التيارات الدينية في السعودية
بقلم :
خالد عبدالله المشوح
صحيفة الوطن السعودية
جمع وترتيب:
واس
مشرف مكتبة قصيمي نت لروائع الكتب
waas@hotmail.com
التيارات الدينية في السعودية.. النتاج السلفي (1)
يشكل التيار الديني في السعودية أبرز التيارات المؤثرة على الصعيد الاجتماعي والفكري والثقافي وذلك بحكم طبيعة البلد الدينية، كما لا يخفى تشكل التيار الديني من عدة مدارس وإن اتفقت على أصل الدين إلا أنها تختلف في تفسيره.
وتُشكل أطياف هذا التيار إحدى صور التنوع في المجتمع السعودي الذي يشهد اليوم تشكلات جديدة لتيارات دينية وغير دينية معلنة وغير معلنة.
ومن أكبر وأبرز التيارات الدينية في السعودية التيار السلفي العام والذي يشكل جزءا كبيرا من المجتمع ويتكون من مدارس متعددة في آلياتها وتفريعاتها تكاد تجتمع كلها على مفهوم السلفية وأصولها المعروفة التي من أهمها تعظيم النص الشرعي من الكتاب والسنة النبوية ومرجعية المأثور من أقوال السلف ونشر العقائد السلفية القائمة على نبذ الخرافة..
وسأحاول في هذا المقال تسليط الضوء على هذا التيار وما حصل لبعض أتباعه من قصور في فهم أصوله السابقة الأمر الذي أدى إلى ضعف بعض الأطروحات السلفية وقصورها عن مواكبة النهوض الفكري والمنافسة الثقافية خاصة في عصر العولمة والسرعة والثورة المعلوماتية، حيث لم يعد هناك مجال للمتأخرين ..
السلفية تحتاج إلى عقول تستوعب تلك النصوص الشرعية والأصول السلفية وتتفاعل بها مع عصرها لتقدم حلولا مناسبة وصحيحة تجمع فيها بين الأصالة والمعاصرة، تحل فيها مشكلات الأحياء قبل أن تحل فيها مشكلات أموات قد ودعوا الدنيا و أفضوا إلى ما قدموا..
إن مظلة السلفية الصحيحة هي التي تواكب عصرها بمتغيراته وتتعامل معه،لكن هذه المظلة شكلت بعد سنوات طويلة وانفتاح على مدارس وثقافات أخرى مجموعه من المدارس الإسلامية المتنوعة في أهدافها وأولوياتها ووسائلها.(1/1)
فالسلفية العلمية المتمثلة في غالب طلاب العلم الشرعي في المملكة، وهي فئة حاضرة ومؤثرة، ولم تتأثر بأطروحات التيارات الإسلامية الحديثة لذا تجدها تتصادم وبعض الأطروحات المستجدة لاسيما في المجال السياسي والاقتصادي، ورغم أن السلفية تعد التيار الرسمي المعلن لدى الجهات الدينية الرسمية وغير الرسمية وهو الأمر الذي كان يمكن أن ينعكس بشكل إيجابي على تمدد وانتشار هذا التيار، إلا أن حساسية هذا التيار واتجاهاته العلمية التقليدية بالإضافة إلى نوعية سالبه أساءت له نتيجة مواقفها الفكرية الجامدة أو سوء تعاملها مع المخالف تسببت في انكماش تمدده وما يمكن أن نطلق عليه الفشل في تسويق السلفية المعاصرة، وقد مرت السلفية بتطورات مهمة يصر الكثير على تجاهلها فليست السلفية الموجودة اليوم هي ذاتها بكل تفاصيلها وفرعياتها سلفية شيخ الإسلام ابن تيمية ولاهي سلفية الشيخ محمد بن عبدالوهاب ولا حتى هي سلفية أئمة الدعوة في الدرر السنية بل هي سلفية خاضعة للتطور الزماني والمكاني التي تعيشه مع الأخذ بالثوابت المطلقة.
