الموقف العقدي من تعليل الأحكام الشرعية عند الظاهرية
سليمان بن الحسن القراري
تقديم:
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والشكر له كما يجب لجزيل نعمائه وكثير ألطافه، والصلاة والسلام على نبيّه ورسوله وعلى آله وأصحابه.
أما بعد، فإن التشريع الإسلامي لم يخل من الحديث عن موضوع تعليل الأحكام الشرعية، سواء في عصر الاجتهاد، حيث بحثه العلماء بحثًا عمليًّا، فكان سببا للنهضة الفقهية التي شهدها المسلمون وقتها، أو في عصر التقليد لما بحثوه بحثا نظريًّا يقوم على النظر في مسالكه وضوابطه. وهذا الاهتمام البالغ الذي أولاه العلماء ـ قديما وحديثا ـ لموضوع التعليل يرجع إلى المسالك الشرعية الناصَّة عليه، والناطقة به، وأولها مسلك القرآن الذي وجّه المجتهد إلى ضرورة تعليل الأحكام الشرعية، فلم يَسر في تبيين ذلك مسارًا واحدًا، بل نوّع وغاير، كما أنه فصّل وأجمل، فمرة يذكر وصفًا مرتبًا عليه حُكما، فيفهم المخاطَب أن الحكم يدور مع ذلك الوصف وجودًا وعدمًا، ومرة أخرى يذكر مع الحكم سببه مقرونًا بحرف من حروف السّببية مقدمًا أو مؤخرًا، وحينا يذكر الحكمَ معلَّلا بحرف من حروف التعليل، وفي مواضع أخرى يأمر بالشيء أو ينهى عنه مبيِّنًا مصالحه أو مفاسده[1]. وما قيل عن التعليل في مسلك القرآن يُقال مثله في مسلك السنة النبوية.(1/1)
وعلى هدي المسلَكيْن سار الصحابة والتابعون، ثم الأئمة المجتهدون، فكان ذلك بمثابة إجماع منهم على أن الأحكام الشرعية معلَّلة بالحكم والمصالح، إلى أن ابتلي الأصوليون بصناعة الكلام، فدرسوا موضوع التعليل باعتباره بحثًا عقديًا، مستمدين حجيته من صفة الحكمة الإلهية، والتي إن فُسرت بمطلق المشيئة اقتضى هذا التفسير عدم التعليل مطلقا، الأمر الذي يعود على الحكمة بما يتنافى مع الكمال الإلهي من العبث، وإن فُسرت بالمصالح اقتضى القول بالتعليل مطلقًا، إنما على حساب الإرادة الإلهية التي تكون ـ بذلك ـ خاضعة للدواعي والأغراض، وهو ما يتنافى مع الكمال الإلهي أيضا. من هنا جاء التعقيد والتبس بموضوع التعليل كلام خطير أفرد له المتكلمون بابا في مؤلفاتهم العقدية تحت عنوان «تعليل أفعال الله تعالى» باعتباره مقدمة كلاميَّة ينبني عليها التعليل الأصولي. فالمعتزلة لما قالوا بوجوب التعليل في علم الكلام، كانت لهم فسحة في القول بوجوبه في علم الأصول، والماتريدية لما قالوا بجوازه لا وجوبه في علم الكلام دفعهم ذلك إلى تجويزه في علم الأصول أيضا، ويأتي ابن حزم (توفي456هـ) من الظاهرية ـ متابعة لأشياخه ـ فيشن حملته على المعلِّلين في علم الأصول بإقامة الحجج على إبطال التعليل في علم الكلام.(1/2)
وقبل التطرق إلى الحديث عن موقف الظاهرية من التعليل العقدي باعتباره مقدمة كلامية ـ كما اتضح ـ فرضت عليهم إنكار التعليل الأصولي وجب بيان معنى التعليل، ففي وضع اللسان التعليل مصدر علّل بمعنى سقى سقيا بعد سقي، ويُقال علَّ الضاربُ المضروبَ إذا تابع عليه الضرب[2]. أما اصطلاحًا فالتعليل إظهار عليّة الشيء، سواء كانت العلة تامة أو ناقصة، وقيل هو تقرير ثبوت المؤثر في إثبات الأثر، وهو بخلاف الاستدلال الذي يُعرف بتقرير ثبوت الأثر لإثبات المؤثر، وقيل بل يدخل في معناه إن قيل الاستدلال هو تقرير الدليل لإثبات المدلول، سواء كان ذلك من الأثر إلى المؤثر أو العكس، أو من أحد الأثرين إلى الآخر[3]، لذا قال أهل المناظرة التعليل ما يستدل فيه من العلة على المعلول، ويسمى عندهم برهانا لمّيا[4] وهو نوع من الاستدلال.
