|
كتبه : أبونصر محمد بن عبدالله الإمام
اليمن ـ معبر ـ في 13/12/ 1424هـ
تم استيراده من نسخة : المكتبة الشاملة المكية
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران].
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء].
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [الأحزاب].
أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد :
فقد فطر الله العباد على عبادته وتعظيمه قال تعالى :{فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} [الروم]
(1/1)
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه...)) فالفطرة التي فطر الله الناس عليها هي الإسلام ، أي: فطرهم الله على عبادته خوفا وتعظيما وخضوعا ورضا وحبا له سبحانه ، وقال تعالى :{أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم} [إبراهيم] ، وقال تعالى :{كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين} [البقرة]، وقال تعالى :{وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا} [يونس]، فصرحت الآيتان أن الناس كانوا على التوحيد ثم طرأ عليهم الشرك بدليل قوله : {فاختلفوا} وفي الحديث القدسي الذي عند مسلم وفيه : قال الله : ((إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين ... فأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا)) فقد استمر الناس على عبادة الله وحده لا يشركون به إلى زمن نوح ظهر فيهم الشرك . وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كان بين نوح وآدم عشرة قرون على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) رواه ابن جرير في "تفسيره" والحاكم (2/546) وقال : صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي ، وقد صحح هذا القول غير واحد من العلماء . وما جاء عن ابن عباس أن الناس كانوا كفارا عشرة قرون حتى بعث نوح فرواية ضعيفة لا يعتمد عليها بل هي توافق قول الفلاسفة أن الأصل في الناس الشرك.
(1/2)
وقد ذكرنا في بعض فصول الكتاب أن نشأة القبورية كانت من عند قوم نوح عندما عبدوا ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا. ولقد بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - والبشرية على الشرك بشتى أنواعه ، فدعا إلى توحيد الله حتى طهر الجزيرة من الشرك والخرافة . قال تعالى :{إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} [النصر]، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في الجزيرة ولكن بالتحريش بينهم)) رواه مسلم عن جابر . بل لقد حصل اليأس للكفار من رجوع الصحابة إلى الشرك والجاهلية . قال تعالى :{اليوم يئس الذين كفروا من دينكم} [المائدة]، وقد حصل في عصرنا أن قام أهل التوحيد في أرض الحرمين بتطهير بلادهم من الشركيات فطهرت وصارت أنقى بلاد الجزيرة.
وهذا يدلنا على أن الشرك متى وجد من يقاومه انتهى بإذن الله ، ولهذا قال تعالى :{ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار} [إبراهيم]، فالمعركة قائمة بين أهل التوحيد وبين أهل الشرك من شياطين الجن والإنس . أما شياطين الجن فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((قال الله : إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا)) رواه مسلم عن عياض بن حمار.
وأما شياطين الإنس فقد قال الله فيهم : {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} [الأنعام]، فسيوف الحق تعمل في أهل الشرك والخرافة أعظم مما تعمله السيوف في الرقاب ولكن إذا كان الضارب ما هرا ، والسيف بتارا، فتسلح أيها المسلم بالحجج والبراهين لمواجهة جراثيم الشرك واستنصر الله فإنه خير الناصرين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(1/3)
وقد قمت بكتابة هذه الرسالة . أسأل الله أن ينفع بها الإسلام والمسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وكتب : أبونصر /محمد بن عبدالله الإمام
اليمن ـ معبر ـ في 13/12/ 1424هـ
الفصل الأول
خطر الإشراك بالله
اعلم أخي المسلم: أن أعظم ذنب يرتكبه العبد هو الشرك بالله ، وقد تكاثرت الأدلة على هذا من القرآن والسنة النبوية قال بعض العلماء : (إن القرآن كله إنما هو في التوحيد والتحذير من الشرك والكفر وتوابعهما).
ومن المعلوم أن الأدلة إذا تضافرت في أمر من الشر دلت على بشاعته ، وإليك بعض الأدلة على ذلك:
1- قال تعالى :{ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} [الحج] فالشرك مهلك لصاحبه .
2- وقال تعالى :{وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان]، فالشرك أفجرالفجور، وأظلم الظلم، وأنكر المنكر، وأقبح القبائح.
3- وقال تعالى :{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما مادون ذلك لمن يشاء} [النساء]، فالمشرك لا تلحقه المغفرة أبد الآبدين إذا مات ولم يتب إلى الله من الشرك.
4- وقال تعالى :{يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة].فالشرك أنجس النجاسات المعنوية .
5- وقال تعالى مخاطبا لرسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - :{لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر]، وقال تعالى مخبرا عن أنبيائه ورسله :{ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} [الأنعام].فأي شيء أضر على المسلم من أن يحبط الله عمله .
6- وقال تعالى :{إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} [المائدة]. فالشرك يمنع من دخول الجنة .
(1/4)
7- الشرك ما نع من النصر والتمكين والعز والسيادة في الدنيا ، قال تعالى :{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا} [النور].
فانظر كيف بين الله أن الإيمان والأعمال الصالحة تكون بترك الشرك بالله ، فلا خطر على عزنا وسيادتنا أعظم من الشرك.
8- رفع الأمان من المجتمعات التي فيها الشرك بالله ، قال تعالى :{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام]، والظلم هنا هو الشرك ، بدليل ما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن بعض الصحابة قالوا: يارسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟ قال: (( ليس كما تعنون ألم تسمعوا قول لقمان لابنه وهو يعظه :{يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان].
9- وقال تعالى :{سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا} [آل عمران ].
وقال تعالى :{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا} [مريم].فالشرك يهدد العالم بالدمار .
10- الشرك يبيح دم صاحبه وعرضه لأهل التوحيد ، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)) متفق عليه من حديث ابن عمر.
(1/5)
11- المشرك يكفر به معبوده يوم القيامة ، قال تعالى :{واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا} [مريم]، وحتى إبليس يوم القيامة يكفر بأتباعه ، قال تعالى :{وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل} [إبراهيم]. أي: في الدنيا.
أيها القارئ الكريم: هذه نبذة مختصرة من الأدلة رأيت أن أكتفي بها .
فالشرك منبع للكفر والرذائل ألا ترى أن انتشارالسحرة والمنجمين والكهان, وكذا انتشار الزنا ووسائله يكون بسبب وقوع الناس في الشركيات .
وهناك بعض الكتب النافعة في بيان الشرك والتحذير منه مثل كتاب "تيسير العزيز الحميد"و"فتح المجيد" وبقية كتب أئمة الدعوة .
خوف الأنبياء والرسل على أنفسهم
وعلى أتباعهم من الوقوع في عبادة الأصنام
قال تعالى :{وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} [إبراهيم ]، فإذا كان إبراهيم إمام الموحدين يخاف على نفسه من الشرك فمن ذا الذي يأمن على نفسه بعد إبراهيم من الشرك؟ وإذا كان هذا الخوف حاصلا عند نبي الله إبراهيم وهو رسول معصوم فكيف بمن ليس بمعصوم؟ وإبراهيم يخاف على بنيه من الوقوع في عبادة الأصنام وهما إسماعيل وإسحاق نبيان.
(1/6)
وليس الصنم هنا مقصورا على الأحجار والأشجار وإنما تميل النفس قبل هذا إلى عبادة الصالحين ، وعبادتهم لهم هي الصنمية الكبرى، وقال تعالى عن يعقوب :{أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون} [البقرة]، فيعقوب عليه السلام يخاف على أولاده من الشرك إلى آخر لحظة من أنفاسه ، ولهذا يوجه إليهم سؤالا متعلقا بالتوحيد ونفي الشرك ، ألا وهو {ما تعبدون من بعدي} فكانت إجابتهم دالة على معرفتهم بالتوحيد والشرك، وهذا هو المطلوب أن يعرف المسلم التوحيد وما يضاده ، وفي هذا دلالة على ثباتهم على التوحيد ومحاربتهم للشرك ، وهذا هو المطلوب.
وقد خاف الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أمته أنواعا من الشرك ، وإليك بيانها:
روى الإمام أحمد عن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء...)) صححه الألباني ، فهذا الحديث أفاد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخاف على أمته شركا خفيا وهو الرياء.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم...)) رواه الطبراني ، وقد جاء عند ابن عساكر وابن عبد البر من حديث أبي محجن، وقد جاء عن أنس وهو صحيح. وفي هذا الحديث خوف الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أمته من شرك التنجيم ، وهو منتشر الآن بكثرة في وسط أمة الإسلام، وهو نوع من السحر.
(1/7)
بل لقد عظم خوف نبينا - صلى الله عليه وسلم - على أمته أن تقع في شرك القبور ، ولهذا كثر تحذيره من ذلك عند الموت مستعملا في ذلك أشد أنواع التحذير من لعن اليهود والنصارى، ودعا - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى التخلص من الشرك الذي هو أخفى من دبيب النمل ، فقد روى الإمام أحمد والطبراني في "الأوسط" و"الكبير" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : (( أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل)) فقال رجل ما شاء الله أن يقول وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال : قولوا اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك فيما لا نعلمه)) وقد جاء من حديث أبي بكر عند أبي يعلى وابن السني والحديث قابل للتحسين.
وخوفه - صلى الله عليه وسلم - على أمته من الشرك دليل على وقوعه فيها, وكذا إخباره بوقوعه, وتحذيره منها دليل على وقوعه، ويلزم القبوريين القائلين بعدم وجود الشرك في عصرنا أن يقولوا إن الرسول تخوف على أمته من شيء ونهى عنه ولا وجود له ، وهذا فيه تكذيب له ، فليحذروا من هذا الانحراف الخطير.
أساس الشرك في الأمم الغلو في قبور الصالحين
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى"17/460: (والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين أولهما: تعظيم قبور الصالحين وتصوير تماثيلهم للتبرك بها، وهذا أول الأسباب التي بها ابتدعها الآدميون ، وهو شرك قوم نوح).
(1/8)
وقال الألباني رحمه الله في كتابه " تحذير الساجد"ص(150) : (إن من المهم جدا أن يعلم المسلم كيف طرأ الشرك على المؤمنين بعد أن كانوا موحدين؟ لقد ورد عن جماعة من السلف روايات كثيرة في تفسير قول الله تعالى : {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} أن هؤلاء خمسة ودا ومن ذكر معه كانوا عبادا صالحين فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن يعكفوا على قبورهم ثم أوحى إلى الذين جاءوا من بعدهم أن يتخذوا لهم أصناما ، وزين لهم ذلك بأن ادعى لهم على أن يذكروهم فيقتدوا بأعمالهم الصالحة، وأوحى إلى الجيل الثالث أن يعبدوهم من دون الله وأوهمهم أن آباءهم كانوا يفعلون ذلك...).
قلت: إن إثبات أصل الشرك في القبورية أمر لا يحتاج أن يختلف فيه اثنان لأن المتتبع لتاريخ البشرية من بعد قبورية قوم نوح إلى بعثة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يجد أن عبادة القبور هي الأساس ، وما عبدت الأشجار والأحجار إلا تبعا لها، وإليك لمحة تاريخية مختصرة:
1- الفلاسفة : صرح الرازي قائلا : (إن فلاسفة اليونان كانوا يستمدون الفيوض من القبور وأهلها إذا اعترتهم مشكلة من المشكلات ، وكان الفلاسفة من تلاميذ أرسطو إذا دهمتهم نازلة ذهبوا إلى قبره للحصول على المدد والفيض) انظر "جهود علماء الحنفية" ص(41).
2- الهنود : ذكر صاحب كتاب "المنار" 3/220 قال : (في (نبارس) في الهند قبر آدم أبي البشر وزوجه وأمه، وجميعها تعبد بالطواف حولها والتمسح بها وبذل الأموال والنذور...) اهـ بتصرف.فيا ترى من أين جاءت أم آدم ؟!!
(1/9)
3- البوذية : تعبد (بوذا), ومعنى بوذا عندهم العالم ، وله تسمية أيضا (يسكيا) أي : المعتكف ، وقد ترك زوجته وانصرف إلى الزهد والتقشف ودعا إلى تخليص الإنسان من آلامه ، والبوذية تعبد بوذا وتعتقد أنه ابن الله ، وقد عملت له التماثيل العظيمة ، والمعابد الكبيرة وتصلي له وتعتقد أنه سيدخلها الجنة، وأنه يتحمل جميع أخطائهم ، وأنه ينزل عليه الوحي آخر عمره, فقالت البوذية ما هذا بشر إن هو إلا إله عظيم.
4- اليهود والنصارى: لقد كثر حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن اليهود والنصارى أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، وتقدم ذكرها، وحذر أمته من ذلك. وبما ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن اليهود والنصارى عرفنا أنهم شر القبورية.
5- العرب: كانت في الجاهلية تعبد الأصنام وهذا أمر معروف, ومما يدل على أن العرب كانوا يعبدون القبور ما جاء من حديث بريدة عند مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " فقد علل العلماء أن النهي عن زيارة القبور في أول الإسلام كانت من باب الخوف على المسلمين من التأثر بما كانت عليه الجاهلية من عبادة القبور، ومن باب سد ذريعة الشرك، ولما شرع لهم ذلك قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما في رواية النسائي : ((ولا تقولوا هجرا)) أي: فحشا وأفحش الفحش الشرك بالله.
فالقبورية في أوساط المسلمين تعد وارثة لأصحاب الديانات المذكورة هنا ، وهذا جزاء من لم يهتد بهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ يصير عرضة لأتباع شياطين الجن والإنس الأولين منهم والآخرين ، فبئست الوراثة هذه، وبئس الوارثون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أول من أسس عبادة القبور في أمة الإسلام
(1/10)
اعلم أخي المسلم : أن الإسلام جاء بمحاربة الشرك والوثنية بكل أصنافها، وما مات الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وحارب الشركيات، حتى قال : ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في الجزيرة ولكن بالتحريش بينهم)) رواه مسلم عن جابر .
واستمرت أمة الإسلام في عافية من هذه الشركيات مدة من الزمن، وقد كان عصر السلف (الصحابة والتابعين وأتباع التابعين) هو أزكى العصور وأتقاها وبعد انقراض عصر السلف بمدة ظهر دعاة الخرافة والأوهام، وكان أول من باشر تأسيس عبادة القبور هم الباطنية حين قامت دولتهم في مصر، وفي بلاد المغرب، فأقاموا المآتم والمزارات، وبنوا المشاهد والقباب، وهم أول من أسس ضريح الحسين في مصر وهو من الكذب الصراح لأن الحسين قتل في كربلا ، ولا دليل على نقله بل هذا كذب باتفاق .
وسنوا بدعة الموالد، مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلي، وفاطمة، والحسن والحسين، ومولد الخليفة منهم كما في كتاب "موالد الأولياء في مصر"ص(43)، ولكن الباطنية لم يستطيعوا أن يتوسعوا كثيرا، فقد كانت الشركيات تكاد أن تكون محصورة في الأماكن التي للباطنيين عليهاسلطة، لأن الناس كانوا متنكرين للباطنيين، ولكثرة المناوئين لهم من المسلمين ، ولا يخفى عليك أن الباطنية فرق كثيرة في ظاهر الأمر وهم في الحقيقة يرجعون إلى أصول متفقة على هدم الإسلام من أساسه، ولهذا حكم علماء المسلمين على الباطنية بأنهم أكفر من اليهود والنصارى لأنهم عمدوا إلى هدم الإسلام من أساسه، فقد كانوا في منتهى الزندقة والنفاق، وقد استمرت دولة العبيديين الباطنيين في مصر من عام (358-567).
انظر "البداية والنهاية" لابن كثير، و"تاريخ الأمم والملوك" لابن جرير الطبري، وخطط المقريزي".
أعداء الإسلام يحرصون على نشر الدعوة القبورية
(1/11)
يذكر المؤرخون أن القائد الفرنسي (نابليون) كان يحضر حفلات (المولد) ويشهد حلقات الذكر مع المتصوفة ، وفعل مثل هذا ـ فيما بعد ـ المندوب السامي البريطاني، يقول الدكتور فروخ : (ومن أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا رأينا المستعمرين يغدقون الجاه والمال على الصوفية فرب مفوض سام لم يكن يرضى أن يستقبل ذوي القيمة الحقيقة من وجوه البلاد، ثم تراه يسعى إلى زيارة حلقه من حلقات الذكر ويقضي هنالك زيارة سياسية تستغرق الساعات ، أليس التصوف الذي على هذا الشكل يقتل عنصر المقاومة في الأمم ؟) نقلا من كتاب "الألوهية في العقايد الشعبية"ص(36-37).
قلت: ولما استتب الأمر للشيوعية في المحافظات الجنوبية اليمنية بدأت الشيوعية تحارب القبورية, ففوجئنا بترك القبورية تمارس الشركيات والخرافات, فأخبرنا أن زعماء الروس وجهوا اللوم للشيوعيين في البلاد لماذا يحاربون هؤلاء وهم لا يشكلون خطرا عليهم بل يشغلون الناس بالموالد والحضرات بحيث لا يلتفتون إلى مبادئ الأعداء ولا إلى إصلاح أحوال المسلمين .
وذكر الدكتور موسى الموسوي في كتابه "الشيعة والتصحيح"ص(99) قائلا : (ولكن الذي لا شك فيه أن ضرب السيوف على الرؤوس, وشج الرأس حدادا على الحسين في يوم العاشر من محرم تسرب إلى إيران والعراق من الهند إبان الاحتلال الانجليزي لتلك البلاد، وكان الانجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام الحسين فعلموهم ضرب القامات على الرؤوس, وحتى إلى عهد قريب كانت السفارة البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة).
قلت: هذا النقل يكفي للتدليل عند المنصفين والعقلاء أن دعاة القبورية جرثومة خبيثة في أوساط المسلمين تسعى لتدمير الأمة الإسلامية من كل الجهات، من جهة العقيدة والعبادة والسياسة والاقتصاد، وغير ذلك.
خطط أعداء الإسلام في المحافظة على الأصنام والأوثان باسم الآثار
(1/12)
مما نجم في عصرنا بشكل واسع جدا وبصورة جديدة قضية تعظيم الآثار ، وقضية تعظيم الآثار جاءتنا من قبل اليهود والنصارى, ومرادهم بالآثار ما خلفته الأمم السابقة من آثار ، ويدخل في ذلك الأصنام والأهرام والأوثان والضرائح والمشاهد والقباب، وقد حرص أعداؤنا أن يحيوا هذه الجاهلية في أوساط المسلمين عموما، فلا تجد دولة مسلمة إلا وهي تطالب بالاعتناء بالآثار, على تفاوت في فهم الاعتناء بالآثار وما هذا إلا استجابة لما تدعو إليه دول الكفر من يهود ونصارى وغيرهم, وقد جعلت منظمات تقوم بذلك, فمثلا عندنا في اليمن قامت منظمة اليونسكو بفتح مدارس باسم الآثار ، وقد تكلمنا عن شيء من ذلك في رسالة مستقلة, وقد استغل اليهود والنصارى قضية إحياء الآثار التي في بلاد المسلمين لأغراض كثيرة أهمها:
1- التجسس على المسلمين ومعرفة أحوالهم بدقة, حتى إنهم في بعض الأوقات يقومون بتحديد البيوت والأنهار والزراعة.
2- التعرف على مناجم الذهب والفضة وغير ذلك من الكنوز الأرضية في البلاد.
3- إحياء عبادة الأصنام والأوثان باسم أنها حق الآباء والأجداد وأنها حضارتهم.
4- إحياء النعرات الجاهلية من فرعونية، وفينقية، وكنعانية، وسبئية، وشعوبية، وبابلية، وحميريه , وغير ذلك، فأصبح كل بلد يفاخر البلد الآخر بمجده العريق على حد زعمه ، ولا يخفى على المسلم اللبيب ماذا يعمل هذا في أمة الإسلام من تفريق وتمزيق لا حدود له.
5- الوصول إلى تحصيل المال: وهذا واضح إذ أن أماكن الآثار يدعى الناس إلى زيارتها ويعمل الدعايات العريضة لذلك، ومن ذلك ما ذكره عبد القدوس الأنصاري : (أن الحجر الذي جلس عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجد بني ظفر رآه في خزانة زجاجية عالية بمدخل دار الكتب المصرية ، وعلم من المدير العام أن شخصا نقله من المدينة إلى مصر وباعه للدار بثمن كبير) "آثار المدينة المنورة"ص(131).
(1/13)
6- الحصول على الجاه والشرف بطريقة مزورة، ألا ترى أنهم ينسبون أشياء إلى أشخاص فيحصل لهم جاه وشرف وهي دعايات كاذبة وما أكثرها.
7- الوقوع في الاختلاط بين النساء والرجال حال زيارة الآثار وحال التوظيف، وأنت تلاحظ أنهم قد جعلوا قضية الآثار تابعة لوزارة السياحة ، وصارت الدول الإسلامية تعتني بالآثار بما لم يكن معروفا ، وما هذا إلا استجابة لأعداء الإسلام فلعنة الله على اليهود والنصارى .
أصناف دعاة القبورية والخرافة في الأمة الإسلامية
لا يخفى عليك أيها المسلم الكريم أن أصناف دعاة القبورية كثيرة ولكني سأذكر أبرزهم وأخطرهم وهم قسمان:
1- شياطين الجن
2- شياطين الإنس
أما شياطين الجن فقد قال الله في كتابه الكريم :{ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} [سبأ]، وقال تعالى :{وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون} [الأنعام]، وقال تعالى :{ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون}[يس]، وقال تعالى :{إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} [النساء]، ومهما خفي على المستجيبين لشياطين الجن الخطر فسيظهر ذلك الخطر يوم القيامة، قال تعالى :{وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل} [إبراهيم].
(1/14)
فاتضح من هذه الآيات أن كل عبادة صرفت لغير الله فهي في الحقيقة للشيطان، وإن كان العابد قصد غير الشيطان كالأنبياء والمرسلين والملائكة، وغيرهم، لأن الشيطان هو الذي زين هذه العبادة لأصحابها ودعاهم إليها، وأما غيره من الصالحين والحيوانات والجمادات فلم تدع إلى عبادتها قط, والعبد إذا أطاع الشيطان في عبادة غير الله فقد عبد الشيطان حقيقة لأنه نفذ ما دعاه إليه الشيطان ودفعه إليه. وهذا الصنف هو أساس للأصناف الأخرى التي شاركت في صرف العبادة لغير الله عز وجل.
وأما شياطين الإنس فهم صنفان:
الصنف الأول: الداخلي وهم :
1- السحرة
2- الكهان
3- المنجمون
وهؤلاء الأصناف يتعاملون مع شياطين الجن مباشرة، قال تعالى :{وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} [الأنعام]، وقال تعالى :{ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله} [الأنعام]، وقال تعالى :{هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون}[الشعراء]، فالسحرة والمنجمون والكهان داخلون في آية الاستمتاع دخولا أوليا لأن الاستمتاع بالجن الكفار تحقق لهم حيث إن شياطين الجن كانوا يحترمونهم ويخبرونهم وينفذون أوامرهم، أما بقية الكفار والضلال من الإنس فلم يستمتعوا بشياطين الجن ظاهرا، وإذا أردت أن تعرف مدى ما قام به السحرة والمنجمون والكهان من نشر الشركيات فانظر غير مأمور "فتح المنان في جمع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن الجان".
(1/15)
4- المبتدعة القبورية الضلال، وهؤلاء القبورية متفاوتون قلة وكثرة، وقوة وضعفا في نشر الشركيات، فذاك يدعو إلى شد الرحال إلى الضرائح، وذاك يدعو إلى الطواف حولها والسجود عندها والذبح والنذر لها، وذاك يدعو إلى طلب المدد والغوث منها، وذاك يذهب يقيمها بنفسه، وذاك وذاك.
الصنف الثاني : الخارجي :
ألا وهم الكفار من مجوس، ويهود، ونصارى، وهنود، وغيرهم، ذكر صاحب كتاب "مصادر التلقي عند الصوفية" أن الصوفية تلقت شركياتها من اليهود والنصارى، والمجوس، والهنود، انظر ص(106-107) وقد بسط أمثلة توضح ذلك لا يتسع المقام لذكرها، ولو سألنا باختصار من أين جاءت إلينا القبورية بجميع أنواعها؟ لما كان هناك إلا جواب واحد أنها من عند غير المسلمين، وأنها ما دخلت على هؤلاء المفتونين إلا عند أن تلقوا من أعدائهم وتقاربوا معهم وقرءوا كتبهم , ومن أسباب انتشار الشركيات في أمة الإسلام ما يلي :
1- وجود الأئمة المضلين في وسط أمة الإسلام ، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون)) رواه أحمد والطبراني عن أبي الدرداء، وهو صحيح. وفي البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((إن الله لا ينتزع العلم انتزاعا من الناس ولكن بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) فالأئمة المضلون يتصدرون للفتوى والتأليف والمناظرة والردود على علماء السلف, ويحركون الدعوة إلى أباطيلهم وخرافاتهم ويتزعمون فرقا وأحزابا ، وتارة دولا وشعوبا، فكيف لا يخاف الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أمته من الواحد من هؤلاء فكيف إذا كانوا أكثر من ذلك اللهم سلم سلم .
(1/16)
2- وجود علماء النفاق في وسط الأمة الإسلامية ، عن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان)) رواه أحمد ، وقد جاء عن عمران بن حصين وهو عند الطبراني والبيهقي في "الشعب" وهو صحيح.
فعلماء النفاق والزندقة يعمدون إلى هدم الإسلام من أساسه لأنهم لا يريدون الإسلام ، وهم الذين يعملون مع الجهات التي تسعى إلى محاربة الإسلام والمسلمين من الخارج كاليهود والنصارى والمجوس ، ومن الداخل كالحكام المنحرفين والأئمة المضلين ، ويظهرون لكل جهة وجها يتناسب معها ، وعلماء النفاق كثيرا ما يكونون حريصين على إبقاء الأمة على انحرافها بطرق شتى وأساليب متنوعة. فلو سلمت الأمة من هذين الصنفين لكانت بخير وعلى خير ، ولكن أنى لها أن تسلم مع وجود هؤلاء ، فالواجب على أمة الإسلام أن تتعرف على علماء الكتاب والسنة السالكين على ما كان عليه سلفهم الصالح ، وإلا فهي ألعوبة بين أيدي العابثين .
3- رضوخ كثير من أمة الإسلام للجهل بدين الله: من المعلوم أنه يجب على أمة الإسلام أن تتعلم دين الله ولابد ، لأن المنتسب إلى شيء لا بد أن يكون أعلم به من غيره, ولكن مع الأسف الشديد لم تجعل الأمة المسلمة نصب عينها تعلم دينها, ولا تنسى أن الجهل عدو الرسل والرسالات السماوية ، قال ابن عيينة رحمه الله : (العلم بمنزلة الإسلام والجهل بمنزلة الكفر) ولا تسأل عما فعله الجهل بأمة الإسلام حين استسلمت له . روى الإمام أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة كلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضا الحكم وآخرهن نقضا الصلاة)) فتعلمي الإسلام أيتها الأمة المقهورة حتى تكوني بإذن الله منصورة ، وإذا كانت الأمة تنقض الصلاة التي هي أظهر أركان الإسلام فمن باب أولى أن تنقض ما كان أخفى منها من الشرك وغيره .
(1/17)
4- جهل الأمة بمؤامرة أعدائها عليها خصوصا اليهود والنصارى، لا يخفى أن الإسلام دين حيطة وحذر ويقظة ، وأهله كذلك لأنهم يعلمون أن عدوهم شاهر سيفه ولكن مع الأسف أن عددا من المسلمين ليس بالقليل له ثقة كبيرة بأعداء دينه وحسن ظن بهم وبسبب ذلك دخل على الأمة من مبادئ أعدائها وضلالهم الكثير, ومن أوائل ذلك دخول السحر والتنجيم وما لحق بهما.
وبقيت أسباب ليس هذا محل ذكرها كسكوت بعض العلماء عن هذه الشرور, وضعف مقاومة بعضهم لذلك ، وعدم اعتنائهم بجمع كلمتهم وتوحيد صفهم على الحق والله المستعان.
غلاة الشيعة يتلقون الدعوة القبورية
لما أقيمت دولة غلاة الشيعة على أيدي (بني بويه) في العراق وإيران باسم الخلافة العباسية، قام معز الدولة أحمد بن بويه سنة (352) بإصدار منشور حاسم يأمر الناس قاطبة بارتداء ملابس الحزن, وإغلاق الأسواق وإيصاد الحوانيت, وتحريم البيع والشراء, وتعطيل المطابخ والمطاعم، وأمر أن يكون النوح شاملا للرجال والنساء، فتخرج النساء مرسلات الشعور، ملطخات الوجوه، مشققات الثياب، صارخات، نادبات متوجهات إلى قبر الحسين. انظر "البداية والنهاية"8/204 واستمر هذا الأمر من قبل الرافضة في العراق وإيران، إقتداءا بأول مؤسس لهذا الفعل الشنيع أحمد بن بويه كلما أتيحت لهم فرصة، وتوسع أكثر في عهد قيام الدولة الصفوية وانتشر في بلاد فارس وما تبعها في الرفض إلى أيامنا هذه، وأما ضرب الأكتاف بالسلاسل في يوم عاشوراء وشج الرؤوس والرمي بالحجارة فهذا حصل مؤخرا، انظر كتاب "الشيعة والتصحيح"ص(99).
تنبيه: ذكر اليعقوبي في "تاريخه" (أن عبد الملك بن مروان بنى قبة الصخرة في بيت المقدس ودعا الناس أن يحجوا إليها) هذا مجمل القصة، وهذه القصة لا أساس لها من الصحة للأمور التالية:
1- لا نعلم من ذكرها إلا اليعقوبي ، والمؤرخين لم يذكروها مع أنها قضية تستدعي التناقل لها وتكلم العلماء والمؤرخون عليها، وهذا كاف في ردها.
(1/18)
2- اليعقوبي من أعيان الرافضة فقد ذكره العاملي في كتابه "أعيان الشيعة" وكان ميالا إلى العلويين، وكان يكره العرب ويتعصب للموالي. وهذه كافية في تضعيف القصة حيث إن اليعقوبي غير مأمون .
3- من المعلوم أن الرافضة بينهم وبين بني أمية عداء شديد وقد حملهم هذا العداء على الكذب كثيرا على بني أمية للتشويه بهم، والطعن فيهم، فلا يستبعد أن هذه القصة من هذا الباب.
الصوفية تنشر الدعوة القبورية
لقد تلقت القبورية أفكارها من عدة جهات، وإليك ذكر بعض منها باختصار:
من ذلك : التلقي عن رهابنة النصارى، قال إبراهيم بن أدهم : (تعلمت المعرفة من راهب يقال له سمعان دخلت عليه في صومعته فقلت يا سمعان: منذ كم أنت في صومعتك؟ قال: منذ سبعين ـ إلى أن قال : ـ فإنهم يأتون كل سنة يوما واحدا فيزينون صومعتي ويطوفون حولها، فأنا أحتمل جهد سنة لعز ساعة، فاحتمل يا حنيفي جهد ساعة لعز الأبد) قال إبراهيم بن أدهم : (فوقع ذلك في قلبي) وانظر كيف صارت القبورية تحدد زيارة سنوية لأقطابها وأغواثها وضرائحها، فهذا التصريح واضح أن القبورية استفيدت من الرهبان رجال الديانة النصرانية، وعلى سبيل المثال قضية المولد فإنه أخذ من النصارى تشبها بهم. والمولد الذي أخذته القبورية من النصارى هو مولد المسيح ـ عليه السلام ـ ولكن انظر إلى إقامة الموالد عند القبورية فقد ملئت الدنيا بالموالد لمئات الأقطاب، والأوتاد، وغيرهم من دجاجلة القبورية، وانظر إلى قضية ادعاء القبورية أن أقطابها يرون الله عيانا في الدنيا، يتجلى لهم كما تجلى للجبل، فإن هذا مأخوذ من النصارى فإنهم ينسبون إلى المسيح عليه السلام أنه قال : (أجيعوا أكبادكم واعروا أجسامكم لعل قلوبكم ترى الله) وقد استدل بهذه المقولة عن المسيح أبو طالب الصوفي صاحب كتاب "قوت القلوب".
(1/19)
ولما بدأ غلاة الشيعة ببناء القباب والمشاهد والمساجد على القبور تبعتهم الصوفية. وإليك مثالا واحدا وهو قبر معروف الكرخي الذي تسميه القبورية خصوصا قبورية الصوفية (الترياق المجرب) فإن معروف الكرخي بنى له مسجدا في مقبرة وسمي بمسجد الجنائز فلما توفي دفن في هذا المسجد في بغداد ، وقد كان معروفا بوقوعه في بدع ومنها عدم الزواج، واتخاذ الزوايا, وبناء المسجد على المقبرة، وهذا هو أول تلق عن الشيعة من قبل الدعوة القبورية، واتخذت القبورية المذكورة قبر معروف الكرخي منبعا للبدع والخرافة من بناء المساجد على القبور، وبناء المشاهد، والتوجه إليها، وتحري العبادة عندها وغير ذلك، واهتمت القبورية الصوفية بقبر معروف الكرخي في وسط القبورية الشيعية في بغداد على مرور الزمان، وبالمسجد الذي فيه القبر، فكم تجديد! وكم زخرفة للمسجد!, وبنيت منارة عظيمة للمسجد في القرن السادس للهجرة، ودفن في مسجد معروف الكرخي الأمير علي بن الخليفة الناصر لدين الله العباسي ، مما يدلك على أن المسجد للصوفية . انظر كتاب معروف الكرخي.
مزاعم دعاة القبورية في الأولياء
أخي الكريم: لقد قسم القرآن الكريم الأولياء إلى قسمين:
1- أولياء الرحمن.
2- أولياء الشيطان.
(1/20)
أما أولياء الرحمن : فقد قال تعالى :{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} [يونس]، وقال تعالى :{الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} [البقرة]، وقال تعالى :{يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة].
وفي البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه...)) فهذه بعض صفات أولياء الرحمن وقد أشبع هذا الموضوع شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه العظيم "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"ننصح باقتنائه والاستفادة منه, وإليك الكلام على مزاعم القبورية في الأولياء :
تفريخ الأولياءعند القبورية
أيها القارئ الكريم : لا يخفاك أن دعاة الوثنية استعملوا الكلمة العظيمة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية وهي (أولياء الله) لتفريخ معبودات من دون الله كثيرة، قد لا يتصور في الخيال، ولا يخطر بالبال، وأجدني مضطرا إلى سرد قائمة فيها ضرائح من أنواع وأصناف من الجن والإنس والحيوانات وغير ذلك:
(1/21)
1- بناء قباب ومساجد على قبور باسم الصحابة ومن تبعهم وغيرهم كذبا وزورا، كما تقدم .
1- تفريخ الأولياء عن طريق جعل الميت الواحد له عدة مشاهد يجتمع الناس حوله، وعلى سبيل المثال الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فإنه يدعى أنه مقبور في كربلاء ولكن مصر مملوءة بالمشاهد الحسينية، وقد ذكر ابن تيمية كما في "المجموع" 27/485-486 قائلا : (فقد حدثني طائفة من الثقات عن الشيخ/ أبي عبد الله محمد بن علي الغنوي المعروف بابن دقيق العيد ، وطائفة عن الشيخ/ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي ، وطائفة عن الشيخ/ أبي محمد بن القسطلاني ، وطائفة عن الشيخ/أبي عبد الله محمد القرطبي صاحب "التفسير" و"شرح أسماء الله الحسنى" ، وطائفة عن الشيخ/عبد العزيز الديريني, كل من هؤلاء حدثني عنه من لا أتهمه ، وحدثني عن بعضهم عدد كثير، كل يحدثني عمن حدثني من هؤلاء أنه كان ينكر أمر هذا المشهد ويقول : (إنه كذب، وإنه ليس فيه الحسين ولا غيره)، والذين حدثوني عن ابن القسطلاني ذكروا عنه أنه قال : (إن فيه نصرانيا) بل القرطبي والقسطلاني ذكرا بطلان أمر هذا المشهد في مصنفاتهما، وبينا فيها أنه كذب، كما ذكره أبو الخطاب بن دحية، وابن دحية هو الذي بنى له الكامل دار الحديث الكاملية. وعنه أخذ أبو عمرو بن الصلاح ونحوه كثيرا مما أخذوه من ضبط الأسماء واللغات، وليس الاعتماد في هذا على واحد بعينه بل هو الإجماع من هؤلاء. ومعلوم أنه لم يكن بهذه البلاد من يعتمد عليه في مثل هذا الباب أعلم ولا أدق من هؤلاء ونحوهم) ومشاهد الحسين منتشرة في بلاد الأعاجم بكثرة كإيران وباكستان والهند وغير ذلك، وهناك مشاهد لرأسه رضي الله عنه كما يوجد مشهد في سفح جبل (الجوشن) في غرب حلب ، وتوجد أربعة في أماكن يزعمون أن فيها رأس الحسين .
الأول: دمشق
الثاني: الحنانة بين الكوفة والنجف.
الثالث: بالمدينة عند أمه فاطمة رضي الله عنها .
(1/22)
الرابع: في كربلاء ، ذكر هذا صاحب كتاب "الانحرافات العقدية"ص(288) والمشاهد التي بنيت باسم رأس الحسين رضي الله عنه كثيرة، ومعلوم أن هذا حصل من قبل الباطنية والرافضة ، وهم تجار الكذب قديما وحديثا، وليس تفريخ الأولياء عن طريق افتراء أكثر من ضريح للشخص متوقفا على الحسين بن علي رضي الله عنهما بل قد حصل هذا في غيره، (كالسيد الأربعين وأما أولاد عنان فهم يملؤون الأرض ) نقلا عن كتاب "الألوهية في العقائد الشعبية"ص(28) ولا يخفى عليك أن هذه القبور المتكاثرة المتباعدة للشخص الواحد زيادة في الدجل وإمعان في المكر والخدع للمسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
2- تفريخ الضرائح عن طريق وصية باني المسجد أن يدفن فيه. لقد قام دعاة الدجل والخرافة بمطالبة أهل الخير ببناء المساجد ثم بمطالبتهم أن يوصوا بدفنهم فيها إذا ماتوا حتى صار الرجل يبني المسجد من أجل أن يدفن فيه، وقال دعاة البدع والضلالات إنك إذا دفنت في المسجد صرت من الأولياء وقرأنا عليك الفاتحة وذكرناك مع الأولياء, ولهذا كثرت الضرائح في المساجد ، فلا يجوز أبدا الوصية بذلك, ولايجوز التنفيذ لها بحال, والله المستعان .
