم بيع الأمة في دار التقية من كفار قومنا وكفرت الواقفة بأن لم يعرفوا كفر ميمون وصواب إبراهيم وكفر إبراهيم بأن لم يتبرأ من أهل الوقف قالوا وذلك أن الوقوف بما يسع على الأبدان وانما الوقوف على الحكم بعينه مالم يوافقه أحد فاذا وافقه أحد من المسلمين لم يسع من حضر ذلك إلا أن يعرف من عرف الحق ودان به ومن أظهر الباطل ودان به ثم ان البيهسية قالت
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/86
(2) الفرق بين الفرق :1/87(1/57)
ان من واقع ذنبا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع إلى الوالى ويحد ولا نسميه قبل الرفع إلى الوالى مؤمنا ولا كافرا وقال بعض البيهسية فاذا كفر الإمام كفرت الرعية وقال بعضهم كل شراب حلال الأصل موضوع عمن سكر منه كل ما كان منه في السكر من ترك الصلاة والشتم لله عز وجل وليس فيه حد ولا كفر ما دام في سكره وقال قوم من البيهسية يقال لهم العوفية السكر كفر اذا كان معه غيره من ترك الصلاة ونحوه وافترقت العوفية من البيهسية فرقتين فرقة قالت من رجع عنا من دار هجرته ومن الجهاد إلى حال القعود برئنا منه وفرقة قالت بل تتولاه لانه رجع إلى أمر كان مباحا له قبل هجرته الينا وكلا الفريقين قال اذا كفر الإمام كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد وللأباضية والبيهسية بعد هذا مذاهب قد ذكرناها . (1)
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/88(1/58)
ومن الخوارج الاباضية فالفرقة الاولى منهم يقال لهم الحفصية كان امامهم حفص بن أبي المقدام زعم ان بين الشرك والايمان معرفة الله وحده فمن عرف الله سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول او جنة او نار او عمل بجميع الخبائث من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر ما حرم الله سبحانه من فروج النساء فهو كافر برىء من الشرك وكذلك من اشتغل بسائر ما حرم الله سبحانه مما يؤكل ويشرب فهو كافر برىء من الشرك ومن جهل الله سبحانه وانكره فهو مشرك فبرىء منه جل الاباضية الا من صدقه منهم وتأولوا في عثمان نحو ما تأولت الشيعة في أبي بكر وعمر وزعم ان عليا هو الحيران الذى ذكره الله في القرآن وان أصحابه الذين يدعونه إلى الهدى اهل النهروان وزعم ان عليا هو الذي انزل الله سبحانه فيه ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا وان عبدالله ابن ملجم هو الذي انزل الله فيه ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله ثم قال بعد ذلك الايمان بالكتب والرسل متصل بتوحيد الله فمن كفر بذلك فقد اشرك بالله والفرقة الثانية منهم يسمون اليزيدية كان امامهم يزيد بن انيسة قالوا تتولى المحكمة الاولى ونبرأ ممن كان بعد ذلك من اهل الاحداث وتتولى الاباضية كلها ويزعمون انهم مسلمون كلهم الا من بلغه قولنا فكذبه او من خرج وخالفوا الحفصية في الاكفار والتشريك وقالوا بقول الجمهور وحكى يمان بن رباب ان أصحاب يزيد بن انيسة قالوا بالتشريك وتولى يزيد المحكمة الاولى قبل نافع وبرىء ممن كان بعدهم وحرم القتال على كل احد بعد تفريقهم وثبت على ولاية الاباضية الا من كذبه او بلغه قوله فرده وزعم ان الله سبحانه سيبعث رسولا من العجم وينزل عليه كتابا من السماء يكتب في السماء وينزل عليه جملة واحدة فترك شريعة محمد ودان بشريعة غيرها وزعم ان ملة ذلك النبى الصابئة وليس هذه الصابئة التي عليها الناس اليوم وليس هم الصابئين الذين ذكرهم الله في القرآن ولم يأتوا بعد وتولى من شهد لمحمد(1/59)
(صلى الله عليه وسلم) بالنبوة من اهل الكتاب وان لم يدخلوا في دينه ولم يعملوا بشريعته وزعم انهم بذلك مؤمنون فمن الاباضية من وقف فيه ومنهم من برىء منه وجلهم تبرأ منه ، والفرقة الثالثة من الاباضية أصحاب الحرث الاباضى قالوا في القدر بقول المعتزلة وخالفوا فيه سائر الاباضية وزعموا ان الاستطاعة قبل الفعل ، وجمهور الاباضية يتولى المحكمة كلها الا من خرج ويزعمون ان مخالفيهم من اهل الصلاة كفار وليسوا بمشركين حلال مناكحتهم وموارثتهم حلال غنيمة اموالهم من السلاح والكراع عند الحرب حرام ما وراء ذلك وحرام قتلهم وسبيهم في السر الا من دعا إلى الشرك في دار التقية ودان به وزعموا ان الدار يعنون دار مخالفيهم دار توحيد الا عسكر السلطان فانه دار كفر يعنى عندهم وحكى عنهم انهم اجازوا شهادة مخالفيهم على اوليائهم وحرموا الاستعراض اذا خرجوا وحرموا دماء مخالفيهم حتى يدعوهم إلى دينهم فبرئت الخوارج منهم على ذلك وقالوا ان كل طاعة ايمان ودين وان مرتكبى الكبائر موحدون وليسوا بمؤمنين ، والفرقة الرابعة منهم يقولون بطاعة لا يراد الله بها على مذهب أبي الهذيل ومعنى ذلك ان الانسان قد يكون مطيعا لله اذا فعل شيئا شيئا امره الله به وان لم يقصد الله بذلك الفعل ولا ارادة به ، ثم اختلفوا في النفاق فصاروا ثلاث فرق ، فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان النفاق براءة من الشرك واحتجوا في ذلك بقول الله عز وجل {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إلى هَؤُلاء وَلاَ إلى هَؤُلاء} (1) والفرقة الثانية منهم يقولون ان كل نفاق شرك لانه يضاد التوحيد والفرقة الثالثة منهم يقولون لسنا نزيل اسم النفاق عن موضعه وهو دين القوم الذين عناهم الله بهذا الاسم في ذلك الزمان ولا نسمى غيرهم بالنفاق ، وقالوا من سرق خمسة دراهم فصاعدا قطع وقال القوم الذين ، زعموا ان المنافق كافر وليس بمشرك ان المنافقين على عهد رسول الله(صلى الله
__________
(1) سورة النساء ، الآية 143(1/60)
عليه وسلم)كانوا موحدين وكانوا أصحاب كبائر ، وقالوا كل شيء امر الله به عباده فهو عام ليس بخاص وقد امر الله به الكافر والمؤمن ، وقال قوم منهم لا حجة لله على الخلق فى التوحيد الا بالخبر او ما يقوم مقام الخبر من اشارة وايماء ، وقال بعضهم لا يجوز على الله ان يخلى عباده من التكليف لوحدانيته ومعرفته واجاز بعضهم ان يخليهم من ذلك ، وقال بعضهم فيمن دخل في دين المسلمين وجبت عليه الشرائع والاحكام وقف على ذلك او لم يقف سمعه او لم يسمعه ، وقال بعضهم لا يرسل لله نبيا الا نصب دليلا عليه ولا بد من ان يدل واحدا وقال بعضهم قد يجوز ان يبعث الله نبيا بلا دليل وقال بعضهم من ورد عليه الخبر بأن الخمر قد حرمت وان لقبلة قد حولت فعليه ان يعلم ان الذي اخبره مؤمن او كافر وعليه ان يعلم ذلك بالخبر وليس عليه ان يعلم ان ذلك عليه بالخبر ، وقال بعضهم من قال بلسانه ان الله واحد وعنى به المسيح فهو صادق في قوله مشرك بقلبه ، وقال بعضهم ليس على الناس المشى إلى الصلاة والركوب إلى الحج ولا شيء من اسباب الطاعات التي يتوصل بها اليها وانما عليهم فعلها بعينها فقط.(1/61)
وقالوا جميعا ان الواجب ان يستتيبوا من خالفهم في تنزيل او تأويل فان تاب والا قتل كان ذلك الخلاف فما يسع جهله او فيما لا يسع جهله وقالوا من زنى او سرق أقيم عليه الحد ثم استتب فان تاب والا قتل ، وقال بعضهم ليس من جحد الله وانكره مشركا حتى يجعل معه الها غيره وقال بعضهم ذلك شرك وكل جحد بأي جهة كان فهو شرك وكفر وقالوا الاصرار على اي ذنب كان كفر ، وقالوا العالم يفنى كله اذا افنى الله اهل التكليف ولا يجوز الا ذلك لأنه انما خلقه لهم فاذا افناهم لم يكن لبقائه لهم معنى ، وقال بعضهم بل جلهم الاستطاعة والتكليف مع الفعل وان الاستطاعة هي التخلية وقال كثير منهم ليس الاستطاعة هي التخلية بل هي معنى في كونه كون الفعل وبه يكون الفعل وان الاستطاعة لا تبقى وقتين وان استطاعه كل شىء غير استطاعة ضده وان الله كلف العباد مالا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجزهم عنه وان قوة الطاعة توفيق وتسديد وفضل ونعمة واحسان ولطف وان استطاعة الكفر ضلالة وخذلان وطبع وبلاء وشر وان الله لو لطف للكافرين لآمنوا وان عنده لطفا لو فعله بهم لآمنوا طوعا وان الله لم ينظر لهم في حال خلقه اياهم ولا فعل بهم اصلح الاشياء لهم ولا فعل بهم صلاحا في الدين وانه اضلهم وطبع على قلوبهم وهذا قول يحيى بن كامل و محمد بن حرب و ادريس الاباضى وكانوا يقولون في كثير من الاباضية ان اعمال العباد مخلوقة وان الله سبحانه لم يزل مريدا لما علم انه يكون ان يكون ولما علم انه لا يكون ان لا يكون وانه مريد لما علم من طاعات العباد ومعاصيهم لا بأن احب ذلك ولكن بمعنى انه ليس بآب عنه ولا بمكره عليه وسنشرح قولهم في سائر ابواب القدر اذا اخبرنا عن مذاهب الناس في القدر وكل الخوارج يقولون بخلق القرآن ، وقال جل الاباضية قد يجوز ان يقع حكمان مختلفان في الشىء الواحد من وجهين فمن ذلك ان رجلا لو دخل زرعا بغير اذن صاحبه لكان الله سبحانه قد نهاه عن الخروج منه لأن فيه فساد(1/62)
الزرع وقد امره به لأنه ليس له ، وقال جلهم بالخاطر ولا يجوز ان يخلى الله عز وجل العباد البالغين منه وقالوا ليس يجوز على شىء من الاعراض البقاء الا اذا كان بعضا للجسم عند من يقول ان الجسم اعراض مجتمعة واكثرهم يقول انه ابعاض للجسم وقالوا ان الجزء الذي لا يتجزأ جسم على مذهب الحسين وقالوا جزاء الله في العباد اكثر من تفضله وعافيته اكثر من ابتلائه والثواب واجب بالاستحقاق والتفضيل والابتلاء ابتداء ، وقال بعضهم بتحليل الا شربة التي يسكر كثيرها اذا لم تكن الخمر بعينها وحرموا السكر وليس يتبعون المولى في الحرب اذا كان من اهل القبلة وكان موحدا ولا يقتلون امرأة ولا ذرية ويرون قتل المشبهة وسبيهم وغنيمة اموالهم ويتبعون موليهم كما فعل أبو بكر باهل الردة ، ويدعون من السلف جابر بن زيد وعكرمة ومجاهد وعمرو بن دينار ، وكان رجل من الاباضية يقال له ابراهيم افتى بأن بيع الاماء من مخالفيهم جائز فبرىء منه رجل يقال له ميمون وممن استحل ذلك ووقف قوم منهم فلم يقولوا بتحليل ولا بتحريم وكتبوا يستفتون العلماء منهم في ذلك فافتوا بأن بيعهن حلال وهبتهن حلال في دار التقية ويستتاب اهل الوقف من وقفهم في ولاية ابراهيم ومن اجاز ذلك وان يستتاب ميمون من قوله وان يبرءوا من امرأة كانت معهم وقفت فماتت قبل ورود الفتوى وان يستتاب ابراهيم من عذره لاهل الوقف في جحدهم الولاية عنه وهو مسلم يظهر اسلامه وأن يستتاب أهل الوقف من جحدهم البراءة عن ميمون وهو كافر يظهر كفره فاما الذين وقفوا ولم يتوبوا من الوقف وثبتوا عليه فسموا الواقفة وبرئت الخوارج منهم وثبت ابرهيم على رأيه في التحليل لبيع الاماء من المخالفين وتاب ميمون ، والاباضية يقولون ان جميع ما افترض الله سبحانه على خلقه ايمان وان كل كبيرة فهي كفر نعمة لا كفر شرك وان مرتكبى الكبائر في النار خالدون فيها ووقف كثير من الاباضية في ايلام اطفال المشركين في الآخرة فجوزوا ان يؤلمهم(1/63)
الله سبحانه في الآخرة على غير طريق الانتقام وجوزوا ان يدخلهم الجنة تفضلا ومنهم من قال ان الله سبحانه يؤلمهم على طريق الايجاب لا على طريق التجويز ، ثم رجع بنا القول إلى الاخبار عن الاختلاف في امر المرأة ، فافترقت فرقة من الواقفة وهم الضحاكية فاجازوا ان يزوجوا المرأة المسلمة عندهم من كفار قومهم في دار التقبة كما يسع الرجل منهم ان يتزوج المرأة الكافرة من قومهم في دار التقبة كما يسع الرجل منهم ان يتزوج المرأة الكافرة من قومه في دار التقية فاما في دار الاعلانية وقد جاز حكمهم فيها فانهم لا يستحلون ذلك فيها ، ومن الضحاكية فرقة وقفت فلم تبرأ ممن فعله وقالوا لا نعطى هذه المرأة المتزوجة من كفار قومنا شيئا من حقوق المسلمين ولا نصلى عليها ان ماتت ونقف فيها ومنهم من برىء منها ، واختلفوا في أصحاب الحدود فمنهم من برىء منهم ومنهم من تولاهم ومنهم من وقف واختلف هؤلاء في اهل دار الكفر عندهم فمنهم من قال هم عندنا كفار الا من عرفنا ايمانه بعينه ومنهم من قال هم اهل دار خلط فلا تتولى الا من عرفنا فيه اسلاما ونقف فيمن لم نعرف اسلامه وتولى بعض هؤلاء بعضا على اختلافهم وقالوا الولاية تجمعنا فسموا أصحاب النساء وسموا من خالفهم من الواقفة أصحاب المرأة وصارت الواقفة فرقتين فرقة تولوا الناكحة وفرقة ينسبون إلى عبد الجبار بن سليمن وهم الذين يتبرءون من المرأة الناكحة من كفار قومهم وهذا خبر عبد الجبار الذى خطب إلى ثعلبة ابنته ثم شك في بلوغها فسأل امها عن ذلك حتى وقع الخلاف بين ثعلبة وعبد الكريم في الاطفال فاختلفا بعد ان كانا متفقين فاما عبد الجبار الذى خطب إلى ثعلبة ابنته فسأل ثعلبة ان يمهرها اربعة آلاف درهم فأرسل الخاطب إلى أم الجارية مع امرأة يقال لها ام سعيد يسأل هل بلغت ابنتهم ام لا وقال ان كانت بلغت واقرت بالاسلام لم ابال ما امهرتها فلما بلغتها ام سعيد ذلك قالت ابتنى مسلمة بلغت ام لم تبلغ ولا تحتاج ان(1/64)
تدعى اذا بلغت فرد مرة اخرى ذلك عليها ودخل ثعلبة على تلك الحال فسمع تنازعهما فنهاهما عنه ثم دخل (1) عبد الكريم بن عجرد وهما على تلك الحال فاخبره ثعلبة الخبر فزعم عبد الكريم انه يجب دعاؤها اذا بلغت وتجب البراءة منها حتى تدعى إلى الاسلام فرد عليه ثعلبة ذلك وقال لا بل نثبت على ولايتها فان لم تدع لم تعرف الاسلام فبرىء بعضهم من بعض على ذلك (2) . (3)
20- الشبيبية
منهم هؤلاء يعرفون بالشبيبية لانتسابهم إلى شبيب بن يزيد الشيبانى المكنى بأبي الصحارى ويعرفون بالصالحية أيضاً لانتسابهم إلى صالح بن مشرح الخارجي وكان شبيب بن يزيد الخارجى من أصحاب صالح ثم تولى الأمر بعده على جنده وكان السبب في ذلك أن صالح بن مشرح التميمى كان مخالفا للازارقة وقد قال انه كان صفريا وقيل إنه لم يكن صفريا ولا أزرقيا وكان خروجه على بشر بن مروان فى أيام ولايته على العراق من جهة أخيه عبد الملك بن مروان وبعث بشر اليه بالحارث بن عمير وذكر المواينى أن خروج صالح كان على الحجاج بن يوسف وأن الحجاج بعث بالحارث بن عمير إلى قتاله وأن القتال وقع بين الفريقين على باب حصن حلولا وانهزم صالح جريحا فلما أشرف على الموت قال لأصحابه قد استخلفت عليكم شبيبا وأعلم أن فيكم من هو أفقه منه ولكنه رجل شجاع مهيب في عدوكم فليعنه الفقيه منكم بفقهه ثم مات وبايع أتباعه شبيبا إلى أن خالف صالحا فى شيء واحد وهو أنه مع أتباعه أجازوا إمامة المرأة منهم اذا قامت بأمورهم وخرجت على مخالفيهم.
__________
(1) مقالات الإسلاميين :1/112
(2) مقالات الإسلاميين :1/102
(3) مقالات الإسلاميين :1/102 - 113 الفصل في الملل :4/ 144 - 145 .(1/65)
وزعموا أن غزالة أم شبيب كانت الإمام بعد قتل شبيب إلى أن قتلت واستدلوا على ذلك بأن شبيبا لما دخل الكوفة أقام أمه على منبر الكوفة حتى خطبت وذكر أصحاب التواريخ أن شبيبا في ابتداء أمره قصد الشام ونزل على روح بن زنباع وقال له سل أمير المؤمنين أن يفرض لى في أهل الشرف فإن لى في بنى شيبان تبعا كثيرا فسأل روح بن زنباع عبد الملك بن مروان ذلك فقال هذا رجل لا أعرفه وأخشى أن يكون حروريا فذكر روح لشبيب أن عبد الملك بن مروان ذكر أنه لا يعرفه فقال سيعرفنى بعد هذا ورجع إلى بنى شيبان وجمع من الخوارج الصالحية مقدار الف رجل واستولى بهم على ما بين كسكر والمدائن فبعث الحجاج اليه بعبيد بن أبي المخارق المتنبى فى الف فارس فهزمه شبيب فوجه اليه بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهزمه شبيب وبعث بعتاب بن ورقاء التميمى فقتله شبيب وما زال كذلك حتى هزم للحجاج عشرين جيشا في مدة سنتين .
ثم إنه كبس الكوفة ليلا ومعه الف من الخوارج ومعه أمة غزالة وامرأته جهزية فى مائتين من نساء الخوارج قد اعتقلن الرماح وتقلدن السيوف فلما كبس الكوفة ليلا قصد المسجد الجامع وقتل حراس المسجد والمعتكفين فيه ونصب امه غزالة على المنبر حتى خطبت وقال خزيم بن فاتك الأسدى فى ذلك:
أقامت غزالة سيوف الضراب كذا لأهل العراقين حولا قميطا
سمت للعراقين في جيشها فلاق العراقان منها طيطا
وصبر الحجاج لهم في داره لان جيشه كانوا متفرقين إلى أن اجتمع جنده إليه بعد الصبح وصلى شبيب بأصحابه فى المسجد وقرأ فى ركعتى الصبح سورتى البقرة وآل عمران ثم وافاه الحجاج في أربعة آلاف من جنده واقتتل الفريقان فى سوق الكوفة إلى أن قتل أصحاب شبيب وانهزم شبيب فيمن بقى معه إلى الأنبار.(1/66)
فوجه الحجاج فى طلبه جيشا فهزموا شبيبا من الأنبار إلى الأهواز وبعث الحجاج سفين بن الأبرد الكليبى فى ثلاثة آلاف لطلب شبيب فنزل سفين على شط الدجيل وركب شبيب جسر الدجيل ليعبر اليه وأمر سفين أصحابه بقطع حبال الجسر فاستدار الجسر وغرق شبيب مع فرسه وهو يقول ذلك تقدير العزيز العليم.
وبايع أصحاب شبيب فى الجانب الآخر من الدجيل غزالة أم شبيب وعقد سفين بن الأبرد الجسر وعبر مع جنده إلى أولئك الخوارج وقتل اكثرهم وقتل غزالة ام شبيب وامرأته جهيزه وأسر الباقين من اتباع شبيب وأمر الغواصين بإخراج شبيب من الماء وأخذ رأسه وانفذه مع الاسرى الى الحجاج فلما وقف الاسرى بين يدى الحجاج أمر بقتل رجل منهم قال له اسمع مني بيتين أختم بهما عملي ثم أنشأ يقول:
أبرأ إلى الله من عمرو وشيعته ومن على ومن أصحاب صفين
ومن معاوية الطاغى وشيعته لا بارك الله في القوم الملاعين
فأمر بقتله وبقتل جماعة منهم وأطلق الباقين.
قال عبد القاهر يقال للشبيبة من الخوراج أنكرتم على أم المؤمنين عائشة خروجها إلى البصرة مع جندها الذى كل واحد منهم محرم لها لأنها أم جميع المؤمنين فى القرآن وزعمتم أنها كفرت بذلك وتلوتم عليها قول الله تعالى وقرن فى بيوتكن فهلا تلوتم هذه الآية على غزالة أم شبيب وهلا قلتم بكفرها وكفر من خرجن معها من نساء الخوارج إلى قتال جيوش الحجاج فان أجزتم لهن ذلك لانه كان معهن أزواجهن او بنوهن واخوتهن فقد كان مع عائشة أخوها عبد الرحمن وابن اختها عبد الله بن الزبير وكل واحد منهم محرم لها وجميع المسلمين بنوها وكل واحد محرم لها فهلا أجزتم لها ذلك على ان من أجاز منكم إمامة غزالة فإمامتها لائقة به وبدينه والحمد لله على العصمة من البدعة . (1)
21- البيهسية
__________
(1) الفرق بين الفرق :1/89 - 92 مقالات الإسلاميين :1/123(1/67)
أصحاب أبي بيهس ومما احدث انه زعم ان ميمونا كفر حين حرم بيع المملوكة في دار كفار قومنا وحين برىء ممن استحل ذلك وكفر اهل الثبت حين لم يعرفوا كفر ميمون وصواب ابراهيم واهل الثبت الواقفة وكفر ابراهيم حين لم يتبرأ من اهل الوقف لوقفهم في امرهم وجحدهم الولاية عنه وجحدهم البراءة من ميمون وذلك ان الوقف لا يسع على الابدان ولكن يسع على الحكم بعينه ما لم يواقعة احد من المسليمن فاذا واقعه احد من المسلمين لم يسع من حضر ذلك ان لا يعرف من اظهر الحق ودان به ومن اظهر الباطل ودانه به.
وزعم أبو بيهس انه لا يسلم احد حتى يقر بمعرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة ما جاء به محمد جملة والولاية لاولياء الله سبحانه والبراءة من اعداء الله وما حرم الله سبحانه مما جاء فيه الوعيد فلا يسع الانسان الا علمه ومعرفته بعينه وتفسيره ومنه ما ينبغى ان يعرفه باسمه ولا يبالى ان لا يعرف تفسيره وعينه حتى يبتلى به وعليه ان يقف عند ما لا يعلم ولا يأتى شيئا الا بعلم فتابعه على ذلك ناس كثير من الخوارج وفارقه ناس كثير منهم فسموا البيهسية وسمت البيهسية من خالفهم من الخوارج الواقفة وقال غيره من الناس قد يسلم الانسان بمعرفة وظيفة الدين وهي شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله والاقرار بما جاء من عند الله جملة والولاية لاولياء الله والبراءة من اعداء الله وان لم يعرف ما سوى ذلك فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل فمن واقع شيئا من الحرام مما جاء فيه الوعيد وهو لا يعلم انه حرام فقد كفر ومن ترك شيئا من كبير ما افترضه الله سبحانه عليه وهو لا يعلم فقد كفر فان حضر احد من اوليائه مواقعة من واقع الحرام وهو لا يدري احلال ام حرام او اشتبه عليه وقف فيه فلم يتوله ولم يبرأ منه حتى يعرف احلال ركب ام حرام فبرئت منه البيهسية .(1/68)
ومن البيهسية فرقة يقال لهم العوفية وهم فرقتان تقول من رجع من دار هجرتهم ومن الجهادالى حال القعود نبرأ منهم وفرقة تقول لا نبرأ منهم لانهم رجعوا إلى امر كان حلالا لهم وكلا الفريقين من العوفية يقولون اذا كفر الامام فقد كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد والبيهسية يبرءون منهم وهم جميعا يتولون ابا بيهس .
ومن البيهسية فرقة يقال لهم أصحاب شبيب النجراني يعرفون بأصحاب السؤال والذي ابدعوه انهم زعموا ان الرجل يكون مسلما اذا شهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وتولى اولياء الله وتبرأ من اعدائه واقر بما جاء من عند الله جملة وان لم يعلم سائر ما افترض الله سبحانه عليه مما سوى ذلك افرض هو ام لا فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل به فيسأل وفارقوا الواقفة وقالوا في اطفال المؤمنين بقول الثعلبية انهم مؤمنون اطفالا وبالغين حتى يكفروا وان اطفال الكفار كفار اطفالا وبالغين حتى يؤمنوا وقالوا بقول المعتزلة في القدر فبرئت منهم البيهسية . وقال بعض البيهسية من واقع زنا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع إلى الامام او الوالى ويحد فوافقهم على ذلك طائفة من الصفرية الا انهم قالوا نقف فيهم ولا نسميهم مؤمنين ولا كافرين
وقالت طائفة من البيهسية اذا كفر الامام كفرت الرعية وقالت الدار دار شرك واهلها جميعا مشركون وتركت الصلاة الا خلف من تعرف وذهبت إلى قتل اهل القبلة واخذ الاموال واستحلت القتل والسبى على كل حال . وقال البيهسية الناس مشركون بجهل الدين مشركون بمواقعة الذنوب وان كان ذنب لم يحكم الله فيه حكما مغلظا ولم يوقفنا على تغليظه فهو مغفور ولا يجوز ان يكون اخفى احكامه عنا في ذنوبنا ولو جاز ذلك جاز في الشرك وقالوا التائب في موضع الحدود وفى موضع القصاص والمقر على نفسه يلزمه الشرك اذا اقر من ذلك بشىء وهو كافر لأنه لا يحكم بشىء من الحدود والقصاص الا على كل كافر يشهد عليه بالكفر عند الله(1/69)
وقال بعض البيهسية السكر من كل شراب حلال موضوع عمن سكر منه وكل ما كان في السكر من ترك الصلاة او شتم الله سبحانه فهو موضوع لا حدث فيه ولا حكم ولا يكفر اهله بشىء من ذلك ما داموا في سكرهم وقالوا ان الشراب حلال الاصل ولم يأت فيه شىء من التحريم لا في قليلة ولا في إكثار او في سكر .
ومن البيهسية فرقة يسمون أصحاب التفسير كان صاحب بدعتهم رجل يقال له الحكم بن مروان من اهل الكوفة زعم انه من شهد على المسلمين لم تجز شهادتهم الا بتفسير الشهادة كيف هى قال ولو ان اربعة شهدوا على رجل منهم بالزنا لم تجز شهادتهم حتى يشهدوا كيف هو وهذا قالوا في سائر الحدود فبرئت منهم البيهسية على ذلك وسموهم أصحاب التفسير . وقالت العوفية من البيهسية السكر كفر ولا يشهدون انه كفر حتى يأتى معه غيره كترك الصلاة وما اشبه ذلك لانهم انما يعلمون ان الشارب سكر اذا ضم إلى سكره غيره مما يدل على انه سكران . (1)
أقوالهم في مسائل متفرقة
الوعيد : قول الخوارج والمعتزلة فيه قول واحد لانهم يقولون ان اهل الكبائر الذين يموتون على كبائرهم في النار خالدون فيها مخلدون غير ان الخوارج يقولون ان مرتكبى الكبائر ممن ينتحل الاسلام يعذبون عذاب الكافرين والمعتزلة يقولون ان عذابهم ليس كعذاب الكافرين .
السيف : الخوارج تقول به وتراه الا ان الاباضية لا ترى اعتراض الناس بالسيف ولكنه يرون ازالة ايمة الجور ومنعهم من ان يكونوا ايمة بأي شىء قدروا عليه بالسيف او بغير السيف .
الإمامة : الخوارج بأسرها يثبتون إمامة أبي بكر وعمر وينكرون إمامة عثمان رضوان الله عليهم في وقت الاحداث التي نقم عليه من أجلها ويقولون بإمامة علي قبل ان يحكم وينكرون امامته لما اجاب إلى التحكيم ويكفرون معاوية وعمرو بن العاص وابا موسى الاشعرى ويرون ان الامامة في قريش وغيرهم اذا كان القائم بها مستحقا لذلك ولا يرون إمامة الجائر.
__________
(1) مقالات الإسلاميين :1/113 - 118(1/70)
وحكى زرقان عن النجدات أنهم يقولون انهم لا يحتاجون إلى امام وانما عليهم ان يعلموا كتاب الله سبحانه فيما بينهم وللخوارج في الاطفال ثلاثة اقاويل : صنف منهم يزعمون ان اطفال المشركين حكمهم حكم آبائهم يعذبون في النار، وان اطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم، واختلف هذا الصنف في الآباء اذا انتقلوا بعد موت اطفالهم عن اديانهم فقال قائلون ينتقلون إلى حكم آبائهم وقال قائلون هم على الحال التي كان آباؤهم عليها في حال موتهم لا ينتقلون بانتقالهم ، وقال الصنف الثاني منهم جائز ان يؤلم الله سبحانه في النار اطفال المشركين على غير المجازاة لهم وجائز ان لا يؤلمهم واطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم لقول الله عز وجل بايمان الحقنا بهم ذرياتهم وقال الصنف الثالث وهم القدرية اطفال المشركين والمؤمنين في الجنة وحكى حاك عن الاخنسية انها تزوج النساء في نصه الحرب وغير نصبه الحرب.
وحكى أيضاً ان الشمراخية والصفرية تصلى خلف من لا تعرف وحكى ان البيهسية تقول بقتل اهل القبلة واخد الاموال وترك الصلاة الا خلف من تعرف والشهادة على الدار بالكفر وحكى حاك ان البدعية تقول مثل مقالة الازارقة غير انها تزعم ان الصلاة ركعتان بالغداة وركعتان بالعشى واختلفت الخوارج في اجتهاد الرأي وهم صنفان فمنهم من يجيز الاجتهاد في الاحكام كنحو النجدات وغيرهم ومنهم من ينكر ذلك ولا يقول الا بظاهر القرآن وهم الازارقة وحكى حاك عن الخوارج أنهم لا يرون على الناس فرضا ما لم يأتهم الرسل وان الفرائض تلزم بالرسل واعتلوا بقول الله عز وجل وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ، والخوارج لا يقولون بعذاب القبر ولا ترى ان احدا يعذب في قبره فاما القول في البارىء هل يرزق عباده الحرام اذا غلبوا عليه وأكلوه فان من مال منهم إلى قول المعتزلة في القدر ينكر ذلك ومن قال منهم بالاثبات قال ان الله يرزق عباده الحرام اذا غلبوا عليه وأكلوه .
ألقابهم(1/71)
يطلق على الخوارج ألقاب عدة ، فمن ألقابهم الوصف لهم بانهم خوارج، ومن القابهم الحرورية، ومن القابهم الشراة والحرارية، ومن القابهم المارقة، ومن القابهم المحكمة.
وهم يرضون بهذه الالقاب كلها الا بالمارقة فانهم ينكرون ان يكونوا مارقة من الدين كما يمر السهم من الرمية.
والسبب الذى له سموا خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب، والذى له سموا محكمة انكارهم الحكمين وقولهم لا حكم الا لله، والذى له سموا حرورية نزولهم بحروراء في أول أمرهم، والذى له سمو شراة قولهم شرينا انفسنا في طاعة الله اى بعناها بالجنة.
والكور التي الغالب عليها الخارجية الجزيرة والموصل وعمان وحضرموت ونواح من نواحى المغرب ونواح من نواحى خراسان وقد كان لرجل من الصفرية سلطان في موضع يقال له سجلماسة على طريق غانة ويقال ان أول من حكم بصفين عروة بن بلال بن مرداس.
ويقال بل أول من حكم يزيد بن عاصم المحاربى ويقال بل رجل من سعد بن زيد مناة من تميم ويقال ان أول من تشري رجل من بنى يشكر وكان أمير الخوارج أول ما اعتزلوا عبد الله بن الكواء وامير قتالهم شبث بن ربعى ثم بايعوا لعبد الله بن وهب الراسي لعشر بقين من شوال سنة سبع وثلثين وكان رئيس الخوارج الذين اقبلوا من البصرة ليجتمعوا مع عبد الله بن وهب مسعر بن فدكى وهو الذى استعرض من لقى هو وأصحابه وقتل عبد الله بن خباب فبعض الخوارج يقولون ان عبد الله بن وهب كان كارها لذلك كله وكذلك أصحابه وبعضهم يتأول لمسعر في قتل عبد الله ويقال انه سأله ان يحدثه عن أبيه عن النبى(صلى الله عليه وسلم)بما سمعه منه فحدثه بحديث في الفتن يوجب القعود عن الحروب وان يكون الرجل عبد الله المقتول فتأولوا عليه انه يدين بتخطئتهم في الخروج وتخطئة علي رضي الله عنه أيضاً واستحلوا بهذا دمه.(1/72)
ولما قرب الامر في محاربة علي بن أبي طالب عبد الله بن وهب استوحش كثير منهم من محاربته ففارق قوم منهم عبد الله بن وهب منهم جويرية بن فادغ فارقه في ثلاثمائة ومنهم مسعر بن فدكى انصرف إلى البصرة في مائتين ويقال بل صار إلى راية أبي أيوب الأنصارى وهو إذ ذاك مع علي بن أبي طالب ومنهم فروة بن نوفل الاشجعى فارقه في خمسمائة ومنهم عبد الله الطائى رجع إلى الكوفة في ثلاثمائة ويقال بل لحق براية أبي ايوب الانصارى ومنهم سالم بن ربيعة فارقه في ثمانية عشر ويقال بل لحق براية أبي ايوب الانصارى ومنهم أبو مريم السعدى فارقه في مائتين ويقال بل لحق براية أبي ايوب الانصارى ومنهم اشرس بن عوف نزل الدسكرة في مأتين وذكر المدائنى ان قوما من الخوارج قد كانوا خرجوا مع علي رضوان الله عليه لقتال اهل الشأم فلما قصد علي اهل النهر اعتزلوا فصاروا إلى النخيلة فاقاموا بها.
وكان مقتل عبد الله بن وهب الراسي وأصحابه لسبع خلون من صفر سنة ثمان وثلثين وخرج على علي في حياته من الخوارج بعد عبد الله بن وهب الراسى اشرس بن عوف فسرح اليه علي جيشا فقتل بالانبار هو وأصحابه في شهر ربيع الاول من سنة ثمان وثلثين ثم خرج ابن علفة التيمى فوجه اليه علي معقل بن قيس الرياحى فقتله وأصحابه بما سبذان في جمادى الاولى من هذه السنة
ثم خرج الاشهب بن بشر فوجه اليه علي جارية بن قدامة فقتل الاشهب وأصحابه بجرجرايا في جمادى الآخرة من هذه السنة وخرج رجل من الخوارج يقال له سعد على علي رضي الله عنه فكتب علي إلى سعد بن مسعود الثقفى وهو على المدائن فخرج اليه سعد فقتله وأصحابه في رجب من هذه السنة(1/73)
ثم خرج أبو مريم السعدي فوجه اليه علي شريح بن هانىءوقد صاروا من الكوفة على فرسخين ثم انفذ اليهم جارية بن قدامة السعدى فقتل ابا مريم وأصحابه الا خمسين رجلا سألوا الامان وذلك في شهر رمضان من هذه السنة ثم قتل علي رضوان الله عليه ولو ذكرنا من خرج من الخوارج بعده لطال الكتاب . (1)
قولهم في عذاب القبر : قال أبو محمد ذهب ضرار بن عمرو الغطفاني أحد شيوخ المعتزلة إلى إنكار (2) عذاب القبر وهو قول من لقينا من الخوارج وذهب أهل السنة وبشر بن المعتمر والجبائي وسائر المعتزلة إلى القول به وبه نقول لصحة الآثار عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)به .
قال أبو محمد وقد احتج من أنكره بقول الله تعالى: {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} (3) وبقوله تعالى{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} (4) الآية .
__________
(1) انظر : مقالات الإسلاميين 1/123 - 130
(2) الفصل في الملل 4/56
(3) سورة غافر ، الآية 11
(4) سورة البقرة ، الآية 28(1/74)
قال أبو محمد: وهذا حق لا يدفع عذاب القبر لأن فتنة القبر وعذابه والمسألة إنما هي للروح فقط بعد فراقه للجسد أثر ذلك قبر أو لم يقبر برهان ذلك قول الله تعالى{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ} (1) الآية وهذا قبل القيامة بلا شك وأثر الموت وهذا عذاب القبر وقال وإنما توفون أجوركم يوم القيامة وقال الله تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } (2) فهذا العرض المكور هو عذاب القبر وإنما قيل عذاب القبر فأضيف إلى القبر لأن المعهود في أكثر الموتى أنهم يقبرون وقد علمنا أن فيهم أكيل السبع والغريق تأكله دواب البحر والمحرق والمصلوب والمعلق فلو كان على ما يقدر من يظن أنه لاعذاب إلا في القبر المعهود لما كان هؤلاء فتنة ولا عذاب قبر ولا مسألة ونعوذ بالله من هذا بل كل ميت فلا بد من فتنة وسؤال وبعد ذلك سرور أو نكد إلى يوم القيامة فيوفون حينئذ أجورهم وينقلبون إلى الجنة أو النار.
وأيضا فإن جسد كل إنسان فلا بد من العود إلى التراب يوما ما كما قال اله تعالى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى فكل من ذكرنا من مصلوب أو معلق أو محرق أو أكيل سبع أو دابة فإنه يعود رمادا أو رجيعا أو يتقطع فيعود إلى الأرض ولا بد وكل مكان استقرت فيه النفس أثر خروجها من الجسد فهو قبر لها إلى يوم القيامة.
__________
(1) سورة الأنعام ، الآية 93
(2) سورة غافر ، الآية46(1/75)
وأما من ظن أن الميت يحيى في قبره فخطأ لأن الآيات التي ذكرنا تمنع من ذلك ولو كان ذلك لكان تعالى قد أماتنا ثلاثا وأحيانا ثلاثا وهذا باطل وخلاف القرآن إلا من أحياه الله تعالى آية لنبي من الأنبياء {الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } (1) {كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} (2) وكذلك الله قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (3) فصح بنص القرآن أن روح من مات لا يرجع إلى جسده إلا إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة وكذلك أخبر رسول الله(صلى الله عليه وسلم)أنه رأى الأرواح ليلة أسري به عند سماء الدنيا عن يمين آدم عليه السلام أرواح أهل السعادة وعن شماله أرواح أهل الشقاء وأخبر عليه السلام يوم بدر إذ خاطب القتلى وأخبر أنهم وجدوا ما توعدهم به حقا قبل أن يكون لهم قبور فقال المسلمون يا رسول الله أتخاطب قوما قد جيفوا فقال عليه السلام ما أنتم بأسمع لما أقول منهم فلم ينكر عليه السلام على المسلمين قولهم أنهم قد جيفوا وأعلمهم أنهم سامعون فصح أن ذلك لأرواحهم فقط بلا شك وأما الجسد فلا حس له. (4)
المبحث الثاني
موقف الوعيدية من نصوص الوعد والوعيد
__________
(1) سورة البقرة ، الآية 243
(2) سورة البقرة ، الآية 259
(3) سورة الزمر ، الآية 42
(4) الفصل في الملل 4/56(1/76)
الوعيدية أعملوا نصوص الوعيد وأهملوا نصوص الوعد ، فجعلوا ما توعد الله به سبحانه وتعالى المخالفين لأمره وأمر رسوله (صلى الله عليه وسلم) نافذ لا محالة، سواء كان ذلك في حصول العذاب ، أو الحرمان من الثواب ، أو الخلود في النار، أو الخروج من الدين .
الخلود في النار
قال الوعيدية بخلود صاحب الذنب في النار ، على خلاف بينهم ، فمنهم من خص الخلود بصاحب الكبيرة ، ومنهم من جعله عاماً لصاحب الذنب .
وقد احتجوا بعدد من النصوص منها قول الله عز وجل: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (1)
وقوله تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} (2)
وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (3)
وقوله تعالى :{وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا} (4)
وبقوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } (5)
وقوله: { وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً}{يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ} (6)
__________
(1) سورة يونس ، الآية 62
(2) سورة النمل ، الآيات 89 ،90
(3) سورة يونس ، الآية 27
(4) سورة النساء ، الآية 14
(5) سورة النساء ، الآية 93
(6) سورة الفرقان ، الآيات 68،69 ،70(1/77)
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} (1)
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (2)
وقوله تعالى: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (3)
وقوله: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ} إلى قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (4)
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (5) الآية
هذه جملة من الآيات التي استدل بها الوعيدية في تخليد صاحب الذنب في النار ، ولم يلتفت إلئك إلى النصوص الأخرى التي تدل على مغفرة الله ورحمته وكذلك شفاعة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) إضافة إلى النصوص التي تدل على تكفير الذنوب بالحسنات والأعمال الصالحة .
وكما استدولوا بعدد من الآيات فقد استدلوا أيضاً بعدد من الأحاديث على خلود صاحب الذنب في النار . ومن هذه النصوص على سبيل المثال : حديث وعيد شار الخمر ، وقاتل الهرة ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار قال فقال والله أعلم لا أنت أطعمتها ولا سقيتها حين حبستها ولا أنت أرسلتها فأكلت من خشاش الأرض)) (6) .
__________
(1) سورة النساء ، الآية10
(2) سورة النور ، الآية 23
(3) سورة الأنفال ، الآية 16
(4) سورة المائدة ، الآية 33
(5) سورة البقرة ، الآية 275
(6) رواه البخاري ، الجامع الصحيح ، حديث رقم(1/78)
ومن قتل نفسه بسم أو حديد أو تردي من جبل فإنه يفعل ذلك به في جهنم خالدا، عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)) (1) .
ومن قتل نفسه حرام الله عليه الجنة وأوجب له النار (2)
ومن جاء من الأحاديث التي تحرم الجنة ببعض الذنوب، كغش الرعية، فعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ((ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة)) (3) . وفي رواية ((لم يجد رائحة الجنة)) (4) .
__________
(1) رواه مسلم ، حديث رقم 109 .
(2) ...........................
(3) رواه البخاري ، الجامع الصحيح ، حديث رقم 6732. ومسلم ، حديث رقم 142 .
(4) المرجع نفسه ، حديث رقم 6731.(1/79)
قال النووي : ((فقوله(صلى الله عليه وسلم)حرم الله عليه الجنة فيه التأويلان المتقدمان فى نظائره أحدهما أنه محمول على المستحل والثانى حرم عليه دخولها مع الفائزين السابقين ومعنى التحريم هنا المنع قال القاضي عياض رحمه الله معناه بين فى التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله تعالى شيئا من أمرهم واسترعاه عليهم ونصبه لمصلحتهم فى دينهم أو دنياهم فاذا خان فيما اؤتمن عليه فلم ينصح فيما قلده اما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم وأخذهم به واما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها لكل متصد لا دخال داخلة فيها أو تحريف لمعانيها أو أهمال حدودهم أو تضييع حقوقهم أو ترك حماية حوزتهم ومجاهدة عدوهم أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم قال القاضي وقد نبه (صلى الله عليه وسلم) على أن ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة عن الجنة والله أعلم)) (1) .
وفي غش الرعية قال ابن حجر : ((ويحصل ذلك بظلمه لهم بأخذ أموالهم أو سفك دمائهم أو انتهاك أعراضهم وحبس حقوقهم وترك تعريفهم ما يجب عليهم في أمر دينهم ودنياهم وبإهمال إقامة الحدود فيهم وردع المفسدين منهم وترك حمايتهم ونحو ذلك)) (2) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم 2/166.
(2) فتح الباري 13/128 .(1/80)
وقال أيضاً : ((ومعنى حرم الله عليه الجنة أي أنفذ الله عليه الوعيد ولم يرض عنه المظلومين ونقل بن التين عن الداودي نحوه قال ويحتمل أن يكون هذا في حق الكافر لأن المؤمن لا بد له من نصيحة قلت وهو احتمال بعيد جدا والتعليل مردود فالكافر أيضاً قد يكون ناصحا فيما تولاه ولا يمنعه ذلك الكفر وقال غيره يحمل على المستحل والأولى انه محمول على غير المستحل وإنما أريد به الزجر والتغليظ وقد وقع في رواية لمسلم بلفظ لم يدخل معهم الجنة وهو يؤيد أن المراد انه لا يدخل الجنة في وقت دون وقت وقال الطيبي الفاء في قوله فلم يحطها وفي قوله فيموت مثل اللام في قوله: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} وقوله: وهو غاش قيد للفعل مقصود بالذكر يريد أن الله إنما ولاه على عباده ليديم لهم النصيحة لا ليغشهم حتى يموت على ذلك فلما قلب القضية استحق أن يعاقب)) (1) .
وكذلك حديث قتل المعاهد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً)) (2) . وذكر البخاري هذا الحديث تحت باب "إثم من قتل ذمياً بغير جرم" والذمي هو المعاهد (3) .
وكذلك في حديث من اقتطع مال مسلم ، فعن أبي أمامة الحارثي أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: ((لا يقتطع رجل حق امرئ مسلم بيمينه إلا حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فقال رجل من القوم يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا قال وإن كان سواكا من أراك)) (4) .
__________
(1) فتح الباري 13/128.
(2) رواه البخاري ، الجامع الصحيح ، حديث رقم 2995.
(3) الذمي منسوب إلى الذمة وهي العهد ومنه ذمة المسلمين واحدة، . والمعاهد المراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم (فتح الباري 12/260) .
(4) رواه ابن ماجه في سننه ، حديث رقم 2324.(1/81)
ومن قال بخلود القاتل احتجوا بقوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً} (1) فقط (2)
وعن أبي الهذيل العلاف قال من سرق خمسة دراهم أو قيمتها فهو فاسق منسلخ من الإسلام مخلد أبدا في النيران إلا أن يتوب.
وقال بشر بن المعتمر: أن من سرق عشرة دراهم غير حبة فلا إثم عليه ولا وعيد فإن سرق عشرة دراهم خرج عن الإسلام ووجب عليه الخلود إلا أن يتوب.
وقال النظام أن سرق ماتي درهم غير حبة فلا إثم عليه ولا وعيد وإن سرق ماتي درهم خرج عن الإسلام ولزمه الخلود إلا أن يتوب.
وقال أبو بكر أحمد بن علي بن أحور بن الإخشيد وهو أحد رؤسائهم الثلاثة الذين انتهت رياستهم إليهم.
وكان من قول أحمد المذكور أن من ارتكب كل ذنب في الدنيا وهكذا أبدا متى عاد لذلك الذنب أو لغيره من القتل فما دونه إلا أنه ندم أثر فعله له فقد صحت توبته وسقط عنه ذلك الذنب أبدا وهكذا أبدا متى عاد لذلك الذنب أو لغيره .
قال أبو محمد: هذا قول لم يبلغه جماهير المرجئة وهو مع ذلك يدعي أن القول بإنفاذ الوعيد وما على أديم الأرض مسلم لا يندم على ذنبه (3) . ...
زوال اسم الإيمان
وذكر بعض الوعيدية أن الكبيرة تزيل اسم الإيمان فبعضهم قال إلى شرك وبعضهم قال إلى كفر نعمة وبعضهم قال إلى نفاق وبعضهم قال إلى فسق قالوا فإذا إذا كان ليس مؤمنا فلا يدخل الجنة لأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنين (4) ، وذهب البعض إلى سلب اسم الإيمان عن أصحاب المعاصي.
__________
(1) سورة النساء ، الآية 93
(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/39 .
(3) الفصل في الملل 4/154 .
(4) الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/39 .(1/82)
ومنهم من قال بأن كل ذنب صغير أو كبير فهو مخرج عن الإيمان والإسلام فإن مات عليه فهو غير مسلم وغير المسلم مخلد في النار وهذه مقالات الخوارج والمعتزلة إلا أن ابن بكر أخت عبد الواحد بن زيد قال في طلحة والزبير رضي الله عنهما أنهما كافران من أهل الجنة لأنهما من أهل بدر وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن الله تعالى قال لأهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال فأهل بدران كفروا فمغفور لهم لأنهم بخلاف غيرهم . (1)
وذهب البعض منهم إلى تعليق الكفربأعمال مخصوصة ، فالخلفية زعموا أن من ترك الجهاد من ذكر أو أنثى فقد كفر. (2)
والناووسية قالوا إن عليا أفضل الأمه فمن فضل غيره عليه فقد كفر. (3)
والبيهسية قالت: إن من واقع ذنبا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع إلى الوالى ويحد ولا نسميه قبل الرفع إلى الوالى مؤمنا ولا كافرا وقال بعض البيهسية فاذا كفر الإمام كفرت الرعية.
وقال بعضهم كل شراب حلال الأصل موضوع عمن سكر منه كل ما كان منه في السكر من ترك الصلاة والشتم لله عز وجل وليس فيه حد ولا كفر ما دام في سكره وقال قوم من البيهسية يقال لهم العوفية السكر كفر اذا كان معه غيره من ترك الصلاة ونحوه وافترقت العوفية من البيهسية فرقتين فرقة قالت من رجع عنا من دار هجرته ومن الجهاد إلى حال القعود برئنا منه وفرقة قالت بل تتولاه لانه رجع إلى أمر كان مباحا له قبل هجرته الينا وكلا الفريقين قال اذا كفر الإمام كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد (4)
__________
(1) الفصل في الملل 4/37 .
(2) تلبيس إبليس 1/29
(3) تلبيس إبليس 1/32
(4) الفرق بين الفرق 1/88(1/83)
قال أبو محمد أختلف الناس في تسمية المذنب من أهل ملتنا فقالت المرجئة هو مؤمن كامل الإيمان وإن لم يعمل خيرا قط ولا كف عن شر قط وقال بكر بن أخت (1) عبد الواحد بن زيد هو كافر مشرك كعابد الوثن بأي ذنب كان منه صغيرا أو كبيرا ولو فعله على سبيل المزاح وقالت الصغرية إن كان الذنب من الكبائر فهو مشرك كعابد الوثن وإن كان الذنب صغيرا فليس كافرا وقالت الأباضية إن كان الذنب من الكبائر فهو كافر نعمة تحل موارثته ومناكحته وأكل ذبيحته وليس مؤمنا ولا كافرا على الإطلاق وروى عن الحسن البصري وقتادة رضي الله عنهما أن صاحب الكبير منافق وقالت المعتزلة إن كان الذنب من الكبائر فهو فاسق ليس مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا وأجازوا مناكحته وموارثته وأكل ذبيحته قالوا وإن كان من الصغائر فهو مؤمن لا شيء عليه فيها.