*
*
التيارات الدينية في السعودية.. السلفية الجهادية (2)
حديث الأسبوع الماضي كان بداية الحديث عن التيارات الدينية في السعودية على أن أكمله في عدة مقالات.
فالكلام السابق جاء عن السلفية التقليدية وتقوقعها على ذاتها، ونقدها أو حتى تطورها وهو كلام لا يروق للكثير رغم إقراره والعمل به من قبل بعض السلفيين وهو ما أحدث ازدواجية في بعض أطروحات المتحمسين لهذا التيار الذي ينفي التطور الحاصل له والطارئ عليه.
فالتطور في مفهوم الولاية والعلاقة بالحاكم وولي الأمر ومن ينطبق عليه والذي تجاوز الكثير من الحركات الإسلامية، هذا التطور صاحبة عجز في فهم العلاقات الدولية والقوانين الحديثة!(1/2)
ومما لا شك فيه أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر تركت علامة فارقة في أطروحات هذا التيار، وهو أمر لو استطاع أنصاره والمنتمون إليه العمل على توسيعه وتتويجه بنقد علمي داخلي وتسويقه بلغه أكثر تسامحا لو استطاعوا ذلك فإن هذا التيار مهيأ لدور أكبر وبارز بل وحاسم في مقاومة التطرف أكثر من غيرة، نتيجة العلمية الشرعية التي يرتكز عليها والبعد التاريخي له بالإضافة إلى تقاطعات في مقتضيات الاستدلال الشرعي، فكثير من أطروحات التشدد تنسب نفسها إلى السلفية بصورة أو بأخرى ومنها برز مصطلح ( السلفية الجهادية ) وهي سلفية تأخذ باختزال من نصوص السلفية العلمية المنثورة في كتب التراث دون إخضاعها لأية قراءة نقدية أو تفكيكية تراعي الظرف الزماني والمكاني لهذه النصوص، بالإضافة إلى تأثرها بحركات إسلامية سياسية كونت مزيجاً من الحركية والنص , وأدت إلى بروز ما عرف لاحقا ( بالسلفية الجهادية ) وهي سلفية لم تكن معروفة قبل هذه الفترة، أعني العقد الأخير، فالسلفية كانت واحدة وتيارا واحدا ومنطلقات واحدة.(1/3)
ولكن نتيجة اهتمام هذه الشريحة (السلفية الجهادية ) بأحاديث الجهاد والخروج والخلافة والتصاقها بميادين جهادية كأفغانستان والشيشان أو حتى صراعات أهلية داخلية كما في الجزائر، بالإضافة إلى الأصول العلمية للسلفية الجهادية التي كثيرا ما يعتذرون بها، كل هذا يمكن أن يجعل للسلفية دورا كبيرا في محاربة هذا الفكر ونشر الاعتدال والوسطية من خلال تنقية كتب السلفية من الاجتهادات الفقهية التي لا تتناسب والواقع اليوم، كما لا يمكن تجاهل إشكالية كبرى تمر بها السلفية المعاصرة من خلال الحساسية المفرطة في التعامل مع بعض المصطلحات الحديثة ك( فقه الواقع) بالإضافة إلى دخولها في سجالات فقهية جعلت منها حلبه لصراعات جانبية هي في غنى عنها، فلو أن السلفية انشغلت في أصول الدين والعقائد وتبصير الناس بلغة مناسبة وهادئة بعيدا عن المصطلحات العلمية المبثوثة في بطون الكتب والتي يمكن أن تشكل اليوم عقبة في نشر مثل هذه الأصول الشرعية الهامة، إذ إن الهدف هو تنقية أعمال المسلم من شوائب الشرك،وليس الجدالات الفقهية والخلافات الفرعية.
فهل يمكن أن تبرز دراسات سلفية علمية تعيد قراءة الإنتاج السلفي برؤية سلفية معاصرة تراعي كافة الاعتبارات وتحافظ على قدسية النص.