والعلة المُعلَّل بها أفعال الباري تعالى هي العلة الغائية المعبَّر عنها بالغرض، وهي لا تصدر إلا عن فاعل مختار[5]، وقد علَّل بها أكثر المتكلمين كالمعتزلة والماتريدية ومن وافقهم اعترافًا منهم بمشيئته تعالى واختياره، وردًّا على الفلاسفة الذين أنكروا كونه مختارًا بزعمهم أنه فاعل موجب، إلا أن الظاهرية ومن وافقهم خصَّصوا الحكمة في فعله تعالى دون العلة الغائية، وليس في ذلك ما ينفي كونه مختارًا عندهم[6]، ظنًّا منهم أن الغرض يكون مؤثرًا في نفس الفاعل باعثًا على فعله، وذلك في حقه تعالى محال، فلم يجز التعليل به ولا بأشباهه من الأوصاف[7].(1/3)
أما التعليل عند الأصوليين فهو بيان العلل، وكيفية استخراجها، قد يكون لأجل القياس الشرعي وهو رد فرع إلى أصل لمساواته في علة الحكم، وقد يكون لأجل الاستصلاح بأن يُبحث في الحادثة المستجدة عن معنى يصلح مناطا لحكم شرعي يحكم به بناءً على ذلك المعنى، أو أن يُبحث عن علة الحكم المنصوص عليه لا لتعديته، وهو ما يسمى التعليل بالعلة القاصرة[8]. أما التعليل عند الفقهاء فهو بيان وجه الحكمة والعلة في الحكم الشرعي الواحد[9]، والعلة عند الفقهاء والأصوليين عموما هي المعنى المناسب لشرعية الحكم، وهو ما في الفعل من نفع أو ضرر، وتسمى الحكمة، أو ما يترتب على تشريع الحكم من مصلحة، ويسمى مقصد الشارع أو المصلحة، وإما الوصف الظاهر المنضبط الذي يترتب على تشريع الحكم عنده جلب منفعة أو دفع مضرة بمعنى أنه مناسب لتشريع الحكم عنده.
أولا): موقف الظاهرية من تعليل أفعال الباري تعالى.
لم يثبت وأن خلّف واضع المذهب الظاهري -داود بن علي الأصبهاني (توفي270هـ)- كتبًا في علم أصول الدين، وإنما كرَّس حياته لدراسة فروع الشريعة من فقه وأصول وحديث، وعزوفه عن التأليف الكلامي لا يدل على عدم درايته بعلم الكلام، فمن الثابت أن للرجل مواقف كلامية، وقد حفظ لنا التاريخ البعض منها كقوله بخلق القرآن. ثم إن أكثر آرائه الأصولية تنطوي تحتها خلفيات كلامية أبان عنها ابن حزم باعتباره المؤسس الفعلي لمذهب الظاهرية بالغرب الإسلامي، والذي ضَمِن للتوجه الظاهري الاستمرارية بفضل ما ألفه من كتب لا زالت إلى الآن محل تحقيق وتدقيق.(1/4)
وفيما يخص موضوعنا فقد خلَّف ابن حزم مجموعة من الآراء حول قضية التعليل العقدي، فهو يرى أن الحكيم بيننا لا يفعل إلا لعلة صحيحة، وأن السفيه هو الذي يفعل لا لعلة، إنما فعل الحكيم تعالى يكون فعلا محكما لأنه سماه كذلك، فلا اعتبار للحكمة الإلهية بالعلل كما في الشاهد، وبالتالي لا قياس، يقول موضحا ذلك: «وقالوا الحكيم بيننا لا يفعل إلا لعلة صحيحة، والسفيه هو الذي يفعل لا لعلة، فقاسوا ربهم على أنفسهم، وقالوا إن الله تعالى لا يفعل شيئا إلا لمصالح عباده»[10]. لتكون الحكمة الإلهية عند إمام الظاهرية غير معتبرة بالعلل أو بالأغراض، وإنما تتعلق بالمشيئة فهو يفعل ما يشاء[11]. وهذا نفسه المذهب الذي عوَّل عليه الأشاعرة، إلا أن ابن حزم ـ كعادته ـ شدَّد النكير على المعلِّلين، حتى إنه بالغ في معارضتهم بعقد الأدلة والحجج على إبطال مذهبهم قائلا: «أخبرونا عن هذه العلل التي تذكرون أهي من فعل الله تعالى وحُكمه، أم من فعل غيره وحكم غيره، أم لا من فعله ولا من فعل غيره»[12]، ثم واصل كلامه لما أقرّ الخصم أنها من فعل الله وحكمه قائلا: «قلنا لهم أخبرونا عنكم أفَعلها الله تعالى لعلة أو فعلها لغير علة، فإن قالوا فعلها تعالى لغير علة تركوا أصلهم، وأقروا أنه يفعل الأشياء لا لعلة... وإن قالوا بل فعلها تعالى لعلل أخرى، سئلوا في هذه العلل أيضا كما سئلوا في التي قبلها وهكذا فلا بد لهم من ضرورة من أحد الوجهين لا ثالث لهما، إما أن يقفوا في أفعال ما فيقولوا إنه فعلها لغير علة، فيكونوا بذلك تاركين لقولهم الفاسد أنه تعالى لا يفعل إلا لعلة، أو يقولوا بمفعولات لا نهاية لها، وأشياء موجودة لا أوائل لها، وهذا كفر وخروج عن الشريعة بإجماع الأمة»[13].(1/5)
