كتاب
*****
التصوف .. بين .. التسنن والإلحاد
التعريف بمؤلف الكتاب :.............................................................. 3
تفسير سورة الفاتحة : ..................................................................7
المقدمة : ...............................................................................14
الفصل الأول : الصوفية وتوحيد رب البرية..............................................18
الفصل الثانى : أقسام التوحيد عند الصوفية ........................................... 53
الفصل الثالث : البلاد التى عشش فيها التصوف وانتشر .............................. 65
الفصل الرابع : التصوف وبدء ظهوره ومنشأه ......................................... 73
الفصل الخامس : التصوف وإفساد العقيدة الإسلامية ...................................77
الفصل السادس : مدارس التصوف المشهورة وأهم الطرق الصوفية وأكثرها انتشاراً........85
الفصل السابع : أشهر دعاة التصوف وأشهر طبقات رجاله .. ..........................94
الفصل الثامن : مصادر التلقى عند الصوفية وإبتداعهم وأذكارهم .......................102
الفصل التاسع : تنفيرهم من الزواج وعمالتهم للغرب ومداهنتهم للمحتل................130
التعريف بمؤلف الكتاب :-
هو الداعية : أحمد بن محمد السعيد العزيزى الميصرى
سبط الشيخ أحمد جمال الدين بن عبد المجيد بن أحمد القشيرى
شيخ عزبة القشيرى بمحافظة المنيا وعالمها رحمه الله تعالى
ولد الشيخ أحمد بمركز ملوى محافظة المنيا ببيت علم وأدب وفقه بيت جده السالف الذكر والذى كان يعمل وقتها كاتب صحة ملوى .. وكان ميلاده فى شعبان سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وتسعون هجرياً سبتمبر من عام ألف وتسعمائة وثلاث وسبعون ميلادياً .(1/1)
قرأ القرآن فى كتّاب الشيخ عبد الرحيم موسى الغزاوى وقرأ عليه رحمه الله وعلى ولده الشيخ محمود الغزاوى شيخ معهد أبوقرقاص الأزهري وقارئ عزبة القشيرى وكان فى الحلقة معه ولد الشيخ محمود الأكبر واسمه مصطفى .
وكذا قرأ على الشيخ عبد الرشيد وولده الشيخ فوزى عبد الرشيد وقرأ على الشيخ سيد البلنصورى بدار جده بعزبة القشيرى وتلقى الكثير من علوم القرآن عن جده شيخ عزبة القشيرى . إذ كان ابن دقيق عصره ووريث علم العالم الإمام رحمه الله تعالى .
وإلتحق بالأزهر الشريف وقرأ على الشيخ متولى جاد عوض والشيخ طه مدكور والشيخ عبد اللطيف إمام مسجد خاتم المرسلين وقتئذ . درس العربية والحديث على الشيخ محمد أبو الحسين شيخ معهد بنى خالد وخطيب ملوى المفوه وعالمها حفظه الله تعالى وأطال فى الطاعة عمره ثم على الأستاذ كامل البحيرى وكان طالباً لبيباً وكان يقرأ القرآن فى الإذاعة المدرسية وكذا يرأس جميع الأنشطة الطلابية بمعهده ويشارك فى المعسكرات الكشفية . ودرس فى مراحله الأولى بالأزهر الفقه الحنفى على الشيخ محمد سلمان والتجويد على الشيخ حافظ الصعيدى وحفظ التحفة العنبرية وبعض متن الجزرية ودرس السيرة على الشيخ حسين سلاّم
والتفسير على الشيخ رزق عبد التواب والحساب على الأستاذ حسن كمال والتاريخ الإسلامى والمصرى على الأستاذ كمال مغيث والأستاذ حسن على . وتربى فى أحضان ورعاية شيوخ الجمعية الشرعية آنذاك الشيخ فاروق إسماعيل والشيخ حسين الراضى وكانا أصدقاء والده وخاله وكذا تعلم من الشيخ أسامة العوضى الداعية المشهور وهو فى المرحلة الإبتدائية .
وكان فى هذا الوقت فى خدمة شيخه ومعلمه فضيلة الشيخ محمد عبد السميع محفظه فى هذا الوقت هو والشيخ عبد الخالق شيخ مسجد الحاج صالح .
وكان دائم التفوق فى العلوم الشرعية والأدبية يكتب الشعر والقصص من بداية المرحلة الإعدادية .(1/2)
وكان كثير التنقل والسفر بين الجيزة حيث منزل الأسرة وملوى حيث دراسته بالمعهد الأزهرى هناك .
وحفظه الله تعالى بأن تزوج فى العشرين من عمره فجمع الله عليه عقله ولبه فلله الحمد والمنه.
وخرج فى سبيل الله للدعوة والسماع من العلماء والشيوخ وعبر عن هذه المرحلة من عمره بأنها ميلاده الجديد وبدء حياته العملية .
فسمع من الشيخ : فريد العراقى وأشاد به مراراً, وسمع من الشيخ : عبد المنعم عبد الله ,والشيخ : طه عبد الستار ,والشيخ الدكتور : شكرى عرفة وأخاه فضيلة الشيخ : سعيد عرفة ,وكذا سمع من الشيخ : حسن نصر ,والشيخ : مكروم رحمه الله ,والشيخ : رجب بدر ,وسمع من الشيخ : محمد السعيد شيخ حلوان, والشيخ : عبد العظيم سلطان والشيخ : مراد من شيوخ الفيوم, والشيخ : محمد أبو القاسم من شيوخ ملوى ,والشيخ : محمد الهيثم والشيخ : إبراهيم إسماعيل والشيخ صادق زينهم وهو أصغر منه ,والشيخ : محمد نجيب والشيخ : موسى عمر والشيخ الدكتور: السيد العربى والشيخ : فوزى السعيد والشيخ : الكردى والشيخ :أبو الأشبال, بالهرم والجيزة وسمع الشيخ: وجدى غنيم والشيخ : محمد إسماعيل المقدم , وسمع من زوج خالته الشيخ : حمدى عبد الغنى وأخيه الشيخ حسن عبد الغنى بالإسكندرية والكثير من الشيوخ والعلماء وطلبة العلم.
وتربى على يد مشايخ الدعوة السلفية وسمع من خطبهم الكثير والكثير . فسمع جميع خطب الشيخ على بن عبد الخالق القرنى وحفظ أكثرها وسمع كل خطب الشيخ إبراهيم الدويش وسمع خطب الشيخ محمد حسان والشيخ سلمان العودة والشيخ محمد حسين يعقوب وكان يحضر له درسه بالمعتمدية وإمبابة وكذا سمع خطب الشيخ أبو إسحاق الحوينى وزاره فى رحلة له لكفر الشيخ .
قرأ وسمع فتاوى الإمامين ابن باز وابن العثيمين رحمهما الله
وسمع الكثير من خطب الشيخ أبو بكر الجزائرى وقرأ له كتابى منهاج المسلم وعقيدة المؤمن .(1/3)
وقرأ فى أمهات الكتب وبرع فى سنن الدارمى فقهاً وحديثاً و قرأ السير للذهبى والبداية والنهاية لأبن كثير وإحكام الأحكام لجده تقى الدين ابن دقيق العيد والمسند وصحيح مسلم ومختصر صحيح البخارى ومنار السبيل والأشباه والنظائر والزهد والرقائق لأبن المبارك والزهد لأحمد بن حنبل وزاد الميعاد لأبن القيم وأدب الدنيا والدين للماوردى والمدخل لفقه الإمام أحمد بن حنبل وقرأ الكثير من كتب ابن الجوزى
فقرأ تلبيس التلبيس لإبن الجوزى مرارا وكذا صيد خاطره ومختصر منهاج القاصدين وله شرح عليه وقرأ المدهش والتبصرة وبستان الواعظين وبحر الدموع وصفة الصفوة.
وشرح رسالة العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية
وله شرح لأركان الإيمان .
وله إجازة فى علم الأنساب أجازه بها البروفيسور الدكتور فقيه القانون الدولى أحمد صادق القشيرى وقدم له كتابه الأول , الروضة القشيرية
فى سيرة آل القشيرى .
جمع فيها وتتبع هذه النسبة المباركة وترجم لمن كان من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من آل القشيرى ومن التابعين وتابعى التابعين ومن علماء ربانيين رضى الله تعالى عنهم أجمعين
وجعلنا خير خلف لهم بمنه وكرمه وجوده
من لدن أول من أسلم منهم إلى آخر من نبغ وبرع فى هذه العائلة والقبيلة العربية العريقة والتى تشترك مع النسب النبوى الشريف فى جدوده الأربع مضر ومعد ونزار وعدنان .
وله شرح لبعض كتاب مدارج السالكين لإبن القيم
وله حوارات مفيدة مع الرافضة والنصارى مسجلة
وألف فى الرد على الرافضة كتابه , شيعة ممدوحة وأشياع مذمومة .
وله فى الرد على العصرانيين ودعاة التجديد والحداثيين كتابه , الختارين المجددين وإخوان الشياطين .
وله فى الرد على العلمانية كتاب , وتلطخت العلمانية بالدم الأحمر .
وله الكتاب الرائع فى الرد على مثيرى الشغب والفتن والمفسدين فى الأرض ممن أرادوا إذلال المرأة لا تحريرها(1/4)
ففند شبههم فى مفاهيم الحرية والمساواة والختان والتعدد والحجاب وعمل المرأة ورد عليهم جميعاً فى كتابه , إنكِ خُلقتِ للأمومة ولن تثنيكِ أفواههم المسمومة. وله شرح له مسجل .
ووقف على وباء التبرج فبين أسبابه وعلاجه فى كتابه , وباء التبرج .
وله فى التربية وتكوين وتأسيس الأسر المسلمة كتابى الأسباب والهداية , وكتاب عداوة حذر منها ومبهاة بين الأمم
وألف فى الرد على الطعانين القداحين الظانين بالناس ظن السوء , كتاب , بفهم سلف الأمة تنجلى الغمة والكثير من الكتب والأبحاث المنتشرة والمتداولة على الشبكة العنكبوتية نسأل الله أن يثيبه عليها الخير والثناء الحسن .
وعمل بالتدريس فترة من الزمن وحاضر ودارس فى كل زياراته وأسفاره .
وله مشاركات ومباحثات فى الكثير من المنتديات والمواقع الدعوية وتلقى كتبه رواج كبير عليها وله ردود ماتعة رائعة .
نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص والقبول
وأن يجعل كل ما يقدم فى ميزان عمله بمنه وكرمه .
{سورة الفاتحة}
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الباء في بسم الله حرف التضمين؛ أي بالله ظهرت الحادثات ، وبه وجدت المخلوقات ، فما من حادث مخلوق ، وحاصل منسوق ، من عين وأثر وغبر ، وغيرٍ من حجر ومدر ، ونجم وشجر ، ورسم وطلل ، وحكم وعلل - إلا بالحق وجوده ، والحق مَلِكُه ، ومن الحق بدؤه ، وإلى الحق عوده ، فبه وَجَدَ من وَحَّد ، وبه جحد من الحد ، وبه عرف من اعترف ، وبه تخلَّف من اقترف .(1/5)
وقال : { بسم الله } ولم يقل بالله على وجه التبرك بذكر اسمه عند قوم ، وللفَرْقِ بين هذا وبين القَسَم عند الآخرين ، ولأن الاسم هو المسمى عند العلماء ، ولاستصفاء القلوب من العلائق ولاستخلاص الأسرار عن العوائق عند أهل العرفان ، ليكون ورود قوله { الله } على قلبٍ مُنقَّىً وسرٍ مُصَفَّىً . وقوم عند ذكر هذه الآية يتذكرون من الباء ( بره ) بأوليائه ومن السين سره مع أصفيائه ومن الميم منته على أهل ولايته ، فيعلمون أنهم ببره عرفوا سرّه ، وبمنته عليهم حفظوا أمره ، وبه سبحانه وتعالى عرفوا قدره . وقوم عند سماع بسم الله تذكروا بالباء براءة الله سبحانه وتعالى من كل سوء ، وبالسين سلامته سبحانه عن كل عيب ، وبالميم مجده سبحانه بعز وصفه ، وآخرون يذكرون عند الباء بهاءه ، وعند السين سناءه ، وعند الميم ملكه ، فلما أعاد الله سبحانه وتعالى هذه الآية أعني بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة وثبت أنها منها أردنا أن نذكر في كل سورة من إشارات هذه الآية كلمات غير مكررة ، وإشارات غير معادة ، فلذلك نستقصي القول ها هنا وبه الثقة .
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
قوله جل ذكره : } الحَمْدُ للهِ{(1/6)
حقيقة الحمد الثناء على المحمود ، بذكر نعوته الجليلة وأفعاله الجميلة ، واللام ها هنا للجنس ، ومقتضاها الاستغراق؛ فجميع المحامد لله سبحانه إمَّا وصفاً وإمَّا خلقاً ، فله الحمد لظهور سلطانه ، وله الشكر لوفور إحسانه . والحمد لله لاستحقاقه لجلاله وجماله ، والشكر لله لجزيل نواله وعزيز أفضاله ، فحمده سبحانه له هو من صفات كماله وحَوْله ، وحمد الخَلْق له على إنعامه وطوْلِه ، وجلاله وجماله استحقاقه لصفات العلو ، واستيجابه لنعوت العز والسمو ، فله الوجود ( قدرة ) القديم ، وله الجود الكريم ، وله الثبوت الأحدي ، والكون الصمدي ، والبقاء الأزلي ، والبهاء الأبدي ، والثناء الديمومي ، وله السمع والبصر ، والقضاء والقدر ، والكلام والقول ، والعزة والطوْل ، والرحمة والجود ، والعين والوجه والجمال ، والقدرة والجلال ، وهو الواحد المتعال ، كبرياؤه رداؤه ، وعلاؤه سناؤه ، ومجده عزه ، وكونه ذاته ، وأزله أبده ، وقدمه سرمده ، وحقه يقينه ، وثبوته عينه ، ودوامه بقاؤه ، وقدره قضاؤه ، وجلاله جماله ، ونهيه أمره ، وغضبه رحمته ، وإرادته مشيئته ، وهو الملك بجبروته ، والأحد في ملكوته . تبارك الله سبحانه!! فسبحانه ما أعظم شأنه!
فصل : عَلمَ الحق سبحانه وتعالى شدة إرادة أوليائه بحمده وثنائه ، وعجزَهم عن القيام بحق مدحه على مقتضى عزه وسنائه فأخبرهم أنه حَمِد نفسه بما افتتح به خطابه بقوله : } الحمد لله { فانتعشوا بعد الذِّلة ، وعاشوا بعد الخمود ، واستقلت أسرارهم لكمال التعزز حيث سمعوا ثناء الحق عن الحق بخطاب الحق ، فنطقوا ببيان الرمز على قضية الأشكال . وقالوا :
ولوجهها من وجهها قمر ... ولعينها من عينها كحل
هذا خطيب الأولين والآخرين ، سيد الفصحاء ، وإمام البلغاء ، لمَّا سمع حمده لنفسه ، ومدحه سبحانه لحقِّه ، علم النبي أن تقاصر اللسان أليق به في هذه الحالة فقال : « لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك »(1/7)
داود لو سمعت أذناه قالتَها ... لما ترنّم بالألحان داود
غنت سعاد بصوتها فتخاذلت ... ألحان داود من الخجل
فصل : وتتفاوت طبقات الحامدين لتباينهم في أحوالهم؛ فطائفة حمدوه على ما نالوا من إنعامه وإكرامه من نوعي صفة نفعِه ودفعِه ، وإزاحته وإتاحته ، وما عقلوا عنه من إحسانه بهم أكثره ما عرفوا من أفضاله معهم قال جل ذكره : وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ النحل : 18 ] ، وطائفة حمدوه على ما لاح لقلوبهم من عجائب لطائفه ، وأودع سرائرهم من مكنونات بره ، وكاشف أسرارهم به من خفي غيبه ، وأفرد أرواحهم به من بواده مواجده . وقوم حمدوه عند شهود ما كاشفهم به من صفات القدم ، ولم يردوا من ملاحظة العز والكرم إلى تصفح أقسام النعم ، وتأمل خصائص القِسَم ، و ( فرق بين ) من يمدحه بعز جلاله وبين من يشكره على وجود أفضاله ، كما قال قائلهم :
وما الفقر عن أرض العشيرة ساقنا ... ولكننا جئنا بلقياك نسعد
وقوم حمدوه مُسْتَهْلَكِين عنهم فيما استنطقوا من عبارات تحميده ، بما اصطلم أسرارهم من حقائق توحيده ، فهم به منه يعبِّرون ، ومنه إليه يشيرون ، يُجري عليهم أحكام التصريف ، وظواهرهم بنعت التفرقة مرعية ، وأسرارهم مأخوذه بحكم جمع الجمع ، كما قالوا :
بيان بيان الحق أنت بيانه ... وكل معاني الغيب أنت لسانه
قوله جل ذكره : { رَبِّ العَلَمِينَ.
الرب هو السيد ، والعالمون جميع المخلوقات ، واختصاص هذا الجمع بلفظ العالمين لاشتماله على العقلاء والجمادات فهو مالك الأعيان ومُنشيها ، ومُوجِد الرسوم والديار بما فيها .
ويدل اسم الرب أيضاً على تربية الخلق ، فهو مُربٍ نفوس العابدين بالتأييد ومربٍ قلوب الطالبين بالتسديد ، ومربٍ أرواح العارفين بالتوحيد ، وهو مربٍ الأشباح بوجود النِّعم ، ومربٍ الأرواح بشهود الكرم .(1/8)
ويدل اسم الرب أيضاً على إصلاحه لأمور عباده من ربيت العديم أربه؛ فهو مصلح أمور الزاهدين بجميل رعايته ، ومصلح أمور العابدين بحسن كفايته ، ومصلح أمور الواجدين بقديم عنايته ، أصلح أمور قوم فاستغنوا بعطائه ، وأصلح أمور آخرين فاشتاقوا للقائه ، وثالث أصلح أمورهم فاستقاموا للقائه ، قال قائلهم :
ما دام عزُّك مسعوداً طوالعه ... فلا أبالي أعاش الناس أم فقدوا
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اسمان مشتقان من الرحمة ، والرحمة صفة أزلية وهي إرادة النعمة وهما اسمان موضوعان للمبالغة ولا فضل بينهما عند أهل التحقيق .
وقيل الرحمن أشد مبالغة وأتم في الإفادة ، وغير الحق سبحانه لا يسمى بالرحمن على الإطلاق ، والرحيم ينعت به غيره ، وبرحمته عرف العبد أنه الرحمن ، ولولا رحمته لما عرف أحد أنه الرحمن ، وإذا كانت الرحمة إرادة النعمة ، أو نفس النعمة كما هي عند قوم فالنعم في أنفسها مختلفة ، ومراتبها متفاوتة فنعمة هي نعمة الأشباح والظواهر ، ونعمة هي نعمة الأرواح والسرائر .(1/9)
وعلى طريقة من فرَّق بينهما فالرحمن خاص الاسم عام المعنى ، والرحيم عام الاسم خاص المعنى؛ فلأنه الرحمن رزق الجميع ما فيه راحة ظواهرهم ، ولأنه الرحيم وفق المؤمنين لما به حياة سرائرهم ، فالرحمن بما روَّح ، والرحيم بما لوَّح؛ فالترويح بالمَبَارِّ ، والتلويح بالأنوار : والرحمن بكشف تَجَلِّيه والرحيم بلطف تولِّيه ، والرحمن بما أولى من الإيمان والرحيم بما أسدى من العرفان ، والرحمن بما أعطى من العرفان والرحيم بما تولَّى من الغفران ، بل الرحمن بما ينعم به من الغفران والرحيم بما يَمُنُّ به من الرضوان ، بل الرحمن بما يكتم به والرحيم بما ينعم به من الرؤية والعيان ، بل الرحمن بما يوفق ، والرحيم بما تحقق ، والتوفيق للمعاملات ، والتحقيق للمواصلات ، فالمعاملات للقاصدين ، والمواصلات للواجدين ، والرحمن بما يصنع لهم والرحيم بما يدفع عنهم؛ فالصنع بجميل الرعاية والدفع بحسن العناية .
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
المالك من له المُلك ، ومُلك الحق سبحانه وتعالى قدرته على الإبداع ، فالملك مبالغة من المالك وهو سبحانه الملك المالك ، وله المُلك . وكما لا إله إلا هو فلا قادر على الإبداع إلا هو ، فهو بإلهيته متوحد ، وبملكه متفرد ، ملك نفوس العابدين فصرفها في خدمته ، وملك قلوب العارفين فشرِّفها بمعرفته ، وملك نفوس القاصدين فتيَّمها ، وملك قلوب الواجدين فهيَّمها . ملك أشباح منْ عبَدَه فلاطفها بنواله وأفضاله ، وملك أرواح مَنْ أحبهم ( . . . . ) فكاشفها بنعت جلاله ، ووصف جماله . ملك زمام أرباب التوحيد فصرفهم حيث شاء على ما شاء ووفَّقهم حيث شاء على ما شاء كما شاء ، ولم يَكِلْهم إليهم لحظة ، ولا مَلَّكَهم من أمرهم سِنَّةٌ ولا خطرة ، وكان لهم عنهم ، وأفناؤهم له منهم .(1/10)
فصل : مَلَكَ قلوبَ العابدين إحسانُه فطمعوا في عطائه ، وملك قلوب الموحدين سلطانُه فقنعوا ببقائه . عرَّف أربابَ التوحيد أنه مالكهم فسقط عنهم اختيارهم ، علموا أن العبد لا ملك له ، ومن لا ملك له لا حكم له ، ومن لا حكم له لا اختيار له ، فلا لهم عن طاعته إعراض ولا على حكمه اعتراض ، ولا في اختياره معارضة ، ولا لمخالفته تعرّض ، { ويوم الدين } . يومُ الجزاء والنشر ، ويوم الحساب والحشر - الحق سبحانه وتعالى يجزي كلاً بما يريد ، فَمِنْ بين مقبولٍ يوم الحشر بفضله سبحانه وتعالى لا بفعلهم ، ومن بين مردودٍ بحكمه سبحانه وتعالى لا بِجُرْمِهم . فأمَّا الأعداء فيحاسبهم ثم يعذبهم وأمَّا الأولياء فيعاتبهم ثم يقربهم :
قومٌ إذا ظفروا بنا ... جادوا بعتق رقابنا
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
معناه نعبدك وتستعين بك . والابتداء بذكر المعبود أتمُّ من الابتداء بذكر صفته - التي هي عبادته واستعانته ، وهذه الصيغة أجزل في اللفظ ، وأعذب في السمع . والعبادة الإتيان بغاية ما في ( بابها ) من الخضوع ، ويكون ذلك بموافقة الأمر ، والوقوف حيثما وقف الشرع .
والاستعانة طلب الإعانة من الحق .
والعبادة تشير إلى بذل الجهد والمُنَّة ، والاستعانة تخبر عن استجلاب الطول والمِنَّة ، فبالعبادة يظهر شرف العبد ، وبالاستعانة يحصل اللطف للعبد . في العبادة وجود شرفه ، وبالاستعانة أمان تلفه . والعبادة ظاهرها تذلل ، وحقيقتها تعزز وتجمُّل :
وإذا تذللت الرقاب تقرباً ... مِنَّا إليك ، فعزُّها في ذُلِّها
وفي معناه :
حين أسلَمْتَني لذالٍ ولام ... ألقيتني في عينِ وزاي
فصل : العبادة نزهة القاصدين ، ومستروح المريدين ، ومربع الأنس للمحبين ، ومرتع البهجة للعارفين . بها قُرَّةُ أعينهم ، وفيها مسرة قلوبهم ، ومنها راحة أرواحهم . وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله : « أرِحنا بها يا بلال » ولقد قال مخلوق في مخلوق :(1/11)
يا قوم ثاري عند أسمائي ... يعرفه السامع والرائي
لا تدعني إلا بيا عبدها ... فإنه أصدق أسمائي
والاستعانة إجلالك لنعوت كرمه ، ونزلك بساحة جوده ، وتسليمك إلى يد حكمه ، فتقصده بأمل فسيح ، وتخطو إليه بخطو وسيع ، وتأمل فيه برجاء قوي ، وتثق بكرم أزلي ، وتنكل على اختيار سابق ، وتعتصم بسبب جوده ( غير ضعف .
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
الهداية الإرشاد ، وأصلها الإمالة ، والمهديُّ من عرف الحق سبحانه ، وآثر رضاه ، وآمن به . والأمر في هذه الآية مضمر؛ فمعناه اهدنا بنا - والمؤمنون على الهداية في الحال - فمعنى السؤال الاستدامة والاستزادة . والصراط المستقيم الطريق الحق وهو ما عليه أهل التوحيد . ومعنى اهدنا أي مِلْ بنا إليك ، وخُذْنا لك ، وكن علينا دليلنا ، ويَسِّرْ إليك سبيلنا ، وأقم لنا هممنا ، واجمع بك همومنا .
فصل : اقطعْ أسرارنا عن شهود الأغيار ، ولوِّح في قلوبنا طوالع الأنوار ، وأفْرِدْ قصودنا إليك عن دَنَس الآثار ، ورقِّنا عن منازل الطلب والاستدلال إلى جَمْع ساحات القُرب والوصال .
فصل : حُلْ بيننا وبين مساكنة الأمثال والأشكال ، بما تلاطفنا به من وجود الوصال ، وتكاشفنا به من شهود الجلال والجمال .
فصل : أرْشِدْنَا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات ، ويقع على وجه التوحيد غبار الظنون وحسبان الإعلال .
اهدنا الصراط المستقيم أي أزِلْ عنَّا ظلمَاتِ أحوالنا لنستضيء بأنوار قُدْسِك عن التفيؤ بظلال طلبنا ، وارفع عنا ظل جهدنا لنستبصر بنجوم جودك ، فنجدك بك .
فصل : اهدنا الصراط المستقيم حتى لا يصحبنا قرين من نزغات الشيطان ووساوسه ، ورفيق من خطرات النفوس وهواجسها ، أو يصدنا عن الوصول تعريج في أوطان التقليد ، أو يحول بيننا وبين الاستبصار ركون لي معتاد من التلقين ، وتستهوينا آفة من نشو أو هوادة ، وظن أو عادة ، وكلل أو ضعف إرادة ، وطمع مالٍ أو استزادة .(1/12)
فصل : الصراط المستقيم ما عليه من الكتاب والسنة دليل ، وليس للبدعة عليه سلطان ولا إليه سبيل . الصراط المستقيم ما شهدت بصحته دلائل التوحيد ، ونبهت عليه شواهد التحقيق ، الصراط المستقيم ما دَرَجَ عليه سَلَفُ الأمة ، ونطقت بصوابه دلائل العبرة . الصراط المستقيم ما باين الحظوظَ سالكُه ، وفارق الحقوقَ قاصدُه . الصراط المستقيم ما يُفْضِي بسالكه إلى ساحة التوحيد ، ويُشْهِدُ صاحبَه أثرَ العناية والجود ، لئلا يظنَّه موجَبٌ ( ببدل ) المجهود .
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
يعني طريق من أنعمتَ عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم ، وهم الأولياء والأصفياء . ويقال طريق من ( أفنيتهم ) عنهم ، وأقمتهم بك لك ، حتى لم يقفوا في الطريق ، ولم تصدهم عنك خفايا المكر . ويقال صراط من أنعمت عليهم بالقيام بحقوقك دون التعريج على استجلاب حظوظهم .
ويقال صراط من ( طهرتهم ) عن آثارهم حتى وصلوا إليك بك .
ويقال صراط من أنعمت عليهم حتى تحرروا من مكائد الشيطان ، ومغاليط النفوس ومخاييل الظنون ، وحسبانات الوصول قبل خمود آثار البشرية .
ويقال صراط من أنعمت عليهم بالنظر والاستعانة بك ، والتبري من الحول والقوة ، وشهود ما سبق لهم من السعادة في سابق الاختيار ، والعلم بتوحيدك فيما تُمضيه من المَسَار والمضار .
ويقال صراط الذين أنعمت عليهم بحفظ الأدب في أوقات الخدمة ، واستشعار نعت الهيبة .
ويقال صراط الذين أنعمت عليهم بأن حفظت عليهم آداب الشريعة وأحكامها عند غلبات ( بواده ) الحقائق حتى لم يخرجوا عن حد العلم ، ولم يُخِلُّوا بشيء من أحكام الشريعة . ويقال صراط الذين أنعمت عليهم حتى لم تطفئ شموسُ معارفهم أنوارَ ورعهم ولم يُضيِّعُوا شيئاً من أحكام الشرع .
ويقال صراط الذين أنعمتَ عليهم بالعبودية عند ظهور سلطان الحقيقة .(1/13)
قوله جل ذكره : { غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ .
المغضوب عليهم الذين صدمتهم هواجم الخذلان ، وأدركتهم مصائب الحرمان ، وركبتهم سطوة الرد ، وغلبتهم بَوَاده الصد والطرد .
ويقال هم الذين لحقهم ذل الهوان ، وأصابهم سوء الخسران ، فشغلوا في الحال باجتلاب الحظوظ - وهو في التحقيق ( شقاء ) ؛ إذ يحسبون أنهم على شيء ، وللحق في شقائهم سر .
ويقال هم الذين أنِسُوا بنفحات التقريب زماناً ثم أظهر الحق سبحانه في بابهم شانا؛ بُدِّلوا بالوصول بعاداً ، وطمعوا في القرب فلم يجدوا مراداً ، أولئك الذين ضلّ سعيُهم ، وخاب ظنهم .
ويقال غير المغضوب عليهم بنسيان التوفيق ، والتعامي عن رؤية التأييد . ولا الضالين عن شهود سابق الاختيار ، وجريان التصاريف والأقدار .
ويقال غير المغضوب عليهم بتضييعهم آداب الخدمة ، وتقصيرهم في أداء شروط الطاعة .
ويقال غير المغضوب عليهم هم الذين تقطعوا في مفاوز الغيبة ، وتفرّقت بهم الهموم في أودية وجوه الحسبان .
فصل : ويقول العبد عند قراءة هذه السورة آمين ، والتأمين سُنَّة ، ومعناه يا رب افعل واستجب ، وكأنه يستدعي بهذه القالة التوفيق للأعمال ، والتحقيق للآمال ، وتحط رِجْلُه بساحات الافتقار ، ويناجي حضرة الكرم بلسان الابتهال ، ويتوسل ( بتبريه ) عن الحول والطاقة والمُنَّة والاستطاعة إلى حضرة الجود . وإن أقوى وسيلة للفقير تعلقه بدوام الاستعانة لتحققه بصدق الاستغاثة .
المقدمة :-
وبعد.....
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدى محمد بن عبد الله عليه صلوات الله وعلى أهله الأبرار وصحبه الأخيار وكل من سلك الدرب واستنار بهدى النبى أحمد المختار ,(1/14)
اللهم مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك وأمتنى على المحجة البيضاء بمنك وكرمك .
أحدثكم إخوتى ولست بأكرمكم على الله ولا أفضلكم
أحدثكم لأن الأمر جد خطير وفيه زلت قدم بعد ثباتها وطاشت عقول بعد رسوخها أحدثكم وأنا أنشد السلامة لدينى لكى تسموا نفسى إلى رحاب من إليه أدعوكم وعليه أدلكم .
يا مسلمون لا يقول للشيئ كنّ فيكون إلا الحى القيوم , وعليها أحذركم لأن ما من شبهة أو فتنة إلا وبدأت ضعيفة وهنة رعاها أهل الإفك وحموها حتى إستشرت فى الخليقة فعليهم جُرمها وجُرم من عمل بها إلى يوم القيامة .
فعلى سبيل المثال لا الحصر , بدأ الرفض بغرس إبليسى غرسه ابن سبأ فى بعض من فتنوا بأمير المؤمنين على رضى الله تعالى عنه وما كانت فتنتهم إلا أن زعموا أن على أحق بخلافة الرسول صلى الله عليه وسلم, ولكن كان الرب واحد والدين واحد والكر واحد , وكان بعض الشيعة الأوائل مسلمين لأن وعاء الشريعة كان فى قلوبهم أرحب وأوسع .
وذهب القوم وخلفوا من أصيب بحمى العصبية لعلى وأهل بيته فصالح الحسن معاوية وأنشد وحدة الصف وربط الجماعة , فأزال عنه المفتونين الإمارة ووسموه بالذلة إذ لقبه أشياعه بمذل المؤمنين بعد أن كان أميرهم لأنه أراد الوحدة وإجتماع الأمة فياعجبنى ولا تعجب أنسيت شجرة المجوسية التى زرعها ابن السوداء أنها تكبر وثمرها حتما سينضج .
ولما نضج هذا الثمر الإبليسى كاد ومكر للسبط الثانى سيدنا الحسين رضى الله تعالى عنه زعم القوم أنهم أشياعه وأتباعه ودعوه لينصروه دعوه ليبايعوه دعوه ليؤيدوه
وإذا بعد أن جاءهم تركوه خذلوه غدروه فهم القتلة, من زعموا مبايعته ومناصرته لذا فهم يلطمون وجوههم وصدورهم لأنهم خذلوه وخلوه وأعداءه
وهذا هو التطور الطبيعى لفيروس المجوسية وبعد أن ضحوا بنصرة إمامهم ضحوا معه بعقائدهم وبدينهم وبكتابهم وظهر الوجه الحقيقى والقبيح لفتنتهم .(1/15)
لما عجزت المجوسية عن الصمود أمام الإسلام الوليد كادوا لهذا الدين ومكروا المكر الواضح المبين .
بدأت فتنتهم بإنكار الخلافة وذهبت إلى تكفير الصحابة والقول ببغاء أمهات المؤمنين وهل القائل بهذا يعد فى تعداد المسلمين ؟
وزادت الفتنة حتى هدم لهم الكلينى أركان الإسلام وابتنى لهم أعمدة للإلحاد أساسها إمامة زعموها كفّروا جاحدها
وكفروا بكل مؤدى إلى الحق فكفروا بالقرآن وبأركان الإسلام
وزعموا لأنفسهم مصحف آخر به سبعة عشر ألف آية , أسلافهم ما كان الأمر فيهم بهذه الشناعة بل كان إختلافهم على أمتهم مجرد خلاف سياسى وما كان خلاف عقائدى كما هو قائم الآن ومنذ قتلهم للحسين رضى الله تعالى عنه.
أسلافهم ما كان دينهم المتعة والخمس
أسلافهم ما قالوا بتحريف الكتاب
أسلافهم ما قاموا بلطم الخدود وشق الجيوب
فقل لى متى كان من معتقدات المسلم اللطم والطمبرة ؟
متى كان من معتقدات المسلم المآتم والمنائح ؟
ومتى كان من معتقدات المسلم الرقص والترنح كما يفعل المتصوفة ؟
أم تراكم ورد عن شفيعكم المصطفى أنه كان يقف فى منتصف الحلقة وعن يمينه أبو بكر وعن شماله عمر فيتمايلون كما تتمايل الصوفية ويتراقصون حاشاه نبى الله أن يكون إمام لهؤلاء مالم يعودوا إلى جادة الصراط المستقيم .
ولكن هو التطور الطبيعى للزيف والبهتان والكره والحقد الدفين على الإسلام وأهله
الفيروس المجوسى إنتشر الآن بمعاونة الصليب وبنو صهيون فى أشكال شتى وبقاع شتى .
ولما كان الرفض والتشيع هو تغييب العقل وحجب النقل ليسهل الغراس الخرافى الوثنى و المجوسى ويرسخ فى النفوس المغيبة والمحجوب عنها نور الربانية فاستبدلوها بالشاذلية والتيجانية والرفاعية والقادرية ولا حول ولا قوة إلا بالله , فكان لزاماً علينا أن نحذر من أول إنحدار عن صحيح المعتقد وهو الغلو والإفراط وهو الآن دين الصوفية
ومحور بحثنا هذا فلكم غُنمه وعلىّ جرمه
لكم صفوه وعلىّ كدره(1/16)
والله تعالى الموفق والهادى سبيل الرشاد
ملحوظة هامة جداً : إستفتحت هذا البحث بنقل حرفى لتفسير سورة الفاتحة للإمام القشيري رحمه الله
لأنا ننصر الحق وننصر أهله
فإنا قوم نحب الحق وفلان ما اجتمعا فإن افترقا فالحق أحق أن يتبع لأن الحق أحب ألينا من كل الخلائق .
والله المستعان
*****************
************
********
****
**
*
كاتبه :
خادم الكتاب والسنة
راجى شفاعة سيد البشر
صلى الله عليه وسلم .
أبو كفاح الدين
أحمد بن محمد السعيد العزيزى
سبط الإمام القشيرى
رحمه الله
مصر حرسها الله وصالح أهلها
7 من شهر محرم سنة 1430 هـ
4 من شهر يناير 2009 مـ
الفصل الأول :-
الصوفية وتوحيد رب البرية
أغفلوا ربوبيته سبحانه وجعلوا لهم أرباب عدة
وإلوهيته جل جلاله وألهوا أهوائهم وأقطابهم
وذهب كل واحدٍ منهم بقطبه المألوه وغوثه المعبود .
اللهم سلمنا من العمى والضلال
وهاكم بعض تراهات القوم فى التوحيد
الذى هو حق الله على العبيد ::
ومن هذه السخافات : الاستجارة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلاّ الله تعالى من توقي المصائب ، وجلب المنافع ! ، وتعظيم حرمة قبور الأولياء إلى حد اعتقاد أن البلاد تصان به من الأضرار والأخطار !! ، واعتقاد أن من حاول أن يفعل في تلك البقاع خطيئة أن أحوال الشيخ تدركه وتنال منه !! ، وهذا كله من الكفر بالله تعالى ، وأضرب على هذه الصورة عدة أمثلة :
ما قاله الزبيدي في "طبقات الخواص " ( ص : 251 ) في ترجمة عيسى الهتار ، قال الزبيدي : ( وقبره هناك مشهور يقصد للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة !!! ، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يتعرض له بمكروه !!! ، ومن تعدى ذلك عوجل بالعقوبة ، والقرية كلها محترمة ببركته ... ) .(1/17)
وقال في ترجمة : أبي الخطاب عمر الهمداني ( ص : 235-236 ) : ( وتربته في موضعه من الترب المشهورة في الجبال يقصدها الناس من كل ناحية للزيارة والتبرك ، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه ، بل وقريته كلها من سكن فيها أمِن من كل ما يخاف !!! ، ومن قصدها بسوء أو تعرض لأحدٍ من المستجيرين بها عوقب أشد العقوبة معجلاً ، وقد جرّب ذلك غير مرة ....( .
وقال في ترجمة أبي الخطاب عمر بن محمد بن رشيد ( ص : 236 ) : ( وقبره ... مشهور مقصود للزيارة والتبرك ، وهو أحد السبعة الذين يقال فيهم : إن من واظب على زيارتهم سبعة أيام متوالية قضيت حاجته !!!! ( .
وقال في ترجمة أبي العباس أحمد بن علوان الصوفي ( ص : 71 ) : ( وقبره بها ظاهر معروف مقصود للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة لا سيما في آخر جمعة من شهر رجب !! .... وقرية الشيخ المذكور محترمة !! ، ومن استجار بها لا يقدر أحد أن يناله بمكروه... ) .
وقال في ترجمة : جوهر الصوفي ( ص : 121 ) : ( وتربته هنالك من أكبر الترب المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك ، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه ، ومن تعدى إلى ذلك عوقب عقوبة معجلة وقد جرب ذلك غير مرة !!! ) .
وقال في ترجمة : طلحة الهتار الذي يُزعم أنه كان يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة !! ، ( ص : 165 ) : ( وبني عليه قبة معظمة !! ، وتربته هنالك من أشهر الترب وأكثرها قصداً للزيارة والتبرك ، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه وعند تربته قرية كبيرة تنسب إليه يقال لها : الطليحية كلها مجللة محترمة !! ... وله في زبيد زاوية محترمة من استجار بها لا يقدر أحد أن يناله بمكروه ، وانتفع بها الناس نفعاً عظيماً لكونها داخل البلد !! ، ومن نابه شي فزع إليها ويكون كأنه في بيته يقوم بمصالحه وحوائجه وهو في أمنٍ ودعه وذلك باقٍ مع أولاده وأولادهم إلى الآن !!!! . )
فهل الولآية تورث ؟(1/18)
نعم توارثها الأبناء والأحفاد لأن فيها من المنافع ما يعلمه كل أفاك رجيم
متاجر بدين الناس ومستغل لجهلهم بشريعتهم الحقة .
