المراد الشرعي بالجماعة
وأثر تحقيقه في إثبات الهوية الإسلامية
أمام عولمة الإرهاب والفتنة
إعداد
صالح بن عبد الله بن عبد الرحمن العبود
1423هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، خاتم الأنبياء والرسل ، لا نبي بعده ولا رسول ، بعثه الله إلى الناس كافة ، ينذرهم من الشرك ووسائله وأسبابه ، ويحذرهم من البدعة والفرقة، والمشاقة والتنازع ويدعوهم إلى التوحيد وتحقيقه، واتباع السنة ، والسمع والطاعة ، ولزوم الجماعة فلا خير إلا دل الأمة عليه ، ولا شر إلا حذرها منه، ثم توفاه الله إليه، وأبقى دينه محفوظاً ، وافترض طاعته على الجن والإنس ، وضمن الله أنه مهما تفرقت أمته ، لا تزال طائفة منها ـ هم الجماعة ـ على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خالفهم ، إلى يوم القيامة ، - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى آله وأصحابه ، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : فإن عنوان الورقة هو : ( المراد الشرعي بالجماعة ، وأثر تحقيقه في إثبات الهوية الإسلامية ، أمام عولمة الإرهاب والفتنة ) .
ويتألف من العناصر الآتية :
الجماعة قضية متفق على طلبها في الجملة .
مشكلة البحث: ( الاختلاف في المراد الشرعي بالجماعة ) .
أثر الاختلاف في المراد الشرعي بالجماعة في ضياع الهوية .
تحديد المراد الشرعي بالجماعة ، وأثره في إثبات الهوية .
( المملكة العربية السعودية ) تحقيق واقعي للمراد الشرعي بالجماعة .
( مجلس التعاون لدول الخليج العربي ) توجه إيجابي نحو تحقيق الجماعة .
الخلاصة .
المراجع .
الفهرس .
1- الجماعة قضية متفق على طلبها في الجملة :
الجماعة قضية متفق على طلبها ضرورة في الجملة، وبيان ذلك:(1/1)
أنَّ الإنسان: همام وحارث ، يتحرك بالإرادة ، بالمحبة والبغض ، طلباً لما يسعده ويلائمه ويلتذ به ، وهرباً من ما يشقيه وينافره وينفر منه ، فحركته الإرادية تتبع حبه وبغضه ، يحب ما ينفعه فيتحرك له طلباً، ويبغض ما يضره فيتحرك عنه هرباً ، وهو لا يعيش بذلك منفرداً، بل لا بد له من الاجتماع والتعاون مع بني جنسه ليعيش ، كما قيل: الناس للناس من بدو وحاضرة ، بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم ، وأبلغ من ذلك قول الله تعالى : { أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سُخْرِيّاً ، ورحمة ربك خير مما يجمعون } [الزخرف:32].(1/2)
فالاجتماع الإنساني ضروري للحياة ، لأن الله سبحانه خلق الإنسان وركبه على صورة ضعيفة كما قال الله تعالى: { يريد الله أن يخفف عنكم ، وخلق الإنسان ضعيفاً } [النساء : 28 ] فمن حكمة الله - عز وجل - في هذه الحياة أن خلق الإنسان وركبه على صورة ضعيفة وأعطاه قدرة قاصرة ، لا تقوم حياته ولا يتم بقاؤه بها ، لأن قدرته قاصرة عن تحصيل حاجته من مادة حياته ، وقاصرة عن الدفاع عن نفسه إلا بالاستعانة بأبناء جنسه ، وبالتعاون فيما بينهم تحصل مصلحتهم الضرورية، ولا يتم ذلك التعاون إلا بالاجتماع والجماعة ، وبغير الجماعة لا تتم لهم الحياة الاجتماعية الحضارية المدنية ، سياسياً واقتصادياً وتربوياً، وبغير الجماعة لا يحصل لهم ما يريدونه من المحبوب ، ولا يندفع عنهم ما لا يريدونه من المكروه ، وبغير الجماعة تبطل الحكمة العليا في بقاء الإنسان وحفظ نوعه ، لما أراد الله تعالى من اعتمار العالم به ، واستخلافه إياه في الأرض ، وهذا الاجتماع والجماعة لا تكون إلا باجتماعهم على أمير منهم ، يسمعون له ويطيعون وتكون له الغلبة والسلطان عليهم ، واليد القاهرة الوازع الذي يدفع بعضهم عن بعض حتى لا يصل أحد منهم إلى غيره بعدوان ، لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم والجهل قال الله تعالى : { ...وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً } [الأحزاب:72 ]، وهذا هو معنى الملِك ، قال تعالى: { إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملِكاً نقاتل في سبيل الله } [البقرة:246].(1/3)
وبهذا يتبين أن الجماعة لبني الإنسان خاصة من خواصهم، لا بد لهم منها بمقتضى الفكرة والسياسة والإرادة ، وقد توجد خاصة الجماعة والاجتماع في بعض الحيوانات العجم ، كما في الجراد والنحل والطير وغيرها ، لما استقرئ فيها من اجتماعها على الانقياد والاتباع لرئيس من أشخاصها متميز عنهم في خلقه وجثمانه ، إلا أن ذلك موجود في غير الإنسان بمقتضى الفطرة والهداية القدرية الكونية ، لا بمقتضى الفكرة والسياسة والهداية الشرعية الاختيارية كما في بني الإنسان ، فسبحان الله، { الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [طه:50]، ولا بد للبشر لكي تتم مصلحتهم الاجتماعية من تشريع يرجع إليه ويحكم به عند الاختلاف ، وذلك التشريع يكون بشرع واجبات ومحظورات تلتزم دينا مفروضاً على الجميع ، يدان به كل مخالف جزاءً وحساباً ، وهذا هو الدين المشترك بين الجماعة ، ديناً رضوه لأنفسهم باختيارهم ، وهو: إما دين أذن الله به ، أو لم يأذن الله به ، لكنه أصبح ديناً اجتمعوا عليه ، قد يكون باطلاً فاسداً في مآله ، إذا آل إلى مضرة لهم خالصة ، أو آل إلى مضرة لهم راجحة على منفعته، وقد يكون دين حق رضيه الله لهم، إما لأن منفعته خالصة أو لأنها راجحة (1) .
__________
(1) ينظر: مقدمة العلامة ابن خلدون، ص – ص41-44، المكتبة التجارية بالقاهرة ، وجامع الرسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، المجموعة الثانية ، دار المدني بجدة ، ط1 عام 1405هـ، ص ـ ص 218 _ وما بعدها .(1/4)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( كل طائفة من بني آدم لا بد لهم من دين يجمعهم ، إذ لا غنى لبعضهم عن بعض وأحدهم لا يستقل بجلب منفعته ودفع مضرته ، فلا بد من اجتماعهم ، وإذا اجتمعوا فلا بد أن يشتركوا في اجتلاب ما ينفعهم كلهم ، مثل نزول المطر، وذلك محبتهم له ، وفي دفع ما يضرهم مثل عدوهم ، وذلك بغضهم له ، فصار ولا بد أن يشتركوا في محبة شيء عام ، وهذا هو دينهم المشترك العام ، وأما اختصاص كل منهم بمحبة ما يأكله ويشربه وينكحه ، وطلب ما يستره باللباس ، فهذا يشتركون في نوعه لا في شخصه ، بل كل منهم يحب نظير ما يحبه الآخر لا عينه ، بل كل منهم لا ينتفع في أكله وشربه ونكاحه ولباسه بعين ما ينتفع به الآخر ، بل بنظيره .
وهكذا هي الأمور السماوية في الحقيقة ، فإن عين المطر الذي ينزل في أرض هذا ، ليس هو عين الذي ينزل في أرض هذا ، ولكن نظيره ، ولا عين الهواء البارد الذي يصيب جسد أحدهم ، قد لا يكون نفس عين الهواء البارد الذي يصيب جسد الآخر ، بل نظيره لكن الأمور السماوية تقع مشتركة عامة ، ولهذا تعلق حبهم وبغضهم بها عامة مشتركة بخلاف الأمور التي تتعلق بأفعالهم كالطعام واللباس ، فقد تقع مختصة ، وقد تقع مشتركة
وإذا كان كذلك فالأمور التي يحتاجون إليها، يحتاجون أن يوجبوها على أنفسهم، والأمور التي تضرهم ، يحتاجون أن يحرموها على نفوسهم ، وذلك دينهم ، وذلك لا يكون إلا باتفاقهم على ذلك ، وهو التعاهد والتعاقد ولهذا جاء في الحديث: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له))(1).
__________
(1) مسند أحمد 3/135، 154، 210، 251 .(1/5)
فهذا هو الدين المشترك بين جميع بني آدم ، من التزام واجبات ومحرمات ، والوفاء بالعهد والعقد ، وهذا قد يكون باطلاً فاسداً ، إذا كان فيه مضرة لهم راجحة على منفعته ، وقد يكون دين حق إذا كانت منفعته خالصة أو راجحة ، قال تعالى: { لكم دينكم ولي دين } [الكافرون:6 ]، وقال تعالى : { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } [يوسف:76 ] أي في قانون الملك ، وقال تعالى: { ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب } [التوبة:29] والدين الحق هو طاعة الله وعبادته،...ولا يستحق أحد أن يعبد ويطاع على الإطلاق إلا الله ، وحده لا شريك له، ورسله وأولوا الأمر ، أطيعوا لأنهم يأمرون بطاعة الله ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه : (( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن عصى أميري فقد عصاني )).(1/6)
وأما العبادة فلله وحده ليس فيها واسطة ، فلا يعبد العبد إلا الله وحده"(1)، لأن الله تعالى هو المنفرد بالنفع والضر، وشرع تعالى أن كل عمل لا يكون غايته إرادة الله وعبادته ، فهو عمل فاسد غير صالح ، باطل غير حق، أي لا ينفع أصحابه ولو اجتمعوا عليه قال تبارك وتعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } [الشورى :13] ، وقال تعالى: { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء } [سورة الأنعام: 159] ، وقال تعالى : { ولا تكونوا من المشركين ، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون } [الروم : 31،32]، وقال الله تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } [ آل عمران:19] ، وقال تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } [آل عمران: 83 ].
__________
(1) جامع الرسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية ، تحقيق محمد رشاد سالم ، المجموعة الثانية، دار المدني بجدة، ط 1 عام 1405هـ، ص ـ 221 _ وما بعدها .(1/7)
فالجماعة على الإسلام ، إثبات لهوية المجتمع الإسلامي ، وعدمها عدم لهوية المجتمع الإسلامي ، بل إن إثبات الهوية الإسلامية ذاتها على الكمال الواجب ، يتوقف على وجود الجماعة على الإسلام ، ووجود الجماعة ، يتوقف على وجود الإمارة ، ووجود الإمارة يتوقف على وجود السمع والطاعة ، فلا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة ، كما روى الدارمي في سننه بسند جيد عن يزيد بن هارون، أنا بقية ، حدثني صفوان بن رستم ، عن عبد الرحمن بن ميسرة ، عن تميم الداري ، قال : تطاول الناس في البناء في زمن عمر فقال : " يا معشر العُرَيب ! الأرض الأرض ، إنه لا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ولا إمارة إلا بطاعة ، فمن سوده قومه على الفقه كان حياة له ولهم ، ومن سوده قومه على غير فقه كان هلاكا له ولهم"(1) .
ففي هذا الأثر العظيم عن عمر: بيان أن هذه الثلاثة متلازمة، آخذ بعضها ببعض، لا قيام للإسلام على الكمال الواجب إلا بها.
وقد أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - بلزوم الجماعة ولزوم إمامهم ، والاجتماع عليه بالسمع والطاعة للأمير بالمعروف، وإن ضرب الأمير الظهر وأخذ المال، أمرا يدل على الوجوب ، من أجل تحقيق وجود الجماعة ، لما في وجودها من المصلحة العظمى ، ونهى عن الخروج على الجماعة ومفارقتها، نهياً يدل على التحريم ، لما في ذلك من التفرق والضعف وضياع الهوية والمفسدة الكبيرة .
وقد ترجم الإمام النووي لأحاديث صحيحة في صحيح مسلم، تدل على هذا الحكم الشرعي دلالة قاطعة، فقال: " باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ، وفي كل حال ، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة " (2) .
__________
(1) سنن الدارمي ، المقدمة، ج1/ص79 ، وينظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية ، 7/270-277، حكم الانتماء للشيخ بكر أبو زيد ، ط2 ، ص59 .
(2) صحيح مسلم المجلد 2/1475 ، وانظر : أحاديث الباب من رقم (1847-1851) .(1/8)
منها ما في صحيح مسلم ومسند أحمد من حديث ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - ، وفي حديثهما ، قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية )) .
وفي سنن أبي داود والترمذي عن أبي ذر والحارث الأشعري رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من فارق الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه )) .
وفي سنن النسائي عن شريح الأشجعي قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس ، فقال: (( إنه سيكون بعدي هنات وهنات ، فمن رأيتموه فارق الجماعة، أو يريد يفرق أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم كائناً من كان فاقتلوه، فإن يد الله على الجماعة ، فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض " .
وقال ابن مسعود: " أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به وما تكرهون في الجماعة ، خير مما تحبون في الفرقة ". (1)
__________
(1) المستدرك للحاكم 4/555 ، تفسير ابن جرير7/ 76 ، الشريعة للآجري 1/299 ، ينظر : الأمر بلزوم جماعة المسلمين للبرجس ص38(1/9)
وأخرج مسلم وأحمد ومالك عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا ، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال "(1)، ففي هذا الحديث النبوي الشريف، البدء بأساس الجماعة وأصله ، " أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، والاعتصام بحبل الله ، الذي هو الجماعة ، وعدم التفرق ، ومناصحة ولي الأمر ، وهذه الثلاث قد نص عليها في حديث رواه الإمام أحمد في المسند بإسناد جيد عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( نضر الله امرءاً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره ، فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث خصال لا يَغِلُّ عليهن قلب مسلم أبدا: إخلاص العمل لله ، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم… )) الحديث .
وجاء هذا الحديث بأسانيد بعضها صحيحة ، وبعضها حسنة وبعضها معلولة ، عن جماعة من الصحابة ، فهو متواتر (2) .
وقد جمعت هذه الخصال الثلاث : ـ إخلاص العمل لله ، ومناصحة ولاة الأمر ، ولزوم الجماعة ـ ما يقوم به دين الناس ودنياهم .
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: "لم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها"(3) .
وإن أساس الجماعة ، وائتلاف القلوب ، الثابت أمام إرهاب الفتن، هو التوحيد .
__________
(1) صحيح مسلم 2/1340، رقم 10/1715 . ، الموطأ 2/990 ، رقم 20 .
(2) ينظر:رسالة ، دراسة حديث : نضر الله امرءاً … ، للشيخ عبد المحسن العباد .
(3) مسائل الجاهلية ، ضمن مجموعة التوحيد النجدية ، ط السلفية ، القاهرة ، 1375هـ ، ص236- 237.(1/10)
و العرب خاصة ، لا تدين لأحد بغير كلمة التوحيد ، (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله). وقد بين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقومه حين دعاهم إلى الإسلام ، ذكر ابن كثير في تفسيره أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لعمه أبي طالب ورهطٍ من قريش فيهم أبو جهل، إجابةً لأبي طالب حين قال له : " يا ابن أخي! هؤلاء مشيخة قومك وسرا تهم ، وقد سألوك أن تكف عن شتم آلهتهم، ويدعوك وإلهك ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " يا عم ! أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم ؟ قال وإلام تدعوهم ؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: " أدعوهم أن يتكلموا بكلمة يدين لهم بها العرب، ويملكون بها العجم " فقال أبو جهل من بين القوم: ما هي وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها، قال - صلى الله عليه وسلم - "تقولون: لا إله إلا الله "، فنفروا.(1/11)
قال ابن كثير: وفي رواية ابن جرير قال - صلى الله عليه وسلم - : " يا عم ! إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية "، ففزعوا لكلمته ولقوله فقال القوم كلمة واحدة ! نعم وأبيك عشرا ! فقالوا: وما هي ؟ وقال أبو طالب: وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : " لا إله إلا الله "، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون " أجعل الآلهة إلها واحدا ؟ إن هذا لشيء عجاب" قال ابن كثير: ورواه أحمد والنسائي والترمذي، وقال الترمذي: حسن(1) والشاهد من الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - لمشيخة قومه : " لا إله إلا الله "، "كلمة تدين لكم بها العرب، وتملكون بها العجم ، أو تؤدي لكم بها العجم الجزية " يعني أن العرب إنما تدين بالسمع والطاعة لأهل التوحيد ، وبالتوحيد يكون العرب أئمة وملوكاً، وهذا هو ما يشهد به الواقع التاريخي ! .
فلقد كانت العرب تأنف أن يعطي بعضها بعضا طاعة الإمارة ، كما قال الشافعي رحمه الله : "كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة ، وكانت تأنف أن يعطيَ بعضُها بعضاً طاعةَ الإمارة" (2) .
" فلما دانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطاعة ، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر، الذين أمَّرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا طاعة مطلقة ، بل طاعة مستثناةً ، فيما لهم وعليهم "(3) .
__________
(1) تفسير ابن كثير 4/27،28، وهو في مسند أحمد، مسند بني هاشم ، برقم 1904، وبرقم 3244 ، وفي سنن الترمذي ، كتاب تفسير القرآن برقم 3156، وقال الترمذي حسن صحيح .
(2) الرسالة للإمام الشافعي ، تحقيق أحمد محمد شاكر، ص80
(3) الرسالة للإمام الشافعي، تحقيق أحمد محمد شاكر ، ص80 .(1/12)
فقال الله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } [النساء:59 ]يعني ـ والله أعلم ـ إلى ما قال الله والرسول ، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاءٌ نصاً فيهما ، ولا في واحد منهما، رُدَّ وه قياساً على أحدهما(1) .
لقد بعث الله تعالى رسوله العربي محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، من هذه الجزيرة العربية، إلى الناس كافة ، بل إلى جميع الثقلين، الجن والإنس عموماً، ينذرهم عن الشرك ويدعوهم إلى كلمة التوحيد ، لا إله إلا الله، محمد رسول الله على حين فترة من الرسل ، وعلى حين تفرق بين الناس ، خصوصا العرب ، فقد كانوا في تفرق شديد ، وفي ضلال مبين كما وصفهم الله عز وجل بقوله : { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } [آل عمران:164]، و في قوله تعالى : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } [آل عمران :164]، وفي قوله تعالى: { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } [الجمعة: 2] ، أنعم الله بفضله ببعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، كما أنعم على المستجيبين للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، القائلين بكلمة التوحيد من العرب، على الخصوص بالإلفة والاجتماع ، اجتمعت قلوبهم وقوالبهم وتألفت بالتوحيد على رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى يخاطبه : { وإن يريدوا أن يخدعوك ، فإن حسبك الله ، هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين - وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ، ما ألفت بين قلوبهم ، ولكن الله ألف بينهم، إنه عزيز حكيم - يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } [الأنفال:63 ]وقوله - عز وجل -: { حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } ، أي الله
__________
(1) ينظر: الرسالة للإمام الشافعي تحقيق أحمد شاكر ص80-81 ، و السنة ، لمحمد بن نصر المر و زي ، ص7.(1/13)
وحده لا شريك له ، يكفيك ويكفي من اتبعك من المؤمنين ، يعصمك ويعصم من اتبعك من المؤمنين من إرهاب الفتن المضلة، وخداع اليهود ، وكيد الأعداء ، فصاروا بفضل الله مؤتلفين ومجتمعين بتأليف الله بينهم بالتوحيد، اجتمعت قلوبهم وقوالبهم بذلك ، على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مازالوا مؤتلفين مجتمعين، تحت مظلة الخلافة النبوية الراشدة عقوداً من السنين ، فاكتملت لهم القوة العظمى في العلم والعمل، ودانت لهم العرب بهذه الكلمة وملكوا بها العجم ، قصروا قيصر ، وكسروا كسرى ، كما وعدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وصاروا سادة العالم، في مشرقه ومغربه، سادوه بكلمة التوحيد، قروناً من الزمان، وتحققت لهم وحدتهم جميعاً ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ، وتمت الجماعة الشاملة ، والإمامة العظمى والخلافة الإسلامية الكبرى ، ولله الحمد .
هذه الأدلة وغيرها من الأدلة كلها تفيد العلم اليقيني بوجوب لزوم الجماعة ، وتحريم مفارقتها ، في الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار ، وأن الجماعة ضرورة لجلب المنفعة ودفع المضرة ، وإثبات الذات والهوية ، وأن أساسها هو التوحيد ، وأن العرب لا تدين لأحد بغيره ، بخلاف غيرهم فيدينون لمن يملكهم .
إذاً: فالجماعة قضية متفق على طلبها في الجملة .