إلا أن هذا الاعتراض على طوله لا يمكن بحال أن ينطبق على الخصم، لأن المعتزلة ـ مثلا ـ لم يعلِّلوا أفعاله تعالى بعلل موجبة حتى يُقال مثل هذا الكلام، وإنما قالوا هو فاعل مختار، وقد عُلم بأن الاختيار يسلب وصف الجبر من الفاعل فلا يجتمعان، من أجل ذلك يمكن القول بأن كلام ابن حزم ينطبق على الفلاسفة ومن وافقهم من أهل الطبائع وهم من غير المعلِّلين. والذي يوضح ذلك أكثر أن العلة العقلية عند ابن حزم تعني الصفة التي توجب أمرًا إيجابًا ضروريًّا[14]، وهو يشن حملته ضد المعلِّلين كان هذا المفهوم دليله على ما توصل إليه ـ أو أراد التوصل إليه ـ من أن العلل كلها منفية عن أفعال الله تعالى بدعوى أن العلة لا تكون إلا في مضطر[15].(1/6)
أما موقفه من النصوص المشيرة إلى الأغراض في أفعاله تعالى وأحكامه فيقول: «وأما الغرض في أفعاله تعالى وشرائعه فليس هو شيئا غير ما ظهر منها فقط، والغرض في بعضها أيضا أن يعتبر بها المعتبرون، وفي بعضها أن يدخل الجنة من شاء إدخاله فيها، وأن يدخل النار من شاء إدخاله فيها، وكل ما ذكرنا من غرضه في الاعتبار، ومن إدخاله الجنة من شاء، ومن إدخاله النار من شاء، وتسبيبه ما شاء لما شاء، فكل ذلك أفعال من أفعاله، وأحكام من أحكامه، لا سبب لها أصلا، ولا غرض له فيها البتة غير ظهورها وتكوينها فقط»[16]. فيكون الغرض في أفعاله تعالى ـ عند ابن حزم ـ مجرد ثمرة تحصلُُ بمشيئته تعالى وإرادته بعد الفعل غير سابقة أو مقارنه له، ولما كانت الإرادة من صفات الذات فإنها تتقدم الأفعال وتخصص بعضها بالأغراض التي تحصل متأخرة عن الأفعال ولا تتقدمها، مما يعني أن فعله تعالى لا يصدر عن علة لأنه ليس من طبيعة العلل أن تتأخر عن معلولاتها، فتكون هذه الأغراض مجرد علامات للاعتبار، فلا يكون مفهوم الغرض عند الظاهرية عموما سوى «الأمر الذي يجري إليه الفاعل ويقصده ويفعله، وهو بعد الفعل ضرورة»[17]. وهذا ـ في اعتقادي ـ فرار من الزحف، لأن العلة الغائية كما تأتي متأخرة عن الفعل فنطلق عليها ثمرة الفعل، فإنها أيضا تأتي متقدمة عليه فنطلق عليها غرض الفعل، والنزاع الجاري بين المتكلمين ينحصر في غرض الفعل، أيكون تعالى فاعلا لغرض أم لا، أما ثمرة الفعل فالاتفاق حاصل على فعله تعالى لا يخلو من حكمة.(1/7)
ولا يبعد أن إمام الظاهرية قد تعمد الابتعاد عن محل النزاع فاصطنع لمذهبه مصطلحا للغرض بدافع المناظرة، ذلك أن الفلاسفة حين سلبوا الاختيار عن الله تعالى استدلوا على ذلك بقولهم: أنه لو كان مختارا، فلا يخلو إما أن يكون الفعل أولى به من الترك أولا، فإن كان الفعل أولى به، يكون حصوله كمالا له فيكون في ذاته مستكملا به، وإن لم يكن كان عبثا وهو غير جائز على الحكيم[18]. وكي يخرج ابن حزم من هذا الإشكال، وفي الوقت نفسه يثبت الاختيار المعبَّر عنه بالمشيئة الإلهية قال: «الاختيار الذي هو فعل الله تعالى وهو منفي عن سواه، هو غير الاختيار الذي أضافه إلى خلقه ووصفهم به... لأن الاختيار الذي توحَّد الله تعالى به هو أن يفعل ما يشاء، وكيف شاء، وإذا شاء، وليس هذه صفة شيء من خلقه، وأما الاختيار الذي أضافه إلى خلقه فهو ما خلق فيهم من الميل إلى شيء ما، والإيثار له على غيره فقط»[19]. ولا شك أن جواب ابن حزم اضطر إليه لوجاهة الاعتراض المطروح، ولو أنه أمعن النظر فيه لتبين له أنه حجة عليه، ذلك أن الاعتراض الذي عوَّل عليه الفلاسفة في نفي الاختيار هو نفسه الذي عوَّل عليه الأشاعرة في نفي التعليل حين قالوا: الغرض المعلَّل به إما أن يعود إلى الله تعالى، أو يعود إلى الغير، والأول ممتنع اتفاقا، فلم يبق إلا عوده على الغير، وهذا إما أن يكون أولى بالباري تعالى أولا، فإن كان الثاني لم يكن له حظ من الحمل على الفعل، بل يقع الفعل بترجيح مختار، وما وقع كذلك ليس من الغرض في شيء، أما إن كان الفعل أولى بالباري من الترك، كان الاتصاف بالأولى كمال، وقد حصل بواسطة، فيكون للغير مدخل في تحصيل الكمال لواجب الكمال بالذات وهو محال[20].(1/8)
عندها يُجاب عن ابن حزم بنفس الجواب الذي ردَّ به على الفلاسفة فيقال: إن الغرض في فعله تعالى منفي عن سواه، وأن الغرض الذي أضافه إلى خلقه فيه من الميل ما يدعو صاحبه إلى الفعل لاستكمال نفسه، وليس كذلك الغرض في فعله تعالى.
