بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}[آل عمران].
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء].
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [الأحزاب].
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فقد عزمت على أن أجمع بحثا في مسألة التفريق بين الأنبياء والرسل لأني رأيت أن الحاجة داعية لذلك .(1/1)
بسبب حصول الإشكال في فهم بعض الآيات والأحاديث المتعلقة بهذه المسألة العظيمة ولقلة ما كتب في هذا الموضوع وقد كتب في ذلك بعض المعاصرين فجرى على عدم التفريق وأعتبر هذا غير كاف في نقل كلام أهل العلم في المسألة وتحريرها ولا أعتبر أني جئت بجديد وحسبي أني جمعت شيئا من الأدلة وأقوال أهل العلم ليتضح للقارئ الفرق بين النبي والرسول ، وهذا تفريق مهم لأنه متصل بالعقيدة ، وفيه إعطاء كل ذي حق حقه ، وإنزال الأنبياء منازلهم والرسل منازلهم . وهذا يعد من كمال التعظيم والتقدير لأنبياء الله ورسله ، ومن كمال العدل في حقهم . وقد حاولت أني لا أذكر إلا حديثا صحيحا كما هي طريقتي . ولا يفوتني أن أشكر الأخ الفاضل /حسين بن أحمد المنيفي الجرشي حفظه الله وبارك في علمه وثبته على دينه ونجاه من الفتن ما ظهر منها وما بطن . على تعاونه معي في جمع هذه الرسالة فالله أسأل أن ينفع بها إنه ولي ذلك والقادر عليه .
تعريف النبي لغة واصطلاحا
أما لغة فخلاصة تعريفات أهل اللغة للنبي تتلخص في ثلاثة أقوال :
1- أن معناه المنبئ عن الله المبلغ شرعه ـ بالهمز وبدونه ـ وهذا التعريف عليه أكثر أهل اللغة.
انظر "لسان العرب" (1/162) "مختار الصحاح" (ص642) "معجم مقاييس اللغة" (5/385) "النهاية" (5/3-4).
2- أنه مشتق من النبو وهو الارتفاع . والنبي على هذا التعريف معناه: المفضل على سائر الناس برفع منزلته فهو ارتفع على الخلق وعلا قدره فيهم. وعلى هذا التعريف مجموعة من أهل العلم . انظر "لسان العرب" (15/302) "معجم مقاييس اللغة" (5/385) "اشتقاق الأسماء" للزجاجي (ص294).
3- معناه الطريق ، وسمي النبي به لأنه طريق إلى الهدى . والتعريفات الثلاثة صحيحة ، فإن الأنبياء هم المصطفون بالوحي من الله , المبلغون شرعه , السائرون عليه .
وأما اصطلاحا فللعلماء تعريفات كثيرة وخلاصتها:
هو عبد اصطفاه الله بالوحي إليه والعمل به .(1/2)
ولا يخفاك أن من العمل بالوحي التبليغ له , والدعوة إليه , والحكم به , وسواء أوحي إلى النبي بشرع جديد أو كان على شريعة من قبله ، فالخضر نبي على قول الجمهور وهو الحق ومعه شرع يخصه. وأكثر الأنبياء على شريعة من قبلهم ، وهذا ظاهر جدا في أنبياء بني إسرائيل.
تعريف الرسول لغة واصطلاحا
للرسول في اللغة ثلاثة تعريفات:
1- أنه مشتق من الإرسال بمعنى التوجيه ، فالرسول هو المرسل من الله إلى البشر . انظر "لسان العرب" (11/283) "معجم مقاييس اللغة" (2/392).
2- أنه بمعنى ذو رسول ، أي: ذو رسالة ، كما في "الصحاح" للجوهري.
3- أن معناه المتابع للأخبار التي بعثه الله بها .
فخلاصة تعريف الرسول :
أنه المرسل من عند الله برسالة إلى البشر .
وأما اصطلاحا فهو عبد اصطفاه الله بالوحي إليه وإرساله إلى قوم كافرين.
ولا يخفاك أن الرسول البشري هو الذين أرسله الله إلى قوم كافرين وقد يكون على رسالة من قبله وقد يكون عنده شريعة جديدة ، وهذا أكثر وسيأتي.
شروط النبوة والرسالة في آدم وذريته
للنبوة شروط وهي كالآتي:
1- الرجولة . قال تعالى :{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} [يوسف].
قال جمهور العلماء : (لا نبوة في النساء استدلالا بهذه الآية وهو الحق . وأعلى مرتبة تصل إليها النساء المؤمنات مرتبة (الصديقة) قال تعالى :{ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة} [المائدة].(1/3)
فمن المعلوم أن النصارى قبحهم الله جعلوا المسيح ابن الله ، وجعلوا مريم إلها . قال تعالى :{وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} [المائدة] فبين الله في هذه الآية أعلى مرتبة وصل إليها عيسى وأمه فأخبر سبحانه أن المسيح رسول وأن أمه صديقة فلو كانت مرتبة لمريم ـ عليها السلام ـ أرفع من هذه وهي النبوة وبعدها الرسالة لذكر الله ذلك وسيأتي مزيد لهذا في الفروق بين الأنبياء والرسل .
2- لا يكون من الملائكة بل من البشر . قال تعالى :{قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} [الإسراء].
وقال تعالى :{وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون} [الأنعام].
نعم الملائكة رسل من الله إلى رسل الإنس . قال تعالى :{الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} [الحج].
3- لا يكون من الجن . قال تعالى :{الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} والقول الراجح أن الجن لا يدخلون في لفظ الناس .
ومن الأدلة على ذلك أن الجن يتلقون الإسلام من الأنبياء والرسل البشريين . قال تعالى :{ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف].
فلو كان مع الجن رسل منهم تخصهم لما كانوا متلقين للشريعتين الموسوية والمحمدية . وأما قوله تعالى :{يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} [الأنعام].(1/4)
فالرسل من الجن هنا هم من رسل الإنس كما وضحت ذلك آية الأحقاف ، وهذا قول جمهور العلماء .
4- يكون حرا ولا يكون عبدا ، ولا يعلم أن عبدا جعله الله رسولا قط ، وأما ما جاء في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((للعبد المملوك أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك)) فقوله : (والذي نفسي بيده ...إلخ) مدرج من كلام أبي هريرة كما في "صحيح مسلم" بلفظ ((والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد...)).
لا تثبت النبوة لأحد إلا ببرهان شرعي
لقد أكثر أهل السير والتفسير من ذكر أسماء أنبياء ورسل أخذت من كتب اليهود والنصارى . وقد ذكرت في كتابي "تحذير الأتقياء من عبادة قبور الأنبياء والأولياء" أسماء الأنبياء الذين ثبتت نبوتهم بالبرهان الشرعي ، وذكرت أسماء أنبياء لم تثبت نبوتهم ، والقاعدة هي أننا (لا نثبت لأحد من الخلق النبوة إلا بحجة شرعية ).
قاعدة : كل رسول نبي ولا عكس
لقد تقرر عند كثير من أهل العلم أن (كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا) وهذه بعض أقوالهم :
1- قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في "تفسيره" (12/54) بعد أن ذكر كلاما قال : (وهذا هو الصحيح أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا).
2- والقاضي عياض في "الشفاء" : (والصحيح الذي عليه الجم الغفير أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا...).
3- وقال ابن عطية في "تفسيره" (10/307) : (والرسول أخص من النبي ، وكثير من الأنبياء لم يرسلوا وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا...).
4- وقال البغوي في "تفسيره" (4/126) : (...وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا).
5- وقال البقاعي في "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" (13/70) بعد أن ذكر كلاما : (فالصواب أن يقال : النبي إنسان أوحي إليه بشرع جديد أو مقرر فإن أمر بالتبليغ فرسول أيضا...).(1/5)
6- وقال الشوكاني في "النيل" (1/30) بعد أن ذكر أقوالا في تعريف النبي والرسول قال : (وعلى جميع الأقوال النبي أعم من الرسول ...) وهذا توضيح لما أجمله في تفسيره "فتح القدير" (3/461).
7- قال البيهقي في "الشعب" (1/383) : (فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا).
8- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" : (10/290) : (وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا).
9- وقال ابن حجر في "الفتح" (11/112) : (وقد تقرر أن النبي والرسول متغايران لفظا ومعنى...).
وانظر (18/7) (7/10) و"كتاب الإيمان" له (ص6-7).
وقال في "النبوات" (ص255) : (فالنبي هو الذي ينبؤه الله وهو ينبؤ بما أنبأ الله به فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول ، و أما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول).
وقال الحافظ الحكمي في "معارج القبول" (1/74) : (والرسول بمعنى المرسل وهو من أوحي إليه وأمر بالتبليغ فإن أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ فهو نبي قط فكل رسول نبي ولا عكس...).
وقال السفاريني في "لوامعه" (1/49) : (فبين النبي والرسول عموم وخصوص مطلق فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا...).
وقال محدث العصر الألباني ـ رحمه الله ـ في "السلسلة" (6/1/364) : (واعلم أن الحديث وما ذكرنا من الأحاديث الأخرى مما يدل على المغايرة بين الرسول والنبي وذلك مما دل عليه القرآن أيضا في قوله :{وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي...} وعلى ذلك جرى عامة المفسرين من ابن جرير الطبري الإمام إلى خاتمة المحققين الألوسي ـ قلت : وصف العلامة الألباني الألوسي بخاتمة المحققين فيه نظر ، فالألوسي شان كتابه "التفسير" بشر عظيم ألا وهو نقل التفسير الإشاري لملاحدة الصوفية مقررا لهم ومادحا وهو كالتفسير الباطني الذي يأتي لتحريف معاني القرآن ليس بالتأويل فقط بل بالتحريف الذي يؤدي إلى إبطال الإسلام كله .(1/6)
وقال ابن حزم في "المحلى" (1/50) : (والنبوة هي الوحي من الله بأن يعلم الموحى إليه بأمر ما يعمله لم يكن يعلمه قبل ، والرسالة هي النبوة وزيادة وهي بعثته إلى خلقٍ ما بأمر ما ، هذا لا خلاف فيه).
وقال الخطابي : (والفرق بين النبي والرسول أن النبي هو المنبأ المخبر ...والرسول هو المأمور بتبليغ ما نبئ وأخبر به فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا) نقلا من كتاب "الإمام الخطابي ومنهجه في العقيدة (333-334).
وقال ابن عثيمين كما في "مجموع فتاوى" (1/313-314) : (إن النبي هو من أوحى الله إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه بل يعمل به في نفسه دون الإلتزام بالتبليغ والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع وأمر بتبليغه والعمل به فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا).
وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" (ص158) بعد كلام له : (...فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا...).
فأنت ترى هذه الأقوال المتكاثرة الصريحة في تقرير قاعدة عظيمة وهي (كر رسول نبي وليس كل نبي رسولا) ورأيت أن القول بالتفريق هو قول الجم الغفير من العلماء.
الفروق بين الأنبياء والرسل
الفرق الأول : أن النبي من نبأه الله ، أي: أخبره فهو نبي . وأما الرسول فلا يكون رسولا حتى يضاف إلى نبأ الله له أن يرسله ، ولهذا يقولون: نبأ الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بقوله سبحانه :{إقرأ باسم ربك الذي خلق} وأرسله بقوله :{قم فأنذر} وهذا واضح جدا حيث إن نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم - سبقت إرساله وهكذا كل رسول أرسله الله . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (فمن نباه الله فهو نبي سواء أنبأ بذلك غيره أو لم ينبئه فالذي صار به نبينا أن ينبئه الله...كما أن الرسول هو الذي أرسله الله).(1/7)
الثاني : أن غالب الرسل أرسلوا إلى قوم كافرين . قال الله :{كذبت قوم نوح المرسلين} [الشعراء] وقال تعالى :{كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هو ألا تتقون إني لكم رسول أمين} [الشعراء] وقال تعالى :{كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين} [الشعراء] وقال تعالى :{كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول أمين} [الشعراء] وقال تعالى :{كذب أصحاب لأيكة المرسلين إذ قال لهم أخوهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين} [الشعراء]
وقال الله في إبراهيم :{وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا} [العنكبوت]
وقال الله تعالى :{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين} [الأنعام].
وقال الله في موسى :{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملاءه فاتبعوا أمر
فرعون} [هود}
وقال تعالى :{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله} [إبراهيم] وقد أشرك الله موسى أخاه هارون في رسالته قال الله مخاطبا موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون :{إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك} [طه] وقال تعالى :{ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا}[الفرقان].(1/8)
وقال الله في يونس :{وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المد حضين فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين} [الصافات] وقال تعالى :{فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} [يونس] وقال تعالى في يوسف :{ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا} [غافر].
وقال تعالى مخبرا عن عيسى :{يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين} وقال تعالى :{فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} [آل عمران] .
وقال تعالى في إمام المتقين وسيد المرسلين :{محمد رسول الله}الفتح وقال تعالى :{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}الأعراف وقال تعالى :{إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون} يس وقال تعالى :{وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير} وقال تعالى :{كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن}الرعد
وقال تعالى في عمومية إرسال الرسل إلى الكافرين :{ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه}المؤمنون وقال تعالى :{وكم أرسلنا من نبي في الأولين وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤن} الزخرف والنبيون ههنا هم رسل بدليل سياق الآية .(1/9)
وقال تعالى :{ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن}.
فهذه الأدلة واضحة أن الرسل قد بعثهم الله إلى قوم كافرين بخلاف الأنبياء فإنهم غالبا يبعثون إلى قوم مؤمنين , فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي )) متفق عليه من حديث أبي هريرة وقوله تعالى}إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون {وهذا التفريق واضح الاعتبار.
الثالث : أن الرسول يكون بلسان قومه . قال تعالى :{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} فهذه الآية تبين أن الرسل يرسلون إلى أقوامهم فقط ما عدا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - فقد أرسله الله إلى كافة الخلق الجن والإنس ، وأفادت الآية أن كل رسول يكون متكلما ومخاطبا لقومه بلغتهم ، وهذا لا يستثنى منه أحد فيما نعلم ، وعليه المفسرون والمحدثون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في "النبوات" (ص243) : (وأما حكمته في إرسال البشر فقد ذكر أنه من جنسهم وأنه بلسانهم وانه أتم في الحكمة والرحمة...)
وقال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في "فتح القدير" (3/94) : (...أي متلبسا بلسانهم متكلما بلغتهم لأنه إذا كان كذلك فهم عنه المرسل إليهم ما يقوله لهم وسهل عليهم ذلك بخلاف ما لو كان بلسان غيرهم فإنهم لا يدرون ما يقول ولا يفهمون ما يخاطبهم به حتى يتعلموا ذلك اللسان دهرا طويلا ومع ذلك فلا بد أن يصعب عليهم فهم ذلك بعض صعوبة ، ولهذا علل الله سبحانه ما امتن به على العباد بقوله :{ليبين لهم} أي: ليوضح لهم ما أمرهم الله به من الشريعة التي شرعها لهم) ا.هـ .
قلت: ومما يزيد بيانا أن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى الخلق كافة ولكن رسالته بلغة قومه وهم العرب لأنهم أخص به وأقرب إليه ، وهذا واضح جدا .(1/10)
قال تعالى :{ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} [النحل].