*
*
التيارات الدينية في السعودية.. - السرورية - (3)
بعد أن تناولت السلفية العلمية والسلفية الجهادية بات من الضروري الحديث عن (السلفية الحركية) وهو حديث بالغ الحساسية في مجتمع لم يتعود على التقسيمات الصريحة ويصر على القفز على الحقيقة بنفي التشكلات الفكرية!(1/4)
صحيح أن السعودية تخلو من أي تشكيل حزبي بالمفهوم الحركي السياسي، لكنها تُعد جزءاً من عالم يموج بالتيارات الفكرية والمنظومات الثقافية، ونظرا للبعد السلفي الكبير في المجتمع السعودي برزت تشكلات سلفية من ذات التيار السلفي العام لها تنظيمات وأهداف وأسس فكرية مختلفة،وهي على شقين أي السلفية الحركية، أبرز تلك التشكلات التي أعتبرها سلفية المرجع (المرجعية الشرعية) حركية الأفكار والتشكيل، فهي مزيج بين السلفية والإخوانية وهو ما عرف لدى المهتمين بالشأن الإسلامي بـ(السرورية) نسبة إلى محمد سرور زين العابدين وهو إخواني انشق عن الإخوان وجاء إلى السعودية للعمل كمعلم في المعهد العلمي في حائل والقصيم بعد ذلك، كان هذا في السبعينات وكان محمد سرور مؤثرا ومتأثرا في ذات الوقت فقد أثر على تيار من الشباب برؤيته الإخوانية من حيث التنظيم والحاكمية والسياسة التي لم تكن تشغل التيار السلفي حينها، وفي ذات الوقت تأثر بالأطروحات السلفية التي تسود المجتمع السعودي وهو ما ولد بعد ذلك هجيناً جديدا على الساحة الإسلامية شكل الشريان الأكبر في ما عرف بالصحوة بعد ذلك وهو(السرورية).(1/5)
ومحمد سرور الذي قد يكون ساهم بتشكل هذا التيار لا يمكن نسبة كل تطورات وانتشار وأفكار هذا التيار إليه، إذ إن السرورية تختلف عن الإخوان في تنظيمها فهي لا تعتمد على الهرمية في هيكلة وإدارة هذا التيار لاسيما الفكري منها، وما يميز التيار السروري أنه يملك رؤية دينية واضحة لكثير من الأمور لكنها ليست بالضرورة صحيحة! لكنه في نفس الوقت لا يملك رؤية فكرية وسياسية واضحة لأي قضية أو مشروع وإن كان يملك معارضة سياسية وفكرية قوية لكل ما يعتقد أنه غير متناسق مع رؤيته، دون أن يطرح بديلا متكاملا أو حتى رؤية واضحة لهذه القضايا، فهو لا يرى كما ترى السلفية في نظام الحكم وولي الأمر ولزوم الطاعة وفي نفس الوقت ليس لديه رأي الإخوان في تشكيل أحزاب سياسية فاعلة في المجتمعات.
يبقى أن السرورية اليوم تشكل القطاع الأكبر والأكثر انتشارا في المملكة على وجه الخصوص ومنطقة نجد على الأخص من ذلك، لكن يتضح للمراقب أن السرورية وإن كانت نجحت في خلق جيل مطلع محب للقراءة والمعرفة إلا أنها أخفقت كغيرها من التيارات الدينية في مجارات التحديث المتسارع للمجتمع، ما نتج عنه شبه ازدواجية بات أفراد هذا التيار يتبادلونها من خلال تقوقعهم على شكليات ورمزيات كانت فاصلة في فترة التسعينات لكنها اليوم صارت أكثر عمومية وشمولية من ذي قبل.
مما يجدر التنويه إليه أن السرورية تواجه أزمة من خلال علاقتها مع باقي التيارات فليست على وئام مع السلفية الحركية بشقها الثاني (وهو ما سنناقشه بالتفصيل الأسبوع المقبل) كما أن خلافاتها مع تيار الإخوان السعودي باتت واضحة للعيان .
