المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر
الموسم الثقافي لسنة 1375 و.ر ( 2007ف )
المحاضرة الشهرية الثالثة بعنوان : ( البيان والمنطق .. ومشكلات الفلسفة )
للأستاذ الدكتور المهدي امبيرش
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الفاتح
ورئيس مجلس الإدارة والمدير العام لأكاديمية الفكر الجماهيري
الاثنين 12من شهر النوار 1375و.ر ( 2007ف )
المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر
الموسم الثقافي لسنة 1375 و.ر ( 2007ف )
المحاضرة الشهرية الثالثة بعنوان :
( البيان والمنطق .. ومشكلات الفلسفة )
للأستاذ الدكتور المهدي امبيرش
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الفاتح
ورئيس مجلس الإدارة والمدير العام لأكاديمية الفكر الجماهيري
الاثنين 12من شهر النوار 1375و.ر ( 2007ف )
مدير المحاضرة :
الأستاذ فرج بن لامه :
بسم الله الرحمن الرحيم(1/1)
السادة السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي ، والحضور الكريم أمسية طيبة. تجمعنا هذا المساء في هذه المؤسسة العلمية التي أصبحت أحد أهم معالم المشهد الثقافي في الجماهيرية وهو المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر . هذه الأمسية تزداد روعة وتألقا بحضور الأستاذ الدكتور المهدي مفتاح امبيرش رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لأكاديمية الفكر الجماهيري وهو أستاذ معروف في الوسط الأكاديمي الليبي وفي الوسط الثقافي أيضا ، وله العديد من المساهمات العلمية الجادة ليس في مجال التفسير والفلسفة بل في مجال علم الأديان والعلوم الأخرى . ولا شك أنكم تتابعون هذه الإسهامات ا لتي هي في الحقيقة تثري المكتبة الجماهيرية بمزيد من الإضافات الهامة التي تستوقف أي باحث جاد في هذه الأمسية . لا أريد أن أطيل في تقديم الدكتور المهدي مفتاح امبيرش فهو معروف لديكم وأعتقد أنكم قد التقيتم به في أكثر من مناسبة وفي أكثر من فعالية ثقافية وفكرية . ولا شك أن هذه المحاضرة سوف يكون لها تميز ، وستكون ذات أهمية بالغة في فعاليات هذا الموسم الثقافي . ونحن في شوق إلى تلمس معالم لرؤية عربية في البيان والمنطق ومشكلات الفلسفة يطرحها علينا الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش في هذه المحاضرة . وأنا متأكد أن الفائدة سوف تكون جيدة والحصيلة سوف تكون مثمرة . فليتفضل المحاضر الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش مشكورا .
المحاضر الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش :(1/2)
شكرا للأستاذ فرج بن لامه . لعل هذا الوقت مساًء ، وبهذا الحضور المتميز والمتخصص ، يسمح لنا أن نتكلم بهدوء في موضوع أعتبره في غاية الأهمية والدقة ، هذا الموضوع يتعلق بقضايا الفكر واللسان واللغة ، أي بقضايا تتعلق ببعض اهتمامات الفلسفة ، وهي قضايا المنطق ، والعلاقة بين المنطق والبيان ، حيث البيان هو الكل الذي المنطق بعضه . وعندما نستخدم مصطلح القضية ، فإننا نقصد به مفهوم القضية من الناحية الحقوقية ، أي موضوع الأحكام : الصواب والخطأ ، وهنا تلتقي القضية في مفهومها الحقوقي بالقضية في مفهومها المنطقي الذي هو بعض مجال الفلسفة ، حيث الفلسفة معنية بالمفاهيم ، وليس بالضرورة ترتبط هذه المفاهيم كلها بالأحكام ، ومثلما يقول المتخصصون في الدراسات اللسانية ، فهناك جمل إنشائية ، وأخرى خبرية ، والإنشاء في العربية ، إذا فصلنا الكلمة فإننا سنجد مشروع جملة ترتبط بالمشيئة : ( إن شاء ) ، فالمشيئة إرادة مرتبطة بفعل ، سواء تم إنجازه ، أو أنه في سبيل الإنجاز. فالجمل الإنشائية غير خاضعة لأحكام . فالأمر ، والنهي ، والتمني ، والتعجب ، وما في هذا السياق غير خاضع للمنطق والأحكام ، في حين أن الجملة الخبرية .(1/3)
تتعلق بالأحكام ، وتخضع لمنطق الصواب والخطأ من خلال معيارية أو مرجعية ، ومن ثم قد تختلف الأحكام باختلاف المرجعيات ، وإن كان الحكم نفسه هو موضوع مفهومي ، فلا يمكن أن تصدر الأحكام دون فهم للقضية موضوع الحكم ، ومعنى ذلك فإن الفهم ، أو البحث عن المفاهيم هو موضوع معرفي بالدرجة الأولى ، ولهذا فإن الإنسان باحث عن المعرفة ، محاول اكتشاف المجهول ، ومصطلح الكشف والاكتشاف ، الذي يفهم منه أن شيئًا ، أو موجودًا ، هو مستتر ومخفي ، نجده في كل مناهج البحث عن المجهول ، سواء التجريبية ، أو العقلانية ، أو الصوفية ، بل إن الشرائع الإلهية معنية بموضوع البحث عن المجهول ، حتى إنها تضع الإنسان في الغيبي، سواء الذي تحقق ، أو الذي يتحقق ، والإنسان بحكم إحساسه بأنه موضوع في هذا المجهول ، يشعر بالخوف والقلق ، وربما تكمن أزمة الإنسان منذ آدم ، وبحثه عن الخلود والملك الذي لا يبلى ، في إحساس الإنسان بالمحدودية ، بمحدوديته باعتباره إنسانًا، وبمحدودية ما عنده من معرفة ، قياسًا بالعلم ، أو بهذا المطلق ، إذا اعتبرنا المعرفة تتعلق بالمحدود الظرفي المتعين ، والقابل للتعقل ، أي للتجريد ، و للتسكين ، وأن الاكتشافات المعرفية هي التي تقنعه بأن هناك الكثير الذي لم يتم اكتشافه ، وقد يلجأ الإنسان إلى توهم إدراكه للمطلق ، فيدخل في الشطح ، سواء الشطح الصوفي ، أو الشطح التجريدي العقلاني ، وما يطرح اليوم من مقولات النهايات ، والموت ، والتشريح، والحفر ، أي ما تطرحه المدارس الكلامية الجديدة ، ليس سوى امتداد لهذه الأزمة القديمة ، وما أظنها بمنتهية إلا بنهاية الإنسان .(1/4)
فهذا الشطح الذي يوصل إلى السكون والموت الحكمي ، أو هذه التعليقات ، أقصد تعليقات الحكم ، وهنا أذكر بمصطلح ( الابوخيا ) ، و اللاأدرية ، والأرجاء ، والتنصيص ، كلها ، وما في حكمها يكشف عن شك في المعرفة ، يقع ضمن محاولة الهروب من مواجهة صيرورة الحياة وسيرورتها ، باعتبارها حياةً موسومة بالحيوية ، وأن التاريخ الإنساني هو فعل واع وإرادي ، فعل كينونة ، بدلالة كان العربية ، هذه الكينونة تبقى ناقصة حتى الاكتمال ، وكما نعلم فإن ( كان ) ، التي يعتبرها القواعديون الأخت الكبرى لأخوات اصغر ، دون أن يبرهن القواعديون على نسب كان وأخواتها ، كان هذه نفهمها بالنحو العربي ، الذي هو منهج التفكير ، أو الذي هو البيان ، غير القواعد التي هي المنطق ، كان هي مشروع الكينونة ، التي تتمظهر من خلال الامتداد ، في الزمان والمكان ، منذ الصباح ، وحتى الضحى ، فإذا بلغت الكينونة الظهر ، كان الظهور الكامل للحقيقة ، والتعبير عنه ، بتعامد الشمس على الإنسان ، واختفاء الظل ، والظل هو ذاته ( الضلال ) ، والعلاقة بين الضلال والظلال في العربية علاقة محكمة ، فكلاهما يعبر عن العتمة ، حيث يأخذ الظلال مفهومًا حسيًا ، ويأخذ الضلال مفهومًا غير حسي ، حيث يرتبط بالمعرفة والفهم ، ومن ثم يرتبط النور بالمعرفة والوعي ، والنهار حتى الظهر بذلك ، حتى إذا مالت الشمس نحو الغروب قاوم الفكر العربي الدخول في زمن المبيت ، حيث بات هي مات ، أي أن الإنسان سيدخل حالة السديم ، أو حالة الرتق ، حسب الاستخدام القرآني ، التي لا يخرج منها الإنسان إلا بالمرور عبر الفتق حتى الفلق ، ثم الفجر الذي هو بداية الانفجار، ليبدأ مشروع الكينونة ، أي مشروع التاريخ الإنساني ، الذي هو أبعد من الموجود الشيئي، مع الصباح ، وتبقى ( صار ) ، في مشروع الكينونة في البيان العربي ، حالة التغير والتحول ، وبذلك يقدم منهج التفكير العربي مشروعًا مفهوميًا ، أو قل فلسفيًا ،(1/5)
بالإمكان لو عولج معالجة بيانية لسانية ، أن نصحح الكثير من الأخطاء ، التي هي نتاج مناهج تفكير أعجمية تركيبية ، هذه المناهج وضعت المشروع المفهومي الإنساني كله داخل شرنقة المنطق ، أو قيد اللوغوس ، أو اللغة ، وبالمصطلح الارسطي ، داخل سجن ( الارغانون ) ، أي تحول المشروع المفهومي إلى مشروع منطقي ، لمواجهة الصيرورة والتحول والتكثر ، ومن ثم نجد اليوم صيحات ( نهاية الأيديولوجيا ) ، و(نهاية الإنسان) و( نهاية التاريخ ) ، بل ، كما أشرت ، تربط النهايات بالموت ، من موت الإله ، كما يقول (نيتشه) ، إلى آخر صيحات الموت ، وبالضرورة ، فإن إدخال الفكر سجن اللوغوس ، ( الايديولوجيا ) ، و الإنسان ، والتاريخ ، الذي هو ضمن حركة الوعي التي هي مظهر الفعل الإرادي ، هو حكم بالموت ، بل يكشف عن هذه الأزمة القديمة المتجددة ، وعن خوف الإنسان من المجهول ، وعجزه عن التقدم ، الذي يدفعه إما إلى الهروب إلى الخلف ( السلفية ) ، أو التسمر في مكانه ( الواقعية) ، أو القفز في لجة العدمية والفناء ، في اتجاه رأسي استعلائي ، أو وهم تقدم ، أي القفز في اليوتوبيا ، حيث اليوتوبيا هي في ( لا مكان ولا زمان ) ، أو بالأحرى ، لا إنسان.(1/6)
إن هذه المحاضرة ، إذا اعتبرنا أن المحاضرة هي مشروع للحضور ، أي للوعي والفهم ، تضعنا ضمن التساؤل ، باعتبار التساؤل مشروعا للمشاركة المفهومية ، فالسؤال في العربية ، هو مشروع ولادة ، هو عملية سلب ، أو انفتاح ، ورمزها الرياضي ، هو الخط الأفقي (ـ) ، ورمزها النحوي هو النصب ، وهو مشروع انفتاح ، أو فتحة ، ذات الرمز ، أي الخط الأفقي كذلك (ـ) ، هذا السلب ليس نقيضًا لما يطلق عليه الإيجاب ، وفي نظرنا ، بتطبيق البيان العربي ، لا توجد إشارة ( + ) ، هي مقابل إشارة (- ) ، فما يطلق عليه إشارة الزائد (+) ، ليس سوى التقاء خط أفقي بأخر عمودي ، فالزائد هو عملية الالتقاء بين خطين أحدهما أفقي ، والآخر عمودي ، ونقطة الالتقاء هي نقطة الولادة ، لمشروع الفهم ، أي الإجابة التي هي استجابة لهذه القابلية للاجتماع ، أو التلاقح أو الولادة بالنتيجة ، ولكن هذه الولادة ما تلبث ضمن مشروع الاستخلاف ، أن تمثل قابلية أخرى لمشروع ولادة جديدة ، وبهذا يستمر مشروع الحياة .(1/7)
من هنا ندرك أن منهج التفكير العربي بخلاف الأعجمي لا يقوم على الأضداد ، ولا يقبل بالتفكيك ، في مشروع الحي ، فالولادات المستمرة تحقق هذا الامتداد ، الذي ينهي من خلال الاستخلاف أزمة آدم في بحثه عن الخلد . إن الموت ليس نقيض الحياة ، بل هو سلبها ، والأنثى ليست نقيض الذكر بل هي سلبه ، والسالب هو امتلاء وإيجاب في السلب ، ولكنه سلب في الإيجاب ، مثلما الإيجاب هو امتلاء في الإيجاب ، ولكنه نقص وسلب في السلب ، ولولا ذلك لانتفت الولادة ، وانطفأت الحياة ، كما ينطفئ نور المصباح . فالحياة والولادة هي مشروع صيرورة وتفاعل ، أي مشروع مشاركة ، تمامًا مثل التفاعل بين العناصر الكيميائية ، فلا يمكن لقلوي أن يتفاعل مع قلوي ، أو حامض أن يتفاعل مع حامض ، والتفاعل هو تنازل عن بعض خصائص العنصر لمصلحة التفاعل ، تمامًا مثل التفاعل الاجتماعي ، حيث يتنازل الإنسان ( الأنا ) على بعض من خصائصه الأنوية ، لمصلحة العلاقة مع الأنا المقابل ، ومن هذا التنازل تتحول الأنا إلى ذات ، فتكون مع الذات الأخرى موضوعًا ، والتكون في العربية هو عمل إرادي ، يقابله في الماديات التشكل ، أي القابلية للوضع ضمن أشكال .(1/8)