وقال تعالى :{وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين} [الشعراء]
وقال تعالى :{إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [الزخرف].
قد يقول قائل : وهل هناك نبي بغير لغة قومه؟
الجواب: هذا لا يلزم ولكن اللازم هو أن يكون الرسول بلغة قومه عملا بظاهر الآية.
الرابع : أن الرسل يستمرون في تبليغ أقوامهم دين الله حتى يسلموا أو يهلكهم الله . قال تعالى :{ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لايؤمنون} [المؤمنون]
وقال تعالى :{وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤن فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين}
وقال تعالى :{يا حسرتا على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون}.
وقال تعالى :{وكأين من قرية عتت عن أمر بها ورسله فحاسبنها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا} [الطلاق].(1/11)
وقال تعالى :{وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفو وقالوا قد مس آباءنا السراء والضراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون} [الأعراف] ولا إشكال في ذكر الرسل هنا بلفظ الأنبياء لأن المراد بالأنبياء هنا الرسل بدليل قوله سبحانه {وما أرسلنا} فهو الإرسال المطلق ، وبدليل آخر الآية وهي قوله :{فأخذناهم بغتة} وليس للرسول أن يفارق قومه إلى قوم آخرين أو يتركهم ويتفرغ لعبادة الله بل يصبر حتى يحكم الله بينه وبين قومه ، واعتبر بنوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى وعيسى ومحمد ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ولقد عاتب الله يونس ـ عليه السلام ـ لما أبق إلى الفلك المشحون بل عاقبه . قال تعالى :{وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} وقال تعالى :{وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء] ففي هذه الآيات دليل على أن الرسول مكلف بالاستمرار في التبليغ لقومه حتى يحكم الله بينه وبينهم.
الخامس : الرسل تختلف شرائعهم غالبا . قال تعالى :{لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [المائدة] وقال الله عن عيسى ـ عليه السلام ـ وأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} [آل عمران] وقال في محمد - صلى الله عليه وسلم - :{ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)) متفق عليه من حديث جابر .
بخلاف الأنبياء فالغالب أنهم على شريعة الرسل ، فكثير من أنبياء بني إسرائيل على شريعة موسى عليه السلام .(1/12)
السادس : أن أول الرسل نوح عليه السلام . روى البخاري (8/395) ومسلم (1/184) من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو يتحدث عن الشفاعة العظمى يوم القيامة : ((فيأتون نوحا فيقولون يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض...)) بل قال الله تعالى }إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده{
ومن حديث أنس عند البخاري (13/392) ومسلم (1/180) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه ((...ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ...))
ومن حديث ابن عباس عند أحمد (1/281) مرفوعا وفيه ((...ولكن ائتوا نوحا رأس النبيين)) وبهذا اللفظ أيضا من حديث أنس عند أحمد (3/247) فالحديث واضح أن أول الرسل نوح مع أنه قد سبقه أنبياء أولهم آدم ، وقد كان بينه وبين آدم عشرة قرون كما صح هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
السابع : التفريق بين عدد الأنبياء والرسل . فقد جاء من حديث أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: إن رجلا قال يا رسول الله أنبياً كان آدم؟ قال: نعم مكلم قال: كم كان بينه وبين نوح؟ قال عشرة قرون قال يا رسول الله : كم كان الرسل؟ قال: ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا)) أخرجه ابن حبان (14/69)
وابن مندة في "التوحيد" (2/141) رقم (571) وقال : (هذا إسناد صحيح على شرط مسلم والجماعة إلا البخاري) والحاكم (2/262) وقال : (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي ، والطبراني في "الكبير" (8/140) واللفظ للحاكم وليس عند ابن أبي حاتم وابن مندة ذكر عدد الرسل . والحديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -(1/13)
وله طريق أخرى عند أحمد (5/265) يرويها علي بن يزيد الألهاني عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا وفيه ((... يا رسول الله كم وفى عدد الأنبياء؟ قال: مائة وأربعة وعشرون ألفا ، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا)) ففي هذه الرواية ذكر عدد الأنبياء ، وهذه الرواية ضعيفة جدا لأن علي بن يزيد الألهاني ضعيف جدا .
الثامن : نجاة الرسل لقد نجى الله الرسل في الوقت الذي أهلك سبحانه أقوامهم . قال الله في نوح :{فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين} [الشعراء] فأهلك سبحانه أهل الأرض ونجى نوحا ومن معه .
وقال في هود ـ عليه السلام ـ :{ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ} [هود].
وقال سبحانه في صالح ـ عليه السلام ـ :{فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا ومن خزي يومئذ} [هود].
وقال في لوط ـ عليه السلام ـ :{فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ثم دمرنا الآخرين} [الشعراء].
وقال في شعيب ـ عليه السلام ـ :{ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا} [هود].
وقال الله في موسى ـ عليه السلام ـ :{وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين} [الشعراء].
ولما أراد اليهود قتل عيسى ـ عليه السلام ـ رفعه الله . قال تعالى :{وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه} [النساء].(1/14)
ولما أراد كفار قريش قتل نبينا - صلى الله عليه وسلم - نجاه الله ، وأراد اليهود قتله فنجاه الله ، وأراد المنافقون قتله فنجاه الله ، وكانت محاولة القتل للرسول - صلى الله عليه وسلم - متنوعة ، ومع هذا كله نجاه الله بخلاف الأنبياء فمنهم من قتل كما قال الله مخاطبا اليهود :{فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} [البقرة] وفي [سورة البقرة] {ويقتلون النبيين بغير الحق} وذكر قتلهم في بقية السور بلفظ الأنبياء والنبيين لا بلفظ الرسل ، ونجاة الرسل تتمثل في أمرين:
1- نجاهم الله عند أن أهلك أقوامهم.
2- نجاهم الله من قتل قومهم لهم لأن قومهم قاموا بالمكايد العظيمة ، ومنها إرادة قتلهم .
التاسع : الرسل يكذبهم أقوامهم . قال تعالى :{كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} انظر إلى هذا العموم في التكذيب للرسل والرمي لهم بالسحر والجنون وغير ذلك . وقال تعالى :{يا حسرتا على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن} [يس].
أما الأنبياء فالغالب عليهم أنهم لم يحصل لهم هذا ، فقد تقدم أن الرسل يأتون بشريعة جديدة غالبا بخلاف الأنبياء فالغالب عليهم أنهم يحكمون بشريعة من سبقهم قال تعالى } إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا{ المائدة فالذي يحكم بشريعة من سبق غالبا لا يحصل له تكذيب .(1/15)
العاشر: جاء الحصر في حق الرسل . قال تعالى :{وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} وقال سبحانه :{ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} وقال تعالى :{قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين} [الأحقاف]وهذا الحصر يفيد أنه ما بقت مرتبة فوق مرتبة الرسالة ينالها عبد من عباد الله فالمسيح ابن مريم الذي ادعت النصارى فيه الألوهية بين الله في هذه الآية أنه أعطاه الرسالة التي لا مرتبة فوفها إلا مرتبة الألوهية
الحادي عشر: اتفاق العلماء على قول واحد أن مريم وآسية وهاجر وأم موسى لسنا مرسلات ولكن اختلفوا في نبوتهن . واختلافهم في نبوتهن يدل على أن منزلة النبي أدنى من منزلة الرسول ، أما بالنسبة للخلاف في نبوتهن فأكثر ما وقع الخلاف في نبوة مريم ـ عليها السلام ـ والأدلة التي استدل بها من قال بنبوتها لا تدل على ذلك وليس هذا محل بسطها . فجمهور العلماء على أن مريم ـ عليها السلام ـ ليست نبية ، وقد نقل هذا غير واحد من العلماء . فقد قال ابن كثير في "تفسيره" (2/514) : (الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي نقله الشيخ أبو الحسن الأشعري عنهم أنه ليس في النساء نبية وإنما فيهن صديقات كما قال تعالى مخبرا عن أشرفهن مريم بنت عمران حيث قال تعالى :{ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام} فوصفها في أشرف مقاماتها بالصديقية فلو كانت نبية لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام فهي صديقة بنص القرآن .أهـ وقد نقل بعضهم الإجماع على عدم نبوتهن ، والخلاف موجود فالقرطبي وابن حزم وآخرون يرجحون نبوتها.
ونقل آخرون الإجماع على نبوة مريم وهذا أبعد من الأول .
الثاني عشر: أفضلية الرسل على الأنبياء . لقد فضل الله بعض الأنبياء على بعض(1/16)
قال تعالى :{ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا} وفضل الرسل على الأنبياء . قال تعالى :{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} [البقرة] وقال تعالى :{ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمدلله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين} [النمل] ففي قولهما (كثير) تنبيه إلى أن المفضل عليهما قليل ، والمفضل عليهما إنما هم جزما الرسل .
وقال ابن القيم ـ رحمه الله في "الزاد" (1/11-12) : (وكذلك اختياره سبحانه للأنبياء من ولد آدم ـ عليه وعليهم السلام ـ وهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا واختيار الرسل منهم وهم ثلاثمائة وثلاث عشر على ما في حديث أبي ذر الذي رواه أحمد وابن حبان في "صحيحه" واختياره أولي العزم منهم وهم خمسة المذكورون في سورة الأحزاب والشورى في قوله تعالى :{وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} وقال تعالى :{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(( الرسول الذي ينشأ بين أهل الكفر الذين لا نبوة لهم يكون أكمل من غيره من جهة تأييد الله له بالعلم والهدى ،وبالنصر والقهر كما كان لنوح وإبراهيم )) مجموع (15/ 131)
وقال السفاريني ((الرسول أفضل من النبي إجماعا لتميزه بالرسالة التي هي أفضل من النبوة )) "لوامع الأنوار"(1/50 )
وقال الماوردي : (الرسول أعلى منزلة من النبي ) "إعلام النبوة" (ص38)
وقال الحافظ ابن كثير –رحمه الله – في "تفسير" (3/47) : (لا خلاف أن الرسل أفضل من بقية الأنبياء ،وأن أولي العزم منهم أفضلهم ).(1/17)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (ص7) :( أفضل أولياؤه هم أنبياؤه ،وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم ،وأفضل المرسلين أولو العزم ) " وقال القرطبي –رحمه الله – في "تفسيره" (3/263 ): ( معلوم أن من أرسل أفضل ممن لم يرسل ،فإن من أرسل فضل على غيره في الرسالة واستووا في النبوة ).
لا يجتمع رسولان مستقلان في قوم
دلت الأدلة من القرآن والسنة النبوية أن كل رسول من الرسل كان يبعث إلى قوم خاص بهم ، وانظر إلى نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى وعيسى ومحمد ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ولم يحصل قط فيما اعلم أن رسولين أرسلهما الله إلى قوم معينين بخلاف الأنبياء فقد يجتمع في الأسرة الواحدة أكثر من نبي في وقت واحد وهذا كثير فيعقوب نبي وولده يوسف نبي ورسول ,وداود وسليمان نبيان ملكان في وقت واحد . وقد يجتمع النبي والرسول في وقت واحد كما كان عيسى ـ عليه السلام ـ وهو رسول ويحيى وهو نبي فإنهما كانا في وقت واحد .
تنبيه : قد يقول قائل: ألم يكن هارون ـ عليه السلام ـ رسولا مع موسى؟
الجواب : نعم كان رسولا ولكن تبعا لموسى وليس استقلالا ، فالله اختار موسى رسولا إلى فرعون وصنعه على عينه ليكون كذلك فلما أرسل الله موسى طلب من الله أن يجعل أخاه هارون مشاركاله في الرسالة فأعطى الله موسى ذلك . قال سبحانه :{واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد بد أزري وأشركه في أمري} [طه]
وقال تعالى إخبارا عن موسى :{وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا} القصص
تفاضل الرسل فيما بينهم
تقدم قول الله تعالى :{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} [البقرة] فهذا نص في التفاضل بين الرسل خاصة .(1/18)
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين" (ص514-516) وهو يتحدث عن مراتب المكلفين : (الطبقة الأولى وهي العليا على الإطلاق مرتبة الرسالة ـ إلى قوله ـ الطبقة الثانية من عداهم من الرسل من تفضيلهم من بعضهم على بعض .
الطبقة الثانية الذين لم يرسلوا إلى أممهم وإنما كانت لهم النبوة دون الرسالة...)
والمشهور عند أهل العلم أن أفضل الرسل خمسة وهم المذكورون في قوله تعالى :{وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} [الأحزاب]
وقوله تعالى :{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [الشورى]
وقال ابن كثير في "تفسيره" (3/47) : (لا خلاف أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - أفضلهم ثم بعده إبراهيم ثم موسى ثم عيسى عليهم السلام على المشهور).
وقال السفاريني : (قد اختلف العلماء في من يلي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفضيلة منهم ، والمشهور واختاره ابن حجر في "شرح البخاري أنه إبراهيم خليل الرحمن لما ورد أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ خير البرية خص منه محمد - صلى الله عليه وسلم - بالإجماع ، فيكون أفضل من موسى وعيسى ونوح ـ عليهم السلام ـ والثلاثة بعد إبراهيم أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين .
قال الحافظ ابن حجر (2/300) : (ولم أقف على نقل أيهم أفضل والذي ينقدح في النفس تفضيل موسى فعيسى فنوح عليهم الصلاة والسلام ). والمسألة خلافية ’ وقد نقل بعضهم الإجماع على ما ذكره الحافظ ابن حجر ولا يصح
تنبيه : حديث ((خيار ولد آدم خمسة نوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد وخيرهم محمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين )) ذكره الألباني في ضعيف الجامع .
الفرق بين النبي الملك والنبي العبد الرسول
اعلم أن الأنبياء ينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول : أنبياء أعبد رسل .
القسم الثاني : أنبياء ملوك .(1/19)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- كما في "مجموع الفتاوى" (11/181) :(ينقسم الأنبياء – عليهم السلام – إلى عبد رسول ،ونبي ملك ،وقد خير الله سبحانه محمدا بين أن يكون عبدا رسولا وبين أن يكون نبيا ملكا ،فاختار أن يكون عبدا رسولا ...فالنبي الملك يفعل ما فرض الله عليه ،ويترك ما حرم الله عليه ،ويتصرف في الولاية والمال بما يحبه ويختار ،من غير إثم عليه ،وأما العبد الرسول فلا يعطي أحدا إلا
بأمر ربه ولا يعطي من يشاء ويحرم من يشاء، بل روي عنه أنه قال: ((إني لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا ،إنما قاسم حيث أمرت)).أهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "النبوات" (1/161) : (كما أن العبد الرسول أكمل من النبي الملك ويوسف وداود وسليمان أنبياء ملوك وأما محمد فهو عبد رسول كإبراهيم وموسى وعيسى ، وهذا الصنف أفضل وأتباعهم أفضل).
