المسئولية الأمنية للمؤسسات التعليمية
ورقة عمل مقدمة لندوة المجتمع والأمن المنعقدة بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض من 21/2 حتى 24/2 من عام 1425هـ :
الدكتور / محمد بن ناصر القرني
الجلسة الأولى/ الاثنين 22/2/1425هـ الساعة التاسعة صباحا
الدور الأمني للمؤسسات التربوية
رئيس الجلسة
معالي الدكتور/ حمد بن إبراهيم السلوم
مدير معهد الإدارة العامة " سابقاً "
الورقة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي منَّ على عبادة بنعمة الأمن والإيمان ، والصلاة والسلام على من بعثة الله رحمة لأهل القرآن وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ،
فإن مهمة الحفاظ على نعمة الأمن ليست مقصورة على رجال الأمن وحدهم ولكن هذه المهمة منوطة بكل مسلم يعلم أن الأمن من أعظم النعم التي امتن وأجزم أن دور( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف(الله بها على عباده عندما قال المؤسسات التعليمية في إرساء دعائم الأمن دور مهم وفعال وخاصة في المرحلة الجامعية التي أصبح الشباب فيها في قمة الحيوية والنشاط وتدافع الأفكار وتجاذب الأطراف من خير وشر فإذا قامت هذه المؤسسات بواجبها الديني وواجبها الوطني تجاه توجيه الشباب التوجيه السليم وجذبهم إلى دائرة الخير والصلاح وحبة مجتمعهم ووطنهم وأمتهم وولاة أمرهم وعلمائهم إن فعلت ذلك فقد أضافت للمجتمع عنصراً مهما وفعالاً وإن لم تفعل ذلك خرج على الأمة أقوامُ يخلون بأمنها فيقتلون ويسرقون ويُكفِّرونُ ويفجرون لخلو عقولهم من العلم الشرعي الصحيح الذي وضع كل شيء في نصابة وقد وفقت كلية الملك فهد الأمنية عندما طرقت هذا الموضوع في ندوة المجتمع والأمن ونسأل الله جلت قدرته أن يوفق ويسدد الجميع ،،،
المبحث الأول
الأمن ضرورة دينية
إن الأمن في الأوطان من أعظم النعم التي تفضل الله Uبها على بني الإنسان ، ويحسن بنا ونحن نتحدث عن الأمن أن نقوم بتوضيح هذا المعنى السامي في لغة العرب .(1/1)
قال ابن منظور : ( والأمن ضد الخوف ، فأما آمَنْتُه المُتَعَدِّي فهو ضد أخَفْتُه وفي التنزيل : ] وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ [(1) وقوله U : ] وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [ (2) قال أبو إسحاق : أراد ذا أمنِ فهو آمنٌ وأمين ، عن اللحياني ، ورجل أمِن وأمين بمعنى واحد ، وفي التنزيل العزيز : ] وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [(3) أي الأمِن يعني مكة وهو من الأمن(4) .
والرسول r بين أن الأمن أعظم مطلب للمسلم في هذه الحياة ، وأنه بحصوله كأن المسلم ظفر بما في الدنيا من ملذات ومشتهيات ، وكل ما يريده في دائرة الحلال ؛ فعن سلمه بن عبد الله بن مِحْصن الخَطْمي عن أبيه قال : قال : رسول الله r :" من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا "(5) .
وهنا يبرز مبدأ عظيم من المبادئ الأساسية التي حثت عليها الشريعة الإسلامية ، وهو عدم السكون والركون للدنيا ، وملذاتها وأن يرتفع المسلم بنفسه إلى طلب الأسمى ، وهو ما عند الله U .
وبين الرسول r في هذا الحديث أن أمن الإنسان على نفسه وماله ومعافاته في بدنه ، ولديه من القوت ما يسد جوعه في يومه أعظم شيء يحصل عليه ، لأن اختلال الأمن تتغير معه الموازين والقيم والأخلاق ، فلا مال يستفاد منه بدون الأمن ، فلا أمن ، ولا صحة ولا حياة ترُجى بدون الأمن ، ولا استقرار ولا تطور بدون الأمن ، فالأمن هو الحياة ، وأعتقد أن الذين يحاولون عبثاً زعزعة الأمن والاستقرار في البلدان لم يفهموا حقيقة الأمن ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص y قال : قال رسول الله r :" والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا "(1) .(1/2)
ولا غرابة في ذلك فإزهاق الأرواح البريئة جريمة عظيمة ، ومفسدة كبيرة تترتب عليها آثار سيئة على الفرد والمجتمع ، ومن أهم تلك الآثار اختلال الأمن ، فإذا أصبح المسلم لا يأمن على نفسه تعطلت جميع المصالح الدينية والدنيوية ، فلا يأمن المسلم على نفسه عندما يريد الذهاب لأداء العبادات في أماكنها المعدة لذلك وهي المساجد ، ولا يأمن كذلك عندما يريد الحج إلى بيت الله الحرام لمن أراد ذلك ، فقد كان الحاج في الماضي يودع أهله على أنه في الأغلب لا يعود بسبب السلب والنهب وقطاع الطرق .
وتتوقف الحركة الاقتصادية في البلاد بسبب عدم وجود العمالة التي تقوم بتنشيط السوق التجاري ، وينعدم التعامل مع الآخرين لجلب ما يمكن احتياجه من البلدان الأخرى ، ويصبح الكساد التجاري هو السمة الظاهرة .
وأخطر من ذلك توقف انتشار الدعوة الإسلامية في البلدان العالمية ، ونحن نعرف أن وظيفتنا الأساسية هي عبادة الله U ، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ لقوله – تعالى-:] وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [(2) ، وقوله – تعالى - ] فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [(3)
وقوله – تعالى - : ]ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...[(1) .
