13- نزول الحسن لمعاوية (40هـ)
عن أبى **بَكْرَة** أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن ابنى هذا سيد ، و لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين . رواه البخارى (1)
وهكذا وقع ، وتحققت النبوءة ، وأصلح الحسن بين فئتين عظيمتين ، فئة على ، وفئة معاوية ، ونزل الحسن عن الخلافة لمعاوية بعد أن قضى بها نصف عام ، وترك الخلافة لا **ل**قلة ولا لعلة ولا لذلة ، بل لحقن دماء المسلمين ، والحديث يدل على ولاية المفضول مع وجود الأفضل ، ويدل على جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى فى ذلك صلاحا للمسلمين والنزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بالمال . (انظر التفصيل فى فتح البارى )
عن أبى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة . رواه الترمذى والحاكم وأحمد (2)
14- الخلافة ثلاثون سنة
عن سفينة قال : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتى الله ملكه من يشاء . رواه أحمد و الترمذى و أبو داود (3)
ثم يقول سفينة : أمسك : خلافة أبى بكر سنتين وخلافة عمر عشرة ، وعثمان اثنتي عشرة، وعلى ستة .
قال السيوطى : لم يكن فى الثلاثين بعده صلى الله عليه وسلم إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن.
قال العلقمى : بل الثلاثون سنة هى مدة الخلفاء الأربعة فمدة خلافة أبى بكر سنتان وثلاثة أشهر وعشرة أيام ، ومدة عمر عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام ، ومدة عثمان اثنتي عشرة سنة وأحد عشر شهراً ، ومدة خلافة على أربع سنين وتسعة أشهر وسبعة أيام ثم يكون ملكاً لأن الخلافة لمن يعملون بالسنة، والمخالفون ملوك لا خلفاء أما حديث : لا يزال هذا الدين قائماً حتى يملك اثنا عشر خليفة فالمراد هنا مطلق الخلافة .
__________
(1) فتح البارى 7109
(2) الترمذى 3768 المستدرك3/166 -المسند 3/3 (صحيح - الصحيحة 796 )
(3) المسند5/220 -أبو داود 4646 - الترمذى2226 -(صحيح - الصحيحة 459-1534 )(1/1)
وللجمع بين الحديثين أنه أراد فى حديث سفينة خلافة النبوة ، ولم يقيد فى حديث جابر بن سمرة بذلك .
قال ابن تيمية : ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء وإن كانوا ملوكا ، ولم يكونوا خلفاء الأنبياء (1)
15- **مُلْك** بنى أمية - **المُلْك الجَبْرِىّ** (41-131 هـ)
معاوية بن أبى سفيان 41 هـ
عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : اذهب و**ا**دع لى معاوية قال فجئت فقلت : هو يأكل ، قال ثم قال لى اذهب فادع لى معاوية قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال : لا أشبع الله بطنه . رواه مسلم (2)
قال النووى : إنه جرى على اللسان بلا قصد ، وإنه عقوبة له لتأخره .
وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه فلهذا أدخله فى هذا الباب ، وجعله غيره من مناقب معاوية ، لأنه فى الحقيقة يصير دعاء له . اهـ
وقد انتفع معاوية بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دنياه وأخراه ، أما دنياه فعدم الشبع نعمة يرغب فيها الملوك ، وأما أخراه فكفارة وقربة تقربه إلى الله .
عن أبى هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم إنما محمد بشر ، يغضب كما يغضب البشر ، وإنى قد اتخذت عندك **عهدًا** لن **تخلفنيه** ، فأيما مؤمن آذيته أوسببته أو جلدته ، فاجعلها له كفارةً وقربة ، تقربه بها إليك يوم القيامة .
رواه مسلم (3)
عن أم حرام أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أول جيش من **أمتي** يغزون البحر قد أوجبوا ، قالت أم حرام : قلت : يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : أنت فيهم . ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم : أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ، فقلت : أنا فيهم يا رسول الله؟ قال لا . رواه البخارى (4)
يغزون البحر : يعنى الروم وهم اليونان .
__________
(1) الصحيحة 1/205 رقم 459
(2) مسلم2604
(3) مسلم 91/2601
(4) فتح البارى 2924(1/2)
أوجبوا : لأنفسهم دخول الجنة بجهادهم فى سبيل الله تعالى
مدينة قيصر : يعنى القسطنطينية ... مغفور لهم : مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة.
كان ذلك مرتين : مرة عام 27 مع معاوية حين استأذن عثمان فى غزو قبرص ، فدخلها المسلمين قسراً .
والمرة الثانية عام 52 أيام ملك معاوية ، بعث ابنه يزيد ومعه جنوده إلى غزو القسطنطينية .
والحديث **مَنْقَبَة** لمعاوية لأنه أول من غزا البحر ، و**مَنْقَبَة** ليزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر، وقيل منقبة لمعاوية لا ليزيد لأنه اشترط بأن يكونوا من أهل المغفرة .
عن عبد الرحمن بن أبى عميرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية اللهم اجعله هاديا مهديا و**اهدِ به**. رواه الترمذى و**أحمد** (1)
أى هاديا للناس دالا على الخير ، مهديا أى مهتديا فى نفسه ، واهد به : أى بمعاوية .
قيل لابن عباس ، هل لك فى أمير المؤمنين معاوية ، فإنه ما أوتر إلا بواحدة ؟ قال : أصاب . إنه فقيه رواه البخارى (2)
وهو من كتبة الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قال سعد بن أبى وقاص : **ما رأيت** أحداً بعد عثمان **أَقْضَى** بحق من صاحب هذا الباب ــ يعنى معاوية ( رواه **الليث** بن سعد )
16- يزيد بن معاوية (60)
فى عهده حدثت فتن كقطع الليل المظلم، وفيه روايات لا تكاد تحصر ، وحكايات تقشعر منها جلود الذين يخشون ربهم .