القائلون بعدم التفريق بين النبي والرسول
اعلم أن هناك من قال بعدم التفريق بين النبي والرسول قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ في الشفاء"(1/250). : (اختلف العلماء هل النبي والرسول بمعنى أو بمعنيين : فقيل : هما سواء ، وقيل: هما مفترقان ، والذي عليه الجم الغفير أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا)" وقال صاحب كتاب "أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة" (ص467-468) : (فقيل إن النبي والرسول مترادفان فكل نبي رسول وكل رسول نبي ، هذا هو ظاهر كلام الإمام أبي حنيفة كما قاله القارئ واختاره من الحنفية ابن الهمام والألوسى وهو ظاهر كلام الجويني والآمدي والأبجي من الأشاعرة والقاضي عبد الجبار من المعتزلة والطوسي من الشيعة).(1/20)
قال الجرجاني في "التعريفات" (ص148) : (...وقالت المعتزلة لا فرق بينهما فإنه تعالى خاطب محمدا مرة بالنبي ومرة بالرسول). وقال الرازي في "تفسيره" (23/49) : (...وقالت المعتزلة كل رسول نبي وكل نبي رسول ولا فرق بينهما...). قلت: ليس كل المعتزلة على عدم التفريق بين النبي والرسول ، فهذا الزمخشري المعتزلي يقول في "كشافه" (3/37) وهو يتكلم على الآية {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} دليل بين على تغاير الرسول والنبي ...) وذكر الذي فيه التفريق بين الأنبياء والرسل .
أدلة القائلين بعدم التفريق والرد عليهم:
وقد استدل القائلون بعدم التفريق بأدلة منها:
1ـ قوله تعالى :{وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} قالوا: فقد أخبر الله أن الأنبياء مرسلون.
قلت: ولا دليل في الآية على ما قالوا فإنه قد تقدم أن الأنبياء مرسلون لكن رسالة مقيدة ولو وقف أصحاب هذا القول عند هذا لكانوا قد أصابوا ، فإثبات الإرسال للأنبياء أمر لا بد منه لتصريح القرآن بذلك ولكن هناك فرق بين الإرسال العام والإرسال المقيد . فرسالة الأنبياء كثيرا ما تكون
للمؤمنين ، وهذه هي الرسالة المقيدة ، وأيضا وجود حرف العطف وهو (الواو) دليل على المغايرة وإلا فما فائدة العطف؟ والقول بالمغايرة عليه جماهير المفسرين والمحدثين كما تقدم ذلك .(1/21)
2- قوله تعالى في حق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - :{يا أيها النبي اتق الله} [الأحزاب] {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} [الأنفال]{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم] إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي فيها المخاطبة أو الإخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه نبي يبلغ عن الله . ولا دليل في هذه الآية على عدم التفريق لأن الرسول نبي فهو تارة يخاطب بلفظ النبوة وتارة بلفظ الرسالة كالمؤمن يخاطب تارة بلفظ الإيمان وتارة بلفظ الإسلام ، وتارة بلفظ التقوى وهو متصف بذلك كله . وأيضا لم يكن في لفظ النبوة حصر بحيث يقتضي أنه ليس برسول بخلاف حصر الرسالة فقد جاء فيها الحصر كقوله تعالى :{وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} [آل عمران] فهذا الحصر هذا يقتضي أنه ما بقي شيء من بعد الرسالة يكرم به المخلوق البشري ، ولما كانت النبوة والرسالة إكرام إلهي واختصاص رباني محض يذكر بهما صاحبهما تارة بلفظ الجمع مثلما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - للبراء : ((ونبيك الذي أرسلت)) متفق عليه من حديث البراء .
ويذكر بأحدهما تارة وبالأخرى تارة ، وهذا كثير في القرآن والسنة .
3- قوله تعالى :{وخاتم النبيين} ولم يقل (خاتم المرسلين) وهذا ضعيف لأنه سبحانه لما اخبر أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين علم بذلك أنه لا رسول أيضا بعده لأنه لا يمكن أن يكون أحد رسولا إلا بعد أن يكون نبيا ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم ، وأيضا قد ذكر في نفس الآية أنه
4-رسول ، قال تعالى :{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} فجاء بلفظ الختم معطوفا على لفظ (رسول الله) وقد جاء في حديث أنس التصريح بقطع النبوة والرسالة كما تقدم .(1/22)
وخلاصة هذه المسألة أني لم أجد دليلا بينا يدل على عدم التفريق بين النبي والرسول وإنما ظن الذين لا يفرقون أن ذكر الرسل بلفظ النبوة يقتضي عدم المغايرة وليس كذلك بل ذكر لفظ النبوة في حق الرسول لأنها الاختصاص الخاص الأول ، وأوضح من هذا أن الأنبياء الذين ليسوا برسل لا يذكر آحادهم أنه رسول إلى قوم كذا وكذا كأبينا آدم والخضر وزكريا ويحيى وغيرهم فلما لم يذكروا بذلك دل هذا على أنهم في مرتبة النبوة دون الرسالة المطلقة وبهذا يزول الإشكال.
الأنبياء رسالتهم مقيدة لا مطلقة
لقد دلت أدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة على أن الأنبياء رسل ولكن رسالتهم مقيدة . قال تعالى :{وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} [الحج].
وقال تعالى :{ثم قفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس } فالرسل بين موسى وعيسى ـ عليهما السلام ـ هم أنبياء وقد ذكرهم الله بلفظ الرسل فقال تعالى مخاطبا بني إسرائيل :{لئن أقمتم الصلاة آتيتم الزكاة وآمنتم برسلي} [المائدة]. وقال تعالى :{...إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أن لا تعبدوا إلا الله...} [فصلت]. وقال تعالى :{وما أرسلنا من قبلك إلا ر جالا نوحي إليهم من أهل القرى...} [يوسف]. وقال تعالى :{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} [المجادلة] إلى غير ذلك من الآيات.
وجاءت أحاديث كثيرة فيها إطلاق الرسل مما يجعل الأنبياء داخلين فيهم كقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يتحدث عن يوم القيامة : (( ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل ،وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم ...)) رواه البخاري رقم (80) من حديث أبي هريرة . وكقوله عليه الصلاة والسلام لابن صياد: ((آمنت بالله وبرسله ...)) رواه البخاري برقم(354)(1/23)
وفي حديث سؤال جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - في البخاري رقم (50) وفيه ((...أن تؤمن بالله وملائكته ولقائه ورسله ...)) وكقوله عليه الصلاة والسلام (( انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان وتصديق برسلي)) رواه البخاري رقم (36) ومسلم رقم (50)عن أبي هريرة
فمن المسلم به دخول الأنبياء في الرسل لأن الإيمان ببعثتهم جزء من أركان الإيمان .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "النبوات"(ص255) وهو يتكلم عن الآية الكريمة {وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} فذكر إرسالا يعم النوعين وقد خص أحدهما بأنه رسول ،فإن هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح عليه الصلاة والسلام .
وقال في موضع آخر عند ذكر الآية هذه : (دليل على أن النبي مرسل ، ولا يسمى رسول عند الإطلاق لأنه لم يرسل إلى قومه بما لا يعرفونه ، بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه لأنه حق كالعالم ،ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( العلماء ورثة الأنبياء ...))
وقال شارح الطحاوية (ص158) : (ولكن الرسالة أعم من جهة نفسها ، فالنبوة جزء من الرسالة إذ الرسالة تتناول النبوة وغيرها ،بخلاف الرسل فإنهم لا يتناولون الأنبياء وغيرهم بل الأمر بالعكس ،فالرسالة أعم من جهة نفسها وأخص من جهة أهلها ) ا.هـ
قلت :معنى الرسالة أعم من جهة نفسها ، أي :أنها تعم الكافر والمؤمن ، فالرسل يبعثون إلى الكفار ليكونوا مؤمنين، بخلاف الأنبياء فرسالتهم تكون لهم وللمؤمنين، و أخص من جهة أهلها، أي: أن الرسالة تخص المرسلين ولا يدخل فيها الأنبياء .(1/24)
وقال الشنقيطي في "الأخوة" :(5/735) : ( وأن النبي المرسل الذي هو غير الرسول هو من لم ينزل عليه كتاب وإنما أوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول الله قبله كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يرسلون ويؤمرون بالعمل بما في التوراة كما بينه تعالى بقوله :{يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ...) . والشاهد من كلامه قوله : (يرسلون) ، (ويؤمرون ) أقول وهذا في الغالب .
وقال ابن عثيمين كما في"مجموع فتاوى العقيدة " (1/311 ) :( ...وكل من ذكر في القرآن من النبيين فهم رسل لقوله تعالى : {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ...} .أهـ
فاتضح من هذا النقل أن الأنبياء رسل مرسلون ومبعوثون لكن إلى قومهم المؤمنين ، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي )) أخرجه البخاري برقم (3455) ومسلم عن أبي هريرة .
فسياسة الأنبياء لبني إسرائيل تقوم على أمرهم ونهيهم والحكم بينهم وإقامة الجهاد ضد أعدائهم ،قال تعال :{إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ...} [المائدة].
ذكر الرسل بلفظ الأنبياء لا ينافي كونهم رسلا
يأتي في القرآن الكريم والسنة المطهرة ذكر الرسل بلفظ الأنبياء قد يظن الظان أنه لا فرق بين الرسول والنبي ،وهذا ليس صحيحا لأن ذكرهم بالنبوة لا ينافي رسالتهم وهو ذكر بعض ما اختصوا على سائر الخلق من غير الأنبياء .قال تعالى :{ وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب وحكمة} [آل عمران] .
وقال تعالى :{فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} [النساء] .
وقال تعالى : {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} [النساء] .
وقال تعالى: {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} [البقرة] .(1/25)
وقال تعالى: { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين} [البقرة].
وقال تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون} [الأعراف] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وأما الأحاديث التي فيها ذكر الرسل بلفظ الأنبياء فكثيرة جدا منها
ما روى مسلم برقم (521) من حديث جابر ، وفيه : (( ...كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة ،وبعثت إلى كل أحمر وأسود )) .
ومنها ما روى البخاري برقم (4718) عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تبع نبيها ...)) .
فظهر من خلال ذكر هذه الأدلة أن الرسل يذكرون في القرآن والسنة بلفظ الأنبياء ، ولا يعني هذا أنهم غير رسل ، ولا أنه لا فرق بين النبي والرسول ، بل يستفاد من ذكرهم هكذا أنهم يذكرون ببعض ما خصوا به .
أمور يشترك فيها الأنبياء والمرسلون
الأمور التي يشترك فيها الأنبياء والرسل كثيرة ، وسأذكر بعضا من ذلك ، والغرض من ذلك معرفة مكانة الأنبياء حتى لا يظن أننا عند أن نثبت التفريق بين الأنبياء والرسل نحط من قدر الأنبياء ، وإثبات هذه الأمور المشتركة يسهل على القارئ معرفة الفوارق بين الأنبياء والرسل ، وهي كالآتي:
1- الأنبياء والرسل يضافون إلى الله يقال أنبياء الله ورسل الله، ولا يكون الأنبياء والرسل لغير الله أبدا . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (فكما أن رسول الله لا يكون رسولا لغيره فلا يقبل أمر غير الله فكذلك نبي الله لا يكون نبيا لغير الله فلا يقبل إنباء أحد إلا إنباء الله ) "النبوات" (ص246) وإذا قيل رسول الله فهم أنه من يأتي برسالة من الله من الملائكة والبشر . قال الله تعالى :{الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} وقال تعالى عن الملائكة وهي تخاطب لوط ـ عليه السلام ـ :{يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} وقال تعالى :{جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة}[فاطر](1/26)
وكذلك لفظ البعث يتناول البعث الخاص الشرعي . قال تعالى :{هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} فالرسل مرسلون مبعوثون وإضافتهم إلى الله إضافة تشريف كإضافة المساجد والعباد إلى الله .
2- الوحي ، فلا يكون النبي نبيا إلا بالوحي إليه من رب العالمين . وقد ذكر الله في كتابه الكريم وحيه إلى الأنبياء مع ذكره للرسل . قال تعالى :{إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا} [النساء] فيعقوب والأسباط وأيوب وسليمان وداود هؤلاء أنبياء وليسوا رسل ، وقد صرحت الآية بأن الله أوحى إليهم.
3- العصمة . لا بد أن تعلم أن كل من ثبتت نبوته في القرآن أو السنة الصحيحة أنه معصوم . قال الحافظ في "الفتح" (8/69) : (والأنبياء معصومون من الكبائر بالإجماع).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 4/ 319: (إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول أكثر الأشعرية وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول) ".أهـ
وقال أيضا في منهاج السنة" (1/472) عن أهل السنة : (هم متفقون على أنهم لا يقرون على خطأ في الدين أصلا ولا على فسوق ولا كذب في الجملة كل ما يقدح في نبوتهم وتبليغهم عن الله فهم متفقون على تنزيههم عنه عامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر يقولون أنهم معصومون من الإصرار عليها ... ) ".
وخلاصة هذه المسألة : ـ أن الأنبياء معصومون فيما يبلغون عن الله فلا يبلغون إلا الحق ، وأنهم معصومون من الكبائر فيما يقولون ويفعلون ، وأنهم لا يصرون على الصغائر إن حصلت منهم .(1/27)
4-وجوب الإيمان بهم . إنه يجب على كل مخلوق من الجن والإنس بالغ عاقل بلغه الخبر عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - من رسله أن الله قد بعث أنبياء ورسلا أن يؤمن بالأنبياء والرسل إجمالا وتفصيلا ، ومن كذب برسول واحد أو نبي واحد فهو كافر عياذا بالله ولو آمن بالباقين . فقد كفر اليهود بتكذيبهم لعيسى وتبع ذلك تكذيبهم ببعثة محمد بن عبد الله إمام المتقين وسيد المرسلين . وكفر النصارى ببعثة محمد بن عبد الله فصاروا كفارا . وهذا معلوم من ديننا بالضرورة ، ومن لم يؤمن بالنبي الذي بعث إليه أو الرسول فقد كفر بجميع الأنبياء والرسل . قال تعالى :{كذبت قوم نوح المرسلين}[الشعراء].
وقال سبحانه :{كذبت عاد المرسلين} وقال سبحانه :{كذبت ثمود المرسلين} وقال تعالى :{كذبت قوم لوط المرسلين} وقال سبحانه :{كذب أصحاب لأيكة المرسلين} [الشعراء].
فهذه الأقوام إنما بعث إلى كل أمة منهم رسول واحد فكذبوه فحكم الله عليهم بالتكذيب لجميع المرسلين . وقد يقول قائل: هذه الآيات في الرسل فكيف جعلناها في الأنبياء؟
الجواب: إن الأنبياء داخلون في الإرسال ، ولهذا بعد أن ذكر الله مجموعة من الأنبياء والرسل في سورة النساء قال سبحانه :{رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وسيأتي تقرير هذا.
5-وجوب اتباع الأنبياء والرسل . يجب على كل من بعث فيهم نبي أن يتبعوه ، ومما يدل على هذا قوله سبحانه مخاطبا نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ذكر مجموعة كبيرة من الأنبياء والرسل :{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} فقد أمر الله نبيه في هذه الآية أن يقتدي بالأنبياء والرسل إلا ما قاله الله :{ولا تكن كصاحب الحوت}[القلم] وصاحب الحوت هو يونس وقال - صلى الله عليه وسلم - : ((إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي)) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .(1/28)
6-وجوب التصديق بمعجزاتهم . فكل من الأنبياء والمرسلين يؤيدهم الله بالمعجزات الباهرة والآيات القاهرة . ومعجزات الأنبياء كثيرة وأكثر رسول أوتي المعجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والمعجزات التي نؤمن بها ونصدقها هي التي وردت في القرآن أو في السنة الصحيحة.