*
*
التيارات الدينية في السعودية.. الجامية (4)(1/6)
لعل من المفارقات العجيبة في المجتمع السعودي أن الخصوم هم من يختارون مسميات التيارات الأخرى الناشئة في الغالب لا التيار نفسه، فلم تختر السرورية يوما أن تكون بهذا الاسم ولا حتى (الجامية) التي سوف نتحدث عنها اليوم، بل إنه نتيجة صراع بين هذه التيارات تمت تسمية كل طرف باسم الشخص الأكثر تأثيرا فيه، فأُطلقت (السرورية) و(الجامية) وإذا كنت تحدثت الأسبوع الماضي عن السرورية لأنها تمثل الشق الحركي الأول للسلفية فإن حديث اليوم سيكون عن الشق الثاني للحركية السلفية (الجامية).
وبعيدا عن صحة هذه التسمية أو حقيقتها لأن الطرح الذي أريد تسليط الضوء عليه عبر هذه السلسلة لا يقتصر على التوصيف الحركي لهذه التيارات وإنما ينصب على التشخيص والتحليل الفكري والمرتكزات الحركية والنشأة وليس التقييم لهذه التيارات.
فالجامية تُنسب في أساسها إلى الشيخ محمد أمان الجامي (رحمه الله) المدرس في المسجد النبوي والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ويُرجع المراقبون تكوّن هذا الفكر إلى أحداث كُثر في أفغانستان لا سيما الجزئية التي أشعلت الخلاف في الفرق بين (الفرقة الناجية والطائفة المنصورة) ومن تكون في أفغانستان؟ تطور هذا الخلاف بعد حرب الخليج حينما عارض بعض الدعاة المؤثرين فتوى مفتي عام المملكة وقتها الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمه الله) في جواز الاستعانة بالكفار، بالإضافة إلى بروز أصوات قوية من التيار الجامي تهاجم سيد قطب و(القطبية) تطور بعد ذلك إلى تطرف فكري برز في انشقاق الجامية من خلال خروج (الحدادين) الذين تجاوزوا بهجومهم على إرث علمي كبير بحرق كتب الإمام النووي وابن حجر وغيرهما.(1/7)
بعدها أخذ التمدد في الصراع بين الجامية ومخالفيها يأخذ حيزا اكبر في تنامي الردود والتبديع نتيجة بعض الهفوات التي كانت تُحسب على المخالفين. وللأمانة فإن الجامية ليسوا على منوال واحد في التبديع والتفسيق والردود، إذ إن الخلاف الحاد بين الجامية وخصومها أخذ يزيد من وتيرة التطرف لاسيما لدى بعض متحمسي التيار الجامي الذي بدا متأزما بشكل اكبر في قضية التبديع خاصة عندما وصل الأمر إلى حالة (الهيجان والتظاهر) التي كانت في منتصف التسعينات والتي قادها من أطلق عليهم (رموز الصحوة) أعقبها سجنهم وقتها.
(الجامية) في تشكيلها أقرب إلى السلفية العلمية منها إلى الحركية بسبب البُعد الشرعي لدى مشايخهم الذين ينتمون إلى مدرسة الحديث والاهتمام العقدي في دروسهم، لكن نظرا لكثرة أتباع تيار الصراع مع السرورية والذي بدأ يأخذ الطابع الحركي من خلال التنظيم والتجمعات وتلقي الأوامر والتمركز حول رموز بعينها، وهو الأمر الذي تحاربه الجامية ووقعت فيه!.
أعود إلى التأكيد أنها أقرب إلى العلمية بسبب أن كثيراً من المنتمين فيها هم من طلاب العلم الشرعي وإن كان حصل هناك تجاوزات من هذا التيار من خلال اتكائه على بعض منتسبيه الذين دعوا إلى التبديع والتشنيع والتحريض على من خالفها.