وغير ذلك من المفاسد التي تعكر صفو الحياة وتؤدي إلى ما لا يحمد عقباه ، فهل يعي كل مسلم هذه الضرورة الشرعية من أجل بسط الشريعة الإسلامية والنهوض بالأمة المحمدية لكي تصبح أمة عالمية كما كانت بعقيدتها وأخلاقها ومبادئها وتعاملها مع الآخرين بالتي هي أحسن ، ولا يمكن للغة التكفير أو التفجير أن تبني دولة ، أو تسود أمة والسعيد من وعظ بغيره ، فليت قومي يعلمون .(1/3)
وقال السيوطي : في معنى الحديث السابق الكلام مسوق لتعظيم القتل وتهويل أمره ، وكيفية إفادة اللفظ ذلك هو أن الدنيا عظيمة في نفوس الخلق ، فزوالها يكون عندهم عظيماً ، ويفيد الكلام تعظيم القتل وتهويله وتقبيحه وتشنيعه ما لا يحيطه الوصف(2) .
وعن عبد الله قال : قال رسول الله r : " أول ما يحاسب به العبد الصلاة ، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء "(3) .
وعن جُندب قال حدثني فلان أن رسول الله r قال :" يجيءُ المقتولُ بقاتله يوم القيامة فيقول : سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول قتلتهُ على مُلك فلان "قال جندب فاتّقِهَا ، وفي رواية ( متعلقاً بالقاتل تشخب أوداجه(4) دماً)(5) ولِحُرمة دم المسلم قيل بأن قاتله ليس له توبة وقد ذكرت التوبة لابن عباس فتلا قوله تعالى : ] وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا [ قال ما نسخت منذ نزلت ، وأنىَّ له التوبة ؟(6)(1/4)
ولعظم الأمن في حياة الشعوب كان من أولويات الرسول r عندما هاجر من مكة إلى المدينة أن آخى بين المهاجرين والأنصار حتى تسود المحبة والمودة وتنتفي الأحقاد والضغائن ويسود الأمن ، فقد أخرج النسائي عن أنس y أن النبي r :" آخى بين المهاجرين والأنصار "(1) ، وقرر رسول الله حفظ الكليات الخمس للمسلم لأنه بحفظها يسود المن ، فحَفِظَ النفسَ المعصومة وحَرَّمَ قتلها إلا بحقها وحفظ نسبه فحرم الله الزنا ، وحفظ عرضه فنهى عن التطاول في عرض المسلم ، وحفظ ماله فحرم السرقة وأكل أموال الناس بالباطل ، وحفظ عقله فحرم الله كل مسكر ومفتر ، وأعلن ذلك في أعظم تجمع للمسلمين في ذلك الوقت ، وهو حجه الوادع فقد روى الإمام احمد في مسنده أن النبي r خطب في وسط أيام التشريق فقال:" يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ابْلغْتُ ؟ قالوا : بلغ رسولُ الله r ثم قال :" أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم حرام ثم قال : أي شهرا هذا ؟ قالوا شهر حرام قال : ثم قال أي بلد هذا ؟ قالوا بلد حرام ، قال فإن الله قد حرم بينكم دمائكم وأموالكم قال : ولا أدري قال أو أعراضكم أم لا ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أبلغت ؟ قالوا : بلغ رسول الله r قال يبلغ الشاهد الغائب "(2) بمثل هذه المعاني السامية ساد الأمن جميع البلدان الإسلامية ومن أعظم ما يخل بالأمن استباحة الدماء المعصومة .
المبحث الثاني(1/5)
يخطئ من يعتقد أن مهمة المؤسسات التعليمية تقتصر على تعليم القراءة والكتابة وإعطاء مفاتيح العلوم للطلاب دون العمل على تعليم الناس ما يحتاجون إليه في حياتهم العلمية والعملية وترجمة هذه العلوم إلى واقع يلمسه الناس وأهم شيء يحتاجونه ولا حياة لهم بدونه هو الأمن في الأوطان وأستطيع القول بأن الأمن هو مسؤولية الجميع ولكنه في حق المؤسسات التعليمية آكد لأمرين هما :
1- أن هذه المؤسسات تجمع جميع فآت المجتمع على اختلاف أعمارهم بداية من السن المبكرة التي تتمثل في المرحلة الابتدائية والمتوسطة وهذا السن يسمح للمعلم والمربي أن يصيغ صاحبه بالصياغة التي يريدها فإذا لقي الفرد من يوجهه التوجيه السليم نشأ نشأة طيبة يجني ثمارها المجتمع الذي يعيش فيه قبل فائدته هو وإن كان الحاصل غير ذلك فالعكس هو النتيجة الحتمية .
2- إن الذي يقوم على هذه المؤسسات نحسبهم خلاصة مفكري الأمة ومعقد رأيها وفيهم يجب أن تجتمع الصفات الحميدة المؤهلة لإدراك أهمية الأمر والشعور بالمسؤولية العظيمة الملقاة على عواتقهم .
