بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن وآلاه، وبعد:
فهذه نبذة عن العلمانية، وذلك من خلال المباحث التالية:
-تعريف العلمانية.
-أسباب قيام العلمانية.
-صورتا العلمانية.
-العلمانية، ومجالات الحياة.
-أسباب دخول العلمانية في العالم الإسلامي.
-بداية ظهور العلمانية في بلاد الإسلام.
-صنيع أتاتورك في قيام العلمانية وإلغاء الخلافة.
-نظرة في كتاب (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ علي عبدالرازق.
-وسائل تحقيق العلمانية.
فإلى تلك المباحث، والله المستعان، وعليه التكلان.
تعريف العلمانية (1)
لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (secularism) في الانجليزية، أو(secalarite) في الفرنسية، وهي ترجمة مضللة؛ لأنها توحي بأن لها صلة بالعلم بينما هي في لغاتها الأصلية لاصلة لها بالعلم، بل المقصود بها في تلك اللغات هو إقامة الحياة بعيداً عن الدين.
والترجمة الصحيحة للكلمة الأوربية السابقة هي: اللادينية.
وبناءاً على ذلك فإن التعريف الصحيح للعلمانية أن يُقال:
هي حركة تدعو إلى الفصل بين الدين والحياة، وتهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة، وتوجيههم إلى الدنيا فحسب.
أسباب قيام العلمانية (2)
قامت العلمانية أول ما قامت في أوروبا وذلك لأسباب عديدة منها:
أولاً: الطغيان الكنسي: فالكنيسة طغت، وتجبرت، وأصبحت تفرض على الناس العقائد الباطلة التي لا تتفق مع نقل ولا عقل، كعقيدة العشاء الرباني، وعقيدة التثليث، وعقيدة الخطيئة الموروثة، والصلب والفداء.
كما أنها أصبحت تحرم، وتحلل، حسب ما يتفق وأهواء رجال الدين.
__________
(1) _ انظر العلمانية للأستاذ. محمد قطب ص5، والعلمانية للشيخ د. سفر الحوالي ص21_24، وتحطيم الصنم العلماني للشيخ محمد بن شاكر الشريف ص25.
(2) _ انظر العلمانية، للشيخ سفر الحوالي ص123_143.(1/1)
وعززت الكنيسة سلطتها الدينية الطاغية بادعاء حقوق لا يملكها إلا الله مثل حق الغفران، وحق الحرمان، وحق التحلة.
ولم تتردد الكنيسة في استعمال هذه الحقوق واستغلالها، فحق الغفران أدى إلى المهزلة التاريخية صكوك الغفران السالفة الذكر،وحق الحرمان عقوبة معنوية بالغة كانت شبحاً مخيفاً للأفراد والشعوب في آن واحد؛ فأما الذين تعرضوا له من الأفراد فلا حصر لهم، منهم الملوك أمثال: فردريك، وهنري الرابع الألماني، وهنري الثاني الانجليزي، ورجال الدين المخالفين مثل: أريوس حتى لوثر، والعلماء والباحثون المخالفون لآراء الكنيسة من برونو إلى آرنست رينان وأضرابه.
أما الحرمان الجماعي فقد تعرض له البريطانيون عندما حصل خلاف بين الملك يوحنا ملك الانجليز، وبين البابا، فحرمه البابا وحرم أمته، فعطلت الكنائس من الصلاة، ومنعت عقود الزواج، وحملت الجثث إلى القبور بلا صلاة، وعاش الناس حالة من الهيجان، والاضطراب، حتى عاد يوحنا صاغراً يقر بخطيئته، ويطلب الغفران من البابا.
ولما رأى البابا ذُلَّه، وصدق توبته رفع الحرمان عنه وعن أمته.
أما التَّحلَّة؛ فهو حق خاص يبيح للكنيسة أن تخرج عن تعاليم الدين، وتتخلى عن الالتزام بها متى اقتضت المصلحة _ مصلحتها _ ذلك.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد لاسيما بعد أن اتضح للكنيسة الأثر الإسلامي الظاهر في الآراء المخالفة، فأنشأت ذلك الغول البشع، والشبح المرعب، الذي أطلق عليه اسم (محاكم التفتيش) تلك المحاكم التي عملت على إبادة المسلمين، أو المخالفين لآراء الكنيسة.
ولا يكاد المؤرخون الغربيون يتعرضون للحديث عنها إلا ويصيبهم الاضطراب، وتتفجر كلماتهم رعباً، فما بالك بالضحايا الذين أزهقت أرواحهم، والسجناء الذين أذاقتهم ألوان المر والنكال.(1/2)
وكانت المحكمة عبارة عن سجون مظلمة تحت الأرض بها غرف خاصة للتعذيب، وآلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، وكان الزبانية يبدأون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجياً حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم.
وكان لدى المحكمة آلات تعذيبية أخرى منها آلة على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة، يلقون الضحية في التابوت، ثم يطبقونه عليه، فيتمزق جسمه إرباً إرباً، وآلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب، ثم تشد، فتقصه قطعة قطعة، وتغرز في أثداء النساء حتى تنقطع كذلك، وصور أخرى تتقزز منها النفوس، وتشمئز لذكرها.
كل ما سبق جعل الناس يؤمنون بالمسيحية قسراً دون أن يتجرأ أحد على مناوءتها أو مخالفتها.
أضف إلى ما سبق ما حصل من طغيان الكنيسة السياسي، حيث فرضت وصايتها على الملوك، وجعلت معيار صلاحهم معلقاً بما يقدمون للكنيسة من طاعة وانقياد.
أضف إلى ذلك الطغيان المالي، ويمكن تلخيص مظاهر الطغيان الكنيسي في هذا المجال بما يلي:
1_ الأملاك الإقطاعية: حيث أصبحت الكنيسة أكبر مُلاَّك الأراضي، وأكبر الإقطاعيين في أوروبا.
2_ الأوقاف: فلقد كانت الكنيسة تملك المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية باعتبارها أوقافاً للكنيسة، بدعوى أنها تصرف عائداتها على سكان الأديرة، وبناء الكنائس، وتجهيز الحروب الصليبية.
إلا أنها أسرفت في تملك الأوقاف حتى وصلت نسبة أراضي الكنيسة في بعض الدول إلى درجة لا تكاد تصدق.
3_ العشور: حيث فرضت الكنيسة على كل أتباعها ضريبة العشور، وبفضلها كانت الكنيسة تضمن حصولها على عشر ما تغله الأراضي الزراعية، والإقطاعيات، وعشر ما يحصل عليه المهنيون وأرباب الحرف غير الفلاحين.(1/3)
4_ ضريبة السنة الأولى: فالكنيسة لم تقنع بالأوقاف، والعشور، بل فرضت الرسوم، والضرائب الأخرى، لاسيما في الحالات الاستثنائية؛ كالحروب الصليبية، والمواسم المقدسة، وظلت ترهق كاهل رعاياها.
فلما تولى البابا حنا الثاني والعشرون جاء ببدعة جديدة هي (ضريبة السنة الأولى).
وهي مجموع الدخل السنوي الأول لوظيفة من الوظائف الدينية، والإقطاعية تدفع للكنيسة بصفة إجبارية، وبذلك ضمنت الكنيسة مورداً مالياً جديداً.