وقال في ترجمة : ابن الغريب ( ص : 209 ) : ( وتربته في القرية من الترب المشهورة المعظمة المقصودة من الأماكن البعيدة للزيارة والتماس الخير والبركة ، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه ، ومن تعدى ذلك عوقب أشد العقوبة من غير مهلة ، وقد جرب ذلك غير مرة .. ) .
وقال الزبيدي في ترجمة : فرج النوبي ( ص : 258 ) : ( وقبره بها مشهور يزار ويتبرك به!! ، قلّما قصد تربته ذو حاجة إلاّ قضيت حاجته ... ) .
وقال الزبيدي في ترجمة : محمد بن أبي بكر الحكمي ( ص : 267 ) : ( وتربة الشيخ والفقيه من الترب المعظمة المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة ، ومن استجار هنالك أمِن من كل ما يخاف ، ولا يقدر أحد أن يناله بمكروه من الدولة والعرب وغيرهم ... ) .
وقال الزبيدي في ترجمة : محمد بن يعقوب المعروف بأبي حربة ( ص : 276 ) صاحب الدعاء المشهور الذي قيل أنه كان يدعو به عند إنشائه وهو ينظر في اللوح المحفوظ !!! ، قال الزبيدي : ( وقبره هناك مشهور يزار ويتبرك به ويقصد من الأماكن البعيدة ، وقبور أولاده وذريته ... وتربتهم هنالك من الترب المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة ، ما قصدهم ذو حاجة إلاّ قضيت حاجته ، ومن استجار بهم لا يقدر أحد أن يناله بمكروه من أرباب الدولة والعرب وغيرهم..... ) .(1/19)
قلت : وغير هذه المواطن كثير !! ، فيا رباه الغوث ، سبحانك ما ألطفك ، سبحانك ما أوسع رحمتك ، ( سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الطور:43) قال تعالى : ( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) (المؤمنون:88-89) . ، وقال تعالى : ( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ) (الجن:22) .
فإذا لم يكن هذا الكلام الفاسد من كلام الزبيدي ، وهذه الاعتقادات المضلة : شرك بالله تعالى ومروق من الشريعة ، فوالله ما في الوجود شرك ولا كفر !! .
بالله يا أهل العقول ، ويا أرباب النهى : ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل:17) : ( أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُون َ)(النمل: من الآية63) ، ( أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )(النمل: من الآية64) ، كيف يفزع إلى أهل القبور ، ويلاذ بهم ، ويستجار بهم من دون الله تعالى ؟! .
فما أخطر كيد إبليس على هؤلاء القوم :
كيف أضلهم : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) (الأحقاف:5 .
كيف أعماهم : ( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)(لأعراف: من الآية179 .(1/20)
كيف صدهم عن السبيل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (الكهف:104) ، ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر:8)
نعم يا صاحب التوحيد : ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) ، فلو علم الله فيهم خيراً ، وأراد بهم هداية ، لاصطفاهم واجتباهم إليه : ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ( الأنفال:23)
، ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )(القصص: من الآية56 .
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في كتابه " كشف الشبهات " بعدما عرّف التوحيد وعظّمه ، وبيّن الشرك وشنّعه : ( أفادك فائدتين : الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته كما قال تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58) ، وأفادك الخوف العظيم ، فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل ، وقد يقولوها وهو يظن أنها تقربه إلى الله كما ظنّ المشركون ، خصوصاً إن ألهمك الله تعالى ما قصّ عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين : (اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَة)(الأعراف: من الآية138) فحينئذٍ يعظم خوفك وحرصك على ما يخلصك من هذا وأمثاله ... ) .
فافرح يا عبد الله بهدايته لك ، وأكثر له من الشكر والثناء فما يعادل الهداية إلى التوحيد نعمة .(1/21)
وأكثر الخوف من الشرك و وسائله ، فهي طريقة الموحدين من الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين ، فهذا إبراهيم خليل رب العالمين ، الأمة القانت الحنيف الأوّاه المجتبى يقول : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية (ابراهيم:35-36) ، وهذا يوسف عليه السلام يقول في دعائه : ( تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )(يوسف: من الآية101) ، وهذا نبينا وحبيبنا وسيد الخلق أجمعين وإمام الموحدين وخليل رب العالمين : محمد صلى الله عليه وسلم يقول : ( يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك ) ، وفي الباب آثار وأشعار ، والله المستعان وعليه التكلان .
***
يستغرب البعض جمود بعض المتصوفة على عقيدته ، وعدم قبوله للحجج والبينات التي تلقى عليه من كل حدبٍ وصوب ، وذلك مستند إلى تعلّقهم الكبير بالمرجعية الدينية ، وتقديم أمرها على أمر الشارع ، فتعظيم المريد للشيخ ، وانكساره بين يديه ، والافتقار إليه ، وتقبيل الأرض من تحت أقدامه ! ، كل ذلك من مقومات هذه العقلية المتحجرة ! ، بل أن من المرجعيات الدينية من يقدم أمره ونهيه على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم !! ، فهذا ذو النون المصري [ ت : 245هـ ] يقول : ( طاعة المريد لشيخه فوق طاعته ربه!!! ) [ تذكرة الأولياء : 1/171 ] .
وهذا صاحب [ الختمية : 135 ] : ( الشيخ هو الإمام الذي يرشدك وينير لك الطريق ، ولذا فطاعته واجبة لازمه ، وإن لم تكن واجبة فكيف تستفيد منه .... ولا ريب أنك لن تصل إلاّ بطاعته لا بمخالفته ، فلذا وجبت طاعة الشيخ المرشد في كل أمرٍ من الأمور .. ) .(1/22)
ويقطعون صلة المريد بكل شيخٍ غير شيخه الذي يربيه ويلحظه بالعناية !! ، فيقول الشيخ الفوتي صاحب [ رماح حزب الرحيم : 1/142 ] : ( واعلم أن الاقتصار على واحدٍ لا يتعداه إلى غيره شرط لازم في طريق أهل الله ، ولابد لكل مريد من التزامه وإلاّ فلا سبيل له في الوصول البتة !!! ) .
ونقل عن ابن عربي قوله : ( إنما كان المريد لا يفلح قط بين شيخين قياساً على عدم وجود العالم بين إلهين !!!! ، وعلى عدم وجود المكلف بين رسولين !! ، وعلى عدم وجود امرأة بين رجلين !!!!!! ) [ المرجع السابق : 1/143 ] .
بل إن مشايخ السوء يشعرون أتباعهم بأن مخالفة أمرهم من موجبات الدخول في نار جهنم !! ، فيقول أبو الحسن علي الأهدل : ( قال لي سيدي – يعني الله - : من خالف كلامك أحرقته بناري !! ) .
قال الزبيدي معلّقاً : ( فكان إذا أراد أن يأمر الفقراء بشيٍ يقول : أريد كذا وكذا ، ولا يقول لهم : اعملوا كذا وكذا ، ويقول : أخاف عليهم النار إن خالفوني !!!!! ) [ طبقات الخواص : 198 ] .
بل منهم من جعل الجنة تحت تصرّفه يدخل فيها من يشاء ، فهذا التجاني يقول : ( وليس لأحدٍ من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا ، وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلاّ أنا وحدي!!!! )
الطبقات الكبرى : 2/90 .
فهذه مختارات من عبارات المتصوفة ، ومن أراد الاستزادة فهناك المزيد ، وليراجع للاستفادة كتاب " تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي " للشيخ الفاضل محمد أحمد لوح [ ط : دار ابن القيم – مجلدان ] ، والله المستعان .
******(1/23)
وقول أحمد التيجاني: (وليس لأحدٍ من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا ، وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلاّ أنا وحدي!!!! وأما سائر سادتنا الأولياء رضي الله عنهم فيدخلون الجنة أصحابهم بعد المناقشة والحساب !! ) [ الطبقات الكبرى : 2/90 ] ، و [ كشف الحجاب : 373-374 ] .
وقال الشعراني في [ طبقاته : 2/106 ] : ( ومنهم الشيخ الخضري رضي الله عنه المدفون بناحية نها بالغربية وضريحه يلوح من البعد من كذا وكذا ... وكان يقول : لا يكمل الرجل حتى يكون مقامه تحت العرش على الدوام ، وكان يقول : الأرض بين يدي كالإناء الذي آكل منه !!! ، وأجساد الخلق كالقوارير ، أرى ما في بواطنهم... ) .
ويقول أحمد التيجاني في إجابته لأحد مريديه لما طلب الضمان في المعرفة : ( وأما ما طلبت من الضمان في المعرفة بالله من كونها صافية من اللبس ، ممزوجة حقيقتها بالشريعة ، فإن أمرها لا يكون إلاّ كذلك ، لا غير ... وأنا لك ضامن أن لا تسلب ما دمتَ في محبتنا ، وكل ما دونه ، من دخول الجنة بلا حساب إلى ما وراءه وما قبله !! ، وسامحتك فيما لا تعلمه مما مقتضاه سوء الأدب ، وأما السورة فتداومها أحد عشر ألف مرة ( 11000 ) كل يوم أو كل ليلة مختلياً وحدك وقت ذكرها فقط ، وبدؤها أن تقرأ الفاتحة مرة ، و صلاة الفاتح لما أغلق !!! مرة ، وتهدي ثوابها لأهل النوبة في ذلك اليوم من الأولياء والأحياء ثم تقوم وتقف مستقبلاً وتنادي
: ( دستور يا أهل النوبة جبهتي تحت نعالكم ، ثم تقرأ الفاتحة مرة ، وتهدي ثوابها لروح الشيخ عبدالقادر ، والشيخ أحمد الرفاعي ، وجميع الأولياء الغائبين والحاضرين ثم تقرأ الفاتحة مرة وتهدي ثوابها لروح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم تسأل المدد!!! ) [ كشف الحجاب : 85-86 ] .(1/24)
قال يوسف النبهاني الملحد في [ كرامات الأولياء : 2/276 ] : ( عبيد أحد أصحاب الشيخ حسين ، كان له خوارق مدهشة ، ومنها أنه كان يأمر السحاب أن يمطر لوقته ، وكل من تعرّض له بسوء قتله في الحال !!! ، دخل مرة الجعفرية فتبعه نحو خمسين طفلاً يضحكون عليه ، فقال : لأعزلنك من ديوان الملائكة !!!! فأصبحوا موتى أجمعين ، وقال له بعض القضاة : اسكت ، فقال له : اسكت أنت ، فخرس وعمي وصم ، وسافر في سفينة فوحلت ، ولم يمكن تقويمها ، فقال : اربطوها بخيط!!! في بيضي – يعني خصيتيه !!!- ففعلوا ، فجرها حتى خلصها من الوحل ) .
قلت : اللهم لك الحمد على نعمة الهداية والإتباع ، فهذه هي الصوفية التي يريدون ، ومن يزعم براءته من هذه الخزعبلات فليعلن كفره بها ، وجحودها ، وجحود أهلها .
ومما يدعو المسلم إلى اللهج الكثير بحمد الله تعالى ما يراه من تنكب قلوب الكثير من الصوفيين عن قبول الحق والإصغاء إليه ، وهذه حكمة الله تعالى مع من لم يرد هدايته قال تعالى : ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (الأنفال:23) .
ولا يحزن المؤمن من عدم قبولهم للحق ، ما عليه إلاّ البلاغ ، قال تعالى : ( وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (الأنعام:35) .
وقال تعالى : ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (الكهف:6)(1/25)
وقال تعالى : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر:8)
وهذه الآيات أكبر سلوان للمؤمن ، وإلاّ لطاش عقله ، وخارت قواه مما يرى من مبلغ ضلال القوم وانحرافهم مع تجلي آيات الله وبيناته !! .
فالجد والكيس والاجتهاد ، والحذار الحذار من العجز والكسل والجبن والبخل والفرار يوم الزحف ! .
يعتبر كتاب الشعراني (طبقات الشعراني) من أهم مراجع الخرافة في كتب الصوفية ، وهم ينفون عن الشعراني ويدعون أن هذه الخرافات التي يواجهون بها نقلاً من كتاب الطبقات ، هي مما زيد على الكتاب ودس على الشعراني بغير علمه. وعلى فرض ثبوت هذا ، فهناك مشكلتان:
الأولى ـ أن الصوفية أصبحوا إذا وجهوا بالخرافة قالوا مدسوسة ، وإذا خلوا إلى بعضهم رووا هذه التخريفات ، ومنها ما وثق صوتاً وصورة لداعية التصوف المعاصر "علي الجفري اليمني" وهو يروي أحد هذه الخرافات عن الشعراني
الثانية ـ أن الكتاب بأكمله إلا النزر القليل جداً ، ينضح ويفور بالخرافة ، فلا نعلم أيها المدسوس, الحق القليل ؟ أم التخريف الكثير ؟. وللتوثيق إليك فيض من غيض:
وفيما يلي بعض الكرامات المزعوة لبعض من يعظمهم الخرافيون ويدعون لهم الكرامات
ولا يملك من اطلع عليها إلا أن يحمد الله على نعمة العقل والإيمان(1/26)
قال الشعراني في الطبقات (2ـ 184): طبعة دار العلم للجميع: الشيخ الصالح عبد القادر السبكي أحد رجال الله تعالى كان من أصحاب التصريف بقرى مصر رضي الله عنه: ((وكان كثير الكشف لا يحجبه الجدران والمسافات البعيدة من اطلاعه على ما يفعله الإنسان في قعر بيته.... وخطب مرة عروساً فرآها فأعجبته فتعرى لها بحضرة أبيها ، وقال: انظري أنت الأخرى حتى لا تقولي بعد ذلك بدنه خشن ، أو فيه برص أو غير ذلك ، ثم أمسك ذكره وقال: أنظري هل يكفيك هذا ، وإلا فربما تقولي: هذا ذكره كبير لا أحتمله ، أو يكون صغيراً لا يكفيني ، فتقلقي مني ، وتطلبي زوجاً أكبر آلة مني)).
وقال أيضاً: الشيخ علي أبو خودة الطبقات (2ـ135): ((وكان رضي الله عنه إذا رأى امرأة أو أمرداً راوده عن نفسه ، وحسس على مقعدته ، سواء كان ابن أمير ، أو ابن وزير ، ولو كان بحضرة والده ، أو غيره ، ولا يلتفت إلى الناس ، ولا عليه من أحد)).
وقال أيضاً في الطبقات (2 ـ185): ((الشيخ شعبان المجذوب رضي الله عنه ، كان من أهل التصريف بمصر المحروسة ، وكان يخبر بوقائع الزمان المستقبل وأخبرني سيدي علي الخواص رضي الله عنه أن الله تعالى يطلع الشيخ شعبان على ما يقع في كل سنة من رؤية هلالها ، فكان إذا رأى الهلال عرف جميع ما فيه مكتوباً على العباد)).
وقال: ((وكان يقرأ سورا غير السور التي في القرآن على كراسي المساجد يوم الجمعة وغيرها فلا ينكر عليه أحد ، وكان العامي يظن أنها من القرآن لشبهها بالآيات في الفواصل))
وقال: ((وقد سمعته مرة يقرأ على باب دار، على طريقة الفقهاء الذين يقرؤون في البيوت فأصغيت إلى ما يقول فسمعته يقول: "وما أنتم في تصديق هود بصادقين ، ولقد أرسل الله لنا قوماً بالمؤتفكات يضربوننا ويأخذون أموالنا وما لنا من ناصرين" ثم قال: اللهم اجعل ثواب ما قرأناه من الكلام العزيز في صحائف فلان وفلان إلى آخر ما قال)).(1/27)
وقال أيضاً في الطبقات (2ـ142): ((الشيخ إبراهيم العريان رضي الله عنه ،كان يُخرج الريح بحضرة الأكابر ثم يقول: هذه ضرطة فلان ، ويحلف على ذلك ، فيخجل ذلك الكبير منه ، مات رضي الله عنه سنة نيف وثلاثين وتسعمائه)). ((وكان رضي الله عنه يطلع المنبر ويخطب عرياناً ...... فيحصل للناس بسط عظيم)).
وقال أيضاً: ((شيخنا أبو علي هذا كان من جماعته: الشيخ عبيد: وأخبرني بعض الثقات أنه كان مع الشيخ عبيد في مركب فوحلت ، فلم يستطع أحد أن يزحزحها ، فقال الشيخ عبيد: اربطوها في بيضي (الخصيتين) بحبل وأنا أنزل اسحبها ففعلوا ، فسحبها ببيضه حتى تخلصت من الوحل إلى البحر ، مات رضي الله عنه في سنة نيف وتسعين وثمانمائه)).
وقال أيضاً في الطبقات (2ـ 87): ((سيدي الشيخ محمد الغمري ، أحد أعيان أصحاب سيدي أحمد الزاهد رضي الله عنه ، كان من العلماء العاملين والفقراء الزاهدين المحققين سار في الطريق يسيرة صالحة وكانت جماعته في المحلة الكبرى وغيرها يضرب بهم المثل في الأدب والاجتهاد ، قال: ودخل عليه سيدي محمد بن شعيب الخيسي يوماً الخلوة فرآه جالساً في الهواء وله سبع عيون فقال له: الكامل من الرجال يسمى أبا العيون)).
وقال أيضاً في الطبقات (2ـ88): ((سيدنا ومولانا شمس الدين الحنفي كان رضي الله عنه من أجلاء مشايخ مصر وسادات العارفين صاحب الكرامات الظاهرة والأفعال الفاخرة والأحوال الخارقة والمقامات السنية)) إلى أن قال: ((وهو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود ، وصرفه في الكون)). إلى أن قال: ((قال الشيخ أبو العباس: وكنت إذا جئته وهو في الخلوة أقف على بابها فإن قال لي ادخل دخلت ، وإن سكت رجعت فدخلت عليه يوما بلا استئذان فوقع بصري على أسد عظيم فغشي علي فلما أفقت خرجت واستغفرت الله تعالى من الدخول عليه بلا إذن ". ثم قال" وقد مكث في خلوته سبع سنين تحت الأرض ابتدأها وعمره أربع عشرة سنة".(1/28)
"قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: ولم يخرج الشيخ من تلك الخلوة حتى سمع هاتفا يقول: يا محمد اخرج انفع الناس ثلاث مرات ، وقال له في الثالثة: إن لم تخرج وإلا هيه. فقال الشيخ: فما بعد هيه إلا القطيعة ، قال الشيخ فقمت وخرجت إلى الزاوية فرأيت على السقيفة جماعة يتوضؤون فمنهم من على رأسه عمامة صفراء ومنهم زرقاء ، ومنهم من وجهه وجه قرد ، ومنهم من وجهه وجه خنزير ، ومنهم من وجهه كالقمر ، فعلمت أن الله أطلعني على عواقب أمور هؤلاء الناس ، فرجعت إلى خلفي وتوجهت إلى الله تعالى فستر عني ما كشف لي من أحوال الناس وصرت كآحاد الناس)).
وقال أيضاً في ترجمة علي وحيش في الطبقات (2ـ149): ((كان رضي الله عنه من أعيان المجاذيب أرباب الأحوال ...وله كرامات وخوارق واجتمعت به يوماً)). إلى أن قال : ((وكان إذا رأى شيخَ بلدٍ أو غيرَه ينزله مِن على الحمارة ويقول له: أمسِك رأسَها حتى أفعل فيها! فإن أبى الشيخ تسمَّر في الأرض لا يستطيع أن يمشي خطوةً، وإن سمح حصل له خجلٌ عظيمٌ والناس يمرُّون عليه)).
ويقول الشعراني عن نفسه في كتابه "الطبقات: ((إنَّ سبَبَ حضوري مولد "أحمد البدوي" كلَّ سَنَةٍ أنَّ شيخي العارف بالله تعالى "محمد الشناوي" رضي الله عنه! أحدَ أعيان بيته رحمه الله، قد كان أخذ عليّ العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه، وسلَّمني بيده، فخرجت اليد الشريفة من الضريح! - بين الشعراني والبدوي نحو أربعة قرون! -وقبضت على يدي. وقال: يا سيدي يكون خاطرك عليه، واجعله تحت نظرك! فسمعتُ "سيدي أحمد" من القبر يقول: نعم. ولما دخلتُ بزوجتي فاطمة أم عبد الرحمن وهي بكرٌ، مكثتُ خمسةَ شهورٍ لم أقرب منها فجاءني وأخذني وهي معي، وفرش لي فراشاً فوق ركن القبة التي على يسار الداخل، وطبخ لي الحلوى، ودعا الأحياء والأموات إليه! وقال: أزِل بكارتها هنا! فكان الأمر تلك الليلة)) الطبقات (1ـ161(1/29)
وصل الأمر بهم إلى فض الأبكار فى معابدهم الوثنية التى أسموها زوراً وبهتاناً مساجد فالله الله لا منجى لنا سواه .
ونقول لكل مكابر ومعاند يزعم أن القوم يتكلمون فيما لا نفهمه إن ديننا الحنيف لا كهنوتية فيه ولا أسرار ولا بواطن , ووجب التحذير من كل من إدعى كمال دينى أو علم بغيب أو تصويب بواطن مزعومة أغفل تجليتها المرسلين فبينها الملحدين كذباً وزوراً وإفتراء على الله ورسله .
ألا تريد أن يكون للأجيال من بعدنا ( سلف ) في التحذير من هذه المقالات الفاسدة ، وبيان خطرها على الناس ؟! .
أوليست هذه المقالات متجددة ، ويتناقلها الصوفيون في ( بيعاتهم ) و ( خلواتهم ) ؟! ، فكيف تُمر ولا تنكر ؟! ، حتى يأتي من بعد من يقول : لم ينكرها أحد!.
وما دخل ابن تيمية في ( ابن عربي ) و ( القونوي ) و ( التلمساني ) حتى يتتبع كتبهم ومقالاتهم ويخر بها على رؤوس أتباعهم ؟! .
أليس الداعى هنا هو المجاهدة والمنافحة عن هذه الشريعة الغراء من إفتراءات كل معاند متزندق يهرف بما لا يعرف فضّل وأضّل عياذاً بالله تعالى .
ثم ما الذي يضرك ؟ .
ألست معنا بأن هذه العقائد فاسدة ، وأنها في حضيض السخافة ! ، فلو أن هذه الكتب كأصحابها كانت فبانت ولم يعرف لها ذكر لما التفت إليها أحد ، ولكنها تطبع وتجدد وتوزع أحياناً بالمجان !!! ، فما الذي يبيح لي ولك ( غش الأمة ) و ( تسليمها ) لهذا الشر العظيم ، والخطر الوخيم الدهيم.(1/30)
و أنقل هذه السخافة من كتاب " طبقات الخواص " للزبيدي [ ص : 308 ] ، فقد ذكر في ترجمة محمد بن موسى بن عجيل أن صاحبه ماتت زوجته ، وكان يحبها حباً شديدا ، قال الزبيدي : ( فأسف عليها أسفاً كثيرا ، فقصد الفقيه محمد بن موسى ، وشكا عليه حاله ، وقال : مرادي أن أراها وأعلم ما صارت إليه ، فاعتذر منه الفقيه !!!! ، فلم يقبل منه وقال : ما أرجع إلاّ بقضاء حاجتي ، وكان له محل عند الفقيه ، فامتهله ثلاثة أيام ، ثم طلبه ذات يوم ، وقال له : ادخل هذا البيت إلى امرأتك ، فدخل فوجدها على هيئة حسنة وعليها لباس حسن ، وسألها عن حالها فأخبرته أنها على خير ، فسر لذلك ، ثم خرج إلى الفقيه مسرورا طيب النفس ، وقد سكن ما كان يجده من الأسف !!!!! ) .
تامل هذا جيداً واحمد ربك على العافية .
يقول علي وفا : ( اعلم أن قلوب الرجال امثال الجبال فكما أن الجبال لا يزيلها عن أماكنها إلا الشرك بالله كما قال عز وجل : ( وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) ، وكذلك قلوب الرجال لا سيما الولي لا يزيل قلبه إلا الشرك الواقع من تلامذته معه !!!! ، من إشراك أحد معه في المحبة ، لا يزيله إلا ذلك ، لا تقصير في الخدمة ولا غير ذلك !! ) [ رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم : 1/118-119 ] .
وأى تحريف وتهريف وتخريف أعظم من هذا ؟
الشرك عند القوم ليس شركاً بالله
ولكن أن تشرك مع الولى غيره ولا حول ولا قوة إلا بالله
وما هذا إلا لترسيخ عقيدتم الفاسدة من وحدة الوجود وإتحاد المخلوق وإمتزاجه بخالقه .. كيف يكون هذا ؟ وأى منهج حق يدعوا إلى هذا الكفر ؟
نعوذ بالله من الخذلان
ولعلنا نحفظ الحديث الرباني : ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ... ) الحديث .(1/31)
فاقرءوا ما يقوله الدسوقي لأحد مريده : (يا ولدي إن صح عهدك معي فأنا منك قريب غير بعيد !!! ، وأنا في ذهنك ، وأنا في سمعك ، وأنا في طرفك ، وأنا في جميع حواسك ، الظاهرة والباطنة !! ، وإن لم يصح عهدك لا تشهد منّي إلا البعد ) [ الطبقات الكبرى : 1/150 ] .
هنا وعند هذا المخرف تطفح العقيدة الفاسدة وهيئ له وسواسه الخبيث أنه سمع مريده وبصره ويده ورجله محاكاة للصفات الربانية التى بينّها الحديث السالف, فأى تحريف للكتاب والسنة أعظم من هذا ؟
تأملوا هذا جيدا واعرفوا فضل الله عليكم ، واسألوا ربكم العافية .
وهذا ما وصى به ولىّ دعىّ مريده ...وهذا ما يدعوه إليه
فهو دين القوم ومعتقدهم المهلك
فلا يدعونك إلى توحيد أو تنزيه لله
ولكن وحد الأولياء ونزه الأدعياء وسالم الأشقياء واتهم الأتقياء
ولا تتنسى أن تحج لمقامات العارفين لتلمس البركات
فزر مصر وقف على ( قبر الحسين ) و ( ضريح الست نفيسة !! ) و ( وضريح السيدة عائشة ! ) و ( سكينة ) و ( السيدة زينب ) و ( ضريح الشافعي ) و ( ضريح الليث بن سعد ) !!! .
وقف على قباب العراق ، في أكثر من مائة وخمسين ضريح مشهور مزار متبرك بأعتابه !! . فكيف بالأضرحة المغمورة !!! .
وقف لحظات عند قبر الأوزراعي في جنوب بيروت وما عنده من عجائز ركع رتع !! ، وخرق معلقة ، وسدنة ، ونذور !!!! .
وزر دمشق وابحث لنا عن صدق قول عبدالرحمن بك ( ت : 1890م ) بأنها : أربع وتسعين ومائة ضريح إن لم تزد في عام ( 2005 م ) ؟! .
وتقلب في جنبات الهند ، وقف على مذهلات العقول من الشرك بالله تعالى ، وحج الآلاف بل الملايين لها ! .
وارحل إلى ( ميرغني ) السودان ، وجنبات الإدريسيين في بلاد المغرب .
وارحل إلى ( تريم ) و ( سييون ) وسوف يزول عنك هذا الشك بإذن الله !!!!! .(1/32)
هذا ما يجهد الجفري والصوفيون اليوم إلى تجديده ، وإحياء رسومه ، وإعادة تاريخ ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى !!! .
نسأل الله السلامة لديننا والنجاة وأن يختم لنا بخاتمة الموحدين
لا إله إلا الله .
قال الأمير الصنعاني في قصيدة مدحه لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب :
ويعمر أركان الشريعة هادما ******** مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله ******* يغوث و ود بئس ذلك من ودِ
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ******* كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة ******* أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبّل ******** ومستلم الأركان منهن باليدِّ
فأنقذ نفسك من النار ، وافزع إلى من بيده مقاليد الأمور ، ودعانا كي نفزع إليه وننكسر بين يديه ، ويفرح بذلك ، ويتودد إلينا بالإجابة ، وهو الحي الذي لا يموت .
ولماذا لا نشتغل بإحياء دعوة المرسلين إلى توحيد رب العالمين ، وإحياء سنة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ، وننقذ الناس من ( الطرق ) و ( الخرق ) وسائر البدع .
ونزهد ، ونتورع ، ونتعبد لله تعالى ، ونذكر الله تعالى في كل حين ولا حاجة إلى ( تصوف ) و ( صوفة ) و ( صفو !! ) احوال .
ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور .
لا حاجة لنا فى تغير هويتنا التى اختارنا الله تعالى لها
ووسمنا وسمانا به
المسلمين الموحدين عباد رب العالمين
لا الطرقية المهرطقين أتباع الفلاسفة الماجنين
الله أرادها إسلامية فلن تكون أبداً صوفية أو شيعية
آمل من القارئ الكريم تأمل هذه النقولات التي يقف لها شعر الموحد ذهولا وعجبا ، ويقف عندها خوفاً و وجلا ، وكيف يعمي الله أبصار بعض الخلائق ويطمس على وجهها ويصرفها عن السبيل ! ، ففي كتاب " الإبريز " ( ص : 240 )(1/33)
يقول الدباغ : ( الشيخ للمريد في درجة لا إله إلاّ الله ، محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله ، فإيمانه متعلق به ، وكذا سائر أموره الدينية والدنيوية ! ، فقال له ابن مبارك – تلميذه – ( وليس ابن المبارك العالم الجليل ) : إني أخاف من الله تعالى في أمور فعلتها ! ، فقال لي : ما هي ؟ ، فذكرت له ما حصل ، فقال لي : لا تخف من هذه الأشياء !!! ، ولكن أكبر الكبائر في حقك أن تمر عليك ساعة ولا أكون في خاطرك ، فهذه هي المعصية التي تضرك في دينك ودنياك !!! ) .
فتأمل يا عبد الله كيف ضاهي مكانته بمكانة الشهادتين في الإسلام ، وكيف هوّن على مريده الخوف من الله تعالى ، وكيف عظّم متابعته ومراقبته وجعل فواتها من أكبر الكبائر بل أكبرها على الإطلاق .
والنبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الذنب أكبر ؟ فقال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك ) .
انظر كتاب : تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي – محمد أحمد لوح – 421 .
وخذ على هامش الخرافات والزندقة ما نقله ( الشعراني ) في " طبقاته " ( 1/170 ) عن الدسوقي قوله : (أنا في السماء شاهدت ربي وعلى الكرسي خاطبته !!! ، أنا بيدي أبواب النار غلقتها ، وبيدي جنة الفردوس فتحتها ، من زارني أسكنته جنة الفردوس ) .(1/34)
قلت : لعنك الله يا ملحد ! ، فالله تعالى ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103) ، والله لا يجلس على الكرسي وإنما ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5) ، وأبواب النار مفتحة الأبواب ترتقب أهل الضلال وتقول : هل من مزيد ! ، وأبواب الجنة لا تفتح لأحد قبل الحبيب الخليل محمد صلى الله عليه وسلم ، والجنة ملك الله تعالى يدخلها الله من يشاء من عباده وليس للكافرين لهم فيها نصيب : ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: من الآية72) .
تأملوا هذا يا أرباب العقول ويا أصحاب الحجا ، واعرفوا فضل الله عليكم أن هداكم للإسلام ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
*****
من سخافات عقول [الصوفية ] إيمانهم برؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ، ونفي موته الذي نصّ الله تعالى في القرآن الكريم في قوله سبحانه : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:144) ، وقوله سبحانه : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (الزمر:30) ، فخلطوا في فهم معنى حياة الأنبياء حتى : أطلقوا لهم الحياة المطلقة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من قبره ، ويتفقد أحوال أمته ، ويغيث من استغاث به ، وغير ذلك من الترهات والخزعبلات التي تمجها عقول العقلاء فكيف بأهل الإسلام النبلاء ؟! .(1/35)
فهذا إبراهيم المتبولي !! ، من أئمة الصوفية ، يقول عنه الشعراني في [ طبقاته : 1/68 ] أنه كان يرى النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً في المنام ، فيخبر بذلك أمه ، فتقول : يا ولدي إنما الرجل من يجتمع به في اليقظة ، فلما صار يجتمع به في اليقظة ويشاوره على أموره ، قالت له : الآن شرعت في مقام الرجولية !! ) .
قلت : بل والله شرع في الدجولية !! ، وسخافة العقول .
ويقول تلميذه عبدالقادر الدشطوطي : ( ... ليس أحد من الأولياء له سماط يمد كل سنة فوق سد الاسكندر ذي القرنين غير سيدي إبراهيم المتبولي .... ولا يتخلف أحد من الأنبياء والأولياء عن حضوره ، فيجلس النبي صلى الله عليه وسلم صدر السماط والأنبياء يميناً وشمالاً على تفاوت درجاتهم .. ) [ طبقات الشعراني : 2/77 ] .
فمن المتبولى هذا ؟ وما منزلته ؟
أليس هذا لترسيخ معتقدهم الفاسد فى أن الولى أفضل من النبى ؟
وفي ترجمة محمد الفيومي الصوفي !! ذكر الشعراني في [ طبقاته : 2/160 ] : ( أنه كان يخبر أنه يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة أي وقت أراد !!! ) .
قال الشعراني معلّقاً : (وهو صادق !!!! ، لأنه صلى الله عليه وسلم سائر في كل مكان وجدت فيه شريعته وما منع الناس من رؤيته إلا غلظ حجابهم !! ) .
قلت : بل أنت وإياه كاذبان ضالان ، فأين الذين يدافعون عن الصوفية من هذه الادعاءات الفاسدة وأمثال هذه العقائد الكفرية التي ما قال بها اليهود ولا النصارى في أنبيائهم وأحبارهم ورهبانهم ، ولا الرافضة في رجعتهم !! ، فأي ضلال هذا الضلال ، نعوذ بالله من الخذلان .
وهذا الشعراني – بريد الكفر – ينقل عنه الفوتي قوله : ( فلا يزال أحدهم يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكثر منها ، ويتطهر من كل الذنوب حتى يجتمع به يقظة في أي وقتٍ شاء ، ومن لم يحصل له هذا الاجتماع فهو إلى الآن لم يكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الإكثار المطلوب .. ) .(1/36)
ويقول : ( لا يكمل الرجل عندنا مقام العرفان حتى يصير يجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة ) .
وقال : ( وممن رآه يقظة من السلف !!!! : الشيخ أبو مدين المغربي ، والشيخ عبدالرحيم القناوي ، والشيخ موسى الزواوي ، والشيخ أبو الحسن الشاذلي ، والشيخ أبو العباس المرسي ، والشيخ أبو السعود بن أبي العشائر ، و سيدي إبراهيم المتبولي ، والشيخ جلال الدين السيوطي : وكان يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واجتمعت به يقظة نيفاً وسبعين مرة !!! ، وأما سيدي إبراهيم المتبولي فلا يحصى اجتماعه به ... ) [ رماح حزب الرحيم – عمر بن سعيد الفوتي – 1/199 ] .
وفي الباب نفسه ما تتناقله الرفاعية و علي الجفري !!!! عن أحمد الرفاعي من أنه لما حج وقف على القبر الشريف وأنشد قوله :
في حالة البعد روحي كنت أرسلها ******* تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه نوبة الأشياخ قد ظهرت ****** فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
قالوا : فخرجت إليه يد النبي صلى الله عليه وسلم من القبر فقبلها ؟! .
وعقد الفوتي التيجاني فصلاً يقول فيه : ( الفصل الحادي والثلاثون في إعلامهم أن الأولياء يرون النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ، وأنه صلى الله عليه وسلم يحشر كل مجلس أو مكان أراد بجسمه وروحه ... ) [ رماح حزب الرحيم – 1/198 ] .
وهذا الشاذلي إمام الطريقة يحكي عنه الشعراني أنه كثير الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم !! ومن ذلك قوله : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على سطح الجامع الأزهر عام خمسة وعشرين وثمانمائة فوضع يده على قلبي وقال : يا ولدي الغيبة حرام ، ألم تسمع قول الله تعالى : ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً )(الحجرات: 12) وكان قد جلس عندي جماعة فاغتابوا بعض الناس .. ) [ طبقات الشعراني : 2/65 ] .(1/37)
بل لا تعجب إذا قيل لك بأن الصوفية يعتقدون رؤية الأولياء بعد موتهم يقظة بأجسادهم وأرواحهم !! ، فقد ذكر الشعراني في ترجمة العياشي من ذلك شيئاً فقال : ( وكانت الأولياء الأموات يزورونه كثيراً لا سيما الشافعي !!!!! رضي الله عنه ، فكان يخبر أنه كان عنده يقظة لا نوماً ، وكان من لا يعرف حاله يقول : هذا خراف ) طبقات الشعراني : 2/162 .
وللصوفية في هذا الباب من العجائب والغرائب مما ينادي بها عليهم بالجهل والزندقة !! ، والله المستعان .
موقف الصوفية المعاصرة إلا قليل . من التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به كتبه .
لقد وقف الصوفية من التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به في كتبه موقفاً معادياً ويتمثل ذلك فى :
أولاً : قال بعضهم أنه لا يمكن التعبير عن التوحيد بل هو شيء خيالي ومن عبر عنه فقد أشرك وكفر .
ثانياً : لقد صرح الصوفية بأن التوحيد الذي أرسل الله الرسل وأنزل الكتب من أجله توحيد العوام أما الخواص يعتبر هذا التوحيد عندهم شركاً .
ثالثاً : لقد قسم الصوفية التوحيد إلى أقسام لم ترد في الكتاب ولا في السنة .
وباختصار فإنهم وقفوا من التوحيد الصحيح موقفاً معاديا وأتوا بتصورات جديدة من عند أنفسهم للتوحيد وإليك بيان هذا بنقل عباراتهم التي تدل على ما قلناه .
قول المتصوفة : إنه لا تصح العبارة عن (( التوحيد )), والتعبير عنه كفر بإجماع المسلمين هذا من أكبر ضلالاتهم ولا أدرى من أين أتوا بالإجماع المزعوم ؟.
فإن الله قد عبر عن التوحيد ورسوله عبر عن توحيده والقرآن مملوء من ذكر التوحيد بل إنما أرسل الله الرسل وأنزل الكتب بالتوحيد قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }الأنبياء25
وما أرسلنا من قبلك - أيها الرسول - من رسول إلا نوحي إليه أنه لا معبود بحق إلا الله, فأخْلصوا العبادة له وحده.(1/38)
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }الزخرف45.
واسأل -أيها الرسول- أتباع مَن أرسلنا مِن قبلك من رسلنا وحملة شرائعهم: أجاءت رسلهم بعبادة غير الله؟ فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع; فإن جميع الرسل دَعَوْا إلى ما دعوتَ الناس إليه من عبادة الله وحده, لا شريك له, ونهَوْا عن عبادة ما سوى الله.
وقال تعالى : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92
هؤلاء الأنبياء جميعًا دينهم واحد, الإسلام, وهو الاستسلام لله بالطاعة وإفراده بالعبادة, والله سبحانه وتعالى رب الخلق فاعبدوه - أيها الناس - وحده لا شريك له..
{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ }العنكبوت56
يا عبادي الذين آمنوا إن كنتم في ضيق من إظهار الإيمان وعبادة الله وحده, فهاجِروا إلى أرض الله الواسعة, وأخلصوا العبادة لي وحدي.
وقال جل وعلا :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء94(1/39)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إذا خرجتم في الأرض مجاهدين في سبيل الله فكونوا على بينة مما تأتون وتتركون, ولا تنفوا الإيمان عمن بدا منه شيء من علامات الإسلام ولم يقاتلكم; لاحتمال أن يكون مؤمنًا يخفي إيمانه, طالبين بذلك متاع الحياة الدنيا, والله تعالى عنده من الفضل والعطاء ما يغنيكم به, كذلك كنتم في بدء الإسلام تخفون إيمانكم عن قومكم من المشركين فمَنَّ الله عليكم, وأعزَّكم بالإيمان والقوة, فكونوا على بيِّنة ومعرفة في أموركم. إن الله تعالى عليم بكل أعمالكم, مطَّلع على دقائق أموركم, وسيجازيكم عليها.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء135
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, كونوا قائمين بالعدل, مؤدين للشهادة لوجه الله تعالى, ولو كانت على أنفسكم, أو على آبائكم وأمهاتكم, أو على أقاربكم, مهما كان شأن المشهود عليه غنيًّا أو فقيرًا; فإن الله تعالى أولى بهما منكم, وأعلم بما فيه صلاحهما, فلا يحملنَّكم الهوى والتعصب على ترك العدل, وإن تحرفوا الشهادة بألسنتكم فتأتوا بها على غير حقيقتها, أو تعرضوا عنها بترك أدائها أو بكتمانها, فإن الله تعالى كان عليمًا بدقائق أعمالكم, وسيجازيكم بها.