والمؤسسات التعليمية يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل تختص كل مرحلة منها بشيء من التوجيه والإرشاد حسبما يناسب سن الطالب وأول هذه المراحل المرحلة الابتدائية .(1/6)
والمرحلة الابتدائية هي البيئة الثانية بعد البيت التي يتلقى فيها الطالب جميع المعارف والعلوم ولذلك ينبغي انتقاء الأساتذة المتميزين بالخلق والدين والعلم لهذه المرحلة لأن الطالب في هذه المرحلة يكون التأثير عليه كبير فهو بمثابة العجينة الرطبة التي يمكن لصاحبها أن يصوغها بالصياغة التي يريدها فالطفل لازال على فطرته ويعتبر أن معلمة هو المثل الأعلى في الخلق والمعاملة والدين ولا أدل على ذلك من أنك عندما توجه أبنك الصغير إلى فعل معين أو سلوك معين قد يقول لك إن الأستاذ يقول كذا أو يفعل كذا وكأنه يقلده في كل شيء ومن الواجب على معلم هذه المرحلة أن يكرس لدى الطالب أهمية هذه النقاط :
1- حب الله ورسوله r لأنه بذلك يجلب له الأمن من الله U .
2- محبة شرع الله سبحانه وتعالى لأنه لا نجاة للأمة بدون ذلك .
3- محبة الوطن الذي يعيش فيه وربطة به لأن الرسول r عندما أخرجه الكفار من مكة إلى المدينة قال في فضل مكة فيما أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عديّ بن حمراء قال رأيت رسول الله r واقفاً على الحزورة فقال ( والله إنك لخيرُ أرض الله وأحبُّ أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجتُ منك ما خرجتُ)(1) قال الترمذي حسن غريب صحيح وأخرج أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله r لمكة ( ما أطيبك من بلد وأحبك إليَ ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك )(2) وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
4- أن يحبب إلى التلاميذ ولاة أمرهم وأن يبين لهم أنهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع وأنهم بمثابة الأب وأن يذكرهم بخير أعمالهم لأنهم إذا تربوا على ذلك أصبح الكل لحمة واحدة لا تنفك تحت أي تأثير كان .
5- أن يحبب إلى التلاميذ هذا المجتمع الذي يعيش فيه وأنه بمثابة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ويغرس لديه معرفة لا تقبل النقاش وهي أن المؤمنين إخوة وأنهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً(1/7)
6- أن يربيه على الفضائل من الأعمال والأقوال ويبعده عن المعايب في الأقوال والأفعال .
وأعتقد أن المؤسسة التعليمية التي تنمي في طلابها هذه النقاط المهمة أنها تضمن للمجتمع جزءاً كبيراً من الأمن وقد يبقى هناك أناس يشذون عن ذلك ولكن الشاذ لا حكم له .
المرحلة الثانية : المرحلة المتوسطة والثانوية .
وهذه المرحلة تعتبر من أخطر المراحل في حياة الشباب والفتيات بسبب التغيرات التي تحدث لهم في هاتين المرحلتين من البلوغ وغيره وفي هذه المرحلة يجب أن يشدد على جوانب مهمة مع الأخذ في عين الاعتبار ملاحظة النقاط السابقة في المرحلة الابتدائية منها .
1- إشعار الطالب في هذه المرحلة بأنه أصبح يقترب من مرحلة تحمل المسؤوليات ، وأنه بإمكانه أن يمارس دوره في تحملها على قدر استطاعته .
2- أن ينمي لدى الطالب ملكة التفكير السليم والمشاركة في إبداء الرأي حول بعض القضايا بصرف النظر عن قوله هل هو مقبول أم غير مقبول .
3- أن يوجهه التوجيه السليم في أفكاره ومعتقداته والحرص على أن يكون وفق ما شرعه الله U .
4- التركيز على وجوب اختيار الرفقة الصالحة التي تذكره إذا نسي وتعلمه إذا جهل وتعينه على فعل الخير إذا تكاسل .
5- حثه على وجوب أداء الواجبات وترك المنهيات لأنه في هذه المرحلة أصبح مكلفا يحاسب على أفعاله وأقواله .
6- أن يتعامل الأستاذ مع الطالب تعامل الرجل مع الرجل ليشعره بأنه أصبح عضواً في المجتمع يهمه ما يهمه وأن يطلب منه أن يكون عضواً نافعاً .
7- عدم حشو ذهنه بالانتقادات التي تنمي عنده الشعور بالبغض والحقد تجاه الدول والحكام والمجتمع وعدم إشغاله بمثل هذه الأمور التي تولد عنده التطرف والحقد على المجتمع .(1/8)
8- توضيح الأحكام الشرعية في كثير من المسائل الأمنية كحد القتل والسرقة والحرابة وقطع الطريق والخروج على الحكام وقتل المسلم والمعاهد والذميّ وحد شرب الخمر والزنا وغير ذلك ليعرف مثل هذه الأحكام قبل أن يصطاده أصحاب الأفكار المنحرفة فيفسدون عليه فكرة والوقاية خير من العلاج .
وأجزم أن الطالب إذا تلقى مثل هذه المعاني السامية في هذه المرحلة الخطيرة من حياته بأسلوب محبب وبقناعة من الملقي والمتلقي فإن هذا سيساهم مساهمة كبيرة في إرساء دعائم الأمن في المجتمع لأننا نرى ظاهرة الإخلال بالأمن من قبل بعض الشباب وأظن أن هذا يرجع إلى جهلهم بكثير من الأحكام الشرعية .
المرحلة الثالثة : المرحلة الجامعية .
وهذه المرحلة وإن كانت مهمة في حياة الأمة إلا أنها في نظري إذا تشبع فكر الشباب بما ذكرت في المراحل السابقة يسهل على الأستاذ التوجيه والإرشاد في هذه المرحلة وأظن أن الأمور التي يجب على المؤسسات التعليمية مراعاتها في هذه المرحلة ما يلي :
1- إخبارهم بأنه يجب عليهم التمسك بكتاب الله U قولاً وفعلاً .