5_ الهبات والعطايا: وذلك أن الكنيسة كانت تحظى بالكثير من العطايا والهبات،يقدمها الأثرياء الإقطاعيون؛ تملقاً ورياءاً، أو بدافع من الصدقة والإحسان.
6_ العمل المجاني _السخرة_: وذلك بقيام بعض الناس بالعمل لخدمة الكنيسة بالمجان مدة محددة، هي في الغالب يوم واحد في الأسبوع دون مقابل.
ثانياً: الصراع بين الكنيسة والعلم: فلقد قام الصراع بين الكنيسة والحقائق العلمية على أشده، فلقد كانت الكنيسة هي المصدر الوحيد للمعرفة، فلما ظهرت بعض الحقائق العلمية التي تخالف ما تقرره الكنيسة كنظرية كوبرنيق (1543م) الفلكية، ومن بعده (جردانو برونو) وغيرها من النظريات _ حصل الصراع بين الكنيسة وبين العلم، ومن هنا اصطدمت حقائق العلم بزيوف الكنيسة؛ فقامت الكنيسة بالقبض عليهم، وتكذيبهم، ومحاربة أفكارهم.
ومن ثم نشأت الفكرة القائلة: =إن العلم لا صلة له بالدين، وإن الدين يحارب العلم+.
ثالثاً: الاضطرابات والثورات التي قامت في أوروبا: كالثورة الفرنسية، وغيرها، تعد من أسباب قيام العلمانية.
رابعاً: شيوع المذاهب والأنظمة الاجتماعية والنظريات الهدامة كنظرية التطور وغيرها.
خامساً: الخواء الروحي عند الأوروبيين؛ ذلك؛ لأن النصرانية المحرفة لا تزكي الروح، ولا تخلص أتباعها من الأسئلة القاتلة داخل النفوس حول الكون، والإله، والمصير، وما إلى ذلك.
سادساً: غياب المنهج الصحيح عن الساحة الأوروبية، وهو الإسلام.(1/4)
سابعاً: تقصير أمة الإسلام في أداء رسالتها تجاه البشرية.
ثامناً: خلو الأناجيل المحرفة من أي تصوُّر محدد لنظام سياسي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، أو علمي.
تاسعاً: المكر اليهودي الذي يحرص على إنشاء المذاهب الهدامة، أو احتوائها؛ رغبة من اليهود في إفساد البشرية وجعلها حمراً يمتطونها.
كل هذه العوامل جعلت من الدين رمزاً للتسلط، والتجبر، والطغيان، والجهل والخرافة، ومحاربة العلم؛ فما الحل إذاً؟
الحل الذي ارتأوه أن الدين حجر عثرة أمام التطور، والمطلوب نبذه وإقصاؤه عن الحياة، ومن هنا قامت العلمانية.
وكان جديراً بهؤلاء الذين قاوموا هذه الكنيسة أن يبحثوا عن المنهج الحق الذي يشجع العلم ولا يقف ضده، بل هو دين العلم ألا وهو الإسلام.
ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل، ولله في ذلك حكمة.
فهذه أسباب قيام العلمانية، وتلك مسوغاتها.
للعلمانية صورتان:
1_ صورة متطرفة: وهي التي لا تكتفي بعزل الدين عن الدنيا، بل تحارب الدين جملة؛ فتنكر وجود الله، وتحارب الأديان، وتكفر بالغيب.
2_ صورة معتدلة: وهي التي تكتفي بعزل الدين عن الدنيا، دون أن تُنكر وجود الله، أو تحارب الدين.
بل إنها تسمح بإقامة بعض الشعائر والعبادات بشرط أن تقتصر علاقة العبد بربه دون أن يكون للدين علاقة في شؤون الحياة الأخرى.
العلمانية تقف موقف الرفض للدين، وتريد أن تسير كافة مجالات الحياة على غير الدين، ومن تلك المجالات:
1_ الحكم: فالعلمانية ترى أن الحكم لا يكون بما أنزل الله _ جل وعلا _ بل بالقوانين الوضعية؛ فهي ترفض التحاكم إلى الدين، وترى نبذه وطرحه.
2_ الاقتصاد: فالعلمانية ترى أنه لا دخل للدين بالاقتصاد، ولذلك فهي تبيح الاحتكار، والمكوس، والربا، وأكل أموال الناس بالباطل.
3_ التعليم: فالعلمانية ترى أن التعليم ينبغي أن يخلو من العلوم الشرعية، بل إنها تمنعها منعاً باتاً، كما أنها تدعو إلى اختلاط الطلاب بالطالبات.(1/5)
4_ الأدب: تدعو العلمانية إلى الأدب الماجن الرخيص، وترفع من قيمة الشذاذ من الشعراء وغيرهم، وتنادي بأنواع الأفكار الأدبية التي نشأت في الغرب كأدب اللامعقول، وأدب الحداثة.
5_ الإعلام: حيث ترى العلمانية أن الإعلام ينبغي أن يقوم على هدم كل فضيلة، وعلى نشر كل رذيلة، وألا يكون للدين نصيب منه.
وبالجملة فإن من أصول العلمانية: =أن الحياة العامة في الدولة والمجتمع لا تحكم بأحكام الشريعة الإسلامية، وإنما تحكم بأي نظام آخر من الشرائع التي يضعها الإنسان لنفسه+(1).
الإسلام دين العلم، والإسلام يُعنى بكافة جوانب الحياة، فهو نظام متكامل، مشتمل على إسعاد البشرية جمعاء.
ولا غرو في ذلك؛ فدين الإسلام رضيه الله _تعالى_ لعباده، وأمرهم باعتناقه، وتكفل _ سبحانه _ بحفظه؛ فهو حق كله، وعدل كله [أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا] (الأنعام:114).
وإذا كان الأمر كذلك، وكان المسلمون ينعمون بهذا النور العظيم، والفضل العميم _ فما حاجتهم للمناهج الأرضية؟ وكيف تسللت تلك المذاهب الهدامة وعلى الأخص تلك النحلة الخبيثة (العلمانية)؟
وكيف تغلغلت في بلاد المسلمين؟ فكونها ظهرت في أوروبا ذلك البلد الذي يعاني من عدم وجود المنهج الصحيح الذي يكفل سعادة الأفراد والمجتمعات؛ فهذا أمر قد يعقل، أما في بلاد المسلمين فلا.
إذاً كيف دخلت العلمانية بلاد المسلمين؟ وما أسباب ذلك؟
لقد دخلت العلمانية بلاد المسلمين لأسباب عديدة يمكن إيجازها فيما يلي:
1_ انحراف كثير من المسلمين عن دينهم، وعدولهم عن سلوك الصراط المستقيم.
2_ التحالف اليهودي الصليبي، وما نجم عنه من استعمار، واستشراق، وتنصير، وغير ذلك.
3_ الجهل بدين الإسلام عند كثير من المسلمين.
__________
(1) _ مقال بعنوان: =أهمية أصول المعرفة في الإسلام+ مجلة البيان _ العدد17ص33 للدكتور عابد السفياني.(1/6)
4_ الانبهار بما عند الغرب من تقدم صناعي، وتكنولوجي، مع الغفلة عما يعانيه من خواء روحي وتخلف خلقي.