إلا أن الجامية كان حضورها في نهاية التسعينات أقوى منه اليوم، والسبب يرجع إلى تراجع كثير من الدعاة عن التهييج الكبير الذي كان من أصول الخلاف بين هذين التيارين والمعارضة العلنية والنصيحة التشهيرية، إذ إن الجامية ترى أن النصيحة لولي الأمر أساسها السر، كما أن الانشغال في السياسة ليس من الدين في شيء بالإضافة إلى غيرها من الخلافات.(1/8)
اليوم تعيش الجامية فترة ركود وإعادة تشكيل المنهجية العلمية الدعوية التي انطلقت منها، وترك حلبة الردود العلنية على الدعاة التي كانت العلامة التي فرقتها بشكل كبير عن السلفية العلمية، لذا فإن العودة إلى السلفية العلمية من قبل هذا التيار ربما تعطيه حظوة أكبر وفاعلية أكثر، لاسيما أن حدة الصراع باتت مغايرة لما كانت عليه في السابق لتغير كثير من المواقف وتلاشي نقاط رمزية ساخنة في الخلاف بين الجامية والسرورية.
*
*
التيارات الدينية في السعودية.. الإخوان المسلمون (5)(1/9)
إذا كان الحديث السابق عن تيارات نشأت وتطورت في السعودية فإن ثمة حركات انطبع تأثيرها على الحركة الإسلامية في العالم كله بما فيها السعودية، فحركة الإخوان المسلمين التي أسسها الإمام حسن البنا رحمه الله والتي تعد الحاضن الأكبر أو الجماعة الأم كما يحلو للبعض تسميتها كان ومازال لها حضورها على المشهد الإسلامي السعودي، هذا الحضور يُرجعه البعض إلى اللقاء الذي جمع الملك عبدالعزيز رحمه الله وحسن البنا في الحج والذي عرض فيه البنا على الملك عبدالعزيز تأسيس فرع لحركة الإخوان بالمملكة والجواب الدبلوماسي الشهير من الملك وقتها (بأننا كلنا مسلمون وكلنا إخوان)، قد يكون هذا أول لقاء جمع قيادة الإخوان بالقيادة السعودية، لكن لا أعتقد أنه يمكن الجزم أو التعويل عليه بأنه بداية الإخوان في السعودية، ومع التسهيلات الكبيرة التي كان الإخوان حصلوا عليها في الدعوة في الحج وعقد مجلس الشورى في الحج بداية الخمسينات الميلادية إلاّ أن الجميع لا يختلفون على أن الوجود الفعلي كان إبان المد الناصري وبعد حادثة المنشية عام 1954م وصدامات الإخوان فيها والتي كانت السعودية تشكل الحاضن الأمثل لهم لاسيما في ذروة دعوة التضامن الإسلامي التي أطلقها الملك فيصل والمد الناصري الذي كان يهدد الملكيات العربية، في هذه الفترة وصلت قيادات دينية وسياسية إلى المملكة واستقرت بها وحصل بعضها على الجنسية السعودية، كان للإخوان السعوديين خاصية مختلفة عن غيرهم نتيجة النظام القائم في المملكة، والذي كان يتقاطع بشكل كبير مع مفهوم البيعة للمرشد عند الإخوان المسلمين وهو الأمر الذي حاول التنظيم تجاوزه ومراعاة الخصوصية لهذا البلد، بالإضافة إلى المكاتب، والتي لم يكن في السعودية مكتب للإخوان ولا مراقب فعلياً بهذا المسمى، وإن كان الشيخ مناع القطان رحمه الله كان يشكل الأب الروحي للجماعة في المملكة ويقوم بدور المراقب العام لكنه لم يسم مراقبا للجماعة في(1/10)
السعودية، ظلت العلاقة جيدة وصار الإخوان في تمدد وازدياد وتشكلت قيادات إخوانية سعودية تمثلت في شخصيات حاضرة ومؤثرة ومتصالحة مع النظام، توترت هذه العلاقة عند قيام الثورة الإيرانية 1979م وموقف الإخوان المرحب بالثورة الذي تراجعوا عنه لاحقاً، لكن العلاقة وصلت إلى حد أعلى في التوتر بعد حرب الخليج الثانية واستعانة المملكة بالقوات الأجنبية وهو الأمر الذي عارضه الإخوان بشدة وكان بمثابة صدمة من قبل تيار الإخوان للحكومة السعودية التي كانت تنتظر موقف مساندة لها مساوياً لمواقفها مع الإخوان.