2- مشكلة البحث: (الاختلاف في المراد الشرعي بالجماعة):
مشكلة البحث هي : الاختلاف في المراد الشرعي بالجماعة، واستمراره حتى العصر الحاضر ، ( عصر عولمة الإرهاب والفتنة ) ، وما ذلك إلا بسبب الجهل ، أو اتباع الهوى ، أو هما معاً ، { إن الإنسان كان ظلوماً جهولا } [الأحزاب:72 ] .(1/14)
جهل المخالفين بميراث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتفريطهم في تعلم ما لا يسعهم جهله ، أو إعراضهم عن العلم النافع ، أو أنهم يعلمون لكن يصدهم عن العمل بما يعلمون اتباع ما تهوى الأنفس ، مما كان له الأثر الكبير في ضياع الهوية الإسلامية ، وذوبانها أمام عولمة الإرهاب والفتنة ، وحتى أصبح سعيُ كثير من الناس للجماعة ولزومِها السببَ الرئيسَ في مفارقتهم للجماعة ، والمروق منها ، إلى الوقوع في الفرقة والمشاقة، وإشعال فتنة الإرهاب العالمي الصهيوني، لمصلحة جماعة اليهود، ضد حق الفلسطينين ، وحق العرب ، وحق المسلمين، والسقوط في الفتن العامة، التي تموج موج البحر ، منذ قديم من الزمن إلى زمننا الحاضر، من أمثال ما وقع في التاريخ من الحركات الهالكة ، كالحركات التي ادعت كل واحدة منها ، أنها حركة المهدي المنتظر، وأفرزت مثل أحداث الإرهاب في الحرم المكي الشريف ، كفتنة القرامطة ، وفتنة جهيمان ومهديه الهالك ، أو حركة حادثة تدعي أنها حركة أمير المؤمنين كحركة طالبان ، متجاهلة غيرها من حكومات إسلامية سابقة لها ، أو ما يسمى بتنظيم الجهاد المصرية، أوتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن ، بعد أن خلع يده من الطاعة ، وفارق الجماعة، أو غير ذلك ، مما أفرز شراً وإرهاباً، مثل أحداث التفجيرات الإرهابية في الرياض والخبر، وأحداث 11/ سبتمبر، الإرهابية على أمريكا ، وما سبقها وتلاها من أحداث إرهابية ، وهي إنما حدثت بسبب مخالفة المحدثين لها المراد الشرعي بالجماعة ، وحسبت عالمياً على الإسلام والمسلمين حسباناً يكاد يمحو بعولمته الهوية الإسلامية ، والإسلام والمسلمون منها براء .(1/15)
وهذا الجهل بالمراد الشرعي بالجماعة أو تجاهله هو الواقع المؤسف ، لدى الكثير من المسلمين، بل لدى الكثير من الدعاة ، خصوصاً المعاصرين من أصحاب المناهج الدعوية المخالفة ، مثل أصحاب المنهج الذي يدعو إلى اعتقاد أنه ليس للمسلمين اليوم جماعة يرجعون إليها، ذات ولاية ببيعة شرعية، وأنه ليس في الأرض اليوم جماعة للمسلمين , بالمراد الشرعي بالجماعة، التي ورد في النصوص الشرعية ذكرُها والحثُّ على لزومها، وتحريمُ الخروج عليها، وبناءً على هذا الاعتقاد الفاسد يوجبون على الأمة الإسلامية أن تسعى لإيجاد الجماعة حسب مفهومهم الخاطئ ، بل يرون السعي في إيجادها ونصب الإمام العام فرض عين ، على كل فرد مسلم، حتى توجد الخلافة العامة ، التي تدين لها الأمة كلها، من أدناها إلى أقصاها، للخليفة فيها بالولاء والنصرة والمرجعية(1) ويبنون ذلك المعتقد الفاسد ، على ما يؤصلونه من أصل فاسد هو ، أن الجماعة :( إنما تطلق في النصوص الشرعية إطلاقين ، لا غير : إطلاق من حيث البناء والكيان ، وإطلاق من حيث المنهج والطريقة ،فمن حيث البناء والكيان : " فالجماعة تطلق على التي اتفقت آراء جميع المسلمين فيها على إمام واحد بعقد بيعة ، ... فهذه هي التي يحرم الخروج عليها، وهي التي قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها لحذيفة - رضي الله عنه - : " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " الحديث .
__________
(1) ينظر: رسالة ماجستير ، بعنوان : الطريق إلى جماعة المسلمين ، تقدم بها حسين بن محمد بن علي جابر، إلى شعبة السنة المشرفة ، بالجامعة الإسلامية، وقد نال صاحبها الامتياز مع الشرف ، بإشراف ، الأستاذ الدكتور محمود أحمد ميرة ، نشر دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع ـ المنصورة . ش . م . م ، وكتاب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة ، دراسات حول الجماعة والجماعات ، تأليف عبد الحميد هنداوي ط2/ عام 1416هـ ، 15-19. نشر: مكتبة التابعين بالقاهرة .(1/16)
وقالوا:" يجب على المسلمين السعي لإيجاد هذه الجماعة، وتنصيب الإمام المتفق على بيعته "
قلت: ويترتب على هذا التأصيل الفاسد اعتقاد فاسد وهو: أن الجماعة غير موجودة الآن! لأن الآراء منذ قرون عديدة لم تتفق على إمام واحد لجميع المسلمين بعقد بيعة شرعية، واعتقاد أن الجماعة غير موجودة الآن اعتقاد فاسد، ومفهوم خاطئ والتعليل لاعتقاد عدم وجود الجماعة الآن بعدم اتفاق جميع المسلمين اليوم على إمام واحد بعقد بيعة هو تعليل معلول ، حيث لا يلزم من عدم الاتفاق على إمام واحد عدم وجود جماعة المسلمين ، ذات الولاية ببيعة شرعية ، يرجع إليها ، ويحرم الخروج عليها. ويترتب على ذلك المعتقد الضال الفاسد، إباحةُ الخروج على جميع الحكومات الإسلامية حتى حكومة المملكة العربية السعودية ، لأن المسلمين لم يتفقوا كلهم على أن يبايعوا إمامها إماماً عاماًّ لجميع المسلمين ، فذلك حسب هذا المعتقد الفاسد يبيح لهم اعتبار الحكومات غير شرعية لأنها متعددة ، واعتقاد عدم وجود حكومة شرعية للمسلمين اليوم .(1/17)
وهذا هو مفهوم من يتسمون بالإخوان المسلمين،أصحاب توحيد الحاكمية، كالخوارج والمعتزلة وأهل التكفير، وجماعة التبليغ الهندية، وما يسمى بجماعة تنظيم الجهاد والهجرة المصرية ، أو ما يسمى بتنظيم القاعدة ، وغيرهم من أصحاب الفتن والتخريب والإفساد في الأرض ، والتحزب على ذلك ولاءً وبراء، وهو مفهوم خاطئ ضال، وعقيدة فاسدة ، يترتب عليه المخالفة التامة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، في تحديد المراد الشرعي بالجماعة ، كما سيأتي ذكره ،ويترتب عليه منازعة ولاة الأمور في ولاياتهم ، أي منازعة الأمر أهله ، وهذا لا يجوز شرعاً كما هو معلوم مقرر في النصوص الشرعية، كما لا يجوز منازعة الأمر أهله في العقل كوناً ، لأن ولاة الأمور حقاً، إما أن يكونوا ولوا الأمور بقدر الله الكوني الذي لا يمكن دفعه ، وليس في المقدور منازعته ، كما قال تعالى : { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء } [آل عمران:26 ] ، ومن نازع الله في قدره هلك وإما أن يكون ولاة الأمور قد ولوا الأمور بقدر الله وشرعه معاً ، فكما لا يجوز منازعتهم في ذلك كوناً وقدراً، أي لا يقع كوناً، لأنه ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، كذلك لا يجوز أيضاً منازعتهم الأمر شرعاً، أي يحرم ديانة ، حرمة يترتب عليها الذنب والعقوبة في الدنيا والآخرة ،وقد ترتب أيضاً على ذلك المفهوم الخاطئ ، ما تسميه بعض الجمعيات الدعوية ضابطاً لشرعية عمل أي جماعة دعوية أخرى، وهو: أن يكون عملها " مما يؤيد الإمام العام ، ويكون عوناً له ، في الواجبات التي ألقاها الله على عاتقه ، من إقامة شرع الله في الأرض ، والجهاد في سبيله "(1) .
__________
(1) ينظر: منهج الجمعية ، للدعوة والتوجيه ، ( جمعية إحياء التراث الإسلامي ) في الكويت ، ط2/ عام 1417هـ ، ص45، س 9وما بعده .(1/18)
قلت: ولكن هذا الإمام العام غير موجود ، إلا في الذهن ، ولا ينبغي أن يشتبه علينا وجود الذهن بوجود العين، فنظنهما واحداً، فتخلط علينا البدعة بالسنة ، ولا نميز بينهما ، إذ وجود الذهن ، لا حقيقة له فيما خرج عن الذهن .
وأما الإطلاق الثاني للجماعة ، على تأصيل هؤلاء الخاطئين، فهو: إطلاق الجماعة من حيث المنهج والطريقة قالوا: ( وهذه لا يمكن حصرها في واحدة من الجماعات الإسلامية القائمة الآن ، المعروفة بأسمائها وقادتها ونظمها وأعضائها ) .
قلت : يعني كالإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ ، وحزب التحرير، وغيرها ، من الجماعات الإسلامية القائمة الآن ، المعروفة بأسمائها وقادتها ونظمها وأعضائها .
قالوا: ( لأنها كلها ليست إلا وسائل للدعوة جائزة ) ، وقالوا: ( إنه لا يضير المسلم أن يختار من هذه الجماعات ـ التي ليست إلا وسيلة للدعوة ـ جماعةً ، يراها أقرب إلى الحق والصواب ) !!
قلت : وهل الدعوة إلى هذا إلا دعوة إلى التفرق من غير شك، لأنها دعوة إلى جماعات متعددة الأهواء متباينة الآراء ، متضادة متناحرة فيما بينها ، كل واحدة لا تتفق مع الأخرى، بل تبدعها أو تفسقها أو تكفرها ، لأن فيها الجهمية والمعتزلة والأشعرية والماتريدية ، والصوفية والخوارج ، والجبرية والمرجئة ، وكلها متناقضة متضادة في مناهجها وعلومها وتصوراتها، متباينة في مقاصدها ومراداتها، متفرقة في دعواتها، والقول بأنها متفقة باطل في الواقع، ولفظ خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرد ذلك كما في حديث معاوية بن أبي سفيان الذي رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح ، وصح من رواية ابن أبي عاصم ، في كتاب السنة له من طرق متعددة ، قال معاوية رضي الله عنه ، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فذكر:" إن أهل الكتاب قبلكم تفرقوا على اثنتين وسبعين فرقة في الأهواء كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة " الحديث .(1/19)
فإن قوله : " واحدة ، وهي الجماعة "، وفي رواية : "هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " ينافي التعدد المتضاد ، فتعين أن تكون الجماعة واحدة، وإن تنوعت في صورها ، وتعددت جماعاتها بتعدد الأماكن والأزمان والأجناس، والأحوال ، كتعدد جماعاتهم ومساجدهم في الصلاة ، فهم واحد في المنهج والعلم والتصور ، وفي النية والعمل والإرادة والغاية ، وهم أهل السنة والجماعة (1) .
لكن مع الأسف ينطلق هؤلاء الدعاة في دعواتهم إلى الله بزعمهم، من تلك المنطلقات المتفرقة، التي لا ترجع إلى مرجعية تجمعها، وينطلقون من تلك المفاهيم الخاطئة للمراد الشرعي بمفهوم الجماعة، فيأتون إلى الناس من دعواتهم المفارقة بجهالة وبغي ، وبدعة وضلالة، ويسلكون مسلك الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، وأحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون ، كالخوارج المارقة، الذين يفتاتون على أهل الإسلام والسنة، ويحرجونهم بممارساتهم الضالة باسم الإسلام ، والإسلام منها براء ، وباسم السنة والسلفية وليست من منهج أهل السنة والجماعة في شيء .
ومن ذلك المفهوم الفاسد : اعتقد بعض الناس ، أننا في زمان الاعتزال ، الواجب فيه الاعتزال ، أخذاً بزعمهم من قوله في حديث حذيفة قال : " قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : ( فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)(2).
3- أثر الاختلاف في المراد الشرعي بالجماعة ، في ضياع الهوية :
أ ـ رفع الخلافة النبوية ، وحدوث الشرك :
__________
(1) ينظر: التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية ، تأليف العلامة عبد العزيز بن ناصر الرشيد ، ط2/ص13 .
(2) انظر : البخاري مع الفتح13/35(1/20)
ُرفِعَت الخلافةُ النبوية بسبب الاستجابة للفتن المضلة ، التي يوقعها اليهود والمجوس والمنافقون فيهم ، حتى وقعوا في الاختلاف المذموم ، وهو اختلاف التضاد ، حتى قتل بسببه الخليفة الراشد عثمان مظلوماً رضي الله عنه ، على أيدي خوارج من المسلمين ، وصار المسلمون فرقاً، منهم فريقان عظيمان متقاتلان ، واعتزل فريق ثالث القتال مع أي من الفريقين ، وخرج الخوارج من المسلمين على علي فقتلهم في النهروان ، وفر منهم خوارج إرهابيون ، حتى قتلوا الخليفة الراشد علي رضي الله عنه غيلة وإرهاباً ، قتله غدراً عبد الرحمن بن ملجم الخارجي في كمين نصبه له ، ثم أصلح الله بين المسلمين بالحسن بن علي رضي الله عنه ، فاجتمعوا بتنازله عن الأمر لمعاوية رضي الله عنه ، اجتمعوا بذلك على ملوك الخلافة الأموية العربية ، ثم ذهبت الخلافة الأموية بسبب الاختلاف المذموم أيضاً، وقامت فيهم ملوك الخلافة العباسية، ثم ذهبت بسبب ما شابها من الشعوبية والاختلاف المذموم كذلك ، وبذهاب الخلافة العباسية ضاعت هوية الخلافة العربية تماماً، وتسلطت الشعوبية والعجم بسبب اختلاف العرب ذاتهم ، اختلافً متضادا مذموماً، ولكنهم انضووا تحت الخلافة العثمانية الإسلامية ، ثم ضاعت الهوية العثمانية بالاختلاف كذلك ، وبعدم تحقيق سلاطين الأتراك المراد الشرعي بالجماعة ، وبإضاعتهم أساس تكوينها ضاعت هويتهم أمام إرهاب يهود الدونمة والماسونية ، وعولمة الإلحاد الأوروبي وضغطه وإرهابه ، إلى أن ألغوا خلافتهم التركية العثمانية ، وبذلك ارتفعت الخلافة الإسلامية الكبرى ، وتم افتراق العرب والمسلمين سياسيا إلى دويلات ، بعد أن كانوا قد افترقوا دينياً قبل ذلك إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة ، التي هي على السنة النبوية في الواقع ، بالمراد الشرعي ، رغم افتراق المسلمين ، ومفارقة المخالفين لها، ولا تزال باقية إلى قيام الساعة .(1/21)
ولقد حدث النقص في تحقيق كلمة التوحيد ، في الأجيال التي جاءت من بعد القرون الثلاثة الأولى المفضلة بسبب اتباع من اتبع منهم الأهواء وعبادتها ، واتباع البدع المخالفة لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وترك البعض واجب تحقيق التوحيد ، وهذا هو سبب المحدثات في الدين ، والبدع التي يتعبد بها أصحابها، فحصل الاختلاف والتفرق والتقاتل والضعف بسبب ذلك .
كما روى ابن أبي عاصم من طرق متعددة، وأبو داود عن معاوية رضي الله عنه، قال قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فذكر: " إن أهل الكتاب قبلكم تفرقوا على اثنتين وسبعين فرقة في الأهواء ، ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة في الأهواء ، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، ألا وإنه يخرج في أمتي قوم ، يهوون هوى ، يتجارى بهم ذلك الهوى ، كما يتجارى الكلب بصاحبه ، لا يدع منه عرقا، ولا مفصلا إلا دخله" (1) وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر "أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء- كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة" (2) وقع بسبب اتباع الأهواء كثير من أنواع الشرك في المسلمين ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخوارج : " يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد"، رواه البخاري في مواضع من صحيحه، ورواه غيره(3)، وفي صحيح البخاري
__________
(1) 17)انظر : السنة لابن أبي عاصم (ج1 ص7-9 ، ص32-36).
(2) و أخرجه أحمد 4/102، وأبو داود (4597) وغيرهما وهو حديث صحيح.
(3) البخاري ، أحاديث الأنبياء ، 3095، الأدب 5697، استتابة المرتدين 6419،6420،6422، التوحيد6880، مسلم ، الزكاة 1764 ، أبو داود ، السنة 4136،4137، النسائي تحريم الدم 4032، أحمد ، مسند العشرة1307، باقي مسند المكثرين11150،11221، 11270، 12420، 12859،14276، مالك النداء للصلاة ، 428.(1/22)
أيضا في كتاب الفتن : "باب تغير الزمان حتى يعبدوا الأوثان " وفيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس على ذي الخلصة ، وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية " (1)، وبسبب وقوع هذه الأهواء الشركية في هذه الأمة، حصل تفرقهم في الدين ، فصار فيهم الفشل وذهاب الريح والضعف، كما يشهد بذلك الواقع طبقا لما أخبر به النبي- صلى الله عليه وسلم -، وذلك من علامات نبوته- صلى الله عليه وسلم - .
ومن الأمثلة التاريخية ، لما وقع في الأمة من الشرك، ما مثل به الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله، في الدرر السنية فقال : " مثل الذي ذكره الشيخ قاسم من أئمة الحنفية، في شرح درر البحار، من النذر لغير الله، وأنه كفر .
ومثل ما ذكره الأذرعي، من أئمة الشافعية، في : " قوت المحتاج شرح المنهاج" ، وما ذكره أبو شامة، من أئمة الشافعية أيضا، وما ذكره الطرطوشي من أئمة المالكية، وما ذكره أبو الوفاء ابن عقيل، وابن القيم، من أئمة الحنابلة، وغير هؤلاء العلماء، كثير، كلهم صرحوا بأن الأعمال الشركية قد عمت بها البلوى، وشاعت في كثير من البلاد الإسلامية، وأن المشاهد والأبنية على القبور قد كثرت، وكثر الشرك عندها وبها، حتى صار كثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، بل أعظم شركا عندها وبها (2).
__________
(1) 20) صحيح البخاري ، الفتن 6583.
(2) ينظر: الدرر السنية ، 1/308-314.(1/23)
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في قرة عيون الموحدين: " وقد وقع الأكثر من متأخري هذه الأمة في هذا الشرك الذي هو أعظم المحرمات، كما وقع في الجاهلية قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، عبدوا القبور والمشاهد والأشجار والأحجار والطواغيت والجن، كما عبد أولئك اللات والعزى ومناة وهبل وغيرها من الأصنام والأوثان ، واتخذوا هذا الشرك دينا ، ونفروا إذا دعوا إلى التوحيد أشد نفرة ، واشتد غضبهم لمعبوداتهم ، كما قال تعالى: (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) الزمر:45، إلى أن قال الشيخ ابن حسن: " وقد وقع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد القرون الثلاثة ( يعني من غربة الإسلام وافتراق الأمة) فلهذا عم الجهل بالتوحيد الذي هو أصل دين الإسلام، فإن أصله أن لا يعبد إلا الله، وأن لا يعبد إلا بما شرع، وقد ترك هذا وصارت عبادة الأكثر ين مشوبة بالشرك والبدع "(1) .
ب - زوال الهوية العثمانية:
من آثار عدم تحقيق الدولة العثمانية للمراد الشرعي بالجماعة، أن زالت هويتهم ، أمام النصرانية والبدع والوثنية، وإرهاب يهود الدونمة والماسونية ، وعولمة الإلحاد الأوروبي وضغطه وإرهابه ، وإلى شيء من تفصيل ذلك :
أولاً : زوالها من الناحية الدينية
__________
(1) مجموعة التوحيد النجدية ص12، ط السلفية بمصر/1375هـ(1/24)
عرفت الدولة العثمانية بتأييد التصوف البدعي ، في مختلف طرائقه التي بعدت عن الإسلام ، وليست من الإسلام في شيء ، وإنما كانت قد دخلت من عادات شركية بعضها نصرانية ، كالرهبانية ، واللعب بذكر الله تعالى ، وابتداع أساليب فيه كالرقص والغناء والصياح ، والمكاء والتصدية ، والأشعار والتصفيق، والمدائح الشركية ، والموالد المبتدعة ، وبعضها من الهندوسية أو الفارسية أو اليونانية أو الطورانية التركية كدعوى الحلول والاتحاد ، ووحدة الوجود ، والتفوق العرقي ، فكانت الدولة العثمانية ، ترعى هذا ، وتراه من صميم الدين، وكان السلاطين يخضعون للمتصوفة ، وأهل الجهل والغلو، وسدنة القبور والمزارات والمشاهد وعبادها، ويبالغون في تعظيمهم ويغلون فيهم ، حتى ظهر الشرك بين المسلمين ، وعبادة غير الله تعالى، بالدعاء والذبح والنذور والقربات، وبناء القباب للطواف حولها، وانتشر هذا وكثر وغلب على همم العلماء المصلحين ، في ظل الدولة العثمانية وحمايتها ، بل إنه وجدت رسالة في الحجرة عند قبر النبي ( ، أولها : " من عبيدك السلطان سليم وبعد يا رسول الله قد نالنا الضر، ونزل بنا من المكروه ، مالا نقدر على دفعه ، واستولى عباد الصلبان على عباد الرحمن نسألك النصر عليهم والعون عليهم وأن تكسرهم عنا "، وذكر كلاما كثيرا هذا معناه وحاصله (1) ، ومع ذلك فقد تعالى سلاطين هذه الدولة العثمانية وتكبروا على الرعية ، بنزعتهم العرقية الطورانية ،فلا يخاطبونهم مباشرة ، وإنما يقولون لولاتهم : " بلغوا عبيد بابنا العالي" (2) .
__________
(1) ينظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية ، جمع ابن قاسم ، 1/314.
(2) ينظر: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية ، لمحمد كمال جمعة ، ص11،12. عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ، ط / المجلس العلمي ، ص21-64 .(1/25)
ولذا وصل الأمر بالدولة العثمانية ، مدفوعة ببدعها من دول أوربا الصهيونية والعلمانية ، وممثلةً بوالي مصر محمد علي باشا، وشريف مكة ، الشريف غالب ، إلى أن حاربت التوحيد وأهله ، بعد المعرفة وقيام الحجة .
ذكر الجبرتي في تاريخه ، في حوادث سنة 1221هـ : أن الأخبار وصلت من الديار الحجازية ، بأن الشريف غالب عاهد الإمام سعود على اتباع ما أمر الله به ، في كتابه العزيز، من إخلاص التوحيد لله وحده ، واتباع سنة الرسول( ، وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون ، والأئمة المجتهدون إلى آخر القرن الثالث، وترك ما حدث في الناس من الالتجاء إلى غير الله تعالى، وبناء القباب على القبور لعبادتها والنذور والذبح لها، وسائر ما أحدثوه من أنواع الشرك في توحيد الألوهية، الذي بعثت الرسل لإبطاله ، حتى يكون الدين كله لله تعالى ، وترك سائر المنكرات والمجاهرة بها، وإبطال المكوس والمظالم ، قال: وكانوا قد جاوزوا الحدود ، يأخذون على المبيعات والمشتريات، ويصادرون أموال الناس ودورهم ، فما يشعر الشخص من سائر الناس، إلا والأعوان على حين غفلة ، يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها ، ويقولون : إن سيد الجميع محتاج إليها، فإما أن يخرج منها وتصير من أملاك الشريف، وإما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها، حتى إن الميت يأخذون عليه من خمسة فرنسة إلى عشرة، بحسب حاله، وإن لم يدفع أهله الذي يتقرر عليه ، لا يقدرون على رفعه ودفنه ولا يقربه الغاسل حتى يأتيه الإذن ، فعاهده على منع ذلك كله ، وعلى هدم القباب المبنية على القبور والأضرحة ، بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية ، وإقامة الحجة عليهم بالأدلة القطعية، التي لا تقبل التأويل من الكتاب والسنة ، وإذعانهم لذلك ، فعند ذلك أمنت السبل ، وسلكت الطرق بين مكة والمدينة ، وجدة والطائف، وانحلت الأسعار، وكثر وجود الطعام وما يجلبه عربان الشرق إلى الحرمين من الغلال والأغنام والسمن والعسل انتهى(1/26)
باختصار(1) .