وبعدما اقتنع ابن حزم بأن الطرق الكلامية المعوَّل عليها في تحرير مقالته عن التعليل أمست طرقا شبه متعذرة، التجأ إلى المنقول فساق قوله تعالى: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُون} [الأنبياء: 23] بمعنى أن أفعال الله تعالى لا تجري فيها "لِمَ" مما يفسد القول بقضية تعليل أفعاله بالمرة[21]. لكن أين هذا من قضية التعليل، وهل المعلِّلون قالوا مع الغرض والغاية أنه يُسأل عن فعله حتى يرد عليهم مثل هذا الاعتراض[22]، ثم إن الآية بمعزل عن موضوع التعليل ووضعها هنا مغالطة، إذ لم تأت لبيان أنه تعالى لا يفعل لغاية أو لغرض، بل دلَّت في سياقها على نقيض ذلك، فهو لا يسأل عمَّا يفعله لكمال حكمته، فأفعاله صادرة عن تمام الحكمة مما ينفي اعتراض المعترضين عليه، وسؤال السائلين له[23]، إضافة إلى أن الآية سيقت لبيان أنه لا يُسأل سؤال اعتراض أو استبعاد، أما سؤال بيان واستفسار فمطلوب بدليل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فيِ اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ اَلدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30]
ثانيا: الموقف الأصولي من تعليل أحكام الباري تعالى عند الظاهرية.(1/9)
عقد ابن حزم في كتابه "الإحكام" بابا موسوما بإبطال القول بالعلل في جميع أحكام الدين، أبطل من خلاله تعليل الأحكام الشرعية، وقال إنه القول الصحيح الذي تلقاه شيوخه الظاهرية عن السلف الصالح[24]. وعند التحقيق يتبين أنه مذهب مخترع لم يسبق وأن قال به أحد إلى أن جاء داود الظاهري قبل انصرام القرن الثالث الهجري فنشره في الأوساط الفكرية ببغداد[25]. ويتلخص في أنه تعالى «فرض الفرائض وشرع الشرائع لا لعلة، وإنما يكون الشيء محرَّما بتحريم الله إيَّاه، ومحلَّلا بتحليله له، مطلقا بإطلاقه له، لا لعلة غير ذلك»[26]. ولا شك أن هذا المذهب قد فوَّت على الظاهرية نصف التفقه[27]، إذ كيف يحق لفقيه على وجه الأرض أن يتكلم في الفقه وهو يعتقد بطلان التعليل. وما القياس الشرعي الذي تُلحق بواسطته الوقائع غير المنصوص عليها إلى أحكامها الشرعية إلا حديثا عن التعليل.(1/10)
وإذا كان جمهور الأصوليين قد رفضوا مذهب الظاهرية ولم يلتفتوا إليه، فإنهم في الوقت نفسه لم يسرفوا في التعليل؛ لأن الأحكام الشرعية على أنحاء، منها الأحكام التعبدية كتقديرات الكفارات ومقادير العبادات، وغيرها مما لا يُعقل له معنى، فهي لا تقبل تعليلا اتفاقا، ومنها الأحكام التعليلية التي لم يقم الدليل على الخصوصية فيها فهي محل النزاع، الجمهور قالوا تُعلَّل، والظاهرية قالوا لا تعلَّل[28]. وهي مخالفة صريحة لطريقة السلف اختلقها داود الظاهري، وقد شهدت شيوعا ببلاد المشرق طال القرنين الثالث والرابع الهجريين، إلى حدود القرن الخامس حيث عرفت فرقة الظاهرية تراجعا أخّر مسيرة مذهبها كثيرًا، خصوصا بعد إحياء المذهب الحنبلي بفضل فقهاء كانت لهم مكانة علمية مرموقة[29]. في الوقت نفسه كان ابن حزم يعمل على بعث المذهب الظاهري من جديد في الغرب الإسلامي، فعوَّل كأشياخه المشارقة في إبطال القياس الشرعي على إبطال تعليل الأحكام الشرعية[30]، فبدأ بشن حملته ضد المعلِّلين انطلاقا من علم الكلام حتى يؤصل مذهبه عقائديًّا، ويؤسسه على بنيان مرصوص فقال: «وأما من قال منهم إنه تعالى يفعل لاجتلاب المنافع ودفع المضار عنهم فكلام فاسد»[31]. ووجه الفساد عنده في ذلك أن المعلِّلين قاسوا ذلك على الشاهد، وقالوا الحكيم بيننا لا يفعل إلا لعلة، والسفيه بخلافه «فقاسوا ربهم تعالى على أنفسهم، وقالوا إن الله لا يفعل شيئا إلا لمصالح عباده، وراموا بذلك إثبات العلل»[32]. وابن حزم بهذا كان وفيا لمذهب شيخه داود الذي لم يعلِّل الأحكام الشرعية، أو يعمِّم حكم النص في كل موضع تحققت فيه العلة، وإن كانت بعض المسائل قد ألجأته إلى الأخذ ببعض الرأي فليس أساسه تعليل النصوص[33].(1/11)