فهو الله سبحانه
{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً }الفرقان59(1/40)
الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش- أي علا وارتفع- استواءً يليق بجلاله، هو الرحمن، فاسأل - أيها النبي - به خبيرًا، يعني بذلك سبحانه نفسه الكريمة، فهو الذي يعلم صفاته وعظمته وجلاله. ولا أحد من البشر أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
ولو لم يصح عنه عبارة لما نطق به أحد .
وأفضل ما نطق به الناطقون هو التوحيد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله ) . " سنن ابن ماجة 2/ 1249" .
وفي حديث آخر قال رسول الله : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقي يهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة ) " صحيح مسلم مع النووي 1/226".
ومن المتصوفة الذين اعتبروا التوحيد الذي جاء في الكتاب والسنة شركاً وجحوداً . لسان الدين الخطيب فقد قال هذا الرجل معبراً عن المعتقد الصوفي وموقفهم من توحيد الله الذي جاء في كتابه وسنة رسوله محمد :
( قالوا فمن وحد ونعت فقد عين قضية ثلاثية من موحد ومحدث وهو نفسه وموحد قديم وهو معبودة وتوحيد حديث وهو فعل نفسه وقد تقدم أن التوحيد انتقاء عين الحدوث وعين الحدوث الآن ثابت متعدد والتوحيد مجحود والدعوى كاذبة كمن يقول لغيره وهما في بيت واحد ليس في البيت غيرك فيجيبه الآخر إنما يصح هذا إذا عدمت أنت ) .
ونقل عن أحد الحكماء (( وكثيراً نقلهم عن حكمائهم ولو بحثت عن هؤلاء لوجدتهم المهرطقة الفلاسفة)) مستشهداً به لإثبات نظرية تجاه التوحيد !!! ما يلي فقال :(1/41)
( قال الحكيم في قولهم : [خلق الله الزمان ] : هذه ألفاظ تناقض أصولها لأن خلق الزمان وهو فعل لا بد من وقوعه في زمن وهذا اقتضاه ضيق العبارة عنه وعدم تأدية اللسان إلى الحق فيه فإذا تحقق فكان الموحد وهو الموحد وعدم سواه وهذب الحدوث جملة صح التوحيد الذاتي وهو قولهم : [ لا يعرف الله إلا الله ] ) . " روضة التعريف بالحب الشريف " للسان الدين الخطيب (ص499). من هذا الحكيم وما ديانته ؟
هذا اعظم الفروق بيننا وبينكم يا من حرفتم دين الحى الذى لا يموت . بكلام حكيم !!!
من خلال هاتين الحكايتين اللتين أوردتهما عن , لسان الدين الخطيب يتضح جلياً بأن هذا الرجل يعتبر التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به الكتب ليس توحيداً صحيحاً بل هو عين التعدد وذلك لأنه يتكون من شخص والذي يطلق عليه موحد ومن الله سبحانه وتعالى ويطلق عليه موحد ومن التوحيد .
ونحن أمة مسلمة مؤمنة بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً لا نعتبر هذا تعدداً في التوحيد بل هو عين التوحيد لأن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله وأنزل كتبه على خلقه من أجل أن يوحدوه وقد بلغ الرسل صلوات الله وسلامه عليهم هذا التوحيد الذي أمرهم الله بتبليغه فوحد المؤمنون ربهم بهذا التوحيد .(1/42)
ولذا فإن اعتبار لسان الدين الخطيب هذا تعدداً إنما هو مغالطة واضحة منه قصد من ورائها القضاء على توحيد الله سبحانه وتعالى الذي أرسل الله به الرسل وأنزل الكتب من أجله ليسهل بعد ذلك نقلهم إلى اعتناق عقائد فاسدة التي نقلها المتصوفة من الفلسفات الوثنية القديمة والديانات المحرفة مثل القول بحلول الله في مخلوقاته وهذا واضح في قول لسان الدين الخطيب السابق : [ لا يعرف الله إلا الله ] وقوله : [ فكان الموحد هو الموحد ] . هذه العبارات تساوي القول بحلول الله في مخلوقاته وهي عقيدة باطلة مخالفة لما جاء في الكتاب والسنة من الاعتقاد الواجب تجاه الله سبحانه وتعالى حيث إن من العقائد المعلومة بالضرورة تجاه الله سبحانه وتعالى هو الاعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى مباين لمخلوقاته في ذاته وصفاته وأفعاله كما
في قوله تعالى : {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11
الله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والأرض ومبدعهما بقدرته ومشيئته وحكمته, جعل لكم من أنفسكم أزواجًا؛ لتسكنوا إليها, وجعل لكم من الأنعام أزواجًا ذكورًا وإناثًا, يكثركم بسببه بالتوالد, ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته, لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ لأن أسماءه كلَّها حسنى, وصفاتِه صفات كمال وعظمة, وأفعالَه تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، وهو السميع البصير, لا يخفى عليه مِن أعمال خلقه وأقوالهم شيء, وسيجازيهم على ذلك..
وقوله تعالى : {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }الإخلاص4
ولم يكن له مماثلا ولا مشابهًا أحد من خلقه, لا في أسمائه ولا في صفاته, ولا في أفعاله, تبارك وتعالى وتقدَّس..(1/43)
وقوله : {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }مريم65
فهو الله رب السموات والأرض وما بينهما, ومالك ذلك كله وخالقه ومدبره, فاعبده وحده - أيها النبي - واصبر على طاعته أنت ومَن تبعك, ليس كمثله شيء في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله..
وقد نقل لسان الدين المحرف عن أحد المتصوفة ولم يذكر أسمه أنه قال عن التوحيد :
( اعلم أن لطائف التوحيد أرق وألطف من أن تخرج بكثيف العبارة ) . " روضة التعريف بالحب الشريف (ص498)" .وهل كثيف العبارة المزعوم من هذا الدعى إلا لسان بيان محمد صلى الله عليه وسلم يقول الحق وهو أصدق القائلين : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }إبراهيم4
وما أرسلنا مِن رسولٍ قبلك -أيها النبي- إلا بلُغة قومه; ليوضِّح لهم شريعة الله, فيضل الله من يشاء عن الهدى, ويهدي من يشاء إلى الحق, وهو العزيز في ملكه, الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها وَفْق الحكمة.
ويقول تبارك وتعالى : {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }النحل103
ولقد نعلم أن المشركين يقولون: إن النبي يتلقى القرآن مِن بشر مِن بني آدم. كذبوا; فإن لسان الذي نسبوا إليه تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أعجمي لا يُفصح, والقرآن عربي غاية في الوضوح والبيان.
وحكي عن منصور المغربي أنه قال :
( كنت بجامع بغداد والحصيري يتكلم في التوحيد فرأيت ملكين يعرجان إلى السماء فقال أحدهما لصاحبه : هذا علم التوحيد والتوحيد غيره وكنت بين اليقظة والمنام ) " روضة التعريف بالحب الشريف (ص498)" .
ونقل عن الواسطي أنه قال :(1/44)
( لا تصح المعرفة وفي العبد استغناء بالله وافتقار إليه ) .وللأستاذ القشيرى تعليق على هذا الكلام فى رسالته.
أقول : فالنصوص السابقة كلها منقولة عن كتاب متصوفة كبار معروفين وبالإضافة إلى ذلك قالها أناس متصوفة وألفاظها واضحة وصريحة لا تحتاج إلى توضيح أو شرح .
ففي النص الأول : زعم هذا الصوفي أنه لا يمكن أن يعبر عن التوحيد لأن هذه العبارة كثيفة والتوحيد رقيق ولطيف وهو افتراء على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب مبين .
وفي النص الثاني : يقول هذا الصوفي أنه كان الحصيري يتكلم في التوحيد والله أعلم بنوع التوحيد الذي يتكلم عنه هذا الرجل وأنه سمع ملكين يقول أحدهما لصاحبه : إن ما يقوله هذا الرجل علم ولكن التوحيد غيره .
وفي النص الثالث : يزعم هذا الصوفي بأن حقيقة التوحيد هي نسيان التوحيد ولا أدري كيف يمكن الوصول إلى تحقيق التوحيد مع نسيانه ؟!! إن هذا لشيء عجاب بل هو استهزاء واستهتار وسخرية بعقول الناس وما هذه العبارة إلا دعوة إلى نسيان التوحيد حتى يسهل لهم غرس الشركيات في قلوب الناس بعد أن يفرغوها تماماً من التوحيد الصحيح الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى .
أما النص الرابع : فقد زعم فيه هذا الصوفي أنه لا يمكن أن يطلق على أحد أنه عارف بالله سبحانه وتعالى ومعرفة الله سبحانه وتعالى حسب ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله عند أهل السنة والجماعة هي توحيد الله في ربوبيته وإلوهيته وأسمائه وصفاته وتحليل ما أحله الله تحريم ما حرمه الله وطاعته الطاعة المطلقة وطاعة الرسول هذه هي معرفة الله ومتطلباتها أما من شرط للمعرفة عدم الاستغناء بالله والافتقار إليه فهذه ليست معرفة الله بل هي كفر بالله وتكبر عليه ولعل هذا الرجل يقصد القول بعقيدة الحلول .
ومن مشائخ الصوفية الذين تكلموا عن التوحيد جمال الدين محمد أبو المواهب الشاذلي في كتابه ( قوانين حكم الإشراق ) فقد قال متحدثاً عن التوحيد عند الصوفية :(1/45)
( توحيد (( هو )) تعداد وتوحيد (( أنا )) إفراد فإذا أردت أن تستغرق بحر الإفراد وتقف على الساحل مع الأفراد فاجعل توحيدك ((هو )) بلا ((هو )) فهناك تذهب بينونة البين ) " قوانين حكم الإشراق ص10" .
ففي هذا النص يتضح لنا جلياً بأن هذا الصوفي اعتبر كلمة [ هو ] دالة على التعدد و [ هو ] وجود رب وعبد وأن هذا ليس بتوحيد صحيح لأنه يفهم منه أن هناك مخلوقاً وخالقاً وأن التوحيد الصحيح حسب زعم المتصوفة هو أن يلقى هذا المعتقد ويصل إلى مرحلة يقول فيها [ أنا ] فإذا وصل هذه المرحلة فقد حقق التوحيد لأنه نفي وجود أي شيء إلا الله سبحانه وتعالى وبمعنى أدق يرمي هذا الرجل إلى عقيدة وحدة الوجود والتي هي أن كل ما في هذا الكون مجالي ومظاهر لله سبحانه وتعالى وبالتالي يجوز عبادة كل ما في هذا الكون ولذا فالتوحيد الذي يدعو إليه المتصوفة هو القول بوحدة الوجود وهذا ليس توحيداً بل هو الإلحاد بعينه وأي إلحاد أعظم من هذا الإلحاد الذي يجعل كل ما يدب على وجه الأرض أربابا وآلهة سبحانك هذا بهتان عظيم وأفك مبين .
ألا يدرى هذا الأفاك أن هناك فرق فى الأعتقاد و القصد وفى اللغة بين قولى (( هو الله الخالق الرازق )) وبين قولى (( هو محمد الصادق الأمين )) وبين قولى (( هو شيخ الإسلام )) أو قولى فى حقك لو سئلت عنك لقلت (( هو دعىّ كذاب )) بأى لغة تتحدثون وعلى من تلبسون ؟
لأن إعتقادى فى ربى أنه : {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11(1/46)
الله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والأرض ومبدعهما بقدرته ومشيئته وحكمته, جعل لكم من أنفسكم أزواجًا؛ لتسكنوا إليها, وجعل لكم من الأنعام أزواجًا ذكورًا وإناثًا, يكثركم بسببه بالتوالد, ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته, لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ لأن أسماءه كلَّها حسنى, وصفاتِه صفات كمال وعظمة, وأفعالَه تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، وهو السميع البصير, لا يخفى عليه مِن أعمال خلقه وأقوالهم شيء, وسيجازيهم على ذلك.
وإعتقادى فى رسولى صلى الله عليه وسلم :
{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }الأنعام50
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إني لا أدَّعي أني أملك خزائن السموات والأرض, فأتصرف فيها, ولا أدَّعي أني أعلم الغيب, ولا أدَّعي أني ملك, وإنما أنا رسول من عند الله, أتبع ما يوحى إليَّ, وأبلِّغ وحيه إلى الناس, قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: هل يستوي الكافر الذي عَمِي عن آيات الله تعالى فلم يؤمن بها والمؤمن الذي أبصر آيات الله فآمن بها؟ أفلا تتفكرون في آيات الله; لتبصروا الحق فتؤمنوا به؟
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }الكهف110
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ من ربي أنما إلهكم إله واحد، فمَن كان يخاف عذاب ربه ويرجو ثوابه يوم لقائه، فليعمل عملا صالحًا لربه موافقًا لشرعه، ولا يشرك في العبادة معه أحدًا غيره.
وإعتقادى فى شيخ الإسلام ابن تيمية :(1/47)
أن الله سبحانه وتعالى وفقه لكشف دعاويكم الباطل أكثرها .
{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء83
وإذا جاء هؤلاء الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم أمْرٌ يجب كتمانه متعلقًا بالأمن الذي يعود خيره على الإسلام والمسلمين, أو بالخوف الذي يلقي في قلوبهم عدم الاطمئنان, أفشوه وأذاعوا به في الناس, ولو ردَّ هؤلاء ما جاءهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أهل العلم والفقه لَعَلِمَ حقيقة معناه أهل الاستنباط منهم. ولولا أنْ تَفَضَّلَ الله عليكم ورحمكم لاتبعتم الشيطان ووساوسه إلا قليلا منكم.
وأما عن إعتقادى فى جمال الدين أبى المواهب الشاذلى فهو : محرف مخرف .
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41(1/48)
يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك من المنافقين الذين أظهروا الإسلام وقلوبهم خالية منه, فإني ناصرك عليهم. ولا يحزنك تسرُّع اليهود إلى إنكار نبوتك, فإنهم قوم يستمعون للكذب, ويقبلون ما يَفْتَريه أحبارُهم, ويستجيبون لقوم آخرين لا يحضرون مجلسك, وهؤلاء الآخرون يُبَدِّلون كلام الله من بعد ما عَقَلوه, ويقولون: إن جاءكم من محمد ما يوافق الذي بدَّلناه وحرَّفناه من أحكام التوراة فاعملوا به, وإن جاءكم منه ما يخالفه فاحذروا قبوله, والعمل به. ومن يشأ الله ضلالته فلن تستطيع -أيها الرسول- دَفْعَ ذلك عنه, ولا تقدر على هدايته. وإنَّ هؤلاء المنافقين واليهود لم يُرِدِ الله أن يطهِّر قلوبهم من دنس الكفر, لهم الذلُّ والفضيحة في الدنيا, ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة75
{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7(1/49)
هو وحده الذي أنزل عليك القرآن: منه آيات واضحات الدلالة, هن أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الاشتباه, ويُرَدُّ ما خالفه إليه, ومنه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني, لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المحكم, فأصحاب القلوب المريضة الزائغة, لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها; ليثيروا الشبهات عند الناس, كي يضلوهم, ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة. ولا يعلم حقيقة معاني هذه الآيات إلا الله. والمتمكنون في العلم يقولون: آمنا بهذا القرآن, كله قد جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, ويردُّون متشابهه إلى محكمه, وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة.
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }الأعراف53
هذه فروق عظيمة جداً إخوتى وكلها متعلقة بلفظة (( هو )) .
فالفرق كبير ما بين (( هو لله )) و (( هو للمخلوقين ))
وقد قسم هذا الرجل المعرفة إلى أقسام ثلاث فقال بعد ذكره للمرتبتين الأولى والثانية :
(...... ومن المرتبة الثالثة مرتبة الإحسان وهي معرفة أهل العقول القدسية ومعرفتهم أن يشهدوا معرفتهم في جميع المتفرقات كلها شيئاً واحداً ويسمعوا نطقا واحداً ويشاهدوا تعريفاً واحداً ) " قوانين حكم الإشراق ص 49 ".(1/50)
نلاحظ في هذا النص السابق بأن الرجل صرح بأن نهاية معرف الله سبحانه وتعالى وبلوغ الغاية القصوى فيها هي رؤية الله سبحانه وتعالى في جميع ما في هذا الكون وبالتالي أن يعتقدوا بأن كل ما يسمعونه وما هو إلا شيء ينطق به واحد بمعنى أن كل ما يشاهدونه يطلق عليه الرب وإلاله وأن كل ما في هذا الكون من مخلوقات ما هو إلا مجال وظاهر لله سبحانه وتعالى في نظر المتصوفة .
والمقصود من إيراد هذه العبارات هو الإثبات بأن المتصوفة يقفون من التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به في كتابه موقفاً معادياً ويعتبرونه شركاً بالله سبحانه وتعالى وأن التوحيد الحقيقي عندهم هو الاعتقاد بوحدة الوجود وهو معتقد إلحادي كما هو معروف .
ونقل أبو القاسم عن سهل بن عبد الله أنه قال في [ المعرفة ] :
( المعرفة غايتها شيئان الدهش والحيرة ) .
وقال ذو النون المصري في وصفه لأعرف رجل بالله :
( أعرف الناس بالله أشدهم تحيراً فيه )..
وقال الشبلي :
( بداية هذا الأمر حيرة ونهايته دهشة كالطفل أوله طفولة ثم يرد إلى علم ثم يرد إلى جهل ). " روضة التعريف بالحب الشريف( 419)" .
والقصد من إيراد هذه النصوص هو هؤلاء الأئمة الكبار عند المتصوفة كلهم مدحوا الحيرة بل صرح أحدهم وهو ذو النون المصري والذي يعتبره المتصوفة قاطبة أنه أكثر من تكلم في المعرفة من أئمة التصوف وأول من رتب التصوف بهذه الأسماء المستحدثة, فصرح بأن أعلى درجة يبلغها العارف بالله هو الذي يكون فيهم أكثر تحيراً فيه .(1/51)
ولو نظرنا في كتاب الله عز وجل سنجد أن الله سبحانه وتعالى قد ذم الحيرة وكيف يكون الحائر عارفاً بالله وهو جاهل وضال لا يعرف إلى أين يتجه لتحيره قال الحق : {قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام71.
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: أنعبد من دون الله تعالى أوثانًا لا تنفع ولا تضر؟ ونرجع إلى الكفر بعد هداية الله تعالى لنا إلى الإسلام, فنشبه -في رجوعنا إلى الكفر- مَن فسد عقله باستهواء الشياطين له, فَضَلَّ في الأرض, وله رفقة عقلاء مؤمنون يدعونه إلى الطريق الصحيح الذي هم عليه فيأبى. قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إنَّ هدى الله الذي بعثني به هو الهدى الحق, وأُمِرنا جميعًا لنسلم لله تعالى رب العالمين بعبادته وحده لا شريك له, فهو رب كل شيء ومالكه.
ومن هنا نقول الحيرة تعتبر من جنس الجهل والضلال والتيه لأن الحائر هو الذي غلبه أمر من الأمور ولم يعرف إلى أين يتجه أو ماذا يفعل أو ماذا يعتقد فلا يمكن أن تكون الحيرة نهاية المعرفة بل هي جهل وضلال مبين صحيح إن الإنسان من الممكن أن يكون حائراً قبل معرفة الله سبحانه وتعالى أما أن تكون الحيرة هي أقصى حد يبلغها العارف بالله فهذا ليس بصحيح بل هو كذب وافتراء .
ونحن نعتقد اعتقاداً جازماً بأن الرسول أعرف بالله على الإطلاق ولم نجد في القرآن الكريم ولا السنة الصحيحة أنه كان متحيراً في الله وكيف يكون متحيراً في الله وهو الذي بعثه الله لهداية البشرية والجن إلى الطريق القويم والصراط المستقيم ويدل على هذا قول الحق : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }.(1/52)
ومن وصفه الله بهداية الخلق فلا يمكن أن يكون حائراً بل هو على بينة وبرهان من ربه .
قال الحق : { والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى }. وقال : { الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }إبراهيم1.
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ }الحج24
لقد هداهم الله في الدنيا إلى طيب القول: من كلمة التوحيد وحَمْد الله والثناء عليه، وفي الآخرة إلى حمده على حسن العاقبة, كما هداهم من قبل إلى طريق الإسلام المحمود الموصل إلى الجنة.
{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }سبأ6
ويعلم الذين أُعطوا العلم أن القرآن الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق, ويرشد إلى طريق الله, العزيز الذي لا يغالَب ولا يمانع, بل قهر كل شيء وغلبه, المحمود في أقواله وأفعاله وشرعه.
وقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحديد28
يا أيها الذين آمنوا, امتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه وآمنوا برسوله, يؤتكم ضعفين من رحمته, ويجعل لكم نورًا تهتدون به, ويغفر لكم ذنوبكم, والله غفور لعباده, رحيم بهم..
قال الجبل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى رداً على المتصوفة الذين مدحوا الحيرة :(1/53)
( ولم يمدح الحيرة أحد من أهل العلم والإيمان ولكن مدحها طائفة من الملاحدة كصاحب الفصوص ابن عربي وأمثاله من الملاحدة الذين هم حيارى فمدحوا الحيرة وجعلوها أفضل من الاستقامة وادعوا أنهم أكمل الخلق وأن خاتم الأولياء منهم يكون أفضل في العلم بالله من خاتم الأنبياء وأن الأنبياء يستفيدون العلم بالله منهم وكانوا في ذلك كما يقال فيمن قال : {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ }النحل26. لا عقل ولا قرآن فإن الأنبياء أقدم فكيف يستفيد المتقدم من المتأخر وهم عند المسلمين واليهود والنصارى أفضل من الأولياء فخرج هؤلاء عن العقل والدين دين المسلمين واليهود والنصارى ) " الفتاوى الكبرى (5/59)".
ومن المتصوفة الذين صرحوا بأن كل من زعم أنه موحد لله سبحانه وتعالى فهو جاحد وأنه لا يمكن أن يوجد من يوحد الله سبحانه وتعالى حقاً إلا الله سبحانه وتعالى :
الهروي " وهو عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور الأنصاري الهروي أبو إسماعيل ولد بقندهار وحدث وتوفي بهراة في ذي الحجة من تصانيفه ( منازل السائرين إلى الحق المبين )".
أنظر " معجم المؤلفين لكحالة (6/133)".
وإليك الأبيات التي قالها الهروي معبراً بها عما قلناه فقد قال :
ما واحد والواحد من واحد *** إذ كل من وحده جاحد
وحيد من ينطق عن نعته *** تثنية أبطالها الواحد
توحيده إياه توحيده *** ونعته من ينعته لا حد
" منازل السائرين إلى الحق المبين "(1/54)
فأبو إسماعيل الهروي يقصد بهذه الأبيات التوحيد الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب وبه بعث الله الأولين والآخرين من الرسل قال تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }النحل36
ولقد بعثنا في كل أمة سبقَتْ رسولا آمرًا لهم بعبادة الله وطاعته وحده وتَرْكِ عبادة غيره من الشياطين والأوثان والأموات وغير ذلك مما يتخذ من دون الله وليًا, فكان منهم مَن هدى الله, فاتبع المرسلين, ومنهم المعاند الذي اتبع سبيل الغيِّ, فوجبت عليه الضلالة, فلم يوفقه الله. فامشوا في الأرض, وأبصروا بأعينكم كيف كان مآل هؤلاء المكذبين, وماذا حلَّ بهم مِن دمار; لتعتبروا؟.
وقال الحق : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }.
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الرسل مثل نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم أنهم قالوا لقومهم جميعاً اعبدوا الله ما لكم من إله غيره وهذا أول دعوة الرسل وآخرها .
قال النبي : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) صحيح مسلم .
وفي حديث آخر قال رسول الله : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة ) " صحيح مسلم "
وقال الجبل شيخ الإسلام ابن تيمية :(1/55)
( والقرآن كله مملوء من تحقيق هذا التوحيد والدعوة إليه وتعليق النجاة والفلاح واقتضاء السعادة في الآخرة به ومعلوم أن الناس متفاضلون في تحقيقه وحقيقته إخلاص كله لله والفناء في هذا التوحيد مقرون بالبقاء وهي أن تثبت إلهية الحق في فلبك وتنفي إلهية ما سواه فتجمع بين النفي والإثبات فتقول لا إله إلا الله فالنفي هو الفناء والإثبات هو البقاء وحقيقة أن تفني بعبادته عما سواه ومحبته عن محبة ما سواه وبخشيته عن خشية ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه وبموالاته عن موالاة ما سواه وبسؤاله عن سؤال ما سواه وبالاستعاذة به عن الاستعاذة بما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه ) ." منهاج السنة النبوية 5/347".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في صفحة أخرى من نفس الكتاب في معرض رده على الهروي وأمثاله من المتصوفة :
(وهذا التوحيد كثير في القرآن وهو أول الدين وآخره وباطن الدين وظاهره وذروة سنام هذا التوحيد لأولي العزم من الرسل ثم للخليلين محمد وإبراهيم وأفضل الرسل بعد محمد إبراهيم فانه قد ثبت في الصحيح أنه قال عن خير البرية أنه إبراهيم وهو الإمام الذي جعله الله إماما وجعله أمة والأمة القدوة الذي يقتدى به فإنه حقق هذا التوحيد وهو الحنيفة ملته ) " منهاج السنة (5/349) " .
قال تعالى : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }الممتحنة4(1/56)
قد كانت لكم-أيها المؤمنون- قدوة حسنة في إبراهيم عليه السلام والذين معه من المؤمنين, حين قالوا لقومهم الكافرين بالله: إنا بريئون منكم وممَّا تعبدون من دون الله من الآلهة والأنداد, كفرنا بكم, وأنكرنا ما أنتم عليه من الكفر, وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا ما دمتم على كفركم, حتى تؤمنوا بالله وحده, لكن لا يدخل في الاقتداء استغفار إبراهيم لأبيه; فإن ذلك إنما كان قبل أن يتبين لإبراهيم أن أباه عدو لله, فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه, ربنا عليك اعتمدنا, وإليك رجعنا بالتوبة, وإليك المرجع يوم القيامة..
وقال الحق : { َإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ{26} إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ{27} وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{28}. الزخرف
واذكر -أيها الرسول- إذ قال إبراهيم لأبيه وقومه الذين كانوا يعبدون ما يعبده قومك: إنني براء مما تعبدون من دون الله. إلا الذي خلقني, فإنه سيوفقني لاتباع سبيل الرشاد. وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) باقية في مَن بعده؛ لعلهم يرجعون إلى طاعة ربهم وتوحيده, ويتوبون من كفرهم وذنوبهم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في نفس الكتاب في صفحة أخرى :
( والمقصود هنا أن الخليلين هما أكمل خاصة الخاصة توحيداً فلا يجوز أن يكون في أمة محمد من هو أكمل توحيداً من نبي من الأنبياء فضلاً عن الرسل فضلاً عن أولي العزم فضلاً عن الخليلين وكما ل توحيدهما بتحقيق إفراد الإلوهية وهو أن لا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلاً بل يبقى العبد موالياً لربه في كل شيء يحب ويبغض ما ابغض ويرضى بما يرضى ويسخط بما يسخط ويأمر بما أمر وينهى عما نهى ) " منهاج السنة النبوية (5/355)".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الهروري " منازل السائرين " :(1/57)
( وقد ذكر في كتابه أشياء حسنة نافعة وأشياء باطلة ولكن هو فيها ينتهي إلى الفناء في توحيد الربوبية ثم على التوحيد الذي هو حقيقة الاتحاد ولهذا قال :
باب التوحيد : قال الله تعالى : { شهد الله أنه لا إله إلا هو }
التوحيد تنزيه الله عن الحدث , قال : وإنما نطق بما نطقوا به وأشار المحققون إلى ما أشاروا إليه في هذا الطريق لقصد تصحيح التوحيد وما سواه من حال أو مقام فكله مصحوب العلل ) " الفتاوي الكبرى (5/ 342)".
الفصل الثانى :-
أقسام التوحيد عند الصوفية
لقد قسم المتصوفة التوحيد إلى ثلاثة أقسام وهذه الأقسام الثلاثة وإن اختلفوا في العبارات التي ساقوها بها إلا أنهم يتفقون جميعاً في المضمون الذي يرمون إليه وكلهم متفقون على أن التوحيد الحقيقي الذي يجب أن يحققه الصوفي ليس التوحيد الذي أرسل به الرسل وأنزل به الكتب وهو إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك بل يعتبرون هذا التوحيد للعوام فقط أما الخاصة وخاصة الخاصة فليس هذا توحيدهم بل توحيد خاصة الخاصة وهو القول بوحدة الوجود وهذا ليس وصولاً إلى حقيقة التوحيد بل هو وصول إلى قمة الإلحاد الذي لم يسبقوهم إليه أحد من أهل الديانات السماوية المحرفة كاليهودية والنصرانية .
وإلى جانب ذلك فهذه الأقسام التي قسمها المتصوفة للتوحيد تخالف تماما الأقسام التي قسمها أهل السنة والجماعة لتوحيد الله عز وجل استقراءً من النصوص الشرعية .
وأبدأ بذكر نماذج من النصوص التي تثبت انحراف المتصوفة في تقسيم التوحيد .
فمن الأئمة الكبار عند المتصوفة الذين تكلموا عن التوحيد عند الصوفية وقسموه إلى أقسام ثلاثة أبو إسماعيل الهروي فقد تكلم عن التوحيد وقسمه إلى ثلاث أقسام فقال :
والتوحيد على ثلاث أوجه :
الأول : توحيد العامة الذي يصح بالشواهد .
الثاني : توحيد الخاصة وهو الذي يثبت بالحقائق .
والوجه الثالث : توحيد قائم بالقدم وهو توحيد خاصة الخاصة .(1/58)
فأما التوحيد الأول فهو شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد هذا هو التوحيد الظاهر الجلي الذي نفى الشرك الأعظم وعليه نصبت القبلة وبه وجبت الذمة وبه حقنت الدماء والأموال وانفصلت دار السلام من دار الكفر وصحت به الملة للعامة وإن لم يقوموا بحسن الاستدلال بعد أن سلموا من الشبهة والحيرة والريبة بصدق شهادة صححها قبول القلب .
هذا توحيد العامة الذي يصح بالشواهد والشواهد هي الرسالة .
قال : وأما التوحيد الثاني الذي يثبت بالحقائق فهو توحيد الخاصة وهو إسقاط الأسباب الظاهرة والصعود عن منازلات العقول وعن التعلق بالشواهد وهو أن لا يشهد في التوحيد دليلا ولا في التوكل سبباً ولا في النجاة وسيلة فيكون شاهداً سبق الحق بحكمه وعلمه ووضعه الأشياء موضعها وتعليقه إياها بأحايينها وإخفائه إياها في رسومها ويحقق معرفة العلل ويسلك سبيل إسقاط الحدث هذا توحيد الخاصة .......
ثم قال : وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه واستحقه وألاح منه لا ئحا إلى أسرار طائفة من صفوته وأخرسهم عن نعته وأعجزهم عن بثه والذي يشار به إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث وإثبات القدم على أن هذا الرمز في ذلك التوحيد علة لا يصح ذلك التوحيد إلا بإسقاطها .
ثم قال : هذا قطب الإشارة إليه على ألسن علماء أهل هذا الطريق وإن زخرفوا له نعوتاً وفصولها تفصيلاً فإن ذلك التوحيد تزيده العبارة خفاء والصفة نوراً والبسط صعوبة وإلى هذا التوحيد شخص أهل الرياضة وأرباب الأحوال وإليه قصد أهل التعظيم وإياه عني المتكلمون في عين الجمع وعليه تصطلم الإشارات ثم لم ينطق عنه لسان ولم تشر إليه عبارة فإن التوحيد وراء ما يشير إليه سكون أو يتعاطاه حين أو يقلبه سبب ) " منازل السائرين (ص47)".
ثم قال : وقد أجبت في سالف الدهر سائلاً عن توحيد الصوفية بهذه القوافي الثلاث :(1/59)
ما وحد الواحد من واحد *** إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته *** عارية أبطلها الواحد
توحيده إياه توحيده *** ونعته من ينعته لا حد
من خلال هذه العبارات التي نقلتها عن أئمة المتصوفة يتضح لنا بأن المتصوفة أعرضوا عن الأقسام التي قسمها أهل السنة والجماعة للتوحيد عن طريق الاستقراء لنصوص الكتاب والسنة وأتوا بتقسيمات جديدة من عند أنفسهم للتوحيد ما أنزل الله بها من سلطان لأن هذه الأقسام الثلاثة التي للتوحيد لم نجدها لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله محمد بل هي تقسيمات أتوا بها من عند أنفسهم متبعين أهواءهم الضالة وآراءهم الفاسدة ولو رجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد وفهموا معناهما لوصلوا إلى حقيقة التوحيد وأقسامه الصحيحة والذي يتلخص بأنه
هو إفراد الله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته ولما وقعوا في هذه المتاهات والخرافات والضلالات التي أوقعتهم في مزالق خطيرة وقعوا بسببها في كلام واعتقاد خطير جداً يؤدي بصاحبه إلى الهلاك الأبدي إن لم يتب منه ألا وهو اعتبارهم التوحيد الذي جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب بأنه خاص بالعوام الذين لا يدركون حقائق الأمور فقط أما الخواص الذين يدركون الحقائق فإنه بالنسبة لهم يعتبر شركا وهذا كلام خطير جداً فإن هذا التوحيد الذي يصفونه بهذه الأوصاف هو التوحيد الذي أنزل الله الكتب وأرسل الرسل من أجله فكيف تجرءوا على أن يصرحوا قائلين إنه توحيد الحقائق هو هذا التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به الكتب وهو إفراد الله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته .
أما التوحيد الذي يدعيه دجاجلة المتصوفة فليس بتوحيد إنما هو إلحاد وخرافة وزندقة وبهتان وكذب وافتراء على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب مبين .
والتقسيمات التي نعرفها عن أهل السنة والجماعة من خلال استقرائنا لنصوص الكتاب والسنة هي أقسام ثلاثة فقط وهي كلها تختلف مع هذه التقسيمات التي ذكرها المتصوفة للتوحيد :(1/60)
فالقسم الأول : هو توحيد الألوهية .
والقسم الثاني : وهو توحيد الربوبية .
والقسم الثالث : هو توحيد الأسماء والصفات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية متحدثاً عن تقسيمات المتصوفة هذه للتوحيد وقد تكلم عن كل الأقسام الثلاثة ونقضها ولكني أريد أن أورد كلامه عن القسم الثالث فقط لأنه الأشد مخالفة وزوراً .
قال رحمه الله :
( وأما التوحيد الثالث فهو توحيد أختصه الحق لنفسه واستحقه بقدره ..... إلى آخر كلامه . فهؤلاء هم الذين أنكر عليهم أئمة الطريق الجنيد وغيره حيث لم يفرقوا بين القديم والمحدث وحقيقة قول هؤلاء الاتحاد والحلول الخاص من جنس قول النصارى في المسيح وهو أن يكون الموحد هو الموحد ولا يوحد إلا الله وكل من جعل غير الله يوحد الله فهو جاحد عندهم كما قال :
ما وحد الواحد [ أي من واحد غيره ] إذ كل من وحده جاحد .
فإنه على قولهم هو الموحد والموحد ولهذا قال :
توحيد من ينطق عن نعته **** عارية أبطالها الواحد
يعني إذا تكلم العبد بالتوحيد وهو يرى أنه المتكلم فإنما ينطق عن نعت نفسه فيستعير ما ليس له فيتكلم به وهذه عارية أبطلها الواحد ولكن إذا فني عن شهود نفسه وكان الحق هو الناطق بنعت نفسه لا بنعت العبد ريكون هو الموحد وهو الموحد ولهذا قال توحيده إياه توحيده .
أي توحيد الحق إياه أي نفسه هو توحيده هو لا توحيد المخلوقين له )
فإن لا يوحده عندهم مخلوق بمعنى أنه هو الناطق بالتوحيد على لسان خاصة ليس الناطق هو المخلوق كما يقول النصارى في المسيح أن اللاهوت تكلم بلسان الناسوت .
وحقيقة الأمر أن كل من تكلم بالتوحيد أو تصوره وهو يشهد غير الله فليس بموحد عندهم وإذا غاب وفنى عن نفسه بالكلية فتم له مقام توحيد الفناء الذي يجذبه إلى توحيد أرباب الجميع صار الحق الناطق المتكلم بالتوحيد وكان هو المحود وهو الموحد لا موحد غيره .(1/61)
وحقيقة هذا القول لا يكون إلا بأن يصير الرب والعبد شيئاً واحداً وهو الاتحاد فيتحد اللاهوت والناسوت كما يقول النصارى إن المتكلم بما كان يسمع من المسيح هو الله وعندهم إن الذين سمعوا منه هم رسل الله وهم عندهم أفضل من إبراهيم وموسى ولهذا تكلم بلفظ اللاهوت والناسوت طائفة من الشيوخ الذين وقعوا في الاتحاد والحلول مطلقاً ومعيناً فكانوا ينشدون قصيدة ابن الفارض ويتحلون بما فيها من تحقيق الاتحاد العام ويرون كل ما في الوجود هو مجلي ومظهر فيه عين الحق .
ثم قال شيخ الإسلام ناقداً لقول المتصوفة في نص السابق في وصفهم للقسم الثالث من أقسام التوحيد :
( وألاح منه لا ئحاً إلى أسرار طائفة من صفوته وأخرسهم عن نعته وأعجزهم عن بثه قال أفضل صفوته هم الأنبياء وأفضلهم الرسل أولو العزم وأفضل أولو العزم محمد وما ألاحه الله على أسرار هؤلاء فهو أكمل توحيد عرفه العباد وهم قد تكلموا بالتوحيد ونعتوه وبثوه وما يقدر احد قط أن ينقل عن نبي من الأنبياء ولا وارث نبي انه يدعي أنه يعلم توحيداً لا يمكنه النطق به بل كل ما علمه القلب أمكن التعبير عنه لكن قد لا يفهمه إلا بعض الناس .
فأما أن يقال : إن محمد عاجز عن أن يبين ما عرفه الله من توحيده فهذا ليس كذلك ...... ثم قال شيخ الإسلام في شرحه لقول المتصوفة في النص السابق وبالتحديد في القسم الثالث من اقسام التوحيد عندهم :(1/62)
( والذي يشار إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث وإثبات القدم يقال مرادهم بهذا نفي المحدث أي ليس هنا إلا القديم وهذا على وجهين فإن أريد به نفى المحدث بالكلية وأن العبد هو القديم فهذا شر من قول النصارى فإن اليعقوبية يقولون : إن اللاهوت والناسوت امتزجا واختلطا فصارا جوهراً واحداً وأقنوماً واحداً وطبيعة واحدة ..... فقول القائل : إسقاط الحدوث إن أراد به أن المحدث عدم فهذا مكابرة وإن أراد به إسقاط المحدث من قلب العبد وأنه لم يبق في قلبه إلا القديم فهذا إن أريد به ذات القديم فهو قول النسطورية من النصارى وإن أريد به معرفته والإيمان به وتوحيده أو قيل مثله أو المثل العلمي أو نوره أو نحو ذلك فهذا المعنى صحيح فإن قلوب أهل التوحيد مملوءة بهذا لكن ليس في قلوبهم ذات الرب القديم وصفاته القائمة به وأما أهل الاتحاد العام فيقولون : ما في الوجود إلا الوجود القديم وهذا قول الجهمية ) . " منهاج السنة (5/370_183)".
والخلاصة التي توصلنا إليها من خلال دراستنا لموقف المتصوفة من التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل الكتب من أجله :
هي أن موقفهم من التوحيد مواقف مخالفة ومضادة لما عليه أصل الشرع من الكتاب والسنة وأيضاً خالفوا بهذا التقسيم والإحداث أسلافهم فما قال الجنيد ولا سهل ولا القشيرى ولا الجوينى ولا البيهقى وأغلب من صنفوا ودونوا بقولهم هذا بل نابذوا من قال بهذا القول العداء كما فعلوا مع الحلاج وابن الرواندى وسائر أبالسة الفلاسفة وأعقابهم ابن الفارض وابن عربى لأن ما قالوه مخالف لما جاء في الكتاب والسنة عن توحيد الله سبحانه وتعالى .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية لما سئل عن الحلاج وهل هو من الصوفية ؟ :(1/63)
وقد ذكر الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، أن أكثر المشايخ أخرجوه عن الطريق، ولم يذكره أبو القاسم القشيري في رسالته من المشايخ الذين عدهم من مشايخ الطريق . وما نعلم أحدًا من أئمة المسلمين ذكر الحلاج بخير، لا من العلماء ولا من المشايخ، ولكن بعض الناس يقف فيه؛ لأنه لم يعرف أمره، وأبلغ من يحسن به الظن يقول : إنه وجب قتله في الظاهر، فالقاتل مجاهد والمقتول شهيد، وهذا أيضا خطأ .