ويقول الجبرتي: بأن الشريف غالب يوافق في الظاهرمع الوهابي(2)
__________
(1) ينظر: تاريخ الجبرتي 3/116،117 ، والوثيقة الخطية بذلك ، التي تحمل تواقيع الشريف غالب وعلماء مكة والمدينة ، المحفوظة بدارة الملك عبد العزيز .
(2) 26) الوهابي، الوهابيون ، الوهابية : لقب فرقة انتشرت في الشمال الإفريقي، في القرن الثاني الهجري ، على يد عبد الوهاب بن رستم ، تسمى الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب هذا ، وتسمى أيضاً الرستمية ، نسبة إلى أبيه رستم ، وهي فرقة متفرعة عن الفرقة الوهبية الخارجية ، من فرق الأباضية ، يطلق عليها الوهبية ، نسبة إلى مؤسسها عبد الله بن وهب الراسبي ، ولما كان أهل المغرب من أهل السنة والجماعة ، صاروا يناؤون تلك الفرقة الوهابية الرستمية ، لأنها تخالف معتقد أهل السنة والجماعة ، بل كفرهم كثير من علماء أهل المغرب القدامى، الذين توفوا قبل أن يولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بمئات السنين ، فلما أظهر الله الشيخ محمد بن عبدالوهاب على حين غربة معتقد أهل السنة والجماعة ، قائماً بالدعوة الإصلاحية التصحيحية على ضوء الكتاب والسنة ، لم يرق ذلك لأعداء التوحيد ، وعباد القبور وأصحاب المطامع والأغراض والأهواء ، فسحبوا هذه النسبة الوهابية على سبيل المغالطة الماكرة إلى دعوة الشخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وإلى أنصارها ، وأطلقوها عليها ، لتنفير الناس عنها وصدهم عن سبيل الله تعالى ، وإيهامهم بأن دعوة التوحيد مبتدعة ، وأنها مذهب الخوارج ، و الساسة العثمانيون نشروا هذا الإطلاق ، على دعوة الشيخ محمد إلى التوحيد ، وتلقفه الناس بواسطة القبوريين والصوفية والمبتدعة والجهلة والعامة، واتخذوه نبزاً مشعراً بالذم ، حين خافوا على دولتهم من هذه الدعوة إلى التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ، لاسيما بعد دخول الحرمين الشريفين فيها ، تحت ولاية أنصارها ، وساعد على ذلك توافق اسم عبد الوهاب والد الشيخ محمد مع هذا الإطلاق عند من لايدري الحقيقة . ينظر: البحث القيم ، تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية ، للدكتور محمد بن سعد الشويعر ، ط3، سنة 1419هـ ، الجامعة الإسلامية ، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية .(1/27)
، لخوفه منه ، وعدم قدرته عليه ، فيظهر له الموافقة والامتثال، وأنه معه على العهود التي عاهده عليها ويميل باطناً للعثمانيين ، لكونه على طريقتهم ومذاهبهم ، وقد تعاقد مع الباشا محمد علي ، أنه متى وصلت عساكره قام بنصرتهم ، وساعدهم بكليته، وجميع همته…(1)
قلت : وهكذا فعل ! .
وذكر الجبرتي أن الدولة العثمانية استعملت محمد علي باشا على الأقاليم المصرية ، وحثته على قتال الوهابيين(2)وأخذ الحرمين الشريفين من أيديهم ، فأظهر الباشا الاهتمام، وجد واجتهد، وبعث البعوث الكثيرة ، التي لا يحصي عددها إلا الله، وأمر ابنه طوسون باشا ، أن يسير بها إلى الحجاز، فوصلت تلك الجموع الكثيرة إلى ينبع ، وقد ملؤوا شعابها ووهادها خيولا ورجالا وأموالا وأمتعة ، وقابلهم الوهابيون(3) بنحو سبعة آلاف مقاتل،فتجهز الفريقان للقتال وتأهبا، فحملت الأتراك على الوهابيين حملة رجل واحد، فثبت لهم الوهابيون ثباتا صادقا حتى هزموهم ، فولى الأتراك الأدبار، ولاذوا بالفرار، لا يلوي أحد منهم على أحد، بل يقتل بعضهم بعضا، فكان القوي يأخذ دابة رفيقه ويركبها وربما قتله ، ووقع في قلوبهم الرعب، واعتقدوا أن القوم في أثرهم ، والحال أنه لم يتبعهم أحد، لأنهم لا يذهبون خلف المدبر، ولو تبعوهم ما بقي منهم شخص ، وتزاحموا على السفن والمراكب الصغيرة فارين ، فتدافعوا وتمانعوا بالبنادق والرصاص ، لكثرة الزحام والإشفاق على الفرار إلى مصر، يقول بعضهم لبعض: كان خلفنا والله عفاريت ، ودخلوا مصر مذعورين ذعرا شديدا ، وهم في أسوأ حال ، من الجوع وتغير الألوان ، وكآبة المنظر والسحن ، وقد سخط عليهم الباشا ، ومنع أن يأتيه منهم أحد أو يراه ، وكأنهم كانوا قادرين على النصرة والغلبة ، وفرطوا في ذلك ، ويلومهم على الانهزام والرجوع ، وطفق بعضهم
__________
(1) ينظر: المرجع السابق ، 3/ 333.
(2) 29) ينظر: التعليق في الحاشية رقم (111) .
(3) 29) ينظر: التعليق في الحاشية رقم (111) .(1/28)
يتهم بعضا . انتهى باختصار(1) .
وقال الجبرتي : قال لي : بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع : أين لنا بالنصر، وأكثر عساكرنا على غير الملة ، وفيهم من لا يتدين بدين ، ولا ينتحل مذهبا، يستبيحون الزنا واللواط والربا، وصحبتنا صناديق المسكرات، ولا يسمع في عرضينا أذان ، ولا تقام به فريضة ، ولا يخطر في بالهم شعائر الدين ، والقوم إذا دخل الوقت ، أذن فيهم المؤذن ، فانتظموا صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع ، وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة ، أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف ، فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر أخرى للصلاة ، وعسكرنا يتعجبون من ذلك ، لأنهم لم يسمعوا به ، فضلا عن رؤيته ، وكشفوا عن كثير من قتلى عسكرنا فوجدوهم غلفاً غير مختونين ، ولما وصل عسكرنا بدراً ، واستولوا عليها، وعلى القرى والخيوف حولها ، وبها خيار الناس ، وأهل العلم والصلحاء، نهبوهم وأخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم، فكانوا يفعلون فيهم ، ويبيعونهم من بعضهم لبعض ، ويقولون هؤلاء الكفار الخوارج ، حتى اتفق أن بعض أهل بدر الصلحاء طلب من بعض العسكر زوجته، فقال له حتى تبيت معي هذه الليلة، وأعطيها لك من الغد. انتهى باختصار(2) .
قلت: نعم لقد حاربت الدولة العثمانية أساس تكوين الجماعة، وهو التوحيد والسنة ، وأهل التوحيد والسنة ، حرباً لا هوادة فيها، حتى دمرت الدرعية ، وقتلت من قتلت، وأسرت من أسرت ، حتى ظنت أنها قضت على التوحيد وأنصاره الوهابيين، وبدلت نعمة الله كفرا، وأحلت قومها دار البوار! .
ثانياً: زوال الهوية العثمانية من الناحية السياسية
__________
(1) ينظر: المصدر السابق ، تاريخ الجبرتي ، 3/318-342 ، 350. وتاريخ ملوك آل سعود ، سعود بن هذلول ص12 .
(2) ينظر: المصدر السابق تاريخ الجبرتي 3/341-342 . وتاريخ ملوك آل سعود ، سعود بن هذلول ص12 .(1/29)
منذ توقيع الدولة العثمانية وثيقة انهزامها واستسلامها للصليبين، عباد الصليب من النصارى المعادين، ومن ورائهم اليهود والصهاينة، وقعت تلك الوثيقة التي تسمى"صلح كارلوفتسي " عام 1110هـ 1699م )، قبل ولادة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بخمس سنين ، ومنذ ذلك التوقيع الانهزامي أصبحت الدولة العثمانية في المنحدر إلى الزوال، وتمادى بها ذلك المنحدر حتى طمع الأوربيون بإزالتها نهائيا، وأصبحوا يسمون سلطان آل عثمان " الرجل المريض"، واتفقوا على اقتسام تركته ، لكن اختلفوا على نصيب كل منهم ، فكان هذا الاختلاف ، هو الذي أخر زوال الشبح العثماني ، مدة من الزمان .(1/30)
وفي سنة 1221هـ ، ( 1804م ) تزايد ضعف الدولة العثمانية بظهور عدد من القوميات العرقية النصرانية التي يثيرها المفسدون في الأرض من اليهود ، في رعاياها متمردة متطاولة، ثم تتدخل الدول الصليبية الأوربية حمية على إثر هذا التمرد ، بحجة تنظيم أو تحسين أوضاع هذه القوميات المضطهدة بزعمهم ، فيضطر الباب العالي إلى منح امتيازات انهزامية لهؤلاء الرعايا، حتى أسفر هذا الوضع إبان القرن الثالث عشر الهجري ، عن ثورات لا حصر لها من جانب الرعية ضد السلطان ، وثلاثة حروب روسية نصرانية ضد تركيا، وحربين اشتركت فيهما فرنسا وانجلترا علاوة على روسيا إما إلى جانب تركيا، أو ضدها ، فبدأت الشرارة الأولى من الصرب في 1804م ، وحصلوا على تأكيد استقلالهم سنة 1829م ، ثم ثار اليونانيون سنة 1820م ، فاستنجد السلطان بوالي مصر محمد علي سنة 1825م ، فأرسل ابنه إبراهيم على رأس جيش منظم ، ثم اجتمعت روسيا وفرنسا وانجلترا لحرب تركيا تأييداً لثورة اليونان،وجرت معركة نفارين (12 أغسطس 1827م ) فتحطم الأسطول المصري التركي ، ونالت اليونان استقلالها، وفازت روسيا ببعض الأراضي التركية في آسيا ووسعت حدود اليونان سنة 1829م ، واعترفت روسيا وفرنسا وانجلترا باستقلال اليونان سنة 1832م ، وراحت فرنسا تمزق أوصال تركيا في الفترة مابين1830م –1841م ، فاحتلت الجزائر سنة 1830م ، وأيدت ثورة مصر محمد علي ضد تركيا، فطمع محمد علي ، فاستولى على الشام ما بين سنتي 1831م – 1832م وصار السلطان العثماني يستنجد بالإنجليز ، ثم بروسيا سنة 1833م وراحت فرنسا وانجلترا تضغطان على السلطان للتراضي مع محمد علي حتى نزل السلطان له عن فلسطين وحلب ودمشق وسائر بلاد الشام في أواخر إبريل 1833م انتهى ملخصا.(1)
__________
(1) ينظر : أوربا في القرنين التاسع عشر والعشرين ، 1789-1950م ، ص401-409 ، تأليف . أ. ج. جرانت ، أستاذ التاريخ بجامعة ليدز سابقا ، هارولد تمبرلي ، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة كامبردج سابقا ، ترجمة بهاء فهمي ، الملحق بجامعة الدول العربية ، مراجعة الدكتور أحمد عزت عبد الكريم ، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس وعميد آداب عين شمس 1961م ، الناشر : مؤسسة سجل العرب .(1/31)
.
ثم اتفقت بريطانيا والنمسا وبروسيا وروسيا في 15يوليو 1840م ، في لندن على الضغط على محمد علي ليكتفي بولاية مصر تحت سلطة الإنكليز، وفي سنة1915م تتفاهم روسيا وانجلترا على اقتسام أملاك السلطان العثماني ، فتأخذ روسيا القيصرية القسطنطينية ، وانجلترا مصر وكريت انتهى ملخصا. (1) .
ولا ننسى ثورة القومية العربية التي خطط لها الصهاينة، وأريد منها أن تكون مناقضة للإسلام ، خارجة على الخلافة العثمانية ، وتزعمها نصارى العرب أولاً، ثم بعض العرب الذين نصبتهم تركيا الفتاة الماسونية اليهودية، وبمخططات بريطانيا العظمى ، والصهيونية العالمية ، عن طريق ممثليها، مثل لورانس العرب وغيره (2) .
والواقع أن الدولة العثمانية ، كانت في سياستها تقوم على نقض الجماعة بترك الحبل على الغارب ، لتستثمر ذلك بزعمها، فاستبد بالأمر دونها كثير من ولاتها الطامعين وتمزقت رعاياها، وأصبح السلطان العثماني ليس له من الأمر شيء ، وإنما لبعض الوزراء والولاة من العناصر الأجنبية عن الإسلام ، ومن يهود الدونمة وماسون سلانيك ، فانقلبت الدولة إلى منظمة نفاق ومكر ، وإرهاب وفتن ، وفوضى واغتيال ، وتمزق واضطراب ، واكتفى السلطان العثماني بتأييد الغالب ولو كان إرهابياً ظالما ، فكثر الظلم وعم الضعف ، وانتشر السلب والنهب ، وفقد الأمن والاستقرار (3) .
__________
(1) ينظر : المصدر السابق ، ص412-416.
(2) ينظر : فكرة القومية العربية على ضوء الإسلام ، نشر وتوزيع دار طيبة الرياض
(3) ينظر: تعليق شكيب أرسلان على حاضر العالم الإسلامي 1/259.(1/32)
ولقد كانت الدولة العثمانية هي التي فتحت على نفسها باب إفساد خلافتها الإسلامية منذ قيامها، فكان سلاطينها منذ أول أمرهم ، لا يطبقون الشرع الإسلامي وأحكام أهل الذمة فيه ، على الجاليات الكافرة في البلاد التي يستولون عليها، وبرروا ذلك بمبدأ: أن على السلطان الفاتح ، أن يلتزم بما منح الأباطرة البيزنطيون ! هذه الجاليات من امتيازات، ومن هذه الامتيازات : استثناء هذه الجاليات من تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليهم، وتركهم يصرفون أمورهم بطريقتهم الخاصة ، فتبع ذلك تشكيل محاكم قنصلية ، ذات صلاحية تامة للنظر في الدعاوى بين رعاياها، وكانوا لا يخضعون لقوانين الدولة العثمانية ، وكان القاضي في هذه المحاكم هو القنصل نفسه ، يعاونه مستشاران ، وكانت الأحكام الصادرة عنها ، تنفذ على أرض الدولة العثمانية الإسلامية ، وكان في القسطنطينية جالية يهودية كبيرة لهم أمير، وقد أعطاها السلطان محمد الفاتح هذه الامتيازات، ومن هنا يتضح غلط من قال: إن الفتح العثماني للقسطنطينية، هو الفتح الذي بشر به النبي ( ، كما في صحيح مسلم(1) عن أبي هريرة وفيه قول النبي ( : " فيفتحون قسطنطينية فبينماهم يقتسمون الغنائم ، قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان أن المسيح ( الدجال ) قد خلفكم في أهليكم ، فيخرجون ، وذلك باطل ، فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينماهم يعدون للقتال ، يسوون الصفوف ، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم ( ، فأمهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته " .
فمن من تأمل وضع الفتح العثماني المذكور ، وبشارة النبي ( بفتح القسطنطينية وصفته في هذا الحديث، يجد أن الصفة لا تنطبق على الفتح العثماني (2) والله أعلم .
__________
(1) 4/2221.
(2) ينظر: صحيح مسلم ، 4/2221 ، وفكرة القومية العربية على ضوء الإسلام ، صالح العبود ص 373وما بعدها .(1/33)
وقد وصل الأمر في ظل الدولة العثمانية ، إلى إدخال ما يسمونه الإصلاحات والتنظيمات ، بل عممت الدولة هذه التنظيمات والقوانين الأوربية ، المخالفة للإسلام على ولاياتها، لتحل محل الشريعة الإسلامية، عن طريق مدحت باشا ، الصدر الأعظم ، وغيره ، ودالت الدولة العثمانية لحزب الاتحاد والترقي ، أو تركيا الفتاة ، فنشأت حركة الاتحاد الطوراني ، على أساس قومي عرقي، لتوثيق الروابط بين جميع الشعوب التي تتكلم التركية ، وصمموا على إحلال اللغة التركية محل العربية في البلاد العربية ، وأخذوا يبحثون عن عبادات أجدادهم ، كالذئب الرمادي ، وأصبح شعارهم: إهمالُ الجامعة الإسلامية ، إلا إذا كانت تخدم نفوذ القومية الطورانية ، وغلوا في ذلك حتى قالوا : نحن أتراك وكعبتنا طوران ، وأصبحوا يتغنون بمدائح جنكيز خان ، وهولاكو، ويفخرون بفتوحات المغول، وأخيراً وصل بهم هذا التحول إلى أن حولوا دولتهم إلى العلمانية حولوها حتى عن اسم الإسلام، لأنها في الحقيقة قد تخلت عنه نهائيا، وزعموا أنهم ألغوا الخلافة الإسلامية، على يد زعيمهم كمال أتاتورك (1)، فاعتبروا يا أولي الأبصار .
__________
(1) ينظر: نشوء القومية العربية مع دراسة تاريخية في العلاقات العربية التركية، زين نور الدين زين ص28 وما بعدها ، تاريخ مكة ، أحمد السباعي 2/ 168، 218،219 ، يقظة العرب، جورج انطونيوس ، 184-278، فكرة القومية العربية على ضوء الإسلام، صالح العبود ص88-117 .(1/34)
ولم تكن بلاد نجد على الخصوص بل الجزيرة العربية كلها لم تكن تنعم بحكم صالح قوي يوحد أجزاءها، ويحكم سير الأحداث فيها بعلم وعدل ، ويوجد فيها أمنا شاملا وسياسة رشيدة مستقرة ، مثل ما نعمت به دول أنصار التوحيد من آل سعود منذ حكم الأخيضريون اليمامة وما حولها في سنة 253هـ تقريبا ، وهم فرقة من الزيدية ، يقولون في الأذان : "محمد وعلي خير البشر ، وحي على خير العمل، وكانوا سيئي السيرة (1) ، تغلبوا على البلاد وأعلنوا استقلالهم عن الخلافة العباسية ، واستمر ملكهم على اليمامة ، حتى غلبهم القرامطة الأسوأ ، سنة 317هـ، وشمل شرهم الجزيرة ، وامتد إلى مصر، وفي المدينة المنورة، في القرن الخامس الهجري تقريبا، إلى ما بعد السبعمائة زمن العبيديين وقبله كان الأمر في المدينة المنورة للروافض ، فكان القضاء والخطابة لسنان الحسيني وأهل بيته، توارثوا ذلك , وكانت الخطبة باسم المتولي من العبيديين بمصر، وكان أهل السنة والجماعة في مشقة عظيمة ، ذكر العلامة ابن فرحون أنه أدرك ذلك ، وأنهم لا يقرؤون كتبهم ولا يسمعون حديث نبيهم ( إلا خفية ، وذكر ابن جبير في رحلته ، أنه شاهد عند دخوله المدينة الشريفة في يوم الجمعة، السابع من محرم سنة 580هـ الخطيب في المسجد النبوي وهو على مذهب غير مرضي، جلس بين الخطبتين جلسة طويلة ، يستجدي الناس ، وابتدر الجمع مردة من الخدام ، يخترقون الصفوف، ويتخطون الرقاب، كديةً على الأعاجم والحاضرين ، فمنهم من يطرح له الثوب النفيس ، ومنهم من يخرج له القطعة الغالية من الحرير، ومنهم من يخلع عمامته فينبذها له ، ومنهم من يتجرد من برده فيلقي به ، ومنهم من يدفع القراضة من الذهب، ومنهم من يمد يده بالدينارين ، ومن النساء من تطرح خلخالها أو تخرج خاتمها فتلقيه ، إلى غير ذلك مما يطول وصفه ، والخطيب في أثناء هذه الحال جالس على المنبر يرقب
__________
(1) ينظر: مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ ، بقلم حمد الجاسر ، ص69-79.(1/35)
من يستجدي له وما يدفع له ، حتى كاد وقت الصلاة يفوت ، وقد ضج من له دين وإخلاص ، والخطيب جالس قد أراق ماء الحياء من وجهه ولم يقم إلى الخطبة الثانية حتى اجتمع له من ذلك السحت المؤلف كوم عظيم ، جعل أمامه حتى أرضاه، وكان ذلك دأبهم في كل موسم مع حضور الحجاج من أقطار الأرض ، قال : وكان جاء إلى المدينة القيشانيون الإمامية من العراق ، وكانوا أهل مال عظيم يتألفون به ضعفة الناس ويعلمونهم مذهبهم ، فكثر المشتغلون به، وليس لهم مضاد قوي لا في الجزيرة ولا في مصر ولا في الشام (1) ، وعند ما استولى الفاطميون على مصر، سنة 362هـ ، 973م ، وانفصل شمال أفريقيا عن العباسيين ، استقل الأشراف الحسنيون بمكة ، يذكر المؤرخ الحافظ ابن كثير المتوفى سنة 774هـ في البداية والنهاية: أن قتادة بن إدريس العلوي الحسني الزيدي كان أميراً لمكة ، فيما قبل سنة 617هـ وهو من أكابر الأشراف الحسنيين الزيديين ، كان لا يخضع للخليفة ويرى أنه أحق بالأمر(2) .
__________
(1) ينظر: الوفا بما يجب لحضرة المصطفى ، تأليف علي بن عبد الله الحسني السمهودي ، ضمن رسائل في تاريخ المدينة المنورة ، تقديم الشيخ حمد الجاسر ، منشورات دار اليمامة /1392هـ (141-145.