لكن الإخوان السعوديين تشكلوا من فترة مبكرة من خلال التمدد الإخواني في التعليم والمؤسسات الثقافية، وإذا اتفقنا على وجود كوادر إخوانية قديمة عملت وفق إسترتيجية تتناسب وقوانين البلد والشرعية التي يؤمن بها كثير من الإخوان للدولة السعودية والتي كان من ضمنها إعفاء إخوان السعودية من السعوديين من البيعة والارتباط التنظيمي المباشر، كما أن الخلفية السلفية لإخوان السعودية كانت محل مراعاة وإن كانت لم تنعكس بشكل كبير على مفردات الخطاب الإخواني السعودي، فهذا يعني أن هناك عدداً كبيراً من الأكاديميين ورجال الأعمال والمثقفين ممن تأثروا وانتسبوا إلى التيار الإخواني السعودي من وراء حجاب!.(1/11)
ربما بقي الإخوان في السعودية من أكثر التيارات حساسية في الظهور والتصريح بالانتماء الإخواني، رغم أن هناك أسماء كبيرة ومؤثرة ومعروفة بانتمائها أو محسوبيتها فكريا على الإخوان، وإذا كانت السرورية دخلت في صراع مع السلفية من خلال الردود المتبادلة والاتهامات إلا أن الإخوان السعوديين فضلوا الصمت دائما والعمل من خلال المنافذ المتاحة لهم فكريا ودعويا وإغاثيا من خلال مؤسساتهم أو مراكزهم العلمية والقيادية، كما أن الإخوان في السعودية حرصوا على افتعال معاركة أيديولوجية مع تيارات الحداثة والليبرالية لكسب شريحة أكبر من المجتمع المحافظ عقدياً، لكن يبقى أن هناك سؤالاً ملحاً وهو أن الفكر الإخواني مبني على المشاركة الشعبية والسياسية الفاعلة بالدرجة الأولى والتصريح العلني بالمرجعية الإخوانية وهو الأمر الذي لا يمكن أن يوصف به إخوان السعودية أو يصرحوا به، فهل التكتيك السياسي أم الإسترتيجية المغايرة أم هو ولادة فكر إخواني بنكهة سعودية هذه المرة؟!.
*
*
التيارات الدينية في السعودية.. العصرانيون (6)
إذا كان هناك قراءة للتيارات الدينية في السعودية من خلال تشكلات فكرية مضى عليها عقود من الزمن، إلاّ أن الحديث عن تيار (العصرانيين) أو التنوير الإسلامي لا يمكن أن يكتسب هذه الفترة الزمنية أو حتى المقارنة مع التيارات السابقة. غير أن الحضور الكثيف لهذا التيار عبر الإعلام والإنترنت والردود كفيل بأن يجعله محط قراءة، بالإضافة إلى التنقلات السريعة لبعض المحسوبين على هذا التيار.(1/12)
فالتيار التنويري في السعودية لا ينطبق عليه وصف التيار بسبب قلة المنتمين إليه وعدم وجود مصدر معرفي وإعلامي أو إنتاج ثقافي أو حركي يتم التعويل عليه في رصد هذا التيار، وإنما هي محاولات أفراد لا يمكن الجزم بأنها تمثل تياراً بكامله. عموما ما يهمنا أننا سوف نتحدث عن هذا التيار كما تحدثت عن التيارات السابقة ليكون ختام هذه القراءة للتيارات الدينية في السعودية.