وقول القائل : إنه قتل ظلمًا، قول باطل، فإن وجوب قتله على ما أظهره من الإلحاد أمر واجب باتفاق المسلمين، لكن لما كان يظهر الإسلام ويبطن الإلحاد إلى أصحابه، صار زنديقًا، فلما أخذ وحبس أظهر التوبة، والفقهاء متنازعون في قبول توبة الزنديق، فأكثرهم لا يقبلها، وهو مذهب مالك وأهل المدينة، ومذهب أحمد في أشهر الروايتين عنه، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، ووجه في مذهب الشافعي، والقول الآخر تقبل توبته .
وقد اتفقوا على أنه إذا قتل مثل هذا لا يقال : قتل ظلمًا .
وأما قول القائل : إن الحلاج من أولياء الله، فالمتكلم بهذا جاهل قطعا، متكلم بما لا يعلم، لو لم يظهر من الحلاج أقوال أهل الإلحاد، فإن ولي الله من مات على ولاية الله، يحبه ويرضي عنه، والشهادة بهذا لغير من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، لا تجوز عند كثير من العلماء أو أكثرهم .
وذهبت طائفة من السلف ـ كابن الحنفية، وعلى بن المديني ـ : إلى أنه لا يشهد بذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : بل من استفاض في المسلمين الثناء عليه شهد له بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه بجنازة فأثنوا خيرًا، فقال : ( وجبت وجبت ) ، ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرًا فقال : ( وجبت وجبت ) . قال : ( هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرًا فقلت : وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرًا فقلت : وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض ) .(1/64)
فإذا جوز أن يشهد لبعض الناس أنه ولي الله في الباطن، إما بنص وإما بشهادة الأمة ـ فالحلاج ليس من هؤلاء، فجمهور الأمة يطعن عليه ويجعله من أهل الإلحاد ـ إن قدر على أنه يطلع على بعض الناس أنه ولي الله، ونحو ذلك مما يختص به بعض أهل الصلاح .
فهذا الذي أثنى على الحلاج ووافقه على اعتقاده ضال من وجوه :
أحدها : أنه لا يعرف فيمن قتل بسيف الشرع على الزندقة أنه قتل ظلمًا وكان وليا لله، فقد قتل الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري، ومحمد بن سعيد المصلوب، وبشار بن برد الأعمى، والسهروردي، وأمثال هؤلاء كثير، ولم يقل أهل العلم والدين في هؤلاء أنهم قتلوا ظلمًا، وأنهم كانوا من أولياء الله، فما بال الحلاج تفرد عن هؤلاء .
وأما الأنبياء فقتلهم الكفار، وكذلك الصحابة الذين استشهدوا قتلهم الكفار، وعثمان، وعلى، والحسين ونحوهم قتلهم الخوارج البغاة، لم يقتلوا بحكم الشرع على مذاهب فقهاء أئمة الدين، كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم . فإن الأئمة متفقون على تحريم دماء هؤلاء، وهم متفقون على دم الحلاج وأمثاله .
الوجه الثاني : أن الاطلاع على أولياء الله لا يكون إلا ممن يعرف طريق الولاية، وهو الإيمان والتقوى .
ومن أعظم الإيمان والتقوى أن يجتنب مقالة أهل الإلحاد ـ كأهل الحلول والاتحاد ـ فمن وافق الحلاج على مثل هذه المقالة، لم يكن عارفًا بالإيمان والتقوى، فلا يكون عارفًا بطريق أولياء الله، فلا يجوز أن يميز بين أولياء الله وغيرهم .
الثالث : أن هذا القائل قد أخبر أنه يوافقه على مقالته، فيكون من جنسه، فشهادته له بالولاية شهادة لنفسه، كشهادة اليهود والنصارى والرافضة لأنفسهم على أنهم على الحق، وشهادة المرء لنفسه فيما لا يعلم فيه كذبه ولا صدقه مردودة، فكيف يكون لنفسه ولطائفته الذين ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنهم أهل ضلال ؟(1/65)
الرابع : أن يقال : أما كون الحلاج عند الموت تاب فيما بينه وبين الله أو لم يتب، فهذا غيب يعلمه الله منه، وأما كونه إنما كان يتكلم بهذا عند الاصطلام فليس كذلك، بل كان يصنف الكتب ويقوله وهو حاضر ويقظان .
وقد تقدم أن غيبة العقل تكون عذرًا في رفع القلم، وكذلك الشبهة التي ترفع معها قيام الحجة، قد تكون عذرًا في الظاهر .
فهذا لو فرض، لم يجز أن يقال : قتل ظلما، ولا يقال : إنه موافق له على اعتقاده، ولا يشهد بما لا يعلم، فكيف إذا كان الأمر بخلاف ذلك وغاية المسلم المؤمن إذا عذر الحلاج أن يدعى فيه الاصطلام والشبهة . وأما أن يوافقه على ما قتل عليه فهذا حال أهل الزندقة والإلحاد، وكذلك من لم يجوز قتل مثله فهو مارق من دين الإسلام .
ونحن إنما علىنا أن نعرف التوحيد الذي أمرنا به، ونعرف طريق الله الذي أمرنا به، وقد علمنا بكليهما أن ما قاله الحلاج باطل، وأنه يجب قتل مثله، وأما نفس الشخص المعين، هل كان في الباطن له أمر يغفر الله له به من توبة أو غيرها ؟ فهذا أمر إلى الله، ولا حاجة لأحد إلى العلم بحقيقة ذلك، والله أعلم .
(( مجموع الفتاوى ))
ويتلخص هذا فى :
أولاً : يعتقد بعض المتصوفة بأنه لا يجوز التعبير عن التوحيد ومن عبر عنه فقد كفر وألحد لأنه شيء غامض غير متصور وقد بينا مخالفة هذا المعتقد لما جاء في الكتاب والسنة من التعبير عن التوحيد بشتى الصور .
ثانياً : يعتقد بعض المتصوفة بأن التوحيد الذي جاء في الكتاب والسنة ليس بتوحيد صحيح بل هو عين التعدد والشرك وأن الموحد الصحيح هو الذي يصل إلى مرحلة يحل فيه الله فيقول : أنا الله [ حسب زعمهم ].
ثالثاً : يعتقد بعض المتصوفة بأن هذا التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل الكتب من أجله إنما هو توحيد خاص بالعوام فقط أما الخواص وخواص الخواص فتوحيدهم غير هذا تماماً حيث أن الوقوف عند التوحيد الذي جاء في الكتاب والسنة يعتبر عندهم شركاً .
ونفهم من ذلك :(1/66)
أن الصوفية يقفون من التوحيد الذي أمر الله به موقفاً معاديا ويا ليت المتصوفة يقفون عند هذا الحد بل ذهبوا بعد إن نفروا الناس عن التوحيد الصحيح إلى ابتداع عقائد إلحادية وسموها التوحيد الحقيقي الذي ينبغي أن يصل إليه الإنسان .
وهذا بيان لإنقسام الصوفية والأشاعرة على العموم إلى قسمين متباينين أشد البيان .
فى أصل الشريعة وجميع الشرائع وهو التوحيد .
وهذا يلفت نظرنا لأهمية الدور الذى قام به شيخ الإسلام الإمام : محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى , وإدراكه للمنحنى الرهيب الذى يريد القبوريون والمتصوفة إدخال الأمة فيه, يريدون إدخال الأمة فى كهف سامرائى مظلم لن تستطيع الأمة الخروج منه إلا بإزالة جميع معالم الوثنية والشرك وكما بدأها معلمنا الأول وإمام الأمة فأزال الشرك من القلوب فأزالوه من على جميع الأرض ولله الحمد والمنه .
ويحدثنا الشيخ ممدوح الحربى حفظه الله تعالى فى رائعته " دموع وعبرات تسكب على التوحيد " فيقول :
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة آل عمران (102).. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} سورة النساء
وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا أعمالنا وأقوالنا وأن يحسن لنا الختام على الإيمان والتوحيد والسنة إنه على كل شيء قدير ..(1/67)
إخواني في الله .. قرأتم عنوان هذه المحاضرة والذي هو: " دموع وعبرات تسكب على التوحيد " ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على قطع مادة الشرك وسدِّ ذرائعه ولهذا نهى عن رفع القبور والبناء عليها والصلاة عندها واتخاذها عيداً وإيقاد السرج عليها ونحو ذلك من الأمور التي تؤدي إلى تعظيم أصاحبها من المقبورين والغلو فيهم .. فقد روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني الموت - طفق يطرح خميصة ً على وجهه فإذا اغتم - صلوات ربي وسلامه عليه - كشفها عن وجهه الشريف فقال وهو كذلك : " لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد " يحذر ما صنعوا صلى الله عليه وسلم وقالت عائشة رضي الله عنها أيضاً : لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة ً بأرض الحبشة يقال لها ماريه لقد كانت أم سلمه وأم حبيبه رضي الله عنهما أجمعين قد أتتا أرض الحبشة فذكرن من حسنها وتصاويرها فقالت فرفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأسه الشريف فقال أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل بنوا على قبره مسجدا ً ثم صوروا تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " رواه البخاري ومسلم ...(1/68)
إنها وصية إخواني في الله مخلصا ً يودع بها الحبيب الخليل صلى الله عليه وسلم أصحابه ليلحق بالرفيق الأعلى فعلى رغم ثقل المرض وشدة الألم إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعيدها المرة بعد الأخرى رحمة بأمته وشفقة عليها وخوفا ً عليها من الزيغ والانحراف والوقوع في ظلمات الشرك والتلطخ بأوحال الوثنية والضياع في سراديب التيه والتعلق بالمخلوق الذي لا ينفع ولا يضر.. بل من شدة عنايته صلى الله عليه وآله وسلم على جناب التوحيد من أن يخدش بعوامل الشرك ومؤثرات الوثنية لم يكتفي بسماع بعض أصحابه رضوان الله عليهم بل حرص على بيانه لجميع أصحابه الأطهار الأبرار رضوان الله عليهم.. فعن أسامه ابن زيد رضي الله عنهما قال:" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: أدخلوا علي أصحابي ، فدخلوا عليه وهو متقنع ببرده - فداه أبي وأمي- فكشف صلى الله عليه وسلم القناع عن وجهه فقال: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد ).. إنها اللحظات الأخيرة من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وكل همه الأكبر هو إيضاح التوحيد بشكل جلي لا خفاء فيه ولا غموض.. إنه التحذير من الشرك و البدع والتحذير من الغلو والزيغ.. فإن الله عز وجل أمر عباده المؤمنين بالتوحيد الخالص من كل شائبة من شوائب الشرك والبدعة.. قال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (5) سورة البينة ، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (162) سورة الأنعام(1/69)
إخواني في الله: إنه التوحيد الذي هو أعظم حق لله تعالى فما من نبي ولا رسول كريم إلا وجاء بالبيان والإيضاح لهذا الأصل العظيم قال تعالى وهو يناجي حبيبه وخليله صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن عبد الله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء .. ولهذا كانت حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حياة حافلة مليئة ببيان التوحيد والتحذير من الشرك والبراءة من أهله بل كان يعلم أصحابه حدوده وقواعده ، فهاهو صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ بن جبل رضي الله عنه :" هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله " فقال معاذ: الله ورسوله أعلم؟. فقال صلى الله عليه وآله وسلم:" فإن حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ً وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ً " رواه البخاري ومسلم ، بل كان رسول الله عليه وآله وسلم يرسل أصحابه رضوان الله عليهم لهدم معاقل الوثنية وصروح الشرك والإلحاد .. فعن أبي الهياج ألأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ ألا تدع تمثالا ً إلا طمسته ولا قبرا ً مشرفا ً إلا سويته " رواه مسلم ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم شديد التوقي والتحري لحماية جناب التوحيد حتى في أدق المسائل .. فعندما جاءه رجل فقال له: ما شاء الله وشئت ، قال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: " أجعلتني لله عدلا ً..(1/70)
لا بل ما شاء الله وحده " رواه أحمد والبخاري ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم دائم التضرع إلى ربه ومولاه ألا يُِِِتخذ قبره وثنا ً يعبد مع الله تعالى حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: " اللهم لا تجعل قبري وثنا ًيعبد لعن الله قوما ً اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد " رواه الإمام أحمد والحديث صحيح ، وقد سار الصحابة رضوان الله عليهم بعد النبي صلى الله عليه وآله على منهاجه وطريقته الشريفة في التحذير من الشرك وذرائعه فلم يكن على عهد الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم من هذه القبور.. والأضرحة المعظمة في زماننا شيء لا في الحجاز ولا اليمن ولا الشام ولا العراق ولا مصر ولا خُرَاسَان ولا المغرب ولم يكن قد أحدث مشهدا ً لا على قبر نبيا ً ولا صاحب ولا أحد من أهل البيت ولا على ولي ولا صالح.. ثم ماذا حدث بعد ذلك ؟! بدأ الانتقال من النور إلى الظلام.. ظلام العبودية لغير الله تعالى إلى عبودية المخلوق للمخلوق وسراب الغلو في الأشخاص وتقديس المشاهد والقباب والقبور فحدث الانحراف العقدي والتمزق النفسي والشذوذ الفكري الذي أخذ ينخر في جسد الأمة فعشعش في عقول كثير من أبناءها وتربع على قلوبهم حتى فرّخ وثنية سافرة بغيضة أعني بذلك إخواني في الله داء تقديس القبور والأضرحة والمزارات فظهرت بدعة منحرفة ضالة وهي بدعة التشيع التي كانت بداية الشرك والوثنية و الإلحاد.. فالشيعة هم أول من بنى المشاهد على القبور حيث تتبعوا قبور من مات قديما ً ممن يعظمونهم من آل البيت وراحوا يبنون على قبورهم ويجعلونها مشاهد ومزارات ثم قامت الزنادقة منهم ببناء المشاهد والأضرحة على قبور الأولياء والأئمة فتعطلت المساجد ووضعوا في زيارة المشاهد والقباب وتعظيمها والدعاء عندها من الأكاذيب والبهتان ما الله به عليم...(1/71)
حتى صنف كبار شيوخهم كتبا ً في مناسك حج القبور والمشاهد وكذبوا فيها على رسولنا صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين أكاذيب بدلوا بها دينه وشريعته وغيروا بها ملة أبينا إبراهيم عليه السلام وابتدعوا الشرك المنافي للتوحيد فصاروا جامعين بين الشرك والوثنية والكذب معا ً فإن المتتبع لأحوال القبور يين يلحظ بوضوح انتشار الشرك بينهم بجميع أنواعه وصوره ودرجاته شرك في الربوبية وشرك في الألوهية وشرك في الأسماء والصفات كما أن ظاهرة العكوف على القبور اليوم والتي هي من أكثر البدع الشركية شيوعا ً بين المسلمين قد أصبحت منظرا ً مألوفا ً حتى أنك أخي في الله لا تكاد تسمع صوت المصلحين وهي تختنق في غمرة ضجيج العاكفين على القبور والأضرحة إنها غفلة الصالحين وسكوت الدعاة الناصحين أقول إخواني في الله إنها شبكة واسعة من القبور والأضرحة المقدسة ولكي ندرك إخواني في الله حجم المأساة نورد بعض النماذج التي توضح حجم انتشار هذه الأضرحة في بعض بقاع العالم الإسلامي وإلى أول الدول ...
الفصل الثالث :-
البلاد التى عشش فيها التصوف وانتشر
دولة مصر ..(1/72)
ففي بلاد مصر تَلْقَى الأضرحة احتراما ً وتبجيلا ً لدى كثيراً من الناس حيث يشتهر في مصر أكثر من ألف ضريح فيوجد على سبيل المثال في مركز فَوَّه واحد وثمانون ضريحا ً وفي مركز طلخى أربعا ً وخمسون ضريحا ً وفي مركز دُسُوق أربعا ً وثمانون ضريحا ً وفي مركز تلا مائة وثلاثاً وثلاثون ضريحا ً يعبد من دون الله عز وجل وهي الأضرحة التابعة للمجلس الصوفي الأعلى هذا بخلاف الأضرحة التابعة لوزارة الأوقاف أو الغير مقيدة بالمجلس الأعلى الصوفي كما يوجد في" أسوان " أحد المشاهد والذي يسمى بمشهد السبعة وسبعين ولي.. وتنقسم الأضرحة إلى كبرى وصغرى.. وكلما فَخُم البناء واتسع وذاع صيت صاحبه زاد اعتباره وكثر زوَّارُه فمن الأضرحة الكبرى في القاهرة ضريح الحسين وضريح السيدة زينب وضريح السيدة عائشة وضريح السيدة سكينة وضريح السيدة نفيسة وضريح الإمام الشافعي الذي وحده يتلقى في كل عام أكثر من خمسون ألف شكوى واستغاثة ومدد من دون الله تعالى.. أما عن خارج القاهرة فتشتهر أضرحة كضريح البدوي بطنطا وضريح إبراهيم الدسوقي بدسوق وضريح أبي العباس المُرسي بالإسكندرية وضريح أبي الحسن الشادلي بقرية حريمثلاء بمحافظة البحر الأحمر وضريح أبي الحجاج الأقصري بالأقصر وضريح عبد الرحيم القِنَائي بقنا..(1/73)
وذلك حيث يندفع أكثر القبوريين لا شعوريا ً للقيام ببعض الممارسات المتنوعة كالحرص على الصلاة في المسجد الذي به الضريح ثم الحرص على زيارته وترديد بعض الكلمات والصلوات والدعوات ويلي ذلك التمسح بالضريح وتقبيله طلبا ً للبركة ثم يليه التوسل بجاه صاحب الضريح اعتقادا ً أن ذلك أقرب إلى إجابة الدعاء ثم ينتهي بهم المطاف ببلوغ غاية الضلال والخرافة عندما يُتوجه إلى صاحب الضريح بالدعاء والرجاء وطلب قضاء الحاجات منه وغالبا ً ما يصحب الدعاء استقبال الضريح حتى لو كانت القبلة خلف ظهره كما يظهر على الزائر الخشوع والسكينة والتأثر الذي قد يصل إلى حد البكاء وقد يصل الوجد ببعضهم إلى الإغراق في حالة من فقدان الوعي فيصبح كما يقولون مجذوبا ً كما يتزاحم الناس عند ضريح البدوي حول حمار يأتي به دراويش الطريقة الشناويه إلى قبر البدوي فيتسابقون لنزع شعرات من جسم هذا الحمار المسكين ليصنعون منها الأحجبة وهذا بالضبط ما كان قدماء المِصْريين يفعلونه بهذا الحيوان المسكين ..(1/74)
أقول إخواني في الله: إنها وثنية بكل معانيها.. أما إذا تكلمنا عن صندوق الشيطان ذلك الصندوق الأسود المسمى بصندوق النذور عند ضريح البدوي فهو من أشهر صناديق النذور على الإطلاق والذي بلغت حصيلته في إحدى السنوات إلى قرابة أربعة ملايين جنيه مصري.. كان نصيب الخليفة الأول والثاني لهذا الضريح حوالي أربع وخمسين ألف جنيه لكل واحد منهما ونصيب حامل مفتاح المقصورة ستا ً وثلاثين ألف جنيه وشيخ المسجد ثمانية عشر ألف جنيه ورئيس الخدم اثنا عشر ألف جنيه والكاتب اثنا عشر ألف جنيه والمؤذن ومقيم الشعائر وقارئ السور وخادم الدورة كل واحد من هؤلاء المرتزقة له نصيب ستة آلاف جنيه.. أما عن قراء المقارئ وعددهم اثنان وعشرون قارئاً فقد كان نصيبهم هو مائة واثنين وثلاثون ألف جنيه مع الإعفاء من الرسوم والضرائب الحكومية.. أما عن نصيب الأسد من هذا الصندوق الشيطاني فقد كان لوزارة الأوقاف حيث بلغ نصيبها تسعا ً وثلاثين في المائة من إجمالي دخل هذا الصندوق الشيطاني.. كما يأتي الفلاحين والفقراء بالنصف أو الربع من أنعامهم وزروعهم بل وبمهور أولادهم فيأتي الرجل بنصف مهر ابنته ويضعه في صندوق النذور قائلا ً: هذا نصيبك يا بدوي، كما يجتمع في مولد البدوي أكثر من ثلاثة ملايين شخص وتشير الدراسات إلى أن البدوي كان شخص غريب الأطوار، مختل العقل، دخل المسجد يوم الجمعة فبال فيه ثم خرج! ويكفي أن تعلم أخي في الله أن ما يناله خدام هذا الضريح من هذه الأموال أكثر مما يناله أكبر الأطباء والمهندسون وأساتذة الجامعة..فيا عجبى أين ذهبت عقول الناس عندما يعتقدون أن بول هذا المخبول يشفى من جميع الأمراض فكانوا يتسابقون لكى يبول عليهم من أعلى السطح الذى سكنه لما يزيد عن إثنا عشر عاما . ماذا بقى لى من التوحيد عندما أعتقد فى مثل البدوى وسائر الأموات النفع والضر ؟!!(1/75)
هذا يحدث الآن وللأسف فى بلاد بها الكثير من العلماء والمتعلمين والأكاديميين والمهندسين والأطباء
ولا أدرى مالذى يلجم ألسنتهم عن الصدح بالحق وتخليص بسطاء الناس من هذه العصابات وهذه المافيا التى يديرها الدراويش أصحاب العمامة الحمراء.
ليخبرنى أحد أساتذة التاريخ والجغرافيا كم مرقد للحسين وحده ؟
وأين جسد الحسين ؟
وأين رأس الحسين ؟
وعلاما صالح ولد الحسين على رضى الله تعالى عنهما
يزيد بن معاوية عفى الله عنه ورحمه
أتمنى لو أجد من يجيبنى
" بلاد الشام " ..
أما في بلاد الشام فقد أحصى عبد الرحمن بيك سامي في دمشق وحدها مائة وأربعا ً وتسعون ضريحا ً ومزارا ً المشهور منها أربعا ً وأربعون ضريحا ً.. وذكر أنه منسوبٌ للصحابة أكثر من سبعاً وعشرين قبرا ً لكل واحد منهم قبة ويزار ويُتبرك به.. وفي دمشق ضريح يدعي الناس أنه لرأس يحيى ابن زكريا عليهما السلام.. ويقع في قلب المسجد الأموي وله قبة وشباك وله نصيبه من التمسح والدعاء وقبور أخرى تزار ويتوسل بها.. أما عن ضريح ابن عربي في دمشق صاحب كتاب فصوص الحكم والمُعتقد بوحدة الوجود والحلول والاتحاد وزعيم الفلاسفة القائلين بهذه البدعة الكفرية..(1/76)
أقول إخواني في الله إن مزاره وثن يعبد ويقدس في بلاد الشام والتي كانت في يوم من الأيام عاصمة الخلافة الأموية وإن كان لا يزال في أهلها الخير إن شاء الله تعالى.. غير أن هذه الفتنة بهذا الوثن تزداد يوما ً بعد يوم فلو قدر لك الذهاب إلى قبر ابن عربي في دمشق لوجدت فئاما ً من الناس يغدون إليه ويروحون ولوجدتهم يطوفون حوله ويتوسلون به ويعلنون دعائهم له من دون الله تعالى ولوجدت المرأة تضع خدها على شباك الضريح وتمرغه وتنادي أغثني يا ابن عربي ! ولو جدت الصبايا البريئات يجئن إليه ويمددن إليه الأكف ويمسحن الوجوه ويخشعن ويتضرعن.. أقول إخواني في الله عند قبر ابن عربي في دمشق تُمَارس شتى ألوان الشرك الأكبر فأين الناصحون وأين المخلصون وأين السائرون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
والمصيبة الكبرى أن جميع الصوفية المنصفين عندما يسمعون كلام ابن عربى يقولون بكفره وزندقته
فتعجب غاية العجب يكفروه ويطوفون بقبره
يزندقوه ويسألونه من دون الله
فأى سفه أعظم من هذا
أى سفه أعظم وأفحش من أن أجعل من قال بأن إيمان فرعون أعظم وأفضل من إيمان موسى عليه السلام كيف أجعل لمن قال بمثل هذا ولآية على مسلم ؟!!!
أما " في الأردن" ..
فالدعاة في شرقها يطوفون بالأغنام حول مقام النبي يوشع في أزمان ألأوبئة ويختارون خير نعاجهم ويصعدونها إلى سطح الضريح وينحرونها فيسيل الدم على عتبات الضريح قربة لصاحب هذا القبر.. كما تزور المرأة العاقر والتي لا تنجب مقام النبي يوشع حافية خاشعة وتجثوا أمام الضريح وتقبله بدموع وتضرع ومنهن من يرقدن الليالي الطويلة بين أسواره بالصوم والصلاة ثم يغادرنه وفي أنفسهن من الفرح والسرور ما الله به عليم..(1/77)
ننتقل إلى العراق أما العراق فتمتليء بالعديد من القبور والمزارات بعضها للمنتسبين للسنة والكثير منها لأفراخ المجوس الشيعة فزيارات المنتسبين للسنة فردية وغير منظمة أما زيارات الشيعة فهي منظمة ولكل مزار موسمه المعروف ففي هذه المواسم يفد الشيعة بأعداد كبيرة من مختلف أقطار العالم من بلاد الهند وإيران ودول الخليج ويمارسون الوثنية والشرك أمام هذه القبور حيث تبدأ الزيارة من النجف عند مرقد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما يزعمون ويقرأ الزائرون هناك عددا ً من الأدعية الشركية والاستغاثات الوثنية في كتبهم الضالة المنحرفة بعد ذلك ينتقل الزائر إلى كربلاء وهي ديارهم المقدسة ثم ألكاظميه وتنتهي بسامراء حيث يختفي فيها إمامهم الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري كما يزعمون ويعتقدون ، وتستغرق هذه الزيارات الشركية الوثنية أياما ً وليالي تسيل خلالها الدموع بغزارة ويكثر فيها الندب والبكاء والنحيب والاستغاثة لغير الله عز وجل وقد أتوها من مكان سحيق وفج عميق وقدموا لها النذور والهدايا والقرابين ...
أقول إخواني في الله: إنها وثنية سافرة وردة عن دين الله عندنا فيها من الله برهان ولكن لا أبا بكر لها رضي الله عنه..
أما ضريح الإمام أبي حنيفة فهو في ضاحية الأعظمية في مسجد كبير تقام فيه صلاة الجمعة ويقع القبر في جانب القبلة من اليسار خارج المسجد وتوجد إلى جانبه وهذه الطامة الكبرى توجد إلى جانب ذلك الضريح كلية الشريعة أو كلية الإمام الأعظم حيث يقصده الحجاج الأتراك خلال رحلتهم إلى الحج.. أما قبر وضريح الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه فيقع في منطقة مطلة على نهر دجلة إلا أن معالمه زالت بفعل حركة النهر ولم يعد له أثر وهذا رحمة من الله تعالى بهذا الإمام الجليل إمام أهل السنة والجماعة والذي كان يلقب بمحدث الفقهاء وفقيه المحدثين رحمه الله تعالى..
ننتقل إلى "تركيا " ..(1/78)
أما في تركيا إخواني في الله: فيوجد فيها على ما يزيد على ست مائة وخمسين مشهدا ً وضريحا ً يشد إليه الرحال ويتوسل بأصحابها من دون الله عز وجل ويقدمون لها النذور والقرابين وغير ذلك من الأفعال الشركية الوثنية فالجماعات الصوفية في تركيا وخصوصا ً الطريقة النقشبندية والطريقة القادرية تدير الطريقة القرآنية والخلاوي إضافة إلى المدارس الابتدائية والثانويات الخاصة كما تملك أغلب الجماعات الصوفية مؤسسات إعلامية كبيرة مثل محطة ( A.K.T.V إي. كا.تي.في ) التابعة للطريقة النقشبندية والتي تركز نشاطها في صفوف الطلاب والطالبات وكذلك تمتلك جماعة الطريق القادرية محطة إعلامية كبيرة تعرف باسم "ميساي تي في mesay T.V " بل وتسيطر الطرق الصوفية في تركيا على ساحة الصحافة الإسلامية فتدير عشرات الصحف والمجلات والنشرات المتخصصة لنشر البدعة بين صفوف المسلمين العامة..
ننتقل إلى دولة باكستان..(1/79)
ففي مدينة مولتان والتي تقع في وسط الباكستان تشتهر هذه المدينة بكثرة القبور والأضرحة التي ترتفع عليها القباب والتي يصل ارتفاع هذه القباب في بعض الأحيان إلى خمسين مترا ً.. فإذا قدر لك أخي الحبيب أن تقف على هذه المدينة لرأيت أحد الشوارع الرئيسية ينحرف ليتجنب أحد هذه الأضرحة المعظمة المقدسة عند القوم ثم يعاود الاستقامة مرة أخرى ولا أحد يجرؤ أن يفكر بأن يقترح نقل الضريح من مكانه.. أما إذا اقتَربْتَ من ضريح الشيخ زكريا وهو من أكبر الأضرحة هناك لرأيت تلك الفرق الموسيقية التي تجلس على مدخل المسجد فبمجرد رؤيتهم للقادم الغريب يبدأ العزف على الآلات الموسيقية وتعلو أصواتهم بالغناء المليء بالشر كيات والاستغاثات طبعا ً لشيخهم الشيخ زكريا.. أما إذا اقتربت من فِنَاء الضريح فإنك سوف ترى الناس بين واقف ٍ وجاث ٍ وباك ٍ ورأيت من يسجد على عتبات القبر.. أما عن النساء فإنك سوف ترى تلك المرأه المسكينة والتي هدها الإجهاد والتعب وهي تحمل طفلا ً لها في عينيه براءة الأطفال وبقايا الفطرة الحنيفية التي فطر الله عباده عليها وهي تسجد طفلها عنوة ً على عتبة القبر والضريح ثم تمسح الأم على الضريح بيدها ثم تمسح وجه طفلها المريض البريء.. أما في يوم مولد الشيخ زكريا فإن الناس يحضرون من جميع أنحاء الباكستان بل ومن الهند ونيبال حتى إن بعضهم يحمل حذاءه بيده وهو ينزل من الطائرة أو الحافلة إذ كيف يطأ بنعله أرضا ً بها جسد الشيخ زكريا.. فاللهم رحماك رحماك..
ننتقل إلى دولة الهند..
ففي الهند يوجد إخواني في الله أكثر من مائة وخمسين ضريحا ً مشهورا ً يأمها آلافا ً من الناس حتى أصبح قبر الشيخ بهاء الدين زكريا الملتاني مرجع الخلائق في هذا العصر الأخير يطوفون حوله ويعملون على قبره جميع الأعمال التي لا تليق إلا بالعلي الغفار سبحانه وتعالى كالسجود والنذور..
أما إذا انتقلنا إلى دولة بنجلادش ..(1/80)
ففي بنجلادش يأتي الناس إلى زيارة القبور والأضرحة ويظنون أنها أقدس مكان على وجه الأرض لذلك فهم يسجدون أمام الأضرحة إجلالا ً لها واحتراما ً إلا من رحم ربي كما يطلبون من أصحابها الذرية ودفع المصائب وتفريج الكروب ويقدمون لهم النذور من الأموال والحيوانات كالغنم والبقر التي تذبح باسم صاحب القبر لأنهم يعتقدون أن لأصحاب هذه الأضرحة والقبور يدا ً في تصريف الأمور بل وفي إدخالهم الجنة ومن المضحك المبكي أن بعض الناس يأتون مزارات يوجد بها سلاحف وتماسيح يعتقد فيها البعض من الجهلاء النفع والضر فيقدمون الأكل لها أملا ً في الحصول على وظيفة أو تفريج كربة كما تحرص بعض النساء الجاهلات على مس هذه الحيوانات أملا ً في حدوث الحمل والرزق بالذرية لأنهم يعتقدون أن هذه الحيوانات تحولت إلى هذه الصورة بعد أن كانت من الأولياء الصالحين وهناك من المزارات التي تحتوي على أشجار يعتقد فيها وتعلق على أغصانها الخيوط والخِرَق.. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
ننتقل إلى دولة اريتريا..
ففي اريتريا إخواني في الله.. يتوجه كثير من القبوريين للأضرحة والقبور حاملين معهم الأغنام والأبقار والسكر والقهوة والشاي وغيرها من الأنواع التي توجد عندهم إضافة إلى الأموال وذلك ليقدموها قربانا ً إلى صاحب الضريح والقبر وقد يذبحون الأنعام للولي أو للشيخ ويطوفون بالقبر ويتمرغون بترابه ويطلبون قضاء الحوائج وتفريج الكربات منه كما يحصل من الفساد الأخلاقي حول الأضرحة ما يستحي الإنسان من ذكره وخاصة الاختلاط وانتهاك الأعراض وتكثر هذه الممارسات حول الأضرحة الشهيرة كضريح مثلا ً الشيخ ابن علي وضريح سِيْدِي هاشم الميرغني وضريح بنته الست علوية بمدينة مصوع وهذين القبرين قد تم بناءهم على شكل مكعب ومغطى بالقماش مثل الكعبة وفي كل زاوية من هذه الزوايا خشبة مستديرة يتبرك بها بعد الانتهاء من الطواف حول القبر..(1/81)
قوانين الزيارة وحالة الزائرين إمام القبر والضريح فإن لزيارة مراقد ومشاهد وقبور الأولياء قوانين لا بد من إتباعها ومنها: ينبغي أن يخلع الزوار نعالهم خارج القبة وبعضهم يخلعها خارج ساحة المسجد احتراما ً لصاحب الضريح فمن المسلم عندهم أنه لا يجوز دخول القبة بالنعلين كما يتم دخول القبة بإذن من حارسها حيث يتولى خادم الضريح وهو السادن تطويف الزوار ويُتبَرّك الزوار بالضريح والقبر والقبة بطرق شتى منها الأخذ من تراب القبر ومنهم من يضع يديه على السياج المعدني حول القبر ويتمسح به ثم يمسح به على جسده وملابسه إضافة إلى الطواف داخل القبة حول القبر فإنه من الممارسات الشائعة والمألوفة عند هؤلاء الزوار القبوريون..
إضافة إلى دعاء المقبور والاستعانة به والإلحاح عليه في الدعاء فقد رأيت بعض الزائرين يجلس عند القبر ممسكا ً بسياجه ويلح في طلب حاجته وأحيانا ً يصرخ والبعض الآخر يدعوا المقبور أثناء الطواف حول القبر ومما يندى له الجبين إخواني في الله أن امرأة شوهدت عند قبة الشيخ عبد الباقي تحمل طفلاً وهي تدفعه بيديها وتهزه .. مخاطبةً الشيخ عبدالباقي وهي ترجو منه البركة في صغيرها ثم تقول: يا شيخ هل سمعت؟ يا شيخ هل سمعت؟ لتتيقن سماعه وقضاء حاجتها ومنهم من يلتزم القبر بداخل القبة ويصيح عنده ويجأر به وقد رأيت ذلك بعيني.. وهناك من يسجد وهو مستقبل الضريح والقبر عياذا ً بالله تعالى إضافة إلى تقديم النذور عند هذه القباب والأضرحة ومن الناس أيضا ً من يعكف عندها أياما ً وشهورا ً التماسا ً للشفاء أو لقضاء حاجة ً من حوائجه وقد أُلحِقت ببعض القباب غرف انتظار للزائرين لهذا الغرض وقد لوحظ أن زيارة القباب والقبور تتم في جميع أيام الأسبوع وتزداد في أيام الجمع والأعياد حيث يقتض كثير من القباب بالزوار في هذه المناسبات.. كما لوحظ اختلاط الرجال والنساء في هذه الزيارات وإن معظم الزائرين هم من النساء..(1/82)
يقول الإمام الصنعاني في كتابه العظيم تطهير الاعتقاد وهو يصف حالة أولئك المشركين في تعظيمهم للقبور والأضرحة بقوله رحمة الله عليه " ويقسمون بأسمائهم بل إذا حلف من عليه حق باسم الله تعالى لم يقبلوا منه فإذا حلف باسم ولي من أوليائهم قبلوه وصدقوه ولن يُصَدِّق أحدا ً من الحالف إلا إذا حلف بواحد ٍ منهم -أي من الأولياء- وهذا كان شيئا ً طبيعيا ً كنا نراه في القرى ونحن صغار ولا زال يجري للآن " انتهى كلامه رحمة الله عليه..
واستمع أخي في الله إلى هذه القصة التي توضح ما اعتادوه وألفوه أولئك القبور يين من تعظيم القبور والإقسام بها..ففي بلاد الشام طال الجدال بين الأعراب على سرقة بهيمة من البهائم وكان المتهم جالسا ً بين الحضور وهو ينكر هذه السرقة فقال له أحد الحاضرين لا ريب أنك أنت السارق ودلائل الخوف ظاهرة على وجهك فقال المتهم أقسم بالله أني ما مددت يدي إلى الحرام فقام أحدهم وقال له لا بالله لا نقبل يمينك يعني لا نقبل قسمك بالله ولكن أقسم لنا بضريح الهلاهله..
هذا ضريح في شرق الأردن فلما سمع المتهم اسم الهلاهله امتقع لونه وقال: لا أقسم ويل للحالف ثم اعترف بجريمته وسرقته لهذه البهيمة..
كما وصل الحال ببعضهم إخواني في الله أن جعلوا هذه القبور والأضرحة الوثنية حرما ً آمنا ً.. يهرع إليه المجرمون والفارون ويلجأ إليها الخائفون ليأمونا في رحابها ويستريحوا في ظلالها ويطمئن في ساحاتها بل لم يكن في زمن من الأزمان وفي وقت من الأوقات يجرأ أحد من الحكام أن ينتهك حرمة ضريح لاذ به مجرم ؟ أو عاذ به فار مهما كان جرمه ومهما بلغت جنايته وكثيرا ً ما عفي عن اللائذين بالأضرحة من المجرمين إكراما ً للمدفونين أو خشية ً ورهبة ً من انتقام وبئس الأولياء المقبورين كما يزعمون فإنا لله وإنا إليه راجعون..(1/83)
جاء في كتاب السيد البدوي ودولة الدراويش في مصر أن بعض سدنة الأضرحة في أرياف مصر يرسلون عجلا ً صغيرا ً في حقول بلدهم معلنون أن هذا العجل هو للولي الفلاني.. فلا يزال هذا العجل سائبا ً على حريته في حقول البلد وما جاورها يأكل مما يشتهيه وأرباب هذه الحقول لا يستطيعون طرده أو إهانته خوفا ً من الولي الذي هو في حمايته حتى يأتي مولده أي مولد ذلك الولي فيأخذه السدنة سمينا ً معلوفا ً ويذبحونه وينتفعون به.." انتهى ما في الكتاب
هذا كله يستدعينا وبإلحاح للبحث عن أصل هذه النحلة التى إنتحلها السواد الأعظم من الجهلة وبسطاء الناس , يوم أن تكالب المجتمع الذى يدعى الحرية أن أن ينتشر بين الناس الدين الحق والمنهج الحق بكل حرية , بل الحرية عند القوم فى نشر ملل زائغة ومنحرفة ونحل ساقطة ومخرفة وحسبنا الله فى كل من دعى للإنحراف عن الطريقة المحمدية .
الفصل الرابع :-
التصوف وبدء ظهوره ومنشأه
نشأ التصوف أول ما نشأ بالبصرة، وأول من بنى ديرة التصوف بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد من أصحاب الحسن البصري رحمه الله .
وقد تميز عباد البصرة آنذاك بالمبالغة في التعبد، وظهرت فيهم مظاهر جديدة لم تكن مألوفة من قبل، فكان منهم من يسقط مغشيا عليه عند سماع القرآن، ومنهم من يخر ميتا، فافترق الناس إزاء هذه الظاهرة بين منكر ومادح، وكان من المنكرين عليهم جمع من الصحابة كأسماء بنت أبي بكر وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم، إذ لم تكن تلك المظاهر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وهم الأعظم خوفا والأشد وجلا من الله سبحانه .(1/84)
ورأى الإمام ابن تيمية أن حال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من ضبط نفوسهم عند سماع القرآن أكمل من حال من جاء بعدهم، ولكنه - رحمه الله - لا يذهب إلى الإنكار على من ظهر منه شيء من ذلك إذا كان لا يستطيع دفعه، فقال رحمه الله تعالى : " والذي عليه جمهور العلماء أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبا عليه لم ينكر عليه وإن كان حال الثابت أكمل منه " .
ويقول الشيخ ممدوح الحربى حفظه الله وكثيرأ ما سأستشهد بسلسلة محاضراته الرائعة عن التصوف .