لأن الله U عندما أرسل رسول الله r إلى هذه الأمة انزل معه الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وجعل فيه كل أمر يهم الأمة الإسلامية ، فهو كتاب يهدي إلى الصراط المستقيم ، وسبب لدخول جنات النعيم ، مَنْ تمسك به هُدى ، ومَنْ خالفه شقي ، وما ربك بظلام للعبيد ، فيه خبر ما قبلنا ، وحكم ما بيننا ، وفيه وعد ووعيد ، أمر الله U بالتمسك بهذا الكتاب ، لأنه سبحانه يعلم أن فيه العزة ، والكرامة ، وفيه العدل والمساواة ، وفيه الشفاء لما فيه الصدور ، وفيه الشفاء للأمراض ، فقال
تعالى - : ] فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [ (1) .(1/9)
وقال تعالى : ] لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [(2) .
وقال تعالى : ] وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [ (3)
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى – في معنى الآية : ( أي خذ بالقرآن المنزل على قلبك ، فإنه هو الحق ، وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم الموصل إلى جنات النعيم ، والخير الدائم المقيم ) .
ثم قال U :] وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ [ قيل معناه لشرف لك ولقومك ، قاله ابن عباس y ومجاهد ، وقتادة ، والسّدي ، وابن زيد ، واختاره ابن جرير ولم يحك غيره .(4)
فإذا كان هذا القرآن شرفاً لقومه r ثم تركوه ، فإن الشرف سيذهب ، ويبقى بعده الحقارة ، والانحطاط ، وقد بين الرسول r أن هذا القرآن بالنسبة للمسلم أهم من الغذاء ، والماء والهواء ، فقال :" إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب ".(5)
وقد روى الترمذي حديثاً عن علي y قال : سمعت رسول الله r يقول: " ألا إنها ستكون فتنة ، فقلت : ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ، ليس بالهزل ، ومَنْ تركه مِنْ جبار قصمه الله ، ومَن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الردَ ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا ] إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدً [، من قال به صدق ، ومَنْ عمل به أجر ، ومَنْ حكم به عدل ، ومَنْ دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم(1). حديث غريب ، وفيه مقال .(1/10)
وقال r : " إن هذا القرآن حبل الله ، والنور ، والشفاء النافع ، عصمهُ لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه ... الحديث "(2) .
وأخرج مسلم – في صحيحه – عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله r :" ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله U هو حبل الله المتين مَن ابتعه كان على الهُدى ، ومن تركه كان على ضلالة "(3) .
والأحاديث في ذلك كثيرة يطول ذكرها ، ولكن حسبنا أننا وقفنا على بعضها ، وعرفنا أن القرآن الكريم مصدرُ عزِّ ، وسؤدد ، ورقي ؛ لهذه الأمة ، ولكنها أعرضت عنه ، فلم تتخذه شريعة ، ومنهاجاً ، واستبدلت الذي هو خير بالذي هو شر ، فأخذت القوانين الوضعية بدلاً من الشريعة الإسلامية فسقطت من عليائها ، وضلت في مجاهيل الحياة ، وسلط عليها عدوها وكان هذا البعد أحد أسباب تخلفها .
ولتحقيق إبعاد الناس عن القرآن الكريم حاول أعداء الإسلام إثارة بعض الشبهات على القرآن الكريم نجملها فيما يلي:
- الشبه الأولى : أن هارون مريم ليس هارون موسى .
- الشبة الثانية : أن في القرآن اختلافاً وتناقضاً .
- الشبة الثالثة : حديث القرآن الكريم عن أهل الكتاب ، حيث ضمن لهم العزة والانتصار عندما قال في حديثه لعيسى u : ] وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [ (1)
- الشبه الرابعة : تطهر المسلمين بالماء دون الورق .
وغير ذلك من الأباطيل الكاذبة المفتراه على الإسلام (2)
ولكن الله U حفظ هذا الكتاب من التحريف ، والتبديل ، وقد يقصر أتباعه في تمسكهم بكتاب الله ، وجهلهم له ، ولكن تبقى هناك طائفة على الحق منصورة وسيبقى هذا الكتاب مصدر تشريع لهذه الأمة إلى يوم القيامة .
قال تعالى :] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [(3) .
2- إخبارهم بأنه يجب عليهم التمسك بسنة الرسول r .(1/11)
لأن الله U أرسل رسوله r إلى البشرية هادياً ، ومبشراً ، ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه ، وسراجاً منيراً ، جاء إلى هذه الأمة ، وهي تتخبط في دياجير الظلام تعبد الأصنام ، وتعظم الأشجار ، والأحجار ، وتدفن النبات خوف العار ، ويقتل الرجل الرجل على أبسط الأشياء ، والسرقة ، والنهب ، والقتل من شيمهم ، والغش ، والكذب ، والخداع من شمائلهم .
وكانت سنة الرسول r عامل بناء لكيان هذه الأمة ؛ لذا بين الرسول r أن التمسك بسنته هو الخلاص من التردي ، فقد أخرج أبو داود وغيره عن العرباض بن سارية y قال : قال رسول الله r :" أوصيكم بتقوى الله ، والسمع ، والطاعة ، وإن عبداً حبشياً فإنه من يعيش منكم بعدي فسيري اختلافاً كثيراً بسنتي ، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور " فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"(1)
قال الزهري : كان مَنْ مضى من علمائنا يقولون : الاعتصام بالسنة نجاه ، والعلم يقبض قبضاً سريعاً فنعش العلم ثبات الدين ، والدنيا وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله .
ولا شك أن سنة الرسول r - وحي من الله - U لقوله تعالى :] وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى [(2) .(1/12)
ولأهميتها في حياة الأمة ، ولأنها ركيزة من ركائز الإسلام ، والمصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية حاول أعداء الإسلام تشويه سنة الرسول r بنشر الأكاذيب ، والأباطيل التي يظنون من خلالها أنهم سيحققون ما يريدون من كيدهم لهذا الدين ، فيزعم بعضهم أن أحاديث نبوية كثيرة زائفة ، وملفقة ، ويزعم آخر أن نصف الأحاديث المدونة في صحيح البخاري ليست أصيلة ، وغير موثوق بها ، ويقول أحدهم : إن أسانيد الحديث النبوية عملية ملفقة ، وغير ذلك من الهراء الذي يتم عن حقد دفين لهذا الدين ، وقد ذكر الأستاذ احمد محمد جمال في كتابه : مفتريات على الإسلام تحت عنوان الحديث النبوي في نظر المستشرقين كثيراً من هذه الأباطيل(3) .
ومحاولة تشويه السنة النبوية محاولة عميقة الجذور في تاريخ حربهم للإسلام ، لعزل المسلمين عن دينهم ، وهي حرب تدخل حديثاً في الغزو الفكري للمسلمين ، وقد جند أعداء الإسلام ؛ لتشويه سنة الرسول r ما جندوا من أقلام ، وكتب ، ومجلات ، وبحوث ، وملأوا بهذا التشويه كثيراً من الكتب ، والمجلات ، ودوائر المعارف التي تتحدث عن الإسلام .
ولكي يحققوا ذلك عمدوا أيضاً إلى تشويه شخص الرسول r لأنه الذي جاء بهذا الدين فإن قدروا على ذلك فإن ما يأتي به سيكون مشوهاً ولا يعلمون أن الله U حفظ هذا الدين قديماً فلم يفلحوا قالوا : إنه ساحر مجنون فبرأه الله مما قالوا ، وقالوا معلم ، وقالوا غير ذلك (1) .
ولكن الأمة الإسلامية حتى ولو لم تصدق ما يقال ، فإنها عطلت كثيراً من كتاب الله U وكثيراً من سنة الرسول r ، وذلك عندما لم يعملوا بهما ، وعندما فعلوا ذلك تأخروا عن ركب الأمم ، وبقوا في ذيل القائمة .
3- إخبارهم بأنه يجب عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .(1/13)
لأن الأمر المعروف ، والنهي عن المنكر هو صمام الأمان لجميع الأمم وما تركت أمة ذلك إلا هلكت ، وقد بيّن الله U أن خيرية هذه الأمة ، وأمانها في التزامها بهذا الحب المتين ، لكي تنجوا من الهلاك قال تعالى :] كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [(2) .
قال ابن كثير : يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنها خير الأمم ، وقال : يعني خير الناس للناس ، والمعنى أنهم خير الأمم ، وأنفع الناس للناس)(3) .
وقال تعالى آمراً الأمة بأن يكون فيها طائفة تدعو إلى الخير ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر :] وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [(4) .
وقال تعالى : ] خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [(5)
قال سيد قطب – رحمه الله - : ( وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة المسلمة ؛ لتعرف حقيقتها ، وقيمتها ، وتعرف أنها أخرجت ؛ لتكون طليعة ، ولتكون لها القيادة بما أنها خير أمة ، والله يريد أن تكون القيادة للخير لا للشر في هذه الأرض ).
وقال – أيضا- : ( وفي أول مقتضيات هذا المكان أن تقوم على صيانة الحياة من الشر ، والفساد ، وأن تكون لها القوة التي تمكنها من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فهي خير أمة أخرجت للناس لا عن مجاملة ، أو محاباة )(1) .
وقد أمر الرسول r بتغيير المنكر على قدر الاستطاعة ، فقد أخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري y : سمعت رسول الله r يقول :" مَنْ رأى منكم منكراً فليغره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك اضعف الإيمان "(2) .(1/14)
ومِنْ هذا الحديث يتبين أن إنكار المنكر واجب ولكن يجب أن ينضبط بضوابط شرعية ، فكل مسلم مسئول عن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر على حسب قدرته ، واستطاعته ، ولا يتكلف ما لا يطيق .
وبيّن الرسول r أن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر هو صمام الأمان لهذه الأمة كما تقدم ، ويُوضح ذلك ما أخرجه البخاري وغيره عن النعمان بن بشير عن النبي r قال : " مثل القائم في حدود الله ، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ، فصار بعضهم أعلاها ، وبعضهم أسفلها ، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَنْ فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولو نؤذ مَنْ فوقنا !! فإنْ تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن اخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً (3).
وما أجمل هذا التصوير البليغ من المصطفى r! حيث شبه هذه الدنيا بتلك السفينة الماخرة(1) في البحر لم يردعه الناس عن فعله ذلك هلكوا جميعاً ، وحاله كحال ذلك الرجل الذي ينتهك حرمات الله ، ويتسبب في هلاك الأمة بمعاصيه التي تجلب عليه وعلى مجتمعه الويل والثبور فإذا لم يجد ذلك الرجل من يمنعه عن فعل المنكرات ، وارتكاب المحرمات فإن العقوبة ستكون عامة لكل الناس ثم يبعثون على نياتهم .
وقد أقسم الرسول r أن الأمة إن لم تأمر بالمعروف ، وتَنْهَ عن المنكر يوشك أن يبعث الله عليهم عقاباً منه ، لتفريطهم في طريق النجاة .
فقد أخرج الترمذي عن حذيفة y قال : " والذي نفسي بيده ! لتأمرنّ بالمعروف ، ولتنهونّ عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعون فلا يستجاب لكم "(2) .