ومن وراء هذا المذهب الأصولي ـ كما بينا ـ معتقد ألزم أصحابه رفض تعليل الأحكام الشرعية، ويتجلى أكثر في العلل الموجبة التي أقام عليها ابن حزم حجته في نفي التعليل، باعتبارها عللا مؤثرة داعية في النفوس لوقوع الأفعال في الخارج[34] لا تصح دعوى التعليل بها، وقد قاله صراحة: «العلل كلها منفية عن أفعال الله تعالى، وعن جميع أحكامه البتة، لأنه لا تكون العلة إلا في مضطر»[35]. فلا يبعد أن يكون السبب ذاته قد ألزم شيخه داود وأتباعه إنكار التعليل، ليكون اختلافهم مع الجمهور في مسألة تعليل الأحكام الشرعية مبنيا على اختلافهم في تصور العلل المعلَّل بها. فإذا كانت العلة بمعنى الذي ساقه الظاهرية فلا شك أن التعليل بها خروج عن المعقول والمنقول، وقد امتنع التعليل بها علماء الإسلام قاطبة، ففي علم الكلام علَّلوا بالعلة الغائية، وليس بينها وبين العلة الموجبة تشابه، فالأولى لا تكون إلا في فاعل مختار، وقد علمنا أنه تعالى فاعل مختار، أما الثانية فلا تكون إلا في فاعل مضطر مُجبر على فعله، وهذا ما أنكره المتكلمون خصوصا المعتزلة على الفلاسفة، وقد ظن بعضُ المفكرين أن المعتزلة علَّلوا أفعاله تعالى بنفس العلة الموجبة التي قال بها الفلاسفة[36]. ونحن إذا علمنا أن المعتزلة من أوائل الفرق الإسلامية التي اشتغلت بعلم الكلام بقصد الدفاع عن العقيدة ضد الهجمات الفلسفية، لم يكن من الإنصاف في شيء أن نسويها بالخارجين عن الملة.(1/12)
وكل ما تفرد به المعتزلة بعدما علَّلوا أفعاله تعالى وفق ما تقتضيه المشيئة الإلهية من الاختيار هو قولهم بوجوب التعليل، ومعناه ما لا يصح في العقل عدمه، استنادًا إلى نظرية الصلاح والأصلح، من حيث إن العدل عندهم هو ما يقتضيه العقل من الحكمة التي تكون معتبرة بالمصالح، فلو أنهم ـ حقا ـ علَّلوا بالعلل الموجبة لم يكن للتعليل معنى، فالفلاسفة لما اعتقدوا بهذه العلل في الأفعال الإلهية انتهى بهم المطاف إلى نفي التعليل مطلقًا، لأن الله ـ حسب تصورهم ـ فاعل غير مختار، أما المعتزلة فلمجرد أنهم علَّلوا أفعاله بالأغراض فهو تصريح منهم بأنه فاعل مختار، لكون الغرض ـ كما في الشاهد ـ إنما يكون في الفاعل المختار، وكثيرا ما نجدهم يشددون النكير على من اعتقد بالعلل الموجبة في أفعاله تعالى كما هو حال الفلاسفة الذين قالوا بالطبائع، وصيَّروها عللا فاعلة موجبة للأفعال.
والذي يهمنا في هذا المقام أن الظاهرية رفضوا تعليل الأحكام الشرعية ظنا منهم أن ذلك يستلزم تعليل أحكامه تعالى وأفعاله بعلل موجبة، أما جمهور المعلِّلين فلا يستلزم عندهم التعليل ذلك الاعتقاد، لأجل أن العلل الشرعية عندهم مجرد أمارات على الأحكام، ومن قال هي موجبة فقد قصد من ذلك أنها موجبة في حق العمل بأن جعلها الحكيم موجبة، أما في حقه تعالى فهي مجرد علامات أو معرفات لأحكامه الشرعية. لذا يكون محل النزاع بين الظاهرية والجمهور كامنا في تصور العلل المعلَّل بها، فالظاهرية رفضوا التعليل الأصولي لأجل أن العلة العقلية المعلَّل بها ـ حسب تصورهم ـ في علم الكلام هي العلة الموجبة، أما الجمهور فقالوا بالتعليل الأصولي لأجل أن العلة العقلية المعلَّل بها عندهم في علم الكلام هي العلة الغائية المعبَّر عنها بالغرض، وبالتالي لم يجتمع كل منهما على وِفاق واحد.(1/13)
وإذا رجعنا إلى ابن حزم وجدناه يواصل حملته ضد المعلِّلين، فما يلبث أن يقف عند نصوص مصرَّح بعليَّتها ـ خصوصا وأن مذهبه الظاهري يفرض عليه الأخذ بظاهر النصوص ـ فيقول: «ولسنا ننكر وجود أسباب لبعض أحكام الشريعة، بل نثبتها ونقول بها، لكنا نقول إنها لا تكون أسبابا إلا حيث جعلها الله تعالى أسبابا، ولا يحل أن يتعدى بها المواضع التي نص فيها على أنها أسباب لما جعلت أسبابا له»[37]. وابن حزم بهذا اعترف من جهة أن بعض النصوص معقولة المعنى، أي في الجملة هي لمصلحة العباد، ومن جهة أخرى ضيَّق من اعترافه، وجعل هذه النصوص هي كذلك في ذاتها، بمعنى أن كل نص منها يقتصر حكمه على سببه لا يتعداه، فلا علة ولا معلول[38]، لأن من طبيعة العلل التعدية، أما الأسباب فهي مقصورة على مواضعها لا تتعداها[39].(1/14)