__________
(1) الفصل في الملل 3/128(1/84)
وذهب أهل السنة من أصحاب الحديث والفقهاء إلى أنه مؤمن فاسق ناقص الإيمان وقالوا الإيمان إسم معتقده وإقراره وعلمه الصالح والفسق إسم عمله السيء إلا أن بين السلف منهم والخلف اختلافاً في تارك الصلاة عمداً حتى يخرج وقتها وتارك الصوم لو مضى كذلك وتارك الزكاة وتارك الحج كذلك وفي قاتل المسلم عمداً وفي شارب الخمر وفيمن سب نبياً من الأنبياء عليهم السلام وفيمن رد حديثاً قد صح عنده عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعاذ بن جبل وابن مسعود وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم وعن ابن المبارك وأحمد بن حنبل واسحاق ابن راهويه رحمة الله عليهم وعن تمام سبعة عشر رجلاً من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض عامداً ذاكراً حتى يخرج وقتها فإنه كافر مرتد وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره وروينا عن عمر رضي الله عنه مثل ذلك في تارك الحج وعن ابن عباس وغير مثل ذلك في تارك الزكاة والصيام وفي قاتل المسلم عمداً وعن أبي موسى الأشعري وعبد الله بن عمرو بن العاص في شارب الخمر وعن إسحق بن راهويه أن من رد صحيحاً عنده عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فقد كفر قال أبو محمد: واحتج من كفر من المذنبين بقول الله عز وجل: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (1) وبقوله تعالى: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى}{لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى}{الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (2)
__________
(1) سورة المائدة ، الآية44 .
(2) سورة الليل ، الآيات14،15،16..(1/85)
فصح أن من لم يكذب ولا تولى ألا يصلاها قالوا ووجدنا هؤلاء كلهم لم يكذبوا ولا تولوا بل هم مصدقون معترفون بالإيمان فصح أنهم لا يصلونها وأن المراد بالوعيد المذكور في الآيات المنصوصة إنما هو فعل تلك الأفاعيل من الكفار خاصة قال أبو محمد: واحتج أيضاً من كفر من ذكرنا بأحاديث كثيرة منها سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينهب نهبة ذات شر حين ينهبها وهو مؤمن وترك الصلاة شرك وإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ومثل هذا كثير قال أبو محمد: وما نعلم لمن قال وهو منافق حجة أصلا ولا لمن قال أنه كافر نعمة إلا أنهم نزعوا بقول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} (1) . (2)
وذهب من يسلب اسم الإيمان عن صاحب الذنب إلى بعض النصوص التي جاء ((ليس منا)) ، ((لا يؤمن)) ونحو ذلك، ومن هذه النصوص على سبيل المثال ما يلي :-
عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): ((ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)) (3) .
وعن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا)) (4) .
__________
(1) سورة إبراهيم ، الآيات28،29 .
(2) الفصل في الملل 3/128
(3) رواه البخاري ، الجامع الصحيح ، حديث رقم 1232 .
(4) رواه مسلم ، حديث رقم 101.(1/86)
قوله ليس منا هذا من نصوص الوعيد وقد جاء عن سفيان الثوري وأحمد كراهة تاويلها ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر وقيل أي ليس من أهل سنتنا وطريقتنا لأن الفاعل لذلك ارتكب محرما وترك واجبا وليس المراد أخراجه من الإسلام بل المراد المبالغة في الردع عن الوقوع في ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاقبته لست مني ولست منك فالمراد ان فاعل ذلك ليس من المؤمنين الذين قاموا بواجبات الإيمان. (1)
عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر)) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب وحديث محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب حديث صحيح وقد روي عن عبد الله بن عمرو من غير هذا الوجه أيضاً قال بعض أهل العلم: معنى قول النبي (صلى الله عليه وسلم) ((ليس منا)) يقول ليس من سنتنا ليس من أدبنا وقال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد كان سفيان الثوري: ينكر هذا التفسير ليس منا يقول ليس من ملتنا. (2)
عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)) (3) .
وفي معنى (يتغن بالقرآن) قال الخطابي: ((هذا يتأول على وجهين أحدهما تحسين الصوت والوجه الثاني الاستغناء بالقرآن من غيره وإليه ذهب سفيان بن عيينة ويقال تغنى الرجل بمعنى استغنى وفيه وجه ثالث قاله بن الأعرابي)). (4)
وقيل في معنى ((ليس منا)): أي ليس من أتباعنا ، وقيل ليس من أهل سنتا وطريقتنا. (5)
__________
(1) انظر: الشيخ سليمان بن عبدالله ، شرح كتاب التوحيد 1/455.
(2) سنن الترمذي 4/322.
(3) رواه البخاري ، الجامع الصحيح حديث رقم 7089.
(4) عون المعبود 4/240. وتراجع معالم السنن للخطابي . يراجع كلام ابن حجر في الفتح في معنى يتغن
(5) انظر : عون المعبود 6/159، 8/280 .(1/87)
قال البيهقي رحمه الله: وقد ذهب بعض أهل العلم أي أن المراد به تحسين الصوت بالقرآن وذلك بأن يقرأه حدرا وتحزينا واستدلوا على ذلك برواية عبد الجبار بن الورد عن بن أبي مليكة هذا الحديث بإسناد أخر ثم قال قلت لابن أبي مليكة يا أبا محمد أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال: يحسنه ما استطاع قالوا وقوله ليس منا يريد ليس على سنتنا فإن السنة في قراءة القرآن الحدر والتحزين فإذا ترك ذلك كان تاركا لسنته والله أعلم وذكر جماعة من الأئمة إن المراد بهذا الخبر الاستغناء بالقرآن والتكثر والاكتفاء به قال الله عز وجل:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} (1) (2)
قوله: ((ليس منا)) أي ليس يفعل ذلك من هو من أشياعنا العاملين باتباعنا المقتفين لشرعنا. (3)
ومما احتجت به المرجئة وفسرت قول النبي (صلى الله عليه وسلم) ((ليس منا)) ليس مثلنا وأرادت المرجئة بذلك أن من غش أو عمل من هذه الأعمال شيئا فهو خارج من هذه الملة وليس كما يقولون وقد فسره أحمد بن حنبل .
عن إسماعيل الكرماني قال: قيل لأحمد ما معنى حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) ((من غشنا فليس منا)) فلم يجب فيه قيل فإن قوما قالوا من غشنا فليس مثلنا فأنكره وقال هذا تفسير مسعر وعبدالكريم أبي أمية كلام المرجئة .
قال أحمد وبلغ عبدالرحمن بن مهدي فأنكره وقال لو أن رجلا عمل بكل حسنة أكان يكون مثل النبي (صلى الله عليه وسلم) إسناده صحيح .
__________
(1) سورة العنكبوت ، الآية 51
(2) شعب الإيمان 2/529 .
(3) سليمان بن عبدالله ، شرح كتاب التوحيد 1/359.(1/88)
وعن مهنى قال: سمعت أحمد يقول وذكر رجل عند عبدالرحمن بن مهدي قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ((ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب أو دعى دعوى الجاهلية)) فقال الرجل: إنما هو ليس مثلنا فقال عبدالرحمن بن مهدي منكرا لقول الرجل أرأيت لو عمل أعمال البر كلها كان يكون مثل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إسناد صحيح .
وعن أحمد بن القاسم قال: قال: أبو عبدالله بلغني أن عبدالرحمن بن مهدي قيل له أن بعض الناس فسر قوله: ((من غشنا فليس منا)) قال قيل لعبدالرحمن أنهم قالوا ليس منا فقال عبدالرحمن سبحان الله العظيم فلو أن رجلا عمل بأعمال البر كلها كان يكون مثل النبي(صلى الله عليه وسلم)ليس هذا التفسير بشيء فحسن أبو عبدالله قول عبدالرحمن وصوبه في إسناده زكريا بن الفرج مجهول الحال .
وعن عبدالله البزار قال: سئل أبو عبدالله عن قول النبي (صلى الله عليه وسلم):((من غشنا فليس منا)) فسكت فقيل له ليس منا ليس مثلنا فأنكره وقال هذا رواه مسعر عن عبدالكريم أبي أمية ثم قال: كان سفيان بن عيينة يهم فيه يقول عن مسعر عن حبيب عن الحسن بن محمد ثم قال أبو عبدالله: لو أن رجلا صام وصلى كان يكون مثل النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم قال هؤلاء المرجئة يعني أن هذا من قولهم ليس منا. (1)
ومنهم من قال: إن الله تعالى إن عذب واحدا منهم عذب الجميع وإن غفر لواحد منهم غفر للجميع، قال أبو محمد: فإنهم قدرية جنحوا بهذا القول نحو العدل ورأوا أن المغفرة لواحد وتعذيب من له ذنوبه جور ومحاباة ولا يوصف الله عز وجل بذلك.
__________
(1) السنة للخلال ، 3/576، 577.(1/89)
وأما من قال بالموازنة فإنهم احتجوا فقالوا أن آيات الوعيد وأخبار الوعيد التي احتج بها من ذهب مذهب المعتزلة والخوارج فإنها لا يجوزان أن تخص بالتعليق بها دون آيات العفو وأحاديث العفو التي احتج بها من أسقط في الوعيد وهي لا يجوز التعلق بها دون الآيات التي احتج بها من اثبت الوعيد بل الواجب جمع جميع تلك الآيات وتلك الأخبار وكلها حق وكلها من عند الله وكلها مجمل تفسيرها بآيات الموازنة وأحاديث الشفاعة التي هي بيان لعموم تلك إلا آيات وتلك الأخبار وكلها من عند الله قالوا ووجدنا الله عز وجل قد قال: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (1) وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} (2) الآية وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (3) وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (4) وقال تعالى: {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ}إلى قوله: {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} (5) الآية أو قال تعالى: {لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (6) وقال تعالى: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (7) وقال تعالى:{لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (8)
__________
(1) سورة الكهف ، الآية49.
(2) سورة الأنبياء ، الآية 47.
(3) سورة الزلزلة ، الآيات 7،8.
(4) سورة البقرة ، الآية143.
(5) سورة يس ، الآيات 53،54.
(6) سورة إبراهيم ، الآية 51.
(7) سورة البقرة ، الآية281.
(8) سورة طه ، الآية 15..(1/90)
وقال تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} إلى قوله: {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى} (1) وقال تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} (2) وقال تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا} (3) الآية وقال تعالى:{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ} (4) وقال تعالى:{وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} (5) وقال تعالى:{ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ} (6) الآية وقال تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ} (7) الآية وقال تعالى: {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ} (8) وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} (9) وقال تعالى: {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} (10) وقال تعالى:{وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} إلى قوله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} إلى قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (11)
__________
(1) سورة النجم ، الآيات39إلى41.
(2) سورة الطور ، الآية 47.
(3) سورة النجم ، الآية 31 .
(4) سورة يونس ، الآية 30.
(5) سورة هود ، الآية111.
(6) سورة البقرة ، الآية 110.
(7) سورة النساء ، الآية 123.
(8) سورة آل عمران ، الآية 115.
(9) سورة النساء ، الآية40.
(10) سورة آل عمران ، الآية 195.
(11) سورة ق ، من الآية 21إلى الآية29..(1/91)
وقال تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ}{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} (1) إلى آخر السورة ، وقال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (2) وقال تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} (3) وقال تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} (4) (5) وقال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} (6) هذا نص كلامه يوم القيامة وهو القاضي على كل مجمل قالوا فنص الله عز وجل أنه يضع الموازين القسط وأنه لا يظلم أحدا شيئا ولامثقال حبة خردل ولا مثقال ذرة من خير ومن شر فصح أن السيئة لا تحبط الحسنة وأن ألإيمان لا يسقط الكبائر ونص الله تعالى انه تجزي كل نفس بما كسبت وما عملت وما سعت وأنه ليس لاحد الاما سعى وأنه سيجري بذلك من أساء بما عمل ومن أحسن بالحسنى وانه تعالى يوفي الناس أعمالهم فدخل في ذلك الخير والشر وأنه تعالى يجازي بكل خير وبكل سوء وعمل وهذا كله يبطل قول من قال بالتخليد ضرورة وقول من قال باسقاط الوعيد جملة لان المعتزلة تقول أن ألايمان يضيع ويحبط وهذا خلاف قول الله تعالى انه لا يضيع ليماتناولا عمل عامل منا وقالوا هم ان الخير ساقط بسيئه واحدة وقال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (7)
__________
(1) سورة القارعة ،من آية6 إلى آخر السورة .
(2) سورة هود ، الآية 114.
(3) سورة البقرة ، الآية 217.
(4) سورة الأنعام ، الآية160.
(5) الفصل في الملل 4/41 .
(6) سورة غافر ، الآية 17.
(7) سورة هود ، الآية 114..(1/92)
فقالوا هم ان السيآت يذهن الحسنات وقد نص تعالى أن الاعمال لا يحبطها الا الشرك والموت عليه وقال تعالى: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} (1) فلو كانت كل سيئة أو كبيرة توجب الخلود في جهنم ويحبط الأعمال الحسنة لكانت كل سيئة أو كل كبيرة كفرا ولتساوت السيئات كلها وهذا خلاف النصوص وعلمنا بما ذكرنا أن الذين قال الله تعالى فيهم:{لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) هم الذين رجحت حسناتهم على سيئاتهم فسقط كل سيئة قدموها وصح أن قوله تعالى: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} (3)
__________
(1) سورة الأنعام ،الآية160.
(2) سورة البقرة ، الآية62 .
(3) سورة النمل ،الآية90 ..(1/93)
هو فيمن رجحت كبائرهم حسناتهم وإن السيئة الموجبة هى للخلود وهى الكفر لأن النصوص جاءت بتقسيم السيئات فقال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (1) فهذه سيئات مغفورة باجتناب الكبائر وقال تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} (2) وقال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (3) فاخبر تعالى أن من السيئات المجازى لها ما هو مقدارذرة ومنها ما هو أكبر ولا شك أن الكفر أكبر السيئات فلو كانت كل كبيرة جزاءها الخلود لكانت كلها ولكانت كلها سواء وليست كذلك بالنص وأما وعيد الله بالخلود في القاتل وغيره فلو لم يأت الإ هذه النصوص لوجب الوقوف عندها لكنه قد قال تعالى: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى}{الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (4) وكلامه تعالى لا يختلف ولا يتناقض وقد صح أن القاتل ليس كافرا وأن الزاني ليس كافرا وأن أصحاب تلك الذنوب المتوعد عليها ليسوا كفارا بما ذكرنا قبل من أنهم مباح لهم نكاح المسلمات إنهم مأمورون بالصلات وإن زكاة أموالهم مقبوضة وإنهم لا يقتلون وإنه إن عفى عن القاتل فقتله مسلم فإنه يقتل به وإنه يرث ويورث وتؤكل ذبيحته فإذ ليس كافرا فبيقين يدرى أن خلوده إنما هو مقام مدة ما وإن الصلا إلى نماء الله تعالى عن كل من لم يكذب ولا تولى إنما هو صلى الخلود لا يجوز البته غير هذذا وبهذا تتألف (5)
__________
(1) النساء31
(2) الشورى40
(3) الزلزلة8
(4) الليل الآيات ،15،16
(5) الفصل في الملل 4/42 ..(1/94)
النصوص وتتفق ومن المعهود في المخاطبة أن وفد من بلد إلى بلد محبس فيه لامر أوجب احتباسه فيه مدة ما فإنه ليس من أهل ذلك البلد الذى حبس فيه فمن دخل في النار ثم أخرج منها فقد انقطع عنه صليها فليس من أهلها وأهل صليها على الإطلاق والجملة هم الكفار المخلدون فيها أبدا فهكذا جاء في الحديث الصحيح فقد ذكر عليه السلام فيه من يدخل النار بذنوبه ثم يخرج منها ثم قال(صلى الله عليه وسلم) وأما أهل النار الذين هم أهلها يعنى الكفار المخلدين فيها وقد قال عز وجل: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً}{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} (1) فقد بين عليه السلام ذلك بقوله في الخبر الصحيح: ((ثم يضرب الصراط بين ظهراني جهنم)) فبالقرآن وكلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صح أن ممر الناس من محشرهم إلى الجنة إنما هو بخوضهم وسط جهنم وينجى الله أولياء من حرها وهم الذين لا كبائر لهم أو لهم كبائر تابوا عنها ورجحت حسناتهم بكبائرهم أو تساوت كبائرهم وسيئاتهم بحسناتهم وأنه تعالى يمحص من رجحت كبائره وسيئاته ثم يخرجهم عنها إلى الجنة بايمانهم ويمحق الكفار بتخليدهم في النار كما قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (2) وأيضا فإن كل آية وعيد وخبر وعيد تعلق به من قال بتخليد المذنبين فإن المحتجين بتلك النصوص هم أول مخالف لها لأنهم يقولون إن من يأتى بتلك الكبائر ثم تاب سقط عنه الوعيد فقد تركوا ظاهر تلك النصوص فإن قالوا إنما قلنا بنصوص أخر أو جبت ذلك قيل لهم نعم وكذلك فعلنا بنصوص آخر وهى آيات الموازنة وإنه تعالى لا يضيع عمل عامل من خير أو شر ولا فرق (3) .
__________
(1) سورة مريم ، الآيتان71،72 .
(2) سورة آل عمران ، الآية141.
(3) الفصل 4/42.(1/95)
التوحيد – ثم قالت المعتزلة صاحب الصغيرة إذا أصر عليها يصير صاحب كبيرة والإصرار على ذلك الفعل ليس هو لزومه لأنه لا فعل يمكن لزومه حتى لا يتحول منه إلى غيره فليس إذا الإصرار إلا ترك التوبة والندامة عليه وكل الذنوب من الشرك وغيره مغفور بالتوبة عنها والندامة عليها فيبطل على قولهم حق هذه الآية من التفضيل بين الشرك وما دونه وحق الأية الأخرى من التفضيل بين الكبائر وما دونها ويحصل على أن كل دنب يوجب الخلود إلا أن يتاب عنه وذلك بين لمن تأمله ولا قوة إلا بالله . (1)
ومن الوعيدية من يقول إن كل ذنب فهو كبيرة قال أبو محمد وهذا خطأ لأن نص القرآن مفرق كما قلنا بين الكبائر وغيرها وبالضرورة (2) ندري أنه لا يقال كبيرة إلا بالإضافة إلى ما هو أصغر منها والكبائر أيضاً تتفاضل فالشرك أكبر مما دونه والقتل أكبر من غيره.
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ((أنهما لا يعذبان وما يعذبان في كبير وأنه لكبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)) فأخبر عليه السلام أنهما كبير وما هما بكبير وهذا بين لأنهما كبيران بالإضافة إلى الصغائر المغفورة باجتناب الكبائر وليسا بكبيرين بالإضافة إلى الكفر والقتل.
__________
(1) الماتريدي 1/368
(2) الفصل في الملل 4/48 .(1/96)
قال أبو محمد: فبطل القول المذكور فنظرنا في ذلك فوجدنا معرفة الكبير من الذنوب مما ليس بكبير منها لا يعلم البتة إلا بنص وأراد فيها إذ هذا من أحكام الله تعالى التي لا تعرف إلا من عنده تعالى فبحثنا عن ذلك فوجدنا الله تعالى قد نص بالوعيد على ذنوب في القرآن وعلى لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ووجدنا ذنوبا آخر لم ينص عليها بوعيد فعلمنا يقينا أن كل ما توعد الله تعالى عليه بالنار أو توعد عليه رسوله (صلى الله عليه وسلم) بالنار فهو كبير وكل ما نص عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) باستعظامه فهو كبير كقوله عليه السلام: ((اتقوا السبع الموبقات الشرك والسحر والقتل والزنا)) وذكر الحديث وكقوله عليه السلام: ((عقوق الوالدين من الكبائر)) وكل ما لم يأت نص باستعظامه ولا جاء فيه وعيد بالنار فليس بكبير ولا يمكن أن يكون الوعيد بالنار على الصغائر على انفرادها لأنها مغمورة باجتناب الكبائر فصح ما قلناه وبالله تعالى التوفيق .
والوعيدية حجرت على الرب ولكن غلط ها هنا طائفتان من أهل التأويل الوعيدية حيث حجرت على الرب تعالى بعقولها الفاسدة أن يترك حقه ويعفو عن من يشاء من أهل التوحيد وأوجبوا عليه أن يعذب العصاة ولا بد وقالوا إن العفو عنهم وترك تعذيبهم إخلال بحكمته وطعن في خبره ، وهذا غلو في التقييد . (1)
__________
(1) الصواعق المرسلة 2/691 .(1/97)
ومما احتجت به الوعيدية : أن عدم إنفاذ الوعيد خلف ، وهذا لا يليق من الله سبحانه وتعالى . والخوارج والقدرية مثل أبي عمرو بن العلاء الذي قال له عمرو بن عبيد القدري: قد ورد من الله تعالى الوعد والوعيد والله تعالى يصدق وعده ووعيده فأراد بهذا الكلام أن ينصر بدعته التي ابتدعها في أن العصاة من المؤمنين خالدون مخلدون فقال أبو عمرو: فأين أنت من قول العرب أن الكريم إذا وعد عفا وإذا وعد وفى وافتخار قائلهم بالعفو عند الوعيد حيث قال وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف ميعادي ومنجز موعدي فعده من الكرم لا من الخلق المذموم وكذلك لم يكن في أئمة الأدب أحد إلا وله إنكار على أهل البدعة شديد وبعد من بدعهم بعيد مثل الخليل بن أحمد ويونس بن حبيب وسيبويه والأخفش والزجاج والمبرد وأبي حاتم (1) .
ومن بدع أبي الهذيل قوله بتناهي مقدورات الباري جل جلاله حتى إذا انتهت مقدوراته لا يقدر على شيء قال وإذا دخل ذلك الوقت فنى نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار حتى لا يقدر الباري سبحانه وتعالى عندهم على أن يزيد في نعيم أهل الجنة ذرة ولا أن يزيد في عذاب أهل النار ذرة وتفنى قدرة أهل الجنة حتى لو كان قد مد واحد من أهل الجنة يده إلى شيء من ثمارها ودخل تلك الحالة لم يقدر الباري تعالى أن يوصل تلك الثمرة إلى يده ولا على أن يقدر العبد على أن يوصل يده إليها وأهل الجنة كلهم يبقون همودا جمودا ساكنين لا يقدرون على حركة ولا على نطق وينقطع عذاب أهل النار في ذلك الوقت وهذا قول منه يبطل الرغبة والرهبة ويهدم فائدة الوعد والوعيد ولئن قصد بعض أصحابه أن يستر عليه هذه الفضيحة ويخفي هذه البدعة لم يمكنه لأنه ذكرها في تصانيف له مثل كتاب الحجج وغيره من الكتب التي صنفها على الدهرية وطرقها بهذه المقالة إلى تمهيد الحاد الدهرية وطول لسانهم على المسلمين بإرتكابهم هذه البدعة (2) .
__________
(1) التبصير في الدين 1/187 .
(2) الفصل في الملل 4/48 .(1/98)
ومن مذهب النظام في أمور الآخرة قال لا يوصف لا يوصف الباري تعالى بالقدرة على أن يزيد في عذاب أهل النار شيئا ولا على ان ينقص منه شيئا وكذلك لا ينقص من نعيم أهل الجنة ولا أن يخرج أحدا من أهل الجنة وليس ذلك مقدورا له. (1)
و قد تكلم النظام في مسائل الوعد والوعيد وزعم ان من خان في مائة وتسعة وتسعين درهما بالسرقة او الظلم لم يفسق بذلك حتى تبلغ خيانته نصاب الزكاة وهو مائتا درهم فصاعدا فحينئذ يفسق وكذلك في سائر نصب الزكاة (2) .
ومن المعتزلة أبو هاشم قال : من تاب عن كل شيء إلا أنه شرب جرعة من خمر فإنه يعذب عذاب أهل الكفر أبدا وقال النظام إن الله عز وجل لا يقدر على شيء من الشر وإن إبليس يقدر على الخير والشر وقال هشام القوطي أن الله لا يوصف بأنه عالم لم يزل وقال بعض المعتزلة: يجوز على الله سبحانه وتعالى الكذب إلا أنه لم يقع منه وقالت المجيرة: لا قدر للآدمي بل هو كالجماد مسلوب الإختيار والفعل . (3)
ومن أقوال الخوارج في مسألة الوعيد: القول بالتكفير بمطلق الذنوب ويخلدون في النار، وقول من يخلدهم في النار ويجزم بأن الله لا يغفر لهم إلا بالتوبة ويقول ليس معهم من الإيمان شيء، وهذان القولان لم يذهب إليهما أحد من أئمة الدين أهل الفقه والحديث بل هما من الأقوال المشهورة عن أهل البدع (4)
وقد اختلف الناس في الوعد والوعيد ، منهم من قال إن صاحب الكبيرة ليس مؤمنا ولا كافرا ولكنه فاسق وأن كل من مات مصرا على كبيرة من الكبائر فلم يمت مسلما وإذا لم يمت مسلما فهو مخلد في النار أبدا وإن من مات ولا كبيرة له أو تاب عن كبائره قبل موته فإنه مؤمن من أهل الجنة لا يدخل النار أصلا (5) .
__________
(1) الملل والنحل 1/55
(2) الملل والنحل 1/58 .
(3) تلبيس إبليس 1/103
(4) توحيد الألوهية 7/501 ، وينظر : الكلام عن الوعد والوعيد عند سعيد القحطاني في منهج ابن بطال .
(5) الفصل في الملل 4/37(1/99)
وأما موقف الوعيدية من عذاب القبر ، فقد قال بعض المعتزلة: ان الله سبحانه يعذب الموتى في قبورهم ويحدث فيهم الآلام وهم لا يشعرون فإذا حشروا وجدوا تلك الآلام وأحسوا بها قالوا وسبيل المعذبين من الموتى كسبيل السكران والمغشى عليه لو ضربوا لم يجدوا الآلام فاذا عاد عليهم العقل أحسوا بألم الضرب ، وأنكر جماعة منهم عذاب القبر رأسا مثل ضرار بن عمرو ويحيى بن كامل وهو قول المريسى (1) .
ومن أقوال المعتزلة في التوبة ما ذكره أبو أبو محمد قال: وسمعت بعض مقدميهم يقول: أن من كان على معاصي خمسة من زنا وسرقة وترك صلاة وتضييع زكاة وغير ذلك ثم تاب عن بعضها دون بعض فإن توبته تلك لا تقبل وقد نص السمناني على أن هذا قول الباقلاني وهو قول أبي هاشم الجبائي ثم قال السمناني (2) هذا قول خارق للاجماع جمله وخلاف لدين الأمة هذا نص قول السمناني في شيخه وشهدوا على أنفسهم وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون .
__________
(1) الروح 1/58 .
(2) الفصل في الملل 4/165(1/100)
قال أبو محمد: هذا القول مخالف للقرآن والسنن لأن الله تعالى يقول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}{وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (1) وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } (2) الآية وقال تعالى: { أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} (3) وبالضرورة يدري كل ذي مسكة من عقله أن التوبة من الزنا خير كثير فهذا الجاهل يقول أنه لا يراه صاحبه وأنه عمل ضائع عند الله عز وجل من مسلم مؤمن ومعاذ الله من هذا وسر هذا القول الملعون وحقيقته التي لا بد لقائله منه أنه لا معنى لمن أصر على الزنا أو شرب الخمر في أن يصلي ولا أن يزكي فقد صار يأمر بترك الصلاة الخمس والزكاة وصوم رمضان والحج.
ونص السمناني عن الباقلاني شيخه أنه كان يقول: أن الله تعالى لا يغفر الصغائر باجتناب الكبائر .
قال أبو محمد: وأن سمعت بعض مقدميهم ينكر أن يكون في الذنوب صغائر وناظرته بقول الله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (4) وقلت بالضرورة يدري كل ذي فهم أن لا كبائر إلا بالإضافة إلى ما هو أصغر منها وهي السيئات المغفورة باجتناب الكبائر بنص كلام الله تعالى فقولك هذا خلاف للقرآن مجرد فخلط ولجأ إلى الحرد وهذا منهم تكذيب لله عز وجل ورد لحكمه بلا كلفة.
__________
(1) سورة الزلزلة ، الآيتان7،8 .
(2) سورة الأنبياء ، الآية 47 .
(3) سورة آل عمران ، الآية195 .
(4) سورة النساء ،آية31 .(1/101)
ومن شنعهم قولهم أن من كان الآن على دين الإسلام مخلصا بقلبه ولسانه مجتهدا في العبادة إلا أن الله عز وجل يعلم أنه لا يموت إلا كافرا فهو الآن عند الله كافرا وان من كان الآن كافرا يسجد للنار وللصليب أو يهوديا أو زنديقا مصرحين بتكذيب رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إلا إن في علم الله تعالى أنه لا يموت إلا مسلما فإنه الآن عند الله مسلم. قال أبو محمد: ما قال هذا مسلم قط قبل هشام الغوطي وهذه مكابرة للعيان وتكذيب لله عز وجل مجرد كأنهم ما سمعوا قط قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} (1) فسماهم مؤمنين ثم أخبر تعالى بأنهم كفروا وقوله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} (2) فجعل الإسلام دينا لما كان عليه إذ كان عليه وإن ارتد معه ومات كافرا وقوله تعالى مخاطبا للمسلمين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ} (3) . (4)
__________
(1) سورة المنافقون ،الآية 3 .
(2) سورة البقرة ، الآية 217 .
(3) سورة النساء ، الآية 94 .
(4) الفصل في الملل 4/165(1/102)
وقالوا في قاطع الطريق: ليس بمؤمن لأنه يخزى لقوله تعالى فيهم: {ولهم في الآخرة عذاب النار} مع قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} (1) والمؤمن لا يخزى لقوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} (2) قلنا هو مخصوص بالصحابة ولا قاطع طريق فيهم الرابع نحو قوله (صلى الله عليه وسلم): ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) ((لا إيمان لمن لا أمانة له)) قلنا مبالغة ثم إنها معارضة بالأحاديث الدالة على أنه مؤمن وأنه يدخل الجنة حتى قال لأبي ذر لما بالغ في السؤال عنه: ((وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر)). (3)
وذكر صاحب المواقف المقصد الرابع في أن مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة أي من أهل القبلة مؤمن وقد تقدم بيانه في مسألة حقيقة الإيمان ، وذهب الخوارج إلى أنه كافر والحسن البصري إلى أنه منافق والمعتزلة إلى أنه لا مؤمن ولا كافر ، حجة الخوارج وجوه (4) :
الأول قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (5) ، فإن كلمة من عامة في كل من لم يحكم بما أنزل فيدخل فيه الفاسق المصدق وأيضا فقد علل كفرهم بعدم الحكم فكل من لم يحكم بما أنزل الله كان كافرا ، والفاسق لم يحكم بما أنزل الله ، قلنا الموصولات لم توضع للعموم بل هي للجنس تحتمل العموم والخصوص ، فنقول المراد من لم يحكم بشيء مما أنزل الله أصلا ولا نزاع في كونه كافرا ، أو نقول المراد بما أنزل الله هو التوراة بقرينة ما قبله وهو إنا أنزلنا التوراة الآية وأمتنا غير متعبدين بالحكم فيختص باليهود فيلزم أن يكونوا كافرين إذا لم يحكموا بالتوراة ونحن نقول بموجبه.
__________
(1) سورة آل عمران ، الآية192.
(2) سورة التحريم ، الآية 8 .
(3) المواقف 3/531
(4) المواقف 3/553
(5) سورة المائدة ، الآية44 .(1/103)
الثاني من تلك الوجوه قوله تعالى: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (1) فإنه يدل على أن كل من يجازى فهو كافر وصاحب الكبيرة ممن يجازى لقوله: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} (2) فيكون كافرا قلنا هو متروك الظاهر لأن ظاهره حصر الجزاء في الكفور وهو متروك قطعا إذ يجازى غير الكفور وهو المثاب لأن الجزاء يعم الثواب والعقاب أيضاً ذلك الحصر متروك لقوله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} (3) فوجب حمل الآية على جزاء مخصوص بالكافر كما يدل عليه سياق الآية أعني قولك ذلك جزيناهم بما كفروا فالمعنى وهل يجازى ذلك الجزاء إلا الكفور وصاحب الكبيرة جاز أن يجازى جزاء مغايرا لما يختص بالكافر (4) .
الثالث قوله تعالى بعد إيجاب الحج {ومن كفر} أي لم يحج {فإن الله غني عن العالمين} فقد جعل ترك الحج كفرا قلنا المراد من جحد وجوبه ولا شك في كفره.
الرابع قوله تعالى حكاية عن موسى وهارون: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (5) فإنه يدل على انحصار العذاب في المكذب وهو كافر ولا شك أن الفاسق معذب لما ورد فيه من الوعيد قلنا هو أيضاً متروك الظاهر ومخصوص للاتفاق على عذاب شارب الخمر والزاني مع أنه غير مكذب لله تعالى بل اليهود والنصارى لا يكذبون الله تعالى وربما يلزمهم التكذيب لكن فرق بين المكذب ومن يلزمه التكذيب .
__________
(1) سورة سبأ ، الآية17 .
(2) سورة النساء ، الآية93.
(3) سورة غافر ، الآية17 .
(4) المواقف 3/553
(5) سورة طه ، الآية 48.(1/104)
الخامس قوله تعالى: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى }{لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى }{الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (1) فإنه يدل على أن كل من يصلى النار فهو كافر والفاسق أي مرتكب الكبيرة يصلاها أي النار للآيات العامة الموعدة بدخولها قلنا لعل ذلك نار خاصة يعني أن الضمير في يصلاها عائد إلى نار منكرة فلعل تنكيرها للوحدة النوعية فتكون نارا مخصوصة لا يصلاها إلا الكافر.
السادس قوله تعالى في حق من خفت موازينه: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} (2) وحينئذ نقول الفاسق ممن خفت موازينه لقلة حسناته وكل من خفت موازينه فهو مكذب بالآية المذكورة وكل مكذب كافر (3) قلنا بل ثقلت موازين الفاسق بالإيمان فلا يندرج فيمن خفت موازينه .
السابع قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (4) والفاسق ممن وجهه مسود بالمعصية فيكون كافرا قلنا لا نسلم أن كل فاسق كذلك أي مسود الوجه يوم القيامة فإن الآية لا تقتضي ذلك بل هي واردة في بعض الكفار الذين كفروا بعد إيمانهم لقوله أكفرتم بعد إيمانكم
الثامن إنه أي مرتكب الكبيرة من أصحاب المشأمة وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} (5) فدل على أنه كل من كان من أصحاب المشأمة فهو كافر قلنا هو أي ما ذكرتم من معنى الآية من باب إيهام العكس فإنها تدل على أن كل من كفر كان من أصحاب المشأمة وذلك لا ينعكس كليا كما توهمتموه وأيضا ينتقض استدلالكم بهذه الآية بالزاني والسارق المصدقين بما هو من ضرورات الدين فإنهما من أصحاب المشأمة مع عدم تكذيبهما
__________
(1) سورة الليل ، الآيات14،15،16.
(2) سورة المؤمنون ، الآية 105.
(3) المواقف 3/554
(4) سورة آل عمران ، الآية106.
(5) سورة البلد ، الآية 19 .(1/105)
التاسع قوله تعالى {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1) ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وأنه يقتضي حصر المبتدأ في الخبر والصحيح المطابق للنهاية حصر الخبر في المبتدأ فيصدق حينئذ أن كل فاسق كافر قلنا الحصر الذي ذكرتموه ممنوع كونه مستفادا من الآية لأن الكافر ابتداء كذلك أي فاسق لغة وإن لم يطلق لفظ الفاسق في العرف (2) الطارىء على الكافر فلا ينحصر الفاسق مطلقا فيمن كفر بعد ذلك بل المنحصر فيه الفاسق الكافر الكامل.
العاشر قوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (3) والفاسق آيس من روح الله أي ثوابه قلنا كونه آيسا ممنوع للرجاء الحاصل له بسبب إيمانه .
الحادي عشر قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} (4) مع قوله إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين وتقريره أن الفاسق يدخل النار للآيات العامة الموعدة وكل من يدخل النار فهو مخزي للآية الأولى وكل مخزي كافر للآية الثانية قلنا المفرد المحلى باللام وهو الخزي ههنا لا عموم له عندنا فلا يلزم انحصار الخزي مطلقا في الكافر أو نقول المراد به على تقدير عمومه الخزي الكامل فيلزم حينئذ انحصار أفراده في الكافر لا انحصار أفراد الخزي مطلقا فيه .
__________
(1) سورة النور55
(2) المواقف ج:3 ص:555
(3) سورة يوسف ، الآية 87 .
(4) سورة آل عمران ، الآية 192.(1/106)
الثاني عشر قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ} (1) إلى قوله: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} (2) والفاسق لا يؤتى كتابه بيمينه وهو ظاهر بل بشماله إذ لا ثالث هناك فيكون كافرا قلنا ذكر قسمين من الناس في ذلك اليوم أعني من يؤتى كتابه بيمينه ومن يؤتى بشماله لا يدل على عدم القسم الثالث إذ يجوز أن لا يؤتى بعضهم كتابه بأيديهم بل يقرأ عليهم وليس في نظم التنزيل ما ينافي ذلك مع أن التخصيص ظاهر أي إن سلمنا الانحصار في القسمين قلنا إن قوله إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ليس عاما لكل من يؤتى كتابه (3) بشماله لأن فساق أهل القبلة مؤمنون بالله أي مصدقون به فلا يندرجون في قوله إنه كان لا يؤمن.
الثالث عشر الفاسق ظالم على غيره أو على نفسه وكل ظالم كافر لقوله تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} (4) قلنا يلزم مما ذكرتم تكفير الأنبياء حيث اعترفوا بظلمهم فإنه قال آدم وحواء: {ربنا ظلمنا أنفسنا} وقال موسى: {إني ظلمت نفسي} وقال يونس: {إني كنت من الظالمين} وحله أن يقال ما ذكر بعد الظالمين صفة مخصصة فلا يلزم تكفير كل ظاهر .
__________
(1) سورة الحاقة ، الآية25 .
(2) سورة الحاقة ،الآية 33 .
(3) [المواقف ج:3 ص:556]
(4) سورة هود ، الآيات 18،19 .(1/107)
الرابع عشر قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} (1) الآيةوتمامها { كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ }فإنه يدل على أن كل فاسق كافر قلنا ليس قوله وأما الذين فسقوا باقيا على عمومه الظاهر لأنه يقتضي أن كل فاسق مكذب بالقيامة وأنه باطل قطعا .
الخامس عشر قوله تعالى: {يَتَسَاءلُونَ}{عَنِ الْمُجْرِمِينَ }{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } (2) إلى قوله: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } (3) فثبت بذلك أن كل مجرم داخل في النار كافر ولا شبهة في أن الفاسق مجرم لا يدخل النار قلنا قد مر جوابه وهو أن الآية متروكة الظاهر وإلا لزم كون كل مجرم مكذبا بيوم القيامة وهو باطل قطعا (4) .
السادس عشر قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (5) إلى قوله: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} (6) وسيق الذين اتقوا إذ يعلم منه أن الإنسان إما متق يساق إلى الجنة أو كافر يساق إلى النار والجواب عنه قد مر مثله وهو أن ذكر قسمين لا يدل على عدم قسم ثالث .
السابع عشر قوله (صلى الله عليه وسلم): ((من ترك صلاة متعمدا فقد كفر)) وقوله (صلى الله عليه وسلم): ((من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا)) قلنا الآحاد لا تعارض الإجماع المنعقد قبل حدوث المخالفين والثامن عشر ولاية الله وعداوته ضدان فلا واسطة بينهما وولاية الله إيمان وعداوته كفر قلنا لا نسلم عدم الواسطة بين كل ضدين فإن السواد والبياض متضادان وبينهما واسطة فجاز أن يكون بين ولايته وعداوته واسطة
احتج من زعم أنه أي مرتكب الكبيرة منافق بوجهين:
__________
(1) سورة السجدة ، الآية 20 .
(2) سورة المدثر ، الآيات40،41،42 .
(3) سورة المدثر ، الآية 46 .
(4) المواقف ج:3 ص:557
(5) سورة الزمر ،الآية 71 .
(6) سورة الزمر ، الآية73 .(1/108)
الأول نقلي وهو قوله (صلى الله عليه وسلم): ((آية المنافق ثلاث إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا ائتمن خان)) قلنا هو متروك الظاهر لأن من وعد غيره أن يخلع عليه خلعة نفيسة ثم أخلفه لم يخرج بذلك عن الإيمان إلى النفاق إجماعا وقيل معناه أن هذه الخصال الثلاث إذا صارت معا ملكة الشخص كانت علامة لنفاقه وأما بدون كونها ملكة فلا ألا ترى أن إخوة يوسف وعدوا أباهم أن يحفظوا فأخلفوا وائتمنهم أبوهم فخانوا وكذبوا في قولهم (1) فأكله الذئب وما كانوا منافقين اتفاقا على أن العلامة الدالة على شيء قد لاتكون قطعية الدلالة فيجوز تخلف المدلول عنها .
الثاني عقلي وهو أن من اعتقد من العقلاء أن في هذا الجحر حية لم يدخل يده فيه فإذا زعم ذلك ثم أدخل يده فيه علم أنه قاله لا عن اعتقاد وكذا الحال فيمن ارتكب الكبيرة قلنا مضرة الحية عاجلة محققة بخلاف عقاب الذنب لأنها آجلة وغير محققة إذ يجوز التوبة والعفو فافترقا.
احتج المعتزلة بوجهين: الأول إن الفاسق ليس مؤمنا لما مر من أن الإيمان عبارة عن الطاعات ولا كافرا بالإجماع لأنهم أي الصحابة ومن بعدهم من السلف كانوا يقيمون عليه الحد في الزنا وشرب الخمر وقذف المحصنات ولا يقتلونه ولا يحكمون بردته ويدفنونه في مقابر المسلمين مع إجماعهم على أن الكافر لا يعامل معه كذلك وأيضا فيلزم من كون الفاسق كافرا بينونة المرأة عن زوجها بمجرد رمي الزوج إياها بالزنا من غير لعان وقضاء قاض لأنه إن صدق الزوج فهي كافرة بارتكاب الزنا وإن كذب فهو كافر بارتكاب قذف المحصنة فكانت البينونة واقعة على التقديرين قلنا هو مؤمن وقد مر الكلام فيه في بيان حقيقة الإيمان (2) .
__________
(1) المواقف ج:3 ص:558
(2) المواقف ج:3 ص:559(1/109)
الثاني ما قاله واصل بن عطاء لعمرو بن عبيد فرجع عمرو إلى مذهبه وهو أن فسقه معلوم وفاقا وإيمانه مختلف فيه أي الأمة مجمعة على أن صاحب الكبيرة فاسق واختلفوا في كونه مؤمنا أو كافرا فنترك المختلف فيه ونأخذ بالمتفق عليه قلنا قد مر أنه مؤمن قطعا ولا خلاف فيه ممن قبله من الأمة بل قد أجمع قبله على أنه أي المكلف إما مؤمن أو كافر فالقول بالواسطة خرق بالإجماع المنعقد على الانحصار في ذينك القسمين فيكون باطلا بلا اشتباه (1) .
وذكر صاحب المواقف المقصد الخامس في أن المخالف للحق من أهل القبلة هل يكفر أم لا المتن جمهور المتكلمين والفقهاء على أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة.
والمعتزلة الذين قبل أبي الحسين تحامقوا فكفروا الأصحاب فعارضه بعضنا بالمثل وقد كفر المجسمة مخالفوهم وقال الأستاذ كل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا لنا إن المسائل التي اختلف فيها أهل القبلة من كون الله تعالى عالما بعلم أو موجدا لفعل العبد أو غير متحيز ولا في جهة ونحوها لم يبحث النبي (صلى الله عليه وسلم) عن اعتقاد من حكم بإسلامه فيها ولا الصحابة ولا التابعون فعلم أن الخطأ فيها ليس قادحا في حقيقة الإسلام .
الفصل الثاني
المرجئة
المبحث الأول : التعريف بالمرجئة
المرجئة من الارجاء على معنيين احدهما بمعنى التأخير كما فى قوله تعالى: {قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} (2) اى امهله واخره والثانى اعطاء الرجاء . اما اطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الاول فصحيح لانهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد واما بالمعنى الثانى فظاهر فانهم كانوا يقولون لا تضر مع الايمان معصية كما لا تنفع مع الكفر الطاعة.
وقيل الارجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة فلا يقضى عليه بحكم مافى الدنيا من كونه من اهل الجنة او من اهل النار فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان .
__________
(1) المواقف ج:3 ص:560
(2) الأعراف111(1/110)
وقيل الارحاء تأخير علي رضى الله عنه عن الدرجة الاولى إلى الرابعة فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان والمرجئة اربعة اصناف رجئة الخوارج ومرجئة القدرية ومرجئة الجبرية والمرجئة الخالصة ومحمد بن شبيب والصالحى والخالدى من مرجئة القدرية وكذلك الغيلانية أصحاب غيلان الدمشقى أول من احدث القول بالقدر والارجاء ونحن انما نعد مقالات المرجئة الخالصة منهم . (1)
والمرجئة فرقة تكلموا في الإيمان والعمل إلا أنهم وافقوا الخوارج في بعض المسائل التي تتعلق بالإمامة . (2) وهم ثلاثة اصناف صنف منهم قالوا بالإرجاء في الايمان وبالقدر على مذاهب القدرية فهم معدودون في القدرية والمرجئة كأبي شمر المرجىء ومحمد بن شبيب البصرى والخالدى وصنف منهم قالوا بالإرجاء في الايمان ومالوا إلى قول جهم في الاعمال والاكساب فهم من جملة الجهمية والمرجئة.
وصنف منهم خالصة في الإرجاء من غير قدروهم خمس فرق يونسية وغسانية وثوبانية وتومنية ومريسية وأما النجارية فانها اليوم بالري اكثر من عشر فرق ومرجعها في الأصل إلى ثلاث فرق برغونية زغفرانية ومستدركة وأما البكرية والضرارية فكل واحدة منها فرقة واحدة ليس لها تبع كثير والجهمية أيضاً فرقة واحدة والكرامية بخراسان ثلاث فرق حقاقية وطرايقية واسحافية لكن هذه الغرق الثلاث منها لا يكفر بعضها بعضا فعددناها كلها فرقة واحدة. (3)
__________
(1) الملل والنحل 1/139
(2) الملل والنحل 1/114
(3) الفرق بين الفرق 1/19(1/111)
قال أبو محمد: وحماقاتهم أكثر من ذلك ونعوذ بالله من الخذلان شنع المرجئة قال أبو محمد غلاة المرجئية طائفتان أحدهما الطائفة القائلة بأن الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن عند الله عز وجل ولي له عز وجل من أهل الجنة وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه وهو بخراسان وبيت المقدس والثانية الطائفة القائلة أن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه بلا نقية وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب وأعلن الثتليث في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ولي لله عز وجل من أهل الجنة وهذا قول أبي محرز جهم بن صفوان السمرقندي مولى بني راسب كاتب الحارث بن سريج التميمي أيام قيامه على نصرين سيار بخراسان وقول أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي اليسر الأشعري البصري وأصحابهما فأما الجهمية فبخراسان وأما الأشعرية فكانوا ببغداد والبصرة ثم قامت له سوق بصقلية والقيروان وبالأندلس ثم رق أمرهم والحمد لله رب العالمين فمن فضايح الجهمية وشنعهم قولهم بأن علم الله محدث مخلوق وأنه تعالى لم يكن يعلم شيئا حتى أحدث لنفسه علما علم به وكذلك قولهم في القدرة وقال أيضا أن الجنة والنار يفنيان ويفنى كل من فيهما و هذا خلاف القرآن والثابت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخلاف إجماع أهل الإسلام المتيقن وقال بعض الكرامية المنافقون مؤمنون من أهل الجنة وقد أطلق ذلك بالمربة محمد بن عيسى الصوفي الالبيري وكانت ألفاظه تدل على أنه يذهب مذهبهم في التجسيم وغيره وكان ناسكا متقللا من الدنيا واعظا مفوها مهذارا قليل الصواب كثير الخطأ رأيته مرة وسمعته يقول أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان لا يلزمه زكاة مال لأنه اختار أن يكون نبيا عبدا والعبد لا زكاة عليه ولذلك لم يورث ولا ورث فأمسكت عن معارضته لأن العامة كانت تحضره فخشيت لغطهم وتشنيعهم بالباطل ولم يكن معي أحد إلا(1/112)
يحيى بن عبد الكثير بن وافد كنت أتيت أنا وهو معي متنكرين لنسمع كلامه وبلغتني عنه شنع منها القول بحلول الله فيما شاء من خلقه أخبرني عنه بهذا أبو أحمد الفقيه المعافري عن أبي علي المقري وكان على بنت محمد بن عيسى المذكور وغير هذا أيضا نعوذ بالله من الضلال وقالت طائفة الكرامية المنافقون مؤمنون مشركون من أهل النار وقالت طائفة منهم أيضا من آمن بالله وكفر بالنبي (صلى الله عليه وسلم) فهو مؤمن كافر معا ليس مؤمنا على الإطلاق ولا كافرا على الإطلاق وقال مقاتل ابن سليمان وكان من كبار المرجئة لا يضر مع الإيمان سيئة جلت أو قلت أصلا ولا ينفع مع الشرك حسنة أصلا وكان مقاتل هذا مع جهم بخراسان في وقت واحد. (1)
أقوال المرجئة في الإيمان
اختلفت المرجئة في الايمان ما هو وهم اثنتا عشرة فرقة فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الايمان بالله هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاء من عند الله فقط وان ما سوى المعرفة من الاقرار باللسان والخضوع بالقلب والمحبة لله ولرسوله والتعظيم لهما والخوف منهما والعمل بالجوارح فليس بايمان وزعموا ان الكفر بالله هو الجهل به وهذا قول يحكى عن جهم بن صفوان وزعمت الجهمية ان الانسان اذا اتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه انه لا يكفر بجحدة وان الايمان لا يتبعض ولا يتفاضل اهله فيه وان الايمان والكفر لا يكونان الا في القلب دون غيره من الجوارح .