فى عهده كان مقتل الحسين . ووقعة الحرة ، ورمى الكعبة بالمنجنيق ، واستباحة حرم المدينة ، وخراب المسجد النبوى .
عن أبى ذر أنه قال ليزيد بن سفيان : سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول : أول من يغير سنتى رجل من بنى أمية . رواه **ابن** أبى عاصم (3) قيل هو يزيد .
قال الألبانى : ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة وجعله وراثة . والله أعلم .
__________
(1) الترمذى 3842 - المسند 4/216 ( الصحيحة 1969 )
(2) فتح البارى 3765
(3) الأوائل 7/2 ( الصحيحة 1749 )(1/3)
سئل **الكيا الهراسى** عن جواز لعنة يزيد بن معاوية فقال : لمالك وأبى حنيفة وأحمد بن حنبل قولان ، وليس عندنا فيه إلا قول واحد بالجواز (وفيات الأعيان2/448 -450) (الوفيات لابن قنفذ 265 -266 )
قال **ابن** تيمية : والمختار عند الأئمة : أنا لا نلعن معيناً .
وقال : ويزيد بن معاوية قد أتى أموراً منكرة ، منها وقعة الحرة وقد جاء فى **الصحيح عن ** على رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم : المدينة حرم **ما بين** عائر إلى كذا من أحدث فيها حدثاً أو آوى مَحْدِثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرف **ولا عدل ** . رواه البخارى (1)
آوى محدثاً : أجار جانياً وحماه من خصمه ... صرف ولا عدل : توبة ولا فدية .
عن سعد بن أبى وقاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أراد أهل المدينة بسوء ، أذابه الله كما يذوب الملح فى الماء . رواه مسلم (2)
ولهذا قيل للإمام أحمد : أتكتب الحديث عن يزيد فقال لا ولا كرامة ، أو ليس هو الذى فعل بأهل الحرة ما فعل .
قيل له : **إن** قوماً يقولون : إنا نحب يزيد ، فقال : وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقيل له : فلماذا لا تلعنه ؟ فقال : ومتى رأيت أباك يلعن أحداً . اهـ
قال ابن الجوزى فى كتابه **"الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد"** : أجاز العلماء الورعون لعنه .
17- بعد الستين
عن أبى سعيد الخدرى قال سمعت رسول لله صلى الله عليه وسلم يقول : يكون خَلْف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً .ثم يكون خَلْف يقرأون القرآن لا **يعدو** تراقيهم . ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن ومنافق وفاجر . قال بشير : فقلت للوليد : ما هؤلاء الثلاثة ؟ فقال : المنافق كافر به ، والفاجر يتأكل به ، والمؤمن يؤمن به . رواه أحمد والحاكم (3)
__________
(1) فتح البارى 1870
(2) مسلم 1387
(3) المسند3/38.المستدرك4/547 (صحيح المسند11360(1/4)
الوليد : تابعى...بشير : تابع التابعى....خلْف : خلْف سوء لناس لاحقين بناس أكثر منهم
وهذا الخلْف بدأ من عهد يزيد بن معاوية .
18- مقتل الحسين (61هـ)
قتل يوم عاشوراء من شهر المحرم عام (61 )الموافق يوم الجمعة ، قتله عمر بن سعد بن أبى وقاص ، وأجهز عليه خولى بن يزيد الأصبحى ، ثم حز رأسه ، وحملها بشر بن مالك إلى ابن زياد ، الذى أخذ ينكت فيها بالعود
قتل الحسين بكربلاء ، ودفن بها ، وأما رأسه فلم يعرف مكانه . وقيل دفن مع الجسد بكربلاء . وقيل بالبقيع عند قبر أمه وهو الراجح .
وأما قولهم أنها بمصر فباطل ( انظر البداية والنهاية لابن كثير ص204 )
فلما مات الحسن أخذ معاوية البيعة ليزيد من أهل الشام ، وامتنع أهل الحجاز أن يبايعوه ، وسار الحسين إلى الكوفة فبايعه 12 ألف من أهلها، ولكن سرعان ما تفرقوا كما تفرقوا عن أبيه من قبل ، وبدأ القتال حتى بقى بمفرده يقاتل شجعانهم ، ولكنهم تكاثروا عليه وطعنوه إحدى وثلاثين طعنة ، وغلب عليه العطش فسقط على الأرض وحزوا رأسه ، وكان عمره 56 سنة .
قتل مع الحسين 19 رجلا من أهل البيت ، 82 رجلا من الصحابة .
عن أم الفضل بنت الحارث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أتانى **جبريل فأخبرنى** أن أمتى ستقتل ابنى هذا يعنى الحسين ، أتانى بتربة من تربته حمراء .**رواه** الحاكم (1)
عن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أخبرنى جبريل أن حسيناً يقتل بشاطئ الفرات. يعنى بكربلاء . رواه أحمد (2)
قال جعفر الصادق : وجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة بالسيف وأربع وثلاثون ضربة .
ويعتقد الشيعة أن هذا الحديث يدل على قداسة أرض كربلاء ، ولذا فإنهم يستحبون اتخاذ قرص من أرضها للسجود عليه عند الصلاة . وهذا باطل لم يرد به نص صحيح .
قال الشاعر :
أترجو أمة قتلت حسيناً .... شفاعة جده يوم الحساب .