5_ الهزيمة النفسية التي حلت بكثير من المسلمين.
6_ اشتغال المسلمين بالدنيا وملذاتها، وتخليهم عن رسالتهم الخالدة، وهي قوامة البشرية وقيادتها إلى بر الأمان.
7_ ربط واقع المسلمين المزري وتخلفهم بالإسلام، واعتقاد أن أوروبا لم تتطور إلا عندما نبذت الدين النصراني، والحل هو نبذ الدين الإسلامي لكي ينهض المسلمون..!
8_ غياب مفهوم الولاء والبراء عند كثير من المسلمين.
9_ الابتعاث وما جرَّه من ويلات على المسلمين؛ حيث يذهب المسلم إلى الخارج وهو خاوي الوفاض من دينه فيعود _ بعد أن يمتلىء قلبه بما عند الكفار _ حرباً على أمته ودينه.
10_ التقصير في جانب الدعوة إلى الله، وإبرازِ محاسن الدين الإسلامي.
11_ توسيد الأمر لغير أهله في كثير من بلدان المسلمين؛ حيث تمكن كثير من عملاء الغرب من الوصول إلى سدة الحكم، وتولي المناصب المهمة.
12_ التقليد الأعمى للغرب، فبدلاً من الإفادة مما عنده من تقدم، ورقي مادي _ تجد بعض المسلمين يقلدونهم في مستهجن عاداتهم، ومرذول طرائقهم في الحكم، والسياسة، والأخلاق، وما جرى مجرى ذلك.
فهذه جملة أسباب بعضها داخل في بعض تضافرت وتكاتفت، وأدت إلى قيام العلمانية التي بسطت نفوذها، ومدت رواقها في كثير من بلدان المسلمين.
لا تكاد تعثر في الأزمنة الماضية على مسلم يشن الحرب على الإسلام، ويتنكر له خصوصاً في مجال النظام السياسي.
بل إن زمن هذه الحرب حديث جداً لا يزيد على قرنين من الزمان؛ فقد بدأ مع بداية انتشار الفكر العلماني الذي دعت إليه الثورة الفرنسية عام 1789م.
ومن ذلك الحين، وبفعل مجموعة من الأسباب التي مر الحديث عنها _ بدأ ذلك الفكر يسري إلى بلاد المسلمين، وبدأ التوجه العلماني اللاديني في بعض الدوائر يؤتي ثماره، وينتج نتائجه في العديد من مجالات الحياة، ويمهد لقيام العلمانية.(1/7)
ولقد كانت تظهر بعض المقولات، أو الفقرات في كتابات بعض الناس لتعلن عن الفكرة العلمانية غير أنها كانت فقرات قصيرة متداخلة مع كلام كثير قد لا يفطن لها الكثيرون بحيث يمرون عليها دون أن يلقوا لها بالاً.
بل ربما عدوها من سقطات الكتاب، دون أن يتبين لهم ما وراءها.
وظل الحال على هذا المنوال حيناً من الدهر حتى أفصحت العلمانية _ في المجال السياسي _ عن نفسها إفصاحاً كاملاً، وذلك على المستويين العملي، والنظري.
أما المستوى العملي فيتمثل فيما قام به مصطفى كمال أتاتورك من إلغاء الخلافة الإسلامية، وإقامة النظام السياسي العلماني على أنقاضها.
أما على المستوى النظري فيتمثل فيما أقدمت عليه العلمانية من تقديم فكرتها أو نظريتها السياسية في عزل الدين عن الدولة، وذلك في أول كتابة من نوعها في ديار المسلمين على يد شيخ أزهري، وقاضٍ شرعي وهو علي عبدالرازق.
وهذا الصنيع كان إيذاناً لإلغاء الخلافة على المستوى الفكري النظري.(1)
وسيأتي مزيد تفصيل لهذه الفقرة في الفقرات التالية.
صنيع أتاتورك في قيام العلمانية، وإلغاء الخلافة (2)
مر في الفقرة الماضية _ بإيجاز _ حديث عن أتاتورك، وأنه كان أول من طبق العلمانية على المستوى العملي؛ فالعلمانية في تركيا قامت على أنقاض الخلافة الإسلامية، على يد اليهودي مصطفى كمال أتاتورك الذي كان يتظاهر بالتدين، ويصلي في مقدمة الجنود، ويتملق العلماء، وعندما تمكن نفذ خطته اللئيمة على النحو التالي:
1_ إلغاء الخلافة الإسلامية.
2_ فصل تركيا عن باقي أجزاء الدولة العثمانية، فحطم بذلك الدولة الإسلامية العظيمة.
__________
(1) _ انظر تحطيم الصنم العلماني للشيخ محمد بن شاكر الشريف ص11_12.
(2) _ انظر الرجل الصنم كمال أتاتورك _ أول كتاب عن حياة كمال أتاتورك بالتفصيل _ لعبدالله عبدالرحمن ص506_507، والموجز في المذاهب والأديان المعاصرة للعقل والقفاري ص108_110، وحقيقة اليهود سيد بن عبد الرحمن الرفاعي.(1/8)
3_ أعلن العلمانية الإلحادية، وأشاع أن الدين علاقة قلبية بين العبد وبين الله.
4_ اضطهد العلماء أبشع اضطهاد، وقتل منهم العشرات، وعلقهم بأعواد الشجر.
5_ أغلق كثيراً من المساجد، وحرم الآذان، والصلاة باللغة العربية.
6_ أجبر الشعب على تغيير الزي الإسلامي،ولُبْس الأوروبي.
7_ ألغى الأوقاف، ومنع الصلاة في جامع أيا صوفيا، وحوَّله إلى متحف.
8_ ألغى المحاكم الشرعية، وفرض القوانين الوضعية المدنية السويسرية.
9_ فرض العطلة الأسبوعية يوم الأحد بدلاً من يوم الجمعة.
10_ ألغى استعمال التاريخ الهجري، واستبدل به التاريخ الميلادي.
11_ حرم تعدد الزوجات، والطلاق، وساوى بين الذكر والأنثى بالميراث.
12_ شجع الشباب والفتيات على الدعارة، والفجور وأباح المنكرات، وقد كان قدوة في انحطاط الخلق، وإدمان الخمر، وممارسة البغاء والشذوذ.
13_ قضى على التعليم الإسلامي، ومنع تدريس القرآن الكريم واستبدل بالحروف العربية الحروف اللاتينية.
14_ فتح باب تركيا لعلماء اليهود.
العلمانية في مصر(1)
اتجهت العلمانية في مصر اتجاهاً فكرياً في الثلاثينات من هذا القرن الميلادي، وقد كان لها مقدمات وإرهاصات أدت إلى ظهورها كحملة نابليون، وكصنيع محمد علي وأبنائه.
وبدأ هذا الاتجاه العلماني يأخذ مكانه بوجه خاص أيام الاحتلال البريطاني، وقد خطت مصر خطواتٍ في العلمانية، وبرز دعاة إليها في كثير من جوانب الحياة أمثال:
1_ قاسم أمين في الجانب الأخلاقي، والاجتماعي.
2_ طه حسين في الجانب الفكري، والثقافي، والأدبي.
3_ الشيخ علي عبد الرازق في الجانب السياسي والتشريعي وسيأتي الحديث عنه.