3- تفريخ أولياء عن طريق دفن الحكام والأمراء والملوك في المساجد، وهذا يحصل بكثرة وغالب ما يكون من باب التزلف إلى الحكام من قبل القبورية، وأكثر ما يكون هؤلاء الحكام من أهل الظلم والجور، وسنذكر مجموعة من الضرائح لأئمة الجور عند ذكرنا للضرائح التي كانت تعبد في اليمن.
4- تفريخ الضرائح التي تعبد من دون الله عن طريق ادعاء القبورية أنها رأت في المنام أن فلانا يطالب بضرب المقامات له وإقامة المشاهد، وعلى سبيل المثال القبورية التي في مصر ادعت أنها رأت الحسين بن علي رضي الله عنهما يظهر لها ويقول : ابنوا لي هنا مشهدا.
(1/23)
انظر ما قاله البسيوني المصدر السابق ص(28) وما أكثر ما بنيت ضرائح باسم الرؤيا المنامية, وادعاء هذه الرؤيا سهل جدا على أصحاب الدجل والمرتزقة، وإن كان الواحد قد رأى رؤيا فليعلم أنها رؤيا شيطانية لا يجوز قبولها فضلا عن تنفيذها.
5- تفريخ الضرائح عن طريق ادعاء رؤية النور في المكان الفلاني. ادعاء أحد القبورين أنه رأى في المكان الفلاني نورا, فلا بد أن يكون ذلك المكان فيه ولي, فلا بد
من بناء قبة له ومشهد من أجل أن يتبرك به، كما حصل ذلك كثيرا ، ومن ذلك ما تقدم ذكره في قبر النبي أيوب عليه السلام .
7- تفريخ الأولياء عن طريق تقديس المجانين، قد تستغرب أخي المسلم من هذا البند ولكنه حقيقة, ففي مصر وغيرها يقدسون المجانين ويكرمونهم لأنهم يدعون أن عقولهم محبوسة في السماء مستغرقة في التقوى، ولهذا يبقى بدون رقيب في شهواته، قال الشاعر الصوفي في هذا الصنف:
هم معشر حلوا النظام وخرقوا السياج فلا فرض لديهم ولا نفل
مجانين إلا أن سر جنونهم عزيز يسجد على أبوابه العقل
وقد أخطأ بعض رواة الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء)) فغيرت لفظة (فقراء) إلى لفظة (البله) ولفظة البله من جهة سندها ضعيفة لأنها من طريق مصعب بن ماهان وفيه ضعف، وفيها أحمد بن عيسى الخشاب وله مناكير.
وأما من جهة متنها فكأنها من وضع الزنادقة، ومن المعلوم في ديننا أن الجنون سبب لرفع التكليف عن المجانين, فانظر إلى الدجل القبوري كيف يفضلون المجانين على اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - ، واعتبر بما كان مشهورا في اليمن حيث يدعي الدجالون أنهم رأوا الخضر فإذا سئلوا كيف هو؟ فيذكرون أنه لابس ثيابا ممزقة متسخة، وإذا سئلوا أين رأيتموه؟ قالوا: في المزبلة، وقد ذكر لنا بعض الإخوة أن الأهدل الذي ضريحه في لواء إب كان مجنونا.
(1/24)
8- تفريخ الأولياء عن ادعاء القبورية أن الأولياء يسكنون في الآبار والكهوف وقمم الجبال، وغير ذلك، فقد ذكر البسيوني في كتابه "الألوهية في العقائد الشعبية"ص(27) أن نمر بن سرحان عد ما يزيد على (583) بئرا في فلسطين تقدس لأن المشهور عندهم أن الأولياء يسكنونها ويسكنون في غار حراء وفي جبل الزيتون في لبنان، كما ذكر ذلك البسيوني في المصدر نفسه, كما يسكنون وراء البحر المحيط، وفي قمم الجبال.
9- تفريخ الأولياء عن طريق ادعاء القبورية للكرامات. إن باب ادعاء الكرامات عند أصحاب الدجل باب واسع جدا يستوعب أنواعا من الكفر والشرك وأنواعا من الفساد بل يأتي على الإسلام من أساسه . وإليك ما قاله البسيوني في كتابه "الألوهية في العقائد الشعبية"ص(44) قال : (والقارئ للطبقات الكبرى للشعراني يجد صورا بالغة السوء لسلطان المتصوفة وما كان يحدث منهم من رذائل وكبائر تحت شعار الكرامات، حتى إن الناس فقدوا كرامتهم معهم، ويتحدث الشعراني ـ وهو من الغلاة المنحرفين المخرفين ـ عن الصوفية الذين تحرروا من أوامر الدين ونواهيه في العصرين المملوكي والعثماني، فالخواص والمتبولي والدشطوطي كانوا لا يقيمون الصلاة أبدا وغيرهم كان يفعل الفاحشة على ملأ من الناس ، وكانت فرق الأحمدية والبرهانية والقادرية وما إليها لا تلتزم أوامر الدين فتهمل الصلاة وترتكب الفاحشة, كما يعرض الشعراني في طبقاته ص(39) صورة مزرية لنفوذ المتصوفة الكبار على المريدين والأتباع بعد أن فرضوه على السلاطين أنفسهم فخضعوا لأصحاب الولاية المزعومة وآمنوا بدجلهم واستحالوا في أيديهم أداة هدم بصورة يعوزها العقل وينقضها الحس بالذوق السليم.
(1/25)
أخي الكريم : لا يخفاك مدى حرص زنادقة الصوفية على انتشار هذه المفاسد بل يفتخرون بهاويوصون بها عند موتهم لكي تعمل عند الضرائح بعد مماتهم, وهي عندهم كرامات ويا ويل من حذر منها أو طعن فيهم, وعلى سبيل المثال أحمد البدوي : الذي بلغ الشرك عند ضريحه عنان السماء لو قرأت في كتاب "الطبقات الكبرى" للشعراني الوثني لوجدت أمورا كفرية وقد نقل أخونا العلامة شمس الدين السلفي في كتابه الفذ "جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية" نبذة كبيرة من ذلك 2/741-752 ومن ذلك قول البدوي: ( أنه يرعى الأسماك في البحار والوحوش في القفار قال وأحميهم من بعضهم بعضا ألا أستطيع أن أحمي من يحضر مولدي) وادعاؤه للعلم والقدرة المطلقة أمر ملئت به الكتب ، وهناك من يقول : إن احمد البدوي خرافة ولا يوجد شخص في القبر الذي يعبد في مصر، وإذا قرأت مقدمة كتاب "شمس المعارف" وهو كتاب كفر وشرك باتفاق العلماء لوجدت مجموعة كثيرة من الزنادقة قد وافقوا على تأليف هذا الكتاب باسم أنهم من أهل الكرامات.
فاحذر أن تقبل الكرامات إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة, وعلى يدي علماء الحديث الذين فضحوا أصحاب الجهالات باسم الكرامات, وأكرم الكرامات الاستقامة على دين الله قال تعالى: {ألا إن أو لياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون{ [يونس] .
10-تفريخ أولياء من اليهود والنصارى والمجوس والأقباط والهندوس .
(1/26)
أخي المسلم: لقد هان على بعض المسلمين دينهم حتى صار من السهل عليهم أن يعبدوا ضرائح الكفار ، وقد تستبعد أن يحصل من بعض المسلمين التوجه إلى قبور وضرائح دفن فيها كفار قائلا: إذا كان الإسلام يحارب توجه المسلمين إلى قبور الأنبياء والصالحين فكيف يهون على هؤلاء أن يذهبوا إلى عبادة قبور الكافرين، ولقد ذكر صاحب كتاب "الألوهية في العقائد الشعبية"ص(29) قال : (فعندنا قبر أبي حصيرة ذلك الولي اليهودي الذي انكشف انتماؤه لليهود ـ فقط ـ بعد أن بدأ اليهود يترددون على قبره في عمق الدلتا) وقال في نفس المصدر : (كما رأيت المسلمين في بعض المناسبات يرسمون الصليب على جباه المحسودين والمرضى, ويذهبون إلى الكنيسة ليستخرج لهم القسيس جنيا استعبد أحدهم...) وفي المصدر نفسه ذكر (أن بعض المسلمين في الهند يعبدون ضريحا من الهندوس عباد البقر) وفي المصدر نفسه ص(30) (وفي مصر يقصد المصريون المسلمون والنصارى على السواء كنيسة (سانتا تريزا) بشبرا للتبرك وقضاء الحاجات) ، وفي ص(31) ذكر زيارة بعض المسلمين للضريح القبطي (العجايبي) بمنطقة (المنيا) وفي إحدى قرى المنيا يذهب المسلمون إلى ضريح (أبي ناعون) وهو من الأصنام الفرعونية، المصدر نفسه.
(1/27)
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "المجموع" 27/460 قائلا : (وكذلك بدمشق الجانب الشرقي مشهد يقال إنه قبر أبي بن كعب وقد اتفق أهل العلم على أن أبي لم يقدم دمشق وإنما مات بالمدينة فكان بعض الناس يقول: إنه قبر نصراني وهذا غير مستبعد فإن اليهود والنصارى هم السابقون في تعظيم القبور والمشاهد...) وذكر بعض المؤلفين العصريين أن (بوذيا) كان يعبد في الهند ثم تحول إلى ولي ، وفي السودان عملت قبة على قبر الشيوعي (يانغ تشي تشنغ) في مدينة (ودمدتي) وفي الجزائر ضريح يعبده المسلمون ثم اكتشف أنه قبر مسيحي وجدوا عليه الصليب في قبره ، وقد تقدم ذكر تحويل قبر نصراني في مصر إلى مشهد للحسين بن علي رضي الله عنهما. ولو تتبعنا هذا لطال بنا المقام ولكن ما ذكر فيه الكفاية.
11- تفريخ أولياء من الكلاب والحمير والخنازير وسائر الحيوانات.
إن عباد القبور لا يعافون شيئا بل يجعلون لهم أصناما من أحقر أنواع الحيوانات كالكلاب والحمير . قال صاحب كتاب "الألوهية في العقائد الشعبية" : (العقلية العامية استباحت طواف حمار سيدي عبد العالي...).
وقال : (رأيت بعيني قبر كته شاه) الكلب البنغالي ص(29) وفي ص(22) قال : (وقد حدثت عن حمير وكلاب يطاف حولها) وقال أيضا : (رأيت بنفسي في بنجلاديش (دكا) مزارا لكلب يدعوه العامة هنالك (كته شاه) وهناك أيضا ضب وتمساح وسلحفاه تعد من الأولياء. وذكر بعض المؤلفين العصريين أنه يوجد مقام الشيخ خنيزير( بالقرب من عمان وأصله خنزير بري قتله صياد . وذكر صاحب كتاب " الانحرافات العقدية والعلمية" (ص300) أن البلدية في مصر عزمت على نقل ضريح من إحدى الطرق ففوجئت أن القبر فيه عظام حمار. وذكر غير واحد من المؤلفين العصرين أنه يوجد حية في مصر تنسب إليها المعجزات وتعبد بكل أنواع العبادات.
12- تفريخ أولياء من الأشجار. لا يخفى على من له اطلاع على أحوال المسلمين
(1/28)
أن هنالك أشجارا يعتقد أهلها ولايتها ويقبلون عليها بالموالد وأنواع من الشركيات، قال صاحب كتاب "الألوهية في العقائد الشعبية" ص(126) : (وأهم النباتات التي يعتقدون ولايتها هي الأشجار الضخمة وأجذاع النخل فإن هذه لو رأوها يقبلونها مثل تلك الشجرة التي تدعى الشيخة خضرة فإن الزائر يجدهم يتبركون بها ويقبلونها فضلا عن ترك أثرهم عليها معلقا بمسمار كما أن كل شجرة غليظة الساق يطلقون عليها سيدي الأربعين ، وأغلب هذه الأشجار من الجميز وكثيرا ما يقومون بعمل موالد لهذه الأشجار، وقال أيضا : (وفي مصر شجرة عتيقة في جهة المطرية يجئ إليها الناس مسلمين ونصارى ويتبركون بها وهي المسماه شجرة العذراء، وذكر أمثلة أخرى لا يتسع هذا المختصر لبسطها.
13- تفريخ الأولياء عن طريق ادعاء أثر من آثار بعض الصالحين كحذاء أو عمامة، أو راية، أو مكان جلس فيه، أو نظرة نظرها، أو حجرة حملها، أو شجرة استظل تحتها فهذه تعظم بدعوى أنها أولياء، وعلى سبيل المثال ما ذكره الشيخ/ المجذوب قال : (إن في اللاذقية حظيرة يقال إنها مدفن الفرس التي كان يركبها الولي المغربي...لا تزال حتى اليوم تزار وتبخر) انظر "الانحرافات العقدية" وكالحجرة النبوية المزعومة في حلب ، المصدر السابق ص(278) وكالخرقة الصوفية التي تدعيها الصوفية، وغير ذلك.
(1/29)
14- تفريخ الأولياء عن طريق استخدام الزار الموطئ للرذيلة، الزار هو شيطان من شياطين الجن كثيرا ما يستخدم الزار مع النساء، وهذا الزار هو الموطئ للرذيلة، يقوم هذا الزار بالتسلط على المرأة فيأتي أهلها الحمقى والجهال إلى ساحر من السحرة فيخبرهم أن الزار يطلب التحكيم، وطريق التحكيم هي أن يؤتى بمزمر وتقوم ترقص المرأة أمام الرجال وتحصل منها حركات غريبة من تكشف وتقلب أمام الحاضرين، والشيطان الذي فيها هو الذي يجعلها تصل إلى هذه الأحوال ، فيتخاطب الساحر مع الشيطان فيتكلم الشيطان قائلا: أنا الخادم لفلان ابن فلان ويذكر الساحر الذي أرسله ، أما العوام الحمقى فالساحر عندهم من أولياء الله أو من الأقطاب، أو أو...فينطقه الساحر قائلا : ماذا تطلب؟ فيطلب الزار ـ شيطان من الجن ـ أن يذبح له في رأس السنة مثلا، أو أن تتزين له المرأة بأنواع من الزينة، أو تزور فلانا الساحر في كذا وكذا ، إلى غير ذلك، فيقوم الساحر من باب الدجل ويدعي أن الشيطان قد حكم واحتكم ويجعله في خرقة أو حديد أو...ويقال إن الجني فيها محبوس، هذه هي حقيقة الزار، ويصير هذا الجني مطاعا محترما تنفذ مطالبه رغبة أو رهبة، ويصير وليا لأنه خادم للقطب أو الساحر ، وقد كانت هذه الجريمة منتشرة في اليمن وغيرها ولكنها قلت مؤخرا بحمد الله.
15- تفريخ أولياء عن طريق الأحجار، لقد سفه بعض المسلمين عقولهم حتى بلغ بهم الأمر إلى عبادة الأحجار، وإليك ذكر مجموعة من الأحجار التي حازت عند الجهال ما لا يقدر عليه إلا الله، قال صاحب كتاب "الألوهية في العقائد الشعبية"ص (130) :
حجر البحر : إذا استصحبه إنسان يركب البحر أمن الغرق.
حجر القمر: إذا علق على شجرة أثمرت وينفع من الصرع.
حجر المطر: إذا وضع في الماء تتغيم السماء وتمطر وربما يقع البرد والثلج.
حجر رقوس: إذا تختم به الإنسان زال عنه الهم والحزن.
حجر سبج: من لبس شيئا منه يأمن من العين.
(1/30)
حجر سنليس: من استصحب منه شيئا ولو وزن قيراط أو أقل لم يظفر به عدوه أبدا ولا يغلبه.
حجر فرسلوس: إذا علقه إنسان لم يزل يتكلم بالحكمة مادام عليه ولا ينسى ذكر الله تعالى ليلا ولا نهارا، وينفع من عين السوء.
حجر مغناطيس: إذا وضع في مكان بطل عنه السحر وهربت منه الشياطين.
حجر مراد: تتبع الشياطين حامله ويعلمونه بما يريد.
حجر يشب: من استصحبه لم يغلبه في الحرب أحد ولا يحاجه أحد .
وفوق قبة البدوي حجر يدعى أن به أثرا لقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يوجد حجر يقدس في الجاهلية في نابلس بفلسطين فلما قوي الجهل في الأمة أطلق عليه (قبر الشيخ العمود).
وهذه الأحجار قد يطلق عليها الأحجار الكريمة.
وعلى كلٍ حذار حذار من الاعتماد على شيء من الأحجار باسم أنها كريمة ، فكل هذا من الخرافة.
16- تفريخ الأولياء عن طريق بناء قبة وضرائح ليس فيها شيء . فالقاعدة عند العوام إلا من رحمه الله هي (تحت كل قبة شيخ) فمن يسعى لجعل الدنيا مملؤة بالأولياء فلا يعجزه عن أن يقوم ببناء على هيئة قبة ويعمل لها شيئا من النورة والطلاء فتصير وليا، وإذا داوم هو مدة على التسريج والتبخير فذلك الختم على وجود ولي ، وعلى سبيل المثال قبة ابن علوان في يافع العليا (المنارة) كانت تعبد، وقد هدمت، مع العلم أن ابن علوان دفن في يفرس قريب من تعز ،ثم أخرج الإمام أحمد بن يحي حميد الدين رفاته من ذلك المكان وذهب به إلى تعز فوضعه في مكان مجهول كما قام بهدم القبر وتغيير أبواب المسجد كان هذا سنة 1362هـ ولا يزال السدنة يدجلون على الناس أن ابن علوان ما يزال في ضريحه . والأمثلة على هذه بالعشرات بل بالمئات. ويا ويل الناس المجاورين للولي المزعوم إن لم يقوموا بالزيارات والذبح والنذر، وما إلى ذلك من الشركيات، بل لقد استطاع أعداء الإسلام عن طريق تفريخ الضرائح أن يستعمروا بعض البلدان عن طريق تفريخ أولياء لا وجود لهم ، وإليك مختصر ما ذكر عنهم :
(1/31)
قال الشيخ أحمد الباقوري وهو يتحدث عن الوسائل التي يريد أن يستخدمها العدو لاستعمار البلاد التي يريد قال : (وأخيرا اهتدوا إلى إقامة عدة أضرحة وقباب على مسافات في هذا الطريق فأقبل الناس على القباب والضرائح، ظنا منهم أن فيها أولياء . نقلا من كتاب "تحذير الساجد..." ص(162-163).
ومن خلال هذا الإيضاح يتضح لكل ذي عينين أن أولياء القبورية يختلفون تماما عن أولياء الله .
وخلاصة الكلام: أن قضية تفريخ الأولياء على مستوى العالم الإسلامي قضية لا حدود لها فهي في ازدياد وهي مثل حال الجاهلية قبل الإسلام، فقد كان الجاهليون كلما استحسنوا شيئا عبدوه سواء كان شجرا أو حجرا أو غير ذلك، قال أبو رجاء العطاردي : (كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناها عليه ثم طفنا به) أخرجه البخاري في صحيحه 8/ رقم 4376 كتاب المغازي .
وهؤلاء كلما استحسنوا شيئا قالوا هو ولي.
فالله المسؤول أن ينصر هذه الأمة على محاربة الشرك والخرافة ، فمحاربتهم أهم من محاربة اليهود والنصارى.
أخي الكريم : أريد أن أنبهك على ما تخلعه الصوفية من ألقاب على من تسميهم أولياء ومن ذلك الأقطاب والأغواث والأوتاد والأبدال والنقباء والنجباء إلى غير ذلك من هرائهم , وأما منازلهم عند الصوفية فبعضهم بمنزلة جبريل وبعضهم بمنزلة إسرافيل وبعضهم وبعضهم ...إلى آخر تراهاتهم .
تنبيه : وقد قام بحشد تراهات الصوفية حول أوليائهم المدعو يوسف بن إسماعيل النبهاني في ((جامع كرامات الأولياء )) .
دعاة القبورية شوهوا بالإسلام
(1/32)
لقد شوهت الفرق القبورية بالإسلام عند كثير من أعداء الإسلام شعوبا ودولا، قال صاحب كتاب "التوحيد في مسيرة العمل الإسلامي"ص(70) : (ومن هذه الأضرار أن كثيرا من غير المسلمين لما رأوا أفعال القبورية واعتقاداتهم وتصرفاتهم في هذه الموالد مع مشاركة بعض المنتسبين إلى العلم لهم في هذه الاحتفالات ممن لبسوا العمائم أساءوا الظن بدين الإسلام، وقالوا: لا خير في دين يأمر بهذا ويشرعه لأهله).
وقال الدكتور موسى الموسوي في كتابه "الشيعة والتصحيح"ص(99) وهو يتكلم عما يجري عند ضريح كربلا : (وقد قيل أن ياسين الهاشمي رئيس الوزراء العراقي في عهد الاحتلال الإنجليزي للعراق عندما زار لندن للتفاوض مع الإنجليز لإنهاء عهد الانتداب قال له الإنجليز : نحن في العراق لمساعدة الشعب العراقي كي ينهض بالسعادة وينعم بالخروج من الهمجية، ولقد أثار هذا الكلام ياسين الهاشمي فخرج من غرفة المفاوضات غاضبا غير أن الإنجليز اعتذروا منه بلباقة ثم طلبوا منه بكل احترام أن يشاهد فيلما وثائقيا عن العراق, فإذا به فيلم من المواكب الحسينية في شوارع النجف وكربلا والكاظمية تصور مشاهد مروعه ومقززة عن ضرب الهامات بالسلاسل وكأن الإنجليز قد أرادوا أن يقولوا له: هل أن شعبا مثقفا له من المدنية حظ قليل يعمل بنفسه هكذا؟).
(1/33)
قلت: قد وجد المستشرقون بغيتهم في كتب القبورية وأحوالها فأخذوا يطعنون في الإسلام طعنا مباشرا بسبب ما وجدوه من أفعال بشعة باسم التدين والحب للصالحين، وهاهو أحد المستشرقين الإنجليز يجعل هذه الضرائح مثل أفعال اليهود ألا وهو صاحب كتاب "المصريون المحدثون" قال (ص167-168) : (ويحمل المسلمون ـ وبخاصية المصريون -على اختلاف مذاهبهم ـ ما عدا الوهابيين ـ للأولياء المتوفين احتراما وتقديسا لا سند لهم في القرآن أوالأحاديث أكثر مما يحملون للأحياء منهم، ويشيدون فوق أغلب قبور الأولياء المشهورين مساجد كبيرة جميلة وينصبون فوق قبور منهم أقل شهرة منهم بناءا صغيرا مبيضا بالكلس ومتوجا بقبة ... إلى أن قوله: وقد جرت العادة أن يقوم المسلمون كما كان يفعل اليهود بتجديد بناء قبور أوليائهم وتبييضها وزخرفتها وتغطية التركيبة أو التابوت أحيانا بغطاء حديد, وأكثر هؤلاء يفعلون ذلك رياء كما كان يفعل اليهود). نقلا من"تحذير الساجد"ص(160-161).
وفود جماهير الناس إلى الضرائح
من المعلوم أن الضرائح المشهورة تحدد لها الموالد والزيارات للوفود عليها إما في السنة مرة أو مرتين أو أكثر، وعند موعد الزيارة للضريح الفلاني تحشد الحشود مما لا يتصوره متصور، وإليك بعض التقريرات والمعلومات:
ذكر البسيوني في كتابه "الألوهية في العقائد الشعبية" نقلا عن محمد الغزالي ، قال الغزالي : (لقد اهتمت حكومة انجلترا بالحالة الدينية في مصر فكان مما طمأنها على إيمان المصريين أن ثلاثة ملايين مسلم زاروا ضريح أحمد البدوي بطنطا، ذلك العام، والذين زاروا الضريح ليسوا مجهولين لدي، فطالما أفد رسميا لوعظهم فكنت أشهد من أعمالهم ما يستدعي الجلد بالسياط لا ما يستدعي الزجر بالكلام ، ولو دعوا لواجب ديني صحيح لفروا نافرين وإن كانوا أسرع إلى الخرافة من الفراش إلى النار).
(1/34)
قلت: إذا كان هذا عند قبر واحد من الضرائح المشهورة في مصر فكم سيكون عدد الذين يذهبون عند كل الضرائح المصرية فقط وهي ألف ضريح، فكيف بجميع الضرائح في أنحاء العالم الإسلامي؟. وهناك شعوب أكثر سكانا من مصر وأكثر توجها إلى الضرائح منها.
تنبيه: الغزالي رجل منحرف , وقد رد عليه جماعة من العلماء وطلاب العلم ومن تلك الردود : كتاب " كشف الغزالي من السنة وأهلها ونقد بعض آرائه" للشيخ ربيع بن هادي المدخلي وغيرها من الكتب .
وهذا الأديب عبد الله بن خميس يقول في كتابه "شهر في دمشق"ص(67) وهو يتحدث عما يحدث عند قبر زينب بنت علي بن أبي طالب قال : (فلقد وجدت سوادا كثيرا من الناس ملأ قبة القبر ثم البناء المحيط بالقبة ـ وما أكبره ـ ثم الفضاء والشجر المحيط بالقرية التي فيها القبر، ووجدت المقاهي والمطاعم والسيارات تغدو وتروح على حساب الزوار، ووالله ما شبهت هذا الجمع الغفير الذي يموج بعضه في بعض إلا بالناس حول الكعبة ويا بعد ما بين المظهرين)
وذكر صاحب كتاب "التوحيد ومسيرة العمل الإسلامي"ص(52) قائلا : (ومن هذه القبور قبر ما يسمى (السيد الدسوقي) فقد شارك في الاحتفال السنوي الذي يقام احتفاء بذكرى مولده عام 1403هـ 1982م نحو مليون شخص).
قلت: لو جئنا إلى كثير من الأقطار الإسلامية لوجدنا حشودا مثلما ذكرنا في مصر وسوريا، وقابل بين هذه الجماهير الغفيرة من المسلمين التي تتوجه إلى الضرائح وبين ما ذكره أحد الكُتّاب النصارى حول الزيارة للكنيسة الكبرى الرومانية التي فيها قبر بطرس، فقد قال : (إنه يقصدها نحو مائة ألف شخص في أيام الأعياد الكبيرة للعبادة) نقلا من كتاب "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" هامش ص(182) .
دعاة الشرك والوثنية يربطون الناس بضرائحهم
(1/35)
إن دعاة الشرك والخرافة يحاولون قطع الناس عن ربهم قطعا كليا ، فيربطونهم بالضرائح خصوصا عند الشدائد والنوائب ، ويقنعونهم على أن العبادة لله لا تزكو ولا تصفو إلا إذا جعل مبد ؤها أو نهايتها إلى الضرائح ومن ذلك:
أ- التوبة، من يريد أن يتوب يقال له: إذهب إلى قبر الشيخ الفلاني، ويعتكف عليه عكوف أهل التماثيل، كما ذكر ذلك صاحب كتاب "جهود علماء الحنفية" وهو كتاب عظيم نافع في بابه2/1208-1209.
ب- الحج إلى القبور، ربط دعاة الشرك والخرافة المسلمين الذين يريدون الحج إلى بيت الله الحرام بالحج إلى المشاهد ، وصنفوا في ذلك كتبا ومنها "مناسك حج المشاهد" وهو لابن النعمان القبوري حتى قال قائلهم : (وحق النبي الذي تحج إليه المطايا) فجعل الحج إلى النبي لا إلى بيت الله الحرام، وكثير من هؤلاء القبورية من يكون أعظم قصده في الحج الوصول إلى قبر النبي . انظر كتاب "جهود علماء الحنفية"ص(1209).
ج – الاستئذان من صاحب الضريح عند إرادة فعل شيء مهم. إن دعاة القبورية يظهرون للسذج من المسلمين أنهم لا يفعلون شيئا إلا بإذن من أصحاب الضرائح، وعلى سبيل المثال ما ذكره عبد الحميد الشايف أنه ما أخرج كتاب "المهرجان" لا بن علوان حتى استأذن من ابن علوان, وابن علوان هو أحد كبار دعاة الصوفية .
وأيضا ذكر صاحب كتاب "قصص لا تثبت"3/215-216 أن عبد الحليم محمود قال : (استأذنت أحمد البدوي في تأليف كتابٍ في مدحه).
وذكر الشعراني الملحد في "طبقاته الكبرى" (أنه ما دخل على امرأته حتى تعاون معه أحمد البدوي). انظر2/744 من كتاب "جهود علماء الحنفية".
نبذة عن حج القبورية إلى الضرائح
فهذا ابن النعمان المغربي حج إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يحج إلى بيت الله الحرام ، وألف كتابه "مصباح الظلام " انظر كتاب "جهود علماء الحنفية" (2/1210،1051) وجعل هذا الكفر من مناقب هذا الوثني ، ويقولون : (بحق من تحج إليه المطايا)
(1/36)
وقال الصيادي الرفاعي : (قبر النبي أفضل من الكعبة والكرسي والعرش والجنة) وقد تقدم ، وهذا ابن سبعين قيل عنه : (البيوت المحجوجة ثلاثة مكة وبيت المقدس والبيت الذي في الهند) أنظر "جهود علماء الحنفية" 2/1210-1211.
والبيت الذي في الهند صنم يعبد . وابن سبعين من كبار ملاحدة القبورية . ذكر بعضهم في ترجمته أنه كان يسخر من الطائفين بالبيت الحرام ويقول: (كأنهم حمير حول المدار ولو طافوا بي كان طوافهم أفضل من طوافهم بالبيت)
ولقد بلغ الغلو في الحج إلى الضرائح عند القبورية مبلغا لا يتصوره عقل ، ذكر صاحب كتاب "جهود علماء الحنفية" 2/1212 قائلا : (ويقول أحد المريدين لآخر وقد حج سبع حجج إلى بيت الله العتيق أتبيعني زيارة قبر الشيخ بالحجج السبع ؟ فقال له أشاور الشيخ ، فقال له أي الشيخ : لو بعت كنت مغلوبا) , ومنهم من يقول : (من طاف بقبر الشيخ سبعا كان كحجة) ومنهم من يحكي عن الشيخ الميت أنه قال : (كل خطوة إلى قبره كحجة ويوم القيامة لأبيع بحجة) وذكر صاحب كتاب "بدع الاعتقاد" أن السخاوي رحمه الله قال : (حج في هذا العام إلى قبر أحمد البدوي من مكة والشام وحلب أكثر ممن حج إلى بيت الله الحرام).
(1/37)
فانظر إذا كان حجاج البدوي أكثر من حجاج بيت الله الحرام وحجاج بيت الله يأتون من مشارق الأرض ومغاربها فكيف بالحج إلى الضرائح المشهورة في كل بلدة؟ ولم تسلم الديار اليمنية من هذا السفه فلقد كان قبر الهادي المدفون في صعدة يحج إليه ، فلقد ذكر لنا بعض الآباء الكبار في السن أنهم كانوا إذا أرادوا حج بيت الله الحرام يبدءون بالطواف على قبر الهادي ويصلون ركعتين ويتمسحون بتراب قبره تشبيها للضريح بالكعبة، وبعد ذلك يتوجهون إلى بيت الله ، وكانوا يحجون إلى مسجد الجند ويدعون أنه حج المساكين ، وليس عندهم في ذلك برهان من الله ولا من رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولكن عندهم من الكذب حديث نسبوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ((من ذهب إلى مسجد الجند في أول جمعة من رجب فهو حجه)) والحديث مكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد ذكر ابن الحاج في "المدخل" وهو من أصحاب القرن السابع (أن من الناس من كانوا يحجون إلى صخرة بيت المقدس)، وقد اشتهرت قضية تقديس الحج ، والمراد بالتقديس الذهاب إلى ضرائح معينة كقبر أبينا إبراهيم عليه السلام بعد الحج لغرض إتمام الحج، ولم يتوقف الحج إلى الضرائح بل صار إلى الجبال والأشجار والأحجار كما يحصل هذا في مصر وفي غيرها ، والمقام يطول لو بسطنا ذلك.
تنبيه : هناك فرق تحج إلى القبور إلا أنها أكفر من اليهود والنصارى ومنها:
1- الفرقة اليزيدية التي تعبد الشيطان في العراق فهي تحج إلى (وادي لاش) في العراق.
2- البهائية الإيرانية تحج إلى ضريح مؤسسها (الميرزا الحسين بن علي).
3- القاديانية تحج إلى مدينة القاديان وهو مؤسس الجماعة المذكورة ، وكل هذه الفرق لا تمت إلى الإسلام بصلة بل هي أكفر من اليهود والنصارى.
ما يجري عند الضرائح من أنواع الفساد
(1/38)
لقد تقدم لك أخي القارئ ماذا يحصل من أنواع الشركيات والكفريات عند الضرائح التي تزار خصوصا المشهورة منها، ولكن لا يغيب عن أذهاننا ماذا يحصل أيضا من نشر أنواع الفساد والإجرام، وإليك ماذا يحصل عند بعضها :
1- اختلاط النساء بالرجال: وهذا أمر لا ينكر وجوده أحد ، ومن المعلوم أن من دواعي الفجور اختلاط النساء بالرجال، ولا يخفاك أن البقاء يستمر عند الضريح لمدة قد تكون يومين أو ثلاثا، أو أسبوعا. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)) متفق عليه من حديث أسامة.
2- تبرج النساء: وهذا داع آخر للفجور، قال العلماء : (إذا اجتمع الاختلاط والتبرج فقرينهما الزنا) قال الله تعالى :{ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب].
3- الإتيان بالراقصين والمطربين: وهذه من الأصوات الملعونة والأفعال القبيحة. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة)) رواه البزار عن أنس ، وهو حسن. ويقع هذا المنكر في الليل ، ويجتمع الفساق وأرباب الفجور، ويقع التصفيق والتصفير والتكسر، فكيف إذا كانت القبورية تقوم بنفسها بالأغاني والرقص حتى الوقوع على الأرض؟! وكيف إذا كانت القبورية تفضل هذا على قراءة القرآن من سبعة أوجه؟!، كما قرر ذلك المقدس عندهم أبوحامد الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" 2/325-328.
تنبيه: كتاب "إحياء علوم الدين" كتاب مليء بطوام البدع والشركيات.
(1/39)
4- الزنا في ليالي المولد بركة: إن الموالد والحضرات استعملت للمتاجرة بالأعراض، وهذا يدركه من له إلمام بما يجري في أيام الموالد، وهاهو أحد دجاجلة القبورية وهو الشعراني يقول : (وكان الشيخ علي وحيش ...يقيم عندنا في المحله في خان بنات الخطا وكان كل من خرج أي: بعد افتراق الفاحشة ، يقول له : قف حتى أشفع فيك عند الله قبل أن تخرج فيشفع فيه) نقلا من كتاب "الصوفية الوجه الآخر" ص(61) وقد ذكر أحمد بن منصور أقوال المؤرخين في الزنا واللواط الذي يحدث عند ضريح (الإنبابي) قائلا : (وأما ما يحكى من الزنا واللواط فكثير لا يحصى حتى أرسل الله عليهم ريحا في تلك كادت تقلع الأرض بمن عليها...)
ويا ويل من تكلم على هذه الفواحش والمنكرات, فإن دعاة القبورية يهددونه بأن صاحب الضريح سينزل عليه صواعق من العذاب، ذكر الشعراني في "طبقاته الكبرى" قال : (إن شخصا أنكر حضور مولد البدوي لأجل ما فيه من الشرك والكفر والفجور فسلب الإيمان من قلبه، فطلب من البدوي أن يرد له إيمانه، فاشترط عليه أن لا يعود إلى الإنكار على ما يرتكب من الفسق والكفر والفجور ، فقال المنكر: نعم إلى أن قال البدوي : ما يرتكبونه من الكفر والفسوق والفجور عند المولد قال ذلك واقع عند الطواف بالكعبة ولا يمنع أحد منه ، ثم قال البدوي : وعزة ربي ما عصى أحد في مولدي سواء كان كفرا أو شركا أو زنا أو غيرها من الفسوق أو الفجور إلا تاب وحسنت توبته).
(1/40)
قلت: انظر أخي القارئ: ما في هذا القول من ادعاء علم الغيب الذي اختص الله به نفسه, فإنه لا يعلم من يتوب ومن لا يتوب إلا الله، وانظر: ما في هذا الكلام من الجرأة على تثبيت الإجرام وأيضا أنى لهؤلاء الفسقة أن يتوبوا وهم يتقربون بهذا الزنا؟ بل أنى لهم أن يتوبوا وقد صار وا واثقين أن صاحب الضريح قد شفع لهم عند الله وشفاعته مقبولة عندهم بلا شك؟ وانظر إلى الكذب في قوله : (إن هذا يحصل عند الطواف بالكعبة) فدعاة القبورية يهددون الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بأنواع من العقوبات، ومن السهل عليهم أن يعملوا له السحر أو يسلطوا عليه الفسقة والأشرار أو يفتروا عليه عند الحكام، عاملهم الله بما يستحقون.
5- شرب الخمور في الإجتماعات عند الأولياء والأقطاب: وقد كثر إنكار العلماء لهذا وسطروا هذا في مؤلفاتهم التي تحدث عما يجري عند الضرائح، ومنهم الشيخ/ عبدالرحمن الوكيل في كتابه "هذه هي الصوفية" (ص160-161)، وصاحب كتاب "الصراع بين الحق والباطل"ص(49-50) والبسيوني في كتابه "الألوهية في العقائد الشعبية"ص(96-98) ومما لا يتصوره عقل ما ذكره الكاتب أحمد بن منصور وهو يتحدث عن الجرائم التي تحصل عند ضريح (الإبنابي) قائلا : (وإن فيه من الفساد ما لا يوصف حتى إن الناس وجدوا حول هذا المشهد أكثر من ألف جرة خمر فارغة ... )
(1/41)
6- أكل أموال الناس بالباطل ،ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في "المجموع"27/459 قائلا : (حدثني بعض أصحابنا أنه ظهر بشاطئ الفرات رجلان وكان أحدهما قد اتخذ قبرا تجبى إليه أموال ممن يزوره, وينذر له من الضلال, فعمد الآخر إلى قبر وزعم أنه رأى في المنام أنه قبر عبدالرحمن بن عوف, وجعل فيه من أنواع الطيب ما ظهرت له رائحة عظيمة) وقال الشوكاني رحمه الله في "الدر النضيد"ص(27) : (وربما يقف جماعة من المحتالين على قبر ويجلبون الناس بأكاذيب يحكونها عن ذلك الميت ليستجلبوا منهم النذور ويستدروا منهم الأرزاق ويقتنصوا النحائر, ويستخرجوا من عوام الناس ما يعود عليهم وعلى من يعولونه مكسبا ومعاشا) وقال صاحب كتاب"بدع الاعتقاد"ص(267) : (ويكفي أن تعلم أن ما كان يصل إلى ضريح الجيلاني في السنة من أموال الزائرين يفوق ما كانت تنفقه الدولة العثمانية على الحرمين الشريفين في السنة الواحدة أضعافا مضاعفة) والأموال التي يغدق بها على أصحاب الضرائح على أنواع :
أ- الهدايا.