__________
(1) المستدرك 3/176 (صحيح الجامع 61 - الصحيحة 821 )
(2) المسند 1/85 (صحيح الجامع219 -الصحيحة1171(1/5)
قال ابن تيمية : نَقْلُ رأس الحسين إلى الشام لا أصل له . وقال : والذى ذكر العلماء أنه دفن بالمدينة
وقال : وقد دفن بدن الحسين في **مصرعه** بكر بلاء ولم ينبش ولم يمثل به .
قال القرطبى : وما ذكر من أنه فى عسقلان فى مشهد هناك أو بالقاهرة فباطل لم يصح ولا يثبت .
وقال : ما زال أهل العلم فى كل وقت وزمان يذكرون فى هذا المشهد القاهرى المنسوب إلى الحسين ، أنه كذب ، كما يذكرون ذلك فى أمثاله من المشاهد المكذوبة : مثل المشاهد المنسوبة بدمشق إلى أبى بن كعب و أويس القرنى ، أو هود ، أو نوح أو غيرهما، والمشهد المنسوب بحران إلى جابر بن عبدالله، وبالجزيرة إلى عبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عمر ونحوهما ، وبالعراق إلى على رضى اللة عنه .اهـ
قال ابن تيمية فى المنتقى ص266 : وأما يزيد فلم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل .
19-وقعة الحرة وخراب المدينة (63 هـ)
كانت وقعة الحرة عام 63 هـ بين يزيد وبين أهل المدينة ، وفيها استباح مسلم بن عقبة المدينة بأمر من يزيد ، وقتل فيها كثير من الصحابة .
عن ابن عمر قال : قال صلى الله عليه وسلم : إذا مشت أمتى المطيطاء ، وخدمها أبناء الملوك ـ أبناء فارس والروم ـ سُلِّط شرارها على خيارها . رواه الترمذى (1)
المطيطاء : مشية فيها تبختر ومد اليدين " ثم ذهب إلى أهله يتمطى "
خدمها : قال بخدمتها وإنقاد فى حضرتها .
والحديث من المعجزات فإنهم لما فتحوا فارس والروم وأخذوا أموالهم وسبوا أولادهم ، سلط الله قتلة عثمان عليه حتى قتلوه ، ثم سلط بنى أمية على بنى هاشم ففعلوا ما فعلوا .
عن أيوب بن بشير قال : قال صلى الله عليه وسلم : يقتل بهذه الأمة خيار أمتى بعد أصحابى . رواه البيهقى فى الدلائل (2)
__________
(1) الترمذى 2261 (صحيح الترمذى 1846 )
(2) كنز العمال .لم أجده إلا فى الكنز 31168(1/6)
عن أبى هريرة قال : ويل للعرب من شر قد اقترب على رأس الستين ، تصير الأمانة غنيمة ، والصدقة غرامة ، والشهادة بالمعرفة ، والحكم بالهوى . رواه الحاكم (1)
عن أبى هريرة قال : والذى نفسى بيده ليكونن بالمدينة ملحمة يقال لها الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر ، ولكن حالقة الدين ، فأخرجوا من المدينة ولو قدر بريد . رواه ابن أبى شيبة .
عن أبى هريرة قال : ليخرجن أهل المدينة من المدينة أعمر ما كانت ، نصفاً زهوا ونصفا رطبا ، قيل من يخرجهم ؟ قال : أمراء السوء . رواه ابن أبى شيبة
قال سعيد بن المسيب : ثارت الفتنة الأولى ، فلم يبق ممن شهد بدرا أحد ، ثم كانت الثانية ، فلم يبق ممن شهد الحديبية أحد ، قال وأظن لو كانت الثالثة لم ترتفع وفى الناس طباخ .
طباخ : خير ونفع .
قال البغوى : أراد بالفتنة الأولى مقتل عثمان ، وبالثانية الحرة .
ولابد من استباحة المدينة مرة أخرى آخر الزمان زمن السفيانى ، فيهاجرون إلى بيت المقدس طلبا للجهاد .
قال القرطبى فى التذكرة ص710
خراب المدينة هو وقعة الحرة ، قتل فيها بقايا **المهاجرين** والأنصار وخيار التابعين وعددهم 1700، وقتل **10.000** من أخلاط الناس سوى النساء والصبيان ، وقتل من حملة القرآن700 من قريش ، وقتل 97صبراً ، حتى خلت المدينة من أهلها وغدت الكلاب على سوارى المسجد ، ولابد أن يقع خراب المدينة أخر الزمان .
عن أبى هريرة قال : سمعت رسول لله صلى الله عليه وسلم يقول : يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافى يريد عوافى السباع والطير . رواه البخارى ومسلم (2)
قال محمد فؤاد عبد الباقى : أن هذا الترك للمدينة يكون فى آخر الزمان عند قيام الساعة . اهـ .
على خير ما كانت : من العمارة وكثرة الثمار وحسن المنظر .
يغشاها : يسكنها ويأتى إليها .
__________
(1) المستدرك 4/483 وقال صحيح على شرط الشخين ولم يخرجاه .
(2) فتح البارى 1874 -مسلم 499/1389(1/7)
**العوافي** : هى التى تطلب القوت والرزق من الدواب والطير .
عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب أو الذئب فيُغَذِّى على بعض سوارى المسجد .أو على المنبر ، فقالوا يا رسول الله فلمن تكون الثمار ذلك الزمان ؟ قال : للعوافى . الطير والسباع .
رواه مالك (1)
فيغذى : أى يبول دفعة بعد دفعة . ... العوافى : الطالبة لما تأكل .
قال القاضى عياض : هذا فما جرى فى العصر الأول وانقضى ، قال : وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم فقد تركت المدينة على أحسن ما كانت حين . انتقلت الخلافة عنها إلى **الشام** والعراق ، وذلك الوقت أحسن ما كانت للدين والدنيا ، أما الدين فلكثرة العلماء وكمالهم ، وأما الدنيا فلعماراتها وغرسها واتساع حال أهلها . اهـ
وسيخرج الناس من المدينة زمن السفيانى مهاجرين إلى بيت المقدس طلباً للجهاد .