وغيرهم كثير كسلامة موسى، وسعد زغلول، ولطفي السيد.
__________
(1) _ انظر الموجز في المذاهب والأديان المعاصرة ص108.(1/9)
وبالرغم من هذه الاتجاهات القوية إلا أنها لم تكن ذات أثر في واقع الشعب المصري والدولة المصرية إلا بعد الثورة التي قام بها عبد الناصر عام1952م والتي بثت ما يسمى بالعلمانية، وأقامت الدولة نظامها عليها، ثم جاء من بعده السادات، وأصَّلها ودعم وجودها.
ثم سرت العدوى إلى أكثر أقطار العالم العربي والإسلامي كتونس والجزائر وغيرها من الدول.
برغم ما في هجمة أتاتورك وجنايته على الإسلام من الضراوة والقسوة والشراسة _ فإن جناية علي عبدالرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) أشد وأخطر؛ ذلك أن صنيع أتاتورك ردة صريحة، وخروج على الإسلام بقوة السلطان؛ فلا يكون لها أثر إلا بقدر بقاء القوة.
أما صنيع علي عبدالرازق فقد كان محاولة للتغيير في أصول الإسلام، ومسلماته.
وهذا _ بلا ريب _ يفعل فعله، ويمتد أثره؛ ليصبح هو التفسير الصحيح لعلاقة الإسلام بالسياسة والحكم.
وحينئذ توصد الأبواب _ لو قُدِّر لهذه المحاولة أن تنجح _ في وجه الإسلام، ويُحال بينه وبين القيادة والتوجيه لحياة الأمة المسلمة.
لقد كان كتاب علي عبدالرازق أول كتاب يقدمه رجل ينتمي إلى الإسلام، بل إلى العلم والقضاء معلناً عن نفسه بلا مواربة، مقدماً فيه الفكر العلماني في جرأة لا تعرف الحياء ولا الخجل.
ولم تكن كتابته مجرد فقرة قصيرة أو طويلة، بل ولم تكن مجرد مقال طويل يُنشر في إحدى الصحف.
وإنما كان كتاباً كاملاً يعرض منهجاً كلياً في معرفة الإسلام، وعلاقته بالحكم.
ومما يحسن التنبيه عليه أن الحكومة الكمالية حين ألغت الخلافة العثمانية سنة 1924م _ أصدر المجلس الوطني التركي رسالة شرح فيها وجهة نظره في إلغاء الخلافة.
إلا أن الرأي العام في العالم الإسلامي لم يقابل هذا العمل بالارتياح، بل أخذ بعض مفكري وعلماء الإسلام يتطارحون الرأي في إقامة الخلافة الإسلامية.(1/10)
أما الرسالة التي أصدرها المجلس التركي فقد كانت بعنوان (الإسلام وسلطة الأمة) أو (الخلافة وسلطة الأمة).
وقد تُرجمت إلى العربية، وطُبعت بمطبعة المقتطف بمصر سنة 1924م.
وبعد صدور هذا الكتاب سنة 1925م أصدر علي عبدالرازق كتابه المذكور، وكان حينئذ قاضياً بمحكمة المنصورة الشرعية الابتدائية.
ويُلاحظ أن بين اسمي الكتاب ومضمونهما تشابهاً، إلا أن الكتاب الأول لم يبلغ ما بلغه كتاب علي عبدالرازق من القدح في علاقة الإسلام بالسياسة.
ومما يوضح الشبه بين الكتابين أنه قد جاء في كتاب (الإسلام وسلطة الأمة) ص5 ما نصه: =إن هذه المسألة _ الخلافة _ دنيوية وسياسية أكثر من كونها مسألة دينية، وإنها من مصلحة الأمة نفسها مباشرة، ولم يرد بيان صريح في القرآن الكريم ولا في الأحاديث النبوية في كيفية نصب الخليفة وتعيينه، وشروط الخلافة ما هي ...+.
وقال علي عبدالرازق في ص16 ما نصه: =إنه لعجب عجيب أن تأخذ بيدك كتاب الله الكريم، وتراجع النظر فيما بين فاتحته وسورة الناس، فترى فيه تصريف كل مثل، وتفصيل كل شيء من أمر هذا الدين [مَاْ فَرَّطْنَا فِيْ الكِتَاْبِ مِنْ شيء] ثم لا تجد فيه ذكراً لتلك الإمامة العامة، أو الخلافة.
إن في ذلك لمجالاً للمقال! ليس القرآن وحده الذي أهمل تلك الخلافة، ولم يتصد لها، بل السنة كالقرآن _ أيضاً _ وقد تركتها ولم تتعرض لها+.
وفي رسالة المجلس الوطني التركي ص4 ما نصه: =إن الفرقة المسماة بالخارجية تنكر وجوب الخلافة، وتقول إن أمر نصب الخليفة وتعيينه، ليس واجباً على الأمة الإسلامية، بل هو جائز، ووجوده وعدم وجوده سيان+.
ويقول علي عبدالرازق في ص33 ما نصه: =فكيف وقد قالت الخوارج: لا يجب نصب الإمام أصلاً، وكذلك قال الأصم من المعتزلة، وقال غيرهم _ أيضاً _ كما سبقت الإشارة إليه.
وحسبنا في هذا المقام نقضاً لدعوى الإجماع أن يثبت عندنا خلاف الأصم والخوارج وغيرهم، وإن قال ابن خلدون: إنهم شواذ+.(1/11)
وهكذا ردد علي عبدالرزاق في كتابه ما جاء في رسالة المجلس الوطني التركي، وزاد عليها شيئاً من فساد الفهم، وسوء الأدب في حق النبي " وحق كبار الصحابة.
وقد قابلت الدوائر الاستعمارية والمراكز التبشيرية المسيحية كتاب علي عبدالرازق بالترحيب والتصفيق، وذلك لخشيتها من كل فكرة ترمي إلى تكتل العالم الإسلامي، وارتياحها إلى نشر مثل هذه الآراء الخبيثة التي ضمنها علي عبدالرازق كتابه، تلك الآراء التي تخدم أهداف الاستعمار وتحقق آماله في السيطرة على الشعوب الإسلامية، وإذلالها إلى الأبد.
وقد كشف المؤلف عن نفسه الخبيثة في حديثه مع مراسل صحيفة (البورص إجبسيان) حينما سأله هذا المراسل:
_ هل يمكن أن نعتبرك زعيماً للمدرسة؟
فأجاب: =لست أعرف ماذا تعني بالمدرسة؟ فإن كنت تريد بهذا أن لي أنصاراً؛ يسرني أن أصرح لك أن الكثيرين يرون رأيي، لا في مصر وحدها، بل في العالم الإسلامي بأسره.
وقد وصلتني رسائل التأييد من جميع أقطار العالم التي نفذ إليها الإسلام.
ولا ريب أني رغم الحكم، لا أزال مستمراً في آرائي وفي نشرها، لأن الحكم لا يعدل طريقة تفكيري+.
=وسأسعى إلى ذلك بكل الوسائل الممكنة كتأليف كتب جديدة، ومقالات في الصحف، ومحاضرات، وأحاديث.
والآراء التي أراد علي عبدالرازق أن ينشرها بين المسلمين، ويُؤلف فيها الكتب تتلخص في الطعن في حكومة النبي "، واتهام كبار الصحابة بأشنع التهم.