ب- الأوقاف: هناك من يوقف الأموال الطائلة على أصحاب الضرائح، وهناك أموال تأتي من وزارة الأوقاف في بعض الدول والشئون الاجتماعية ، ولا أعلم دولة تدعم الضرائح بالأموال وتقذف عليها مثل ما كانت تقوم به الدولة العثمانية مؤخرا من الدعم القوي, لأنها قامت على الدعوة القبورية.
ج- الصدقات: فأصحاب اليسار والوجاهة يقذفون بالأموال الطائلة على سدنة الضرائح بطريق سري وجهري, وأموال عينية ونقدية.
د- النذور: كثيرا ما ينذر المتعلقون بالضرائح من كريم أموالهم ليقدموها في رأس كل سنة.
(1/42)
هـ- أموال شكر: يحصل من بعض المتعلقين بعبادة الضرائح أنه يتحقق له شيء فيقدم كذا وكذا من الأموال للضريح الفلاني شكر ا على ما تم له ونجح فيه، وهذا يكون حاصلا من طبقات كثيرة في المجتمع ، فقد ذكر صاحب كتاب "الانحرافات العقدية" ص(351) أن في المغرب لما تولى السلطان الحسن بن محمد المتوفى سنة 1311هـ مقاليد الحكم في بلاده سارع إلى تقديم الذبائح إلى الضريح الإدريسي.
وعلى كل:ٍ الأموال التي تقدم لأصحاب الضرائح جعلت السدنة الذين حول القبورية وأسرهم ومن له صلة بهم أغنياء, يصل إليهم من الأموال الفاخرة والمتنوعة الشيء الكثير حتى قال الشاعر المصري حافظ إبراهيم:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم وبألف ألف يرزق الأموات
من لي بحظ النائمين بحفرة قامت على أحجارها الصلوات
وقال كاتب عصري وهو يتحدث عن الأموال التي تنفق على سدنة ضريح الجيلاني : (وينفقون الأموال على خدمته وسدنته وفي موالده وحضراته ما لو أنفق على فقراء الأرض لصاروا أغنياء...) فلا غرابة أن نقول إن من أعظم أسباب اختراع الضرائح والدعوة إلى عبادتها هو الحصول على المال. وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : ((إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال)) رواه الترمذي عن كعب بن عياض وهو صحيح.
وما أشبه ما يفعله دعاة القبورية بأحبار اليهود والنصارى ، قال تعالى :{إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله} [التوبة]، وما أشبه دعاة القبورية بأصحاب (صكوك الغفران) لأصحاب الجرائم بمقابل مال يقدمه أصحاب الجرائم.
(1/43)
6 – ترك الصلوات: إن الحاضرين عند الموالد والحضرات القبورية الغالب عليهم أنهم لا يؤدون الصلاة ، إما لأنهم يعتقدون أن صاحب الضريح يتحمل ذلك كما قال صاحب كتاب "معارج الألباب..."ص(177) حاكيا عن بعضهم : (إن رجلا سأل من فيه مسكة عقل فقال : كيف رأيت الجمع لزيارة الشيخ؟ فأجابه:لم أر أكثر منه إلا في جبل عرفات إلا أني لم أرهم سجدوا لله سجدة ولا صلوا مدة الأيام فريضة، فقال السائل: قد تحملها عنهم الشيخ), وإما أنهم لا يهمهم أمر الصلاة، وكلا الأمرين حاصل فإن هناك من دعاة القبورية من يدعي أن صاحب الضريح يتحمل جميع الجرائم التي تحصل عند زيارته من الزوار، وهناك من يشغل الحاضرين بترهات الموالد والحضرات والرقص وغير ذلك حتى لا يدركوا الصلاة ولا يهمهم أمرها.
7- استغلال كثير من الحكومات عبادة الضرائح لأمور كثيرة ومنها:
أ- تنفيذ السياسة الحكومية لاستعباد البلاد أو إفسادها، وقد تقدم أن ذكرنا عند كلامنا على تفريخ الأولياء أن بعض الدول الكافرة قامت ببناء ضرائح على الطرقات لتحمي تلك الطرق من تسلط اللصوص.
وأيضا ذكر صاحب كتاب "التصوف بين الحق والخلق"ص(211-212) قال : (إن فرنسيا أسلم وتنسك وصار إماما لمسجد كبير في القيروان بتونس, فلما اقترب الجنود الفرنسيون من المدينة استعد أهلها للدفاع عنها وطلبوا من الإمام أن يستشير صاحب القبر الذي في المسجد لأنهم يعتقدون فيه, فدخل الضريح ثم خرج مهولا عليهم بما سينالهم من المصائب قائلا : (إن الشيخ ينصحكم بالتسليم, فسلموا لعدوهم فاجتاح بلادهم). وأيضا ذكر صاحب كتاب "الانحرافات العقدية"ص(351) قائلا : (إن الدولة العثمانية تقيم حفلة (تقليد السيف) وهي حفلة تقام كلما ارتقى سلطان, فيذهب من آل عثمان إلى عرش أجداده ونودي سلطانا, فيذهب السلطان إلى جامع أبي أيوب الأنصاري ويصلي عند ضريحه ركعتين, ويقلد سيف عمر بن الخطاب ويتوج) اهـ بتصرف .
(1/44)
فهذا الفعل فيه استمداد الشرعية من أصحاب الضرائح.
ب- تفرض بعض الدول على السدنة ودعاة القبورية حصة مالية سنوية تدفع لها مقابل أنها تشجع وتساعد على إقامة الموالد والحضرات, كما يحصل هذا من الدولة المصرية, فإنها تأخذ في الحصة الواحدة تسعة وثلاثين في المائة كما ذكر ذلك بعض المؤلفين العصريين.
ج- تقوم بعض الدول ببناء القباب أو تجديدها أو توسيع المساجد التي فيها ضرائح من أجل أن تكتسب من القبورية الثناء عليها بالعدل, وحب الخير, والحرص على الأولياء, ويعرفون في أوساط الناس بأنهم حماة الإسلام، ومن أجل التوجه إلى الدعايات الانتخابية.
د- كثيرا ما تستغل الدول الدعوة القبورية لمحاربة أهل التوحيد وضربهم ، والله المستعان.
هـ- فتح باب الجنة ، يحكى أن وزير أوقاف لإحدى الدول الإسلامية اشتكى لرئيس دولته عجز الميزانية في وزارته, فاتفق الرأي على إيجاد باب الجنة يفتتح دخوله الأعيان والرؤساء, ثم تباع التذاكر للسواد الأعظم من جهلة المسلمين على أن من دخل هذا الباب فقد دخل الجنة) ذكر هذا بعض الكتاب العصريين.
وبقيت مفاسد وشرور تتحقق عن طريق عبادة الضرائح, وما ذكرناه فيه الكفاية.
ذكر بعض معتقدات القبورية في الضرائح
إن الفرق القبورية تنسب إلى الضرائح التي تتبرك بها أنواعا من الدعايات المكذوبة لكي يزداد تعلق الجهال والحمقى بها والإقبال على عبادتها، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
1- قبر الحسين بن علي بن أبي طالب المزعوم أنه في كربلا ، يقول القبوريون لمن يزور هذا الضريح المزعوم ما قاله شاعرهم:
وفي حديث كربلا والكعبة لكربلا بان علو الرتبة
وهذا البيت واضح أن قائله يفضل كربلا على الكعبة .
ويقول شاعر رافضي آخر مادحا كربلا :
هي الطفوف فطف سبعا بمغناها فما لمكة معنى مثل معناها
أرض ولكنها السبع الشداد لها دانت وطأطأ أعلاها لأدناها
نقلا من كتاب " كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار" (ص87).
(1/45)
2- قول الصيادي في قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - : (ولما حج الرفاعي عام وفاته وزار قبر النبي الذي هو أفضل من الجنة بل من العرش والكرسي) وينسب ذلك البيت إلى الأعرابي وهو:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
3- ذكر العيدروس في كتابه "تاريخ النور السافر عن أخبار القرن العاشر"ص(76) وهو يتكلم عن قبور أقطاب آل با علوي، قال: (وروي عن بعض الصالحين أنه قال لرجل من أهل تريم: أتعرف الفريط الأحمر والجبل الأحمر؟ فقال له: نعم, فقال له : تحته روضة من رياض الجنة) أي روضة من رياض الجنة في القبور، بل ذكر في نفس الصفحة أن الشيخ فضل بن عبد الله قال : (ثلاث ترب محولات بترابهم الجنة، تربة تريم، وتربة الهجرين، وتربة غيل أبي سودان).
وهذه دعوة إلى تعظيم التربة وأكلها تبركا بها، واعتقاد الشفاء فيها، وانظر إلى ما وصلت إليه القبورية في كربلا وغيرها من بقاع الأرض من تعظيم التربة الحسينية فيسجدون على تلك التربة، وفي بعض الأوقات يأكلونها معتقدين الشفاء فيها بل ويوصون أن تدفن معهم التربة الحسينية، رجاء بركتها.
وانظر إلى ما قالته القبورية في حضرموت في شأن النهر الموجود بجانب الضريح المنسوب إلى النبي هود فقد قالوا: (إن ذلك النهر من الجنة) فالأنهار والأشجار والأحجار والآثار تصير من الجنة لوجود قبر من القبور التي تريد القبورية عبادتها، ويصير ماؤها من الكوثر، ولقد ذكر صاحب كتاب "علماء الحنفية"2/1208 قال : (ومنهم من يستقبل القبر ويصلي إليه مستدبرا الكعبة ويقول : القبر قبلة الخاصة والكعبة قبلة العامة.
(1/46)
وذكر صاحب كتاب "الانحرافات العقدية"ص(350) عن بعضهم ما معناه : (أن مؤذن مسجد قبة الإمام الشافعي استقبل القبر واستدبر الكعبة عند الأذان مع حضور مجموعة من علماء الأزهر فقال قائل: لم لم يستقبل القبلة ؟ فقال أحدهم: إنه يستقبل ضريح الإمام). كما ذكر أن الصوفية لا ينكرون على من استقبل قبر الإمام في صلاته).
الضرائح والقباب والمشاهد إله من تقرب إليها
لقد دلت الأدلة العامة على أن كل معبود سوى الله هو إله من عبده ، وسواء كان المعبود بشرا أو ملكا أو حيوانا أو جمادا, وسواء كان معبودا حسيا أو معنويا، والإله هو المعبود ، والتأله: التعبد، والتعبد يقوم على الحب والتعظيم والخضوع للمحبوب, فمن أحب غير الله مثل الله أو أشد فقد جعل ذلك إلها له. قال تعالى :{واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا} [مريم]، وقال تعالى :{أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون} [النمل]، وقال تعالى :{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} [الجاثية]، فكل من دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد جعله إلهه، وكل طائع لهواه عابد له, أفلا يكون من باب أولى من صرف أنواعا من العبادات لأصحاب الضرائح يكون قد اتخذهم آلهة؟ وقال تعالى عن موسى أنه قال للسامري :{وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا} [طه] ، فسماه موسى إلها للسامري . وروى البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((تعس عبد الدينار تعس عبدالدرهم تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش))
انظر كيف يصير المسلم عبدا للخرقة والدينار والدرهم عند ما يتعلق قلبه بهن حبا وتعظيما؟ فكيف بمن تعلق قلبه بمخلوق يرجو منه النفع ودفع الضر؟ وكيف بمن ذهب يصرف أنواعا من العبادات التي اختص الله بها نفسه للرفات؟ أفلا يكون عبدا لها؟ وهي إلهه من باب أولى.
(1/47)
وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال : ((ما شاء الله وشئت يارسول الله فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده)) رواه أحمد 1/347،283 وابن السني في "عمل اليوم والليلة"ص(314) والنسائي في "الكبرى" وهو حسن.
انظر إلى خطر الشرك فإذا كان المسلم يقع في الشرك ويصير النبي - صلى الله عليه وسلم - ندا لله بمجرد اللفظ, فكيف بمن يطالب بالمدد من الأموات ويعتقد دفعهم للملمات ، وتصريفهم لأمور الكون؟ وانظر إلى ما جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند ما قال بعض الصحابة : يارسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال - صلى الله عليه وسلم - : ((الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)) رواه الترمذي4/475-476 وأحمد 5/218والطيالسي وابن أبي شيبة وعبدالرزاق والطبراني من حديث أبي واقد الليثي وهو صحيح، فإذا كان تعليق السلاح على الشجرة تبركا بها يجعلها إلها لمن فعل ذلك, فكيف بمن يخاف ويذبح وينذر ويتمرغ عند أعتاب الضرائح ؟.
وقال ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى"1/55 : (فإذا لم تكن القلوب مخلصة لله الدين عبدت غيره من الآلهة التي يعبدها أكثر الناس مما رضوه لأنفسهم فأشركت بالله بعبادة غيره واستعانته, فتعبد غيره وتستيقن به لجهلها بسعادتها التي تنالها بعبادة خالقها والإستعانة به...)
وقال العلامة ابن باز رحمه الله : (ومن العقائد المضادة للحق ما يعتقده بعض الباطنية وبعض المتصوفة من أن من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير ويتصرفون في شئون العالم ويسمونهم بالأقطاب والأوتاد والأنداد وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم)انظر"الإتمام بشرح العقيدة الصحيحة ونواقض الإسلام"ص(167).
تواجد شياطين الجن عند الضرائح التي تعبد من دون الله
(1/48)
أيها القارئ قد تحصل عند الضرائح التي تعبد من دون الله أمور عجيبة يستغلها دعاة القبورية لتقوية أباطيلهم ، ويدعون أنها من الكرامات التي قد منحها صاحب الضريح ، فمن أجل هذه التلبيسات رأيت أن أطرق هذا الدجل بما يكشف حقيقته ، ويظهر زيفه، ويوضح عيبه ، إذ أنه يتعلق بموضوعي هذا, قال صاحب كتاب "الانحرافات العقدية"ص(330) يقول السملالي : (فائدة أخبرني صاحبنا الفقيه أبو سرحان المغازي رحمه الله أن بعض الأولياء اجتمع بالشيخ أبي العباس البستي فقال له الشيخ: إذا أتيت لضريح بصدقة فاجعلها ذبيحة لأن الروحانيين من الجن ملازمون للضريح وهم ينتفعون بدم الذبيحة وظلفها دون غيرها فإنه لا يحصل لهم منها كبير فائدة).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يتكلم عن تلبيس الشياطين على القبوريين (وقد تقضي الشياطين بعض حاجاتهم وتدفع عنهم بعض ما يكرهون ، فيظن أحدهم أن الشيخ هو الذي جاء من الغيب حتى فعل ذلك ، أو يظن أن الله تعالى صور ملكا على صورته فعل ذلك ، ويقول أحدهم : هذا سر الشيخ وحاله وإنما هو الشيطان تمثل على صورته ليضل المشرك المستغيث به كما تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها ، والأصنام لها شياطين كانت تتراءى للسدنة أحيانا وتكلمهم أحيانا، قال أبي بن كعب : (مع كل صنم جنية ) وقال ابن عباس : (في كل صنم شيطان تتراءى للسدنة فتكلمهم كما كان ذلك في أصنام مشركي العرب). "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" (326-327).
(1/49)
وقال أيضا في كتاب "النبوات"ص(414-415) وهو يتكلم عن الذي يتكلم معه الجن ويظن أنه ملك : (ولهذا يقول من يقول منهم: لكل ولي خضر, وإنما هو جني معه ، والذين يدعون الكواكب تتنزل عليهم أشخاص سموها روحانية الكواكب وهو شيطان ينزل عليه لما أشرك ليغويه كما تدخل الشياطين في الأصنام ، وتكلم أحيانا بعض الناس ، وتتراءى للسدنة أحيانا ولغيرهم أيضا، وقد يستغيث المشرك بشيخ له غائب فيحكي الجني صوته لذلك الشيخ حتى يظن أنه سمع صوت ذلك المريد مع بعد المسافة بينهما, ثم إن الشيخ يجيبه فيحكي الجني صوت الشيخ للمريد حتى يظن أن شيخه سمع صوته وأجابه, وإلا فصوت الإنسان يمتنع أن يبلغ مسيرة يوم أو يومين ، وقد يحصل للمريد من يؤذيه فيدفعه الجني ويخيل للمريد أن الشيخ دفعه ، وقد يضرب الرجل بحجر فيدفعه عنه الجني ثم يصيب الشيخ بمثل ذلك بقوله إني اتقيت عنك الضرب ، وهذا أثره فيّ، وقد يكونون يأكلون طعاما فيصور نظيره الشيخ ويجعل يده فيه ويجعل الشيطان يده في أولئك حتى يتوهم المريد أن يد الشيخ امتدت من الشام إلى مصر وصارت في ذلك الإناء).
(1/50)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا كما في "مجموعة الرسائل والمسائل"1/135 : (وحكى ذلك الشيخ أنه كان مرة عند بعض أمراء التتر بالمشرق وكان له صنم يعبده ، قال فقال لي : هذا الصنم يأكل من هذا الطعام كل يوم ويبقى أثر الأكل في الطعام بينا يرى فيه ، فأنكرت ذلك فقال لي : إن كان يأكل أنت تموت, فقلت نعم, قال: فأقمت عنده إلى نصف النهار ولم يظهر في الطعام أثر, فاستعظم ذلك التتري وأقسم بأيمان مغلظة أنه كل يوم يرى فيه أثر الأكل لكن اليوم بحضورك لم يظهر ذلك, فقلت لهذا الشيخ : أنا أبين لك سبب ذلك, ذلك التتري كافر مشرك ولصنمه شيطان يغويه بما يظهره من الأثر في الطعام وأنت كان معك من نور الإسلام وتأييد الله تعالى ما أوجب انصراف الشيطان عن أن يفعل ذلك بحضورك ، وأنت وأمثالك بالنسبة إلى أهل الإسلام الخالص كالتتري بالنسبة لأمثالك فالتتري وأمثاله سود وأهل الإسلام المحض بيض ، وأنتم بلق فيكم سواد وبياض, فأعجب هذا المثل من كان حاضرا).
(1/51)
وقال أيضا وهو يتحدث عمن يلبس عليهم الجن (ومن هؤلاء قوم فيهم عبادة ودين مع نوع جهل, يحمل أحدهم فيوقف بعرفات مع الحجاج من غير أن يحرم إذا حاذى المواقيت, ولا يبيت بالمزدلفة ولا يطوف طواف الإفاضة, ويظن أنه حصل له بذلك عمل صالح وكرامة عظيمة من كرامات الأولياء ، ولا يعلم أن هذا من تلاعب الشيطان به ، فإنه مثل هذا الحج ليس مشروعا ولا يجوز باتفاق علماء المسلمين ، ومن ظن أن هذا عبادة وكرامة لأولياء الله فهو ضال جاهل ...وقد جرت هذه القضية لبعض من حمل طائفة معه من الإسكندرية إلى عرفة فرأى ملائكة تنزل وتكتب أسماء الحجاج فقال هل كتبتموني؟ قالوا أنت لم تحج كما حج الناس ، أنت لم تتعب ولم تحرم ، ولم يحصل لك من الحج الذي يثاب عليه الناس ما حصل للحجاج ، وكان بعض الشيوخ قد طلب منه بعض هؤلاء أن يحج معهم في الهواء فقال لهم: هذا الحج لا يسقط به الفرض عنكم لأنكم لم تحجوا كما أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ) اهـ من "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" .
وذكر ابن كثير في "البداية والنهاية "9/359 قال : قال ابن أبي خيثمة : (وكان الحارث يطعمهم فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء, وكان يقول لهم اخرجوا حتى أريكم الملائكة, وكان ينقر هذه الرخامة التي في المقصورة فتسبح...) والحارث هذا هو ابن عبد الرحمن الدمشقي الكذاب الذي ادعى النبوة وصلبه عبد الملك بسبب ذلك.
(1/52)
ومما يزيد الأمر وضوحا لدى القارئ أن من المستدرجين من قبل شياطين الجن يفرقون بين من تأتي إليهم الجن عرضا لا طلبا ، قال صاحب كتاب "منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية"ص(184) وهو يتكلم عن الذين معهم جن خدام قال : (فتقول السادة المذكورون خدمتهم الجن عرضا لا طلبا, ومن تكلمنا عليهم طالبون على استخدامهم ) ومعنى عرضا أن يأتي الجن من أنفسهم يخدمون الشخص ، وعلى سبيل الافتراض أن الجن يخدمون هؤلاء عرضا فهذا محرم في الإسلام لأن الجن لا يخدمون إلا بمقابل ، والمقابل لا بد أن يكون تحقيقا لمطالبهم, وهم يطالبون كثيرا بعبادتهم ، وهذا شرك ، ومما يدل على امتناع قبول خدمة الجن أنه لم يحصل قط أن استخدمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك ، مع العلم أنهم قد جاءوا إليه وتكلموا معه ، ولم يحصل أن الصحابة استخدموا الجن ولا حتى في المباح فاتضح من هذا أن شياطين الجن لعبوا بعباد القبور حتى صاروا في غاية من الضلال والزيغ .
وذكر ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى"1/169: (قال الجيلاني: كنت مرة في العبادة فرأيت عرشا عظيما وعليه نور فقال لي: يا عبد القادر أنا ربك وقد حللت لك ما حرمت على غيرك ، قال فقلت له : أنت الله الذي لا إله إلا هو إخسأ يا عدو الله فتمزق ذلك النور وصار ظلمة وقال: يا عبد القادر نجوت مني بفقهك في دينك وعلمك...ولقد فتنت بهذه القصة سبعين رجلا ، فقيل له : كيف علمت أنه شيطان ؟ قال : بقوله لي : حللت لك ما حرمت على غيرك ، وقد علمت أن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تنسخ ولا تبدل ، ولأنه قال : أنا ربك ولم يقدر أن يقول : أنا الله لا إله إلا أنا...)
تنبيه : عبدالقادر الجيلاني لم يكن من دعاة الشرك والخرافة فيما أعلم, ولكنه وقع في بدع التصوف التي كانت أساسا للدعوة إلى الشرك والخرافة ، وقد نسبت أشياء كثيرة خرافية إلى الجيلاني وهي من باب الكذب والافتراء عليه ومنها المبالغ فيها.
(1/53)
ومن خلال هذه القصة تدرك مايقوم به شياطين الجن الذين لا يحصيهم إلا الله من إضلال هذا الصنف ، وما أسرع ما يتأثر طالبوا الكرامات بما يدعو إليه شياطين الجن ، وإليك مثالا واحدا :
ذكر ابن تيمية كما في "مجموعة الرسائل الكبرى" قائلا : (لما دخل (هولاكو) ملك المشركين بغداد رأى ابن السكران شيخا محلوق الرأس على صورة شيخ من مشائخ الدين والطريقة آخذا بفرس (هولاكو) قال فلما رأيته أنكرت هذا واستعظمت أن يكون شيخ من شيوخ المسلمين يقود فرس ملك المشركين لقتل المسلمين فقلت يا هذا ...أوفعلت هذا بأمر ؟ فقال نعم بأمر ، فسكت ابن السكران وأقنعه هذا الجواب وكان هذا لقلة علمه بالفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، وظن أن ما يؤمر به الشيوخ في قلوبهم هو من الله وأن من قال حدثني قلبي عن ربي ...هو كذلك, وهو أضل ممن ادعى الاستغاثة بالأنبياء وأنه يحتاج إلى واسطتهم) اهـ بلفظه . وابن السكران هذا من عباد القبورية.
ذكرالأدلة القاطعة بتحريم اتخاذ القبور مساجد
قال الله تعالى :{وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} [الجن]، وقال سبحانه :{في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} [النور]، وقال تعالى :{إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} [التوبة]، ووجه الدلالة من هذه الآيات أن المساجد بنيت لعبادة الله وحده.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) قالت : (ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا) متفق عليه.
(1/54)
وعنها وعن ابن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة فإذا اغتم كشفها وهو يقول : ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) (يحذر مما صنعوا) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : لما مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرت أم حبيبة وأم سلمة كنيسة رأتها في أرض الحبشة فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه وقال : ((أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله)) متفق عليه.
وعن جندب رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو يقول : ((ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)) رواه مسلم.
والأدلة على هذا كثيرة واكتفينا بما ذكرنا خشية الإطالة .
تضمنت هذه الآيات والأحاديث المذكورة أمورا مهمة ومنها:
أ- أن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد سنة يهودية ونصرانية، فمن فعل ذلك من المسلمين فقد أحيا سنتهم.
ب- وقوع من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد في اللعن، {ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا }.
ج- المتخذون لقبور الأنبياء والصالحين مساجد ومشاهد يصيرون من شرار الناس في الدنيا والآخرة، فليسوا من الأخيار الأبرار.
د- الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذه الأحاديث محذرا بأنواع من أساليب التحذير.
معنى اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد
اعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) تتضمن ثلاثة معان :
1- اتخاذها ببناء المساجد عليها: ومن المعلوم من ديننا بالضرورة أن هذا الاتخاذ محرم قطعا.
(1/55)
1- اتخاذها بالصلاة والعبادة عندها وإن لم يبن عليها: وهذا محرم في دين الله، والأدلة على ذلك كثيرة خاصة وعامة، ومن الأدلة الخاصة :
أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)) رواه مسلم.
ب- في حديث أبي سعيد الخدري عند أبي يعلى ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبنى على القبور وأن يصلى عليها)).
ج- عن أبي مرثد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)) رواه مسلم .
د- عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تتخذوا بيوتكم قبورا صلوا فيها)) رواه أحمد وهو صحيح، وقد جاء عن ابن عمر.
فهذه الأحاديث واضحة لا يتوقف مسلم منصف عن قبول الحكم المنصوص فيها ألا وهو تحريم قصد القبور بشيء من العبادات أيا كان نوعها
ومن أنواع الاتخاذ في العبادة أن يصلي إلى القبر أي: يكون القبر أمامه، وهذا منهي عنه كما تقدم في حديث أبي مرثد , والنهي هنا للتحريم
ومن أنواع الاتخاذ المنهي عنه الصلاة على القبر نفسه، فقد روى الطبراني من حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر)) وهو قابل للتحسين.
3- اتخاذها بإدخال القبر في المسجد.
(1/56)
أخي القارئ : لا يخفى عليك ما ابتلي به بعض المسلمين من منكر عظيم وهو دفن بعض الأموات في المساجد وقد يكون هذا بوصية من الميت، وهنا لا يجوز التنفيذ للوصية والحال هذه، وقد يكون من قبل بعض الناس وكلا الحالتين محرمة حيث يصير هذا الميت مع الأيام معبودا لأن الناس يقولون ما دفن هنا إلا وله شأن. ومن البلاء العظيم والشر المستطير أن يبني بعضهم مسجدا لغرض أن يدفن فيه، فهذا خذلان من الله، وسعي من هذا الباني إلى عبادة نفسه عن طريق بناء مسجد له، فالواجب تحذير أهل الخير من هذا الشر المستطير. فلا فرق في الخطر عندي بين إدخال القبر المسجد أو بناء المسجد على قبر إذ أن المؤدى واحد ألا وهو الوقوع في الإشراك بالله ولو بعد حين.
تنبيه : بناء القباب والمشاهد على القبور لا يجوز لما في ذلك من الدعوة إلى عبادتها والصلاة عندها, مع أن بناء القباب والمشاهد قد جاءت الأدلة بتحريمه ، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب : ((لا تدعن قبرا مشرفا إلا سويته ولا صورة إلا طمستها)) رواه مسلم .
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((ينهى أن يقعد على القبر وأن يجصص وأن يبنى عليه)) رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ((نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبنى على القبور وأن يقعد عليها...)) رواه ابن ماجه وأبو يعلى.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : ((نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبنى على القبر أو يجصص)) رواه أحمد.
فهذه الأحاديث واضحة في معناها لا نحتاج إلى شيء أعظم من حاجتنا إلى تطبيقها كما طبقها السلف.
(1/57)
أخي المسلم : لا فرق عندي بين من يبني مسجدا على قبر أويبني عليه قبة ومشهدا لأن القباب لها ذرائع إلى الخرافة والشرك, ألا ترى أن العوام لا يرون أولياء الله إلا من بنيت على قبره قبة، فلو وجد ميت في مسجد وما عليه قبة وإنما هو قبر عادي فلا يلتفت العوام إليه غالبا، أما إذا عملت له القبة فلا تسأل عن الفتن الحاصلة بسبب ذلك، وكلما كبرت القباب أو كثرت حول ضريح من الضرائح كلما عظمت منزلة ذلك المدفون في قلوب المفتونين بالقبور، وكلما زينت واعتني بها أكثر كلما فتن الناس بها أعظم، ولقد ذكر الشوكاني رحمه الله أن أحد العوام جاء إلى ضريح أحمد بن الحسين الملقب بأبي طير فدخل على القبة وهي مسرجة والبخور تفوح والستور مرخاه ، فقال عند وصوله : (أمسيت بالخير يا أرحم الراحمين) اهـ من الدر النضيد .
وعلى هذا وجود القباب والمشاهد في بعض الأحايين أكثر ضررا وأعظم فسادا من القبر الذي يبنى عليه مسجد .
والصور الثلاث التي ذكرتها كلها محرمة بل هي من الكبائر عند كافة أهل العلم، ولا عبرة بمن خالف ذلك ممن ابتلي بالبدع .
ومن حكمة الله العظيمة تحريم اتخاذ القبور مساجد ومشاهد لما يلي :
1- استئصال شأفة الوثنية بكل أنواعها، وسيأتي ذكر أنواع الوثنيات المتعلقة بالأشجار، والأحجار، والحيوانات، والشمس، والقمر، والنار، والفئران وما إلى ذلك التي سبب عبادتها بل أصل عبادتها عبادة ضرائح الأنبياء والمرسلين ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد)) رواه أحمد وغيره بسند صحيح.
2- الترفع عن تعظيم الرفات لأن شرف الذكر بشرف الأعمال لا بوجود الجثث، ولهذا أخفيت قبور كثير من الصحابة عمن بعدهم، وهم الذين لا يدانيهم من جاء من بعدهم في علو مرتبتهم، وكمال صلاحهم فلو كان تعظيم الرفات له وجه في الشريعة المحمدية لكان الصحابة أولى بذلك من غيرهم بل لكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحق بذلك .
(1/58)
3- سد أبواب الذرائع المؤدية إلى الوقوع في الشركيات والخرافات، لأن أمة الإسلام ما تزال معرضة للوقوع في الشركيات كلما وجدت وسائله وأسبابه، وهذا لا ينكره أحد لكثرة وقوعه .
هدي الصحابة رضي الله عنهم في هدم
الضرائح والقباب والمشاهد
قد تقدم حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه بعث أبا الهياج الأسدي بما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - ((أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه ولا صورة إلا طمسها)) رواه مسلم .
وجاء عند ابن أبي شيبة في "مصنفه"4/138 عن عبد الله بن شرحبيل بن حسنة قال: ( رأيت عثمان بن عفان يأمر بتسوية القبور فقيل له هذا قبر أم عمرو بنت عثمان فأمر به فسوي) ورجال هذا الأثر ثقات.
وجاء عن أبي بردة قال : (أوصى أبو موسى حين حضره الموت فقال : إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي...ولا تجعلوا على قبري بناء...) أخرجه أحمد وغيره وسنده قوي.
وعن أنس قال : (كان يكره أن يبنى مسجد بين القبور) رواه ابن أبي شيبة، ورجاله ثقات.
وجاء عند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن المعرور بن سويد قال : (خرجنا في حجة حجها عمر فقرأ بنا في الفجر {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} و {لإيلاف قريش} فلما قضى حجه ورجع الناس يبتبدرون فقال: ما هذا؟ فقال: مسجد صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا من عرضت له منكم فيها الصلاة فليصل ومن لم يعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل)
ورأى ابن عمر فسطاطا على قبر ابن عبدالرحمن فقال: (انزعه فإنما يظله عمله) الفسطاط بيت من الشعر، رواه البخاري تعليقا.
وأوصى أبوهريرة رضي الله عنه (أن لا يضربوا على قبره فسطاطا) رواه ابن أبي شيبة وعبدالرزاق وإسناده صحيح. وجاء مثله عن أبي سعيد الخدري عند ابن عساكر.
(1/59)
أخي القارئ هذه الآثار تدل دلالة واضحة على أن الصحابة كانوا يكرهون بل يمنعون أن يزاد في رفع القبر على المأذون به شرعا ويهدمون ما زاد على القدر المشروع، وما هذا منهم إلا تطبيق لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - فانظر إلى عملهم هذا الموافق للأحاديث التي سردناها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تدرك جيدا أن الذين يجوزون البناء على القبر زيادة على شبر لم يكونوا مقتدين بسلفهم الصالح, لأن العبرة بما فهمه السلف وعملوا به فهم الذين عصمهم الله من الابتداع والضلال، وإذا كان موقف الصحابة ما رأيت من زجر وتحذير عن الزيادة في البناء على القبور فمن باب أولى أن موقفهم أشد في التحذير من بناء المساجد على القبور واتخاذ القبور مساجد، ولا شك أنهم لا يتأخرون عن هدمها ولم يحصل هذا في عهد السلف وإنما كانوا يهدمون ما كان من بقايا الجاهلية .
فهذه سيرة الصحابة رضوان الله عليهم في هدم الضرائح, وعلى هذا سار التابعون لهم بإحسان .
فعن محمد بن كعب قال : (هذه الفساطيط التي على القبور محدثة) رواه ابن أبي شيبة .
وعن سعيد بن المسيب أنه قال في مرضه الذي مات فيه : (إذا مت فلا تضربوا على قبري فسطاطا) رواه ابن سعد .
وأوصى محمد بن علي قال : (لا ترفعوا قبري على الأرض) رواه الدولابي.
وعن عمرو بن شرحبيل قال : (لا ترفعوا جدثي ـ يعني القبر ـ فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك).
قلت: فهذه الآثار عن التابعين في الجملة صالحة للإحتجاج بها وهي تدل على أن التابعين سلكوا المسلك السديد ألا وهو العمل با لأحاديث التي فيها النهي والتحذير من البناء على القبور زيادة على المشروع .
حرص السلف على إخفاء القبور التي يخشى أن تعبد إذا عرفت
(1/60)
لم يكن السلف الصالح أبدا يهتمون بإظهار قبر مسلم زيادة على شبر، ومن خافوا أن يعبد قبره بعد مماته غيبوا قبره عن الناس ، وهذه قضية تاريخية نطقت بها كتب التاريخ والسير، وقد تقدم بالسند الصحيح إلى أبي العالية وهو يتحدث عن جثة (دانيال) وأن مجموعة من الصحابة وجدوا جثته فأرسلوا إلى عمر فأمرهم أن يغيبوا قبره فحفروا مجموعة من القبور في النهار ودفنوه في أحدها في الليل وسووا تلك القبور كلها)
وما فعله الصحابة الكرام بـ (دانيال) عملوه مع غيره ، ولهذا تجد أكثر قبور الصحابة الذين ماتوا في غير مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا وجود لها من ذلك الحين ، وإن وجدت بعض أصحاب السير يذكرون مكانا ما لقبر فلان فهو من باب الظن والتخمين, واعتبر بما فعلوه في قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقد غيبوا قبره لأنه قد عبد وهو حي فكيف لا يعبد إذا ظهر قبره ؟ومع هذا كثيرا ما يدعي أهل الباطل أن قبر علي رضي الله عنه في مكان كذا وكذا، فغلاة الشيعة يدعونه في مكان كذا ، وقبورية الصوفية يدعونه في مكان كذا وكذا ، وبعض الباطنية يدعون أنه في السحاب والرعد صوته ، وبعضهم يدعون أنه في القمر ، وبعضهم يدعون أنه في الشمس إلى آخر تراهاتهم .
وهكذا السلف غيبوا قبر معاوية في الشام ، وقبر حذيفة بن اليمان ، وقبر أبي عبيدة بن الجراح، وقبر سعد بن أبي وقاص ، وقبر النعمان بن مضر ، وقبر خالد بن الوليد ،وقبر جعفر بن أبي طالب ، وقبر الضحاك بن سفيان الكلاعي، وقبر عبد الله بن رواحة، وغيرهم كثير من قادة الإسلام، وفاتحي الدنيا .
(1/61)
وعلى كلٍ فعل السلف هذا يدلنا دلالة واضحة على بعد نظرتهم وقوة إدراكهم، إذ أنهم لم يروا أن التعظيم للأخيار والأبرار وحملة رسالة الإسلام يكون ببناء القباب والمشاهد والمساجد على قبورهم، وإنما يكون بمعرفة قدرهم وجلالة أعمالهم التي سعدت بها الأمة ، وعظمة تمسكهم بهذا الدين وحسن بلائهم فيه، وهذا يجعلنا نجزم يقينا أن الذين يبنون القباب على القبور ويشيدون الضرائح لم يكونوا إلا متبعين لصناديد الكفرة ، فلو كانوا مهتدين ما فارقوا رسولهم وأصحابه أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، فخاب وخسر من ظن أنه سيسبق السلف
سد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك
هذا الفصل من أنفع الفصول لمن يهمه منابذة الشرك وسد ذرائعه والذرائع التي سدها الشرع كثيرة, وسأذكر منها ما تيسر :
الأولى : الغلو في الصالحين : إن الغلو في الصالحين أعظم ذريعة للوصول والوقوع في الشرك بالله في مجالات شتى , بل هذا هو أساس الشرك بالله كما سبق بيانه .
الثانية : زيارة القبور على غير هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - :فإن هذه الزيارة تشتمل غالبا على المعاصي والبدع والشركيات, فلانجاة من هذه المخالفات إلا بالحرص على أن تكون الزيارة للمقابر على منهاج النبوة.