إن منهج التفكير العربي هو منهج إنساني . وهنا أقول بالمنهج وليس بالعروبة جنسًا، أو جيلاً من الناس ، فالله قد خلق الإنسان إنسانًا بيانيًا ، أي معربًا ، حيث الإعراب هو الوضوح ، وعلم الإنسان القرآن ، أي علمه القراءة . والبيان والقراءة مشروعان للإنسان بمقتضى الرحمة الإلهية : " " الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ " ، وكما يتضح من هذه الآية أن العلم مرتبط بالقرآن باعتباره مشروعًا إنسانيًا للقراءة ، وللقراءة البيانية ، في حين أن الحسبان ، هو تعلم الحسابات ، أي تعلم القدر والمقادير ، ومن ثم تضعنا هذه الآية ضمن مشروع الفهم والمفاهيم ، التي هي بعض المعنى . فالمفهوم هو بعض المعنى ولكنه ليس المعنى ، فالعلاقة علاقة بعضية ، لا جزئية ، والبعضية في البيان العربي تشير إلى العلاقة العضوية . فجسم الإنسان هو نمو لأعضاء ، أي لتكاثر في الخلية الملقحة ، وليس تركيبًا يقتضي تفكيكًا ، كما هو في منهج التفكير الأعجمي ، والإنسانية هي كهذه الخلية ، عملية تكاثر واستخلاف ، ومن ثم فإن التاريخ هو كذلك ، والبيان العربي يفرق بين ألف الامتداد ، أو المد ، مثل التي في كلمة ( تاريخ ) ، وبين ألف القطع ، كما في كلمة ( تأريخ ) ، حيث همزة القطع تعني القطيعة ، وهنا يتم اقتطاع بعض من معطيات الفعل التاريخي الإنساني ، وهو امتداد الفعل الزمني أو المكاني ، ووضعه بين قوسين ، وربما هو هذا الذي يعكس نتاج الفكر المتقطع ، الذي يسمح بالقطيعة مع التاريخ ، وبوضع الإنسان بين قوسين ، أو وضع بعض من العبارة بين قوسين ، وهنا نعيد القول إلى العلاقة بين الحياة بمفهومها العام وبين الكلام ، والعبارة في مفهومها العربي .(1/9)
فالعبارة هي مشروع للعبور، ولا يتم العبور دون قابلية للتفاعل بين طرفي الخطاب ، بل إن الخطاب نفسه ، في المفهوم العربي ، عملية مشاركة ، أي ليس حديثًا منغلقًا عن الأنا ، وبالمصطلح الأجنبي حالة ( سولولوغ ) ، وليس عملية إملاء ، أي طرف يتحدث وآخر ينصت ( مونولوغ ) ، بل ليس عملية طرفين متقابلين ، أو عملية تضاد ، هي نتاج أزمة الشرك المنهجي الأعجمي الذي يسمح بالثنوية ، والتي تقتضي تركيبًا لوغوسيًا ، أو ما يطلق عليها ( دايالوغ ) ، وهذه الثنوية (Dualism) ، نجدها في أزمات الفكر القديم ، حتى المعاصر، كما نراها اليوم ضمن تقسيم العالم إلى شرق وغرب ، وشمال وجنوب ، وفقراء وأغنياء ، وغير ذلك ، أي منذ الفكر التركيبي الشرقي : الصيني ، الهندوسي ، الإيراني ، حتى الفكر الأعجمي المعاصر . إن الخطاب في العربية هو مشروع ولادة ، ترفض كما أشرت النفي والإقصاء والإعدام ، ولا تعتبر المقابل آخر ، بل عملية استقبال، ومشروع للتغير ، وكما أشرت ، فإن الوحي ، الذي هو مشروع القرآن ، أو قل مشروع القراءة ، يؤكد على هذه الولادة المستمرة ، وهذا الاستخلاف ، حيث يخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحي ، ويولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ، ولست في حاجة إلى التأكيد على المفهوم الحسي الحيوي ، في الإخراج ، والإيلاج ، والمجازات ، أي تجاوز هذا الحسي ، إلى ولادة الأفكار ، وإلى عملية الامتداد والتعامد ، والتي هي كذلك ترتبط بذات المفاهيم التي تجعلنا في جو الاتصال والتزاوج ، حتى إننا نتحدث كثيرًا عن تلاقح الأفكار ، وتزاوج الأفكار ، ونتحدث عن ( بنات الأفكار ) ، فالبنت هي الأرض مشروع الولادة والتكاثر ، والعلاقة بين البنات والنبات هي علاقة واضحة . والوحي القرآني يربط بين الولادة والبعث والأحياء وعملية الإنبات .(1/10)
حتى إن العرب يطلقون على المني ، ماء الرجل ، والقرآن يؤكد على أنه جعل من الماء كل شيء حي ، أي انتقال الشيء من حالة التشيؤ والموت ، إلى حالة الحياة ، أي إلى الحيوية، ثم يتقدم الإنسان خطوة ، من الوجود ، إلى الوجود الحي ، إلى الكينونة ، وكما أن الكينونة مشروع إنساني ، فإن هذه الكينونة لا تلغي الوجود الحي ، ولا تلغي الوجود الشيئي ، والعرب يستخدمون ( إن ) ، وتمظهراتها ، أو ما يطلق عليها القواعديون ( إن وأخواتها ) ، على الأنية ، أي التموضع في الآن ، أي في الظرف ، أو مشروع التموضع، الذي هو غير الكينونة ، حيث الكينونة هي أبعد من الأنية ، وسنكتشف أن الصوت ( نون ) في العربية يعبر عن مشروع الوجود ، فهي عبارة عن دائرة كانت مغلقة فانفتحت ( ن ) ، والانغلاق ، هو حالة السديم ، أو ما أطلقنا في الخطاب حالة انغلاق الخطاب ، أو( السلولوغ ) ، وهذه النون هي أشبه برحم المرأة ، حيث البويضة، أو الخلية في حالة استعداد وقابلية للتلاقح ، الذي هو مشروع مشاركة ومزاوجة ، والضمير ( أنا ) هو تجاوز لحالة الانغلاق ( هو ) ، أو الدائرة المغلقة ، والألف المهموز، يعبر عن مشروع الانفتاح ، وهنا تأتي هذه النون ، ثم تكون الألف التي بعدها، مشروع الامتداد ، إلى الأنا المقابلة ، فإذا تم التخاطب ، تحولت النون إلى (تاء)، كما نلاحظها في الرسم الإملائي ( ت ) ، فانفتاح واضح ، وبدلا من نقطة نجد تفاعل نقطتين ، فالتاء هي مشروع التخاطب ، أو مشروع الفهم ، أو مشروع الامتداد ، نلاحظها في الفرق بين كلمتي ( الآني ، والآتي ) ، فالآتي هو امتداد للآني ، وهذا هو دلالة ومفهوم الامتداد والاستخلاف ، وكما نلاحظ في ( أنت ) ، أنه لم يتم إلغاء الأنا بالكامل ، بل إن الأنا انفتحت على مشروع الامتداد ، أي تحولت إلى ذات ، والعملية مثل عملية التفاعل الكيميائي ، حيث العنصر لا يتنازل بالكامل عن خصائصه ، ولكن المعادلة الكيميائية مشروع جديد ، والمعادلة(1/11)
الكيميائية هي عملية قدر ومقادير ، هي علاقة وظائف . وفي العربية تمتد العلاقة أبعد من التعلق السلبي ، وفي الخطاب ، إذا أخرجنا ألف المد ، تحول الخطاب إلى خطب ، أي إلى كارثة ، كما نلاحظها في ما يسمى بالخطاب المعاصر : الحديث ، أو الحداثي ، وما بعد الحداثي ، حيث إن كليهما يقعان ضمن ما نطلق عليه مجازًا ( ثقافة ) الموت ، أو ( ثقافة ) النهايات .(1/12)
ولأننا ضمن البيان والمنطق ، وضمن مشروع الاستخلاف والامتداد والحياة ، ولأننا أشرنا إلى أزمة آدم ، ورغبته في الخلد ، ولا تتشكل أزمة مورثة إلى الكثير من خلفه ، ولأننا كذلك نقدم مقاربات ضمن المشروع البياني العربي ، فإننا نعطي توضيحًا أكثر للعلاقة بين الشجرة والامتداد ، ذلك في الربط بين الفهم والعبارة والقراءة والكتابة . وكما أوضحنا أن العبارة في العربية هي مشروع عبور والتقاء ، أي مشروع فهم وتفاهم يقتضي المشاركة ، وأن البيان هو حالة ووضوح ، مثلما العجمة هي وضع باطنية وغموض ، أو أزمة مفهومية تقود إلى ثنوية الظاهر والباطن ، وتدفع إلى ادعاء التأويل ، أي معرفة قصد الأول ، أو إلى مشروع الحفر الطبقي ، والذي يوظفه المشروع التوراتي، والمشروع السلفي بعامة ، المعادي للحياة والتقدم ، باعتبار أن المطلق قد انتهى في الماضي ، أي أنها دعوة إلى الموت ، ونهاية التاريخ ، الفرق بينها وبين الدعوة المعاصرة ، كما نقرؤها عند (فوكاياما) ، هي نقطة ومحطة النهاية ، ففي حين يضع فوكاياما في هذه الآن الواقعية الليبرالية في نموذجها الأميركي ، على الرغم من أن صيرورة الزمن لا تسعفه في فرض فيتو على الحركة والتقدم ، فإن الموقف التراجعي المعادي للتقدم والحياة ، يضع المطلق في (الماضي) أي المتحقق من التاريخ ، ويتحول بحكم الوثنية المادية إلى إنسانً متجسد بعينه ، في السلفية ، أو إنسان نموذج متعين ، كما هو عند فوكاياما ، باعتباره الإنسان الكامل ، حيث تقتضي السلفية التقليد ، ويفرض نموذج فوكاياما التناسخ ، بما يذكرنا بالتناسخ القديم ، وبالحلول ، الذي هو الآخر شطح صوفي ، سببه العجز عن التقدم ، والبحث عن نموذج تصبغ عليه كل صفات الكمال ، مقابل صفات النقص في هذه الأنا المتأزمة ، والعاجزة .(1/13)
إن قصة الخلق ، أي خلق آدم من تراب ، وتعليم آدم الأسماء كلها ، ثم أزمة الاقتراب من الشجرة ، تحكي قصة الإنسانية بمجملها ، وتوضح عبقرية منهج التفكير العربي واللسان العربي ، باعتباره منهج الإنسان الأمي ، الفطري ، حيث الأمية في العربية هي من (الأم) ، والتي منها الأمة ، والتيمم بمعنى القصد ، وليست ، كما تطرح اليوم بمعنى عدم الذهاب إلى المدارس وتعلم هذه الإشارات والرموز الإملائية ، ويمكن القول إن صوت ( الميم ) هو أول ما يصدر عن الكائن البشري ، فأول ما يتلفظه هو ( ما ) ، (ماما) ، وفي كل اللغات نجد هذا الصوت مقترنا باسم الأم .(1/14)
ولنا أن نلاحظ العلاقة بين صوت الميم كصوت يعبر عن الوجود والحياة ، وبين الميم في كلمة (ماء ) ، وعلاقة الماء التي أشرنا بموضوع الولادة بمشروع الامتداد ، وهو ما يؤكده تعالى في قوله : ” أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ " ، وقد سبق أن أشرنا عند حديثنا عن الفرق بين الكينونة والوجود ، أو بين مفهوم (كان) ومفهوم (إنّ) في اللسان العربي ، إلى حالة الرتق ، والفتق ، و الفلق ، وهنا نربط بين حالة الفتق ومشروع الولادة ، في الحب ، والنوى ، والنواة البشرية ، فصوت الميم في العربية يدل على حالة الوجود ، ولكنه وجود في جزء منه مجهول ، وهذا ما ندركه في السؤال بـ(ما) ، الاستفهامية ، فهي لفهم الغيبي ، وبالمصطلح الفلسفي ، لفهم الماهوي : الماهو ؟، والماهي ؟ ، وفي الفكر الإنساني ترتبط الأم بالتراب ، والأرض ، والطهارة ، ومن هذا تكتسب الأمية في البيان العربي قيمة أخلاقية تطهرية ، فلا غرو إن كانت الطهارة في الشريعة الإسلامية ، إما بالماء الذي هو سر الحياة ، فإذا تعذر الماء ، حكمًا ، أو حقيقة ، كان التطهر مشروعًا للصلاة ، أو للتواصل والاتصال ، بالتيمم بالصعيد الطيب ، والصعيد حالة ارتفاع ، وحالة فطرة ، وحالة أمية .(1/15)
ويمكن في الصوت العربي أن نلاحظ الفرق بين (الميم والنون) ، والذي يتضح من خلال الرسم الإملائي . فالميم دائرة مغلقة ، في حين أن النون هي هذه الدائرة ضمن مشروع الانفتاح والتواصل ، وكما هو معروف ، لا يمكن التفكير في دائرة دون خلية مركز ، كما أن هذه الخلية أو المركز تمسي نقطة لا معنى لها دون الدائرة . فالعلاقة علاقة جدلية ، والمركز مرتبط بهذا الشكل الدائري ، الذي هو أكمل الأشكال الهندسية ، والوهم السائد اليوم في الحديث عن المركزية لا يقودنا إلى شكل الدائرة ، بل إلى شكل المثلث ، أي الشكل الهرمي ، الذي ينتهي بنقطة ، أي بنقطة العدم ، فكل الفلسفات الاستعلائية والتفوقية ، تتبنى شكل المثلث ، وتخرج بذلك عن الفطرة ، عن حالة الاستواء ، أو الدائرة مشروع الولادة . وحديثنا في البيان يقتضي الربط بين الإشارة والعلامة . فالكتابة مثلاً هي إشارة إلى علامة في الذهن ، ومن ثم فإن معالجة الرسم الكتابي باعتباره إشارة ، يعطي بالنتيجة معالجة للعلاقة بين الكلمة والصوت ، وعلاقة الصوت بالمفهوم ، وعلاقة المفهوم بالمعنى ، الذي هو الاسم ، وسر تعليم آدم الأسماء ، هو وضع آدم وأبنائه ضمن مشروع المعاني ، من خلال المقاربة المفهومية ، والتي لا تكتمل إلا باكتمال الإنسانية ، وبلوغ أجلها . فالمفهوم حالة تمام ، في حين أن المعنى بلوغ الكمال ، وهذا نقرؤه من قوله : " ... أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...(1/16)