ولم يكن من بين هذه الآراء الحض على مكافحة الاستعمار، والجهاد في سبيل الاستقلال والحرية، ولا عجب في ذلك؛ فبيت عبدالرازق كان في ذلك الوقت من البيوت العريقة في خدمة الاستعمار؛ فقد أنشأ حسن عبدالرازق حزب الأمة سنة 1908 لمحاربة الحركة الوطنية، وبعد سنة 1919م انضم آل عبدالرازق إلى حزب الأحرار الدستوريين الذي كان يعمل مع الإنجليز+.(1/12)
وسواء كان الكتاب المنسوب لعلي عبدالرازق من تأليفه هو _ كما هو مدون على غلاف الكتاب _ أو كان من تأليف بعض المستشرقين كما يذهب إلى ذلك آخرون(1) فإن الذي يعنينا هنا أن يُقال: إن العلمانية أعلنت الحرب بغير مواربة على النظام السياسي الإسلامي، وبدأت جولتها معه، التي ربما خُيِّل لأتباعها أنها الجولة الأولى والأخيرة، ولكن [رَدَّ الله الَّذِيْنَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِم لَمْ يَنَالُوا خَيْراً].
لقد كان صدور ذلك الكتاب المنبوذ _ والذي يعني عند مؤلفه ومن يشايعه إسقاط الخلافة والقضاء عليها من الناحية الشرعية _ عام 1925م، أي بعد عام واحد من إسقاط الخلافة والقضاء عليها واقعياً من قِبَلِ أتاتورك وأتباعه.
وبصدور ذلك الكتاب بدأت وقائع الجولة الأولى _ الظافرة بإذن الله _ من أهل الحق في الرد على أهل الباطل وضلالاتهم، وحمي الوطيس، وانتصب للحق أهله ودعاته، وظهرت الردود تلو الردود؛ لترد على الكائدين كيدهم في نحورهم، ولِتفضحَهم أمام أجيال الأمة المعاصرة واللاحقة، وتبين خيانتهم لله ولرسوله وللمؤمنين، ومتابعتهم لأولياء الشيطان من اليهود والنصارى الحاقدين.
فقام بالرد عليه السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، وكذلك الشيخ محمد شاكر (2) وكيل الأزهر سابقاً، وكذلك الأستاذ أمين الرافعي، وقد أفتى بعض كبار العلماء من أمثال الشيخ محمد شاكر، والشيخ يوسف الدجوي، والشيخ محمد بخيت، والسيد محمد رشيد رضا بِرِدَّةِ علي عبدالرازق مؤلف الكتاب المذكور.
__________
(1) _ قد ذهب إلى ذلك الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق؛ حيث قال: =علمنا من كثيرين ممن يترددون على المؤلف أن الكتاب ليس له فيه إلا وضع اسمه عليه فقط+ وقد نقل ذلك د. محمد ضياء الدين الريّس في كتابه (الإسلام والخلافة في العصر الحديث) ص211، واستظهر له بالعديد من القرائن.
(2) _ وهو والد العلامة الشيخ أحمد شاكر.(1/13)
كما ألف كبار العلماء كتباً في الرد عليه: فألَّف الشيخ محمد الخضر حسين (نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم) وألَّف الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية في وقته (حقيقة الإسلام وأصول الحكم) كما ألَّف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور كتاب (نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم).
ومن قبل ذلك فقد عقدت له محاكمة في الأزهر من قبل هيئة كبار العلماء برئاسة الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي شيخ الجامع الأزهر وعضوية أربعة وعشرين عالماً من كبار العلماء، وبحضور علي عبدالرازق نفسه، وقد تمت مواجهته بما هو منسوب إليه في كتابه، واستمعت المحكمة لدفاعه عن نفسه، ثم خلصت الهيئة إلى القرار التالي: =حكمنا؛ نحن شيخ الجامع الأزهر بإجماع أربعة وعشرين عالماً معنا من هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ علي عبدالرازق أحد علماء الجامع الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية ومؤلف كتاب (الإسلام وأصول الحكم) من زمرة العلماء.
كما حكم مجلس تأديب القضاة الشرعيين بوزارة الحقانية _العدل_ بالإجماع بفصله من القضاء الشرعي+(1).
وإليك فيما يلي شيئاً من التفصيل عن تلك المحاكمة التي جرت؛ فقد انعقدت هيئة كبار العلماء برئاسة الشيخ محمد أبي الفضل الجيزاوي، شيخ الجامع الأزهر في ذلك الوقت، صباح الأربعاء 22 المحرم سنة 1344هـ _أغسطس سنة 1925م_ وكان عدد أعضائها أربعة وعشرين عالماً، ولما مَثُلَ علي عبدالرازق أمام الهيئة حياها بقوله (السلام عليكم) فلم يرد عليه أحد، وبعد مناقشة طويلة أصدرت الهيئة حكمها بإدانة المتهم، وإخراجه من زمرة العلماء.
ويترتب على الحكم المذكور: محو اسم المحكوم عليه من سجلات الجامع الأزهر والمعاهد الأخرى، وطرده من كل وظيفة، وقطع مرتباته في أي جهة كانت، وعدم أهليته للقيام بأية وظيفة عمومية، دينية كانت أو غير دينية.
أما حيثيات الحكم، فيمكن إيجازها فيما يلي:
__________
(1) _ تحطيم الصنم العلماني لمحمد بن شاكر ص14_15.(1/14)
1_ أن الشيخ علياً جعل الشريعة الإسلامية, شريعة روحية محضة, لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا.
وقد ردت الهيئة على هذا الزعم الباطل بأن الدين الإسلامي هو إجماع المسلمين على ما جاء به النبي ",من عقائد, وعبادات, ومعاملات لإصلاح أمور الدنيا والآخرة, وأن كتاب الله _تعالى_ وسنة رسوله ", كلاهما مشتمل على أحكام كثيرة في أمور الدنيا, وأحكام كثيرة في أمور الآخرة.
وقالت الهيئة: وواضح من كلامه _ المؤلف _ أن الشريعة الإسلامية عنده شريعة روحية محضة, جاءت لتنظيم العلاقة بين الإنسان وربه فقط, وأن ما بين الناس من المعاملات الدنيوية وتدبير الشؤون العامة فلا شأن للشريعة به, وليس من مقاصدها.
وهل في استطاعة الشيخ أن يشطر الدين الإسلامي شطرين, ويلغي منه شطر الأحكام المتعلقة بأمور الدنيا, ويضرب بآيات الكتاب العزيز, وسنة رسول الله" عرض الحائط؟!
2_ ومن حيث إنه زعم أن الدين لا يمنع من أن جهاد النبي " كان في سبيل الملك, لا في سبيل الدين, ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين.
فقد قال: =... وظاهر أول وهلة أن الجهاد لا يكون لمجرد الدعوة إلى الدين, ولا يحمل الناس على الإيمان بالله ورسوله+.
ثم قال: =... وإذا كان " قد لجأ إلى القوة والرهبة, فذلك لا يكون في سبيل الدعوة إلى الدين وإبلاغ رسالته إلى العالمين, وما يكون لنا أن نفهم إلا أنه كان في سبيل الملك+.