الثالثة : اتخاذ بعض القبور عيدا :فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد)) رواه أبو داود وهو صحيح .
فالتجمع عند بعض القبور ما بين الحين والآخر تعاون على نشر الشرك .
الرابعة: الصلاة إلى القبور أو عليها : فقد تقدم النهي عن ذلك لأنه يؤدي إلى الخلل في العبادة وهو ذريعة إلى البدع والشرك .
(1/62)
الخامسة : تحري الدعاء عند القبور : فزيارة القبور من أجل الدعاء عندها وسيلة عظيمة من وسائل الشرك, ولم يرد عن أحد من السلف أنه أتى قبر نبي أو ولي ليدعو الله عنده, بل إن الدعاء عند الضرائح ينافي الإخلاص في العبادة والحب والتعظيم والتوكل والإنابة والخشية والخشوع, فالله الله في اجتناب الدعاء عند الضرائح .
السادسة :اتخاذ القبور مساجد :إن اتخاذ القبور مساجد من صنائع اليهود والنصارى التي ألحقت بهم اللعنة واشتد عليهم غضب الله كما سبق سرد الأحاديث الدالة على ذلك .
السابعة : البناء على القبور : هذه الذريعة أعم من التي قبلها لأن البناء على القبور يشمل بناء القباب والمساجد والمشاهد, فيا لله كم أنفقت من أموال لإحياء هذه الوثنية .
الثامنة : شد الرحال إلى آثار الصالحين : إن السفر إلى قبور الصالحين للتبرك بها عادة من عادات الجاهلية , نجانا الله من ذلك .
فلا يجوز شد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة: المسجد الحرام, والمسجد النبوي, والمسجد الأقصى للأدلة الدالة على ذلك .
التاسعة : التبرك بما لم يرد شرعا : إن اجتناب التبرك بكل ما منع الإسلام التبرك به هو سبيل الخلاص من أنواع الشركيات, ومن ذلك التبرك بشجر أو حجر أو مسجد أو غير ذلك, فالواجب إزالة كل شيء يتبرك به وهو غير مشروع واستئصال جذوره.
العاشرة : تحري العبادة في الأماكن التي عبدت من دون الله . لأن أداء العبادة فيها داع لإحياء الشرك في ذلك المكان .
الحادية عشر: القراءة في الكتب التي ترغب في بدع القبورية, فالقراءة في كتب الضلال سبب في إفساد كثير من المسلمين . وما كثر تأليف هذه الكتب إلا بسبب كثرة الإقبال على قراءتها .
فلا عافية لأفراد المسلمين وجماعاتهم وشعوبهم وحكامهم إلا بالابتعاد عن كتب أهل الضلال والإلحاد .وواجب على من عرفها أن يحذر منها .
(1/63)
الثانية عشر : تلقي العلم على أيدي دعاة القبور . إن من أعظم أسباب فساد المتعلمين تعلمهم على أيدي المنحرفين في المعتقد أوالعبادة, فلا بد من الحرص على اختيار المعلم الصالح لأن التعلم على أيدي علماء التوحيد سبب لأمان العقل من الشكوك التي تؤدي إلى الحيرة والاضطراب, وسبب لأمان القلب من الزيغ والانحراف وسبب للمحافظة على الفطرة من الفساد .
الثالثة عشر : التشبه بالكفار في عقائدهم أو عباداتهم :
(الناس على دين ملوكهم)
هذه المقولة مشهورة عند الناس, ومعناها أن الشعوب غالبا ما تتأثر بأعمال زعمائها إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
قال ابن كثير في "البداية والنهاية"9/186 : (كانت همة الوليد بن عبد الملك في البناء وكان الناس كذلك يلقى الرجل الرجل ماذا بنيت ؟ ما ذا عمرت ؟ وكانت همة أخيه سليمان في النساء وكان الناس كذلك يلقى الرجل الرجل كم تزوجت ؟ ما ذا عندك من السراري ؟ وكانت همة عمر بن عبد العزيز في قراءة القرآن والصلاة والعبادة وكان الناس كذلك يلقى الرجل الرجل فيقول كم وردك ؟ كم تقرأ كل يوم ؟ ماذا صليت البارحة) اهـ .
فمداومة الأمراء والملوك على أعمال تخالف الشرع تكون داعية على سير الناس على ذلك, فيا ويل من سن للناس سنة سيئة فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أو زارهم شيء)) رواه مسلم عن جرير, وهنيئا لمن سن في الإسلام سنة حسنة فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده)) فالدول المذكورة هنا أحدثت أسوأ السنن السيئة ألا وهي نشر الشرك والخرافة فقبلها المجتمع إلا من رحمه الله .
فتصور كم من أوزار يتحملها من سن هذه البدع ؛ لأنه تفسد بفساده شعوب وأمم, وغالبا يدوم أمر البدع على ممر القرون .
(1/64)
فيا ويل من كانت البدع زاده إلى الآخرة فانظر: إلى ما آلت إليه تلك البدع التي أحدثها الملوك والسلاطين في ربوع البلاد . فلا حول ولا قوة إلا بالله فهل من توبة وإنابة إلى رب العالمين ؟؟!.
الأسلحة التي يقاوم بها المسلمون الشرك والخرافة
إن الناظر إلى حال أمة الإسلام ببصيرة ليدرك مدى حاجتها إلى الذب والدفاع عنها بكل ما أوتي من وسائل شرعية ,وأهم ما يجب على المسلم والمسلمة ابتعادهم عن الشرك ودواعيه ولا يحصل هذا إلا بأمور ومنها :
1- تعلم التوحيد على أيدي أهله فهو أول واجب وآخر واجب كما هو معلوم وكيف لا يكون كذلك , وقد بعث الله جميع الأنبياء بالدعوة إلى تحقيق هذا الأصل العظيم .؟
2- اجتناب أنواع الشرك: لأن عبادة الله عز وجل لا تتحقق إلا بتجنبه ولا يتحقق للعبد تجنبه إلا بمعرفة أنواعه .
3- معرفة دعاة التوحيد والرجوع إليهم: قال تعالى : }فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } .
4- اقتناء الكتب النافعة :
ولا بد للمسلم أن يكون متوكلا على الله معتمدا عليه مسلما لقضاء الله وقدره عالما بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
ذكر بعض القادة الذين هدموا الضرائح
أخي الكريم: نستطيع أن نثبت شهادة التاريخ الإسلامي لقادة الفتح أنهم هدموا القباب والمشاهد والأصنام من طريقين:
الطريقة الأولى: طريق عامة مجملة وهي دليل قوي إذ أنه من المعلوم أنه ما من بلدة دخلها الإسلام إلا وكانت فيها الأصنام والمشاهد التي تعبد من دون الله، وهذا الأمر حق لا يستطيع أن ينكره أحد ، فالجزيرة العربية كانت مملوءة بذلك وسائر بلاد العالم، فإذا تقرر هذا وضع سؤال ألا وهو أين ذهبت تلك الأصنام والمشاهد إذ أن اختفاءها لم يكن إلا عند مجيء الإسلام؟
(1/65)
فالجواب: الذي لا يحاد عنه هو (أن قادة الفتح الإسلامي هدموها) ولم لا يكون هذا؟ وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرسل إلى القبيلة التي فيها وثن يعبد من دون الله بمجموعة من أصحابه ليهدموه ، وهكذا سار الأمر في عهد الخلفاء الراشدين ، وهكذا استمر بعدهم, فتقرير هذا الأمر يجعلنا نجزم أن الفاتحين الإسلاميين طهروا البلدان التي فتحوها من عبادة غير الله.
الطريقة الثانية: التاريخ الإسلامي حافل بذكر القيام بهدم الأصنام والضرائح ، ونذكر هنا بعض القادة الذين قاموا بهدم الأصنام:
1- الخليفة العباسي هارون الرشيد رحمه الله ذكر ابن خلدون في "المقدمة" أن هارون الرشيد (عزم على هدم إيوان كسرى فشرع في ذلك حتى أدركه العجز).
2- الخليفة العباسي المأمون قام بضرب الأهرام الفرعونية التي في مصر بالمنجنيق ولكنها لم تؤثر فيها إلا يسيرا جدا ، ذكر هذا ابن بطوطة في "رحلته"ص(36).
3- الخليفة العباسي المعتصم قام بهدم الصنم الكبير الذي بناه الملك (كاوس) في مدينة فرغانة من مدن خراسان ، كان هذا الصنم يقال له : المدبر الأعظم، واسمه (كاوسات).
(1/66)
4- السلطان محمود بن سبكتكين القائد المحنك فاتح الهند ، ذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" 12/24 في حوادث سنة 418هـ (أن السلطان محمود دخل الهند وأنه كسر الصنم الأعظم المسمى (يومنات) وقد كانوا يفدون إليه من كل فج عميق كما يفد الناس إلى الكعبة وأعظم ، وينفقون عنده النفقات والأموال الكثيرة التي لا توصف ولا تعد ، وكان عليه من الأوقاف عشرة ألاف قرية ومدينة مشهورة، وقد امتلأت خزائنه أموالا ، وعنده ألف رجل يخدمونه وثلاثمائة رجل يحلقون رؤوس حجيجه ، وثلاثمائة رجل يغنون ويرقصون على بابه، لما يضرب على بابه الطبول والبوقات ، وكان عنده من المجاورين ألوف يأكلون من أوقافه، وقد كان البعيد من الهنود يتمنى لو بلغ هذا الصنم ، وكان يعوقه طول المفاوز ، وكثرة الموانع والآفات ، ثم استخار الله السلطان محمود لما بلغه خبر هذا الصنم وعباده وكثرة الهنود في طريقه والمفاوز المهلكة والأرض الخطرة في تجشم ذلك في جيشه وأن يقطع تلك الأهوال إليه فندب جيشه لذلك فانتدب معه ثلاثون ألفا من المقاتلة فمن اختارهم لذلك سوى المتطوعة فسلمهم الله حتى انتهوا إلى بلد هذا الوثن ونزلوا بساحة عباده فإذا هو بمكان بقدر المدينة العظيمة قال: فما كان بأسرع من أن ملكناه وقتلنا من أهله خمسين ألفا، وقلعنا هذا الوثن ، وأوقدنا تحته النار) وقد ذكر غير واحد أن الهنود بذلوا للسلطان محمود أموالا جزيلة ليترك لهم هذا الصنم فقال : حتى أستخير الله عزوجل فلما أصبح قال : إني فكرت في الأمر الذي ذكر فرأيت أنه نودي يوم القيامة أين محمود الذي كسر الصنم؟ أحب إلي من أن يقال: الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا فعزم فكسره.
5- الخليفة العباسي المهدي ، هدم في خلافته الصنم الذي بناه (سابورب أروشيخه) وكان هذا الصنم في بلاد الروم على خليج القسطنطينية. كما في "مروج الذهب..." للمسعودي 2/246.
(1/67)
6- القائد قرقوش أحد قادة السلطان صلاح الدين الأيوبي قام بهدم أصنام كثيرة في مصر كما ذكر ذلك المقريزي في "الخطط".
7- الملك الناصر محمد بن قلاوون قام بهدم الصنم الذي كان في مصر في قصر الشمع وقطعه أعتابا وقواعد لما بنى الجامع الجديد على بحر النيل، ولم يبق لهذا الصنم أثر. ذكر هذا صاحب "بدائع الزهور"ص(51).
8- ذكر المسعودي في "المروج"2/45 قال : (وفي وسط مدينة (جور) من أرض فارس (بنيات) كانت تعظمه الفرس يقال له الطربال ، خربه المسلمون).
ومن رحمة الله بهذه الأمة أنه لا يخلو عصر من آمرين بمعروف وناهين عن منكر من علماء ودعاة وحكام وقضاة في جميع الأمور, ومن ذلك القيام بهدم الضرائح والقباب المشيدة, فنسأل الله أن يكثر من هؤلاء الغيورين على الأسلام وأهله .
الفصل الثاني : قواعد وفوائد تتعلق بعامة القبور
أخي الكريم رأيت من المهم أن أذكر قواعد وفوائد تتعلق بعامة القبور وأثني بعد ذلك بذكر قواعد وفوائد تتعلق بقبور الأنبياء عليهم السلام، وهذه القواعد والفوائد نابعة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وأقوال السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان من أئمة الهدى، وهذه القواعد والفوائد تقرب للقارئ الكريم ضبط المسائل , وسرعة فهمها , وسهولة إدراكها.
القاعدة الأولى:
(لا يجتمع مسجد وقبر في الإسلام)
والأدلة على هذه القاعدة كثيرة، قال الله تعالى :{وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} [الجن].
وتقرير الاستدلال بهذه الآية الكريمة يكون بالآتي:
1- أن لفظ (المساجد) عام يشمل ويتناول بعمومه كل مسجد.
2- لفظ (لله) يفيد الاختصاص والحصر، فتبين من هذا أن من خواص المسجد أن يكون خالصا لله في بنائه الحسي والمعنوي، فمن بنى مسجدا من أجل تعظيم فلان الصالح الحي أو الميت , أو على قبر فلان الصالح , أو بجانبه تعظيما أو إكراما واحتراما لذلك الصالح فقد جانب الإخلاص لله وحده.
(1/68)
3- وقوله : { فلا تدعوا مع أحداً } دليل على وجوب إبقاء المساجد لعبادة الله وحده ، ومن المعلوم أن من دواعي عبادة غير الله جعل المساجد على القبور , أو إدخال القبور في المساجد , أو التقريب بين الاثنين، فدلت الآية الكريمة بأولها وآخرها على تحريم الجمع بين القبر والمسجد، وستأتي الأدلة من السنة النبوية الناطقة بتحريم هذا تحريما قطعيا.
القاعدة الثانية :
(أساس الشرك بناء قبة أو مسجد على قبر تعظيما له).
اعلم أخي المسلم أن الباني على قبور الموتى مسجدا أو قبة يعرض نفسه للوقوع في الشرك، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تعالى : ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) رواه مسلم عن أبي هريرة.
ولا يخفى على من له أدنى فقه في الدين أن بناء المساجد من أعظم الأعمال التي يتقرب بها إلى الله، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة)) متفق عليه من حديث عثمان رضي الله عنه , وفي حديث عمرو بن عبسة قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : ((من بنى لله مسجدا يذكر الله فيه بنى الله له مثله في الجنة)) رواه أحمد وغيره.
فمتى قصد بالبناء التعظيم لميت من الأموات فقد أشرك مع الله غيره ؛ لأن بناء المساجد عبادة , والعبادة لا تكون إلا لله، فمتى صرفت لغيره وقع فاعل ذلك في الشرك , نسأل الله السلامة .
تنبيه: لا فرق بين أن يبنى مسجد على قبر أو يدخل القبر في المسجد .
القاعدة الثالثة :
(من بنى قبة أو مسجدا على قبر دون تعظيمه وقع في البدعة)
(1/69)
من المهم بمكان أن يعلم المسلمون أن بناء مسجد على قبر أو قبة مع الجهل بتحريم ذلك أمر مبتدع في الإسلام، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق عليه من حديث عائشة، وعند مسلم بلفظ (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) وهذا الحديث عند بعض أهل العلم نصف الإسلام ؛ لأنه بين أن جميع أعمال العباد الظاهرة لا بد أن تكون موافقة للشرع، فمتى خرجت عن موافقة الشرع كانت من الإحداث في الدين ، وهذا هو الابتداع في الإسلام.
والابتداع في بناء المساجد أو المشاهد على القبور يعد متابعة لطريقة اليهود والنصارى فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) وهذا البناء مدعاة للشرك .
القاعدة الرابعة :
(الحكمة من إظهار القبور العبرة والدعاء لأهلها)
أخي المسلم لقد تقرر في الشريعة الإسلامية جواز رفع القبر عن الأرض مقدار شبر، وهذا الارتفاع يستوي فيه قبور الأنبياء والصالحين وغيرهم، وتقرر أن الحكمة من ذلك الاعتبار والدعاء للأموات المسلمين، وليس التعظيم لها. روى ابن حبان والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع قبره عن الأرض قدر شبر)) وهو صحيح وعليه العمل عند أهل العلم كافة.
القاعدة الخامسة :
(يجب هدم كل بناء على القبور إذا زاد على شبر)
أخي المسلم : لا يخفى عليك أن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قد أوجبا على المسلمين أن يلتزموا بالقدر الشرعي عند دفن الميت، وهو أن لا يرتفع القبر أكثر من شبر , فما زاد على ذلك وجب هدمه سواء أكان على قبر نبي أو صالح أو طالح، وإليك الأدلة علىذلك:
روى مسلم من حديث علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج الأسدي : (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( أن لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا صورة إلا طمستها))
(1/70)
وروى مسلم أيضا من حديث ثمامة بن شفي قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي , ثم قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يأمر بتسويتها)).
وأحاديث النهي عن البناء على القبور والتجصيص لها وما كان في معنى ذلك دالة على تحريم البناء على القبور .
تنبيه: المراد بتسوية القبور مازاد على الشبر لا إلصاقها بالأرض جمعا بين الأحاديث الدالة على شرعية ارتفاع القبر مقدار شبر، والدالة على تسويته.
القاعدة السادسة :
(بناء المساجد أوالقباب على القبر ليس دليلا على صلاح الباني ولا المبني عليه)
أخي المسلم : إنه من المؤسف جدا أن يصل الجهل بأهله من المسلمين إلى أن يظنوا أن الإسلام يحب ويستحسن بناء المساجد والمشاهد على القبور فالإسلام يحارب هذا، ومن يقوم به. فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ أي مرض الموت ـ ذكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة فذكرت أم سلمة وأم حبيبة ـ وقد هاجرتا إلى الحبشة ـ من حسنها وتصاويرها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله)) والأحاديث بهذا المعنى كثيرة .
القاعدة السابعة :
(اقتضت المصلحة الشرعية تغييب القبور التي يخشى أن تعبد من دون الله)
لا يخفى على من تتبع أحوال السلف الصالح وقرأ سيرهم ما قام به الصحابة الكرام من تغييب القبور خشية أن تعبد من دون الله، ومن ذلك ما فعله الصحابة الذين فتحوا (تستر) عندما وجدوا رجلا ميتا على سرير (الهرمزان) عند رأسه مصحف، وقالوا للصحابة : هذا (دانيال) , فقام الصحابة وحفروا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة فلما كان الليل دفنوه وسووا القبور كلها لتعمية أمره على الناس.
(1/71)
القصة ذكرها ابن إسحاق، وابن أبي شيبة وابن كثير وغيرهم، وقد قال ابن كثير سندها صحيح إلى أبي العالية.
القاعدة الثامنة :
(عبادة الأشجار والأحجار والناروالشمس والقمر وغير ذلك إنما حصلت
بعد حصول شرك القبور)
أيها المسلم لا يخفى عليك أن أول شرك حدث في الأرض هو شرك عبادة الضرائح, ومنه تفرعت أنواع الشركيات التي لا تحصى ولا تعد, وانظر كم المدة الزمنية بين قوم نوح الذين كانوا يعبدون الصور والضرائح وبين قوم إبراهيم الذين عبدوا الكواكب وعبدوا ما ينحتون, وأيضا من المشاهد أن الأشجار والأحجار والتراب والمياه التي بجانب القبر الذي يعبد من دون الله تنال تعظيما وعبادة بسبب قربها من الضريح الفلاني, وعلى سبيل المثال ما يجري عند الضريح الذي يسمى قبر النبي هود زعموا, فإنهم يجعلون ماء النهر الذي بجانبه مثل نهر الكوثر الذي في الجنة فاتضح من هذا أن استئصال شرك القبور اعلام بانتهاء ما لحق به .
القاعدة التاسعة :
(العبرة بالقبور الظاهرة).
اعلم أخي المسلم أن القبور التي تبنى عليها أحكام شرعية هي القبور الظاهرة، وأما التي في بطن الأرض فلا يثبت عليها حكم شرعي من حيث الظاهر لأن الأرض كلها مقبرة الأحياء. قال تعالى :{ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وامواتا} [المرسلات]، ويستوي في هذا الأنبياء وغيرهم لأن القبر الظاهر هو الذي يترتب على وجوده مفسدة إذا انتهكت حرمته بأي نوع من أنواع الانتهاك المذموم .
وهذه القاعدة مهمة بحيث لا يحتج علينا محتج بالقبور المندرسة على جواز اتخاذ القبور مساجد.
قواعد وفوائد تتعلق بقبور الأنبياء :
لقد ذكرت فيما سبق قواعد عامة تشمل الأنبياء وغيرهم من البشر, وسأذكر هنا قواعد خاصة تتعلق بموت الأنبياء والرسل ودفنهم من أجل أن يسهل على القارئ رد دعاوى دعاة الشرك.
القاعدة الأولى :
(الأنبياء والرسل يدفنون حيث يموتون)
(1/72)
والدليل على هذه القاعدة ما جاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( ما قبض الله نبيا قط إلا دفن حيث قبض روحه)) فقال الصحابة لأبي بكر بعد اختلافهم في دفن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - : أنت والله رضي مقنع ثم خطوا حول الفراش خطا...)) أخرجه أحمد وعبد الرزاق في مصنفه والترمذي والطبراني، وقد أعل بالانقطاع, ولكن له طرق يتقوى بها فهو صالح للاحتجاج، وقد رواه ابن سعد في الطبقات موقوفا بسند صحيح وله حكم الرفع، ويقويه أيضا فعل الصحابة جميعا رضي الله عنهم فهو إجماع منهم، ويقويه أيضا قول عائشة رضي الله عنها بعد أن ذكرت حديث:((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) قالت : (ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا) فالحكمة واضحة من كون الأنبياء يدفنون حيث يموتون ولا ينقلون إلى مقابر المسلمين خشية أن يعبدوا من دون الله.
وهذه القاعدة ترد على كل من ادعى دفن نبي في غير موضع موته, وما أكثر هذا كما ستراه في الكلام على قبور الأنبياء .
القاعدة الثانية :
(الأنبياء والرسل كانت بعثتهم في الجزيرة العربية والوطن العربي)
ظهر لي من خلال ما ذكره الله في كتابه العزيز ورسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - في سنته أن الأنبياء والرسل يبعثون في الوطن العربي, ومن ادعى خلاف هذا فعليه البرهان .
القاعدة الثالثة :
(لا يعرف مكان قبر نبي قط إلا قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - )
هذه القاعدة أطلقها مالك رحمه الله, قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(...وحكي الإنكار عن مالك وأنه قال : ليس في الدنيا قبر نبي يعرف إلا قبر نبينا - صلى الله عليه وسلم - ) "مجموع الفتاوى" (27/444)
(1/73)
وقال العلامة الجزري :(لا يصح تعيين قبر غير نبينا عليه السلام نعم سيدنا إبراهيم عليه السلام في تلك القرية لا بخصوص تلك البقعة) اهـ ذكر هذا المعلمي في كتابه "عمارة القبور"، وقد ذكر ابن تيمية أن عبد العزيز الكناني قال : (كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء لا يصح منها شيء إلا قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - )"مجموع الفتاوى"(27/446)
قلت: معرفة هذه القاعدة ينسف تلك الدعايات الكثيرة التي فيها الجزم بمعرفة مجموعة كبيرة من قبور الأنبياء، وسيأتي بيان عدم صحة تعيين قبور الأنبياء بالتفصيل إن شاء الله.
القاعدة الرابعة :
(لا يمكن عودة الأنبياء والرسل إلى الدنيا بعد موتهم)
إن مما ابتلي به دعاة القبورية الاعتقاد أن الأنبياء بعد موتهم يجولون ويصولون في أوساطنا، وقد لهج بهذه العقيدة الخرافية دعاة القبور والخرافة، ولهذا يقولون في موالدهم وحضراتهم : ( مرحبا بك يا محمد مرحبا، مرحبا يا نور عيني مرحبا، مرحبا جد الحسيني مرحبا), ومنهم من يدعي أنه يرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في اليوم أكثر من سبعين مرة يقظة لا مناما، ومنهم من يدعي أن الأنبياء يحضرون جنائز الصالحين، ومنهم، ومنهم، وهذه شبهة باطلة يدحضها الحق المبين من قول رب العالمين. قال تعالى مخاطبا نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - :{إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} [الزمر] فوضحت الآية أن بعث نبينا بعد موته إنما يكون إلى عرصة القيامة. وقال الله :{كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} [الأنبياء] وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((فأكون أول من يفيق فإذا موسى آخذ بقوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور)) فنبينا وكذا موسى وبقية الأنبياء عليهم السلام لا يخرجون من قبورهم إلا إلى عرصة القيامة.
القاعدة الخامسة :
(
(1/74)
رؤية الأنبياء يقظة وهم في الحياة البرزخية خاص بمن شاء الله من الأنبياء)
من المعلوم قطعا أن رسولنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - رأى موسى يصلي في قبره ليلة الإسراء، ورأى مجموعة من الأنبياء في بيت المقدس، ورأى مجموعة في السماوات السبع، وهذه الرؤية خاصة بنبينا وبمن شاء الله من الأنبياء، فادعاء أن الأولياء ينظرون في اليقظة إلى الأنبياء وهم في قبورهم دعوى باطلة عرف بها القبوريون, فقد قال عفيف الدين اليافعي القبوري : (الأولياء ترد عليهم أحوال يشاهدون فيها ملكوت السماوات والأرض وينظرون الأنبياء أحياء غير أموات كما نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى موسى في قبره...) "الحاوي" للسيوطي، وكيف لا تكون الدعوة باطلة وهي عارية من الأدلة القرآنية والسنة النبوية؟!، ولم يدع هذا أحد من السلف , ولم يقل ذلك أئمة الهدى من بعد السلف، بل يحذرون من ذلك أشد تحذير.
القاعدة السادسة :
(حياة الأنبياء قي قبورهم حياة برزخية لا صلة لها بحياة الأحياء على الأرض)
إن عقيدة أهل السنة والجماعة في حياة الأنبياء والمرسلين بعد مماتهم أنها حياة برزخية لا صلة لهم بما يجري عند الأحياء من أحوال، وهذا لا خلاف فيه عند المسلمين إلا ما حصل عند القبورية من أنها تعتقد أن الأنبياء والمرسلين وهم في قبورهم يتفرغون لكشف البلاء والتحرك في أقطار الأرض، وهذا الاعتقاد ينافي تماماحياتهم وهم في أوساط أقوامهم، فكيف يمكن أن يكون هذا صحيحا وهم في حياتهم البرزخية، وهي حياة خاصة؟!فاعتقاد القبوريين لهذه العقيدة فيه مزاحمة لربوبية الله ومنازعة لألوهيته.
القاعدة السابعة :
(لا يوجد دليل يثبت أن نبيا واحدا دفن في مسجده)
(1/75)
أخي المسلم إن الذي يقرأ في بعض كتب التاريخ يجد أنها تذكر أن أنبياء دفنوا في مساجدهم كإسماعيل ونوح وشعيب وغيرهم, مع العلم أن هذا محرم في جميع الشرائع السماوية, فكل الشرائع السماوية جاءت بالتوحيد وبمحاربة الشرك، ولا يشك أحد له بصيرة بالتوحيد ويعرف خطورة الشرك أن من أعظم أسباب الوقوع في الشرك وجود قبور الأنبياء والصالحين في المساجد. ألا يستحي الذين يدعون أن بعض الأنبياء دفنوا في مساجدهم
القاعدة الثامنة :
(اختص الله الأنبياء والرسل ببقاء أجسادهم بعد مماتهم)
من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وهذه خصوصية لهم لا يشاركهم فيها غيرهم. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((...إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء)) رواه أبو داود والبيهقي وهو صحيح.
القاعدة التاسعة :
(حياة الأنبياء في قبورهم أكمل من حياة الشهداء)
من عقيدة أهل السنة والجماعة أن حياة الأنبياء في قبورهم أكمل وأجل من حياة الشهداء، فقد قال تعالى في الشهداء : {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله} [آل عمران], وقال أنس : (لقد أنزل الله قرآنا في أهل بئر معونة الذين قتلوا غدرا {بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه} ثم نسخت هذه الآية ، والحديث متفق عليه.
وفي حديث ابن مسعود عند مسلم وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الشهداء : ((أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح حيث شاءت من الجنة ثم تأوي إلى تلك القناديل)) فهذه حياة شهداء المعارك في سبيل الله في البرزخ، وحياة الأنبياء أجل منها. قال الله تعالى :{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}[النساء] .
وقد علم من الأدلة الشرعية أن درجة الأنبياء والرسل أعلى الدرجات.
(1/76)
ومن كمال حياتهم أنهم يصلون في قبورهم، روى أبو يعلى والبزار وأبو نعيم وابن عساكر من حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)) وفي حديث أبي هريرة عند مسلم ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى موسى قائما يصلي، ورأى عيسى قائما يصلي، ورأى إبراهيم قائما يصلي، وحانت الصلاة فصلى بهم - صلى الله عليه وسلم - )) ومن حديث أنس عند مسلم (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى موسى عند الكثيب الأحمر قائما يصلي)) وهذه صلاة نعيم لا تكليف
القاعدة العاشرة :
(اختص الله نبينا بمن يبلغه صلاة وسلام أمته عليه)
ومن الخصائص التي اختص الله بها نبينا نصا وغيره من الأنبياء احتمالا تبليغهم بعض طاعات الأحياء، روى أبوداود والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي والحاكم وابن خزيمة والبيهقي من حديث أوس بن أوس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((أكثروا من الصلاة علي في يوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي...)) وهو صحيح.
ومن حديث أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((أكثروا من الصلاة علي في يوم الجمعة فإنه ليس أحد يصلي علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته)) أخرجه الحاكم والبيهقي وهو صحيح بما قبله. ومن حديث أبي هريرة مرفوعا وفيه ((...وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)) رواه أحمد وأبوداود والبيهقي في "حياة الأنبياء" وهو حسن. ومن حديث أبي هريرة أيضا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((مامن أحد يسلم علي إلا رد الله روحي حتى أرد عليه السلام)) رواه أبوداود والبيهقي وأحمد والطبراني وهو حديث حسن. ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام)) رواه النسائي وأحمد وابن حبان والحاكم وعبدالرزاق وهو حديث صحيح.
(1/77)
فهذه الأحاديث المتضافرة تدل بمنطوقها ومفهومها على أن الأنبياء بعد موتهم لا يعلمون الغيب، فحياة الأحياء هي من جملة علم الغيب بالنسبة للأموات لأنهم قد انتقلوا إلى حياة أخرى. فالقبورية التي تدعي أن الأنبياء يعلمون في قبورهم أحوال أممهم هذا من أبطل الباطل، والذي يظهر أن القبورية تتوصل من خلال هذا الزعم الباطل إلى الغاية التي تريدها ألا وهي أن أقطابها وأوتادها يعلمون الغيب بعد مماتهم، وسنذكر أمثلة على هذا في محلها.
القاعدة الحادية عشر :
(اختص الله الأنبياء بتخييرهم في الانتقال إليه وبالبقاء في الدنيا)
لا يخفى عليك أيها المسلم أن من إكرام الله لأنبيائه ورسله أنه لا يميتهم حتى يخيرهم, وهذه من الخصائص لهم، وإليك البرهان :
روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الصحابة فقال : ((خير الله عبدا بين الدنيا والآخرة فاختار ذلك العبد ما عند الله)) وهو يعني بالعبد نفسه.
وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرض موته : ((اللهم في الرفيق الأعلى)) فعلمت أنه خير فاختار.
وجاء في البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحدث عن مجيء ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه وفيه: ((فلطم موسى ملك الموت فقال ملك الموت: يارب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فقال الله لملك الموت: ارجع إلى عبدي فقل: الحياة تريد؟ فضع يدك على متن ثور فما توارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة قال: ثم مه قال: ثم الموت قال: فالآن رب أمتني من الأرض المقدسة رمية بحجر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر)) .
القاعدة الثانية عشر :
(جميع الأنبياء والرسل توفاهم الله في عصرهم الذي بعثهم فيه
ولم يبق أحد منهم على وجه الأرض)
(1/78)
لقد دل القرآن الكريم والسنة النبوية على أن الأنبياء ماتوا في عصرهم الذي بعثهم الله فيه. قال الله مخاطبا نبيه الكريم :{وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} [الأنبياء]، فالآية الكريمة تشمل عامة الأنبياء من قبله، وهذا أمر مقطوع به، بل الأنبياء داخلون فيها دخولا أوليا لأن الله يخاطب نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - مبينا له أن إخوانه الأنبياء قد ماتوا ولم يبق أحد منهم على وجه الأرض، وقد دلت أدلة نصية في السنة النبوية الصحيحة ليس هذا محل ذكرها على موت بعضهم, كموت موسى وداود وسليمان, ومن الخرافة أن يعتقد أن بعض الأنبياء لم يموتوا كالخضر عليه السلام, ومن أصحاب هذه العقيدة الفاسدة من يعتقد وجوده إلى الآن، وهؤلاء هم حملة الفكر الخرافي, وقد اغتر بعض العلماء بأحاديث وآثار تثبت حياة الخضر، ولو أنهم رجعوا إلى أهل الحديث الذين غربلوا هذه الأحاديث وبينوا أنها باطلة لا يصح منها ولا حرف واحد لكان خيرا لهم، وإليك ما قاله الحافظ ابن حجر قال رحمه الله: (ولا يثبت اجتماع الخضر مع أحد من الأنبياء إلا مع موسى كما قص الله من خبرهما, وجميع ما ورد في حياته لا يصح منها شيء باتفاق أهل النقل...).
وهناك من يعتقد أن أصحاب الكهف أنبياء ولم يموتوا إلى الآن ولن يموتوا إلا عند قيام الساعة، والحق أنهم ليسوا أنبياء، وليسوا باقين بل ماتوا، وسيأتي هذا في محله.
تنبيه: عيسى قد توفاه الله وفاة منام لا وفاة انتقال، قال الله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} [النساء]، وهذا هو الراجح، وهذه الوفاة خاصة بعيسى عليه السلام.
القاعدة الثالثة عشر :
(لا وجود لشيء من آثار الأنبياء المتعلقة بذواتهم)
(1/79)
من المعلوم أنه لا يتبرك بذوات الأشخاص إلا بذات نبينا, فيتبرك بعرقه وريقه وشعره على حسب ما دلت عليه الشريعة، إلا أنه ينبغي أن يعلم أنه لم يبق شيء من تلك الآثار في حق نبينا - صلى الله عليه وسلم - , وغيره من الأنبياء من باب أولى, وأما ما يدعى من وجود شعرات للرسول - صلى الله عليه وسلم - في عاصمة الخلافة العثمانية حتى قيل إنها ثلاثة وأربعون شعرة, وفي أماكن غير ذلك فهذا مما لا يسلم به لأن آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - قد افتقدت وانقطعت أخبارها كما جزم بذلك المحققون.
وكذلك ما يزعمه بعض الناس من أثر قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - على صخرة بيت المقدس، وأثر قدم موسى على مسجد قبلي دمشق فذلك باطل, وما يزعمه أصحاب الخرق أن عندهم خرقة الصوف التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبسها فتلك خرافة يلعب بها أصحابها على الحمقى من المريدين. والواجب علينا أن نتبع ما جاء به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
القاعدة الرابعة عشر :
(لا يمكن أن يثبت قبر أي نبي إلا ببرهان من الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - )
من المعلوم أن ادعاء وجود قبر أي نبي تبنى عليه أحكام، بل وجوده له علاقة كبيرة بمعتقد المسلمين، وإذا كان كذلك فلا بد من البرهان من الله أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه القاعدة سنطالب بالإلتزام بها في إثبات قبر أي نبي , وإذا صح ذكر الأثر إلى الصحابي أن قبر النبي الفلاني في مكان كذا وكذا فلا يكفي هذا في إثبات قبر ذلك النبي لأنه يبقى الحكم عليه أنه من الإسرائيليات التي لا خطام لها ولا زمام .
القاعدة الخامسة عشر :
(لا اعتماد على أخبار أهل الكتاب عن قبور الأنبياء)
من المعلوم أن كتب أهل الكتاب مليئة بذكر قبور الأنبياء, وهي مما لا يعتمد عليها, ومن المؤسف أن عباد القبور يجعلون ما ذكرته هذه الكتب من المسلم به فما أعظم جنايتهم على الإسلام وأهله .
القاعدة السادسة عشر :
(
(1/80)
لم يجعل الله هداية الخلق متعلقة بقبور الأنبياء)
لا يخفى على المسلم العاقل أن عباد القبور يجعلون هداية الناس وصلاحهم بالتوجه إلى الضرائح ومنها ضرائح الأنبياء والرسل, وهذا يوقع الناس في الشركيات , ولهذا حرم الإسلام شد الرحال إلى أي قبر بما في ذلك قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله .
ذكر الأدلة على عدد الأنبياء والرسل
اعلم أخي المسلم أننا نؤمن جملة بكل نبي بعثه الله, فنؤمن أن الله قد بعث أنبياء وأرسل رسلا. قال تعالى :{ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك} [النساء]، وقال تعالى :{ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} [غافر]، وقال تعالى :{ثم أرسلنا رسلنا تترى} [المؤمنون]، وقال تعالى :{وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر]، وأما تحديد عددهم فهذا لا يكون إلا بوحي من الله , وقد جاء من حديث أبي أمامة أن رجلاقال: يا رسول الله كم كانت الرسل؟ قال : (( ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا )) أخرجه ابن حبان14/69وابن مندة في التوحيد 2/141 رقم 571 وقال : هذا إسناد صحيح على شرط مسلم والجماعة إلا البخاري .
(1/81)
وأما الإيمان بالأنبياء والرسل مفصلا فهذا لا يكون إلا بمن سماهم القرآن أو سمتهم السنة النبوية المطهرة، ومن ذلك ما ذكره الله في سورة النساء، قال تعالى :{إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما} [النساء] وفي سورة الأنعام قال سبحانه :{وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين}[الأنعام] وإدريس في سورة مريم وهود وصالح في كثير من السور، والخضر في سورة الكهف, فما ورد من ذكر أسماء أنبياء ورسل لم يذكروا في القرآن وصحيح السنة لا نسلم بذلك ولا نؤمن بصحتة .
أحاديث وآثار
في قبور الأنبياء لا يصح منها شيء
أخرج الطبراني في "معجمه الكبير" عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا)) ولا يثبت بهذا اللفظ, والثابت ما جاء عن ابن عباس بلفظ ((صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا))
أخرجه الطبراني في"الأوسط" 1/119 وقد حسنه المنذري والألباني رحمهما الله .