" ، فالنعمة تمت ولكنها لم تكتمل ، إذ ستستمر إلى أجل الحياة الدنيا ، أما الدين فقد أكتمل ، وهذا يقودنا إلى مفهوم الجملة في العربية ، فالجملة مفهوم تام ، لا كامل ، وهو ما يعبر عنه القواعديون عند تعريفهم للكلام أنه ( لفظ مفيد) ، والإفادة يفهم منها أن لا حاجة للاستفهام ، حيث المفهوم قد فهم ، في حين أن الجملة الكبرى تنتهي بالقاطعة التي هي بمثابة البرزخ الذي يقطع معنى العبارة عن العبارة الجديدة ، أي أن المعنى قد اكتمل ، وهذا مثل حياة الإنسان ، الذي هو مجهول ، أو نكرة أو اسم عام ، ثم يتحول إلى مبتدأ ، هذا المبتدأ في حاجة إلى خبر ، ويستمر الإنسان في أخبار هي جمل قصيرة أو مفاهيم ، حتى إذا انتهى أجله ، انقطع عن الحياة الدنيا ، وفي الكتابة نضع فاصلة مقلوبة ، رمزًا لعطف ، ولكنه ليس عطفًا تامًا ، حتى إذا انتهت الجملة وضعنا القاطعة ، أو نقطة النهاية . والوحي حسب القراءة البيانية العربية يوضح أن الوحي القرآني جملة واحدة ، من الفاتحة إلى الناس ، وكل آية هي جملة تامة ، وكل سورة هي جملة كبيرة ، وبانتهاء جملة القرآن ، يكتمل الوحي ، وهنا ننبه إلى خطورة التجزئة والتقسيم في الجملة القرآنية إلى أجزاء : أحزاب ، وأرباع ، وأنصاف ، وأثلاث ، وإن كان المبرر هو مبرر تعليمي ، إلا أنه يضعنا أمام خطر الشرك المنهجي ، ويضع الجملة القرآنية موضع النص ، الذي يسمح بالتجزئة ، و التشريح ، والبتر ، ومن حيث المصطلح ، فإن المعجم العربي يقدم لنا الجملة والعبارة حالة خلق حي ، فيعتبر الجملة أو المشروع البياني جسمًا بشريًا ، ليتم الحديث عن المتن ، والصلب ، والفقرات ، والأعضاء ، وعن الروح .(1/17)
فالعبارة بذلك كائن حي ، لا يسمح بمعاملته نصًا، أو وضعه بعد تفكيكه بين قوسين ، ولا يمكن أن نضع مقابله المصطلح الإنجليزي مثلاً (Text) ، إذ المصطلح الإنجليزي يقودنا إلى منهج التفكير التركيبي الأعجمي ، فمن هذه الكلمة سنصل إلى كلمة (Texture) ، والتي هي النسيج . فالنسيج خيوط قابلة للنكث . والغريب أن هذا المصطلح تسرب إلى القاموس العربي ، مثلما تسربت بعض المصطلحات الصناعية ، كالآلية ، والأداتية ، و ورشة العمل ، وغيرها من المصطلحات ، لتستخدم في إطار مصطلحات الفكر الإنسانية ، إذ الفكر الأوروبي المعاصر هو فكر مادي يسحب مصطلحات المادة على الإنسان ، في حين أن منهج التفكير العربي يقدم المادة مشروعًا للامتداد ، ويقدم الحياة أبعد من المادة . الإنسان بتكريمه هو أبعد من المخلوق الحي ، النبات ، والحشرات ، والطيور والحيوانات ، فهو إن كان يلتقي معهم في الجسدية ( الفيزيائية ) ، والحيوية الحيوانية ( البيولوجية ) ، فإنه يتميز عنها بالإنسانية ، ويخرج بوعيه وإرادته عن قوانين الجبر المادي الفيزيقي ، وعن دوافع الحياة الحيوانية العمياء ، في حفظ الحياة ، وحفظ النوع .(1/18)
من هذا المنطلق فإن الكلمة في العربية ليست ( اللوغوس ) ، والكلمة كيان ، أو كائن حي ، كل صوت له مفهومه ، كالإنسان ، ولكن هذه الأصوات تكتسب مفاهيم أكبر عند التقائها وتفاعلها . فالصوت في العربية ليس مثل ( الفونيم ) ، في الإنجليزية ، ولا يكون الصوت العربي مع الصوت الآخر حالة تشكل وتركيب ، بل حالة تكوّن . والكينونة غير الوجود ، والتكون غير التشكل . فالفونيمات في الإنجليزية مثلاً تشكل المورفيم ، الذي هو مركب هذه الفونيمات ، وهذه نجدها في دلالة (SYM) ، و (SYN) ، التي تعني التركيب ، تركيب المتضادات ، كما نجدها في مصطلح هيغل (Synthesis) ، الذي هو مركب الضدين (Thesis) ، ونقيضه (Anthesis) ، ومنهج التفكير التركيبي والتفكيكي يتحول إلى فلسفة . فالنزعة المادية التفكيكية التركيبية بعامة ( الأعجمية ) ، ونموذجها الأوروبي ، تعامل الإنسان ضمن النزعة الفردية التفكيكية (Individualism) ، باعتباره فونيمًا لا مفهوم له إلا ضمن التركيب المورفيمي ، ومن ثم رأينا المادية الماركسية تقدم لوغوسًا تركيبيًا (جماعية) ، (Socialism) ، شموليًا ، باعتبارها تجاوزًا للفردية ، والنزعة الفردية الليبرالية ، التي تقوم على التفكيك ، تبحث الآن عن لوغوس تركيبي للاحتواء ، أي عن مورفيم ، ضمن ما يسمى بالعولمة ، التي هي لوغوس آخر ، يأتي نقيضًا للوغوس ماركس التركيبي ، وإن كان ماركس في مفهومه للمادية وفي دعوته إلى تدمير الطبقات ، التي هي مصطلح جيولوجي ، يدعو إلى أصولية الميراث التلمودي ، أي أن ماركس وإن كان في الظاهر ماديًا ملحدًا ، فإن قراءته بدقة ، تكشف عن تعصب يهودي شديد ، سار في مساره (فرويد) ، و( ليفيناس ) ، و( جاك دريدا ) ، وأغلب إن لم أقل كل الفلاسفة والمفكرين اليهود .(1/19)
نعود إلى القول إن الصوت في العربية له مفهومه . فالأصوات الحلقية في العربية تعبر عن القوة والعمق . فالعين ، والقاف ، والخاء ، وغيرها من الأصوات الحلقية ، تستخدم في مفاهيم القوة . والقرآن الكريم باعتباره لسانًا عربياً وحكمًا عربيًا يسير على ذات النهج ، فالقارعة ، والحاقة ، والصاخة ، والغاشية ، تصور هول يوم القيامة ، في حين أن الحروف الصفيرية : الصاد ، السين ، الزاء ، تستخدم في مواضع الرقة . ففي سورة الناس ، تتكرر السينات ، فالله رب الناس ، والربوبية مرتبطة بالتربية ، بعلاقة أبوة ومحبة ، وذات الصورة الناعمة ، والعلاقة الحانية بين الله الرب ، والناس ، يتكرر مشهدها في سياق آخر ، في تصوير انسياب الشيطان ناعمًا إلى قلب الإنسان ، الأمر الذي يقتضي اللجوء والاستعادة بالله رب الناس ، من الوقوع في حبائل الشيطان : " مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ " .(1/20)
إن ما يميز اللسان العربي باعتباره لسانًا إنسانيًا ، أنه لسان اشتقاقي . فالاشتقاق هو الأصل ، والاشتقاق هنا هو ذاته الاستخلاف ، والانتساب إلى الأصل في الخلقة . فمثلما الإنسان من تراب ، ومن التراب كان آدم ، وأن ذرية آدم هم استخلاف له ، ومن جنسه ، فإن الكلمة العربية هي كذلك اشتقاق ، فمن الكتابة ، نشتق الفعل كتب ، وكاتب ، ومكتوب ، وغيرها ، وهذه الظاهرة الصوتية الاشتقاقية لا نجدها في الألسن الأعجمية التركيبية ، التي التركيب فيها هو القاعدة ، كما أن الظاهرة العربية أن الكلمة لا تبدأ بساكن ، وأن العرب في كلامهم لا يقفون عند متحرك ، وهذا القياس في كلامهم المنثور، وفي شعرهم ، مع ملاحظة أن مصطلح النثر يرتبط بنثر الحب ، أي قصة الإنبات والولادة ، وهنا لولادة المفاهيم ، في حين أن الشعر يرتبط بالشعور ، والعروش ، والشروع ، أو قل المشروع ، والقصيدة في العربية هي القصد أو التيمم ، فإذا التقى ساكنان يكسر الساكن الأول ، وفي الإملاء يحذف إذا كان لينًا ، إذ لا يلتقي الساكنان ، لأن مشروع الحياة لا ينتج من ميتين ، حيث السكون هو الموت . فالحركة والسكون ممكنة ، والحركة والحركة ممكنة ، ولكن السكون والسكون غير ممكنين ، وفي الشعر نسير على ذات المنحى ، فالولادة هي مشروع علاقة بين أفقي وعمودي ، كما سبق أن أشرنا.(1/21)
إن مشروع دراسة النحو العربي باعتباره منهج تفكير سوف تنقذنا من مغبة الوقوع في شرك القواعد ، أي في شرك تحويل البيان إلى منطق ، وفرض أحكام عليها . فالبيان باعتباره فضاء تعبير ، وفضاء حرية ما يلبث أن يحاصر ، وأن يقيد داخل حدود المنطق. إن مشروع البيان هو مشروع قراءة منفتحة ، أي قراءة حرة ، ولكن لا يفهم من هذا الانفتاح على أنه انفلات . إن القراءة في مفهومها العربي ، إذا راعينا القلب المكاني للأصوات ، هي القِرى الذي للضيف ، ولهذا يطلق على القرية هذا الاسم ، لأنها قرى المدينة ، والقراءة رقي بالمفهوم . فالقارئ يضيف إلى المقروء، وهذه الإضافة هي موضوع الولادات المتكررة ، والتي تجعل القارئ شريكًا في عملية القراءة . والقراءة كذلك رقية ، إذا اعتبرنا الرقية تحمل مفهوم الشفاء ، فهي تمكن القارئ ، مثلما تمكن صاحب العبارة من تفريغ ما يطلق عليه الفرنسي ( بول ريكور) ، فائض المفهوم ، وتصريف الفائض هو تعبير عن حالة الامتلاء ، على أن هذا التصريف ليس هذرًا أو لغوًا ، ومن هذا جاء مفهوم الصرف ، وجاء قول العرب صروف الدهر ، أي أيامه الممتلئة بالأحداث . والقراءة كذلك مشروع رُقيّ ، هذا ما تقدمه لنا القراءة البيانية ، وهو ذاته مشروع الوحي باعتباره قراءة ضمن الفطرة والصبغة الإلهية ، فلا غرو أن كان الأمر بالقراءة في أول ما نزل من الوحي ، يعطي هذه الأبعاد لمشروع قراءة الوحي .(1/22)
فالأمر أن يقرأ الوحي باسم الرب الذي خلق ، والخلق إطلاق ، ثم يأتي التخصيص في أنه خلق الإنسان من علق ، هذا الخلق من علق سيحول بالقراءة العلق إلى علاقة ، أي إلى امتداد ، إذا قرئ الوحي قراءة أمية فطرية ، أي قراءة بصبغة الله ، يقول تعالى " اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " ، وهنا نتوقف عند رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، كان رده على هذا الأمر : " ما أنا بقارئ " ، وهذا النفي لوجود القدرة على القراءة ، التي نفهمها من صوت (الميم) ، و(المد) ، ( ما ) ، كان في ظني لأن الرسول الكريم انصرف إلى هذه القراءة التي يتعلمها الناس في حلقات وفصول التعليم ، إلا أن الوحي يضعه في فضاء قراءة أخرى هي أبعد من تلك ، القراءة باسم الله الذي خلق . فالقراءة بعامة .(1/23)
وقراءة الوحي على وجه الخصوص لا تكون إلا بهذا المنهج الفطري الإنساني الذي يذكّرنا الله به بقصة الخلق ، واستخدام الرب في قوله تعالى " اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ " فيه مفاهيم ودلالات المحبة والحنو والتربية ، وفي آية أخرى يتأكد ذات النحو والمنهج في قوله تعالى في (سورة القيامة ) : " لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ * كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ " ، وكما نقرأ فإن هذه الآيات تحذّرنا من الاستعجال في القراءة ، وهذه نفهمها من النهي للرسول ، الذي هو نهي لنا كذلك ، كما أن جمع القرآن ، هو جمع إلهي، وترتيل إلهي ، وتلاوة إلهية ، هذا إذا فهمنا الترتيل هو أن الجملة القرآنية من أول الفاتحة إلى آخر الناس رتل بعضها بعضًا ، وتتلو بعضها بعضًا ، وهذا على غير ما تعود الناس عليه من أن الترتيل والتلاوة طريقتان في إخراج الأصوات والحروف . والآيات القرآنية تؤكد هذه الحقيقة " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً " ، هذه القراءة وهذا الترتيل لتمام مفهوم الجمل القرآنية ( الآيات والسور ) ، واكتمال الجملة القرآنية ، ( الموحى به ) ، لا يكون إلا بالمنهج الذي تعالى ، فالله هو الذي يقرأ القرآن ، والرسول الكريم يقرأ وفق هذه القراءة ، والله هو الذي جمعه في جملة واحدة .(1/24)