على أنه لا يقف عند هذا الحد, بل كما جوز أن يكون الجهاد في سبيل الملك, ومن الشؤون الملكية _ جوز أن تكون الزكاة والجزية والغنائم, ونحو ذلك في سبيل الملك _ أيضاً _.
وجعل كل ذلك على هذا خارجاً عن حدود رسالة النبي " فلم ينزل به وحي, ولم يأمر به الله _تعالى_.
والشيخ علي لا يمنع أن يصادم صريح آيات الكتاب العزيز, فضلاً عن صريح الأحاديث المعروفة, ولا يمنع أنه ينكر معلوماً من الدين بالضرورة.(1/15)
وذكرت الهيئة الآيات الواردة في الجهاد في سبيل الله, والآيات الخاصة بالزكاة, وتنظيم الصدقات, وتقسيم الغنائم, وهي كثيرة.
3_ ومن حيث إنه زعم أن نظام الحكم في عهد النبي " كان موضع غموض, أو إبهام, أو اضطراب, أو نقص, وموجباً للحيرة.
وقد رضي لنفسه بعد ذلك مذهباً, هو قوله: =إنما كانت ولاية محمد " على المؤمنين ولاية رسالة غير مشوبة بشيء من الحكم+.
وهذه هي الطريقة الخطيرة التي خرج إليها, وهي أنه جرد النبي " من الحكم.
وما زعمه الشيخ علي مصادم لصريح القرآن الكريم, فقد قال الله _تعالى_: [إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ] ثم أوردت الهيئة آيات كثيرة تتضمن معنى الآية السابقة, وتنحو نحوها.
4_ ومن حيث إنه زعم أن مهمة النبي ", كانت بلاغاً للشريعة مجرداً عن الحكم والتنفيذ.
ولو صح هذا لكان رفضاً لجميع آيات الأحكام الكثيرة الواردة في القرآن الكريم، ومخالفاً _ أيضاً _ لصريح السنة.
ثم أوردت الهيئة كثيراً من الأحاديث التي تهدم مزاعم المؤلف, وختمت ذلك بقولها: =فهل يجوز أن يقال بعد ذلك في محمد ", إن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان، وإنه لم يكلف أن يأخذ الناس بما جاءهم به, ولا أن يحملهم عليه؟!+.
5_ ومن حيث إنه أنكر إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام, وعلى أنه لا بد للأمة ممن يقوم بأمرها في الدين والدنيا.
وقال إنه يقف في ذلك في صف جماعة غير قليلة من أهل القبلة, يعني بعض الخوارج والأصم؛ وهو دفاع لا يبرئه من أنه خرج على الإجماع المتواتر عند المسلمين، وحسبه في بدعته أنه في صف الخوارج, لا في صف جماهير المسلمين.
6_ ومن حيث إنه أنكر أن القضاء وظيفة شرعية, وقال إن الذين ذهبوا إلى أن القضاء وظيفة شرعية جعلوه متفرعاً عن الخلافة, فمن أنكر الخلافة أنكر القضاء.(1/16)
وكلامه غير صحيح, فالقضاء ثابت بالدين على كل تقدير, تمسكاً بالأدلة الشرعية التي لا يستطاع نقضها.
7_ ومن حيث إنه زعم أن حكومة أبي بكر, والخلفاء الراشدين من بعده, رضي الله عنهم, كانت لا دينية, ودفاع الشيخ علي بأن الذي يقصده من أن زعامة أبي بكر لا دينية أنها لا تستند على وحي, ولا إلى رسالة _ مضحك موقع في الأسف, فإن أحداً لا يتوهم أن أبا بكر ÷ كان نبياً يوحى إليه حتى يُعني الشيخ علي بدفع هذا التوهم.
لقد بايع أبا بكر ÷, جماهير الصحابة من أنصار ومهاجرين, على أنه القائم بأمر الدين في هذه الأمة بعد نبيها محمد ".
وإن ما وصم به الشيخ علي أبا بكر ÷ من أن حكومته لا دينية, لم يُقْدِمْ على مثله أحد من المسلمين؛ فالله حسبه, ولكن الذي يطعن في مقام النبوة, يسهل عليه كثيراً أن يطعن في مقام أبي بكر وإخوانه الخلفاء الراشدين _ رضي الله عنهم أجمعين _.
هذه خلاصة الحيثيات التي بنت عليها هيئة كبار العلماء حكمها السالف الذكر.
ومنذ ذلك الحين لم تنقطع الكتابات في الرد على كتاب علي عبدالرازق سواء كان ذلك على هيئة كتاب، أو مقال.
وقد حاول بعضهم مساندة علي عبدالرازق، وإعادة وجاهته وقدره عند الناس؛ فبعد اثنين وعشرين عاماً غيرت هيئة كبار العلماء رأيها في الشيخ علي عبدالرزاق؛ فبعد أن كان سنة 1925 كافراً خارجاً على الإسلام, منكراً لكثير مما ورد في القرآن والسنة, إذا هو في سنة 1947 مؤمن يستحق العطف، ويستوجب العفو انظر إلى ما نشرته صحيفة الأهرام في 26_2_1947 تحت عنوان (العلماء يلوذون بالعرش في مسألة علي عبد الرزاق بك) وهو ما يلي:(1/17)
=عندما أصابت الأزهر تلك الصدمة التي نزلت فجأة في شيخه الأكبر المغفور له الشيخ مصطفى عبدالرازق اتجهت نية كبار العلماء إلى تكريم ذكراه في شخص شقيقه الأستاذ علي عبد الرزاق بك, وذلك بأن يلوذوا بالسدة الملكية ملتمسين عفواً ملكياً عن أثر القرار الذي اتخذته هيئة كبار العلماء من قبل؛ فما اختمرت هذه الفكرة حتى أخذت سبيلها إلى التنفيذ, وأُعِدَّت صيغة الالتماس الذي يرفع في هذا الشأن, وحمله إلى القصر العامر جماعة كبار العلماء وأعضاء المجلس الأعلى للأزهر+.
=ومما هو جدير بالذكر؛ أنه روعي في رفع هذا الالتماس أن تتقدم به الهيئتان العلمية والتنفيذية في الأزهر: تمثل الأولى جماعة كبار العلماء, وتمثل الثانية المجلس الأعلى للأزهر, وأن يكون الملاذ في ذلك؛ هو جلالة صاحب العرش, بعد أن تبين أن جماعة كبار العلماء لا تملك بوضعها الحالي أن تتخذ قراراً جديداً بإلغاء قرارها الأول في مسألة الأستاذ علي عبد الرازق بك؛ إذ إن مثل هذا القرار يجب أن يصدر بأغلبية ثلثي أعضائها, على أن يكون من بينهم شيخ الأزهر، وذلك يقضي قراراً من عشرين عضواً, على حين أن الأحياء من أعضاء الجماعة لا يبلغون هذا العدد+.
هذا ما نشرته الصحف 26_2_1947, ومنه نرى أن علماء الأزهر, بما فيهم هيئة كبار العلماء كانوا مدفوعين من تلقاء أنفسهم إلى طلب العفو عن علي عبدالرازق, وأن هيئة كبار العلماء لم يتوافر فيها العدد القانوني الذي يمكنها من إلغاء قرارها الصادر في12 أغسطس سنة 1925؛ فلذلك لجأت إلى الملك.