وتيار التنوير الإسلامي السعودي كانت بداياته في منتصف التسعينات عندما غاب رموز الصحوة والعلماء المؤثرون بعد ذلك كابن باز وابن عثيمين، والذين كانت آراؤهم تشكل قطعية لدى عامة المجتمع السعودي، بالإضافة إلى فضاء الإنترنت والتواصل المعرفي مع آراء وكتابات لم يكن بالإمكان الوصول إليها قبل ذلك، وكغيره من التيارات بدا من خلال محاولات أفراد من داخل التيارات السابقة مجتمعة، برز من خلال أطروحات تنادي بمراجعة التراث وتجديد الخطاب الديني وإعادة قراءة الفلسفة وأسلمتها وإشكالات النهضة والتنمية، وكانت بداية المناداة تنصب على نقد الآراء التقليدية والتي تتضاد مع ملكة الاجتهاد المفتوحة والتي يُنظّر لها في المدرسة الدينية السعودية بالإضافة إلى نقد الموقف الرافض للفلسفة امتداداً للمدرسة الحديثية، صدرت بعد ذلك أصوات تنادي بهذه المراجعات للخطاب الديني، وزادت وتيرة هذا النداء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليطرح التيار التنويري نفسه كتيار ناقد لتيارات العنف والتطرف ومسبباته برؤية إسلامية.
لكن الأطروحات وقتها كانت غير ناضجة وتفتقر إلى المنهجية الواضحة نتيجة حداثة هذا التيار مما أوقع بعض منتسبيه السابقين في صدامات حادة مع المجتمع بالإضافة إلى الاحتكاك بين أفراد التيار ذاته.(1/13)
كما كان لإعادة قراءة التراث وكتابات الجابري بالإضافة إلى كتابات الإسلاميين الحديثة حول الديموقراطية والتنمية الأثر الأبرز على معتنقي هذا التيار، إلاّ أن مثل كتابات محمد أركون ونصر أبو زيد وعلي حرب في تفكيك النص ونقده ورفع القداسة عنه واستنساخ بعض النظريات الفلسفية الغربية الحديثة نقطة إحراج وعدم توازن لدى بعض معتنقي هذا التيار تمثلت في اندفاع بعضهم إلى ساحات التطرف العلماني والابتعاد عن الفكرة الإسلامية.
وبقي لهذا التيار منتسبوه من طلبة علم وأكاديميين ومثقفين يؤمنون بمرجعية النص وقداسته وإن اختلفوا على الأولويات التي يرى فيها البعض مجالاً لتطوير هذا الخطاب ليشمل كافة التيارات، فالتوعية الحقوقية والنهضة والتنمية هاجس لدى البعض وتجديد الخطاب الديني أولوية لدى آخرين، كما أن الوعي السياسي والسياسة الشرعية حاضرة لدى بعضهم الآخر.
يؤخذ على هذا التيار أنه ليس عنده نتاج معرفي يفيد الساحة الإسلامية ويوضح أفكاره من خلالها، ومواقفه من بعض القضايا الهامة التي تشكل محطة اتهام من قبل الكثير، كما أن طبيعة التيار الفكرية سلبت منه وجود أجندة واضحة باستثناء المعرفة والنهضة والحرية والتجديد وهي شعارات فضفاضة، لا يعتمد عليها في أي مشروع حركي.
إلا أن بعض شخصيات هذا التيار بخلاف النوعية الأولى السالبة التي تمردت على المجتمع والموروث والفكرة بقي لها أثر في الساحة المحلية، كل في مجاله.
هذا مقال الكاتب خالد المشوح الذي نشر في عدد صحيفة الوطن يوضح فيه الصدى الذي حدث نتيجة تصنيفة للتيارات الستة اعلاه
صدى سلسلة التيارات
ليس من السهل الحديث عن التيارات الدينية في السعودية لأسباب كثيرة قد يكون أولها عدم اعتياد المجتمع على تقسيمات بهذا الشكل وهذا الوضوح، ولعل هذا ما دفع بعض المحبين والناصحين بثنيي عن الكتابة والخوض في هذا البحر المتلاطم الذي ليس له حد.(1/14)
حقيقة لا أنكر أني فكرت كثيرا قبل الكتابة ليس لصعوبة الخوض في مواضيع حساسة كهذه وحسب وإنما بسبب كيفية تناول هذه التيارات بطريقة مغايرة لما كتب عنه الكثير.