__________
(1) الفصل في الملل 4/155(1/113)
والفرقة الثانية من المرجئة يزعمون ان الايمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط فلا ايمان بالله الا المعرفة به ولا كفر بالله الا الجهل به وان قول القائل ان الله ثالث ثلاثة ليس بكفر ولكنه لا يظهر الا من كافر وذلك ان الله سبحانه اكفر من قال ذلك واجمع المسلمون انه لا يقوله الا كافر وزعموا ان معرفة الله هي المحبة له وهى الخضوع لله وأصحاب هذا القول لا يزعمون ان الايمان بالله ايمان بالرسول وانه لا يؤمن بالله اذا جاء الرسول الا من آمن بالرسول ليس لأن ذلك يستحيل ولكن لان الرسول قال ومن لا يؤمن بي فليس بمؤمن بالله وزعموا أيضاً ان الصلاة ليست بعبادة لله وانه لا عبادة الا الايمان به وهو معرفته والايمان عندهم لا يزيد ولا ينقص وهو خصلة واحدة وكذلك الكفر والقائل بهذا القول أبو الحسين الصالحى .
والفرقة الثالثة منهم يزعمون ان الايمان هو المعرفة بالله والخضوع له وهو ترك الاستكبار عليه والمحبة له فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن وزعموا ان ابليس كان عارفا بالله غير انه كفر باستكباره على الله وهذا قول قوم من أصحاب يونس السمرى وزعموا ان الانسان وان كان لا يكون مؤمنا الا بجميع الخلال التي ذكرناها وقد يكون كافرا بترك خلة منها ولم يكن يونس يقول بهذا .(1/114)
والفرقة الرابعة منهم وهم أصحاب أبي شمر ويونس يزعمون ان الايمان المعرفة بالله والخضوع له والمحبة له بالقلب والاقرار به انه واحد ليس كمثله شيء ما لم تقم عليه حجة الانبياء وان كانت قامت عليه حجة الانبياء فالايمان الاقرار بهم والتصديق لهم والمعرفة بما جاء من عند الله غير داخل في الايمان ولا يسمون كل خصلة من هذه الخصال ايمانا لاجتماعها وشبهوا ذلك بالبياض اذا كان في دابة لم يسموها بلقاء ولا بعض ابلق حتى يجتمع السواد والبياض فاذا اجتمعا في الدابة سمى ذلك بلقا اذا كان بفرس فان كان في جمل او كلب سمى بقعا وجعلوا ترك الخصال كلها وترك كل خصلة منها كفرا ولم يجعلوا الايمان متبعضا ولا محتملا للزيادة والنقصان وحكى عن أبي شمر انه قال لا اقول في الفاسق الملى فاسق مطلق دون ان اقيد فاقول فاسق في كذا وحكى محمد بن شبيب وعباد بن سليمان عن أبي شمر انه كان يقول ان الايمان هو المعرفة بالله والاقرار به وبما جاء من عنده ومعرفة العدل يعنى قوله في القدر ما كان من ذلك منصوصا عليه او مستخرجا بالعقول مما فيه اثبات عدل الله ونفى التشبيه والتوحيد وكل ذلك ايمان والعلم به ايمن والشاك فيه كافر والشاك في الشاك كافرا ابدا والمعرفة لا يقولون انها ايمان ما لم تضم الاقرار واذا وقعا كانا جميعا ايمانا .
والفرقة الخامسة من المرجئة أصحاب أبي ثوبان يزعمون ان الايمان هو الاقرار بالله وبرسله وما كان لا يجوز في العقل الا ان يفعله وما كان جائزا في العقل ان لا يفعله فليس ذلك من الايمان .(1/115)
والفرقةالسادسة من المرجئة يزعمون ان الايمان هو المعرفة بالله وبرسله وفرائضه المجتمع عليها والخضوع له بجميع ذلك والاقرار باللسان فمن جهل شيئا من ذلك فقامت به عليه حجة او عرفة ولم يقر به كفر ولم تسم كل خصلة من ذلك ايمانا كما حكينا عن أبي شمر وزعموا ان الخصال التي هي ايمان اذا وقعت فكل خصلة منها طاعة فان فعلت خصلة منها ولم تفعل الاخرى لم تكن طاعة كالمعرفة بالله اذا انفردت من الاقرار لم تكن طاعة لان الله عز وجل امرنا بالايمان جملة امرا واحدا ومن لم يفعل ما امر به لم يطع وزعموا ان ترك كل خصلة من ذلك معصية وان الانسان لا يكفر بترك خصلة واحدة وان الناس يتفاضلون في ايمانهم ويكون بعضهم اعلم بالله واكثر تصديقا له من بعض وان الايمان يزيد ولا ينقص وان من كان مؤمنا لا يزول عنه اسم الايمان الا بالكفر وهذا قول الحسين بن محمد النجار وأصحابه .(1/116)
والفرقة السابعة من المرجئة الغيلانية أصحاب غيلان يزعمون ان الايمان المعرفة بالله الثانية والمحبة والخضوع والاقرار بما جاء به الرسول وبما جاء من عند الله سبحانه وذلك ان المعرفة الاولى عنده اضطرار فلذلك لم يجعلها من الايمان وذكر محمد بن شبيب عن الغيلانية انهم يوافقون الشمرية في الخصلة من الايمان انه لا يقال لها ايمان اذا انفردت ولا يقال لها بعض ايمان اذا انفردت وان الايمان لا يحتمل الزيادة والنقصان وانهم خالفوهم في العلم فزعموا ان العلم بأن الاشياء محدثة مدبرة ضرورة والعلم بأن محدثها ومدبرها ليس باثنين ولا أكثر من ذلك اكتساب وجعلوا العلم بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وبما جاء من عند الله اكتسابا وزعموا انه من الايمان اذا كان الذي جاء من عند الله منصوصا باجماع المسلمين ولم يجعلوا شيئا من الدين مستخرجا ايمانا ، وكل هؤلاء الذين حكينا قولهم من الشمرية والجهمية والغيلانية والنجارية ينكرون ان يكون من الكفار ايمان وان يقال ان فيهم بعض ايمان اذ كان الايمان لا يتبعض عندهم وذكر زرقان عن غيلان ان الايمان هو الاقرار باللسان وهو التصديق وان المعرفة بالله فعل الله وليست من الايمان في قليل ولا كثير واعتل بأن الايمان في اللغة هو التصديق .(1/117)
والفرقة الثامنة من المرجئة أصحاب محمد بن شبيب يزعمون ان الايمان الاقرار بالله والمعرفة بانه واحد ليس كمثله شىء والاقرار والمعرفة بانبياء الله وبرسله وبجميع ما جاءت به من عند الله مما نص عليه المسلمون ونقلوه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الصلاة والصيام واشباه ذلك مما لا اختلاف فيه بينهم ولا تنازع واما ما كان من الدين نحو اختلاف الناس في الاشياء فان الراد للحق لا يكفر وذلك انه ايمان واستخراج ليس يرد على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما جاء به من عند الله سبحانه ولا على المسلمين ما نقلوه عن نبيهم(صلى الله عليه وسلم)ونصوا عليه والخضوع لله هو ترك الاستكبار وزعموا ان ابليس قد عرف الله سبحانه واقر به وانما كان كافرا لانه استكبر ولولا استكباره ما كان كافرا وان الايمان يتبعض ويتفاضل اهله وان الخصلة من الايمان قد تكون طاعة وبعض ايمان ويكون صاحبها كافرا بترك بعض الايمان ولا يكون مؤمنا الا باصابة الكل وكل رجل يعلم ان الله واحد ليس كمثله شيء ويجحد الانبياء فهو كافر يجحده الانبياء وفيه خصلة من الايمان وهو معرفته بالله وذلك ان الله امره ان يعرفه وان يقر بما كان عرف وان عرف ولم يقر او عرف الله سبحانه وجحد انبياءه فاذا فعل ذلك فقد جاء ببعض ما امر به واذا كان الذي امر به كله ايمانا فالواحد منه بعض ايمان ، وكان وكان محمد بن شبيب وسائر من قدمنا وصفه من المرجئة يزعمون ان مرتكبى الكبائر من اهل الصلاة العارفين بالله وبرسله المقرين به وبرسله مؤمنون بما معهم من الايمان فاسقون بما معهم من الفسق .(1/118)
والفرقة التاسعة من المرجئة أبو حنيفة وأصحابه يزعمون ان الايمان المعرفة بالله والاقرار بالله والمعرفة بالرسول والاقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير وذكر أبو عثمان الادمى انه اجتمع أبو حنيفة وعمر بن أبي عثمان الشمزى بمكة فسأله عمر فقال له اخبرنى عمن زعم ان الله سبحانه حرم اكل الخنزير غير انه لا يدرى لعل الخنزير الذى حرمه الله ليس هي هذه العين فقال مؤمن فقال له عمر فانه قد زعم ان الله قد فرض الحج إلى الكعبة غير انه لا يدرى لعلها كعبة غير هذه بمكان كذا فقال هذا مؤمن قال فان قال اعلم ان الله سبحانه بعث محمدا وانه رسول الله غير انه لا يدرى لعله هو الزنجى قال هذا مؤمن ولم يجعل أبو حنيفة شيئا من الدين مستخرجا ايمانا وزعم ان الايمان لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه ، فاما غسان واكثر أصحاب أبي حنيفة فانهم يحكون عن اسلافهم ان الايمان هو الاقرار والمحبة لله والتعظيم له والهيبة منه وترك الاستخفاف بحقه وانه يزيد ولا ينقص.(1/119)
والفرقة العاشرة من المرجئة أصحاب أبي معاذ التومنى يزعمون ان الايمان ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال اذا تركها التارك او ترك خصلة منها كان كافرا فتلك الخصال التي يكفر بتركها وبترك خصلة منها ايمان ولا يقال للخصلة منها ايمان ولا بعض ايمان وكل طاعة اذا تركها التارك لم يجمع المسلمون على كفره فتلك الطاعة شريعة من شرائع الايمان تاركها ان كانت فريضة يوصف بالفسق فيقال له انه فسق ولا يسمى بالفسق ولا يقال فاسق وليس تخرج الكبائر من الايمان اذا لم يكن كفر وتارك الفرائض مثل الصلاة والصيام والحج على الجحود بها والرد لها والاستخفاف بها كافر بالله وانما كفر للاستخفاف والرد والجحود وان تركها غير مستحل لتركها متشاغلا مسوفا يقول الساعة اصلى واذا فرغت من لهوى ومن عملى فليس بكافر اذا كان عزمه ان يصلى يوما ووقتا من الاوقات ولكن نفسقه وكان أبو معاذ يزعم ان من قتل نبيا او لطمه كفر وليس من اجل اللطمة والقتل كفر ولكن من اجل الاستخفاف والعداوة والبغض له وكان يزعم ان الموصوف بالفسق من أصحاب الكبائر ليس بعدو لله ولا ولى له ، وكل المرجئة يقولون انه ليس في احد من الكفار ايمان بالله عز وجل .
والفرقة الحادية عشرة من المرجئة أصحاب بشر المريسى يقولون ان الايمان هو التصديق لان الايمان في اللغة هو التصديق وما ليس بتصديق فليس بايمان ويزعم ان التصديق يكون القلب وباللسان جميعا والى هذا القول كان يذهب ابن الراوندى وكان ابن الراوندى يزعم ان الكفر هو الجحد والانكار والستر والتغطية وليس يجوز ان يكون الكفر الا ما كان في اللغة كفرا ولا يجوز ان يكون ايمانا الا ما كان في اللغة ايمانا وكان يزعم ان السجود للشمس ليس بكفر ولكنه علم على الكفر لان الله عز وجل يبين لنا انه لا يسجد للشمس الا كافر .(1/120)
والفرقة الثانية عشرة من المرجئة الكرامية أصحاب محمد بن كرام يزعمون ان الايمان هو الاقرار والتصديق باللسان دون القلب وانكروا ان يكون معرفة القلب او شىء غير التصديق باللسان ايمانا وزعموا ان المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله(صلى الله عليه وسلم)كانوا مؤمنين على الحقيقة وزعموا ان الكفر بالله هو الجحود والانكار له باللسان ومن المرجئة من يقول الفاسق من اهل القبلة لا يسمى بعد تقضى فعله فاسقا ومنهم من يسميه بعد تقضى فعله فاسقا ، ومنهم من يقول لا اقول لمرتكب الكبائر فاسق على الاطلاق دون ان يقال فاسق في كذا ومنهم من اطلق اسم الفاسق .
أقوال المرجئة في الكفر
اختلفت المرجئة في الكفر ما هو وهم سبع فرق فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الكفر خصلة واحدة وبالقلب يكون هو الجهل بالله وهؤلاء هم الجهمية (1) .
أقوال المرجئة في الوعد والوعيد
زعموا في الوعد اذا انفرد والوعيد اذا انفرد فعليهم ان يثبتوا (2) بكل واحد منهما منفردا ويعلموا انه عام علما لا شك فيه كما وصفنا ويجوز ان يكون على خلاف ذلك فاذا جاء مع الوعيد الوعد عندهم في قوم فعليهم ان يعلموا ان احدهما مستثنى من الآخر اما ان يكون الوعد مستثنى من الوعيد واما ان يكون الوعيد مستثنى من الوعد.
وعلى السامع لذلك ان يقف فلا يدرى لعل الخبر في اهل التوحيد كلهم او في بعضهم غير انه يعلم انه لا يجتمع الوعد والوعيد في رجل واحد لان ذلك يتناقض .
__________
(1) انظر : مقالات الإسلاميين 1/ 133 - 141
(2) مقالات الإسلاميين 1/146(1/121)
وقالت الفرقة الرابعة وهم أصحاب محمد بن شبيب وجدنا اللغة اجازت جاء بنو تميم وجاءت الازد وانا يعنى بعض بنى تميم وبعض الازد وصرمت ارضى انما صرم بعضها وضرب الامير اهل السجن وانما ضرب بعضهم قالوا فلما وجدنا اللغة اجازت ذلك وسمعنا الاخبار في القرآن مما مخرجه عام اجزنا ان يكون معناها في الخاص من اهل كل طبقة ذكرهم الله سبحانه بوعيد واجزنا ان يكون ذلك عاما وذلك مثل قوله: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} (1) وكقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} (2) الآية وكقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (3) الآية واشباه ذلك من آى الوعيد التي جاءت مجيئا زنا ذلك لما ذكرنا من اجازة (4) اللغة فيما بينها ان يكون الخبر مخرجه مخرجا عاما وهو خاص وان تكون الآى التى جاءت في الوعيد خاصة في بعض اهل الطباق التى جاءت فيهم من القاتلين والقاذفين وآكلة اموال الايتام واشباه ذلك واجزنا ان تكون عامة في جميعهم وان كانت في بعضهم كانت في اعظمهم جرما وليس يجوز عندهم ان يعذب الله سبحانه على جرم ويعفوا عما هو اعظم جرما منه.
__________
(1) سورة النساء ، الآية93 .
(2) سورة النساء ، الآية10 .
(3) سورة النور ،الآية4 .
(4) مقالات الإسلاميين 1/146(1/122)
وزعمت الفرقة الخامسة من المرجئة انه ليس في اهل الصلاة وعيد انما الوعيد في المشركين قالوا وقول الله عز وجل: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً} (1) وما اشبه ذلك من آى الوعيد في المستحلين دون المحرمين قالوا فاما الوعد من الله فهو واجب للمؤمنين والله جل وعز لا يخلف وعده والعفو اولى بالله والوعد لهم قول الله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} (2) وقوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه} (3) الآية وما اشبه ذلك من آى القرآن وزعم هؤلاء انه كما لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضر مع الايمان عمل ولا يدخل النار احد من اهل القبلة وحكى عن بعض العلماء باللغة انه قال من اخبر الله انه يثيبه اثابه ومن اخبر انه يعاقبه من اهل القبلة لم يعاقبه ولم يعذبه وذلك يدل على كرمه وزعم ان العرب كانت تمتدح الوعد والعفو عما توعدت عليه ، وزعمت الفرقة السابعة أن القرآن على الخصوص الا ما اجمعوا على عمومه وكذلك الامر والنهى.
أقوال المرجئة في الأمر والنهي
واختلفت المرجئة في الامر والنهى هل هما على العموم على مقالتين: فقال قائلون بما حكيناه آنفا من ان ذلك على الخصوص حتى تأتى دلالة على العموم.
وقالت الفرقة الثانية الامر والنهى هما على العموم الا ما خصتة دلالة
أقوال المرجئة في تخليد الكفار في النار
__________
(1) سورة النساء ، الآية 93 .
(2) سورة الحديد ، الآية19 .
(3) سورة الزمر ، الآية 53 .(1/123)
واختلفت المرجئة في تخليد الله الكفار على مقالتين فقالت الفرقة الاولى منهم وهم أصحاب جهم بن صفوان الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفنى اهلهما حتى يكون الله موجودا لا شىء معه كما كان موجودا لا شىء معه وانه لا يجوز ان يخلد الله اهل الجنة في الجنة واهل النار في النار وهذا رد ما اتفق المسلمون عليه ونقلوه نصا وقال المسلمون كلهم الا جهما ان الله يخلد أهل الجنة في الجنة ويخلد الكفار في النار . (1)
أقوال المرجئة في عصاة أهل القبلة
واختلفت المرجئة في فجار اهل القبلة هل يجوز ان يخلدهم الله في النار ان ادخلهم النار على خمسة اقاويل : فزعمت الفرقة الاولى أصحاب بشر المريسى انه محال ان يخلد الله الفجار من اهل القبلة في النار لقول الله عز وجل: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ }{وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } (2) وانهم يصيرون إلى الجنة ان ادخلهم الله النار لا محالة وهو قول ابن الراوندى .
وزعمت الفرقة الثانية منهم أصحاب أبي شمر ومحمد بن شبيب انه جائز ان يدخلهم الله النار وجائز ان يخلدهم فيها ان ادخلهم وجائز ان لا يخلدهم .
وقالت الفرقة الثالثة ان الله عز وجل يدخل النار قوما من المسلمين الا انهم يخرجون بشفاعة رسول الله(صلى الله عليه وسلم)ويصيرون إلى الجنة لا محالة .
وقالت الفرقة الرابعة وهم اصحاب غيلان جائز ان يعذبهم الله وجائز ان يعفو عنهم وجائز ان لا يخلدهم فان عذب احدا عذب من ارتكب مثل ما ارتكبه وكذلك ان خلده وان عفا عن احد عفا عن كل من كان مثله .
وقالت الفرقة الخامسة منهم جائز ان يعذبهم الله وجائز ان لا يعذبهم وجائز ان يخلدهم ولا يخلدهم وان يعذب واحدا ويعفو عمن كان مثله كل ذلك لله عز وجل وجل ان يفعله (3) .
أقوال المرجئة في الصغائر والكبائر .
__________
(1) مقالات الإسلاميين 1/149
(2) سورة الزلزلة ، سورة 7،8 .
(3) مقالات الإسلاميين 1/136(1/124)
واختلفت المرجئة في الصغائر والكبائر على مقالتين فقالت الفرقة الاولى كل معصية فهي كبيرة وقالت الفرقة الثانية المعاصى منها كبائر ومنها صغائر . واختلفت المرجئة في غفران الله الكبائر بالتوبة وهل هو تفضل ام لا على مقالتين ، فقالت الفرقة الاولى منهم غفران الله سبحانه الكبائر بالتوبة تفضل وليس باستحقاق وقالت الفرقة الثانية منهم غفر ان الله الكبائر بالتوبة استحقاق. (1)
أقوال المرجئة في الموازنة
واختلفت المرجئة في الموازنة على مقالتين فقال قائلون منهم الايمان يحبط عقاب الفسق لأنه اوزن منه وان الله لا يعذب موحدا وهذا قول مقاتل بن سليمان ، وقال قائلون منهم بتجويز عذاب الموحدين وان الله يوازن حسناتهم بسيئاتهم فان رجحت حسناتهم ادخلهم الجنة وان رجحت سيئاتهم كان له ان يعذبهم وله ان يتفضل عليهم وان لم ترجح حسناتهم على سيئاتهم ولا رجحت سيئاتهم على حسناتهم تفضل عليهم بالجنة وهذا قول أبي معاذ . (2)
__________
(1) مقالات الإسلاميين 1/150
(2) مقالات الإسلاميين 1/151(1/125)
قال ابن حزم : وأما من قال بالموازنة فإنهم احتجوا فقالوا أن آيات الوعيد وأخبار الوعيد التي احتج بها من ذهب مذهب المعتزلة والخوارج فإنها لا يجوزان أن تخص بالتعليق بها دون آيات العفو وأحاديث العفو التي احتج بها من أسقط في الوعيد وهي لا يجوز التعلق بها دون الآيات التي حتج بها من اثبت الوعيد بل الواجب جمع جميع تلك الآيات وتلك الأخبار وكلها حق وكلها من عند الله وكلها مجمل تفسيرها بآيات الموازنة وأحاديث الشفاعة التي هي بيان لعموم تلك إلا آيات وتلك الأخبار وكلها من عند الله قالوا ووجدنا الله عز وجل قد قال: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (1) وقال تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} (2) الآية وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ }الزلزلة {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } (3) وقال تعالى: { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (4) وقال تعالى: {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ}{فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (5) الآية أو قال تعالى: {لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (6) وقال تعالى: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } (7)
__________
(1) سورة الكهف ، الآية49 .
(2) سورة الأنبياء ، الآية47 .
(3) سورة الزلزلة ، الآيات 7،8 .
(4) سورة البقرة ، الآية 143
(5) سورة يس ، الآية 53،54 .
(6) سورة إبراهيم، الآية51 .
(7) سورة البقرة ، الآية281 ..(1/126)
وقال تعالى: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (1) وقال تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } (2) إلى قوله : {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى } (3) وقال تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} (4) وقال تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا } (5) الآية وقال تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ} (6) وقال تعالى: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} (7) وقال تعالى: { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ } (8) الاية وقال تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ} (9) الاية وقال تعالى:{وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ} (10) وقال تعالى:{إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} (11) وقال تعالى:{أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} (12) وقال تعالى: {وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}الى قوله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} إلى قوله تعالى: {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (13)
__________
(1) سورة طه ، الآية15 .
(2) سورة النجم ، الآية 39 .
(3) سورة النجم ،الآية41 .
(4) سورة الطور ، الآية47 .
(5) سورة النجم ، الآية31 .
(6) سورة يونس ، الآية30 .
(7) سورة هود ، الآية111 .
(8) سورة البقرة ، الآية110 .
(9) سورة النساء ، الآية123 .
(10) سورة آل عمران ، الآية115 .
(11) سورة النساء ، الآية40 .
(12) سورة آل عمران ، الآية195 .
(13) سورة ق ، من الآية21 إلى الآية29 ..(1/127)
وقال تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ }{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ }{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } (1) إلى آخر السورة وقال تعالى: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (2) وقال تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} (3) وقال تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} (4) . (5)
وقال بعض المرجئة: لا تضر مع الإسلام سيئة كما لا ينفع مع الكفر حسنة قالوا فكل مسلم ولو بلغ على معصية فهو من أهل الجنة لا يرى نارا وإنما النار للكفار وكلتا هاتين الطائفيتين تقربان أحد ألا يدخل النار ثم يخرج عنها بل من دخل النار فهو مخلد فيها أبدا ومن كان من أهل الجنة فهو لا يدخل النار. (6)
__________
(1) سورة القارعة ، من الآية6 إلى آخر السورة .
(2) سورة هود، الآية114 .
(3) سورة البقرة ، الآية217 .
(4) سورة الأنعام ، الآية160 .
(5) الفصل في الملل 4/40
(6) الفصل في الملل 4/38(1/128)
وقال أهل السنة والحسين النجار وأصحابه وبشر ابن غياث المريسي وأبو بكر بن عبد الرحمن ابن كيسان الأصم البصري وغيلان ابن مروان الدمشقي القدري ومحمد بن شبيب ويونس بن عمران وأبو العباس الناشي والأشعري وأصحابه ومحمد بن كرام وأصحابه أن الكفار مخلدون في النار وأن المؤمنين كلهم في الجنة وإن كانوا أصحاب كبائر ماتوا مصرين عليها وأنهم طائفتان طائفة يدخلون النار ثم يخرجون منها أي من النار إلى الجنة وطائفة لا تدخل النار إلا أن كل من ذكرنا قالوا لله عز وجل أن يعذب من شاء من المؤمنين أصحاب الكبائر بالنار ثم يدخلهم الجنة وله أن يغفر لهم ويدخلهم الجنة بدون أن يعذبهم ثم افترقوا فقالت طائفة منهم وهو محمد بن شبيب ويونس والناشي أن عذب الله تعالى واحدا من أصحاب الكبائر عذب جميعهم ولا بد ثم أدخلهم الجنة وأن عفر لواحد منهم غفر لجميعهم ولا بد وقالت طائفة بل يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء وإن كانت ذنوبهم كثيرة مستوية وقد يغفر لمن هو أعظم جرما ويعذب من هو أقل جرما وقال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم يغفر لمن يشاء من أصحاب الكبائر ويعذب من يشاء منهم إلا القاتل عندا فإنه مخلد في النار أبدا وقالت طائفة منهم من لقي الله عز وجل مسلما نائبا من كل كبيرة أو لم يكن عمل كبيرة قط فسيئآته كلها مغفورة وهو من أهل الجنة لا يدخل النار ولو بلغت سيئاته ما شاء الله أن تبلغ ومن لقي الله عز وجل وله كبيرة لم يتب منها فأكثر فالحكم في ذلك الموازنة فمن فمن رجحت حسناته على كبائره وسيئاته فإن كبائره كلها تسقط وهو من أهل الجنة لا يدخل النار وإن استوت حسناته مع كبائره وسيئآته فهؤلاء أهل الأعراف ولهم وقفة ولا يدخلون النار ثم يدخلون الجنة ومن رجحت كبائره وسيئاته بحسناته فهؤلاء مجازون بقدر ما رجح لهم من الذنوب فمن لفحة واحدة إلى بقاء خمسين ألف سنة في النار ثم يخرجون منها إلى الجنة بشفاعة رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وبرحمة الله تعالى(1/129)
وكل من ذكرنا يجازون في الجنة بعد بما فضل لهم من الحسنات وأما من يفضل له حسنة من أهل الأعراف فمن دونهم وكل من خرج النار بالشفاعة وبرحمة الله تعالى فهم كلهم سواء في الجنة ممن رجحت له حسنة فصاعداً.
فرق المرجئة
1- أصحاب يونس بن عون النميرى زعم ان الايمان هو المعرفة بالله والخضوع له وترك الاستكبار عليه والمحبة بالقلب فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن وما سوى ذلك من الطاعة فليس من الايمان ولا يضر تركها حقيقة الايمان ولا يعذب على ذلك الا اذا كان الايمان خالصا واليقين صادقا وزعم ان ابليس كان عارفا بالله وحده غير انه كفر باستكباره عليه {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } (1) قال ومن تمكن فى قلبه الخضوع لله والمحبة له على خلوص ويقين لم يخالفه فى معصية وإن صدرت منه معصية فلا تضره بيقينه واخلاصه والمؤمن انما يدخل الجنة باخلاصه ومحبته لا بعمله وطاعته .
2- العبيدية: أصحاب عبيد المكتئب حكى عنه انه قال مادون الشرك مغفور لا محالة وان العبد اذا مات على توحيده لا يضره ما اقترف من الاثام واجترح من السيئات وحكى اليمان عن عبيد المكتئب وأصحابه انهم قالوا ان علم الله تعالى لم يزل شيئا غيره وان كلامه لم يزل شيئا غيره وكذلك دين الله لم يزل شيئا غيره وزعم ان الله تعالى عن قولهم على صورة انسان وحل عليه قوله(صلى الله عليه وسلم)ان الله خلق ادم على صورة الرحمن .
__________
(1) سورة البقرة34(1/130)
3- الغسانية ، أصحاب غسان الكوفى زعم ان الايمان هو المعرفة بالله تعالى وبرسوله والاقرار بما انزل الله وبما جاء به الرسول في الجملة دون التفصيل والإيمان لا يزيد ولا ينقص وزعم ان قائلا لو قال اعلم ان الله تعالى قد حرم أكل الخنزير لا أدري هل الخنزير الذي حرمه هذه الشاة أم غيرها كان مؤمنا ولو قال أعلم أن الله تعالى فرض الحج إلى الكعبة غير انى لا ادرى اين الكعبة ولعلها بالهند كان مؤمنا ومقصوده ان امثال هذه الاعتقادات امور وراء الايمان لا انه كان شاكا فى هذه الامور فان عاقلا لا يستجيز من عقله ان يشك فى ان الكعبة إلى اى جهة هى وان الفرق بين الخنزير والشاه ظاهر ، ومن العجيب ان غسان كان يحكى عن أبي حنيفة رحمه الله مثل مذهبه ويعده من المرجئة ولعله كذب كذلك عليه لعمرى كان يقال لأبي حنيفة وأصحابه مرجئة السنة وعده كثير من أصحاب المقالات من جملة المرجئة ولعل السبب فيه انه لما كان يقول الايمان هو التصديق بالقلب وهو لا يزيد ولا ينقص ظنوا انه يؤخر العمل عن الايمان والرجل مع تخريجه فى العمل كيف يفتى بترك العمل وله سبب اخر وهو انه كان يخالف القدرية والمعتزلة الذين ظهروا فى الصدر الاول والمعتزلة كانوا يلقبون كل من خالفهم فى القدر مرجئا وكذلك الوعيدية من الخوارج فلا يبعد ان اللقب انما لزمه من فريقى المعتزلة والخوارج والله اعلم.(1/131)
4- الثوبانية ، أصحاب أبي ثوبان المرجىء الذين زعموا ان الايمان هو المعرفة والاقرار بالله تعالى وبرسله عليهم الصلاة والسلام وبكل ما لا يجوز فى العقل ان يفعله وما جاز فى العقل تركه فليس من الايمان واخر العمل كله عن الايمان ، ومن القائلين بمقالة أبي ثوبان هذا أبو مروان غبلان بن مروان الدمشقى وابو شمر ومويس بن عمران والفضل الرقاشى ومحمد بن شبيب والعتابى وصالح قبة . وكان غيلان يقدر بالقدر خيره وشره من العبد وفى الامامة انها تصلح فى غير قريش وكل من كان قائما بالكتاب والسنة كان مستحقا لها وانها لا تثبت الا باجماع الامة والعجب ان الامة اجمعت على انها لا تصلح لغير قريش وبهذا دفعت الانصار عن قولهم منا أمير ومنكم أمير فقد جمع غيلان خصالا ثلاثا القدر والارجاء والخروج والجماعة التى عددناهم اتفقوا على ان الله تعالى لو عفا عن عاص فى القيامة عفا عن كل مؤمن عاص هو فى مثل حاله وان اخرج من النار واحدا اخرج من هو فى مثل حاله ومن العجب انهم لم يجزموا القول بان المؤمنين من اهل التوحيد يخرجون من النار لا محالة ويحكى عن مقاتل بن سليمان ان المعصية لا تضر صاحب التوحيد والايمان وانه لا يدخل النار مؤمن والصحيح من النقل عنه ان المؤمن العاصي ربه يعذب يوم القيامة على الصراط وهو على متن جهنم يصيبه لفح النار وحرها ولهيبها فيتألم بذلك على قدر معصيته ثم يدخل الجنة ومثل ذلك بالحبة على المقلاة المؤججة بالنار ونقل عن بشر بن غياث المريسى انه قال اذا دخل أصحاب الكبائر النار فانهم سيخرجون عنها بعد ان يعذبوا بذنوبهم واما التخليد فيها فمحال وليس بعدل وقيل ان أول من قال بالارجاء الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب وكان يكتب فيه الكتب إلى الامصار الا انه ما اخر العمل عن الايمان كما قالت المرجئة اليونسية والعبيدية لكنه حكم بان صاحب الكبيرة لا يكفر اذ الطاعات وترك المعاصى ليست من اصل الايمان حتى يزول الايمان بزوالها .(1/132)
5- التومنية ، أصحاب أبي معاذ التومنى زعم ان الايمان هو ما عصم من الكفر وهو اسم لحضال لاا تركها التارك كفر وكذلك لو ترك خصلة واحدة منها كفر ولا يقال للخصلة الواحدة منها ايمان ولا بعض ايمان وكل معصية كبيرة او صغيرة ل لم يجمع عليها المسلمون بانها كفر لا يقال لصاحبها فاسق ولكن يقال فسق وعصى قال وتلك الخصال هى المعرفة والتصديق والمحبة والاخلاص والاقرار بما جاء به الرسول قال ومن ترك الصلاة والصيام مستحلا كفر ومن تركهما على نية القضاء لم يكفر ومن قتل نبيا او لطمه كفر لا من اجل القتل واللطم ولكن من اجل الاستخفاف والعداوة والبغض، والى هذا المذهب ميل ابن الرواندى وبشر المريسى قالا الايمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعا والكفر هوالجحود والانكار والسجود للشمس والقمر والصم ليس بكفر فى نفسه ولكنه علامة الكفر .(1/133)
6- الصالحية ، أصحاب صالح بن عمر الصالحى والصالحى ومحمد بن شبيب وابو شمر وغيلان كلهم جمعوا بين القدر والارجاء ونحن وان شرطنا ان نورد مذاهب المرجئة الخالصة الا انه بد لنا فى هؤلاء لانفرادهم عن المرجئة باشياء فاما الصالحى فقال الايمان هو المعرفة بالله تعالى على الاطلاق وهو ان للعالم صانعا فقط والكفر هو الجهل به على الاطلاق قال وقول القائل ثالث ثلاثة ليس بكفر لكنه لا يظهر الا من كافر وزعم ان معرفة الله تعالى هى المحبة والخضوع له ويصح ذلك مع حجة الرسول ويصح فى العقل ان يؤمن بالله ولا يؤمن برسوله غير ان الرسول عليه الصلاة والسلام قد قال: ((من لا يؤمن بى فليس بمؤمن بالله تعالى)) وزعم ان الصلاة ليست بعبادة الله تعالى وانه لا عبادة له الا الايمان به وهو معرفته وهو خصلة واحدة لا يزيد ولا ينقص وكذلك الكفر خصلة واحدة لا يزيد ولا ينقص ، واما أبو شمر المرجىء القدرى فانه زعم ان الايمان هو المعرفة بالله عز وجل والمحبة والخضوع له بالقلب والاقرار به انه واحد ليس كمثله شىء مالم تقم عليه حجة الانبياء عليهم الصلاة والسلام فاذا قامت الحجة فالاقرار بهم وتصديقهم من الايمان والمعرفة والاقرار بما جاءوا به من عند الله غير داخل فى الايمان الاصلى وليست كل خصلة من خصال الايمان ايمانا ولا بعض ايمان فاذا اجتمعت كانت كلها ايمانا وشرط فى خصال الايمان معرفة العدل يريد به القدر خيره وشره من العبد من غير ان يضاف إلى البارى تعالى منه شيء واما غيلان بن مروان من القدرية المرجئة فانه زعم ان الايمان هو المعرفة الثانية بالله تعالى والمحبة والخضوع له والاقرار بما جاء به الرسول وبما جاء من عند الله والمعرفة الاولى فطرية ضرورية فالمعرفة على اصله نوعان فطرية وهى علمه بان للعالم صانعا ولنفسه خالقا وهذه المعرفة لا تسمى ايمانا انما الايمان هو المعرفة الثانية المكتسبة تتمة رجال المرجئة كما نقل الحسن بن محمد بن علي بن أبي(1/134)
طالب وسعيد بن جبير وطلق بن حبيب وعمرو ابن مرة ومحارب بن زياد ومقاتل بن سليمان وذر وعمرو بن ذر وحماد ابن أبي سليمان وابو حنيفة وابو يوسف ومحمد بن الحسن وقديد بن جعفر وهؤلاء كلهم ائمة الحديث لم يكفروا أصحاب الكبائر بالكبيرة ولم يحكموا بتخليدهم فى النار خلافا للخوارج والقدرية . (1)
الجهمية ، الجهمية اتباع جهم بن صفوان الذى قال بالاجبار والاضطرار إلى الاعمال وانكر الاستطاعات كلها وزعم ان الجنة والنار تبيدان وتفنيان وزعم أيضاً ان الايمان هو المعرفة بالله تعالى فقط وان الكفر هو الجهل به فقط وقال لافعل ولا عمل لاحد غير الله تعالى وانما تنسب الاعمال إلى المخلوقين على المجاز كما يقال زالت الشمس ودارت الرحى من غير أن يكونا فاعلين او مستطيعين لما وصفتا به وزعم أيضاً أن علم الله تعالى حادث وامتنع من وصف الله تعالى بانه شىء او حى او عالم أو مريد وقال لا أصفه يجوز اطلاقه على غيره كشىء موجود وحى وعالم ومريد ونحو ذلك ووصفه بانه قادر وموجود وفاعل وخالق ومحيى ومميت لان هذه الاوصاف مختصة به وحده وقال بحدوث كلام الله تعالى كما قالته القدرية ولم يسم الله تعالى متكلما به واكفره أصحابنا فى جميع ضلالاته (2) واكفرتة القدرية فى قوله بان الله تعالى خالق اعمال العباد فاتفق أصناف الامة على تكفيره وكان جهم مع ضلالاته التى ذكرناها يحمل السلاح ويقاتل السلطان وخرج مع شريح بن الحرث على نصر بن يسار وقتله سلم بن اجون المازنى فى آخر زمان بنى مروان واتباعه اليوم بنهوند وخرج اليهم فى زماننا اسماعيل بن ابراهيم بن كبوس الشيرازى الديلى فدعاهم إلى مذهب شيخنا أبي الحسن الاشعرى فاجابه قوم منهم وصاروا مع اهل السنة يدا واحدة والحمد له على ذلك . (3)
__________
(1) انظر : الملل والنحل 1/ 139 - 146
(2) الفرق بين الفرق 1/199
(3) الفرق بين الفرق 1/200 الملل والنحل 1/86(1/135)
البكرية، اتباع بكر بن اخت عبد الواحد بن زيد وكان يوافق النظام فى دعواه ان الانسان هو الروح دون الجسد الذى فيه الروح ويوافق أصحابنا فى ابطال القول بالتولد وفى ان الله تعالى هو المخترع الألم عند الضرب وأجاز وقوع الضرب من غير حدوث ألم وقطع بعدها كما أجاز ذلك أصحابنا وانفرد بضلالات اكفرته الامة فيها منها منها قوله بأن الله تعالى يرى فى القيامة في صورة يخلقها وان يكلم عباده من تلك الصورة ومنها قوله فى الكبائر الواقعة من اهل القبلة انها نفاق وان صاحب الكبيرة منافق وعابد للشيطان وان كان من اهل الصلاة وزعم أيضاً انه مع كونه منافقا مكذب لله تعالى جاحد له وان يكون فى الدرك الاسفل من النار مخلدا فيها وانه مع ذلك مسلم ومؤمن ثم انه طرد قوله في هذه البدعة فقال في علي وطلحة والزبير ان ذنوبهم كانت كفرا وشركا غير انهم كانوا مغفورا لهم لما روى في الخبر ان الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ومن ضلالاته أيضاً ما عاند فيه العقلاء فزعم أن الاطفال فى المهد لا يألمون وان قطعوا او حرقوا وأجاز ان يكونوا فى وقت الضرب والقطع والاحراق متلذذين مع ظهور البكاء والصياح منهم ومنها انه أبدع فى الفقه تحريم اكل الثوم والبصل وأوجب الوضوء من قرقرة البطن ولا اعتبار عند أهل السنة بخلاف اهل الاهواء فى الفقه . (1)
__________
(1) الفرق بين الفرق 1/201(1/136)
الضرارية، اتباع ضرار بن عمرو الذى وافق أصحابنا فى ان افعال العباد مخلوقة لله تعالى واكساب للعباد وفى ابطال القول بالتولد ووافق المعتزلة فى ان الاستطاعة قبل الفعل وزاد عليهم بقوله انها قبل الفعل ومع الفعل وبعد الفعل وانها بعض المستطيع ووافق النجار فى دعواهما ان الجسم اعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة ونحوها من الاعراض التى لا يخلو الجسم منها وانفرد باشياء منكرة منها قوله بان الله تعالى يرى فى القيامة بحاسة سادسة يرى بها المؤمنون ماهية الإله وقال لله تعالى ماهية لا يعرفها غيره يراها المؤمنون بحاسة سادسة وتبعه على هذا القول حفص القرد وانه أنكر حرف ابن مسعود وحرف أبي بن كعب وشهد بأن الله تعالى لم ينزلهما فنسب هذين الامامين من الصحابة إلى الضلالة فى مصحفيهما ومنها أنه شك فى جميع عامة المسلمين وقال لا أدرى لعل سرائر العامة كلها شرك وكفر ومنها قوله ان معنى قولنا ان الله تعالى عالم حى هو انه ليس بجاهل ولا ميت وكذلك قياسه فى سائر اوصاف الله تعالى من غير إثبات معنى أو فائدة سوى نفى الوصف بنقيض تلك الاوصاف عنه (1)
المبحث الثاني
موقف المرجئة من نصوص الوعد والوعيد
وفي مقابل تلك الطائفة من الوعيدية الذين غلبوا نصوص الوعيد ، نجد طائفة أخرى غلبوا نصوص الوعد وأهملوا نصوص الوعيد ، فكان انحرافهم من طرف آخر مقابل ، وكان من نتيجة ذلك أن تساهلوا بالإيمان ، وأهملوا الطاعات ، وتجرؤوا على المحرمات ، ووصل بهم الأمر إلى التسوية بين المطيع والعاصي ، بل بين المؤمن والكافر، فكانت هذه الطائفة من المرجئة على أحوال شتى ، على النحو التالي :-
إخراج العمل من مسمى الأيمان
وصف الفاسق بكمال الإيمان
تأمين المجرم من العذاب
__________
(1) الفرق بين الفرق 1/202(1/137)
قال بعض المرجئة لا تضر مع الإسلام سيئة كما لا ينفع مع الكفر حسنة قالوا فكل مسلم ولو بلغ على معصية فهو من أهل الجنة لا يرى نارا وإنما النار للكفار وكلتا هاتين الطائفيتين تقربان أحد ألا يدخل النار ثم يخرج عنها بل من دخل النار فهو مخلد فيها أبدا ومن كان من أهل الجنة فهو لا يدخل النار (1) .
وهم بهذا يسقطون الوعيد عن كل مسلم ويحتجون بقول الله تعالى: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى}{الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (2) قالوا وهذه الآية مثبتة أن كل من توعده الله عز وجل على قتل أوزنا أو ربا أو غير ذلك فإنما هم الكفار خاصة لا غيرهم واحتجوا بقول رسول الله(صلى الله عليه وسلم)من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة وإن سرق وإن شرب الخمر علي رغم أنفه أبي ذر وقول الله عز وجل: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (3) قالوا ومن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد أحسن فهو محسن فرحمة الله قريب منه ومن رحمة الله فلا يعذب وقالوا كما أن الكفر محبط لكل حسنة فإن الإيمان يكفر كل سيئة والرحمة والعفو أولى بالله عز وجل قال أبو محمد هذا كل ما احتجوا به ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا أو يدخل فيما ذكرنا ولا يخرج عنه وبالله تعالى التوفيق . (4)
وقالوا يجوز أن ينفذ الوعيد بشخص واحد ويكون هو المقصود ، ولكن غلط ها هنا طائفتان من أهل التأويل وقابلتهم الطائفة الآخرى فقالوا لا نجزم بثبوت الوعيد لأحد فيجوز أن يعذب الله الجميع وأن يعفو عن الجميع وأن ينفذ الوعيد في شخص واحد يكون هو المراد من ذلك اللفظ ولا نعلم هل هذه الألفاظ للعموم أو للخصوص وهذا غلو في التعطيل والأول غلو في التقييد (5) .
__________
(1) الفصل في الملل 4/38.
(2) سورة الليل ، الآيتان15،16 .
(3) سورة الأعراف ، الآية56 .
(4) الفصل في الملل 4/39
(5) الصواعق المرسلة 2/691(1/138)
ومن أقوال المرجئة في نصوص الوعيد دعوى التخصيص، ، كقولهم المراد بقوله كذا وكذا أبو جهل أو أبي بن خلف أو الوليد بن المغيرة أو عبد الله بن أبي ، ومن هذا قولهم في قوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ }{طَعَامُ الْأَثِيمِ } (1) إنه أبو جهل بن هشام. وكذلك في قوله: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى }{وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى } (2) إنه أبو جهل وكذلك في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} (3) إلى آخرها.
وكذلك قوله: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ}{هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} (4) إلى آخرها إنه الوليد بن المغيرة
وكذلك قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ } (5) إنه النضر بن الحارث.
وفي قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } (6) إنها في أناس معينين وأضعاف ذلك مما إذا طرق سمع كثير من الناس ظن أن هذا شيء أريد به هؤلاء ومضى حكمه وبقي لفظه وتلاوته حتى قال بعض من قدم العقل على النقل وقد احتج عليه بشيء من القرآن دعني من كلام قيل في أناس مضوا وانقرضوا .
__________
(1) سورة الدخان ، الآيتان43،44.
(2) سورة القيامة ، الآيتان31،32 .
(3) سورة المطففين ، الآية29 .
(4) سورة القلم ، الآيتان10،11 .
(5) سورة لقمان ، الآية6 .
(6) سورة البقرة ، الآية 8 .(1/139)
ومن تأمل خطاب القرآن وألفاظه وجلالة المتكلم به وعظمة ملكه وما أراد به من الهداية العامة لجميع الأمم قرنا بعد قرن إلى آخر الدهر وأنه جعله إنذارا لكل من بلغه من المكلفين لم يخف عليه أن خطابه العام إنما جعل بإزاء أفعال حسنة محمودة وأخرى قبيحة مذمومة وأنه ليس منها فعل إلا والشركة فيه موجودة أو ممكنة وإذا كانت الأفعال مشتركة كان الوعد والوعيد المعلق بها مشتركا ألا ترى أن الأفعال التي حكيت عن أبي جهل بن هشام والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأضرابهم وعن عبد الله بن أبي وأضرابه كان لهم فيها شركاء كثيرون حكمهم فيها حكمهم ، ولهذا عدل الله سبحانه عن ذكرهم بأسمائهم وأعيانهم إلى ذكر أوصافهم وأفعالهم وأقوالهم لئلا يتوهم متوهم اختصاص الوعيد بهم وقصره عليهم وأنه لا يجاوزهم فعلق سبحانه الوعيد وقصره عليهم وأنه لا يجاوزهم فعلق سبحانه الوعيد على الموصوفين بتلك الصفات دون أسماء من قامت به إرادة لتعميم الحكم وتناوله لهم ولأمثالهم ممن هو على مثل حالهم (1) .
دعوى الخصوص في رد المرجئة على الوعيدية
ما احتج عليهم الوعيديه بقوله: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} (2) وبقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} (3) وأمثال ذلك لجأوا إلى دعوى الخصوص وقالوا هذا في طائفة معينة ولجأوا إلى هذا القانون وقالوا الدليل اللفظي العام مبني على مقدمات منها عدم التخصيص وانتفاؤه غير معلوم وأما باب القدر فإن أهل الإثبات لما احتجوا على القدرية بقوله: { قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } (4) وقوله: { وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (5) ونحوه ادعوا تخصيصه.
__________
(1) الصواعق المرسلة 4/701-705 .
(2) سورة النساء ، الآية 93 .
(3) سورة النساء ، الآية 10 .
(4) سورة الرعد ، الآية16 .
(5) سورة المائدة ، الآية120 .(1/140)
وأكثر طوائف أهل الباطل ادعاء لتخصيص العمومات هم الرافضة فقل أن تجد في القرآن والسنة لفظا عاما في الثناء على الصحابة إلا قالوا هذا في علي وأهل البيت وهكذا تجد كل أصحاب مذهب من المذاهب إذا ورد عليهم عام يخالف مذهبهم ادعوا تخصيصه وقالوا أكثر عمومات القرآن مخصوصة وليس ذلك بصحيح بل أكثرها محفوظة باقية على عمومها فعليك بحفظ العموم فإنه يخلصك من أقوال كثيرة باطلة وقد وقع فيها مدعو الخصوص بغير برهان من الله.
وأخطأوا من جهة اللفظ والمعنى أما من جهة اللفظ فلأنك تجد النصوص التي اشتملت على وعيد أهل الكبائر مثلا في جميع آيات القرآن خارجة بألفاظها مخرج العموم المؤكد المقصود عمومه كقوله: {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} (1) وقوله: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ} (2) وقوله: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} (3) وقوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}{وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (4) . وقد سمى النبي(صلى الله عليه وسلم)هذه الآية جامعة فاذة أي عامة فذة في بابها.
وقوله: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى} طه {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى. إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} (5) وقوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} (6)
__________
(1) سورة الفرقان، الآية19 .
(2) سورة الأنفال ، الآية16 .
(3) سورة النساء ، الآية93 .
(4) سورة الزلزلة ، الآيتان7،8 .
(5) سورة النساء ، الآية10.
(6) سورة الفرقان ، الآية68.(1/141)
وأضعاف أضعاف ذلك من عمومات القرآن المقصود عمومها التي إذا أبطل عمومها بطل مقصود عامة القرآن ولهذا قال شمس الأئمة السرخسي إنكار العموم بدعة حدثت في الإسلام بعد القرون الثلاثة وأما خطؤهم من جهة المعنى فلأن الله سبحانه إنما علق الثواب والعقاب على الأفعال المقتضية له اقتضاء السبب لمسببه وجعلها عللا لأحكامها والاشتراك في الموجب يقتضي الاشتراك في موجبه والعلة إذا تخلف عنها معلولها من غير انتفاء شرط أو وجود مانع فسدت بل يستحيل تخلف المعلول عن علته التامة وإلا لم تكن تامة ولكن غلط ها هنا طائفتان من أهل التأويل (1) .
__________
(1) الصواعق المرسلة 2/691(1/142)
إن ألفاظ القرآن التي وقعت في باب الحمد والذم وقعت بما فيها من الفخامة والجلالة عامة وكان عمومها من تفخيمها وجلالة قدرها وعظمة شأنها وذلك أن من شأن من يقصد تفخيم كلامه من عظماء الناس أن يستعمل فيه أمرين أحدهما العدول بكلامه عن الخصوص إلى العموم إلى حيث تدعو الحاجة إلى ذكر الخصوص لأمر لا بد منه ليكون خطابه كليا شاملا يدخل تحته الخلق الكثير وكلما كان الداخلون تحت خطابه أعم واكثر كان ذلك أفخم لكلامه وأعظم لشأنه فأين العظمة والجلالة في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} (1) إلى العظمة في قوله يا أهل مكة اعبدوا ربكم فمن فخامة الكلام وجلالة المتكلم به أن يدخل في اللفظة الواحدة جميع ما يصلح له فيدل باللفظ القصير على المعاني الكثيرة العظيمة فتجمع العموم والإيجاز والاختصار والبيان وحسن الدلالة فتأتي بالمعنى طبق اللفظ لا يقصر عنه ولا يوهم غيره ومن علم هذا وتدبر القرآن وصرف إليه فكره علم أنه لم يقرع الأسماع قط كلام أوجز ولا أفصح ولا أشد مطابقة بين معانيه وألفاظه منه وليس يوجد في الكتب المنزلة من عند الله كتاب جمعت ألفاظه من الإيجاز والاختصار والإحاطة بالمعاني الجليلة والجزالة والعذوبة وحسن الموقع من الأسماع والقلوب ما تضمنته ألفاظ القرآن وقد شهد له بذلك أعداؤه وسمع بعض الأعراب قارئا يقرأ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (2) فسجد فقيل له ليست بآية سجود فقال سجدت لفصاحة هذا الكلام فإذا تأملت طريقته وجدتها طريقة مخاطبة ملك الناس كلهم لعبيده ومماليكه وهذا أحد الدلائل الدالة على أنه كلامه الذي تكلم به حقيقة لا كلام غيره من المخلوقين وإذا كان النبي(صلى الله عليه وسلم)قد أوتي جوامع الكلام وبين كلامه وكلام الله مالا يحصره نسبة فكيف (3) .