وفي هذا محاولة صريحة من ابن حزم لإبطال القياس الشرعي، ذلك أنه فرَّق بين العلل والأسباب، فالعلة ـ حسب تصوره ـ صفة توجب أمرا إيجابا ضروريا، فمتى وُجدت العلة وُجِد الحكم معها، وعدم إيجاب العلل الشرعية لشيء قبل ورود السمع دليل على بطلان التعليل، يقول في ذلك: «لو كانت العلة التي تدعون في الشرائع موجبة... لكانت غير متخلفة أبدا، كما أن العلل العقلية لا تختلف أبدا، مثال ذلك أن الشدة والإسكار لو كانا علة لتحريم لكانت الخمر حراما مذ خلقها الله تعالى، فالخمر لم تزل مذ خلقها الله تعالى شديدة مسكرة، وقد كانت حلالا في الإسلام سنين»[40]. أما السبب فعلى خلاف العلة قد يوجد ولا حكم مقترن معه، وفي الشرعيات وجدت أسباب ولا مُسبَّبات لها، كما وجدت أخرى ولها أحكام مسبَّبة، فيكون إلحاق هذه بتلك دعوى لا تصدق إلا على العلل، وقد تبين أنه لا عليَّة في الشرعيات. ويؤكد ابن حزم ذلك بقوله: «والعلة لا تفارق المعلول البتة، ككون النار علة للإحراق، والثلج علة للتبريد، الذي لا يوجد أحدهما دون الثاني أصلا، وليس أحدهما قبل الثاني ولا بعده، وأما السبب فهو كل أمر فعل المختار فعلا من أجله لو شاء لم يفعله، كغضب أدى إلى انتصار، فالغضب سبب الانتصار، ولو شاء المنتصر ألا ينتصر لم ينتصر، وليس السبب موجبا للشيء المسبب منه ضرورة»[41].(1/15)
ونحن إذا علمنا أن العلة الشرعية عند المعلِّلين مجرد أمارة على الحكم الشرعي لم يكن لاعتراض ابن حزم معنى، ومن قال إن العلة الشرعية موجبة للحكم كان قصده من ذلك أنها موجبة بجعل الله تعالى، ولم نسمع عن أحدهم قولا يفيد أن العلة موجبة على الله حكما معينا فهذا لا يقوله مسلم، وحتى المعتزلة الذين عرَّفوا العلة الشرعية بالوصف الموجب بذاته للحكم[42]، لم يكن مفهوم الإيجاب عندهم كتأثير العلل العقلية، فوصف القتل ـ مثلا ـ من الأفعال لا يتصور له تأثير كتأثير النار في الإحراق، فهذا مما لا يقول به عاقل، وإنما العقل يحكم بوجوب القصاص لمجرد القتل العمد العدوان، من غير توقف على إيجاب من موجب، وكذا في كل ما تحقق عند المعتزلة أنه علة شرعية بناءً على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين[43]، ذلك أن الوصفين الحسن والقبح عندهم مبناهما المصلحة والمفسدة، والعلة الشرعية تقوم على ذلك، فتكون مؤثرة بذاتها في الحكم بمعنى أن الوصف يتبع المصلحة والمفسدة[44]، فإذا كانت المصلحة تقتضي الفعل ومنع الترك، كان حكم الله تعالى فيه أنه واجب وحسن، وإن كانت المصلحة تقتضي الفعل ولا تقتضي المنع من الترك، كان حكم الله فيه أنه مندوب وحسن، وإن كانت المفسدة تقتضي الكف عن الفعل والمنع منه، كان حكمه أنه حرام وقبيح، وإن كانت المفسدة تقتضي الكف عنه ولا تقتضي المنع من فعله، كان حكمه عند الله الكراهة، أما إن انتفت في الفعل المصلحة التي تقتضي الفعل، والمفسدة التي تقتضي الترك، كان حكمه الإباحة لما استوى فعله وتركه، وبهذا فرّع المعتزلة الأحكام التكليفية الخمسة على المصلحة والمفسدة وما يقتضيانها، بناء على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين[45].(1/16)
وبجانب مصطلح السبب نجد ابن حزم يستعمل مصطلحات أخرى يبرر بها مذهبه القاضي بإنكار التعليل تجاه النصوص المصرَّح بعليَّتها، كالعلامة والمعنى والغرض، وكلها مصطلحات لا تقتضي عنده تعليلا ولا جريانا للقياس[46]، فالعلامة حسب تصوره صفة يتفق عليها ـ مثلا ـ اثنان، فإذا رآها أحدُهما حصل له العلم الذي اتفقا عليه، ومثَّل لهذا بقوله عليه السلام:{إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ.}[47] يقول ابن حزم: «فكانت أصوات الأشعريين بالقرآن علامة لموضع نزولهم»[48]. وفي اعتقادي أن ابن حزم حين رفض القياس الشرعي، لأجل أن الأسباب المنصوص عليها لا تقتضي إلحاق أحكامها الشرعية بمثيلاتها من الأسباب، كان رأيه معقولا ما دام أنه التزم بقانون السببية، إذ من طبيعة السبب أن يوجد ولا مُسبَّب، كذلك في الحوادث المستجدة قد يوجد فيها السبب ذاته الذي لأجله عُلق الحكم الشرعي في غيرها من الحوادث، ومع ذلك لا يلحق حكم هذه الأخيرة بما استجد لمجرد تشابه الأسباب، بدليل أن السبب لم يكن موجبا لشيء من الأحكام قبل ورود السمع، أما وإنه اعتبر هذه الأسباب المنصوص عليها مجرد علامات شرعية فإنه اقترب من مذهب الجمهور، لكون العلة الشرعية عند أكثر الأصوليين مجرد علامة نصبها الشرع أمارة ظنية على وجود الحكم الشرعي، متى تحققت بعد ورود السمع حصل لنا ظن بتحقق الحكم معها، والعمل بالظن الراجح مشروع، فالإسكار ـ مثلا ـ هو علامة شرعية على تحريم الخمر وليس وصفا موجبا، فمتى تحقق وصف الإسكار في شراب معين اقتضى ذلك من المجتهد تحريمه.(1/17)