20-رأس السبعين
عن أبى هريرة قال صلى الله عليه وسلم : تعوذا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان .
رواه أحمد (2)
أى من فتنة تنشأ فى ابتداء السبعين من تاريخ الهجرة . ومن حكومة الصغار الجهال كيزيد بن معاوية وأولاد الحكم بن مروان وأمثالهم .
عن أبى هريرة قال صلى الله عليه وسلم : هلكة أمتى على يدى غلمة من قريش قال مروان : **لعنة** الله عليهم غلمة . فقال أبو هريرة : لو شئت أن أقول : بنى فلان وبنى فلان لفعلت . فكنت أخرج مع جدى إلى بنى مروان حين ملكوا بالشأم ، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا عسى هؤلاء أن يكونوا منهم ؟ قلنا : أنت أعلم . رواه البخارى (3)
قال ابن حجر فى الفتح13/10 : الغلام : من نبت له شعر .
__________
(1) المموطأ صـ888 (كتاب الجامع 8)
(2) المسند 2/326 (صحيح المسند 8303 )
(3) فتح البارى 7058(1/8)
بنى فلان . وكأن أبا هريرة كان يعرف أسماءهم . وهم : يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد ومن تنزل منزلتهم من أحداث ملوك بنى أمية ، الذين قتلوا أهل البيت ، وخيار المهاجرين والأنصار ، وغير خاف ما صدر عن الحجاج وسليمان بن عبد الملك وولده من سفك الدماء .
فكنت أخرج مع جدى : قائل ذلك عمرو بن يحى بن سعيد .
ويؤخذ من هذا الحديث استحباب هجران البلدة التى يقع فيها إظهار المعصية فإنها سبب وقوع الفتن التى ينشأ عنها عموم الهلاك .
قال ابن حجر : يتعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين مع أن الظاهر أنهم من ولده ، فكأن الله تعالى أجرى ذلك على لسانه ليكون أشد فى الحجة عليهم لعلهم يتعظون .وقد وردت أحاديث فى لعن الحكم والد مروان وما ولد .
عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين ، أو لست وثلاثين ، أو لسبع وثلاثين ، فإن يهلكوا فسبيل من هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً . قلت : أمما بقى أو مما مضى ؟ قال مما مضى .
رواه أحمد وأبو داود والحاكم (1)
تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين .
**اعلم** أن العلماء اختلفوا فى بيان معنى دوران رحى الإسلام على قولين : الأول أن المراد منه استقامة أمر الدين واستمراره وهذا قول **الأكثرين** ، و الثانى أن المراد منه الحرب والقتال وهذا قول الخطابى و البغوى أى شبهها بالرحى الدائرة التى تطحن لما يكون فيها من قبض الأرواح وهلاك الأنفس .وهذا القول رحجه شمس الحق آبادى .
وقيل : المراد بدوران رحى **الإسلام** استمرار أمر النبوة والخلافة واستقامة أمر الولاة وإقامة الحدود والأحكام من غير فتور ولا فطور إلى سنة خمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين من الهجرة .
وقيل : من الزمان الذى بقيت فيه من عمره صلى الله عليه وسلم خمس سنين أو ست سنين .
__________
(1) المسند 1/390 - أبو داود 4254 - المستدرك 3/114 ( الصحيحة 976 )(1/9)
وإن كان أراد سنة خمس وثلاثين من الهجرة ففيها خرج أهل مصر وحصروا عثمان رضى الله عنه ، وإن كانت سنة ست وثلاثين ففيها كانت وقعة الجمل ، وإن كانت سنة سبع وثلاثين ففيها كانت وقعة صفين .
فإن يهلكوا فسبيل من هلك : يعنى يهلكوا بالتغيير والتبديل والتحريف والخروج على الإمام **وبالمعاصى** والمظالم وترك الحدود وإقامتها ، فسبيلهم فى الهلاك بالتغير والتبديل والتحريف والوهن فى الدين سبيل من هلك من الأمم السالفة .
إن يقم لهم دينهم : أى لعدم التغيير والتبديل والتحريف والوهن يقم لهم سبعين عاماً من أول دولة الإسلام لا من انقضاء خمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين إلى انقضاء سبعين .
انقضت مدة الخلافة فى خمس وثلاثين سنة . وكان بين مبايعة الحسن بن على ومعاوية إلى انقضاء ملك بنى أمية سبعين سنة .
واستقامة حال الإسلام خمس وثلاثين من فتح **مكة إلى** نهاية خلافة الخلفاء الراشدين
عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية .
رواه البخارى ومسلم (1)
أى من سعى فى حل عقد البيعة فإنه يموت كما يموت أهل الجاهلية من الضلال والفرقة وليس لهم إمام يطاع
**والسلطان** لا ينعزل بالفسق ولكن بالكفر الصريح
21- بنو أبى العاص
عن أبى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا ، اتخذوا عباد الله خولاً ومال الله دولا ، ودين الله دخلاً . رواه أحمد والحاكم (2) واللفظ له
خولاً : خدماً وعبيداً .يعنى أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم .
دولاً : هو ما يتداول من المال ، فيكون القوم دون قوم .
دخلاً : أى أدخلوا فى الدين أموراً لم ترد بها السنة .