(2) ينظر: البداية والنهاية ، ط 1/1405هـ ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 13/99 .(1/36)
ويذكر ابن كثير: في سنة 617هـ أنه كان في مكة ، من يصفهم : بعبيد مكة والمفسدين بها، ينهبون الحاج ، ويزعزعون أمنهم ، قال: وفي هذه السنة قدم أمير الحاج العراقيين : أقباش ، ومعه خلع للأمير حسين بن أبي عزيز قتادة الحسني الزيدي بولايته لإمرة مكة بعد أبيه قتادة، المتوفى في جمادى الأولى من هذه السنة، ونازعه أخوه الأكبر راجح ، فوقعت بينهما فتنة قتل فيها أقباش غلطا، واستولى حسين هذا، فظلم وجدد المكوس ونهب الحاج غير مرة، فسلط الله عليه ولده حسنا فقتله وقتل عمه وأخاه أيضا فلهذا لم يمهل الله حسنا أيضا، سلبه الله الملك وشرده في البلاد وقتل(1) .
ثم اعترف شريف مكة الشريف بركات بسيادة العثمانيين، مقابل أن يثبت العثمانيون الأشراف في مراكزهم ، وخضع الحجاز لحكم ثنائي مزدوج بين الأتراك والأشراف ، كان هذا الحكم المزدوج من أهم عوامل اضطراب أحواله ، واختلال حبل الأمن في ربوعه ، وحسب القاريء أن يفتح أي كتاب في التاريخ أو الرحلات إلى الأراضي الحجازية ليقف على حالة الأمن في الحجاز منذ خضع لحكم الأشراف (2) .
__________
(1) ينظر: البداية والنهاية ، المرجع السابق .
(2) ينظر : حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز ، تأليف رابح لطفي جمعة ص39-43 .(1/37)
والخلاصة: أن الحجاز في ظل الدولة العثمانية ، قد تمزق أمنه ودينه، بمنازعات الأشراف ، وتحاربهم على الحكم فيما بينهم ، كانت الحرب تقوم بين الأخ وأخيه، وبين العم وابن أخيه ، أهدرت الدماء بغير حق ، واستحلت الحرمات، وأهملت أمور الدين حتى لم يعد الشريف محل ثقة بأمور الإسلام في نظر المسلمين ، بل لما سمع الأشراف بدعوة التوحيد تشرق من نجد ، اتخذوا أشد التدابير العدائية ضدها ، وبدعوا أهلها، بل كفروهم ومنعوهم من الحج (1) .
وبلاد نجد على الخصوص ، لم تشهد أي نفوذ عثماني، كما لم تشهد سلطاناً صالحا قويا، فيما سبق ظهور آل سعود بمناصرة الإسلام، كما سبق بيانه ، وإنما هي مجزأة إلى إمارات صغيرة ، متفرقة متعادية ، في كل قرية أمير لا يخضع للآخر، بل وصل الحال، إلى أن القرية الواحدة ، تتمزق بين أميرين ، أو ثلاثة أو أكثر ، وكل واحد يتربص بالآخر ، ويتحين فرص الوثوب عليه (2) .
ج- اختفاء هوية الجماعة السعودية المؤقت ، أمام الحملة المصرية التركية الأوربية (حملة محمد علي باشا) :
__________
(1) ينظر: تاريخ مكة ، دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران، أحمد السباعي 2/80-101 . والبدر الطالع للشوكاني ، 2/7 . تاريخ البلاد العربية السعودية للدكتور منير العجلاني ، 30-32 . انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية ، محمد كمال جمعة ، 36-56 .
(2) ينظر: تاريخ نجد لابن بشر ، 1/ 9 ، 122_123، 158. ، البلاد العربية السعودية للدكتور العجلاني ص47، البلاد العربية والدولة العثمانية ، ساطع الحصري 230-240، انتشار دعوة الشيخ ، محمد كمال جمعة ص13، الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، للعثيمين ص10،11.(1/38)
خلف الإمام سعود ابنه الإمام عبد الله، " فسار سيرة والده ، إلا أن اخوته لا يوافقونه على إرادته ، وكان لا يخالفهم ، ونازعه أخوه فيصل بن سعود ، فكان يأمر وفيصل يأمر، فتفرقت كلمتهم، وضعفت شوكتهم ، ونفر منهم فئام من العرب ، واتسع الخرق في قوتهم ، فحاربتهم الدولة المصرية ، وانحاز إلى المصريين أكثر العرب من نجد والحجاز واليمن والعراق والشام " (1)، وبسبب الذنوب ، وضعف تحقيق التوحيد والسنة والجماعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتفرق أنصار التوحيد فيما بينهم ، ضعفت القوة بعد أن كانت مجتمعة موحدة، فطمع الأعداء وتوالت الحملات المصرية التركية في زحفها على أهل التوحيد والسنة والجماعة إلى أن وصلت تلك الجيوش الظالمة ، الدرعية وبعد حصار وقتال استمر سنة كاملة ، استسلم الإمام عبد الله ، عام 1233هـ ، وقتل في تركيا شنقاً رحمه الله تعالى ، ولم تطل مدة حكمه أكثر من أربعة أعوام، كما قتل في الدرعية الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، صاحب تيسير العزيز الحميد ، شرح كتاب التوحيد ، وقتلوا من قتلوا ، وأسروا من أسروا ، حقدا على العلماء ، وعلى أهل السنة والجماعة ، قال الشيخ عبد العزيز بن معمر شعرا:
وكم قتلوا من عصبة الحق فتية هداة وضاة ساجدين وركعا
وكم دمروا من مربع كان آهلاً فقد تركوا الدار الأنيسة بلقعا
إلى أن قال :
عسى وعسى أن ينصر الله ديننا ويجبر منا ما قد تصدعا
إلى قوله :
إلهي فحقق ذا الرجاء وكن بنا رؤوفا رحيما مستجيبا لنا الدعا (2)
__________
(1) ينظر: مثير الوجد ، في أنساب ملوك نجد ، راشد بن علي بن جريس الحنبلي، ط / السلفية بالقاهرة ، عام 1379هـ ، ص42.
(2) عنوان المجد في تاريخ نجد ، لابن بشر : 2/34،35 ، وفي ط المعارف ص43-45.(1/39)
وبهذا يتبين أن الاختلاف في تحقيق المراد بالجماعة ، وعدم السمع والطاعة للإمام ، هو سبب اختفاء هوية الجماعة السعودية المؤقت ، أمام الحملة المصرية التركية الأوربية ( حملة محمد علي باشا ) ، الذي كان في الحقيقة أداة لتحقيق أغراض بريطانيا العظمى(1) ، ولكن لولا اختلاف أهل الحل والعقد من آل سعود ، ما كان لينتصر محمد علي على الدرعية ، ولو عاونه أهل الشرق والغرب ، وقد استجاب الله الدعاء ، وحقق الرجاء ، كما سنبينه فيما يأتي ، في مبحث : ( المملكة العربية السعودية ) تحقيق واقعي للمراد الشرعي بالجماعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
د- عولمة الإرهاب والفتنة :
من آثار اختلاف المسلمين في المراد بالجماعة ، عولمة الإرهاب والفتنة ، ومحور ذلك ومصدره في العالم كله هم اليهود ، ودولتهم التي تسمى زوراً بإسرائيل ـ لأن إسرائيل هو يعقوب عليه السلام، وهو منهم بريء ، براءة الذئب من دم ابنه يوسف ، فهو مسلم أوصى بنيه بدين الإسلام ، الدين الحق ، كما قال الله تعالى عنه أنه قال : { يا بَنِيَّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [البقرة: 132] ، واليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا، كما قال الله تعالى: { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } [المائدة:82 ] ، وقال تعالى: { ويسعون في الأرض فسادًا } [المائدة:64]، وقال تعالى يحذر نبيه محمداً(من فتنتهم وإرهابهم: { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } [المائدة:46 ] .
__________
(1) 47) ينظر: قراءة جديدة لسياسة محمد علي باشا التوسعية ، د. سليمان الغنام، ص 25-40 ، ط1400هـ(1/40)
ومن يطالع كتاب محمد خليفة التونسي بعنوان الخطر اليهودي، بروتوكولات حكماء صهيون ، أول ترجمة عربية أمينة كاملة مع مقدمة تحليلية في مائة صفحة ، وكتاب : أحجار على رقعة الشطرنج ، لمؤلفه وليام غاي كار يدرك أن اليهود من وراء عولمة الإرهاب والفتنة ، فهم من وراء كل فتنة وإرهاب في العالم ، هم من وراء الصهيونية ، بل يرونها قوميتهم المشتركة ، لأن الصهيونية مفيدة لهم ، فهي دعوة لتجمعهم حول جبل صهيون بفلسطين ، ودخل فيها من ليس من اليهود لمصلحة اليهود ، يقول إسرائيل إبراهامز :" لقد أجمع يهود العالم على أن قوميتنا اليهودية المشتركة، لن يكتسحها قصيرو النظر المتعصبون من دعاة الوطنية المحلية ، فجميعنا إذن صهيونيون ، بحكم أن الصهيونية هي التي تقوي فينا روح التضامن ، وتشعرنا بقوميتنا المشتركة "(1) فهم من وراء الشيوعية ، ومن وراء إفساد النصرانية ، وتحويلهم من عقيدة التوحيد ، إلى اعتقاد أن المسيح ابن الله ، وعبادته ، وعبادة الصليب ، ومن وراء تفتيت وحدة الامبراطورية الرومانية وتمزيقها ، وظهور الشيوعية ، والرأسمالية ، وإشعال الحروب بين الدول والسيطرة عليها وعولمة الصهيونية وتسخيرها لخدمة أهدافها الشريرة، فقد عمل اليهود على تحويل ولاء المسلمين للجامعة الإسلامية ، إلى ولاءات عرقية وعنصرية ، كالطورانية التي ظهرت في جمعية الاتحاد والترقي ، أو تركيا الفتاة ، يقول زين نور الدين زين : عن الفكرة الطورانية : يعتقد أنها مستمدة من كتاب فرنسي، اسمه : ( M. Leon Cahun ) يوزعه القنصل الفرنسي العام في سالونيكا،حيث يرى فيه كاهون أن الطورانيين كانوا فيما مضى من الزمن شعباً ذكيا ممتازاً لكنه أخذ بالتقهقر والانحلال عند ما تخلى عن الخصائص التي كان يتميز
__________
(1) 48) نقلاً عن عبد الله التل ، من كتابه جذور البلاء ، ص 143 ، وينظر: كتاب : الغرب والشرق الأوسط ، لبرنارد لويس ، رئيس قسم التاريخ بجامعة لندن ، تعريب نبيل صبحي ، ص 137(1/41)
بها في صحاري آسيا الوسطى واعتنق الإسلام ديناً وحضارة "(1) ، ويقول عن تركيا الفتاة التي استولت على الخلافة العثمانية : " كانوا حزباً غير مسئول ، أو نوعاً من الجمعيات السرية ، التي تسلمت الوظائف الحكومية العالية عن طريق الدسائس والترويع والاغتيال" (2) ويقول برنارد لويس وهو يهودي ، في كتابه الغرب والشرق الأوسط ، تعريب نبيل صبحي(3) " واليهود شعب قادر على استنباط الأشياء الجديدة ، ولقد شهد لهم بذلك أصدقاؤهم وأعداؤهم على السواء فهم الذين اخترعوا الرأسمالية ، والشيوعية " ، وهم يقولون كما في صفحة الغلاف الأخير من كتاب ، أحجار على رقعة الشطرنج ، لمؤلفه وليام غاي كار، ترجمة سعيد جزائرلي : "نحن نثير حملة حقد ضخمة في الشرق ضد الغرب ، وفي الغرب ضد الشرق ، وسوف نحارب الأمم التي تقف على الحياد ، فنجبرها على الانضمام لهذا المعسكر أو ذاك ، ولن ندع أحداً يقف في وجهنا إذا أراد التخفيف من حدة النزاع"، ويقول اليهودي الدكتور أوسكار ليفي : " نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه ، ومحركي الفتن فيه وجلاديه " كما في بروتوكولات حكماء صهيون لمحمد خليفة التونسي ، بتقدير العقاد ص 3 .
__________
(1) 49) نشوء القومية العربية ، ص 87 .
(2) 50) نشوء القومية العربية ، ص 206 .
(3) ص137.(1/42)
ولقد اتجه اليهود بادئ ذي بدء ، إلى الدول الاستعمارية الكبرى ، ومنها مجموعة الحلفاء في الحرب العالمية الأولى ، بعد أن أغرقوها بخططهم السرية وبالديون الربوية والاحتكارية ، فوجدوا في بريطانيا، أعظم القوى الاستعمارية الكبرى بغيتهم، وألفوها خير حليف لهم ارتبطت مصالحها بمصالحهم ، وأعلن زعيمهم وايزمان ذلك الارتباط ، كما جاء في تقرير بترمان سنة (1907م) المقدم إلى وزارة الخارجية البريطانية، والمحال إلى وزارة المستعمرات، عن أهمية منطقة الشام وفلسطين ، وتخوف المستعمرين من يقظة شعوب هذه المنطقة بالإسلام ، وهي يقظة تهدد أطماعه الاستعمارية ، وقد جاء في هذا التقرير ما نصه :
" ماذا سيكون عليه الحال إذا تحررت هذه المنطقة ، واستغلت ثرواتها الطبيعية من قبل أهلها " . ولذلك يوصي التقرير بأن تعمل الدول ذات المصالح الاستعمارية المشتركة، على استمرار تجزؤ هذه المنطقة وتنافرها ، ومحاربة اتحاد جماهيرها ، بأي نوع من أنواع الارتباط الفكري أو الروحي أو التاريخي ، واتخاذ الوسائل العملية القوية لفصلها عن بعضها ما أمكن ، وتقترح اللجنة التي أعدت التقرير : " إقامة حاجز بشري قوي وغريب ، يحتل الجسر البري الذي يربط آسيا بأفريقية ، ويربطهما بالبحر الأبيض المتوسط ، بحيث تشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس ، قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة " (1) .
__________
(1) 51) مقارنة الأديان ، اليهودية ، لأحمد شلبي ، ص99-101، وعلي عبد الله وزملاؤه ، القومية العربية للصف الثالث الثانوي ص156وما بعدها .(1/43)
وقد أقام الاستعمار هذا الحاجز البشري القوي الغريب، وهو ما يسمى: دولة إسرائيل ، ولقد انضمت أميركا إلى هذا الاتجاه، بدافع من الصهيونية التي لها النفوذ القوي في البيت الأبيض، بل إن أميركا تسلمت زمام القوة الكبرى لصالح الصهيونية ضد الجامعة الإسلامية ، بعد تضعضع بريطانيا العظمى ، وبعد انهيار اتحاد الدول الشيوعية ، والواقع خير شاهد فأميركا الدولة ، هاهي تنحاز لليهود الغاصبين المعتدين وتساعدهم وتسندهم، وتدافع عن الصهيونية العنصرية، بكل قوتها بلا عقل ولا حياء ، ولا إنسانية ولا ديمقراطية، خصوصاً بعد أحداث 11/ سبتمبر، وحملة إعلامها على المملكة العربية السعودية، وهي صديقة لها ، لأنها معقل الإسلام ، ومأرز الإيمان ، ومهبط الوحي النبوي، ولكن الإعلام الأميركي بدافع الصهيونية يهاجم العدل في المملكة، بدعوى محاربة الإرهاب، ومن لا يكون مع أميركا على هذا الاتجاه ، فهو ضدها إرهابي عدو لها ولو كان صديقاً في الحقيقة ! ولكن قال الله تعالى : { ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءو بغضب من الله ، وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ، ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } [آل عمران: 112].
4- تحديد المراد الشرعي بالجماعة :(1/44)
روى ابن أبي عاصم من طرق متعددة، وأبو داود عن معاوية رضي الله عنه، قال قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فذكر: " إن أهل الكتاب قبلكم تفرقوا على اثنتين وسبعين فرقة في الأهواء ، ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة في الأهواء، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، ألا وإنه يخرج في أمتي قوم ، يهوون هوى، يتجارى بهم ذلك الهوى، كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يدع منه عرقا، ولا مفصلا إلا دخله " . و في رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر " أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة ـ يعني الأهواء- كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة" (1) ، وروى الإمام أحمد عن أبي عامر عبد الله بن لحي ، قال حججنا مع معاوية بن أبي سفيان ، فلما قدمنا مكة قام حين صلى الظهر ، وفيه قوله:"والله يا معشر العرب، لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم- صلى الله عليه وسلم -، لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به " ففي هذا لحديث الشريف أيضا : أن هذه الأمة ، أي أمة الإجابة ، لا أمة الدعوة ، ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، تفرقوا كما تفرق أهل الكتاب السابقين ، من اليهود والنصارى بل زادوا عليهم، وكل فرقة تزعم أنها هي الجماعة ، ولكن الحقيقة أن الجماعة ، هي التي وافقت ما عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .
__________
(1) و أخرجه أحمد 4/102، وأبو داود (4597) وغيرهما وهو حديث صحيح .(1/45)
وفي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم ، في صحيحيهما، عن حذيفة قال : " كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت: يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم . قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم ، وفيه دخن . قلت وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم : دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها . قلت يا رسول الله : صفهم لنا . قال هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا . قلت فماذا تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين ، وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " (1).
__________
(1) ينظر : البخاري مع الفتح13/35(1/46)
ففي هذا الحديث الشريف : الخبر الصادق بحدوث دعاة كثيرين كثرةً غلبت على عصرهم ، حتى وصف بالشر بعد الخير، تبعاً للغالب، في قوله : وهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال نعم : دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها . قال حذيفة : قلت يا رسول الله : صفهم لنا . قال : هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا . فهم يتلبسون بمظهر الإسلام ويدعون إليه وإلى الجماعة الإسلامية ، حتى أن من صفتهم أنهم أناس من جلدتنا أي ينتمون إلى نسبنا من العرب، ويتكلمون بألسنتنا العربية والإسلامية ، ولكنهم في الحقيقة دعاة إلى ترك الجماعة ، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها ، وفيه أن العاصم الذي يرجع إليه عند حدوث هؤلاء الدعاة ، هو لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ، فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فلزوم ما عليه جماعة المسلمين وإمامهم ، ولو كان الملتزم وحده منفرداً باعتزاله تلك الفرق، ولو أن يعض على أصل شجرة ، من شدة الغربة ، حتى يدركه الموت وهو على ذلك المنهج ، لأنه منهج الجماعة وإمامهم .
وفي الحديث قوله:" قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )) (1) يعني : فإنك باعتزال تلك الفرق، حيث لم يكن لهم جماعة ولا إمام ، تكون أنت على ما كانت عليه الجماعة ، وإن كنت وحدك ، قال ميمون بن مهران : قال ابن مسعود ( :" الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك " .
وقال نعيم بن حماد :" إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك ، فإنك أنت الجماعة حينئذ " ذكره البيهقي وغيره . (2)
__________
(1) أنظر : البخاري مع الفتح13/35
(2) سنن أبي داود ، كتاب السنة ، باب شرح السنة ، الحديث رقم
( 4597) .(1/47)
إذاَ المراد الشرعي بالجماعة : هم القوم المجتمعون على الاستمساك بالكتاب والسنة ، الذين يؤثرون كلام الله تعالى، على كلام كل أحد، ويقدمون هدي رسول الله ( ، على هدي كل أحد ، فالتمسك بالكتاب والسنة ، وعقد الاجتماع والعهد على ذلك ، والوفاء به ، وعدم نقضه ، يفيد الاجتماع والائتلاف، واكتمال القوة واستحكامها، فلا تتناقض ، فالجماعة هنا هم المجتمعون على الحق، وإن كانوا قليلا، وكان المخالف لهم كثيرا، فإن يد الله معهم، لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي(، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل من بعدهم . قال ابن جرير الطبري: "والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة"(1)، وذكره الإمام الشاطبي ؛ في كتابه الاعتصام (2) عن الإمام ابن جرير الطبري أنه قال:" الجماعة : جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير "، قال : " فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلزومه ، ونهى عن فراقه، فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم ، لأن فراقهم لا يعدوا إحدى حالتين : إما للنكير عليهم في طاعة أميرهم ، والطعن عليه في سيرته المرضية لغير موجب، بل بالتأويل في إحداث بدعة في الدين ، كالحرورية التي أمرت الأمة بقتالها، وسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - مارقة من الدين . وإما لطلب إمارة من انعقاد البيعة لأمير الجماعة، فإنه نكث عهد، ونقض عهد بعد وجوبه، وقد قال- صلى الله عليه وسلم - : " من جاء أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائنا من كان " ، وقال - صلى الله عليه وسلم - :" إذا بويع لخليفتين ، فاقتلوا الآخر منهما" ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم ، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه" ، وفي رواية أخرى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه ستكون هنات
__________
(1) فتح الباري 13/37.
(2) الاعتصام للشاطبي ، الجزء 2/264 .(1/48)
وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة ، وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان " ، وفي رواية:" فاقتلوه " (1)، وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " (2) . قال الطبري :" فهذا معنى الأمر بلزوم الجماعة... وقد بين ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، فروي عن عمرو بن ميمون الأودى قال : قال عمر: - حين طعن لصهيب - صلِّ بالناس ثلاثا ، وليدخل علي عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن ، وليدخل ابن عمر في جانب البيت وليس له من الأمر شيء فقم يا صهيب على رؤوسهم بالسيف، فإن بايع خمسة ونكص واحد فاجلد رأسه بالسيف ، وإن بايع أربعة ونكص رجلان فاجلد رؤوسهما حتى يستوثقوا على رجل ، قال : فالجماعة التي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلزومها وسمى المنفرد عنها مفارقاً لها، نظير الجماعة التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه، وأمر صهيبا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف، فهم في معنى العدد المجتمع على بيعته وقلة العدد المنفرد عنهم .
__________
(1) ينظر: في صحيح مسلم كتاب الإمارة ، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، 2/1479،1480، رقم 59،60/1852 ، وسنن أبي داود، كتاب السنة، باب في قتل الخوارج رقم الحديث 4762.