أما مصطلح "المعنى" فإن ابن حزم شدد النكير على من أطلقه على مسمى العلة، لأن مفهومه كأن «يقول قائل معنى الحرام، فيقول له هو كل ما لا يحل فعله»[49] أي أن مفهوم المعنى لا يخرج عن البيان والتفسير، فكل أمرٍ مبهم يحتاج إلى معنى يفسره، وقد جاء ابن حزم بمثال "الحرام" ومعناه أي تفسيره وبيانه هو كل ما لا يحل فعله. ولا يخفى أن كلامه هذا أراد به جعل العلل الشرعية مجرد معاني مفسرة للنصوص الشرعية فقط. والتعريف الذي ساقه إمام الظاهرية لمفهوم "الحرام" إن محصناه وجدناه تعريفا ناقصا لا يشفي عليلا، لأنه يحتاج إلى قيد زائد على ما قيل، كأن نضيف إلى تعريفه قيد "ضرره" فنقول: الحرام هو كل مالا يحل فعله لضرره، فيكون هذا القيد المضاف مفسر للحرام أكثر لما جاء مُعلِّلا وجه التحريم، ولا شك أنه والعلة في هذا سِيَّان.(1/18)
والمصطلح الأخير الذي ساقه ابن حزم لأجل تفسير النصوص المنصوص على عليتها بما يتوافق مع مذهبه الظاهري مصطلح "الغرض" الذي يعرفه بقوله: «الأمر الذي يجري إليه الفاعل ويقصده ويفعله، وهو بعد الفعل ضرورة، فالغرض من الانتصار مثلا إطفاء الغضب وإزالته، وإزالة الشيء هي شيء غير وجوده، وإزالة الغضب غير الغضب، والغضب هو السبب في الانتصار، وإزالة الغضب هو الغرض في الانتصار»[50]. والذي أراده بقوله هذا أن لبعض الأحكام الشرعية أسبابا، وأن هذه الأحكام بمثابة مُسبَّبات لها، فقد يكون للشارع فيها أغراض يرمي إلى تحقيقها[51]، كالاعتبار وإدخاله الجنة من شاء، وإدخاله النار من شاء، و تسبيبه ما شاء لما شاء، فكل ذلك فعل من أفعاله، وحكم من أحكامه، لا سبب لها أصلا[52]. وإن كان ابن حزم قد اقترب ـ إلى حد ما ـ من مذهب المعلِّلين حين اعترف بالغرض، الذي يأتي متأخرًا في الوجود عن الفعل في بعض أحكامه تعالى، باعتباره حِكمة عند الأصوليين، فإنه في الوقت نفسه ابتعد عنهم لمَّا اعتبر هذا الغرض مجرد وصف ذاتي ليس من ورائه إلا الاعتبار، والذي قاده إلى هذا نظرته العقدية إلى الأغراض في علم الكلام كما بينا.
خاتمة:(1/19)
من خلال ما سبق تبين لنا أن موقف الظاهرية من تعليل الأحكام الشرعية جاء محكوما بمذهبهم العقدي في تعليل أفعال الباري تعالى، وإن لم يثبت عن داود الظاهري أن تكلم في الموضوع من الناحية العقدية صراحة، فلا يعني أن موقفه من التعليل الأصولي لم يكن له مبرر عقدي، إذ إن الأدلة الشرعية الناصَّة على أن الأحكام الشرعية مُعلَّلة بالمصالح مبسوطة لا تخفى على فقيه مثله، وكل ما في الأمر أن علم الكلام وقتها كان علما غريبا غير مقبول عند الفقهاء، فلم يكن بوسع داود الظاهري توظيفه في محاجَّة الخصم، فكان من الطبيعي أن تظل الخلفيات الكلامية التي دفعته إلى رفض التعليل دفينة إثر غياب الآليات المنطقية والكلامية. ولمَّا جاء ابن حزم وعزم على إحياء المذهب الظاهري فرض عليه الوضع الجديد الذي شهد فيه انتشار علم الكلام والجدل الكشف عن الموانع الكلامية التي منعت شيوخه الظاهرية من تعليل الأحكام الشرعية، إذ لم تعد الطرق الكلامية بما تقوم عليه من أقيسة ومبادئ فلسفية منبوذة غير معوَّل عليها في المناظرة كما كانت في أيام شيخه داود، فكانت الفرصة مواتية لابن حزم أن يُظهر الوجه العقدي للمذهب الظاهري بعدما ألِف العلماءُ الطرق الكلامية والمنطقية، فلم يكن غريبا عليهم وقتها أن تُعقد المناظرة حول التعليل ـ بعد الإجماع عليه ـ ما دام الجدل حوله اتخذ مسلكا عقديا غير الذي كان عليه بالأمس البعيد.
هذا وأدعوه تعالى السداد فيما قلت، والرشاد فيما كتبت، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمن الشيطان ومن نفسي، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
هامش المصادر والمراجع:
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref1#_ednref1
[1] - تعليل الأحكام عرض وتحليل لطريقة التعليل وتطوراتها في عصور الاجتهاد والتقليد لمحمد مصطفى شلبي ص:14-15 دار النهضة العربية، ط.2/1401هـ. 1981م(1/20)
[2] - لسان العرب لابن منظور 9/366 اعتنى بتصحيحه أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصادق العبيدي – دار إحياء التراث العربي – ومؤسسة التاريخ العربي – ط.3/1419هـ 1999م.