22-الحجاج الثقفى ومقتل ابن الزبير (73 هـ)
__________
(1) فتح البارى 7143 - مسلم 1849
(2) المسند 3/80 -المستدرك 480 ( الصحيحة 744 )(1/10)
لما مات معاوية بن يزيد بايع أهل الآفاق ابن الزبير ولم يتخلف عن بيعته إلا بنو أمية ومن يهوى هواهم ومكث فى الخلافة تسع سنين ، ثم جهز له عبد الملك فحاصره الحجاج الثقفى وقتله عام73 هـ ثم اجتمع الناس على عبد الملك .
وقتل الحجاج 142 ألف نفس صبراً ، غير ما قتل فى المحاربات .
وأهان جماعة من الصحابة وختمهم فى رقابهم ومنهم أنس بن مالك .
ودس على ابن عمر من ضربة بحربة مسمومة فقتله . وكان الحجاج حينئذ أميراً على العراق والحجاز .
عن الزبير بن عدى قال : أتينا أنس فشكونا إليه ما يلقْون من الحجاج فقال : اصبروا فإنه لا يأتى عليكم زمان إلا الذى بعده أشر منه ، حتى تلقوا ربكم ، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم . رواه البخارى (1)
قال ابن حجر فى الفتح : قال ابن بطال هذا الخبر من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وسلم بفساد الأحوال ، وذلك من الغيب الذى لا يعلم بالرأى وإنما يعلم بالوحى . اهـ
الحجاج : هو ابن يوسف الثقفى ، يشكون من ظلمه لهم وتعذيبه .
حتى تلقوا ربكم : حتى تموتوا .
ولكن من الملاحظ أن بعض الأزمنة تكون فى الشر دون التى قبلها ، ولذلك حمله الحسن البصرى على الأغلب عندما سئل عن زمن عمر **بن عبد العزيز** بعد الحجاج ، فقال : **لابد** للناس من تنفيس .
وقيل تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر ، فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة أحياء ، وفى عصر عمر بن العزيز انقرضوا ، والزمان الذى فيه الصحابة خير من الزمان الذى بعده .
وقد فسره ابن مسعود فقال : لا يأتى عليكم يوم إلا وهو أقل علماً من اليوم الذى مضى قبله ، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون . ورجحه ابن حجر ، أما زمن عيسى فله حكم مستأنف .
قال **ابن** تيمية : فد علم أهل النقل كلهم أن الحجاج لم يقتل أحداً من بنى هاشم
(رأس الحسين لابن **تَيْمِيَّة** صـ182 )
__________
(1) فتح البارى 7068(1/11)
وفى زمن بنى مروان قتل زيد بن على بن الحسين وصلب وحرق بالنار وقتل ابنه يحى
وفى زمنهم شربت الخمور وصلوا بالناس وهم سكارى .
23- استحلال البيت الحرام 73
استبيحت الكعبة فى زمن يزيد بن معاوية ورماها الحجاج بالمنجنيق عام73
ولا يستحل البيت إلا أهله ، وأهله هم المسلمون ، فإذا استحلوه فإنه يصيبهم الهلاك .
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يبايع لرجل بين الركن والمقام ، ولن يستحل البيت إلا أهله ، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب ، ثم تأتى الحبشة فيخربونه خراباً لا يَعْمُر بعده أبداً ، وهم الذين يستخرجون كنزه . رواه أحمد (1)
وقد حدث القتال فى مكة مرات عديدة ، وأعظم ذلك ما وقع من القرامطة فى القرن الرابع الهجرى ، حيث قتلوا المسلمين فى المطاف ، وقلعوا الحجر الأسود ، وحملوه إلى بلادهم ، ثم أعادوه بعد مدة طويلة ، ومع ذلك لم يكن ما حدث معارضا للآية الكريمة (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا) (العنكبوت :67 ) لأن ذلك إنما وقع بأيدى المسلمين و المنتسيبن إليهم فهو مطابق لما جاء فى رواية الإمام أحمد من أنه لا يستحل البيت الحرام إلا أهله ، فوقع ذلك كما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم ، وسيقع ذلك آخر الزمان لا يعمر مرة أخرى حين لا يبقى على ظهر الأرض مسلم . ( انظر فتح البارى 3 / 461 ـ 462 )
فقد استباح البيت الحرام جماعة من الجماعات عام 1400 هـ .
واستباحها أيضا جماعة من الإيرانيين عام 1407هـ . وستستباح قبل ظهور المهدى .
وآخر من يستبيحها ذو السويقتين من الحبشة فى آخر الزمان .
24-دولة بنى العباس ( 132هـ-658هـ)(الملك العضوض )
ما جرى فى دولة بنى العباس من المحن والبأس .
1- الرايات السود التى جاء بها بنو العباس حين استلبوا الملك من بنى أمية عام ... 132هـ
2- قتال أهل المدينة .
__________
(1) المسند 2/312 ( الصحيحة 579 )(1/12)
3- قتل محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن المثنى بن الحسن السبط بن على ... بن أبى طالب .
4- **قتل** جماعة من أتباع على .
5- **حبس** جعفر الصادق زمن المنصور .
6- **قتل** كثير من العلماء وتكليفهم القول بخلق القرآن عام 218 و**تعذيب** الإمام أحمد ... وذلك زمن المأمون الذى تزعم هذه المقالة وناصرها وتبع فى ذلك الجهمية والمعتزلة ... الذين روجوها عنده حتى امتحن بسببها علماء الإسلام ووقع على المسلمين بلاء ... عظيم ، واستمرت هذه الفتنة إلى زمن المعتصم والواثق .
25- فتنة الفاطمية ( القرن الرابع )308 هـ
استولى الفاطميون على المغرب ومصر نحوا من ثلاثمائة سنة و اظهارهم الرفض ونصرهم مذهب الباطنية وإلحادهم فى الدين .
واستولوا على مصر عام 308 هـ وبداية دولتهم بمصر عام 358 هـ .