وقد بيّن الرسول r أن بداية انحدار بني إسرائيل كان يوم أن تركوا الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .(1/15)
فقد أخرج الترمذي وأبو داود عن ابن مسعود y قال : قال رسول الله r :" إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقي الرجل فيقول يا هذا ! اتق الله ، ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد ، وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله ، وشريبه ، وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ثم قال : ] لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [ (3) ثم قال : كلا والله لتأمرن بالمعروف ، ولتنهوّن عن المنكر ، ولتأخذن على يد الظالم ، ولتاطرنه على الحق أطراً ، ولتقصرنه على الحق قصراً ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم "(1) .
ومما تقدم يتضح أن ترك المسلم للمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر عامل من عوامل تخلف الأمة القوية .
4- تنمية الشعور بالاستقلالية في التفكير والمنهج المستمد من كتاب الله وسنة الرسول r وترك التقليد والتبعية .
لأن المتأمل لتاريخ الأمة الإسلامية يجد أن عزها ، ومجدها يمكن في تمسكها بدينها، وحكمها بكتاب الله ، وسنة نبيها r فكلما كثر التمسك بالمصدرْين السابقيْن كلما زادت أمة الإسلام تقدماً وازدهاراً ، وكلما بعدت عنهما كلما تخلفت ، وأصبحت في مؤخرة الركب .
وقد أخذ بعض المسلمين في تلقيده ، وتعبيته لأعداء الإسلام بسبب الانفتاح ، والانبهار بحضارة الغرب ، وما عندهم من القشور التي يُخيّل إليه من سحرهم أنها كفيلة ببناء الأمم ، وقد رسَّخ هذا المفهوم الاحتلال المباشر لديار المسلمين من قبل الأعداء .(1/16)
وقد حذّر الله U في أكثر من آية عن التقليد الأعمى ، ومقته وحذّر من مغبته في آيات كثيرة فقال – تعالى -:] إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ [(2)
وقال –تعالى – :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء...[(3)
وقال – تعالى - : ] وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ ...[(4)
وقال – تعالى - : ] وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ ...[(1)
ومن هذه الآيات نجد أن الله جلّت قدرته يحذرنا من التبعية بأساليب مختلفة ، فتارة ينهي عن تبعيتهم ، وطاعتهم للكفار ، وتارة يحذر منهم ، وينهي عن الاغترار بمكرهم ، والانصياع لآرائهم ، والتأثر بأعمالهم ، وسلوكهم ، وأخلاقهم ، ويذكر – تعالى – شيئاً من خصالهم السيئة التي تنفر المؤمنين منهم ، ومن تقليدهم ، والاستماع إلى أقوالهم الضالة .
وكذلك السنة النبوية المطهرة ورد فيها عن رسول الله r أحاديث تنهي عن التقليد ، والتبعية ، والتشبه الممقوت ، فقال r :" مَنْ تشبه بقوم فهو منهم".(2)
وقد أخرج الإمام أحمد عن جابر y قال : قال رسول الله r :" لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، وإنكم إما أن تصدقوا بباطل ، وغما أن تكذبوا بحق ، وإنه والله لو كان حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني ".(3)(1/17)
ومَنْ يتأمل حال هذه الأمة يجد أن الناس يقلدون أعداء الإسلام في الأمور الضارة التي تفسد ، ولا تصلح خاصة فيما يتعلق بالأخلاق ، والسلوك ، والمعاملات ، ولم يقلدوهم في الأمور التي يكون فيها صلاح ، وقوة ، وعزة للأمة كالصناعة ، وغيرها من الأمور الضرورية مع أن الإسلام لم ينه عن الأخذ عن الغير ما يكون فيه صلاح للإسلام ، والمسلمين ، فقد أخرج الترمذي عن أبي هريرة y قال : قال رسول الله r :" الحكمة ضالة المؤمن ، فحيث وجدها فهو أحق بها ".(4)
وعندما قلد المسلمون غيرهم في الأمور الضارة تأخروا ، وهبطوا إلى أدنى مستوى لم يصلوا إليه على مر التاريخ ، وبسبب هذه التبعية انحراف الناس عن العمل بالكتاب والسنة ، وتركوا الفكر الإسلامي البنّاء ، وجمّدوا الفقه الإسلامي عن تنظيم الحياة بكاملها وانبهر الناس بالتقدم المادي ، ولم يأخذوا به ، وجهلوا حقيقة الحضارة الغربية الجاهلية .
وبسبب التبعية ضعفت التربية والتوجيه للأجيال المسلمة التي هي عدى المستقبل ونجح أعداء الإسلام في السيطرة على المسلمين سياسياً وفكرياً وعسكرياً.
5- بيان المصادر الفاسدة التي يرجع إليها بعض الشباب ويأخذون منها أحكام تصرفاتهم ويعتبرونها المصادر الأساسية للتلقي .
وقديما قيل من كان شيخهُ كتابهُ فخطؤه أكثر من صوابهِ ، و المتأمل في مرجعية كثير من الشباب اليوم يجد أنها أحدُ ثلاثة مصادر :
أولها : أولئك القوم الذين اتبعوا منهج التكفير واستباحوا دماء المسلمين وأعراضَهم وأموالهَم . وخفروا ذمم المستأمنين الذين لهم عهد وميثاق يقودهم إلى ذلك الجهلُ بالنصوص الشرعية الواردةُ في كتاب الله والسنة النبوية كما صرح بذلك مرجع عن هذا المنهج الخطير وقد سبق لهم الإفتاءُ بذلك .(1/18)
الثاني : الفضائيات وما تبثه من مناهج عدائية لبلد الحرمين الشريفين ، وما تروجُ له من أكاذيبَ وادعاءات باطلة ، الهدفُ من ورائها النيلُ من ثوابتِ بلادنا وزعزعةِ أمنها واستقرارها ، ورغبةً منهم في الإضرار بالاقتصاد والقضاء على المؤسسات الإسلامية التي هي من سمة هذه البلادوالمتتبع لما يُبَثُّ ، ويُقالُ يجد أن الحق الدفين يفيح من تلك البرامج العارية عن توخي الصدقِ والإنصاف .