والحق أن هذا كله محض كذب وافتراء؛ فقد أراد الملك فاروق أن يعين علي عبد الرازق وزيراً للأوقاف؛ فأمر شيوخ الأزهر بأن يقوموا بهذه الحركة؛ فأطاعوا وتبرعوا بالكذب.
وفي يوم 3 مارس سنة 1947 نشرت الصحف مرسوماً بتعيين علي عبدالرازق وزيراً للأوقاف.(1/18)
والعجب أن يكون تكريم ذكرى مصطفى على حساب الدين؛ هذا إذا نظرنا بعين الاعتبار إلى القرار الصادر سنة 1925، وإلى الضجة الهائلة التي أحدثها علماء الأزهر حول الكتاب ومؤلفه.
وعلى كل حال فإن الكتاب لقي وما زال يلقى الهوان، والرد عند كل مسلم أومضت في قلبه بارقة إيمان، وإخلاص.
بل إن بعض من تحمسوا للكتاب أول أمره، عادوا إلى مناوأته، وتخطئته.
بل إن علي عبد الرازق نفسه عندما عرض عليه قبل وفاته عام 1966م إعادة طبع الكتاب مرة أخرى رفض ذلك، كما أنه لم يحاول من قبلُ الردَّ على منتقديه وخصومه(1).
__________
(1) _ ومع ذلك فإن هذا الكتاب يلقى رواجاً عند من يقولون بآرائه، ويبعث ما بين الفينة والفينة.
ولكنه ما إن يبعث إلا ويقيض الله من يدفع زيفه، أو يعيد طبع ما رُد به باطله. ... ... =
= ومن أحسن الردود التي كشفت عوار ذلك الكتاب ما خطته يراعة العلامة الشيخ محمد الخضر حسين × في كتابه (نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم) الذي أُعيدت طباعته مؤخراً بتحقيق ابن أخيه الأستاذ علي الرضا الحسيني.
فلقد =تناول هذا الكتاب نقض ما جاء في كتاب الإسلام وأصول الحكم مما يخالف المبادئ الإسلامية، ويحود عنها بطريقة تدل على رسوخ قدم الأستاذ السيد محمد الخضر في العلوم الإسلامية والعربية، وتضلعه منها تضلعاً يجعله في صفوف كبار العلماء الباحثين الذين يعرفون كيف يصلون بالقارئ إلى الحق الناصع في رفق وسهولة، دون أن يرهقوا ذهنه، أو يحرجوا صدره.
فأدلة ناصعة، ولغة بينة، وقصد في التعبير من غير غموض أو إبهام، وأدب صريح، وخلق متين يدل على أن صاحبه ممن تأدبوا بالأدب الإسلامي، وتشبعوا به، وفهموا معنى قوله _تعالى_: [وَجَدِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن]، ثم حسن ترتيب وتنسيق في المناقشة وسوق الأدلة.
لا يدع في نفس القارئ مجالاً للشك، ولا يترك شبهة تتردد في صدره دون أن يقضي عليها قضاءاً نهائياً.
كل ذلك في تواضع العالم الصادق النظر، النزيه الغرض، الذي لا يقصد من بحثه وجدله إلا إحقاق الحق وإزهاق الباطل+. انظر مجلة (المكتبة) شهرية أدبية تبحث عن المؤلفات وقيمتها العلمية _ الجزء الثاني من السنة الثانية الصادر في رمضان 1344هـ.
وخير تقديم، وتقريظ للكتاب أن يقدم ويقرظ نفسه بنفسه.
وكتابة الشيخ محمد الخضر حسين مرآة لقلم بليغ، ونفس طاهرة، وعقل حصيف، وكتاباته جوامع الكلم، وحكم بالغات صيغت باللفظ العذب، والسبك الجيد، إذا تُليت على الأسماع ركنت إليها النفوس لطهارتها وصدقها، وإذا قرأها القارئ عاش في روضة علمية ساحرة.
إن الشيخ محمد الخضر حسين عالم جليل يغرف العلم من بحر لا ساحل له.
ويُعَدُّ كتاب (نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم) أهم المراجع للرد على كتاب علي عبدالرازق.
وإذا فرح الضالون المضلون بكتاب (الشيخ القاضي الشرعي) فقد فرح المؤمنون الصادقون بكتاب الإمام الصالح، وشتان بين الضلال والهدى، وبين الشر والخير.
وإليك مقدمة ذلك الكتاب، تلك المقدمة التي تُبين عن شيء من مكنونات الكتاب ونفائسه. =
= قال الشيخ محمد الخضر حسين ×: =أحمد الله على الهداية، وأسأله التوفيق في البداية والنهاية، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد المبعوث بأكمل دين وأحكم سياسة، وعلى آله وصحبه، وكل من حرس شريعته بالحجة أو الحسام، وأحسن الحراسة.
وقع في يدي كتاب (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ علي عبدالرازق، فأخذت أقرؤه قراءة من يتغاضى عن صغائر الهفوات، ويدرأ تزييف الأقوال بالشبهات.
وكنت أمر في صحائفه الأولى على كلمات ترمز إلى غير هدى، فأقول: إن في اللغة كنايةً ومجازاً، ومعميات وألغازاً، ولعلها شغفته حباً حتى تخطَّى بها المقامات الأدبية إلى المباحث العلمية.
وما نشبت أن جعلت المعاني الجامحة عن سواء السبيل تبرح عن خفاء، وتناديها قوانين المنطق فلا تعبأ بالنداء.
وكنت _ بالرغم من كثرة بوارحها _ أُصبِّر نفسي على حسن الظن بمصنِّفها، وأرجو أن يكون الغرض الذي جاهد في سبيله عشر سنين حكمة بالغة، وإن خانه النظر فأخطأ مقدماتها الصادقة.
وما برحت أنتقل من حقيقة وضاءة ينكرها، وهي أشبه بمقدماته من الماء بالماء، أو الغراب بالغراب.
فوَّق المؤلف سهامه في هذا الكتاب إلى أغراض شتى، والتوى به البحث من غرض إلى آخر، حتى جحد الخلافة وأنكر حقيقتها، وتخطى هذا الحد إلى الخوض في صلة الحكومة بالإسلام.
وبعد أن ألقى حبالاً وعصياً من التشكيك والمغالطات _ زعم أن النبي _ عليه السلام _ ما كان يدعو إلى دولة سياسية، وأن القضاء وغيره من وظائف الحكم ومراكز الدولة ليست من الدين في شيء، وإنما هي خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها، ومسَّ في غضون البحث أصولاً لو صدق عليها ظنه لأصبحت النفوس المطمئنة بحكمة الإسلام وآدابه مزلزلة العقيدة مضطربة العنان.
كنا نسمع بعض مزاعم الكتاب من طائفة لم يتفقهوا في الدين، ولم يحكموا مذاهب السياسة خبرة، فلا نقيم لها وزناً، ولا نحرك لمناقشتها قلماً، إذ يكفي في ردها على عقبها صدورها من نفر يرون الحطَّ في الأهواء حرية، والركض وراء كل جديد كياسة.