__________
(1) سورة البقرة ، الآية21.
(2) الحجر94
(3) انظر : الصواعق المرسلة 2/688- 709(1/143)
ومما انفرد به جهم أن الجنة والنار تفنيان وأن الإيمان هو المعرفة فقط والكفر هو الجهل فقط . ولقد أحسن القائل:
عجبت لشيطان دعا الناس جهرة إلى النار واشتق اسمه من جهنم (1)
واكثر المرجئة لا يكفرون احدا من المتأولين ولا يكفرون الا من اجمعت الامة على اكفاره ، واختلفت المرجئة في المعاصى هل هي كبائر ام لا على مقالتين فقال قائلون منهم بشر المريسى وغيره كل ما عصى الله سبحانه به كبيرة وقال قائلون منهم المعاصى على ضربين منها كبائر ومنها صغائر (2) .
__________
(1) شرح العقيدة الطحاوية 1/592 .
(2) مقالات الإسلاميين 1/144(1/144)
واختلفت المرجئة في الاخبار اذا وردت من قبل الله سبحانه وظاهرها ظاهر العموم على سبع فرق ، فقالت الفرقة الاولى منهم اذا جاء الخبر من الله سبحانه انه يعذب القاتلين والآكلين اموال اليتامى ظلما واشباههم من اهل الكبائر وقفنا في عذابهم لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (1) وقالت هذه الفرقة جائز ان يخبر الحكيم الصادق بالخبر ثم يستثنى منه فيكون له ان يفعل وله ان لا يفعل للاستثناء ويكون صادقا وان هو م يفعل ولا يكون ذلك مستنكرا في اللغة ولا كذابا وهؤلاء هم الذين يزعمون ان الاستثناء ظاهره ، وزعمت الفرقة الثانية ان الوعد ليس فيه استثناء وان الوعيد فيه (2) ، استثناء مضمر وذلك جائز في اللغة عند اهلها لأن الرجل قد يوعد عبده ان يضربه ثم يعفو عنه ولا يرون ذلك كذابا للضمير الذى قال في الوعيد وزعمت الفرقة الثالثة من اهل الوقف ان الاخبار اذا جاءت ومخرجها عام فسمعها السامع وكان الخبر وعدا او وعيدا ولم يسمع القرآن كله والاخبار المجتمع عليها كلها فعليه ان يعلم ان الخبر في جميع اهل تلك الصفة الذين جاء فيهم الوعيد عام لا شك فيه وقد يجوز أن يكون على خلاف ذلك العلم الذي لا شك فيه عندهم على الحكم وهو نحو علم الرجل انه ليس مع الرجل من المسلمين الموثوق بدينه حديدة يريد ان يعترض بها الناس ليقتلهم ونحو علم الانساب التي يعرف الناس بعضهم بعضا بها فيعلم ان فلانا ابن لفلان اذا كان قد ولد على فراش ابيه علما لا شك فيه ولا يخطر الشك فيه على البال اذا لم يكن ثم سبب يدعوهم إلى الشك من اسباب التهم فعليهم ان يثبتوا ذلك على ظاهره وان كان خلاف ذلك جائزا فيما غاب عنهم فعليهم ان لا يشكوا وان جوزوا في المغيب خلاف ما لم يشكوا فيه في الظاهر
__________
(1) سورة النساء ،الآية48.
(2) شرح العقيدة الطحاوية 1/592(1/145)
وكما يسمى الذين لا يجزمون بشيء من الوعد والوعيد بل يغلون في إرجاء كل امر حتى الأنواع فلا يجزمون بثواب من تاب كما لا يجزمون بعقوبة من لم يتب وكما لا يجزم لمعين وكانت المرجئة الأولى يرجئون عثمان وعليا ولا يشهدون بإيمان ولا كفر .
أما موقفهم من الشفاعة فأجمعوا على أن الاقرار بجملة ما ذكر الله تعالى في كتابه وجاءت به الروايات عن النبي(صلى الله عليه وسلم)في الشفاعة واجب لقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (1) .
يقال لمن أسقط آيات الوعيد جملة وقال إنها كلها إنما جاءت في الكفار إن هذا باطل لأن نص القرآن بالوعيد على الفار من الزحف ليس الإ على المؤمن بيقين بنص الآية في قوله تعالى: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} (2) ولا يمكن أن يكون هذا في كافر أصلا فسقط قول من قال بالتخليد وقول من قال باسقاط الوعيد ولم يبق إلا قول من أجمل جواز المغفرة وجوز العقاب، قال أبو محمد فوجدنا هذا القول مجملا قد فسرته آيات الموازنة.
__________
(1) سورة الضحى ، الآية5.
(2) سورة الأنفال ، الآية16.(1/146)
وقوله تعالى الذى تعلقوا به: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (1) حق على ظاهرها وعلى عمومها وقد فسرتها بإقرارهم آيات أخر لأنه لا يختلف في أن الله تعالى يغفر أن يشرك به لمن تاب من الشرك بلا شك وكذلك قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فهذا كله حق إلا أنه قد بين من هم الذين شاء أن يغفر لهم فإن صرتم إلى بيان الله تعالى فهو الحق وإن أبيتم الا الثبات علي الإجمال فاخبرونا عن قول الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} (2) وقوله تعالى: {بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} (3) أترون أن هذا العموم تقولون به فتجيزون أنه يغفر الكفر لأنه ذنب من الذنوب أم لا؟
__________
(1) سورة النساء ، الآية48.
(2) سورة الزمر ، الآية53.
(3) سورة المائدة ، الآية18.(1/147)
واخبرونا عن قول الله عز وجل حاكيا عن عيسى عليه السلام أنه يقول له تعالى يوم القيامة: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} إلى قوله: {وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (1) إلى قوله: {جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} (2) أيدخل النصارى الذين اتخذوا عيسى وأمه الهين من دون الله تعالى في جواز المغفرة لهم لصدق قول الله تعالى في هذا القول من التخيير بين المغفرة لهم أو تعذينهم وأخبرونا عن قوله تعالى: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (3) .
فمن قولهم إن المغفرة لا تكون البتة لمن كفر ومات كافرا وأنهم خارجون من هذا العموم ومن هذه الجملة بقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (4)
__________
(1) سورة المائدة ، الآيتان116،117.
(2) سورة المائدة ، الآية119.
(3) سورة الأعراف ، الآية156.
(4) سورة النساء ، الآية48.(1/148)
قيل لهم ولم خصصتم هذه الجملة بهذا النص ولم تخصوا قوله تعالى: { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (1) بقوله: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ}{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ}{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (2) وبقوله تعالى: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (3) وبقوله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} (4)
وهذا خبر لا نسخ فيه فإن قالوا نعم الا أن يشاء أن يغفر لهم قيل لهم قد أخبر الله تعالى أنه لا يشاء ذلك بإخباره تعالى أنه في ذلك اليوم يجزى كل نفس ما كسبت ولا فرق.
قال أبو محمد وقد أخبر النبي(صلى الله عليه وسلم)أن الرجل يأتى يوم القيامة وله صدقة وصيام وصلاة فيوجد قد سفك دم هذا وشتم هذا فتؤخذ حسناته كلها فيقتص لهم منها فإذا لم يبق له حسنة قذف من سيآتهم عليه ورمى في النار.
وهكذا أخبر عليه السلام في قوم يخرجون من النار حتى اذا نقوا وهذبوا ادخلوا الجنة وقد بين عليه السلام ذلك بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من شعير من خير ثم من في قلبه مثقال برة من خير ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل ثم من في قلبه مثقال ذرة إلى أدني أدني أدنى من ذلك ثم من لم يعمل خيرا قط لال شهادة الإسلام.
فوجب الوقوف عند هذه النصوص كلها المفسرة للنص المجمل ثم يقال أخبرونا عمن لم يعمل شرا قط الا اللمم ومن هم بالشر فلم يفعله فمن قول أهل الحق أنه مغفور له جملة بقوله تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ} (5) وبقول رسول الله(صلى الله عليه وسلم): ((إن الله تجاوز لا متى عما حدثت به أنفسها ما لم تخرجه بقول أو عمل)).
__________
(1) سورة النساء ، الآية48.
(2) سورة القارعة ، من آية6-9
(3) سورة النمل ، الآية90.
(4) سورة غافر ، الآية 17.
(5) سورة النجم ، الآية32.(1/149)
قال أبومحمد: وهذا ينقسم أقساما احدها من هم بسيئة اى شئ كانت من السيئات ثم تركها مختار الله تعالى فهذا تكتب له حسنة فإن تركها مغلوبا لا مختارا لم تكتب له حسنة ولا سيئة تفضلا من الله عز وجل ولو عملها كتبت له سيئة واحدة ولو هم بحسنة ولو يعملها كتبت له حسنة واحدة وإن عملها كتبت له عشر حسنات .
وهذا كله نص رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وقد ناظرت بعض المنكرين لهذا فذهب إلى أن الهم بالسيئة اصرار عليها فقلت له (1) هذا خطأ لإن الاصرار لا يكون الا على ما قد فعله المرء بعد تماد عليه أن يفعله وإما من هم بما لم يفعل بعد فليس اصرارا .
قال الله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (2) ثم نسألهم عمن عمل بالسيئات حاشا الكبائر عددا عظيما ولم يأت كبيرة قط ومات على ذلك أيجزون أن يعذبه الله تعالى على ما عمل من السيئات أم يقولون أنها مغفورة له ولا بد.
فإن قالوا أنها مغفورة ولابد صدقوا وكانوا قد خصوا قوله تعالى: { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}. (3) وتركوا حمل هذه الآية على عمومها فلا ينكروا ذلك على من خصها أيضاً بنص آخر وإن قالوا بل جائز أن يعذبهم الله تعالى على ذلك أكذبهم الله تعالى بقوله: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً } (4) .
__________
(1) الفصل في الملل 4/44
(2) سورة آل عمران ، الآية135.
(3) سورة النساء ، الآية48.
(4) سورة النساء ، الآية31.(1/150)
ونعوذ بالله من تكذيب اله عز وجل ثم نسألهم عمن عمل من الكبائر ومات عليها وعمل حسنات رجحت بكبائره عند الموازنة أيجوز أن يعذبه الله تعالى بما عمل من تلك الكبائر أم مغفورة له ساقطة عنه..؟ فإن قالوا بل هي مغفورة وساقطة عنه، صدقوا أو كانوا قد خصوا عموم قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (1) وجعلوا هؤلاء ممن شاء ولا بد أن يغفر لهم وإن قالوا بل جايز أن يعذبهم أكذبهم الله تعالى بقوله: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ }{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } (2) وبقوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (3) .
قال أبو محمد وكذلك القول فيمن تساوت حسناته وكبائره وهم أهل الأعراف فلا يعذبون أصلا.
فقد صح يقينا أن هؤلاء الطبقات الأربع هم الذين شاء الله تعالى أن يغفر لهم بلا شك فبقي الذين لم يشاء الله تعالى أن يغفر لهم ولم يبق من الطبقات أحد إلا من رجحت كبائره في الموازنة على حسناته فهم الذين يجاوزون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون من النار بالشفاعة وبرحمة الله عز وجل فقالوا من هؤلاء من يغفر الله تعالى ومنهم من يعذبه قلنا لهم أعندكم بهذا البيان نص وهم لا يجدونه أبدا فظهر تحكمهم بلا برهان وخلافهم لجميع الآيات التي تعلقوا بها فإنهم مقرون على أنها ليست على عمومها بل هي مخصوصة لأن الله تعالى قال: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (4) .
ولا خلاف في أنه تعالى يغفر الشرك لمن آمن فصح أنها مجملة تفسرها سائر الآيات والأخبار وكذلك حديث عبادة خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد من جاء بهن لم ينقص من حدودهن شيئا كان له الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد أن شاء غفر له وإن شاء عذبه.
__________
(1) سورة النساء ، الآية48.
(2) سورة القارعة ، الآيتان6،7.
(3) سورة هود ، الآية114.
(4) سورة النساء ، الآية48.(1/151)
فإنهم متفقون على أن من جاء بهن لم ينتقص من حدودهن شيئا إلا أنه قتل وزني وسرق فإنه قد يعذب ويقولون أن لم يأت بهن فإنه لا يعذب على التأبيد بل يعذب ثم يخرج عن النار.
قال أبو محمد: هذا ترك منهم أيضاً لظاهر هذا الخبر ، قال أبو محمد: ولا فرق بين قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} (1) وبين قوله: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ}{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (2) كلاهما خبر أن جاز إبطال أحدهما جاز إبطال الآخر ومعاذ الله من هذا القول وكذلك قد منع الله تعالى من هذا القول بقوله تعالى: {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ }{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } (3) . (4) .
__________
(1) سورة القارعة ، الآيتان6،7.
(2) سورة القارعة ، الآيتان8،9.
(3) سورة ق ، الآيتان28،29 .
(4) الفصل في الملل 4/43- 45(1/152)
ومذهب الأشعري في الوعد والوعيد والاسماء والاحكام والسمع والعقل مخالف للمعتزلة من كل وجه قال الايمان هو التصديق بالجنان واما القول باللسان والعمل بالاركان ففروعه فمن صدق بالقلب أي اقر بوحدانية الله تعالى واعترف بالرسل تصديقا لهم فيما جاءوا به من عند الله تعالى بالقلب صح ايمانه حتى لو مات عليه في الحال كان مؤمنا ناجيا ولايخرج من الايمان الا بانكار شيء من ذلك . وصاحب الكبيرة اذا خرج من الدنيا من غير توبة يكون حكمه إلى الله تعالى اما ان يغفر له برحمته واما ان يشفع فيه النبي(صلى الله عليه وسلم)اذ قال: ((شفاعتي لاهل لكبائر من امتي)) واما ان يعذبه بمقدار جرمه ثم يدخله الجنة برحمته ولايجوز ان يخلد في النار مع الكفار لما ورد به السمع بالاخراج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الايمان قال ولو تاب فلا اقول بانه يجب على الله تعالى قبول توبته بحكم العقل اذ هو الموجب فلا يجب عليه شيء بلى ورد السمع بقبول توبة التائبين واجابة دعوة المضطرين وهو المالك في خلقه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فلو ادخل الخلائق باجمعهم الجنة لم يكن حيفا ولو ادخلهم النار لم يكن جورا اذ الظلم هو التصرف فيما لايملكه المتصرف او وضع الشيء في غير موضعه وهو المالك المطلق فلا يتصور منه ظلم ولا ينسب اليه جور . (1)
__________
(1) الملل والنحل 1/100(1/153)
والمرجئة وغيرهم من أهل السنة أجابوا عن قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} (1) بأنها عموم مخصوص بقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ} (2) وأمثالها كما أن قوله تعالى: {لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} (3) مخصوص بها وعضدوا ذلك في قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} (4) بأنها في خطاب الكفار كما هو معلوم من الآيات التي قبلها قالوا وتعدية ما له سبب إلى غير سببه ظنية بالاجماع لكن يقوي ويضعف على حسب القرائن والأحاديث المتقدمة وكلام الخليل والمسيح قرائن تقوى عدم التعدية والجمع بذلك بينهما أولى من الطرح وعضدوا ذلك بأن التبديل لم يقبح لذاته ولا لأنه تبديل قول مطلقا لأنه تبديل قول مخصوص فقد قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (5) وقال: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (6) والنسخ من تبديل القول لقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ} (7) وقد بدل الله ذبح اسماعيل بالكبش وضرب امرأة أيوب بالضغث وبدل صورة عيسى بمثلها مرتين في الدنيا وفي يوم القيامة وبدل استقبال بيت المقدس بالكعبة وذم من قبح ذلك وسماهم سفهاء حيث قال: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} (8)
__________
(1) سورة ق ، الآية29.
(2) سورة النحل ، الآية101
(3) سورة الأنعام ، الآية115
(4) سورة ق ، الآية29.
(5) سورة الفرقان ، الآية70.
(6) سورة البقرة ، الآية106.
(7) سورة النحل ، الآية101
(8) سورة البقرة ، الآية142..(1/154)
يوضحه النصوص المتفق على صحتها والاجماع من أهل العلم المشاهير من جميع المذاهب على أن من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها فالمستحب له أن يفعل الذي هو خير ويكفر عن يمينه استحبابا لا وجوبا وهي مسألة اخلاف الوعيد بعينها فتأمل ذلك يوضحه أحاديث لم تمسه النار إلا تحلة القسم وقوله(صلى الله عليه وسلم)فيها واثنان بعد قوله ثلاثة فدل على أن التبديل المذموم تبديل مخصوص لا كل تبديل يوضحه أنه قد ثبت أن عذاب الكفار راجح قطعا للاجماع على عدم تجويز العفو المطلق عنهم ولما فيه من حقوق الأنبياء والمؤمنين ونصرهم عليهم وشفاء غيظ قلوبهم منهم ولم يثبت مثل ذلك في عذاب المسلمين لقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (1) . (2)
وحكى القاضي أبو يعلى في كتاب المقتبس قال قال لي العلاف المعتزلي لنعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار أمر لا يوصف الله بالقدرة على دفعه ولا تصح الرغبة حينئذ إليه ولا الرهبة منه لأنه لا يقدر إذ ذاك على خير ولا شر ولا نفع ولا ضر قال ويبقى أهل الجنة جمودا سكوتا لا يفضون بكلمة ولا يتحركون ولا يقدرون هم ولا ربهم على فعل شيء من ذلك لأن الحوادث كلها لا بد لها من آخر تنتهي إليه لا يكون بعده شيء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . قال المصنف قلت وذكر أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد البلخي في كتاب المقالات إن أبا الهذيل إسمه محمد بن الهذيل العلاف وهو من أهل البصرة من عبد القيس مولى لهم وانفرد بأن قال أهل الجنة تنقضي حركاتهم فيصيرون إلى سكون دائم وإن لما يقدر الله عليه نهاية لو خرج إلى الفعل ولن يخرج استحال أن يوصف الله عز وجل بالقدرة على غيره وكان يقول إن علم الله هو الله وإن قدرة الله هي الله (3) .
__________
(1) سورة النساء ، الآية48.
(2) إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات 1/226 .
(3) تلبيس إبليس 1/103 .(1/155)
وقالت المرجئة إن من أقر بالشهادتين وأتى بكل المعاصي لم يدخل النار أصلا وخالفوا الأحاديث الصحاح في إخراج الموحدين من النار قال ابن عقيل ما أشبه أن يكون واضع الأرجاء زنديقا فإن صلاح العالم باثبات الوعيد واعتقاد الجزاء فالمرجئة لما لم يمكنهم جحد الصانع لما فيه من نفور الناس ومخالفة العقل أسقطوا فائدة الإثبات وهي الخشية والمراقبة وهدموا سياسة الشرع فهم شر طائفة على الإسلام (1) .
وقد وقف من وقف في أهل الكبائر من غلاة المرجئة وقال لا أعلم أن أحدا منهم يدخل النار هو أيضاً من الأقوال المبتدعة بل السلف والأئمة متقون على ما تواترت به النصوص من أنه لابد أن يدخل النار قوم من أهل القبلة ثم يخرجون منها وأما من جزم بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة فهذا لا نعرفه قولا لأحد وبعده قول من يقول ما ثم عذاب أصلا وإنما هو تخويف لا حقيقة له وهذا من أقوال الملاحدة والكفار وربما إحتج بعضهم بقوله: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} (2) فيقال لهذا التخويف إنما يكون تخويفا إذا كان هناك مخوف يمكن وقوعه بالمخوف فإن لم يكن هناك ما يمكن وقوعه إمتنع التخويف لكن يكون حاصله إيهام الخائفين بما لا حقيقة له كما توهم الصبى الصغير ومعلوم أن مثل هذا لا يحصل به تخويف للعقلاء المميزين لأنهم إذا علموا أنه ليس هناك شيء مخوف زال الخوف.
__________
(1) تلبيس إبليس 1/104 .
(2) سورة الزمر ، الآية16.(1/156)
وهذا شبيه بما تقول الملاحدة المتفلسفة والقرامطة ونحوهم من أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم خاطبوا الناس بإظهار أمور من الوعد والوعيد لا حقيقة لها في الباطن وإنما هي أمثال مضروبة لتفهم حال النفس بعد المفارقة وما أظهروه لهم من الوعد والوعيد وإن كان لا حقيقة له فإنما يعلق لمصلحتهم في الدنيا إذ كان لا يمكن تقويمهم إلا بهذه الطريقة و هذا القول مع أنه معلوم الفساد بالضرورة من دين الرسل فلو كان الأمر كذلك لكان خواص الرسل الأذكياء يعلمون ذلك وإذا علموه زالت محافظتهم على الأمر والنهي كما يصيب خواص ملاحدة المتفلسفة والقرامطة من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم فإن البارع منهم في العلم (1) .
وكان ابن عربي ممن ينكر الوعيد ، قال فيه البقاعي : وأما إنكاره يعني ابن عربي ما ورد في الكتاب والسنة من الوعيد فهو كافر به عند علماء التوحيد
قال البقاعي : اعلم أنه ثبت بالدلائل العقلية والسمعية وإجماع المسلمين أن قول الله حق وخبره صدق وذلك واجب له لذاته سبحانه وتعالى ومن أنكر أن خبر الله حق أو أن وعده ووعيده صدق فهو كافر بإجماع المسلمين وإنما قال بعض الناس من الأصوليين إنه لا يجب وقوع الوعيد بتأويل مقرر في الأصول وحقيقته ترجع إلى أن كلام الله تعالى منزل على عادة العرب في تخاطبها وعادتها إذا أوعدت بالعقوبة وإن كانت صورتها الوعيد الجازم فإنما تريد إذا لم تعف وأصرت على الانتقام وادعى أن ذلك مركوز في طباعها وأن حقيقة اللفظ الحمل عليه سواء أراده حالة التخاطب أو لم يرده (2) .
__________
(1) توحيد الألوهية 7/502، 503.
(2) مصرع التصوف 1/160(1/157)
وقال فيه آخرون إن الرب سبحانه وتعالى علق الأشياء بمشيئته في غير موضع وأن الوعد المطلق مقيد بالمشيئة فجوز أن يقع الوعيد بشيء فلا يحصل المتوعد إما لأن حقيقة اللفظ مقيدة بعدم العفو وإما لأن مطلق اللفظ مقيد بنصوص أخر مع أمور أخرى يحتملها اللفظ مطلقا من غير دليل خاص من تقييد المطلق وتخصيص العام واحتمال الإضمار والمجاز وجوز أن يضع الله تعالى اللفظ وضعا جديدا لمعنى آخر لا تفهمه العرب عند بعض الناس إلى غير ذلك ومع هذا كله فإنما هو كلام في أصل الوعيد من حيث الجملة وأما خصوص مسألة وعيد الكافرين فلا خلاف أن المراد به قد علم وأن من ادعى أن الكفار لا يعذبون أصلا فهو كافر إلا أن يكون ممن لم تبلغهم الدعوة أو في معناه والمراد في وعيد الكافرين المعلوم هو أنهم يعذبون في النار العذاب الشديد ولا يغفر كفرهم المغفرة المزيلة للعقوبة بعد بلوغ الدعوة على الوجه الذي تقوم به الحجة والعلم بالمراد في هذه القضية متلقي بوجهين أحدهما أخبار التواتر الثاني فهم الصحابة لذلك عن المعصوم فهما قطعيا منقولا إلينا بالتواتر المعنوي وإنما تكلموا في مسألة الخلود دون أصل .
وينبغي أن يعلم أولا أن كلام ابن عربي دائر على الوحدة المطلقة وهي أنه لا شيء سوى هذا العالم وأن الإله أمر كلي لا وجود له إلا في ضمن جزئياته ثم إنه يسعى في إبطال الدين من أصله بما يحل به عقائد أهله بأن كل أحد على صراط مستقيم وأن الوعيد لا يقع منه شيء وعلى تقدير وقوعه فالعذاب المتوعد به إنما هو نعيم وعذوبة ونحو ذلك وإن حصل لأهله ألم فهو لا ينافي السعادة والرضى كما لم ينافها ما يحصل من الآلام في الدنيا وهذا يحط عند من له وعي على اعتقاد أنه لا إله أصلا وأنه ماثم إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما وراء ذلك شيء (1) .
__________
(1) انظر : مصرع التصوف 1/75(1/158)
قال الباقلاني : فإن قال قائل خبرونا عن جميع الكفرة والعصاة بضروب المعاصي هل كان جائزا في العقل أن يغفر الله لجميعهم .
قيل له أجل لو قسم جميعهم للجنة لجاز ولم يكن ما وجد من كفرهم وعصيانهم دليلا على أنه يؤلمهم بالنار لا محالة . لأن إيلام الله تعالى لمن يؤلمه ليس يوجد منه لعلة لولاها لم يوجد بل جعل الله تعالى أفعال العباد دليلا على ما قسمه لهم ويدل على ذلك أن العقاب حق له يجوز له أخذه وتركه فوجب أن يكون جاريا مجرى التفضل بإنعام غير مستحق ولأنا قد علمنا جميعا حسن ترك عقوبة الذنب ممن استحقه بجناية عليه وقد اتفق المسلمون وغيرهم أيضاً على حسن العفو والصفح عن عقوبة الذنب وعلى مدح من لا يتم ما يتوعد به وتعظيمه ومدحه بالعفو عن فعله قال كعب بن زهير:
نبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول
وأنشده للنبي(صلى الله عليه وسلم)فلم ينكره ولا أحد من المسلمين وقال آخر:
وإني إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وقال آخر في ذم من يفي بوعيده أبدا وليس الصفح من سجيته:
كأن فؤادي بين أظفار طائر ... ... من الخوف في جو السماء معلق
حذار امرىء قد كنت أعلم أنه ... متى ما يعد من نفسه الشر يصدق
فذمه على الوفاء بالوعيد.
ولا خلاف بين أهل اللغة أن العفو عن الذنب بعد تقدم الوعيد لا يوجب ذم المتوعد ولا جعل خبره كذبا وكيف لا يحسن من الله العفو عن الذنب وقد أمرنا به وحضنا عليه ومدح من هو من شأنه وقد أجمع الكل على أن ما أمر به وحض عليه ومدح فاعله فليس بقبيح قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} ثم قال تعالى: {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (1) يعني الواهبين لما استحقوه بما جني عليهم وقال: {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (2) وقال: {وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا} (3) .
__________
(1) سورة آل عمران134
(2) سورة البقرة237
(3) سورة التغابن14(1/159)
وكيف لا تجوز هبة الحق لمن يملك أخذه وتركه فدل جميع ما وصفناه على صحة عفو الله تعالى عن سائر المذنبين وجواز ذلك منه لو لم يرد الخبر بأنه لا بد أن يعاقب بعضهم فإن قال فما يؤمنكم أن يغفر الله لسائر الكفرة أو لبعضهم وإن كان قد قدم وعيده لهم بالنار قيل له يؤمن من ذلك توقيف النبي(صلى الله عليه وسلم)وإجماع المسلمين الذين لا يجوز عليهم الخطأ أن الله لا يغفر لهم ولا لأحد منهم لأن الأمة بأسرها نقلت عن شاهد النبي(صلى الله عليه وسلم)وهم حجة وأهل تواتر أنهم علموا من دينه ضرورة أن جميع الكفار في النار خالدين فيها وعرفوا قصده إلى إستغراق الوعيد لجميعهم وإرادته لكلهم وأن الله يفعل ذلك بسائرهم ولولا هذا الإجماع والتوقيف الذي اضطررنا إليه لجاز العفو عما سألت عنه .
فإن قال قائل وكيف يكون هذا إجماعا من الأمة وقد زعم قوم من المتكلمين بأن مقلده اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر ليسوا في النار قيل له هؤلاء إنما أنكروا أن يكون المقلد كافرا لشبهة دخلت عليهم ولم يزعموا أن المقلد كافر وأنه مع ذلك ليس في النار والعلم بأن المقلد كافرا أو غير كافر طريقه النظر دون التوقيف والخبر.(1/160)
فإن قال فما تقولون في مذنبي أهل ملة الإسلام هل يجوز العفو عنهم حتى لا يعاقب الفاسق بما كان من ظلمه لنفسه أو غيره قيل له نعم فإن قال فما الدليل على ذلك قيل له ما قدمناه من حسن العفو من الله ومن غيره وإن لم يرد توقيف اضطرنا إليه على تعذيب سائرهم ومع أن الله تعالى قد بين ذلك في نص كتابه فقال: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (1) فاستثنى من المعاصي التي يجوز أن يغفرها الشرك فألحقت الأمة به ما كان بمثابته من ضروب الكفر والشرك وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} (2) فلم يخرج من ذلك إلا الكفر والشرك وقال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (3) والكبائر ها هنا الكفر بدليل قوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (4) .
__________
(1) النساء48
(2) الزمر53
(3) النساء31
(4) النساء48(1/161)
والسيئات التي يغفرها هي ما دون الشرك وقال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (1) وقال تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (2) في نظائر لهذه الآيات يطول تعدادها وهي كله فيمن ليس بكافر ولا مشرك فلما كان الملي الفاسق ليس بكافر ولا مشرك من قولنا وقول المعتزلة ثبت أنه ممن يجوز أن يغفر له وإن مات مصرا إذا كان التائب لا عيب عليه ولا معه عندهم شيء يحتاج معه إلى غفران وقد دللنا قبل هذا على أن معصية الله بغير الكفر والتكذيب لا تضاد معرفته التي هي الإيمان به وكذلك معصية غيره لا تنفي العلم بالمعصي فوجب أن يكون العاصي مؤمنا بالله والمؤمن لا يكون كافرا ولا مشركا باب القول في الخصوص والعموم فإن قال قائل فما معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ} (3) . (4)
الفصل الثالث
أهل السنة والجماعة
المبحث الأول : تعريف أهل السنة والجماعة
تعريف السنة
في اللغة : الطريقة، والسيرة، حسنة كانت أو قبيحة (5) .
في الاصطلاح : الهدي الذي كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه ، علماً ، واعتقاداً، وقولاً، وعملاً، وهي السنة التي يجب أتباعها، ويحمد أهلها، ويذم من خالفها. وتطلق السنة على سنن العبادات والاعتقادات، كما تطلق على ما يقابل البدعة (6) .
وأما مصطلح (أهل السنة) فقد قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) :
__________
(1) يوسف87
(2) الزمر53
(3) يونس27
(4) انظر : تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل 1/398- 404 .
(5) الجوهري ، الصحاح مادة سنن 5/2139 . وابن منظور ، لسان العرب ، مادة سنن 13/225 .
(6) د. ناصر العقل ، مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ص13 .(1/162)
(( يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة ، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة )) (1) . وقال أيضاً :(( وقد يراد به أهل الحديث ، والسنة المحضة ، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ، ويقول : إن القرأن غير مخلوق ، وأن الله يُرى في الآخرة ، ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل السنة والحديث)) (2) .
تعريف الجماعة
في اللغة : من الاجتماع ، وهو ضد التفرق، والجماعة هم القوم الذين اجتمعوا
على أمر ما (3) .
في الاصطلاح :
اختلف أهل العلم في مصطلح الجماعة على أقوال أهمها :-
الأول : المراد بهم جماعة المسلمين ، فمن خرج عن الإسلام فقد خرج عن الجماعة ، وهذا مبني على ما ورد في صحيح مسلم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :((والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا ثلاثة نفر: التارك الإسلام المفارق للجماعة أو الجماعة -شك فيه أحمد- والثيب الزاني والنفس بالنفس)) (4) .
الثاني : أنهم السواد الأعظم من أهل الإسلام ، ويدخل فيه أهل العلم والاجتهاد دخولاً أولياً .
الثالث : أنهم أهل العلم دون غيرهم من الناس ، وهو اختيار البخاري (5) والترمذي (6) ، لأن الله جعلهم حجة على الخلق ، والناس تبع لهم في أمر الدين (7) .
الرابع : المراد بالجماعة الصحابة دون من بعدهم (8) .
__________
(1) ابن تيمية ، منهاج السنة 2/221 .
(2) المرجع نفسه .
(3) ابن منظور ، لسان العرب، مادة جمع 8/58-60.
(4) أخرجه مسلم ، كتاب القسامة ، حديث رقم 1676 .
(5) صحيح البخاري 4/372 .
(6) سنن الترمذي 4/467 .
(7) ابن حجر ، فتح الباري 13/37 .
(8) ابن حجر ، فتح الباري 13/37 .(1/163)
الخامس : جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير ، فلا يجوز الخروج عليهم فيه ، وهو اختيار أبي جعفر الطيري (رحمه الله) (1) . ويؤيد هذا ما ورد عن ابن عباس (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية)) (2) .
وهذه الأقوال لا تعارض بينها - ولله الحمد والمنة - فالكل متفقون على دخول صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الجماعة ، وكذلك أهل العلم . وعلى هذا الأساس يمكن أن نورد تعريفاً يجمعها على النحو التالي :
الجماعة : هم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين اجتمعوا على الكتاب والسنة، وعلى أئمتهم، والذين ساروا على ما عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه والتابعون لهم بإحسان (3) .
و (أهل السنة والجماعة) هم أهل سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المتمسكون بها، الذين اجتمعوا عليها، فإضافتهم إلى السنة لأنهم متمسكون بها، وإضافتهم إلى الجماعة لأنهم مجتمعون عليها. ولهذا لم تفترق هذه الفرقة كما افترق أهل البدع فضلل بعضهم بعضاً (4) .
أسماء أهل السنة والجماعة
عرف أهل السنة والجماعة بألقاب أخرى، ومنها ما يلي:-
__________
(1) فتح الباري 13/37 .
(2) أخرجه البخاري ، كتاب الفتن ، حديث رقم 7054 .
(3) انظر : د. ناصر العقل، مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ص 13 . ومحمد خليل هراس، شرح العقيدة الواسطية ص61 .
(4) انظر : الشيخ ابن عثيمين ، شرح العقيدة الواسطية 1/52،53 .(1/164)
1- الجماعة، من وصف النبي (صلى الله عليه وسلم) لهم في حديث عوف بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده! لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار)) قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال الجماعة)) (1) .
2- السلف الصالح ، وهم الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. والسلفية تطلق ويراد بها أحد معنيين : حقيقة تاريخية ، وهذا المعنى مختص بمن مضى . والآخر منهج في العقيدة ، وهو التمسك بالكتاب والسنة وتقديمهما على ما سواهما ، والعمل بهما على مقتضى فهم الصحابة والسلف .
3- أهل الأثر، أي أهل السنة المأثورة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه.
4- أهل الحديث ، وهم الآخذون بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رواية ودراية ، والمتبعون لهديه (صلى الله عليه وسلم) ظاهراً وباطناً ، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) : ((ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه ، أو كتابته وروايته، بل نعني بهم : كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهراً وباطناً، واتباعه باطناً وظاهراً ، وكذلك أهل القرآن)) (2) .
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه . وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 1093 . وقد ورد لهذا الحديث روايات عدة عند أبي داود والترمذي وابن ماجة وأحمد كلهم عن أبي هريرة ، وعند ابن ماجة وأحمد أيضاً عن أنس بن مالك . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي 3/345 : الحديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد .
(2) مجموع الفتاوي 4/95 .(1/165)
5- الفرقة الناجية، أي التي تنجو في الدنيا من البدع والشركيات ونحو ذلك ، وتنجو يوم القيامة من النار ، كما في الحديث السابق : ((...والذي نفس محمد بيده! لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار)) .
6- الطائفة المنصورة ، وهم الذين عناهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بقوله : (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)) (1) .
7- أهل الاتباع ، لأن طريقتهم إتباع آثار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرم ، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. (2)
مزايا عقيدة أهل السنة والجماعة
تتميز عقيدة أهل السنة والجماعة بميزات عدة ، منها :-
1- سلامة المصدر.
وذلك باعتمادهم على الكتاب والسنة ، وإجماع السلف ، وأقولهم فحسب ، قال ابن عبد البر : ((ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصاً في كتاب الله، أو صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأجمعت عليه الأمة ، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ، ولا يناظر في )) (3) .
وهذه الخاصية لا توجد في مذاهب أهل الكلام والمبتدعة والمتصوفة ، الذين يعتمدون على العقل ، والنظر ، أو على الحدس والكشف والإلهام ، أو الرؤى والأحلام ، أو عن طريق أشخاص يزعمون لهم العصمة ... أوغير ذلك من المصادر البشرية التي يحمكونها ، ويعتمدونها في أمور الغيب .
2- تقوم على التسليم لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) .
__________
(1) أخرجه مسلم ، كتاب الإمارة ، حديث رقم 1920 .
(2) انظر : د. ناصر العقل ، مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ص15،16 .
(3) جامع بيان العلم وفضله 2/117،118 .(1/166)
العقيدة أمور غيبية، ولا يكمن للعقل أن يحيط بها ، ولذا فإن أهل السنة والجماعة سلموا لله ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) في هذه الأمورالغيبية ، وأراحوا عقولهم من البحث والنظر في ما لا مجال لها في إدراكه . ولقد جعل الله سبحانه وتعالى الإيمان بالغيب من صفات المتقين حين قال: {الم}{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }. (1)
3- موافقتها للفطرة القويمة والعقل السليم .
عقيدة أهل السنة والحماعة في جميع جوانبها ، تتفق مع الفطرة القويمة التي فطر الله عليها عباده ، كما تتفق مع العقل السليم، مما يؤدي إلى الاطمئنان بها ، بخلاف ما جاء به المبتدعة من أمور تخالف الفطرة وتناقض العقل ، مما يؤدي إلى الحيرة والقلق والشك.
4- اتصال سندها بالرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة والتابعين وأئمة الهدى ، قولاً وعملاً وعلماً واعتقاداً .
فلا يوجد بحمد الله تعالى عند أهل السنة والجماعة قضية من قضايا العقيدة إلا وهي منسوبة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو صحابته الكرام والتابعين وأئمة الهدى . بخلاف عقائد المبتدعة المبتورة من السند السليم، فلا تعدو أن تكون مخترعة من أئمة الزيغ الضلال ، ولا صلة لها برسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام وأئمة الهدى والرشاد .
5- الوضوح والبيان .
عقدة أهل السنة والجماعة تتميزها بكونها واضحة جلية، خالية من اللبس والغموض ، بخلاف عقائد بعض الفرق الضالة التي لا تخلو من التعقيد والغموض في ألفاظها ومعانيها ، حتى لا يكاد يفها إلا آحاد الناس، ممن عرفوا تلك الأساليب الملتوية والطرق المعوجة .
6- سلامتها من الاضطراب والتناقض .
__________
(1) سورة البقرة ، الآيات 1،2،3 .(1/167)
تتميز عقيدة أهل السنة والجماعة بالسلامة من الاضطراب والتناقض الذي وقع فيه من خرج عن منهجهم ، ووقع فيما وقع فيه من الحيرة والشك ، فقد صرح بعض أئمة أهل الكلام والفلسفة والتصوف بما وصلت إليه أحوالهم ، ورجع بعضهم إلى معتقد أهل السنة والجماعة .
فهذا أبو الحسن الأشعري نشأ في الاعتزال أربعين عاماً يناظر عليه ، ثم رجع عن ذلك وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم (1) .
وكذلك الغزالي (رحمه الله) انتهى آخر أمره إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلامية، ثم أعرض عن تلك الطرق وأقبل على أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فمات وصحيح البخاري على صدره (2) .
وكذا أبو عبدالله محمد بن عمر الرازي قال في كتابه الذي صنفه (أقسام اللذات): ((لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تروي غليلاً ، ورأيت أقرب الطرق طرقة القرآن : أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } (3) ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (4) . وأقرأ في النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (5) ، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} (6) ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} (7) ، ثم قال : من جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ، وكان يتمثل كثيراً ويقول :
... ... نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
... ... وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال
... ... ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا قيل وقال (8) ...
7- سبب للظهور والنصر والفلاح في الدارين .
__________
(1) ابن تيمية ن مجموع الفتاوي 4/72 .
(2) ابن أبي العز الحنفي ، شرح العقيدة الطحاوية ص208 .
(3) سورة طه ، الآية5.
(4) سورة فاطر ، الآية10.
(5) سورة الشورى ، الآية11.
(6) سورة طه ، الآية110.
(7) سورة مريم ، الآية65
(8) ابن تيمية ، مجموع الفتاوي ، 4/72،73 .(1/168)
لقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه العقيدة الحقة ، عقيدة أهل السنة والجماعة ، سبباً في النصر والظهور ، كما أخبر بذلك المصطفى (صلى الله عليه وسلم) حين قال (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)) (1) . وكما كتب لهم النصر والظهور في الدنيا ، فقد كتب لهم الفلاح والنجاة في الآخرة فهم الفرقة الناجية يوم يهلك الناس .
8- عقيدة الجماعة والاجتماع .
مما تتميز به هذه العقيدة هو اجتماع أهلها وعدم تفرقهم ، في حين أن أهل العقائد الباطلة يتفرقون شيعاً وأحزاباً ، ولا يتوقف بهم الأمر عند ذلك ، بل يضلل بعضهم بعضاً ، ويكفر بعضهم بعضاً . وفي هذا يقول الأصبهاني (رحمه الله) : (( ومما يدل على أن أهل الحديث هم أهل الحق أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم ، قديمهم وحديثهم ، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم ، وتباعد ما بينهم من الديار ، وسكون كل واحد منهم قطراً من الأقطار ، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد ، يجرون على طريقة لا يحيدون عنها ، ولا يميلون فيها ، قولهم في ذلك واحد ، لا ترى فيهم اختلافاً ن ولا تفرقاً في شيء ما وإن قل ، بل لو جمعت ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم ، وجدته كأنه جاء عن قلب واحد، وجرى على لسان واحد ...)) (2) .
9- البقاء والثبات والاستقرار .
__________
(1) أخرجه مسلم ، كتاب الإمارة ، حديث رقم 1920 .
(2) عثمان بن علي حسن ، منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة 1/46 . ونسبه للحجة في بيان المحجة (مخطوط) ورقة 164 ، مكتبة أحمد الثالث ، تحت رقم 1395 ، تركيا .(1/169)
مما تتميز به عقيدة أهل السنة والجماعة هو البقاء والثبات والاستقرار لمبادئها ومعتقداتها، فقولهم في الله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفات ثابت لم يتغير ، وكذا قولهم في النبوة والقدر ونحوه . في حين أن غيرهم من أهل البدع ربما تغيرت معتقداتهم وتبدلت مع مرور الزمن (1) .
المبحث الثاني
موقف أهل السنة والجماعة من نصوص الوعد والوعيد
أهل السنة والجماعة وسط في باب الوعد والوعيد بين الوعيدية الذين يقولون بتخليد عصاة المسلمين في النار وبين المرجئة الذين يجحدون بعض الوعيد وما فضل الله به الأبرار على الفجار. (2)
و الشارع إنما ينفي اسم الإيمان عن الشخص لانتفاء كماله الواجب وإن كان معه بعض أجزائه كما قال: ((لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) ومنه قوله: ((من غشنا فليس منا ومن حمل علينا السلاح فليس منا)) فإن صيغة (أنا) و (نحن) ونحو ذلك من ضمير المتكلم في مثل ذلك يتناول النبي والمؤمنين معه الإيمان المطلق الذي يستحقون به الثواب بلا عقاب ومن هنا قيل أن الفاسق الملي يجوز أن يقال هو مؤمن باعتبار ويجوز أن يقال ليس مؤمنا باعتبار
فالرجل قد يكون مسلما لا مؤمنا ولا منافقا مطلقا بل يكون معه أصل الإيمان دون حقيقته الواجبة ولهذا أنكر أحمد وغيره من الأئمة على من فسر قوله: ((ليس منا)) ليس مثلنا أو ليس من خيارنا وقال هذا تفسير المرجئة وقالوا لو لم يفعل هذه الكبيرة كان يكون مثل النبي وكذلك تفسير الخوارج والمعتزلة بأنه يخرج من الإيمان بالكلية ويستحق الخلود في النار تأويل منكر كما تقدم فلا هذا ولا هذا. (3)
__________
(1) انظر : د. ناصر العقل ، مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ص 29-34 .
(2) الجواب الصحيح 1/74
(3) ابن تيمية ، مجموع الفتاوى (توحيد الأولهية ) 7/525.(1/170)
ومن قال أن الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقد يعذب من هو أقل ذنوبا ممن يغفر له فإنهم احتجوا بقول الله عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (1) وبعموم قوله تعالى: { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} (2) وبقول رسول الله(صلى الله عليه وسلم)خمس صلوات كتبهن الله على العبد من جاء بهن لم ينقص من حدودهن شيئا كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد أن شاء عذبه وإن شاء غفر له وجعلوا الآيتيتن اللتين ذكرنا قاضيتين على جميع الآيات التي تعلقت بها سائر الطوائف وقالوا لله الأمر كله لا معقب لحكمه فهو يفعل ما يشاء ما نعلم لهم حجة غير ما ذكرنا (3) .
قال أبو محمد: ونحن نقول إن الله تعالى يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإنه تعالى يغفر ما دون الشرك لمن يشاء وإن كل أحد فهو في مشيئة الله تعالى، الا أننا نقول أنه تعالى قد بين من يغفر له ومن يعذب وإن الموازين حق الموازنة حق الشفاعة حق وبالله تعالى التوفيق.
وعن ابن عباس في قول الله تعالى: {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ} (4) قال ما وعدوا فيه من خير وشر وهذا هو نص قولنا وقد ادعى قوم أن خلاف الوعيد حسن عند العرب وانشدوا:
وأني وإن واعدته وأوعدته لمخلف ... ميعادي ومنجزه موعدي
قال أبو محمد وهذا لا شيء قد جعل فخر صبي أحمق كافر حجة على الله تعالى والعرب تفخر بالظلم قال الراجز: ( أحيا أباه هاشم بن حر مله ترى الملوك حوله مغر له يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له)
وقد جعلت العرب مخلف الوعد كاذبا قال الشاعر أنشده أبو عبيدة معمر بن المثنى أتوعدني وراء بني رباح : كذبت لتقصرن يداك دوني .
__________
(1) سورة النساء ،48.
(2) سورة البقرة ، الآية284.
(3) الفصل في الملل 4/40
(4) سورة هود ، الآية109.(1/171)
فإن قالوا خصوا وعيد الشرك بالموازنة قلنا لا يجوز لأن الله تعالى منع ذلك قال تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} (1) .
قال أبو محمد وأهل النار متفاضلون في عذاب النار فأقلهم عذابا أبوطالب فإنه توضع جمرتان من نار في أخمصيه إلى أن يبلغ الأمر إلى قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (2) وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (3) ولا يكون الأشد إلا إلى جنب إلا دون وقال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} (4) قال أبو محمد والكفار معذبون على المعاصي التي عملوا من غير الكفر برهان ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}{قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}{وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}{حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} (5) فنص تعالى على أن الكفار يعذبون على ترك الصلاة وعلى ترك الطعام للمسكين .
__________
(1) سورة البقرة ، الآية217.
(2) سورة غافر ، الآية46.
(3) سورة النساء ، الآية145.
(4) سورة السجدة ، الآية21.
(5) سورة المدثر من الآية 42-47.(1/172)
قال أبو محمد وأما من عمل منهم العتق والصدقة أو نحو ذلك من أعمال البر فحابط كل ذلك لأن الله عز وجل قال أنه من مات وهو كافر حبط عمله لكن لا يعذب الله أحدا إلا على ما عمل لا على ما لم يعمل قال الله تعالى: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (1) فلما كان من لا يطعم المسكين من الكفار يعذب على ذلك عذابا زائدا فالذي أطعم المسكين مع كفره لا يعذب ذلك العذاب الزائد فهو أقل عذابا لأنه لم يعمل من الشر ما عمل من هو أشد عذابا أنه عمل خيرا.
__________
(1) سورة النمل ، الآية90.(1/173)
قال أبو محمد وكل كافر عمل خيرا وشرا ثم أسلم فإن كل ما عمل من خير مكتوب مجازى به في الجنة وأما ما عمل من شر فإن تاب عنه مع توبته من الكفر سقط عنه وإن تمادي عليه أخذ بما عمل في كفره وبما عمل في إسلامه برهان ذلك حديث حكم بن حزام عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)أنه قال: ((يا رسول الله أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من عتق وصدقة وصلة رحم فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم)أسلمت على ما سلف لك من خير)) فاخبر إنه خير وإنه له إذا أسلم وقالت له عائشة رضى الله عنها: يا رسول الله ارأيت ابن جدعان فإنه كان يصل الرحم ويقرى الضيف أينفع ذلك قال: ((لا لأنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)) فأخبر عليه السلام أنه لم ينتفع بذلك لأنه لم يسلم فأتفقت الأخبار كلها على أنه لو أسلم لنفعه ذلك وأما مؤاخذته بما عمل فحديث ابن مسعود رضى الله عنه بنص ما قلنا عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)كما قلناه فإن اعترض معترض بقول الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (1) قلنا إنما هذا لمن مات مشركا فقط برهان ذلك أن الله تعالى قال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}ومن أسلم فليس من الخاسرين وقد بين ذلك بقوله: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} (2) .
__________
(1) سورة الزمر الآية65.
(2) سورة البقرة ، الآية217.(1/174)
وإن أعترضوا فيما قلنا من المؤاخذة بما عمل في الكفر بقوله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} (1) قلنا لهم هذا حجة لنا لأن من إنتهى عن الكفر غفر له وإن انتهى عن الزنا غفر له وإن لم ينته عن الزنا لم يغفر له فإنما يغفر له عما انتهى عنه ولم يغفر له ما لم ينته عنه ولم يقل تعالى إن ينتهوا عن الكفر يغفر لهم سائر ذنوبهم والزيادة على الآية كذب الله تعالى وهى أعمال متغايرة كما ترى ليست التوبة عن بعضها توبة عن سائرها فلكل واحد منها حكم فإن ذكروا حديث عمرو بن العاص عن النبي(صلى الله عليه وسلم)الإسلام يجب ما قبله فقد قلنا أن الاسلام اسم لجميع الطاعات فمن أصر على المعصية فليس فعله في المعصية التى يتمادى عليها إسلاما ولا إيمانا كما قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) فصح أن الاسلام والايمان هو جميع الطاعات فإذا أسلم من الكفر وتاب من جميع معاصيه فهو الاسلام الذي يجب ما قبله وإذا لم يتب من معاصيه فلم يحسن في الاسلام فهو مأخوذ بألاول والاآخر كما قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وبهذا تتفق الأحاديث.