7-ملة الأنبياء والرسل واحدة . لقد ذكر الله في كتابه الكريم أن ملة الأنبياء والرسل واحدة . قال الله بعد أن ذكر تسعة عشر نبيا ورسولا :{إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} [الأنبياء] وفي سورة المؤمنون قال تعالى بعد أن ذكر مجموعة من الرسل بأسمائهم والأنبياء بالإجمال :{وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} والمراد بالملة التوحيد . قال تعالى :{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل] وقال سبحانه :{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء] وقد ذكر غير واحد من الأصوليين أن الضروريات الخمس شرعت في ملة كل نبي، وكذا أركان الإسلام وأركان الإيمان شرعتا في كل ملة ، وهذه التي ذكرتها عليها أدلة من القرآن والسنة .(1/29)
8-رؤيا الأنبياء وحي . ومن جملة ما يشترك الأنبياء والمرسلون فيه الرؤيا ، فقد جعل الله رؤياهم وحيا . قال تعالى عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ وهو نبي ورسول:{يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين ونادينه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين} والآية واضحة حيث إن إبراهيم ـ عليه السلام ـ بادر إلى تنفيذ أمر الله وهو الرؤيا وبادر إسماعيل أيضا إلى تنفيذ أمر الله الصادر عن طريق الرؤيا فإنه قال لأبيه :{افعل ما تؤمر} وقد جعل الله تنفيذ هذه الرؤيا تصديقا من إبراهيم وإسماعيل ووصفها بأنها بلاء مبين . ورؤيا يوسف ـ عليه السلام ـ وهو آنذاك دون سن البلوغ ، قال تعالى عنه :{إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} وقد تحقق له كما قال الله عنه :{هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا}[يوسف]. ورؤيا الأنبياء داخلة في قوله تعالى :{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا} فقوله :{إلا وحيا} يدخل فيه الوحي المنامي
9-لكل نبي دعوة مستجابة . روى البخاري رقم (6304،7474) ومسلم رقم (198) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة)) وهذا الحديث من الأحاديث المستفيضة ، والحديث شمل الأنبياء والمرسلين ، فقد دعا سليمان وأعطي ملكا ليس لأحد بعده. وقد دعا من الرسل كثير كنوح عند أن قال ربنا عنه :{إني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر} ودعا شعيب وموسى وغيرهم ممن صرح القرآن بدعوتهم على أقوامهم ، وقد تكون دعوة الأنبياء والرسل المذكورة في غير الدعاء على أقوامهم .(1/30)
10-التفاضل بين الأنبياء . قال تعالى :{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} [البقرة] وقال تعالى :{ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا} [الإسراء] وقال سبحانه :{ولقد آتينا داود وسليما علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين} [النمل] وحديث المعراج دليل على التفاضل بين الأنبياء والمرسلين ، وقد جاءت أحاديث صحيحة وكثيرة وفيها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: فضلت على الأنبياء بكذا وكذا فمنها حديث جابر المشهور ((أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ...)) وحديث أبي هريرة عند مسلم (1/371) قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبوة)) قلت: بعض أهل البدع نفى تفاضل الأنبياء ، وهذه الأدلة رد عليهم ، وكفى بالعالم انحرافا أن يكون مخالفا للقرآن أوالسنة.
منزلة الأنبياء والرسل قبل نبوتهم(1/31)
لقد كان الأنبياء والرسل قبل نبوتهم خيار أقوامهم وأفضلهم ، فقد عصمهم الله عن القبائح والرذائل ، ولذلك لم يحك الله عن المشركين المعاندين للأنبياء والرسل أنهم عيروا أنبياءهم المبعوثين فيهم بمسبة ولا نسبوا إليهم نقيصة مع شدة ما كانوا عليه من الحرص على النيل منهم ، والطعن فيهم ، ومحاولة إبطال نبوتهم ، بل قال تعالى عن قوم صالح وهم ثمود أنهم قالوا بنبيهم صالح : {قد كنت فينا مرجوا قبل هذا } أي: كنا نرجو أن يكون فينا سيدا قبل النبوة . وقال قوم هود وهم عاد لهود ـ عليه السلام ـ : {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} [هود] ومعنى {اعتراك} ألمّ بك بعد أن لم يكن فيك . وقال قوم شعيب لشعيب ـ عليه السلام ـ :{يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد} فاعترفوا له بالحلم والرشد ، وعرفوه بهذا قبل أن يكون نبيا رسولا . وقال تعالى في إبراهيم ـ عليه السلام ـ :{ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين} [الأنبياء] ، قال القرطبي : (أي: من قبل النبوة ـ وقال ـ : وعليه أكثر المفسرين) (11/296).
وقال ابن كثير في "تفسيره" (3/182) : (...أي من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه).
وقال تعالى في يحيى بن زكريا ـ عليهما السلام ـ : {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا} قال الشنقيطي – رحمه الله-الذي يظهر لي هو أن الحكم العلم النافع والعمل به...إلى أن قال : والعلم النافع والعمل به يمنع الأقوال والأعمال من الخلل والفساد. وهذا إسماعيل ـ عليه السلام ـ وهو غلام يقول لأبيه لما أخبره أبوه أن الله أمره أن يذبحه : {يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين} [الصافات].
وقال تعالى :{واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار} [ص] فقوله {وكل من الأخيار} عام يشمل قبل النبوة وبعدها .(1/32)
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يعملون به إلا مرتين من الدهر كلتاهما عصمني الله فيهما قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاية الغنم أهلنا فقلت لصاحبي أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر فيها كما سمر الفتيان فقال بلى قال فدخلت حتى إذا جئت أول دار سمعت عزفا بالغرانيل والمزامير فقلت ما هذا؟ فقيل تزوج فلان فلانة فجلست أنظر وضرب الله على أذني فو الله ما أيقظني إلا حر الشمس فوالله ما هممت بعدهما بسوء مما يعمله أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته)) رواه ابن حبان (8/56) كما في "الإحسان" وأبو نعيم في "الدلائل" (ص186) والبيهقي في "الدلائل" (2/33) وقد حسنه ابن حجر . لكنه من طريق محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة روى عنه جمع ولم يوثقه معتبر .
وعل كلٍ لقد صرح القرآن الكريم بعظيم عناية الله بالأنبياء قبل نبوتهم . قال تعالى في موسى:{واصطنعتك لنفسي} وقال :{ولتصنع على عيني} وقد جاء جبريل وشق صدر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وأخرج منه حظ الشيطان وهو يلعب مع الغلمان ، والقصة في "صحيح مسلم" رقم (261) من حديث أنس .
وهذا دليل أيضا على عظيم عناية الله بالأنبياء والرسل لأن النبوة جنس واحد فلا تقصر العناية المذكورة على من ذكر فقط . وقد كان كفار قريش يلقبون نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالصادق الأمين ، فالذي عليه جماهير العلماء أن الأنبياء قبل نبوتهم معصومون من الكبائر.
الأنبياء والرسل أفضل الخلق على الإطلاق(1/33)
لا يخفى على كل مسلم أن منزلة الأنبياء والرسل تفوق منزلة كل صالح وتقي ممن ليس بنبي ولا رسول فهم أفضل أهل الإيمان . قال تعالى :{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} [النساء] فمنزلة الصديقين والشهداء والصالحين كلهم لا تبلغ مرتبة نبي واحد فضلا عن أن تبلغ مرتبة رسول . وقال تعالى بعد أن ذكر مجموعة كبيرة من الأنبياء والرسل :{وكلا فضلنا على العالمين} [الأنعام]
وقال تعالى :{إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} [آل عمران] وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أبي بكر وعمر : ((هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين)) رواه الترمذي (5/571،57) وابن أبي شيبة (12/11) وابن ماجة (1/38،36).
والأدلة كثيرة على تفضيل الأنبياء والرسل على سائر أولياء الله الصالحين ، فالأنبياء صفوة الخلق على الإطلاق.
حاجة البشر إلى بعثة الرسل(1/34)
إن الحاجة البشرية إلى بعثة الرسل تفوق كل حاجة ، وتزيد على كل ضرورة . قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد 1/15: (ومن ههنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به ، وتصديقه فيما أخبر به ، وطاعته فيما أمر ، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل ، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم ، ولا ينال رضا الله ألبته إلا على أيديهم . فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاءوا به ، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأخلاقهم توزن الأخلاق والأعمال ، وبمتابعتهم يتميز أهل الضلال ، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه ، والعين إلى نورها ، والروح إلى حياتها ، فأي ضرورة وحاجة فرضت فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير ، وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين ، فسد قلبك وصار كالحوت إذا فارق الماء ووضع في المقلاة ، فحال العبد عن مفارقة قلبه لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - كهذه الحال ، بل أعظم ولكن لا يحس بهذه إلا قلب حي وما لجرح بميت إيلام ، وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجب على من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ، وما يخرج به عن الجاهلين ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه ، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) أهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في مجموع الفتاوى" (19/93-94).
: ((1/35)
الرسالة ضرورية للعباد لا بد لهم منها وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء ، والرسالة روح العالم ونوره وحياته ، فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور ، والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة ، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ، ويناله من حياته وروحها ، فهو في ظلمة وهو من الأموات . قال تعالى :{أومن كان ميتا فأحييناه وكان له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} [الأنعام] فهذا وصف المؤمن ، كان ميتا في ظلمة الجهل فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان وجعل له نورا يمشي به في الناس . وأما الكافر فميت القلب في الظلمات) قلت: كفى بهذا الكلام الرصين بيانا للأهمية البالغة في بعثة الرسل . وصدق الله إذ يقول :{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} فإرسال الرسل رحمة تفوق كل رحمة ونعمة لا تقاس بها جميع النعم .
وعلى كلٍ مهما رأى العبد حاجته إلى أمور ضرورية كالهواء الذي يستنشقه ولا يستغني عنه لحظة ، والشراب الذي يشربه فحاجته إلى ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعظم وأعظم ، ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال مجموع الفتاوى(19/101) : (وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول كحاجتهم إلى الشمس والقمر والرياح والمطر ، ولا كحاجة الإنسان إلى حياته ولا كحاجة العين إلى ضوئها ، والجسم إلى الطعام والشراب ، بل أعظم من ذلك وأشد حاجة من كل ما يقدر ويخطر بالبال ، فالرسل وسائط بين الله وبين خلقه في أمره ونهيه ، وهم السفراء بينه وبين عباده 0
الحكمة من بعثة الرسل
اقتضت حكمة الله العظمى وعنايته الكبرى ورحمته الوسعى أن يبعث الرسل وينزل عليهم الكتب ، ومما يدل على حكمة الله العظيمة أمور منها:(1/36)
1- أن الله خلق الخلق لعبادته سبحانه لا شريك له . قال تعالى :{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ولا يستطيع الناس أن يعبدوا ربهم ويفعلوا ما يحبه الله ويجتنبوا ما يغضبه الله إلا عن طريق الرسل الذين اصطفاهم الله من خلقه وفضلهم على العالمين .
2- أن قيام الحجة على البشر لا يكون إلا عن طريقهم . قال تعالى :{رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء]، وقال تعالى :{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [الإسراء]، وقال تعالى :{ولو أنا أهلكنا هم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى}[طه].
فقد أرسل الله الرسل ليقطع الحجة على الكافرين ، ويبطل عذر المعاندين . قال تعالى :{ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون} [القصص].
3- ان الناس لا يقدرون أن يدركوا بعقولهم الأمور الغيبية كالإيمان بالبعث والنشور، والجنة والنار ، والملائكة والجن وغير ذلك إلا إذا أرسل الله إليهم رسلا ، وإذا عجزوا عن إدراك هذه بعقولهم لم يحصل لهم الإيمان ، فاقتضت الحكمة الإلهية إرسال الرسل.
3- لناس بحاجة ماسة إلى قدوة حسنة اتصفت بصفات الكمال البشري ألا وهو الوحي والعصمة . ولا يصلح لهذا إلا من اصطفاهم الله واجتباهم ، وهم الرسل ، فهم قدوة الأولياء وأسوة لمن أطاع في العبادات والأخلاق والمعاملات والاستقامة على دين الله . قال تعالى :{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} [الأحزاب].
وظائف الرسل
للرسل عليهم الصلاة والسلام وظائف كثيرة أهمها ما يلي:
1- غايتهم العظمى ووظيفتهم الكبرى دعوة الناس إلى عبادة الله وحده وخلع ما يعبد من دونه . قال تعالى :{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل].(1/37)
2- تبليغ الشريعة الربانية إلى الناس . قال تعالى :{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} [المائدة].
3- تبيين ما أنزل من الدين . قال تعالى :{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل].
4- هم القدوة الطيبة لأتباعهم وأممهم . قال تعالى :{لقد كان في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} [الأحزاب].
5- القيام بتزكية النفوس وإصلاحها وتطهيرها . قال تعالى :{هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} [الجمعة].
6- إقامة شرع الله بين الناس . قال تعالى :{وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} [المائدة].
7- شهادة الرسل على أممهم يوم القيامة . قال تعالى :{ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء} [النحل].
حكم من طعن في الأنبياء والرسل
من سب الأنبياء يقتل ولو كان قبل ذلك مسلما ، والدليل على ذلك:
قال تعالى :{ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونعلب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة] .
وقال تعالى :{إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا} [الأحزاب].
وقال تعالى :{إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا} [المائدة] وأي فساد أعظم من السب والطعن في الأنبياء؟!.
وقال تعالى :{ إن شانئك هو الأبتر] [الكوثر].(1/38)
وما جاء عند أبي داود رقم (4362) والبيهقي (7/60) بسند صحيح عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: (( كانت يهودية تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه دمها))
وجاء عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر فلما كان ذات ليلة جعلت تقع فيه وتشتمه فأخذ المعول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجمع الناس فقال أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام فقام أعمى يتخطى الناس حتى قعد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر ولي منها ابنان فلما كانت ذات ليلة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المعول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((ألا اشهدوا أن دمها هدر)) وهذا الحديث أخرجه أبو داود رقم (4361) والنسائي رقم (4070) والحاكم (4/354) وهو صحيح .
وقصة قتل كعب بن الأشرف اليهودي مشهورة فهي في البخاري رقم (3031،2510) ومسلم رقم (1801) وفيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ((من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله...)) وحديث البراء في قتل أبي رافع ، وأبو رافع رجل يهودي ، والحديث في البخاري رقم (4040،4038) .