[3] - التعريفات للجرجاني علي بن محمد ص:87 تحقيق إبراهيم الأبياري - دار الكتاب العربي - بيروت ط.1/1405هـ
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref4#_ednref4-[4] كشاف اصطلاحات الفنون لمحمد علي التهانوي 3/1045 بيروت: دار صادر، د.ط
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref5#_ednref5-[5] المغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي 11/92 تحقيق مصطفى السقا، ومراجعة إبراهيم مدكور، أشرف على تحقيقه طه حسين، القاهرة: الدار المصرية للتأليف، ط./1385هـ. 1965م
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref6#_ednref6 كشاف اصطلاحات الفنون 3/1040 -[6]
[7] - نفائس الأصول في شرح المحصول للقرافي شهاب الدين 7/3388 تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، قرظه عبد الفتاح أبو سنة – المكتبة العصرية صيدا – ط.3/1420هـ 1999م
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref8#_ednref8-تعليل الأحكام ص:12[8]
[9] - مقاصد الشريعة عند ابن تيمية ليوسف البدوي ص:140 - دار النفائس - الأردن ط.1/1421هـ 2000م
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref10#_ednref10-الإحكام لأصول الأحكام لابن حزم الظاهري 8/621 - دار الكتب العلمية -[10]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref11#_ednref11- ابن حزم: المصدر السابق 8/625[11]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref12#_ednref12- ابن حزم: المصدر نفسه 8/603[12]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref13#_ednref13- ابن حزم: المصدر نفسه 8/604[13]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref14#_ednref14- ابن حزم: المصدر نفسه 8/603[14](1/21)
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref15#_ednref15- ابن حزم: المصدر نفسه 8/606[15]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref16#_ednref16- ابن حزم: المصدر نفسه 8/606 [16]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref17#_ednref17- ابن حزم: المصدر نفسه 8/603[17]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref18#_ednref18- تعليل الأحكام ص: 100 [18]
[19] - الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهري 3/36- 37 تحقيق محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمن عمير، دار الجيل، ط.2/1416هـ. 1996م
[20] - الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي تأليف علي بن عبد الكافي السبكي وولده تاج الدين 3/40 كتب هوامشه وصححه جماعة من العلماء – دار الكتب العلمية – ط.1 /1404هـ 1984م.
[21] - ابن حزم حياته وعصره آراؤه وفقهه لأبي زهرة ص: 340 - دار الفكر - القاهرة /1425هـ 2004م
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref22#_ednref22-تعليل الأحكام ص: 102 [22]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref23#_ednref23- مقاصد الشريعة عند ابن تيمية ص: 164 [23]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref24#_ednref24-الإحكام لأصول الأحكام 8/583[24]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref25#_ednref25- ابن حزم حياته وعصره ص: 228 [25]
[26] - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري ص: 470 صححه هلموت ريُِِتر، فيسبادن: دار فرانز شتايز، ط.3/1400هـ. 1980م
[27] - البحر المحيط في أصول الفقه لبدر الدين الزركشي 5 /125 – راجعه عمر سليمان الأشقر - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت ط.2/1413هـ 1992م.
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref28#_ednref28- ابن حزم حياته وعصره ص: 344 [28]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref29#_ednref29- المرجع السابق ص: 230-231[29](1/22)
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref30#_ednref30- الإحكام لأصول الأحكام 8/605[30]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref31#_ednref31- الفصل في الملل 3/153[31]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref32#_ednref32- الإحكام لأصول الأحكام 8/621[32]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref33#_ednref33- ابن حزم حياته وعصره ص: 228[33]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref34#_ednref34- نفائس الأصول في شرح المحصول 7/3388[34]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref35#_ednref35- الإحكام لأصول الأحكام 8/606[35]
[36] - نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي لأحمد الريسوني ص: 219 – دار الأمان – المعهد العالمي للفكر الإسلامي ط.2 /1424هـ 2003م.
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref37#_ednref37-الإحكام لأصول الأحكام 8/602[37]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref38#_ednref38- ابن حزم حياته وعصره ص: 339[38]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref39#_ednref39- المرجع السابق ص: 344 [39]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref40#_ednref40- الإحكام لأصول الأحكام 8/568[40]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref41#_ednref41- المصدر السابق 8/603[41]
[42] - نهاية السول في شرح منهاج الأصول للبيضاوي تأليف جمال الدين الإسنوي 4/55 - عالم الكتب -
[43] - حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على متن جمع الجوامع للإمام لتاج الدين السبكي 1/94 - دار الفكر- بيروت/1402هـ 1982م.
[44] - موسوعة مصطلحات أصول الفقه لرفيق العجم 1/975 - مكتبة لبنان ناشرون- ط1 /1998م.
[45] - نهاية السّول 1/88
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref46#_ednref46- الإحكام لأصول الأحكام 8/604[46]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref47#_ednref47- صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر. [47](1/23)
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref48#_ednref48- الإحكام لأصول الأحكام 8/603-604[48]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref49#_ednref49- المصدر السابق 3/604[49]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref50#_ednref50- المصدر السابق 8/603[50]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref51#_ednref51- نظرية المقاصد ص:221 [51]
http://208.43.234.219/bohooth/ - _ednref52#_ednref52- الإحكام لأصول الأحكام 8/606[52](1/24)