وكذلك قوله عليه السلام: ((والهجرة تجب ما قبلها)) فقد صح عنه عليه السلام أن المهاجر من هجر ما نهاه الله عنه فمن تاب من جميع المعاصي التي سلفت منه فقد هجر ما نهاه الله عنه فهذه هى الهجرة التي تجب ما قبلها وأما قوله عليه السلام: ((والحج يجب ما قبله)) فقد جاء أن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة فهذا على الموازنة التى ربنا عز وجل عالم بمراتبها ومقاديرها وإنما تقف حيث وقفنا الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وسلم)وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) سورة الأنفال ، الآية 38.(1/175)
قال أبو محمد: واستدركنا قول رسول الله(صلى الله عليه وسلم)في قاتل نفسه حرم عليه الجنة وأوجب له النار مع قوله: ((من قال لا اله الا الله مخلصا من قلبه حرم عليه النار وأوجب له الجنة)) قال أبو محمد: قال الله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى}{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (1) فصح أن كلامه(صلى الله عليه وسلم)كله وحي من عند الله تعالى وقال عز وجل: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} (2) فصح أن ما قاله رسول(صلى الله عليه وسلم)فمن عند الله تعالى وأنه لا اختلاف في شئ منه وأنه كله متفق عليه فإذ ذلك كذلك فواجب ضم هذه الأخبار بعضها إلى بعض فيلوح الحق حينئذ بحول الله وقوته.
__________
(1) سورة النجم ، الآيتان3،4.
(2) سورة النساء ، الآية82.(1/176)
فمعنى قوله (صلى الله عليه وسلم) في القاتل حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار مبنى على الموازنة فإن رجحت كبيرة قتله نفسه على حسناته حرم الله عليه الجنة حتى يقتص منه بالنار التي أوجبها الله تعالى جزاء على فعله وبرهان هذا الحديث الذى أسلم وهاجر مع عمرو بن الحممة الدوسي ثم قتل نفسه لجراح جرح به فتألم به فقطع عروق يده فنزف حتى مات فرآه بعض أصحاب النبي(صلى الله عليه وسلم)في حال حسنة الا يده وذكرا قيل له لن يصلح منك ما افسدت فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)اللهم وليديه فاغفر ومعنى قول رسول الله(صلى الله عليه وسلم): ((من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه حرم الله عليه النار وأوجب له الجنة)) فهذا لا يختلف فيه مسلمان أنه ليس على ظاهرة منفردا لكن يضمه إلى غيره من الإيمان لمحمد(صلى الله عليه وسلم)والبراءة من كل دين حاشا دين الإسلام ومعناه حينئذ أن الله عز وجل أوجب له الجنة ولا بد إما بعد الاقتصاص وأما دون الاقتصاص علي ما توجبه الموازنة وحرم الله عليه أن يخلد فيها ويكون من أهلها القاطنين فيها على ما بيننا قبل من قوله تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} (1) {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (2) وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} (3) فنص الآية أنها في الكفار هكذا في نص الآية . قال أبو محمد وأما الكفارة فإن الله تعالى قال: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً} (4)
__________
(1) النساء ، الآية123.
(2) سورة البقرة ، الآية143.
(3) سورة المائدة ، الآية37.
(4) سورة النساء ، الآية31..(1/177)
قال أبو محمد ومن المحال أن يحرم الله تعالى علينا أمرا ويفرق بين أحكامه ويجعل بعضه مغفورا باجتناب بعض ومؤاخذا به أن لم يجتنب البعض الآخر ثم لا يبين لنا المهلكات من غيرعا فنظرنا في ذلك (1) .
والدعاء سبب مقتض لنيل المطلوب والسبب له شروط وموانع فإذا حصلت شروطه وانتفت موانعه حصل المطلوب وإلا فلا يحصل ذلك المطلوب بل قد يحصل غيره وهكذا سائر الكلمات الطيبات من الأذكار المأثورة المعلق عليها جلب منافع أو دفع مضار فإن الكلمات بمنزلة الآلة في يد الفاعل تختلف باختلاف قوته وما يعنيها وقد يعارضها مانع من الموانع ونصوص الوعد والوعيد المتعارضة في الظاهر من هذا الباب (2) .
الوعد والوعيد عند أهل السنة من النصوص لبيان مقادير الأعمال كما قال تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (3) وان كان(صلى الله عليه وسلم)معصوما من الشرك (4) .
وإن الوعيد قد يتخلف لفوات شرط أو وجود مانع والموانع متعددة منها ما هو متفق عليه بين الأمة كالتوبة النصوح ومنها الحسنات الماحية والمصائب المكفرة وما يلحق العبد بعد موته من ثواب تسبب إلى تحصيله أو دعاء أو استغفار له أو صدقة عنه ومنها شفاعة بإذن الله فيها لمن أراد أن يشفع فيه ومنها رحمة تدركه من أرحم الراحمين يترك بها حقه قبله ويعفو عنه وهذا لا يخرج العموم عن مقتضاه وعمومه ولا يحجر على الرب تعالى حجر الوعيدية والقدرية وللرد على الطائفتين موضع غير هذا الموضع (5) .
__________
(1) الفصل في الملل 4/ 45 – 47 .
(2) شرح العقيدة الطحاوية 1/523 .
(3) سورة الزمر ، الآية65.
(4) شرح العقيدة الطحاوية 1/174 .
(5) الصواعق المرسلة :2 ص:691 .(1/178)
ومن فوائد الوعد أن المؤمن يصبر على أمور من العبادات التي يحصل فيها بعض المشاق كالحج والجهاد ، فإن قاصر النظر ضعيف العقل لا يجاوز نظره الأمر المكروه الظاهر إلى ما وراءه من كل محبوب وهذه حال أكثر الخلق إلا من صحت بصيرته فإذا رأى ضعيف البصيرة ما في الجهاد من التعب والمشاق والتعرض لاتلاف المهجة والجراحات الشديدة وملامة اللوام ومعاداة من يخاف معاداته لم يقدم عليه لأنه لم يشهد ما يؤول إليه من العواقب الحميدة والغايات التي اليها تسابق المتسابقون وفيها تنافس المتنافسون وكذلك من عزم على سفر الحج إلى البيت الحرام فلم يعلم من سفره ذلك إلا مشقة السفر ومفارقة الأهل والوطن ومقاساة الشدائد وفراق المألوفات ولا يجاوز نظره وبصيرته آخر ذلك السفر ومآله وعاقبته فإنه لا يخرج إليه ولا يعزم عليه وحال هؤلاء حال ضعيف البصيرة والايمان الذي يرى ما في القرآن من الوعد والوعيد والزواجر والنواهي والأوامر الشاقة على النفوس التي تفطمها عن رضاعها من ثدي المألوفات والشهوات والفطام على الصبي أصعب شيء وأشقه والناس كلهم صبيان العقول إلا من بلغ مبالغ الرجال العقلاء الألباء وأدرك الحق علما وعملا ومعرفة فهو الذي ينظر إلى ما وراء الصيب وما فيه من الرعد والبرق والصواعق ويعلم أنه حياة الوجود وقال الزمخشري لقائل أن يقول شبه دين الإسلام بالصيب لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر وما يتعلق به من تشبه الكفار بالظلمات وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق وما يصيب الكفرة من الاقراع من البلايا والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق والمعنى أو كمثل ذوي صيب والمراد كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة فلقوا منها ما لقوا قال والصحيح الذي عليه علماء أهل البيان لا يتخطونه إن المثلين جميعا من جهة التمثلات المتركبة دون المفرقة لا يتكلف لواحد واحد شيء بقدر شبهه فيه وهذا القول الفصل والمذهب الجزل بيانه أن العرب تأخذ شيئا فرادى معزولا(1/179)
بعضها من بعض لم تأخذ هذا بحجزة ذاك (1) .
وذكر إن العذاب يندفع بأسباب عشرة هي :
أحدها التوبة وهذا متفق عليه بين المسلمين قال تعالى {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} . وقال تعالى : {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم } . وقال تعالى {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}.
السبب الثاني الإستغفار كما فى الصحيحين عن النبى أنه قال: ((إذا أذنب عبد ذنبا فقال أي رب أذنبت ذنبا فاغفر لي فقال علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ثم أذنب ذنبا آخر فقال أي رب أذنبت ذنبا آخر فاغفره لي فقال ربه علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء قال ذلك فى الثالثة أو الرابعة)) وفي صحيح مسلم عنه أنه قال لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم .
السبب الثالث الحسنات الماحية كما قال تعالى : {أقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} . وقال صلى الله عليه وسلم ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا إجتنبت الكبائر )) .
__________
(1) اجتماع الجيوش الإسلامية 1/25 .(1/180)
وسؤالهم على هذا الوجه أن يقولوا الحسنات انما تكفر الصغائر فقط فأما الكبائر فلا تغفر الا بالتوبة كما قد جاء فى بعض الأحاديث ما اجتنبت الكبائر فيجاب عن هذا بوجوه : أحدها أن هذا الشرط جاء فى الفرائض كالصلوا الخمس والجمعة وصيام رمضان وذلك ان الله تعالى يقول ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فالفرائض مع ترك الكبائر مقتضية لتكفير السيئات واما الأعمال الزائدة من التطوعات فلابد أن يكون لها ثواب آخر فان الله سبحانه يقول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ }{وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }. (1)
الثانى أنه قد جاء التصريح فى كثير من الأحاديث بان المغفرة قد تكون مع الكبائر كما فى قوله)) غفر له وان كان فر من الزحف)) وفى السنن أتينا رسول الله فى صاحب لنا قد أوجب فقال: ((اعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار)) وفى الصحيحين فى حديث أبى ذر ((وان زنا وان سرق)).
الثالث أن قوله لأهل بدر ونحوهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ان حمل على الصغائر أو على المغفرة مع التوبة لم يكن فرق بينهم وبين غيرهم فكما لا يجوز حمل الحديث على الكفر لما قد علم أن الكفر لا يغفر الا بالتوبة لا يجوز حمله على مجرد الصغائر المكفرة باجتناب الكبائر .
__________
(1) الزلزلة7،8(1/181)
الرابع أنه قد جاء فى غير حديث أن أول ما يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة الصلاة فان أكملها والا قيل أنظروا هل له من تطوع فان كان له تطوع أكملت به الفريضة ثم يصنع بسائر أعماله كذلك ومعلوم أن ذلك النقص المكمل لا يكون لترك مستحب فان ترك المستحب لا يحتاج إلى جبران ولأنه حينئذ لا فرق بين ذلك المستحب المتروك والمفعول فعلم أنه يكمل نقص الفرائض من التطوعات وهذا لا ينافى من أن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة مع أن هذا لو كان معارضا للأول لوجب تقديم الأول لأنه أثبت وأشهر وهذا غريب رفعه وانما المعروف أنه فى وصية أبى بكر لعمر وقد ذكره أحمد فى رسالته فى الصلاة
وذلك لأن قبول النافلة يراد به الثواب عليها ومعلوم أنه لا يثاب على النافلة حتى تؤدى الفريضة فانه اذا فعل النافلة مع نقص الفريضة كانت جبرا لها واكمالا لها فلم يكن فيها ثواب نافلة ولهذا قال بعض السلف النافلة لا تكون الا لرسول الله لأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وغيره يحتاج إلى المغفرة وتأول على هذا قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} (1) وليس اذا فعل نافلة وضيع فريضة تقوم النافلة مقام الفريضة مطلقا بل قد يكون عقوبته على ترك الفريضة أعظم من ثواب النافلة .
__________
(1) الإسراء79(1/182)
الخامس إن الله لم يجعل شيئا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر كما أنه لم يجعل شيئا يحبط جميع السيئات إلا التوبة و المعتزلة مع الخوارج يجعلون الكبائر محبطة لجميع الحسنات حتى الإيمان قال الله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (1) فعلق الحبوط بالموت على الكفر وقد ثبت أن هذا ليس بكافر والمعلق بشرط يعدم عنه عدمه وقال تعالى ومن يكفر بالايما فقد حبط عمله وقال تعالى لما ذكر الأنبياء: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }{ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (2) وقال: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (3) مطابق لقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} (4) فإن الإشراك إذا لم يغفر وأنه موجب للخلود فى النار لزم من ذلك حبوط حسنات صاحبه ولما ذكر سائر الذنوب غير الكفر لم يعلق بها حبوط جميع الأعمال وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } (5) لأن ذلك كفر وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } (6) لأن ذلك قد يتضمن فيقتضي الحبوط وصاحبه لا يدري كراهية أن يحبط أو خشية أن يحبط فنهاهم عن
__________
(1) البقرة217
(2) الأنعام87،88
(3) الزمر65
(4) النساء48
(5) محمد28
(6) الحجرات2(1/183)
ذلك لأنه يفضي إلى الكفر المقتضى للحبوط .
ولا ريب أن المعصية قد تكون سببا للكفر كما قال بعض السلف المعاصى بريد الكفر فينهى عنها خشية أن تفضي إلى الكفر المحبط كما قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (1) وإبليس خالف أمر الله فصار كافرا وغيره أصابه عذاب أليم .
وقد إحتجت الخوارج والمعتزلة بقوله تعالى: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } (2) قالوا فصاحب الكبيرة ليس من المتقين فلا يتقبل الله منه عملا فلا يكون له حسنة وأعظم الحسنات الإيمان فلا يكون معه إيمان فيستحق الخلود فى النار وقد أجابتهم المرجئة بأن المراد بالمتقين من يتقى الكفر فقالوا لهم إسم المتقين فى القرآن يتناول المستحقين للثواب كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ }{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } (3) وأيضا فابنا آدم حين قربا قربانا لم يكن المقرب المردود قربانه حينئذ كافرا وإنما كفر بعد ذلك إذ لو كان كافرا لم يتقرب وأيضا فما زال السلف يخافون من هذه الآية ولو أريد بها من يتقى الكفر لم يخافوا وأيضا فإطلاق لفظ المتقين والمراد به من ليس بكافر لا أصل له فى خطاب الشارع فلا يجوز حمله عليه .
__________
(1) النور63
(2) المائدة27
(3) القمر54،55(1/184)
والجواب الصحيح أن المراد من إتقى الله فى ذلك العمل كما قال الفضيل بن عياض فى قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } (1) قال أخلصه وأصوبه قيل يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه قال إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة فمن عمل لغير الله كأهل الرياء لم يقبل منه ذلك كما في الحديث الصحيح يقول الله عز وجل ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيرى فأنا بريء منه)) وهو كله للذي أشركه وقال فى الحديث الصحيح ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول)) وقال: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) وقال فى الحديث الصحيح:((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي فهو مردود غير مقبول فمن إتقى الكفر وعمل عملا ليس عليه أمر النبى صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه وإن صلي بغير وضوء لم يقبل منه لأنه ليس متقيا فى ذلك العمل وإن كان متقيا للشرك وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } (2) وفى حديث عائشة عن النبى أنها قالت: يا رسول الله أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف أن يعذب قال: ((لا يا إبنة الصديق ولكنه الرجل يصلى ويصوم ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه)) .
__________
(1) الملك2
(2) المؤمنون60(1/185)
وخوف من خاف من السلف أن لا يتقبل منه لخوفه أن لا يكون أتي بالعمل على وجهه المأمور وهذا أظهر الوجوه فى إستثناء من إستثنى منهم فى الإيمان وفى أعمال الإيمان كقول أحدهم أنا مؤمن إن شاء الله وصليت إن شاء الله لخوف أن لا يكون آتى بالواجب على الوجه المأمور به لا على جهة الشك فيما بقلبه من التصديق لا يجوز أن يراد بالآية إن الله لا يقبل العمل إلا ممن يتقى الذنوب كلها لأن الكافر والفاسق حين يريد أن يتوب ليس متقيا فإن كان قبول العمل مشروطا بكون الفاعل حين فعله لا ذنب له إمتنع قبول التوبة بخلاف ما إذا إشترط التقوى فى العمل فإن التائب حين يتوب يأتي بالتوبة الواجبة وهو حين شروعه فى التوبة منتقل من الشر إلى الخير لم يخلص من الذنب بل هو متق فى حال تخلصه منه و أيضا فلو أتى الإنسان بأعمال البر وهو مصر على كبيرة ثم تاب لوجب أن تسقط سيئاته بالتوبة وتقبل منه تلك الحسنات وهو حين أتى بها كان فاسقا .(1/186)
وأيضا فالكافر إذا أسلم وعليه للناس مظالم من قتل وغصب وقذف وكذلك الذمى إذا أسلم قبل إسلامه مع بقاء مظالم العباد عليه فلو كان العمل لا يقبل إلا ممن لا كبيرة عليه لم يصح إسلام الذمي حتى يتوب من الفواحش والمظالم بل يكون مع إسلامه مخلدا وقد كان الناس مسلمين على عهد رسول الله ولهم ذنوب معروفة وعليهم تبعات فيقبل إسلامهم ويتوبون إلى الله سبحانه من التبعات كما ثبت فى الصحيح أن المغيرة بن شعبة لما أسلم وكان قد رافق قوما فى الجاهلية فغدر بهم وأخذ أموالهم وجاء فأسلم فلما جاء عروة بن مسعود عام الحديبية والمغيرة قائم على رأس النبى صلى الله عليه وسلم بالسيف دفعه المغيرة بالسيف فقال من هذا فقالوا ابن أختك المغيرة فقال يا غدر ألست أسعي فى غدرتك فقال النبي صلي الله عليه وسلم:(( أما الاسلام فأقبله وأما المال فلست منه فى شيء)) وقد قال تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } (1) وقالوا لنوح: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ }الشعراء111 {قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }الشعراء112 {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ }الشعراء113 ولا نعرف من المسلمين جاءه ذمي يسلم فقال له لا يصح إسلامك حتى لا يكون عليك ذنب وكذلك سائر أعمال البر من الصلاة والزكاة .
__________
(1) الأنعام52(1/187)
والسبب الرابع الدافع للعقاب دعاء المؤمنين للمؤمن مثل صلاتهم على جنازته فعن عائشة وأنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شفعوا فيه)) وعن إبن عباس قال: سمعت رسول الله يقول:(( ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه)) رواهما مسلم وهذا دعاء له بعد الموت فلا يجوز أن تحمل المغفرة على المؤمن التقي الذي إجتنب الكبائر وكفرت عنه الصغائر وحده فإن ذلك مغفور له عند المتنازعين فعلم أن هذا الدعاء من أسباب المغفرة للميت .
السبب الخامس ما يعمل للميت من أعمال البر كالصدقة ونحوها فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة وإتفاق الأئمة وكذلك العتق والحج بل قد ثبت عنه فى الصحيحين أنه قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه وثبت مثل ذلك فى الصحيح من صوم النذر من وجوه أخري ولا يجوز أن يعارض هذا بقوله وان ليس للإنسان إلا ما سعى لوجهين :
أحدهما أنه قد ثبت بالنصوص المتواترة وإجماع سلف الأمة أن المؤمن ينتفع بما ليس من سعيه كدعاء الملائكة وإستغفارهم له كما فى قوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا الآية ودعاء النبيين والمؤمنين وإستغفارهم كما فى قوله تعالى وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم وقوله سبحانه ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول وقوله عز وجل واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وكدعاء المصلين للميت ولمن زاروا قبره من المؤمنين.(1/188)
الثاني أن الآية ليست فى ظاهرها إلا أنه ليس له إلا سعيه وهذا حق فإنه لا يملك ولا يستحق إلا سعي نفسه وأما سعي غيره فلا يملكه ولا يستحقه لكن هذا لا يمنع أن ينفعه الله ويرحمه به كما أنه دائما يرحم عباده بأسباب خارجة عن مقدورهم وهو سبحانه بحكمته ورحمته يرحم العباد بأسباب يفعلها العباد ليثبت أولئك على تلك الأسباب فيرحم الجميع كما فى الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من رجل يدعو لأخيه بدعوة إلا وكل الله به ملكا كلما دعا لأخيه قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل وكما ثبت عنه فى الصحيح أنه قال من صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان أصغرهما مثل أحد فهو قد يرحم المصلي على الميت بدعائه له ويرحم الميت أيضا بدعاء هذا الحي له
السبب السادس شفاعة النبى وغيره فى أهل الذنوب يوم القيامة كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة مثل قوله فى الحديث الصحيح شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى وقوله صلي الله عليه وسلم خيرت بين أن يدخل نصف أمتى الجنة وبين الشفاعة فإخترت الشفاعة لأنها أعم وأكثر أترونها للمتقين لا ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين.
السبب السابع المصائب التى يكفر الله بها الخطايا فى الدنيا كما فى الصحيحين عنه أنه قال ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذي حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه .
السبب الثامن ما يحصل فى القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يكفر به الخطايا
السبب التاسع أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها.
السبب العاشر رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد فإذا ثبت أن الذم والعقاب قد يدفع عن أهل الذنوب بهذه الأسباب العشرة كان دعواهم أن عقوبات أهل الكبائر لا تندفع إلا بالتوبة مخالف لذلك.(1/189)
فهذان القولان: (قول الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب ويخلدون في النار، وقول من يخلدهم في النار ويجزم بأن الله لا يغفر لهم إلا بالتوبة ويقول ليس معهم من الإيمان شيء) لم يذهب إليهما أحد من أئمة الدين أهل الفقه والحديث بل هما من الأقوال المشهورة عن أهل البدع وكذلك قول من وقف في أهل الكبائر من غلاة المرجئة وقال لا أعلم أن أحدا منهم يدخل النار هو أيضاً من الأقوال المبتدعة بل السلف والأئمة متفقون على ما تواترت به النصوص من أنه لابد أن يدخل النار قوم من أهل القبلة ثم يخرجون منها وأما من جزم بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة فهذا لا نعرفه قولا لأحد وبعده قول من يقول ما ثم عذاب أصلا وإنما هو تخويف لا حقيقة له وهذا من أقوال الملاحدة والكفار وربما إحتج بعضهم بقوله ذلك يخوف الله به عباده فيقال لهذا التخويف إنما يكون تخويفا إذا كان هناك مخوف يمكن وقوعه بالمخوف فإن لم يكن هناك ما يمكن وقوعه إمتنع التخويف لكن يكون حاصله إيهام الخائفين بما لا حقيقة له كما توهم الصبى الصغير ومعلوم أن مثل هذا لا يحصل به تخويف للعقلاء المميزين لأنهم إذا علموا أنه ليس هناك شيء مخوف زال الخوف وهذا شبيه بما تقول الملاحدة المتفلسفة والقرامطة ونحوهم من أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم خاطبوا الناس بإظهار أمور من الوعد والوعيد لا حقيقة لها في الباطن وإنما هي أمثال مضروبة لتفهم حال النفس بعد المفارقة وما أظهروه لهم من الوعد والوعيد وإن كان لا حقيقة له فإنما يعلق لمصلحتهم في الدنيا إذ كان لا يمكن تقويمهم إلا بهذه الطريقة وهذا القول مع أنه معلوم الفساد بالضرورة من دين الرسل فلو كان الأمر كذلك لكان خواص الرسل الأذكياء يعلمون ذلك وإذا علموه زالت محافظتهم على الأمر والنهي كما يصيب خواص ملاحدة المتفلسفة والقرامطة من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم فإن البارع منهم في العلم (1) .
__________
(1) انظر : توحيد الألوهية 7/486 – 502.(1/190)
وقد روى ابن أبي عاصم في السنة جملة من الأحاديث في الوعد والوعيد تبين منهج أهل السنة في ذلك ، عن أنس قال قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له ومن وعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار.
وعن أبي قلابة عن أبي أسماء عن عبادة بن الصامت قال أخذ رسول الله(صلى الله عليه وسلم)علينا كما أخذ على النساء فقال إن أصاب أحد منكم حدا تعجلت له عقوبة فهو كفارة له ومن أخر عنه فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء رحمه رواه أيضاً يحيى عن عبادة رواه أيضاً يحيى عن عبادة وقال إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ورواه أبو ادريس الخولاني عن عبادة 962 ورواه أبو أدريس الخولاني عن عبادة .
وعن عبادة قال أشهد لسمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم)يقول خمس صلوات كتبهن الله على عباده من جاء بهن يوم القيامة لم يضيع منهن شيئا استخفاقا بحقهن كان له عند الله عهدا أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهدا إن شاء عذبه وإن شاء رحمه .
وعن عبادة بن الصامت أنه قام فيهم عند كنيسة معاوية فحدث أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)كان يقول . من عبدالله لا يشرك به شيئا وأقام الصلاة وآتى الزكاة وسمع وأطاع فإن الله يدخله من أي أبواب الجنة شاء وإن لها ثمانية أبواب ومن عبدالله لا يشرك به شيئا وآتى الزكاة وسمع وعصى فإن الله من أمره على الخيار إن شاء رحمه وإن شاء عذبه .
وعن سلمة بن نعيم وكان من أصحاب النبي(صلى الله عليه وسلم)قال قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): من لقي الله تبارك وتعالى لا يشرك به شيئا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق .(1/191)
وعن ابن عباس قال قرأنا هذه على رسول الله(صلى الله عليه وسلم)سنتين {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (1) ثم نزلت {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ} (2) فما رأيت رسول الله(صلى الله عليه وسلم)فرج بشيء قط فرحه بها وفرحة بإنا فتحنا لك فتحا مبينا :
وعن سليمان بن قيس اليشكري الأعور قال سألت جابر بن عبدالله هل كنتم ترون الذنوب شركا فقال معاذ الله ما كنا نزعم أن في المصلين مشركا (3) .
وقال الشهرستاني : واما الوعد والوعيد فقد قال اهل السنة الوعد والوعيد كلامه الازلى وعد على ما امر واوعد على ما نهى فكل من نجا واستوجب الثواب فبوعده وكل من هلك واستوجب العقاب فبوعيده فلا يجب عليه شيء من قضية العقل (4) .
ولا يستحق الوعيد إلا من ترك مأمورا أو فعل محظورا وهذا قول الفقهاء والأئمة وهو القول المعروف عن سلف الأمة وقول جمهور المسلمين وهذا القول يجمع الصواب من القولين الأصل الثاني قول من يقول إن الله لا يعذب في الآخرة إلا من عصاه بترك المأمور أو فعل المحظور والأصل الذي عليه السلف والجمهور أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها فالوجوب مشروط بالقدرة والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور أو فعل محظور بعد قيام الحجة (5) .
__________
(1) سورة الفرقان ، الآية68.
(2) سورة الفرقان ، الآية70.
(3) السنة -ابن أبي عاصم 2/466- 575
(4) الملل والنحل 1/42 .
(5) المنتقى من منهاج الاعتدال 1/321 .(1/192)
وقال ابن الوزير : المسألة السابعة في الوعد والوعيد والاسماء الدينية وليس في هذه المسألة تكفير ولا تفسيق باتفاق الفريقين فيما علمت إلا ما يأتي ذكره في إحدى صورتين لا يقع فيهما أحد من أهل العلم والخير وهما التكذيب بعد التواتر وتجويز الخلف على الله تعالى في الوعد بالخير لأن الفريقين متفقون على وجوب صدق الله تعالى وإنما اختلفوا عند تعارض بعض السمع في كيفية الجمع بين المتعارضات والترجيح لبعضها على بعض فيما يصح فيه الترجيح أو الوقف عند عدم التمكن من الجمع والترجيح وقد صح بعض الاختلاف بين الملائكة عليهم السلام كما دل عليه قوله تعالى: {مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } (1) كما تقدم شواهده في مسألة اثبات الحكمة وورد في الحديث الصحيح اختلاف الملائكة في هذه المسألة بعينها وذلك حيث اختلفوا في حكم النادم المهاجر بعد قتل مائة نفس حتى جاءهم ملك فحكم بينهم فكانت الاصابة لملائكة الرحمة ولله الحمد والمنة والحديث طويل رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري ولا يصح تأثيم أحد منهم بالاجماع لأن الذين أرادوا عذابه إنما اشتد غضبهم لله تعالى والذين أرادوا نجاته إنما رجوا له سعة رحمة الله تعالى فكذلك علماء الاسلام في هذه المسألة إنما خاف بعضهم من مفاسد الامان وخاف بعضهم من مفاسد القنوط ومن مفسدة تكذيب البشرى ومفسدة ثقة الانسان بنفسه وحوله وقوته وعلمه ونحو ذلك ومن نظر بعين التحقيق وجد القول الحق الوارد في السنة خاليا من جميع هذه المفاسد.
__________
(1) سورة ص ، الآية69.(1/193)
ولا شك أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله مبين لكتاب الله عز وجل أمين على تأويله وأن المرجع في بيان كتاب الله تعالى إلى السنة الصحيحة فليس في كتاب الله تعالى من تفاصيل الصلاة والزكاة والصوم والحج وأمثالها إلا اليسير ولا شك أن الاستثناء من الوعد والوعيد وتخصيص العمومات بالأدلة المتصلة والمنفصلة مقبول إما على جهة الجمع ولا شك في جوازه وصحته وحسنه والاجماع على ذلك وكثرة وقوعه من سلف الامة وخلفها بل لا شك في تقديمه في الرتبة والبداية بذلك قبل الترجيح فان تعذر الجمع فالترجيح فان وضح عمل به وإن لم يتضح وجب الوقف لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (1) ولذلك اخترت الوقف في حكم قاتل المؤمن بعد الانتصاف منه للمظلوم والقطع على أنه فاسق ملعون واجب قتله والبراءة منه والقطع أن جزاءه جهنم خالدا فيها كما قال الله تعالى على ما أراد وإنما وقفت في محل التعارض الذي أوضحته في العواصم لا على حسب ما قيل في أن الله تعالى في هذه الآية هل بين جزاءه الذي له أن يفعله إن شاء أو بين جزاءه الذي تخير له في تنجيزه حين لم يبق إلا حقه بعد استيفاء حق المظلوم المقتول والله سبحانه أعلم .
فمن رجح الجمع بين وعيد القاتل وبين قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (2) وسائر آيات الرجاء وأحاديثه قال بالاول ومن رجح وعيد القاتل في هذه الآية وفي الاحاديث المخصصة لقتل المؤمن بقطع الرجاء كما أوضحته في العواصم رجح وعيد القاتل ومن تعارضت عليه ولم ير في تنجيز الاعتقاد مصلحة ولا له موجبا ولا اليه ضرورة رجح الوقف والله عند لسان كل قائل ونيته .
__________
(1) سورة الإسراء ، الآية36.
(2) سورة النساء ، الآية48.(1/194)
ولا شك في ترجيح النص الخاص على العموم وتقديمه وعليه عمل علماء الاسلام في أدلة الشريعة ومن لم يقدمه في بعض المواضع لم يمكنه الوفاء بذلك في كل موضع واضطر إلى التحكم والتلون من غير حجة بينة وقد أجمع من يعتد به من المسلمين على تخصيص الصغائر من آيات الوعيد العامة على جميع المعاصي متى كان أهل الصغائر من المسلمين ولم يلزم من ذلك خلف في آيات الوعيد ولا كذب ولا تكذيب لشيء منها فكذلك سائر ما صح من أحاديث الرجاء ليس فيه مناقضة لعمومات آيات الوعيد ولا يستلزم تجويز الخلف على الله تعالى وذلك باب واحد ولذلك اشتهرت أحاديث الرجاء في عصر الصحابة والتابعين ولم ينكرها أحد بل رواتها أكابرهم وأئمتهم . وفي العواصم من ذلك عن علي عليه السلام بضعة عشر أثرا بل المخصصات للعمومات في ذلك قرآنية وعمومات الوعد مانعة قبل تخصيص الوعيد من الجزم على وقوع عمومه دون عموم الوعد على أن الخلف عند جماعات كثيرة لا يكون إلا عدم الوفاء بالوعد بالخير وأما الوعيد بالشر فقد اختلف في تركه وأجمعوا على أنه يسمى عفوا كما قال كعب ابن زهير:
أنبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
وإنما اختلفوا مع تسميته عفوا هل يسمى خلفا أم لا ومن منع من ذلك منع صحة النقل له لغة واحتج على امتناعه بأنه لا يصح اجتماع اسم مدح واسم ذم على مسمى واحد وقد تقدم زيادة في هذا في مسألة الحكمة فلينظر هناك ويستثنى من هذا كل وعيد جعله الله تعالى نصر للانبياء والمؤمنين ووعدهم به فانه يكون حينئذ وعدا لا يجوز خلفه كما قال صالح عليه السلام لقومه: {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (1) ولذلك سماه وعدا.
__________
(1) سورة هود ، الآية65.(1/195)
وينبغي تحقيق النظر في الفرق بين الوعيد والخبر المحض عن الواقع في المستقبل وذلك أن الوعيد يحسن ممن لا يعلم الغيب بخلاف الخبر المحض وإذا لم يفعله لتوبة أو رحمة لم يعد في لغة العرب من الكذابين المذمومين فكيف إذا كان إنما بين مراده ولم يرجع عنه لأنه عند هؤلاء في خطاب المسخوطين خاصة كقول يوسف: {مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذاً لَّظَالِمُونَ} (1) ولو كان له رغبة في رحمتهم وإسعادهم وجد اليه السبيل والله سبحانه أعلم وأحكم .
ومن أمثلة ذلك الحالف على أن لا يفعل ما يستحب فعله فان كان له حكمة مرجحة لتركه وهو يخفيها كان له في اليمين عذر وإن أحب أن يفعل المستحب كان له فيه المخرج ولله تعالى من ذلك كله أجمله وأحسنه وأكثره حمدا وثناء . وقد ذكرت في العواصم من أحاديث الرجاء المبينة للمراد في عمومات الوعيد أكثر من أربعمائة حديث من دواوين الاسلام المعروفة مع ما شهد لها من الآيات القرآنية ومن أعظمها بشرى حديث معاذ المتفق عليه وفيه أنه قال أفلا أبشر الناس قال دعهم يعملوا فدل على أنه على ظاهره وعلى أن جانب الرجاء مكتوم للمصلحة يوضحه حديث من مات له ثلاثة لم تمسه النار قالوا واثنان قال واثنان فقد كان أوهمهم بمفهوم العدد أن الرجاء يختص بالثلاثة ولم يبدأهم بالبشرى بالاثنين لمصلحة التخويف ومنه قوله في ذلك لم تسمه النار إلا تحلة القسم فدل على أن القدر الواجب المقسم عليه مجرد الورود في حق المسلمين ولله الحمد .
ومن ذلك أحاديث خروج من دخل النار من الموحدين برحمة الله تعالى ثم بشفاعة رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله وشفاعته من رحمة الله تعالى ، والأحاديث المصرحة بخروجهم من النار أحاديث كثيرة جدا عن أكثر من عشرين من كبار أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (2) .
__________
(1) سورة يوسف ، الآية79.
(2) إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات 1/346 وما بعدها(1/196)
وأما من حيث التسمية فقال ابن الوزير في الفسق : وهو أقسام باعتبار العرف الاول والآخر واسم الفاعل واسم الفعل وباعتبار التصريح والتأويل فاما العرف الأول في اسم الفاعل فانه يدل ان الفاسق من الكفار من لا حياء ولا مروءة ولا عهد ولا عقد له كما فسره بذلك الزمخشري في بعض الآيات الدالة على ذلك فان الله تعالى يقول في الكفار من اليهود وغيرهم: {وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}التوبة8 وفي بعض الآيات {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}الحديد16 كما أوضحته في الاول من العواصم مبسوطا بسطا شافيا زائدا على ما يعتاد في ذلك من البسط .
وأما باعتبار اسم الفعل ففيه قوله تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}الحجرات7 وقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وآله سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر في أحاديث كثيرة متفق على صحتها. وأما العرف المتأخر فالفسق يختص بالكبيرة من المعاصي مما ليس بكفر والفاسق يختص بمرتكبها وعند المعتزلة لا يسمي كافرا ولا مؤمنا ولا مسلما وعند أهل الحديث والاشعرية لا يسمى كافرا وأما اسم الاسلام فان اعتبرنا تمامه وكماله لم نسمه مؤمنا ولا مسلما وان اعتبرنا أقله سميناه مؤمنا ومسلما الا ان تسميته مسلما اعتبارا بالاقل من مراتب الاسلام هو العرف الاكثر بخلاف تسميته مؤمنا وفي ذلك من الآيات والأحاديث الكثير .
قال شارح قصيدة ابن القيم : يقول الناظم إن الخوارج احسن حالا منكم ايها الخصوم لأن الخوارج في تكفيرهم بالذنوب أخذوا بنصوص الوعيد لكن أخطؤوا في ذلك وقصرت أفهامهم وأما أنتم فخالفتم النصوص وكفرتم من أخذ بها وقدمها على غيرها بل كفرتم بما هو غاية التوحيد والايمان فصل في بيان كذبهم ورميهم أهل الحق بأنهم أشباه الخوارج وبيان شبههم المحقق بالخوارج .(1/197)
ومن العجائب أنهم قالوا لمن قد حان بالآثار والقرآن أنتم بذا مثل الخوارج إنهم أخذوا الظواهر اهتدوا لمعان فانظر إلى ذا البهت هذا وصفهم نسبوا إليه شيعة الإيمان سلوا على سنن الرسول وحزبه سيفين سيف يد وسيف لسان خرجوا عليهم مثلما خرج الألى من قبلهم بالغي والعدوان والله ما كان الخوارج هكذا وهم البغاة أئمة الطغيان كفرتم أصحاب سنته وهم فساق ملته فمن يلحاني إن قلت هم خير واهدى منكم والله ما الفئتان مستويان شتان بين مكفر بالسنة العليا وبين مكفر العصيان قلتم تأولنا كذاك تأولوا وكلاكما فئتان باغيتان (1) .
قال القرطبى أجمع علماء أهل السنة على أن أهل النار مخلدون فيها غير خارجين منها كإبليس وفرعون وهامان وقارون وكل من كفر وتكبر وطغى وتجبر فإن له نار جهنم لا يموت فيها ولا يحيى وقد أعدهم الله عذابا أليما فقال عز وجل: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ}النساء56 وأجمع أهل السنة أيضاً على أنه لايبقى فيها مؤمن ولا يخلد فيها إلا كافر جاحد فاعلمه .
__________
(1) شرح قصيدة ابن القيم 2/63 .(1/198)
وقد زل هنا بعض من ينتمى إلى العلم والعلماء فقال إنه يخرج من النار كل كافر ومبطل وشيطان وجاحد ويدخل الجنة وأنه جائز في العقل أن تنقطع صفة الغضب فيعكس عليه فيقال وكذلك جائز في العقل أن تنقطع صفة الرحمة فيلزم عليه أن تدخل الأنبياء والأولياء النار يعذبون فيها وهذا فاسد مردود بوعده الحق وقوله الصدق قال تعالى في حق أهل الجنان {عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ}هود108 أى غير مقطوع وقال: {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ}الحجر48 وقال: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}فصلت8 وقال: {لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ}التوبة21 {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}التوبة22 وقال في حق الكافرين: {لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}الأعراف40 وقال: {فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}الجاثية35 وهذا واضح .
وبالجملة فلا مدخل للعقول فيمن اقتطع أصله بالاجماع والنقول {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}النور40 . ولعل القرطبى أراد بقوله زل هنا بعض الشيخ محي الدين بن عربى صاحب الفتوحات فانه ذهب إلى ذلك وتبعه من تبعه من علماء الشريعة وبناء هذا القول على أنه ترجح في أنظارهم سبق رحمة الله على غضبه كما ورد بذلك الحديث الصحيح في البخارى وغيره وعلى أن الخلف في الوعيد جائز وفي الوعد لا يجوز ولكل وجهة هو موليها ولكن لا ريب في أن ظاهر النظم القرآنى وواضح النص السنى خلود كل من أهل النار (1) .
__________
(1) يقظة أولي الاعتبار 1/43 .(1/199)
فزعموا في الوعد اذا انفرد والوعيد اذا انفرد فعليهم ان يثبتوا بكل واحد منهما منفردا ويعلموا انه عام علما لا شك فيه كما وصفنا ويجوز ان يكون على خلاف ذلك فاذا جاء مع الوعيد الوعد عندهم في قوم فعليهم ان يعلموا ان احدهما مستثنى من الآخر اما ان يكون الوعد مستثنى من الوعيد واما ان يكون الوعيد مستثنى من الوعد وعلى السامع لذلك ان يقف فلا يدرى لعل الخبر في اهل التوحيد كلهم او في بعضهم غير انه يعلم انه لا يجتمع الوعد والوعيد في رجل واحد لان ذلك يتناقض . وقالت الفرقة الرابعة وهم أصحاب محمد بن شبيب وجدنا اللغة اجازت جاء بنو تميم وجاءت الازد وانا يعنى بعض بنى تميم وبعض الازد وصرمت ارضى انما صرم بعضها وضرب الامير اهل السجن وانما ضرب بعضهم قالوا فلما وجدنا اللغة اجازت ذلك وسمعنا الاخبار في القرآن مما مخرجه عام اجزنا ان يكون معناها في الخاص من اهل كل طبقة ذكرهم الله سبحانه بوعيد واجزنا ان يكون ذلك عاما وذلك مثل قوله: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ}النساء93 وكقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً}النساء10 الآية وكقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}النور4 الآية واشباه ذلك من آى الوعيد التي جاءت مجيئا زنا ذلك لما ذكرنا من اجازة (1) .
تابع
__________
(1) مقالات الإسلاميين 1/146 .(1/200)
باب3 / منهاج السنة النبوية ج5/ص293 / بقطع السارق ومضت سنة رسول الله(صلى الله عليه وسلم)بجلد الشارب فهذه النصوص صريحة بأن الزاني والشارب والسارق والقاذف ليسوا كفارا مرتدين يستحقون القتل فمن جعلهم كفارا فقد خالف نص القرآن والسنة المتواترة . وقالوا لهم وللمعتزلة قد قال الله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون سورة الحجرات 9 10 قالوا فقد سماهم مؤمنين مع الإقتتال والبغي وقد أمر الله تعالى بالإصلاح بينهم وجعلهم إخوة المصلح بينهم الذي لم يقاتل فعلم أن البغي لا يخرج عن الإيمان ولا عن أخوة الإيمان . قالت المرجئة وقوله ليس منا أي ليس مثلنا أو ليس من خيارنا فقيل لهم فلو لم يغش ولم يحمل السلاح أكان يكون مثل النبي(صلى الله عليه وسلم)أو كان يكون من خيارهم بمجرد هذا الكلام . وقالت المرجئة نصوص الوعيد عامة ومنا من ينكر صيغ العموم . [منهاج السنة النبوية ج:5 ص:293] .(1/201)
ومن أثبتها قال لا يعلم تناولها لكل فرد من أفراد العام فمن لم يعذب لم يكن اللفظ قد شمله ، فقيل للواقفة منهم عندكم يجوز أن لا يحصل الوعيد بأحد من أهل القبلة فيلزم تعطيل نصوص الوعيد ولا تبقى لا خاصة ولا عامة ، وليس مقصودنا هنا استيفاء الكلام في المسألة وإنما الغرض التمثيل بالمناظرات من الطرفين وأهل السنة والحديث وأئمة الإسلام المتبعون للصحابة متوسطون بين هؤلاء وهؤلاء لا يقولون بتخليد أحد من أهل القبلة في النار كما تقول الخوارج والمعتزلة لما ثبت عن النبي(صلى الله عليه وسلم)في الأحاديث الصحيحة لأنه يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان وإخراجه من النار من يخرج بشفاعة نبينا(صلى الله عليه وسلم)فيمن يشفع له من أهل الكبائر من أمته ، [منهاج السنة النبوية ج:5 ص:294] .(1/202)
وهذه أحاديث كثيرة مستفيضة متواترة عند أهل العلم بالحديث ولا يقولون إنا نقف في الأحكام المطلقة بل نعلم أن الله يدخل النار من يدخله من أهل الكبائر وناس آخرون لا يدخلونها لأسباب لكن تنازعوا هل يكون الداخلون بسبب اقتضى ذلك كعظم الذنوب وكثرتها والذين لم يدخلوها بسبب منع ذلك كالحسنات المعارضة ونحوها وأنه سبحانه وتعالى يفعل ما يفعله بحكمة وأسباب أم قد يفرق بين المتماثلين بمحض المشيئة فيعذب الشخص ويعفو عمن هو مثله من كل وجه بمحض المشيئة هذا لهم فيه قولان والنصوص وأقوال السلف توافق الأول ، وإنما قد نقف في الشخص المعين فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم لأن حقيقة باطنه وما مات عليه لا نحيط به لكن نرجو للمحسن ونخاف على المسيئ ، ولهم في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال منهم من لا يشهد بالجنة لأحد إلا للأنبياء وهذا قول محمد بن الحنفية والأوزاعي ، والثاني أنه يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء فيه نص وهذا قول كثير من أهل الحديث ، والثالث يشهد بالجنة لهؤلاء ولمن شهد له المؤمنون كما قال النبي(صلى الله عليه وسلم)أنتم شهداء الله في الأرض وقال يوشك أن [منهاج السنة النبوية ج:5 ص:295] تعلموا أهل الجنة من أهل النار قالوا بم يا رسول الله قال بالثناء الحسن والثناء السيئ فأخبر أن ذلك مما يعلم به أهل الجنة وأهل النار وكان أبو ثور يقول أشهد أن أحمد بن حنبل في الجنة ويحتج بهذا وبسط هذه المسألة له موضع آخر . [منهاج السنة النبوية ج:5 ص:296](1/203)
باب3/ والإيمان عندهم يتفاضل فيكون إيمان أكمل من إيمان كما قال النبي(صلى الله عليه وسلم)أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا فيقولون قوله إنما يتقبل الله من المتقين سورة المائدة 27 أي ممن اتقاه في ذلك العمل ليس المراد به الخلو من الذنوب ولا مجرد الخلو من الشرك بل من اتقاه في عمل قبله منه وإن كانت له ذنوب أخرى بدليل قوله وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات سورة هود 114 فلو كانت الحسنة لا تقبل من صاحب السيئة لم تمحها ، وقد ثبت بالكتاب والسنة المتواترة الموازنة بين الحسنات والسيئات فلو كانت الكبيرة تحبط الحسنات لم تبق حسنة توزن معها، [منهاج السنة النبوية ج:5 ص:296] ، وقد ثبت في الصحيحين أن بغيا سقت كلبا فغفر الله لها بسقيه قالوا وابنا آدم لم يكن أحدهما مشركا ولكن لم يقصد التقرب إلى الله بالطيب من ماله كما جاء في الأثر فلهذا لم يتقبل الله قربانه وقد قال تعالى في حق المنافقين وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون سورة التوبة 54 فجعل هذه موانع قبول النفقة دون مطلق الذنوب ، قال أهل الحديث والسنة ومن نفى عنه الإيمان فلأنه ترك بعض واجباته والعبادة ينفى اسمها بنفي بعض واجباتها لأنها لم تبق كاملة ولا يلزم من ذلك أن لا يبقى منه شيئ بل قد دلت النصوص على أنه يبقى بعضه ويخرج من النار من بقي معه بعضه ، ومعلوم أن العبادات فيها واجب كالحج فيه واجب إذا تركه كان حجة ناقصا يأثم بما ترك ولا إعادة عليه بل يجبره بدم كرمي الجمار وإن لم يجبره بقي في ذمته فكذلك الإيمان ينقص بالذنوب فإن تاب عاد وإلا بقي ناقصا نقصا يأثم به وقد يحرم في الحج أفعال إذا فعلها [منهاج السنة النبوية ج:5 ص:297] نقص حجة ولم يبطل كالتطيب ولبس الثياب بل يجبر ذلك ولا يفسده من المحرمات إلا الجماع، فكذلك لا يزيل الإيمان كله إلا(1/204)
الكفر المحض الذي لا يبقى مع صاحبه شيء من الإيمان قالوا وهذا هو الذي يحبط جميع الأعمال وأما ما دون ذلك فقد يحبط بعض العمل كما في آية المن والأذى فإن ذلك يبطل تلك الصدقة لا يبطل سائر أعماله ، والذين كرهوا ما أنزل الله كفار وأعمال القلوب مثل حب الله ورسوله وخشية الله ونحو ذلك كلها من الإيمان وكراهة ما أنزل الله كفر وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ، وقد قال تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله سورة المجادلة 22 ، وقوله في السابق والمقتصد والظالم لنفسه جنات عدن يدخلونها سورة الرعد 23 لا يمنع أن يكون الظالم لنفسه قد عذب قبل هذا ثم يدخلها ، وقوله لا يصلاها إلا الأشقى سورة الليل 15 لا يخلو إما أن يكون المراد بالصلي نوعا من التعذيب كما قيل إن الذي تصليه النار هو الذي تحيط به وأهل القبلة لا تحرق النار منهم مواضع السجود أو تكون نارا مخصوصة ، وقوله يخوف الله به عباده سورة الزمر 16 كقول النبي صلى الله [منهاج السنة النبوية ج:5 ص:298] عليه وسلم في الشمس والقمر إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده ، وقد قال تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا سورة الإسراء 59 والآيات التي خوف الله بها عباده تكون سببا في شر ينزل بالناس فمن اتقى الله بفعل ما أمر به وفي ذلك الشر ولو كان مما لا حقيقة له أصلا لم يخف أحد إذا علم أنه لا شر في الباطن وإنما يبقى التخويف للجاهل الفدم كما يفزغ الصبيان بالخيال ، وقد قال تعالى ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون سورة الزمر 16 فخوف العباد مطلقا وأمرهم بتقواه لئلا ينزل المخوف وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين والإنذار هو الإعلام بما يخاف منه وقد وجدت المخوفات في الدنيا وعاقب الله على الذنوب أمما كثيرة كما قصه في كتابه وكما شوهد من من الآيات وأخبر عن دخول أهل النار النار في غير موضع من القرآن ، وقال تعالى إنما يخشى الله من(1/205)
عباده العلماء سورة فاطر 28 ولو كان الأمر كما يتوهمه الجاهل لكان إنما يخشاه من عباده الجهال الذين [منهاج السنة النبوية ج:5 ص:299] .