وقد نقل غير واحد الإجماع على قتل من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلما كان أو كافرا ، وما هذا الحكم إلا اعتماد على الأدلة التي وردت في هذه المسألة ، ومنها ما ذكرنا . وممن نقل الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه العظيم "الصارم المسلول في الرد على شاتم الرسول"(1/39)
وقد قرر رحمه الله أن جميع الأنبياء كذلك قال : (...والحكم في سب سائر الأنبياء كالحكم في سب نبينا فمن سب نبيا مسمى باسمه من الأنبياء المعروفين المذكورين في القرآن أو موصوفا بالنبوة أو سب نوع الأنبياء على الإطلاق فالحكم في هذا كما تقدم لأن الإيمان بهم واجب عموما ، وواجب الإيمان خصوصا بمن خصه الله علينا في كتابه . وسبهم كفر وردة إن كان من مسلم ومحاربة إن كان من ذمي ...وقد تقدم في الأدلة)
وقال أيضا : (إن سب الرسل وجرم الطاعن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم من جرم المرتد فإن سب الرسل والطعن فيهم بنوع جميع أنواع الكفر وجماع جميع الضلالات وكل كفر ففرع منه) "الصارم" (ص461)
وقال القاضي عياض في "الشفاء" (2/218) : (إن فقهاء القيروان وأصحاب ابن سحنون أفتوا بقتل إبراهيم الفزاري وكان شاعرا متقنا في كثير من العلوم وكان يستهزئ بالله وأنبيائه ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فأمر القاضي يحيى بن عمر بقتله وصلبه ...وصلب منكسا ثم أنزل وأحرق...) وسواء كان الساب جادا أو هازلا فإنه يقتل .
وذكر صاحب "شذرات الذهب"(6/9) (أن كمال الأحدب جاء إلى القاضي جمال الدين المالكي يستفتيه وهو لا يعلم أنه القاضي ما تقول في إنسان تخاصم هو وإنسان فقال له الخصم تكذب ولو كنت رسول الله فقال له القاضي من قال هذا قال أنا فأشهد عليه القاضي من كان حاضرا وحبسه وأحضره من الغد إلى دار العدل وحكم بقتله فضرب عنقه).
قلت : هذا من الدلائل التاريخية الكثيرة الدالة على ما قام قضاة المسلمين من غيرة شرعية منقطعة النظير على حرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وإليك أسماء مجموعة من ملا حدة عصرنا وهم حملة الفكر الحداثي :
1- عبد العزيز المقالح اليماني ، وقد ذكرت نبذة من كفرياته في كتاب "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة"(1/343-347) .
2- عبد الوهاب البياني شاعر عراقي ماركسي .
3- محمود درويش عضو الحزب الشيوعي الفلسطيني .(1/40)
4- أدونيس السوري نصيري شيوعي.
5- صلاح عبد الصبور المصري زعيم ملاحدة العصر الحداثيين .
وإذا أردت المزيد من المعلومات حول هؤلاء الملاحدة ومن كان على شاكلتهم فارجع إلى كتاب "الحداثة في ميزان الإسلام"
فالله المسئول أن يدمرهم ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر .
أشد الناس عذابا رجل قتله نبي أو قتل نبيا
روى البخاري رقم (4073) ومسلم رقم (1793) وأحمد (2/317) من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبيل الله )) ومن حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((اشتد غضب الله على من قتله نبي ...)) أخرجه البخاري رقم (4076،4074) .
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيا...)) أخرجه أحمد(1/407) بإسناد جيد . انظر "السلسلة الصحيحة" رقم (281).
أشد الناس بلاء الأنبياء
لقوة إيمان الأنبياء والرسل ولعظمة صبرهم ولشدة خوفهم من الله يبتليهم الله بأنواع من الابتلاآت العظيمة . قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الناس على قدر دينهم...)) رواه الترمذي رقم (2398) وابن ماجه رقم (4023) والدارمي (2/320) وأحمد (1/185،180,172) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.وهو صحيح
وهذا الابتلاء من أعظم أسباب رفعة درجة الأنبياء والرسل عند الله .
فائدة : ذكر الطحاوي في "المشكل" (3/64)ما لفظه : (السبب في مضاعفة الأجر للأنبياء - عليهم السلام- أنهم لا خطايا لهم بخلاف غيرهم من البشر فإن البلاء يكفر عنهم الذنوب) ا.هـ.
أخذ الله الميثاق من جميع الأنبياء والمرسلين(1/41)
على أن ينصروا بعضهم بعضا . قال تعالى :{وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه} [آل عمران] قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية (1/332) : (يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم إلى عيسى ـ عليهم السلام ـ لما آتى الله أحدا من كتاب وحكمة وبلغ أي مبلغ ثم جاء رسول من بعده ليؤمنن به ولينصرنه ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته).
صيانة مجالس الأنبياء من التنازع والاختلاف
روى البخاري رقم ( 4431،3168،3053) ومسلم رقم (1637) من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه فقال : ((ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فتنازعوا عنده ولا ينبغي عند نبي التنازع...)) وعند البخاري بلفظ ((قوموا عني ولا ينبغي عند نبي التنازع)).
لا ينبغي أن يكون لنبي خائنة الأعين
روى أبو داود رقم (4359،2683) والنسائي رقم (4067) والحاكم (3/45) من حديث سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ في قصة مبايعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لابن أبي سرح لأن ابن أبي سرح كان أحد الذين لم يؤمنهم الرسول فجاء ابن أبي سرح يبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام فتح مكة فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((أما كان قبلكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله فقالوا يا رسول الله ما ندري ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينيك فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين)) والحديث فيه ضعف يسير يتقوى بحديث أنس عند أبي داود رقم (3194) والبيهقي (10/85) وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ((إنه ليس لنبي أن يومض)) وسنده صحيح .
الأنبياء لا يموتون حتى يخيروا(1/42)
روى البخاري رقم (4435) ومسلم رقم (2444) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة)) ومن حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ((إن الله قد خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله ...)) رواه البخاري رقم (466) ومسلم رقم (2382)
الأنبياء والرسل يدفنون حيث يقبضون
أخرج الترمذي رقم (1018) وفي الشمائل رقم (372) وغيره عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في دفنه فقال أبوبكر سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ما نسيته سمعته يقول : ((ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض)) والحديث له عدة طرق ولا تخلو من ضعف لكن بجموعها ترتقي إلى الحجية ومما يزيدها قوة عمل الصحابة به وقد صححه الألباني ـ رحمه الله ـ في "الشمائل" و"أحكام الجنائز" و"تحذير الساجد".
الأنبياء والرسل لا يورثون
روى البخاري في مواضع كثيرة في "صحيحه" (3712،3093،3092) ومسلم (1759) عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا نورث ما تركنا صدقة)) وجاء من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في البخاري رقم (6727) ومسلم رقم (1758) قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا نورث ما تركنا صدقة)).
تنبيه : قوله تعالى{وورث سليمان داود} وقوله تعالى عن زكريا :{وهب لي من لدنك وليا يرثني} هذا ميراث العلم والحكمة ، لا ميراث المال ، وعلى هذا فلا إشكال .
الأنبياء والرسل أحياء في قبورهم(1/43)
روى البزار كما في "كشف الأستار" رقم (2339) والبيهقي في "حياة الأنبياء بعد وفاتهم" عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)) وهذا الحديث صححه العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة" رقم (621) وهناك أدلة أخرى تدل على حياة الأنبياء في قبورهم كصلاة الأنبياء والمرسلين بعد نبينا ليلة الإسراء والمعراج في بيت المقدس ، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مر على موسى وهو قائم يصلي في قبره . وحياة الأنبياء في قبورهم حياة برزخية لا تعلم كيفيتها ، وهي حياة نعيم ، ومن اعظم ذلك التلذذ بالصلاة . وقد توسعت أكثر من هذا في كتابي "تحذير الأتقياء من عبادة قبور الأنبياء والأولياء" يسر الله طبعه ونشره .
لا تأكل الأرض أجساد الأنبياء والرسل
روى أبو داود رقم (1531،1047) والنسائي رقم (1374) وابن ماجة رقم (1085) وأحمد (4/8) من حديث أوس بن أوس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)) والحديث صحيح . وقد توسع في الكلام عليه محدث العصر الألباني ـ رحمه الله ـ في "السلسلة الصحيحة" رقم (1527) وقد قال بعض أهل العلم : (إنه لا يعلم خلافا في هذه المسألة).
معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - لا تفضلوا بين الأنبياء
لقد جاءت أحاديث فيها النهي عن التفضيل بين الأنبياء ، ومن ذلك ما جاء في البخاري رقم (4638) ومسلم (4/1844) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((لا تخيروني على الأنبياء)) وفي لفظ لمسلم ((لا تفضلوا بين أنبياء الله)) وفي لفظ للبخاري ((لا تخيروني على موسى)) ومن حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى)).متفق عليه(1/44)
وللعلماء كلام كثير في توجيه هذا النهي والجمع بينه وبين الآيات والأحاديث التي قد نصت على التفاضل بين أنبياء الله ، ونصت على أفضلية محمد بن عبد الله على سائر الأنبياء والمرسلين كقوله : ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة.
وأحسن ما قيل في توجيه النهي المذكور ما يلي :
1- أن التفضيل بين الأنبياء إذا كان يؤدي إلى التخاصم والتشاحن والعصبية فيترك ، ودل على هذا سبب قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تخيروني على موسى)) فقد حصل بين مسلم ويهودي أن كل واحد يفضل نبيه مما أدى إلى أن المسلم لطم اليهودي واختصما بعد ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ((لا تخيروني على موسى)).
2- أن التفضيل إذا كان فيه تنقص وازدراء بالمفضول فهذا منهي عنه ، وعلى هذا فلا محذور في إثبات التفاضل بين الأنبياء إذا كان خاليا مما ذكر قبل ، والله أعلم .
الفرق بين النبي والمحدَّث ـ الملهم ـ
المحدث هو الرجل الصادق الظن الذي يلقى الشيء في روعه فيجري على لسانه الصواب ، ويقال له الملهم . وقد دلت الأدلة الثابتة في السنة أنه يوجد في هذه الأمة محدثون ـ بفتح الدال وتشديدها ـ روى البخاري (4/211) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إنه كان فيمن قبلكم محدثون وإنه إن يكن في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب))
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر بن الخطاب)) رواه مسلم (4/1864) وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عمر : ((إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه)) عن ابن عمر وأبي ذر وأبي هريرة ومعاوية وبلال وهو صحيح ، ومرتبة المحدث بعد مرتبة الصديقية .(1/45)
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في "مدارج السالكين" (1/39) وهو يتكلم عن مراتب الهداية للإنسان : (المرتبة الرابعة : مرتبة التحديث ، وهذه دون مرتبة الوحي الخاص وتكون دون مرتبة الصديقين كما كانت لعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وعلى هذا المحدثون ليسوا بأنبياء فضلا عن أن يكونوا رسلا ولكنهم من أتباع الأنبياء والمرسلين إن وجدوا ، وهم قليلون في هذه الأمة ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((فإن يكن منهم أحد في أمتي فعمر بن الخطاب)) والأحاديث المذكورة لا تؤكد وجودهم بل جاءت بطريق التردد وعدم الجزم في كون عمر منهم .
والفوارق بين المحدثين والأنبياء كثيرة والفوارق بين النبي والمحدث هي الفوارق بين النبي والولي وسيأتي ذكرها بعد قليل , وخلاصة القول : أنه لا بد من عرض أقوال وأفعال المحدث – على رغم بعضهم- والولي على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على فهم سلف الأمة.
الفرق بين النبي والولي
الولي هو : المؤمن التقي . قال تعالى :{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس].
والفروق بين النبي والولي كثيرة عند أهل السنة والجماعة أذكر بعضا منها وهي كالآتي:
1- اختص الله الأنبياء بالوحي التكليمي. قال تعالى :{إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} [النساء] ولا وحي للأولياء من قبل الله .
2- اختص الله الأنبياء بالعصمة . فلا عصمة إلا للأنبياء والرسل ، أما الأولياء فلا عصمة لهم بل أفرادهم معرضون للكفر والردة عن الإسلام إذا لم يثبتهم الله عليه . قال تعالى :{يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} [آل عمران] وهذا الخطاب موجه للصحابة ومن بعدهم من أهل الإيمان.(1/46)
3- اختص الله الأنبياء بالآيات وهي المعجزات ، وأما الأولياء فلا معجزة لأحد منهم ، وغاية ما أعطاهم الله الكرامات ، وأعظم كرامة لهم ملازمة تقوى الله . ولهذا قال بعض العلماء : (كن باحثا عن الاستقامة ولا تكن باحثا عن الكرامة) وإثبات كرامات الأولياء عند أهل السنة لا خلاف فيه.
4- الإيمان والتصديق بنبوة الأنبياء ركن من أركان الإيمان من أنكر ذلك من أولياء الله وغيرهم فقد كفر .
5- طاعة الأنبياء واجبة على الأولياء ، ولا عكس ، فالأولياء أتباع للأنبياء يقتدون بهم ويقتفون آثارهم ومن خرج عن ذلك فليس بولي الرحمن بل هو من أولياء الشيطان . قال تعالى :{واتبعوني هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين} [الزخرف].
6- أعلى درجة يصل إليها بعض أفراد الأولياء هي درجة الصديقية . قال تعالى :{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} [النساء]، فلا يمكن أن يكون أحد الأولياء يوما من الدهر نبيا قط ، ومن ادعى ذلك فهو كذاب زنديق .
7- انقطعت النبوة بموت نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وختمت به النبوة ، فلا نبوة لأحد بعده قط ، ومن ادعى النبوة في هذه الأمة فهو كذاب زنديق ، وأما الولاية فتستمر إلى قيام الساعة.
8- أولياء الله أقوالهم وأعمالهم معروضة على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فما قبل منها فهو المقبول وما رد فهو المردود بخلاف أنبياء الله فإنهم يوحى إليهم .
وعلى كل ٍ هذه بعض الفوارق الشرعية بين أنبياء الله وأولياء الله وهي واضحة جدا ، فالحمد لله.
هل يمكن أن يكون أحد من الأولياء بمنزلة الأنبياء؟(1/47)
اعلم أن فضل النبوة ومنزلتها لا يعادلها شيء من أعمال العباد التي يوفقون إليها ، فمهما عمل الصالح من الطاعات فلا تبلغ إلى مصاف النبوة قط ، وأيضا عبادة الأنبياء أجل وأزكى من عبادة أتباعهم بل كل الأولياء لا تصل مرتبتهم إلى منزلة نبي واحد من الأنبياء ، وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) رواه البخاري (7/21) ومسلم (4/1967) فإذا كان من جاء بعد الصحابة لا يدرك منزلة الصحابة وإن أنفق الجبال من الذهب - صلى الله عليه وسلم - فما بالك بأعمال الأنبياء وما اختصهم الله به من الوحي والعصمة؟ بل إن كل عمل يعمله الطائعون لله التابعون للأنبياء فيه أجر لأنهم القدوة في ذلك .
والأدلة على ما قلنا كثيرة ومنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أبي بكر وعمر : ((هذان سيدان كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين)) رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه .
أما بعض المعتزلة والأشعرية فيقولون قد يصل بعض الصالحين إلى مقام الأنبياء ، وهذا كلام باطل وسبب هذا القول هو التجويز العقلي لا الشرعي . وكم أردت بهم عقولهم يوم أن قدمت على البراهين والبينات من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
الأولياء والمحدثون لا تتكلم معهم الملائكة
جاء عند الطبراني في الأوسط (7/18) رقم (6726) عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه ((يا رسول الله كيف محدث ؟ قال: تكلمه الملائكة على لسانه)) وقال بعد إخراجه : (لم يرو هذا الحديث عن أبي سعيد إلا الحسن ولا رواه عن الحسن إلا أبو سعد خادمه ولا رواه عن أبي سعد إلا محمد بن مهاجر تفرد به إسماعيل بن عياش ).