لذلك سعيت أن تكون هذه القراءة من بدايتها توصيفية أكثر منها نقدية، وهو بلا شك أمر في غاية الصعوبة والحساسية أن تلبس لبوس الحياد لتيارات لك منها أصدقاء وزملاء وأساتذة ومشايخ أحياناً، لكن في كل أمر لا بد من المصارحة والعزم وحسن النية من خلال المبدأ الذي يتوافق مع توجهات الشخص ذاته، وليس آخرها أن الكتابة عن التيارات الدينية غير مقبول إطلاقا لاسيما من شخص من ذات التيار وهو الأمر الذي لامني فيه الكثير!.
ومنذ بدأت في السلسلة قبل ستة أسابيع وصلني الكثير من الاتصالات والرسائل عبر الإيميل أثناء وبعد الكتابة ونظراً لأهميتها وتواصلاً مع القراء الفضلاء الذين هم الأساس والإثراء الحقيقي للمعرفة عن طريق الآراء المتبادلة. فقد كتب الشيخ موسى أحد قضاة مدينة الرياض (هكذا عرف بنفسه) وبعث برسالة جميلة على الإيميل يقول: أخي الموفق
سلام عليكم.. تحية طيبة.. وبعد:
اطلعت على مقالك (السادس عن التيارات الدينية السعودية) وفيه النص بأنه آخر السلسلة، وهنا تساءلت.. أين بقية التيارات التي لا تقل أهمية.. مثل التبليغ.. والتصوف (الوسطي!) الذي ينادي به ويدافع عنه بعض السلفيين الحجازيين؟، على الأقل يجب عليك إكمال الحديث عن التيارات الرئيسية وهي لا تقل عن عشرة.. لأنها بهذا الشكل منقوصة، ويعتبر خللاً كبيراً في السلسلة، إلا إذا كان الأمر (أمراً) فهذا لا طاقة لكم به!. عموماً.. لعلك تعيد كتابة جميع السلسلة بشكل أوسع من ناحية الكم وتفصيل في المعلومات عن كل تيار من ناحية الشمول لجميع التيارات وليتك تنشره في كتاب. تحياتي لك ولقلمك الصريح.. الذي أرجو أن يدوم صريحاً. في أمان الله وحفظه.
أخوك: د. عيسى.(1/15)
أقول للدكتور إنني كتبت هذه السلسلة للتيارات الدينية الفاعلة على الساحة والتي تتوافر فيها المعلومة لدي بشكل واضح وتمكنني من قراءتها، أما ما اقترحه الدكتور من بعض التيارات فبالتأكيد أنه متى ما توافرت المعلومة فإني سأكتب عنها وفق ما أعتقده، وأما السؤال عن أوامر فليس له وجود وإلا لما أكملتها إلى الأسبوع السادس.
بينما بعث القارئ عبدالله مغرم رسالة أشكره عليها وعلى استمتاعه بما كتبت.
القارئ العزيز فيصل بعث مبدياً استغرابه عن موقع جماعة التبليغ من كتابات عن التيارات ولعل في إجابتي عن سؤال الدكتور عيسى ما يزيل استغرابه.
كذلك الزميل ممدوح الحوشان مدير تحرير مجلة الدعوة، ومجموعة آخرون تمنوا أن أعيد كتابة هذه السلسلة بشكل أوسع وأكبر مما هي عليه الآن، وهو مقترح بلا شك أعتز به من كتاب وزملاء مهنة.
الزميل الدكتور حمزة المزيني كتب في "الوطن" مشيدا بمقال السلفية وأنه بداية النقد الذاتي للتيارات الدينية، والذي أعتقده أن التيارات بدأت بنقد ذاتها منذ فترة طويلة ولكن ليس بهذا الوضوح والعلانية، ومع شكري للزميلة ليلى الأحدب على رأيها في السلسلة إلا أنني لا أجد اتحاد متطرفين من تزاوج الأفكار الإسلامية بل قد تتجاوز إلى نوع من التسامح إذا ما تم النظر لها من زاوية إيجابية وهو ما نحتاج إليه.
ملاحظة هامة:
ماهو مكتوب في ثنايا الكتاب من تصنيفات يعبر عن رأي كاتبة فقط(1/16)