وأخرج عبدالرزاق 5/120 والفاكهي عن عبد الله بن ضمرة قال: (من تحت رجلي إلى الركن إلى المقام إلى زمزم تسعة وتسعون نبيا) وهو عند الأزرقي في "أخبار مكة"وفيه زيادة (جاءوا حجاجا فقبروا هناك فتلك قبورهم غور الكعبة) وعبد الله بن ضمرة هو السلولي تابعي لم يوثقه معتبر فهو مجهول الحال , وأيضا ذكر ابن حجر في "التهذيب" أن عبد الله بن ضمرة يروي عن كعب الأحبار فلا يستبعد أنه أخذه من كعب.
(1/82)
وأخرج ابن عساكر64/217عن شمر بن عطية قال : (قتل على الصخرة التي في بيت المقدس سبعون نبيا منهم يحيى بن زكريا) وسند هذا الأثر ظاهره الصحة إلى شمر وهو تابعي, فهو مرسل والمرسل من قسم الضعيف .
وأخرج ابن عساكر في "تاريخه" كما في "الدر المنثور"4/323 عن عبد الله بن سلام قال : (بالشام من قبور الأنبياء ألف قبر وسبعمائة قبر) وهذا الأثر فيه ابن شجاع وهو كذاب، وفيه انقطاع فإن مكحولا لم يسمع من عبد الله بن سلام .
وقال علامة الشام محدث العصر الألباني رحمه الله في كتابه العظيم "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد"ص(108-111) : (إنه لم يثبت في حديث مرفوع أن إسماعيل عليه السلام أو غيره من الأنبياء الكرام دفنوا في المسجد الحرام، ولم يرد شيء من ذلك في كتاب من كتب السنة المعتمدة كالكتب الستة ومسند أحمد ومعاجم الطبراني الثلاثة وغيرها من الدواوين المعروفة، وذلك من أعظم علامات كون الحديث ضعيفا بل موضوعا عند بعض المحققين، وغاية ما في ذلك آثار معضلات بأسانيد واهيات موقوفات أخرجها الأزرقي في "أخبار مكة" فلا يلتفت إليها, وإن ساقها بعض المبتدعة مساق المسلمات) اهـ .
قلت: وهذا كلام رصين جدير الأخذ به، والمحققون من أهل العلم على هذا القول.
(1/83)
وأخرج ابن عساكر 2/410 عن كعب قال : (بطرسوس من قبور الأنبياء عشرة وبالمصيصة خمسة وهي التي تغزوها الروم في آخر الزمان...وبالثغور وأنطاكية قبر حبيب النجار، وبحمص ثلاثون قبرا، وبدمشق خمسمائة قبر، وببلاد الأردن مثل ذلك) وهذا الأثر ضعيف لأن فيه محمد بن عمارة بن الخطاب وهو مجهول، وفيه محمد بن أحمد بن إبراهيم وهو مجهول أيضا، وفيه انقطاع، أضف إلى هذا أنه من الإسرائيليات التي لا خطام لها ولازمام؛ وقد جاء عند ابن عساكر أيضا بلفظ (وبالثغور وبسواحل الشام من قبور الأنبياء ألف قبر، وببلاد الأردن مثل ذلك، وبفلسطين مثل ذلك، وببيت المقدس ألف قبر، وبالعرش عشرة، وقبر موسى بدمشق) والأثر ضعيف جدا لأن فيه ابن شجاع وهو كذاب، وفيه علل أخرى.
وذكر الفيروز آبادي في "القاموس" في مادة (غور) وهو يتكلم عنها : (قيل بها قبر سبعين نبيا منهم عزير ويوشع) وهذا الأثر بدون سند، وجاء عن إبراهيم بن أدهم أنه قال : (بلغني أن الرملة قبر فيها سبعون نبيا ماتوا بعد لقمان كلهم أخرجهم بنو إسرائيل فألجؤوهم إلى الرملة وأحاطوا بهم فماتوا كلهم جوعا فتلك قبورهم بين المسجد والسوق).
فمن أين لابن أدهم وغيره هذا ؟ اللهم إلا أن يكون من الإسرائيليات وهي غير مقبولة .
ذكر قبور الأنبياء جملة وتفصيلا
1- قبر أبينا آدم عليه السلام لا يصح فيه شيء .
لقد جاءت آثار تارة ترفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتارة تذكر موقوفة ومنها:
* ما جاء عن أبي بن كعب موقوفا عليه عند أحمد والحاكم, وهذا الأثر موقوف على أبي بن كعب, وفي إسناده علي بن ضمرة السعدي وهو مجهول الحال ولم يوثقه معتبر, وقد تفرد بهذا الأثر, ويخشى أنه من الإسرائيليات, وقد جاء مرفوعا ولا يصح لأن الحسن البصري يرويه مرفوعا عن أبي ولم يسمع من أبي.
(1/84)
* ومنها عن أنس عند الدارقطني والحاكم وفيها (أن الملائكة نزلت وكفنت آدم ودفنته وقالت الملائكة : (هذه سنتكم يا بني آدم) وفيه مبارك بن فضالة وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث, وهو موقوف على أنس, وقد أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح إلى ثابت البناني وهو تابعي, فالأثر صحيح عنه ولعله من الإسرائيليات .
* وقد جاءت آثار فيها بيان مكان قبره، أخرج الدارقطني في "سننه" عن ابن عباس وفيه (صلى جبريل بالملائكة على آدم ودفن في مسجد الخيف...) وهذا الأثر فيه عبدالرحمن بن مالك بن مغول وهو متروك. كذا قال الدارقطني.
* وجاء عند ابن عساكر وابن سعد كما في "الدر المنثور" 3/334 إلا أن السند فيه الكلبي وهو كذاب، وأبو صالح ضعيف.
* وجاء عند أبي الشيخ عن مجاهد أيضا إلا أنه لم يصح إلى مجاهد لأنه مسلسل بالكذابين.
* وأخرج أبو الشيخ في "العظمة" عن خالد بن معدان ( أن آدم لما توفي حمله مائة وخمسون رجلا من الهند إلى بيت المقدس ودفنوه بها وجعلوا رأسه عند الصخرة...) وفيه مجاهيل, وأعظم من هذا أنه من الإسرائيليات .
فخلاصة الكلام أنه لا يعلم مكان قبر آدم، وهذا نقطع به، ويعتبر أن ادعاء قبره في مكان كذا تقول بدون علم.
تنبيه: ذكر صاحب كتاب "المنار" 3/220 أنه رأى في الهند ضرائح تعبد من دون الله ومنها ضريح آدم وزوجه وأمه مع العلم أنه ليس لآدم عليه السلام أم، ولكن هكذا الجهل يعمل بأصحابه.
تنبيه آخر : كان اشتهر أن قبر أمنا حواء في جدة، ولهذا ذكر صاحب كتاب "الانحرافات العقدية" 304 (أن شريف مكة عندما استجاب للشيخ أحمد بن عيسى في هدم جميع القباب بالحجاز اعترضت القناصل (الأجنبية) في جدة على هدم قبر أمنا حواء بحجة أن حواء أم لجميع الناس وليست أما للمسلمين فقط ) فادعاء أن قبر حواء في جدة من الادعاءا ت الباطلة، وهدم القبر المزعوم أنه لحواء والحمد لله .
2- قبر النبي نوح عليه السلام .
(1/85)
قال ابن عساكر 62/240: (يقال إن قبر نوح في القاع، ويقال في مكة )
وفي المجلد نفسه ص(288) عن عبد الرحمن بن سابط (إن قبر نوح ...بين زمزم وبين الركن والمقام).
وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" 1/137 نقلا عن ابن سابط: (إن قبر نوح بالمسجد الحرام)
قلت: ابن سابط تابعي فمن أين له هذا ؟ هذا على اعتبار أنه صح إلى سابط .
ومن المتأخرين من يذكر أنه ببلدة بالقاع تعرف اليوم بكرك نوح.
قلت: الكرك مدينة في عصرنا تقع في المملكة الأردنية. أنظر كتاب "شمال الحجاز"1/187.
قلت: اعتماد المؤرخين على إثبات قبر نوح ليس له دعامة يقوم عليها, وإنما هي أخبار تاريخية لا خطام لها ولا زمام، وقد تقدم أن إثبات قبر أي نبي لا يمكن أن يكون إلا ببرهان من الله أو من صحيح سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
3- قبر هود عليه السلام :
أما قبر النبي هود فقد كتبت فيه رسالة خاصة بعنوان "إخبار الوفود بحكم زيارة قبر النبي هود" وجعلت الكلام عليه مثالا لما يجري عند قبور من يقال عنهم أنهم أنبياء من شركيات وخرافات وبدع عن طريق عباد الضرائح، ومثلت بقبر هذا النبي لأن الصوفية تجزم بأن قبره في حضرموت في مكان اختاروه هم. وبينا بطلان هذا .
4- قبر نبي الله صالح عليه السلام :
جاء عند ابن عساكر عن عبد الرحمن بن سابط (أن صالحا عليه السلام دفن بين زمزم وبين الركن والمقام).
قلت: وابن سابط تابعي ولا يستبعد أنه تلقاه من رواة الإسرائيليات.
وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه (أن صالحا ومن معه ماتوا بالحرم فتلك قبورهم غربي الكعبة) ذكره السيوطي في "الدر" 3/99 ووهب مشهور برواية الإسرائليات,
(1/86)
وقد تقدم تحديد المكان الذي كان فيه قوم صالح وهو الحجر, وإذا كان لا يوجد دليل يثبت به قبر صالح عليه السلام في قومه فمن الصعب جدا قبول الأخبار الشائعة أنه في غير الحجر، فهناك من يدعي أن قبر صالح عليه السلام في اليمن في حضرموت الداخل، وهناك مزار لذلك الضريح وإن كان قد خف جدا في أيامنا، وهناك ضريح في محافظة (الضالع) يقال إنه قبر النبي صالح، وهناك وهناك، وكلها كذب.
5- قبر نبي الله إبراهيم عليه السلام :
اشتهر عند المؤرخين أن إبراهيم خليل الرحمن مدفون في فلسطين في مكان اسمه (مدينة الخليل) قال ابن تيمية رحمه الله : (وأما قبر الخليل فأكثر الناس على أن هذا المكان المعروف ـ قلت : مدينة الخليل ـ هو قبره وأنكر ذلك طائفة) اهـ من "مجموع الفتاوى" 27/444 وقال في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" 2/188
:(وقد كانت البنية التي على قبر إبراهيم الخليل مسدودة لا يدخل إليها أحد إلى حدود المائة الرابعة فقيل إن بعض النسوة المتصلات بالخلفاء رأت في منامها فنقبت لذلك، وقيل إن النصارى لما استولوا على هذه النواحي نقبوا ذلك...)
وقال ابن كثير 1/164: (فقبره وقبر ولده إسحاق في المربعة التي بناها سليمان بن داود ببلدة حيرون وهو البلد المعروف بالخليل اليوم، وهذا تلقي بالتواتر أمة بعد أمة وجيل بعد جيل من زمن بني إسرائيل إلى زماننا هذا أن قبره بالمربعة تحقيقا , فأما تعيينه منها فليس فيه خبر صحيح عن معصوم).
وعلى كلٍ: لا يوجد دليل يعتمد عليه أن قبر إبراهيم الخليل في المدينة المذكورة، ومجرد إثبات ذلك تاريخيا لا يسوغ لنا قبول ذلك، فلا يثبت مكان قبر إلاببرهان .
تنبيه آخر : ذكر صاحب كتاب "الانحرافات العقدية والعلمية"ص(311)
عن بعضهم: (أن إبراهيم الخليل عليه السلام اغتسل في جرن أسود في حمام الواساني في حلب , والناس لا يزالون يتبركون بهذا الماء في الحمام المذكور ويدعون أنهم يجدون الشفاء خصوصا النساء). اهـ
(1/87)
وهذا الادعاء من جراب الدجالين لا بارك الله فيهم .
6- قبر نبي الله لوط عليه السلام :
في "تاريخ دمشق" 50/326 عن الزهري أنه قال : (لما عذب الله قوم لوط لحق لوط بإبراهيم حتى قبضه الله إليه) وهذا الأثر فيه إسحاق بن بشرة وهو متروك، وهناك أثر عن السدي لا يصح.
7- قبر نبي الله شعيب عليه السلام :
ذكر السمعاني أنه قبر في (حطين) بـ (فلسطين).
وقال النووي: (هذا مشهور في بلادنا، وعلى قبره بناء، وكذا ذكر غير واحد أنه في (حطين) وهو يزار ويعبد من دون الله)، وهذه مجرد أقوال لا تقوم بها حجة, وقد تقدم أنه لا يثبت قبر نبي بمكان ما إلا ببرهان .
وذكر وهب بن منبه أن شعيبا مدفون في مكة غربي الكعبة بين دار الندوة وبين سهم، وهذا من الإسرائيليات إذ أن وهبا كان مشتغلا بذلك.
وذكر بعضهم أن للنبي شعيب مقاما في الشام يسمى (مقام النبي شعيب) يستحيل على البدو من سكان تلك الجهات أن يحلف أحدهم كاذبا بحق شعيب...).
وجاءت آثار أن شعيبا عليه السلام مدفون في المسجد الحرام بين زمزم والركن والمقام ولكن من أين لهم هذا ؟
وجاء عند الأزرقي في "أخبار مكة" قال محمد بن سابط : (كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة فيتعبد فيها النبي ومن معه حتى يموت فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب، وقبورهم بين زمزم والحجر) ومحمد بن سابط ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 7/283وقال: (لا أعرفه) والأثر بدون سند , وإذا صح السند إليه فمن أين له هذا ؟
وهناك من يدعي أن قبر النبي شعيب في اليمن في مكان يسمى جبل حضور وعرف بجبل النبي شعيب، وهذا الجبل خارج صنعاء غربا وهو أرفع جبل في اليمن، وقد وضع ضريح في هذا الجبل باسم النبي شعيب، ويزار وتقع الشركيات عنده إلى الآن. عجل الله بهدم هذا الضريح فهو كذب بلا شك.
8- قبر نبي الله إسماعيل عليه السلام :
لقد جاءت آثار تدل على أن قبر إسماعيل في الحجر, ولا يصح منها شيء وهي كالتالي :
(1/88)
* عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن قبر إسماعيل في الحجر)) عزاه السيوطي في "الجامع" إلى الحاكم في "الكنى" وذكره الألباني في ضعيف الجامع .
* عن كعب الأحبار قال : (قبر إسماعيل ما بين زمزم والركن والمقام) أخرجه عبد الرزاق والفاكهي, وهذا الأثر فيه إعضال حيث إن ابن جريج قال : (بلغني عن كعب) وابن جريج من أتباع التابعين، فالساقط أكثر من واحد، فلم يصح هذا إلى كعب الأحبار فلا ينسب إليه, ولو صح إليه لكان من الإسرائيليات إذ كعب الأحبار مشتغل بذلك.
* عن ابن عباس قال : (في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما قبر إسماعيل وشعيب في الحجر مقابل الركن الأسود) وهذا الأثر فيه محمد بن السائب الكلبي وهو كذاب، وفيه أبو صالح باذام وهو ضعيف, فلم يصح هذا إلى ابن عباس فلا ينسب إليه.
ومما يدل على عدم وجود قبر إسماعيل في الحجر أن الكعبة بنيت والرسول - صلى الله عليه وسلم - موجود ولم يقل أخرجوا قبور الأنبياء، وكذا بنيت في عهد بعض الصحابة ولم يحصل قط أن ادعوا أن قبرا موجودا عندها، أيضا بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإسماعيل أكثر من ألفي سنة, فمن الصعب إثبات قبر إسماعيل هكذا إلا بوحي من الله ولا وحي، وأيضا لو كان إسماعيل مدفونا عند الكعبة لوجدوا جثته كما هي لأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء , ولتناقل الناس ذلك.
وذكر السيوطي في "الدر المنثور" أن وفاة إسماعيل وإسحاق كانت في الشام، وعزاه إلى ابن سعد وابن عساكر والزبير بن بكار. وفيه الكلبي وهو كذاب كما سبق .
فخلاصة الكلام: أنه لا يوجد دليل من القرآن ولا من السنة النبوية ولا صح عن أحد من الصحابة أن قبر إسماعيل في المسجد الحرام.
9-قبر نبي الله إسحاق عليه السلام :
(1/89)
ذكر السيوطي في "الدر" 2/347 أن قبر إسحاق عليه السلام بالشام، وعزاه إلى ابن عساكر وابن سعد والزبير بن بكار من قول الكلبي، والكلبي قد تقدم أنه كذاب، ولعله تلقاه من الإسرائيليات .
وعند ابن عساكر وابن أبي حاتم عن قتادة (أن إسحاق عليه السلام مات بفلسطين).
قلت: قتادة تابعي فلعله تلقاه عن رواة الإسرائيليات، وهناك آثار أخر عن بعض التابعين وأتباع التابعين تشير إلى أن قبر إسحاق في فلسطين أيضا، وسيأتي ذكر بعضها مع ذكر يعقوب .
10- قبر نبي الله يعقوب عليه السلام :
أخرج أبو الشيخ عن ثابت البناني (أن يعقوب عليه السلام دفن مع آبائه إبراهيم وإسحاق). وثابت تابعي.
وأخرج أحمد في "الزهد" عن مالك بن دينار (أن يعقوب دفن مع أبيه إسحاق وجده إبراهيم في أرض كنعان).
وجاءت آثار عن بعض التابعين (أن يعقوب دفن مع أبيه إبراهيم وإسحاق) فيا ترى من أين لهم هذا إذا صحت الأسانيد إليهم ؟
وجاء عند ابن جرير الطبري في تفسيره للآية الكريمة من سورة يوسف {رب قد آتيتني من الملك} عن السدي قال : (لما حضر الموت يعقوب أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم وإسحاق) وهذا الأثر فيه عدة علل، ففيه أسباط بن نصر وهو ضعيف، وفيه العنقزي وسفيان بن وكيع وفيهما ضعف.
11- قبر نبي الله أيوب عليه السلام :
من المعلوم أنه من أنبياء بني إسرائيل، وقد كانوا في الشام، وهناك من يقول إنه دفن في الروم، فقد ذكر ابن عساكر في "تاريخه"10/78 عن ابن عباس (أن نبي الله أيوب مات بأرض الروم على دين الحنيفية) وهذا الأثر لا يصح إلى ابن عباس حيث إنه مسلسل بالمتروكين والضعفاء، ففيه إسحاق بن بشر وهو تالف، وجويبر وهو متروك، والضحاك بن مزاحم لم يسمع من ابن عباس، وعلى هذا فلا ينسب الأثر إلى ابن عباس لأن هذا من باب الكذب عليه رضي الله عنه.
(1/90)
ومن العجائب أن قبرا في جبل خارج صنعاء شرقا , يقع هذا الجبل بين بني حشيش وبني الحارث ونهم, هذا الجبل يسمى بجبل النبي أيوب، وفي رأسه قبر وقد بني على القبر مسجد يقال للقبر : ( قبر النبي أيوب) .
ويقع القبر في وسط المسجد، وهذا القبر يؤتى إليه من بعض الأماكن اليمنية، ويؤتى إليه من الدول خارج اليمن كمصر، وباكستان، والهند، والعراق، وتركيا، وفي المسجد صورة المحراب الذي كان يتعبد فيه أيوب، وفيه صورة ثدي المرأة، وفي مؤخرته اكتشف قريبا قبر زوجة أيوب، واسمها (رحمه) وبجانب ذلك الجبل نهر وأشجار فقالوا هو الماء الذي أمر الله أيوب أن يركض برجله ويغتسل فيه.
وهذه المعلومات أخذتها من الرسول الذي أرسلته ليتقصى الحقائق، فأخبره بها إمام مسجد قبر النبي أيوب، وقد سأل أخونا المرسَلْ إمام المسجد كيف عرفوا أن قبر النبي أيوب عليه السلام في هذا الجبل؟ فأجاب: (أن رجلا من عنس هاجر واستقر في بلادهم ثم رأى سراجا في الليل في رأس الجبل فجاءه آت في ثلاث ليال يقول له : إن هذا المكان الذي فيه النور فيه قبر النبي أيوب، فاذهب وابن مسجدا , وإن لم تفعل قتلت أولادك، فذهب الرجل العنسي وأخبر بذلك فقاموا وتساعدوا معه في بناء المسجد) اهـ.
وهكذا تضلل شياطين الجن والإنس المسلمين، إذ أن الرؤيا المنامية المذكورة من قبل الشيطان، ولا بد,كيف لا وفيها التهديد بقتل أولاد الرائي إن لم يفعل.
والسراج الذي شاهده الرجل في رأس الجبل هو من قبل شيطان من الجن أودجال من الإنس ، وقد عمل هذا كثيرا.
12- قبر النبي داود عليه السلام :
(1/91)
روى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((كان داود النبي فيه غيرة شديدة فخرج ذات يوم وأغلقت الدار فجاء داود فإذا رجل قائم وسط الدار فقال له داود من أنت؟ قال: أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمنع مني الحجاب، فقال داود : أنت والله ملك الموت، مرحبا بأمر الله فرمل داود إلى مكانه حيث قبضت روحه حتى فرغ من شأنه...)) وهذا الحديث ضعيف, وهو ظاهر في أن داود عليه السلام دفن في داره, ولا معرفة لموضع داره، ولو عرف لكان غير مقدور على معرفة مكان قبره, هذا على افتراض صحة الحديث. ويقال: دفن داود في دمشق، قال ابن تيمية : (هذا كذب) "مجموع فتاوى" 27/491 وذكر صاحب كتاب "الانحرافات العقدية" ص(281) (أن نبي الله داود عليه السلام له مزار في (قضاء كلز) من أعمال حلب في سوريا، وله مزار في غرب صيدا بلبنان فيا لله العجب من هذه الأقاويل والأباطيل التي أضلت خلقا كثيرا.
13- قبر نبي الله سليمان عليه السلام :
روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسبيريهما والحاكم في "مستدركه" 4/402 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (كان سليمان نبي الله إذا قام في مصلاه رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول ما اسمك؟ فتقول: كذا وكذا، فيقول: لأي شيء أنت؟ فتقول لكذا وكذا، فإن كانت لدواء كتب، وإن كانت لغرس غرست فبينما هو يصلي يوما إذ رأى شجرة نابتة بين يديه فقال لها : ما اسمك؟ قالت: الخرنوب، قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب أهل هذا البيت، قال سليمان عليه السلام: اللهم عم على الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب، قال: فنحتها عصا، فتوكأ عليها، قال: فأكلتها الأرضة فسقط فخر فوجدوه ميتا حولا فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين، وكان ابن عباس يقرؤها هكذا, فشكرت الجن الأرضة فكانت تأتيها بالماء حيث كانت).
(1/92)
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وهو غريب بمرة من رواية عبيد الله ابن وهب عن إبراهيم بن طهمان فإني لا أجد عنه غير رواية هذا الحديث الواحد ، وقد رواه سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير فوقفه على ابن عباس .
وقال الحافظ ابن كثير: في رفعه غرابة ونكارة والأقرب أن يكون موقوفا...إلخ) .اهـ من التفسير .وبما أن الحديث لا يصح فلا يدرى أين موضع قبر سليمان .
14- قبر نبي الله يونس عليه السلام :
يقال : إن قبره في جامع محافظة (نينوى) في العراق، وهو يزار من أنحاء العراق، بل ومن تركيا، وإيران، وذكر صاحب كتاب "الانحرافات العقدية"ص(281-282) أن له ضريحا في بلدة (حلحول) بفلسطين...وثالث في (غار بضبعة) قرب نابلس بفلسطين) وكل هذا كذب من جعبة القبورية.
15- قبر نبي الله زكريا عليه السلام :
أخرج ابن عساكر في "تاريخه"19/56 حديثا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزكريا حين أسري به: (( أخبرني عن قتلك كيف كان؟ـ وفي القصة ـ فلما أن تخوفت من بني إسرائيل هربت فعرضت لي شجرة فنادتني فقالت: إلي وانصدعت لي, فدخلت فيها فالتأمت وبقي طرف ردائي خارجه من الشجرة, فقال إبليس لبني إسرائيل: شقوا الشجرة بالمنشار فشققت مع الشجرة بالمنشار))
هذا الحديث ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" وقال : ( هذا سياق غريب جدا وحديث عجيب ورفعه منكر).
قلت: الحديث فيه أكثر من علة، ويكفي أنه من طريق إسحاق بن بشر أبي حذيفة البخاري وهو كذاب ، انظر "الميزان".
وجاء عن وهب بن منبه أنه قال : (إن زكريا مات موتا) وذكر بعضهم أن قبر زكريا داخل المسجد في مدينة حلب،فموضوع قبره وقبر غيره من الأنبياء يحتاج إلى دليل من الكتاب أو من صحيح السنة ولا دليل .
16- قبر نبي الله يحيى عليه السلام :
يقال: إن قبر نبي الله يحيى بالشام في (سوق الحمدية) داخل المسجد، هذا مشهور عند أهل سوريا، إلا أنه لا دليل عليه.
(1/93)
وذكر قتادة (أن يحيى قتل بدمشق) كما في "الدر المنثور" 3/94 وقتادة تابعي يتوقع أنه تلقاه عن أهل الكتاب .
وروى ابن عساكر64/218 عن زيد بن واقد أنه قال: (رأيت رأس يحيى بن زكريا حين أرادوا بناء مسجد دمشق يخرج من تحت ركن من أركان القبلة التي تلي المحراب فكانت البشرة على حالها لم تتغير) وفي بعض الروايات : (أن الوليد بن عبد الملك لما كان يبني مسجد دمشق وقالوا: هذا رأس يحيى فقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مغيرا من الأعمدة) وهذا الأثر ذكره الألباني رحمه الله وقال : ( إسناده ضعيف جدا), وعلى فرض صحته إلى زيد بن واقد فلا يفيدنا أن ذلك أمر حقيقي لما يعارضه مما هو أقوى منه. فإن القبر الذي في مسجد دمشق باسم أنه قبر يحيى لم يبن إلا بعد مدة من انقراض عصر السلف، وذكر صاحب كتاب "الانحرافات العقدية"ص(278-279) وهو يتحدث عن زكريا قال : (فإن له مزارا آخر في (صيدا) جنوب لبنان في قمة جبل يشرف على البلد والبحر.
وعلى كلٍ فهذا الاختلاف كاف في أن قبر يحيى عليه السلام لا يدرى أين هو، ولا يمكن الجزم بذلك بمجرد آثار جاءت عن بعض السلف إذ أننا قدمنا أنه لا حجة إلا في كتاب الله وما صح من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وكل قول خرج عن ذلك فهو مردود، والله المستعان.
17- قبر نبي الله إلياس عليه السلام :
ذكر بعضهم أنه في اليمن ولا حقيقة لذلك وقد جاءت أحاديث وآثار تدل على أن إلياس لا يزال حيا وأنه يلتقي بالخضر كل عام . ولم يصح منها شيء . انظر "المقاصد الحسنة"ص (21-22) للسخاوي و"الزهر النضر في نبأ الخضر" للحافظ ابن حجر.
18- قبر نبي الله إدريس عليه السلام :
(1/94)
روى ابن جرير بسند صحيح أن ابن عباس سأل كعبا عن معنى قول الله : {ورفعناه مكانا عليا} فقال: (أما إدريس فإن الله أوحى إليه أني رافع لك كل يوم مثل عمل جميع بني آدم فأحب أن تزداد عملا فأتاه خليل له من الملائكة فقال : إن الله أوحى إليّ كذا وكذا فكلم لي ملك الموت فليؤخرني حتى ازداد عملا, فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء فلما كان في السماء الرابعة تلقاهم ملك الموت منحدرا فكلم ملك الموت في الذي كلمه إدريس فقال: وأين إدريس؟ فقال: هو ذا على ظهري، قال ملك الموت فالعجب بعثت أقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟ فقبض روحه هناك فذلك قول الله تبارك وتعالى : {ورفعناه مكانا عليا}لكن كعبا راوية للإسرائيليات .
وذكر ابن جرير عن مجاهد قوله : {ورفعناه مكانا عليا} قال: (إدريس رفع فلم يمت كما رفع عيسى)، وهذا التفسير عن مجاهد من طريق ان أبي نجيح عن مجاهد ولم يسمع منه التفسير وقد جاء من طريق أخرى وهو ضعيف أيضا.
وجاء أيضا عن ابن عباس في قوله تعالى :{ورفعناه مكانا عليا} قال: (رفع إلى السماء السادسة فمات فيها) وهذا الأثر مسلسل بالسلسلة العوفية وهي سلسلة ضعيفة.
وجاء عن ابن مسعود (أن إدريس هو إلياس) والأثر إلى ابن مسعود فيه عبيده بن ربيعه وهو لين.
فهذه الآثار التي فيها أن إدريس قد رفع مأخوذة من الإسرائيليات, فيبقى أمره على الأصل وهو أنه مات كما يموت غيره من الأنبياء ولا يدرى أين قبره .
18- قبر نبي الله يوسف عليه السلام :
(1/95)
جاء حديث وآثار مفادها أن قبر يوسف كان في مصر ثم نقل ، ومن ذلك ما رواه الحاكم في "مستدركه" عن أبي موسى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((...إن موسى أراد أن يسير ببني إسرائيل فضل عن الطريق فقال له بنو إسرائيل: نحن نحدثك أن يوسف أخذ علينا مواثيق أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا، قال: وأيكم يدري أين قبر يوسف؟ قالوا: ما تدري إلا عجوز بني إسرائيل, فأرسل إليها فقال: دليني على قبر يوسف فقالت: لا والله لا أفعل حتى أكون معك في الجنة, وكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قالت فقيل له: اعطها حكمها, فأعطاها حكمها, فأتت بحيرة فقالت : انضبوا هذا الماء فلما نضبوا قالت: احفروا هاهنا فلما حفروا إذا عظام يوسف فلما أقلوها من الأرض فإذا الطريق مثل ضوء النهار))
قال الحاكم : (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)
وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" : (هذا حديث غريب جدا والأقرب أنه موقوف) لذا ذكره شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في كتابه "أحاديث معلة ظاهرها الصحة"
وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة من قوله كما في "الدر"، وأخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس من قوله كما في "الدر". والكلبي متهم، وأبو صالح ضعيف .
وقد ذكر ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز (أن موسى احتمل يوسف من مصر ليدفنه مع آبائه إسحاق ويعقوب) وجاء هذا عن عروة بن الزبير.
فمن أين لهما هذا ؟اللهم إلا أن يكون من الإسرائيليات وهذا باعتبار صحته إليهما .
فاتضح من هذا أنه لا يدرى أين قبر النبي يوسف .
وقد ذكر بعضهم مرجحا أن يوسف دفن في نابلس وهي تبعد عن بيت المقدس مائة كيلو متر تقريبا . ولا أساس لهذا من الصحة.
20- قبر نبي الله وكليمه موسى عليه السلام :
(1/96)
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ((لما جاء ملك الموت إلى موسى سأل الله موسى أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطور عند الكثيب الأحمر)) والكثيب هو الرمل المجتمع.
فهذا الحديث لا يفيد تعيين مكان قبر موسى عليه السلام, وإنما يفيد أنه قريب من بيت المقدس، وكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عند الكثيب الأحمر)) لا يفيد التعيين أيضا لأن الكثيب لا شك أنه كبير، ولهذا لم يكن قوله عليه الصلاة والسلام : ((عند الكثيب الأحمر)) كافيا في تعيين قبره . ولهذا قال : ((لو كنت هناك لأريتكم قبره)) ويستفاد من هذا الحديث أن بني إسرائيل لا يعلمون قبر موسى حقيقة، وما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من قبل الله، وهذا يؤيد ما ذكرناه في إحدى القواعد أنه لا يمكن إثبات قبر نبي إلا ببرهان من الله أو من رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولهذا قال الحسن البصري : ( لو علمت بنوا إسرائيل قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله) وهذا الذي ذكرناه يدلك على أن ما يقوله أحبار أهل الكتاب لا يعتمد عليه ، وما ذكره ابن عساكر16/182 عن كعب الأحبار (أن قبر موسى في دمشق) لم يثبت إلى كعب فإنه من طريق ابن شجاع وهو كذاب، وفيه انقطاع لأن مكحولا لم يسمع من كعب.
تنبيه: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاقتضاء" 2/163 (أنه يوجد في مسجد قبلي دمشق يسمى مسجد القدم ـ أي: أثر قدم موسى عليه السلام ـ قال وهذا باطل لا أصل له، ولم يقدم موسى دمشق ولا ما حولها).
21- قبر نبي الله هارون عليه السلام :
(1/97)
قال الحسن البصري : ( لو علمت بنو إسرائيل قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله) وذكر صاحب كتاب "مجلة الشرق" في كلامه على المزارات في شرقي الأردن : (أن هناك مقاما يقال له مقام النبي هارون) وهو من المقامات التي تعبد من دون الله).
22- قبر نبي الله يوشع بن نون عليه السلام :
من المعروف أنه من أنبياء بني إسرائيل والتصريح باسمه يوشع قد جاء عند أحمد 2/325 والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" ص(1069, 1070) والخطيب 7/34-35وهو المذكور في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه : (لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبني بها ، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، أو رجل اشترى خلفات وهو ينتظر ولادها000)) متفق عليه من حديث أبي هريرة.وأما مكان قبره فلا دليل عليه .
وذكر إحسان إلهي ظهير في كتابه "البريلوية عقائد وتاريخ" ص(75) قائلا : (ومقام النبي يوشع نال إكراما من قديم الزمان لما وجد فيه من الخوارق...)
المختلف في نبوتهم
هناك أنبياء اختلف العلماء في نبوتهم, فسأذكرهم وأرجح ما ظهر لي بالدليل، ولن أناقش هنا من اختلف في نبوتهم إلا من ذكره القرآن والسنة، أما من اختلف في نبوته ولم يذكر في القرآن ولا في السنة فلن أذكره هنا لأن هذا الاختلاف لا يعتد به .
وإليك بيان ذلك :
1- الخضر: والذي عليه جمهور العلماء أنه نبي، وعندهم أدلة على هذا الإثبات من القرآن الكريم والسنة المطهرة، ليس هذا محل بسطها، ويكفي في ذلك قوله تعالى عن الخضر :{وما فعلته عن أمري} [الكهف] وأما القائلون بعدم نبوته فهم على قسمين:
أ ـ قسم قالوا: هذا من باب الاجتهاد، وهؤلاء يؤجرون لأنهم علماء، والعالم إذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد.
ب-قسم قالوا: بعدم نبوته وأنه ولي من أولياء الله، وأرادوا بذلك الخروج عن الشريعة كخروج الخضر عن شريعة موسى، وهؤلاء هم دعاة الضلال والزندقة.
(1/98)
أما موته :فقال الحافظ ابن القيم في المنار المنيف ص(69-72): قال أبو الفرج ابن الجوزي : والدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء :
القرآن والسنة وإجماع المحققين من العلماء , والمعقول .
أما القرآن فقوله تعالى }وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد{ فلو دام الخضر كان خالدا.
وأما السنة : فذكر حديث ((أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو اليوم عليها أحد )) متفق عليه .
وأما إجماع المحققين من العلماء فقد ذكر عن البخاري وعلي بن موسى الرضا أن الخضر مات.
وأما الدليل من المعقول : فمن عشرة أو جه... ثم سردها) اهـ
والأدلة التي استدل بها القائلون بحياة الخضر لا يثبت منها شيء، كما صرح بذلك أهل الحديث كالحافظ ابن القيم وابن حجر وصاحب " أسنى المطالب"
وغيرهم، فعدم ثبوت دليل من القرآن والسنة على بقاء حياة الخضر كاف في عدم حياته، ولله در الإمام أحمد بن حنبل حيث قال ردا على من قال إن الخضر لم يمت : (...وما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان).
وأيضا المصرون على عدم مماته هم دعاة القبورية فهم يجزمون بذلك، ولهم في ذلك غرض خطير ألا وهو أن الولي على حد زعمهم قد يعيش في أوساط الناس، ولا يعرفه إلا آحادهم كما أن الخضر ـ على حد زعمهم ـ موجود في أوساط الناس، ولا يراه أكثر الناس، وإن رأوه لا يعرفه إلا آحادهم، والحكايات التي تتحدث عن بقاء الخضر كثيرة ، ولكنها خرافات، ومن غرضهم الخطير أنهم يزعمون أن الخضر قد شرب من عين ماء الحياة، وعلى عقيدتهم من شرب منها لا يموت بل يعيش، ولو قلنا لهم أين العين التي فيها هذا الماء ؟لما قدروا على إثباتها، ولو قلنا لهم أين الدليل على أن الخضر شرب منها؟لما وجدوا دليلا واحدا من القرآن والسنة.
(1/99)
وأما الذين يدعون رؤيته فقد أجاب على هذه الحكايات ابن الجوزي رحمه الله قال في كتابه "الموضوعات" 1/197-198: (انتشر الأمر إلى أن جماعة من المتصفين بالزهد يقولون : رأيناه وكلمناه فواعجبا ألهم علامة يعرفونه بها؟!، وهل يجوز لعاقل أن يلقى شخصا فيقول الشخص أنا الخضر فيصدقه).
وأما قبره فعلى كلام القبوريين لم يمت، وهو كلام باطل ولكن لم أهتد إلى ادعاء موضع قبره، وقد ذكر بعض المؤلفين العصريين أن له مقام بعنوان (مقام الخضر الأخضر) في بادية البلقاء الأردن، ومقامه يعبد من دون الله. وقد ذكر صاحب كتاب "الألوهية في العقائد الشعبية" ص(29-30) ما لفظه: (ومن الأولياء الذين يعظمهم المسلمون والنصارى في فلسطين الخضر...إلى قوله: ولا يزالون في الأردن يتوسلون به لتسهيل الولادة قائلين: يا الله يا سيدي الخضر ـ يا الله يا سيدي أبو العباس تفرجها).
2- ذو القرنين:
أخرج الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((...وما أدري ذا القرنين نبيا كان أم لا؟...)) والحديث جاء مرفوعا كما ترى، وقد جاء مرسلا, ورجح البخاري الإرسال قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الرد على البكري: (...وأما ذو القرنين المذكور في القرآن فهو من أهل الإيمان والتوحيد وقد اختلف في نبوته والصحيح أنه لم يكن نبيا..)