قلت: الحسن لم يسمع من أبي سعيد الخدري ، وخادمه مجهول .(1/48)
وقال الهيثمي في "المجمع" : (رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو سعد خادم الحسن البصري ولم أعرفه...)
وقال الذهبي في "الميزان" (10228) : (أبو سعد خادم الحسن البصري لا يدرى من ذا وخبره باطل)
والحديث عند البخاري 7/رقم 3689 عن أبي هريرة مرفوعا وفيه : لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء , فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر .
وقد قرأ ابن عباس الآية الكريمة {وما أرسلنا من قبلك من نبي رسول ولا محدث} أخرجه البخاري تعليقا (7/51) مع "الفتح" قال الحافظ : (إسناده إلى ابن عباس صحيح) .
قلت: وهذه القراءة لابن عباس تعتبر شاذة ، والقراءة الشاذة لا يعمل بها ، والحديث ضعيف.
وقد استغل دعاة الضلال هذا الحديث الضعيف والقراءة الشاذة وذهبوا يدعون أن فلانا تحدثه الملائكة ، وزعموا أن تحديث الملائكة لفلان هو من باب الإيحاء له فيكون على حد زعمهم نبيا ، وخلعوا لهم الصفات التي تجعلهم في مقام الأنبياء بل أرفع منهم ، وهذا فهم معكوس إذ أننا لو فرضنا صحة الحديث وتواتر القراءة لما كان تحديث الملائكة له من باب الوحي من الله له لأن النبوة قد انقطعت وختمت ببعثة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - دل على ذلك صريح القرآن والسنة كما لا يخفى على صغار الطلبة . أين هؤلاء الضلال من مواقف عمر الذي كان محدثا حقا فإنه ـ رضي الله عنه ـ ذكر عنه أنه كان يقول : (لا يقولن أحد قضيت بما أراني الله فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه ، وأما الواحد منا فيكون رأيه ظنا ولا يكون علما)
وقال في قضية الكلالة : (أقول فيها برأي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان) ولم يقل أحد من السلف أن أراء المحدث لا بد أن تقبل ولا قال بهذا أهل الحديث . فأهل الباطل يستغلون الأحاديث الضعيفة على حسب ما يريدون وما يهوون عاملهم الله بما يستحقون .
كلمات تقال في نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -
تنافي التأدب معه(1/49)
سأذكر مجموعة من الكلمات التي جانب قائلوها الصواب ، ولا يليق بهم ذلك ، بل عليهم أن يجتنبوها توبة إلى الله ، وهي كالآتي :
1- قول القائل : آوى أبو بكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طريدا وآنسه وحيدا .
قال العز بن عبد السلام : ( من زعم أن أبا بكر آوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طريدا فقد كذب , ومن زعم أنه آنسه وحيدا فلا بأس بقوله والله أعلم ) " فتاوى العز بن عبد السلام"(40)
3- قول بعضهم : ( أحبائي في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) هذه الكلمة فيها غلو ظاهر ، والقول المشروع : أحبائي في الله ،عملا بظاهر القرآن والسنة وما كان عليه السلف ، ولا يقوم إيمان العبد إلا بمحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حبا شرعيا .
4- ( الله ورسوله أعلم ) بعد مماته - صلى الله عليه وسلم - ، فكمال الأدب أن لا تقال ، ولا يعلم أن أحدا من الصحابة أطلق ذلك على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته ، وقد توسط بعضهم فقال :تحمل الكلمة على علمه في التشريع دون المغيبات والأمور الدنيوية .
قلت : تركها أولى , وأما من كان على الطريق الصوفية _ وهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم بعد وفاته كل أحوال أمته ـ فهذا هو الضلال بعينه فتنبه .
5- قول بعض الزنادقة : ( الأنبياء لم يحققوا التوحيد )
قلت : هذه كلمة كفر ، وقائلها كافر مرتد إن كان مسلما , لما فيها من التكذيب للقرآن الكريم , فقد بين الله في كتابه في أكثر من آيه أن الذين جاءوا بالتوحيد ودعوا إليه وأقاموه حق القيام هم الأنبياء والرسل ، وفيها تنقص لمقام النبوة .
6- قول بعض الضلال : ( خضنا بحراً وقف الأنبياء على ساحله )
وعلى كلٍ ، هذه الكلمة من شطحات غلاة الصوفية وادعاآتهم العريضة ليصطادوا بها العوام الذين حرموا من معرفة التوحيد.
ولقد لعب الشيطان بأهل التصوف كثيرا ، وهذا منها .
7- ( محمد البادي ) أي : العربي الذي سكن البادية .(1/50)
وقد ابتلي بهذه المقولة الفخر الرازي , وقامت عليه ضجة كبيرة بسبب هذه الكلمة .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - من الحاضرة ، وليس من البادية ، فمن قال هذه الكلمة مريداً بها التنقص لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر .
ِ8- ( الفاتحة زيادة في شرف الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - ) ، ابتلي بعض أهل البدع بإهداء الفاتحة للرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد الدعاء ، وهذا الإهداء من البدع المحدثات .
وقد شرع لنا أن نطلب من الله الزيادة في علو درجة المصطفى , كالصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والدعاء بعد الأذان بإعطاء الله الوسيلة له ، وهي أعلى درجة في الجنة .
9- ذكر صاحب " دلائل الخيرات " أسماء للنبي - صلى الله عليه وسلم - على حد زعمه , ومنها :
غوث , غياث , مقيل العثرات , صفوح عن الزلات ، خازن علم الله ، بحر أنوارك , معدة أسرارك , مؤتي الرحمة , نور الأنوار , السبب في كل موجود , حاء الرحمة , ميم المملكة ، دال الدوام , قطب الجلالة , السر الجامع , الحجاب الأعظم , آية الله ...
وكتاب "دلائل الخيرات" مملوء بالبدع الطرقية , بل وفيه شركيات , فلا يجوز بيعه , ولا شراؤه , ولا إهداؤه , ولا طبعه , ولا القراءة فيه إلا لمن كان متضلعا بالعلم النافع على طريقة أهل السنة والجماعة .
ومؤلفه ممن نسب إليه أنه خاتم الأولياء , وهي نسبة خطيرة جدا يخشى على قائلها من الكفر عياذا بالله .
أضف إلى ما سبق أن هؤلاء المبتدعة في هذه الشطحات يتنقصون الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه من المعلوم أنه لا يقدر على وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما يليق به - صلى الله عليه وسلم - إلا الله , ونحن إنما نتبع ما جاء به القرآن, والسنة المطهرة في وصف نبينا - صلى الله عليه وسلم - .
10-( قمر الأنبياء )(1/51)
من الشطحات قول بعض الأعاجم لبعض من يسمونهم ( أولياء ) : ( قمر الأنبياء ) , وهذه الكلمة نابعة من عقيدة خطيرة جدا ، وهي : أن الأولياء أفضل من الأنبياء ، وقد سبق أن بينا في أحد فصول هذا البحث بالدلائل والبرهان على أن غلاة الصوفية يجعلون مقام أوليائهم فوق منزلة أنبياء الله , قاتلهم الله أنى يؤفكون .
11-الأنبياء يتهمون .
يحصل أن شخصاً يتهم شخصاً آخر , فيقول المتهم للمتهم له : الأنبياء يتهمون , قال بعض العلماء : هذه من كلمات الردة . نسأل الله العاقبة .
12- ( أنه فقير )
لا ينبغي إطلاق هذا اللفظ على رسولنا - صلى الله عليه وسلم - , لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان غني القلب والنفس , وكان فقره اختياراً لا اضطراراً لأنه قد عرض الله عليه الملك وكنوز الأرض , فرفضها , فليس فقره ناجم عن قلة ذات اليد , فقد كانت الأموال تصل إليه بعد الهجرة بكميات كبيرة ولكن يضعها حيث أمره الله .
13-( قال محمد - صلى الله عليه وسلم - )
كامل الأدب أن يقول المتحدث : قال رسول الله , نبي الله . قال الله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا }.
14-(حبيب الله )
يتكلم بعض الناس عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيقول : قال حبيب الله محمد - صلى الله عليه وسلم - , والأصوب أن يقال : قال خليل الله , لأن الخلة أرفع من المحبة , وأخص منها , ولم تكن إلا لإبراهيم ونبينا عليهم السلام . وأما حديث (...أنا حبيب رب العالمين ولا فخر ..) فهو ضعيف , لأنه من طريق زمعة بن صالح , وسلمة بن وهرام وهما ضعيفان .
وقد ذكر بعض أهل العلم قول المسلم : قال الرسول , وقال النبي , بغير إضافته إلى الله , وصوبوا أن يقال : قال رسول الله , قال نبي الله , ليحصل كمال التعظيم .
15-(محمد الله )(1/52)
بعض الأعاجم يقولون : محمد الله ، فيركبون اسم ( الرسول) مع اسم ( الله) ، وهذه مضاهاة للنصارى عند أن قالوا : عيسى ابن الله , فليحذروا من هذه الألفاظ الخطيرة .
16-( زرت قبر النبي )
من الأخطاء الشائعة قول كثير من الناس زرت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا اللفظ مكروه لأنه يفيد أن الشخص قدم المدينة من أجل قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من أجل مسجده , ومن المعلوم قطعاً أن شد الرحال إنما هو من أجل مسجده , وإذا وصل المدينة النبوية شرع له أن يزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - , وهو أفضل وأعظم قبر وجد على وجه الأرض , ومع هذا فلا يجوز شد الرحال إليه .
17-عبقري . من التعبيرات العصرية الخطيرة قول بعض الكُتَّاب عند أن يمدحوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (عبقري) وهذا نقص في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن مقام النبوة والرسالة لا يدانيهما وصف مهما قصد الواصف بتبجيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه الكلمة تستعمل مدحا في حق غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مادحا عمر : ((فلم أر عبقريا يفري فرية)) رواه البخاري ومسلم .
وأما إذا قصد بها المتكلم إثبات العبقرية للرسول - صلى الله عليه وسلم - دون الرسالة والنبوة فهذه ردة عن الإسلام ، والعياذ بالله .
الرافضة يجعلون منزلة أئمتهم
فوق منزلة الأنبياء والرسل
الرافضة ينطلقون من منطلقات كفرية ألا وهي أن النبوة حلت في أئمتهم ، وإليك بعض مقالتهم:
أسند الكافي في "أصوله"(1/199) إلى جعفر الصادق أنه قال : (وإن عندنا لمصحف فاطمة ـ عليها السلام ـ وما يدريهم ما مصحف فاطمة ، ومصحف فاطمة فيه مثل قرانكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد)
وذكر في (1/202) قائلا : (إن الله أرسل جبريل إلى فاطمة يسليها ويحدثها وإن ذلك المصحف كان عبارة عن ذلك الحديث كتبه علي بن أبي طالب)(1/53)
وفي (3/248) قال : (إن علمنا عابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع فأما العابر فما تقدم من علمنا ، وأما المزبور فما يأتينا ، وأما النكت في القلوب فإلهام ، وأما النقر في الأسماع فأمر الملك) .
وفي (3/30) (عن الحسن بن العباس المعروف كتب إلى الرضا قائلا : (جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين النبي والرسول والإمام؟ فكتب أو قال : الفرق بين الرسول والنبي والإمام ، أن الرسول الذي ينزل عليه جبريل (4) فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (4) والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع ، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص واستشهد على ذلك بآية {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث}.
وهذه الآثار المنسوبة إلى جعفر الصادق وهو منها برئ واضحة جدا حيث إنها صرحت بأن عند أئمتهم قرآنا غير قرآننا وأن الوحي ينزل عليهم ، وأن الأئمة يسمعون الملك .
وكتاب الكافي فيه عشرات الآثار التي تثبت الوحي إلى أئمة الرافضة ،وقد ذكر صاحب " عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية " أن صاحب كتاب " أنوار الإسلام في علم الإمام " قال : ( أما العلم الحق فهو علم الأنبياء والأوصياء ،إذ لا يعتريه الخطأ ولا السهو ولا النسيان فهو علم لدني شهودي صادر عن الوحي والحدس والإلهام والله ضامن لصحة هذا العلم ،لأنه من لدن ...) ويدعون لأئمتهم أمورا غيبية لا تعلم إلا عن طريق الوحي ،ومن ذلك ما عنون الكافي في أصوله ( باب : أن الأئمة يعلمون من يموت ، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ) (3/232)
باب :أن الأئمة ـ عليهم السلام ـ يعلمون ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم )(3/249) .
والغيب المذكور هنا لا يعلمه إلا الله وحده , وقد يطلع الله من يشاء من رسله على بعضه , أما كل ما ذكر في الحديث فلا .(1/54)
وقد قال حسين الموسوي في كتابه الذي فضح فيه الرافضة " كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار " بعد أن ذكر صحيفة عند الرافضة ، قال : ( وهناك روايات أخرى كثيرة نجدها في "الكافي" و "البحار" و"بصائر الدرجات" و"وسائل الشيعة "
قلت : وما أدراك ماذا في هذه الكتب من الباطل ففيها مالا يخطر ببال ولا يدور في الخيال , عقد المجلسي بابا في كتابه "بحار الأنوار " هذا نصه : (باب : تفضيلهم – عليهم السلام – على الأنبياء وعلى جميع الخلق وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق وأن أولي العزم إنما صاروا أولي عزم بحبهم صلوات الله عليهم)
وقد ذكر المجلسي تحت هذا الباب روايات كثيرة شنيعة مفتراة على الله وعلى رسوله وعلى آل بيت النبوة .
وفي كتاب " أمالي الصدوق"(ص71) (أن جبريل جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له يا محمد علي خير البشر ومن أبى فقد كفر)) وهذا محض الكذب والافتراء ، مع العلم أنهم يدعون أن جبريل خان الرسالة وأعطاها لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وإنما كانت لعلي ـ رضي الله عنه ـ فهم أعداء جبريل ـ عليه السلام ـ وقد شابهوا بهذا اليهود فإن الله قال في اليهود الذين جعلوا عدوهم جبريل :{من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} [البقرة]
ولا تظن أن عقيدة الرافضة في جعل أئمتهم فوق الأنبياء والمرسلين قد تغيرت أو انتهت , بل هي في عصرنا راسخة عند كثير منهم كرسوخ الجبال , وانظر إلى ما قاله الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية " (ص52) :( وأن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل )
وإذا كان هذا الكلام يصدر من زعيم الرافضة السياسي فماذا يكون عند أصحاب العقائد الرافضية؟! .
وعلى كلٍ سأسرد الصحف المنزلة على الرافضة من السماء على حسب دعواهم , نقلا من كتاب "كشف الأستار وتبرئة الأئمة الأطهار"
1- الجامعة
2- صحيفة الناموس
3-صحيفة العبيطة(1/55)
4-صحيفة رؤاية السبق .