(2) صحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، باب إذا بويع لخليفتين ، 2/1480 رقم 61/1853.(1/49)
قال: وأما معنى الخبر الذي ذكر فيه أن لا تجتمع الأمة على ضلالة فمعناه أن لا يجمعهم على إضلال الحق فيما أنابهم من أمر دينهم حتى يضل جميعهم عن العلم ويخطئوه ، وذلك لا يكون في الأمة"ا ـ هـ(1). قال الشاطبي :" هذا تمام كلامه ـ يعني الطبري ـ وهو منقول بالمعنى وتحر في أكثر اللفظ ، وحاصله أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة ، وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المذكورة،الخوارج ومن جرى مجراهم"(2)
وهذا الأثر عن عمر الذي فيه ، أنه قال : " فقم يا صهيب على رؤوسهم بالسيف " الخ ، رواه الطبري في تاريخ الأمم والملوك(3)،ورواه غيره بألفاظ أخرى صحيحة الإسناد،تدل على ما أراده الطبري، من الاستدلال بهذا الخبر، لما قرره من الأصح لمعنى الجماعة ، منها :
__________
(1) 60)الإعتصام جزء 2/246
(2) الاعتصام جزء 2/264-265.
(3) تاريخ الأمم والملوك 2/580-581، من طبعة دار الكتب العلمية .(1/50)
رواية ابن سعد بسنده عن سالم بن عبد الله ، أن عبد الله بن عمر، وذكر قصة قتل عمر، وفيها أن عمر قال أمهلوا ، فإن حدث بي حدث "فليصل لكم صهيب ثلاث ليال ثم أجمعوا أمركم ، فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه"، وصحح إسنادها الحافظ ابن حجر في موضعين من الفتح (1) ، ورواية ابن سعد الأخرى بسنده عن عمرو بن ميمون ، وفيها قول عمر لصهيب : " صل بالناس ثلاثا، وليخل هؤلاء القوم في بيت ، فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه " ، وكلتاهما رواهما ابن سعد في الطبقات (2) ورواها الحارث في مسنده عن يحيى بن أبي بكير(3) ثنا إسرائيل، وروى نحوها ابن أبي شيبة عن وكيع عن إسرائيل(4) وذكر الحافظ ابن حجر هذا الأثر في الفتح، وأن لهذه الرواية شاهدا من حديث ابن عمر ، قال:" أخرجه ابن سعد بإسناد صحيح"، كما ذكر أيضا ما يختص برواية جويرية بن أسماء بن عبيد لخبر قتل عمر- رضي الله عنه - ، وفيه قول عمر : "ويتبع الأقل الأكثر، ومن تأمر من غير أن يؤمر فاقتلوه"(5) .
__________
(1) فتح الباري ، 7/68، 13/196 .
(2) الطبقات 3/340-342، 344 .
(3) زوائد الهيثمي 2/622-623 .
(4) المصنف 7/436 .
(5) فتح الباري 7/68 ، 13/195-196.(1/51)
وننقل توضيحاً لشيخ الإسلام ابن تيمية لهذه المسألة لأهميته ، في معرض تفنيده قول الرافضي في عمر - رضي الله عنه - أنه: " أمر بقتل من خالف الأربعة ، وأمر بقتل من خالف الثلاثة منهم : عبد الرحمن "، قال: فيقال: هذا من الكذب المفترى ، ولو قدر أنه فعل ذلك ، لم يكن عمر قد خالف الدين ، بل يكون قد أمر بقتل من يقصد الفتنة ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من جاءكم وأمركم على رجل واحد ، يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان" (1) والمعروف عن عمر - رضي الله عنه - أنه أمر بقتل من أراد أن ينفرد عن المسلمين ببيعة بلا مشاورة لأجل هذا الحديث، وأما قتل الواحد المتخلف عن البيعة إذا لم تقم فتنة ، فلم يأمر عمر بقتل مثل هذا، ولا يجوز قتل مثل هذا".(2)
__________
(1) المسند ، ط الحلبي ،5/341 ، وانظر: صحيح مسلم كتاب الإمارة ، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع ، 3/1479،1480، سنن أبي داود 4/334، كتاب السنة ، باب في قتل الخوارج .
(2) منهاج السنة ، 6/179-180.(1/52)
وقال شارح العقيدة الطحاوية(1): "وقد ساق البخاري (2) رحمه الله قصة قتل عمر - رضي الله عنه - وأمر الشورى والمبايعة لعثمان في صحيحه ، فأحببت أن أسردها كما رواها بسنده عن عمرو بن ميمون ، فسردها، وفيها أن عمر قال : " ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط .. " فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن، يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء، كهيئة التعزية له ، فإن أصابت الإمرة سعدا فذاك ، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة " إلى قوله : " فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط ، فقال: عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم ، قال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال طلحة : قد جعلت أمري إلى عثمان ، وقال سعد:قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن ، فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه ، والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه، فأسكت الشيخان ، فقال عبد الرحمن أفتجعلونه إلي ، والله علي أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم ، فأخذ بيد أحدهما ، فقال: لك قرابة من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، والقدم في الإسلام ما قد علمت، فبالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ؟ ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن ؟ ثم خلا بالآخر ، فقال : له مثل ذلك ، فلما أخذ الميثاق ، قال: ارفع يدك يا عثمان ، فبايعه، وبايع له علي، وولج أهل الدار ، فبايعوه" .
وذكر شارح الطحاوية رواية البخاري الأخرى (3) عن حميد بن عبد الرحمن عن المسور بن مخرمة ، وفيها قوله :" فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم مال الناس إلى عبد الرحمن ، حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط "
__________
(1) شرح العقيدة الطحاوية ، لابن أبي العز ، تحقيق وتعليق الدكتور عبد الله التركي، وزميله، ص712-720
(2) البخاري مع الفتح 7/59-62 ، رقم 3700 .
(3) البخاري مع الفتح 13/ 193-194 ، رقم 7207(1/53)
وفيها أن عبد الرحمن قال :" أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان ، فلا تجعلن على نفسك سبيلا "
قال في فتح الباري : "ويؤخذ منه بطلان قول الرافضة وغيرهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على أن الإمامة في أشخاص بأعيانهم … ففي رضا الجميع بما أمرهم به ، دليل على أن الذي كان عندهم من العهد في الإمامة أوصاف ، من وجدت فيه استحقها، وإدراكها يقع بالاجتهاد ، وفيه أن الجماعة الموثوق بديانتهم ، إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد التشاور والاجتهاد ، لم يكن لغيرهم أن يحل ذلك العقد، إذ لو كان العقد لا يصح إلا باجتماع الجميع ، لقال قائل لا معنى لتخصيص هؤلاء الستة، فلما لم يعترض منهم معترض بل رضوا وبايعوا ، دل ذلك على صحة ما قلناه" (1) ، وذكر ابن العربي المالكي بأنه : " لو عقد ه بعضهم لجاز ، ولم يحل لأحد أن يعارض " (2) .
وذكر ابن حجر من زيادة المدايني أن عمر: "قال لأبي طلحة : إن الله قد نصر بكم الإسلام، فاختر خمسين رجلا من الأنصار واستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم"(3).
__________
(1) فتح الباري لابن حجر 13/198 .
(2) ينظر: عارضة الأحوذي ، 9/10، تحفة الأحوذي ، 6/384 ، نقلا عن: الأمر بلزوم جماعة المسلمين ، وإمامهم ، للشيخ عبد السلام بن برجس ص30.
(3) فتح الباري ، 7/68(1/54)
وذكر ذلك السيوطي عن أنس قال :" أرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري قبل أن يموت بساعة ، فقال: كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت ، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا يدخل عليهم ، ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم" (1). وقال ابن حجر: " وفيه أن الشركاء في الشيء إذا وقع بينهم التنازع في أمر من الأمور ، يسندون أمرهم إلى واحد ليختار لهم ، بعد أن يخرج نفسه من ذلك الأمر"(2)، وقال ابن المنير: " في الحديث دليل على أن الوكيل المفوض له أن يوكل وإن لم ينص له على ذلك، لأن الخمسة أسندوا الأمر لعبد الرحمن وأفردوه به فاستقل مع أن عمر لم ينص لهم على الانفراد" (3) ، ففي القصة نرى أن عمر - رضي الله عنه - بين مفهوم الجماعة ومعناه ، والتزمت الأمة به ، حتى صار عبد الرحمن وحده هو الجماعة ، فقال لعلي:" فلا تجعلن على نفسك سبيلا " قال ابن حجر : " أي من الملامة ، إذا لم توافق الجماعة".(4) ، وبيان عمر - رضي الله عنه - لمفهوم الجماعة ومعناها، وهو الخليفة الراشد، الذي أمرنا بالاقتداء به ،كما في حديث حذيفة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:"اقتدوا باللَّذين من بعدي : أبي بكر وعمر" رواه أهل السنن (5) يفيد العلم الضروري والاعتقاد الصحيح ، بأنه المراد شرعاً بالجماعة كما قرره الإمام الطبري ،ونذكر موقفا لعبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، يؤكد معنى الجماعة المراد شرعاً، الذي بينه
__________
(1) تاريخ الخلفاء ص154.
(2) فتح الباري 13/199.
(3) فتح الباري 13/199.
(4) فتح الباري 13/197
(5) أحمد ، 5/382،385،399،402، الترمذي ،3662،3663، ابن ماجه ، 97، ابن أبي شيبة ،12/11، الحميدي 449، ابن أبي عاصم 1148، 1149، الطحاوي في مشكل الآثار 2/83-85، أبو نعيم في الحلية 2/185، الحاكم 3/75، وصححه ، ووافقه الذهبي ، ابن حبان 2193، من طريق آخر ، ينظر: شرح الطحاوية 2/699.(1/55)
عمر - رضي الله عنه - ، وقرره ابن جرير الطبري، رحمه الله ، فيما رواه مسلم عن نافع قال جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع ( بن الأسود العدوي القرشي ) حين كان من أمر الحرة ما كان ، زمن يزيد بن معاوية ، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة ، فقال: إني لم آتك لأجلس ، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول :" من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة ، مات ميتة جاهلية" (1)
وعبد الله بن مطيع كان ممن خلع يزيد وخرج عليه ، وكان يوم الحرة قائد قريش ، كما كان قائد الأنصار عبد الله بن حنظلة الأنصاري ، إذ خرج أهل المدينة لقتال الجيش الذي بعثه يزيد لقتالهم وأخذ البيعة له ، فظفر أهل الشام بأهل المدينة ، وكان ما كان من أمر الحرة ، من الفتن والمفاسد ، بسبب خلعهم أيديهم من طاعة يزيد وعدم بيعتهم له، وقد انعقدت له الإمامة ، بوصية الإمام قبله أمير المؤمنين معاوية، وبايعه من بايعه لذلك ، وأصبح الذين في طاعته هم الجماعة .
هذا هو ما قرره الإمام ابن جرير الطبري فيما تقدم من قوله: " فالجماعة التي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلزومها وسمى المنفرد عنها مفارقاً لها، نظير الجماعة ، التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه ، وأمر صهيبا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف، فهم في معنى العدد المجتمع على بيعته وقلة العدد المنفرد عنهم " .
ومن أجل أن يتضح المراد الشرعي بالجماعة مما تقدم، بقي أن نبين ضرورة تعيين الجماعة فإلى ذلك في المبحث الآتي:
ضرورة تعيين الجماعة :
__________
(1) صحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ، وفي كل حال ، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة ، 2/1478، رقم الحديث 58/1851.(1/56)
حيث لا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة وهذه الثلاثة متلازمة، آخذ بعضها ببعض، لا قيام للإسلام إلا بهذه الثلاثة(1) ، ولقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلزوم الجماعة وإمامهم ، والسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب الظهر وأخذ المال، أمرا يدل على الوجوب ، ونهى عن الخروج على الجماعة ومفارقتها، نهيا يدل على التحريم ، وقد بوب الإمام النووي لأحاديث صحيحة وردت في صحيح مسلم ، تدل على هذا دلالة قاطعة، فقال: " باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ، وفي كل حال ، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة " (2)، كما وردت أدلة أخرى تفيد العلم اليقيني بهذا الحكم في الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، وحيث لا يمكن القيام بفعل هذا الواجب، وترك هذا المحرم إلا بتعيين الجماعة ، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
إذاً : فلابد من تعيين الجماعة ومعرفتها، ليتحقق القيام بواجب لزومها، ولزوم إمامها ، والاقتداء بها والاعتصام بذلك من تركها وفراقها المحرم .
__________
(1) ينظر: سنن الدارمي، المقدمة ، باب في ذهاب العلم ، ص79، رقم الحديث 253، الدرر السنية في الأجوبة النجدية ، 7/270-277، حكم الانتماء للشيخ بكر أبو زيد ، ط2 ، ص59 .
(2) صحيح مسلم المجلد 2/1475، وانظر: أحاديث الباب من رقم ( 1847-1851) .(1/57)
قيل لعبد الله بن المبارك: " من الجماعة الذين ينبغي أن يقتدى بهم"؟ قال :" أبو بكر وعمر" ـ فلم يزل يحسب حتى إلى محمد بن ثابت والحسين بن واقد ـ فقيل: "هؤلاء ماتوا: فمن الأحياء ؟ ، قال: "أبو حمزة السكري" (1) ، وعن إسحاق بن راهويه نحو مما قال ابن المبارك " (2) ،ومحمد بن ثابت ، والحسين بن واقد ، وأبو حمزة السكري ، كل منهم فرد معين بأنه الجماعة في زمانه ، وليسوا من المبشرين بالجنة ، لكن يقتدى بهم ، وتوفر مفهوم الجماعة في كل واحد منهم بعينه، فعين الإمام ابن المبارك كل واحد منهم بصفة الجماعة ، التي يقتدى بها كل في زمانه ، مما يدل على أنه لابد من تعيين الجماعة في كل عصر ، ليتسنى لزومها وعدم مفارقتها ، ولذا لم يعترض أحد من الأئمة على هذا التعيين ، لأنه لابد منه، فبدونه كيف تعرف الجماعة ؟ وكيف يؤدى الواجب من ملازمتها، ويجتنب الحرام من مفارقتها ، والخروج على طاعة إمامها ؟ إنه بدون تعيين الجماعة ، ينطلق المسلمون والدعاة إلى الله تعالى ، من فراغ موحش في الاعتقاد الإسلامي، ويأتون إلى الناس بجهالة وبدعة وضلالة وإرهاب ، كما هو رأي الخوارج ومسلكهم .
إذاً : فتعيين الجماعة من ضروريات الدين، ومن أصول العقيدة .
وحيث لابد من إتمامه ببيان استمرار وجودها في كل جيل، فإلى ذلك في المبحث الآتي:
استمرار وجود الجماعة في كل جيل:
حيث أن الله تعالى وله الحمد والشكر لم يخل الأرض ولن يخليها من قائم له بحجته ، وداع إليه على بصيرة ، لكي لا تبطل حجج الله وبيناته التي أنزلها على أنبيائه ورسله ، قضى باستمرار وجود الفرقة الناجية ، الذين هم الجماعة ، الذين وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" ، في كل جيل وزمان ، إذا مضى جيل ورثه جيل من بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
__________
(1) الاعتصام للشاطبي : 2/261-262.
(2) المرجع السابق .(1/58)
كما في حديث حذيفة فيما أخرجه البخاري ومسلم ، في صحيحيهما، عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - ، قال :" كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني " الذي تقدم ذكره ، ففيه دلالة على استمرار وجود الجماعة وإمامهم، رغم غلبة الشر ، أي أنه يدل على استمرار وجود الجماعة باستمرار وجود المسلمين، وإن تفرقوا إلى ثلاث وسبعين فرقة ، فتفرقهم لا يعني عدم الجماعة الواحدة المستثناة من التفرق والأهواء والوعيد بالنار ، كما وروى البخاري من حديث معاوية رضي الله عنه، قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" (1) ، وفي رواية مسلم عن ثوبان " ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة ، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعالى ".
نعم : إنه بفضل الله ورحمته لا تزال هذه الجماعة باقية إلى قيام الساعة ليقوم بهم الدين ، كما روى مسلم في صحيحه : " لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة " (2) . فلله الحمد والمنة .
__________
(1) صحيح البخاري مع فتح الباري: 6/632، وصحيح مسلم، ص1524.
(2) صحيح مسلم : ج1/ص128.(1/59)
وقد قيض الله لدين محمد- صلى الله عليه وسلم -، من يبعثه على رأس كل مائة سنة، مجددا لما اندرس من معالم الدين كما قال- صلى الله عليه وسلم - "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" (1) ، قال الشيخ ابن باز : "هذا الحديث إسناده جيد ، رجاله كلهم ثقات ، وقد صححه الحاكم والحافظ العراقي، والعلامة السخاوي وآخرون "(2) ،ومعنى تجديد الدين هو أن الدين يخلق في النفوس ، وينسى في القلوب ، ويندرس في مجتمعات الناس ، فيأتي من يدعوهم إلى العودة إلى أصول دينهم ، بما يظهر ويبين لهم من معالم الدين التي نسوها ، والسنن التي أماتوها في نفوسهم، فإذا أراد الله بهم خيرا قبلوا دعوته، ونصروها وعملوا بها، ففي المستدرك للحاكم ، عن عبد الله بن عمرو ابن العاص ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم ، كما يخلق الثوب الخلق ، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم " قال الحاكم : حديث لم يخرج في الصحيحين رواته مصريون ثقاة ، وأقره الذهبي في التلخيص(3)،وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد،في باب تجديد الإيمان (4) والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، قال العراقي في أماليه:"حديث حسن من طريقيه" (5)، فليس معنى تجديد الدين ، أن يؤتى بدين جديد ، فإن الدين عند الله هو الإسلام ، الذي أنزل الله فيه على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، يوم عرفة في حجة الوداع قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا } فقد أكمله وأتم به نعمته ، فلا يزيده ولا ينقصه أبدا ، ورضيه فلا يسخطه أبدا.
__________
(1) سنن أبي داود ج2/كتاب الملاحم باب1ص424
(2) هامش ص10 من كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب … تأليف أحمد بن حجر آل بوطامي .
(3) المستدرك 1/4
(4) مجمع الزوائد1/52 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني4/113 ، ح1585 .
(5) فيض القدير 2/323/1957 .(1/60)
إذاً: هذه الجماعة لا يزال وجودها مستمرا، ما وجد المسلمون ، وإن تفرقوا إلى فرق ، إلى قيام الساعة ، أي ساعة المؤمنين ، بقبض أرواحهم ، لأن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لا تجتمع على ضلالة ، فلا تجتمع على التفرق في الأهواء الشركية أو البدعية، بل لابد أن تكون منها جماعة على التوحيد والسنة، كلما مضت، خلفتها جماعة أخرى على هذا المنهج الحق، إلى قيام الساعة كما تقدم إيضاحه .
وكانت لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب جهود علمية، في ترسيخ مفهوم الجماعة ، فمن ذلك قوله (1):" اختلفوا في الجماعة والافتراق ، فذهب الصحابة ومن معهم إلى وجوبها ، وأن الإسلام لا يتم إلا بها، وذهبت الخوارج ومن معهم إلى الأخرى وإنكار الجماعة ، ففصل الكتاب بينهم ، بقوله تعالى: { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.... } الآية) ، [آل عمران :103 ]، وقال أيضا: " الأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد ، ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم " (2)
__________
(1) الدرر السنية ، ط /5/1416هـ / مجلد 9/5 – 7 .
(2) الدرر السنية ، ط /5/1416هـ / مجلد 9/5 – 7 .(1/61)
وقال أيضا " من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبدا حبشيا ، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا بيانا شائعا ذائعا ، بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم ، فكيف العمل به " (1) ، وقال بلسان العامة: "وبعد يجيئنا من العلوم ، أنه يقع بين أهل الدين والأمير بعض الحرشة (تحرشات) وهذا شيء ما يستقيم عليه دين، والدين هو الحب في الله والبغض فيه ، فإن كان الأمير ما يجعل بطانته أهل الدين، صار بطانته أهل الشر، وأهل الدين عليهم جمع الناس على أميرهم ، والتغاضي عن زلته، وهذا أمر لابد منه من أهل الدين، يتغاضون عن أميرهم، وكذلك الأمير يتغاضى عنهم ، ويجعلهم مشورته وأهل مجلسه، ولا يسمع فيهم كلام العدوان ، وترى الكل من أهل الدين والأمير ، ما يعبد الله أحد منهم إلا برفيقه ، فأنتم توكلوا على الله ، واستعينوا بالله على الائتلاف والمحبة واجتماع الكلمة، فإن العدو يفرح إذا رأى أن الكل ناقل (2) على رفيقه، والسبب : يرجو عود الباطل " (3) .
__________
(1) الدرر السنية ، ط /5/1416هـ / مجلد 9/5 – 7 .
(2) 96) هكذا وردت نصاً في الدرر السنية ، ط /5/1416هـ / مجلد 9/6 ، س 6من تحت ، وهي صحيحه لأنها بلسان العامة معروفة أنها بمعنى يحمل عليه بقلبه : أي ناقم أو حاقد ، والشيخ يخاطبهم بلسان العامة الذي يعرفونه.
(3) الدرر السنية ، ط /5/1416هـ / مجلد 9/5 – 7 .(1/62)
وكان هذا المعنى قد فقهه الأئمة من آل سعود، فقد سئل الإمام عبد العزيز ابن محمد بن سعود : "هل تصح الإمامة في غير قريش "؟ ، فأجاب : "الذي عليه أكثر العلماء ، أنها لا تصح في غير قريش إذا أمكن ذلك ، وأما إذا لم يمكن ذلك واتفقت الأمة على مبايعة الإمام ، أو اتفق أهل الحل والعقد عليه ، صحت إمامته ووجبت مبايعته ، ولم يصح الخروج عليه ، وهذا هو الصحيح الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( عليكم بالسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد حبشي…) (1) .
__________
(1) الدرر السنية ، ط /5/1416هـ / مجلد 9/5 – 7 .(1/63)
وهذا هو سر اجتماع العرب على إمامة آل سعود من أول أمرهم ، منذ أحسن الأمير الراشد محمد بن سعود استقبال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وقد أخرج من العيينة وجاء إلى الدرعية غير مرغوب فيه ، ومشى الأمير إليه برجله ، مخالفاً ما تقتضيه سياسة الإمارة ، لكنه آثر إحياء السنة السلفية ، والسياسة الشرعية ، في تعظيم العلماء لوجه الله تعالى، فأحيا الله قلبه وشرح صدره لدعوة الشيخ،وقال له : ( أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة ) ـ فثبت الله إمارته ، وأرسى له ولأولاده من بعده، دعائم الإمامة والملك ، وجمع قلوب العرب والمسلمين بكلمة التوحيد عليهم ـ وأجابه الشيخ وهو في حال مهاجر مستضعف، لا يملك من الدنيا شيئا، بقوله : وأنا أبشرك، بالعز والتمكين ، وهذه كلمة : لا إله إلا الله ، من تمسك بها وعمل بها ونصرها، ملك بها البلاد والعباد ، وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخر هم، وأنت ترى نجداً وأقطارها، أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم لبعض، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون، وذريتك من بعدك ) (1) ، فقال له الأمير الراشد: ( يا شيخ ! إن هذا دين الله ورسوله، الذي لاشك فيه، وأبشر بالنصرة لك ، ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد) (2) .