من هنا كانت حقيقة صلاحية الوحي لكل زمان ومكان ، إذ كل إنسان يقرأ هذا المشروع حسب وسعه ، وهو ما يؤكد قوله صلى الله عليه وسلم ، من أن القرآن " لا يخلق على كثرة الرد " ، أي لا يعتريه البلى ، والقدم ، ففي كل مرة يكتشف الإنسان في الوحي الجديد ، لأن مفهوم الكمال هو مشروع المعنى المكتمل ، في حين أن الوسع الإنساني متعلق كما أشرت بالمفاهيم المحدودة . وفي ظني أن معنى القرآن سيكتمل مع أخر إنسان على هذه البسيطة ، فكلما ازداد الإنسان معرفة ازداد فهمًا ، وازداد قربًا من المعنى القرآني ، وهنا ننبه إلى أن ما يطلق عليه التفاسير ، هي ليست تفاسير للوحي ، بل هي تفاسير تفسر المفسرين ، أي توضح لنا مدى فهم هؤلاء من خلال قراءتهم للوحي، وإذا كان مفهوم كلمة التفسير في العربية من قول العرب " فسر اللبن " ، أي أزال الغشاوة التي تعلوه ، فإن مصطلح تفسير القرآن ، أو تفسير الوحي في نظري ، هو إزالة هذه الغشاوة التي وضعت فوق القرآن بسبب هذه التي نطلق عليها تفاسير ، فتفسير القرآن هو في إزالة ما ران عليه من غشاوات صرفت الناس على مباشرة ومس الوحي ، حتى تحولت هذه التفاسير إلى حاجز بين الناس وبين الوحي مشروع القراءة الذي هو لهم، مع تأكيدنا أن كل إنسان يأخذ من هذا الوحي بمقدار وسعه ، وأن الله لا يكلف الإنسان إلا وسعه ، وفرق بين فقهاء يعلمون الناس منهج قراءة الوحي قراءة بيانية ، وبين مصادرة لهذه القراءة ، واحتكار يحول البعض إلى سلطة إملائية ( ثيوقراطية ) ، مع توضيح العلاقة بين الإملاء ، والامتلاء ، فالإملائية ادعاء البعض أنهم يملؤون الفراغ بين الله والناس ، ضمن ثنائية بغيضة توظف لصالح الإملائية والدكتاتورية .(1/25)
إن هذا يقودنا إلى ما ذكرناه من أن النحو هو المنهج وهو الصراط ، وهو الطريق المستقيم ، الذي يستوعب الناس ، كل الناس ، ولكن محدود البشر لا يستوعبه ، والتحذير من اتباع السبل هو تحذير من آية قراءة للوحي خارج القراءة الإلهية ، خارج هذا المشروع المنفتح على الإنسان والإنسانية ، ولذا فإن القواعد هي أسلوب هؤلاء الإملائيين في فرض سلطانهم على الناس ، وفي وضع قواعد . هي فهمهم المحدود ، وإجبار الناس على ترك الصراط المستقيم والسير في هذه السبل أو الطرق والمذاهب . فالنحو العربي هو مشروع هذا الصراط الكبير الذي يظل يستوعب الناس حتى آخر إنسان . فلا غرو أن أقحم الأعاجم أنفسهم في فرض المنطق على مشروع البيان ، وفقد العرب كثيرًا من هذه القوالب التي وضعها القواعديون والمناطقة على النحو العربي ، وكان من المفترض أن يوضع النحو ضمن مشروع الفهم ، ومشروع الفهم هو مشروع التساؤل ، والبحث عن العلل ، أو ما هو أبعد من العلل ، كالسؤال : لماذا كان الفاعل في حالة الرافع ، لا المرفوع ، فالمرفوع اسم مفعول ، أما الرافع فهو أسم فاعل ، ثم لماذا كان هذا الرافع في حالة الضم ، وعلاقة الضم بالقوة ، وتمظهر القوة في إشارات وعلامات ، كالألف ، التي هي مد صوتي قبل أن ترسم ، والواو ، التي هي ضم صوتي قبل أن ترسم ، والثبوت ، الذي هو أبعد من السكون ، إذ الثبوت استقرار وحركة في حين أن السكون انغلاق وموت .(1/26)
إن الكتابة ليست استخدام الرموز الإملائية ، فهي كالقراءة . فالوحي كتاب قبل أن يكتب ، وإن كانت الرموز الإملائية محاولة لملء الفراغ بين الكاتب الغائب ، والقارئ الغائب على الكاتب زمن الكتابة . فالإملاء بقدر ما هو وسيلة لملء هذا الفراغ ، قد يؤدي إلى مشاكل وإشكاليات ، حيث إن الأول ، المتكلم غائب ، وهذا قد يبعث على التأويل ، أي على ادعاء معرفة قصد الأول ، وخطورة الكتابة تأتي من هذا المنحى ، وولع الأوروبيين والتأويليين في هذه الأيام بالرموز الإملائية ، ذلك أنهم يتعاملون مع المكتوب، باعتباره نصًا ، كما أشرت ، وباعتباره قابلاً للوضع بين قوسين ، في حين أن المصطلح العربي يخرجنا من هذا المأزق ، ولنا أن نقول إن الرسم الكتابي في العربية إشارات ترتبط بالمفاهيم ، وقد سبق أن أشرت إلى طرف منها ، عندما تحدثت عن دلالة (الميم) ، و( النون ) ، على سبيل المثال .(1/27)
إن القرآن الكريم يربط بين الكتابة ومشروع الاستخلاف ، فكل إنسان هو خليفة ، ليس كما يقولون خليفة الله في الأرض ، من خلال الفهم القديم لثنوية الأرض والسماء ، ولوضع الله ، وحاشا له أن يكون في مكان ، إذ لا يتموضع إلا الشيء ، والله ليس كمثله شيء ، حيث إن (كمثله) تنفي التشبيه والتمثيل معًا ، بل إن الإنسان يخلف بعضه بعضا، والبشر خلائف في الأرض ، وكم كانت الكارثة كبرى عندما صودرت هذه الحقيقة لتطلق على شخص بعينه ، ويبدأ مشروع الإملائية ، واختزال التاريخ والإنسانية في شخص واحد ، باعتباره خليفة . فالاستخلاف البشري هو مثل عملية الاستخلاف في تكاثر المفاهيم لكلمة واحدة . فالكلمة كالخلية تتوالد وتتكاثر ، من خلال عملية الاستخلاف، كما سبق أن أشرنا إلى كلمة (أدب في العربية ) ، هذا الاستخلاف يؤكد التنوع أو الجعل الإلهي ، وفي ذات الوقت يؤكد وحدة الأصل ، إذ لا يمكن نفي مفهوم الدعوة إلى الطعام في كلمة أدب ، وإن كان المفهوم ، أو المولود الجديد يفهم منه الدعوة إلى الأخلاق ، إذ يبقى الربط بين الأدب والمأدبة ، والقراءة ، والقرى ، فالرسول الكريم يؤكد على أن القرآن مأدبة الله ، وفي هذا المقام فإن المشروع العربي يرفض كما أشرت الحفر ، والتشريح ، وإن كان يقبل بمصطلح النسب والانتساب ، على مستوى المفهوم وعلى مستوى الاستخلاف البشري . فالبشر جميعًا من عملية ولادة بين ذكر وأنثى ، والاستخلاف هو من أجل التعارف ، وإن كان التنوع لا يستدعي التفاخر والتمايز ، مادام الأصل واحدا " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " ، فالأصلية أو الأصولية هي الاعتراف بوحدة الأصل ، ولهذا يستخدم العرب مصطلح الأصل للأنساب وللشجر كذلك .(1/28)
ومشروع الاستخلاف والامتداد يحيلنا إلى موضوع الشجر والأقلام والكتابة ، فالبشر أصل واحد ، وإن كان آدم من تراب ، أي أن هناك ارتباطا بين قصة الخلق البشري وقصة الإنبات ، فالشجرة تتشاجر ، أي يكون لها فروع ، ولكنها شجرة من أصل واحد ، فكل الأجيال البشرية ، متنوعة ولكنها كفروع الشجرة من أصل واحد ، وبهذا يؤكد القرآن على العلاقة بين الكلمة الطيبة ، والشجرة الطيبة ، والكلمة الخبيثة والشجرة الخبيثة ، فالأولى أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذنه تعالى ، والأخرى منبتة ، أي مقطوعة ومجتثة من فوق الأرض ، ما لها من قرار " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ " ، وهنا نشير إلى أن الكلمة ليست اللوغوس ، وننبه إلى المغالطة التي تحيلنا إلى التجسيد اللاهوتي المسيحي .(1/29)
فبعض الناس يقولون : "في البدء كانت الكلمة" ، وهذه العبارة مسوقة مما يطلق عليه( انجيل يوحنا ) ، وإن كانت في الإنجيل :" في البدء كان الكلمة ، وكان الكلمة عند الله ، ثم كان الكلمة الله " ، فالحديث هنا حسب قول هؤلاء عن المسيح باعتباره الكلمة الذي صار الله ، وإن كانت ترجمة الكلمة هي ترجمة غير دقيقة لأصلها : " في البدء كان اللوغوس " ، وكما نعلم أن اللوغوس هو المنطق التركيبي الذي يسمح ضمن منهج التركيب المشرك أن يركب اللاهوت في الناسوت كما يقولون ، أي أن الجانب الإلهي يحل في الجانب البشري ، وهذا القول ضمن تأثيرات الصوفية الشرقية القديمة في نظرية الحلول ، وكذلك في التناسخ ، الذي نضع في مقابله الاستخلاف والتوالد .(1/30)
إن الكلمة الخبيثة كلمة مجتثة ، والاجتثاث يحيلنا إلى الجثة ، أي إلى الجسد الميت، ولهذا نرفض كما أشرت مشروع الموت الذي يبشر به الكثير من الكتاب والمفكرين والفلاسفة الأوروبيين ، مثلما نرفض مصطلح التشريح ، الذي يتعامل مع مشروع العبارة باعتباره مشروع امتداد على أنه جثة ميتة تسمح بالتشريح ، وفي هذا السياق لهذا المفهوم البياني العربي ، وللاستخلاف ، والربط بين هذا المفهوم الطيب والشجرة الطيبة ، نربط بين الشجرة والكتابة والأقلام ، والحبر والمداد . فالكتابة بالمفهوم البياني العربي عملية امتداد ، ومن ثم كان مصطلح المداد الذي هو الحبر مرتبطا بمفهوم الامتداد من خلال الكتابة ، وقبل أن نقف عند هذا المفهوم بشيء من الإبانة ، نذكر أن أزمة آدم ، أنه أراد الخلد لنفسه دون أن ينتبه للحكمة الإلهية في الاستخلاف ، وأنه اقترب من الشجرة ، على الرغم من تحذيره تعالى له أن يقترب منها، وأن الشيطان وسوس إليه أن الله منعه من الاقتراب من الشجرة " فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ " ، فالشجرة مشروع امتداد ، ولو فهم آدم الشجرة ، لانتبه للاستخلاف ، بل ربما ربط الشيطان بين الشجرة والخلود ، هو ما بعث آدم إلى القبول بهذه الوسوسة ، وما يزال في اعتقاد الكثيرين خرافة الربط بين النبات والشجر ، والعودة إلى الشباب ومواجهة الشيخوخة . ففي أسطورة (غلغامش) كان البحث عن نبتة الخلود ، والدعايات في البرامج المرئية ، تدور حول اكتشافات وهمية لأوراق أشجار ، أو عصارات أوراق تعيد الشعر للصلع ، ونضارة الوجه لبشرة قد شق الزمن فيها أغوراً وأخاديد ! .(1/31)
إن الوحي القرآني يربط كما أشرت بين الامتداد والاستخلاف ، والمداد والكتابة ، وعلاقة ذلك بموضوع الفهم الذي هو المعرفة ، والمعنى الذي هو العلم ، أي المحدود والمطلق . فالكتابة بواسطة القلم هي مشروع الامتداد ، يقول تعالى : " وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " . فالعلاقة بين الأرض والشجرة والكلمة الثابتة والقلم والامتداد والبحر ، والرقم ( 7 ) ، وقصة الخلق والتوالد علاقة واضحة ، أشرنا إلى طرف منها . فالشجرة وتحولها في مطلقها ( من شجرة ) أقلامًا ، والبحر الماء ( نذكر بماء الحياة ، وماء الرجل ) ، والبحر مقلوبه ( حبر ) ، أي أن كل الماء يمده من بعده سبعة أبحر ما كانت كافية لإدراك علم الله ، وهذا يؤكد على محدودية الوسع البشري ، وعلى ضرورة الاستخلاف والامتداد . ونشير هنا إلى موضوع الولادة والتزاوج والشجر . فالعرب يقولون : تناكحت الأشجار ، إذا انضم بعضها إلى بعض ، والنكاح يستعار إلى الزواج ، والى الصهر ، أي الانصهار ، والنسب ، والانتساب ، وكلها دلالات ترتبط ببعضها البعض ، هذا علاوة على أن الرقم (7) له دلالة مفهومية ، نجدها عند الكثير من الشعوب في عباداتها وطقوسها وشعائرها . فهذا الرقم له دلالته الغيبية ضمن مشروع الامتداد والانفتاح ، وفي شريعة الوحي القرآنية نجد الرقم (7) يتكرر في الطواف وفي السعي ، وله معنى تعبدي ، وبقراءة هذا الرقم قراءة عربية تحيلنا إلى العلاقة بين المفهوم والماصدق. ففي ذهن الإنسان قد نفهم هذا الرقم (7) الذي هو الواحد يتكرر مرات سبع.(1/32)