5-الجفر , وهو نوعان : الجفر الأبيض
, والجفر الأحمر .
6-مصحف فاطمة رضي الله عنها وقبح الله الرافضة .
7-التوراة والإنجيل .لأن الرافضة تدعي أن جميع الكتب السماوية المنزلة قد أنزلت على أئمتهم .
8-القرآن , وهو الذي أنزله الله على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - , ولكنهم يدعون أنه محرف، وأما ما سبق ذكره من الصحف المنزلة على أئمتهم فهي محفوظة لم يحرف منها شيء .
ولو قال قائل : ولم يتظاهرون أمام المسلمين أنهم يعملون بالقرآن الكريم ؟
الجواب : هذا عندهم من باب التقية , فإنها تسعة أعشار الإسلام عندهم .
وإلى هنا نكون قد أوضحنا للقارئ الكريم جرما عظيما ترتكبه الرافضة في حق الأنبياء والرسل وآل بيت النبوة .
تنبيه: لقد كانت اليمن العليا تعاني من الفرق الشيعية إلى عهد قريب ، ولكن ظهرت دعوة أهل السنة , ففتح الله على أهل اليمن ووفقهم لقبولها , فخلعوا التشيع المقيت ولبسوا لباس السنة وصاروا ـ بحمد الله ـ يعرفون لآل بيت النبوة حقهم الشرعي, وقد هجروا البدع ورفضوا الشركيات ,وهذا خير عظيم , ولكن المستجد هو السعي في فرض المبدأ الرافضي باعتبار أن الرافضة الذين في اليمن ـ وهم شرذمة قليلة ـ يستندون إلى دولة إيران حاملة لواء الضلال , ولكن سيخيب الله آمالهم ويبطل كيدهم , فالرافضة الآن يتحركون ويحاولون أن يقوموا وبطريقة تلبيسية خطيرة .
فليحذر اليمنيون من السكوت عليهم , والمداهنة لهم وهم يشكلون خطرا عظيما على الدولة , لأنهم يسعون لجعل الملك والرئاسة بأيديهم , وهم يعدون للوقت الذي يتسنى لهم, فلتكن الدولة على حذر منهم.
غلاة الصوفية يجعلون منزلة
أوليائهم فوق منزلة الأنبياء(1/56)
لقد علم أهل الإسلام أن غلاة الصوفية يفضلون الولي على النبي . وقد ذكر غير واحد أن وأول من قال هذا محمد بن علي الملقب بالحكيم الترمذي . فقد قال في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المتحابين : ((يغبطهم النبيون والشهداء)) قال : (لو لم يكونوا أفضل منهم لم يغبطوهم) وبسبب هذا القول طرد الحكيم من ترمذ وحكم عليه بالزندقة ولم يتابعه على هذه المقالة أحد من أهل الإسلام ، وهي مقالة واضحة الضلال لأن مجرد الغبطة لا تدل على أن المغبوط أفضل من المغتبط ، وقد تمنى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشهادة ولم يقل أحد إن درجة الشهداء أرفع من درجة الأنبياء والمرسلين . وأيضا وقع الحكيم في ضلالة أخرى وهي ادعاء ختم الولاية .
وقد تولى ابن عربي الحاتمي الطائي الدعوة إلى هذه العقيدة الكفرية ، فقد صرح في مواضع من كتبه بأن الولاية أعظم من النبوة ثم النبوة أعظم من الرسالة ، فجعل الولي أعظم من الرسول ومن النبي ، وفضله على الرسول أعظم من النبي . وقال: سماء النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي كما في كتاب "لطائف الأسرار" (ص29) وفي كتابه "الفتوحات المكية" قدم الولاية ثم النبوة ثم الرسالة . وقال في مقام الولاية :
من صورة الحق لنا من ولايته جميعها قلنا في الحرب إقدام
لنا الخلافة في الدنيا محققة ومالها في جنان الخلد أحكام
"الفتوحات" (2/256،252،248)
فقوله : (جميعها) أي : جميع الولاية لهم بما في ذلك النبوة والرسالة .
وقوله : (لنا الخلافة في الدنيا محققة) أي: على الجميع .
وقال ابن عربي أيضا : بين الولاية والرسالة برزخ فيه النبوة حكمها لا يجهل
"الفتوحات" (2/249) فصرح بأن النبوة متوسطة بين الولاية والرسالة .
وقال في كتابه "الفصوص(ص203) " : (اعلم أن الولاية هي الفلك المحيط للعالم ولهذا لم تنقطع ولها الأنباء العام وأما التشريع والرسالة فمنقطعة) .(1/57)
وقد جعل ابن عربي الملحد ومن تبعه قضية الولي أفضل من النبي فجعل الولي الذي ختمت به الولاية يتلقى الوحي عن الله مباشرة ويقول حدثني قلبي عن ربي ولا يحتاج إلى النبي قال : (الولي لا يأخذ النبوة من النبي إلا بعد أن يرثها الحق منهم ثم يلقيها إلى الولي ليكون ذلك أتم في حقه حتى ينتسب في ذلك إلى الله لا إلى غيره) "الفتوحات المكية" (2/353) فقوله : (لا إلى غيره) يعني : لا إلى الأنبياء .
وهؤلاء الزنادقة يقولون : إن الولي الخاتم يتلقى في الظاهر عن النبي وفي الباطن عن الله مباشرة ، هذا في الظاهر ، وأما في الباطن فيقولون إن الأنبياء يتلقون من مشكاة الأولياء ، وهكذا الزندقة .
وقد ادعى ختم الولاية مجموعة من الزنادقة الصوفية ومنهم:
1- ابن عربي الملحد المتوفى (638)
2- التيجاني وهو يلقب بالقطب الأكبر المتوفى (1230) هـ .
وانظر إلى المدة الزمنية بين الاثنين فهذا يدلك على تفشي هذه العقيدة زمانا طويلا . وقد ذكر صاحب كتاب "بغية المستفيد" (ص193-194) أن التيجاني قال : (إن سيد الوجود أخبره يقظة لا مناما بأنه هو الخاتم المحمدي المعروف عند جميع الأقطاب والصديقين وبأن مقامه لا مقام فوقه بساط المعرفة بالله)
3- محمد بن سليمان الجزولي صاحب كتاب "دلائل الخيرات" وهو كتاب مليء بالبدع ، ولا يسلم من الشركيات.
4- السيد علي .
5- القشائي .
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (وادعى جماعة كل واحد أنه هو كابن عربي وربما قيده بأنه ختم الولاية المحمدية أو الكاملة أو نحو ذلك لئلا يلزمه أن لا يخلف بعده لله ولي) (11/363) .
وعلى كلٍ التسمية بخاتم الأولياء تسمية باطلة لا أصل لها في كتاب ربنا وسنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ولا عند سلفنا وأئمتنا ، وإنما جاءت من عند أهل الضلال والإلحاد ، فأولياء الله كل مؤمن تقي . قال تعالى :{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس].(1/58)
موقف الفرق الخارجة عن الإسلام
إن الفرق الخارجة عن الإسلام تسعى إلى هدم الشريعة الإسلامية بطرق شتى ومن ذلك : ادعاء نسخها ولا تعترف اعترافا صحيحا بنبوة الأنبياء وإرسال الرسل ولا بالبعث والنشور إلى غير ذلك ومن هذه الفرق:
1- الباطنية من إسماعيلية، وقرامطة، ونصيرية، ودروز، وبهرة، ومكارمة، وعبيدية، وعلويين، وفاطميين , كل هذه أسماء لمسمى واحد .
2- البابية التي تنسب إلى علي بن محمد الشيرازي الملقب بالبابا .
3- البهائية المنسوبة إلى ميرزا حسين بن علي الملقب ببهاء الله .
4- القاديانية المنسوبة إلى غلام أحمد القادياني وقد تسمى بالأحمدية ، وقاديات مدينة في الهند .
فهذه الفرق وما كان على نهجها فرق خارجة عن الإسلام كفرهن أكفر من اليهود والنصارى .
وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء قديما وحديثا.
ذكر مجموعة من كتب احتوت على التشويه والطعن في الأنبياء والرسل
ذكرها جملة(1/59)
أخي المسلم لا يخفى عليك ما منحه الله أنبياءه ورسله من كمال ورفعة ، فهم أحسن الناس أخلاقا، وأجمل الناس معاملة، وأصدق الناس قولا، وأخلص الناس عملا، وأعظم الناس شجاعة ، وأزكى الناس نفوسا ، وأطهر الناس قلوبا ، وأكثر الناس خشية ، وأقوى الناس توكلا ، وأغزر الناس علما ومعرفة ، وأوسع الناس رحمة ، وأجل الناس زهدا وورعا ، وأصبر الناس على الناس ، وأسرع الناس عفوا وصفحا، وأبعد الناس نظرا ، فهم صفوة خلق الله ، اصطفاهم الله لدينه واصطفاهم لنفسه وجعلهم مهبط وحيه ، واعتبرهم واسطة بينه وبين خلقه ، فمدحهم الله ونوه بعلو مكانتهم وبذكر حقوقهم ، فالنيل منهم خيانة عظمى بل مناف للإسلام كله ، وقليل النيل منهم في نظر الناس خطير وجسيم عند رب العالمين . قال تعالى :{يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} فياله من تهديد ووعيد شديد عند حصول رفع الصوت عند صوتهم والجهر بالقول عند قولهم ، وهذه الآية باقية إلى قيام الساعة فإذا كان مجرد رفع الصوت عليهم يؤدي إلى إحباط الأعمال فكيف بمن استهزأ بهم وغمزهم ولمزهم وحط من قدرهم ، فيا للخطر ويا للهلاك .
وإليك بيان موجز عما يجب اجتنابه في حق الأنبياء والرسل :(1/60)
1- الحذر ثم الحذر من قبول ما تضمنته كتب اليهود والنصارى من الطعن في الأنبياء والمرسلين ، فقد ملئت كتبهم بالأكاذيب والأباطيل التي لا يقبلها نقل ولا يقرها عقل ، ولست أعني بكتب اليهود والنصارى التاريخية بل كل كتبهم بدأ بالتوراة والإنجيل المحرفتان، وقد نقل بعض المفسرين في تفاسيرهم بعضا من تلك التراهات التي في كتب اليهود والنصارى مما تنسبه إلى الأنبياء والرسل ولو قلت ما وجد اليهود منقصة إلا وألصقوها بنبي من أنبياء الله لما جانبت الصواب . فالشرك والكفر وعبادة الأصنام وعمل السحر ، والتنجيم ، والكذب ، والزنى ، وغير ذلك قد نسبوه إلى الأنبياء . والنصارى هم مخنثة اليهود .
2- كتب أهل البدع والضلال فيها من الأقوال الرديئة والآراء الشاذة والحكايات الملفقة ما لا يجوز أن يسمع وينقل ، وأخص بالذكر من هذه الفرق الصوفية والرافضة ، فهاتان الفرقتان هما وارث اليهود والنصارى فيما فيه إقراط أو تفريط في حق الأنبياء والرسل وغير ذلك . وإذا أردت شيئا من البسط حول هذا فانظر كتابنا "تحذير الأتقياء من عبادة قبور الأنبياء والأولياء"
3- الحذر من قبول الأحاديث الضعيفة بصورة عامة وأخص بالذكر ما تعلق بالأنبياء والمرسلين إذ أن الكذابين في صف الأمة الإسلامية قد اختلقوا كثيرا وكثيرا من الكلام الذي لا يليق بالأنبياء ونسبوه إلى الأنبياء والرسل ، وعلى وجه الخصوص المائلون إلى الرفض أو التصوف بل قد نسبوا كتبا كما هي ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
4- المجلات والصحف التي تحمل الوافد الإلحادي . لا يخفى عليك أيها المسلم أن الإلحاد الذي في بلاد الكفار قد مد أعناقه إلينا ، وقد صار ت بعض الصحف والمجلات منبعا له ، ومن ذلك الإلحاد سب الأنبياء وشتمهم والطعن فيهم بلسان المقال أو بلسان الحال ، وهذا لا يجهله من يتابع ما يقال وينشر في بعض الصحف والمجلات والإذاعات .(1/61)
إجرام من ظهر منهم الطعن في الأنبياء والرسل بل وفي الله في هذا العصر شرذمة الحداثيين
ذكرها تفصيلا
أخي القارئ رأيت من باب الدفاع عن أنبياء الله ورسله أن أذكر مجموعة من الكتب بأسمائها محذرا منها ، وقد ذكرت قبل قليل أن الغالب على كتب الصوفية والرافضة الطعن في الأنبياء ، وقد رأيت هنا أن أقسم الكتب التي سأحذر منها إلى قسمين :
القسم الأول : كتب احتوت على كثير من البدع ، وتخللت هذه البدع شركيات ، ومثل هذه الكتب تكون قد بلغت غاية في الخطر ولا يسع كل مسلم إلا الحذر منها قدر المستطاع ، وإليك أسماؤها :
1- "إتحاف الأذكياء بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء" لعبد الله بن محمد الغماري .
2- "إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي" للكوثري الضال .
3- "لا من والعلى لناعي المصطفى بدافع البلاء" لأحمد رضا البربلوي الأفغاني إمام في القبورية
4- "الأنوار المحمدية" لإسماعيل بن يونس النبهاني أكبر مدافع عن الخرافيين في عصرنا في الوطن العربي .
5- "الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظم" لابن حجر الهيتمي المكي أحد كبار دعاة القبورية .
6- "دلائل الخيرات" لمحمد بن سليمان المغربي الصوفي الخرافي المشهور بالجزولي .
7- "الذخائر القدسية في زيارة خير البرية" لعبد الحميد بن محمد المكي.
8- "الذكر الحسين في سيرة النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - " لمحمد شفيع الأوكاروبي .
9- "قمر التمام في نفي الظل عن سيرة الأنام - صلى الله عليه وسلم - لأحمد رضا الأفغاني .
10- "مدارج النبوة" لعبد الحق الدهلوي الخرافي الصوفي .
11- "النعمة الكبرى على العالم في مولد سيد ولد آدم" لأحمد بن حجر الهيتمي أحد كبار دعاة القبورية .
12- "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" لعلي بن عبد الكافي السبكي أحد دعاة القبورية . وقد رد عليه ابن عبد الهادي في كتابه العظيم "الصارم المنكي في الرد على السبكي "(1/62)
13- "ثبوت الحاضر والناظر لإثبات كون النبي حاضر ناظر إلينا في كل زمان ومكان" لمحمد فيض الألوسي الخرافي .
14- "شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق" لإسماعيل بن يوسف النبهاني ، وكتابه هذا أكثر الكتب استيعابا للشرك والخرافة . وقد قام محمود شكري الألوسي بالرد عليه في كتاب سماه "غاية الأماني في الرد على النبهاني" .
15- "كشف النقاب في حياة الأنبياء إذا كانوا تحت التراب" .
16- "بهجة الناظر في التوسل بالنبي الطاهر" .