التصوف:
حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري وذلك كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وإلى شدة العبادة تعبيرًا عن ردة الفعل المعاكسة للانغماس في الدنيا والترف الحضاري ، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقًا مميزة معروفة بطرق الصوفية.
ويقوم المتصوفة بتربية النفس والسموّ بها وذلك بُغْيةَ الوصول إلى الله تعالى عن طريق الكشف والمشاهدة والإلهامات وليس عن طريق اتباع الوسائل الشرعية التي جاءت من الكتاب والسنة، ولهذا فإن الصوفية أخذوا هذا المنهج المخالف للكتاب والسنة حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية القديمة كالفلسفة الهندية والفلسفة الفارسية واليونانية وغيرها.
ويلاحظ أن هناك فروقًا جوهرية بين مفهومي الزهد والتصوف، أهمهما :
أن الزهد: قد جاءت به السنّة المطهرة
أما التصوف: فهو ميل عن طريق الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام من بعده رضوان الله عليهم .(1/85)
تنازع العلماء في أصل هذه النسبة وإلى أي شيء تضاف فقيل : هي نسبة إلى أهل الصُفَّة ، وقيل : نسبة إلى الصفوة، وقيل : نسبة إلى الصف المقدّم، وقيل : بل نسبة إلى صوفة بن بشر رجل عرف بالزهد في الجاهلية، قال الإمام ابن تيمية : " وكل هذا غلط ، وقيل - وهو المعروف - أنه نسبة إلى لبس الصوف ". ونفى القشيري صحة هذه النسبة أيضاً، وقال : إن القوم لم يعرفوا بلبس الصوف، وأيا كان أصل النسبة فإن اللفظ صار علما على طائفة بعينها، فاستغني بشهرته عن أصل نسبته.
هذا عن أصل النسبة، أما معنى التصوف فللقوم عبارات مختلفة في ذلك تصور مقام كل واحد في التصوف وتصوره له، فقال بعضهم في تعريف التصوف : أنه الدخول في كل خلق سني، والخروج عن كل خلق دني، وقيل : أن يكون العبد في كل وقت بما هو أولى به في ذلك الوقت ، بمعنى أنه إن كان في وقت صلاة كان مصليا، وإن كان في وقت ذكر كان ذاكر، وإن كان في وقت جهاد كان مجاهدا، لذلك قيل : الصوفي ابن وقته، وقيل في تعريف التصوف الأخذ بالحقائق، واليأس بما في أيدي الخلائق، وقيل التصوف مراقبة الأحوال ولزوم الأدب، وقيل غير ذلك.
ويقول الشيخ ممدوح الحربى :
أما نشأة التصوف:(1/86)
- فخلال القرنين الأولين ابتداءً من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين حتى وفاة الإمام الحسن البصري رحمة الله عليه لم تُعرف الصوفية لا باسمها ولا برسمها ولا بسلوكها، بل كان المسمى الجامع هو المسلمين أو المؤمنين أو بعض المسميات الخاصة مثل الصحابي أو البدري أو أصحاب البيعة أو التابعين ، ولم يَعرف ذلك العهد هذا الغلو التعبدي أو الاعتقادي إلا بعض النزعات الفردية في التشديد على النفس الذي نهاهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم للرهط الذين سألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم وكأنهم تقالّوها ، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: ((لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (1) وقوله صلى الله عليه وسلم للحولاء التي طوقت نفسها بحبل حتى لا تنام عن قيام الليل كما في حديث عائشة رضي الله عنها قال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم من العمل ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تملّوا وأحبّ العمل إلى الله أدومه وإن قلّ ))
وهكذا كان الصحابة والتابعين وتابعيهم على هذا المنهج يسيرون، يجمعون بين العلم والعمل، والعبادة والسعي على النفس والعيال، وبين العبادة والجهاد في سبيل الله والتصدي لأهل البدع والأهواء، مثلما تصدى ابن مسعود رضي الله عنه لبدعة الذكر الجماعي في مسجد الكوفة وقضى عليها وتصديه لأصحاب معضد بن يزيد العجني لما اتخذوا دُورًا خاصة للعبادة في بعض الجبال وردّهم عن ذلك رضي الله عنه.
- حتى جاء القرن الثاني الهجري في عهد التابعين وظهرت طائفة من العباد آثروا العزلة وعدم الاختلاط بالناس فشددوا على أنفسهم في العبادة على نحوٍ لم يُعهد من قبل
بسبب:
1- بعض الفتن الداخلية وما حصل من المسلمين من إراقة الدماء الزكية ، فآثر هؤلاء العباد اعتزال المجتمع طلبًا للسلامة في دينهم
__________
(1) رواه مسلم(1/87)
2- يُضاف إلى ذلك أيضًا فتح الدنيا أبوابها على المسلمين، وبخاصة بعد اتساع الفتوحات الإسلامية وانغماس بعض المسلمين فيها وشيوع الترف والمجون بين طبقة السفهاء
مما أوجد ردة فعل عند بعض العباد، وبخاصة في البصرة والكوفة إذ كانت بداية الانحراف عن المنهج النبوي هناك.
ففي الكوفة مثلا ظهرت جماعة من أهلها اعتزلوا الناس وأظهروا الندم الشديد بعد مقتل الحسين بن عليّ رضي الله عنهما ، وسموا أنفسهم بالتوابين أو البكائين، كما ظهرت طبقة من العبّاد غلب عليهم جانب التشدّد في العبادة والبعد عن المشاركة في مجريات الدولة مع علمهم وفضلهم والتزامهم بآداب الشريعة واشتغالهم بالكتاب والسنة تعلمًا وتعليمًا بالإضافة إلى صدعهم بالحق وتصديهم لأهل الأهواء، كما ظهر فيهم الخوف الشديد من الله تعالى والإغماء والصعق عند سماع القرن أي أن الواحد منهم إذا سمع القرآن يغمى عليه ويغشى عليه؛ مما جعل بعض الصحابة رضوان الله عليهم وكبار التابعين ينكرون عليهم كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين ونحوهم رضي الله عنهم، وبسببهم شاع لقب العبّاد والزهّاد والقرّاء، هذا الألقاب بدأت تنتشر في تلك الفترة .
امتاز منهج المتقدمين في الجملة بالتعويل على الكتاب والسنة، واعتبارهما مصدري التلقي والاستدلال الوحيدين، ويروى عنهم نصوص كثيرة في ذلك، فمن ذلك ما قاله أبو القاسم الجنيد :" مذهبنا هذا مقيد بالأصول الكتاب والسنة " وقال أيضا : " علمنا منوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به " وقال أبو سليمان الداراني :" ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة "، وقال سهل بن عبدالله التستري :" مذهبنا مبني على ثلاثة أصول :" الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال ".
الفصل الخامس :-(1/88)
التصوف وإفساد العقيدة الإسلامية
ربما بدأت الصوفية كمجموعة اتخذت الزهد شعارها، وتصفية القلوب دثارها، مع صحة الاعتقاد وسلامة العمل في الجملة، إلا أنه قد دخل في مسمى الصوفية فرق وطوائف متعددة، لم يكن الجامع بينها إلا التحلي بالزهد والاهتمام بأحوال القلوب سواء أكان على وجه الصدق أم كان على وجه الادعاء والتظاهر أمام الخلق، أما العقائد فقد تفرقت بهم السبل فيها، ولا سيما بين جيل الصوفية الأوائل من أمثال إبراهيم بن أدهم، والجنيد، وبشر الحافي، وبين المتأخرين من أمثال الحلاج وابن عربي والفارابي وابن سبعين وغيرهم، وعليه فمن الخطأ بمكان إطلاق الأحكام التعميمية على الصوفية بعامة، لاتحادهم في الاسم مع اختلافهم الجوهري في كثير من العقائد والأفكار، فالعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
وسنعرض من خلال هذا البحث الموجز شيئاً من عقائد بعض الصوفية المتأخرين، ونذيل في نهاية البحث بتعليق نبين ما لها وما عليها، فمن عقائدهم:
1. القول بالحلول: وهي بدعة كفرية أخذها من أخذها عن كفار الهند، ومعناها عندهم أن الله حالٌّ في مخلوقاته فلا انفصال بين الخالق والمخلوق، وليس في الوجود إلا الله، وهذا ما يسمى بوحدة الوجود.
2. الغلو في الصالحين وفي مقدمتهم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، حيث يعتقد الغالون من الصوفية أن النبي صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون، وأن الخلق ما خلق إلا لأجله ومن نوره، ويقل منسوب الغلو عند بعضهم فيرى أن النبي صلى الله عليه وسلم بشراً رسولا، إلا أنهم يستغيثون به طالبين المدد والعون ولا يستغاث إلا بالله جل جلاله كاشف الضر ورافعه.(1/89)
ومن أوجه الغلو عند الصوفية كذلك الغلو في صالحيهم، حتى وجد في بعضهم من يعبد شيخه فيسجد له ويدعوه، وربما قال بعضهم كل رزق لا يرزقنيه شيخي فلا أريده ونحو هذه الأقوال، وربما غلا بعضهم في نفسه واغتر بها، حتى روي عن بعضهم قوله: " خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله "، ويلقبون قادتهم ومعلميهم بالأقطاب والأوتاد، ويجعلون لهم تصريف الكون أرضه وسماءه، في منطق يجمع بين الجهل والسخف وقلة العقل والدين.
3. تقسيم الدين إلى شريعة تلزم العامة، وحقيقة تلزم الخاصة، فالشريعة هي ما يسمونه العلم الظاهر، والحقيقة هي ما يدعونه العلم الباطن، فالعلم الظاهر والذي يمثل الشريعة معلوم المصدر وهو الكتاب والسنة، أما علم الحقيقة، علم الباطن فهذا يدعي الصوفية أنهم يأخذونه عن الحي الذي لا يموت، فيقول أحدهم : حدثني قلبي عن ربي، وذهب بعضهم إلى القول بأنه يأخذ عن ملك الإلهام، كما تلقى الرسول صلى الله عليه وسلم علومه عن ملك الوحي، وزعم بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من يخبرهم بما يتوجب عليهم من عبادة وذكر، وأنهم يلتقون بالأنبياء ويسألونهم عن قصصهم، وقال آخر إذا طالبوني بعلم الورق، برزت عليهم بعلم الخرق.
وقال أبو حامد الغزالي في بيان هذا المسلك: " اعلم أن ميل أهل التصوف إلى الإلهيه دون التعليمية، ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون، بل قالوا الطريق تقديم المجاهدات بمحو الصفات المذمومة، وقطع العلائق كلها، والإقبال على الله تعالى بكنه الهمة، وذلك بأن يقطع الإنسان همه عن الأهل والمال والولد والعلم، ويخلو بنفسه في زاوية ويقتصر على الفرائض والرواتب، ولا يقرن همه بقراءة قرآن ولا بالتأمل في نفسه، ولا يكتب حديثا ولا غيره، ولا يزال يقول : "الله الله الله" إلى أن ينتهي إلى حال يترك تحريك اللسان ثم يمحي عن القلب صورة اللفظ "(1/90)
4. بناؤهم العبادة على المحبة فقط، فلا يعبدون الله خوفا من ناره ولا طمعا في جنته، وقد قال بعض السلف:" من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري - أي من الخوارج - ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ ، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد "
هذه بعض أفكار وعقائد بعض الصوفية ولا سيما المتأخرين منهم، وسوف نعقِّب على ما ذكرنا من عقائدهم بالنقد والتقويم في نهاية البحث، والله الموفق .
ويفند الشيخ ممدوح الحربى ما عليه القوم من معتقدات وخزعبلات فيقول :
ننتقل الآن -أحبابي في الله- إلى: عقائد الصوفيَّة:
حيث تتشابه عقائد الصوفية وأفكارهم وتتنوَّع بتنوع المدارس والطرق الصوفية ويمكن إجمالها في الأمور التالية:
يعتقد المتصوفة في الله تعالى بعقائد عدة:
? منها الحلول عياذا بالله تعالى،
أي أن الخالق يحل في المخلوق عياذا بالله تعالى وهو مذهب الحلاج الذي يقول بأن الله حل في خلقه عياذا بالله تعالى.
? ومنهم من يعتقد بوحدة الوجود وهو عدم الانفصال بين الخالق والمخلوق عياذا بالله تعالى .
? ومنهم من يعتقد بعقيدة الأشاعرة والماتريديه في ذات الله وأسمائه وصفاته،
أما غلاة الصوفية: فيعتقدون في الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك عقائد شتى:
? فمنهم من يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى مرتبة شيوخهم لأنه كان جاهلاً بعلوم المتصوفة عياذا بالله تعالى،كما نقل عن البسطامي قوله:"خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله" عياذا بالله تعالى،
? ومنهم من يعتقد أن الرسول هو قبة الكون الذين غلوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، طائفة منهم تعتقد أن محمد أشرف البشر وأطهر البشر صلى الله عليه وسلم أنه قبة الكون وهو الله المستو على العرش
? وأن السموات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره
? وأنه أول موجود. وهذه عقيدة شيخهم ابن عربي ومن تبعهم على الطريقة،(1/91)
? ومنهم من لا يعتقد ذلك بل يرده، ويعتقد ببشريته و رسالته صلى الله عليه وسلم لكنهم مع ذلك يتوسلون به صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى على وجه يخالف ما عليه أهل السنة والجماعة.
أما عقائد الصوفية في الأولياء: فتعتقد الصوفية عقائد شتى كذلك:
? فمنهم من يفضل الولي على النبي تماما كما تعتقد الشيعة الأمامية في أئمتهم
? ومنهم من يجعل الولي مساويًا لله تعالى في كل صفاته عياذًا بالله تعالى، فهو الولي: يخلق ،ويرزق، ويحي، و ويميت، ويتصرف في الكون، والقارات عياذا بالله تعالى .
كما أن للصوفية تقسيمات في الأولياء، أي أن الصوفية يقسمون الأولياء إلى طبقات:
1- فهناك أعلى الأولياء مرتبة وهو الغوث.
2- ثم يأتي القطب.
3- ثم يأتي الأبدال.
4- ثم يأتي التصنيف الأخير وهم النجباء.
ثم طبعًا كل هؤلاء يجتمعون فى ديوان لهم خاص في غار حراء،كل ليلة ينظرون في مقادير الخلق عياذاً بالله تعالى من ذلك الضلال.
وأما السائل عن " القطب ، الغوث ، الفرد الجامع " ؛ فهذا قد يقوله طوائف من الطرقية والمتصوفة ، ويفسرونه بأمور باطلة في دين الإسلام ، مثل تفسير بعضهم أن " الغوث " هو الذي يكون مدد الخلائق بواسطته في نصرهم ورزقهم ، حتى يقول : إن مدد الملائكة وحيتان البحر بواسطته . فهذا من جنس قول النصارى في المسيح عليه السلام ، والغالية في علي رضي الله عنه ، وهذا كفر صريح يستتاب منه صاحبه ، فإن تاب وإلا قتل ؛ فإنه ليس من المخلوقات لا ملك ولا بشر يكون إمداد الخلائق بواسطته ، ولهذا كان ما يقوله الفلاسفة في " العقول العشرة " الذين يزعمون أنها الملائكة ، وما يقوله النصارى في المسيح ونحو ذلك كفر صريح باتفاق المسلمين .(1/92)
وكذلك أعني بالغوث ما يقوله بعضهم : من أن في الأرض ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، يسمونهم " النجباء " فينتقى منهم سبعون هم " النقباء " ومنهم أربعون هم " الأبدال " ومنهم سبعة هم " الأقطاب " ومنهم أربعة هم " الأوتاد " ومنهم واحد هو " الغوث " وأنه مقيم بمكة ، وأن أهل الأرض إذا نابهم نائبة في رزقهم ونصرهم فزعوا إلى الثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، وأولئك يفزعون إلى السبعين ، والسبعون إلى الأربعين والأربعون إلى السبعة ، والسبعة إلى الأربعة ، والأربعة إلى الواحد . وبعضهم قد يزيد في هذا وينقص في الأعداد والأسماء والمراتب ؛ فإن لهم فيها مقالات متعددة حتى يقول بعضهم : أنه ينزل من السماء على الكعبة ورقة خضراء باسم غوث الوقت ، واسم خضره - على قول من يقول منهم : إن الخضر هو مرتبة ، وإن لكل زمان خضرا فإن لهم في ذلك قولين - وهذا كله باطل لا أصل له في كتاب الله ولا سنة رسوله ، ولا قاله أحد من سلف الأمة ولا أئمتها ، ولا من المشايخ الكبار المتقدمين الذين يصلحون للاقتداء بهم . ومعلوم أن سيدنا رسول رب العالمين وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم كانوا خير الخلق في زمنهم ، وكانوا بالمدينة ؛ ولم يكونوا بمكة .
وقد روى بعضهم حديثا في " هلال " غلام المغيرة بن شعبة ، وأنه أحد السبعة ، والحديث باطل باتفاق أهل المعرفة ، وإن كان قد روى بعض هذه الأحاديث أبو نعيم في " حلية الأولياء " و أبو عبد الرحمن السلمي في بعض مصنفاته ، فلا تغتر بذلك ؛ فإن فيه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع ، والمكذوب الذي لا خلاف بين العلماء في أنه كذب موضوع ، وتارة يرويه على عادة بعض أهل الحديث الذين يروون ما سمعوا ولا يميزون بين صحيحه وباطله ، وكان أهل الحديث لا يروون مثل هذه الأحاديث ؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين .(1/93)
وبالجملة فقد علم المسلمون كلهم أن ما ينزل بالمسلمين من النوازل في الرغبة والرهبة مثل دعائهم عند الاستسقاء لنزول الرزق ، ودعائهم عند الكسوف ، والاعتداد لرفع البلاء ، وأمثال ذلك إنما يدعون في ذلك الله وحده لا شريك له ، لا يشركون به شيئا ، لم يكن للمسلمين قط أن يرجعوا بحوائجهم إلى غير الله عز وجل ؛ بل كان المشركون في جاهليتهم يدعونه بلا واسطة فيجيبهم الله ، أفتراهم بعد التوحيد والإسلام لا يجيب دعاءهم إلا بهذه الواسطة التي ما أنزل الله بها من سلطان ؟ قال تعالى : وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ وقال تعالى : وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ وقال تعالى : قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ وقال : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم استسقى لأصحابه بصلاة وبغير صلاة ، وصلى بهم للاستسقاء ، وصلاة الكسوف ، وكان يقنت في صلاته فيستنصر على المشركين ، وكذلك خلفاؤه الراشدين بعده ، وكذلك أئمة الدين ومشايخ المسلمين ، وما زالوا على هذه الطريقة .(1/94)
ولهذا يقال : ثلاثة أشياء ما لها من أصل ( باب النصيرية ) و ( منتظر الرافضة ) و ( غوث الجهال ) : فإن النصيرية تدعي في الباب الذي لهم ما هو من هذا الجنس أنه يقيم العالم ، فذاك شخصه موجود ؛ ولكن دعوى النصيرية فيه باطلة . وأما محمد بن الحسن المنتظر ، والغوث المقيم بمكة ، ونحو هذا : فإنه باطل ليس له وجود .
وكذلك ما يزعمه بعضهم من أن القطب الغوث الجامع يمد أولياء الله ، ويعرفهم كلهم ، ونحو هذا ، فهذا باطل . فأبو بكر وعمر رضى الله عنهما لم يكونا يعرفان جميع أولياء الله ، ولا يمدانهم ، فكيف بهؤلاء الضالين المغترين الكذابين ؟ ! ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد ولد آدم إنما عرف الذين لم يكن رآهم من أمته بسيما الوضوء ؛ وهو الغرة والتحجيل ، ومن هؤلاء من أولياء الله من لا يحصيه إلا الله عز وجل . وأنبياء الله الذين هو إمامهم وخطيبهم لم يكن يعرف أكثرهم ؛ بل قال الله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وموسى لم يكن يعرف الخضر ، والخضر لم يكن ليعرف موسى ؛ بل لما سلم عليه موسى قال له الخضر : وأنى بأرضك السلام ؟ فقال له : أنا موسى ، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم . وقد كان بلغه اسمه وخبره ، ولم يكن يعرف عينه . ومن قال : إنه نقيب الأولياء أو أنه يعلمهم كلهم فقد قال الباطل .
ومنهم من لا يعتقد ذلك، ولكنهم يجعلون الأولياء وسائط بينهم وبين ربهم في حياتهم أو بعد مماتهم أقول وهذا من الشرك العظيم الذي لا يغفره الله تعالى أبدًا إلا بالتوبة.
كذلك يعتقدون أن الدين ينقسم إلى: شريعة و حقيقة.
الشريعة: هي الظاهر من الدين وهي الباب الذي يدخل منه الجميع.
والحقيقة: هي الباطن الذي لا يصل إليه إلا المصطفون الأخيار من الأولياء.(1/95)
كذلك لابد من التصوف من التأثير الروحي الذي لا يأتي إلا بواسطة الشيخ الذي أخذ الطريقة أو الخرقة الصوفية عن شيخه. طبعاً ولابد من الذكر والتأمل الروحي عند الصوفية، وتركيز الذهن في الملأ الأعلى، وأعلى الدرجات لديهم هي ما تسمى بدرجة الولي.
كما يتحدث الصوفيين عن علم يسمى عندهم بالعلم الَّلدُني، الذي يكون في نظرهم لأهل النبوة وأهل الولاية كما كان ذلك للخضر عليه السلام إذ أخبر الله تعالى عن ذلك فقال: (وعلمناه من لدنا علما).
أما إذا أردنا التفصيل قليلاً في عقائد الطرق الصوفية
نتوسع قليلاً في الطرق الصوفيه:
فمثلاً:
الطريقة الختمية: لها ارتباط فكري وعقدي مع الشيعة، بل إنهم ممن يأخذون من آداب الشيعة ويحاول المعاصرون من شيوخ الطريقة الختمية ربط هذه الطريقة أي: الختمية بالحركات الشيعية المعاصرة، وتعتقد الطريقة الختمية بعقيدة وحدة الوجود التي نادى بها ابن عربي كما يدعي مشايخ الطريقة الختمية بأنهم لقوا الرسول صلى الله عليه وسلم أي التقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ورأوه عياناً، بل يعتقدون أنه يحضر احتفالاتهم بمولده -عياذًا بالله تعالى -كما يدعي مؤسس الطريقة الختمية واسمه محمد عثمان المرغني بأنه خاتم الأنبياء، وأنه أعظم من كل الأولياء السابقين.
وللطريقة الختمية بيعة خاصة يردد فيها المريد ما يلي:
"اللهم إني تبت إليك ورضيت بسيدي السيد محمد عثمان المرغني شيخًا لي في الدنيا والآخرة فثبتني اللهم على محبته وعلى طريقته في الدنيا والآخرة.اهـ
طبعًا من الأمور الملاحظة على مشايخ الطريقة الختمية أنهم ينسبون أنفسهم إلى أئمة الشيعة الإثنا عشرية ويعتبرون أنفسهم من سلالتهم كما أن بعض شيوخهم تطاول على الصحابة رضوان الله عليهم تماماً كما يفعل أسيادهم من الشيعة الأمامية الإثنا عشرية.(1/96)
أما الطريقة التيجانية: فيؤمنون بوحدة الوجود ويقولون بأن مشايخهم يكشف عن أبصارهم فيرون الغيب عياذًا بالله تعالى، ويدعي المؤسس الطريقة واسمه أحمد التيجاني بأنه قد التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة وأنه تكلم معه مشافهه وأنه قد تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم صلاة تسمى بصلاة الفاتح لما أغلق ولفظها: اللهم صلى على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، الهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم" اهـ
طبعاً الطريقة التيجانية لهم في هذه الصلاة اعتقادات غريبة تدل على كذبهم منها:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر التيجاني طبعًا حينما التقى به- كذبا وزورا- أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر التيجاني شيخ هذه الطريقة بأن المرة الواحدة من هذا الدعاء تعدل قراءة القرآن ستة مرات.(1/97)
وفي لقاءه الثاني المزعوم بالنبي صلى الله عليه وسلم أخبره بأن المرة الواحدة من صلاة الفاتح تعدل قراءة القرآن ستة آلاف مرة كما ذكر ذلك في كتاب "جواهر المعاني" لعلي الحرازي، إضافة إلى أنه من تلا صلاة الفاتح عشر مرات كان أكثر ثوابا من الذي لم يذكرها ولو عاش ألف ألف سنة، يعني مليون سنة، طبعا أحبابي في لله يلاحظ عليهم أو يلاحظ على هذه الطريقة شدة تهويلهم والتقاعس عن آداء العبادات والتهاون فيها وذلك بسبب ما يشاع بينهم من الأجر والثواب العظيمين على أقل عمل يقوم به الواحد من مريدي هذه الطريقة، طبعا يقول مؤسس هذه الطريقة أحمد التيجاني لأتباعه الجهال أن من رآه دخل الجنة بل ويزعم أن من حصل له النظر إليه في يومي الجمعة والاثنين دخل الجنة وكان دائما يخبر أتباعه الجهال بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ضمن للطريقة التيجانية وأتباعها دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب، والذي يبين كذب هذا الرجل وهذه الطريقة أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل لخير الأجيال ولأفضل جيل عرفته البشرية وهم أصحاب الخليل صلى الله عليه وسلم، لم يقل لهم بأنهم قد غفر لكم ما تقدم من ذنوبكم وما تأخر، أو أنكم سوف تدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهذا يدلل على كذب هذه الطريقة وما يعتقدونه.
ننتقل للطريقة البريلوية: نحن مازلنا أحبابي في الله في العقائد لم نُعرف الطرق، طريقة طريقة، إنما نحن الآن نتكلم في باب العقائد ونذكر عقيدة كل طريقة على وجه الإجمال وعلى وجه السرعة سننتقل الآن إلى:
الطريقة البريلوية:
? يعتقد أصحابها بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لديه قدرة يتحكم بها في الكون عياذا بالله تعالى.
? كما أن لديهم عقيدة تسمى بعقيدة الشهود: وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتقادهم حاضر وناظر لأفعال الخلق الآن وفي كل زمان ومكان عياذا بالله تعالى.(1/98)
? وينكر أصحاب الطريقة البريلوية بشرية النبي صلى الله عليه وسلم بل يجعلونه نورا من نور الله تعالى عياذًا بالله من هذا الضلال و هذا الشرك المبين.
? كذلك يحث أصحاب الطريقة البريلوية أتباعهم ومريديهم على الاستغاثة بالأنبياء والأولياء والصالحين, ومن ينكر عليهم هذا يرمونه مباشرة بالإلحاد وبالكفر, ولِذَا هذه الطريقة غلو شديد في شخصية عبد القادر الجيلاني, وتكفير شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى, بل يصفونه بأنه مختل وفاسد العقل, وكذلك تلميذه ابن القيم رحمه الله, كما أنهم يكرهون الإمام المجدد محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله كرهًا شديدًا ويرمونه بأشنع التهم, وأسوء الألفاظ.
هناك علامة لهذا الطريقة وأتباعهم, يستطيع الإنسان معرفتهم بها, ويميزهم, ومن هذه العلامات التي تعرف بها الطريقة البيرلوية:
* إصرارهم على بدعة تقبيل الإبهامين عند الأذان ومسح العينين بهما, واعتبار ذلك من الأمور الأساسية, ولا يتركها -في اعتقادهم- إلا من كان عدوًا لله تعالى ولرسوله عليه الصلاة والسلام!!.
الفصل السادس :-
مدارس التصوف المشهورة وأهم الطرق الصوفية وأكثرها ‘نتشاراً
1- مدرسة الزهد.
وأصحابها من النساك والزهاد والعباد والبكائين.
ومن أفرادها:
1. رابعة العدوية.
2. إبراهيم بن أدهم.
3. مالك بن دينار.
2- مدرسة الكشف والمعرفة.
هذه المدرسة هي التي تقوم على اعتبار أن العقل وحده لا يكفي في تحصيل المعرفة وإدراك حقائق الموجودات, إذ لابد أن يتطور المرء بالرياضة النفسية, حتى تنكشف عن بصيرته غشاوة الجهل, وتبدوا له الحقائق جلية واضحة.
وزعيم هذه المدرسة: أبو حامد الغَزَّالي رحمه الله.
3-مدرسة وحدة الوجود.
زعيم هذه المدرسة: محي الدين ابن عربي.
4- مدرسة الاتحاد والحلول.
زعيمها: الحلَّاج.(1/99)
ويظهر في هذه المدرسة التأثر بالتصوف الهندي وبالديانة النصرانية, حيث يتصور الصوفي في هذه المدرسة أن الله تعالى قد حلَّ فيه عياذًا بالله, وأنه قد اتحد هو بالله عياذًا بالله.
فمن أقوالهم:
أنا الحقُّ وما في الجُّبَّةِ إلا الله!!
وما إلى ذلك من الأقوال التي تنطلق على ألسنتهم في لحظات السّكرِ, كما يقولون: بِخَمْرِةِ الشُّهود.
ومن هذه الطرق المشهورة والمنتشرة في العالم الإسلامي.
1- الطريقة الجيلانية:
التي تنسب إلى عبد القادر الجيلاني المدفون في بغداد, حيث يزوره كل عام أعداد كثيرة من أتباعه للتبرك به وقد فصلنا أهم معتقداتهم فيما سلف.
2- الطريقة الرفاعية:
التي تنسب إلى أحمد الرفاعي, وهو من بني رفاعة إحدى قبائل العرب, وجماعته يستخدمون السيوف والضرب بالشيش, ودخول النيران في إثبات الكرامات.
قال عنهم الألوسي في كتابه: غاية الأماني في الرد على النبهاني.
(( وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين والدولة, مبتدعة الرفاعية, فلا تجد بدعة إلا ومنهم مصدرها, وعنهم مَورِدُها ومَأْخَذُهَا, فذِكْرُهُم عبارة عن: رقص وغناء والتجاء إلى غير الله وعبادة مشايخهم,
وأعمالهم عبارة عن: مسك للحيات, أو كما قال )) أ.هـ.
تتفق الطريقة الرفاعية مع الشيعة في أمور عدّة منها:
إيمانهم بكتاب الجهر، واعتقادهم في الأئمة الإثنا عشر, وأن أحمد الرفاعي هو الإمام الثالث عشر, بالإضافة إلى مشاركتهم الحزن في يوم عاشوراء , وغير ذلك من الأمور المبتدعة الضالة التي لم تثبت لا في كتاب ولا في سنة.
3- الطريقة البدوية:
تُنسب إلى أحمد البدوي، الذي وُلد بفاس في المغرب، ثم حجّ ورحل إلى العراق، واستقر في طنطا في جمهورية مصر العربية حتى وفاته، له فيها ضريح مقصود، إذ يُقام له كغيره من أولياء الصوفية احتفال بمولده سنويًّا يُمارس فيه الكثير من البدع والشركيات والانحرافات العقدية من دعاء واستغاثة وتبرّك وتوسّل يوقع في الشرك المخرج من الملة!(1/100)
أتباع طريقته منتشرون في مختلف محافظة جمهورية مصر العربية، ولهم فيها فروع: كالبيّوميّة، والشِّناويَّة، وأولاد نوح، والشَّعْبيَّة.
وإشارات هذه الطريقة أو علامتها: هي العمامة الحمراء.
4- الطريقة الدِّسوقيَّة: تُنسب إلى إبراهيم الدُّسوقي المدفون بمدينة دسوق في مصر، ويدَّعي المتصوِّفة أنه أحد الأقطاب الأربعة الذين يُرجع إليهم في تدبير هذا الكون –عياذًا بالله تعالى–.
5- الطريقة الأكبرية: نسبةً إلى الشيخ محي الدِّين بن عربي.
وتقوم هذه العقيدة:
على وحدة الوجود الكفرية الإلحادية.
وعلى الصمت: أي عدم الكلام ما أمكن.
والعزلة والجوع والسهر.
6- الطريقة الشَّاذليَّة: تُنسب إلى أبي الحسن الشَّاذلي، المولود بقرية عمارة قُرب مرسِيَّة في بلاد المغرب، ثم انتقل بعد ذلك إلى تونس، وحجّ عدة مرات، ثم دخل العراق، ومات أخيرًا في صحراء عِذاب بصعيد مصر، في طريقه إلى الحج.
وانتشرت طريقته: في دولة مصر واليمن وكذلك في مراكش وغرب الجزائر، وفي شمال أفريقيا وغربها.
7- الطريقة الباكداشيَّة: والتي كان الأتراك العثمانِيُّون ينتمون إلى هذه الطريقة.
وهي لا تزال منتشرة في ألبانيا.
هي أقرب إلى التصوُّف الشِّيعي منها إلى التصوُّف السُّني.
وقد كان لهذه الطريقة أثرٌ بارز في نشر الإسلام بين الأتراك والمغول غير المسلمين، وكان لها سلطان عظيم على الحُكَّام العثمانيين ذاتهم.
8- الطريقة المَوْلَوِيَّة: أنشأها: الشاعر الفارسي جلال الدِّين الرومي، والمدفون في مدينة قونيا في تركيا، وأصحابه يتميَّزون بإدخال الرقص والإيقاعات في حلقات الذكر.
وقد انتشروا: في تركيا وآسيا الغربية، ولم يبقَ لهم في الأيام الحاضرة إلى بعض التكايا في تركيا، وفي مدينة حلب، وفي بعض أقطاب المشرق.
9- الطريقة النقشبنديَّة: وتُنسب إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن محمد البخاري الملقَّب بشاه نقْشَبَنْد.
وهي طريقة سهلة كالشاذلية –من حيث الأذكار والأوراد–.(1/101)
انتشرت هذه الطريقة: في بلاد فارس، وفي بلاد الهند، وآسيا الغربية.
هناك طُرق كثيرة غير التي ذكرنا كالقنائية، والقيروانية، والطريقة المرابطية، والبشبشية، والسفسية، والمختارية، والخثمية، وغيرها.
لا شك أن كل هذه الطرق –إحواني في الله– طرق بدعية، قد انحرفت عن نهج الكتاب والسنة إلا من رحم ربي.
10- الطريقة القُبيسية: وهي جماعة نسائية صوفية على الطريقة النقشبندية.
وتنسب هذه الجماعة المسماة بالقبسيات إلى امرأة تسمى منيرة قُبيسي، وهي سورية، وقد تخرَّجت من كلية علوم من جامعة دمشق، ثم التحقت بكلية الشريعة، وعُيِّنت مدرِّسة بإحدى مدارس دشق.
كان عمّها من تلاميذ الشيخ أحمد كُفْتارو، مفتي سوريا، وهو الذي أشار عليها بالدخول في الطريقة النقشبندية الصوفية.
من عقائد هذه الجماعة الخاصة بالنساء القول بالحلول ووحدة الوجود، إضافة إلى تعظيم أئمة الصوفية القائلين بهذا القول كابن عربي والحلاج.
ومن عقيدة أتباعها من النساء القُبيسيات بأن شيختهنّ لا يجوز مناقشتها في أي أمر من أمورها، وطاعتها من طاعة الله، وأن حبها من حب رسول الله –صلى الله عليه وسلم– بل إن المُريدة عبارة عن هيكل خلقه الله للتفاني في حب وخدمة الشيخة منيرة! وكلما تفانت التلميذة في حب الآنسة؛ كلما اقتربت من حب الله حتى تصل إلى درجة الكمال وإلى معرفة الله عز وجل، وعندها تنتقل هذه المُريدة من مرحلة العوام إلى مرحلة الخواص، حيث تعرف كل شيء، وتصبح كبقية العارفين بالله ابتداءً من الشيخ محي الدين بن عربي والحلاج وغيرهم من زعماء الصوفية المعروفين، وانتهاءً إلى الآنسة الكبيرة منيرة.(1/102)
كما أن أتباع هذه الطريقة القُبَيْسِيَّة يقمن بتقبيل يد منيرة القُبيسي ويتسابقن لشرب فضلات كأسها من الماء، ولهذه الطريقة أوراد كسائر الطرق الصوفيّة، فكل مُريدة لها وِرد يومي وهي تقرؤه مرتين: مرة بعد صلاة الفجر ومرّة بعد صلاة العشاء، وذلك بأن تجلس المُريدة متوجِّهة إلى القِبلة، بعد الانتهاء من الصلاة والدعاء، ثم تقول: "اللهم يا مُفَتِّح الأبواب، ويا مُسَبِّب الأسباب، ويا مُقَلِّبَ القلوب والأبصار، ويا دليل الحائرين؛ ثَبِّتْ قلبي على الإيمان"، طبعًا تتخيَّل المريدة أثناء الدعاء شَيْختها والآنسة الكبيرة أمامها عند الذكر؛ لأنها هي التي تربِطُ قلبها بالله –كما يعتقدون-.(1/103)
والذِّكر يكون عندهم بترديد اسم الجلالة مفردًا (أو مفرغًا) كأن يقولون: "الله، الله، الله" بهذه الطريقة، بعد رفع مُقَدِّم اللسان بسقف الحلق ووضع اليد اليمنى على القلب، مع حركة كف اليد من أعلى إلى أسفل على الجهة اليسرى من الصدر وتتخيَّل بذلك أنها تكنُس الأمراضَ من القلب، وهذه الجماعة –إخواني في الله- تُصَنَّف كجماعة باطِنيَّة من جهة أنها تَلبَس لِباس العمل الخيري ولا تُظهِر كل معتقداتها لكل الناس، ولهنَّ ذِكر يُطلِقونَ عليه الصلاة النَّارِيَّة، تُقرَأ هذه الصلاة النَّارِيَّة بأعداد خاصَّة مثل: أربعة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعين مرَّة في أوقات خاصَّة قراءة جماعيَّة أو فرديَّة وذلك لجلب مصلحةٍ ما أو دفع ضرر ما عن الدعوة القُبَيْسِيَّة، ومن الطريف في هذا التنظيم أو هذه الطريقة أنَّ القُبَيْسِيَّات يعتقدنَ بأنهنَّ قد حَرَّرْنَ الكويت في عام 91 للميلاد بهذه الصلاة النارِيَّة عندما قرؤوها في الشام آلاف المرَّات، وللذكر في هذه الطريقة القبيسية جُملة من الطقوس والهيئات تجعل المريدة تعتزل أهلها أو زوجها في غرفة خاصّة بحجَّة الصلاة والقِيام، كما يتم تَصَيُّد العُضوات الجُدد من خلال إحدى الحفلات أو إحدى الموالد أو العزاءات أو المخيَّمات الدَّعَويَّة، أو إحدى الزَّواجات، أو حتى في مدارس البنات، وعندما يستحوِذْنَ على العضوة الجديدة يقُمنَ بإظهار الاهتمام الشديد المبالَغ فيه، وتطويق كل قادِمة جديدة بالحُبّ ومحاولة حل مشاكلهن ولو كانت مشاكل مادِّيَّة، وكل هذا بحِنكة مُتَمَرِّسة، وهم يتعاملون مع الفَتَيات حسب أعمارهنَّ واحتياجاتِهِنَّ المعروفة لهن.
ونشاط الجماعة وطاعة قيادتها عند القُبيسِيَّات مُقَدَّم على حقوق الوالِدَيْن والزوج والأهل.
والآن إخواني في الله ننتقل إلى:
الصوفي وحاله مع شيخه:(1/104)
فإنَّ من آداب الصوفيَّة التي يُطالِب مشايخ الصوفيّة أتباعهم المريدين باتباعها تتضمَّن سمومًا قادحة تُهلِك العقيدة الإسلاميَّة، والتوحيد الخالِص، وأخطرُ ما فيها هو:
الاحتفاء بالشيخ وتعظيمه والتحذير من سماع العلم من غيره، أو حتى زيارة العلماء والصالحين، وألا يقرأ كتابًا في العلم إلا بإذن الشيخ، بل إنَّ أكثر المشايخ يطلب من المريد أن يَرِثَ ما تَعَلَّمه من علمٍ قبل أن يُلَقِّنَه العهد والميثاق الصوفي، وقد حدث هذا مع الشَّاذِلي وشيخه ابن بشَيْش، وكذلك مع الشعراني وشيخه الخلاَّص.
إضافَةً عدم الاعتراض على الشيخ ولو أتى فِعلاً حرامًا، أو أقوالاً مخالفة للشريعة، والتوقف عن فعل المعروف إذا أمره شيخه مباشرة.