ولكنه يخرج عن الأشكال والقوالب المنطقية ، إذ لا يمكن أن نرسم شكلاً سباعيًا ، في حين أننا قد نرسم ما دون هذا الرقم وما بعده في حدود الأشكال الهندسية ، فهذا الضلع السابع الغائب ، هو ما يحيلنا إلى الغيبي الذي يفتحنا على مشروع المعنى غير قابل للمحدودية والوضع ضمن قوالب وأشكال المنطق . وقوله صلى الله عليه وسلم ، وان القرآن نزل على سبعة أحرف لا نفهم منه إلا هذا البعد السابع الغيبي الذي يقدم القرآن مشروعًا للقراءة حتى أجل هذه الحياة الدنيا . فالإنسان حسب وسعه قد يأخذ هذه الأبعاد الأخرى ، ولكنه يبقى عاجزًا أمام هذا الرقم ، أو أمام هذا البعد الغيبي .(1/33)
إن الذاكرة لها علاقة بالامتداد ، وبالذكورة ، كما أنها تحيلنا إلى مفهوم عضو الولادة ، والامتداد ، والذكورة في العربية قوة ، ترتبط بالضرورة في مفهومها الأصلي بالجنس ، أي ما نطلق عليه الذكر والأنثى ، في عملية الولادة ، أو الاجتماع أو التناكح بالمفاهيم التي أشرنا إليها ، وإن كان الاستخلاف المفهومي يربطه بالذكورة والأنوثة ، ويبقى المعيار هو الحدة والقوة ، التي في الأصل هي الأم ، الأنثى ، وليس الأب الذكر ، وفي العربية ، أن العضو له علاقة بموضوع التناسل ، ولا نجد في العربية علامة تأنيث تلحق العضو ، فالمرأة عضو ، والرجل عضو ، مثلما نقول : القلب عضو ، والرئة عضو ، وهذا يحيلنا إلى العلاقة العضوية في الجسم البشري ، والعلاقة العضوية بين الأصوات والكلمات في دلالتها العربية ، وإن كانت الميم ، كما أشرت هي صوت للوجود مرتبط بالحياة ، وأن أول ما يتلفظه الوليد البشري هو الصوت ( ما ) ، الذي نجده في كثير من الكلمات الإنسانية ، ويرتبط كذلك بالذاكرة والتذكر . ففي الكلمة الإنجليزية نجد (Member) ، ومفهومها عضو ، ثم نجد كلمة (Remember) ، أي إعادة العضوية والتعضي مرة أخرى ، و(Memo) ، و (Mama) و (Mother) ، تحيلنا إلى الذاكرة والأم ، والأمية ، وربما كلمة ( موميا ) ، في المصرية ، ترتبط بذات المفهوم ، وتقودنا إلى موضوع الخلد والامتداد ، وهنا نشير إلى حقيقة أن الأم هي الأصل ، وهي الأرض ، وأن النسب إلى الأم غير مشكوك فيه ، بخلاف النسب إلى الأب ، ولهذا يطالب القرآن ضمن إزالة الشك بالدعوة إلى الأب ، وهذا لا يلغي حقيقة أصالة الانتساب إلى الأم ، ويبدو أنه بحكم التنشئة ضعفت المرأة ، لا بحكم الخلقة ، وهو ما يؤكده الحكم العربي في أن من ينشأ في الحلية ، غير مبين في الخصام ، وموقفهم من الأنثى ، هو موقف من موضوع الانتساب، ومن حالة الضعف التي تعتري المرأة بسبب التنشئة .(1/34)
يقول تعالى ، مشيرًا إلى هذا الحكم : " أَوَ مَن يُنَشَّأُ فِي الحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ " ، والحكم كما أشرت موضوع منطق ، والعرب مولعون بموضوع البيان ، فالمرأة بسبب هذا الاستضعاف الناشئ عن التنشئة غير قادرة على الإبانة ، أي أن الحكم هو حكم على التنشئة ، وليس على الخلقة . واللافت للنظر ، أن القرآن باعتباره حكمًا عربيًا يجعل الشهادة من رجلين ، أو من رجل وامرأتين ، والرجولة هي غير الذكورة ، فالذكورة والأنوثة وظيفة ، في حين أن الرجولة مكتسبة ، وهي قد تطلق على الذكر والأنثى بالمفهوم الدارج ، ومنها جاء قول العرب بالارتجال ، وربما أن الرجل مرتبطة بمفهوم القوة ، فالرجل إذا فقد القوة ، قد يكون بين الأنوثة والذكورة ، أي يتخنث ، والمرأة إذا امتلكت القوة تتذكر ، وهذه مرتبطة بالذاكرة كذلك ، ومن ثم نجد في العربية أنوثة أصلية وذكورة أصلية في الأسماء ، كما نجد علامات تأنيث تلحق أسماء الذكور ، يطلق عليها التأنيث اللفظي ، أي من حيث التلفظ ، والألف الممدودة ، التي يطلق عليها ألف التأنيث مرتبطة بموضوع الامتداد الذي هو الأنثى ، والمقصورة ، المحدودة ، أي التي قصرت على الامتداد ، ومنها جاء مفهوم القصر ، المبنى ، الذي تقصر فيه النساء حريمًا ، أو الرجال فلا يختلطون بالناس، فسكان القصور من الرجال هم في وضع الحريم ، الذي هو وضع شاذ وضد قانون الحياة حتى للنساء ، فالأصل الانطلاق ، وقد وصف الله تعالى النساء في الجنة بأنهن حور مقصورات في الخيام ، أي محجوزات وممنوعات من الخروج ، أو من التجاوز .(1/35)
إن هذا الوضع الذي تربت عليه الأنثى يرتبط بموضوع الشهادة ، والشهادة حضور وتذكر ، فقد تمنع المرأة من حضور الشهادة ، أي تضل ، فتذكر أحداهما الأخرى ، والتذكر كما أشرت مرارًا هو الذاكرة ، وفي الفقه يطلق على عضو التناسل عند الرجل ذكر ، كما يطلق على الخصيتين ، أنثيين ، وهذا مرتبط كما أشرت بالمفاهيم التي ترتبط بالأصل المفهومي ، أو ما قد يلحق به من مفاهيم مستجدة ومكتسبة ، وإن كانت ترتبط بهذا النسب الأصلي .
وفي ختام هذه المحاضرة نؤكد مرة أخرى على أن القراءة هي مشروع إنساني منفتح إلى قيام الساعة ، وأن الوحي يحتاج إلى قراءة عربية تدخله فضاء البيان ، وتخرج به عن المنطق ، إلا في بعضه الذي هو أحكام . فالمنطق قوانين وأحكام ، ولكن الجملة هي أكبر من المنطق مثلما هو البيان ، عن البيان هو مشروع الحرية ، في حين أن المنطق هو قواعد ، ولا يمكن أن يفهم القرآن العربي بملة الأعاجم : " وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِياًّ لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ "
مدير المحاضرة :
الأستاذ فرج بن لامه :(1/36)
شكرا للدكتور المهدي على هذا الطرح الواضح والجليل عبر رحلة شائقة طاف بنا المحاضر في هذه الأمسية و أبدع في إثارة الأذهان أذهان الحضور وتفعلها وتفجير الكثير من الإشكاليات ذات الصلة بالبيان والمنطق ومشكلات الفلسفة وأزمة الفكر الفلسفي وهي موضوعات عديدة ومتعددة والحقيقة تحتاج إلى المزيد من التوضيح وتحتاج إلى المزيد من المحاضرات لتوضيح العديد من هذه الأفكار المهمة والهامة التي طرحها علينا الدكتور المهدي امبيرش وتتصل بالعديد من الأشياء مثل المقاربة المفهومية للمعنى والمرجعيات المختلفة في هذا الشأن . أيضا المحاضر حاول ولوج مقاربات المفاهيم والألفاظ وعلاقتها بالدلالات وعلاقة اللسان باللغة وأيضا النحو والمنهاج ومناهج التفكير والعديد من المفاهيم التي تتعلق بالكينونة والتمظهر والحضور والسالب والموجب من الناحية الفلسفية وأخيرا علاقة الحرية بالديمقراطية. ولا شك أن الطرح الذي طرحه الدكتور المهدي يعني خلص إلى تحديد معالم لمشروع رؤية عربية في البيان والمنطق . أتمنى أن أكون صادقا في تلخيص ما جاء بهذه المحاضرة في خطوط عريضة . الحقيقة أن هناك العديد من المداخلات التي يطلبها الحضور أتمنى أن تكون المداخلات في صلب الموضوع وأيضا محدودة الوقت حتى يتمكن كل الحضور من المشاركة وبعد ذلك أتيح الفرصة مرة أخرى للأستاذ المحاضر الدكتور المهدي امبيرش للتعليق على بعض المداخلات نبدأ بمداخلة للأستاذ محمد الشحومي فليتفضل .
الأستاذ محمد الشحومي :(1/37)
اسمحوا لي في البدء أن أتوجه بالتحية إلى رمز من رموز الثقافة في ليبيا . إنني أعرف كلمات هذا الرجل وأعرف كذلك أنه من الصعب أن نستفيد من لقاء عابر أو محاضرة .. لي كتيب تحدثت فيه عن علاقة النظرية العالمية الثالثة بالفلسفات المعاصرة وللتدليل على أن النظرية العالمية الثالثة ليست فكرا ولكنها منهج تفكير . استدللت بأربعة من العلماء متناقضين في منطلقاتهم الفكرية . عالم اللغة الذي اتجه نحو الفلسفة وأعني به الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش . وعالم الفلسفة الذي اتجه نحو اللغة وأعني به الدكتور علي فهمي خشيم . والآن الوجودي الغارق في وجوديته وأقصد بذلك الأستاذ الدكتور رجب أبو دبوس ، وعالم الأخلاقيات وأعني بذلك الدكتور محمد أحمد الشريف . كيف لهؤلاء أن يكونوا من أهم تلاميذ النظرية العالمية الثالثة إذا لم تكن النظرية العالمية الثالثة منهج تفكير . الذي تعلمته من الدكتور المهدي امبيرش العلاقة ما بين اللسان والفلسفة وكيف أن المنطلق الحقيقي للفلسفة هو اللسان لكنني أستغرب عندما قرأت عنوان المحاضرة كيف يمكن الربط ما بين البيان والمنطق . البيان لسان كلام المنطق لغة مصطلح اللسان العربي هذا ما تعلمته من الدكتور المهدي امبيرش لا يمكن أن تكون لغة وأنا من بحث بعد ذلك لا أعتقد أن اللسان العربي مخترعا لا يمكن أن يكون مخترع لأنه يملك أشياء معينة . أنظر اللسان العربي . العربي لا يستطيع أن يفهم شيئا غير مفهوم لذلك لا يمكن أن يتعامل مع المصطلح وبيان العقل العربي الآن لأنه استعمر بالمصطلحات وسأدلل على ذلك الآن في البيان العربي ما استطاع العرب أن يفهموا الرياضيات عندما كان الرقم لا معنى له. واحد اثنين ثلاثة صور لا معنى لها .(1/38)
متى أبدع العرب عندما جعلوا للأرقام معنى واخترعوا بذلك الأرقام الزوايا واحد زاوية واحدة اثنثان زاويتان التي نعتقد الآن أنها هي الأرقام الأوروبية هذه هي الأرقام العربية والاهم في ذلك لماذا الصفر هو صفر لأنه لا زاوية له من هنا عندما فهموا ذلك انطلقوا بشكل غير عادي وفي فترة زمنية محدودة في هذا الاتجاه العقل العربي لا يستطيع أن يكون ذلك الآن . عندما نقول الديمقراطية هذه الكلمة مع احترامي التام لأنها وردت في العديد من أدبياتنا ولكن لماذا لا نقول حكم الشعب لأن الديمقراطية مصطلح نحن لا نعلم ما المصطلح قد يقولون لنا الديمقراطية مصطلح وشكلها برلمان لكن عندما تقول لي حكم الشعب معنى ذلك أفهم أن القضية قضية حكم الشعب وهنا أعرف أن هناك مشكلة سياسية والمشكلة السياسية يبحثون لها عن حل . قالوا لنا العلمانية . العلمانية لا تترجم هكذا وهناك خديعة في تسريب المصطلحات الخطيرة لأن العلمانية يقصدون بها ما يعرفه الغرب باسم (Secularity ) ، وهي لا علاقة لها بالعلم (Secularity ) معناها قول معناها دنيوي معناها الفكر الدنيوي لو قدم لنا هكذا نحن العرب الفكر الدنيوي نقول لا هذا ضد الإسلام لان الإسلام ليس دنيويا بل هو دنيا وآخرة ولكنه استطاع أن يدخل المصطلح باسم العالمانية والآن لا يقولون العالمانية كلهم يقولون العلمانية نسبة إلى العلم خديعة للناس خذ وانتهج على هذا المنوال الشرق الأوسط وما إلى ذلك . فأنا توقعت أن يتبحر الدكتور المهدي امبيرش ونحن في أمس الحاجة إلى ذلك ما لم يعد اللسان العربي الذي في الحرف العربي معنى وبيان في مجرد الحرف حتى مخارج الألفاظ حروف الصفير وهذا تعلمته منه وحروف القلقلة منه وشكل رسم الحرف تم بعد ذلك انظر هذه المعاني السامية كيف يصور الفاعل برفعه والفعل الحاضر مرفوع لماذا يكسر المجرور لأننا نرفض أن نكون تبعا فالتابع إذا اضطررت أنت أن تكون مجرورا لابد وان تكسر وهذا نوع من الإهانة .(1/39)
هناك في اللسان العربي الذي هو أرقى من اللغة مفاهيم هامة نحن نحتاج الآن إلى أن نخرج من أصل النحو . النحو وضعه غير العرب لأنهم ما استطاعوا الفهم . نحن الآن في أمس الحاجة إلى أن نفهم فلسفة اللغة حتى نستطيع أن نعود إلى أصلنا العربي . .