بل أصبحت عاملَ تلفيق وتحريض وإرجاف ، فالذي ليست عنده حصانة دينية مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله r تجده ينساق وراء مثل هذه الترهات دون رجوع إلى أبسط البديهيات التي بينت كيف يُتَلّقى الخبر وكيف يُرْسل فالله سبحانه وتعالى يقول : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [(1) .
وأعتقد أن كثيرا ممن يروجُ لمثل ما ذكرنا ينطبقُ عليه أنه من الفاسقين ، إن كان من المسلمين ، أما الكافر فلا شك أنه يجتهد في الكذب والافتراء ، لينال من الإسلام وأهله ، وعلماء الحديث يقولون بأن الراوي لا تقبل منه الرواية غلا إذا توفر فيه شرطان هما :
1- العدالة : ويندرج تحتها الإسلام والبلوغ والعقل والسلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة ، فهل يا تُري هذا الشرط يتوفر في أصحاب البرامج التحريضية على المملكة العربية السعودية في القنوات الفضائية .
2- الضبط : ويعرف ذلك بأحد أمرين هما :
أ- الاستفاضة : بين العقلاء من العلماء وغيرهم أن ناقل الخبرِ مشهور بالضبط والإتقان .
ب- أن يعرض : ما يقوله على ما نقله الثقات فإن وافقهم فهو ضابط لما ينقله ، وإن خالفهم ردت روايته .(1/19)
فهل ما يروج له نقله الأخبار في الفضائيات يتفق مع ما يذكره العلماء الموثوق بعلمهم لا أعتقد أنه يوافقهم في أغلب الأحيان واستفاض بين العقلاء كذبهم وحقدهم ، وبذلك يتبينُ فسادُ المصدر لتلقي الأخبار المغرضة التي هدفُها الإفساد لا الإصلاح .
الثالث : الشبكات العنكبوتية في الإنترنت وهذه قاصمة الظهر التي أخذت تشوش على أفكار شبابنا ، وتدعوهم إلى التطرف إما إلى أقصى اليمين أو إلى أقصى اليسار ، لأنه من السهل جداً أن يروج أيُّ حاقد ما يريده من خلال هذه الشبكات ، ومن السهل جداً أن يندس غير المسلم في صفوف المسلمين ويشيعَ بينهم ما يدعوا إلى تمزقهم وتفرقهم ، فتراهم يتناولون الأشخاص بالتجريح والسب والشتم ويحاولون كشف الستر وإثارة الفتن وهذا ليس من منهج النبي r ولا منهج صحابته الكرام ، فالرسول " r كان يقول في توجيهه إلى أمر معين يرى أنه أخطأ فيه أحدُ الأشخاصِ ( ما بال أقوام يقولون إن رحمي لا ينفع)(1) ولا يذكر أحدا بعينه ويقول ( ما بالُ أقوام يتحدثون ..)(2) وهو r يعرفهم ولكنه يريد الإصلاح لا الإفساد والتجريح .
وأود الإشارة هنا على أن أعداء الإسلام نجحوا إلى حد ما في إيجاد فجوة كبيرة بين الحكام والمسلمين وبين العلماء والشباب وجعلوا ذلك العالم الذي يقول الحق ويقدر الأمور قدرها عالم سلطة موجهاً وإن الحكام كفار وعندما تشبع الشباب بهذا الفكر زينوا لهم استباحة دماء المسلمين والمعاهدين ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كرة الكافرون .
فهل ترى أيها المسلم أن هذه المصادر تصلح لتوجيه الناس الوجيه الصحيح؟ كلا والله ، إنها أصبحت منابر للشيطان ، ولكن ناعق حاقد ، تنشر الرذيلة . وتقضي على الفضيلة .(1/20)
فهل آن لأرباب العقول السليمة أن يتنبهوا لما يحاك من مؤامرات ضدَّهم وضدَّ بلادهم وعلمائهم وثوابتهم ومقدارتهم وأود هنا أن أهمس في أذن كلَّ أستاذ جامعي وكلَّ معلم وفيَّ وكل خطيب سويّ وكل والد ووالدة يريدون لأبنائهم أن يكونوا أعضاء صالحين في مجتمعهم أن يقوموا بواجب التوجيه والإرشاد لهؤلاء الشباب وأن يحذروهم من خطر هذه المصادر التي ذكرت سابقا وأن يرجعوا فيما أشكل عليهم إلى علماء الإسلام الموثوق بعلمهم والذين شابت لحاهم في طلب العلم وتعليمه وأن يحذروهم من أنصاف المتعلمين الذين لا تتجاوز نظراتهم أنوفهم .
كما أنني أطلب من المسؤولين في هذه الدولة المباركة تكريس وتعميم المؤسسات الشرعية التي تنشر العلم الشرعي الصحيح بين الناس الوارد في كتاب الله وسنة رسوله r ففي معرفتها المعرفة الحقيقية لن تجد خارجا عن جماعة المسلمين وأئمتهم .