3- تبع: اختلف في نبوته، والصحيح أنه كان مسلما على ملة إبراهيم ولم يكن نبيا فقد جاء من حديث سهل بن سعد الساعدي عند أحمد والطبراني، ومن حديث ابن عباس عند الطبراني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم))
4- لقمان :
(1/100)
لا دليل على نبوته, وأما قوله تعالى :{ولقد آتينا لقمان الحكمة} [لقمان] فلا دليل فيها البتة على نبوته؛ لأن الله يؤتي الحكمة من يشاء من خلقه وإن كانوا غير أنبياء، قال تعالى :{يؤتي الحكمة من يشاء} [البقرة] ولم يذكر الله لقمان باسم النبوة ولا مع الأنبياء.
وأما قبره فقد ذكر صاحب كتاب "البيان" 3/51 أن قبره في قرية (صرفند) ظاهر مدينة الرملة من أعمال فلسطين، وعلى قبره مشهد. وقال قتادة : (قبره بالرملة) وجاء عن إبراهيم بن أدهم أنه قال : (بلغني أن قبر لقمان ما بين مسجد الرملة وسوقها).
وهذا إن صح عن قتادة وابن أدهم فهو من الإسرائيليات .
5- مريم بنت عمران : اختلف في نبوتها، والجمهور على أنها غير نبيه، وهو الحق، وقال بعض العلماء إنها نبية ، واستدلوا بأدلة إلا أنها غير صريحة كمثل قوله تعالى :{يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} [آل عمران]، وأدلة القائلين بعدم نبوتها أظهر كقوله تعالى :{ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة} فقد جعل الله في هذه الآية مريم في مرتبة الصديقية والآية وردت لبيان أعلى منزلة نالها عيسى ومريم المدعى فيهما الألوهية، ومما يدلك على أنها غير نبيه أن الله قرن ذكرها مع آسية بنت مزاحم كما في آخر سورة التحريم, وكذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ((كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية)) متفق عليه من حديث أبي موسى. وقرن ذكرها بزوجته خديجة وبنته فاطمة كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة ليس هذا محل بسطها.
وأما قبر مريم فلم يثبت في ذلك شيء، وما أخرجه ابن عساكر (2/411) عن ابن عباس قال : ( ... ومن أراد أن ينظر إلى المقبرة التي فيها مريم بنت عمران والحواريون فليأت مقبرة الفراديس ـ وهي مقبرة دمشق ـ قبور جماعة من الصحابة الأخيار) فلا يثبت فإن مكحولا لم يسمع من ابن عباس، وفيه علي بن شجاع وهو كذاب.
(1/101)
5- أصحاب الكهف: الصحيح الذي لا ينبغي خلافه أن أصحاب الكهف ليسوا بأنبياء وإن كان بعض العلماء قال إنهم أنبياء إلا أنه لا دليل على ذلك، بل بعض العلماء ينقل الإجماع على عدم نبوتهم، وغاية ما من الله به عليهم أن قال : {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم} [الكهف]، وكان من أمرهم أن طلبوا من الله أن يهيئ لهم من أمرهم رشدا، وقد فعل، ولما اشتد الإيذاء لهم توجهوا إلى الكهف، ولو كانوا أنبياء لاستمروا مواجهين لقومهم؛ ومن المجازفة القول بأنهم لم يموتوا ولن يموتوا إلا عند قيام الساعة، وأنهم سيكونون أنصارا لعيسى عليه السلام عندما ينزل.
وإليك بعض الآثار التي استدل بها أصحاب هذا القول:
روى أبو نعيم وغيره عن عوف بن مالك قال غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ الحديث ـ وفيه أنه قال : ((لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم حاجا ومعتمرا ويجعل الله حوارييه أصحاب الكهف والرقيم فيمرون حجاجا فإنهم لم يحجوا ولم يموتوا)) والحديث ضعيف جدا لأنه من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو وقد قال فيه علماء الجرح والتعديل: (ركن من أركان الكذب), وفي صحيح مسلم في شأن نزول عيسى وحجه وليس فيه ذكر أصحاب الكهف, وجاء عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((أصحاب الكهف أعوان المهدي)) أشار السيوطي في "الدر" إلى أن هذه الرواية أخرجها ابن مردوية ـ يعني في تفسيره ـ وتفسيره مفقود ويستبعد جدا أن تكون صحيحة وليس ببعيد أن تكون مأخوذة من أهل الكتاب.
وما جاء عن بعض السلف كمحمد بن كعب القرضي كقوله : (في الكتب المنزلة إن أصحاب الكهف يكونون في حوارييه وأنهم يحجون معه) إذا صح عنه فهو من الإسرائيليات.
(1/102)
وأما تحديد موقع كهفهم فلم يحدد ذلك القرآن الكريم ولا السنة النبوية المطهرة، وإذا كان التحديد لم يرد في القرآن ولا في صحيح السنة فمن المسلم به أن تحديد مكانهم غير مقدور على الجزم به, فهناك روايات إسرائيلية تقول إنهم في تركيا في الأناضول، وهذه الآثار لا يعتد بها لأنها من الأسرائيليات .
ومن المفسرين من قال: (إنهم في الشام)، وقامت جهات مختصة بالبحث عن موقعهم فقررت أنهم في الأردن في قرية (الرجيب) واعتمد هذا رسميا من قبل الدولة الأردنية، وهي قرية قريبة من العاصمة، ويعتبر البحث عن موقعهم من الفضول، وربما قد يكون له آثار سيئة.
ومن الكذب أن يقال: إن أصحاب الكهف في اليمن في يافع السفلى (رصد) ولقد مررت على مكان اسمه (السعدية) فرأيت سبع قباب فسألت عن أمر هذه القباب فقال لي إخوة: (يزعمون أن هذه قبور أهل الكهف)، فقلت: هذا كذب بلا مرية، لأن المفسرين قديما وحديثا لم يذكروا أن أهل الكهف في اليمن، وطريقة القبورية انتحال الكذب من أجل نشر الخرافة، ويقال: إن أصحاب الكهف في موضع آخر في اليمن, وكل هذا لا يصح .
(1/103)
6- الأسباط: اختلف في نبوة الأسباط فمن قائل إنهم أنبياء ومن قائل إنهم ليسوا بأنبياء, وقد حقق القول في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في "جامع المسائل" المجموعة الثانية ص (297-299) حيث قال : (الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن إخوة يوسف ليسوا أنبياء وليس في القرآن ولا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل ولا عن أصحابه خبر بأن الله تعالى نبأهم . وإنما احتج به من قال إنهم نبئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء} والأسباط{ وفسر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب , والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذريته , كما يقال فيهم أيضا (بنو إسرائيل) وكان في ذريته الأنبياء فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسرائيل... إلى أن قال: والأسباط حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر وقال تعالى: }ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما{ فهذا صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل , كل سبط أمة لا أنهم بنوه الاثناعشر, بل لامعنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطا فالحال أن السبط هم الجماعة من الناس؛ ومن قال الأسباط أولاد يعقوب لم يرد أولاده لصلبه بل أراد ذريته, كما يقال بنو إسرائيل وبنو آدم, فتخصيص الآية ببنيه لصلبه غلط لا يدل عليه اللفظ ولا المعنى, ومن ادعاه فقد أخطأ خطأ بينا, والصواب أيضا أن كونهم أسباطا إنما سموا به من عهد موسى للآية المتقدمة ومن حينئذ كانت فيهم النبوة , فإنه لا يعرف أنه كان فيهم نبي قبل موسى إلا يوسف . ومما يؤيد هذا أن الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال }ومن ذريته داوود وسليمان{ الآيات فذكر يوسف ومن معه , ولم يذكر الأسباط , فلو كان إخوة يوسف نبئوا كما نبئ يوسف لذكروا معه ...
(1/104)
إلى أن قال :ثم إن القرآن يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل موسى سوى يوسف لآية غافر, ولو كان من إخوة يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر وظهرت أخبار نبوته فلما لم يكن ذلك علم أنه لم يكن منهم نبي, ثم قال : وقد ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر).اهـ
7- ذو الكفل: اختلف في نبوته، والأقرب أنه نبي بدليل ذكره مع الأنبياء. قال تعالى :{وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين} [الأنبياء]، وقال تعالى :{واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار} [ص]، فهذا الثناء عليه مع الأنبياء دليل على أنه نبي، أما ما جاء عن عبد الله بن عمرو عند أحمد وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله ـ وفيه قصة إتيانه امرأته ثم تركها لما وجدها خائفة ثم أقسم أنه لا يعصي الله فمات من ليلته وأصبح مكتوبا على بابه قد غفر الله للكفل)) فقد قال ابن كثير في "البداية والنهاية" 2/211-212: (هو حديث غريب جدا ، وفي إسناده نظر ، وضعفه في تفسيره . والحديث يدور على سعد مولى طلحة وهو مجهول . وقد جاءت له طريق أخرى غير محفوظة ، فالأقرب أنه موقوف ، وأنه من الإسرائيليات ، ولو صح الحديث لكان الكفل هذا غير ذي الكفل النبي).اهـ
8- عزير: اختلف في نبوته والصحيح أنه غير نبي، وأما حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((لا أدري عزير كان نبيا أم لا)) فهو ضعيف لأن في سنده محمد بن كريب القرشي أخو رشدين وهو ضعيف, وقد جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا أيضا, ولكنه ضعيف لأن في سنده محمد بن إسحاق السجزي وهو ضعيف, وما جاء من أحاديث وآثار أن عزيرا كان نبيا ثم محي اسمه من النبوة بسبب مسائلته لله في القدر فلم يثبت منها شيء.
وأما قبره فقد جاءت آثار تدل على أنه دفن في دمشق. ولا يصح منها شيء .
حكم تصوير الأنبياء والمرسلين وتمثيلهم
(1/105)
إن التصوير والتمثيل مظهر من مظاهر الكفر والوثنية اليونانية تسرب إلى الديانة النصرانية ومنها إلى المسلمين ، وقد غشيت هذه الوثنية بلاد المسلمين في عصرنا هذا بأشكالها وألوانها ، ومنها المسرحية والقصة والرواية ، وقد قرر العلماء الذين كتبوا في هذه القضية أن دخولها إلينا كان عن طريق الأوروبيين عند ما انفتح لهم جهال المسلمين وصاروا معجبين بما عند أولئك الأعداء من أوضاع وديانة وقيم ، ونقتصر هنا في مسألتنا هذه على الكلام على تصوير الأنبياء والمرسلين وتمثيلهم إذ أنه المتعلق بموضوعنا، وليس هذا منا حصرا لجهة التحريم في التصوير والتمثيل بل تمثيل كل شخصية سالفة أو حاضرة وسواء كانت الشخصية حقيقة واقعية أم أسطورة خيالية فهي محرمة في ديننا ولا تجوز بحال من الأحوال.
ولخطورة تصوير الأنبياء والمرسلين أقيمت الدراسات من قبل العلماء وأصدروا فتاواهم في بيان مخالفة هذا العمل للقرآن الكريم والسنة المطهرة ، ولن أسرد أسماء العلماء الذين صدرت فتاواهم في التحذير من هذه الفتنة لأن هذا أمر فوق العد والحصر ولكن سأكتفي بما يلي :
(1/106)
أولا : قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة: فقد أصدر المجمع المذكور قرارا في ربيع الآخر عام 1405هـ هذا نصه: (إن مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - مقام عظيم عند الله تعالى وعند المسلمين ، وإن مكانته السامية ومنزلته الرفيعة معلومة من الدين بالضرورة ، وإن الواجب على المسلمين احترامه وتقديره وتعظيمه التعظيم اللائق بمقامه ومنزلته عليه الصلاة والسلام, فإن أي امتهان له أو تنقص من قدره يعتبر كفرا وردة عن الإسلام والعياذ بالله تعالى ، وإن تخييل شخصه الشريف بالصور سواء كانت مرسومة متحركة أو ثابتة ، وسواء كانت ذات جرم وظل أو ليس لها جرم وظل كل ذلك حرام ، لا يحل ولا يجوز شرعا ، فلا يجوز عمله وإقراره لأي غرض من الأغراض أو مقصد من المقاصد أو غاية من الغايات ، وإن قصد بذلك الامتهان كان كفرا لأن في ذلك من المفاسد الكبيرة والمحاذير الخطيرة شيئا كثيرا وكبيرا، وإنه يجب على ولاة الأمور والمسؤولين ووزارات الإعلام وأصحاب وسائل النشر منع تصوير النبي - صلى الله عليه وسلم - صورا مجسمة أوغير مجسمة في القصص والروايات والمسرحيات وكتب الأطفال والأفلام والتلفاز والسينما وغير ذلك من وسائل النشر ، ويجب إنكار وإتلاف ما يوجد منه ، وكذلك يمنع ذلك في حق الصحابة رضي الله عنهم فإن لهم من شرف الصحبة والجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والدفاع عن الدين والنصح لله ورسوله ودينه وحمل هذا الدين والعلم إلينا ما يوجب تعظيم قدرهم واحترامهم وإجلالهم ، ومثل النبي - صلى الله عليه وسلم - سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام فيحرم في حقهم ما يحرم في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - , لذا فإن المجلس يقرر أن تصوير أي واحد من هؤلاء حرام ولا يجوز شرعا ويجب منعه) نقلا من قرارات المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي) ص(167).
(1/107)
ثانيا : ما نقله صاحب كتاب "الألوهية في العقائد الشعبية"ص(142) فقد قال : (...كما أفتى الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية بتحريم تصوير الأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة ...), وقد ذكر صاحب كتاب "إيقاف النبيل على حكم التمثيل" ستة عشر عالما أفتوا بتحريم التصوير والتمثيل المسمى بالديني ومن هؤلاء العلماء الشيخ الألباني ، والشيخ ابن باز ، والشيخ/ مقبل الوادعي ـ رحمهم الله ـ .
تنبيه : ابتليت بعض الفرق الإسلامية بالتمثيل وجعلوه من مصالح الدعوة إلى الله –زعموا- ألا ساء ما يفعلون .
زيارة قبور الأنبياء والمرسلين ـ عليهم السلام ـ
قال الإمام الحافظ ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي "ص(27) : (الصحابة في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومن بعدهم إلى انقراض عصرهم لم يسافر أحد منهم إلى قبر نبي ولا رجل صالح, وقبر الخليل عليه السلام بالشام لم يسافر أحد إليه من الصحابة ، وكانوا يأتون بيت المقدس ويصلون فيه ولا يذهبون إلى قبر الخليل, ولم يكن ظاهرا بل كان في البناء الذي بناه سليمان عليه السلام, ولا كان قبر يوسف يعرف ولكنه أظهر ذلك بعد أكثر من ثلاثمائة سنة من الهجرة ، ولهذا وقع فيه نزاع فكثير من أهل العلم ينكره ، ونقل ذلك عن مالك وغيره لأن الصحابة لم يكونوا يزورونه فيعرف؛ ولما استولى النصارى على الشام نقبوا البناء الذي كان على الخليل واتخذوا المكان كنيسة، ثم لما فتح المسلمون البلد بقي مفتوحا .
قال : وأما على عهد الصحابة فكان قبر الخليل عليه السلام مثل قبر نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن أحد من الصحابة يسافر إلى المدينة لأجل قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ) .
(1/108)
وقال ص(72) : (أما السفر لأجل القبور فلا يعرف عن أحد من الصحابة بل ابن عمر قدم إلى بيت المقدس ولم يزر قبر الخليل عليه السلام وكذلك أبوه عمر رضي الله عنه ومن معه من المهاجرين والأنصار قدموا بيت المقدس ولم يذهبوا إلى قبر الخليل عليه السلام, وكذلك سائر الصحابة الذين كانوا ببيت المقدس؛ وسائر أهل الشام لم يعرف عن أحد منهم أنه سافر إلى قبر الخليل عليه السلام ولا غيره).
وقال ص(73) : (سائر الصحابة الذين كانوا ببيت المقدس وغيرها من الشام مثل معاذ بن جبل وأبي عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وغيرهم لم يعرف عن أحد منهم أنه سافر لقبر من القبور التي بالشام لا قبر الخليل ولا غيره كما لم يكونوا يسافرون إلى المدينة لأجل القبر, وكذلك الصحابة الذين كانوا بالحجاز والعراق وسائر البلاد).
وقال ص(84) : (...ولا أعرف عن أحد من الصحابة والتابعين أنه سافر إلى قبر الخليل عليه السلام ولا إلى قبر غيره من الأنبياء ولا من أهل البيت ولا من المشايخ ولا غيرهم ...ولكن أهل الضلال افتروا آثارا مكذوبة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى الصحابة والتابعين توافق بدعهم ، وقد رووا عن أهل البيت وغيرهم من الأكاذيب ما لا يتسع هذا الموضع لذكره. وغرض أولئك الحج إلى قبر علي أو الحسين أو الأئمة كموسى والجواد وغيرهما من الأئمة الأحد عشر فإن الثاني عشر دخل السرداب عندهم وهو حي إلى الآن ينتظر ليس لهم غرض في الحج إلى قبر الخليل... إلى أن قال : وهؤلاء تارة يجعلون الحج إلى قبورهم أفضل من الحج ، وتارة نظير الحج ، وتارة بدلا عن الحج .
(1/109)
فالجواب كان عن مثل هؤلاء ولكن كان ذكر قبر نبينا لشمول الأدلة الشرعية فإنه إذا احتج بقوله : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد كان مقتضى هذا أنه لا يسافر إلا إلى المسجد لا إلى مجرد القبر كما قال مالك للسائل الذي سأله من نذر أن يأتي قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : (إن كان أراد مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فليأته وليصل فيه وإن كان أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء : ((لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد)) اهـ .
زيارة آثار الأنبياء ليس من منهج السلف
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حرم شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)), وجاء عند مالك وأحمد والنسائي والطحاوي في "المشكل" عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري بسند صحيح أنه قال لأبي هريرة وقد أقبل من الطور : (لو أدركتك قبل أن تخرج إليه لما خرجت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ((لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)), وروى سعيد بن منصور وابن وضاح في "البدع" بسند صحيح عن المعرور بن سويد قال : (صليت مع عمر بن الخطاب في طريق مكة صلاة الصبح فقرأ فيها : {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} و {لإيلاف قريش} ثم رأى الناس يذهبون مذاهب فقال : أين ذهب هؤلاء فقيل : يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم يصلون فيه، فقال : إنما أهلك من كان قبلكم بمثل هذا، كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعا، فمن أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل ومن لا فليمض ولا يتعمدها)
(1/110)
فالآثار التي توجد بمكة وبالمدينة وبيت المقدس وفي دمشق أو في الطور أو أو ... لم يكن الصحابة يزورونها فضلا عن شد الرحال إليها، وقد كان الصحابة يصلون إلى الأماكن التي يدعى فيها آثار الأنبياء ولم يكونوا يزورونها ، فعمر رضي الله عنه لما ذهب إلى بيت المقدس لم يتوجه زائرا للصخرة وهكذا غيره من السلف, فما هو مشاهد اليوم من زيارة آثار أنبياء فليس إلا انحرافا عن الهدي النبوي .
ذكر مجموعة من قبور الأنبياء عبدت من دون الله
أخي القارئ الكريم قد تستغرب من هذا العنوان، ولكن هذا هو الحاصل بلا شك فإن عبادة القبور تقع بصرف أي عبادة لتلك القبور، وأنواع العبادات التي اختص الله بها نفسه كثيرة ومنها :
الدعاء ، والحب والتعظيم ، والرجاء والخوف ، والاستعانة والاستغاثة ، والذبح والنذر ، والتبرك ، والحلف ، والطواف وغير ذلك ، فصرف عبادة واحدة من هذه وأمثالها لغير الله شرك, وقد جعل - صلى الله عليه وسلم - يسير الرياء شركا, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء)) رواه أحمد عن محمود بن لبيد, وهو صحيح .
وجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : (ما شاء الله وشئت يا رسول الله فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((أجعلتني لله ندا ؟قل ما شاء الله وحده)) رواه النسائي وغيره عن ابن عباس، وهو صحيح.
فإذا كان الوقوع في الشرك يكون بالحرف وإن لم يقصد القائل الشرك فكيف بمن يصرف عبادة ؟ !
وإليك بعض أسماء الأنبياء والمرسلين الذين تعبد ضرائحهم:
2- نوح ، 2- هود ، 3- صالح ، 4 – إبراهيم ، 5- شعيب ، 6- يونس ، 7- أيوب ، 8- الخضر ، 9- موسى ، 10- زكريا ، 11- يحيى ، 12- إلياس ، 13- إدريس ، 14- داود ، 15- إسحاق ، 16- هارون ، 17- آدم عليهم السلام جميعا .
(1/111)
وقد تقدم أنه لا يعلم بالتحديد مكان قبور الأنبياء, ولكن دعاة الباطل بنوا بعض القباب على بعض القبور وقالوا هذا قبر النبي الفلاني, وهذا قبر الرسول الفلاني فإنا لله وإنا إليه راجعون .
تنبيه: بعض القبور تعبد في أكثر من مكان كقبر إبراهيم عليه السلام فإنه يعبد في مدينة الخليل، وله مقام في دمشق يعبد، وكقبر شعيب عليه السلام فإنه يعبد في اليمن وفي الشام، وكقبر أيوب عليه السلام فإنه يعبد في اليمن، والروم، والشام، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
تنبيه آخر: لقد تقرر عندي كما تقرر عند غيري من الباحثين حول مسألة قبور الأنبياء ما يأتي :
1- الأحاديث والآثار التي تثبت أن أكثر الأنبياء دفنوا في بيت المقدس وفي الشام وفي مسجد الخيف وفي الحرم المكي غير صحيحة.
2- الأحاديث والآثار التي سمت قبوربعض الأنبياء ما صح منها لم يصح التعيين للقبر، وما لم يصح وهو الأكثر فلا يصح الإطلاق بها فضلا عن التعيين، ومن هنا نجزم بصحة القاعدة ألا وهي (لا يعلم قبر نبي غير قبر نبينا - صلى الله عليه وسلم - ).
3- العلماء الذين أثبتوا قبور أنبياء كان اعتمادهم كثيرا على كتب التاريخ، وكتب التاريخ لا يحتج بما فيها، ولا تبنى على ذلك الأحكام الشرعية، ولا يعارض بذلك ما جاء في القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة.
4- من خلال ما ذكرناه من آثار استدل بها على وجود قبور الأنبياء نجد التناقض الشديد بحيث لا يقدر الشخص أن يقبل تلك التناقضات، وعلى سبيل المثال: قبر هود ذكر في مكة، وفي حضرموت، وفي شبوة، وفي دمشق. وأيوب ذكر قبره في الشام، وفي الروم، وفي اليمن. فهذه الآثار كلها ضعيفة وهي في غاية التناقض.
5- غالب العلماء والمؤرخين الذين ذكروا مجموعة من قبور الأنبياء لم يعينوا أماكنها بالتحديد، ولا أرادوا ذلك، وما ذكروه معينا فلم يجعلوه دليلا على جواز بناء المساجد والمشاهد على القبور عملا منهم بالأدلة التي تحرم ذلك.
(1/112)
6- غالب الدعاوى التي بسببها أسست القباب والمشاهد على قبور الأنبياء والمرسلين كانت ناجمة عن طريق الرؤيا المنامية كما مثلنا لذلك بقبر أيوب في اليمن، وهذه الرؤيا نجزم أنها رؤيا شيطانية والذين يدعون أنهم رأوا ذلك الغالب عليهم الجهل ، فإن لم تكن شيطانية فهم كاذبون، ولا يجوز أبدا العمل بالكشف المنامي، أما القبورية فذلك من مصادر التشريع عندها، وهو مصدر يغذيه الشيطان وجنوده.
تنبيه آخر : يقال : قبر النبي حنظلة وأنه في الجامع الكبير بصنعاء. ولا يعرف نبي اسمه حنظلة فضلا عن قبره .
ادعاء آبار سكن فيها الأنبياء
أخي القارئ : قد تستغرب من هذا العنوان، ولكن لا غرابة ما دام أن المفرخين للشركيات يجدون من يقبل جهالاتهم وضلالاتهم، وما سأذكره من آبار يسكنها أنبياء إنما هو من باب التمثيل لا من باب الحصر. وغرض المدعين لهذا هو تجويز ادعائهم أن الأولياء يسكنون في الآبار, فانظر كيف كذبوا على الأنبياء وعلى الأولياء 1- بئر يوسف عليه السلام : تقع هذه البئر في الأردن يدعي الجهال والحمقى أنها البئر التي ألقي يوسف فيها، وهي تقع على بعد أربعة فراسخ من طبرية مما يلي دمشق، وهي تزار ويتبركون بشرب الماء منها.اهـ من كتاب "الألوهية في العقائد الشعبية" ص(121) وهناك بئر في مصر تزعم العامة أنها هي التي سجن فيها يوسف عليه السلام ويتبركون بمائها وينزل النساء للحبل. المصدر السابق (121)
2- بئر أيوب عليه السلام : وهي بئر تزعم العامة أنه يسكنها نبي الله أيوب وهي في فلسطين، وهي من الآبار التي يتبرك بها, مدعين أن أيوب ركض فيها برجله حينما كان مبتلى. نقلا من كتاب "الألوهية في العقائد الشعبية" ص(120-122). ويدعي أهل سيناء من مصر أن عندهم بئرا يقال لها بئر نبي الله أيوب.
(1/113)
1- بئر مريم عليها السلام : ادعى الخرافيون أن مريم لها أكثر من بئر، ومن ذلك (عين كارم) تسكنها مريم العذراء، يتبرك فيها النصارى، والمسلمون، وهي في فلسطين كما يزعم ةذلك بعض العوام.
ومن ذلك (بئر عونه) يدعي النصارى أن مريم عليها السلام تأتيها العادة الشهرية فيها فيتلون الماء لذلك. نقلا من المصدر السابق ص (120)
وفي مصر شجرة تسمى شجرة العذراء يحج إليها بعض المسلمين الحمقى والنصارى. المصدر السابق ص(126).
ادعاء معرفة قبور بعض الصحابة والتابعين
لا يخفى عليك أيها المسلم أن دعاة القبورية توسعوا في الكذب بحيث إنهم ادعوا معرفة قبور للصحابة وأتباعهم بدعوى لا أساس لها من الصحة من أجل أن يدفعوا الناس إلى التعلق بها والعبادة لها باسم احترام الصحابة وأتباعهم, فلم يكتفوا بالكذب على الأنبياء بادعاء معرفة قبورهم حتى توسعوا أكثر من ذلك فادعوا معرفة قبور بعض الصحابة والتابعين وإليك مجموعة منهم :
أ- قبر بلال بن أبي رباح مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ب- قبر أبي أيوب الأنصاري: لا يثبت أنه دفن في القسطنطينية، وقد بني فوق الضريح مسجد كبير وهو يعبد من دون الله.
ج- قبر أم سلمة رضي الله عنها: لا دليل على دفنها بالشام، قبرها هناك يعبد من دون الله.
د - قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لقد حرص المسلمون عند موته على تغييب قبره فلا يدرى أين هو.
ومن التفنن في الخرافة أنه كان يوجد مسجد في دمشق يقال له مسجد الكف وفيه تمثال كف علي بن أبي طالب، ومن الكذب الصراح ادعاء القبورية أنه مدفون في النجف ، وأكذب من هذا أن يقال : إنه مدفون في الشمس أو القمر أو السحاب ، وهذه الخرافة موجودة عند الطائفة النصيرية.
هـ- قبر الحسين بن علي بن أبي طالب:
وسيأتي الكلام على تنوعات الكذب حول قبر الحسين قريبا إن شاء الله .
و- قبر حذيفة بن اليمان.
(1/114)
ز- قبر سلمان الفارسي: له قبة في الشام ولا يعلم أنه مات هناك بل يقال إنه توفي في المدائن .
كل هذه القبور ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" منها ما نفاها ، ومنها ما سكت عنها ولا دليل على إثباتها.
ح- أنس بن مالك بني له ضريح في (آنس) اليمن ، وهو كذب بلا مرية لأنه لم يقدم إلى اليمن.
ط- رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لها مشهد في القاهرة أقامته زوجة الحاكم الباطني المعروف بالحاكم بأمر الله, ولا قدوم لها إلى مصر البتة، نبه على ذلك غير واحد ، وينسب إليها قبر في الشام.
ي- أم كلثوم بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - : وينسب إليها قبر في الشام وقد توفيت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة .
ك- قبر أسماء بنت أبي بكر في دمشق مع أنها ماتت في مكة ، ولا قدوم لها البتة إلى الشام.
ل- قبر أبي بن كعب: يدعى أنه بدمشق وله مشهد, قال ابن تيمية: (وقد اتفق أهل العلم على أن أبيالم يقدم دمشق وإنما مات في المدينة فكان بعض الناس يقول إنه قبر نصراني، وهذا غير مستبعد ... ) " مجموع الفتاوى" 27/460.
م- قبر عمار بن ياسر: في مصر وله مشهد في المنوفيه مركز أشمون
ن- قبر جابر بن عبد الله الأنصاري: يقال : إنه في الرهاء من أعمال حلب وله مشهد, وإنما توفي في المدينة.
س- قبر جعفر الطيار: يقال: إنه في الأردن وهو من القبور التي تعبد من دون الله ، قال صاحب كتاب "مزارات في شرق الأردن"ص(906) : (فترى الفتيات يرقصن حول المزار بأغاني مطربة ونغمات رقيقة).
ع- قبر زيد بن ثابت: في دمشق مع أنه لا يثبت وكذا قبر أبي هريرة لا يثبت أنه في دمشق .
ف- قبر أبي الدرداء: في الإسكندرية وله ضريح يعبد، ولم يدفن أبو الدرداء في الإسكندرية عند كافة أهل العلم.
**– قبر قثم ابن العباس بن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : في سمرقند وهو من القبور المعبودة، ولا وجود لقبر هذا الصحابي هناك.
(1/115)
بل ذكرت قبور لصحابة لا تعرف أسماؤهم في التاريخ، ومن ذلك قبر بتركيا لصحابي أسموه (كيسك باش) وفي معرة النعمان ضريح لرجل يقال له (عطا الله) يدعى أنه صحابي ، ذكر هذين صاحب كتاب "الانحرافات العقدية" ص(290-291)، ومن ذلك أيضا قبر لصحابي يدعى أن اسمه (زارع النوى).
وهذا الذي ذكرناه من أسماء قبور الصحابة ولا يثبت منها شيء ليس للحصر وإنما هو من باب الاستدلال على التوسع في الكذب وإلا فقد ذكر بعض المعاصرين أن الضرائح التي في دمشق وحدها بلغت (194) ضريحا نسب منها إلى الصحابة أكثر من سبعة وعشرين كل واحد يزار ويتبرك به .
ومن مجموع فتاوى ابن تيمية مما لا يصح وجوده ما يلي :
1- قبر خالد بن الوليد في حمص.
2- قبر معاوية بظاهر دمشق.
3- قبر عبد الرحمن بن عوف في الجزيرة.
4- قبر عائشة بحلب.
5- قبر أم حبيبة في دمشق.
6- قبر فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشام .
7- قبر الزبير بن العوام ، وعتبة بن غزوان في البصرة وقد قامت الدولة العثمانية ببناء مسجدين على قبريهما وصارا يعبدان من دون الله. انظر 127, 170 ,446 , 448 , 459 , 484 , 492, وقد نقل ابن تيمية اتفاق أهل العلم على عدم صحة أكثر هذه القبور إلى من نسبت إليهم.
قبور لغير الصحابة نسبت إلى أماكن لا تثبت فيها
أ- قبر موسى بن جعفر: لا صحة لوجود قبره في العراق .
ب- قبر محمد بن علي الجواد: لا يعرف مكانه في العراق.
ج- قبر أويس القرني: ذكره في دمشق من الكذب، ويقال إنه في اليمن في مراد وهذا غيرصحيح.
د- قبر علي بن الحسين زين العابدين: لا وجود له بالقاهرة, والمشهد الذي بحلب كذب باتفاق أهل العلم. انظر "مجموع الفتاوى " 27/170.
هـ- قبر بحران ويقال قبر الأنصاري.
و- قبر أبي مسلم الخولاني: لا وجود له (بداريا) كما نبه عليه ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " 27/170.
ز- قبر السيدة نفيسة بنت زيد بن الحسن: في مصر وهو من الضرائح التي بلغ الشرك عندها عنان السماء.
(1/116)
ح- قبر السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب: ادعي أنه في القاهرة ولا يعلم لها دخول إلى مصر كما ذكر ذلك صاحب كتاب "الوثنية في ثوبها الجديد"ص(81) ولها ضريح في دمشق أقامتة الشيعة, وكلا الضريحين يعبدان من دون الله.
ط- قبر سكينه بنت الحسين بن علي بن أبي طالب: في القاهرة وللضريح قبة بنتها زوجة الحاكم بأمر الله العبيدي الباطني ، ذكر ذلك صاحب كتاب "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون"1/102 ولا يخفاك أنه من القبور المكذوبة.
ي- قبر يحيى بن عقب مؤذن الحسين بن علي: تزعم العامة في مصر أنه في (زقاق الزار) وهو من الكذب .
ك- قبر جعفر الصادق: بحارة (برجوان) في مصر وهو من الكذب أيضا.
ل- قبر محمد بن موسى: في مدينة (قم) بإيران بناه الباطنيون الحمدانيون.
م- قبر السبع البنات: ظهر في عام 400هـ وهو من المخترعات .
ن- قبر زيد بن علي بن الحسي:ن رضي الله عنه في مصر .
وعلى كل الكذب جار على مر العصور, وفي العصور المتأخره أكثر لانتشار الكذب بين الناس،وعلى هذا فلا بد من التأكد من الضرائح التي بنيت عليها المساجد أو القباب والمشاهد وخصوصا فيمن يدعى أنه نبي أو رسول أو صحابي أو تابعي أو تابع تابعي، ولو حصل التأكد أن فلانا قبر في المكان الفلاني فلا يجوز أبدا بناء المساجد عليه أو القباب والمشاهد للأنبياء والصحابة .
الفصل الثالث : انتشار الدعوة القبورية في اليمن
الدولة الصليحية أول دولة أسست القبورية في اليمن
من المعلوم أن الدولة الصليحية تمثل الاعتقاد والمنهج الباطني القرمطي, واعتقاد الباطنية هو أخبث اعتقاد حملته فرقة تنتمي إلى الإسلام في الظاهر لأنه يقوم على الإلحاد الشامل, ومن ذلك: اعتقاد بطلان عبودية الله وحده, وهذا هو السبب في صرف عبادتهم لغير الله .
(1/117)
ومن ذلك تعليق الناس بالضرائح (فقد قام الملك المكرم الصليحي محمد بن علي بن محمد بن مؤسس الدولة الصليحية في القرن الخامس ببناء مشهد على رأس والده وعمه في زبيد كما في كتاب "المفيد من أخبار صنعاء وزبيد" ص(134) وأيضا قام المكرم بنبش قبر أبيه وعمه ثم حمل جثثهما في تابوتين ودفنهما في صنعاء وأمر ببناء مشهد جامع لهما وبنى عليهما التربة المشهورة بالزعفران) كما في كتاب "القبورية في اليمن" ص(268) .
ولما توفيت بنت المكرم وهي السيدة أروى بنت أحمد الصليحي أوصت أن تدفن في مسجد جبلة فدفنت فيه, ولا يزال قبرها عليه تابوت يعبد إلى الآن من قبل الباطنية وكان وفاتها في القرن السادس الهجري (532)هـ بعد أن تولت الحكم قرابة نصف قرن .
ولا تزال الضرائح التي شيدتها الباطنية تزار إلى عصرنا, بل يقوم المدعو محمد برهان الدين البهري الهندي بزيارة سنوية إلى اليمن غالبا ويأتي معه عدد كبير من الهنود .
ولهم في ذلك مآرب خطيرة جدا منها :
إحياء عبادة الضرائح فإنهم إذا وصلوا إلى صنعاء توجهوا إلى منطقة حراز التي تقع شمال صنعاء غربا, وهناك عدة ضرائح وأشهرها قبر يعبدونه بكل ما تعني كلمة عبادة هو قبر حاتم بن إبراهيم الحامدي في حراز قرية ((حطيب)) وقد نشر فيلم فيديو وفيه ظهور هؤلاء وهم ساجدون لمحمد برهان الدين ولقبر الحاتمي, وناهيك عن الطواف حول الضرائح والدعاء والاستنجاد والذبح والنذر للحاتمي ومن سواه حتى أن شاعرهم قال :
أبا حاتم الخيرا أنت ملاذنا * وملجأنا في يومنا وكذا غد
وهذه الزيارات يقومون بها في رجب, وقد أقيم في حراز معسكر للبهرة أطلق عليه (الفيض الحاتمي) .
وقد رفعت شكوى إلى الدولة عام 1995م بهذا الإعداد العسكري, ومعنى هذا أنهم جادون في إقامة دولتهم بكل ما أمكن ولله الأمر من قبل ومن بعد .
(1/118)
ومنها : أن الباطنيين في اليمن يتسلقون المناصب العالية ذات الأهمية البالغة كالوصول إلى قيادة أو نيابة وزارة الدفاع, ومنهم من صار في وزارة المالية وزيرا لها, ولا يخفاك أنهم يبذلون في الوصول إلى التحكم في المال والسيطرة عليه بالغالي والرخيص لأنهم يرون أن قوة المال كفيل بإقامة دولتهم واستمرار بقائها, فلا تستبعد أبدا أن تصرف أموال وزارة المالية فيما يقوي شوكتهم ويوسع تمكينهم .
وبعض المسؤولين قد يفرحون بالباطنيين باعتبار أنهم يبذلون لهم شيئا من المال, ولا يدركون أن الباطنيين يعملون لإعادة وقيام دولة علي بن الفضل قبحه الله .
وإليك نبذة مختصرة عن أول دولة إلحادية قامت في اليمن على يد المدعو علي بن الفضل حامل راية الكفر والإلحاد :
ذكر صاحب كتاب "السلوك" أن علي بن الفضل قال في نشر دعوته وإقامة دولته : (ولي أسوة بأبي سعيد الجنابي) وأبو سعيد هذا: هو الذي أقام دولة القرامطة في البحرين التي كان من ورائها ألوان من العذاب والإبادة .