هناك إشكالية في العقل الغربي . الفلسفات الغربية توقفت الفلسفة بمفهومها اللساني الإنساني بعد الوجودية . لا يوجد فلسفة في الغرب بعد الوجودية إطلاقا لأن عندما دخلوا في البنيوية التي تتحدث على طريقة بناء الكلمة . ثم بعد ذلك جاء غيرهم مثل ( جاك دريغر ) تحدث عن التفكيك يريد أن يفكك الكلمة والمفردة لأنها اصطلاحية لأنها مصطلح من أجل الوصول إلى عمق معناها لكن اللسان العربي ياإخواننا مختلف يحمل دلالاته . المفردة العربية تحمل دلالتها ( الراديو ) مخترع حديث لو قلت لعربي في عصر قريش مذياع سيدرك على ماذا تتحدث أنت ولكنه لا يستطيع أن يفهم هذا المخترع لأنه لم يخترع بعد ولكن ارجع أنت قبل اختراع الراديو وقل لأي إنسان يتحدث بلغة أخرى الراديو لن يفهمه إلا عندما يراه لأنها مصطلح وليست دلالة.
الفنان الأستاذ حسن عريبي :(1/40)
في البداية أريد أن أحيي هذا الجمع وأحيي الدكتور المهدي امبيرش على هذه المحاضرة القيمة التي أود أن توزع على طلبة الفلسفة لأنها احتوت على موضوعات كثيرة جدا . الدكتور المهدي امبيرش خرج عن عنوان المحاضرة " البيان والمنطق ومشكلات الفلسفة رؤية عربية " هذا العنوان هو الذي أثارني وجعلني أحضر هذه المحاضرة التي يطرح فيها الأستاذ المحاضر الرؤية . رؤية المفسر فيما يتعلق بهذا الموضوع ما هي الرؤية التي وصل إليها الفلاسفة المعاصرون اليوم . قضية الفلسفة لم تخل من موضوع المعاني . يعني المعنى الذي لم يصل إليه المفسر وهذا المعنى نجده في مضامين كثيرة خاصة فيما يتعلق بالموسيقى . والموسيقيون يتعلمون المعاني فيه ولكنه علم فيه روح ، وفيه منطق ، ونجد فيه من يتحدثون عن المادية الملموسة في حين أن كل ما يتعلق بالموسيقى تنعدم المادية فيه . موضوع البيان أنا في تصوري هناك خلاف فيما يتعلق بالبيان الكلمة الكاملة هي ليست بلاغة وليست إعلاما وليست إعلان المنطق أيضا . المفسرون تناولوا الكثير من الموضوعات فيما يتعلق بالمنطق . ولكنهم اختلفوا فيما يتعلق بصلة البيان بالمنطق ، ولكن المشكل يتعلق بالمفسر . الدكتور المهدي امبيرش أين وصلتم أنتم كمفسرين وكفلاسفة في حل هذه القضية؟ لقد أشرت فيما يتعلق بموضوع التصوف عند الهنود وعملية التجرد عند أفلاطون وعند أرسطو و فيما يتعلق بالموضوع هذا . أما في قضية المنطق هناك مسائل لا عقلانية هذه حالات معنوية لا تدرس بالعقل وإنما تدرس بالأحاسيس والمشاعر والعواطف .(1/41)
وأين أنتم كفلاسفة من هذه الأحاسيس والمشاعر والعواطف؟ هل وصلتم إلى حسم هذه المواضيع وتعرفتم على مشكلة الفلسفة فيما يتعلق بهذا الموضوع الصوفي ؟ والذي يقوم به الصوفيون وهم يدركون من خلال معايشتهم للحياة الصوفية المعنى الذي أدركوه بأحاسيسهم ومشاعرهم وبعواطفهم ولم يدركوه من خلال العقلانية وبالتالي هي ليست رؤية عربية بل هي رؤية إنسانية يعني رؤية الإنسان بصفة عامة حول هذا الموضوع ، وشكرا .
الأستاذ إبراهيم بشير الغويل :(1/42)
أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وكالعادة لابد أولا أن أحيي هذا المركز بما يتيحه من هذه اللقاءات أما بعد ذلك فأنا أود أن أكون واضحا في منتهى درجات الوضوح . إن الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش بهذه المحاضرة وإن كان من قبلها هو معروف لدي يؤسس ويجب أن يكون واضحا يؤسس لمدرسة في علم اللسان العربي المبين وإقامة ثقافة عليه ولابد أن نؤكد هذا المعنى وأن نعترف به وأن نحتضن هذا الفكر وهذا الرجل وأن نعلن أن هناك إماما من هذا المجتمع لابد أن يتبين في تأسيس مركز يقوم على هذا الفكر الواضح الذي ستكون له دلالاته الكبيرة ونتائجه الكبيرة ومترتباته في تاريخ الفكر الإنساني . إن الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش لابد أن يكون واضحا في الأذهان أنه مدرسة ويؤسس لمدرسة ولابد أن تعطي كل الجهود وكل الإمكانات لهذا الرجل وأن يؤسس هذه المدرسة وأن يتابعها وأن يتفرغ لها وأن يقيم أسسها وأن يكون له تلاميذه ومدرسته التي ستكون ليس في المجال العربي فقط ولا في المجال الإسلامي . بل للإنسانية كافة . إن هذه المدرسة التي يعلن الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش عن قيامها وتأسيسها وبهذه الرؤى التي تكشف عن أبعاد لابد أن يفكر فيها العالم الإسلامي ككل ليرى هذه الرؤى . أنا بالنسبة لي اليوم يتضح أمامي الكثير من المعاني القرآنية والكثير من المعاني التي ستمثل امتدادات في الفكر والمعرفة وأنا أستمع لهذه المحاضرة أنا أؤكد وتابعت أيضا ما لم يقله لأنني كنت أمام اللوحة التي كانت تعرض باقي النقاط وكنت أتابعها وأنا أتابع المحاضرة . هذه الرؤية لابد في هذا البلد أن يؤسس لها وأن يمكن لها وأن تأخذ كل أبعادها وأن يكون لها تلاميذها الذين يدرسونها ويتابعونها ويكونون خير عون لهذا الأستاذ الكبير الذي يعلن تأسيس هذه المدرسة والتي ستكون لها متراكباتها في مختلف المجالات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وكل الأبعاد الحضارية والثقافية .(1/43)
أنا أهنئ حقيقة الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش بهذه الرؤية بل أهنئ هذا البلد نهنئ أنفسنا أن يكون المهدي يمثل هذا الامتداد لرجل لابد أن نذكره في مثل هذا المقام وهو الأستاذ الدكتور ياسين عريبي الذي للأسف أضاعته هذه البلد علما بأن قائد الثورة في هذا البلد بمجرد أن رآه في المؤتمر الفلسفي الأول كلف جهات متعددة ولا أريد أن أتحدث أن تؤسس له مركزا للدراسات الفلسفية وأن تعطيه كل المجال ولكننا نحن للأسف لا نحاول أن نبني وأن نعطي هذه المجالات . أنا متأكد أن هذا البلد وفي عهد معمر القذافي سيؤسس لهذا الفكر الفلسفي والذي ستكون له أبعاده للأمة العربية وللعالم الإسلامي وللإنسانية . شكرا للأستاذ الدكتور المهدي على هذا الجهد وأرجوا أن يتواصل وأن تتأكد أنك فعلا تؤسس لمدرسة تتجاوز مدارس أخرى في العالم يتحدثون عنها ويحاولون أن يروجوا لها . وأنا اعرف أن للأسف أن مؤامرات الصمت ومؤامرات الكيد والتعويق هي التي تسود في بعض المناطق المتخلفة وشكرا .
الدكتورة سالمة عبد الجبار :(1/44)
الحقيقة قد لا أعطى هذه المحاضرة الرؤية الدقيقة خاصة فيما استمعنا إليه من مداخلات الزملاء الذين سبقوني . بداية أود أن أشكر المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر على هذه السنة الحميدة التي اتبعها في مثل هذه اللقاءات والتركيز أيضا على العديد من الموضوعات المهمة والجادة . ومن أهم هذه الموضوعات ما تفضل به الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش وهو موضوع البيان والمنطق وتقديم رؤية عربية من خلال تسليط الضوء على مشكلات الفلسفة . الحقيقة هذه المحاضرة قد لمست عقول الحضور بشكل متميز ، وارتكزت على قضية جوهرية وهي مسألة استنهاض العقل خاصة في هذه المرحلة من محاولات الاغتيال المستمرة ليس للعقل العربي فقط وإنما العقل الإنساني على المدى الكوني باتساع هذه الدائرة الكونية . اغتيال العقل بمحاولة إماتة كل ما يمت إلى الذات وإلى الكينونة وإلى الهوية بصلة وتذويب كل هذه الكيانات الثقافية والفكرية في دائرة واحدة وضيقة . هذا الموضوع الحقيقية موضوع البيان وموضوع المنطق ومشكلات الفلسفة استمتعت على المستوى الشخصي بشكل كبير جدا ربما والأستاذ الدكتور ونحن نلتقي الحقيقة كثيرا وأنا تسعدني هذه اللقاءات الفكرية في إطار مشكلة الفلسفة خاصة ونحن نتعاطى حتى على مستوى العمل الأكاديمي وتدريس هذه المادة للعديد من الطلاب في مجال الدراسات العليا وربما نشعر بشيء من الألم في مسألة تقديم الفلسفة كيف نقدم الفلسفة للطلاب خاصة في عصر كما يقول البعض يشهد موت الفلسفة . ما هي الفلسفة؟ وهذا هو الهم الذي يشغلني بشكل ربما أكثر منذ سنوات خاصة بعد هذه المرحلة من العمر في التعاطي مع الفلسفة كطالبة في مدرجات الفلسفة ثم كعنصر يحاضر في هذا الموضوع .(1/45)
هل تستطيع الفلسفة ضمن هذا الإطار الذي تقدم به الأستاذ الجليل في طرح منهج الفكر العربي وفي محاولة تقديم المشروع للوصول إلى الحقيقة هل تستطيع الفلسفة - لا أريد أن أقول الفلسفة العربية أو الإسلامية - ملامسة هذه القضية بشكل جوهري خاصة ونحن أمام كم هائل من التراث ؟ كيف نستطيع أن نتعامل في إطار الفلسفة مع هذا الكم الهائل من التراث ؟ ثم أين هو مجال النقد ؟ ما هي الروح النقدية التي نستطيع أن نتعامل معها في ظل هذا الإطار حتى يستطيع أن يكون بيانا أكثر وضوحا وحتى نستطيع أن نقدم منطقا بشكل مقبول في إطار أو في مرحلة زمنية تشهد موت الفلسفة ؟ ما هي أولويات الفلسفة ؟ ما هي المشكلات الحقيقية التي نستطيع أن نصل إليها ونسلط عليها الأضواء حتى نستطيع أن نقول إن هذا المنهج يصل بنا إلى الحقيقة وإن هذا المنهج يقدم مشروعا للتفكير الأصيل والتفكير الذي يوصل بنا إلى الحقيقة ؟ شكل آخر من المقايضة نتمنى أن نستمع إلى توضيح في هذا الإطار، وشكرا.