ومن فتنهم التى بدأت من عام 464 إلى عام 648 هـ .
1-بنى الحاكم داراً للفقهاء والمحدثين وبعد ثلاث سنين هدمها وقتلهم .
2-جمع الحاكم 2660 جارية وحبسهن فى قصر إلى أن متن كلهن ، وبعد ستة أشهر ... أضرم عليهن النار فأحرقهن بثيابهن وحليهن .
3-أمر الحاكم بسب الصحابة .
4-نهى الحاكم عن أكل الملوخية والجرجير وعلل تحريمهما بأن معاوية كان يميل إلى ... الملوخية وعائشة إلى الجرجير .
5- نهى عن بيع العنب والرطب .
6- أمر النصارى واليهود بالدخول فى الإسلام كرها وخرب كنائسهم ثم أمرهم **بالعودة** إلى أديانهم ثم أعاد بناء كنائسهم .
7- ادعى الربوبية وكتب : باسم الحاكم الرحمن الرحيم ، واجتمع حوله الجهال ... ونادوه باسم الإله **وقالوا** : يا واحد يا أحد يا محي يا مميت .
8- صنف له الباطنية كتاباً ذكر فيه أن روح آدم انتقل إلى علىّ ثم إليه ، وقرىء ... هذا الكتاب بجامع القاهرة .
9-أباح الخمر والزنا .
وكان نفيهم على يد صلاح الدين الأيوبى عام 464 واستولى على الأمر أتباعهم الجراكسة عام922 ثم غلبهم ملوك عثمان ثم ظهرت فتنة القرامطة الذين استحلوا الحرم واستهانوا بالدين .(1/13)
26- ظهور الشرك فى هذه الأمة
هذا من العلامات التى ظهرت ، وهى فى ازدياد فقد وقع الشرك فى هذه الأمة ولحقت قبائل منها بالمشركين وعبدوا الأوثان ، وبنو المشاهد على القبور وعبدوها من دون الله ، وقصدوها للتبرك والتقبيل والتعظيم ، وقدموا لها النذور ، وأقاموا لها الأعياد ، وكثير منها بمنزلة اللات **والعزى** و مناة ، أو أعظم شركاً.
عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا وضع السيف فى أمتى لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتى بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتى الأوثان) رواه أبو داود (1)
تلحق قبائل من أمتى بالمشركين : منها ما وقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فى خلافة الصديق
الأوثان : الأصنام .
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى تضطرب ألَيَاتُ نساء دَوْس حول ذى الخَلَصَة رواه البخارى (2)
الأليات : الأعجاز والمراد يضطربن من الطواف حول ذى الخلصة أى يكفرون ويرجعون إلى عبادة الأصنام وتعظيمها .
ذو الخلصة : طاغية دوس التى كانوا يُعبدون فى الجاهلية .
ودوس : قبيلة من اليمن .
__________
(1) ابو داود 4252 - ( الصحيحة 1683 )
(2) فتح البارى 7116 -مسلم 2906(1/14)
وقد وقع ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم : فى هذا الحديث فإن قبيلة دوس وما حولها من العرب قد افتتنوا بذى الخلصة عندما عاد الجهل إلى تلك البلاد فأعادوا سيرتها الأولى وعبدوها من دون الله حتى قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بالدعوة إلى التوحيد ، وجدد ما اندرس من الدين ، وعاد الإسلام إلى جزيرة العرب ، فقام الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمه الله وبعث جماعة من الدعاة إلى ذى الخلصة فخربوها وهدموا بعض بنائها ولما انتهى حكم آل سعود على الحجاز فى تلك الفترة عاد الجهال إلى عبادتها مرة ثانية ، ثم لما استولى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله على الحجاز أمر عامله عليها فأرسل جماعة من جيشه فهدموها وأزالوا أثرها ولله الحمد والمنة(انظر اتحاف الجماعة1/522 -533 )
عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات و العزى ) فقلت : يا رسول الله ، إن كنت لأظن حين أنزل الله : ( هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (الصف :9 ) أن ذلك تاماً ، قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحاً طيبة فَتَوَفىَّ كل من فى قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين **آبائهم** . رواه مسلم (1)
لا يذهب الليل والنهار : أى لا ينقطع الزمان ولا تأتى القيامة .
ومظاهر الشرك كثيرة فليست محصورة فى عبادة الأحجار والأشجار والقبور ، بل تتعدى ذلك إلى اتخاذ الطواغيت أنداداً مع الله تعالى ، يشرعون للناس من عند أنفسهم .
__________
(1) مسلم 2907(1/15)
ويلزمون الناس بالتحاكم إلى شريعتهم وترك شريعة الله فينصبون أنفسهم آلهة مع الله تعالى وتقدس ، كما قال تعالى : (اتخذوا أحبارهم **ورهبانهم** أرباباً من دون الله) "التوبة :31" أى : جعلوا علماءهم وعبادهم **آلهة** يشرعون لهم فإنهم اتبعوهم فيما **حللوا وحرموا** ( انظر ابن كثير 4/77 )
وإذا كان هذا فى التحليل والتحريم فكيف بمن نبذوا الإسلام وراءهم ظهريا ، واعتنقوا المذاهب الإلحادية : من علمانية وشيوعية واشتراكية وقومية ثم يزعمون أنهم مسلمون .
فتنة القرامطة (311 هـ)
قتل أبو طاهر القرمطى الحجاج فى المسجد الحرام ، وطرح القتلى فى بئر زمزم ، وضرب الحجر الأسود فكسره ثم اقتلعه وأخذه معه عام 320 هـ فى خلافة المقتدر ، واستمر عندهم أكثر من عشرين سنة ، وأعيد خلافة المطيع
استهان القرامطة بالدين وأحلوا الحرام
صعد القرمطى المنبر وقال : أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا .
فتقطع جسده بالجدرى .
ظهور الرافضة
الرافضة هم فرقة من فرق الشيعة سموا بالرافضة لأنهم **رفضوا** زيد بن على ، فاستبدوا بالملك ، وأظهروا الطعن واللعن على السلف الصالح والصحابة ، وقتلوا العلماء ، ونبشوا قبورهم . والقرآن يقضى بكفرهم فى قوله تعالى : ليغيظ بهم الكفار .
استبد الرافضة بالملك وإظهار الطعن واللعن على جناب الصحابة الكرام وهذا أعظم الفتن وأشد المحن وموت السنن .
وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة أن يلعن آخر هذه الأمة أولها ، وقد وقع وقوعاً لا يخفى على أحد من الناس عرباً كانوا أو عجماً .
ومن فتنتهم **أنهم** قتلوا العلماء بأكثر البلاد حتى استولوا على بغداد وشيراز وغيرهما .
وهم يملكون بلاد الإسلام كأصفهان . ومن رؤسائهم نصير الدين الطوسى الذى كان ذا منزلة عند **هولاكو** قائد التتار .(1/16)
قال ابن القيم فى كتابه **إغاثة** اللهفان : لما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر والإلحاد وزير الملاحدة الطوسى وزير **هولاكو** ، شفى نفسه من أتباع الرسول وأهل دينهم فعرضهم على السيف حتى شفا **إخوانه** من الملاحدة واشتفى هو فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدثين ، واستبقى الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين والسحرة ، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط اليهم ، و**جعلهم** خاصته وأولياءه ، ونصر فى كتبه قدم العالم ، وبطلا المعاد ، وإنكار صفات الرب جل جلاله من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره ، واتخذ للملاحدة مدارس ، ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا فكان القرآن فلم يقدر على ذلك ، فقال : هى قرآن الخواص ، وذلك قرآن العوام ، ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين فلم يتم له الأمر ، وتعلم السحر فى آخر الأمر فكان ساحراً يعبد الأصنام . اهـ
وتوفى فى ذى الحجة سنة 672 هـ .
27- نار بالحجاز (654 هـ)
عن أبى هريرة قال صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضىء أعناق الإبل **ببُصْرِى** . رواه البخارى ومسلم (1)
**بُصْرَى** : مدينة بالشام تسمى حوران
وقد ظهرت هذه النار وبقيت أياماً ، وكان نساء المدينة يغزلن على ضوئها (2)
__________
(1) فتح البارى 7118 -مسلم 2902
(2) فتح البارى13/84(1/17)
خرجت هذه النار من جانب المدينة الشرقى وحدثت قبلها زلزلة عظيمة ثم خرجت **بقُرَيْظَة** عند قاع التنعيم بطرف الحرة ليلة الأربعاء بعد العشاء من **جمادى** الآخرة عام654 هـ واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة وكان يحيط بالنار ثرى فى صورة البلد العظيم عليها سور يحيط بها شرفات وأبراج ومآذن ويُرى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته ويخرج من مجموع ذلك نهر أحمر ونهر أزرق له دوى كدوى الرعد يأخذ الصخور والجبال بين يديه وينتهى إلى البحر محط الركب العراقى و انتهت النار إلى قرب المدينة وكان يلى المدينة نسيم بارد ويشاهد من هذه النار غليان كغليان البحر وانتهت إلى قرية من قرى اليمن فأحرقتها ، وقد رئيت من مكة ومن جبال بصرى .
قال أبو شامة : فى سنة أربع وخمسين وستمائة فى يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة ظهرت نار بأرض المدينة النبوية فى بعض تلك الأودية طول أربع فراسخ وعرض أربعة أميال تُسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك ثم يصير كالفحم الأسود وأن ضوءها كان الناس يسيرون عليه بالليل إلى تيماء وأنها استمرت شهراً وقد ضبط ذلك أهل المدينة وعملوا فيها أشعاراً
ويقول ابن كثير : أخبرنى قاضى القضاة صدر الدين على بن القاسم عن والده صفى الدين مدرس الحنفية ببصرى أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة ممن كان بحاضرة بلدة بصرى أنهم شاهدوا أعناق الإبل فى ضوء هذه النار التى ظهرت من أرض الحجاز .
قال النووى : تواتر العلم بها عند جميع أهل الشام وسائر البلدان .
28- زوال ملك العرب(923هـ)
زوال ملك العرب بزوال الملك عن بنى العباس.
عن طلحة بن مالك قال : من اقتراب الساعة هلاك العرب . رواه الترمذى (1) وهو ضعيف ولكن قد تحقق وزال ملك العرب بزوال الملك عن بنى العباس .
وبعدها بدأت الدولة العثمانية من 924 -إلى1342 هـ أى عام1924 م وهو عام زوال الخلافة الإسلامية .
__________
(1) الترمذى 3929 (ضعيف -مشكاه 5991 )(1/18)
29- احتراق المسجد النبوى924 هـ
احترق المسجد النبوى ليلة الجمعة أول ليلة من رمضان بعد صلا ة التروايح على يد الفراش بسقوط زبالة من يده ، فأتت النار على جميع سقوفة
ووقعت بعض سواريه وذاب الرصاص واحترق سقف الحجرة الشريفة ووقع بعضه فى الحجرة .
قال الشاعر :
لم يحترق حرم النبى لريبة تخشى عليه ولا دهاه العار .
لكنه أيد الروافض لامست ذاك الجناب فطهرته النار .
وكان احتراقه زمن الدولة العثمانية (924 هـ -1342 هـ) .