وعلى كلٍ يجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر من القراءة والبيع والشراء والإهداء لهذه الكتب وما كان على منوالها ، وعلى العلماء أن يحذروا منها
القسم الثاني : كتب احتوت على بدع وطعونات على طريقة أهل الكلام من رافضة أو جهمية أو معتزلة أو أشعرية وربما زنادقة ، وهذه أسماؤها:
1- "حياة محمد" لمؤلفه محمد بن حسين هيكل ، وطريقة مؤلف هذا الكتاب هي طريقة المستشرقين ، وماذا ننتظر من رجل يسلك في تأليف كتابه طريق الكفرة الذين عرفوا بالحقد الدفين على الرسول - صلى الله عليه وسلم - . وعلى كلٍ هذا الكتاب مليء بالزندقة والإلحاد تارة بالتصريح وتارة بالتلميح ، وقد ذكر نبذة من ذلك مشهور حسن آل سلمان في كتابه "كتب حذر منها العلماء" .
2- عرائس المجالس في قصص الأنبياء" لأبي إسحاق الثعلبي ، وهذا الكتاب محشو بالإسرائيليات والأخبار الواهية وغرائب ورزايا وبلايا .
3- تنزيه الأنبياء" للشريف المرتضى وهو رافضي خبيث فقد اتخذ ذكر الأنبياء دهليز لإثبات عظمة أئمتهم فقد سود في كتابه خمسين صفحة في دعوى عظمة أئمتهم ، والكتاب مبني على طريقة أهل الكلام من جهة ، والرافضة من جهة ثانية .
4- "عصمة الأنبياء" لمحمد بن عمر فخر الدين الرازي ، وقد بنى كتابه هذا على طريقة أهل الكلام ألا وهي تقديم العقل على النقل وعدم الاحتجاج بخبر الآحاد فلا يعتمد عليه .(1/63)
5- "النبوة والأنبياء" لمحمد بن علي الصابوني ، هذا الكتاب فيه من الإسرائيليات ما تقشعر منه الأبدان ، وفيه أقوال رديئة ، وقد قام بعض العلماء بنقد الكتاب ومن ذلك "نظرات في كتاب النبوة والأنبياء".
6- "قصص الأنبياء" وحكايتهم المنسوب للواقدي وهو غير صحيح.
7- " قصص الأنبياء" لنعمة الله الجزائري الرافضي ، والمؤلف يقرر في كتابه المذكور العقائد الرافضية بكل صراحة ، وهي عقائد مضلة . فقد قال في المقدمة (ص7) : (روى الثقة عن ابن إبراهيم في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال: ما بعث الله نبيا من لدن آدم ...إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين (ع).
قلت: هذا تقرير للعقيدة الفاسدة وهي عقيدة الرجعة ، وهي قائمة على انحراف عظيم وطعن في الدين وهو أن جل الصحابة ارتدوا . وأن أبا بكر وعمر حذفا ثلث القرآن المتعلق بولاية علي ـ رضي الله عنه ـ والنصر سيقع لعلي على هؤلاء . والكتاب مليء بالدسائس التي عرفت بها الرافضة .
8- "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله" لمحمد سرور ، والمؤلف نصب نفسه متحدثا عن منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله . وليس أهلاً لذلك إذ أنه تربى وترعرع بين أحضان دعاة التحزب السياسي الذي يقوم على الثورات والانقلابات ، ولهذا تجده في كتابه المذكور قد دندن كثيرا حول ذلك . واعتمد على أقوال سيد قطب ومن إليه جاعلا له بديلا عن أقوال علماء السنة . وخلاصة ما في كتابه المذكور دعوته إلى الخروج على علماء أهل السنة وعلى حكام المسلمين ، وإذا كان يقول في مقدمة كتابه : (نظرت في كتب العقيدة فرأيت أنها كتبت في غير عصرنا وكانت حلولا لقضايا ومشكلات العصر الذي كتبت فيه رغم أهميتها ورغم تشابهه المشكلات أحيانا ، ولعصرنا مشكلاته التي تحتاج إلى حلول جديدة ، ومن ثم فأسلوب كتب العقيدة فيه كثير من الجفاف لأنها نصوص وأحكام ، ولهذا أعرض معظم الشباب عنها وزهدوا بها).(1/64)
قلت : وهذا الكلام كاف في بيان انحراف المؤلف عن منهج السلف لأنه يدعي أنه سلفي فحديثه هنا عن العقيدة السلفية ليس غير ، وقد زل زلة لا ينجيه من تبعتها إلا التوبة إلى الله
وإذا كان المؤلف في مقدمة كتابه قد طعن طعنا صريحا في عقيدة السلف فماذا نتوقع من الكاتب ومن الكتاب ؟!.
9- كتاب "إرشاد الأتقياء إلى تنزيه سيد الأنبياء" لمؤلفه عدنان أحمد الجنيد ، والمؤلف هو من أصحاب وحدة الوجود بدليل وجود بحث له بعنوان "فتح الوجود في بيان معاني وحدة الوجود" وهو يعد وارث ابن عربي الطائي الذي عرف بالإلحاد الأكبر عياذا بالله .
وأيضا المؤلف مولع بنقل كلام ضلال الصوفية كالدباغ وابن عربي الطائي وشيخه الذي يلقبه بابن علوان الثاني ـ محمد بن يحيى الجنيد ـ كما في الكتاب نفسه ، وينقل كلامه بعد أن ينتقد أقوال مجموعة من العلماء من محدثين ومفسرين . والمؤلف حاول بطريقة خبيثة إحياء الضلالات الصوفية التي يفتخر بها ، وتجاهل أن الصوفية تحتضر في العالم كله وأعظم احتضار لها في اليمن ، ومن ذلك ترديد الحضرة القدسية وهي من مصطلحات الصوفية الخطيرة . وأيضا افترى المؤلف أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كشف له اللوح المحفوظ فقد قال في (ص99) : (وأن الأحاديث كثيرة تدل على علمه - صلى الله عليه وسلم - بجميع أمور الدنيا والدين ، وأن الله سبحانه قد أطلعه على الغيب المكنون ، وعلى ما كان وما يكون) .
قلت: مراد المؤلف على عقيدة دعاة الشرك والخرافة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم كل ما يدور في حياتنا وهو في قبره - صلى الله عليه وسلم - وغرض هؤلاء من هذا هو أن أقطابهم بعد مماتهم يعلمون جميع أحوال العباد الأحياء والأموات من أجل أن يعبدهم الأحياء ويقبلوا على التمسح بضرائحهم . وقد صرح مجموعة من صوفية تعز أنهم إذا أرادوا أمرا استأذنوا ابن علوان .(1/65)
وعلى كلٍ لو لم يكن في الكتاب المذكور إلا هذه الضلالة التي هي في غاية الإساءة في حق ربنا سبحانه وفي حق نبينا - صلى الله عليه وسلم - لكانت كافية . والمؤلف سلك في كتابه هذا أيضا طريقة أهل الكلام من جهمية ومعتزلة وأشعرية مع المحافظة على التصوف المقيت ، فقد طعن في بعض الصحابة وفي كثير من علماء الحديث والفقهاء بل قال في "صحيح البخاري" : (إن صحيح البخاري مليء بهذه الحزايات التي لا يقبلها عقل أي إنسان...) (ص129) من كتابه إرشاد الأتقياء .
الأحاديث الضعيفة المتعلقة بموضوعنا حول الأنبياء
ألا وإن من جمال التأليف وكمال الإصلاح وشدة الحرص على سلامة المجتمع المسلم من شوائب الخلل والفساد في تدينهم .
ذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي تعد أحد معاول الهدم للإسلام وبوابه للطعن فيه والنيل من صفائه ونقائه ، وقد رأيت أن أذكر مجموعة أحاديث تعلقت بموضوعي وإلا فالأحاديث الضعيفة والموضوعة التي ألصقت بالأنبياء والرسل في أي مجال من حياتهم كثيرة جدا ، وإليك سردها:
الحديث الأول :
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((بعث نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثمانية آلاف نبي منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل))
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/237) رقم (574) وأبو يعلى رقم (4092) من طريق يزيد الرقاشي عنه ويزيد ضعيف كما في التقريب .وقال الطبراني : ورواه زياد بن سعد عن صفوان بن سليم عن أنس .أهـ
أقول : وصفوان لم يسمع من أنس كما جامع التحصيل ص198-199
فالحديث ضعيف ولو صح لسهل الجمع بينه وبين الأحاديث الصحيحة .
الحديث الثاني:(1/66)
عن أبي ذر رضي الله عنه قال :قلت يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال : ((مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفا , قلت: يا رسول الله كم الرسل منهم ؟ قال : ثلثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا . قال : يا أبا ذر أربعة سريانيون : آدم , وشيث , ونوح , وخنوخ وهو إدريس , وهو أول من خط بالقلم . وأربعة من العرب : هود , وصالح , وشعيب , ونبيك , وأول نبي من أنبياء بني إسرائيل موسى , وآخرهم عيسى , وأول النبيين آدم , وآخرهم نبيك ))
أخرجه ابن حبان كما في "الموارد" (1/191-196) من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني حدثنا أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر به .
وإبراهيم هذا متروك , بل كذبه بعضهم , وقد تفرد به عن أبيه عن جده .
وأخرجه الحاكم (2/596) وقال الذهبي : ( السعدي هو يحيى بن سعد البصري السعدي وهو متروك ، ومن طريقه أخرجه الطبراني (165) , وأبو نعيم (1/166-168) , وابن عدي في "الكامل" (7/2699) وقال : (هذا حديث منكر من هذه الطريق . وأخرجه ابن جرير الطبري في "تاريخه" (1/150-151) من طريق الماضي بن محمد عن أبي سليمان عن القاسم بن محمد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر به مرفوعا .والماضي , سئل عنه أبو حاتم فقال : (لا أعرفه , والحديث الذي رواه باطل . وقال ابن عدي:(منكر الحديث , وعامة ما يرويه لا يتابع عليه ولا أعلم روى عن غير ابن وهب ).وأبو سليمان , هو علي بن سليمان , وهو مجهول .
وخلاصة الكلام : أن أغلب هذه الروايات شديدة الضعف فلا تقوي بعضها بعضا ، فذكر مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا من الأنبياء لا يصح عن أبي ذر رضي الله عنه .
وقد تقدم حديث أبي ذر في الكلام على الفوارق بين النبي والرسول , وبينا أنه صحيح ،لكن بدون ذكر عدد الأنبياء , هذا ما ترجح لي . والله أعلم .
الحديث الثالث :(1/67)
عن أبي أمامة قال كان رسول لله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد جالسا...فقال : يا أبا ذر , فذكر الحديث وفيه : (( كم عدد الأنبياء ؟ قال : مائة وعشرون ألفا ...)) .
أخرجه أحمد (5/313-314) من طريق معان بن رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة . مرفوعاً .
ومعان هذا هو الذمي وهو ضعيف .
وعلي بن يزيد هو الألهاني , ضعيف جداً
وقد أخرجه الطبراني من طريق أحمد , برقم (7871) .
وقد تقدم أنه صح من حديث أبي أمامة ذكر عدد الرسل لا الأنبياء .
الحديث الرابع :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إني خاتم ألف نبي وأكثر , ما بعث الله نبيا إلا حذر أمته الدجال ))
رواه أحمد (3/79) , وأبو يعلى , والحاكم (2/702) .
وفي سنده مجالد بن سعيد الهمداني , وهو ضعيف .
وقد جاء عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إني لخاتم ألف نبي , أو أكثر ، وإنه ليس منهم نبي إلا قد أنذر قومه الدجال ...)) رواه البزار (4/135) رقم (3380) "كشف الأستار" وهو ضعيف , لأن في سنده مجالد بن سعيد الهمداني , وهو ضعيف .
الحديث الخامس :
عن ابن عباس موقوفا عليه قال : ((كان الأنبياء من بني إسرائيل , إلا عشرة : نوح , وهود , ولوط ، وصالح , وشعيب ، وإبراهيم , وإسماعيل , ومحمد عليهم الصلاة والسلام ...)) .
أخرجه الحاكم (2/441) رقم (3400), والطبراني في "الكبير" (11/276) رقم (11723) من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس .ورواية سماك عن عكرمة مضطربة .
الخاتمة
بحمد الله وحسن توفيقه فقد تم ما أردت جمعه من الفروق بين النبي والرسول
كما تكلمت على مواضيع أخرى رأيت أن الحاجة داعية إلى ذكرها في هذه الرسالة .
فالله أسأل أن ينفع بهذا البحث إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وكتب / محمد بن عبد الله الإمام
اليمن – معبر هاتف فاكس / 06/ 430280
فهرس
الموضوع الصفحة(1/68)
المقدمة ...........................................................
تعريف النبي لغة واصطلاحا .........................................
تعريف الرسول لغة واصطلاحا ......................................
شروط النبوة والرسالة..............................................
لا تثبت النبوة لأحد إلا ببرهان .....................................
قاعدة : كل نبي رسول ولا عكس................................
الفوارق بين الأنبياء والرسل ................................................
لا يجتمع رسولان مستقلان في قوم .................................
تفاضل الرسل فيما بينهم..............................................
النبي العبد الرسول أفضل من النبي الملك .................................
القائلون بعدم التفريق بين النبي والرسول .............................
أدلة القائلين بعدم التفريق والرد عليهم .................................
الأنبياء رسالتهم مقيدة لا مطلقة ...........................................
ذكر الرسل بلفظ الأنبياء لا ينافي كونهم رسلا .............................
ذكر ما يتفق فيه الأنبياء والرسل
منزلة الأنبياء والرسل قبل نبوتهم ..................................
الأنبياء والرسل أفضل الخلق على الإطلاق ...................................
حاجة البشر إلى الرسل ........................................
لحكمة من بعثة الرسل .............................................
وظائف الرسل ....................................................
حكم من طعن فيهم .....................................
أشد الناس عذابا رجل قتله نبي أو قتل نبي ...................................
أنهم أشد الناس بلاء ...............................................
أخذ الله الميثاق منهم .............................(1/69)
صيانة مجالس الأنبياء من التنازع والاختلاف ..............................
لا ينبغي أن يكون لنبي خائنة الأعين .....................................
أنهم لا يموتون حتى يخيروا ............................................
أنهم يدفنون حيث يقبضون ...................................
أنهم لا يورثون..................................................
أنهم أحياء في قبورهم ...........................................
أن الأرض لا تأكل أجسادهم ..................................
معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - لا تفضلوا بين الأنبياء ................................
الفروق بين الأنبياء وغيرهم ........................
الفرق بين النبي والمحدَّث الملهم ..............................................
الفرق بين النبي والولي .....................................................
هل يكون الولي بمنزلة النبي .........................
المحدثون و الأولياء لا تتكلم معهم الملائكة .....................................
ذكر بعض الألفاظ التي تنافي الأدب مع نبينا - صلى الله عليه وسلم - .......................
الرافضة يجعلون منزلة أئمتهم فوق منزلة الأنبياء والرسل ...................
غلاة الصوفية يجعلون منزلة أوليائهم فوق منزلة الأنبياء .....................
موقف الفرق الخارجة عن الإسلام ............................................
ذكر مجموعة من كتب احتوت على التشويه والطعن في الأنبياء والرسل.......
ذكرها جملة .....................
ذكرها تفصيلا.........
ذكر الأحاديث الضعيفة المتعلقة بهذا الموضوع.............................
الخاتمة ......................................................................
تنوير العقول
في
الفرق بين النبي والرسول
تأليف
محمد بن عبد الله الإمام(1/70)