الأستاذ لطفي سالم - أستاذ القانون :(1/46)
قد يعتقد البعض أن المحاضرة لا علاقة لها بالواقع وتغيير الواقع لكن الحقيقة هذه المحاضرة وهذه الأطروحة تقع في صلب تغيير الواقع لماذا ؟ لأن تغيير الواقع دائما يبدأ بالفهم يعني أي تغيير لابد أن يسبقه فهم . والقائد دائما يؤكد أن المشكلة مشكلة ثقافية بالدرجة الأولى . ويبدو أننا لم نستطع إلى الآن أن نرسخ ثقافة التغيير حتى نستطيع أن نقوم بفعل التغيير . إذا نعتقد أن هذا الموضوع له علاقة بعملية تغيير الواقع العربي ، لأن الفهم والمفهوم والمفاهيم هي بداية التغيير الثقافي الذي هو المدخل الحقيقي لعملية التغيير . حتى السيد المسيح قال : " في البدء كانت الكلمة " أو هكذا تنسب له هذه الجملة . أولى مشاكلنا العربية على الأقل من المنظور الفلسفي هو غربة فهمنا للغتنا عن واقعنا نحن نفهم لغتنا بشكل عام وخاصة النص القرآني بشكل غريب عن الواقع . أتحدث عن الأغلبية " الثقافة السائدة " هناك مجافاة لفهمنا للغتنا مع واقعنا مع إرادة التغيير . هذه الغربة تؤدي إلى تعميق الأزمة ولا تحلها ، يعني فهم الزنادقة مثلا للغة وللنص القرآني هو فهم يعمق الأزمة ، أيضا فهم معتنقي الفلسفات الفلسفة الهرموسية والفلسفات الشرقية القديمة أيضا لا يعيننا على تغيير الواقع ، وإنما يعمق الأزمة ، ويعمق الغربة بين اللغة والواقع . والحقيقة أنه لولا الرسالة المحمدية حتى لا أقول القرآن وأنا فهمت ما يقصد الدكتور في الفصل بين كلمة القرآن وكلمة المصحف والحقيقة أنه لولا الرسالة المحمدية لما طرحت هذه الإشكاليات وهنا اقصد الإشكاليات بالمفهوم الفلسفي الإيجابي يعني أن النص القرآني نص منتج للإشكاليات وبالتالي هو نص دائم الحيوية دائم الحياة .(1/47)
صلاحية الرسالة المحمدية لكل زمان ومكان هي التي أنتجت هذه الإشكاليات نص منتج النص القرآني عندما قعدت اللغة العربية في العهد العباسي قعدت أو قعد النحو هناك من يقول للحفاظ على النص القرآني ، يعني دائماً كان هاجس الحفاظ على النص القرآني موجوداً ، واليوم ها نحن أمام محاضرة تقدم رؤية فلسفية بيانية منطقية للغة القرآن تساعد في تغيير الواقع . خلاصة القول نحن في حاجة إلى تحريك فهمنا للغة خاصة لغة المصحف حتى يجيب هذا الفهم على أسئلة الواقع حتى لا يكون هذا الفهم معوقا لحل مشاكلنا . إننا في حاجة إلى مثل هذه الأطروحات لمكافحة الفهم الأعجمي للمصحف وأقصد بالفهم الأعجمي كما قلت الهرموسية والفلسفات المشركة الشرقية القديمة والذي يحتل المكان الأكبر في الثقافة العربية الإسلامية السائدة جل ثقافتنا وهي ثقافة بعيدة غريبة جدا عن النص القرآني وذكر الدكتور يعني موضوع المرأة أنا أعجبتني قصة الذكر والأنثى . أود من الأستاذ المحاضر زيادة شرحها بتفصيل أكثر . نحن نحاجج بينهم عندما نقول في القرآن إنه يساوي بينهم خاصة فيما يتعلق بالإرث . جميل جدا أن الدكتور يطرح هذه الفكرة حتى نخرج من هذه القصة ربما من الناحية اللغوية نجد لها فهما لغويا أفضل . موضوع الجنة ، موضوع المعراج ، موضوع الميراث ، الكثير من الموضوعات لازلنا نفهمها فهما غير قرآني فهما فلسفيا . ما قبل القرآن فهم هرموسي ( غر نوصي ) إلى غير ذلك أسئلة في النهاية إلى الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش أيضا ما الفرق بين القرآن والمصحف يعني أن الكثيرين سمعوا الكلمة ربما لو توضح هذه النقطة أكثر . أيضا موضوع الذكر والأنثى . موضوع الجنة . يعني هذه المواضيع لو توضح أكثر حتى تفهم ، وشكرا .
مدير المحاضرة :
الأستاذ فرج بن لامه :(1/48)
نفسح المجال الآن للأستاذ المحاضر للرد على هذه المداخلات ، ثم بعدها نعطي الفرصة لبعض المداخلات وطرح الأسئلة ، يتولى بعدها الأستاذ المحاضر الرد عليها.
المحاضر الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش :
أنا شاكر جدا كل هذه الملاحظات وأنا أشعر بالخجل لهذه العبارات عبارات محبة على أي حال نحن نقبلها لكن لا أريد أن أعطي نفسي مصطلح المشروع إلا إذا قبل الأستاذ إبراهيم الغويل مصطلح الشرعة في العربية ، طبعاً لا يستخدم فيما يسمى ---------- التصفيفي ، وهذه ظاهرة عربية وأنا أتكلم بكل قوة لن تجدوها في بقية الألسن وهي عملية الإبدال المكاني للأصوات الصوت غير الحرف والحرف غير (Letter ) المكتوب . الحرف في العربية الدقة ومقاربة الانحراف ويسمون حرف الجبل هذا الدقة في الاستخدام وهذا ليس له علاقة (Letter ) وهي ترجمة للكتابة ، وله علاقة بـ( Literature ) وهو المكتوب ، أنا أتكلم عن المكتوب بالمعنى المتجدد من خلال الحبر الأسود الذي يكتب به حتى موضوع الكتاب . القرآن كتاب قبل أن يكتب بمعنى فريضة . مثل " كتب عليكم الصيام " ولهذا القرآن كتاب هذا الإطار هو أنه تحول هذا الكتاب إلى رمز ثم كتب على الورق . وأنا سألت طلابي سؤالا لأن الآن بدأت هناك قدسية للورق . أنتم تعرفون أن الورق بعض الأساتذة يتحدثون بأن له علاقة ( بالأرشيف ) الذي له علاقة ( بالارسيو ) وهو التاريخ . يعني الأرشيف يأخذ قدسية . سئلت قلت لهم لو واحد مزق صفحة من الورق فيها قرآن قام واحد من الإخوان قال أنا أقتله قلت له لو كسر شريطا عليه قرآن قال ننصحه يعني تلاحظون قصة الورق بدأ يأخذ طابع قدسية غير انتهاك حدود الله يعني أن المسلمين يخرجون في مظاهرات إذا مزقت ورقة ، لكن ينتهك القرآن كل يوم لا أحد منهم يغضب . طبعا أنا أدعوا لموضوع آخر وهو قراءة القرآن غير الورق الذي نستخدمه نحن اليوم . طبعا الورق جيد .(1/49)
والآن هناك أناس خائفون على قصة الكتاب الإلكتروني والورق وقصة ----------- يعني الحاجات الملموسة أنا أدعوا لقراءة القرآن غير الورق وأنا طبعا أذكر الآن فيلسوفا كبيرا وهو الأستاذ ( محمد إقبال اللهوري ) طبعا أنا أحب هذا الرجل وهو رجل فلسفة ورجل إشراقي كبير . قال أنا كنت في الصباح أقرأ القرآن فسألني أبى وقال لي ماذا تقرأ قلت أقرأ القرآن قال يا ابني اقرأ القرآن كأنه نزل عليك وهذه قيمة الحفظ لما يسمع القرآن من الداخل ثم يخرج أو عندما يكون مفارقا على ورق يعني هذا هو موضوع الحفظ وهذا يجب أن ننتبه له هذا ليس من باب الدعاية انتبهنا في الجماهيرية إلى عملية حفظ القران الكريم يعني أهمية أن يكون القرآن في الداخل يخرج بدلا من أن يكون مفارقا في موضوع ورقة . وجماعة الفلسفة يتكلمون على موضوع أفلاطون ولم يتكلموا على قضية البعد عن الحقيقة بدرجة أو في الحقيقة بدرجتين .(1/50)
المشروع في العربية لو نعمل إجراء تدقيقيا في الشرع رعش أعرش كلها بمعنى أن المشروع ليس ( Project ) الذي هو عملية إسقاط ( Projection ) وهذا وفقا للنظرية الغربية أن النظام الهرمي في القمة يعمل عملية إسقاط للأفكار من أجل أن تطبق . مثل كلام أفلاطون أن الفلاسفة هم الرأس ، يعني يعمل عملية ( Projection ) على ( الثيوس ) ويعمل عملية ( Projection ) على (الديموس) وهو الآخر يعكس ( السموس ) الذي هو القوات المسلحة حتى تفرض رأي ( ثيوس ) وفق البناء الهرمي . يعني لا يمكن أن يكون المشروع مشروعا ، طبعاً نتكلم عن المشرعة على الشريعة على الشرعية على إمكانية الشروع على حالة العروش ومنها يأتي يا أستاذ حسن عريبي الشعر . يعني الشعر هو حالة العروش وحالة الشعور الأدب ، كذلك بدأ ودأب وأبدية وأوابد ليست ( Literture ) الأدب في العربية ليس ( Literture ) له مضامين أخرى ، ولهذا في العربية أن المبتدأ هو انتقال الاسم من العموم إلى مشروع الابتداء ويعبر عنه الخبر ، والخبر في العربية له علاقة بالظروف يعني قد يأتي الخبر شبه جملة . أنا كنت مرة أمينا للثقافة وكان عندي لقاء مع وزراء الثقافة المسلمين وقلت لهم تعلمنا في مدرسة النحو العربي أن المبتدأ هو المبدأ وان الخبر قد يكون اسما مفردا أو جملة اسمية أو فعلية أو شبه جملة بين الظرف كما هو حال العرب ، نحن الآن نقع بين الجار والمجرور وبين الظرف . إنه ليس الكسر علامة الجر ولا الجر علامة الكسر لأنه لا يجر إلا المكسور . بالعكس أنا لا أتكلم عن القواعد . أنا أتكلم عن حالة النحو كيف أفهمها أن الذي يكسر يجر . وليس الذي يجر يكسر .(1/51)
ولقد عملت مراجعات لبعض المصطلحات العربية الاسم العلم قلت أنا مرة إن ما يسمى باسم العلم هو ليس علما هو اسم عام بدليل أنه حتى في اسم محمد ليس اسم علم هو اسم عام بدليل أن نضيف أو نصفه فنقول محمد بن عبد الله وإذا كان اسم العلم معرفة لا يحتاج إلي إضافة الذي يضاف النكرة أو في حكم النكرة وإلا لماذا يضاف محمد إلى بن عبد الله وفي العربية نحن عندنا أن العلم حتى في منطقة الشرق يقول فلان علم ، علم يعني جبلا لا يصير الإنسان علما ألا إذا برز وتميز كأنه علم في رأسه نار . كلمة علم لها علاقة بلمع لها علاقة بعلم لا يصير الإنسان علما إلا إذا علم فعمل فلمع فأصبح علما هذا هو القلب المكاني لدلالات الألفاظ . فالمبتدأ هو المبدأ يعني ليس بالضرورة أن يكون صاحب المبدأ دائما اسما مفردا ليس بالضرورة كما تسمى باللغة الإنجليزية حالة ( الدوغما ) يعني حالة واحد متيبس . محمد أمين لا . مرات محمد يكتب الدرس مرات محمد كاتب . ومرات محمد في الفصل ، ولكن المبتدأ يظل دائما مبتدأ المشكلة في العربية أن المبتدأ هو الذي يتغير عندما يتغير المبتدأ يضيع المفهوم الخبري للجملة انتهى والآن نحن نقاتل من أجل أن يبقى المبتدأ أو يبقى المبدأ ولكن قد نضطر أحيانا إلى أن نكون في وضع شبه الجملة قد نضطر ولكن هذا وضع بائس لابد من الخروج منه . كما في العربية أن الأصل في العربية الرفع وأن النصب والكسر هو عرضي . الظاهرة الأخرى أن العرب لا يبدؤون بساكن وهذا يعبر عن منهج التفكير المتحرك أنا لا أتكلم عن العرب كجنس أنا أتكلم عن العروبة كحالة بيان عام في سورة الرحمن " الرحمن خلق الإنسان علمه البيان " الإنسان ينتكس ، وأنا حتى الذين يعتقدون أنهم منسبون للعرب قد ينتكسون في الضلالة " ثم رددناه أسفل سافلين " أنا لا أتكلم عن الإنسان المتجسد من لحم ودم . أنا أتكلم عن مشروع في منهج التفكير أنا لا أتكلم عن العرب كجنس .(1/52)
يعني أن كثيرا من غير العرب هم عرب بمنهج التفكير وكثيرا من العرب هم أعاجم وإن كانوا من شجرة النسب إلى أول العرب . أنا أتكلم عن هذا المنظور . أنا أتكلم عن المشروع الكبير وهو المشروع الذي وضعه القرآن كمشروع إنساني وهذا يقتضي رحمة الله " خلق الإنسان علمه البيان " لكن المنطق عملية حسابات لم يقل علمه الحسابات قال : " الشمس والقمر بحسبان " وهذا موضوع آخر له علاقة بعلم الظواهر ودراسة الحسابات أما البيان هو القراءة أو القدرة وأنا قلت إن القرآن هو مشروع للقراءة ، وإن القرآن عندما يقول على سبعة أحرف ليس أسلوب القراءة لا سبعة جوانب لفهم القرآن تتخذ مواقف متعددة وليست رؤية واحدة وليس القراءة ، يعني حتى موضوع التلاوة أن يتلو القرآن بعضه بعضا والترتيل . الله هو الذي رتل القرآن ولهذا الآن يتم عملية التنكيس . حتى في الصلاة التنكيس وأنا قلت مرة في المشروع السياسي العربي قلت إن السلام يأتي أخيرا ويبدأ بـ الله أكبر لكن لا يمكنك أن تبدأ مشروع الصلاة أو الاتصال أو مشروع الأمة بالسلام عليكم لا توجد إمكانية في المشروع السياسي . خطأ جدا أن تبدأ بالسلام عليكم وبعد ذلك تقول الله أكبر لا يأتي هكذا . يعني لابد أن تبدأ الله أكبر ثم تقوم بهذه الحركات ثم بعد ذلك تقول السلام عليكم لكن لا تبدأ بالسلام عليكم وهذا اسمه بائس لأن فيه مشروع تنكيس لمنهج التفكير العربي .(1/53)
الموضوع الآخر هو موضوع الهوية . أنا شخصيا أكره هذا المصطلح لا أحبه يعني العرب الآن يدافعون عن الهوية نحن الآن في حالة هوية الهوية هو الغائب الهوية لما تكون الأمة في حالة هوة غائبة إذا الآن نحن في حالة هوة نقول إنا ندافع من أجل الهوية لازم ندافع من أجل الخروج من الهوة من الغائب إلى هذه " الأنا " إلى هذه الذات التي تشارك في الموضوع . هذا عبارة عن توظيف سيئ لـ( ID ) لفرويد وهو يقصد التحدث عن ( ID ) هو يقصد أن ( اللوجو ) و ( السوجولوجو ) أو الطبقات لماركس ترجع إلى ( ID ) الأرشيف للأصل التملودي ، نحن لا نتكلم عن ( ID ) وأنا طرحت موضوع الأنا ، والذات .