__________
(1) ينظر: ابن بشر، " عنوان المجد ( ج1/11،12)، وطبع وزارة المعارف، (1/24)، وروضة ابن غنام، (1/3)
(2) ابن بشر، عنوان المجد (1/12.(1/64)
وإن من يتأمل مواقف الأمير الإمام محمد بن سعود، تدله دلالة قاطعة ، على رجاحة عقله وبعد نظره ، وصدقه في نصرة الإسلام ، وقوة إيمانه وتوكله على الله ، وأن الله بفضله قد اختاره وأولاده لنصرة هذا الدين ، والإمامة فيه ، والتفاف الجماعة عليه ، فكم ناوأه الأمراء والملوك ، وجيوش الأعداء الكثيرة، وتكالبوا عليه بعد إيوائه الشيخ ونصرته دعوته ، ورموه عن قوس واحدة من قريب وبعيد ، فصبر على الجهاد في سبيل الله وبذل نفسه وإمارته، وأولاده ، وقتل من قتل من أولاده ورجاله ، ولا يزال صابرا وفاء بالعهد وإيمانا واحتسابا لما عند الله في الدار الآخرة ، خلافا لما يشيعه أعداء العقيدة الإسلامية ، كذبا وزورا ، من أنه ضعيف الشخصية ، وأنه لا يتخذ القرار الحاسم بنفسه ، أو أنه ذو أطماع سياسية ، يريد الملك والاستيلاء والسيطرة ، كما هو شأن أمراء العرب في عهده، ولكن الحقيقة أنه أمير راشد، وإمام فذ ، ذو شخصية قوية بالله ورأي مستقل ، يتمتع بمواهب سياسية وإدارية فائقة متميزة .
ونعود إلى قصة ذلك اللقاء المبارك بين الشيخ والأمير، فنقول: لما تم ذلك الوفاق التاريخي القدري، بين العالم الرباني والأمير الراشد على نصرة التوحيد، اكتمل عقد القوة العلمية والعملية لجماعة المسلمين، وقامت الدولة السعودية الأولى على ذلك ، بإمامة الأمير الراشد محمد بن سعود ، وجد واجتهد في القيام بنصرة التوحيد والقضاء على الشرك والبدع والخرافات ، والسير على منهج أهل السنة والجماعة حتى توفاه الله تعالى سنة 1179هـ رحمه الله تعالى .(1/65)
وقد تولى الإمامة بعد وفاته ابنه الإمام عبد العزيز ، وكان أشهر من أبيه ، فقد استتب له الأمر تسعة وثلاثين عاما، وأدخل جميع نجد في طاعته ، والأحساء والقطيف وعمان والحرمين الشريفين بقيادة ابنه سعود ، ووصلت غزواته مشارف الشام ، وكربلاء في العراق ،واليمن،وكان عالما عادلا ورعا،وشجاعا مقداما،قتله رافضي من أهل النجف في العراق، جاء متنكرا باسم عثمان ، بدسيسة من والي بغداد، قتله غدرا وهو قائم يصلي العصر بالناس، في مسجد الطريف في الدرعية ، سنة 1218هـ رحمة الله عليه (1) .
وبويع بالإمامة ابنه سعود ، وكان قائدا عظيما ، وعالما جليلا ، ذكيا يحسن الخط والقراءة ، فصيحا إذا تكلم أنصت له الكل ، وفارسا مغوارا وحاكما عادلا، لا تأخذه في الله لومة لائم ، تولى ملك أهل السنة والجماعة ، وجند جنودا تزيد على أربعمائة ألف ما بين فارس وراجل، حتى خضعت له جميع أنحاء الجزيرة العربية ، واستتب الأمن في جميع ربوعها، وحاول مناهضة ملوك الدنيا في سبيل إعلاء كلمة الله وإخضاع ممالكها للسنة والجماعة ، وبارزته السلطنة العثمانية بالعداء والقتال، وجيشت الجيوش الكثيرة ضده فهزمها هزيمة شنيعة، وكان مدة حياته لم تهزم له راية ، وعليه من الأبهة والهيبة والجلال ما يبهر العقول ، ثم توفي رحمه الله سنة 1229هـ وكانت ولايته إحدى عشرة سنة (2)
__________
(1) ينظر: تاريخ ملوك آل سعود ، تأليف سعود بن هذلول ، ص10.
(2) ينظر: مثير الوجد ، في أنساب ملوك نجد ، راشد بن علي بن جريس الحنبلي، ط السلفية بالقاهرة ، عام 1379هـ ، ص42 ، تاريخ ملوك آل سعود ، ص11-15.(1/66)
ثم خلف الإمام سعود ابنه الإمام عبد الله، " فسار سيرة والده ، إلا أن اخوته لا يوافقونه على إرادته ، وكان لا يخالفهم ، ونازعه أخوه فيصل بن سعود ، فكان يأمر وفيصل يأمر، فتفرقت كلمتهم ، وضعفت شوكتهم ، ونفر منهم فئام من العرب ، واتسع الخرق في قوتهم ، فحاربتهم الدولة المصرية ، وانحاز إلى المصريين أكثر العرب من نجد والحجاز واليمن والعراق والشام " (1) .
ثم عاد الله بعائدته ، فكشف الله المحن بالإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود ، وأقام الجماعة ، واستقاموا له بالسمع والطاعة، ثم لابنه فيصل من بعده ، ثم بعد وفاة الإمام فيصل حصل اختلاف بين أبناء فيصل أخرج الأمر من أيديهم ، ثم عاد الله بعائدته على المسلمين بالإمام الملك عبد العزيز على ما سنبينه فيما يأتي إن شاء الله تعالى .
__________
(1) ينظر: مثير الوجد ، في أنساب ملوك نجد ، راشد بن علي بن جريس الحنبلي، ط / السلفية بالقاهرة ، عام 1379هـ ، ص42.(1/67)
وأما ما يقال قديماً وحديثاً من أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأئمة السعوديين خرجوا على جماعة المسلمين ، الدولة العثمانية، فهو غير صحيح ، لأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود ، ومن قام بمؤازرتهما من آل سعود وغيرهم ، إنما قاموا بنصرة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، لا غير ذلك، ولو وجدوا من يقوم بنصرتها في ظل الدولة العثمانية ، لا نقادو اله بالسمع والطاعة، و قد كان الأمير عبد العزيز بن محمد والشيخ يناشدان الشريف بأن يقوم بنصرة دين جده محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ويوقع الأمير عبد العزيز في خطابه للشريف بلقب الخادم ، ولنذكر مثالاً لذلك : ذكر الشيخ حسين بن غنام في تاريخه في السنة الخامسة والثمانين بعد المائة والألف(1) أن الشيخ وعبد العزيز أرسلا إلى والي مكة أحمد بن سعيد الشريف هدايا، وكان قد كاتبهم وراسلهم وطلب منهم أن يرسلوا فقيها وعالما من جماعتهم يبين لهم حقيقة ما يدعون إليه من الدين ويحضر عند علماء مكة ، فأرسل إليه الشيخ وعبد العزيز الشيخ عبد العزيز الحصين ، وكتب معه إلى الشريف رسالة ، وهذه نسختها وهي : بسم الله الرحمن الرحيم المعروض لديك أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد أعزه الله في الدارين وأعز به دين جده سيد الثقلين إن الكتاب لما وصل الخادم وتأمل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها ، وعداوة من خرج عنها ، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور ، ولما طلبتم من ناحيتنا طالب علم امتثلنا الأمر ، وهو واصل إليكم في مجلس الشريف أعزه الله تعالى هو وعلماء مكة، فإن اجتمعوا فالحمد لله على ذلك ، وإن اختلفوا أحضر الشريف كتبهم وكتب الحنابلة ، والواجب على كل منا ومنهم أن يقصد بعلمه وجه الله ونصر رسوله كما قال تعالى: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } إلى قوله :
__________
(1) جزء2/80-81(1/68)
{ لتؤمنن به ولتنصرنه } ، فإذا كان الله سبحانه قد أخذ الميثاق على الأنبياء إن أدركوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - على الإيمان به ونصرته فكيف بنا يا أمته ، فلا بد من الإيمان به ، ولا بد من نصرته ، لا يكفي أحدهما عن الآخر ، وأحق الناس بذلك وأولاهم أهل البيت الذين بعثه الله منهم ، وشرفهم على أهل الأرض ، وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته - صلى الله عليه وسلم - ، وغير ذلك يعلم الشريف أعزه الله أن غلمانك من جملة الخدام، ثم أنتم في حفظ الله وحسن رعايته. أ ـ هـ
قال ابن غنام : " فلما وصل إليهم عبد العزيز المذكور نزل على الشريف الملقب بالفعر واجتمع هو وبعض علماء مكة عنده ، وهم : يحيى بن صالح الحنفي ، وعبد الوهاب بن حسن التركي مفتي السلطان ، وعبد الغني بن هلال ، وتفاوضوا في ثلاث مسائل، وقعت المناظرة فيها : الأولى ما نسب إلينا من التكفير بالعموم ، والثانية هدم القباب التي على القبور . الثالثة : إنكار دعوة الصالحين للشفاعة ، فذكر لهم الشيخ عبد العزيز أن نسبة التكفير بالعموم إلينا زور وبهتان علينا . وأما هدم القباب فهو الحق والصواب كما هو مسطور في غير كتاب ، وليس لدى العلماء فيه شك ولا ارتياب . وأما دعوة الصالحين وطلب الشفاعة منهم والاستغاثة بهم في النوازل فقد نص عليه الأئمة الفواضل وقرروا أنه من الشرك الذي فعله الأوائل ، ولا يجادل في جوازه إلا كل ملحد جاهل، فأحضروا من كتب الحنابلة الإقناع فرأوا عبارته في الوسائط وحكايته الإجماع ، فصار لهم بتلك العبارة اقتناع، ولهم إلى الإقرار إسراع، وتفوهوا بأن هذا دين الله وانتشر فيما بينهم وشاع ، وقالوا هذا مذهب الإمام المعظم وانصرف عنهم عبد العزيز مبجلاً مكرم(هكذا)"أ- هـ.(1/69)
ولكن الشريف غالب بن مساعد مع أخيه عبد العزيز وأعوانهما استكبروا واستنكفوا من أن تشرق دعوة التوحيد من نجد ، وعلى أيدي آل سعود ، فسيروا العساكر والجموع من مكة إلى نجد لمحاربة أهل التوحيد وقتالهم ، واتخذوا أشد التدابير العدائية ضد دعوة التوحيد ، التي دعا إليها جدهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبدعوا أهلها وسموهم الخوارج ظلما وبهتانا ، بل كفروهم ، ومنعوهم من الحج (1) .
وهم الجماعة ، المتمسكون بالكتاب والسنة ، والتمسك بالكتاب والسنة هو أساس الجماعة ، الذي وفق الله آل سعود للأخذ به ، فاجتمعت عليهم العرب ، وهو الأساس الذي أخذ به عبد العزيز ويأخذ به أبناءه من بعده، فنجحت به جهودهم في تحقيق المراد الشرعي بالجماعة وهو : تأسيس وإقامة وبناء وإعمار المملكة العربية السعودية ، وذلك ما سنتحدث عنه فيما يأتي : ـ
5- ( المملكة العربية السعودية ) تحقيق واقعي للمراد الشرعي بالجماعة .
__________
(1) ينظر: تاريخ ابن بشر عنوان المجد ، ط السلفية 1349هـ ، ج 1/86، وتاريخ مكة ، دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران ، أحمد السباعي 2/80-101 . والبدر الطالع للشوكاني ، 2/7 . تاريخ البلاد العربية السعودية للدكتور منير العجلاني ، 30-32 . انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية، محمد كمال جمعة ، 36-56.(1/70)
لقد أضاء التاريخ السعودي بالملك عبد العزيز، وعاد الله بعائدته الكريمة على أهل الإسلام ، على أهل السنة والجماعة ، في أرض الحرمين وما جاورهما ، منذ أن استرد عبد العزيز عام 1319هـ رياض التوحيد، أرضه وأرض آبائه وأجداده أنصار توحيد الله عز وجل ، فقام لله تعالى إماما راشدا،وسلطانا نصيراً للدين،يسير على منهج سلفه الصالح، من أهل السنة والجماعة في العمل على توحيد كلمة المسلمين، وتوثيق تضامنهم وتعاونهم على البر والتقوى ، والأخذ بأسباب حياتهم السعيدة ، ومصالحهم الأكيدة في الدنيا والدين ، مع المحافظة على صفاء العقيدة الإسلامية، وتنقيتها من شوائب الشرك والبدع والخرافة والوهم، وسائر المعوقات الجاهلية ، حتى وصل بالمملكة العربية السعودية على هذا المنهج القويم إلى مرسى الأمن والإيمان، ولله الحمد والمنة .
كيف قضى عبد العزيز على إرهاب الفتن ؟:
حين غاب آل سعود عن الحكم غيابهم المؤقت ، عمت الفتنة بلاد المسلمين ، واشتدت فرقتهم ، ولم يعد لهم جماعة ـ خصوصا بعد ما استجاب الأتراك العثمانيون ليهود الدونمة ، ومخططات الصهيونية ، ومكائد الماسونية ، وإلحاد أوروبا ، فأعلنوا تخليهم عن مسمى الإسلام على مستوى الدولة ، بعد أن كانوا قد تخلوا عن حقيقته والحكم به ، وأعلنوا أن دولتهم علمانية ، وزعموا أنهم ألغوا الخلافة الإسلامية ، على يد زعيمهم أتاتورك ، وصار أهل الشر يحاربون أهل الإسلام الخالص ، أهل التوحيد والسنة ، حربا شديدة لا هوادة فيها،أحاطت بالمسلمين من كل جانب، يسيرون عليهم قوات البغي والطغيان ، من جهة الحجاز واليمن ، ومن جهة الشام ، ومن جهة القطيف والأحساء ، للقضاء على صفوة المسلمين ، والقضاء على عقيدتهم الإسلامية الصحيحة ، حاصروا أهل التوحيد من كل الجهات،وأرادوا القضاء عليهم باسم الإسلام ، والإسلام منهم براء(1).
__________
(1) ينظر: المصحف والسيف ص58،59 . وتاريخ ذلك فهو شاهد لا يجحد .(1/71)
وأصبحت الفتنة عامة طامة،بفقد الجماعة،بالمفهوم المراد شرعا،وهو جماعة المسلمين، الذين اجتمعوا على إمام بايعوه بالإمارة على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والسمع والطاعة بالمعروف في المنشط والمكره،حسب القدرة والاستطاعة،إذ لا إسلام إلا بجماعة،ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة ؛لذا امتشق عبد العزيز رحمه الله الحسام ، حتى لا تكون فتنة ، بدءاً باسترداد الرياض وسائر المغتصبات ، ودفاعاً عن المقدسات .
فجئت بالسيف والقرآن معتزما تمضي بسيفك ما أمضاه قرآن
حتى انجلى الظلم والإظلام وارتفعت للدين في الأرض أعلام وأركان(1)
حتى أقام للمسلمين جماعتهم، بتوحيد المملكة العربية السعودية على التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وتطبيق شريعته فيها .
__________
(1) العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين ، ص84-85.(1/72)
وأورد شهادة عدل ، من قلم صدق ، يبين لنا كيف قضى عبد العزيز على الفتن ، كتب أمير البيان شكيب أرسلان تحت عنوان : هكذا ـ إذا توجهت الهمم ـ الإصلاحات المعنوية والمادية ، في البلاد المقدسة ، وبعد أن وصف ما كانت تعانيه البلاد المقدسة من فتن وفوضى وفساد، على توالي القرون والحقب ، حتى أصبحت في اعتقاد الناس داءا عضالاً، لا تنفع فيه حيلة ولا وسيلة ، وقد عمت البلوى، والناس لا يتزحزحون عن هذا الاعتقاد ، قال : " إلى أن آل أمر الحجاز إلى الملك عبد العزيز بن سعود منذ بضع عشرة سنة، فلم تمض سنة واحدة ، حتى انقلب الحجاز من مسبعة تزأر فيها الضواري ، في كل يوم بل في كل ساعة ، إلى مهد أمان وقرارة اطمئنان ، ينام فيها الأنام بملء الأجفان ، ولا يخشون سطوة عاد ولا غارة حاضر ولا باد ، وكأن أولئك الأعراب الذين روعوا الحجيج مدة قرون وأحقاب لم يكونوا في الدنيا ، وكأن هاتيك الذئاب الطلس تحولت إلى حملان ، فلا نهب ولا سلب ولا قتل ولا ضرب، ولو شاءت الفتاة البكر الآن أن تذهب من مكة إلى المدينة، أو من المدينة إلى مكة أو إلى أية جهة من المملكة السعودية ، وهي حاملة الذهب والألماس والياقوت والزمرد ما تجرأ أحد أن يسألها عما معها ، ما من يوم إلا وتحمل إلى دوائر الشرطة لُقَطٌ متعددة ، ويؤتى بضوال فقدها أصحابها في الطرق ، وأكثر من يأتي بها الأعراب أنفسهم خدمة للأمن العام ، وإبعاداً للشبهة عنهم وعن ذويهم ، فسبحان محول الأحوال ، ومقلب القلوب ، و والله لا يوجد في هذا العصر أمن يفوق أمن الحجاز ، لا في الشرق ولا في الغرب ، ولا في أوروبا ولا في أمريكا ، وقد تمنى المستر كراين الأمريكي صديق العرب الشهير في إحدى خطبه أن يكون في وطنه أمريكا الأمن الذي رآه في الحجاز واليمن ، وكل من سكن أوروبة وعرف الحجاز في هذه الأيام يحكم بأن الأمنة على الأرواح والأعراض والأموال في البقاع المقدسة هي أكمل وأشمل وأوثق أوتادا ، وأشد أطنابا(1/73)
منها في الممالك الأوربية والأمريكية ، فأين أولئك الذين كانوا يقولون إن الأعراب لا يقدر على ضبطها إنسان، وأن سكان الفيافي هم غير سائر البلدان ، فهاهو ذا ابن سعود قد ضبطها بأجمعها في مملكته الواسعة ، ومحا أثر الغارات والثارات بين القبائل ، وأصبح كل إنسان يقدر أن يجوب الصحارى وهو أعزل ، ويدخل أرض كل قبيلة دون أن يعترضه معترض ، أو يسأله سائل إلى أين هو غاد أو رائح ، ولو قيل لبشر : إن بلادا كان ذلك شأنها من الفزع والهول وسفك الدماء وقطع الطرق، قد مرد أهلها على هذا البغي وهذا العدوان ، من سالف الأزمان، وأنه يليها ابن سعود ، فلا تمضي على ولايته سنة واحدة ، حتى يطهرها تطهيرا ويملأها أمنا وطمأنينة ، لظن السامع أنه يسمع أحلاماً أو خرافات ، أو اتهم القائل في صحة عقله . ولكن هذا قد صار حقيقة كلية ، وقضية واقعية ، في وقت قصير ، وما أوجده إلا همة عالية ، وعزمة صادقة ، وإيمان بالله،وثقة بالنفس،وعلم بأن الله تعالى مؤيد من أيده،ناصر من نصره يحث على العمل ويكافئ العامل ، ويكره اليأس ويقول لعباده : { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } وقد سرت بشرى الأمان الذي شمل البلاد المقدسة الحجازية ، فعمت أقطار الإسلام ، وأثلجت صدور أبنائه ، وارتفعت عن الحجاز معرة تلك المعرة ، التي طالما وجم لها المسلمون ، وذلك بقوة إرادة الملك عبد العزيز بن سعود والتزامه حدود الشرع"(1).
__________
(1) ينظر: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم ؟ تأليف الأمير شكيب أرسلان ، عضو المجمع العلمي العربي في سورية ، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت 1965م.(1/74)
امتشق عبد العزيز رحمه الله الحسام ، حتى لا تكون فتنة ، بدءاً باسترداد الرياض وسائر المغتصبات ، ودفاعاً عن المقدسات ، فلما أقام دولة العقيدة ، كما مر وصفها، وصارت المملكة بذلك أنموذج الدولة الإسلامية ، ومرتكز جماعتهم ، والقدوة الرائدة للمسلمين في تطبيق الشريعة الإسلامية ، أصبحت مواصلة القتال وسيلة لأن يتحول إلى قتال فتنة ، لأن كثيرا من المسلمين مع الأسف واقع تحت تأثير الاستعمار الأجنبي ، يوالون عدوهم ، ويعادون أهل ملتهم ، كالأكثرية ، من مسلمي الهند ، وغيرهم في المستعمرات البريطانية والفرنسية والإيطالية وغيرها، وقد كان مسلمو الهند الموالين للإنجليز يطالبون الحكومة البريطانية بإخراج عبد العزيز من الحجاز ويفتون بسقوط فريضة الحج عن المسلمين ، أو بتأجيلها ، لأن عبد العزيز وليها، فلو واصل عبد العزيز القتال بعد أن أقام للمسلمين جماعتهم ، لكان قتالا من أجل إدخال عامة المسلمين في هذه الجماعة ، وهذا الغرض ليس موجبا للقتال، وليس لازما لاسيما إذا كان يترتب عليه من المفاسد ما هو أعظم من المصلحة ، ولو واصل عبد العزيز القتال لذلك ، لقاتلته الدول الاستعمارية بالمسلمين أنفسهم ، ولصار القتال قتال فتنة ولتحول الجهاد إلى حرب أهلية بين المسلمين أنفسهم ، لأن البلاء من المسلمين أنفسهم ، قال الأمير شكيب أرسلان : " لقد أصبح الفساد إلى حد أن أكبر أعداء المسلمين هم المسلمون ، وأن المسلم إذا أراد أن يخدم ملته أو وطنه ، وقد يخشى أن يبوح بالسر من ذلك لأخيه ، إذ يحتمل أن يذهب هذا إلى الأجانب المحتلين فيقدم لهم بحق أخيه الوشاية التي يرجو بها بعض الزلفى ، وقد يكون أمله بها فارغا، ولله در الملك ابن سعود حيث يقول:" ما أخشى على المسلمين إلا من المسلمين ، ما أخشى من الأجانب كما أخشى من المسلمين " (1) ، وقال محمد رشيد رضا مضيفاً إلى ما نقله شكيب أرسلان عن
__________
(1) ينظر: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم ، ص63.(1/75)
الملك عبد العزيز كما تقدم :" وقال ( أي الملك عبد العزيز ) في محفل حافل بحجاج الأقطار - وقد طالبه مصري أزهري بمحاربة الإنكليز والفرنسيس المعتدين على المسلمين ذاكرا عداوتهم لهم- :" الإنكليز والفرنسيس معذورون إذا عادونا ، لأنه لا يجمعنا بهم جنس ولا دين ولا لغة ولا مصلحة ، ولكن المصيبة التي لا عذر لأحد فيها أن المسلمين أصبحوا أعداء أنفسهم ، وأنا والله لا أخاف الأجانب ، وإنما أخاف من المسلمين ، فلو حاربت الإنكليز لما حاربوني إلا بجيش من المسلمين " (1) . قال الأمير شكيب : " وهو كلام أصاب كبد الصواب ، فإنه ما من فتح فتحه الأجانب من بلاد المسلمين إلا كان نصفه أو قسم منه على أيدي أناس من المسلمين ، منهم من تجسس للأجانب على قومه ، ومنهم من بث لهم الدعاية بين قومه ، ومنهم من سل السيف في وجه قومه ، وأسال في خدمتهم دم قومه " (2) .