باب3 / قلت لأبي عبدالله رواه غير سويد قال ما علمت بذلك وسمعت ابا عبدالله يقول الايمان قول وعمل قلت لأبي عبدالله فالحديث الذى يروى أعتقها فانها مؤمنة قال ليس كل أحد يقول انها مؤمنة يقولون أعتقها قال ومالك سمعه من هذا الشيخ هلال بن على لا يقول فانها مؤمنة [توحيد الألوهية ج7/ص257] وقد قال بعضهم بأنها مؤمنة فهى حين تقر بذاك فحكمها حكم المؤمنة هذا معناه قلت لأبي عبدالله تفرق بين الإيمان والإسلام فقال قد اختلف الناس فيه وكان حماد بن زيد زعموا يفرق بين الايمان والاسلام قيل له من المرجئة قال الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل قلت فأحمد بن حنبل لم يرد قط أنه سلب جميع الإيمان فلم يبق معه منه شيء كما تقوله الخوارج والمعتزلة فانه قد صرح فى غير موضع بأن أهل الكبائر معهم إيمان يخرجون به من النار واحتج بقول النبى أخرجوا من النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان وليس هذا قوله ولا قول أحد من أئمة اهل السنة بل كلهم متفقون على أن الفساق الذين ليسوا منافقين معهم شيء من الايمان يخرجون به من النار هو الفارق بينهم وبين الكفار والمنافقين لكن اذا كان معه بعض الإيمان لم يلزم أن يدخل فى الاسم المطلق الممدوح وصاحب الشرع قد نفى الاسم عن هؤلاء فقال لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن وقال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه وقال لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه واقسم على ذلك مرات وقال المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم و المعتزلة ينفون عنه اسم الايمان بالكلية واسم الاسلام أيضاً ويقولون ليس معه شيء من الإيمان والإسلام ويقولون ننزله منزلة بين منزلتين فهم يقولون إنه يخلد فى النار لا يخرج منها بالشفاعة وهذا هو الذى أنكر عليهم [توحيد الألوهية ج:7 ص:257] والا لو(1/206)
نفوا مطلق الاسم وأثبتوا معه شيئا من الايمان يخرج به من النار لم يكونوا مبتدعة وكل أهل السنة متفقون على أنه قد سلب كمال الايمان الواجب فزال بعض ايمانه الواجب لكنه من أهل الوعيد وإنما ينازع فى ذلك من يقول الايمان لا يتبعض من الجهمية والمرجئة فيقولون أنه كامل الإيمان فالذى ينفى إطلاق الإسم يقول الإسم المطلق مقرون بالمدح واستحقاق الثواب كقولنا متق وبر وعلى الصراط المستقيم فإذا كان الفاسق لا تطلق عليه هذه الاسماء فكذلك اسم الايمان وأما دخوله فى الخطاب فلأن المخاطب بإسم الإيمان كل من معه شيء منه لانه أمر لهم فمعاصيهم لا تسقط عنهم الامر وأما ما ذكره أحمد فى الاسلام فإتبع فيه الزهرى حيث قال فكانوا يرون الاسلام الكلمة والايمان العمل فى حديث سعد بن أبي وقاص وهذا على وجهين فانه قد يراد به الكلمة بتوابعها من الاعمال الظاهرة وهذا هو الاسلام الذى بينه النبى حيث قال الاسلام أن تشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت وقد يراد به الكلمة فقط من غير فعل الواجبات الظاهرة وليس هذا هو الذى جعله النبى الاسلام لكن قد يقال اسلام الاعراب كان من هذا فيقال الاعراب وغيرهم كانوا اذا أسلموا على عهد النبى ألزموا بالاعمال الظاهرة الصلاة والزكاة والصيام والحج ولم يكن أحد يترك بمجرد الكلمة بل كان من أظهر المعصية يعاقب عليها [توحيد الألوهية ج:7 ص:258] .(1/207)
باب3 / انى لأعطى رجالا وامنع آخرين وهم أحب إلى منهم مخافة أن يكبوا على وجوههم فى النار قال الزهرى فنرى أن الاسلام الكلمة والايمان العمل، قال محمد بن نصر واحتجوا بانكار عبدالله بن مسعود على من شهد لنفسه بالايمان فقال أنا مؤمن من غير استثناء وكذلك أصحابه من بعده وجل علماء الكوفة على ذلك واحتجوا بحديث أبي هريرة يخرج منه الايمان فان رجع رجع إليه وبما أشبه ذلك من الأخبار وبما روى عن الحسن ومحمد بن سيرين أنهما كانا يقولان مسلم ويهابان مؤمن واحتجوا بقول أبي جعفر الذى حدثناه اسحاق بن ابراهيم أنبأنا وهب بن جرير بن حازم حدثنى أبي عن فضيل بن بشار عن أبي جعفر محمد بن على أنه سئل عن قول النبى لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن فقال أبو جعفر هذا الاسلام ودور دارة واسعة وهذا الايمان ودور دارة صغيرة فى وسط الكبيرة فاذا زنى أو سرق خرج من الايمان إلى الاسلام ولا يخرجه من الاسلام الا الكفر بالله واحتجوا بما روى عن النبى قال أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص حدثنا بذلك يحيى بن يحيى حدثنا ابن لهيعة عن شريح بن هانئ عن عقبة بن عامر الجهنى أن رسول الله قال أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص وذكر عن حماد بن زيد أنه كان يفرق بين الايمان والاسلام فجعل [توحيد الألوهية ج:7 ص:319] الايمان خاصا والاسلام عاما قال فلنا فى هؤلاء أسوة وبهم قدوة مع ما يثبت ذلك من النظر وذلك أن الله جعل اسم المؤمن اسم ثناء وتزكية ومدحة أوجب عليه الجنة فقال وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام واعد لهم أجرا كريما وقال وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا وقال وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم وقال يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبايمانهم وقال الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور وقال وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار قال ثم أوجب الله النار على الكبائر فدل بذلك(1/208)
على أن اسم الايمان زائل عمن أتى كبيرة قالوا ولم نجده أوجب الجنة بإسم الاسلام فثبت ان اسم الاسلام له ثابت على حاله واسم الايمان زائل عنه فان قيل لهم فى قولهم هذا ليس الايمان ضد الكفر قالوا الكفر ضد لأصل الايمان لأن للايمان أصلا وفروعا فلا يثبت الكفر حتى يزول أصل الايمان الذى هو ضد الكفر فان قيل لهم فالذين زعمتم أن النبى أزال عنهم اسم الايمان هل فيهم من الايمان شئ قالوا نعم أصله ثابت ولولا ذلك لكفروا ألم تسمع إلى ابن مسعود أنكر على الذى شهد أنه مؤمن ثم قال لكنا نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله يخبرك أنه قد آمن من جهة أنه صدق وأنه لا يستحق إسم المؤمن إذا كان يعلم أنه مقصر [توحيد الألوهية ج:7 ص:320] لأنه لا يستحق هذا الاسم عنده الا من أدى ما وجب عليه وإنتهى عما حرم عليه من الموجبات للنار التى هى الكبائر قالوا فلما أبان الله أن هذا الاسم يستحقه من قد استحق الجنة وان الله قد أوجب الجنة عليه وعلمنا أنا قد آمنا وصدقنا لأنه لايخرج من التصديق إلا بالتكذيب ولسنا بشاكين ولا مكذبين وعلمنا أنا عاصون له مستوجبون للعذاب وهو ضد الثواب الذى حكم الله به للمؤمنين على اسم الايمان علمنا أنا قد آمنا وأمسكنا عن الاسم الذى أثبت الله عليه الحكم فى الجنة وهو من الله اسم ثناء وتزكية وقد نهانا الله أن نزكى أنفسنا وأمرنا بالخوف على أنفسنا وأوجب لنا العذاب بعصياننا فعلمنا أنا لسنا بمستحقين بأن نتسمى مؤمنين إذ أوجب الله على اسم الايمان الثناء والتزكية والرأفة والرحمة والمغفرة والجنة وأوجب على الكبائر النار وهذان حكمان متضادان فان قيل فكيف أمسكتم عن اسم الايمان أن تسموا به وأنتم تزعمون أن أصل الايمان فى قلوبكم وهو التصديق بأن الله حق وما قاله صدق قالوا إن الله ورسوله وجماهير المسلمين سموا الاشياء بما غلب عليها من الأسماء فسموا الزانى فاسقا والقاذف فاسقا وشارب الخمر فاسقا ولم يسموا واحدا من هؤلاء متقيا ولا(1/209)
ورعا وقد أجمع المسلمون أن فيه أصل التقوى والورع وذلك أنه يتقى أن يكفر أو يشرك بالله شيئا وكذلك يتقى الله أن يترك الغسل من الجنابة أو الصلاة ويتقى أن يأتى أمه فهو فى جميع ذلك متق وقد أجمع [توحيد الألوهية ج:7 ص:321] المسلمون من الموافقين والمخالفين أنهم لا يسمونه متقيا ولا ورعا اذا كان يأتى بالفجور فلما أجمعوا أن أصل التقى والورع ثابت فيه وأنه قد يزيد فيه فرعا بعد الأصل كتورعه عن اتيان المحارم ثم لا يسمونه متقيا ولا ورعا مع اتيانه بعض الكبائر بل سموه فاسقا وفاجرا مع علمهم أنه قد أتى ببعض التقى والورع فمنعهم من ذلك أن اسم التقى اسم ثناء وتزكية وان الله قد أوجب عليه المغفرة والجنة قالوا فلذلك لا نسميه مؤمنا ونسميه فاسقا زانيا وان كان فى قلبه أصل اسم الايمان لأن الايمان اسم اثنى الله به على المؤمنين وزكاهم به وأوجب عليه الجنة فمن ثم قلنا مسلم ولم نقل مؤمن قالوا ولو كان أحد من المسلمين الموحدين يستحق أن لا يكون فى قلبه ايمان ولا إسلام لكان أحق الناس بذلك أهل النار الذين دخلوها فلما وجدنا النبى يخبر أن الله يقول اخرجوا من النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من ايمان ثبت أن شر المسلمين فى قلبه ايمان ولما وجدنا الامة تحكم عليه بالاحكام التى ألزمها الله للمسلمين ولا يكفرونهم ولا يشهدون لهم بالجنة ثبت أنهم مسلمون اذا أجمعوا أن يمضوا عليهم أحكام المسلمين وأنهم لا يستحقون أن يسموا مؤمنين اذ كان الاسلام يثبت للملة التى يخرج بها الانسان من جميع الملل فتزول عنه أسماء الملل الا اسم الاسلام وتثبت أحكام الاسلام عليه وتزول عنه أحكام جميع الملل [توحيد الألوهية ج:7 ص:322] فان قال لهم قائل لم لم تقولوا كافر ان شاء الله تريدون به كمال الكفر كما قلتم مؤمنون ان شاء الله تريدون به كمال الايمان قالوا لأن الكافر منكر للحق والمؤمن أصل ايمانه الاقرار والانكار لا أول له ولا آخر فتنتظر به الحقائق والايمان أصله(1/210)
التصديق والاقرار ينتظر به حقائق الاداء لما أقر والتحقيق لما صدق ومثل ذلك كمثل رجلين عليهما حق لرجل فسأل أحدهما حقه فقال ليس لك عندى حق فأنكر وجحد فلم يبق له منزلة يحقق بها ما قال اذا جحد وأنكر وسأل الآخر حقه فقال نعم لك على كذا وكذا فليس اقراره بالذى يصل اليه بذلك حقه دون أن يوفيه فهو منتظر له ان يحقق ما قال بالاداء ويصدق اقراره بالوفاء ولو أقر ثم لم يؤد اليه حقه كان كمن جحده فى المعنى اذ استويا فى الترك للأداء فتحقيق ما قال ان يؤدى اليه حقه فان ادى جزءا منه حقق بعض ما قال ووفى ببعض ما اقر به وكلما أدى جزءا ازداد تحقيقا لما أقر به وعلى المؤمن الاداء أبدا بما أقر به حتى يموت فمن ثم قلنا مؤمن إن شاء الله ولم نقل كافر إن شاء الله قال محمد بن نصر وقالت طائفة أخرى من أصحاب الحديث بمثل مقالة هؤلاء الا أنهم سموه مسلما لخروجه من ملل الكفر ولاقراره بالله وبما قال ولم يسموه مؤمنا وزعموا أنهم مع تسميتهم اياه بالاسلام كافر لا كافر بالله ولكن كافر من طريق العمل وقالوا كفر لا ينقل عن الملة وقالوا محال أن يقول النبى(صلى الله عليه وسلم) لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن [توحيد الألوهية ج:7 ص:323] والكفر ضد الايمان فلا يزول عنه اسم الايمان الا واسم الكفر لازم له لأن الكفر ضد الايمان الا أن الكفر كفران كفر هو جحد بالله وبما قال فذاك ضده الاقرار بالله والتصديق به وبما قال وكفر هو عمل فهو ضد الايمان الذى هو عمل ألا ترى إلى ما روى عن النبى أنه قال لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه قالوا فاذا لم يؤمن فقد كفر ولا يجوز غير ذلك الا أنه كفر من جهة العمل اذ لم يؤمن من جهة العمل لأنه لا يضيع ما فرض عليه ويرتكب الكبائر الا من قلة خوفه وإنما يقل خوفه من قلة تعظيمه لله ووعيده فقد ترك من الايمان التعظيم الذى صدر عنه الخوف والورع فأقسم النبى أنه لا يؤمن اذا لم يأمن جاره بوائقه ثم قد روى جماعة عن النبى(صلى(1/211)
الله عليه وسلم)أنه قال سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وأنه قال اذا قال المسلم لأخيه يا كافر فلم يكن كذلك باء بالكفر فقد سماه النبى بقتاله أخاه كافرا وبقوله له يا كافر كافرا وهذه الكلمة دون الزنا والسرقة وشرب الخمر قالوا فأما قول من احتج علينا فزعم أنا اذا سميناه كافرا لزمنا أن يحكم عليه بحكم الكافرين بالله فنستتيبه ونبطل الحدود عنه لأنه اذا كفر فقد زالت عنه أحكام المؤمنين وحدودهم وفى ذلك اسقاط الحدود وأحكام المؤمنين على كل من أتى كبيرة فانا لم نذهب فى ذلك إلى حيث ذهبوا ولكنا نقول للايمان أصل وفرع وضد الايمان الكفر فى كل معنى فأصل الايمان الاقرار والتصديق وفرعه اكمال العمل بالقلب والبدن فضد الاقرار والتصديق الذى [توحيد الألوهية ج:7 ص:324](1/212)
باب3 / و أما قو ل القائل من قال لا إله إلا الله دخل الجنة و إحتجاجه بالحديث المذكو ر فيقال له لاريب أن الكتاب و السنة فيهما و عد ووعيد وقد قال الله تعالى إن الذين يأكلو ن أمو ال اليتامى ظلما إنما يأكلو ن في بطو نهم نارا و سيصلو ن سعيرا و قال الله تعالى ياأيها الذين آمنو ا لاتأكلو ا أمو الكم بينكم بالباطل إلا أن تكو ن تجارة عن تراض منكم و لا تقتلو ا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما و من يفعل ذلك عدوانا و ظلما فسو ف نصليه نارا و كان ذلك على الله يسيرا و مثل هذا كثير فى الكتاب و السنة و العبد عليه أن يصدق بهذا و بهذا لا يؤمن ببعض و يكفر ببعض فهؤلاء المشركون أرادوا أن يصدقوا بالوعد و يكذبوا بالوعيد و الحرو رية و المعتزلة أرادو ا أن يصدقوا بالوعيد دون الوعد وكلاهما أخطأ والذي عليه أهل السنة و الجماعة الإيمان بالوعد و الوعيد فكما أن ما توعد الله به العبد من العقاب قد بين سبحانه أنه بشروط بأن لا يتوب فإن تاب تاب الله عليه و بأن لا يكون له حسنات تمحو ذنوبه فإن الحسنات يذهبن [توحيد الألوهية ج:8 ص:270] السيئات و بأن لا يشاء الله أن يغفر له فإن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء فهكذا الوعد له تفسير و بيان فمن قال بلسانه لاإله إلا الله و كذب الرسول فهو كافر بإتفاق المسلمين و كذلك إن جحد شيئا مما أنزل الله فلابد من الإيمان بكل ما جاء به الرسول ثم إن كان من أهل الكبائر فأمره إلى الله إن شاء عذبه و إن شاء غفر له فإن إرتد عن الإسلام و مات مرتدا كان فى النار فالسيئات تحبطها التوبة و الحسنات تحبطها الردة و من كان له حسنات و سيئات فإن الله لا يظلمه بل من يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره و الله تعالى قد يتفضل عليه و يحسن إليه بمغفرته و رحمته ومن مات على الإيمان فإنه لا يخلد فى النار فالزاني و السارق لا يخلد فى النار بل لا بد أن يدخل الجنة فإن النار يخرج منها من(1/213)
كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان و هؤلاء المسؤول عنهم يسمون القدرية المباحية المشركين و قد جاء فى ذمهم من الآثارما يضيق عنه هذا المكان و الله سبحانه و تعالى أعلم و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم و حسبنا الله و نعم الوكيل [توحيد الألوهية ج:8 ص:271] .
باب3 / قوله لا يؤمن عبد هذا نفي أصل الايمان أي لا يعتبر ما عنده من التصديق القلبي حتى يؤمن بأربع يشهد منصوب على البدل من قوله يؤمن وقيل مرفوع تفصيل لما سبقه أي يعلم ويتيقن أن لا إله إلا الله وأني رسول الله أي يؤمن بالتوحيد والرسالة وعدل إلى لفظ الشهادة أمنا من الالباس بأن يشهد ولم يؤمن أو دلالة على أن النطق بالشهادتين أيضاً من جملة الأركان فكأنه قيل يشهد باللسان بعد تصديقه بالجنان أو إشارة إلى أن الحكم بالظواهر والله أعلم بالسرائر بعثني بالحق استئناف كأنه قيل لم يشهد فقال بعثني بالحق أي إلى كافة الانس والجن ويجوز أن يكون حالا مؤكدة أو خبرا بعد خبر فيدخل على هذا في حيز الشهادة وقد حكى(صلى الله عليه وسلم)على القولين كلام المشاهد بالمعنى إذ عبارته أن محمدا وبعثه ويؤمن بالموت بالوجهين ويؤمن بالبعث أي يؤمن بوقوع البعث بعد الموت تكرير الموت إيذان للاهتمام بشأنه ويؤمن بالوجهين بالقدر قال القارىء نقلا عن المظهر المراد بهذا الحديث نفي أصل الايمان لا نفي الكمال فمن لم يؤمن بواحد من هذه الأربعة لم يكن مؤمنا الأول الاقرار بالشهادتين وأنه مبعوث إلى كافة الانس والجن والثاني أن يؤمن بالموت أي يعتقد فناء الدنيا وهو احتراز عن مذهب الدهرية القائلين بقدم العالم وبقائه أبدا قال القارىء وفي معناه التناسخي ويحتمل أن يراد اعتقاد أن الموت يحصل بأمر الله لا بفساد المزاج كما يقوله الطبيعي والثالث أن يؤمن بالبعث والرابع أن يؤمن بالقدر يعني بأن جميع ما يجري في العالم بقضاء الله وقدره انتهى ، وحديث علي هذا رجاله رجال الصحيح ، وأخرجه أيضاً أحمد(1/214)
وبن ماجه والحاكم ، قوله إلا أنه أي النضر بن شميل قال ربعي عن رجل عن علي أي زاد بين ربعي وعلي رجلا حديث أبي داود عن شعبة أي بلا زيادة رجل بين ربعي وعلي أصح من حديث النضر [تحفة الأحوذي ج:6 ص:298].
باب3 / ويظهر عليه ذلك مع المراقبة والفكر والإقبال على الآخرة فإذا خرج اشتغل بالزوجة والأولاد ومعاش الدنيا وأصل النفاق إظهار ما يكتم خلافه من الشر فخاف أن يكون ذلك نفاقا فأعلمهم النبي(صلى الله عليه وسلم)أنه ليس بنفاق وأنهم لا يكلفون الدوام على ذلك بل ساعة ساعة أي ساعة كذا وساعة كذا ونسينا كثيرا قال الطيبي رحمه الله أي كثير مما ذكرتنا به أو نسيانا كثيرا كأنا ما سمعنا منك شيئا قط وهذا أنسب بقوله رأى عين لو تدومون أي في حال غيبتكم مني على الحال التي تقومون بها من عندي أي من صفاء القلب والخوف من الله تعالى لصافحتكم الملائكة قيل أي علانية وإلا فكون الملائكة يصافحون أهل الذكر حاصل وقال بن حجر أي عيانا في سائر الأحوال في مجالسكم وعلى فرشكم وفي طرقكم قال الطيبي المراد الدوام ولكن يا حنظلة ساعة وساعة أي ساعة كذا وساعة كذا يعني لا يكون الرجل منافقا بأن يكون في وقت على الحضور وفي وقت على الفتور ففي ساعة الحضور تؤدون حقوق ربكم وفي ساعة الفتور تقضون حظوظ أنفسكم قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه مسلم 2515 قوله لا يؤمن أحدكم أي إيمانا كاملا حتى يحب لأخيه أي المسلم ما يحب لنفسه أي مثل جميع ما يحبه لنفسه قال النووي قال العلماء معناه لا يؤمن الإيمان التام وإلا فأصل الإيمان يحصل وإن لم يكن بهذه الصفة والمراد يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات ويدل عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله وهذا قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الاسلام مثل ما يحب لنفسه والقيام بذلك يحصل بأن يحب له(1/215)
حصول مثل ذلك من جهة [تحفة الأحوذي ج:7 ص:184] .
باب3 / الحديث أن من استكمل الايمان علم ان حق النبى(صلى الله عليه وسلم)آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين لان به(صلى الله عليه وسلم)استنقذنا من النار وهدينا من الضلال قال القاضي عياض رحمه الله ومن محبته(صلى الله عليه وسلم)نصرة سنته والذب عن شريعته وتمنى حضور حياته فيبذل ماله ونفسه دونه قال واذا تبين ما ذكرناه تبين أن حقيقة الايمان لا يتم الابذلك ولا يصح الايمان الا بتحقيق اعلاء قدر النبى(صلى الله عليه وسلم)ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه فليس بمؤمن هذا كلام القاضي رحمه الله والله أعلم وأما اسناد هذا الحديث فقال مسلم رحمه الله وحدثنا شيبان بن أبي شيبة حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس قال مسلم وحدثنا محمد بن مثنى وبن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس وهذان الاسنادان رواتهما بصريون كلهم وشيبان بن أبي شيبة هذا هو شيبان بن فروج الذى روى عنه مسلم فى مواضع كثيرة والله أعلم بالصواب باب الدليل على أن من خصال الايمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير 45 قوله(صلى الله عليه وسلم) لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه هكذا هو فى مسلم لأخيه أو لجاره على الشك وكذا هو فى مسند عبد بن حميد على الشك وهو في البخارى وغيره لأخيه من غير شك قال العلماء رحمهم الله معناه لا يؤمن الايمان التام والا فأصل الايمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة والمراد يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات ويدل عليه ما جاء في رواية النسائى في هذا الحديث حتى يحب لأخيه من الخير (1) .
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 2/16 .(1/216)
باب3/ باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه 13 حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي(صلى الله عليه وسلم)وعن حسين المعلم قال حدثنا قتادة عن أنس عن النبي(صلى الله عليه وسلم)قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه 7 باب حب الرسول(صلى الله عليه وسلم)من الإيمان 14 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)قال فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده 15 حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن النبي(صلى الله عليه وسلم)ح وحدثنا آدم قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال قال النبي(صلى الله عليه وسلم)لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين 8 باب حلاوة الإيمان 16 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن النبي(صلى الله عليه وسلم)قال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار 9 باب علامة الإيمان حب الأنصار 17 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة قال أخبرني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال سمعت أنسا عن النبي(صلى الله عليه وسلم)قال آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار [صحيح البخاري ج:1 ص:14] .(1/217)
باب3/ 29 باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه يوبقهن يهلكهن موبقا مهلكا 5670 حدثنا عاصم بن علي حدثنا بن أبي ذئب عن سعيد عن أبي شريح أن النبي(صلى الله عليه وسلم)قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل ومن يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه تابعه شبابة وأسد بن موسى وقال حميد بن الأسود وعثمان بن عمر وأبو بكر بن عياش وشعيب بن إسحاق عن بن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة 30 باب لا تحقرن جارة لجارتها 5671 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثنا سعيد هو المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال كان النبي(صلى الله عليه وسلم)يقول يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة 31 باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره 5672 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو الأحوص عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت 5673 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني سعيد المقبري عن أبي شريح العدوي قال سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النبي(صلى الله عليه وسلم)فقال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قال وما جائزته يا رسول الله قال يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت [صحيح البخاري ج:5 ص:2240](1/218)
باب3 / 43 حدثنا إسحاق بن منصور أنبأنا النضر بن شميل أنبأنا حماد عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)بنحو حديثهم غير أنه قال من أن يرجع يهوديا أو نصرانيا 16 باب وجوب محبة رسول الله(صلى الله عليه وسلم)أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبه 44 وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن عليه ح وحدثنا شيبان بن أبي شيبة حدثنا عبد الوارث كلاهما عن عبد العزيز عن أنس قال قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)لا يؤمن عبد وفي حديث عبد الوارث الرجل حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين 44 حدثنا محمد بن المثنى وبن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين 17 باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير 45 حدثنا محمد بن المثنى وبن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك عن النبي(صلى الله عليه وسلم)قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه [صحيح مسلم ج:1 ص:67] 45 وحدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد عن حسين المعلم عن قتادة عن أنس عن النبي(صلى الله عليه وسلم)قال والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو قال لأخيه ما يحب لنفسه 18 باب بيان تحريم إيذاء الجار 46 حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر جميعا عن إسماعيل بن جعفر قال بن أيوب حدثنا إسماعيل قال أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)قال لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه 19 باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان 47 حدثني حرملة بن يحيى أنبأنا بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب عن أبي(1/219)
سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه 47 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت [صحيح مسلم ج:1 ص:68].(1/220)
باب3/ لأخيه نظير ما يحصل له لا عينه سواء كان في الأمور المحسوسة أو المعنوية وليس المراد أن يحصل لأخيه ما حصل له لا مع سلبه عنه ولا مع بقائه بعينه له إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال وقال أبو الزناد بن سراج ظاهر هذا الحديث طلب المساواة وحقيقته تستلزم التفضيل لأن كل أحد يحب أن يكون أفضل من غيره فإذا أحب لأخيه مثله فقد دخل في جملة المفضولين قلت أقر القاضي عياض هذا وفيه نظر إذ المراد الزجر عن هذه الإرادة لأن المقصود الحث على التواضع فلا يحب أن يكون أفضل من غيره فهو مستلزم للمساواة ويستفاد ذلك من قوله تعالى تلك الدار الآخرة تجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ولا يتم ذلك الا بترك الحسد والغل والحقد والغش وكلها خصال مذمومة فائدة قال الكرماني ومن الإيمان أيضاً أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر ولم يذكره لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه فترك التنصيص عليه اكتفاء والله أعلم .(1/221)
قوله باب حب الرسول اللام فيه للعهد والمراد سيدنا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)بقرينه قوله حتى أكون أحب وأن كانت محبة جميع الرسل من الإيمان لكن الاحبية مختصة بسيدنا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، 14 قوله شعيب هو بن أبي حمزة الحمصي واسم أبي حمزة دينار وقد أكثر المصنف من تخريج حديثه عن الزهري وأبي الزناد ووقع في غرائب مالك للدار قطني إدخال رجل وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بين الأعرج وأبي هريرة في هذا الحديث وهي زيادة شاذة فقد رواه الإسماعيلي بدونها من حديث مالك ومن حديث إبراهيم بن طهمان وروى بن منده من طريق أبي حاتم الرازي عن أبي اليمان شيخ البخاري هذا الحديث مصرحا فيه بالتحديث في جميع الإسناد وكذا النسائي من طريق على بن عياش عن شعيب قوله والذي نفسي بيده فيه جواز الحلف على الأمر المهم توكيدا وإن لم يكن هناك مستحلف قوله لا يؤمن أي إيمانا كاملا قوله احب هو أفعل بمعنى المفعول وهو مع كثرته على خلاف القياس وفصل بينه وبين معموله بقوله إليه لأن الممتنع الفصل باجنبي قوله من والده وولده قدم الوالد للاكثريه لأن كل أحد له والد من غير عكس وفي رواية النسائي في حديث أنس تقديم الولد على الوالد وذلك لمزيد الشفقه ولم تختلف الروايات في ذلك في حديث أبي هريرة هذا وهو من افراد البخاري عن مسلم ، 15 قوله أخبرنا يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي والتفريق بين حدثنا وأخبرنا لا يقول به المصنف كما [فتح الباري ج:1 ص:58] .(1/222)
باب3/ قوله باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه البوائق بالموحدة والقاف جمع بائقة وهي الداهية والشيء المهلك والأمر الشديد الذي يوافى بغتة قوله يوبقهن يهلكهن موبقا مهلكا هما أثران قال أبو عبيدة في قوله تعالى أو يوبقهن بما كسبوا قال يهلكهن وقال في قوله تعالى وجعلنا بينهم موبقا أي متوعدا وأخرج بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى وجعلنا بينهم موبقا أي مهلكا 5670 قوله عن سعيد هو المقبري ووقع منسوبا غير مسمى عند الإسماعيلي عن محمد بن يحيى بن سليمان عن عاصم بن علي شيخ البخاري فيه وأخرجه أبو نعيم من طريق عمر بن حفص ومن طريق إبراهيم الحربي كلاهما عن عاصم بن علي مسمى منسوبا قال عن سعيد المقبري قوله عن أبي شريح هو الخزاعي ووقع كذلك عند أبي نعيم واسمه علي المشهور خويلد وقيل عمرو وقيل هانئ وقيل كعب قوله والله لا يؤمن وقع تكريرها ثلاثا صريحا ووقع عند أحمد والله لا يؤمن ثلاثا وكأنه اختصار من الراوي ولأبي يعلى من حديث أنس ما هو بمؤمن وللطبراني من حديث كعب بن مالك لا يدخل الجنة ولأحمد نحوه عن أنس بسند صحيح قوله قيل يا رسول الله ومن هذه الواو يحتمل أن تكون زائدة أو استئنافية أو عاطفة على شيء مقدر أي عرفنا ما المراد مثلا ومن المحدث عنه ووقع لأحمد من حديث بن مسعود أنه السائل عن ذلك وذكره المنذري في ترغيبه بلفظ قالوا يا رسول الله لقد خاب وخسر من هو وعزاه للبخاري وحده وما رأيته فيه بهذه الزيادة ولا ذكرها الحميدي في الجمع قوله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه في حديث أنس من لم يأمن وفي حديث كعب من خاف زاد أحمد والإسماعيلي قالوا وما بوائقه قال شره وعند المنذري هذه الزيادة للبخاري ولم أرها فيه تنبيه في المتن جناس بليغ وهو من جناس التحريف وهو قوله لا يؤمن ولا يأمن فالأول من الإيمان والثاني من الآمان قوله تابعه شبابة وأسد بن موسى يعني عن بن أبي ذئب في ذكر أبي شريح فأما رواية شبابة وهو(1/223)
بن سوار المدائني فأخرجها الإسماعيلي وأما رواية أسد بن موسى وهو الأموي المعروف بأسد السنة فأخرجها الطبراني في مكارم الأخلاق قوله وقال حميد بن الأسود وعثمان بن عمر وأبو بكر بن عياش وشعيب بن إسحاق عن بن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة يعني اختلف أصحاب بن أبي ذئب عليه في صحابي هذا الحديث فالثلاثة الأول قالوا فيه عن أبي شريح والأربعة قالوا عن أبي هريرة وقد نقل أبو معين الرازي عن أحمد أن من سمع من بن أبي ذئب بالمدينة فإنه يقول عن أبي هريرة ومن سمع منه ببغداد فإنه يقول عن أبي شريح قلت ومصداق ذلك أن بن وهب وعبد العزيز الدراوردي وأبا عمرو العقدي وإسماعيل بن أبي أويس وبن [فتح الباري ج:10 ص:443] .(1/224)
باب3 / رسول الله(صلى الله عليه وسلم)في مسير له وبين يديه رجل ينظر هل في الطريق شيء يكرهه رسول الله(صلى الله عليه وسلم)فيميطه فإذا هو بامرأة عجوز قال فذكر الحديث قلت ذكر هذا في ترجمة أبي الطفيل والذي قبله في ترجمة أبي موسى فلا أدري حاله على أي شيء والله أعلم باب في قوله لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ونحو هذا عن ابن أبي أوفى عن النبي(صلى الله عليه وسلم)قال لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يزني حين يزني وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف أو سرف وهو مؤمن رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار وفيه مدرك بن عمارة ذكره ابن حبان في الثقات وبقية رجاله رجال الصحيح وعن ابن عمر عن النبي(صلى الله عليه وسلم)قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف وهو مؤمن رواه الطبراني في الكبير بطوله والبزار وروى أحمد منه لا يزني الزاني ولا يسرق فقط وفي إسناد أحمد ابن لهيعة وفي إسناد الطبراني معلى بن مهدي قال أبو حاتم يحدث أحيانا بالحديث المنكر وذكره ابن حبان في الثقات وعن عائشة رضي الله عنها أنه مر رجل قد ضرب في الخمر على بابها فقالت أي شيء هذا قلت رجل أخذ سكرانا فضرب فقالت سبحان الله سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم)يقول لا يشرب الشارب حين يشرب وهو مؤمن يعني الخمر ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن فإياكم وإياكم ورواه أحمد والبزار ببعضه والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات إلا أن ابن إسحق مدلس ورجال البزار رجال الصحيح وعن عبدالله بن مغفل قال قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يشرف الناس إليه وهو مؤمن رواه الطبراني في(1/225)
الكبير وفيه قيس بن الربيع وثقه شعبة وغيره وضعفه أحمد ويحيى بن معين وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق [مجمع الزوائد الجزء الخاص بالعقيدة ج:1 ص:100] . حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن قلنا يا رسول الله كيف يكون ذلك قال يخرج الإيمان منه فإن تاب رجع إليه رواه الطبراني في الأوسط والبزار وفي إسناد الطبراني محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى وثقه العجلي وضعفه أحمد وغيره لسوء حفظه وعن شريك عن رجل من الصحابة عن النبي(صلى الله عليه وسلم)قال من زنى خرج منه الإيمان فإن تاب تاب الله عليه رواه الطبراني في الكبير وفيه جماعة لم أعرفهم وعن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر عن النبي(صلى الله عليه وسلم)قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف وهو مؤمن رواه البزار والطبراني في الكبير قلت حديث ابن عباس في الصحيح وغيره باختصار وحديث أبي هريرة كذلك وعن علقمة بن قيس قال رأيت عليا رضي الله عنه على منبر الكوفى وهو يقول سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم)يقول لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليها أبصارهم وهو مؤمن ولا يشرب الرجل الخمر وهو مؤمن فقام رجل فقال يا أمير المؤمنين من زنى فقد كفر فقال علي إن رسول الله كان يأمرنا أن نبهم أحاديث الرخص لا يزني الزاني وهو مؤمن أن ذلك الزنى له حلال فإن آمن به أنه له حلال فقد كفر ولا يسرق وهو مؤمن بتلك السرقة أنها له حلال فإن آمن بها أنها له حلال فقد كفر ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن أنها له حلال فإن شربها وهو مؤمن أنها له حلال فقد كفر ولا ينتهب نهبة ذات شرف حين ينتهبها وهو مؤمن أنها له حلال فإن انتهبها وهو مؤمن أنها له حلال فقد كفر رواه الطبراني في(1/226)
الصغير وفيه إسمعيل بن يحيى التيمي كذاب لا تحل الرواية عنه وعن أبي هريرة قال سمعت خليلي أبا القاسم(صلى الله عليه وسلم)يقول لا يسرق السارق وهو مؤمن ولا يزني الزاني وهو مؤمن الإيمان أكرم على الله من ذلك قلت هو في الصحيح خلا قوله الإيمان أكرم على الله من ذلك رواه البزار وفيه إسرائيل الملائي وثقه يحيى بن معين في رواية وضعفه الناس قلت ويأتي لأبي هريرة حديث في الفتن وعن الفضل بن يسار قال سمعت محمد بن علي وسئل عن قول النبي (صلى الله عليه وسلم) [مجمع الزوائد الجزء الخاص بالعقيدة ج:1 ص:101] .
باب3 /رمضان متعمدا فقد كفر وقال سعيد بن جبير من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر بالله ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر بالله ومن ترك صوم رمضان متعمدا فقد كفر بالله وقال الضحاك لا ترفع الصلاة الا بالزكاة وقال عبدالله بن مسعود من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له رواهن أسد بن موسى وقال عبدالله بن عمرو من شرب الخمر ممسيا أصبح مشركا ومن شربه مصبحا امسى مشركا فقيل لإبراهيم النخعى كيف ذلك قال لأنه يترك الصلاة قال أبو عبدالله الاخنس فى كتابه من شرب المسكر فقد تعرض لترك الصلاة ومن ترك الصلاة فقد خرج من الايمان ومما يوضح ذلك أن جبريل لما سأل النبى عن الاسلام والايمان والاحسان كان فى آخر الأمر بعد فرض الحج والحج إنما فرض سنة تسع أو عشر وقد اتفق الناس على أنه لم يفرض قبل ست من الهجرة ومعلوم أن الرسول لم يأمر الناس بالايمان ولم يبين لهم معناه إلى ذلك الوقت بل كانوا يعرفون أصل معناه وهذه المسائل لبسطها موضع آخر
و المقصود هنا أن من نفى عنه الرسول اسم الإيمان أو الاسلام فلابد أن يكون قد ترك بعض الواجبات فيه وإن بقى بعضها ولهذا كان الصحابة والسلف يقولون إنه يكون فى العبد ايمان ونفاق قال أبو داود السجستانى حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع عن الأعمش عن شقيق عن أبي المقدام عن [توحيد الألوهية ج:7 ص:303] .(1/227)
باب3 / فان قال لهم قائل لم لم تقولوا كافر ان شاء الله تريدون به كمال الكفر كما قلتم مؤمنون ان شاء الله تريدون به كمال الايمان قالوا لأن الكافر منكر للحق والمؤمن أصل ايمانه الاقرار والانكار لا أول له ولا آخر فتنتظر به الحقائق والايمان أصله التصديق والاقرار ينتظر به حقائق الاداء لما أقر والتحقيق لما صدق ومثل ذلك كمثل رجلين عليهما حق لرجل فسأل أحدهما حقه فقال ليس لك عندى حق فأنكر وجحد فلم يبق له منزلة يحقق بها ما قال اذا جحد وأنكر وسأل الآخر حقه فقال نعم لك على كذا وكذا فليس اقراره بالذى يصل اليه بذلك حقه دون أن يوفيه فهو منتظر له ان يحقق ما قال بالاداء ويصدق اقراره بالوفاء ولو أقر ثم لم يؤد اليه حقه كان كمن جحده فى المعنى اذ استويا فى الترك للأداء فتحقيق ما قال ان يؤدى اليه حقه فان ادى جزءا منه حقق بعض ما قال ووفى ببعض ما اقر به وكلما أدى جزءا ازداد تحقيقا لما أقر به وعلى المؤمن الاداء أبدا بما أقر به حتى يموت فمن ثم قلنا مؤمن إن شاء الله ولم نقل كافر إن شاء الله قال محمد بن نصر وقالت طائفة أخرى من أصحاب الحديث بمثل مقالة هؤلاء الا أنهم سموه مسلما لخروجه من ملل الكفر ولاقراره بالله وبما قال ولم يسموه مؤمنا وزعموا أنهم مع تسميتهم اياه بالاسلام كافر لا كافر بالله ولكن كافر من طريق العمل وقالوا كفر لا ينقل عن الملة وقالوا محال أن يقول النبى(صلى الله عليه وسلم) لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن [توحيد الألوهية ج:7 ص:323] والكفر ضد الايمان فلا يزول عنه اسم الايمان الا واسم الكفر لازم له لأن الكفر ضد الايمان الا أن الكفر كفران كفر هو جحد بالله وبما قال فذاك ضده الاقرار بالله والتصديق به وبما قال وكفر هو عمل فهو ضد الايمان الذى هو عمل ألا ترى إلى ما روى عن النبى أنه قال لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه قالوا فاذا لم يؤمن فقد كفر ولا يجوز غير ذلك الا أنه كفر من جهة العمل اذ لم يؤمن من(1/228)
جهة العمل لأنه لا يضيع ما فرض عليه ويرتكب الكبائر الا من قلة خوفه وإنما يقل خوفه من قلة تعظيمه لله ووعيده فقد ترك من الايمان التعظيم الذى صدر عنه الخوف والورع فأقسم النبى أنه لا يؤمن اذا لم يأمن جاره بوائقه ثم قد روى جماعة عن النبي(صلى الله عليه وسلم)أنه قال سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وأنه قال إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فلم يكن كذلك باء بالكفر فقد سماه النبي بقتاله أخاه كافرا وبقوله له يا كافر كافرا وهذه الكلمة دون الزنا والسرقة وشرب الخمر قالوا فأما قول من احتج علينا فزعم أنا إذا سميناه كافرا لزمنا أن يحكم عليه بحكم الكافرين بالله فنستتيبه ونبطل الحدود عنه لأنه إذا كفر فقد زالت عنه أحكام المؤمنين وحدودهم وفى ذلك إسقاط الحدود وأحكام المؤمنين على كل من أتى كبيرة فانا لم نذهب في ذلك إلى حيث ذهبوا ولكنا نقول للايمان أصل وفرع وضد الايمان الكفر في كل معنى فأصل الايمان الاقرار والتصديق وفرعه اكمال العمل بالقلب والبدن فضد الاقرار والتصديق الذى [توحيد الألوهية ج:7 ص:324].(1/229)
باب 3 / يعذبهم قال قلت يا رسول الله ألا أبشر الناس قال دعهم يعملون هذا حديث متفق على صحته عن انس ان النبي(صلى الله عليه وسلم)ومعاذ رديفه على الرحل قال معاذ بن جبل قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا قال ما من احد يشهد ان لا إله الا الله وان محمدا رسول الله صدقا من قلبه الا حرمه الله على النار قال يا رسول الله أفلا اخبر به الناس فيستبشروا قال إذا يتكلوا فأخبر بها عند موته تأثما هذا حديث متفق على صحته وعن جابر قال أتى النبي(صلى الله عليه وسلم)رجل فقال يا رسول الله ما الموجبتان قال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار هذا حديث متفق على صحته وعن أبي ذر قال قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ما من عبد قال لا اله الا الله ثم مات على ذلك الا دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق على رغم أنف أبي ذر هذا حديث متفق على صحته وقال عليه الصلاة والسلام تدخلون الجنة اجمعون اكتعون الا من أبى قيل ومن الذي أبى قال الذي لا يقول لا اله الا الله وفي رواية الا من شرد على الله تعالى الباب الخامس في حجج الوعيدية وهو مشتمل على فصول الفصل الاول في ان مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن وذلك في اثنى عشر موضعا في البقرة إنما نحن فتنة فلا تكفر وفي المائدة ومن يتولهم منكم فإنه منهم وفي النساء فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم وفي المائدة ولو كانوا [حجج القرآن ج:1 ص:43] يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء وفي الاعراف فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وفي يوسف إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وفي الحجر قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون وفي النحل إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون وفي الاحزاب ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا وفي آل عمران ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر(1/230)
فإن الله غني عن العالمين قيل أي من لم يحج وفي حم المؤمن ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا وفي الممتحنة تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ، الفصل الثاني في ان مرتكب الكبيرة يستحق الوعيد ، وذلك في عشرين آية في الطور كل امرئ بما كسب رهين وفي المدثر كل نفس بما كسبت رهينة وفي النساء من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا وفي البقرة ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق وفي آل عمران ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة وفي محمد(صلى الله عليه وسلم) وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله وفي الحج ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم وفي الرعد الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به الآية وفي البقرة ثم توفى كل نفس ما كسبت وفي آل عمران مثله وفيها ووفيت كل نفس ما كسبت وفي النحل وتوفى كل نفس ما عملت وفي الكهف ووجدوا ما عملوا حاضرا وفي ابراهيم ليجزي [حجج القرآن ج:1 ص:44] الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب وفي حم المؤمن اليوم تجزى كل نفس بما كسبت وفيها من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها وفي الجاثية ولتجزى كل نفس بما كسبت وفيها اليوم تجزون ما كنتم تعملون وفي طه لتجزى كل نفس بما تسعى وفي الحجرات لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون وفي الزلزلة ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره الفصل الثالث في ان مرتكب الكبيرة يستحق النار والعذاب وذلك في عشر آيات في النساء يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا وفيها إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا وفي آل(1/231)
عمران ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وفي الانفال يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير وفي التوبة والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم الآية وفي هود [حجج القرآن ج:1 ص:45] ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وفي النور إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم وفي مريم فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا وفي النحل ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها الآية وفي آل عمران إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم وفي البقرة يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله الفصل الرابع في ان مرتكب الكبيرة يستحق الوعيد على سبيل التأييد وذلك في خمس آيات في البقرة بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وفي النساء ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين وفيها ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما وفي الجن ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها ، الفصل الخامس في الأحاديث الواردة في هذا الباب ، عن أبي هريرة ان رسول الله(صلى الله عليه وسلم)قال لا يزني الزاني وهو حين يزني مؤمن ولا يسرق السارق وهو حين يسرق [حجج القرآن ج:1 ص:46] مؤمن ولا يشرب الخمر وهو حين يشربها مؤمن ولا ينتهب(1/232)
نهبة ذات شرف يرفع المؤمنون اليها فيها أبصارهم وهو حين ينتهبها مؤمن هذا حديث متفق على صحته وقال عليه الصلاة والسلام المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمن جائره بوائقه وقال عليه الصلاة والسلام سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر صحيحان وسئل عليه السلام أيكذب المؤمن قال لا وقال عليه السلام من ترك صلاة متعمدا فقد كفر وقال عليه الصلاة والسلام بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة حديث متفق على صحته [حجج القرآن ج:1 ص:47]
معلومات احتياطية حذفت من الأصل
وقالت المعتزلة بأسرها حاشا بشر بن المعتمر وضرار ابن عمر وأنه لا يحل لأحد تمنى الشهادة ولا أن يريدها ولا أن يرضاها لأنها تغليب كافر على مسلم وإنما يجب على المسلم أن يحب الصبر على ألم الجراح فقط إذا أصابته قال أبو محمد وهذا خلاف دين الإسلام والقرآن والسنن والإجماع المتيقن وقالوا كلهم حاشا ضررا وبشرا أن الله لم يمت رسولا ولا نبيا ولا صاحب نبي ولا أمهات المؤمنين وهو يدري أنهم لو عاشوا فعلوا خيرا لكن أمات كل من أمات منهم إذ علم أنه لو أبقاه طرفة عين لكفروا أو فسق ولا بد. وقال بعض شيوخ المعتزلة أن العبد إذا عصى الله عز وجل طبع على قلبه فيصير غير مأمور ولا منهي. [الفصل في الملل والأهواء والنحل] .
[اعتقاد أهل السنة ج6/ص1082] ، أنت يا أبا عثمان رجل فصيح اللسان ليس لك علم بمعاني كلام العرب لا تعد العافي مخلفا ثم أنشد:
وما يرهب المولى ولا الجار صولتي ... ولا أخشى من سورة المهدد
وإني وإن أوعدته ووعدته ... ... ليخلف إيعادي ويصدق موعدي(1/233)
حكى عن أبي عمرو بن العلاء رحمه الله أنه ناظر عمرو بن عبيد في الوعيد فاحتج عمرو بن عبيد عليه بأن اخلاف الوعيد قبيح وذم عند أهل اللسان وعادة اللغة لو أنت لا مخلف الوعد والوعيد ولا يبيت فقال له أبو عمرو إن كان هذا الشاعر قد مدح بالأمرين فإن رسول الله مدحه كعب بن زهير وكان النبي توعده فقال نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول فلم ينكر ذلك عليه ووقع منه موقعا جميلا وعفا عنه وقال الشاعر وإني وإن أوعدته ووعدته لا خلف إيعادي وانجز موعدي فأين كنت عند اتباع هذا المذهب من اللغة والعقل يشهد له 2032 أنا عيسى بن علي أنا عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز قال نا هدبة قال نا سهيل بن أبي حزم قال نا ثابت البناني عن أنس بن مالك .
الثالث أنه لو وجب الثواب والعقاب بطريق الاستحقاق وترتب المسبب على السبب لزم أن يثاب من واظب طول عمره على الطاعات وارتد نعوذ بالله تعالى في آخر الحياة وأن يعاقب من أصر دهرا على كفره وتبرأ وأخلص الإيمان في آخر عمره ضرورة تحقق الوجوب والاستحقاق واللازم باطل بالاتفاق لا يقال يجوز أن يكون موت المطيع على الطاعة والعاصي على المعصية شرطا في استحقاق الثواب والعقاب على ما هو قاعدة الموافاة لأنا نقول لو كان كذلك لم يتحقق الاستحقاق أصلا لعدم الشرط عند تحقق العلة وانقضاء العلة عند تحقق الشرط احتج المخالف بوجوه .(1/234)
الأول أن إلزام المشاق من غير منفعة مؤقتة تقابلها تكون ظلما والله منزه عن الظلم وتلك المنفعة هي الثواب ثم أن الفعل لا يجب عقلا لأجل تحصيل المنفعة وإلا لوجب النوافل وإنما يجب لدفع المضرة فلزم استحقاق العقاب بتركه ليحسن إيجابه ورد بعد تسليم لزوم الغرض بأنه يجوز أن يكون شكرا للنعم السابقة أو يكون الغرض أمرا آخر كحصول السرور بالمدح على أداء الواجب واحتمال المشاق في طاعة الخالق على أنه يجوز أن يكون إيجاب الواجبات بناء على أن لها وجه وجوب في أنفسها وما يقال من أنه لو كان كذلك لوجب على الله تعالى أن لا يجعلها شاقة علينا بأن يزيد في قوانا لأن وجه الوجوب لا يتوقف على كونها شاقة كرد الوديعة وترك الظلم يجب سواء كان شاقا أو لا فليس بشيء لجواز أن يكون وجوبها بهذا الوجه ولأن الوجوب وإن لم يتوقف على كونها شاقة لكن لم يكن منافيا لذلك فيجوز أن تجعل شاقة لغرض آخر .
الثاني أنه لو لم يجب الثواب والعقاب لأفضى ذلك إلى التواني في الطاعات والاجتراء على المعاصي لأن الطاعات مشاق ومخالفات للهوى لا تميل إليها إلا بعد القطع بلذات ومنافع تربى عليها والمعاصي شهوات ومستلذات لا ينزجر عنها النفس إلا مع القطع بآلام ومضار تترتب عليها ورد بأن شمول الوعد والوعيد للكل وغلبة ظن الوفاء بهما وكثرة الأخبار والآثار في ذلك كاف في الترغيب والترهيب ومجرد جواز الترك غير قادح .