30-الفتوحات
غزو جزيرة العرب واليمن والشام والعراق
عن أبى جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجد بيوتكم كما تنجد الكعبة ، فأنتم اليوم خير من يومئذ . رواه الطبرانى (1)
تنجد : تزين .
عن أبى نافع بن عتبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ، ثم فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله ، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله . رواه مسلم (2)
الخطاب للصحابة والمراد الأمة
بدأ غزو جزيرة العرب فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عن سفيان بن أبى زهير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تفتح اليمن فيأتى قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، وتفتح الشأم ، فيأتى قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، وتفتح العراق فيأتى قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون . رواه البخارى ومسلم (3)
والحديث يدل على فضل المدينة على أهل اليمن والشام والعراق ، وهو أمر مجمع عليه
__________
(1) الطبرانى - الصحيحة 1883
(2) مسلم 2900
(3) فتح البارى 1875 - مسلم 1388(1/19)
وهذه معجزة ظاهرة لإخباره بفتح الأقاليم وأن الناس يتحولون إليها بأهليهم ويفارقون المدينة ، ولو لازموها لكان خيراً لهم ، وقد كان كله علا الترتيب المذكور ، وقيل يسوقون مسرعين إلى هذه البلاد .
يبسون : يزينون لأهليهم البلاد التى تفتح ليتحولوا إليها للإقامة والسكنى .
يتحملون : يحملون زوجاتهم وأبناءهم .
فتحت اليمن فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وفى أيام أبى بكر .
وبدأ فتح الشام عام 67 هـ .
وبدأ فتح العراق عام72 هـ .
عن عبد الله بن **حوالة** أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة ، جند بالشام ، وجند باليمن ، وجند بالعراق ، عليك بالشام ، فإنها خيرة الله من أرضه ، يَجْتبَى إليها خيرته من عباده ، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم ، واسقوا من غُدُرِكم ، فإن الله توكل لى بالشام وأهله . رواه أحمد و ابو داود (1)
جنوداً مجندة : مختلفة وقيل مجتمعة . والمراد ستصيرون فرقاً ثلاثة .
أبيتم : امتنعتم من التزام الشام .
غدركم : الغدير هو الحوض .أى القطعة من الماء يغادرها السيل .
عن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة .رواه مسلم (2)
الغرب : العرب ... والغرب : الدلو الكبير وهو من اختصاص العرب وقيل الغرب من الأرض. وقيل من هم بالشام . وقيل من هم ببيت المقدس .
عن أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله اسقبل بى الشام ، وولى ظهرى اليمن ، ثم قال لى : يا محمد إنى قد جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقاً ، وما خلف ظهرك مدداً ، ولا يزال الله يزيد الإسلام وأهله ، وينقص الشرك وأهله ، حتى يسير الراكب بين كذا -يعنى البحرين -لا يخشى إلا جوراً ، وليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل .
رواه أبو نعيم (3)
مصر(20هـ)
__________
(1) المسند 4/110 - أبو داود 2483 -(صحيح الجامع 3659 )
(2) مسلم 1925
(3) الحلية 6/107 (صحيح - الصحيحة 35 )(1/20)
عن أبى ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنكم ستفتحون مصر وهى أرض يسمى فيها القيراط ، فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحما ( أو قال : ذمة وصهراً ) ، فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها فى موضع لبنة ، فاخرج منها قال فرأيت عبد الرحمن بن **شُرَحْبيل بن حَسَنَة** وأخاه ربيعة ، يختصمان فى موضع لبنة ، فخرجت منها . رواه مسلم (1)
ذمة : حرمة وحق .
رحماً : قرابة لأن هاجر أم **إسماعيل** منهم . وصهرا : الصهر لكون مارية أم ابراهيم منهم.
يختصمان : يتنازعان . ... لبنة : طوبة .
وقد افتتحها عمرو بن العاص عام20 هـ أيام عمر بن الخطاب .
القيراط : جزء من أجزاء الدينار والدرهم.وهو نصف عشر دينار .
قال القاضى : أى يكثر أهلها ذكر القراريط فى معاملاتهم لتشددهم فيها ، وقلة مروءاتهم .
قال الطحاوى : القراريط كلمة يذكر أهلها فى المسابة ويقولون أعطيت فلاناً قراريط أى أسمعته المكروه .
قال **مُلاَّ عَلِيّ القَارِى** : ومعنى الحديث أن القوم لهم دناءة وخسة أو فى لسانهم بذاء وفحش . وقال فإذا استوليتم على أهلها وتمكنتم منهم فأحسنوا إلى أهلها بالصفح والعفو عما تنكرون، ولا يحملنكم سوء أفعالهم ، وأقوالهم على **الإساءة** ، فإن لأهلها ذمة أى حرمة وأماناً من جهة ابراهيم ابن النبى صلى الله عليه وسلم : ورحماً أى قرابة من هاجر أم **إسماعيل** عليه السلام ، فإن هاجر ومارية كانتا من القبط .فإذا رأيتم رجلان يختصمان فى موضع لبنة وهى الآجر قبل طبخة . فاخرج **يا أبا** ذر من مصر. ولعله صلى الله عليه وسلم خص الأمر به شفقة عليه من وقوعه فى الفتنة لو أقام بينهم ، وقد وقعت الفتنة فى آخر عهد عثمان حين عتبوا عليه ولاية ابن أبى السرح أخيه من الرضاعة ، فخرج المصريون على عثمان أولاً ،
وقتلوا محمد بن أبى بكر ثانياً وهو والٍ عليهم من قبل على .
__________
(1) مسلم 2543(1/21)
أو علم أن فى طباع سكانها خسة فإذا تخاصموا تحرز عن مخالطتهم وتجنب مساكنتهم (المرقاة 11/4 ).(1/22)