قلت: لذا ترك عبد العزيز مواصلة القتال حتى لا يكون قتال فتنة .
فلما أقام دولة العقيدة ، وصارت المملكة بذلك أنموذج الدولة الإسلامية ، والقدوة الرائدة في تطبيق الشريعة الإسلامية ترك مواصلة القتال حتى لا يكون قتال فتنة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وكل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين ، سواء كان قولا أو فعلا ولكن المصيب العادل عليه أن يصبر عن الفتنة ، ويصبر على جهل الجهول وظلمه إن كان غير متأول ، وأما إن كان ذاك متأولا فخطؤه مغفور له ، وهو فيما يصيب به من أذًى بقوله أو فعله له أجر على اجتهاده ، وخطؤه مغفور له ، وذلك محنة وابتلاء في حق ذلك المظلوم ، فإذا صبر على ذلك ، واتقى الله كانت العاقبة له كما قال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } [ آل عمران :120 ].
__________
(1) ينظر: المصدر السابق ، حاشية رقم 1.
(2) ينظر المصدر السابق .(1/76)
وقال تعالى : { لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً ، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } [آل عمران : 186 ] . فأمر سبحانه بالصبر على أذى المشركين وأهل الكتاب مع التقوى ، وذلك تنبيه على الصبر على أذى المؤمنين بعضهم لبعض ، متأولين كانوا أو غير متأولين "(1).
وليس أحب من جمع كلمة المسلمين لدى عبد العزيز، والصبر على التضحية في سبيل ذلك، قال عبد العزيز -رحمه الله- : " أنا مسلم ، وأحب جمع كلمة الإسلام والمسلمين ، وليس عندي أحب من أن تجتمع كلمة المسلمين، وإنني لا أتأخر عن تقديم نفسي وأسرتي في سبيل ذلك"(2) ، ومع حبه لجمع كلمة الإسلام والمسلمين ، لم يطلب أن يصير خليفة على المسلمين ، خشية أن تقع الفتنة ، ولعدم اتفاق المسلمين ، ولوقوعهم تحت تأثير الاستعمار الأجنبي ، ولتفرقهم تفرقاً لا يمكن معه إقامة واجب الخلافة .
قال رحمه الله : "يقولون إنني أطلب أن أصير خليفة على المسلمين ، أنا ما ادعيت هذا ولا طالبت به ، لأن على الخليفة واجبا هو تنفيذ أوامر الدين، على كل فرد من أفراد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، فهل هناك من رجل يستطيع أن ينفذ ذلك على المسلمين في هذه الأيام "(3) .
ويتحدث عن سبب ذلك ، وأنه هو اختلاف المسلمين أنفسهم ، وتفريقهم لدينهم في الخلافة حتى دمروه .
قال رحمه الله: "أتعرفون ما دمر الدين ، وأكثر الفتن بين المسلمين؟.. لم يكن ذلك إلا من اختلاف المسلمين وعدم اتفاق كلمتهم .. "(4)
__________
(1) الاستقامة ، ط1، 1/37-38 .
(2) المصحف والسيف ص84 .
(3) المصدر السابق ص85 .
(4) المصدر السابق ص74 .(1/77)
نعم تفرقوا طرائق ، وأهملوا طريقة الكتاب والسنة ، إلا قليلاً منهم، فتسلط عليهم الأجانب يستعمرونهم ويتصرفون فيهم، بسبب من هؤلاء المسلمين المفارقين للجماعة أنفسهم، لا من هؤلاء الأجانب، كما قال رحمه الله : " ومن خطل الرأي الذهاب إلى أن الأجانب هم سبب هذه التفرقة وهذه المصائب .. إن سبب بلايانا من أنفسنا لا من الأجانب ، يأتي أجنبي إلى بلد ما ، فيه مئات الألوف بل الملايين من المسلمين، فيعمل عمله بمفرده ! فهل يعقل أن فرداً في مقدوره أن يؤثر على ملايين من الناس إذا لم يكن له من هذه الملايين أعوان يساعدونه ويمدونه بآرائهم وأعمالهم ؟ كلا ثم كلا .. فهؤلاء الأعوان هم سبب بليتنا ومصيبتنا.. أجل هؤلاء الأعوان هم أعداء الله وأعداء أنفسهم .(1/78)
إذاً فاللوم واقع على المسلمين أنفسهم وحدهم لا على الأجانب .. إن البناء المتين لا يؤثر فيه شيء مهما حاول الهدامون هدمه ، إذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول ، وكذلك المسلمون ، لو كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم وتمزيق كلمتهم .. "(1) ، ثم يبين رحمه الله الطريق الصحيح للخلاص فيقول : " إن المسلمين بخير إذا اتفقوا ، وعملوا بكتا الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ليتقدم المسلمون للعمل بذلك ، فيتفقون فيما بينهم على العمل بكتاب الله وسنة نبيه، وبما جاء فيهما ، والدعوة إلى التوحيد الخالص ، فإنني حينذاك أتقدم إليهم فأسير وإياهم جنبا إلى جنب ، في كل عمل يعملونه ، وفي كل حركة يقومون بها .. والله إنني لا أحب الملك وأبهته ، ولا أبغي إلا مرضاة الله والدعوة إلى التوحيد، .. ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك وليتفقوا ، فإني أسير وقتئذ معهم لا بصفة ملك ، أو زعيم أو أمير بل بصفة خادم .. أسير أنا وأسرتي وجيشي وبنو قومي ، والله على ما أقول شهيد، وهو خير الشاهدين"(2) ،ويقول أيضاً: " وما هو الطريق الذي اتفق عليه المسلمون، وجاهدوا فيه وتأخرت عنهم؟ .. أنا أتأخر وأتقدم بقدر الحاجة ، ولا أعمل عملا أخرب به بلادي"(3) ،وفي هذا الرد البليغ، الذي يصدقه الواقع، على الذين يتهمونه - رحمه الله - ظلما، بأنه إنما قاتل لأنه طالب ملك دنيوي، وترك القتال في سبيل الله ، خوفاً على ملكه ، والحقيقة أنه قاتل وجاهد في سبيل الله لئلا تكون فتنة، بعدم الجماعة، دولة التوحيد ، المملكة العربية السعودية ، وترك مواصلة القتال ، لما رأى أن الفتنة تكمن في مواصلة القتال، لإلزام جميع المسلمين ، بالدخول في الجماعة ، والسمع والطاعة وإقامة الخلافة وإمامتها العظمى ، وأن ذلك يجر من الشر ما هو أعظم من تركه بعد أن قام عبد
__________
(1) المصدر السابق ص55-56 .
(2) المصدر السابق ص56 .
(3) المصدر السابق ص76 .(1/79)
العزيز بما يجب عليه قدرا وشرعا، من إنقاذ مهد الإسلام ، ومشرق نوره ، مكة والمدينة ، وبسط الأمن والاستقرار في ربوعهما، وتأمين الحاج والزائر، وإقامة وحدة المملكة على التوحيد ، نواةً لوحدة المسلمين العظمى، ومثالاً لقدوتهم ، إن هم أرادوا، ورفعوا عنهم ركام الجهل، بالقرآن والحكمة ، واجتنبوا الظلم بعدل السنة النبوية ، ففي إكراههم على الوحدة العظمى مفسدة راجحة ، حرب أهلية بين المسلمين مدمرة ، وقتال فتنة يستطير شرها، ويعم جميع المسلمين، فدرأ عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أعظم الشرين باحتمال أدناهما، وانصرف لبناء وحدة مملكته ، وترسيخ دعائمها على تحقيق مفهوم الجماعة ، المستمسكة بالكتاب والسنة ، وإقامة التوحيد الخالص ، ونبذ الشرك بعبادة الله تعالى ، وإن خالفها من خالفها من الفرق الإسلامية المفارقة وناوأها، فإن ذلك لا يضيرها ولا يضرها ، بمشيئة الله تعالى، كما قال - صلى الله عليه وسلم - :" لا تزال من أمتي أمة ، قائمة بأمر ، الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ، حتى يأتيهم أمر الله ، وهم على ذلك " (1) .
أما إذا اعتدى معتدٍ وبغى باغٍ ، يريد تمزيق وحدة المملكة، وتفريق جماعتها، فلن يسمح له بحول الله وقوته ، كما قال عبد العزيز : " في بلاد العرب والإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب والإسلام وضربها في الصميم ، وإلحاق الأذى بنا .. ولكن لن يتم لهم ذلك إن شاء الله وفينا عرق ينبض "(2) .
__________
(1) تقدم ذكره وتخريجه ، أول هذا البحث .
(2) المصدر السابق ص56 .(1/80)
يروي رئيس أنصار السنة الشيخ محمد حامد الفقي عنه فيقول : سمعته يوما وقد دخل عليه البطل خالد بن لؤي رحمة الله عليه ، عقب إطفاء فتنة الدويش ، يقول له : " اسمع يا خالد ، اسمعوا يا الإخوان ، أنا عندي أمران لا أتهاون في شيء منهما، ولا أتوانى في القضاء على من يحاول النيل منهما ولو بشعرة : الأول كلمة التوحيد ، لا إله إلا الله محمد رسول الله ، اللهم صل وسلم وبارك عليه ، إني والله وبالله وتالله أقدم دمي ودم أولادي وكل آل سعود فداء لهذه الكلمة لا أضن به . والثاني هذا الملك الذي جمع الله به شمل العرب بعد الفرقة، وأعزهم بعد الذلة ، وكثرهم بعد القلة ، فإني كذلك لا أدخر قطرة من دمي في سبيل الذود عن حوضه . وقد عودني الله سبحانه وتعالى من كرمه وفضله أن ينصرني على كل من أراد هذا الملك أو دبر له كيدا ، لأني جعلت سنتي ومبدأي أن لا أبدأ أحدا بالعدوان ، بل أصبر عليه وأطيل الصبر على من بدأني بالعداء ، وأدفع بالحسنى ما وجدت لها مكانا ، وأتمادى في الصبر حتى يرميني البعيد والقريب بالجبن والضعف، حتى إذا لم يبق للصبر مكان ضربت ضربتي فكانت القاضية، وكانت الآية على ما عودني الله من فضله، والحمد لله رب العالمين " (1)
وصدق عبد العزيز، وصدق ورثته من بعده، صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فصدقهم الله تعالى ، وله الحمد والمنة .
وهكذا قضى عبد العزيز رحمه الله على الفتن، وطهر بلاده منها، وجنب بلاده عنها ، قاتل الجموع ، ولم يخف ولم يضعف ولم يهن، وضحى بكل ما يملك ، حتى لا تكون فتنة، وترك القتال لئلا يكون القتال فتنة .
__________
(1) أثر الدعوة الوهابية ، المرجع السابق ص110،111.(1/81)
وكان نتيجة ذلك: ( المملكة العربية السعودية ) نواة الوحدة الإسلامية الكبرى ، ومعقل جماعة المسلمين ، ومرجعيتهم الدينية علماً وعملاً ، وحدها الملك عبد العزيز رحمه الله بالتوحيد ، من مناطق متباعدة، وقبائل متفرقة وشعوبٍ مختلفة، وأجناسٍ متعددة، حتى أصبحت النموذج الفريد من تركيبة العالم الإسلامي، والنواة الوحيدة للوحدة الإسلامية الكبرى ، والمعقل الأمين لجماعتهم الناجية ، كيف لا ؟ وقد ضمت مهبط وحي الله تعالى إلى رسوله محمد ( بالتوحيد، ومنطلق دعوته ( إلى توحيد الله الذي هو حقه على عبيده ، ضمت مكة المكرمة، والمسجد الحرام، قبلة المسلمين، ومناط حجهم، الركن الخامس من أركان الإسلام، وضمت المدينة المنورة، المنورة بهجرة الرسول ( ، ومسجده وحرمه الشريف، ومثوى جثمانه الطاهر ( .
ولقد أصبحت المملكة العربية السعودية تحتل المكانة الدينية في العالم الإسلامي مكان القلب من الجسد ، سواء في البناء وتوحيد الكيان، أو في التربية والتعليم، أو في الحكم والإدارة، أوفي التنفيذ والتطبيق منذ نشأة بنائها إلى استكماله وتطويره، من لدن المؤسس الملك عبد العزيز، ثم أبنائه الملوك سعود وفيصل وخالد - رحمهم الله -، إلى عهد باني نهضتها ورائد تقدمها، خادم الحرمين الشريفين الملك المفدى فهد بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ، والنائب الثاني، صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ، حفظهم الله وأمدهم بعونه وتوفيقه ، وأيدهم بنصره ، وأعزهم بالإسلام ، وأعز الإسلام بهم .(1/82)
ولقد حبا الله المملكة العربية السعودية موقعا متميزا جغرافيا وتاريخيا واقتصاديا، فهي تقع في القلب العالمي، تقع على البحر الأحمر غربا، وعلى الخليج العربي شرقا، اللذين يربطان بين البحر الأبيض المتوسط،وبين البحر العربي،المتصل بالمحيط الهندي والهادي ( الباسفيك ) فأصبح موقعُها وَسَطاً، وملتقى لجميعِ الطرق العالمية، ومساحتُها أكبر من أوربا الغربية، بالإضافة إلى بريطانيا، بمقدار الضعفِ تقريبا، وشملت وحدتُها ما يزيد على أربعة أخماس شبه الجزيرة العربية ، كما حباها الله بالموارد الاقتصادية الضخمة من أرضها، وأهمها البترول، ذي الأثر الفاعل في الاقتصاد العالمي ، والمعادن الأخرى، والزراعة، والمواشي ، والأسماك، وغيرها ، مما أغناها الله به عن غيره سبحانه وتعالى .
ولذا نرى أن اليوم الوطني للمملكة ، هو يوم توحيد وطن التوحيد بالتوحيد ، وبالتالي هو يوم الجماعة ، فلئن سمي عام الأربعين من الهجرة النبوية ، عام الجماعة ، لاجتماع الأمة الإسلامية على معاوية - رضي الله عنه - ، فإنه يحق لنا أن نسمي اليوم الوطني للمملكة يوم الجماعة . ولله الحمد والمنة .
6- ( مجلس التعاون لدول الخليج العربي ) توجه إيجابي نحو تحقيق الجماعة .
كانت بداية التفكير ، في إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج الست ، هو من خلال ورقة عمل طرحت في اجتماعات جانبية للدول الست ، أيام مؤتمر القمة الإسلامية ، التي عقدت في الطائف ، في آخر يناير 1981م ، وتمت بعض المشاورات حولها ، في تنفيذ إقامة مجلس التعاون ، ثم في 4/فبراير/ 1981هـ ، عقد في الرياض عاصمة التوحيد ، مؤتمر ضم وزراء خارجية دول الخليج العربية الست ، أسفر عن الاتفاق على إنشاء المجلس(1/83)
وتم في 2/مايو/1981م الإعلان التاريخي عن تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، في المؤتمر الأول لقادة الدول الست المشكلة للمجلس (1) ، ومن هنا نستطيع القول : إن تأسيسه تم بإيحاء هاجس توحيدي ، وحس إسلامي ، يؤمن بالجماعة وأثرها في إثبات الهوية أمام عولمة الإرهاب والفتنة .
ولا شك أن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربي ، واتحاد دوله وشعوبه ،له أهمية كبيرة من حيث ظهوره أمام تحديات عولمة الإرهاب والفتنة ، صفاً واحداً متماسكاً قوياً في مواجهة الأخطار المحدقة والتهديدات الطامعة التي تصدر من هنا وهناك ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم، كما تتداعى الأكلة على قصعتها " ، ويمكن أن نلتمس بعض أبعاد هذه الأهمية من البيان الختامي ، للدورة الأولى ، لمجلس التعاون ، التي عقدت في الإمارات العربية المتحدة ، حيث جاء فيه : " إن ظهور مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى الوجود ، يعني الاستجابة للواقع التاريخي والثقافي والاقتصادي والسياسي والاستراتيجي الذي مرت وتمر به منطقة الخليج العربي، وهو أشد إلحاحاً في الوقت الحالي.." ، ثم يستطرد البيان في تصوير موجباته فيقول: " إن التحديات التي تواجه هذه المنطقة تتعاظم بتعاظم حاجة العالم الصناعي للنفط ، وأصبح الاندماج الخليجي هو العامل الحاسم نحو توجه جديد ورحب لصياغة سياسة اقتصادية ، واجتماعية ، تبعد المنطقة عن التنافس الدولي ، وعن جعلها محط مساومة في كواليس السياسة الدولية، وبهذا تستطيع أن تدفع الشهوات الدولية ، بحيث تصبح لا تجدله موضع قدم في منطقة مندمجة ومتعاونة ، لها صوت واحد ، وأي واحد ، وقوتها واحدة وبدون هذا التجمع والاندماج ، تستطيع تلك الأطماع أن تجد لها ألف محط قدم ، في منطقة غنية بنفطها ، ومشكلة كيانات صغيرة يسهل
__________
(1) : د. علي حسن القرني ، مجلس التعاون الخليجي أمام التحديات ، ص36، الرياض مكتبة العبيكان ، 1418هـ .(1/84)
إنزالها " أ ـ هـ ( (1)
وقيام المجلس لهذا الهدف خطوة أولى نحو الاتحاد المتكامل، وفي نظري يعتبر توجهاً إيجابياً نحو تحقيق الجماعة ، إن ارتكز بقدر الإمكان والاستطاعة على أساس قيام الجماعة، وهو التعاون على البر والتقوى، في ضوء الإسلام الخالص من الشوائب ، والبدع ، لأنه الدين الحق الذي يقدم القناعة على الإلزام ، والواقعية قبل الخيالية ، وهو الواقي من الخطر المشترك والعاصم منه بإذن الله أمام تحديات عولمة الإرهاب والفتنة ، ولذا سموه ابتداءً مجلس التعاون ، ليتدرج في خطوه نحو تحقيق المراد الشرعي بالجماعة وعلى أساس هذا التدرج يسير المجلس نحو الخطوة الأخيرة إن شاء الله تعالى ، ويتم له المقصود من استكمال القوة المحكمة بارتباط العلم النافع بالعمل الصالح ، وبذلك تتحقق مصلحته المشتركة ، وتندفع عنه المضرة المشتركة ، وخير مثال لهذه الثمرة ، نصرة الكويت من الظلم والاعتداء ، وغير ذلك من الثمرات الطيبة ، ومن جميل ما يحصل في قمته ، تواضع القادة ، وتنازل كل واحد منهم في سبيل تحقيق مصلحة المجلس ، وعدم المساس بسيادة أحد منهم في دولته ، فمتى انعقد المجلس في دولة من دوله ، كانت رئاسته لصاحب الدولة فيها ، وهذا معنى إسلامي شريف ، حيث ورد فيه: أن الرجل لا يؤمن الرجل في سلطانه وفي بيته، و لا يقعد على تكرمته إلا بإذنه ، ولو كان الضيف أفضل من المضيف علماً ومكانة ، وهو صلاح في القادة تصطلح عليه الرعية إن شاء الله تعالى ، ونرجو لهذا المجلس أن يستتم جمعه على الحق يوماً بعد يوم ، وخطوة بعد خطوة ، حتى يكتمل اتحاده على منهج السنة النبوية الراشدة ، والجماعة الناجية المنصورة، كما نص نظام مجلسه الأساسي على أن اكتمال وحدة دوله هو هدفه النهائي على الخير إن شاء الله تعالى .
__________
(1) : المصدر السابق ، ص65.(1/85)
وتدرك دول مجلس التعاون أن أمامها مصالح مشتركة ، لا غنى لدولة بمفردها عنها، ولا تستطيع تحصيلها بمفردها، وأمامها تحديات أخطار مشتركة ، لا طاقة لدولة منفردة بدفعها، ولا احتوائها بلا ضرر بالغ ، ولا تتحقق تلك المصالح أو بعضها، وتندفع تلك المفاسد أو جلها ، إلا من خلال تعاون دوله التام ، ونجمل ذكر تلك المصالح المحتاج إليها ضرورة فيما يأتي بأمرين :
الحاجة المشتركة إلى الإسلام ، جميع دول المجلس إسلامية ، وتحتاج إلى الإسلام حاجتها إلى جلب السعادة ودفع الشقاء ، وأرضها أرض الإسلام ، كانت منطقة الخليج في جانبها الغربي من الخليج قد سعدت منطقة الخليج في جانبها الغربي بالحكم الإسلامي منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، بعد شقائها بالجاهلية وعبوديتها للفرس والمجوس والوثنين ، أما الجانب الشرقي من الخليج ، فقد سعد بدخوله في ظل الحكم الإسلامي الرحيم ، في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وبعد ذلك سعدت المنطقة بشقيها الغربي والشرقي بوارف خير الخلافتين الأموية والعباسية ، أما المملكة العربية السعودية ، فهي على الخصوص تضم مكة المكرمة ، والمدينة المنورة ، وفيهما الحرمين الشريفين ، مهد الإسلام ، ومأرز الإيمان ، ومهوى أفئدة المسلمين ، ومهبط وحي رب العالمين ، ومنطلق دعوة سيد المرسلين وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أي أن المملكة منطلق السعادة والنور ، والإسلام والسنة ، ولن يصلح أهل هذه المنطقة إلا الإسلام ، كما قال مالك رحمه: " لن يصلح آخر هذه الأمة ، إلا بما أصلح أولها " ، واجتماعها على الإسلام تحقيق لقوة المجلس وهيبته وعزته، كما قال عمر رضي الله عنه " إن الله أعزكم بالإسلام ، فمهما تطلبوا العز بغيره أذلكم الله " حيث لا إسلام على الكمال إلا بجماعة ، وما لم يهتم المجلس بتحقيق الإسلام وتطبيقه في مجتمعه حكماً واعتقاداً ، وعلماً وعملاً ، فهو في خسر ، ولا يحصل على ربح ، كما قال(1/86)
تعالى : " والعصر ، إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " . ونسأل الله أن يوفقهم لتحقيق المراد الشرعي من الجماعة على الكمال المطلوب الواجب ، لإثبات الهوية الخليجية الإسلامية أمام عولمة الإرهاب والفتنة .