الثالث الآيات والأحاديث الواردة في تحقق الثواب والعقاب يوم الجزاء فلو لم يجب وجاز العدم لزم الخلف والكذب ورد بأن غايته الوقوع البتة وهو لا يستلزم الوجوب على الله والاستحقاق من العبد على ما هو شرح المقاصد في علم الكلام ج2/ص227(1/235)
المدعى هذا والمذهب جواز الخلف في الوعيد بأن لا يقع العذاب وحينئذ يتأكد الإشكال وسنتكلم عليه في بحث العفو إن شاء الله تعالى قال خاتمة في فروع للمعتزلة على استحقاق الثواب والعقاب منها أنهم بعد الاتفاق على أنه يستحق الثواب والمدح بفعل الواجب والمندوب وفعل ضد القبيح بشرط أن يكون فعل الواجب لوجوبه كالواجب المعين أو لوجه وجوبه كالواجب المخير وفعل المندوب لندبيته أو لوجه ندبيته وفعل ضد القبيح لكونه تركا للقبيح بأن يفعل المباح لكونه تركا للحرام ويستحق العذاب والذم بفعل القبيح اختلفوا في أنه هل يستحق المدح والثواب بالإخلال بالقبيح لكونه إخلالا به والذم والعقاب على الإخلال بالواجب فقال المتقدمون لا بل إنما يستحق المدح والثواب بفعل عند الإخلال بالقبيح هو ترك القبيح والذم والعقاب على فعل عند الإخلال بالواجب هو ترك الواجب لأن الإخلال عدمي لا يصلح علة للاستحقاق الوجودي ولأن كل أحد يخل كل لحظة بما لا يتناهى من القبايح وقال المتأخرون كأبي هاشم وأبي الحسين وعبدالجبار نعم للنصوص الصريحة في تعليل العقاب بعدم الإتيان بالواجب كقوله تعالى خذوه فغلوه إلى قوله إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين وكقوله حكاية ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ومنها أنه يجب اقتران الثواب بالتعظيم والعقاب بالإهانة للعلم الضروري باستتحقاقهما وقيل لأنه يحسن التفضل بالمنافع العظيمة ابتداء فإلزام المشاق والمضار لأجلها يكون عبثا بخلاف التعظيم فإنه لا يحسن التفضل به ابتداء من غير استحقاق كتعظيم البهائم والصبيان ومنها أنه يجب دوامهما لكونه لطفا أو يقرب المكلف إلى الطاعة ويبعده عن المعصية ولأن التفضل بالمنافع الدائمة حسن إجماعا فلا يحسن التكليف للثواب المنقطع الذي هو أدنى حالا ومنها أنه يجب خلوصهما عن الشوب لكونه أدخل في الترغيب والترهيب ولأنه واجب في العوض مع كونه أدنى حالا من(1/236)
الثواب لخلوه عن التعظيم فإن قيل ثواب أهل الجنة يشوبه شوق كل ذي مرتبة إلى ما فوقها ومشقة وجوب شكر المنعم وترك القبايح وعقاب أهل النار يشوبه ثواب ترك القبايح فيها أجيب بأن كل ذي مرتبة في الجنة يكون فرحا بما عنده لا يطلب الأعلى ويعد الشكر لذة وسرورا لا يحصى ويكون في شغل شاغل عن القبايح وذكرها والتألم بتركها وأهل النار لا يثابون لكونهم مضطرين إلى ترك القبايح ومنها اختلافهم في وقت استحقاق الثواب والعقاب فعند البصرية حالة الطاعة والمعصية وعند البغدادية في الآخرة وقيل في حال الاحترام وقيل وقت الفعل بشرط الموافاة وهو أن لا تحبط الطاعة والمعصية إلى الموت وليس لأحد تمسك يعول عليه سوى ما قيل بأن المدح والذم يثبتان حال الفعل فكذا الثواب والعقاب لكونهما من موجبات الفعل مثلهما وإنما حسن تأخير تمام الثواب إلى دار الآخرة لمانع وهو لزوم الجمع بين المتنافيين فإن من شرط الثواب الخلوص عن شوب المشاق
--------------------------------------------------------------------------------
شرح المقاصد في علم الكلام ج:2 ص:227شرح المقاصد في علم الكلام ج2/ص228(1/237)
ومن لوازم التكليف الشوب بها وتمسك الاخرون بالنصوص المقتضية لتأخير الأجزية وبلزوم الجمع بين المتنافيين كما ذكر ولا خفاء في أن ذلك لا ينافي ثبوت الاستحقاق في دارالتكليف والظاهر أن مراد الأولين ثبوت أصل الاستحقاق ومراد الآخرين وجوب الأداء وقال بعضهم الحق أن التكليف لا يجامع كل الجزاء للزوم المحال بخلاف البعض كتعظيم المؤمن ونصرته على الأعداء وكالحدود فإنه يجامع التكليف فلم يجب تأخيره قال المبحث العاشر أجمع المسلمون على خلود أهل الجنة في الجنة وخلود الكفار في النار فإن قيل القوى الجسمانية متناهية فلا تقبل خلود الحياة وأيضا الرطوبة التي هي مادة الحياة تفنى بالحرارة سيما حرارة نار الجحيم فتفضي إلى الفناء ضرورة وأيضا دوام الإحراق مع بقاء الحياة خروج عن قضية العقل قلنا هذه قواعد فلسفية غير مسلمة عند المليين ولا صحيحة عند القائلين بإسناد الحوادث إلى القادر المختار وعلى تقدير تناهي القوى وزوال الحياة يجوز أن يخلق الله البدل فيدوم الثواب والعقاب قال الله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب هذا حكم الكافر الجاهل المعاند وكذا من بالغ في الطلب والنظر واستفراغ المجهود ولم ينل المقصود خلافا للجاحظ والعنبري حيث زعما أنه معذور إذ لا يليق بحكمة الحكيم أن يعذبه مع بذل الجهد والطاقة من غير جرم وتقصير كيف وقد قال الله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا شك أن عجز المتخير أشد وهذا الفرق خرق للإجماع وترك للنصوص الواردة في هذا الباب هذا في حق الكفار عنادا واعتقادا وأما الكفار حكما كأطفال المشركين فكذلك عند الأكثرين لدخولهم في العمومات ولما روي أن خديجة رضي الله عنها سألت النبي عليه السلام عن أطفالها الذين ماتوا في الجاهلية فقال هم في النار وقالت المعتزلة ومن تبعهم لا يعذبون بل هم خدم أهل الجنة على ما ورد في الحديث(1/238)
لأن تعذيب من لا جرم له ظلم ولقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ونحو ذلك وقيل من علم الله تعالى منه الإيمان والطاعة على تقدير البلوغ ففي الجنة ومن علم منه الكفر والعصيان ففي النار واختلف أهل الإسلام فيمن ارتكب الكبيرة من المؤمنين ومات قبل التوبة فالمذهب عندنا عدم القطع بالعفو ولا بالعقاب بل
--------------------------------------------------------------------------------
شرح المقاصد في علم الكلام ج:2 ص:228
شرح المقاصد في علم الكلام ج2/ص229
كلاهما في مشيئة الله تعالى لكن على تقدير التعذيب نقطع بأنه لا يخلد في النار بل يخرج البتة لا بطريق الوجوب على الله تعالى بل بمقتضى ما سبق من الوعد وثبت بالدليل كتخليد أهل الجنة وعند المعتزلة القطع بالعذاب الدايم من غير عفو ولا إخراج من النار ويعبر عن هذا بمسئلة وعيد الفساق وعقوبة العصاة وانقطاع عذاب أهل الكبائر ونحو ذلك وليس في مسئلة الاستحقاق ووجوب العقاب غنى عن ذلك لأن التخليد أمر زايد على التعذيب ولا في مسئلة العفو لأنه بطريق الاحتمال دون القطع ولأنه شاع في ترك العقاب بالكلية وهذا قطع بالخروج بعد الدخول وما وقع في كلام البعض من أن صاحب الكبيرة عند المعتزلة ليس في الجنة ولا في النار فغلط نشأ من قولهم أن له المنزلة بين المنزلتين أي حالة غير الإيمان والكفر وأما ما ذهب إليه مقاتل بن سليمان وبعض المرجئة من أن عصاة المؤمنين لا يعذبون أصلا وإنما النار للكفار تمسكا بالآيات الدالة على اختصاص العذاب بالكفار مثل إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين فجوابه تخصيص ذلك بعذاب لا يكون على سبيل الخلود وأما تمسكهم بمثل قوله عليه السلام من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق فضعيف لأنه إنما ينفي الخلود لا الدخول لنا وجوه(1/239)
الأول وهو العمدة الآيات والأحاديث الدلالة على أن المؤمنين يدخلون الجنة البتة وليس ذلك قبل دخول النار وفاقا فتعين أن يكون بعده وهو مسئلة انقطاع العذاب أو بدونه وهو مسئلة العفو التام قال الله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون وقال النبي عليه السلام من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وقال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق
الثاني النصوص المشعرة بالخروج من النار كقوله تعالى النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وكقوله عليه السلام يخرج من النار قوم بعدما امتحشوا وصاروا فحما وحميما فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل وخبر الواحد وإن لم يكن حجة في الأصول لكن يفيد التأييد والتأكيد بتعاضد النصوص
الثالث وهو على قاعدة الاعتزال أن من واظب على الإيمان والعمل الصالح مائة سنة وصدر عنه في أثناء ذلك أو بعده جريمة واحدة كشرب جرعة من الخمر فلا يحسن من الحكيم أن يعذبه على ذلك أبد الآباد ولو لم يكن هذا ظلما فلا ظلم أو لم يستحق بهذا ذما فلا ذم
الرابع أن المعصية متناهية زمانا وهو ظاهر وقدرا لما يوجد من معصية أشد منها فجزاؤها يجب أن يكون متناهيا تحقيقا لقاعدة العدل بخلاف الكفر فإنه لا يتناهى قدرا وإن تناهى زمانه وأما
--------------------------------------------------------------------------------
شرح المقاصد في علم الكلام ج:2 ص:229
شرح المقاصد في علم الكلام ج2/ص229(1/240)
كلاهما في مشيئة الله تعالى لكن على تقدير التعذيب نقطع بأنه لا يخلد في النار بل يخرج البتة لا بطريق الوجوب على الله تعالى بل بمقتضى ما سبق من الوعد وثبت بالدليل كتخليد أهل الجنة وعند المعتزلة القطع بالعذاب الدايم من غير عفو ولا إخراج من النار ويعبر عن هذا بمسئلة وعيد الفساق وعقوبة العصاة وانقطاع عذاب أهل الكبائر ونحو ذلك وليس في مسئلة الاستحقاق ووجوب العقاب غنى عن ذلك لأن التخليد أمر زايد على التعذيب ولا في مسئلة العفو لأنه بطريق الاحتمال دون القطع ولأنه شاع في ترك العقاب بالكلية وهذا قطع بالخروج بعد الدخول وما وقع في كلام البعض من أن صاحب الكبيرة عند المعتزلة ليس في الجنة ولا في النار فغلط نشأ من قولهم أن له المنزلة بين المنزلتين أي حالة غير الإيمان والكفر وأما ما ذهب إليه مقاتل بن سليمان وبعض المرجئة من أن عصاة المؤمنين لا يعذبون أصلا وإنما النار للكفار تمسكا بالآيات الدالة على اختصاص العذاب بالكفار مثل إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين فجوابه تخصيص ذلك بعذاب لا يكون على سبيل الخلود وأما تمسكهم بمثل قوله عليه السلام من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق فضعيف لأنه إنما ينفي الخلود لا الدخول لنا وجوه
الأول وهو العمدة الآيات والأحاديث الدلالة على أن المؤمنين يدخلون الجنة البتة وليس ذلك قبل دخول النار وفاقا فتعين أن يكون بعده وهو مسئلة انقطاع العذاب أو بدونه وهو مسئلة العفو التام قال الله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون وقال النبي عليه السلام من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وقال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق(1/241)
الثاني النصوص المشعرة بالخروج من النار كقوله تعالى النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وكقوله عليه السلام يخرج من النار قوم بعدما امتحشوا وصاروا فحما وحميما فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل وخبر الواحد وإن لم يكن حجة في الأصول لكن يفيد التأييد والتأكيد بتعاضد النصوص
الثالث وهو على قاعدة الاعتزال أن من واظب على الإيمان والعمل الصالح مائة سنة وصدر عنه في أثناء ذلك أو بعده جريمة واحدة كشرب جرعة من الخمر فلا يحسن من الحكيم أن يعذبه على ذلك أبد الآباد ولو لم يكن هذا ظلما فلا ظلم أو لم يستحق بهذا ذما فلا ذم
الرابع أن المعصية متناهية زمانا وهو ظاهر وقدرا لما يوجد من معصية أشد منها فجزاؤها يجب أن يكون متناهيا تحقيقا لقاعدة العدل بخلاف الكفر فإنه لا يتناهى قدرا وإن تناهى زمانه وأما
--------------------------------------------------------------------------------
شرح المقاصد في علم الكلام ج:2 ص:229
شرح المقاصد في علم الكلام ج2/ص230
التمسك بأن الخلود في النار أشد العذاب وقد جعل جزاء لأشد الجنايات وهو الكفر فلا يصح جعله جزاء بما هو دونه كالمعاصي فربما يدفع بتفاوت مراتب العذاب في الشدة وإن تساوت في عدم الانقطاع
الخامس أنه استحق الثواب بالإيمان والطاعات عقلا عندكم ووعدا عندنا ولا يزول ذلك الاستحقاق بارتكاب الكبيرة لما سيجيء فيكون لزوم اتصال الثواب إليه بحالة وما ذاك إلا بالخروج من النار والدخول في الجنة وهو المطلوب واحتجت المعتزلة بوجوه(1/242)
الأول الآيات الدالة على الخلود المتناولة للكافر وغيره كقوله تعالى ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها وقوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وقوله وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ومثل هذا مسوق للتأييد ونفي الخروج وقوله وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وعدم الغيبة عن النار خلود فيها وقوله ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وليس المراد تعدي جميع الحدود بارتكاب الكبائر كلها تركا وإتيانا فإنه محال لما بين البعض من التضاد كاليهودية والنصرانية والمجوسية فيحمل على مورد الآية من حدود المواريث وقوله بلا من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والجواب بعد تسليم كون الصيغ للعموم أن العموم غير مراد في الآية الأولى للقطع بخروج التائب وأصحاب الصغائر وصاحب الكبيرة الغير المنصوصة إذا أتى بعدها بطاعات يربى ثوابها على عقوباته فليكن مرتكب الكبيرة من المؤمنين أيضا خارجا بما سبق من الآيات والأدلة وبالجلمة فالعام المخرج منه البعض لا يفيد القطع وفاقا ولو سلم فلا نسلم تأبيد الاستحقاق بل هو مغيا بغاية رؤية الوعيد لقوله بعده حتى إذا رأوا ما يوعدون ولو سلم فغايته الدلالة على استحقاق العذاب المؤبد لا على الوقوع كما هو المتنازع لجواز الخروج بالعفو وما يقال من أنا لا نسلم كون حتى للغاية بل هي ابتدائية ولو سلم فغاية لقوله يكونون عليه لبدا أو لمحذوف أي يكونون على ما هم عليه حتى يروا فخارج عن قانون التوجيه وكذا ما يقال أنه لما ثبت الاستحقاق المؤبد جزما وهو مختلف فيه حصل إلزام الخصم ولم يثبت العفو والخروج بالشك وعن الثانية بأن معنى متعمدا مستحلا فعله على ما ذكره ابن عباس رضي الله تعالى عنه إذ التعمد على الحقيقة إنما يكون من المستحل أو بأن التعليق بالوصف يشعر بالحيثية فيخص بمن قتل(1/243)
المؤمن لإيمانه أو بأن الخلود وإن كان ظاهرا في الدوام والمراد ههنا المكث الطويل جمعا بين الأدلة لا يقال الخلود حقيقة في التأبيد لتبادر الفهم إليه ولقوله تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ولأنه يؤكد بلفظ التأبيد مثل خالدين فيها أبدا وتأكيد الشيء تقوية لمدلوله ولأن العمومات المقرونة بالخلود متناولة للكفار والمراد في حقهم التأبيد وفاقا فكذا في حق الفساق لئلا يلزم إرادة معنيي المشترك أو المعنى الحقيقي والمجازي
--------------------------------------------------------------------------------
شرح المقاصد في علم الكلام ج:2 ص:230
شرح المقاصد في علم الكلام ج2/ص231(1/244)
معا لأنا نقول لا كلام في أن المتبادر إلى الفهم عند الإطلاق والشايع في الاستعمال هو الدوام لكن قد يستعمل في المكث الطويل المنقطع كسجن مخلد ووقف مخلد فيكون محتملا على أن في جعله لمطلق المكث الطويل نفيا للمجاز والاشتراك فيكون أولى ثم أن المكث الطويل سواء جعل معنى حقيقيا أو مجازيا أعم من أيكون مع دوام كما في حق الكفار أو انقطاع كما في حق الفساق فلا محذور في إرادتهم جميعا وح فلا نسلم أن التأبيد تأكيد بل تقييد ولو سلم فالمراد به تأكيد لطول المكث إذ قد يقال حبس مؤبد ووقف مؤبد وعن الثالثة بأنها في حق الكافرين المنكرين للحشر بقرينة قوله ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون مع ما في دلالتها على الخلود من المناقشة الظاهرة لجواز أن يخرجوا عند عدم إرادتهم الخروج بالبأس أو الذهول أو نحو ذلك وعن الرابعة بعد تسليم إفادتها النفي عن كل فرد ودلالتها على دوام عدم الغيبة إنما يخص بالكفار جمعا بين الأدلة وكذا الخامسة والسادسة حملا للحدود على حدود الإسلام ولإحاطة الخطيئة على غلبتها بحيث لا يبقى معها الإيمان هذا مع ما في الخلود من الاحتمال الثاني أن الفاسق لو دخل الجنة لكان باستحقاق لامتناع دخول غير المستحق كالكافر واللازم منتف لبطلان الاستحقاق بالإحباط أو الموازنة على ما سيجيء ورد بمنع المقدمتين بل إنما يدخل بفضل الله ورحمته ووعده ومغفرته وسنتكلم على الإحباط والموازنة
الثالث لو انقطع عذاب الفاسق لانقطع عذاب الكافر قياسا عليه بجامع تناهي المعصية ورد بمنع غلبة التناهي ومنع تناهي الكفر قدرا ومنع اعتبار القياس في مقابلة النص والإجماع وفي الاعتقادات(1/245)
الرابع أن الوعيد بالعقاب الدائم لطف بالعباد لكونه أزجر عن المعاصي فإن منهم من لا يكترث بالعذاب المنقطع عند الميل إلى المستلذات ثم لا بد من تحقيق الوعيد تصديقا للخبر وصونا للقول عن التبديل ورد بمنع وجوب اللطف ومنع انحصاره في الدوام فإن من لا يكترث باللبث في الجحيم أحقابا قلما يستكثر الخلود فيها عقابا وإذ قد كان كل وعيد لطفا ولا شيء من الوعيد يطلق للكل فليكن لطف الخلود في النار مختصا بالكفار وكفى بوعيد النيران بل وعد الجنان لطفا ومزجرة لأهل الإيمان ولو وجب ما هو الغاية في اللطف والزجر لما صح الاكتفاء بوعيد الخلود في النار لإمكان المزيد قال المبحث الحادي عشر لا خلاف في أن من آمن بعد الكفر والمعاصي فهو من أهل الجنة بمنزلة من لا معصية له ومن كفر نعوذ بالله بعد الإيمان والعمل الصالح فهو من أهل النار بمنزلة من لا حسنة له وإنما الكلام فيمن آمن
--------------------------------------------------------------------------------
شرح المقاصد في علم الكلام ج:2 ص:231
. وعمل صالحا وآخر سيئا واستمر على الطاعات والكباير كما يشاهد من الناس فعندنا مآله إلى الجنة ولو بعد النار واستحقاقه للثواب والعقاب بمقتضى الوعد والوعيد ثابت من غير حبوط.(1/246)
والمشهور من مذهب المعتزلة أنه من أهل الخلود في النار إذا مات قبل التوبة فأشكل عليهم الأمر في إيمانه وطاعته وما ثبت من استحقاقاته أين طارت وكيف زالت فقالوا بحبوط الطاعات ومالوا إلى أن السيئات يذهبن الحسنات حتى ذهب الجمهور منهم إلى أن الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات وفساده ظاهر أما سمعا فللنصوص الدالة على أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وأما عقلا فللقطع بأنه لا يحسن من الحكيم الكريم إبطال ثواب إيمان العبد ومواظبته على الطاعات طول العمر يتناول لقمة من الربا وجرعة من الخمر بمنزلة من خدم كريما مائة سنة حق الخدمة ثم بدت منه مخالفة أمر من أوامره فهل يحسن رفض حقوق تلك الخدمات ونقض ما عهد ووعد من الحسنات وتعذيبه عذاب من واظب مدة الحياة على المخالفة والمعاداة.
وأيضا استحقاق الثواب على الطاعة عندهم إنما هو لكونها حسنة وامتثالا لأمر الباري وهذا متحقق مع الكبيرة فيتحقق أثره وأيضا لو كانت الكبيرة محبطة لثواب الطاعة لكانت منافية لصحتها بمنزلة الردة قالوا استحقاق الثواب والعقاب متنافيان لا يجتمعان لأن الثواب منفعة خالصة دائمة مع التعظيم والعقاب مضرة خالصة دائمة مع الإهانة قلنا لا نسلم لزوم قيد الخلوص والدوام سيما في جانب العقاب وح لا يتنافي الثواب والعقاب بأن يعاقب حينا ثم يثاب ولو سلم فلا يلزم تنافي الاستحقاقين بأن يستحق المنفعة الدائمة من جهة الطاعة والمضرة الدائمة من جهة المعصية ولو سلم فليس إبطال الحسنة بالسيئة أولى من العكس كيف وقد قال الله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (1) وحكم بأن السيئة لا تجزى إلا بمثلها والحسنة تجزى بعشر أمثالها إلى سبعمائة وأكثر
__________
(1) سورة هود ، الآية114.(1/247)
قالوا: الإحباط مصرح في التنزيل كقوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} (1) {أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} (2) و {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} (3) قلنا لا بالمعنى الذي قصدتم بل بمعنى أن من عمل عملا صالحا استحق به الذم وكان يمكنه أن يعمله على وجه يستحق به المدح والثواب يقال أنه أحبط عمله كالصدقة مع المن والأذى وبدونهما .
وأما إحباط الطاعات بالكفر بمعنى أنه لا يثاب عليها البتة فليس من المتنازع في شيء وحين تنبه أبو علي وأبو هاشم لفساد هذا الرأي رجعا عن التمادي بعض الرجوع فقالا إن المعاصي إنما تحبط بالطاعات إذا أذنب عليها وإن إذنب الطاعات أحبطت المعاصي ثم ليس النظر إلى أعداد الطاعات والمعاصي بل إلى مقادير الأوزار والأجور فرب كبيرة يغلب وزرها أجور طاعات كثيرة ولا سبيل إلى ضبط ذلك بل هو مفوض إلى علم الله ثم افترقا فزعم أبو علي أن الأقل يسقط ولا يسقط من الأكثر شيئا وسقوط الأقل يكون عقابا إذا كان الساقط ثوابا وثوابا إذا كان الساقط عقابا (4) .
__________
(1) سورة الحجرات ، الآية2.
(2) سورة التوبة ، الآية17.
(3) سورة البقرة ، الآية264.
(4) انظر : شرح المقاصد 2/326- 232.(1/248)
باب3 ، [التعرف لمذهب أهل التصوف ج1/ص52] : قولهم في الوعد والوعيد والوعد المطلق في المؤمنين والمحسنين أجمعوا أن الوعيد المطلق في الكفار والمنافقين والوعد المطلق في المؤمنين المحسنين وأوجب بعضهم غفران الصغائر باجتناب الكبائر بقوله: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} (1) وجعلها بعضهم كالكبائر في جواز العقوبة عليها لقوله تعالى: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} (2) وقالوا معنى قوله: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} (3) هو الشرك والكفر وهو أنواع كثيرة فجاز أن يطلق عليها اسم الجمع وفيه وجه آخر وهو أن الخطاب خرج على الجمع فكانت كبيرة كل واحد منهم عند الجمع كبائر [التعرف لمذهب أهل التصوف ج1/ص53] وجوزوا غفران الكبائر بالمشيئة والشفاعة وأوجبوا الخروج من النار لأهل الصلاة لا محالة بإيمانهم قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (4) فجعل المشيئة شرطا فيما دون الشرك وجملة قولهم إن المؤمن بين الخوف والرجاء يرجو فضل الله في غفران الكبائر ويخاف عدله في العقوبة على الصغائر لأن المغفرة مضمون المشيئة ولم يأت مع المشيئة شرط كبيرة ولا صغيرة . ومن شدد وغلظ في شرائط التوبة وارتكاب الصغائر فليس ذلك منهم على إيجاب الوعيد بل ذلك على تعظيم الذنب في وجوب حق الله في الانتهاء عما نهى عنه ولم يجعلوا في الذنوب صغيرة إلا عند نسبة بعضها إلى بعض فطالبوا النفوس بإيفاء حق الله تعالى والانتهاء عما نهى الله عنه والوفاء بما أمر به الله ورؤية التقصير في شرائط العمل .
__________
(1) سورة النساء ، الآية31
(2) سورة البقرة ، الآية284.
(3) سورة النساء ، الآية31.
(4) سورة النساء ، الآية48.(1/249)
وهم مع ذلك كله ارجى الناس للناس وأشدهم خوفا على أنفسهم حتى كان الوعيد لم يرد إلا فيهم والوعد لم يكن إلا لغيرهم . قيل للفضيل عشية عرفة كيف ترى حال الناس . قال مغفورون لولا مكاني فيهم . وقال السرى السقطي إني لأنظر في المرآة كل يوم مرار مخافة أن يكون قد اسود وجهي . وقال لا أحب أن أموت حيث أعرف مخافة أن لا تقبلني الأرض فأكون فضيحة [التعرف لمذهب أهل التصوف ج1/ص54] وهم أحسن الناس ظنونا بربهم قال يحيى من لم يحسن بالله ظنه لم تقر بالله عينه وهم أسوأ الناس ظنونا بأنفسهم وأشدهم إزراء بها لا يرونها أهلا لشئ من الخير دينا ولا دنيا والجملة أن الله تعالى قال: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} (1) الآية أخبر أن المؤمن له عملان صالح وسيء فالصالح له والسيء عله وقد وعد الله تعالى على ما له ثوابا وأوعد على ما عليه عقابا والوعيد حق الله تعالى من العباد والوعد حق العباد على الله فيما أوجبه على نفسه فإن استوفى منهم حق نفسه ولم يوفهم حقهم لم يكن ذلك لائقا بفضله مع غناه عنهم وفقرهم اليه بل الاليق بفضله والاحرى بكرمه أن يوفيهم حقوقهم ويزيدهم من فضله ويهب منهم حق نفسه وبذلك أخبر عن نفسه فقال: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } (2) وفي قوله: {مِن لَّدُنْهُ} أنه تفضل وليس بجزاء .
__________
(1) سورة التوبة ، الآية102.
(2) سورة النساء ، الآية40.(1/250)
باب3 ، [الفصل في الملل ج4/ص38]وقال أهل السنة والحسين النجار وأصحابه وبشر ابن غياث المريسي وأبو بكر بن عبد الرحمن ابن كيسان الأصم البصري وغيلان ابن مروان الدمشقي القدري ومحمد بن شبيب ويونس بن عمران وأبو العباس الناشي والأشعري وأصحابه ومحمد بن كرام وأصحابه أن الكفار مخلدون في النار وأن المؤمنين كلهم في الجنة وإن كانوا أصحاب كبائر ماتوا مصرين عليها وأنهم طائفتان طائفة يدخلون النار ثم يخرجون منها أي من النار إلى الجنة وطائفة لا تدخل النار إلا أن كل من ذكرنا قالوا لله عز وجل أن يعذب من شاء من المؤمنين أصحاب الكبائر بالنار ثم يدخلهم الجنة وله أن يغفر لهم ويدخلهم الجنة بدون أن يعذبهم ثم افترقوا فقالت طائفة منهم وهو محمد بن شبيب ويونس والناشي أن عذب الله تعالى واحدا من أصحاب الكبائر عذب جميعهم ولا بد ثم أدخلهم الجنة وأن عفر لواحد منهم غفر لجميعهم ولا بد وقالت طائفة بل يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء وإن كانت ذنوبهم كثيرة مستوية وقد يغفر لمن هو أعظم جرما ويعذب من هو أقل جرما وقال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم يغفر لمن يشاء من أصحاب الكبائر ويعذب من يشاء منهم إلا القاتل عندا فإنه مخلد في النار أبدا وقالت طائفة منهم من لقي الله عز وجل مسلما نائبا من كل كبيرة أو لم يكن عمل كبيرة قط فسيئآته كلها مغفورة وهو من أهل الجنة لا يدخل النار ولو بلغت سيئاته ما شاء الله أن تبلغ ومن لقي الله عز وجل وله كبيرة لم يتب منها فأكثر فالحكم في ذلك الموازنة فمن فمن رجحت حسناته على كبائره وسيئاته فإن كبائره كلها تسقط وهو من أهل الجنة لا يدخل النار وإن استوت حسناته مع كبائره وسيئآته فهؤلاء أهل الأعراف ولهم وقفة ولا يدخلون النار ثم يدخلون الجنة ومن رجحت كبائره وسيئاته بحسناته فهؤلاء مجازون بقدر ما رجح لهم من الذنوب فمن لفحة واحدة إلى بقاء خمسين ألف سنة في النار ثم يخرجون منها إلى الجنة بشفاعة رسول الله(صلى(1/251)
الله عليه وسلم)وبرحمة الله تعالى وكل من ذكرنا يجازون في الجنة بعد بما فضل لهم من الحسنات وأما من يفضل له حسنة من أهل الأعراف فمن دونهم وكل من خرج النار بالشفاعة وبرحمة الله تعالى فهم كلهم سواء في الجنة ممن رجحت له حسنة فصاعدا .
الحكمة من الوعد والوعيد ، [التوحيد – الماتريدي ج1/ص177] ، ثم من أنكر الأمر والنهى والوعد والوعيد لم يحصل لإنشاء حكمة وإنما حصل منه على الإنشاء ثم الإفناء ثم معلوم أن كل من ذلك عاقبة فعله ليس بحكيم فدلت حكمة صانع العالم بما جعل فيه من الأدلة على وحدانيته وعظيم سلطانه على أنه حكيم والله الموفق . مع ما كان الله سبحانه إذ هو غنى بذاته حكيم في فعله خلق الخلق للبقاء إلى قدرة جعلها لهم ثم لم يجعل البقاء إلا بالأغذية وقد حبب إليهم البقاء ودوام الحياة فلو لم يجعل عليهم الأمر والنهى لبادر كل إلى ما يطمع فيه من البقاء ودوام الحياة مع ما له فيه من اللذة والشهوة ثم يفعل أقرانه بذلك الشيء نحو فعله فيحدث بينهم التنازع والتجاذب ويحملهم ذلك على التدافع وفي ذلك خوف الفناء بما به جعل البقاء فلزم جعل الحرمات والحل والأمر والنهى بما فيه من الوعد والوعيد ليعلم كل ما له مما ليس له فيسلم من كل عداوة وتبقى له روحه ومن أنكر الأمر والنهى والمحنة ذهب إلى معنى المحنة في الشاهد إنما هو لظهور ما خفى وتجلى ما استتر والأمر والنهى لمنفعه ينالها الآمر والناهي أو مكروه يدفعه فإذا كان الله غنيا بذاته عليما بالسرائر والخفيات ذهب معنى المحنة والأمر والنهى .(1/252)
قال الفقيه رحمه الله نقول وبالله التوفيق إن كان أمره ونهيه ومحنته على ما يذكر فإن فعله لذلك لمكروه يدفع أو محبوب يجلب أو عيب عنه يتخلى والله سبحانه أنشأ العالم لا للذي يذكر فمثله الأمر والنهى والمحنة مع ما كان ذلك التقدير إنما هو فعل المحتاجين مما يعلو درجاتهم وتجل أقدارهم ولو فعلوا غير ذلك كان عليهم في فعل ذلك ضرر عاجل وشر آجل فأما من هو حكيم بذاته غنى فهو لا يفعل لنفع ولا لدفع الضرر فمثله الأمر والنهى مع ما [التوحيد - الماتريدي ج1/ص178] بينا من إختلاف الممتحنين في الغنا والحكمة لم يجز تقدير أحدهما بالآخر ولا يحتمل حكيم يفعل الشر لحكمه الربوبية فتكلفه الذي ذكر خطأ وبعد فإنه إذ جعل الخلق قسمين ضارا ونافعا وجعل كل جوهر محتملا للألم واللذة لم يحتمل أن يجعلهم كذلك إلا لعواقب يحذرهم بها ويرغبهم فيها من الوعيد بالشدائد والوعد بالملاذ وبذلك تتم الرغبة والرهبة والله الموفق وبعد فإذ خلق الخلق وجعل البعض منافعا لبعض وإن لم يكن له في ذلك نفع لغناه وكذلك المضار فمثله يأمر وينهى بمنافع بعض ببعض وإتقاء المضار مع ما يأمر بما ينفعهم كما خلقهم وجعل لهم ذلك وينهى عما يضرهم والله الموفق وأيضا إن في الحكمة الأمر والنهى إن الله خلق البشر في أحسن تقويم وسخر لهم جميع ما على وجه الأرض وبركاتها وبركات السماء من غير أن سبق منهم ما خرج ذلك مخرج المكافأة أو مخرج حق قضاه فلا يجوز في العقل إسداء مثل هذه النعم إلى ما لا يعرفها لما فيه تضييع وظلم النعم فلزمهم به معرفة المنعم ليعلموا من يستحق المحبة ويستوجب الشكر وفي ذلك لزوم المحنة ووصل بذلك الوعد والوعيد ليتم الرغبة والرهبة وبالله التوفيق وبعد فإنه قد حسن في العقول الصدق والعدل وقبح فيها الجور والكذب فجعل الفريق الأول عظيما في القلوب كريما والثاني حقيرا مهينا فيصير العقول آمرة بكسب ما يعلى شرف من رزق منها وناهية عما فيه هو أن صاحبها فيجب الأمر والنهى(1/253)
بضرورة العقل ثم الثواب ليتم الكرامة لمن اختار سبلها والقيام بوفائها والعقاب لمن آثر هواه على إشارة العقل [التوحيد - الماتريدي ج1/ص227] فلو جاز صرف مثله مما طريق العلم به الحس وإبطاله نحو العلم لجميع العالم مثله وذلك مهجور فمثله قول أهل الجبر وهذا قول يغنى الحكاية عن الإطناب فيه لما ليس له كثير اتباع ولما ليس لهذا القول معنى تكلم عليه صاحبه إذ هو ينفى عن نفسه حقيقة كل قول وفعل وإذا انتفى بطل القول وبه يناظر ويحاج فزال الذي به يكون الحجاج واضمحل ومن الناس من عارضهم عند ظنهم وقوع التشابه بالعلم والوجود والكون وغير ذلك وذلك لازم لو كان ثمة عقل يحتمل الإدراك ولكنهم قوم أنكروا علم الضروريات وما هو في حد العيان فلا معنى لمناظرتهم ولا قوة إلا بالله . ومنهم من حقق الأفعال للخلق ونفى عنهم التدبير فيها وأزال عنهم قدرة خلقها وصير مشيئتهم فيها كبعض ما تتمنى به الأنفس أن يكون حقائق الأشياء خارجة منها واحتجوا في ذلك بالأمر والنهى ثم الوعد والوعيد ومحال رجوع مثله إلى ما للآمر والناهي حقيقته أو عليه وعنده وله وعده على ما ذكرنا وتلوا ذلك آيات الأمر والنهى وذكر العقل ثم آيات الجزاء وهي بينه بحمد الله لمن قرأ القرآن ثم هو قد سوعد على ذلك بما بينا في فساد قول المجبرة وقالوا في الإضافة إلى الله إنها تخرج على وجهين سوى حقيقة الفعل أحدهما بالسبب الذي كان منهم الأفعال مع الأمر بالخيرات والتخلية في الشرور وقد تضاف الأفعال إلى من له الأسباب وإن لم يكن حقيقتها له ولا قوة إلا بالله والثاني أن الأضافة إليه عند المحنة بما له بها حال التصديق والتكذيب كما أضيف إلى القرآن زادهم إيمانا ورجسا وإلى الدعاء أنه زادهم نفورا وإلى القوم أن أنسوهم ذكر الله وإلى الأصنام أن أهلكن كثيرا من الناس بما عبدوا كانت أفعال .(1/254)
باب3 ، حكمة الوعد والوعيد ، [التوحيد - الماتريدي ج1/ص100]ثم القول بالأمر والنهى والترغيب والترهيب مع ما يقدم منه الكافي من ذلك الذي ذكره الحسين أن الله خلق خلقا مذللا بالتأديب عارفا بالنفع والضر مستدلا بالذي شهد من الحجة على الذي غاب لم يجز أن لا يفرض المعرفة ولا يحضر عليه الجهل فيكون فيه إباحة الكذب وكل ذميم مع ما كان لمن خلقه نعم عليه في الخلقة وشكر النعمة لازم في العقل فاستاده ثم الوعد والوعيد في الترغيب بتعظيمه والترحيب عن الإستخفاف به ثم إذ كرمه بفنون كل الكرم فعلى ذلك ثوابه لا أمد له وإذ كان الكفر غاية في العصيان فكذلك عقوبته وأيضا أن الإيمان تصديق بما لا نهاية له ولا نفاذ والكفر تكذيب بما لا نهاية له ولا نفاذ فعلى ذلك جزاؤهما ولهذا يجوز العفو عما دون الكفر لأنه ليس بجحد لما لا نهاية له ولا قوة إلا بالله قال أبو منصور رحمه الله ودليل الأمر عندنا والنهى معرفة الآمر والناهي إذ خص الله البشر من بين البهائم في تعرف ذلك لم يحتمل إهمالهم عن ذلك كما لا يحتمل شيء مما فيه النفع إهماله عنه وبما في العقل حسن كل حسن وقبح كل قبيح ثم في الفعل يقبح فعل القبيح ويحسن فعل الحسن فلزم الأمر والنهى لما كان ما به الأمر والنهى ولأن الله خلق خلقا يدل على وحدانيته وحكمته فلم يجز إخلاء الخلق عن معرفة ذلك فيصير خلقه عبثا ولما في رفع الكلفة زوال الخلقة إذ حصلت للفناء وكل بان شيئا للنقض لا غير فهو عابث غير حكيم ثم الوعد والوعيد للترغيب والترهيب إذ لولا ذلك يذهب نفع الإئتمار وضرر العصيان ولم يكن لمن خلق في فعلهم نفع فإذا لم يكن للمؤتمر نفع ولا للعاصي ضرر يبطل معنى الأمر والنهى إذ ليس لنفع الآمر والناهي فلذلك لزم الوعد والوعيد في الحكمة مع ما في الأمر والنهى [التوحيد - الماتريدي ج1/ص101]مجاهدة النفس وحملها على ما يكرهه الطبع والذي يكرهه تنفر عنه النفس فلا يجد الممتحن على قهره وصرفه إلى ما يريده(1/255)
ويؤمر به سبيلا إلا إحضار الوعد والوعيد حتى إذا رأى ذلك سهل عليه ترك الملاذ وهان عليه تحمل المؤن العظام . وبعد فإن البشر خلق خلقا قبح عليه فعل الذي لا يقصده به نفع العواقب أو لاتتقي به ضرر العواقب فلا بد أن يجعل لأعماله ذلك وذلك حق الوعد والوعيد ولولا ذلك لكان يستوى عواقب العدو والولي وعلى ما تفاوتا هما بحيث الإختيار والإيثار يجب تفاوت عواقبهما وبالله التوفيق . وقد أمكن أن نجعل الثواب كله فضلا إذ قد سبق من الله من النعم ما استحق الشكر عليه بعامة ما احتمل الوسع فيكون الثواب فضلا من الله ثم كذلك المضاعفة في ذلك كقوله تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} (1) فذكر في السيئة ما توجبه الحكمة من الجزاء وضاعف في الثواب على ما تحتمله الأفضال إذ ذلك أصله ولا قوة إلا بالله . فهذا فيما احتمله عقولنا مما يلزم الأمر والنهى ومع ما كان فيما جاء بهما الرسل عن الله دليل كاف يلزم القول بعظم الحكمة لهما لو قصرت عقولنا عن الوقوف على ذلك مع ما في العقل إذا ترك استعماله كسائر الجوارح لم يحتمل تعطيلها عن المنافع التي هي سببها فمثله العقل مع ما كان الذي ذكرت في سائر الجوارح هو حق الفعل أيضاً وإشارته ولا قوة إلا بالله .
__________
(1) سورة الأنعام ، الآية160.(1/256)
باب3 ، حكمة الوعد والوعيد ، [التوحيد - الماتريدي ج1/ص175]، ووضع كل شيء موضعه وأن الله تعالى إذ لم يخلق لحاجات نفسه وإنما خلق بذاته إنه خالق ليكون الخلق الذي ركب فيهم العقول وجعلهم أهل المعرفة بالنعم والبلايا يمتحنون بوضع كل شيء موضعه والقيام بالشكر لما أنعم عليهم بأن جعل لهم جميع الخلائق على اختلاف جواهرهم أدله وعبرا ومحنة وإبتلاء بمعاداه جواهر وموالاة أخرى وليعرفوا كيفية الإتقاء ووجه الحذر وما فيه الرعب ووجوه المبادرة في ذلك للعواقب المحمودة في العقول وإبقاء لمكروهة فيها بما عاينوا من مختلف الجواهر والأحوال في حق الترغيب والترحيب ليكون الوعد والوعيد مقدرا عن الحس والعيان إذ ذلك طريق المعارف وبه يوصل إلى درك النهايات ولا قوة إلا بالله . ولو جاز إنكار الشيء لا من شيء بما لا يتصور في الوهم لجاز لكل مؤوف الحاسة إنكار ما يدرك بها إذ هو غير مدرك إنكار كل غائب لم يبلغه الحاسة وفي ذلك نفض المجوسية وغيرهم إذ هم جميعا اتبعوا أوائلهم ثم التصور في الوهم تقديره مما تقع عليه الحاسة إذا ارتفعت فتصور حال وقوع الحاسة في وهمه أو يقدر مثله في الوهم ثم الله سبحانه لم يعرف من طريق الحواس ولا له مثال في المعروف بطل التقدير به ثم الأصل أن التصور في الوهم هو علم الحس أو في علم الحس دليل لزوم العلم بما لم يحس ولأن يعرف إذ كل ذي حس جاهل بمائية الحس وكيفيته فلزم ذلك في كل حس هو كذلك [التوحيد - الماتريدي ج1/ص176] فيجب كون الحواس بمن يعرف حقائقها وينشئها على ما يرى أهل الحواس أن الذي أنشأها لا يحتمل إدراكه بالحواس إذ كل ذي حاسة جاهل بما عليه أحواله وعاجز عن إحتمال وسعه ما فسد منه فأوجب ذا أن وراء هذا عليم حكيم لا يحتمل ما احتمل المحسوس إذ لو جاز واحتمل لم يحتمل كون المحسوس به كما لم يحتمل بأمثالنا وبالله العصمة والنجاة .(1/257)
ومن العجب أن المعتزلة يفتخرون بأنهم أهل التوحيد و العدل وهم فى توحيدهم نفوا الصفات نفيا يستلزم التعطيل والإشراك وأما العدل الذي وصف الله به نفسه فهو أن لا يظلم مثقال ذرة وأنه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وهم يجعلون جميع حسنات العبد وإيمانه حابطا بذنب واحد من الكبائر وهذا من الظلم الذي نزه الله نفسه عنه فكان وصف الرب سبحانه بالعدل الذي وصف به نفسه أولى من جعل العدل هو التكذيب بقدر الله .
باب3، [أعلام النبوة ج1/ص51] ، والثاني أنه لا مدخل للعقول فيما تأتي به الرسل من الوعد والوعيد والجنة والنار وما يشرعونه من أوصاف التعبد الباعث على التأله فلم يغن عن بعثة الرسل .
،(1/258)
نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول . ولم يقل والخلف عند رسول الله مأمول وفي الصحيح من حديث جماعة من الصحابة ابن عباس والخدري وأبي ذر وأبي رزين العقيلي لكن حديثه عند أحمد ولقيط بن صبرة وحديثه عند الطبراني وعبد الله بن أحمد وله مسندان مسند ومرسل ورجال المسند ثقات ذكره الهيثمي في باب جامع في البعث وعن سلمان عند البزار برجال مختلف في بعضهم ذكر في باب حسن الظن بالله تعالى من مجمع الزوائد أن الله تعالى يقول الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد والسيئة بمثلها أو أعفو ويشهد لذلك حديث معاذ الذي فيه دعهم يعملوا وعن علي عليه السلام نحوه في فضل قتال الخوارج ومثل حديث إبراهيم الخليل عليه السلام في التعرض يوم القيامة للشفاعة لأبيه آزر وقول النبي(صلى الله عليه وسلم)وقد سئل عن أمه أن ربي وعدني مقاما محمودا وأمثال ذلك مما قد جمع في غير هذا الموضع ، ويشهد له من كتاب الله تعالى قول الخليل: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (1) وقول عيسى عليه السلام: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (2) لكن عارض هذه الادلة قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (3) وقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} (4)
__________
(1) سورة إبراهيم ، الآية36.
(2) سورة المائدة ، الآية118.
(3) سورة ق ، الآية29.
(4) سورة الأنعام ، الآية115..(1/259)
ولله تعالى من كل حسن أحسنه فلما كان العفو بعد الوعيد حسنا كان العفو قبل الوعيد القاطع أحسن كان الاحسن أولى بالله تعالى من الحسن لكنا نقول أن الله تعالى قد اشترط عدم العفو في الوعيد في آيات كثيرة وفي أخبار كثيرة والشرط الواحد في آية واحدة وحديث واحد كاف في الخروج من ذلك مثاله قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (1) وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ} (2) والأحاديث المتقدمة وكلام الخليل والمسيح عليهما السلام .
__________
(1) سورة النساء ، الآية48.
(2) سورة الأنعام ، الآية128.(1/260)
باب3، [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص227] وللاحاديث المخصصة للعمومات المتواترة عند أهل الحديث ولأن الأنبياء والمؤمنين شفعاؤهم لا خصماؤهم وأما قصة قوم يونس فتأتي في مسألة الوعيد . فان قيل إنما يحسن الخلف في الوعيد منا للجهل بالغيب مع نية الصدق فاما عالم الغيب فلو أخلف لم يصح ارادة الصدق عند الوعيد لعلمه بالعاقبة فلو أخلف كان كذبا قبيحا وهذا السؤال قوي إلا أن قوة التباسه بالانشاء هو الذي غرهم فالأولى ترك تجويز ذلك ولسنا نحتاج في هذه المسألة إلى تجويزه لا سيما وهذا الكتاب مبني على الأسلم والأحوط فقس ذلك على هذه القاعدة ولا تعدها فمن نهج السلامة نال السلامة وكثيرا ما يلتبس التخصيص بالخلف على من بعد عن تأمل السمع فأفرق بينهما فهو واضح والكلام في هذه المسألة طويل وموضعه مسألة الوعد والوعيد وهو يأتي في آخر هذا المختصر إن شاء الله تعالى ومع ما قدمته من وقوع الشرط في الوعيد لا يحتاج إلى هذا ولا يمكن تقبيح العفو من أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين عن أحد من الموحدين والحمد لله رب العالمين لكنه لا سبيل إلى الأمان لأنه وسيلة إلى الفساد والطغيان والله أحكم من أن يؤمن المفسدين من تبوء الجزاء في الآخرة كما لم يسمح لهم الحدود في الدنيا بل أوجب قطع يد السارق في ربع الدينار لحفظ الأموال ومصلحة الخلق في ذلك وهو الحكيم العليم الحميد المجيد الفعال لما يريد وبهذا السؤال وجوابه تعلم سبب الخلاف في دوام العذاب فمن توهمه من المرجوحات الضرورية في عقول العقلاء وحكمة الحكماء رجح الخصوص الذي هو قوله تعالى: {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} (1)
__________
(1) سورة هود ، الآية107..(1/261)
على عمومات الوعيد بالخلود ومن ذهب إلى أنه من المرجوحات الظنية المستندة إلى مجرد الاستبعاد رجح العمومات وعضدها بتقرير أكثر السلف لها على ما تكرر أن ما لم يتأولوه فتأويله بدعة ولما كان تأويلهم لذلك في حق المسلمين متواترا عنهم وأدلته متواترة عند البعض صحيحة شهيرة عند الجميع كان هو المنصور وسيأتي في موضعه الوجه في أنه أحوط الأقوال والله سبحانه أعلم .(1/262)
باب3، [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص346 ]. المسألة السابعة في الوعد والوعيد والاسماء الدينية وليس في هذه المسألة تكفير ولا تفسيق باتفاق الفريقين فيما علمت إلا ما يأتي ذكره في إحدى صورتين لا يقع فيهما أحد من أهل العلم والخير وهما التكذيب بعد التواتر وتجويز الخلف على الله تعالى في الوعد بالخير لأن الفريقين متفقون على وجوب صدق الله تعالى وإنما اختلفوا عند تعارض بعض السمع في كيفية الجمع بين المتعارضات والترجيح لبعضها على بعض فيما يصح فيه الترجيح أو الوقف عند عدم التمكن من الجمع والترجيح وقد صح بعض الاختلاف بين الملائكة عليهم السلام كما دل عليه قوله تعالى: {مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } (1)
__________
(1) سورة ص ، الآية69..(1/263)
كما تقدم شواهده في مسألة اثبات الحكمة وورد في الحديث الصحيح اختلاف الملائكة في هذه المسألة بعينها وذلك حيث اختلفوا في حكم النادم المهاجر بعد قتل مائة نفس حتى جاءهم ملك فحكم بينهم فكانت الاصابة لملائكة الرحمة ولله الحمد والمنة والحديث طويل رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري ولا يصح تأثيم أحد منهم بالاجماع لأن الذين أرادوا عذابه إنما اشتد غضبهم لله تعالى والذين أرادوا نجاته إنما رجوا له سعة رحمة الله تعالى فكذلك علماء الاسلام في هذه المسألة إنما خاف بعضهم من مفاسد الامان وخاف بعضهم من مفاسد القنوط ومن مفسدة تكذيب البشرى ومفسدة ثقة الانسان بنفسه وحوله وقوته وعلمه ونحو ذلك ومن نظر بعين التحقيق وجد القول الحق الوارد في السنة خاليا من جميع هذه المفاسد [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص347] ولا شك أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله مبين لكتاب الله عز وجل أمين على تأويله وأن المرجع في بيان كتاب الله تعالى إلى السنة الصحيحة فليس في كتاب الله تعالى من تفاصيل الصلاة والزكاة والصوم والحج وأمثالها إلا اليسير ولا شك أن الاستثناء من الوعد والوعيد وتخصيص العمومات بالأدلة المتصلة والمنفصلة مقبول إما على جهة الجمع ولا شك في جوازه وصحته وحسنه والاجماع على ذلك وكثرة وقوعه من سلف الامة وخلفها بل لا شك في تقديمه في الرتبة والبداية بذلك قبل الترجيح فان تعذر الجمع فالترجيح فان وضح عمل به وإن لم يتضح وجب الوقف لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (1)
__________
(1) سورة الإسراء ، الآية36..(1/264)
ولذلك اخترت الوقف في حكم قاتل المؤمن بعد الانتصاف منه للمظلوم والقطع على أنه فاسق ملعون واجب قتله والبراءة منه والقطع أن جزاءه جهنم خالدا فيها كما قال الله تعالى على ما أراد وإنما وقفت في محل التعارض الذي أوضحته في العواصم لا على حسب ما قيل في أن الله تعالى في هذه الآية هل بين جزاءه الذي له أن يفعله إن شاء أو بين جزاءه الذي تخير له في تنجيزه حين لم يبق إلا حقه بعد استيفاء حق المظلوم المقتول والله سبحانه أعلم . فمن رجح الجمع بين وعيد القاتل وبين قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (1) وسائر آيات الرجاء وأحاديثه قال بالاول ومن رجح وعيد القاتل في هذه الآية وفي الاحاديث المخصصة لقتل المؤمن بقطع الرجاء كما أوضحته في العواصم رجح وعيد القاتل ومن تعارضت عليه ولم ير في تنجيز الاعتقاد مصلحة ولا له موجبا ولا اليه ضرورة رجح الوقف والله عند لسان كل قائل ونيته . ولا شك في ترجيح النص الخاص على العموم وتقديمه وعليه عمل علماء الاسلام في أدلة الشريعة ومن لم يقدمه في بعض المواضع لم يمكنه الوفاء بذلك في كل موضع واضطر إلى التحكم والتلون من غير حجة بينة وقد أجمع من يعتد به من المسلمين على تخصيص الصغائر من آيات الوعيد العامة على جميع المعاصي متى كان أهل الصغائر من المسلمين ولم يلزم من ذلك خلف في آيات الوعيد ولا كذب ولا تكذيب لشيء منها فكذلك [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص348] سائر ما صح من أحاديث الرجاء ليس فيه مناقضة لعمومات آيات الوعيد ولا يستلزم تجويز الخلف على الله تعالى وذلك باب واحد ولذلك اشتهرت أحاديث الرجاء في عصر الصحابة والتابعين ولم ينكرها أحد بل رواتها أكابرهم وأئمتهم .