وقال صاحب كتاب "أصول الإسماعيلية" 2/377 : (وبعد أن تمت له –أي لأبي سعيد الجنابي- السيطرة على منطقة البحرين ولا سيما مدينة هجر أعظم مدن المنطقة بدأ في التوسع والسيطرة خارج البحرين, وكان يستخدم سلاح البطش والقوة فكان كما يقول الداودي: لا يظفر بقرية إلا قتل أهلها ونهبها فهابه الناس وأجابه كثير منهم طلبا للسلامة, ورحل خلق كثير من البلدان إلى نواح مختلفة ...)
هذا أسوة علي بن الفضل قال ابن الدبيع : (إن علي بن الفضل عندما دخل صنعاء أظهر مذهبه الخبيث ودينه المشؤوم وارتكب محظورات الشرع وادعى النبوة, وكان المؤذن يؤذن في مجلسه أشهد أن علي بن الفضل رسول الله, وأباح لأصحابه شرب الخمر ونكاح البنات وسائر المحرمات وأنشد أبياته المشهورة على منبر صنعاء التي يقول فيها :
خذي الدف يا هذه واضربي وغني هزاريك ثم اطربي
تولى نبي بني هاشم وهذا نبي بني يعرب
(1/119)
لكل نبي مضى شرعة وهذي شريعة هذا النبي
فقد حط عنا فروض الصلاة وحط الصيام فلم يتعب
إذا الناس صلوا فلاتتعبي وإن أمسكوا فكلي واشربي
ولا تطلبي السعي عند الصفا ولا زورة القبر في يثرب .
انظر "قرة العيون"1/190- 196.
ويؤكد الحمادي اليماني ما ارتكبه علي بن الفضل في صنعاء بقوله :
فدخل القرمطي صنعاء فأقام فيها, وأظهر فيها الفحشاء, وأمر الناس بحلق رؤوسهم,
وذكر الجندي أيضا في "سلوكه" ص (242): رسالة لعلي بن الفضل هذا نصها : (من باسط الأرض وداحيها ومزلزل الجبال ومرسيها علي بن الفضل إلى عبده أسعد بن أبي يعفر) اهـ. وانظر كذلك كتاب "كشف أسرار الباطنية" ص(33) .
وقد حاول المجادلون بالباطل أن ينفوا هذه الكفريات عن ابن الفضل, وأن المؤرخين الذين كتبوها خصوم لعلي بن الفضل, ولكن ماذا يقولون في إثبات هذه الكفريات عن علي بن الفضل من قبل أئمة الباطنية أنفسهم؟ قال الداعي الإسماعيلي المطلق إدريس عماد الدين القرشي في كتابه "عيون الأخبار" ص(116). في كلامه عن علي ابن الفضل : (فارق الدعوة, وخرج من الملة, وباين المتوجهين إلى القبلة, وادعى النبوة, وافترى على الله وعلى أوليائه مقتديا بالمضلين من قبله, فكانوا له شر أسوة, واستمال الجهال والرعاع فكانوا له من الأنصار والأتباع, فارتكب المحارم وأتى بالعظائم ومال إلى الإباحات وترك الأعمال الصالحات, وكفر بعد إيمانه وباء بلعنة الله بكفره وعدوانه مقتديا بالمغيرة وأبي الخطاب)
(1/120)
وذكر عن ابن هبة الله الشيرازي الإسماعيلي أنه قال في علي بن الفضل : (قدح في شيء من الشرائع والسبل وأجاز في شيء عن مناسك شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - صلاتها وصومها وحجها وجهادها ...اللهم فاجعله موقع التفاهات وموقع اللعنات من أهل الأرض والسماوات) اهـ المصدر السابق ص(41).وقال عن الداعي الاسماعيلي حاتم بن إبراهيم الحامدي : (وانقطع أمر اللعين علي بن الفضل بعد موته وتفرق أتباعه من الغوغاء اللعناء ولم يبق أحد على دينه فلعنة الله عليه) اهـ نفس المصدر ص(43).
هذا الكلام على علي بن الفضل لا يعني أنهم قد تخلوا عن القرامطة الملحدين, وإنما هذا من باب التلبيس على الناس لأنهم رأوا الناس قد بان لهم إجرام علي بن الفضل فصاروا يرون كل من انتمى إلى الباطنية أنه كذلك فلا يقبلوا منه بل يحاربونه بكل ما أوتوا.
وإليك نص وثيقة ملك اليمن : الإمام يحي حميد الدين في الحكم على القرامطة :
بسم الله الرحمن الرحيم
ليعلم كل موحد يطلع على هذا أن الفرق الباطنية التي قد أمكن الله من بعض رؤسائهم وجمع من الذين سودوا علينا أعداء الله العجم منهم وأطلعنا الله على ما يخفونه من الكفر وإنكار الصانع الحكيم وإنكار الشرائع الإسلامية والقول في كل حكم وكل لفظ من أحكامها وألفاظها الشرعية أن باطنه غير ما عليه أهل الإسلام إلى غير ذلك من التراهات والأوهام وهم مع هذا يفعلون من الأفعال المضرة بأهل الإسلام فعل المحارب وينتهكون منهم كل حرام .
فأبحنا للمجاهدين دماءهم وأموالهم أينما وجدوا أو على أي صفة كانوا حتى يصح ويتحقق إسلام من يجدد إسلامه منهم .
وحيث إنهم يخالطون في البلدان أهل الإسلام ويتزيون بزيهم ويتمظهرون بأنهم منهم حجرنا المجاهدين عن الإقدام إلى من لم يعلم كونه منهم ولم ينتم إليهم ويعتقد معتقدهم من ذلك المستثنى الزيدية القاطنون في مناخة وما إليها .
(1/121)
وهذا بيد المحب علي حسين الشيبة ليكون من جهة المجاهدين مع الشيخ الجمالي علي بن علي السلامي حماه الله ويكون عمل علي حسين بمعرفة الشيخ الجمالي ومن انضم إلى علي حسين الشيبة من المجاهدين أيضا . بتاريخ 20ربيع أول 1346 اهـ الختم
أمير المؤمنين المتوكل على الله رب العالمين) .اهـ بنصه .من كتاب "الشيعة الإسماعيلية رؤية من الداخل" ص(207-208). رقم الوثيقة (27) .
فأقول ياليت ولاة أمورنا يدركون أبعاد المؤامرة السرية عليهم وعلى دولتهم وشعبهم من قبل طائفة البهرة القرامطة ومن كان على شاكلتهم .
الدولة الشيعية وما قامت به من نشرالدعوة القبورية في اليمن
لقد كانت الدولة الصليحية الباطنية في اليمن قدوة لدولة التشيع في نشر الشرك والخرافة, حيث إن الصليحيين أسسوا الدعوة القبورية, وتبعهم في ذلك أئمة التشيع في اليمن وغيره, وقد بدأت القبورية تظهر على يد دعاة الشيعة في اليمن في أول القرن السابع الهجري وهذا يدل على الفارق بين بداية شرك الضرائح على يد الباطنية وعلى يد الشيعة .
وهذه أسماء بعض ملوكهم الذين بنيت المشاهد على قبورهم :
1- المنصور بالله عبد الله بن حمزة المدفون في منطقة ظفار (ذي بين) عام614هـ
2- الإمام عماد الدين يحي بن حمزة: دفن في ذمار, وكانت العامة تعتقد أن الحية إذا أدخلت قبره تموت .
3- الإمام يحي بن الحسين المشهور بالهادي: المدفون في صعدة, وكانت العامة تصرف له أنواعا من العبادات, ولم تبن على قبره القبة إلا في القرن الثامن على يد الإمام المهدي, وهو أول من بنى مشاهد القبور في صعدة .
4- الإمام صلاح الدين وقبره في صنعاء .
5- الإمام الناصر محمد بن يوسف المرتضى: دفن في مدينة (ثلا), وفي هذه المدينة ضرائح كثيرة لمجموعة من أئمة الشيعة وأبنائهم وأحفادهم وهؤلاء أضرحتهم تابعة لأضرحة الأئمة .
(1/122)
ولم يتوقف الشر عند إحياء سنة اليهود والنصارى وهي اتخاذ القبور مساجد بل صار الأمر أفظع من ذلك .وإليك ما قاله الإمام عبد الله بن حمزة في رسالته إلى الساكنين في (لصف ) : (فهلا استشفيتم بتراب مصرعه من الأدواء, وسألتم بتربة مضجعه رفع الأسواء, واستمطرتم ببركة قبره من رحمة ربكم طوالع الأنواء...وعمرتم على قبره مشهدا أو جعلتموه للاستغفار مثابة ومقصدا, ونذرتم له النذور تقربا...) "هجر العلم"1/223-224 .
وقد أفتى بجواز بناء القباب والمشاهد على قبور الفضلاء الإمام يحي بن حمزة, وهو أول إمام من أئمة الشيعة أفتى بذلك كما ذكر ذلك الشوكاني في رسالته القيمة "شرح الصدور" وتتابعت بعده فتاوى كثيرة من أئمة الشيعة في اليمن .
إن الدول التي أحدثت الشركيات قامت بالحماية للشركيات بالحديد والنار والمؤاذاة لمن يحذر من هذه المنكر ات الفظيعة كما هو معلوم لمن قرأ في كتاب تاريخ هذه الدول وقد تؤدي المؤاذاة إلى القتل والتشريد, وهذا فيه زيادة أوزار عليهم من جهتين
الأولى :من جهة المؤاذاة لمن يحذر من ذلك إذ أنهم دخلوا في مؤذاة أولياء الله وقد قال الله في الحديث القدسي: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه .
الثانية : من جهة أن هذه المفاسد العظيمة تنشر أكثر وأكثر, وكلما كثر انتشارها عظم ضررها .
ألا فاربعوا على أنفسكم أيها المسلمون وجندوا أنفسكم حماة للحق ورعاة له وقائمين به .
تنبيه : وزر العلماء الذين سهلوا للملوك هذه الإنحرافات ورغبوهم فيها أكبر من وزر الملوك, لأن العلماء بسكوتهم حصل هذا, وبترغيبهم لهم في هذه الأباطيل قويت عزائمهم على نشرها وبذل الأموال في سبيلها, وربما برر لهم علماؤهم فعل هذا وأروهم أنه قربة إلى الله, فصار الملوك يعملون ذلك تقربا إلى الله, فهذه عاقبة من فرط في التعرف على علماء الحق والباطل والتفريق بينهم .
الدولة الرسولية ومشاركتها في نشر القبورية في اليمن
(1/123)
الدولة الرسولية منسوبة إلى مؤسسها نور الدين عمر بن علي بن رسول التركماني المتوفى في 667هـ وهذه الدولة بسطت نفوذها على جزء كبير من اليمن وامتد إلى مكة وإلى أطراف سلطنة عمان, وقد تحققت منجزات على يد هذه الدولة في مجالات شتى من ذلك نشر العلم فقدكان ملوكها يعتنون بنشر العلم فقد جلبوا العلماء وأقاموا المدارس وحرصوا على جمع الكتب النفيسة .
ومن جهة أخرى فقد كانت فاتحة شر كبير, ومن أخطر ذلك فتح المجال لأرباب دعاة التصوف المقيت, ومن ذلك الدعوة إلى عبادة القبور, فقد خدع أولئك الملوك من قبل دعاة التصوف واستجابوا لهم فيما أرادوا, ومن ذلك بناء القباب والمشاهد والمساجد على الرفات, وصارت هذه الانحرافات رمزا لصلاح فاعليها, وتهتز المنابر بذكره ويمدح ظاهره وسره ويدعى الناس إلى الاقتداء به .
ولقد انقرضت هذه الدولة قبل قرون وبقي آثار ما أحدثته إلى عصرنا هذا, وإليك بعض الشر الذي أظهرته هذه الدولة :
1- التربة الخاصة ببني رسول . ذكر البهاء الجندي في كتابه "السلوك"2/117 في ترجمة القاضي عمر الهزاز قائلا : (وحين بلغت وفاته – أي الهزاز- الملك المظفر كتب إلى أولاده سألهم أن يدفنوه في التربة التي هي قبلي جامع (عدينة), ففعلوا ذلك إذخواص بني رسول من القرابة والسراري مقبورون فيها) اهـ و(عدينة) موضع في مدينة تعز .
2- حرص ملوك الدولة الرسولية على أن يدفنوا في المدارس التي بنوها ومنهم :
أ نور الدين عمر بن علي بن رسول: قتل في الجند وحمل إلى تعز ودفن في المدرسة الأتابكية بذي هزيم " العقود اللؤلؤية" 1/82.
ب الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول: توفي 694هـ ودفن في مدرسة المظفرية بمدينة تعز كذا في "المدارس الإسلامية في اليمن" ص(106).
ج-الملك الأشرف عمر بن المظفر: المتوفى 696هـ دفن في المدرسة الأشرفية بمدينة تعز. "الفضل المزيد في أخبار زبيد" ص(94).
(1/124)
د-الملك الأشرف الأفضل المتوفى 783هـ قال صاحب كتاب "قرة العيون" : (انتقل الملك السلطان الأشرف إلى رحمة الله في ربيع الأول من السنة المذكورة فجعل بمدرسته التي أنشأها بمدينة عدنية) .
هـ- الملك الأفضل بن المجاهد: المتوفى 778هـ حمل من زبيد إلى تعز ودفن في مدرسة الأفضلية . "الفضل المزيد "ص(98).
و الملك الظاهر يحي بن إسماعيل: توفي 842هـ ودفن في مدرسة الظاهرية بمدينة تعز . " المدارس الإسلامية في اليمن" .
3- بناء المساجد وغيرها على القبور والضرائح: ومن ذلك ما ذكره المؤرخ الجندي وهو يتحدث عن الأمير بدر الدين الحسن بن علي بن رسول , قال وقد بناه – أي المسجد- عند تربة أبيه علي بن رسول ووقف عليه وقفا جيدا .
وأيضا ما ذكره صاحب كتاب "الفضل المزيد" قال: (توفيت أم السلطان الحرة الظاهرة أم الملوك جمة الطواشي جمال الدين فرحان في مدينة زبيد في الثاني عشر من صفر وقد دفنت قريبا من تربة الشيخ طلحة بن عيسى الهتار وأمر ولدها السلطان الملك الظاهر بإنشاء مدرسة عظيمة على ضريحها ورتب فيها إماما وخطيبا وأيتاما ومعلما وعشرين قارئا يقرؤون القرآن عند ضريحها عقب كل صلاة ورتب لهم ما يقوم بكفايتهم) .
4- عقر ملوك الدولة الخيول على موتاهم عند الدفن وغير ذلك من المنكرات: قال القاضي إسماعيل الأكوع في كتابه "المدارس الإسلامية في اليمن" : ص(212) وهو يتحدث عن وصية الملك المؤيد داود المظفر : (وقد أوصى أن لا يناح عليه ولا يشق عليه ثوب ولا يغشى نعشه إلا بثوب أبيض وأن لا يعقر على قبره شيء من خيله وأن يدفن في مقابر عامة المسلمين ...) قال القاضي معلقا : وكان من عادة ملوك بني رسول عقر الخيل على موتاهم عند الدفن والنياحة وشق الثياب وغير ذلك مما نهى عنه الدين الإسلامي) اهـ .
ادعاء وجود قبور للأنبياء والصحابة في اليمن لا يثبت منها شيء
سأذكر القبور التي نسبت إلى مكان معين في اليمن وليس لها وجود فيه :
(1/125)
1- قبر النبي شعيب عليه السلام .
2- قبر النبي صالح عليه السلام .
3- قبر النبي أيوب عليه السلام .
4- قبر النبي إلياس عليه السلام .
5- قبر النبي هود عليه السلام .
6- أصحاب الكهف .
وهؤلاء كلهم قد تقدم ذكر أماكن قبورهم إلا أنها غير صحيحة .
7- قبر سام بن نوح : ادعي وجوده في قرية (النوادرة) عزلة المنار (آنس).
8- قبر روبيل بن يعقوب: ادعي وجوده في جهران.
9- قبر نبي من ولد نبي الله هود عليه السلام قرية شرف ظفار.
10- قبر المطلب بن عبد مناف: في الحيمة الداخلية بني النمر.
11- السبعة الأشخاص الذين من زارهم تقضى حاجته.
12- النبي حنظلة الذي يدعون وجود قبره في صنعاء لا يوجد نبي بهذا الاسم كما سبق .
وبعض هذه القبور ذكرها الحجري في "مجموع البلدان اليمنية وقبائلها"
13- معاذ بن جبل: قبره في الجند مع العلم أنه رجع من اليمن إلى المدينة في خلافة أبي بكر ومات في طاعون (عمواس) في خلافة عمر في الشام فكيف يكون في الجند.
14- سلمان الفارسي: قد تقدم أن ذكرنا أن ادعاء قبره في الشام غير صحيح, وله قبر في ناحية السلام شرعب غرب تعز ولا يعلم أنه جاء إلى اليمن قط.
15- أنس بن مالك: له قبر في آنس (جبل الشرق) وعليه قبة ، وقد كان الضريح يعبد من دون الله. ولم يأت أنس بن مالك اليمن قط .
(1/126)
16- تدعي قبورية تريم أن أربعين من الصحابة البدريين دفنوا في (تريم) حضرموت الداخل، وهذا غير صحيح لأنه لم يأت من الصحابة البدريين إلى اليمن إلا علي بن أبي طالب وقد رجع في عام حجة الوداع، وحج مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يعد إلى اليمن حتى توفاه الله في الكوفة، ومعاذ بن جبل رجع من اليمن في خلافة أبي بكر وتوفي في خلافة عمر ولا يعلم قط أنه رجع إلى اليمن ، وهذا العدد للبدريين ذكره الحجري 1/144، وذكر صاحب "تاريخ النور السافر" ـ وهو قبوري ـ أن عدد الصحابة المدفونين في مقبرة تريم من البدريين وغيرهم سبعون صحابيا، انظر ص(75) فهذه فرية بلا مرية، وهي قطرة من مطره من شطحات الصوفية ، وقد استغلت القبورية هذه الشطحة استغلالا خرافيا بحيث يزعمون أن مقبرة تريم مشهورة بالبركة فيدعون الناس إلى التمسح بأتربة الموتى وغير ذلك.
17- قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صنعاء ، ذكر الخزرجي في كتابه "العقود اللؤلؤية"1/240-241 قصة طويلة مفادها أن عليا رضي الله عنه مدفون في ناحية صنعاء في (جبل مدبج)، والذي يقرأ القصة يعلم أن هذا كذب بلا شك، وقد تقدم لك أن عليا رضي الله عنه توفي في الكوفة، وأما دفنه فلا يدرى أين دفن لأن المسلمين إذ ذاك تعمدوا تغييبه خشية أن يعبد من دون الله.
18- إبراهيم التيمي : له قبر في قرية (النجيفة) فوق الحبيلين من مديرية ردفان وصار الوادي يسمى باسمه، وقد كان يعبد من دون الله.
19- أويس القرني: له قبر داخل مسجد قرية (الجبلة) في مديرية ردفان وقد كان يعبد من دون الله. وله ضريح في مراد ، وقد كان يعبد ، ولا يعلم أنه رجع إلى اليمن بعد أن قدم إلى عمر في خلافته.
20- قبر عبد الله بن عمر: عليه قبة في (الوحش) جعار محافظة أبين ولم يأت لليمن قط.
20- قبة سعيدة بنت عمر أخت عبد الله بن عمر: في (الحور) أبين يشد إليها الرحال من مناطق كثيرة.
ذكر بعض ما يجري على ألسنة المستغيثين بالضرائح
(1/127)
أخي المسلم إن الذي يحدث من الاستغاثة والاستنجاد عند الضرائح هو من الشرك الأكبر، بلا شك وأنواع الاستغاثات لا يعلمها إلا الله ولكن نذكر هنا شيئا منها من باب التمثيل وسنقتصر على ما يجري في اليمن إلى وقت قريب، فقد كانوا في اليمن في استغاثتهم بالجيلاني يقولون : (يا جيلاني لا تنساني) ومنهم من يقول : (يا عبد القادر بادر بادر) ومعروف أن الجيلاني مدفون في العراق, ويقولون في ندائهم لأحمد بن علوان (يا ابن علوان يا صفي من قصد بابكم نجي) ويستغيثون بالأهدل وهو مدفون في لواء ( إب ـ بعدان) يقولون : (يا أهدل يا من عليك الله دل) ويستنجدون بالعيدروس المدفون في عدن (كريتر ) يقولون : (يا عيدروس يا شمس الشموس يا منقذ النفوس) ويقولون في الاستنجاد بأبي طير : (يا أبا طير يا من عندك كل خير ورافع لكل ضير) ، ويقول بعض أهل تعز : (يا حساني لا تنساني )، ويقول بعضهم في لواء (إب) : (يا بالغريب ما لك لا تجيب)، وبعضهم يقول: (يا خمسة يا كرام) والمراد بالخمسة: الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلي والحسن والحسين وفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(1/128)
هذه أمثلة فقط مما كان يجري في بلادنا اليمنية إلى سنين قريبة ونحمد الله فكثير من هذه الشركيات قد انتهت وذهبت بسبب ظهور دعوة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - دعوة أهل السنة، دعوة التوحيد المحاربة للشركيات، فلا يوجد الآن من هذه الأشياء إلا الشيء القليل بالنسبة لذي قبل ، وتأمل أخي القارئ في هذه الاستغاثة تجدها تدل دلالة واضحة على أن المقبلين على الضرائح يطلبون منهم ما لا يطلب إلا من الله ومالا يقدر عليه إلا الله من دفع ضر وجلب نفع، فهل يقال: إن هؤلاء الذين يلوذون بالأموات لا يعتقدون فيهم القدرة على جلب النفع ودفع الضر, بل والله يعتقدون ذلك وإلا لما كانت استغاثتهم بهم بهذه اللهجة, ولو قلت لهؤلاء المستنجدين: قولوا في ندائكم: يا جيلاني اتركني ولا تنفعني ولا تدفع عني لأنكم إذا قلتم هذا دل على أنكم غير معتقدين فيهم القدرة والقوة التي تضاهي قدرة الله وقوته لما قبلوا منك أبدا، وكيف يمكن أن يكونوا غير معتقدين فيهم عقيدة الشرك وهم يلوذون بهم عند الشدائد، فقد ذكر غير واحد أن التتار لما دخلوا الشام قال قائل لهم :
يا خائفين من التتر لوذوا بقبر أبي عمر
لوذوا بقبر أبي عمر ينجيكم من الضرر
ولما دخلت الشيوعية مصر توجه ثلاثة مليون إلى قبر البدوي يستنجدونه لدفعها على حد زعمهم، وهكذا كلما جاءت شدة توجه الحمقى والمغفلون إلى الرفات وتركوا الحي القيوم الذي يقول للشيء كن فيكون, فمن عرف الله لن يحتاج إلى مخلوق لا يملك ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، أين هؤلاء من قول الله تعالى :{والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} [فاطر]، فكيف يطلب هؤلاء من الضرائح تفريج الكرب وإعطاء الولد وجلب المنافع؟ فأين هم من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((اللهم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)) رواه أبو داود عن أبي بكرة, وصححه الألباني رحمه الله ؟
(1/129)
وأين هم من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((اللهم أنت عضدي ونصيري بك أجول وبك أصول وبك أقاتل)) رواه أحمد وغيره عن أنس وهو صحيح؟ فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاف أن يكله الله إلى نفسه طرفة عين وهو حي يقدر على الدفاع عن نفسه فكيف يدفع عن غيره وهو ميت؟! فما أبلد المتعلقين بالأموات.
وعلى كل أهل الإيمان عند الشدة يفزعون إلى الرحمن, بل حتى كفار قريش كانوا عند الشدائد يتركون آلهتهم ويقبلون على الله، وانظر إلى ما قاله الله فيهم : {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون} [الأنعام]، فما بال الجهال الحمقى في عصرنا لا يعرفون ربهم عند الشدائد!، بل يسيئون به الظن وينسونه ويتوقعون أن الأموات أسرع إنقاذا لهم من الله وأقرب استجابة وأعظم عناية، لقد ذكر صاحب كتاب "روح المعاني"24/11 أن بعضهم قال : (الولي أسرع إجابة من الله) وذكر صاحب كتاب "حوار مع الصوفية"ص(56) ( أن رجلا قال : دعوت الله ست سنين فلم يستجب لي في أن يرزقني طفلا فذهبت إلى شيخي مصطفى النقشبندي في (أربيل) فما أن استغثت به رزقني طفلين توأمين) فنعوذ بالله من ظلمات الجهل والخذلان.
ولم تكن الاستغاثات بالضرائح مقصورة على تواجد الشخص عند الضريح بل صار الحمقى يرددونها كلما عرض لهم شيء يخيفهم، فإذا سقط الولد مثلا هتفوا باسم الضريح المتعلقين به .
نصيب اليمن من شطحات دعاة القبورية
(1/130)
اعلم أخي المسلم أن دعاة القبورية ينسبون إلى أقطابهم وأوتادهم وأبدالهم ونجبائهم أمورا لا يقبلها عقل ولا تقرها فطرة، فضلا عن أن يقرها الإسلام، وقد ملئت الكتب التي تحكي أقوال هؤلاء وأفعالهم ، وقد رأيت أن أذكر هاهنا جملة مختصرة من عقائد القبورية وأقوالها في اليمن ، فرأيت أن أمثل لذلك بأقوال وأفعال دعاة الشرك في اليمن إذ أن اليمن قد دخلها هذا الوباء ، وإليك بيانها:
قدرتهم على إحياء الموتى
من المعلوم في ديننا قطعا أن إحياء الموتى مما اختص الله به نفسه، ولكن هناك من يزاحم الله في ربوبيته، ومن ذلك ادعاء إحياء الموتى ، وعلى سبيل المثال ماذكره العيدروس في كتابه "تاريخ النور السافر" ص(78-79) وهو يتحدث عن أبي بكر العيدروس با علوي قال : (ومنها أنه لما رجع من الحج دخل زيلع ، وكان الحاكم بها يومئذ محمد بن عتيق فاتفق أنه ماتت أم ولد الحاكم المذكور , وكان مشغوفا بها فكاد عقله يذهب لموتها فدخل عليه سيدي ليعزيه يأمره بالصبر والرضى ...وهي مسجاه بين يدي الحاكم بثوب فلم يصرفه ذلك, وأكب على قدم سيدي الشيخ يقبلها وقال: يا سيدي إن لم يحي الله هذه مت أنا أيضا ولم تبقى لي عقيدة فيه, فكشف سيدي وجهها وناداها باسمها, فأجابته لبيك, ورد الله روحها وخرج الحاضرون، ولم يخرج الشيخ حتى أكلت مع سيدها الهريسه وعاشت مدة طويلة).
وعلى سبيل المثال أيضا ما ذكره صاحب كتاب "شرح العينية"ص(161) قال محمد بن علي با علوي في شيخه أبي الحسن علي بن أحمد بامروان وهو غائب عن البلد : (فآلى الفقيه على نفسه أن لا يخرج من مكانه ـ وهو في منارة جامع تريم ـ بعد ما جاء من غيبته حتى يأتيه شيخه با مروان من قبره, وحصل بينهما كلام طويل ومخاطبات عظيمة سمع كلامهما بعض الصالحين المكاشفين ووعى خطابهما، فكان من جملته أن الفقيه با علوي قال للفقيه بامروان : كيف أنا عندكم؟ قال يترجاك أهل البرزخ كما يترجى أهل الخريف الخريف).
(1/131)
وإليك مثالا ثالثا : ذكر الشرجي في كتابه "طبقات الخواص"ص(199) عن اليافعي أن علي بن عمر الأهدل كانت له هرة اسمها لؤلؤة كان يطعمها من عشائه, فضربها خادم الشيخ ذات ليلة فماتت, فرماها في مكان بعيد, فلما فقدها الشيخ سكت ليلتين أو ثلاثا ثم قال له: أين لؤلؤة؟ فقال: ما أدري، فقال: ما تدري ، ثم ناداها الشيخ فجاءت إليه تجري كعادتها).
وما ذكره أيضا صاحب كتاب "شرح العينية"ص(215) في ترجمة العيدروس قائلا : (وكان له من الكرامات الخارقة إحياء الموتى...)
والمدعون لإحياء الموتى من أقطاب القبورية في اليمن كثير، ولو وقفت على كتاب طبقات الخواص لوجدت فيه العجب العجاب، فكيف بكتاب "المشرع الروي" وكتاب "شرح العينية".
فهذه الأدلة كافية في أن دجاجلة القبورية ينسبون إلى أنفسهم أو ينسب إليهم أتباعهم أمورا لا يقدر عليها إلا الله ، فهاهو نبي الله إبراهيم يقول الله عنه : {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم} [البقرة] فلم يعط الله القدرة لإبراهيم على إحياء الموتى, وقد علم من ديننا أن ادعاء إحياء الموتى لم يحصل إلا عن طريق الجبابرة الكفرة ، كالجبار الذي حاجه إبراهيم في ربه، قال تعالى :{إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين} [البقرة]، وقد اختص الله عيسى بمعجزة إحياء الموتى بإذنه الشرعي لا استقلالا . وليس هؤلاء الدجاجلة الذين ينازعون الله فيما اختص به نفسه من إحياء الموتى مثل الدجال الذي يأتي في آخر الزمان بإحياء الموتى, فإن ذلك بإذن الله الكوني, لأن الله قد جعله فتنة للناس .
قدرتهم على سماع الموتى
والتخاطب معهم وخروج الموتى من قبورهم إليهم
(1/132)
إن قضية ادعاء القبورية في اليمن سماع الموتى والتخاطب معهم قضية تعد متواترة عندهم، وأستطيع أن أثبت ذلك بعشرات الأمثلة ولكني سأكتفي ببعض الأمثلة:
قال محمد بن علي با علوي : (بينما أنا جالس في مكان عال سقفه إذ دخل علي نبي الله هود يطأطئ رأسه كي لا يصيبه السقف فقال لي: يا شيخ إن لم تزرنا زرناك، فقلت له : من أين أتيت هذه الساعة؟ قال: من عند ابني هارون) نقلا من كتاب "العينيات"ص(162) وفي كتاب "شرح العينيات"ص(145) وهو يذكر نور الدين علي بن محمد قال : (إذا كان في الصلاة أو غيرها وقال السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته يكررها حتى يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له: وعليك السلام يا شيخ).
وبقيت في "شرح العينيات" من هذه الأكاذيب الشيء الكثير ، وانظر على سبيل المثال ص(218،173،162) وإليك مثالا واحدا من كتاب "المشرع الروي"ص (147) قال : (وحكي أن الشيخ/ أبا سعيد قرأ سورة (هود) فلما بلغ قوله تعالى :{شقي وسعيد} جعل يردد الآية ويتفكر ثم قال : يا أهل القبور ليت شعري من الشقي منكم ومن السعيد فأجابه الشيخ العارف بالله أحمد بن محمد بافضل من قبره بقوله : (امض في قراءتك ليس فيها شقي ... ).
وقال صاحب كتاب" تاريخ الشحر"ص(31-32) وهو يتحدث عن بدر الدين الأهدل قال : (حكي عنه أنه لما زار قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف على قبره وأنشد قصيدة يقول فيها:
إن قيل زرتم بما رجعتم يا سيد الرسل ما نقول
فسمع الجواب من الحجرة الشريفة:
قولوا رجعنا بكل خير واجتمع الفرع والأصول
(1/133)
بل ادعاؤهم رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة لا مناما، فقد ذكر ذلك صاحب كتاب "طبقات الخواص"ص(164) وفي ص(94) وفي كتاب "العقود اللؤلؤية" للخزرجي مثل ذلك . فالحياة البرزخية تعتبر من الغيب بالنسبة لأهل الدنيا، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((لو لم تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر)) رواه مسلم من حديث زيد بن ثابت. والأدلة كثيرة بل متواترة على هذا، وأما هذه الترهات التي يذكرها دعاة القبورية فهي لا تخرج عن حالتين:
الحالة الأولى: أنها قصص مفتراه لا أساس لها من الصحة .
الحالة الثانية: أنهم كانوا يرون صورا ويسمعون أصواتا وهم يظنون انهم أصحاب القبور وجهلوا أو تجاهلوا أنهم شياطين من شياطين الجن يلعبون عليهم .
ادعاؤهم علم الغيب
إن من الجرائم العظمى التي ينسبها دعاة القبورية إلى أنفسهم ادعاء علم الغيب، وإليك نبذة من ادعاء ذلك من قبل القبورية في اليمن:
علوي بن محمد باعلوي أتي له بولد ابن ثلاثة أشهر مدنف ليقرأ عليه فقال: (من عمره مائة سنة ما يموت ابن ثلاثة أشهر فكان كما قال مات ابن مائة سنة) نقلا من "شرح العينيات"ص(173) وكلامه واضح أنه ادعاء أن الطفل الذي جيء به إليه وهو ابن ثلاثة أشهر سيعيش مائة سنة فعاش مائة سنة. وفي المصدر نفسه ص(238)
(1/134)
أن عبد الله بن أحمد العيدروس أطلعه الله على الضمائر وانكشفت له السرائر) وانظر ادعاءات علم الغيب في كتاب "شرح العينيات" في مواضع كثيرة، وفي كتاب "المشرع الروي" من هذه الكفريات الشيء الكثير ، ومن ذلك ما ذكره مؤلف الكتاب ص(183-184) (أن محمد بن الشيخ عبدالرحمن السقاف ربما أخبر بما هو آت وأوضح ما في نفوس الحاضرين من المشكلات، ودخل رجل المسجد وهو جنب فأخرجه فعاد ثانيا فأخرجه وسئل الرجل فقال: كنت جنبا، ودعته امرأة للضيافة فأكل قليلا ثم تقيأه وقال: هذه سرقة، فسئلت المرأة فقالت سرقته من مال زوجي وفي الكتاب "المشرع الروي" من هذا الهراء الشيء الكثير, وفي كتاب "تاريخ لشحر"ص(26-27) قال : (كان جمال الدين محمد بن عمر يقول : (عمري سبعون سنة فكان كما قال)
وفي كتاب "طبقات الخواص" ص(60) قال الشرجي : (كان بعض أصحاب الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل غائبا في بلد بعيد, فنوى يوما نية غير صالحة, فرماه الفقيه بفرده من نعله إلى موضعه الذي هو فيه, فلما رآها عرفها وعرف أن الفقيه قد اطلع على حاله فتاب ورجع عما كان نوى ، وجاء إلى الفقيه بالفرده واعتذر منه)، وانظر الأرقام التالية (405،61،48) وفي كتاب"تاريخ النور السافر" للعيدروس ص(235) ( أن الشيخ أبا مدين أرسل تلميذه عبدالرحمن من المغرب نائبا عنه إلى حضرموت وقال : إن لنا فيهم أصحابا سر إليهم وخذ عقد الحكم وأخبره أنه سيموت في أثناء الطريق فكان كذلك...)
(1/135)
أخي المسلم ظهر لك أين هؤلاء القبورية من عقيدة الأنبياء ومنهجهم وأدبهم، فهاهم الأنبياء يصرحون أنهم لا يعلمون الغيب من أولهم إلى آخرهم، فهذا نوح قال الله عنه : {ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب} وقال عن آخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم - : {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} [الأعراف]، ولم يعرف ادعاء علم الغيب إلا من قبل الكهان والمنجمين والسحرة.
ادعاؤهم القدرة على إنقاذ المستغيث بهم
ذكر صاحب كتاب "شرح العينيات"ص(194) قال : (عمر المحضار بن عبدالرحمن السقاف كان سريع الغوث لمن استغاث به يرى جهرا في البر والبحر)
وفي المصدر نفسه (215) أبوبكر العيدروس كان له الكرامات الخارقة ...وإنقاذ الغرقى) وانظر قصة طويلة فيها أن أبا بكر العيدروس أنقذ سفينة .المرجع "تاريخ النور السافر"ص(80-81) وفي كتاب "المشرع الروي"ص(186) (إن محمد بن الشيخ الإمام عبد الله بن الأستاذ الأعظم الفقيه المقدم له كرامات خارقة للعادة منها أنه كان جالسا عند بعض أصحابه فقام مسرعا وعاد وثوبه يقطر ماء فسأله عن قيامه فقال (انخرق مركب بعض أصحابه فاستغاث بي, فحسوت الخرق بثوبي حتى أصلحوا ما تخرق فيه وعاد على ما كان عليه) وفي كتاب "المشرع الروي" من هذه الشطحات الشيء الكثير، ومن ذلك ما ذكره فاضل بن مفرح قال : (مرضت فاستغثت بالشيخ أحمد الشيبي بعد وفاته فرأيته عندي في اليقظة ومسح على خدي فشفيت للفور) "الطبقات"ص(94)
وعلى كل ٍ أنسى هؤلاء الدجاجلة الناس ربهم فصار المتعلقون بهم عند الشدائد لا يعرفون الله ولا تلهج ألسنتهم إلا بالدعاء والاستغاثة بهؤلاء الأموات حبا وتعظيما ورغبة ورهبة، وثقة واعتمادا، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
زعمهم أن الله يتكلم معهم ويعرجون إليه
(1/136)
قال صاحب "شرح العينيات"ص(160) : (وكان محمد بن علي با علوي يسمع الهواتف وينادى من قبل الله اترك ما أنت عليه من الظواهر وانظر ما بين يديك وأقبل إلينا) وقال محمد بن حسن المعلم : (نزل علينا شيء من العظمة لو نزل على الجبال لجعلها سمادا ... إلى أن قال: ( ما تعلمون أني المقدم في الملاء ليلة أسري بي ) "العينيات"ص(180) وفي المصدر نفسه ص(158) قال : (كتب محمد بن علي با علوي إلى الشيخ يسعد أنه قال : (عرج بي إلى سدرة المنتهى سبع مرات وفي رواية سبعة وعشرين مرة وفي رواية سبعين مرة ) وفي "طبقات الخواص"ص(128) قال: الشرجي : (روى بعض أصحاب الفقيه الحسين بن أبي بكر السوداني قال : كنت مرة أنا والفقيه وقد حصل عليه ضيق عظيم من فتنة الخلق له وتعطيلهم عليه أوقاته فأطرق ساعة طويلة ثم رفع رأسه فرحا مسرورا وقد حصل له مخاطبة من قبل الله وهو يقول وعزتي وجلالي لو كشفت الحجاب لأحد قبلك في الدنيا لكشفته فيما بيني وبينك وإنما موعدك الآخرة وعزتي وجلالي لأجعلنك في أعلى عليين...)