كذلك فإن المريد الصوفي يُقدِّس شيخه فليس له أن يتكلَّم ولا يأكل ولا يضحك في حَضرَة الشيخ، بل لا يجلس في فِراشه، ولا ينظر في وجهه، وملازمة وِرد الشيخ –طبعًا الوِرد هو الذكر الخاص بكل طريقة والويل لمن تركه فإنه لا يُفلِح أبدًا كما يعتقدون كذلك من احوالهم أن لا يتزوج المريد الصوفي امرأةً رأى شيخه بأنه مائل إلى التزوج بها، ولا امرأة طلقها أو مات عنها وهذه الأمور – أحبابي في الله - تُمثل حقيقة آداب الصوفي مع شيخه؛ لأنها تُشكل نظامًا متكاملا يضمن إحكام كذلك سيطرة الشيخ على المريد فالخطوة الأولى: أن يصد الشيخ عن المريد أسباب تحصيل العلم، فغير مسموح للمريد أن يقرأ كتاب أو يلقى شيخا صالحا أو يحضر مجلسًا ولا يسمع من عالم إلا بإذن الشيخ الصوفي بل هم يقولون للمريدين إن العلم حجاب وعلم ظاهر قشور والعلم الحقيقي الباطني لن يناله المريد إلا بعد أن يسلم نفسه لشيخه الميت بين يدي الغاسل.(1/105)
أما عقوبة الاعتراض على الشيخ الصوفي فإن هذا من الأمور العظيمة عند الصوفية ولهذا فإن القارئ لكتب التصوف عامة وكتب الكرامات وطبقات المشايخ خاصة؛ يدرك من أول وهلة أن من أبرز أهداف التصوف تحذير المريدين من الاعتراض على المشايخ سواء في حياتهم وحتى بعد مماتهم لذا يقول أبو عبد الرحمن السلمي: "من قال لأستاذه لما لا يفلح أبدا"، ويعرف أبو سهل الصعلوكي التصوف: "التصوف: الاعراض عن الاعتراض" ولهذا فقد تأصل في وجدان الصوفية مفهوم من اعترض انطرد وليس الطرد المقصود هو إخراج المريد من أمام شيخه أي من بيت شيخه أو حتى من طريقته وإنما الأمر أخطر من ذلك بكثير فهو في حقيقته قريب من الطرد الكَنَسِي والحرمان من دخول ملكوت المسيح يوم الدينونة عند النصارى كما تعتقد نصارى وهذا يشرحه ويوضحه الشعراني بقوله: "إن رجلا أنكر حضور مولد أحمد البدوي، فسلب الإيمان فلم تكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام، فاستغاث بأحمد البدوي، فقال البدوي: بشرط أن لا تعود- أي لا تعود على إنكارك هذا المولد، فقال المريد: نعم، فرد عليه ثوب الإيمان" انتهى عياذا بالله تعالى.
إذًا إخواني في الله الطرد هو من أصل الإيمان والإسلام وهذا الذي جعل الكثير من عامة أتباع هذه الطرق الصوفية لا يتجرأ أن ينكر على شيخه مما هو فيه من المنكرات العظام والفواحش البينة خوفا من أن يطرد من الإسلام بهذه الحجج الخبيثة.
ننتقل الآن إلى: الديوان الصوفي.
فما هو هذا الديوان ؟
هو اجتماع يومي يتم بين أولياء الأموات منهم والأحياء، من مشارق الأرض ومغاربها ويقول الشعراني في كتابه الطبقات الكبرى ما لفظه: "ما من ولي لله صحت ولايته إلا ويحضر مكة في كل ليلة جمعة لا يتأخر عن ذلك" انتهى.
مكان الديوان: فى غار حراء بمكة المكرمة.(1/106)
وصف الديوان: يتكون من سبعة دوائر متحدة المركز ويطلق الدباغ وهو من أئمة الصوفية في كتابه اسما لكل دائرة فأصغر الدوائر قطرا تسمى الصف الأول ووصفها كالتالي: يجلس قطب الغوث في صدر الصف الأول وأربعة أقطاب عن يمينه وهؤلاء الخمسة طبعا مالكية المذهب -أي على المذهب المالكي-، وعن يساره ثلاثة أقطاب كل واحد منهم على مذهب من المذاهب الثلاثة .
والوكيل: أي وكيل الغوث في مواجهة الغوث وهو مالكي أيضا، لاحظوا -أخي في الله- لأن الدباغ هذا إمامهم مالكي المذهب ولذلك منح المالكية ستة مقاعد في الصف الأول في هذا الديوان الصوفي ولم يعطي بقية المذاهب الأخرى وهم الشافعية والأحناف والحنابلة إلا مقعد واحد لكل مذهب ولا شك أن العصبية المذهبية والتحيز للمالكية واضح في هذا الديوان الصوفي وكذلك فإن الغوث لا يتكلم في هذا الديوان الصوفي إلا مع الوكيل ولذلك سمي وكيلا لأنه ينوب عنه في الكلام مع جميع من في هذا الاجتماع.
موعد الاجتماع: فيتم يوميا وأحيانا أو جاء في بعض كتبهم أنه في كل ليلة جمعة ويتم في الثلث الأخير من الليل وهي ساعة استجابة الدعاء أو ساعة ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعتقدون.
لغة الاجتماع: السريانية لاختصارها كما يقولون وجمعها المعاني الكثيرة كما يزعمون ولأن الديوان يحضره الأرواح والملائكة والسريانية هي لغتهم ولا يتكلمون بالعربية أبدًا إلا إذا حضر النبي صلى الله عليه وسلم تأدبا معه فقط.
الغرض من الاجتماع في الديوان الصوفي: فهم يجتمعون ليتباحثوا عن قضاء الله تعالى في اليوم التالي والليلة التي تليه – عياذًا بالله تعالى- حيث أن لأصحاب هذا الديوان الصوفي حق التصرف في العوالم كلها العلوية والسفلية، فهم يتصرفون فيه وفي أهله وفي خواطرهم وما تهجس به ضمائرهم فلا يهجس في خاطر واحد منهم شيء في هذا الكون إلا بإذن أهل هذا الديوان – عياذًا بالله تعالى -.(1/107)
أما عن كيفية اجتماع أهل الديوان: فينزل الأموات من البرزخ، يطيرون طيرانًا بطيران الروح، فإذا اقتربوا من موقع الديوان بنحو مسافة نزلوا إلى الأرض ومشوا على أرجلهم إلى أن يصيروا إلى الديوان، وحضورهم يكون بالروح لا بالجسد، والاجتماع السنوي في الديوان يحضره بزعمهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: مثل إبراهيم وموسى وغيرهم من الرسل، وموعده السنوي في ليلة القدر، كما يحضره من الملأ الأعلى الملائكة المقربين، وأزواج النبي –صلى الله عليه وسلم– وأكابر صحابته رضوان الله عليهم.
هذه عقائد تعتقدها الكثير من عقائد الصوفية، فلا يتعجب السامع.
وهناك أيضاً هذه الطرق الصوفية :
التيجانية : وتنسب لأحمد بن محمد بن مختار التيجاني، ولد سنة 1150هـ بقرية بني تيجين من قرى البربر ، ومن مزاعمه أنه خاتم الأولياء فلا ولي بعده، وأنه الغوث الأكبر، وأن أرواح الأولياء منذ آدم إلى وقت ظهوره لا يأتيها الفتح والعلم الرباني إلا بواسطته، وأنه وأتباعه أول من يدخلون الجنة، وأن الله أعطاه ذكرا يسمى " صلاة الفاتح " وأن هذا الذكر يفضل كل ذكر على وجه الأرض ستين ألف مرة، وأن أتباعه يدخلون الجنة بلا عذاب ولا حساب مهما عملوا من المعاصي .
الشاذلية: وتنسب إلى أبي الحسن الهذلي الشاذلي نسبة إلى شاذلة ببلاد المغرب، قال الإمام الذهبي في ترجمته في العبر : " الشاذلي : أبو الحسن علي بن عبدالله بن عبدالجبار المغربي، الزاهد، شيخ الطائفة الشاذلية، سكن الإسكندرية وله عبارات في التصوف توهم، ويتكلف له في الاعتذار عنها، وعنه أخذ أبو العباس المرسي، توفي الشاذلي بصحراء عيذاب في أوائل ذي القعدة 656هـ " وتنتشر "الشاذلية" في كل من مصر وبلاد الشام، ويشتهرون بالذكر المفرد "الله، الله، الله" أو المضمر " هو هو " ولهم ورد يسمى الحزب الشاذلي.(1/108)
السنوسية: حركة سلفية صوفية إصلاحية، تأثرت بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، فاهتمت بجانب تصحيح العقائد، والاهتمام بتزكية النفس وإصلاح القلوب، أسسها الشيخ محمد بن علي السنوسي 1202هـ وانتشر خيرها وعم نورها أرجاء عديدة من العالم الإسلامي، منها ليبيا ومصر والسودان والصومال والجزائر حتى وصلت إلى أرخبيل الملايو . وهذه الحركة أو الجماعة مثال للتصوف الإسلامي الصحيح الخالي من شوائب البدع والخرافات، من أشهر رجالاتها الشهيد البطل المجاهد أسد القيروان عمر المختار .
الختمية : طريقة صوفية أسسها محمد عثمان المرغني المحجوب ويلقب بالختم، أي خاتم الأولياء ولد سنة 1208هـ /1838م، وأول ما ظهرت الختمية بمكة والطائف، وانتشرت منهما إلى مصر والسودان وارتيريا، وتلتقي عقائدها مع كثير من عقائد فرق المتصوفة الآخرين كالغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، والغلو في شيوخهم.
الفصل السابع :-
أشهر دعاة التصوف وأشهر طبقات رجاله
اشتهر طائفة من رجال التصوف بالزهد، ومراعاة أحوال القلوب، حتى أصبحوا مضرب المثل في ذلك، في حين لم يعرف البعض الآخر من التصوف سوى لبس الخرق والتظاهر بالمسكنة، فضلا عن خروج الكثير منهم عن السنة بكثرة ما أحدث من البدع في العقائد والعبادات، فليست الصوفية سواء وليس رجالها سواء، والبصير العاقل من لم يضع الجميع في سلة واحدة لاتحاد الاسم مع أن المعنى مختلف، وسوف نعرض لتراجم بعض أعلام التصوف وأغلبهم من أهل الاستقامة في الدين لئلا تنفر النفوس من التصوف بمعناه الحسن، فما أحوج القلوب اليوم في زمن الجفاف المادي إلى نسمات الروح وهبات الإيمان لتغتذي بها، وفي ذكر الصالحين نعم العون على ذلك، فمن أعلام التصوف:(1/109)
1- أبو محمد رويم بن أحمدت 303هـ من أقواله : " إذا رزقك الله المقال والفعال، فأخذ منك المقال وأبقى عليك الفعال فإنها نعمة، وإذا أخذ منك الفعال وأبقى عليك المقال فإنها مصيبة، وإذا أخذ منك كليهما فهي نقمة "
2- أبو العباس أحمد بن محمد الآدمي ت 309هـ كان من كبار مشائخ الصوفية وعلمائهم، وكان من أقران الجنيد - رحمه الله - من أقواله: "من ألزم نفسه متابعة آداب الشريعة، نور الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه ".
3- أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم ت 161هـ كان من أبناء الملوك، فخرج عن حاله تلك وتصوف، حتى صار مقدما في الصوفية، من أقواله : " إني لأسمع النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ".
4- أبو الفوارس شاه بن شجاع الكرماني ( توفي قبل 300هـ ، كان من أولاد الملوك، وكان يقول: " من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعوّد نفسه أكل الحلال، لم تخطيء له فراسة "
5- أبو القاسم الجنيد بن محمد ت 297هـ: من أقواله : "الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام ". وقال : " من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ".
6- ذو النون المصري أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم المصري ت : 245هـ. من أقواله : "مدار الكلام على أربع : حب الجليل، وبغض القليل، واتباع التنزيل ، وخوف التحويل " . وقال : " من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه ".(1/110)
7- أبو حفص عمر بن مسلمة الحداد ت 260هـ كان أحد أئمة الصوفية من أقواله : " المعاصي بريد الكفر كما أن الحمى بريد الموت " . وقال: " من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا تعده في ديوان الرجال "
فهؤلاء - السالف ذكرهم - بعض أهل التصوف ممن كانت لهم أحوال صالحة، وأثنى عليهم علماء الإسلام، وسنثني بذكر بعض أعلام التصوف ممن عرفوا أو ذكروا ببعض العقائد الفاسدة :
8- أبي يزيد البسطامي، ت: 261هـ من أقواله الصالحة: " لو نظرتم إلى رجل أعطي الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به ، حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود، وأداء الشريعة " وقيل : "لم يخرج أبو يزيد من الدنيا حتى استظر القرآن كله ".
قال الإمام الذهبي في السير : " وجاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها، الشأن في ثبوتها عنه، أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو فيطوى ولا يحتج بها، إذ ظاهرها إلحاد مثل : سبحاني، وما في الجبة إلا الله، ما النار ؟! لأستندن إليها غدا وأقول اجعلني فداء لأهلها وإلا بلعتها، ما الجنة ؟!! لعبة صبيان، ومراد أهل الدنيا . ما المحدِّثون ؟! إن خاطبهم رجل عن رجل، فقد خاطبنا القلب عن الرب، وقال في اليهود : ما هؤلاء ؟! هبهم لي أي شيء هؤلاء حتى تعذبهم "(1/111)
9- الحسين بن منصور الحلاج : قال الإمام الذهبي في السير : " كان يصحح حاله - أي الحلاج - أبو العباس بن عطاء ومحمد بن خفيف وإبراهيم أبو القاسم النصر آباذي، وتبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء، .. ومنهم من نسبه إلى الحلول ومنهم من نسبه إلى الزندقة وإلى الشعبذة .. وقد تستر به طائفة من ذوي الضلال والانحلال وانتحلوه وروجوا به على الجهال نسأل الله العصمة في الدين " وأورد الإمام الذهبي وغيره في ترجمته حكايات عنه فيها شعبذة ومخاريق، واشتهر بالقول بوحدة الوجود وهي من أشنع البدع وأقبحها على الإطلاق، ومن شعره الذي أنكره العلماء، قوله :
سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينة خلقه كلحظة الحاجب بالحاجب
كانت تلك لمحة موجزة عن هذه الفرقة التي بدأت نبتة حسنة طيبة في مجملها، إلا أنها ما لبثت أن لبس عباءتها من ليس منها، وأدخل عليها من البدع العقدية والعملية ما لا تدين به، ومن هنا بإمكاننا القول من خلال النظر في خط سير الصوفية بأنها انحرفت كثيرا عن نهج أعلامها الأول، حتى وصل بها الأمر عند متأخري الصوفية إلى القول بنماذج من البدع بل ربما الإلحاد والشرك لا يقرها عقل ولا دين، وقد عرضنا لبعض تلك البدع من خلال فقرة " عقائد وأفكار الصوفية "
ويقول الشيخ البارع : ممدوح الحربى حفظه الله تعالى .
ومن أعلامهم: عامر بن عبد الله بن الزبير وصفوان بن سليم وطلق بن حبيب العنزي وعطاء السلمي والأسود بن يزيد بن قيس وداود الطائي وبعض أصحاب الحسن البصري(1/112)
- ثم بدأ الانحراف حيث بدأ يتسع مع مرور الأيام وتطور مفهوم الزهد في مدينة الكوفة والبصرة في القرن الثاني للهجرة على إيدي كبار الزهاد مثال: إبراهيم بن أدهم ومالك بن دينار وبشر الحافي ورابعة العدوية وعبد الواحد بن زيد إلى مفهوم لم يكن موجود عند الزهّاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام وتحريم تناول اللحوم والسياحة في البراري والصحاري وترك الزواج، وفي الكوفة كذلك أخذ معضد بن يزيد العجني هو وأتباعه يروضون أنفسهم على هجر النوم أي: يتركون النوم تعبدًا، وإدامة الصلاة حتى سلك سبيلهم مجموعة من زهاد الكوفة، فأخذوا يخرجون إلى الجبال لكي ينقطعوا للعبادة على الرغم من إنكار الصحابي الجليل ابن مسعود عليهم، وعندها فشا هذا الأمر وانتشر بين البلدان والأمصار ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
الطبقة الأولى:
وهي تمثل التيار الذي اشتهر بالصدق بالزهد إلى حدّ الوسواس والبعد عن الدنيا والانحراف في السلوك والعبادة على وجه يخالف ما كان عليه الصدر الأول من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم
ولكنه كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة، كانوا مستقيمين في العقيدة والإكثار من دعاوي التزام السنة ونهج السلف، وإن كان ورد عن بعضهم مثل الجنيد بعض العبارات التي أعدها العلماء من الشطحات، وهو من أشهر رموز هذا التيار وهذه الطبقة
وهناك آخرون جاءوا في هذه الطبقة أمثال سليمان الداراني وعبد الرحمن بن أحمد بن عطية العَنّيّ وأحمد بن أبي الحواريّ والحسن بن منصور بن إبراهيم أبو علي الشطويّ الصوفيّ وسريّ السقطي وسهل بن عبد الله التستري ومعروف والكرخي
وقد أتى من بعدهم من سار على طريقتهم مثل عبد الرحمن السلمي ومحمد بن الحسين الأسدي ومحمد بن الحسن بن الفضل بن العباس أبو يعلى البصري الصوفي وهو شيخ الخطيب البغدادي.
من أهم السمات لهذه الطبقة :(1/113)
هو بدايةً التميز عن جمهور المسلمين والعلماء، في مصطلحات تدل على ذلك بشكل مهّد لظهور الطرق بعد ذلك مثل قول بعضهم: علمنا أو مذهبنا أو طريقنا .
كثرت بين هذه الطبقة هذه الألفاظ التي تميزت بينهم وبين فقهاء المسلمين في ذلك الوقت حيث كان الواحد منهم يقول: علمنا أو مذهبنا أو طريقنا، أو مثلاً مثل قول الجنيد: "علمنا مشتبك مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم" اهـ
بل قد اشترطوا على من يريد السير معهم في طريقتهم أن يخرج من ماله وأن يقل ّمن غذائه وأن يترك الزواج ما دام في سلوكه أي: في طريقته، كما كثر بين هذه الطبقة وهي الطبقة الأولى من طبقات الصوفية الاهتمام بالوعظ والقصص مع قلة العلم والفقه في الدين، بل والتحذير من تحصيله في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان ونسّاك أهل الكتاب، إذ حدث الارتقاء لبعضهم مما زاد في البعد عن سمت الصحابة الأطهار رضوان الله عليهم وعن سمت الأئمة من أئمة التابعين رضوان الله عليهم ، كما نتج عن ذلك اتخاذُ دورٍ للعبادة غير المساجد يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الأمر سبب العداء الشديد بين هذه الطبقة وبين فقهاء الإسلام رحمة الله عليهم .
كما ظهرت فيهم ادعاءات الكشف والخوارق وبعض العادات وبعض المقولات التي عرفت عند أهل الكلام.
وفي هذه الفترة ظهرت لهم تصانيف كثيرة،مثل الكتاب المسمى ب(قوت القلوب) لأبي طالب المكيّ ، وكتاب (حلية الأولياء) لأبي نعيم الأصبهاني وكتاب الحارث المحاسبي أي له كتب كثيرة.(1/114)
وقد حذّروا العلماء الأوائل من هذه الكتب لاشتمالها على الأحاديث الموضوعة والمنكرة، واشتمالها على الإسرائيليات وأقوال أهل الكتاب، حيث سئل الإمام أبو زرعة عن هذه الكتب ، فقيل له: هل في هذه الكتب عبرة؟ فقال رحمة الله عليه تلك القولة المشهورة: "من لم يكن في كتاب الله عزّ وجلّ عبرة؛ فليس له في هذه الكتب عبرة" فرحمة الله على الإمام أبي زرعة ورحمة الله على أهل الحديث.
أما الطبقة الثانية من طبقات الصوفية:
فقد خلطت هذه الطبقة الزهد بالعبارات الباطنية، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري.
ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات شاذة وغريبة لم تكن معروفة قبل ذلك مثل: الوحدة، الفناء، الاتحاد، الحلول، السُّكر، الصَّحو، الكشف، البقاء، المريد، العارف، الأحوال، المقامات، ألفاظ كثيرة لم تكن معروفة، وشاع بينهم التفريق بين الشريعة والحقيقة وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسمَّوا غيرهم من فقهاء المسلمين بأهل الظاهر والرسوم؛ مما زاد العداء بينهم وبين علماء الشريعة الربانيين، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون الأولى المفضلة، ولم يكن معروف كذلك عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية؛ مما زاد في انحرافها؛ فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التصوف الآن من انحراف وبدع وخرافات.
ومن أهم أعلام هذه الطبقة أبو يزيد البسطامي وذو النون المصري والحلاّج وأبو سعيد الخزّار والحكيم الترمذي وهو غير الإمام الترمذي صاحب السنن رحمة الله عليه، وكذلك من أعلام هذه الطبقة أبو بكر الشبلي.
أما الطبقة الثالثة من طبقات الصوفية:(1/115)
هي الطبقة التي خلطت التصوف بالفلسفة اليونانية وظهرت أفكار وعقائد منحرفة عليها كالحلول والاتحاد – عياذًا بالله – ووحدة الوجود أي: أن الموجود الحق هو الله، ومعنى الحلول والاتحاد: أي: أنهم يعتقدون أن الخالق اتحدّ مع المخلوق – عياذًا بالله – وأن الخالق حلّ في المخلوق – عياذًا بالله - ، وهذه الأقوال توافق تمامًا ما تقوله الفلاسفة الملاحدة .
كما أقرت هذه الطبقة بظهور نظريات تسمى ب( نظرية الفيض والإشراق) على يد أبي حامد الغزّاليّ والسرهوردي
وبذلك تكون هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مرّ بها التصوف والتي تعدّت به مرحلة البدعة العملية إلى البدعة العلمية الاعتقادية والتي بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية.
طبعًا من أشهر رموز هذه الطبقة الحلاّج والسرهوردي وابن عربي، طبعًا ابن عربي وهو غير الفقيه المالكي ابن العربي وابن الفارط وابن سبعي .
إما إذا انتقلنا إلى أشهر الشخصيات الصوفية، فأشهرهم أبو حامد الغزالي
وهو محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، المُلقب بحجة الإسلام، ولد بطوس من إقليم خراسان، نشأ في بيئة كثُرت فيها الآراء والمذاهب مثل علم الكلام والفلسفة والباطنية والتصوف، مما أورثه حيرةً وشكًا دفعه لتقلب بين هذه المعتقدات الأربع السابقة وذلك أثناء إقامته في بغداد، ثم رحل إلى جُرْجَان ونيسابور ولازم نظام الملك، ودرس في المدرسة النظامية في مدينة بغداد، واعتكف في منارة مسجد دمشق، ورحل إلى القدس ومنها إلى الحجاز، ثم عاد إلى موطنه.
? وقد ألف الغزالي عدد من الكتب منها:
- كتاب تهافت الفلاسفة
- وكتاب المنقذ من الضلال
- وأهمها كتابه إحياء علوم الدين.
? ويُعدّ الغزالي رئيس مدرسة الكشف في المعرفة التي تسلمت راية التصوف من أصحاب الأصول الفارسية إلى أصحاب الأصول السنية.
? ومن جليل أعماله هدمه للفلسفة اليونانية، وكشفه لفضائح الباطنية في كتابه فضائح الباطنية.(1/116)
ويحكي تلميذه عبد الغافر الفارسي آخر مراحل حياته بعد ما عاد إلى بلده طوس، قائلاً:
وكانت نهاية أمره -أي عن الغزالي- وكانت نهاية أمره إقباله على حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومجالسة أهله، ومطالعة الصحيحين البخاري ومسلم اللذين هما حجة الإسلام. أهـ
وقد كان يمثل القرن السادس الهجري -إخواني في الله- البدائية الفعلية لطرق الصوفية.
في بداية القرن السادس الهجري بدأت تنتشر وتتفرع وتتشعب الطرق الصوفية وتنتشر في بلاد المسلمين، إذ انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي.
? فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني، وهذا الرجل رُزق بتسع وأربعين ولد، حمل أحد عشر منهم -من أبنائه- تعاليمه ونشروها في العالم الإسلامي.
ويزعم أتباعه أنه أخذ الخرقة والتصوف عن الحسن البصري، على الرغم من عدم لقائه بالحسن البصري،كما نسبوا إليه من الأمور العظيمة فيما لا يقدر عليها إلا الواحد الأحد سبحانه وتعالى من معرفة الغيب، وإحياء الموتى وتصرفه في الكون حيًا أو ميتًا – عياذًا بالله تعالى- بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال الشنيعة افتراءً عليه
-رحمة الله عليه- ومن هذه الأقوال:
أنه قال: في أحد مجالسه قدمي هذه على رقبة كل وليّ لله تعالى.
ومما ينسب إليه كما ينقل أتباعه هذه اللفظة – عياذًا بالله تعالى-:
من استغاث بي في كربة كشفت عنه، ومن ناداني في شدة فرجت عنه، ومن توسل بي في حاجة قضيت له. أهـ
ولا يخفى إخواني في الله ما لهذه الأقوال من الشرك وإدعاء الربوبية، - عياذًا بالله تعالى-
? كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن الحسين الرفاعي
ويطلق عليها أيضًا البطائحية نسبة إلى قرى البطائح في العراق، ويُنسج حوله كُتَّاب الصوفية كعادتهم الأساطير والخرافات، بل ويرفعونه إلى مقام الربوبية.
كما قال عنه الشعراني في طبقاته:(1/117)
كان قطب الأقطاب في الأرض ثم انتقل إلى قطبية السموات ثم صارت السموات السبع في رجله كالخلخال.أهـ
وقد تزوج الرفاعي العديد من النساء ولكنه لم يُنجب من الأبناء.
? كما ظهرت شطحات وزندقة السهروردي وهو شهاب الدين أبو الفتوح محي الدين بن حسن، صاحب مدرسة الإشراق الفلسفية
والذي اتهمه علماء حلب في سوريا بالزندقة ؛ لأنه قال بالتعطيل وبقول الفلاسفة مما حدى بهم أن يكتبوا إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي محضرًا بكفره وزندقته، فأمر بقتله ردة وإليه تنسب الطريقة، ومن كتبه حكمة الإشراق وكتاب هياكل النور وكتاب التلويحات العرشية وكتاب المقامات.
? كذلك من أشهر الشخصيات الصوفية، رجل يُدعى محي الدين ابن عربي الملقب عند أتباعه ومريديه بالشيخ الأكبر، وهو رئيس مدرسة وحدة الوجود، ويُعدّ عند أتباعه أنه خاتم الأولياء، ولد بالأندلس ورحل إلى مصر وحج وزار بغداد واستقر في دمشق حيث مات ودفن فيها وله فيها قبر يزار ويعبد من دون الله تعالى.
ومن كتبه الفتوحات المكية، وكتاب فصوص الحكم.
? ومن الشخصيات كذلك أبو الحسن الشاذلي، صاحب ابن عربي في وقت طلبهما للعلم، ولكنهما افترقا حيث فضل أبو الحسن الشاذلي مدرسة الغزالي في الكشف، بينما فضل أبن عربي مدرسة الحلاج وذا النون المصري، ولقد أصبح لكلتا
المدرستين أنصارهما إلى الآن داخل الطرق الصوفية المنتشرة في جميع أنحاء العالم،
ومن أشهر تلاميذ مدرسة أبي الحسن الشاذلي:
- أبو العباس المرسي
- وإبراهيم الدسوقي
- وأحمد البدوي المدفون في مدينة طنطا في جمهورية مصر العربية.
كما ظهر في القرن السابع :
جلال الدين الرومي صاحب الطريقة المولولية في تركيا.
وفي القرن الثامن:
ظهر محمد بهاء الدين النقشبندي مؤسس الطريق النقشبندية
ثم عبد الغني النابلسي صاحب كتاب الرؤى والأحلام، وهو مبتدع ضال حيث أنه كان يعتقد بعقيدة وحدة الوجود. –عياذًا بالله تعالى-(1/118)
ثم جاء أبو السعود البكري، وأبو الهدى الصَّيَّادي، ومحمد الميرغني، وأبو الفَيْض محمد الكِتَّاني الفاسي المغربي، وأحمد التيجاني الفاسي المغربي، وحسن رضوان، وعلي حرازم المغربي الفاسي .
الفصل الثامن :-
مصادر التلقى عند الصوفية وإبتداعهم وأذكارهم
ننتقل الآن -أحبابي في الله- إلى مصادر التلقي عند الصوفية
طبعًا هي كثيرة ومتنوعة:
? أول هذه المصادر هو ما يُسمى بالكشف عند الصوفية.
حيث يعتمد الصوفية على الكشف كمصدر وثيق لتلقي الدين والشريعة.
ويدخل تحت الكشف الصوفي أمران: هما:
الأول الكشف من النبي صلى الله عليه وسلم، ويقصدون به أخذ الأحكام الشرعية عنه صلى الله عليه وسلم يَقَظَةً أو منامًا، ومعلوم أنَّ هذا من الضلال البعيد –عياذًا بالله تعالى.
ثانيًا الكشف من الخضر -عليه السلام- حيث تكثر حكايات الصوفيّة عن لُقياه والأخذ عنه أحكامًا شرعيَّة وعلومًا دينيَّة إضافة إلى أنهم يدَّعونَ أنه يُعلِّمهم الأوراد والأذكار والمناقِب، وكل هذا –إخواني في الله- من تلبيس الشيطان الرجيم على أولئك المبتدعة الضُّلاَّل.
? كذلك من مصادر التلقِّي عند الصوفيَّة: ما يُسمَّى عندهم بـ"الإلهام"
وهو ما يكون من الله تعالى مباشرة وبه جعلوا مقام الصوفي فوق مقام النبي حيث يعتقدونَ أنَّ الوَليَّ يأخذ العلم مباشرةً عن الله تعالى، بينما الرسول أو النبيُّ يأخذه من المَلَك الذي يوحي به إليه.
? كذلك من مصادر التلقِّي عند الصوفيّة: ما يُسمَّى بالهواتف؛
كسماع الخطاب من الله تعالى مباشرةً –عياذًا بالله- ، أو من الملائكة، أو من الجن الصالح، أو من أحد الأولياء، أو حتى الخضر عليه السلام؛ إمَّا منامًا أو يَقَظَةً:
وفي حالة اليَقَظَة: يكون الهتاف –كما يقولون- بواسطة الأذن –كما يعتقدون- وهذا تمامًا يوافق ما تقوله الشيعة الإثنى عشريَّة من الإلهام، ونزول الوحي على قلوب أئمَّتهم الإثنى عشر.(1/119)
? كذلك من مصادر الصوفيَّة: ما يُسمَّى عندهم: بالإسراء والمعراج،
أي الإسراء والمعراج، لا يُقصَد به الإسراء هو إسراء النبي صلى الله عليه وسلم، لا، إنما يقصدون به: إسراء ومعراج أو الإسراء والمعراج الخاص بالوليّ الصوفي، ويقصدون به عروج روح الولي إلى العالم العلوي والتنقُّل في ملكوت السماء كيفما أراد ذلك الولي الكذَّاب الدَّجَّال، بل ويعتقدون بأن ذلك الولي يأتي من الملكوت السماوي العلوي بشتَّى العلوم والأسرار، وهذا إخواني في الله من الكذب والدَّجَل الذي لا يُصدّقه مَن آمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً.
? كذلك من مصادرهم: ما يُسمُّونه بالرؤى والمنامات،
وتُعَد هذه الرؤى وهذه المنامات من أكثر المصادر اعتمادًا عليها في الفِكر الصوفي وفي المعتقد الصوفي، حيث يزعمون أنهم يتلقَّوْنَ فيها بعض الأحكام الشرعيَّة عن الله تعالى مباشرة –عياذًا بالله- ، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن شيوخ الطرق الصوفية بعد مماته، وكل هذا طبعًا عن طريق الرؤى والمنامات، وهذا من الضلال الذي لا ضلال بعده –عياذًا بالله تعالى-.
وقفات هامة جداً
الوقفة الأولى في إبطال القول بوحدة الوجود: التي يدعي القائلون بها أن الكون ما هو إلا الله سبحانه، إلا أنه لطف فسمي حقا، وكثف فسمي خلقا، وعليه فكل ما نراه في هذا الكون - وفق هذا السخف - من حجر وشجر وبشر ما هو إلا الخالق سبحانه، حتى قال بعض هؤلاء الأراذل:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة(1/120)
وهي بدعة إلحادية مرذولة في العقل والدين، أما في العقل فلا شيء يسند قولا كهذا، إذ لا دليل عليه بل هو محض توهمات وتخيلات فاسدة، أما الدين فمن المعلوم ضرورة، ومن اليقينيات لدى كل مسلم أن الله هو الخالق وما سواه مخلوق، وأن على العباد أن يعبدوا خالقهم ولا يشركوا به شيئا، وأن أعظم الذنوب على الإطلاق أن يُدَّعى الألوهية في شيء غير الله من حجر أو شجر أو قمر ، فكيف بمن ادعى أن الكون كله هو الإله، إن هذا لمن أبطل الباطل وأمحل المحال، لذلك قال العلماء إن كفر أصحاب القول بوحدة الوجود أعظم من كفر اليهود والنصارى بل ومن سائر المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر .
الوقفة الثانية : الوقفة مع الغلو الصوفي سواء في النبي صلى الله عليه وسلم، أو فيمن دونه كمشايخهم وساداتهم، فقد نهى الله سبحانه عن الغلو وبين أنه سبب من أسباب الضلال والانحراف عن الصراط المستقيم، فقال سبحانه :{ يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق } والغلو هو التشديد في الأمر حتى يجاوز الحد فيه، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو أيضا، فقال عليه الصلاة والسلام: ( إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين ) وقال أيضاً: ( لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا عبدالله ورسوله ) رواه البخاري.
فالواجب هو أن ينزل كل ذي منزلة منزلته لا إفراط ولا تفريط، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الخلق وهو عبد الله ورسوله، فلا يجوز أن ينتقص من قدره، ولا يجوز أيضا أن يرفع فوق منزلته فيدعى في حقه أنه يعلم الغيب، أو أنه يكشف الضر ويدفعه، فليس هذا من أفعاله صلى الله عليه وسلم ولا من خصائصه ولم يضعه الله في هذه المنزلة، وكذلك من دونه هم بشر لا يعلمون غيبا، ولا يتصرفون في ذرة من ذرات هذا الكون، فمن السخف أن يعتقد فيهم أنهم أقطاب الكون ومصرفوه، وأنهم يعلمون غيب السموات والأرض .(1/121)
الوقفة الثالثة : في إبطال تقسيم الدين إلى شريعة للعامة وحقيقة للخاصة، فهذا لم يأت به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ولا علمه لصحابته، فمن أين لهم هذا التقسيم ؟!! وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس محافظة على شريعة الله عز وجل، وأشد الناس وقوفا عند حدوده سبحانه، فمن أين لهؤلاء أنهم يسوغ لهم الروغان عن شريعة رب العالمين بناء على أوهام فاسدة، يدعي أصحابها أنهم يتلقونها عن الله مباشرة فيطرحون الشرع ويضيعون الفرائض، وهل ما يسمونه إلهاما يبطل شرعه سبحانه ودينه، إن إلهاما كهذا ما هو إلا وسوسة يجب طرحها، والاستعاذة بالله منها، هذا منطق العقل والدين أما أن تبطل الشريعة بدعوى العلم الباطن فهذا سخف وجهل وسوء طوية نسأل الله السلامة والعافية.
ومن الضرورى أن لا نغفل القول بأن ثمة جوانب انتقدها العلماء على الصوفية المتقدمين، كقلة الاهتمام بالعلم تعلما وتعليما، وتحريمهم الطيبات على أنفسهم من المطعم والملبس بل وحتى النساء، وقد كان النبي صلى الله وسلم يأكل اللحم ويحب الحلوى، وحُبب إليه من الدنيا الطيب والنساء، ومما يؤخذ عليهم أيضا قعود كثير منهم عن الكسب مع قلة ذات اليد مما يجعل منهم عالة على غيرهم، في جوانب أخرى انتقدها العلماء عليهم وأطال في ذكرها العلامة ابن الجوزي في تلبيس إبليس فطالعها هناك، وإنما أحببنا فقط أن نذكر بها حتى لا يقال إن كل ما كان عليه المتصوفة المتقدمون حقا وصوابا.
وَسُئلَ شَيْخُ الإسلام ـ رَحمَهُ اللَّهُ ـ عما ذكر الأستاذ القشيري في ( باب الرضا ) عن الشيخ أبي سليمان أنه قال : الرضا ألاّ يسأل اللّه الجنة، ولا يستعيذ من النار، فهل هذا الكلام صحيح ؟
فأجاب :
الحمد للّه رب العالمين، الكلام على هذا القول من وجهين :
أحدهما : من جهة ثبوته عن الشيخ .
والثاني : من جهة صحته في نفسه وفساده .(1/122)
أما المقام الأول : فينبغي أن يعلم أن الأستاذ أبا القاسم لم يذكر هذا عن الشيخ أبي سليمان بإسناد، وإنما ذكره مرسلًا عنه، وما يذكره أبو القاسم في رسالته عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والمشائخ وغيرهم، تارة يذكره بإسناد، وتارة يذكره مرسلًا، وكثيرًا ما يقول : وقيل كذا ثم الذي يذكره بإسناد تارة يكون إسناده صحيحًا، وتارة يكون ضعيفًا، بل موضوعًا . وما يذكره مرسلًا، ومحذوف القائل أولى، وهذا كما يوجد ذلك في مصنفات الفقهاء، فإن فيها من الأحاديث والآثار ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو موضوع .
فالموجود في كتب الرقائق والتصوف من الآثار المنقولة، فيها الصحيح، وفيها الضعيف، وفيها الموضوع . وهذا الأمر متفق عليه بين جميع المسلمين لا يتنازعون أن هذه الكتب فيها هذا وفيها هذا، بل نفس الكتب المصنفة في [ التفسير ] فيها هذا وهذا، مع أن أهل الحديث أقرب إلى معرفة المنقولات وفي كتبهم هذا وهذا فكيف غيرهم ؟ !
والمصنفون قد يكونون أئمة في الفقه أو التصوف أو الحديث، ويروون هذا تارة؛ لأنهم لم يعلموا أنه كذب، وهو الغالب على أهل الدين، فإنهم لا يحتجون بما يعلمون أنه كذب، وتارة يذكرونه وإن علموا أنه كذب؛ إذ قصدهم رواية ما روي في ذلك الباب، ورواية
الأحاديث المكذوبة مع بيان كونها كذبًا جائز . وأما روايتها مع الإمساك عن ذلك رواية عمل فإنه حرام عند العلماء، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من حدث عني حديثًا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) ـ . وقد فعل كثير من العلماء متأولين أنهم لم يكذبوا، وإنما نقلوا ما رواه غيرهم وهذا يسهل إذ رووه لتعريف أنه روى؛ لا لأجل العمل به ولا الاعتماد عليه .(1/123)
والمقصود هنا أن ما يوجد في الرسالة وأمثالها : من كتب الفقهاء والصوفية وأهل الحديث من المنقولات عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من السلف فيه الصحيح والضعيف والموضوع . فالصحيح : الذي قامت الدلالة على صدقه، والموضوع الذي قامت الدلالة على كذبه، والضعيف الذي رواه من لم يعلم صدقه، إما لسوء حفظه وإما لاتهامه، ولكن يمكن أن يكون صادقًا فيه؛ فإن الفاسق قد يصدق والغالط قد يحفظ .
وغالب أبواب الرسالة فيها الأقسام الثلاثة . ومن ذلك : باب الرضا، فإنه ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ذاق طعم الإيمان من رضي باللّه ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ) . وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وإن كان الأستاذ لم يذكر أن مسلمًا رواه لكنه رواه، بإسناد صحيح .
وذكر في أول هذا الباب حديثًا ضعيفًا ـ بل موضوعا ـ وهو حديث جابر الطويل الذي رواه من حديث الفضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر، فهو وإن كان أول حديث ذكره في الباب فإن أحاديث الفضل بن عيسى من أوهى الأحاديث وأسقطها، ولا نزاع بين الأئمة أنه لا يعتمد عليها ولا يحتج بها؛ فإن الضعف ظاهر عليها وإن كان هو لا يتعمد الكذب، فإن كثيرًا من الفقهاء لا يحتج بحديثهم لسوء الحفظ لا لاعتماد الكذب، وهذا الرقاشي اتفقوا على ضعفه كما يعرف ذلك أئمة هذا الشأن؛ حتى قال أيوب السختياني : لو ولد أخرس لكان خيرًا له، وقال سفيان بن عيينة : لا شيء، وقال الإمام أحمد والنسائي : هو ضعيف . وقال يحيى بن معين : رجل سوء . وقال أبو حاتم وأبو زرعة : منكر الحديث .(1/124)
وكذلك ما ذكره من الآثار؛ فإنه قد ذكر آثارًا حسنة بأسانيد حسنة مثل ما رواه عن الشيخ أبي سليمان الداراني أنه قال : إذا سلا العبد عن الشهوات فهو راض، فإن هذا رواه عن شيخه أبي عبد الرحمن السلمي بإسناده، والشيخ أبو عبد الرحمن كانت له عناية بجمع كلام هؤلاء المشائخ وحكاياتهم، وصنف في الأسماء كتاب [ طبقات الصوفية ] وكتاب [ زهاد السلف ] وغير ذلك، وصنف في الأبواب كتاب [ مقامات الأولياء ] وغير ذلك ومصنفاته تشتمل على الأقسام الثلاثة .