المصطلحات بالنسبة لي كمصطلح الأمية . أنا لا أحب حاجة اسمها محو الأمية هذه كارثة في الفكر الأمية نسبة إلى الأم وحتى عندك شهادة الماجستير أو شهادة الدكتوراه لابد أن تكون أميا نسبة إلى الأم عودة إلى الرحم . القرآن لا يفهمه إلا أمي ومنها جاءت عملية الأمة ومنها التيمم القصد يعني لماذا التيمم بالتراب ؟ هو رمز للعودة إلى أصل الخلقة لأن الإنسان خلق من تراب ، ولهذا يعاد احترام الأرض في المشروع البياني يعاد احترام الأرض تيمم قصد أما قصد الأمة مقصد ولهذا بعض المصطلحات الآن بدأت تهرب منا موضوع التراث لو أنا استخدم في العربية كلمة إرث يعني الإرث هو أثر . وهو ثأر . الإرث أثر وثأر ، يعني الإنسان الذي لا يسعى لإرثه لا أثر له . عندما تفقد الأمة القدرة على الثأر سينقطع ظهرها ، ومتنها ويصبح لا أثر لها . الموضوع بعد ذلك يا سادة هو ميراث وليس تراثا ميراث ورثناه لكنه ليس إرثا وأنا معكم يجب أن نبدأ في مشروع تصفية الإرث من الميراث وستجدون أن كثيرا مما نستخدمه الآن هو مناقض كبير لما ورثناه عن آبائنا الأولين أو عن الذين احتك بهم آباؤنا الأولون .(1/54)
النقطة الأخيرة علاقة الكلمة العربية بالمفهوم . منهج التفكير العربي يقدم المفهوم جسدا . والرسول صلى الله عليه وسلم أشار في حديث لموضوع مهم جداً ، " ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " هذا ليس موضوعا أو حديثا عاديا هذا موضوع سيخرجكم من النظرية التفكيكية والتركيبية . المنهج التفكيري الأوروبي هو منهج تركيبي وليس بنيويا . ولهذا ( الفونييم ) بالإنجليزية لا معنى له إلا إذا ركب مع ( فونيم ) آخر ، هنا عملية التركيب بالإنجليزية ( مورنيم ) وهذا ينطبق تلقائيا مع النظرية الفردية الليبرالية التي يسمونها الحرية وهذه ليس لها علاقة بالليبرالية . الليبرالية استقلال . كل واحد يستقل عن الآخر فينعزل عنه ضمن نظرية المذهب الفردي . لأن الأفراد في المكون التركيبي جماعة . أنا لا أتكلم عن الجماعة . أنا أتكلم وفق القاعدة البيانية التي تدل على زيادة المعنى . القطيع يؤسس جماعة ، ولكنه لا يكون مجتمعا ، ولهذا ( هنتنغتون ) عندما يقول إعادة تشكيل العالم هو يتكلم عن المنهج التركيبي . ( Reforming ) هو يتكلم عن ( Form ) شكل هو يتكلم عن نوع من ( Format ) الأشكال أو إعادة التشكيل (Reforming ) أنا أدفع بمصطلح الكينونة والتكوين الذي هو مؤسس على الوعي ومؤسس على الإرادة. الإنسان ليس مادة خامة يوضع في قوالب . الإنسان له وعي ، وله إرادة . وبالعكس أن عظمة الإنسان هي الخروج عن القدر المفروض . لو أن الدكتور إبراهيم ينتبه معي قليلا أنه لولا أن اقتضت حكمة الله أن يقترب آدم من الشجرة بعد أن عصى ، عصى يعني تعصى ثم انتبه فتعصى فاقترب من الشجرة فبدأ الشجار لولا لم يقترب .(1/55)
والله قال " إنى جاعل في الأرض خليفة " فهو عصى والعصى توحي بعملية الشجرة ثم عملية التفرع ولهذا العالم يتكلم عن الشجار ولهذا فإن مشروع الثورة هو مشروع الخروج من القوالب مشروع العصيان مشروع التمرد مشروع الخروج من القمقم . وأنا أنبه أن قصة علاء الدين والمصباح السحري هذه قصة فلسفية وليست للأطفال هي ليست للأطفال هذا معناه أن علو الدين لا يأتي إلا بالخروج من القمقم . في داخلك قمقم ، إرادة يجب أن تنفجر . ولكن هذه الإرادة تتم وتنفجر بالحك . لما تحك أو عندما تعمل عملية قشط لهذه الإرادة المكبوتة داخل القمقم تبدأ حالة الانفجار ويبدأ مشروع الكينونة . أنا لا أتكلم عن جنس . أنا أتكلم عن مشروع أنساني . أنا أتكلم عن مشروع، عن منهج تفكير أدعي أن هذا المنهج وهو منهج يعني أنا لست مبدعا . أنا تلميذ صغير في مدرسة كبيرة ربما موضوع الصوت وأنا تكلمت عليه . إن العرب كمنهج تفكير إذا أرادوا أن يعبروا عن مواقع القوة استخدموا الحروف الحلقية التي انتبه إليها الفيروزآبادي ، ولهذا القرآن عندما يعبر عن يوم القيامة سيستخدم الحاقة والغاشية والصاخة والقارعة وأنا قرأت ترجمات القرآن ولم أجد ترجمة لكلمة الصاخة . القارعة الغاشية الحاقة التي تحيق بالإنسان ، ودلالة الحين الحلقية ودلالة الغين الحلقية ، لكن عندما نتكلم عن السلام عن الوسواس الخناس ستجد في سورة الناس " الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس " هو يعطيك صورة أن الحروف السينية هي أسلوب الشيطان في التغلغل لا يمكن أن ينطق بالقاف والعين والغين سيدخل الشيطان بالسين والصاد وربما السلام هو بداية في استخدام هذه الحروف السينية لتغلغل الشيطان من جديد في قلب الناس وأنا أدعوكم إن شاء الله أن تقرؤوا المعوذتين دائما مثل سورة الناس وسورة الفلق ، وشكرا للجميع .
مدير المحاضرة :
الأستاذ فرج بن لامه :(1/56)
شكرا دكتور المهدي طبعا توجد تساؤلات من بعض الحضور . سنسرد هذه التساؤلات منها ماله علاقة بموضوع المحاضرة وبعضها مجرد أسئلة في مفاهيم فلسفية .. سؤال كيف تعبر القيم عن حالة الوجود والكينونة ؟ ما هي فلسفة كلمة القراصنة أو القرصنة ؟ أيضا واحد يسأل عن عدم اهتمامك بالتحدث عن وضع الغروب فيما يتعلق بحديثك عن الصبح والظهر . سؤال آخر يتعلق بعلاقة قواعد النحو في الفلسفة وما الفرق بين اللسان واللغة وكذلك حول الفلسفة التجريبية وماهية الفلسفة التجريبية ؟ هناك سؤال أخير يرغب مقدمه في طرحه بنفسه فليتفضل .
هشام عراب – صحفي :
تمت إشكالية في الفكر الإنساني متعلقة بفلسفة الإحلال التي تم تجسيدها في أفكار سياسية واقتصادية واجتماعية أصبحت مقبولة عند الناس ، يعني الناس ذهبت خلف الحلاج وآمنت واعتقدت به إلى أن قطعوا رأسه وعاقبوه العقوبة التي ربطت بالزندقة . الآن الفكر الإسلامي الصحيح والثوري غير مقبول ، لماذا لا يقبل ؟ إذا هناك إشكالية ، لماذا لا يقبل الفكر الإسلامي الجماهيري ؟ أعتقد بأن ذلك نتيجة لاحتلال الفكر الإنساني . لتراكم فلسفي رجعي عبر عصور وهذا مبطن ويجب أن يتم الإفصاح عنه وكشفه وتعريته وهذا موضوع خطير وهذه هي المعركة التي خاضتها المعتزلة في إظهار وإبانة العقل الإنساني وتعظيمه وكان لهم الفضل في أنهم بدؤوا بالمدخل الصحيح وأكدوا بأن القرآن جاء لتعرية موضوع الحلول والتناسخ ، وأن الله هو الله، والبشر بشر " وأمرهم شورى بينهم " .
المحاضر الأستاذ الدكتور المهدي امبيرش :(1/57)
أنا عملت دراسة ممكن تجدونها على الموقع اسمها الفلك والسياسة أزمة علاقة الفلك بالسياسة , وأنا أدعي أن الفكر القديم وحتى الآن يعتقد أن الأرض مسطحة وأن السماء فوقها مسطحة وأن الله في السماء وأن هناك فراغا يجب أن يحل بين السماء والأرض ، وهذا الذي بنى عليها أفلاطون الفكر الثالوثي ، ولهذا الكنيسة خرجت جاليليو ، وحاربت كبرنيكس ، لأنه قال الأرض تدور لأن مشكلة الأرض تدور ستعمل ثورة كبرنيكية في الفلسفة كان من المفترض أن تبدأ الثورة الكبرنيكية في الفلسفة لكن حتى الآن ما زالت قصة الظاهر والباطن وقصة التأويل وأن هناك قلة فقط تستطيع أن تفهم القصد الأول للتأويل يعني معرفة قصد الأول حتى القرآن الآن يقدم باعتباره ظاهرا وباطنا وأن هناك قلة فقط هي الصفوة بمعنى أن الكثرة هي مكدرة وملوثة وأن هناك عملية تصفية وحتى في المصطلح السياسي هناك ترشيح يعني أن الجماهير ملوثة ونعمل لها عملية ترشيح حتى تخرج الصفوة أو الملأ الذين يملؤون الفراغ بين السماء والأرض عندما نقدم الأرض باعتبارها كوكبا متحركا هنا ينتهي ولهذا يقدم القرآن باعتباره مشروعا للقراءة للناس ولكن حسب الوسع " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " لا يوجد خاص وعام . ولو أصبح القرآن للخواص وللعوام لن يكون هناك مغزى في أن يكون القرآن شريعة للناس . هذا نوع من الثيوقراطية أنت عارف أن الثيوقراطية هو ( الثيوس ) أن هناك أناسا يحولون الغيبي أو ( الثيوس ) أو الإلهي إلى سلطة ( كراتس ) مقابل ( الديموس ) أو الدهماء أو العامة . الله رب الناس ولهذا نتكلم رب العالمين ورب الناس ، ولهذا نحن نحتاج إلى حركة .(1/58)
والسيد النيهوم تكلم عنها، كذلك تكلم عنها على شريعتي في كتابة الدين ضد الدين وهو حقيقة أول من كتب هذا الكتاب الذي أخذ منه الأستاذ الصادق النيهوم بعض الأشياء في كتابه العدل والإسلام ، حقيقة على شريعتي هو أول من كتب كتاب الدين ضد الدين وهو الذي وضع هذا الكتاب وحارب ما يسمى بالتشيع الصفوي والتسنن الأموي هذا الرجل عالم كبير قد نقبل بكثير من آرائه لكنه عالم إيراني كبير ومناضل وهو أستاذ علم اجتماع نريد أن نخرج القرآن من الهوة من الغائب ونقدمه للناس عربيا وميسرا وبسيطا لكن السلطة دائماً في أي مكان من العالم تريد أن تحتكر المعرفة وأن تحتكر الفهم من أجل حكم الناس . وأكثر الدكتاتوريات في العالم هي الدكتاتورية الغيبية التي تدعي أنها هي تحاكم الناس باسم الله . يعني يجب كسر هذا السجن الكبير المعرفي والمفهومي والقيمي وأن لا نخوف الناس من القرآن ومن أكتر الأشياء التي يمارسها الثيوقراطيون أن القرآن لا يلمسه إلا المطهرون بينما القرآن يتكلم عن المس وليس اللمس حرف اللام في العربية حسية المس المباشر هو داخل والمطهر اسم مفعول وليس اسم فاعل ليس معناه أنك أنت تذهب تغسل جلدك حتى تمس الورق قال لا يمسه يعني لا يدرك مفاهيمه . مثل المس الكهربائي قد تلمس الخيط فيحدث مس . القرآن يتكلم على المس . " لا يمسه إلا المطهرون " أي الذين طهر الله قلوبهم " النص القرآني ، وقالوا إذا كانت المرأة حائضا وتريد أن تقرأ القرآن فعليها أن تأخذ عصى لتقلب بها المصحف . القرآن كما قلت مشروع للقراءة وكتاب قبل أن يكتب وهو للناس وأنا إذا كان قدمت هذه الأشياء يا أستاذ إبراهيم بكل هذه المحبة . أنا قلت رؤية مش رويا وأنا طبعا اقصدها قلت رؤية بالتاء المربوطة ممكن يعني بعد خمس سنوات نقول كلاما آخر بعد سنة نقول كلاما آخر هذه رؤية بالتاء المربوطة حتى لا تمسكوا علي هذا المشروع للتفكير يعني ليس لي أنا فقط هذا للكل .(1/59)
أنا طرحت مجموعة من الأسئلة. وأعتقد أن مشروع الفلسفة ليس لتقديم الإجابات ، مشروع الفلسفة لتقديم الأسئلة . إذا أراد الإنسان أن يكون فيلسوفا بمعنى باحث عن المعرفة يتعلم كيف يطرح الأسئلة . وأنا طرحت ما الفلسفة لأن الميم حالة وجودية والآلف حالة إطلاق إذا هو مشروع للمستقبل وهذا القرآن ما دام يعلم ما في الأرحام جاب الميم الوجودية وجاب الإطلاق حتى يضع ما في الأرحام ضمن المشروع الغيبي والآني . هذه عبارة عن اجتهادات إذا أصبت أرجو أن يكون لي أجران ، وإذا أخطأت أنا قابل حتى بدون أجر، وشكراً .
مدير المحاضرة :
الأستاذ فرج بن لامه :
شكرا للدكتور المهدي على هذه المحاضرة القيمة . وأعتقد أن هذا الموضوع يحتاج إلى مساحة زمنية كبيرة . أتمنى من إدارة الندوات والمؤتمرات أن تفرد مساحة أخرى لمثل هذا الموضوع . شكرا للحضور . أتمنى التواصل مع فعاليات الموسم الثقافي للمركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر .
------------------------------------
ت . م . س. حمزة .. ( م . الفساطوي(1/60)