ومحاولة إشغال الشباب بإيجاد فرص علم لهم حتى لا يتسبب الفراغ في إفساد عقولهم ومعتقداتهم وحث الجامعات على استيعاب جميع الأعداد التي تتخرج من الثانويات العامة لكي نقضي على كل من شأنه أن يؤدي على انحراف الشباب وفساده .
(1) سورة قريش آية (4)
(2) سورة البقرة آية (125)
(3) سورة التين آية(3)
(4) لسان العرب 1/222 ، 223
(5) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد باب ما جاء في الزهادة في الدنيا 4/5
(1) أخرجه النسائي في كتاب تحريم الدم 7/82
(2) سورة الذاريات آية (56)
(3) سورة التوبة آية (122)
(1) سورة النحل آية (125)
(2) شرح سنن النسائي 7/82
(3) أخرجه النسائي في كتاب تحريم الدم 7/ 82
(4) الأوداج هي عروق تقتنف الحلقوم فإذا فصد ودج . وقيل الأوداج ما أحاط من العروق ، والودج ما أحاط بالعنق التي يقطعها الذابح ، انظر: النهاية في غريب الحديث 5/165 ، ولسان العرب 15/247
(5) أخرجه النسائي في الموضوع السابق 7/84
(6) أخرجه النسائي في الموضوع السابق 7/87(1/21)
(1) أخرجه النسائي في كتاب الطلاق باب المهدية لمن عرس 6/137 .
(2) مسند الإمام أحمد 5/411
(1) جامع الترمذي 5/380
(2) المرجع السابق 5/380
(1) سورة الزخرف :الآيتان ( 43-44)
(2) سورة الأنبياء : الآية (10)
(3) سورة الأعراف : الآية (170)
(4) تفسير القرآن العظيم 4/128
(5) سنن الدرامي 2/308
(1) جامع الترمذي 4/245
(2) سنن الدرامي 2/310
(3) صحيح مسلم 4/44043
(1) سورة آل عمران : الآية (55)
(2) انظر : مفتريات على الإسلام من 13-34
(3) سورة الحجر : الآية (9)
(1) سنن أبو داود 4/201
(2) سورة النجم : الآيتان (3-4)
(3) مفتريات على الإسلام من 35-48
(1) انظر : محاولة التشويه في كتاب الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام من بحوث مؤتمر الفقه الإسلامي من ص 25-50
(2) سورة آل عمران : الآية (110)
(3) تفسير ابن كثير 1/391
(4) سورة آل عمران : الآية (104)
(5) سورة الأعراف : الآية (199)
(1) في ظلال القرآن 1/447
(2) صحيح مسلم 1/69 حديث رقم (78)
(3) صحيح البخاري 3/225 باب القرعة في المشكلات حديث رقم (2686) ، وجامع الترمذي 3/ 218 حديث رمق (2264)
(1) مخرت السفينة ، تمخر مخراً ، ومخوراً ، جرت تشق الماء مع صوت ، وقيل استقبلت الريح في جريتها ، فهي ماخرة وخرت السفينة مخراً ، إذا استقبلت بها الريح ، وفي التنزيل : ( وترى الفلك فيه مواخر ، ويعني جواري .
(2) جامع الترمذي 3/317 حديث رقم( 2259) ، وقال حديث حسن
(3) سورة المائدة : الآية (78-79)
(1) جامع الترمذي 4/318 حديث رقم (5038) ، وقال حديث حسن غريب .
(2) سورة محمد : الآية (25-26)
(3) سورة المائدة : الآية (51)
(4) سورة المائدة : الآية (48)
(1) سورة المائدة : الآية (49)
(2) سنن أبي داود كتاب لباس الشهرة 2/367
(3) مسند الإمام احمد 2/338
(4) جامع الترمذي 4/155 ، وقال حديث غريب .
(1) سورة الحجرات : الآية (6)
(1) أخرجه الحاكم المستدرك كتاب معرفة الصحابة 4/74(1/22)
(2) المصدر السابق الموضع السابق 4/75
الخاتمة
بعد هذه النظرة السريعة لأهمية دور المؤسسات التعليمية في الحفاظ على الأمن والمشاركة الفعالة من جميع فئات المجتمع أجد أن تعليم الناس علم الشريعة الصحيح المأخوذ من كتاب الله وسنة نبيه × هو صمام الأمان لحفظ الأمن في الأوطان فبمعرفة العلم الصحيح لا تجد قاتلاً ولا سارقاً ولا زانياً ولا شارباً ولا محارباً ولا قاطع طرق ولا معتدٍ على المستأمنين والذميين ولا خارجاً على الحكام مهما كان الأمر مالم يرى كفراً بواحاً معه من الله فيه برهان ولا منتقصاً للعلماء.
أما إذا أصبح دور المؤسسات التعليمية مجرد حشو ذهن الطالب بالمعلومات دون أن يركز على الجوانب المهمة لاستقرار الأمة وأصبح الدور مهمشاً ولا ينبع من قناعة صادقة من الملقي والمتلقي فلا نستغرب خروج مثل هؤلاء الشباب الذين حدث عندهم انحراف فكري ونسأل الله أن يحفظ علينا أمننا وأن يحفظ ولاة أمرنا وعلمائنا وشبابنا من كل سوء ومكروه وصلى الله على نبينا محمد .
مصادر المراجع
1- القرآن الكريم
2- صحيح البخاري .
3- صحيح مسلم .
4- جامع الترمذي .
5- سنن النسائي .
6- سنن أبو داود .
7- سنن ابن ماجه .
8- مسند الإمام أحمد .
9- مستدرك الحاكم .
10- سنن الدارمي .
11- تفسير ابن كثير .
12- في ظلال القرآن .
13- لسان العرب
http://www.minshawi.com/other/qarni.htm(1/23)