وذكر عن الشيخ أبي عبد الرحمن أنه قال : سمعت النصر آبادي يقول : من أراد أن يبلغ محل الرضا فيلزم ماجعل اللّه رضاه فيه، فإن هذا الكلام في غاية الحسن، فإنه من لزم مايرضى اللّه من امتثال أوامره واجتناب نواهيه لا سيما إذا قام بواجبها ومستحبها فإن اللّه يرضى عنه، كما أن من لزم محبوبات الحق أحبه اللّه، كما قال في الحديث الصحيح الذي في البخاري : ( من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلى عبدى بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته ) الحديث . وذلك أن الرضا نوعان :(1/125)
أحدهما : الرضا بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه . ويتناول ما أباحه اللّه من غيرتعد إلى المحظور، كما قال : { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] ، وقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } [ التوبة : 59 ] وهذا الرضا واجب؛ ولهذا ذم من تركه بقوله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ . وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } [ التوبة : 58، 59 ] .
والنوع الثاني : الرضا بالمصائب، كالفقر والمرض والذل فهذا الرضا مستحب في أحد قولي العلماء . وليس بواجب، وقد قيل : إنه واجب، والصحيح أن الواجب هو الصبر . كما قال الحسن : الرضا غريزة، ولكن الصبر معول المؤمن . وقد روى في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن استطعت أن تعمل بالرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا ) .(1/126)
وأما الرضا بالكفر والفسوق والعصيان : فالذي عليه أئمة الدين أنه لا يرضى بذلك، فإن اللّه لا يرضاه كما قال : { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } [ الزمر : 7 ] وقال : { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } [ البقرة : 205 ] ، وقال تعالى : { فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } [ التوبة : 96 ] ، وقال تعالى : { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [ النساء : 93 ] ، وقال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد : 28 ] ، وقال تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ } [ التوبة : 68 ] ، وقال تعالى : { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } [ المائدة : 80 ] ، وقال تعالى : { فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [ الزخرف : 55 ] فإذا كان اللّه ـ سبحانه ـ لا يرضى لهم ما عملوه بل يسخطه ذلك، وهو يسخط عليهم، ويغضب عليهم، فكيف يشرع للمؤمن أن يرضى ذلك وألا يسخط ويغضب لما يسخط اللّه ويغضبه ؟ ! .
وإنما ضل هنا فريقان من الناس :(1/127)
قوم : من أهل الكلام المنتسبين إلى السنة في مناظرة القدرية ظنوا أن محبة الحق ورضاه وغضبه وسخطه يرجع إلى إرادته، وقد علموا أنه مريد لجميع الكائنات خلافًا للقدرية . وقالوا : هو أيضا محب لها مريد لها، ثم أخذوا يحرفون الكلم عن مواضعه، فقالوا : لا يحب الفساد، بمعنى لا يريد الفساد : أي لا يريده للمؤمنين، ولا يرضى لعباده الكفر : أي لا يريده لعباده المؤمنين . وهذا غلط عظيم؛ فإن هذا عندهم بمنزلة أن يقال : لا يحب الإيمان ولا يرضى لعباده الإيمان : أي لا يريده للكافرين، ولا يرضاه للكافرين، وقد اتفق أهل الإسلام على أن ما أمر اللّه به فإنه يكون مستحبًا يحبه . ثم قد يكون مع ذلك واجبًا، وقد يكون مستحبًا ليس بواجب سواء فعل أو لم يفعل . والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع .
والفريق الثاني : من غالطي المتصوفة شربوا من هذه العين : فشهدوا أن اللّه رب الكائنات جميعها، وعلموا أنه قدر على كل شيء وشاءه، وظنوا أنهم لا يكونون راضين حتى يرضوا بكل ما يقدره ويقضيه من الكفر والفسوق والعصيان، حتى قال بعضهم : المحبة نار تحرق من القلب كل ما سوى مراد المحبوب . قالوا : والكون كله مراد المحبوب . وضل هؤلاء ضلالًا عظيمًا، حيث لم يفرقوا بين الإرادة الدينية والكونية، والإذن الكوني والديني، والأمر الكوني والديني، والبعث الكوني والديني، والإرسال الكوني والديني . كما بسطناه في غير هذا الموضع .(1/128)
وهؤلاء يؤول الأمر بهم إلى ألا يفرقوا بين المأمور والمحظور وأولياء اللّه وأعدائه، والأنبياء والمتقين . ويجعلون الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، ويجعلون المتقين كالفجار، ويجعلون المسلمين كالمجرمين، ويعطلون الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والشرائع وربما سموا هذا : حقيقة، ولعمري إنه حقيقة كونية، لكن هذه الحقيقة الكونية قد عرفها عباد الأصنام، كما قال : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ الزمر : 38 ] ، وقال تعالى : { قُلْ لِمَنْ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } الآيات [ المؤمنون : 84، 85 ]
فالمشركون الذين يعبدون الأصنام كانوا مقرين بأن اللّه خالق كل شيء وربه ومليكه، فمن كان هذا منتهى تحقيقه كان أقرب أن يكون كعباد الأصنام .
والمؤمن إنما فارق الكفر بالإيمان باللّه وبرسله، وبتصديقهم فيما أخبروا، وطاعتهم فيما أمروا، واتباع ما يرضاه اللّه، ويحبه دون ما يقدر ويقضيه من الكفر والفسوق والعصيان، ولكن يرضى بما أصابه من المصائب، لا بما فعله من المعائب . فهو من الذنوب يستغفر . وعلى المصائب يصبر، فهو كما قال تعالى : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } [ غافر : 55 ] فيجمع بين طاعة الأمر والصبر على المصائب . كما قال تعالى : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا } [ آل عمران : 120 ] ، وقال تعالى : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [ آل عمران : 186 ] ، وقال يوسف : { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [ يوسف : 90 ] .(1/129)
والمقصود هنا : أن ما ذكره القشيري عن النصر آبادي من أحسن الكلام حيث قال : من أراد أن يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل اللّه رضاه فيه، وكذلك قول الشيخ أبي سليمان : إذا سلا العبد عن الشهوات فهو راض؛ وذلك أن العبد إنما يمنعه من الرضا والقناعة طلب نفسه لفضول شهواتها، فإذا لم يحصل سخط، فإذا سلا عن شهوات نفسه رضي بما قسم اللّه له من الرزق، وكذلك ما ذكره عن الفضيل بن عياض أنه قال لبشر الحافي : الرضا أفضل من الزهد في الدنيا؛ لأن الراضي لا يتمنى فوق منزلته، كلام حسن . لكن أشك في سماع بشر الحافي من الفضيل .
وكذلك ما ذكره معلقًا قال : قال الشبلي بين يدي الجنيد : لاحول ولا قوة إلا باللّه . فقال الجنيد : قولك ذا ضيق صدر، وضيق الصدر لترك الرضا بالقضاء . فإن هذا من أحسن الكلام . وكان الجنيد ـ رضي اللّه عنه ـ سيد الطائفة، ومن أحسنهم تعليمًا وتأديبًا وتقويمًا ـ وذلك أن هذه الكلمة كلمة استعانة؛ لا كلمة استرجاع، وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعًا لا صبرًا . فالجنيد أنكر على الشبلي حاله في سبب قوله لها، إذ كانت حالًا ينافى الرضا، ولو قالها على الوجه المشروع لم ينكر عليه .(1/130)
وفيما ذكره آثار ضعيفة مثل ما ذكره معلقًا . قال : وقيل : قال موسى : ( إلهي، دلني على عمل إذا عملته رضيت عني . فقال : إنك لا تطيق ذلك، فخر موسى ساجدًا متضرعًا . فأوحى اللّه إليه : يابن عمران، رضائي في رضاك عني ) ، فهذه الحكاية الإسرائيلية فيها نظر؛ فإنه قد يقال : لا يصلح أن يحكي مثلها عن موسى بن عمران . ومعلوم أن هذه الإسرائيليات ليس لها إسناد، ولا يقوم بها حجة في شيء من الدين، إلا إذا كانت منقولة لنا نقلًا صحيحًا، مثل ما ثبت عن نبينا أنه حدثنا به عن بني إسرائيل، ولكن منه ما يعلم كذبه مثل هذه؛ فإن موسى من أعظم أولي العزم، وأكابر المسلمين؛ فكيف يقال : إنه لا يطيق أن يعمل ما يرضى اللّه به عنه ؟ ! واللّه تعالى راض عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان . أفلا يرضى عن موسى بن عمران كليم الرحمن ؟ ! وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ . جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } [ البينة : 7، 8 ] ومعلوم أن موسى بن عمران ـ عليه السلام ـ من أفضل الذين آمنوا وعملوا الصالحات .
ثم إن اللّه خص موسى بمزية فوق الرضا، حيث قال : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [ طه : 39 ] . ثم إن قوله له في الخطاب : يابن عمران، مخالف لماذكره اللّه من خطابه في القرآن حيث قال : يا موسى، وذلك الخطاب فيه نوع غض منه كما يظهر . ومثل ما ذكر أنه قيل : كتب عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ إلى أبي موسى الأشعري أما بعد : فإن الخير كله في الرضا فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر . فهذا الكلام كلام حسن . وإن لم يعلم إسناده .(1/131)
وإذا تبين أن فيما ذكره مسندًا ومرسلًا ومعلقًا ما هو صحيح وغيره، فهذه الكلمة لم يذكرها عن أبي سليمان إلا مرسلة . وبمثل ذلك لا تثبت عن أبي سليمان باتفاق الناس؛ فإنه وإن قال بعض الناس : إن المرسل حجة، فهذا لم يعلم أن المرسل هو مثل الضعيف وغير الضعيف . فأما إذا عرف ذلك فلا يبقى حجة باتفاق العلماء . كمن علم أنه تارة يحفظ الإسناد وتارة يغلط فيه .
والكتب المسندة في أخبار هؤلاء المشائخ وكلامهم مثل كتاب " حلية الأولياء " لأبي نعيم، و " طبقات الصوفية " لأبي عبد الرحمن، و [ صفوة الصفوة ] لابن الجوزي . وأمثال ذلك لم يذكروا فيها هذه الكلمة عن الشيخ أبي سليمان . ألا ترى الذي رواه عنه مسندًا حيث قال : قال لأحمد بن أبي الحواري : يا أحمد، لقد أوتيت من الرضا نصيبًا لو ألقاني في النار لكنت بذلك راضيًا . فهذا الكلام مأثور عن أبي سليمان بالإسناد؛ ولهذا أسنده عنه القشيري من طريق شيخه أبي عبد الرحمن، بخلاف تلك الكلمة فإنها لم تسند عنه . فلا أصل لها عن الشيخ أبي سليمان .
ثم إن القشيري قرن هذه الكلمة الثانية عن أبي سليمان بكلمة أحسن منها فإنه قبل أن يرويها قال : وسئل أبو عثمان الحيري النيسابوري عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أسألك الرضا بعد القضاء ) ، فقال : لأن الرضا بعد القضاء هوالرضا . فهذا الذي قاله الشيخ أبوعثمان كلام حسن سديد . ثم أسند بعد هذا عن الشيخ أبي سليمان أنه قال : أرجو أن أكون قد عرفت طرفًا من الرضا . لو أنه أدخلني النار لكنت بذلك راضيًا .(1/132)
فتبين بذلك أن ما قاله أبو سليمان ليس هو رضا . وإنما هو عزم على الرضا، وإنما الرضا ما يكون بعد القضاء، وإن كان هذا عزمًا فالعزم قد يدوم، وقد ينفسخ، وما أكثر انفساخ العزائم خصوصًا عزائم الصوفية؛ ولهذا قيل لبعضهم : بماذا عرفت ربك ؟ قال : بفسخ العزائم ونقض الهمم . وقد قال تعالى لمن هو أفضل من هؤلاء المشائخ : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } [ آل عمران : 143 ] ، وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ . إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ } [ الصف : 2-4 ] وفي الترمذي أن بعض الصحابة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لو علمنا أي العمل أحب إلى اللّه لعملناه فأنزل اللّه تعالى هذه الآية { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } الآية [ النساء : 77 ] . فهؤلاء الذين كانوا قد عزموا على الجهاد وأحبوه لما ابتلوا به كرهوه وفروا منه، وأين ألم الجهاد من ألم النار ؟ وعذاب اللّه الذي لا طاقة لأحد به، ومثل هذا ما يذكرونه عن سمنون المحب أنه كان يقول :
وليس لي في سواك حظ ** فكيفما شئت فاختبرني
فأخذه العسر من ساعته : أي حصر بوله؛ فكان يدور على المكاتب ويفرق الجوز على الصبيان ويقول : ادعوا لعمكم الكذاب .(1/133)
وحكى أبو نعيم الأصبهاني عن أبي بكر الواسطي أنه قال سمنون : يارب، قد رضيت بكل ما تقضيه عليّ، فاحتبس بوله أربعة عشر يومًا، فكان يتلوى كما تتلوى الحية، يتلوى يمينًا وشمالًا، فلما أطلق بوله، قال : ربي قد تبت إليك . قال أبو نعيم : فهذا الرضا الذي ادعى سمنون ظهر غلطه فيه بأدني بلوي، مع أن سمنونا هذا كان يضرب به المثل، وله في المحبة مقام مشهور، حتى روى عن إبراهيم بن فاتك أنه قال : رأيت سمنونًا يتكلم على الناس في المسجد الحرام، فجاء طائر صغير فلم يزل يدنو منه حتى جلس على يده، ثم لم يزل يضرب بمنقاره الأرض حتى سقط منه دم؛ ومات الطائر . وقال : رأيته يومًا يتكلم في المحبة فاصطفقت قناديل المسجد وكسر بعضها بعضًا .
وقد ذكر القشيري في ( باب الرضا ) عن رويم المقري ـ رفيق سمنون ـ حكاية تناسب هذا حيث قال : قال رويم : إن الراضي لو جعل جهنم عن يمينه ما سأل اللّه أن يحولها عن يساره، فهذا يشبه قول سمنون : فكيف ما شئت فامتحني . وإذا لم يطق الصبر على عسر البول، أفيطيق أن تكون النار عن يمينه ؟
والفضيل بن عياض كان أعلى طبقة من هؤلاء وابتلى بعسر البول فغلبه الألم حتى قال : بحبي لك ألا فرجت عني؛ ففرج عنه .
ورويم ـ وإن كان من رفقاء الجنيد ـ فليس هو عندهم من هذه الطبقة، بل الصوفية يقولون : إنه رجع إلى الدنيا وترك التصوف؛ حتى روى عن جعفر الخلدي صاحب الجنيد أنه قال : من أراد أن يستكتم سرًا فليفعل . كما فعل رويم . كتم حب الدنيا أربعين سنة فقيل : وكيف يتصور ذلك ؟ قال : ولي إسماعيل بن إسحاق القاضي قضاء بغداد وكان بينهما مودة أكيدة، فجذبه إليه، وجعله وكيلًا على بابه فترك لبس التصوف ولبس الخز والقصب والديبقي وأكل الطيبات، وبنى الدور، وإذا هو كان يكتم حب الدنيا مالم يجدها، فلما وجدها أظهر ماكان يكتم من حبها . هذا مع أنه ـ رحمه اللّه ـ كان له من العبادات ما هو معروف وكان على مذهب داود .(1/134)
وهذه الكلمات التي تصدر عن صاحب حال لم يفكر في لوازم أقواله وعواقبها لا تجعل طريقة ولا تتخذ سبيلًا؛ ولكن قد يستدل بها على ما لصاحبها من الرضا والمحبة، ونحو ذلك، وما معه من التقصير في معرفة حقوق الطريق، وما يقدر عليه من التقوى والصبر وما لا يقدر عليه من التقوى والصبر، والرسل ـ صلوات اللّه عليهم ـ أعلم بطريق سبيل اللّه وأهدى وأنصح، فمن خرج عن سنتهم وسبيلهم كان منقوصًا مخطئًا محرومًا، وإن لم يكن عاصيًا أو فاسقًا أو كافرًا .
ويشبه هذا الأعرابي الذي دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض كالفرخ فقال : ( هل كنت تدعو اللّه بشيء، قال : كنت أقول : اللّهم ما كنت معذبني به في الآخرة فاجعله في الدنيا، فقال : سبحان اللّه لا تستطيعه ولا تطيقه، هلا قلت : ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار ) فهذا أيضًا حمله خوفه من عذاب النار، ومحبته لسلامة عاقبته على أن يطلب تعجيل ذلك في الدنيا، وكان مخطئا في ذلك غالطًا، والخطأ والغلط مع حسن القصد وسلامته، وصلاح الرجل وفضله ودينه وزهده وورعه وكراماته كثير جدًا، فليس من شرط ولي اللّه أن يكون معصومًا من الخطأ والغلط؛ بل ولا من الذنوب، وأفضل أولياء اللّه بعد الرسل أبو بكر الصديق ـ رضي اللّه عنه ـ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له لما عبر الرؤيا : ( أصبت بعضًا وأخطأت بعضا ) .(1/135)
ويشبه ـ واللّه أعلم ـ أن أبا سليمان لما قال هذه الكلمة ـ : لو ألقاني في النار لكنت بذلك راضيًا ـ أن يكون بعض الناس حكاه بما فهمه من المعنى أنه قال : الرضا ألا تسأل اللّه الجنة، ولا تستعيذه من النار . وتلك الكلمة التي قالها أبو سليمان، مع أنها لا تدل على رضاه بذلك، ولكن تدل على عزمه بالرضا بذلك، فنحن نعلم أن هذا العزم لا يستمر بل ينفسخ، وإن هذه الكلمة كان تركها أحسن من قولها؛ وأنها مستدركة، كما استدركت دعوى سمنون ورويم وغير ذلك؛ فإن بين هذه الكلمة وتلك فرقًا عظيمًا . فإن تلك الكلمة مضمونها : أن من سأل اللّه الجنة، واستعاذ من النار، لا يكون راضيًا .
وفرق بين من يقول : أنا إذا فعل كذا كنت راضيًا، وبين من يقول : لا يكون راضيًا إلا من لا يطلب خيرًا، ولا يهرب من شر؛ وبهذا وغيره يعلم أن الشيخ أبا سليمان كان أجل من أن يقول مثل هذا الكلام، فإن الشيخ أبا سليمان من أجلاء المشائخ، وساداتهم ومن أتبعهم للشريعة حتى إنه قال : إنه ليمر بقلبي النكتة من نكت القوم، فلا أقبلها إلا بشاهدين : الكتاب والسنة . فمن لا يقبل نكت قلبه إلا بشاهدين، يقول هذا مثل الكلام ؟ ! وقال الشيخ أبو سليمان أيضًا : ليس لمن ألهم شيئًا من الخير أن يفعله، حتى يسمع فيه بأثر فإذا سمع فيه بأثر كان نورًا على نور؛ بل صاحبه أحمد بن أبي الحواري كان من أتبع المشائخ للسنة، فكيف أبو سليمان ؟ ! .
وتمام تزكية أبي سليمان من هذا الكلام تظهر بالكلام في المقام الثاني وهو قول القائل كائنًا من كان : الرضا ألا تسأل اللّه الجنة، ولا تستعيذه من النار .(1/136)
ونقدم قبل ذلك مقدمة يتبين بها أصل ما وقع في مثل هذه الكلمات من الاشتباه والاضطراب، وذلك أن قومًا كثيرًا من الناس، من المتفقهة والمتصوفة والمتكلمة، وغيرهم، ظنوا أن الجنة التنعم بالمخلوق من أكل وشرب ونكاح ولباس، وسماع أصوات طيبة، وشم روائح طيبة ولم يدخلوا في مسمى الجنة نعيمًا غير ذلك . ثم صاروا ضربين :
الضرب الأول : من أنكروا أن يكون المؤمنون يرون ربهم . كما ذهب إلى ذلك الجهمية من المعتزلة وغيرهم .
ومنهم من أقر بالرؤية، إما الرؤية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، وإما برؤية فسروها بزيادة كشف أو علم، أو جعلها بحاسة سادسة، ونحو ذلك
ًاالتي ذهب إليها ضرار بن عمرو وطوائف من أهل الكلام المنتسبين إلى نصر أهل السنة في مسألة الرؤية، وإن كان ما يثبتونه من جنس ما تنفيه المعتزلة والضرارية . والنزاع بينهم لفظي، ونزاعهم مع أهل السنة معنوي؛ ولهذا كان بشر وأمثاله يفسرون الرؤية بنحو من تفسير هؤلاء .
والمقصود هنا أن مثبتة الرؤية منهم من أنكر أن يكون المؤمن ينعم بنفس رؤيته ربه، قالوا : لأنه لا مناسبة بين المحدث والقديم، كما ذكر ذلك الأستاذ أبو المعالى الجويني في [ الرسالة النظامية ] ، وكما ذكره أبو الوفاء بن عقيل في بعض كتبه، ونقلوا عن ابن عقيل أنه سمع رجلا ً يقول : أسألك لذة النظر إلى وجهك . فقال : يا هذا، هب أن له وجهًا، أله وجه يتلذذ بالنظر إليه ؟ ! وذكر أبو المعالي أن اللّه يخلق لهم نعيمًا ببعض المخلوقات مقارنًا للرؤية، فأما النعيم بنفس الرؤية فأنكره، وجعل هذا من أسرار التوحيد .(1/137)
وأكثر مثبتي الرؤية يثبتون تنعم المؤمنين برؤية ربهم، وهو مذهب سلف الأمة وأئمتها، ومشائخ الطريق، كما في الحديث الذي في النسائي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي، اللّهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللّهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين ) . وفي صحيح مسلم وغيره عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد، يا أهل الجنة، إن لكم عند اللّه موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون : ما هو ؟ ألم يبيض وجوهنا ؟ ويثقل موازيننا ؟ ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب؛ فينظرون إليه فما أعطاهم شيئًا أحب إليهم من النظر إليه ) .
وكلما كان الشيء أحب كانت اللذة بنيله أعظم، وهذا متفق عليه بين السلف والأئمة ومشائخ الطريق، كما روي عن الحسن البصري أنه قال : لو علم العابدون بأنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت نفوسهم في الدنيا شوقًا إليه، وكلامهم في ذلك كثير .(1/138)
ثم هؤلاء الذين وافقوا السلف والأئمة والمشائخ على التنعم بالنظر إلى اللّه تعالى، تنازعوا في مسألة المحبة التي هي أصل ذلك؛ فذهب طوائف من المتكلمين والفقهاء إلى أن اللّه لا يُحَبُّ نَفْسُهُ، وإنما المحبة محبة طاعته وعبادته؛ وقالوا : هو أيضًا لا يحب عباده المؤمنين؛ وإنما محبته إرادته للإحسان إليهم وولايتهم . ودخل في هذا القول من انتسب إلى نصر السنة من أهل الكلام، حتى وقع فيه طوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد : كالقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وأبي المعالي الجويني وأمثال هؤلاء .
وهذا في الحقيقة شعبة من التجهم والاعتزال؛ فإن أول من أنكر المحبة في الإسلام الجعد بن درهم، أستاذ الجهم بن صفوان؛ فضحى به خالد بن عبد اللّه القسري . وقال : أيها الناس، ضحوا تقبل اللّه ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن اللّه لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا ثم نزل فذبحه .
والذي دل عليه الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها ومشائخ الطريق : أن اللّه يحب ويحب . ولهذا وافقهم على ذلك من تصوف من أهل الكلام : كأبي القاسم القشيري؛ وأبي حامد الغزالي، وأمثالهما . ونصر ذلك أبو حامد في ( الإحياء ) وغيره . وكذلك أبو القاسم ذكر ذلك في ( الرسالة ) على طريق الصوفية كما في كتاب أبي طالب المسمى بـ ( قوت القلوب ) وأبو حامد مع كونه تابع في ذلك الصوفية، استند في ذلك لما وجده من كتب الفلاسفة من إثبات نحو ذلك حيث قالوا : يعشق ويعشق .(1/139)
وقد بسط الكلام على هذه المسألة العظيمة في القواعد الكبار بما ليس هذا موضعه . وقد قال تعالى : { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] ، وقال تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } [ البقرة : 165 ] ، وقال : { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ التوبة : 24 ] ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان اللهّّ ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا للّه، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه اللّه منه كما يكره أن يلقى في النار ) .
والمقصود هنا أن هؤلاء المتجهمة من المعتزلة ومن وافقهم ـ الذين ينكرون حقيقة المحبة ـ يلزمهم أن ينكروا التلذذ بالنظر إليه؛ ولهذا ليس في الحقيقة عندهم إلا التنعم بالأكل والشرب، ونحو ذلك . وهذا القول باطل بالكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة ومشائخها، فهذا أحد الحزبين الغالطين .
والضرب الثاني : طوائف من المتصوفة والمتفقرة والمتبتلة : وافقوا هؤلاء على أن الجنة ليست إلا هذه الأمور التي يتنعم بها المخلوق؛ ولكن وافقوا السلف والأئمة على إثبات رؤية اللّه والتنعم بالنظر إليه، وأصابوا في ذلك وجعلوا يطلبون هذا النعيم، وتسمو إليه همتهم، ويخافون فوته، وصار أحدهم يقول : ما عبدتك شوقًا إلى جنتك، أو خوفًا من نارك، ولكن لأنظر إليك وإجلالًا لك، وأمثال هذه الكلمات . مقصودهم بذلك : هو أعلى من الأكل والشرب والتمتع بالمخلوق، لكن غلطوا في إخراج ذلك من الجنة . وقد يغلطون أيضًا في ظنهم أنهم يعبدون اللّه بلا حظ ولا إرادة، وإن كل ما يطلب منه فهو حظ النفس، وتوهموا أن البشر يعمل بلا إرادة ولا مطلوب ولا محبوب، وهو سوء معرفة بحقيقة الإيمان والدين والآخرة .(1/140)
وسبب ذلك أن همة أحدهم المتعلقة بمطلوبه ومحبوبه ومعبوده تفنيه عن نفسه، حتى لا يشعر بنفسه وإرادتها، فيظن أنه يفعل لغير مراده، والذي طلب وعلق به همته غاية مراده ومطلوبه ومحبوبه، وهذا كحال كثير من الصالحين والصادقين، وأرباب الأحوال والمقامات يكون لأحدهم وجد صحيح، وذوق سليم، لكن ليس له عبارة تبين كلامه، فيقع في كلامه غلط وسوء أدب، مع صحة مقصوده؛ وإن كان من الناس من يقع منه في مراده واعتقاده .
فهؤلاء الذين قالوا مثل هذا الكلام، إذا عنوا به طلب رؤية اللّه تعالى أصابوا في ذلك، لكن أخطؤوا من جهة أنهم جعلوا ذلك خارجًا عن الجنة، فأسقطوا حرمة اسم الجنة، ولزم من ذلك أمور منكرة؛ نظير ما ذكر عن الشبلي ـ رحمه اللّه ـ أنه سمع قارئًا يقرأ : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } [ آل عمران : 152 ] . فصرخ وقال : أين مريد اللّه ؟ فيحمد منه كونه أراد اللّه؛ ولكن غلط في ظنه أن الذين أرادوا الآخرة ما أرادوا اللّه؛ وهذه الآية في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه بأحد، وهم أفضل الخلق، فإن لم يريدوا اللّه، أفيريد اللّه من هو دونهم . كالشبلي، وأمثاله ؟ !
ومثل ذلك ما أعرفه عن بعض المشائخ أنه سأل مرة عن قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } [ التوبة : 111 ] قال : فإذا كانت الأنفس والأموال في ثمن الجنة، فالرؤية بم تنال ؟ فأجابه مجيب بما يشبه هذا السؤال .(1/141)
والواجب أن يعلم أن كل ما أعده اللّه للأولياء من نعيم، بالنظر إليه وما سوى ذلك، هو في الجنة، كما أن كل ما وعد به أعداءه هو في النار . وقد قال تعالى : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ السجدة : 17 ] ، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( يقول اللّه أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر بَلْهُ ما أطلعتهم عليه ) وإذا علم أن جميع ذلك داخل في الجنة، فالناس في الجنة على درجات متفاوتة، كما قال : { انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا } [ الإسراء : 21 ] وكل مطلوب للعبد بعبادة أو دعاء أو غيرذلك من مطالب الآخرة هو في الجنة .
وطلب الجنة والاستعاذة من النار طريق أنبياء اللّه ورسله، وجميع أوليائه السابقين المقربين، وأصحاب اليمين . كما في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل بعض أصحابه : ( كيف تقول في دعائك ؟ ) قال : أقول : اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار؛ أما إني لا أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ . فقال : ( حولهما ندندن ) فقد أخبر أنه هو صلى الله عليه وسلم ومعاذ ـ وهو أفضل الأئمة الراتبين بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ـ إنما يدندنون حول الجنة، أفيكون قول أحد فوق قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومعاذ، ومن يصلي خلفهما من المهاجرين والأنصار ؟ ! ولو طلب هذا العبد ما طلب كان في الجنة .(1/142)
وأهل الجنة نوعان : سابقون مقربون، وأبرار أصحاب يمين . قال تعالى : { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ . كِتَابٌ مَرْقُومٌ . يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ . إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ . تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ . يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ . خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ . وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ . عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } [ المطففين : 18-28 ] قال ابن عباس : تمزج لأصحاب اليمين مزجًا ويشربها المقربون صرفًا .
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي مرة صلى اللّه عليه عشرًا، ثم سلوا اللّه لي الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللّه، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل اللّه لي الوسيلة، حلت عليه شفاعتي يوم القيامة ) ، فقد أخبر أن الوسيلة ـ التي لا تصلح إلا لعبد واحد من عباد اللّه ورجاء أن يكون هو ذلك العبد ـ هي درجة في الجنة، فهل بقى بعد الوسيلة شيء أعلي منها يكون خارجًا عن الجنة يصلح للمخلوقين ؟ !(1/143)
وثبت في الصحيح ـ أيضًا ـ في حديث الملائكة الذين يلتمسون الناس في مجالس الذكر قال : ( فيقولون للرب تبارك وتعالى : وجدناهم يسبحونك ويحمدونك ويكبرونك ) . قال : ( فيقول : وما يطلبون ؟ قالوا : يطلبون الجنة ) . قال : ( فيقول : وهل رأوها ؟ ) قال : ( فيقولون : لا ) ، قال : ( فيقول : فكيف لو رأوها ؟ ! ) قال : ( فيقولون : لو رأوها لكانوا أشد لها طلبًا ) . قال : ( ومم يستعيذون ؟ ! ) قالوا : ( يستعيذون من النار ) . قال : ( فيقول : وهل رأوها ؟ ! ) قال : ( فيقولون : لا ) . قال : ( فيقول : فكيف لو رأوها ؟ ) قالوا : ( لو رأوها لكانوا أشد منها استعاذة ) . قال : ( فيقول : أشهدكم أني أعطيتهم ما يطلبون، وأعذتهم مما يستعيذون ) ـ أو كما قال ـ قال : ( فيقولون : فيهم فلان الخطاء جاء لحاجة فجلس معهم ) ، قال : ( فيقول : هم القوم لايشقى بهم جليسهم ) . فهؤلاء الذين هم من أفضل أولياء اللّه كان مطلوبهم الجنة، ومهربهم من النار .
والنبي صلى الله عليه وسلم لمّا بايع الأنصار ليلة العقبة، وكان الذين بايعوه من أفضل السابقين الأولين الذين هم أفضل من هؤلاء المشائخ كلهم، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : اشترط لربك ولنفسك ولأصحابك قال : ( أشترط لنفسي أن تنصروني مما تنصرون منه أنفسكم وأهليكم، وأشترط لأصحابي أن تواسوهم ) . قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا ؟ قال : ( لكم الجنة ) . قالوا : مد يدك فواللّه لا نقيلك، ولا نستقيلك . وقد قالوا له في أثناء البيعة : إن بيننا وبين القوم حبالًا وعهودًا وإنا ناقضوها .(1/144)
فهؤلاء الذين بايعوه من أعظم خلق اللّه محبة للّه ورسوله، وبذلًا لنفوسهم وأموالهم في رضا اللّه ورسوله، على وجه لا يلحقهم فيه أحد من هؤلاء المتأخرين، قد كان غاية ما طلبوه بذلك الجنة، فلو كان هناك مطلوب أعلى من ذلك لطلبوه، ولكن علموا أن في الجنة كل محبوب ومطلوب؛ بل وفي الجنة ما لا تشعر به النفوس لتطلبه، فإن الطلب والحب والإرادة فرع عن الشعور والإحساس والتصور، فما لا يتصوره الإنسان ولا يحسه ولا يشعر به يمتنع أن يطلبه ويحبه ويريده فالجنة فيها هذا وهذا . كما قال تعالى : { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ ق : 35 ] ، وقال : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ } [ الزخرف : 71 ] ففيها ما يشتهون، وفيها مزيد على ذلك، وهو مالم يبلغه علمهم ليشتهوه . كماقال صلى الله عليه وسلم : ( مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) وهذا باب واسع .(1/145)
فإذا عرفت هذه المقدمة، فقول القائل : الرضا ألا تسأل اللّه الجنة، ولا تستعيذه من النار، إن أراد بذلك ألا تسأل اللّه ما هو داخل في مسمى الجنة الشرعية، فلا تسأله النظر إليه، ولا غير ذلك مما هو مطلوب جميع الأنبياء والأولياء، وإنك لا تستعيذ به من احتجابه عنك، ولا من تعذيبك في النار . فهذا الكلام مع كونه مخالفًا لجميع الأنبياء والمرسلين، وسائر المؤمنين، فهو متناقض في نفسه، فاسد في صريح العقول، وذلك أن الرضا الذي لا يسأل، إنما لا يسأله لرضاه عن اللّه . ورضاه عنه إنما هو بعد معرفته به، ومحبته له، وإذا لم يبق معه رضا عن اللّه ولا محبة للّه فكأنه قال : يرضى ألا يرضى وهذا جمع بين النقيضين . ولا ريب أنه كلام من لم يتصور ما يقول، ولا عقله، يوضح ذلك أن الراضي إنما يحمله على احتمال المكاره والآلام ما يجده من لذة الرضا وحلاوته، فإذا فقد تلك الحلاوة واللذة امتنع أن يتحمل ألمًا ومرارة، فكيف يتصور أن يكون راضيًا، وليس معه من حلاوة الرضا ما يحمل به مرارة المكاره ؟ وإنما هذا من جنس كلام السكران والفاني الذي وجد في نفسه حلاوة الرضا، فظن أن هذا يبقى معه على أي حال كان، وهذا غلط عظيم منه : كغلط سمنون كما تقدم .
وإن أراد بذلك ألا يسأل التمتع بالمخلوق، بل يسأل ما هو أعلى من ذلك؛ فقد غلط من وجهين :
من جهة أنه لم يجعل ذلك المطلوب من الجنة وهو أعلى نعيم الجنة .(1/146)
ومن جهة أنه ـ أيضًا ـ أثبت أنه طالب مع كونه راضيًا، فإذا كان الرضا لا ينافى هذا الطلب، فلا ينافي طلبًا آخر إذا كان محتاجًا إلى مطلوبه؛ ومعلوم أن تمتعه بالنظر لا يتم إلا بسلامته من النار، وبتنعمه من الجنة بما هو دون النظر، وما لا يتم المطلوب إلا به فهو مطلوب؛ فيكون طلبه للنظر طلبًا للوازمه التي منها النجاة من النار، فيكون رضاه لا ينافي طلب حصول المنفعة ودفع المضرة عنه . ولا طلب حصول الجنة ودفع النار ولا غيرهما مما هو من لوازم النظر، فتبين تناقض قوله .
وأيضًا فإذا لم يسأل اللّه الجنة، ولم يستعذ به من النار، فإما أن يطلب من اللّه ما هو دون ذلك مما يحتاج إليه من طلب منفعة ودفع مضرة . وإما ألا يطلبه، فإن طلب ما هو دون ذلك واستعاذ مما هو دون ذلك فطلبه للجنة أولى، واستعاذته من النار أولى . وإن كان الرضا ألا يطلب شيئًا قط، ولو كان مضطرًا إليه، ولا يستعيذ من شيء قط وإن كان مضرًا، فلا يخلو : إما أن يكون ملتفتًا بقلبه إلى اللّه في أن يفعل به ذلك، وإما أن يكون معرضًا عن ذلك، فإن التفت بقلبه إلى اللّه فهو طالب مستعيذ بحاله، ولا فرق بين الطلب بالحال والقال، وهو بهما أكمل وأتم فلا يعدل عنه .
وإن كان معرضًا عن جميع ذلك، فمن المعلوم أنه لا يحيا ويبقى إلا بما يقيم حياته، ويدفع مضاره بذلك، والذي به يحيا من المنافع ودفع المضار، إما أن يحبه ويطلبه ويريده من أحد، أو لا يحبه ولا يطلبه ولا يريده . فإن أحبه وطلبه وأراده من غير اللّه كان مشركًا مذمومًا، فضلا عن أن يكون محمودًا . وإن قال : لا أحبه وأطلبه وأريده لا من اللّه ولا من خلقه . قيل : هذا ممتنع في الحي، فإن الحي ممتنع عليه ألا يحب ما به يبقى، وهذا أمر معلوم بالحس، ومن كان بهذه المثابة امتنع أن يوصف بالرضا، فإن الراضي موصوف بحب وإرادة خاصة، إذ الرضا مستلزم لذلك . فكيف يسلب عنه ذلك كله ؟ فهذا وأمثاله مما يبين فساد هذا الكلام .(1/147)
وأما في سبيل اللّه وطريقه ودينه فمن وجوه :
أحدها أن يقال : الراضي لابد أن يفعل ما يرضاه اللّه، وإلا فكيف يكون راضيًا عن اللّه من لا يفعل ما يرضاه اللّه ؟ وكيف يسوغ رضا ما يكرهه اللّه ويسخطه ويذمه، وينهي عنه .
وبيان هذا : أن الرضا المحمود إما أن يكون اللّه يحبه ويرضاه، وإما ألا يحبه ويرضاه، فإن لم يكن يحبه ويرضاه لم يكن هذا الرضا مأمورًا به، لا أمر إيجاب ولا أمر استحباب؛ فإن من الرضا ما هو كفر، كرضا الكفار بالشرك، وقتل الأنبياء وتكذيبهم، ورضاهم بما يسخطه اللّه ويكرهه . قال تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد : 28 ] ، فمن اتبع ما أسخط اللّه برضاه وعمله فقد أسخط اللّه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الخطيئة إذا عملت في الأرض كان من غاب عنها ورضيها كمن حضرها، ومن شهدها وسخطها كان كمن غاب عنها وأنكرها ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( سيكون بعدي أمراء تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم ولكن من رضى وتابع هلك ) . وقال تعالى : { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } [ التوبة : 96 ] فرضانا عن القوم الفاسقين ليس مما يحبه اللّه ويرضاه، وهو لا يرضى عنهم . وقال تعالى : { أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } [ التوبة : 38 ] فهذا رضا قد ذمه اللّه . وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا } [ يونس : 7 ] فهذا أيضًا رضا مذموم، وسوى هذا، وهذا كثير .(1/148)
فمن رضى بكفره وكفر غيره وفسقه وفسق غيره ومعاصيه ومعاصي غيره فليس هو متبعًا لرضا اللّه ولا هو مؤمن باللّه . بل هو مسخط لربه، وربه غضبان عليه، لاعن له، ذام له، متوعد له بالعقاب .
وطريق اللّه التي يأمر بها المشائخ المهتدون : إنما هي الأمر بطاعة اللّه والنهي عن معصيته . فمن أمر أو استحب أو مدح الرضا الذي يكرهه اللّه ويذمه وينهى عنه ويعاقب أصحابه فهو عدو للّه لا ولى للّه وهو يصد عن سبيل اللّه وطريقه، ليس بسالك لطريقه وسبيله . وإذا كان الرضا الموجود في بني آدم منه ما يحبه اللّه، ومنه ما يكرهه ويسخطه، ومنه ما هو مباح لا من هذا ولا من هذا، كسائر أعمال القلوب من الحب والبغض وغير ذلك، كلها تنقسم إلى محبوب للّه ومكروه للّه مباح .