الحاجة إلى الأمن المشترك : الخليج محط أطماع دول الاستعمار الكبرى المعادية للإسلام ، ومن ورائها اليهود والصهيونية ، وذلك لموقعه طريقا مائياًّ تجاريا رئيساً بين الشرق والغرب ، ومركزا عالميا للملاحة ، ولذا كان أقدم موطن للحضارات البشرية ، وكان يعتبر من أغنى المناطق الإسلامية وأنشطها ، وبترول الخليج أيضا في العصر الحاضر يعتبر شريان حياة الحضارة المعاصرة ، مما جعل الخليج موقع أثمن كنز في العالم ، توجهت إليه أطماع الدول الأجنبية والغربية ، وكانت هذه الدول الطامعة ، تتبع شتى الوسائل للسيطرة عليه ، ومنها استعمال القوة ، لتحطيم أي قوة بحرية وطنية ، تحاول الخروج عن طوق الحصار الأجنبي ، كما فعلت بريطانيا ، تجاه قوة القواسم في رأس الخيمة البحرية العربية النامية ، الممتدة على الساحل الشمالي من عمان ، الذي أطلق عليه الإنجليز ( ساحل القراصنة ) ، ذلك لأن تلك القوة اصطبغت بصبغة الجهاد في سبيل الله ، وهذا الجهاد في نظر الإنجليز ( قرصنة ) ، مثل ما يصف اليهود والصهاينة اليوم الكفاح الفلسطيني بأنه إرهاب ، ويصفون الفلسطينين الذين يقاتلون لتحرير وطنهم بأنهم إرهابيون، وبعد أحداث 11/ سبتمبر على أمريكا ظهر في أميركا الصديقة من يصف الإسلام والمسلمين بالإرهاب ، ولا شك أن ذلك بضغط من اليهود والصهاينة ، وهم الذين زرعوا الإرهاب بغير حق وصدروه إلى العالم ، ومنذ طمع اليهود بضعف أخذ المسلمين بدينهم ، طمعوا باحتلال فلسطين وغيرها ، فاجتهدوا بوضع الخطط السرية من خلال جمعياتهم السرية وأدواتهم في بريطانيا وأمريكا، لفل الجامعة الإسلامية ، وتمزيق ولاء المسلمين لخلافتهم(1/87)
، وإبطال مفعول الجهاد في سبيل الله تعالى ، يقول ليمان ساندرز ، في كتابه :" خمس سنوات في تركيا " إن الجهاد الذي أعلنته تركيا كان أمراً بعيداً عن الواقع"(1)، ذلك أن اليهود كانوا قد توصلوا إلى إغواء تركيا أن تنظم في جهادها إلى ألمانيا القومية ، وتنضوي بجهادها تحت راية ألمانيا القومية العمية الجاهلية ، ويتحول جهادها إلى مصلحة ألمانيا فوق الجميع فحسب، وإفراغه من هدفه أن يكون في سبيل الله، لإعلاء كلمته.
وفي نفس الوقت توصلوا إلى إغواء الثورة العربية بالسير مع لورانس العرب في تخطيطه اليهودي إلى أن يظموا ثورتهم التحررية إلى إنجلترا في حربها ضد ألمانيا، كي يفرغوا انتفاضة العرب وجهودهم في مصلحتهم الصهيونية فحسب .
وهذا الأمر كان قد أدركه عبد العزيز رحمه الله ، فاستطاع بتوفيق الله أن يجنب جهوده من تفريغها عن هدفه أن تكون في سبيل الله تعالى ، لتأسيس المملكة مستقلة على الإسلام .
__________
(1) 123 (: نقلاً عن زين نور الدين زين ، نشوء القومية العربية ص122.(1/88)
وهو الأمر الذي يدركه قادة مجلس التعاون لدول الخليج الست ، حين عارضوا مفهوم الغرب لأمن الخليج ، وهو أن الغرب يرى أن أمن الخليج لا يتم إلا بحماية منهم ، وأن الخليج بعد استقلال دوله يعيش ما يسمونه " فراغ القوة " ، وأن على الغرب أن يقوم ببعض الترتيبات التي تسد هذا الفراغ، ولو بالتدخل الغربي ، وجر المنطقة إلى حموة الصراع بين المتنافسين عليها ، لأن أمنه بزعمهم معرض للخطر الجسيم، وأنه يعيش فراغ القوة المزعوم ، والحقيقة هي أن الغرب خشي على أطماعه في المصالح الحيوية في المنطقة ، وأراد أن يقوم بالترتيبات التي تضمن له انسياب النفط إليه بلا منازع حتى من أهله ، غير أن قادة مجلس التعاون ولله الحمد ، فطنوا لما يدور في الدوائر الأجنبية من هذه الأطماع ، فأعلنوا أن حماية أمن الخليج هو مسئولية أبنائه ، وطالبوا بإبعاد المنطقة عن الصراع الدولي والتدخلات الأجنبية ضد أمن واستقرار المنطقة ، ومن هذا المنطلق أقاموا مجلس التعاون المبارك لدول الخليج الست .
والخلاصة ، أجملها فيما يأتي :
أن إثبات هوية الجماعة الإسلامية ، أمام عولمة الإرهاب والفتنة ، إنما يكون بتحقيق المراد الشرعي بالجماعة .
أن الاختلاف في المراد الشرعي بالجماعة ، يزيل هوية الجماعة الإسلامية ، أمام عولمة الإرهاب والفتن .
3- أن المراد الشرعي بالجماعة ، في كل وقت وزمان: هم طائفة من أمة محمد- صلى الله عليه وسلم -، تم اجتماع أهل الحل والعقد منهم، على تأمير إمام موافق للكتاب والسنة ، وعقدوا له البيعة على ذلك، بعد فراغ ذممهم من أي بيعة سابقة، فعقدهم صحيح ، وليس لغيرهم أن يحل ذلك العقد، ولو لم يجتمع عليه الجميع ، لأنه إذا بويع لخليفتين، يقتل الآخر منهما، ولأن العامة ليس لرأيهم في هذه المسألة العظيمة اعتبار .(1/89)
4- أن عدم وجود الإمام العام في هذا الزمان، بسبب تفرق المسلمين إلى ثلاث وسبعين فرقة ، لا ينفي وجود الجماعة الفرقة الناجية المنصورة، ذات الولاية الشرعية ، فهي جماعة المسلمين وإمامها إمامهم ، يجب لزومها ، ويحرم الخروج عليها، ولا عبرة بالمفارق لها، وإنما يجب أن يرجع إليها .
5- أنه لا يصح تحقيق وجود الإمام العام ، عن طريق توظيف عمل جمعيات الدعوة إلى الله تعالى لتأييده،واعتقاد أن الله تعالى ألقى على عاتقه واجبات،من إقامة شرع الله في الأرض ، والجهاد في سبيله،لأنه إمام قد يكون موجوداً في الذهن فقط أمنية!،بينما هو معدوم العين،والله لا يلقي على عاتق هذا المعدوم واجباً، فكيف يعتقد ذلك ويعمل له ؟!.
إن هذا هو ما تعمله الرافضة وتعتقده في الإمام المعصوم تماماً، وذلك عقيدة فاسدة ، وعمل باطل .
6- إنما يصح تحقيق تلك الأمنية، وجود الإمام العام بالعين، عن طريق العمل الصالح المبني على العقيدة الصحيحة، المطابقة للواقع ، وهو الاجتماع على تأييد إمام موجود ، بعينه ، انعقدت له ولاية إسلامية ، بعقد بيعة شرعية ، من أهل الحل والعقد ، على كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وتم له الأمر على ذلك ، على ما تقدم بيانه ، فهذا الإمام وإن لم يكن عاماً، فله أحكام الإمام العام في ولايته ، ويكون عاماً لو اجتمع المسلمون كلهم على تأييده ، وإعانته على الواجبات التي ألقاها الله على عاتقه ، من رفع راية التوحيد وإقامة شرع الله ، وتطبق حدوده، وحج بيت الله الحرام، والجهاد في سبيله ، وخدمة كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونصرة الإسلام والمسلمين ، وعمارة مساجد الله وخدمتها.(1/90)
7- أن الاعتزال في حديث حذيفة رضي الله عنه لم يأت زمانه بعد، ولا يعلم متى يأتي زمانه إلا الله تعالى، وزماننا هذا، لا ينطبق عليه حكم الاعتزال ، كما يروجه أمثال هؤلاء الجهال، لأن للمسلمين اليوم ـ ولله الحمد ـ جماعة وإمام بالمفهوم المراد شرعاً، هي المملكة العربية السعودية .
وأصلها أنه اجتمع طائفة من المسلمين ، من أهل الحل والعقد، على بيعة الإمام عبد العزيز آل سعود رحمه الله على الكتاب والسنة ، واستقام الأمر لها، برفع راية التوحيد، وأن لاَّ يعبد تحت تلك الراية وداخل سلطانها إلا الله وحده لا شريك له، وبالحكم بشريعة الله، وأن لا تستحل فيها محارم الله، ولا تزال إن شاء الله قائمة على هذا بالحق، ظاهرة منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يقاتل آخرهم الدجال، ولله الحمد والمنة ، فلا يجوز لمسلم أن يدعو أحداً من رعاياها إلى اعتزالها،أو الخروج عليها، بشبهة أننا في زمان ليس فيه للمسلمين جماعة ولا إمام ، أو بغيرها من الشبه .
8- أن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربي ، توجه إيجابي نحو تحقيق الجماعة وإثبات هوية مجلس التعاون أمام عولمة الإرهاب والفتنة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
ثبت المراجع:
( أ )
- أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها، كتبه وتحدث به في نادي أنصار السنة المحمدية، محمد حامد الفقي، ط/ النهضة بمصر سنة 1354هـ.
- أحجار على رقعة الشطرنج ، وليام غاي كار ، دار النفائس بيروت ، ترجمة سعيد جزائرلي .
- الآداب الشرعية والمنح المرعية لشمس الدين ، أبي عبد الله : محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي ، مكتبة ابن تيمية للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة
- الأربعين النووية ، ضمن [ مجموعة الحديث ] ، ط 1389هـ – 1969م ، مطابع : الحكومة – الرياض
- الاستقامة ، لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ط1، 1/37-38 .(1/91)
- الاعتصام ،للعلامة المحقق : أبو إسحاق : إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي ، الغرناطي ، مطبعة السعادة ، القاهرة .
- البدر الطالع ،للشوكاني .
- البلاد العربية والدولة العثمانية ، ساطع الحصري ، ط2 ، 1960م دار العلم للملايين بيروت .
- التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية ، تأليف العلامة عبد العزيز بن ناصر الرشيد ، ط2 / مطبعة السعادة بمصر .
- الدرر السنية في الأجوبة النجدية ،جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، ط1،2،5 .
- الرسالة ، للإمام الشافعي ، تحقيق أحمد محمد شاكر .
- السنة ، لمحمد بن نصر المر و زي ، ( 202-294هـ ) ، ط:مطابع دار الفكر بدمشق ، بدون تاريخ الطبع ، نشر دار الثقافة الإسلامية بالرياض .
- السنة ، لابن أبي عاصم ، الحافظ : أبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني ت278، ط1/1400هـ – 1980م ، المكتب الإسلامي – بيروت .
- الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، حياته وفكره،للدكتور عبد الله بن صالح العثيمين، نشر دار العلوم الرياض.
- العقد الثمين ، من شعر محمد بن عثيمين ،محمد بن عبد الله بن عثيمين ، جمعه ورتبه وشرح ألفاظه : سعد بن عبد العزيز بن رويشد ، ط دار المعارف
- العقيدة الواسطية ، ط5 ، 1347هـ ، القاهرة ، عنيت بنشره المطبعة السلفية ومكتبتها ، لصاحبيها محب الدين الخطيب ، وعبد الفتاح قتلان
- الغلو في الدين ،تأليف عبد الرحمن اللويحق ، ط4/ عام 1417هـ .
- المصحف والسيف ، مجموعة من خطابات وكلمات جلالة الملك عبد العزيز آل سعود جمع وإعداد محيي الدين القابسي ، دار الصحراء السعودية للنشر والتحقيق ، ط4 ، 1418هـ ، 1997م .
- الملك الراشد ، جلالة المغفور له عبد العزيز آل سعود ، ط2.عبد المنعم الغلامي ، الرياض دار اللواء للنشر والتوزيع 1400هـ –1980م .
- الموطأ ، لإمام الأئمة ، وعالم المدينة : مالك بن أنس رضي الله عنه ، ط الإلكترونية / صخر .(1/92)
- الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز ، خير الدين الزركلي ، ط2 ، بيروت 1392هـ
- انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية، محمد كمال جمعة .
( ت )
- تاريخ الخلفاء ، للإمام جلال الدين أبو الفضل: عبد الرحمن بن أبي بكر الشافعي ، المشتهر بالسيوطي .
- تاريخ الدولة السعودية الأولى ، للدكتور منير العجلاني .
- تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها وحاضرها ، تأليف صلاح الدين مختار ، دار الحياة بيروت .
- تاريخ ملوك آل سعود ، تأليف سعود بن هذلول ، ط 2 ، 1402هـ ، مطابع المدينة، الرياض .
- تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية ، د/ محمد بن سعد الشويعر، ط3، الجامعة الإسلامية 1419هـ .
- تفسير القرآن العظيم ( تفسير ابن كثير ) ،للإمام الحافظ أبو الفداء : إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ، ت 774هـ ، ط3 ، الاستقامة بالقاهرة ، 1376هـ .
- تهذيب اللغة ، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري ، 282-370هـ ، تحقيق وتقديم عبد السلام محمد هارون ، ومراجعة محمد علي النجار ، دار القومية العربية للطباعة 1384هـ – 1964م .
( ج )
- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ( تفسير ابن جرير الطبري ) ، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224 – 310هـ ) ، ط2، 1373هـ ، مطبعة الحلبي بمصر .
( ح )
- حاشية كتاب التوحيد ، لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي ( 1312– 1392هـ ، ط/3.
- حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز ،تأليف رابح لطفي جمعة.
- حقيقة الدعوة إلى الله تعالى وما اختصت به جزيرة العرب، وتقويم مناهج الدعوات الوافدة إليها، بقلم سعد بن عبد الرحمن الحصين ط2/1413هـ .
- حكم الانتماء للشيخ بكر أبو زيد ، ط2.
( خ )
- الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون ، محمد خليفة التونسي ، ط5 .
( د )
- دراسة حديث: نضر الله امرءاً سمع مقالتي…رواية ودراية ، للشيخ عبد المحسن العباد، ط1 ، 1401هـ .(1/93)
- دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية ، لمحمد كمال جمعة.
- ديوان الشيخ أحمد بن علي بن مشرف الأحسائي ، تلميذ المؤرخ حسين بن غنام ، ط3/ 1370هـ ، مطبعة السنة المحمدية .
( ر )
- روضة الأفكار والافهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام ( تاريخ نجد )، للشيخ حسين بن غنام ، ط1 ، 1386هـ ، مطبعة الحلبي بمصر .
( س )
- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ، محمد ناصر الدين الألباني ، منشورات المكتب الإسلامي .
- سنن أبي داود ،للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني ، ط الإلكترونية/صخر .
- سنن ابن ماجه ، للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد ، ط الإلكترونية / صخر.
- سنن الترمذي ، للإمام أبي عيسى : محمد بن عيسى بن سورة ، ط : الإلكترونية/صخر
- سنن الدارمي ، للإمام أبي محمد : عبد الله بن عبد الرحمن الحافظ الدارمي، ط/ الإلكترونية ، صخر .
- سنن النسائي ، للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب الخراساني القاضي ، ط الإلكترونية / صخر .
( ش )
- شرح العقيدة الطحاوية ، لابن أبي العز : علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي ( 731 – 792 ) ، تحقيق وتعليق الدكتور عبد الله التركي، وزميله .
( ص )
- صحيح الإمام البخاري ، الإمام أبو عبد الله : محمد بن إسماعيل البخاري ، ط/ الإلكترونية / صخر .
- صحيح مسلم ، للإمام أبي الحسين : مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206 – 261هـ)، ط/ الإلكترونية ، صخر .
( ع )
- عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ، وأثرها في العالم الإسلامي ، صالح بن عبد الله العبود ، ط1 ، المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية
- عنوان المجد في تاريخ نجد ، عثمان بن عبد الله بن بشر ، ت1288هـ ، حققه وعلق عليه عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ بأمر من وزارة المعارف بالمملكة العربية السعودية سنة 1394هـ ط3/ 1394هـ ، دون ذكر مكان الطبع ، واسم المطبعة .(1/94)
- عنوان المجد في تاريخ نجد ، من سنة 700 – 1267هـ ، عثمان بن عبد الله بن بشر ، ت1288هـ ، ط/ المطبعة السلفية بمكة المكرمة 1349هـ .
( ف )
- فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، للحافظ أحمد بن علي بن محمد بن حجر الكناني العسقلاني ( 773 – 852هـ ) ، تصحيح وتحقيق وإشراف ومقابلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ، ط / السلفية بمصر، بدون تاريخ الطبع، وعدد الطبعة .
- فكرة القومية العربية على ضوء الإسلام ، صالح بن عبد الله العبود ، دار طيبة للنشر والتوزيع ت الرياض .
( ق)
- قراءة جديدة لسياسة محمد علي باشا التوسعية، ط1/1400هـ، د. سليمان بن محمد الغنام .
( ك )
- كيف الأمر إذا لم تكن جماعة ، دراسات حول الجماعة والجماعات ، تأليف عبد الحميد هنداوي ط2/ عام 1416هـ ، نشر: مكتبة التابعين بالقاهرة .
( ل )
- لسراة الليل هتف الصباح ، الملك عبد العزيز ، دراسة وثائقية ، عبد العزيز بن عبد المحسن التو يجري ، ط3 ، 1998م ، مؤسسة دار الريحاني للطباعة والنشر ، بيروت – لبنان .
- لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم ، تأليف : الأمير شكيب أرسلان ، عضو المجمع العلمي العربي في سورية ، ط1965م ، منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت .
( م )
- مثير الوجد ، في أنساب ملوك نجد ، راشد بن علي بن جريس الحنبلي، ط السلفية بالقاهرة ، عام 1379هـ.
- مجموعة التوحيد النجدية ، ط/السلفية 1375هـ .
- مجموعة التوحيد النجدية - مسائل الجاهلية ، ط السلفية ، القاهرة ، 1375هـ .
- مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ ، للشيخ حمد الجاسر، ط1، 1386هـ، منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر .
- مسند الإمام أحمد بن حنبل ، الإمام أبو عبد الله : أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، ط الإلكترونية / صخر(1/95)
- مقدمة ابن خلدون ، للعلامة عبد الرحمن بن خلدون ، المكتبة التجارية بالقاهرة ، لصاحبها مصطفى محمد .
- منهاج السنة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ط: جامعة الإمام .
- منهج الجمعية ، للدعوة والتوجيه ، ( جمعية إحياء التراث الإسلامي ) ، ط2/ عام 1417هـ.
( ن )
- نجد وملحقاته وسيرة الملك عبد العزيز ، أمين الريحاني ، ط3 ،دار الريحاني بيروت 1964م
( هـ )
- هامش ص10 من كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، عقيدته السلفية ، ودعوته الإصلاحية ، وثناء العلماء عليه ، تأليف أحمد بن حجر آل بوطامي آل بن علي ، تقديم وتصحيح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، ط/الحكومة بمكة 1395هـ .
( ي )
- يقظة العرب (تاريخ حركة العرب القومية) ، جورج انطونيوس ، ترجمة: د . ناصر الدين الأسد ، وزميله ، نشر بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين ، بيروت – نيويورك 1966م، ط2 ، دار العلم للملايين – بيروت .
الموضوع ... ... الصفحة
المقدمة......................................5 ... 1 - الجماعة قضية متفق على طلبها في الجملة...............7
... 2 - مشكلة البحث: (الاختلاف في المراد الشرعي بالجماعة)......21
... 3 - أثر الاختلاف في المراد الشرعي بالجماعة في ضياع الهوية.......29
أ – رفع الخلافة النبوية وحدوث الشرك......................29
ب – زوال الهوية العثمانية .................................33
أولا : زوالها من الناحية الدينية ........................34
ثانيا : زوالها من الناحية السياسية......................40
جـ- اختفاء هوية الجماعة السعودية المؤقت أمام الحملة المصرية التركية الأوروبية..50
د – عولمة الإرهاب والفتنة ................................52
4 - تحديد المراد الشرعي بالجماعة .........................58
ضرورة تعيين الجماعة ....................................71
استمرار وجود الجماعة في كل جيل ......................74(1/96)
5 - (المملكة العربية السعودية) تحقيق واقعي للمراد الشرعي بالجماعة..88
كيف قضى عبد العزيز على إرهاب الفتن..................88
6 - (مجلس التعاون لدول الخليج العربي) توجه إيجابي نحو تحقيق الجماعة...104
الخلاصة ...............................................111
ثبت المراجع ...........................................115 الفهرس................................................127(1/97)