كنا نسمع هذه المزاعم فلا نزيد أن نعرض عمَّن يلغطون بها حتى يخوضوا في حديث غيره. ... =
= أما اليوم وقد سرت عدواها إلى قلم رجل ينتمي للأزهر الشريف، ويتبوَّأ في المحاكم الشرعية مقعداً _ فلا جرم أن نسوقها إلى مشهد الأنظار المستقلة، ونضعها بين يدي الحجة، وللحجة قضاء لا يستأخر، وسلطان لا يحابي، ولا يستكين.
لا أقصد في هذه الصحف إلى أن أعجم الكتاب جملة، وأغمز كل ما ألاقيه فيه من عوج، فإن كثيراً من آرائه تحدثك عن نفسِها اليقينَ، ثم تضع عنقها في يدك دون أن تعتصم بسند، أو تستتر بشبهة.
وإنما أقصد إلى مناقشته في بعض آراء يتبرأ منها الدين الحنيف، وأخرى يتذمر عليه من أجلها التاريخ الصحيح.
ومتى أميط اللثام عن وجه الصواب في هذه المباحث الدينية التاريخية _ بقي الكتاب ألفاظاً لا تعبر عن معنى، ومقدمات لا تتصل بنتيجة.
والكتاب مرتب على ثلاثة كتب، وكل كتاب يحتوي على ثلاثة أبواب، وموضوع الكتاب الأول: الخلافة والإسلام، وموضوع الكتاب الثاني: الحكومة والإسلام، وموضوع الكتاب الثالث: الخلافة والحكومة في التاريخ.
وطريقتنا في النقد أن نضع في صدر كل باب ملخص ما تناوله المؤلف من أمهات المباحث، ثم نعود إلى ما نراه مستحقاً للمناقشة من دعوى أو شبهة، فنحكي ألفاظه بعينها، ونتبعها بما يزيح لبسها، أو يحل لغزها، أو يجتثها من منبتها.
وتخيَّرنا هذا الأسلوب لتكون هذه الصحف قائمة بنفسها، ويسهل على القارئ تحقيق البحث، وفهم ما تدور عليه المناقشة، ولو لم تكن بين يديه نسخة من هذا الكتاب المطروح على بساط النقد والمناظرة+.(1/19)
وسائل تحقيق العلمانية (1)
سلك العلمانيون في سبيل تحقيق مآربهم أهدافاً عديدة ملائمة لكل زمان ومكان منها ما يلي:
1_ إغراء بعض ذوي النفوس الضعيفة، والإيمان المزعزع بمغريات الدنيا من المال والمناصب.
2_ السيطرة على وسائل الإعلام؛ ليبثوا سمومهم من خلالها.
3_ رفع قيمة الأقزام والمنحرفين وذلك من خلال الدعاية المكثفة لهم، وتسليط الضوء عليهم، وإظهارهم بمظهر العلماء المفكرين، وأصحاب الخبرات الواسعة والقرائح المتفتقة، ويهدفون من وراء ذلك إلى أن يكون كلام هؤلاء مقبولاً عند الناس.
4_ لبس الحق بالباطل وذلك من خلال طَرْقِ العديد من الموضوعات باسم الإسلام، كالاختلاط وغيره.
5_ القيام بتربية بعض الناس على أعينهم في محاضن العلمانية في البلاد الغربية، وإعطائهم ألقاباً علمية مثل: درجة الدكتوراه، أو درجة الأستاذية؛ فيحصل على هذه الشهادة بعد أن يفقد شهادة _ لا إله إلا الله _ وبعد رجوعهم يصبحون أساتذة للجامعات، ويتولون العديد من المنابر؛ ليمارسوا تحريف الدين، وتزييفه، والتلبيس على الناس، وتوجيههم الوجهة التي يريدونها.
6_ اتباع سياسة النفس الطويل والتدرج في طرح الأفكار.
7_ الإكثار من الأحاديث عن موضوعات معينة بهدف إقناع الناس بها انطلاقاً من قاعدة (ما تكرر تقرر).
8_ إشغال الناس بتوافه الأمور حتى لا يدركوا حقيقة العلمانيين.
9_ تشويه التاريخ الإسلامي، وإبراز الجوانب السلبية، مع كتمان الجوانب المشرقة المضيئة بهدف قطع حاضر الأمة عن ماضيها.
10_ الهجوم على الأئمة الأعلام، بل الطعن في الصحابة والتابعين باسم الموضوعية.
11_ إحياء النعرات الجاهلية، والتغني بالوثنيات القديمة.
12_ الطعن في اللغة العربية ووصفها بالجمود، حتى يكرهها المسلمون ويستصعبوها وبالتالي ينقطعون عن فهم تراث أسلافهم، وفهم نصوص الشرع، وكلام الأئمة.
__________
(1) _ انظر العلمانية وثمارها الخبيثة لمحمد شاكر الشريف ص29_34.(1/20)
13_ تفسير القرآن ونصوص الشرع تفسيراً عصرياً بحسب ما يروق لهم، ويناسب أهواءهم.
14_ إنشاء المدارس والجامعات، والمراكز الثقافية الأجنبية، والتي تكون في حقيقة الأمر خاضعة لإشراف الدول العلمانية.
15_ الحديث بكثرة عن المسائل الخلافية واختلاف العلماء وتضخيم ذلك الأمر؛ حتى يخيل للناس أن الدين كله اختلافات، وأنه لا اتفاق بين العلماء في شيء مما يوقع في النفس أن الدين لا شيء فيه يقيني مجزوم به، وإلا لما وقع الخلاف، وهم بذلك يريدون صرف الناس عن الدين.
16_ تصوير أهل العلم في كثير من وسائل الإعلام على أنهم طبقة منحرفة خلقياً، وأنهم طلاب دنيا ومناصب ونساء، وذلك بهدف الحط من قيمتهم، وتزهيد الناس بهم.
17_ الهجوم المستمر على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وتصويرهم بأبشع الصور، ودعوى أن ذلك تدخل في شؤون الخاصة.
18_ استغلال الأخطاء الفردية أو الجماعية من قبل بعض الأفراد من المسلمين أو الجماعات الإسلامية وتضخيمها واتخاذها غرضاً ينفذون من خلاله إلى رمي الإسلام والطعن فيه.
19_ تمجيد الغرب، وتعظيم دوره، بهدف إزالة الفوارق، وتحطيم حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين.
20_ الاتكاء على بعض القواعد الشرعية _ المنضبطة بقواعد وضوابط الشريعة _ بقوة، ووضعها في غير محلها كقاعدة: (تغير الفتوى باختلاف المكان والزمان) وغيرها.
21_ اقتباس وجلب المناهج اللادينية من الغرب، وبثها في الصفوف الدراسية، وحذف النصوص التي تخالف أهوائهم.
22_ الهجوم على السنة النبوية وحملتها.
23_ الاحتفاء بالفتاوى الشاذة، ونشرها، وترويجها كالفتاوى التي تبيح الربا، والسفور أو غير ذلك.
هذه وسائل تحقيق العلمانية إجمالاً، مع أنه لا يلزم من قال بشيء من ذلك، أو دعا إليه أن يُصنَّف، أو يوصم بالعلمانية؛ فقد يكون مجتهداً، أو جاهلاً، أو متأولاً.(1/21)