فإذا كان الأمر كذلك فالراضي الذي لا يسأل اللّه الجنة ولا يستعيذه من النار يقال له : سؤال اللّه الجنة واستعاذته من النار إما أن تكون واجبة، وإما أن تكون مستحبة، وإما أن تكون مباحة، وإما أن تكون مكروهة، ولا يقول مسلم : إنها محرمة ولامكروهة، وليست أيضًا مباحة مستوية الطرفين . ولو قيل : إنها كذلك ففعل المباح المستوى الطرفين لا ينافي الرضا؛ إذ ليس من شرط الراضي ألا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا يفعل أمثال هذه الأمور، فإذا كان ما يفعله من هذه الأمور لا ينافي رضاه، أينافي رضاه دعاء وسؤال هو مباح ؟ ! وإذا كان السؤال والدعاء كذلك واجبا أو مستحبا فمعلوم أن اللّه يرضى بفعل الواجبات والمستحبات، فكيف يكون الراضي الذي من أولياء اللّه لا يفعل ما يرضاه ويحبه؛ بل يفعل ما يسخطه ويكرهه وهذه صفة أعداء اللّه لا أولياء اللّه .(1/149)
والقشيري قد ذكره في أوائل باب الرضا فقال : اعلم أن الواجب على العبد أن يرضى بقضاء اللّه الذي أمر بالرضا به، إذ ليس كل ماهو بقضائه يجوز للعبد أو يجب على العبد الرضا به . كالمعاصي وفنون محن المسلمين . وهذا الذي قاله، قاله قبله وبعده ومعه غير واحد من العلماء : كالقاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى وأمثالهما، لما احتج عليهم القدرية بأن الرضا بقضاء اللّه مأمور به، فلو كانت المعاصي بقضاء اللّه لكنا مأمورين بالرضا بها، والرضا بما نهى اللّه عنه لا يجوز فأجابهم أهل السنة عن ذلك بثلاثة أجوبة :
أحدها ـ وهو جواب هؤلاء وجماهير الأئمة ـ : أن هذا العموم ليس بصحيح، فلسنا مأمورين أن نرضى بكل ما قضى وقدر، ولم يجئ في الكتاب والسنة أمر بذلك، ولكن علينا أن نرضي بما أمرنا أن نرضى به، كطاعة اللّه ورسوله . وهذا هو الذي ذكره أبو القاسم .
والجواب الثاني : أنهم قالوا : إنا نرضى بالقضاء الذي هو صفة اللّه أو فعله لا بالمقضي الذي هو مفعوله . وفي هذا الجواب ضعف قد بيناه في غير هذا الموضع .
الثالث : أنهم قالوا : هذه المعاصي لها وجهان : وجه إلى العبد من حيث هي فعله وصنعه وكسبه، ووجه إلى الرب من حيث هو خلقها وقضاها وقدرها، فيرضى من الوجه الذي يضاف به إلى اللّه، ولا يرضى من الوجه الذي يضاف به إلى العبد، إذ كونها شرًا وقبيحة ومحرمًا وسببًا للعذاب والذم ونحو ذلك إنما هو من جهة كونها مضافة إلى العبد . وهذا مقام فيه من كشف الحقائق والأسرار ما قد ذكرنا منه ما قد ذكرناه في غيرهذا الموضع، ولا يحتمله هذا المكان . فإن هذا متعلق بمسائل الصفات والقدر، وهي من أعظم مطالب الدين وأشرف علوم الأولين والآخرين وأدقها على عقول أكثر العالمين .(1/150)
والمقصود هنا أن مشائخ الصوفية والعلماء وغيرهم قد بينوا أن من الرضا ما يكون جائزًا، ومنه مالا يكون جائزًا فضلا عن كونه مستحبًا أو من صفات المقربين، وإن أبا القاسم ذكر ذلك في [ الرسالة ] أيضًا .
فإن قيل : هذا الذي ذكرتموه أمر بين واضح، فمن أين غلط من قال : الرضا ألا تسأل اللّه الجنة ولا تستعيذه من النار ؟ وغلط من يستحسن مثل هذا الكلام كائنا من كان ؟ .
قيل : غلطوا في ذلك لأنهم رأوا أن الراضي بأمر لا يطلب غير ذلك الأمر، فالعبد إذا كان في حال من الأحوال فمن رضاه ألا يطلب غير تلك الحال، ثم إنهم رأوا أن أقصى المطالب الجنة، وأقصى المكاره النار . فقالوا : ينبغي ألايطلب شيئًا ولو أنه الجنة ولا يكره ما يناله، ولو أنه النار، وهذا وجه غلطهم، ودخل عليهم الضلال من وجهين :
أحدهما : ظنهم أن الرضا بكل ما يكون أمر يحبه اللّه ويرضاه وأن هذا من أعظم طرق أولياء اللّه، فجعلوا الرضا بكل حادث وكائن أو بكل حال يكون فيها للعبد طريقًا إلى اللّه، فضلوا ضلالًا مبينًا والطريق إلى اللّه إنما هي أن ترضيه بأن تفعل مايحبه ويرضاه ليس أن ترضى بكل ما يحدث ويكون، فإنه هو لم يأمرك بذلك، ولا رضيه لك ولا أحبه؛ بل هو ـ سبحانه ـ يكره ويسخط ويبغض على أعيان أفعال موجودة لا يحصيها إلا هو، وولاية اللّه موافقته بأن تحب ما يحب وتبغض ما يبغض، وتكره ما يكره، وتسخط ما يسخط، وتوالي من يوالي، وتعادي من يعادي، فإذا كنت تحب وترضى ما يكرهه ويسخطه كنت عدوه لا وليّه، وكان كل ذم نال من رضى ما أسخط اللّه قد نالك .
فتدبر هذا؛ فإنه ينبه على أصل عظيم ضل فيه من طوائف النساك والصوفية والعباد والعامة من لا يحصيهم إلا اللّه .
الوجه الثاني : أنهم لا يفرقون بين الدعاء الذي أمروا به أمر إيجاب، وأمر استحباب، وبين الدعاء الذي نهوا عنه، أو لم يؤمروا به ولم ينهوا عنه، فإن دعاء العبد لربه ومسألته إياه ثلاثة أنواع :(1/151)
نوع أمر العبد به إما أمر إيجاب وإما أمر استحباب : مثل قوله : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [ الفاتحة : 6 ] ، ومثل دعائه في آخر الصلاة كالدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر به أصحابه فقال : ( إذا قعد أحدكم في الصلاة فليستعذ باللّه من أربع : من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال ) . فهذا دعاء أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوا به في آخر صلاتهم . وقد اتفقت الأمة على أنه مشروع يحبه اللّه ورسوله ويرضاه، وتنازعوا في وجوبه . فأوجبه طاووس وطائفة، وهو قول في مذهب أحمد رضي اللّه عنه، والأكثرون قالوا : هذا مستحب، والأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها : لا تخرج عن أن تكون واجبة، أو مستحبة، وكل واحد من الواجب والمستحب يحبه اللّه ويرضاه، ومن فعله ـ رضي اللّه عنه وأرضاه ـ فهل يكون من الرضا ترك ما يحبه ويرضاه ؟ !(1/152)
ونوع من الدعاء ينهي عنه : كالاعتداء مثل أن يسأل الرجل مالا يصلح من خصائص الأنبياء، وليس هو بنبي، وربما هو من خصائص الرب سبحانه وتعالى . مثل أن يسأل لنفسه الوسيلة التي لا تصلح إلا لعبد من عباده، أو يسأل اللّه تعالى أن يجعله بكل شيء عليمًا، أو على كل شيء قدير، وأن يرفع عنه كل حجاب يمنعه من مطالعة الغيوب . وأمثال ذلك، أو مثل من يدعوه ظانًا أنه محتاج إلى عباده؛ وأنهم يبلغون ضره ونفعه فيطلب منه ذلك الفعل، ويذكر أنه إذا لم يفعله حصل له من الخلق ضير . وهذا ونحوه جهل بالله واعتداء في الدعاء . وإن وقع في ذلك طائفة من الشيوخ . ومثل أن يقولوا : اللهم اغفر لي إن شئت، فيظن أن الله قد يفعل الشىء مكرها، وقد يفعل مختارًا، كالملوك، فيقول : اغفر لي إن شئت، وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال : ( لا يقل أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة؛ فإن الله لا مكره له ) ، ومثل أن يقصد السجع في الدعاء ويتشهق ويتشدق، وأمثال ذلك فهذه الأدعية ونحوها منهي عنها .
ومن الدعاء ما هو مباح كطلب الفضول التي لامعصية فيها .
والمقصود أن الرضا الذي هو من طريق الله لا يتضمن ترك واجب ولا ترك مستحب، فالدعاء الذي هو واجب أو مستحب لا يكون تركه من الرضا، كما أن ترك سائر الواجبات لا يكون من الرضا المشروع، ولا فعل المحرمات من المشروع . فقد تبين غلط هؤلاء من جهة ظنهم أن الرضا مشروع بكل مقدور، ومن جهة أنهم لم يميزوا بين الدعاء المشروع إيجابا، واستحبابا، والدعاء غير المشروع .(1/153)
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن طلب الجنة من الله، والاستعاذة به من النار، هو من أعظم الأدعية المشروعة لجميع المرسلين والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن ذلك لا يخرج عن كونه واجبًا أو مستحبا، وطريق أولياء الله التي يسلكونها لا تخرج عن فعل واجبات ومستحبات؛ إذ ما سوي ذلك محرم أو مكروه أو مباح لا منفعة فيه في الدين .
ثم إنه لما أوقع هؤلاء في هذا الغلط أنهم وجدوا كثيرًا من الناس لا يسألون الله جلب المنافع، ودفع المضار، حتى طلب الجنة، والاستعاذة من النار، من جهة كون ذلك عبادة وطاعة وخيرًا، بل من جهة كون النفس تطلب ذلك، فرأوا أن من الطريق ترك ما تختاره النفس وتريده، وألا يكون لأحدهم إرادة أصلا، بل يكون مطلوبه الجريان تحت القدر ـ كائنًا من كان ـ وهذا هو الذي أدخل كثيرًا منهم في الرهبانية، والخروج عن الشرعية، حتى تركوا من الأكل والشرب واللباس والنكاح ما يحتاجون إليه، وما لا تتم مصلحة دينهم إلا به؛ فإنهم رأوا العامة تعد هذه الأمور بحكم الطبع والهوى والعادة، ومعلوم أن الأفعال التي على هذا الوجه لا تكون عبادة ولا طاعة ولا قربة، فرأي أولئك الطريق إلي الله ترك هذه العبادات، والأفعال الطبعيات، فلازموا من الجوع والسهر والخلوة والصمت وغير ذلك مما فيه ترك الحظوظ واحتمال المشاق، ما أوقعهم في ترك واجبات ومستحبات، وفعل مكروهات ومحرمات .(1/154)
وكلا الأمرين غير محمود، ولا مأمور به، ولا طريق إلى اللّه : طريق المفرطين الذين فعلوا هذه الأفعال المحتاج إليها على غير وجه العبادة، والتقرب إلى اللّه، وطريق المعتدين الذين تركوا هذه الأفعال؛ بل المشروع أن تفعل بنية التقرب إلى اللّه، وأن يشكر اللّه . قال اللّه تعالى : { كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا } [ المؤمنون : 51 ] ، وقال تعالى : { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ } [ البقرة : 172 ] ، فأمر بالأكل والشرب، فمن أكل ولم يشكر كان مذمومًا، ومن لم يأكل ولم يشكر كان مذمومًا، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن اللّه ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد : ( إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللّه، إلا ازددت بها درجة ورفعة، حتى اللقمة تضعها في فيِّ امرأتك ) ، وفي الصحيح أيضًا أنه قال : ( نفقة المؤمن على أهله يحتسبها صدقة ) . فكذلك الأدعية هنا من الناس من يسأل اللّه جلب المنفعة له ودفع المضرة عنه طبعًا وعادة لا شرعًا وعبادة، فليس من المشروع أن أدع الدعاء مطلقًا لتقصيرهذا وتفريطه؛ بل أفعله أنا شرعًا وعبادة .(1/155)
ثم اعلم أن الذي يفعله شرعًا وعبادة إنما يسعى في مصلحة نفسه وطلب حظوظه المحمودة فهو يطلب مصلحة دنياه وآخرته؛ بخلاف الذي يفعله طبعًا فإنه إنما يطلب مصلحة دنياه فقط، كما قال تعالى : { فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [ البقرة : 200-202 ] وحينئذ فطالب الجنة والمستعيذ من النار إنما يطلب حسنة الآخرة فهو محمود .
ومما يبين الأمر في ذلك أن يرد قول هؤلاء : بأن العبد لا يفعل مأمورًا ولا يترك محظورًا . فلا يصلي ولا يصوم ولا يتصدق، ولا يحج ولا يجاهد ولا يفعل شيئًا من القربات، فإن ذلك إنما فائدته حصول الثواب ودفع العقاب . فإذا كان هو لا يطلب حصول الثواب الذي هو الجنة، ولا دفع العقاب الذي هو النار، فلا يفعل مأمورًا، ولا يترك محظورًا، ويقول : أنا راض بكل ما يفعله بي وإن كفرت وفسقت وعصيت؛ بل يقول : أنا أكفر وأفسق وأعصى حتى يعاقبني وأرضى بعقابه فأنال درجة الرضا بقضائه، وهذا قول من هو من أجهل الخلق وأحمقهم وأضلهم وأكفرهم .
أما جهله وحمقه؛ فلأن الرضى بذلك ممتنع متعذر؛ لأن ذلك يستلزم الجمع بين النقيضين .
وأما كفره؛ فلأنه مستلزم لتعطيل دين اللّه الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه .
ولا ريب أن ملاحظة القضاء والقدر، أوقعت كثيرًا من أهل الإرادة من المتصوفة في أن تركوا من المأمور وفعلوا من المحظور ما صاروا به إما ناقصين محرومين، وإما عاصين فاسقين، وإما كافرين، وقد رأيت من ذلك ألوانا . { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } [ النور : 40 ] .(1/156)
وهؤلاء المعتزلة ونحوهم من القدرية طرفا نقيض ـ هؤلاء يلاحظون القدر ويعرضون عن الأمر . وأولئك يلاحظون الأمر ويعرضون عن القدر ـ والطائفتان تظن أن ملاحظة الأمر والقدر متعذر . كما أن طائفة تجعل ذلك مخالفًا للحكمة والعدل . وهذه الأصناف الثلاثة هي : القدرية المجوسية، والقدرية المشركية؛ والقدرية الإبليسية؛ وقد بسطنا الكلام عليهم في غير هذا الموضع .
وأصل ما يبتلى به السالكون أهل الإرادة والعامة في هذا الزمان هي القدرية المشركية، فيشهدون القدر ويعرضون عن الأمر، كما قال فيهم بعض العلماء : أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به . وإنما المشروع العكس، وهو أن يكون عند الطاعة يستعين اللّه عليها قبل الفعل، ويشكره عليها بعد الفعل ويجتهد ألا يعصى فإذا أذنب وعصى بادر إلى التوبة والاستغفار، كما في حديث سيد الاستغفار : ( أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي ) ، وكما في الحديث الصحيح الإلهي : ( ياعبادي، إنماهي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد اللّه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) .
ومن هذا الباب دخل قوم من أهل الإرادة في ترك الدعاء، وآخرون جعلوا التوكل والمحبة من مقامات العامة، وأمثال هذه الأغاليط التي تكلمنا عليها في غير هذا الموضع، وبينا الفرق بين الصواب والخطأ في ذلك؛ ولهذا يوجد في كلام هؤلاء المشايخ الوصية باتباع العلم والشريعة، حتى قال سهل بن عبد اللّه التستري : كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل . وقال الجنيد بن محمد : علمنا مقيد بالكتاب والسنة؛ فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصح أن يتكلم في علمنا، واللّه أعلم ..
(( مجموع فتاوى شيخ الإسلام ))(1/157)
وهذا قول الشيخ رحمه الله تعالى لما سئل عن . (( رسالة القشيرى )) فبان من ردوده أنه ملم بها الإلمام الكامل ولو كان ثم تحذير من تناولها فى موضع من المواضع لذكره الشيخ وجلاه ووضحه وبين عواره .
فرحم الله شيخ الإسلام وسائر أسلافنا الأعلام .
وأما عن الأشاعرة فهذا مذهب سلفهم وأسأل الله المغفرة لى ولهم .
أما خلفهم فنسأل الله السلامة . فأدخلوا فى طريقة القوم الفلسفة المادية وأمتزجوا بملاحدة التطور الداروينيين والماركسيين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وقالوا بالحلول ووحدة الوجود
وإنكار وحي الرب المعبود .
وهذا ليس من كيسى ولكن أنظر وتحقق بنفسك من أقوالهم فى التوحيد !
تجد العجب العجاب والذى لم يدعوا به أى كتاب
إلا ما أخذوه عن متفلسفيهم وملحديهم ممن تدينوا بالحلول والإلحاد وغفلوا عن تعظيم رب العباد وإفراده جل وعلا بالوحدانية طلب وإستعانة وقصد .
أغفلوا ربوبيته سبحانه وجعلوا لهم أرباب عدة
وإلوهيته جل جلاله وألهوا أهوائهم
وذهب كل واحدٍ منهم بقطبه المألوه .
اللهم سلمنا من العمى والضلال
ننتقل إلى أمر طريف، وأمر غريب في بابه:
الذكر الصوفي
ويمكن تقسيمه إلى نوعين:
1. الذكر المنفرد.
2. والذكر الجماعي.(1/158)
فالذكر المنفرد: يقوم الذكر الصوفي بالانفراد في مكان طاهر في بيته، يذكر الله تعالى حسب العدد الذي رتبه له شيخه في الطريقة، مبتدئًا بقراءة الفاتحة لشيخه مع استحضار صورة شيخه وهيبته في قلبه، ويضعه نصب عينيه، ثم يقرأ الفاتحة لشيخ شيخه ثم ينتقل بالفاتحة ويهديها للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم يبدأ الحضرة بالاستغفار بعدد مخصوص يحدده له شيخ الطريقة حسب القواعد المقررة في هذه الطريقة الخاصة، وكل مريد يبدأ أولاً بالاسم الأول، ثم يذكر الاسم الثاني وهكذا حتى يصل إلى آخر مرحلة وصل إليها في الطريقة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة خاصة لكل طريقة تميزها عن غيرها، فمثلاً في الطريقة الخلوتية يصلي المريد على الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً : "اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله" اهـ ثم يدعو لنفسه ولإخوانه ولمشايخه بعد قراءة الفواتح بنفس الترتيب الذي بدأ به الحضرة.
أما النوع الثاني من الذكر فهو الذكر الجماعي(1/159)
حيث لكل طريقة صوفية مجموعة من الحضرات الأسبوعية، تسمى(حضرة) في الأسبوع، يجتمع فيها المريدون مع شيخهم ليقرأوا الأفكار الخاصة بالطريقة، ثم يلتف المريدون حول الشيخ، فيحدثهم قليلاً عن الطريقة الخاصة بهم ، وعن كرامات شيخ الطريقة، وقد يختلف أسلوب الذكر من حضرة إلى أخرى داخل نفس الطريقة الصوفية الواحدة، وحسب الخليفة الذي يفتتح الحضرة، كما أن هناك أسلوبًا معينًا يصاحب الذكر يختلف باختلاف الطريقة، فذكر (لا إله إلا الله) يصاحبه حركة رأس المريد من أقصى اليمين ثم يتوجه الرأس إلى جهة القلب، وكأن المريد كما يقولون يصبّ أنوار الاسم في قلبه صبًا كما يزعمون، بينما ذكر لفظ الجلالة يكون مكرّرًا في الحضرة، كأن يقولون: الله ، الله ، الله ، الله يصاحبه حركة الرأس من أعلى وإلى الخلف، ثم يحرك الرأس كأنه يضرب الجسم إلى أسفل، إضافة إلى أن المريد في الطريقة يتلقى عن شيخه نطق كل اسم من أسماء الله تعالى بطريقة مخصوصة وبدرجات للصوت محددة في كل مرحلة من مراحل الحضرة، يعني: إذا تلفظ بلفظ الجلالة (الله) في كل طريقة يختلف درجة الصوت وحدة الصوت في كل طريقة وكذلك يختلف معدل الذكر من بدء الذكر بالاسم إلى نهاية الذكر. طبعًا كل هذا لم يأتي في كتاب الله ولم يثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن نحاول أن نستعرض بعض الأذكار الغريبة والشاذة لبعض الطرق الصوفية المشهورة بين المسلمين وأنا أرجو من الأخوة المستمعين ألا يضحكوا فإن هذا دين عند كثير من الناس يتقربون به إلى الله عزّ وجلّ، وأنا أكلم أو أحدث أخي القارئ أن يحمد الله على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يقرأ هذا الهراء الذي سوف أسوقه الآن لكم .
وأول هذه الطرق الطريقة الجيلانية(1/160)
حيث أنهم يستخدمون اللغة السريانية في بعض أذكارهم فمن الأسماء السريانية التي ابتكرها أتباع الجيلاني وأطلقوها على معبودهم ما جاء في (ورد الجلالة) المنسوب زورًا وبهتانًا للشيخ عبد القادر الجيلاني رحمة الله عليه ما نصّه: يقولون:"وأسألك الوصول بالسرّ الذي تدهش منه العقول، فهو من قربه ذاهل آيتْنُوخ يمْلُوخ باي وموناي ومنْ، مهباش الذي له ملك السموات والأرض" ثم يستطرد قائلاً "طه فلوش انقطع الرجاء إلا منك، وسدت الطرق إلا إليك، وخابت الآمال إلا فيك" اهـ
ثم يقرأ المريد الصوفي في هذه الطريقة باقي الأوراد والأذكار التي يخلط فيها بين ألفاظ اللغة السريانية وبين آيات القرآن الكريم، ومنها دعاؤهم الذي يقرأه المريد ويخلط فيه بين بعض الأسماء السريانية وبعض آيات من سورة الواقعة، فيقولون: "يا باسط يا غني فمهبوب في لطف خفي بصعصع بسهسهوب ذي العز الشامخ الذي له العظمة و الكبرياء بطهطهوب ذي القدرة والبرهان والعظمة والسلطااااان" اهـ ثم يستطرد بعد ذلك قائلاً "بحق سورة الواقعة وبحق فقج مخمت مفتاحٌ جبارٌ فردٌ معطي خير الرازقيييييين" اهـ
طبعًا أنا آتي بنفس أصواتهم ونفس حركاتهم
وهذا أقول موجود بين عربٍ أقحاح يدّعون الإسلام ويدّعون أنهم يعبدون الله عزّ وجلّ ، فنقول الحمد لله على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ننتقل الآن إلى الطريقة الدسوقية وإلى أذكارهم
حيث يقول الدسوقي في ورده الكبير المسمّى (الحزب الكبير) ما نصّه: "اللهم آمنّي من كل خوفٍ وهمٍ وغم وكرب، كدد كدد كردد كردد كردد كردد كردة دة دة دة دة دة دة الله ربّ العزة" اهـ(1/161)
أما الطريقة البرهانية فيقولون في وردهم (الحزب الصغير) ما نصه : "احمي حميئًا اطمي طميئًا وكان الله قويًا عزيزًا" وفي نفس الحزب يقول المريد:" بها بها بها بهية بهية بهية بهية بهيات بهيات بهيات القديم الأزلي يخضع لي كل من يراني لمقٌ فنجل يا أرض خذيهم قل كونوا حجارة أو حديدًا وقفوهم إنهم مسؤولون ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، طهورٌ بدعقٌ محببةٌ صورةٌ محببةٌ سقفاطيس أحاون آدم حم هآآآآآآ آمين" اهـ
أما الطريقة الشاذلية فيقولون في أورادهم كما في كتاب (دليل الخيرات) ما يلي:
يا الله يوه واه هو ياهو يا من هو أنت، أنت هو يوه، هو ياهو ، هو يا جليل يا هو يا من لا إله إلا هو أنت هو" اهـ
أما الطريقة الفاسية
فيمزج أصحاب هذه الطريقة الفاسية الآيات القرآنية بعقيدة وحدة الوجود، إضافة إلى أنهم يضيفون الألفاظ السريانية، فيقولون في وردهم: "اللهم صلّ على كلمتك العليا من حيث الاختراع والابتداع وعروتك الوثقى من حيث تتابع الاتباع وحبلك المعتصم عند الضيق والاتساع، وصراطك المستقيم للهداية والاتباع ألم~ حم~ آآآآدم حم قاف طا سين ميم محمد رسول الله والذين آمنوا آحاون ودوو طه ياسين قاف نون والقلم وما يسطرون اللهم صلّ على المتخلق بصفاتك المستغرق في مشاهدة ذاتك الحق المتخلق بالحق حقيقة الحق أحق هو قل إي وربي إنه لحق"اهـ
وللطريقة القادرية أوراد وأحزاب كما هو شأن كل الطرق الصوفية، ومن الأذكار الخاصة بالطريقة القادرية حزب اسمه غريب، هذا الحزب يسمى حزب (المُح) ويقولون فيه: "محن محن محن وحا بح حم لا ينصروووون" اهـ
طبعًا هذه الكلمات التي لا نعرف معناها"محن محن محن وحا بح حم لا ينصروووون" يعتقدون في أن من قرأه صباحًا ومساءً ثلاث مرات لا يضره شيء بإذن الله تعالى – عياذًا بالله من هذا الضلال –(1/162)
أما الطريقة الشاذلية فتميزت بكثرة الأحزاب والأوراد، وأنها من وضع شيخ الطريقة نفسه حيث وضع الشيخ أبو الحسن الشاذلي أحزابًا كثيرة منها حزب البحر وحزب البرّ وحزب النصر وحزب اللطف وحزب الخفاء وحزب الفتح وغير ذلك، وأتباع الطريقة الشاذلية يعرفون هذه الأحزاب جيدًا ، وحزبه المعروف بحزب البحر ويسمى أيضًا (الحزب الصغير) يعدّ من أشهر الأحزاب الصوفية كتبه كما يقولون وهو في البحر في السنة التي استولى فيها المغول على مدينة بغداد، وحُكي عن شيخهم أنه قال: "لو تُلي حزب البحر على بغداد لما سقطت" فلا أدرى لما ترك المغول يعيثون فى الأرض فساداً ولم ينقذ البشرية بحزب بحره هذا ؟
ولماذا فر هاربا وهو مؤلف هذا الحزب الولى التقى يفر من الزحف ؟!!
لماذا ترك بغداد تسقط فى يد المغول وهو يملك هذه الأحزاب التى لها السيطرة على البحر كالبارجات وعلى الجو كالفانتوم والميراج وعلى الجو كأشد الأسلحة البيولوجية فتكاً وإهلاكاً .
فلماذا تخلى عن نصرة الإسلام بحزب بحره هذا ؟
نعوذ بالله من الجهل والخبل
ومما يقوله في حزب البحر- لا حظ أن أوله أسماء من أسماء الله ثم يختم بأشياء غريبة- : "يا الله يا علي يا عظيم يا حليم يا عليم، أنت ربي وعليك حسبي فنعم الرب ربي ونعم الحسب حسبي " إلى قوله "نسألك العصمة في الحركات والسكنات والكلمات والإرادات والخطرات من الشكوك والظنون والأوهام الساترة للقلوب عن مطالعة الغيوب، فقد اُبتلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديدًا ليقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا ، وسخّر لنا هذا البحر كما سخرت البحر لموسى عليه السلام وسخر لنا كل بحر هو لك في الأرض والسماء والملك والملكوت وبحر الدنيا وبحر الآخرة وسخر لنا كل شيء يا من بيده كل شيء كهيعص كهيعص(1/163)
انصرنا فإنك خير الناصرين ، ولو نشاء لطمسنا على أعينهم وعنت الوجوه للحي القيوم طس حم عسق مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان حم حم حم حم حم حم حم حم حم حميييييييييييم الأمر وجاء النصر فعلينا لا يُنصرون حم تنزيل الكتاب بسم الله بابنا تبارك حيطاننا طهيعص كفايتنا" اهـ
هذا الحزب الذي يقول فيه شيخهم: "لو تُلي حزب البحر على بغداد لما سقطت" عياذًا بالله تعالى من هذا الضلال
الفصل التاسع :-
تنفيرهم من الزواج وعمالتهم للغرب ومداهنتهم للمحتل
نختتم بحثنا هذا عن الصوفية والزواج:(1/164)
فكثير من أهل التصوف يزهدون فيما أحلّ الله من الزواج وتكثير الأبناء وهذا خلاف ما عليه السنة المطهرة، فينقل الطوسي والعطار عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: "إذا تزوج الفقير –أي الصوفي- فمثله مثل رجل قد ركب السفينة فإذا وُلد له ولد فقد غرق" اهـ كما نقل السهروردي عنه أنه قال: "من تعوّد أفخاذ النساء لا يُفلح" ونقل أبو طالب المكي وهو من أعلام الصوفية البارزين عن قطب من أقطاب الصوفية أنه قال: "من تزوج فقد ركن إلى الدنيا" وكذلك نقل السهروردي في كتابه عوارف المعارف الذي هو أشهر كتاب في التصوف عن أبي سليمان الداراني أنه قال: "ما رأيت أحدًا من أصحابنا – أي من طريقتنا – تزوج فثبت على مرتبته" أي على مرتبة الولاية عياذًا بالله تعالى، ونقل المكي عن سيد الطائفة وهو الجنيد البغدادي أنه قال: "أحب للمريد أي الصوفي المبتدي أن لا يشغل قلبه بالتزوج" كما نقل عن بعض أقطاب المتصوفة أنه قال: "إياكم والاستمتاع بالنساء والميل إليهن فإن النساء مبعدات عن الحكمة قريبات من الشيطان وهي مصائده وحظه من بني آدم، فمن عطف إليهن بكليته فقد عطف على حظّ الشيطان ومن حاد عنهن يئس منه وما مال الشيطان إلى أحد كميله إلى من استرقّ للنساء وإن الشرّ معهن حيث كنّ فإذا رأيتم في وقتكم من قد ركن إليهن فايأسوا منه" اهـ ونقل سواد الدين أبو حفص عمر بن علي المصري عن أحد كبار الصوفية أنه قال: "ما تزوج أحدٌ من أصحابنا إلا تغير" ونقل الشعراني عن رباح بن عمرو القيسي أنه قال:"لا يبلغ الرجل منازل الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة وأولاده كأنهم أيتام ويأوي إلى منازل الكلاب" اهـ عياذًا بالله(1/165)
إخواني في الله كل هذا خلاف ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم أمته حيث قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم: ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((حبب إليَّ من الدنيا الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة))، وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وفي بضع أحدكم صدقة))، قالوا: يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون فيها له أجر، قال عليه الصلاة والسلام: ((أفرأيتم لو وضعه في الحرام هل عليه وزر ؟ قالوا: نعم، فقال: ((كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) فهذا حكم الزواج إخواني في الله كما جاءت به تعاليم الشريعة الإسلامية المستقاة من أصلين أساسيين لشرع الله وهما كتاب الله عز وجل وسنة المعصوم صلى الله عليه وسلم وتلك هي أقوال الصوفية التي لم يأخذوها من هذا المورد العذب والمنهل الصافي بل أخذوها من الكهنة والبوذية ورهبان النصارى الذين ابتعدوا عن منهاج النبوة ونور الرسالات السماوية.
تركهم الجهاد وتعاونهم مع المحتل
أما إن أردنا أن نتكلم عن الصوفية الجهاد في سبيل الله أقول إخواني في الله قد تربى المسلمون الأوائل تربية جهادية فريدة فهم مستعدون دائما لمفاولة الكفر والباطل والدفاع عن الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم بذلك ينفذون سنن الله تعالى فالشر لابد من دفعه بالخير والكفر لابد أن يدفع بالإيمان والتوحيد وإلا فسدت الأرض، وكان علماء السلف يرابطون في الثغور للحصول على فضيلة الجهاد مثل الإمام المجاهد عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه وقصة ما كتبه ابن المبارك في الفضيل بن العياض يعاتبه فيها على تفرغه للعبادة في مكة وعدم مشاركته في حماية الثغور والحدود الإسلامية – هي قصة مشهورة- فما هو موقف الصوفية من هذا الموضوع المهم إخواني في الله ؟(1/166)
حتى يتبين لنا هذا لابد من الوقوف على بعض أقوالهم وأفعالهم ومنها أن أبا حامد الغزالي ألف كتابه (إحياء علوم الدين) في فترة سيطر فيها الصليبيون على بلاد الشام وتذكر المؤلف كل شيء عن أعمال القلوب ولم يتذكر أن يكتب فصلا عن الجهاد في سبيل الله في الوقت الذي كانت الأمة أحوج ما تكون إلى هذه الفريضة العظيمة ألا وهي الجهاد في سبيل الله ومقارعة من كفر بالله وتعدى على محارم المسلمين كذلك فإن كثيرًا من الصوفية يستشهدون دائمًا بحديث ليس له أصل ويظنون أنه من كلام سيد البشر صلى الله عليه وسلم على عادة الصوفية في ذكرهم واعتمادهم على الأحاديث الضعيفة وهو قولهم: ((رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)) (1) ، ويعنون بالجهاد الأصغر القتال في سبيل الله، والجهاد الأكبر جهاد النفس، وهذا الكلام ليس من هدي النبوة ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ من هذا كما أن فيه مغالطة واضحة وأيُّ جهاد أعظم من تقديم المسلم نفسه في سبيل الله، وقولهم هذا ما هو إلا محاولة الهروب من تَبِعة القتال في سبيل الله بل هو صرف للمسلمين عن هذا العمل العظيم.
أما في العصر الحديث فعندما استولت بريطانيا وفرنسا على أكثر بلاد المسلمين كانت بعض الطرق والفرق الصوفية غارقة في أذكارها وكأن شيئًا لم يكن بل كان يقام للمعتمد البريطاني المستعمر لدى:
? سوريا: حفلة ذكر على الطريقة المولوية يدعوه إليها الشيخ هاشم العيطه شيخ الطريقتي السعدية والبدرية حيث تنشد الأناشيد ابتهاجا بهذا المستعمر البريطاني المستعمر.
? أما في الجزائر: فقد كانت فرنسا تشجع الطرق الصوفية وتسمح لهم بإقامة أذكارهم والخروج في أعيادهم بالطبول والرايات ولذلك أول عمل قام به باعث النهضة الإسلامية في الجزائر في هذا العصر الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمة الله عليه هو محاربة الطرق الصوفية أثناء تفسيره للقرآن الكريم في الجامع الكبير.(1/167)
? أما في الهند: وبعد الثورة المشهورة التي قام بها المسلمون ضد الانجليز في عام 1857م كتب أحمد رضا مؤسس الطريقة البرلوية رسالة مستقلة باسم "إعلان الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام" ووصفه لبلاد الهند أنها دار الإسلام فهو خدمة لبريطانيا المستعمرة حتى لا يقام الجهاد ضد الكفرة حتى قال بعد ذلك بصراحة: "بأنه لا جهاد علينا مسلمي الهند بنصوص القرآن العظيم ومن يقول بوجوبه فإنه مخالف للمسلمين ويريد إضرارهم" انتهى كلامه.
ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الصوفية: "وأما الجهاد فغالب عليهم – أي الصوفية – أنهم أبعد من غيرهم حتى نجد من عوام المؤمنين من الحب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحب والتعظيم لأمر الله والغضب والغيرة لمحارم الله ما لا يوجد فيهم – أي الصوفية- حتى أن كثير منهم يعدون ذلك –أي الجهاد- نقص في طريق الله وعيب" انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وبعد هذا الاستعراض أخواني في الله لبعض أقوالهم وأفعالهم نستطيع أن نقرر أن التربية الصوفية بطبيعتها بعيدة عن فكرة الجهاد والقتال لأنها تعتبر الرياضات الروحية هي الأصل والأساس وهذه الرياضات لا تنتهي إلا إذا وصل أحدهم إلى مرحلة الفناء وإذا فنى الصوفي في الله كما يقولون فكيف يجاهد؟ أو كيف يرفع سيفا في وجه أعداء الله ورسوله طبعا أنا أتكلم عن الصفة الغالبة عليهم وإلا فقد يوجد منهم من له مشاركة في دفع الظالمين ومحاربة أعداء الله تعالى ولكنهم القلة القليلة والله أعلم.
وختاما أيها الأحباب الكرام والإخوة الأماجد العظام
نتوجه إلى الله العلى القدير ونرفع له أكف الضراعة راجينه تعالى أن يهدينا ويهدى بنا وأن يجعلنا سبباً للهدى بحوله ومنه وكرمه
ونسأله جل شأنه الهداية لهم وأن يشرح للحق صدورهم وأن يستعملنا وإياهم كما إستعمل الأجيال الأولى التى كانت نعم القدوة لهذه الأمة(1/168)
فلو أردنا إتباع طريق لكان أولى بنا أن نتبع طرق من سكنوا الجنان وحازوا رضا الملك الديان , فكان أولى أن تكون الطريقة بكرية وعمرية وعثمانية وعلوية وهريرية وطلحاوية وسعداوية وزبيرية ولكن لا طريقة مرتضاه وجعلها سبيل للنجاة إلا ما كان عليه سيد البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
فاللهم وفقنا لحسن إتباع الحبيب محمد وآله الأطهار وصحبه الأبرار
برحمتك يا عزيز يا غفار
استغفر الله العظيم من كل ذنب أذنبته ... استغفر الله العظيم من كل فرض تركته
استغفر الله العظيم من كل إنسان ظلمته ...استغفر الله العظيم من كل صالح جفوته
استغفر الله العظيم من كل ظالم صاحبته ...استغفر الله العظيم من كل بر أجلته
استغفر الله العظيم من كل ناصح أهنته ... استغفر الله العظيم من كل محمود سئمته
استغفر الله العظيم من كل زور نطقت به ...استغفر الله العظيم من كل حق أضعته
استغفر الله العظيم من كل باطل اتبعته ...استغفر الله العظيم من كل وقت أهدرته
استغفر الله العظيم من كل ضمير قتلته ... استغفر الله العظيم من كل سر أفشيته
استغفر الله العظيم من كل أمين خدعته ... استغفر الله العظيم من كل وعد أخلفته
استغفر الله العظيم من كل عهد خنته ...استغفر الله العظيم من كل امرئ خذلته
استغفر الله العظيم من كل صواب كتمته...استغفر الله العظيم من كل خطأ تفوهت به
استغفر الله العظيم من كل عرض هتكته ... استغفر الله العظيم من كل ستر فضحته
استغفر الله العظيم من كل لغو سمعته ... استغفر الله العظيم من كل حرام نظرت إليه
استغفر الله العظيم من كل كلام لهوت به ... استغفر الله العظيم من كل إثم فعلته
استغفر الله العظيم من كل نصح خالفته .... استغفر الله العظيم من كل علم نسيته
استغفر الله العظيم من كل شك أطعته ... استغفر الله العظيم من كل ظن لازمته
استغفر الله العظيم من كل ضلال عرفته ... استغفر الله العظيم من كل دين أهملته(1/169)
استغفر الله العظيم من كل ذنب تبت لك به ... استغفر الله العظيم من كل ما وعدتك به ثم عدت فيه من نفسي ولم أوفى به
استغفر الله العظيم من كل عمل أردت به وجهك فخالطني به غيرك
استغفر الله العظيم من كل نعمة أنعمت على بها فاستعنت بها على معصيتك
استغفر الله العظيم من كل ذنب أذنبته في ضياء النهار أو سواد الليل
في ملأ أو خلا أو سراً أو علانية
استغفر الله العظيم من كل مال اكتسبته بغير حق
استغفر الله العظيم من كل علم سُئلت عنه فكتمته
العظيم من كل قول لم أعمل به و خالفته أستغفر الله
استغفر الله العظيم من كل فرض خالفته ومن
كل بدعه اتبعتها
اللهم أني سامحت كل من أخطأ في حقي فأغفر لي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً
كثيرا
جزى الله من كتبه وقرأه.. ومن ساهم في نشره
لا تضيع الفرصة مادمت في الدنيا
،فغيرك
تحت الأرض يتمنى لو يرجع ليقرأ حرفاً من القرآن ويكسب حسنة يرجح بها ميزان
حسناته(1/170)