__________
(1) سورة النساء ، الآية48.(1/265)
وفي العواصم من ذلك عن علي عليه السلام بضعة عشر أثرا بل المخصصات للعمومات في ذلك قرآنية وعمومات الوعد مانعة قبل تخصيص الوعيد من الجزم على وقوع عمومه دون عموم الوعد على أن الخلف عند جماعات كثيرة لا يكون إلا عدم الوفاء بالوعد بالخير وأما الوعيد بالشر فقد اختلف في تركه وأجمعوا على أنه يسمى عفوا كما قال كعب ابن زهير *أنبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول# وإنما اختلفوا مع تسميته عفوا هل يسمى خلفا أم لا ومن منع من ذلك منع صحة النقل له لغة واحتج على امتناعه بأنه لا يصح اجتماع اسم مدح واسم ذم على مسمى واحد وقد تقدم زيادة في هذا في مسألة الحكمة فلينظر هناك ويستثنى من هذا كل وعيد جعله الله تعالى نصر للانبياء والمؤمنين ووعدهم به فانه يكون حينئذ وعدا لا يجوز خلفه كما قال صالح عليه السلام لقومه: {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (1) ولذلك سماه وعدا.وأما قصة يونس عليه السلام فقد تقدم الكلام عليها في مسألة الحكمة وكذلك اختلفوا في قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} (2) هل هي خاصة فيمن نزلت فيه من الكفار وهل فيها شيء من ذلك لقوله تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (3) . [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص349]. أم لا فمن قال بعمومها لم ينظر إلى سبب نزولها في الكفار وجعلها كقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (4) ومن قصرها عليهم نظر إلى الجمع بين هاتين الآيتين وبين قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ} (5)
__________
(1) سورة هود ، الآية65.
(2) سورة ق ، الآية29.
(3) سورة غافر51.
(4) سورة الأنعام115.
(5) سورة النحل ، الآية101..(1/266)
وقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (1) وخاصة إذا جوز أن نفي التبديل مقيد بيوم نقول لجهنم هل امتلأت وأنه ظرف له فهؤلاء فهموا من مجموع الآيات أن التبديل ينقسم إلى مذموم ومحمود فالمذموم ما كان من خير إلى شر والمحمود ما كان من شر إلى خير أو من خير إلى خير أفضل منه أو مثله وجعلوا العفو خيرا من العقوبة في حق المسلمين لما ورد في الاحاديث في هذا بعينه وفي من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها وأجمعت عليه الأمة في من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها . وينبغي هنا تحقيق النظر في الفرق بين الوعيد والخبر المحض عن الواقع في المستقبل وذلك أن الوعيد يحسن ممن لا يعلم الغيب بخلاف الخبر المحض وإذا لم يفعله لتوبة أو رحمة لم يعد في لغة العرب من الكذابين المذمومين فكيف إذا كان إنما بين مراده ولم يرجع عنه لأنه عند هؤلاء في خطاب المسخوطين خاصة كقول يوسف: {مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذاً لَّظَالِمُونَ} (2) ولو كان له رغبة في رحمتهم وإسعادهم وجد اليه السبيل والله سبحانه أعلم وأحكم . ومن أمثلة ذلك الحالف على أن لا يفعل ما يستحب فعله فان كان له حكمة مرجحة لتركه وهو يخفيها كان له في اليمين عذر وإن أحب أن يفعل المستحب كان له فيه المخرج ولله تعالى من ذلك كله أجمله وأحسنه وأكثره حمدا وثناء . وقد ذكرت في العواصم من أحاديث الرجاء المبينة للمراد في عمومات الوعيد أكثر من أربعمائة حديث من دواوين الاسلام المعروفة مع ما شهد لها من الآيات القرآنية ومن أعظمها بشرى حديث معاذ المتفق عليه وفيه . [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص350] .
__________
(1) سورة البقرة ، الآية106.
(2) سورة يوسف ، الآية79.(1/267)
أنه قال أفلا أبشر الناس قال دعهم يعملوا فدل على أنه على ظاهره وعلى أن جانب الرجاء مكتوم للمصلحة يوضحه حديث من مات له ثلاثة لم تمسه النار قالوا واثنان قال واثنان فقد كان أوهمهم بمفهوم العدد أن الرجاء يختص بالثلاثة ولم يبدأهم بالبشرى بالاثنين لمصلحة التخويف ومنه قوله في ذلك لم تسمه النار إلا تحلة القسم فدل على أن القدر الواجب المقسم عليه مجرد الورود في حق المسلمين ولله الحمد . ومن ذلك أحاديث خروج من دخل النار من الموحدين برحمة الله تعالى ثم بشفاعة رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله وشفاعته من رحمة الله تعالى والذي حضرني الآن من الأحاديث المصرحة بخروجهم من النار أحاديث كثيرة جدا عن أكثر من عشرين من كبار أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله من ذلك في علوم آل محمد(صلى الله عليه وسلم)وآله عن علي بن أبي طالب عليه السلام في باب ما يقال بعد الصلاة وفي مسند أحمد عن أبي بكر رضي الله عنه وابن عباس رضي الله عنهما وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وأبي هريرة وفي البخاري وحده عن عمران بن حصين وفي صحيح مسلم وحده عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله وفي مستدرك الحاكم عن أبي موسى عشرتهم عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله بذلك بألفاظ صريحة ضرورية لا تحتمل التأويل .(1/268)
وفي مجمع الزوائد مثل ذلك عن عشرة من الصحابة غير هؤلاء الذين ذكرتهم ذكرتهم في العواصم والتواتر يحصل بهذا بل بدون ذلك ولا يشترط في رجاله العدالة كيف وقد اجتمعا غالبا وما زالوا يروون ذلك في عهد رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله وبعده لا ينكره منكر ولا يزجر عنه أحد ثم وافقهم جماعة كثيرة على هذا المعنى لكن بغير لفظ الخروج من النار وذلك كثير جدا منهم من روى أن الشفاعة نائلة من مات لا يشرك بالله شيئا كعبد الله بن عمر بن الخطاب وأبي ذر الغفاري وعبد الله بن عمرو وعوف بن مالك وأبي هريرة وابن عباس ومعاذ وأبي موسى وأنس وأبي أيوب وأبي سعيد ومنهم من روى حديث شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي كما ثبت ذلك من حديث جابر بن عبد الله . [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص351] وأنس بن مالك وابن عمرو رواه الحاكم في المستدرك من حديث جعفر ابن محمد الصادق عن أبيه الباقر عن جابر وفي حديث ابن عمر حرب بن شريح وثقه جماعة وفيه خلاف يسير ينجبر بالشواهد وروى عنه نحو ذلك بغير لفظه من طريق النعمان بن قراد وهو ثقة رواهما الهيثمي في مجمعه ولفظ حديث النعمان أن شفاعتي ليست للمؤمنين المتقين لكنها للمذنبين الخاطئين المتلوثين وروى الهيثمي نحو ذلك عن أم سلمة وعبد الله ابن بسر وأبي أمامة ومنهم من روى أن الله يفدي كل مسلم بكافر كما رواه مسلم من حديث أبي موسى بأسانيد على شرط الجماعة .(1/269)
ومن ذلك ما ورد فيمن كان آخر كلامه لا أله إلا الله وقد تقصاها الحافظ ابن حجر في تلخيصه في كتاب الجنائز ثم ما ورد في الرجاء لأهل الأمراض والفقر والمصائب وفي موت الاولاد والاصفياء وفي هذا النوع وحده عن ثمانية عشر صحابيا ثم ما جاء في فضائل الايمان والاسلام والوضوء والصلوات والصدقة والصلة والجهاد والشهادة والاذكار وسائر الاعمال الصالحة مع ما شهد لذلك من سعة رحمة الله تعالى المنصوصة في الكتاب والسنة وأنها الموجبة دخول الجنة لا العمل في أربعة عشر حديثا ويشهد لها أن الله تعالى سمى الجنة فضله في غير آية وأن المائة الرحمة أعدت ليوم القيامة في عشرة أحاديث ويشهد لها قوله تعالى: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ} (1) وما دل على جواز ورود ذلك من آيات القرآن الكريم وهي أنواع كثيرة . منها قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (2) وهي أبين آية في الوعد والوعيد وقد جودت الكلام عليها في العواصم بحمد الله تعالى . [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص352] ومنها قوله تعالى بعد ذكر المتقين والفراغ منه: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْداً}{لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} (3) .
__________
(1) سورة الأنعام ، الآية12.
(2) النساء48
(3) مريم86،87(1/270)
ومنها قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} (1) في أربع آيات فانها أخص وأبين من وصف المؤمنين بعمل الصالحات إذ لا يمكن إحاطة الواحد منهم بها كلها كما اعترف بها الزمخشري وإن المعنى في عملها عمل بعضها فأما قول الكوفيين إن من قد تكون زائدة في الاثبات فلا يقطع الرجاء لو سلم لأن الاكثر أنها فيه للتبعيض عند الجميع ومجرد تجويز أنها للتبعيض يوجب الرجاء لو كان نادرا كيف وهو الأكثر إذ لا يجوز القطع في موضع الاشتراك بغير قاطع فثبت الرجاء على كل تقدير ويعضده الوعد على الواحد منها كقوله تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} (2) و{إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} (3) مع شهادة السنة لذلك مثل حديث أربعين خصلة وحديث اتقوا النار ولو بشق تمرة وقد بسط في العواصم . ومنها قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} (4) وقد أوضحت هنالك وفي الاجادة أن الاستثناء من الشر للنقصان ومن الخير للزيادة لقوله في أهل الحسنى لهم الحسنى وزيادة وفي آية: {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}ق35 وفي أخرى {وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ}النساء173.
__________
(1) طه112
(2) الحشر9
(3) التغابن17
(4) هود107(1/271)
وفي دواوين الاسلام الصحاح من غير طريق يقول الله الحسنة بعشرة أمثالها أو أزيد والسيئة بمثلها أو أعفو رواه ابن عباس وأبو سعيد وأبو ذر وأبو رزين أربعتهم عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله ولذلك قال الله تعالى بعد الاستثناء من خلود أهل الجنة: {عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ}هود108 فأشار إلى أن الاستثناء فيها للزيادة كما ثبت في سائر الآيات والأحاديث وكما [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص353] قال بعد ذكر ثواب المؤمنين بالجنة: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ}التوبة72 ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ}يونس107 ولم يقل هنا إلا هو كما قال في كشف الضر وهذا من لطف هذا الباب وأوضح منه قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}الأحزاب24 ولم يقل ليجزي الصادقين إن شاء كما قال في العذاب وفي سورة الليل تخصيص الحسنى وهي الجنة بالوعد على التصديق بها والوعيد على التكذيب بها وفي الصحيح المتفق على صحته حديث لم تمسه النار إلا تحلة القسم وفيه مأخذ قوي في معرفة القدر المقسم عليه منه والله أعلم .(1/272)
ولهذا شواهد في القرآن والسنة يحصل بمجموعها قوة كثيرة ومما قيل أنه وقع من ذلك قصة يونس لقوله تعالى: {إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ}يونس98 الآية والوقوع فرع الصحة وأدل منها فكم من ممكن لم يقع ولا يقع ويستحيل فيما وقع أن يكون غير ممكن وقد جود القرطبي الكلام في قصتهم في تذكرته وقال إن توبة الله عليهم محض التفضل لأنهم قد كانوا مضطرين إليها بمشاهدتهم العذاب الذي وعدهم به يونس صلوات الله وسلامه عليه والله سبحانه أعلم لكن يعارض ما ذكره قصة فرعون فانه لم يقبل إيمانه حينئذ بل قال الله تعالى له: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }يونس91.(1/273)
والحق أن الله لا يخلف الوعيد الا أن يكون استثنى فيه وليس كل من شاهد العذاب اضطر إلى الايمان لأنه قد يشك في أنه عذاب من الله أو من مصائب الدنيا كما كان من ابن نوح فانه قال بعد مشاهدة الغرق الخارق والوعيد به: {قَالَ سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء}هود43 فدل علي [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص354] اختلاف أحوال الخلق في ذلك وبعد فالاضطرار فعل الله تعالى بالاتفاق فلا ينكر أنه يفعله لبعض دون بعض وأصح التفسير تفسير القرآن بالقرآن ثم بالحديث فاذا اجتمعا وكثرت الأحاديث وصحت كان ذلك نورا علي نور يهدي الله لنوره من يشاء وكل ذلك رجاء مقرون بالخوف مقطوع عن الامان لجهل الخواتم ولقوله تعالى {لِمَن يَشَاءُ}النساء48 بعد قوله {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}النساء48 ولقوله في الصالحين {وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ}المعارج27 {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ}المعارج28 وفي آية {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً}الإسراء57 فلا يقتضي شيء من ذلك الاغراء والفساد لأن الشفاعة إنما هي شفاعة من النار بعد دخولها وذلك من أعظم الصوارف عن المعاصي مع ما يقع بسبب المعاصي في الدنيا والقبر ويوم القيامة من المؤاخذة علي ما شهدت به الآيات والأخبار وكفي بقوله تعالى في مصائد الدنيا: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }الشورى30 وفي قراءة فبما كسبت أيديكم وقد ذكرت في العواصم في التخويف أكثر من عشرين آية من كتاب الله تعالى مما يختص بعصاة المسلمين وذكرت هنالك أيضاً حديثا كثيرا في التحذير من مكر الله وشديد عقابه أعاذنا الله منه وختمت بذلك الكلام في الرجاء كيلا يظن الجهال أن المقصود بالرجاء هو الامان والتفريط وتضييع الاعمال واطراح التقوي وقد جود الكلام في هذا المعني الشيخ العلامة الشهير بابن قيم الجوزية تلميذ شيخ(1/274)
الاسلام ابن تيمية في كتابه الجواب الكافي فليطالع فانه مفيد جدا والجمع بين الخوف والرجاء سنة الله وسنة رسله عليهم السلام وسنة دين الاسلام والاولي للانسان تغليب الخوف في حق نفسه إلا عند اقتراب الاجل الاقتراب الخاص أعني عند ظهور امارات الموت في المرض الشديد [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص355] وإلا فالموت قريب غير بعيد وذلك لما صح أن الله تعالى يقول أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ولهذا الحديث لم يكن تقديم عمومات الوعيد أولي من تقديم خصوص آيات الرجاء وأحاديثه مع ما عضد هذا الحديث من نحو قول الملائكة عليهم السلام للخليل عليه السلام {فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ}الحجر55 وقوله في جوابهم {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ }الحجر56 مع ما ورد في كتاب الله تعالى من شواهد ذلك كقوله تعالي: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}الزمر9 هذه الآية تفسير قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}فاطر28 لأنه قصر الخشية عليهم حيث علموا الدار الآخرة دون الكافرين كما دل عليه أول الآية ولم يقصرهم علي الخشية دون الرجاء كما دل عليه وصفهم برجاء رحمة الله تعالى في غير آية وقوله تعالي: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}الممتحنة6 وقوله تعالى : {أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}البقرة218 وقوله تعالى: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}فاطر29 وقوله تعالى: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً}نوح13 وقوله تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ }الشعراء82 وقوله تعالى: {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ(1/275)
وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ}المائدة84 إلى {بِمَا قَالُواْ}المائدة85 وقوله تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}الأعراف56 فأكد الطمع بقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}الأعراف56 وهم المخلصون لإيمانهم من النفاق كما قرر في موضعه وقوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}الأنبياء90 فأكد الرهب بذكر الخشوع فبين أنه المقصود لا القنوط [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص356] وقول الخليل عليه السلام: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}إبراهيم36 وقول عيسى عليه السلام: {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}المائدة118 وفي الخوف أكثر من ذلك كقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}الرحمن46 وقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}البينة8 وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}فاطر28 وقوله تعالى في الملائكة: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}النحل50 وقوله تعالى في الصالحين: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ}المعارج28 وقوله تعالى: {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}الأعراف154 وقول رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله والله إني لأخشاكم لله وأمثال ذلك مما يطول ذكره .(1/276)
والجمع بين الرجاء والخوف من وجهين أحدهما أن يرجو حين يذكر صفات ربه ويخاف حين يذكر صفات نفسه لقوله تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن}ق33 فسماه بالرحمن في حال خوفه وثانيهما أن يخاف على نفسه ويرجو لغيره وتأمل قول الخليل عليه السلام في خوفه على نفسه: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}الشعراء82 ولم يقل والذي يغفر لي كما قال: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}الشعراء79 {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }الشعراء80 وكذا قوله: {عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً}مريم48 وقال عليه السلام في حق غيره: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}إبراهيم36 فانظر ما أشد خوفه على نفسه وأوسع رجاءه لغيره وهذا عكس ما عليه الاكثرون والله المستعان . فان قيل هذا الكتاب مبني على الاحتياط ومذهب الوعيدية أحوط فكيف لم تلتزمه في هذه المسألة . فالجواب أن الاحتياط باق مع الرجاء والخوف لوجهين أحدهما أن المفسدة إنما هي في الأمان لكن من لم يتأمل لم يفرق بين الامان والرجاء والفرق بينهما واضح ولذلك قيل من رجا خاف ومن خاف رجا ومن قديم ما قلت في هذا المعني هذه الأبيات : [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص357] عذلي عابوا رجائي عذلي جاروا وتاهوا . كيف لا أرجو الذي لا يغفر الذنب سواه . جاء في القرآن منصوصا وكل قد رواه . وهو أعلي رتب المجد بعفو هو ما هو .(1/277)
قصر المدح عليه فانظروا ذا المدح ما هو هو حق أو محال أو صحيح أو سواه لا ومن لا يغفر الذنب وإن جل سواه إنه للحق صدقا وصدوق من رواه وسعيد من تلقا بصدق ورجاه وظلوم من يسميه مني خاب مناه الاماني رده الحق اجتهادا هواه أو يري أهدي من القرآن نهجا ما رآه ويري الباطل في مفهومه مهما تلاه غير أن الله للعبد بخوف ابتلاه لصلاح فيه لا يغني عن الخوف سواه نحمد الله علي الخوف فمولانا قضاه لو محا الخوف رجائي لمحا الخوف قضاه من رجا خاف من الله ومن خاف رجاه ولذا اختص أولو العلم ومن قد اصطفاه بمزيد الخوف لله مع وعد رضاه لو رجا الكافر أوخاف وقاه وكفاه ذا رجائي فيه وإلا رجاء زور لا أراه فاعرف الارجاء تعلم أن رجواه سواء . وثانيهما أن الاحتياط إنما هو بالعمل الصالح فان العمل الصالح هو موضع الاحتياط فاما مجرد الاعتقاد فلا يمكن أن يكون أحد الاعتقادين . [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص358] أحوط ههنا لأنه من قبيل التصديق وهو واجب في الموضعين بل هو في الرجاء أوجب اجماعا وإنما يمكن اعتقاد الاصح ولذلك اختلفت الملائكة عليهم السلام وكان الصواب مع من رجا منهم كما تقدم في أول هذه المسألة .(1/278)
ويدل علي ذلك وجوه : الوجه الأول أن المقتضي للرجاء تقديم الخاص على العام عند تعارض السمع في ذلك وذلك واجب ولا يمكن أن يكون ترك الواجب أحوط لأن تركه حرام وارتكاب الحرام يناقض الاحتياط وينافيه فلم يمكن الاحتياط إلا في العمل فان زعموا ان العموم في مسائل الاعتقاد قطعي فلا يجوز تخصيصه فالجواب من وجوه أولها أنه يلزمهم مثله في عمومات الوعد بالمغفرة كقوله تعالى: {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ}آل عمران129 وقوله تعالى: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}التغابن17 وقوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ}طه112 في ثلاث آيات وقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً}الزمر53 وقوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}البقرة24 وفي الجنة {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}الحديد21 وغير ذلك مما يطول ذكره وتقدم بعضه بل المحافظة على الصدق في الوعد أوجب لأن الخلف فيه قبيح ضرورة وإجماعا وفي الوعيد لا ضرورة فيه ولا إجماع وثانيها ان المخصصات قواطع كقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}النساء48 وقوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}البقرة24 وقوله: {أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى}طه48 وقوله: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى}الليل15 {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}الليل16 وغير ذلك وقد بسطت الردود على مطاعن المخالف في الاحتجاج بها وغايتها ظواهر مثل عموماتهم فان وجب الجزم على ما يفهم من عموماتهم لعلة وجب الجزم على ظواهر هذه لتلك العلة بعينها بل البعد عن الخلف في الوعد أوجب لما تقدم وإن جاز حمل هذه على غير ظاهرها لدليل منفصل جاز في عمومات الوعيد مثل : [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات(1/279)
ج1/ص359] ذلك وكانت هذه هي الادلة المنفصلة وإن لم يسلموا أنها قاطعة كانت معارضة توجب الوقف وأحاديث الشفاعة المصرحة بخروج الموحدين من النار قاطعة في معناها بالاجماع وهي قاطعة في ألفاظها كما أوضحناه فيما تقدم لورودها عن عشرين صحابيا أو تزيد في الصحاح والسنن والمسانيد وأما شواهدها بغير لفظها فقاربت خمسمائة حديث فيها كثير من طريق أهل البيت عليهم السلام كما مضى ورابعها أنه لا يمكن القطع على تكذيب رواتها خاصة ومنهم جماعة من أهل البيت عليهم السلام ومتى لم يمكن حصل التجويز ومتى حصل وجب قبول الثقة وخامسها أن المخالف وافق على قبول الآحاد في مثل ذلك حيث يحتاجه كما قبلوا استثناء الدين من المغفرة للشهيد وهي قرآنية واستثناء علي عليه السلام من قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ}البقرة24 في آية النجوى وغير ذلك وسادسها أنهم أهل الدعوى والحجة عليهم وليس بأيديهم إلا ظواهر معارضة بأمثالها وفي الموضع الثاني من الفصل الثالث من الجوهرة في أقسام الخصوص أنه لا وجه للمنع من تخصيص الاخبار مع القرائن والاحتجاج على الجواز بالعقل والسمع قلت ومن الأدلة قوله تعالى في ريح عاد: {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}الذاريات42 وقوله تعالى فيها: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}الأحقاف25 مع قوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}الأحقاف25 فخص مساكنهم وقال في سورة القمر: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ}القمر34 وخص امرأته من هذا العموم في الحجر والنمل خصوصا منفصلا وأمثال ذلك كثير .(1/280)
وأما الاشعار الجملي بأن هذا العموم مخصوص فلو كان لوجب أن ينقل عادة لكثرة العمومات المخصوصة فلما لم ينقل ألبتة علم بالعوائد أنه لم يكن فلم يبق إلا أن كثرة وقوع التخصيص بعد العموم في اللغة والشرع تنزل منزلة الاشعار بأن صيغة العموم ظنية لا يجوز استناد الاعتقاد القاطع . [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص360] اليها وكان هذا بمنزلة القرينة الصارفة عن القطع كما فهمت ذلك الصحابة على ما شرح مطولا في العواصم لذلك جعلوا الاسباب في كثير من المواضع قرائن قاصرة للعموم بل لأجل هذه الكثرة في تخصيصه قال المرتضى الموسوي أنه مشترك بين العموم والخصوص ومتى لم يجد الوعيدي شفاء في هذه الادلة فلينظر في عمومات الوعد التي هي أوجب صدقا من عمومات الوعيد وكيف أجتزئ فيها باليسير من هذا ولم يجتزأ منه بشيء في حق خصمه فيعرف طبيعة العصبية الغالبة فربما خفيت على المنصف حتى يتأملها حق التأمل والله الهادي وفي الموضع الرابع في وقت بيان الخطاب من الفصل الثاني في الكلام في المجمل والمبين من الجوهرة أيضاً أن ذلك يعني تجويز تخصيص الاخبار يؤدي إلى الاغراء بالقبيح واعترضه القاضي في تعليقه بما حاصله أن الجزم في موضع الظن خطأ من المكلف وقع منه باختياره القبيح ولا ملجئ اليه وإن كان يكفيه اعتقاد أن ظاهر ذلك العموم حقيقة لا مجاز ما لم يرد مخصص مع اعتقاده أيضاً لاحتمال العموم حين ورد للتخصيص كما هو مقتضى اللغة التي نزل علها القرآن وكما هو معتقده في عمومات الوعد وقد بسط هذا بسطا شافيا في العواصم في مقدار مجلد كبير لمن أحب التوسع في معرفة ما ورد في هذه المسألة الوجه الثاني من الأصل أن المرجح له الاحتراز من تجويز الخلف على الله تعالى في الوعد بالخير لأنه متفق على المنع منه عقلا وشرعا وإجماعا من الامة الاسلامية وسائر الملل والرجح للوعيد المحافظة على الصدق في الوعيد بالعقوبة وقد تقدم ما فيه من الخلاف والاحتمال والتعارض(1/281)
في الأدلة وأنه قد يسمى عفوا لا خلفا وأنه من التبديل إلى ما هو خير ونحو ذلك مع أنه قد اقترن به ما يمنع أن يكون خلفا وفاقا من شرط المشيئة ومن الفداء لكل مسلم بكافر ونحو ذلك ولا شك في ترجيح الأول على الثاني لأن من تعمد القول بتجويز الخلف على الله في الوعد بالخير فقد كفر بالاجماع والخطأ فيما عمده كفر بالاجماع أشد قبحا والاحتراز منه أوجب عقلا وسمعا وقد قال الله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم}الزمر55[ إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص361] وقال: {فَبَشِّرْ عِبَادِ}الزمر17 {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}الزمر18 ولا شك أن تغليب جانب الرحمة وما يناسبها أكثر ثناء على الله تعالى ولذلك كتبها على نفسه وتمدح بها وكثر اسماءه المشتقة منها ومدح العافين والكاظمين كما يجيء في الوجه السابع إن شاء الله تعالى .(1/282)
الوجه الثالث أنه قد ورد الوعيد الشديد على سوء الظن بالله تعالى وعلى عدم قبول البشرى كما تقدم قريبا في نهي الملائكة للخليل عليه السلام عن القنوط وفي جوابه عليهم وقال الله تعالى في ذلك: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}العنكبوت23 فخص الكافرين باليأس من رحمته وتوعدهم عليه بأليم عقابه وقال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}يوسف87 وقال: {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}الطور28 بفتح أنه وهي قراءة وبذلك وردت السنة الصحيحة المفسرة للقرآن فصح عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله أنه قال يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وحديث الأمر بقبول البشرى وفيه أن النبي(صلى الله عليه وسلم)وآله قال لأعرابي أبشر فقال قد أكثرت علي من أبشر فأقبل على بعض أصحابه وقال إن هذا رد البشرى فأقبلا أنتما رواه البخاري وفي المستدرك ومسند أحمد من حديث عكرمة بن عمار عن صمضم بن جوسي اليمامي عن أبي هريرة سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله يقول كان في بني إسرائيل رجلان كان أحدهما مجتهدا في العبادة وكان الآخر مسرفا على نفسه وكانا متآخيين فكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب فيقول يا هذا أقصر فيقول خلني وربي أبعثت علي رقيبا قال إلى أن رآه يوما على ذنب استعظمه فقال له ويحك أقصر فقال خلني وربي أبعثت علي رقيبا فقال والله لا يغفر لك فبعث الله اليهما ملكا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده فقال للمذنب اذهب فادخل الجنة برحمتي .(1/283)
[إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص351] وأنس بن مالك وابن عمرو رواه الحاكم في المستدرك من حديث جعفر ابن محمد الصادق عن أبيه الباقر عن جابر وفي حديث ابن عمر حرب بن شريح وثقه جماعة وفيه خلاف يسير ينجبر بالشواهد وروى عنه نحو ذلك بغير لفظه من طريق النعمان بن قراد وهو ثقة رواهما الهيثمي في مجمعه ولفظ حديث النعمان أن شفاعتي ليست للمؤمنين المتقين لكنها للمذنبين الخاطئين المتلوثين وروى الهيثمي نحو ذلك عن أم سلمة وعبد الله ابن بسر وأبي أمامة ومنهم من روى أن الله يفدي كل مسلم بكافر كما رواه مسلم من حديث أبي موسى بأسانيد على شرط الجماعة ومن ذلك ما ورد فيمن كان آخر كلامه لا أله إلا الله وقد تقصاها الحافظ ابن حجر في تلخيصه في كتاب الجنائز ثم ما ورد في الرجاء لأهل الأمراض والفقر والمصائب وفي موت الاولاد والاصفياء وفي هذا النوع وحده عن ثمانية عشر صحابيا ثم ما جاء في فضائل الايمان والاسلام والوضوء والصلوات والصدقة والصلة والجهاد والشهادة والاذكار وسائر الاعمال الصالحة مع ما شهد لذلك من سعة رحمة الله تعالى المنصوصة في الكتاب والسنة وأنها الموجبة دخول الجنة لا العمل في أربعة عشر حديثا ويشهد لها أن الله تعالى سمى الجنة فضله في غير آية وأن المائة الرحمة أعدت ليوم القيامة في عشرة أحاديث ويشهد لها قوله تعالى: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ}الأنعام12 وما دل على جواز ورود ذلك من آيات القرآن الكريم وهي أنواع كثيرة منها قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}النساء48 وهي أبين آية في الوعد والوعيد وقد جودت الكلام عليها في العواصم بحمد الله تعالى .(1/284)
[إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص374] الشيطان على أخيكم أما أنه يحب الله ورسوله رواه البخاري وكذلك حديث ضمضم عن أبي هريرة في المتآخيين المجتهد في العبادة والمسرف على نفسه كما تقدم في المسألة السابعة بل يدل عليه في حق أهل الاسلام قوله تعالى: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}الممتحنة فجعل الايمان بالله وحده غاية ينقطع عندها وجوب العداوة والبغضاء ومنه استئذانه(صلى الله عليه وسلم)وآله في زيارة قبري والديه وزيارته لهما وشفاعة إبراهيم لأبيه فان الباعث على تخصيصهم بذلك هو الحب للرحامة ومنه: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}فاطر8 {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ}الكهف6 لشدة شفقته ورفقه ومن ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنه قال كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}النساء48 قال يعني النبي(صلى الله عليه وسلم)وآله اني ادخرت دعوتي شفاعة لأهل الكبائر من أمتي فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا ثم نطقنا بعد ورجونا رواه في مجمع الزوائد في موضعين من خمس طرق أحدها صحيح وله شاهد عن ابن مسعود بل أحاديث الشفاعة المتواترة تشهد له والله أعلم .(1/285)
فيه وفي آية الممتحنة فائدة نفيسة هي أن ذلك آخر الامرين إن روى ما يعارض هذه الأدلة وقد ذكرت في العواصم أدلة كثيرة على تأخر ذلك في أول مسألة الوعد والوعيد وهي مفيدة جدا ثم وجدته قد ذكره النووي وقواه في شرح مسلم ويعضده ما نص عليه من العفو عمن فر يوم أحد ومن حديث أهل الافك إلا الذي تولى كبره منهم لأنه عبد الله بن أبي بن سلول وهو منافق ومنه حديث مسطح ونزول الآية فيه ومنه تحريم المشاحنة والمهاجرة بل جعلها كالشرك في منع المغفرة للمتهاجرين حتى يصطلحا كما صح ذلك من حديث أبي هريرة وله شواهد كثير عن أبي بكر وعوف بن مالك وعبد الله بن عمر ومعاذ وأبي ثعلبة وأسامة وابن مسعود وجابر ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد في شحناء الرجل على أخيه والاخ يطلق على المسلم لقوله تعالى: {فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}الحجرات9 إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}الحجرات10 فسمى الباغي أخا ولقول رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله في المحدود . [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص379] روايتها وقد ذكرت منها كثيرا في آخر العواصم في أحاديث الرجاء ولولا خوف الاطالة لذكرتها هنا وكذلك ما جاء في من آمن بالله ورسله كقوله تعالى في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}الحديد21 ونظائرها مما ذكرته في العواصم ومثل قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}البقرة256 ومثل أحاديث الشفاعة وقد تقدمت الاشارة إلى تواتر معنى ذلك في مسألة الوعد والوعيد في هذا المختصر وبسطتها في العواصم فقاربت خمسمائة حديث مع ما في القرآن العظيم مما يغني عنها لو لم ترد .(1/286)
ويشهد لها بعد ورودها على ما قدرته في العواصم في الكلام على قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}النساء48 فهم الصحابة للبشرى فيها وفرحهم بها وإقرار المتأولين لها برواية ذلك عنهم وذلك يدل على عدم تأويلها ومنهم علي عليه السلام وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وقد جودت الكلام عليها هنالك بحمد الله وحسن هدايته وتوفيقه . ومن ذلك ما جاء فيمن أقام الاركان الخمسة ونحو هذه الأمور وهي أنواع كثيرة جدا معناها متواتر ضروري معارض لما يفهم منه تكفير المبتدعة من هذه الأمور ومن أقبح التكفير ما كان منه مستند إلى وجه ينكره المخالف من أهل المذهب مثل تكفير أبي الحسين وأصحابه بنفي علم الغيب وهم ينكرونه وتكفير الاشعرية بالجبر الخالص الذي هو قول الجهمية الجبرية وهم ينكرونه والله تعالى يقول: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً}النساء94. ومن العجب أن الخصوم من البهاشمة وغيرهم لم يساعدوا على تكفير النصارى الذي قالوا إن الله ثالث ثلاثة ومن قال بقولهم مع نص القرآن على كفرهم إلا بشرط أن يعتقدوا ذلك مع القول وعارضوا هذه الآية الظاهرة بعموم مفهوم قوله ولكن من شرح بالكفر صدرا كما سيأتي بيانه وضعفه مع وضوح الآية الكريمة في الكفر بالقول عضدها حديثان .(1/287)
باب3، [إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات ج1/ص407] فصل في الفسق : وهو أقسام باعتبار العرف الاول والآخر واسم الفاعل واسم الفعل وباعتبار التصريح والتأويل فاما العرف الأول في اسم الفاعل فانه يدل ان الفاسق من الكفار من لا حياء ولا مروءة ولا عهد ولا عقد له كما فسره بذلك الزمخشري في بعض الآيات الدالة على ذلك فان الله تعالى يقول في الكفار من اليهود وغيرهم: {وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}التوبة8 وفي بعض الآيات {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}الحديد16 كما أوضحته في الاول من العواصم مبسوطا بسطا شافيا زائدا على ما يعتاد في ذلك من البسط . وأما باعتبار اسم الفعل ففيه قوله تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}الحجرات7 وقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وآله سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر في أحاديث كثيرة متفق على صحتها. وأما العرف المتأخر فالفسق يختص بالكبيرة من المعاصي مما ليس بكفر والفاسق يختص بمرتكبها وعند المعتزلة لا يسمي كافرا ولا مؤمنا ولا مسلما وعند أهل الحديث والاشعرية لا يسمى كافرا وأما اسم الاسلام فان اعتبرنا تمامه وكماله لم نسمه مؤمنا ولا مسلما وان اعتبرنا أقله سميناه مؤمنا ومسلما الا ان تسميته مسلما اعتبارا بالاقل من مراتب الاسلام هو العرف الاكثر بخلاف تسميته مؤمنا وفي ذلك من الآيات والأحاديث ما لا يحتمله هذا المختصر وقد استوفيت الكلام فيه في مسألة الوعد والوعيد في آخر العواصم .(1/288)
كتاب وافق اسمه مسماه وصدق لفظه ومعناه وكذلك دلت النصوص المتواترة على وجوب حب أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وآله ورضي الله عنهم وأرضاهم وتعظيمهم وتكريمهم واحترامهم وتوقيرهم ورفع منزلتهم والاحتجاج باجماعهم والاستنان بآثارهم واعتقاد ما نطق به القرآن الكريم والذكر الحكيم من انهم خير أمة أخرجت للناس وفيهم يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ}الفتح29 الآية وفي تعظيم حق أهل البيت يقول رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ستة لعنتهم لعنهم الله وذكرهم الي أن قال والمستحل من عترتي لما حرم الله تعالى رواه الترمذي والحاكم من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وفي تعظيم حق الصحابة رضي الله عنهم يقول(صلى الله عليه وسلم) اذا سمعتم من يلعن أصحابي فقولوا لعنة الله على شركم رواه الترمذي .(1/289)
وكذلك يجب حب المؤمنين علمائهم وعامتهم ونصيحتهم واكرامهم لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)أنه قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لاخيه المؤمن ما يحب لنفسه وقد تقدم في مسألة الوعد والوعيد فوائد تعلق بحكم الخالطين من المسلمين وخصوص المؤمنين والتحذير من مشاحنتهم واضمار الغل لهم والمحافظة على ذلك والتواصي به على مقتضى ما وصف الله تعالى به المؤمنين من التواصي بالحق والصبر والمرحمة جعلنا الله من العاملين بذلك وهو الهادي لا اله الا هو نعم المولى ونعم النصير له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وهو حسبنا ونعم الوكيل والاولى لكل حازم أن يشترط في كل ما يعتقده من المشكلات المختلف فيها ان يكون موافقا لما هو الحق عند الله تعالى وأن لا يكون فيه مخالفة لشيء من كتب الله تعالى ولا لما جاءت به رسل الله تعالى عليهم أفضل الصلاة والسلام وان كان الوقف حيث يجوز أحزم وأسلم فان العصمة مرتفعة والثقة بالفهم أو الانصاف غير مفيد للعلم الضروري بالسلامة من ذلك .
تمهيد ، [الملل والنحل ج1/ص15] القاعدة الثالثة الوعد والوعيد والأسماء والأحكام وهي تشتمل على مسائل الإيمان والتوبة والوعيد والإرجاء والتفكير والتضليل إثباتا على وجه عند جماعة ونفيا عند جماعة وفيها الخلاف بين المرجئة والوعيدية والمعتزلة والأشعرية والكرامية(1/290)
فالجواب كالجواب الأول لأن هذا القول يتضمن إطراح ما جاء به الرسل من الوعيد وتهوين ما شددت في التحذير منه في ذلك وبالغت في ذكر [تلبيس إبليس ج1/ص442ٍ عقابه ومما يكشف التلبيس في هذا أن الله عز وجل كما وصف نفسه بالرحمة وصفها بشديد العقاب ونحن نرى الأولياء والأنبياء يبتلون بالأمراض والجوع ويأخذون بالزلل وكيف وقد خافه من قطع له بالنجاة فالخليل يقول يوم القيامة نفسي نفسي والكليم يقول نفسي نفسي وهذا عمر رضي الله عنه يقول الويل لعمر ان لم يغفر له واعلم ان من رجا الرحمة تعرض لأسبابها فمن أسبابها التوبة من الزلل كما أن من رجا أن يحصد زرع وقد قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ}البقرة218 يعني أن الرجاء بهؤلاء يليق وأما المصرون على الذنوب وهو يرجون الرحمة فرجاؤهم بعيد وقد قال عليه الصلاة والسلام الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني وقد قال معروف الكرخي رجاؤك لرحمة لمن لا تطيعه خذلان وحمق واعلم أنه ليس في الأفعال التي تصدر من الحق سبحانه وتعالى ما يوجب أن يؤمن عقابه إنما في أفعاله ما يمنع اليأس من رحمته وكما لا يحسن اليأس لما يظهر من لطفه في خلقه لا يحسن الطمع لما يبدو من أخذانه وانتقامه فان من قطع أشرف عضو بربع دينار لا يؤمن أن يكون عقابه غدا هكذا.(1/291)
الموافاة ، الفصل في الملل ج4/ص49 ، قال أبو محمد اختلف المتكلمون في معنى عبروا عنه بلفظ الموافاة وهم أنهم قالوا في إنسان مؤمن صالح مجتهد في العبادة ثم مات مرتدا كافرا وآخر كافر متمردا وفاسق ثم مات مسلما نائبا كيف كان حكم كل واحد منهما قبل أن ينتقل إلى ما مات عليه عند الله تعالى فذهب هشام ابن عمرو والفوطي وجميع الأشعرية إلى أن الله عز وجل لم يزل راضيا عن الذي مات مسلما تائبا ولم يزل ساخط على الذي مات كافرا أو فاسقا واحتجوا في ذلك بأن الله عز وجل لا يتغير علمه ولا يرضى ما سخط ولا يسخط ما رضي وقالت الأشعرية الرضا من الله عز وجل لا يتغير منه تعالى صفات الذات لا يزولان ولا يتغيران وذهب سائر المسلمين إلى أن الله عز وجل كان ساخطا على الكافر والفاسق ثم رضي الله عنهما إذا أسلم الكافر وتاب الفاسق وأنه كان تعالى راضيا عن المسلم وعن الصالح ثم سخط عليهما إذا كفر المسلم وفسق الصالح ، قال أبو محمد احتجاج الأشعر به هاهنا هو احتجاج اليهود في إبطال النسخ ولا فرق ونحن نبين بطلان احتجاجهم وبطلان قولهم وبالله تعالى التوفيق فنقول وبالله عز وجل نتأيد أما قولهم عن علم الله عز وجل لا يتغير فصحيح ولكن معلوماته تتغير ولم نقل أن علمه يتغير ومعاذ الله من هذا ولم يزل علمه تعالى واحدا يعلم كل شيء على تصرفه في جميع حالاته فلم الفصل في الملل ج4/ص49 يزل يعلم أن زيدا سيكون صغيرا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا ثم ميتا ثم مبعوثا ثم في الجنة أو في النار ولم يزل يعلم أنه سيؤمن ثم يكفر أو أنه يكفر ثم يؤمن أو أنه يكفر ولا يؤمن أو أنه يؤمن ولا يكفر وكذلك القول في الفسق والصلاح ومعلوماته تعالى في ذلك متغيرة مختلفة ومن كابر هذا فقد كابر العيان والمشاهدات وأما قولهم أن الله تعالى لا يسخط ما رضي ولا يرضى ما سخط فباطل وكذب بل قد أمر الله تعالى اليهود بصيانة السبت وتحريم الشحوم ورضي لهم ذلك وسخط منهم خلافه وكذلك أحل لنا الخمر(1/292)
ولم يلزمنا الصلاة ولا الصوم برهة من زمن الإسلام ورضي لنا شرب الخمر وأكل رمضان والبقاء بلا صلاة وسخط تعالى بلا شك المبادرة بتحريم ذلك كما قال تعالى ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ثم فرض علينا الصلاة والصوم وحرم علينا الخمر فسخط لنا ترك الصلاة وأكل رمضان وشرب الخمر ورضي لنا خلاف ذلك وهذا لا ينكره مسلم ولم يزل الله تعالى عليما أنه سيحل ما كان أحل من ذلك مدة كذا وأنه سيرضى منه ثم أنه سيحرمه ويسخطه وأنه سيحرم ما حرم من ذلك ويسخطه مدة ثم أنه يحله ويرضاه كما علم عز وجل أنه سيحي من أحياه مدة كذا وأنه يعز من أعزه مدة ثم يذله وهكذا جميع ما في العالم من آثار صنعته عز وجل لا يخفى ذلك على من له أدنى حس وهكذا المؤمن يموت مرتدا والكافر يموت مسلما فإن الله تعالى لم يزل يعلم أنه سيسخطه فعل الكافر ما دام كافرا ثم أنه يرضى عنه إذا أسلم وأن الله تعالى لم يزل يعلم أنه يرضى عن أفعال المسلم وأفعال البر ثم أنه يسخط أفعاله إذا ارتد أو فسق ونص القرآن يشهد بذلك قال تعالى ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم فصح يقينا أن الله تعالى يرضى الشكر ممن شكره فيما شكره ولا يرضى الكفر ممن كفر إذا كفر متى كفر كيف كان انتقال هذه الأحوال من الإنسان الواحد وقوله تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فالبضرورة يدري كل ذي حس سليم أن لا يمكن أن يحبط عمل إلا وقد كان غير حابط ومن المحال أن يحبط عمل لم يكن محسوبا قط فصح أن عمل المؤمن الذي ارتد ثم مات كافر أنه كان محسوبا ثم حبط إذا ارتد وكذلك قال تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فصح أنه لا يمحو إلا ما كان قد كتبه ومن المحال أن يمحي ما لم يكن مكتوبا وهذا بطلان قولهم يقينا ولله الحمد وكذلك نص قوله تعالى فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات فهذا نص قولنا وبطلان قولهم لأن الله تعالى سمى أفعالهم الماضية سيئات والسيئات مذمومة(1/293)
عنده تعالى بلا شك ثم أخبر تعالى أنه أحالها وبدلها حسنات مرضية فمن أنكر هذا فهو مكذب لله تعالى والله تعالى مكذب له وكذلك قال الله تعالى أنه سخط أكل آدم من الشجرة وذهاب يونس مغاضبا ثم أخبر عز وجل أنه تاب عليهما واجتبى يونس بعد أن لامه ولا يشك كل ذي عقل أن اللائمة غير الإجتباء الفصل في الملل ج4/ص50 قال أبو محمد ثم نقول لهم أفي الكافر كفر إذا كان كافر قبل أن يؤمن وفي الفاسق فسق قبل أن يتوب وفي المؤمن إيمان قبل أن يرتد أم لا فإن قالوا لا كابروا وأحالوا وإن قالوا نعم قلنا لهم فهل يسخط الله الكفر والفسق أو يرضى عنهما فإن قالوا بل يسخطهما تركوا قولهم وإن قالوا بل يرضى عن الكفر والفسق كفروا ونسألهم عن قتل وحشي حمزة رضي الله عنه إرضاء كان لله تعالى فإن قالوا نعم كفروا وإن قالوا بل ما كان إلا سخطا سألناهم يؤاخذه الله تعالى به إذا أسلم فمن قولهم لا وهكذا في كل حسنة وسيئة فظهر فساد قولهم وبالله تعالى التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(1/294)
باب3/ الفصل في الملل ج4/ص38 وقال أهل السنة والحسين النجار وأصحابه وبشر ابن غياث المريسي وأبو بكر بن عبد الرحمن ابن كيسان الأصم البصري وغيلان ابن مروان الدمشقي القدري ومحمد بن شبيب ويونس بن عمران وأبو العباس الناشي والأشعري وأصحابه ومحمد بن كرام وأصحابه أن الكفار مخلدون في النار وأن المؤمنين كلهم في الجنة وإن كانوا أصحاب كبائر ماتوا مصرين عليها وأنهم طائفتان طائفة يدخلون النار ثم يخرجون منها أي من النار إلى الجنة وطائفة لا تدخل النار إلا أن كل من ذكرنا قالوا لله عز وجل أن يعذب من شاء من المؤمنين أصحاب الكبائر بالنار ثم يدخلهم الجنة وله أن يغفر لهم ويدخلهم الجنة بدون أن يعذبهم ثم افترقوا فقالت طائفة منهم وهو محمد بن شبيب ويونس والناشي أن عذب الله تعالى واحدا من أصحاب الكبائر عذب جميعهم ولا بد ثم أدخلهم الجنة وأن عفر لواحد منهم غفر لجميعهم ولا بد وقالت طائفة بل يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء وإن كانت ذنوبهم كثيرة مستوية وقد يغفر لمن هو أعظم جرما ويعذب من هو أقل جرما وقال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم يغفر لمن يشاء من أصحاب الكبائر ويعذب من يشاء منهم إلا القاتل عندا فإنه مخلد في النار أبدا وقالت طائفة منهم من لقي الله عز وجل مسلما نائبا من كل كبيرة أو لم يكن عمل كبيرة قط فسيئآته كلها مغفورة وهو من أهل الجنة لا يدخل النار ولو بلغت سيئاته ما شاء الله أن تبلغ ومن لقي الله عز وجل وله كبيرة لم يتب منها فأكثر فالحكم في ذلك الموازنة فمن فمن رجحت حسناته على كبائره وسيئاته فإن كبائره كلها تسقط وهو من أهل الجنة لا يدخل النار وإن استوت حسناته مع كبائره وسيئآته فهؤلاء أهل الأعراف ولهم وقفة ولا يدخلون النار ثم يدخلون الجنة ومن رجحت كبائره وسيئاته بحسناته فهؤلاء مجازون بقدر ما رجح لهم من الذنوب فمن لفحة واحدة إلى بقاء خمسين ألف سنة في النار ثم يخرجون منها إلى الجنة بشفاعة رسول الله(صلى الله(1/295)
عليه وسلم)وبرحمة الله تعالى وكل من ذكرنا يجازون في الجنة بعد بما فضل لهم من الحسنات وأما من يفضل له حسنة من أهل الأعراف فمن دونهم وكل من خرج النار بالشفاعة وبرحمة الله تعالى فهم كلهم سواء في الجنة ممن رجحت له حسنة فصاعدا . قال أبو محمد فأما من قال صاحب الكبيرة يخلد وصاحب الذنب كذلك فإن حجتهم قول الله عز وجل . ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . وقوله تعالى من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار وقوله تعالى والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وقوله تعالى ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وبقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما .(1/296)