واعلم أن من القواعد التي وضعها ابن عربي الملحد أنه يوحى إلى أوليائهم وحي باطن والأنبياء لهم وحي ظاهر ، والحق الذي لا شك فيه ولا مرية أن الوحي الذي يدعيه هؤلاء وقد حصل لهم مخاطبة ومكاشفة إنما هو من قبل شياطين الجن. قال تعالى :{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} فهؤلاء القبورية أهل شرك ووثنية.
زعمهم أنهم يغفرون لمن أرادوا أو أنهم سبب لذلك
من المعلوم أن مغفرة الذنوب مما اختص الله به نفسه ، قال تعالى : {ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران]، ذكر الخزرجي في كتابه "العقود اللؤلؤية"ص(142) ( أن رجلا توفي قريب له فلما دفن أبو بكر بن حنكاس رأى الرجل فقال: ما فعل الله بك؟ قال حبست منذ مت مع جماعة, فلما توفي الفقيه أبوبكر بن حنكاس شفع فينا فأطلقنا, وغفر لجميع من في القبور ببركة قدومه).
(1/137)
وذكر في ترجمة علي بن إسماعيل قال : (جاء ...على باب الجند فبرك فضربوه فلم يقم فقال بخ بخ لكم يا أهل الجند قد وعدني أن يغفر لي ولمن قبر حولي) ص(143) وانظر أيضا ص(209) وفي "طبقات الخواص" ص(385) قال الشرجي : (إنهم قالوا في أبي بكر بن حمد بن عمران : وما مر على قرية إلا غفر لأهلها).
وفي "طبقات الخواص" ص(231) قال الشرجي في ترجمة علي بن أبي بكر بن شداد: (إن من مشى خلفه أربعين خطوة غفر له) وأيضا في "الطبقات"ص(178) وانظر كتاب "طبقات الشافعية"8/131 للسبكي.
وقضية ادعاء مغفرة الذنوب تذكرنا بقضية صكوك الغفران التي عند النصارى، وخلاصتها أن الرجل النصراني يذهب يرتكب من الجرائم ما يشاء ثم يأتي إلى القسيس الأكبر ويأخذ القسيس منه مبلغا كبيرا من المال ثم يعطي له صكا بأنه من أهل الجنة. وهذه القضية كانت سببا لدخول أحد القساوسة في الإسلام فعندما جاءته امرأة نصرانية تطلب مغفرة ذنوبها فقال: وأنا من يغفر ذنوبي؟ فدخل في الإسلام بسبب هذا.
زعمهم أن البراءة من النار تنزل عليهم من السماء
ذكر الشرجي في "طبقات الخواص" ص(240) قائلا : (قال الجندي: لقد سمعت بالنقل المتواتر أنه اجتمع هو وعمر وعلي ابني غليس في مجلس فيه جماعة من الناس فتذاكروا نعم الله إذ نزلت عليهم ورقة خضراء مكتوب فيها هذه براءة من الله تعالى لعمر وعلي ابني غليس من النار) .
وإليك بقية من التراهات التي تفتخر بها القبورية وسأسردها سردا خشية الإطالة مع الإشارة إلى مظانها:
1- قلب المخلوقات كجعل الأسد حمارا والرجل حيوانا، انظر "طبقات الخواص"ص(406-407) و (206-207).
قلت: هذه طريقة السحرة وهي طريقة كفرية ، فانظر كيف يفتخرون بأعمال الشياطين، ويعملون معهم, وقد بينا هذه المسألة في كتابنا "معرفة علامات الساحر".
2- توقيف السحاب ومخاطبته، انظر "طبقات الخواص" (ص75-77-)(147-148-)(382) .
(1/138)
3- رؤية الكعبة وهم في تهامة، وفي تريم، وغير ذلك، انظر "المشرع"ص(184) و"شرح العينية"ص(192) و"طبقات الخواص"ص(94).
4- يوقفون الريح، انظر "طبقات الخواص" (ص388).
5- يمكثون الأيام والشهور والسنين بدون طعام ونوم وشراب، انظر "شرح العينية"ص( 148, 192, 194 ,210, 234) وطبقات الخواص ص(253,297, 325).
6- يوقفون الشمس ، انظر "طبقات الخواص"ص(97-98).
7- التكلم بعدة لغات دون تعلم لتلك اللغات، انظر طبقات الخواص"ص(96) و"العقود اللؤلؤية"1/146-147.
8- أحدهم له قرن في السماء وقرن في الأرض، انظر "طبقات الخواص " ص(251).
9- يرون جبريل والملائكة ، انظر "طبقات الخواص"ص(275).
10- يأكلون تراب الضرائح على الريق ليصيروا علماء ، انظر "طبقات الخواص" ص(281).
11- يطيرون في الهواء مسيرة شهر في ثوان، ويمشون على ماء البحار، انظر "طبقات الخواص" (ص 44-66-295.
و"شرح العينية"ص(178) و"تاريخ الشحر"ص(363) وأما جمال الدين محمد بن علي با علوي ففي كتاب "شرح العينية"ص(179) (أول قدم له بتخوم الأرض والقدم الآخر بساق العرش).
12- اجتماعهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والملائكة والخضر والصحابة يقظة ، انظر "شرح العينية"ص(189).
13- الأئمة يؤسسون مساجدهم ويصيرون أركانا والنبي - صلى الله عليه وسلم - قبلة ، انظر "المشرع الروي "ص(139-141-188).
14- من رآهم دخل الجنة ، انظر "تاريخ النور السافر"ص(410) ومن صافحهم دخل الجنة ، المصدر نفسه ص(235) .
15- أنوارهم تصعد من قبورهم إلى السماء، ويضيؤون المساجد بأنوارهم، انظر "العقود اللؤلؤية"1/338 و"طبقات الخواص"ص( 84-108-157-216-240).
16- يدخلون نار جهنم ولا تضرهم، انظر "شرح العينية"ص(180).
17- يفعلون المنكرات ويرتكبون الكفريات والشركيات، ويدعون أنها كرامات ، انظر "طبقات الخواص"ص(135-136) وانظر "المشرع"ص(169) و"تاريخ النور السافر"ص(23-24، 59).
(1/139)
18- يتوضؤون من كوثر الجنة ويشربون منه ، انظر كتاب "تاريخ النور السافر" ص(180) قال: ( وتواجد جمال الدين محمد باعلوي فلما سكن أقيمت الصلاة فصلى من غير وضوء فلما أنكر عليه قال: وعزة المعبود أني شربت وتوضأت على الكوثر ثم حرك لحيته وتقاطرت ماء).
تنبيه : لقد احتوت بعض المؤلفات العصرية على ذكر قدرات جديدة للأولياء الأموات –زعموا- تتناسب مع التقدم العصري ومن ذلك : أن الأولياء يقدرون على إخراج اليهود والنصارى من بلاد المسلمين المحتلة بدون جهاد , وأنهم بحراسة الحدود , وأنهم يمتلكون الأسلحة الثقيلة ,...إلى آخر تراهاتهم .
فيا ترى أين ذهبت عقول المصدقين بمثل هذه الأشياء حتى سطروها في كتبهم وجعلوها من مناقب الأموات .
الأماكن التي تكثر عندها الشركيات في حضرموت
لقد ملئت بعض الأماكن في حضرموت بمنابع الشرك والخرافة, وسأذكر أهم تلك الأماكن وهي كالتالي :
1- مقبرة تريم : القبور التي تعظم في هذه المقبرة ويتبرك بها تزيد على خمسين ضريحا, وقد تقدم ذكر أقسام هذه المقبرة وما حصل من غلو فيها من قبل صوفية حضرموت .
2- قرية عينات : تحتوي على عدد كبير من الضرائح وفيها قبر أبي بكر بن سالم الذي يقولون فيه: (أبو بكر بن سالم ياسعد من زاره) والذي عليه قبة محفوفة بست قباب حولها .
3- حريضة : فيها عدد كبير من القباب والمشاهد على آل العطاس المشهور بالزيارة .
4- في وادي عمد : قبور كثيرة ليتبرك بها ويمارس الشرك عندها .
5- مقبرة الهجرتين : هذه المقبرة من المقابر المشهورة التي يعتقد في ضرائحها النفع والضر .
(1/140)
6- مقبرة الغيل الأسفل : يقول الشلي : (والمقابر المشهورة في حضرموت أربع : مقبرة تريم ومقبرة شبام ومقبرة الهجرتين ومقبرة الغيل الأسفل) انظر "المشرع الروي"1/14 وكانت توزع العبادات على هذه الضرائح على مدار السنة في حضرموت فيعيش المجتمع ممارسا للشركيات صباحا مساء, يبذل لتلك الرفاة والعظام ما ملكت يداه . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
هذه الأماكن المشهورة في حضرموت الداخل, وأما حضرموت الساحل فقد كان المرض والوباء الشركي فيها أقل .
ذكر بعض الضرائح التي عبدت من دون الله في اليمن
أخي الكريم : لقد رأيت أن أسرد مجموعة من أسماء الضرائح التي صار لها مزارات وتجمعات في الزمن الماضي أوالحاضر وقد ملئت اليمن بالضرائح بسبب انتشار الصوفية والشيعة. قال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في كتابه "صعقة الزلزال..."2/258) : (ما بنى القباب على القبور إلا رافضي أو صوفي أو جاهل مغتر بالرافضة أو بالصوفية أو بهما).
وقد اعتمدت في ذكر هذه القبور على الكتب التي تتحدث عن ذلك وعزوت كثيرا منها إلى مصادرها, والقبور التي لم أعزها إلى كتاب فهي من القبور التي ذكرها لي بعض طلابي، وإخوة آخرون، وإليك الأسماء محاولا الاختصار:
1- أحمد بن الحسين المعروف بالإمام الملقب بأبي طير: قتل سنة 756هـ وقبره في حاشد قال الخزرجي في "العقود"1/116 (...ثم نقل قبره إلى (ذي بين) فهو هنالك إلى يومنا هذا وقبره معروف يزار ويتبرك به).
2-قبر في خولان, في الأعروش: يبخر ويجاء إليه بالسمن.
3- قبة على قبر يسمى الحسين: يزار كل سنة ويقام عنده الغدير ويتبرك به في عمران وريدة .
4- شرف الدين محمد بن عبد الله: توفي سنة 1307هـ قبر في الأهنوم وقبره هناك وعليه مشهد وهو يزار. كذا في "البلوغ"ص(79).
5- قبر شهاب الدين: عليه قبة وهو في (يامن) ريمة يطلب منه الشفاء ويتمسح به.
(1/141)
6- قبر النهاري: عليه قبة وهو في ريمة عزلة الرباط ناحية الجبين لواء صنعاء وله زيارة في كل سنة يحصل عنده من الجرائم الشركية وغيرها مالا يحيط بذلك علما إلا الله.
7- قبر عبدالرحيم: عليه قبة كبيرة جدا في قرية الجبين ريمة.
8- قبر أبي الفرج: عليه قبة عنده شركيات في المرخام ريمة.
9- قبر الشبلي: عليه بناء يعبد من دون الله في قرية السهلاء ريمة.
10- قبر السيد أحمد: عليه قبة يزار في نصف شعبان في قرية الهجر ريمة.
11- قبر السيد عبده: عليه قبة يعبد من دون الله في قرية الأقرعة بني الضبيبي ريمة.
12- قبر رجل يسمى حسن بن علي: عليه قبة يزار في نصف شعبان ويذبح له في ريمة.
13- قبة محمد بن حسين الأسلافي: مقبور مع عائلته كانت تزار ويذبح عندها ، وقد تركت في ريمة.
14- قبر الطيار: عليه قبة لأن العامة تزعم أنه طار من عتمة إلى السلفية من ريمة وهو يزار.
15- يحيى بن حمزة أبو إدريس الحوثي: توفي سنة 749هـ ونقل رفاته إلى ذمار ، كذا في "البحر" /504 وعلى قبره في ذمار تابوت ، وقد عبد قبره إلى عهد قريب، وكان يحيى بن حمزة يفتي بجواز بناء القباب والمشاهد على قبور الفضلاء ، ذكر الشوكاني أنه لم يقل بهذا غيره انظر "شرح الصدور" وذكر العرشي في "البلوغ"ص(143) في الكلام على قبر يحيى بن حمزة : (وله قبة عظيمة يزار ، قال الواسعي : وله كرامات ظاهرة منها التراب إذا أخذ من فوق قبره ووضع في البيت لم يبق فيه ثعبان ولا حية ، وهذا مجرب مشاهد، وهذا التراب ينفع لسنة، وبعد السنة تذهب فائدته، ويؤتى بتراب آخر، وهذا التراب أبيض).
قلت: كانت هذه التراهات تقبل عند الناس يوم أن كانوا يثقون بأصحاب الدعوات الخرافية, أما اليوم فلا يقدر أحد أن يقول هذا أمام الناس فقد استيقظ الناس ولله الحمد.
16- أبو الفتح الديلمي: على قبره مشهد ويقع قبره شرقي ذمار بالقرب من طرف (قاع القعودين) .
(1/142)
17- قبر الشيخ عمر: عليه بنيان، وعنده تقام الشركيات في قرية أكمه الفتوح مغرب عنس.
18- ذمار آنس جبل الشرق هناك أربعة قبور بنيت عليهم قبة ، يعبدون من دون الله ويصلى داخل تلك القبة .
19- الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم: توفي سنة 1087هـ وقبره مشهور يزار في جبل ضوران كذا في "البلوغ"ص(67-68) .
20- قبر البعيثي: في عتمة بني بعيث يعبد من دون الله ، وسمي البعيثي ادعاء أنه بعث من قبره.
21- قبر قاسم أبي بكر: في بني أسد مخلاف رازح عتمة، يزار ويبخر له .
22- مجير الدين، اسمه كافور التقي، قال الخزرجي في "العقود" (1/74) :(...وهو الذي بنى المدرسة المعروفة بالمجيرية في مدينة تعز هنالك, يزار ويتبرك بالدعاء عنده).
23- أحمد بن علوان أبو الحسن الصوفي الخرافي: ذكر الخزرجي بداية تصوفه فقال : (وسار نحو باب السلطان فبينما هو سائر في أثناء الطريق إذ بطائر أخضر قد وقع على كتفه ومد منقاره إلى فيه ففتح فمه فصب فيه الطائر شيئا فابتلعه الشيخ, ثم عاد إلى بلده فلزم الخلوة أربعين يوما ثم خرج في الحادي والأربعين وقعد يتعبد على صخرة فانقلبت الصخرة عن كف فقيل له صافح الكف ، فقال: ومن أنت؟ قال أبو بكر فصافحه ، فقال له: قد نصبتك شيخا)
قلت: انظر : هداية أقطاب الصوفية من أين تأتي وكيف تبدأ, لم ينتفع ابن علوان بهداية القرآن والسنة كما انتفع بهداية الطير الشيطاني ، ولابن علوان خرافات كثيرة ، وله مؤلفات ككتاب "التوحيد" فيه ألغاز شركية لا يفهمها إلا السني البصير ، وله كتاب "المهرجان" فيه طوام، وله غير ذلك، وهو أعظم الضرائح التي عبدت من دون الله في اليمن إلى ساعتنا هذه, ولكن قد عزف الكثير من الناس عن التوجه إلى زيارته بسبب انتشار دعوة التوحيد ولله الحمد والمنة .
24- قبر السيد علي: في ماوية قرية الغلل محافظة تعز وهو من الضرائح التي تكثر عنده الشركيات.
(1/143)
25- قبر في (إب) حريس مديرية غول في رأس الجبل عليه قبة كبيرة منحوت عليها آية الكرسي ، يزار ويؤتى إليه بالسمن والبخور.
26- قبر الخضر: يزار ويعبد من دون الله في الشعر محافظة إب .
27- في (إب النادرة) كان يوجد ثلاثة مبان كان داخلها قبور , وكان العوام يأتون إليها بالشمع والسمن والبخور.
28- أبو الحسين علي بن الحسين الأصابي توفي سنة 759هـ قال الخزرجي في "العقود اللؤلؤية"1/120 : (وكان يسكن قرية يقال لها المعيريز من نواحي المخادر, وقبره أشهر من أن يزار, ويجد الزائر عند قبره رائحة المسك خصوصا ليلة الجمعة).
29- عمر بن سعيد الهمداني العقبي أبو الخطاب: توفي سنة 763 هـ قلت : و(عقيب) مكان قريب من جبله. قال الخزرجي في "العقود" 1/138: (وقبره على مرمى بيته ومسجده وتربته أكثر الترب قصدا في الزيارة فلا ينقطع الزائرون عنها ليلا ولا نهارا ).
(1/144)
30- سيدة بنت أحمد بن محمد الصليحية الباطنية المشهورة عند كثير من الناس بـ(أروى) وقبرها في المسجد الكبير في جبلة عليه تابوت, وهو يعبد من دون الله إلى وقتنا هذا خصوصا من البهرة الباطنية القادمة من الهند. تولت الملك بعد سبأ بن أحمد الصليحي عام 492هـ واستمرت في الحكم قرابة نصف قرن كما في كتاب "الحركات الباطنية"ص(93-94) وذكر صاحب الكتاب المذكور قائلا : (واستمرت الملكة الحرة في ملكها ملتزمة بتعاليم الإسماعلية إلى أن توفيت في عام 532هـ ...إلى أن قال : نهجت الدولة الصليحية نهج الحركات الباطنية فعملت على إرساء قواعد المذهب الباطني) ، وقد ذكر محمد بن مالك الحمادي اليماني في كتابه "كشف أسرار الباطنية" قائلا : (قامت به الدولة الصليحية سر الدعوة الباطنية بأمور ومن ذلك أن الصلاة المفروضة في السنة مرة فقط، ولكن لم يكونوا يجهرون بدعوتهم) واليماني معاصر لعلي بن محمد الصليحي المؤسس للدولة الصليحية الباطنية باليمن، وقال: (لقد سمعته مرارا وأسفارا وهو يقول لأصحابه قد قرب كشف ما نحن نخفيه وزوال هذه الشريعة المحمدية ص(43).
31- الولي القفلي: قبره في العدين في المديرية، وعليه قبة يزار باستمرار ويعمل له مولد في السنة مرة..
32- الشيخ/ منصور: قبره في العدين في المديرية، وعلى قبره قبة وهو يزار باستمرار.
33- قبر القفري: يعبد ويحتفل بجانبه في العدين
34- قبة في العدين أيضا بجانب القبر تزار في قرية الأولياء.
35- قبر الحضرمي: في العدين عليه حوش يزار كل سنة في نصف شعبان.
36- قبر أشجع الدين: عليه قبة ، وقبره ملتصق بالمسجد, والزيارة له مستمرة, وله أرض موقوفة باسمه في العدين.
37- أبو عبد الله بن أبي بكر بن الحسين الزوقري الركبي المعروف بابن الخطاب: من سكان مدينة زبيد توفي 765هـ قال الخزرجي 1/149 : (وكانت وفاته بزبيد, وقبره في مقبرة باب سهام ، وقبره معروف مشهور مزار ويتبرك به...).
(1/145)
38- طلحة بن عيسى الهتار قال القاضي الأكوع في كتابه "هجر العلم" 1/251 : (التريبه كجهينة قرية من قرى بالقرب من زبيد بها قبر الولي طلحة بن عيسى بن إقبال عرف بالهتار).
39- علي بن قاسم الحلمي الشراحيلي: قبره في الناحية الشرقية من مقبرة (باب سهام) معروف مشهور ويتبرك بالدعاء عنده ، انظر ترجمته في "العقود اللؤلؤية" 1/71-72 .
40- أبو الغيث بن جميل الملقب بشمس الشموس: توفي سنة 751هـ وقبره في (بيت عطاء)، وهي قرية من أعمال سردد, وقد بنيت على قبره قبة عظيمة ، انظر كتاب "العقود"1/105.ولا زال بعض الجهلة متعلقين به .
41- قبر الحكمي والبجلي: وعليهما قبة ولهما زيارة في كل عام أول أربعاء من شهر رجب, وهما في (السخنة) الحديدة. ويحصل عند هذه القبة أنواع من الشركيات والجرائم .
42- أحمد صاحب الجلب: قبره في الخوخة لواء الحديدة له زيارات في آخر جمعة من شعبان.
43- قبر السيد أحمد خليل: في الدريهمي على ساحل البحر يزار مكانه الذي هو قريب من المنصورية في قرية (القصيع) .
44- قبر الشمي: غرب باجل يعبد من دون الله .
45- قبر أبي بكر بن حسان: في قرية (التحيته) له زيارة في رجب .
46- قبر الخرات في القطيع: يجتمع الناس للتبرك به ثاني عيد عرفة.
47- قبر الجلاب: بالقرب من الخوخة على ساحل البحر, ويعبد من دون الله في آخر خميس من شهر شعبان.
48- ضريح مساوى بن طاهر: يقع غرب الجراحي ، وعبادته تقع في (13) من شهر شعبان من كل سنة ، ويقول المستغيثون به: (يا مساوى ساويها إذا هي عوجى ساويها).
49- قبر أحمد السنة: في وصاب عزلة السنة ، وعلى القبر بناء عظيم تكثر الشركيات عنده من نذر وغيره.
50- قبر محي الدين وعائلته: عليه قبة طولها عشرة أمتار في بني شعيب محزر وصاب العالي ، كانت الشركيات عنده بكثرة .
51- قبر عبيدالبرحه : بني مسلم الديادير وصاب العالي يسرج له ويبخر.
(1/146)
52- قبر الشريف علي: عليه بناء, وعلى البناء سبع قباب كانت الشركيات حوله كثيرة, وقد خفت كثيرا في قرية بني حطام وصاب الأسفل.
53- قبة كبيرة بداخلها سبعة قبور وعلى رأسهم الحاج علي: الشركيات عندها كانت باستمرار في قرية (جداهد) الجبجب وصاب.
54- وفي وصاب العالي قبة بني الحبشي: وهذه القبة يجتمع الناس عندها في الرجبية.
55- قبر سعيد بن عيسى: عليه قبة في (وادي حاله) يافع العليا.
56- قبة أبي دجانة: تزار في لبعوس يافع العليا, يزعمون أن يد أبي دجانة فيها، وتارة يزعمون أن أبا دجانة مدفون هناك.
57- قبر الحاج سعد: في المفلحي يافع عنده الشركيات.
58- قبر الفحالي: في يافع يزار .
59- قبر العسقلاني: عليه قبة وهو في الجبل الأعلى قرية عريب مديرية المفلحي يافع العليا يزار .
60- قبر أبي بكر المحمود: في يافع يزار وينذر له .
61- قبر أسعد بن علي: يزار في يافع .
62- قبر عبد الغفار: في يافع يعبد إلى اليوم.
63- ضريح الشيخ مسعود: في يافع يعبد إلى اليوم.
64- حجر الجدة: في يافع ، كانت تعبد من دون الله .
65- قبر ابن العم: في يافع ، يعبد من دون الله .
66- أضرحة السبعة: التي يزعم الناس أنهم أصحاب الكهف في يافع.
67- ضريحان الأول: قبر أبي بكر سالم مبني عليه مسجد يزار ، والثاني قبر عمران عليه قبة يوضع فيها السمن واللبن, ويذبح عنده ، وهما في يافع.
68- قبر عفيف الدين اليافعي: في ردفان عالم من علماء الصوفية صاحب كتاب "مرآة الجنان" يزار كل عام.
69- قبر عمر مبارك: عليه قبة في قرية العقلة البيضاء، وكان من القبور المشهورة بكثرة الشركيات حوله.
70- قبر عمر الضيمري: عليه قبة يعبد في قرية (الحبل) البيضاء.
71- قبر موسى بن محمد: عليه قبة يعبد في قرية (مرتعة العلياء) البيضاء.
72- مديرية مكيراس هناك قبر عم المسيحي: يزار كل سنة.
73- قبر المقصع: في رداع كان يزار ويبخر سابقا.
(1/147)
74- قبر الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم: ...المؤسس للمذهب الهادوي في اليمن ، عنده ضلالات ليس هذا محل بسطها، ويكفي في هذه العجالة ما قاله الجعدي في كتابه "طبقات فقهاء اليمن"ص(75) : (ثم لحق اليمن كله في آخر المائة الثالثة وأكثر المائة الرابعة فتنتان عظيمتان : فتنة القرامطة، والفتنة الثانية أن الشريف الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين لما قام في صعدة ومخاليف صنعاء دعا الناس إلى التشيع عند استقراره في صنعاء، وهذه الفتنة أهون من الأولى) توفي سنة 299 بصعدة ، وقبره بمسجده المعروف مسجد الهادي وهو يعبد إلى وقتنا هذا.
75- حجة (الخشم) هناك قبر أبو حربة: يزار إلى اليوم .
76- المطهر بن يحيى بن مرتضى الملقب بالمتوكل على الله: توفي سنة 697هـ وقبره بدروان حجة مشهور بها مزور. كذا في "البلوغ"ص(50).
77- قبر الوشلي في الحيمة عزلة بني الحذيفي حصن شمسان ، وقبره في المسجد يذبح عنده ويبخر وينذرله .
78- قبة سعيدة بنت عمر أخت عبد الله بن عمر: في (الحور) أبين يشد إليها الرحال من مناطق كثيرة .
79- قبر عليه قبة كان يزار ويعمل عنده أنواع من الشركيات وهو في شبوة وادي جردان بجانب بني ضباب .
80- أحمد بن محمد الشكيل الطوسي: توفي سنة 754هـ قال الخزرجي في "العقود"1/114: (وقبره مشهور مقصود للزيارة وطلب الحوائج...).
81- أبو الحسن علي بن إسماعيل الواسطي: توفي سنة 764هـ قال الخزرجي في "العقود"1/143: (وقبره تحت جبل صرب مشهور مزار).
(1/148)
82- عبد الله بن حمزة المتوفى سنة 614هـ وخطابه القبوري الموجه إلى أهل قرية (لصف) من بلادنهم يوبخهم لما لم يبنوا قبة على قبر أخيه إبراهيم بن حمزة قال : (فهلا استشفيتم بتراب مصرعه من الأدواء, وسألتم بتربة مضجعه رفع الأسواء, واستمطرتم ببركة قبره من رحمة ربكم طوالع الأنواء، وعظمتم حاله كما يعظم حال الشهداء، وأوجبتم من حقه ما ضيع الأعداء، وعمرتم على قبره مشهدا، وجعلتموه للاستغفار مثابة ومقصدا، ونذرتم له النذور تقربا، وزرتموه توددا إلى الله تعالى وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإلينا تحببا) نقلا من كتاب "هجر العلم" للقاضي الأكوع 1/223-225.
83- القاسم بن محمد الملقب بالمنصور بالله: توفي سنة 1035هـ ذكر شيخنا الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في كتابه "صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال"1/211 وهو يتحدث عن البعض قوله : (وعمر عليه القبة المعروفة, فهو مزور مشهور).
84- يوسف بن علي بن محمد الحماطي: قال صاحب كتاب "النبذ"ص(58) : (على قبر يوسف بن علي مشهد مشهور إليه الزيارة والنذور.
85- وقال في ترجمة ولده علي بن يوسف : (وقبره في محرم معمور عليه مشهد مزور).
86- قبة الشريف: في بني الجابري بني نفيع يزار ويطلب منه الشفاء.
وأما الضرائح التي كانت تعبد في حضرموت فهي كثيرة ، وقولي : كانت تعبد تنبيها للقارئ أن حضرموت اليوم غير حضرموت في الأمس ، فقد كانت حضرموت في الأمس منبعا للشرك والخرافة ، بسبب تمكن الطرق الصوفية منها ، وأما اليوم فهي منبع للتوحيد والسنة ، نسأل الله أن يزيد أهلها صلاحا وتقى . والضرائح التي كانت تعبد فيها تحتاج إلى مؤلف خاص ، وسأنقل مجموعة من الضرائح من كتاب "المشرع الروي في مناقب السادة آل با علوي" ولن أنقل إلا من الجزء الثاني ، فإليكها :
87- ناصر بن أحمد بن الشيخ بن عبد الله السقاف: قبره معمور ببندر الشحر يزار
(1/149)
88- أبو بكر حسين بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن: بنيت عليه قبة عالية .
3- أبو بكر العيدروس: قبره ببندر عدن، يقصد بالزيارة.
89- أحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي بكر بن علوي: قبره بمقبرة زنبل، يزار .
90- أحمد بن محمد الهادي بن عبد الرحمن: دفن بالمعلاه ، وقبره معروف يزار.
91- أحمد بن محمد بن علوي بن أبي بكر الحبشي: قبره في أسفل الجبل في (الحسيسة)، عليه قبة عظيمة.
92- حسين بن عبد الله العيدروس: في تريم ، ودفن بقرب قبر أخيه في قبته.
93- زين بن عبد الله (جمل الليل ) دفن بالبقيع ، وقبره معروف يزار.
94- عبد الله العيدروس: دفن بمقبرة زنبل ، وقبره معروف يزار .
95- عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن المعلم: في قرية قسم ، وقبره مشهور يزار .
96- عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السقاف: دفن بالمعلاه ، وقبره معروف يزار.
97- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله العيدروس: قبره بـ(مقبرة زنبل) أظهر من رابعة النهار .
98- عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ العيدروس: قبره بـ(مقبرة زنبل). وعمل عليه قبة مزخرفة تفتن الناظرين .
99- عبد الله بن علي بن حسن: قرية الوهط مقصود بالزيارة .
100- عمر بن الشيخ علي بن أبي بكر السقاف: الوهط بين بندر عدن ولحج ، قبره معروف يزار .
101- شيخ عبد الله بن الشيخ علي: قبره ببندر الشحر ، يزار .
أخي القارئ الكريم : رأيت هذه الكثرة من القبور التي ذكرتها من الجزء الثاني من "المشرع الروي" فقط . فكيف لو تتبعنا ما في كتاب "شرح العينية" و "تاريخ النور السافر عن أخبار القرن العاشر" للعيدروس و "تاريخ الشحر" وكتاب "شمس الظهيرة " و "غاية القصد والمرام" وغير ذلك من كتب قبورية حضرموت لوجدنا أن الضرائح التي فيها أكثر وأكثر ، ولو نزلنا إلى الساحة لوجدنا أن الضرائح التي كانت منبعا للشرك والخرافة أكثر بكثير مما ذكر في الكتب لأن هناك أضرحة كانت تعبد ولم تذكر في الكتب المؤلفة .
(1/150)
وأخيرا أكرر على أن العدد المذكور للضرائح في هذا المؤلف ليس إلا من باب الجمع العابر وليس تقصيا بل إن هناك محافظات لم نتطرق إلى الضرائح التي كانت تعبد فيها كالمهرة ولحج وشبوة وغير ذلك من المحافظات ، فتصور معي لو جمعت كل هذه بدقة في الإحصاء كم تبلغ الأصنام والأوثان التي عبدت في اليمن منذ انتشار الرفض والتصوف .
الفصل الرابع :
الوعيد الشديد على من كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
إن من المعلوم من ديننا بالضرورة أن الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبيرة من كبائر الذنوب ، كيف لا؟ وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) والحديث متواتر ، وقد جعل المحدثون الكذب من الراوي في الحديث النبوي الواحد أشد أنواع الطعن في الراوي ، ولا يقبلون حديثه بعد ذلك ، حتى يتوب إلى الله ، بل جمهورهم لا يقبلون حديثه ولو تاب ، وهذا هو الحق ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : ((إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد فمن كذب عليّ متعمدا فليتوأ مقعده من النار)) متفق عليه من حديث المغيرة .
(1/151)
ومن روى الأحاديث المكذوبة على الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو شريك من اختلقها في الكذب ، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين )) رواه مسلم وأحمد عن سمرة . فمن كان يعلم حديثا مكذوبا على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يرويه فعليه من الإثم والوعيد بالعذاب مثل إثم من اختلقه وربما أشد ، إذا تسبب في نشر باطل ورد حق ، فما بالك بمن يؤلف الكتب لعدة أزمنة وربما إلى قيام الساعة ، وهي تحمل الأحاديث المكذوبة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فكيف بمن يؤصل بها أمور الشرك والخرافة؟ فمن هنا تعلم الخطر الجسيم الذي ارتكبته الفرق القبورية حيث إنها تجعل منطلق الدعوة إلى عبادة القبور قائما على الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وستأتيك نبذة من الأحاديث التي جعلها دعاة القبورية أساسا لما يدعون إليه ، وهي كذب على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ وعلى كلٍ لا بد من بيان الأحاديث المكذوبة ممن يذكرها وإلا فهو غاش للأمة .
(1/152)
تنبيه : جاء عند الطبراني عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((من كذب علي يريد عيبي وشين الإسلام فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم)) وهذا الحديث كذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه من طريق محمد بن الفضل بن عطية وهو كذاب ، قال الحاكم : (هذا حديث باطل, وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية اتفقوا على تكذيبه...) انظر "النكت على ابن الصلاح " لابن حجر2/854 , وقال الحاكم أيضا : (تجاسر أبو جعفر محمد بن عبد الله الفاتني السلمي زعم أنه رأى مناما طويلا ساقه في نحو من كراس ـ وفيه ـ قلت : يا رسول الله فهذه الأخبار التي وضعوها عليك ؟ قال : (( من تعمد عليّ كذبا يريد به إصلاحا لأمتي أو رفع لهم درجة في الآخرة فأنا أرحم الخلق به فلا أخاصمه وأشفع له ، والله أرحم مني ، ومن قصد بذلك الكذب وإفساد أمتي وإبطال حقهم فأنا خصمه ولا أشفع له) انظر المصدر السابق.
قال الحافظ ابن حجر : (وهو كلام في غاية السقوط إنما أوردته لئلا يغتر به ، لأنني رأيته في كلام العلامة مغلطاي أورده وقال: ينظر فيه).
قلت : محمد بن عبد الله السلمي يكفيه أن الحاكم أخبر عنه أنه متجاسر على الكذب ، فنعوذ بالله من الخذلان.
تنبيه آخر : جاء من حديث ابن مسعود والبراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ((من كذب علي متعمدا ليضل الناس فليتبوأ مقعده من النار)) قال الحافظ في "النكت" 2/855 : (اتفق أئمة الحديث على أنها زيادة ضعيفة . أي قوله : (ليضل الناس) إلى أن قال: ـ وعلى تقدير قبول هذه الزيادة فلا تعلق بها لهم لأن لها وجهين :
أحدهما : أن اللام في قوله : (ليضل الناس) ليست للتعليل ، وإنما هي لام العاقبة ، كما في قوله تعالى : {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} [القصص]، وهم لم يلتقطوه لقصد ذلك .
(1/153)
ثانيهما : أن اللام للتأكيد ولا مفهوم لها كما في قوله تعالى :{فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم} [الأنعام]، لأن الكذب على الله محرم سواء قصد به الإضلال أو لم يقصد به ...) اهـ.
جريمة الكذب على الصالحين
من المعلوم في الإسلام أن الكذب حرام ولو كان الكذب في شيء يسير, فما بالك بالكذب على الصالحين من علماء الإسلام ودعاته وحملته المؤدي إلى رد الحق بل ومحاربته بل إلى نشر الشرك والخرافة والكفر من تنجيم وسحر وكهانة وعبادة الأموات بشتى أنواع العبادات ، أفلا يكون الخطر أعظم وأدهى وأمر؟ بل قال الله تعالى :{ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم}[الأنعام]، وأي إضلال للمسلمين أكبر مما ذكرنا في هذا الكتاب ؟!. وقال الله تعالى : {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ...إلى قوله ... {لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} [النور] .
(1/154)
انظر أخي المسلم: كيف جعل الله الخائضين في نشر الفرية على عائشة مكتسبين للإثم وكيف جعل مختلق الكذب عليها له عذاب عظيم أفلا يكون عذاب الله أشد على من افترى على الصالحين وأولياء الله الكذب ليصيرهم آلهة يعبدون من دون الله؟. والكذب على أولياء الله المؤدي إلى ما ذكرنا هو يتضمن الكذب على الله لأن الكاذبين جعلوا ادعاءهم لصلاح الصالحين وولايتهم مبررا لكذبهم ، لأن الناس يخدعون بهذا . ويقولون : هؤلاء صالحون هم أعلم بالله منا وأخشى له وأتقى ، فكيف يصدر منهم ما يخالف الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟، فقبول ذلك منهم على أنه من عند الله ، فهذا هو تضمن الكذب على الله ، وقد قال الله تعالى : {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} [الزمر]، وكيف لا يكونون قد دخلوا في الكذب على الله ووقعوا فيه وهم لم يجتنبوه فضلا عن أن يحاربوه؟، ولا يخفى على من له اطلاع على أحوال الرافضة والصوفية ما حصل من كذب وافتراء على الصحابة وآل بيت النبوة ومن تبعهم بإحسان من قبل الرفضة والصوفية فيما يتعلق بالعقيدة خصوصا ، ولقد بلغ الكذب عليهم إلى اختلاق كتب لهم تناوئ القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وتبيح الكفر والشرك وغير ذلك ، كالصحف المنسوبة إلى آل بيت النبوة ، التي نزلت عليهم من السماء اختصهم الله بذلك على حد كذبهم ، كقرآن فاطمة والجفر ، واتسع الخرق على الراقع ، فقد ملئ الجراب بالكذب على من تعبد ضرائحهم كالجيلاني, وأحمد الرفاعي, ومعروف الكرخي, وبشر الحافي وغيرهم ، وألفت في ذلك الكتب دعوة وردودا، فهؤلاء من أعظم أعداء رسولنا وديننا ، والله المستعان.
ذكر شيء من الأحاديث الضعيفة والموضوعة
التي اعتمدت عليها القبورية
(1/155)
لقد اتكأ دعاة القبورية على التخرص في فهم القرآن والسنة وعلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة وما لا أصل له ، وعلى الأقوال المريضة والآراء الفاسدة والدعاوى الباطلة ، وقد رأيت أن أسرد مجموعة من الأحاديث التي لا تصح عندما نجعلها في ميزان النقد ، وقد رأيت أن أذكر شيئا من كلام أهل العلم عليها ، وهم أهل الحديث لأن أهل الحديث هم فرسان هذا الميدان بلا خلاف ، ولم أستقص وإنما جعلت ذلك كمشاركة في التصفية والتنقية لما دخل من الأباطيل في هذه المسألة الكبيرة ، وإليكها:
الحديث الأول : ((لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به )) وإليك كلام أهل العلم فيه :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( هذا من المكذوبات) انظر "مجموع الفتاوى "24/335 .
وقال الإمام ابن القيم : (هو من وضع المشركين عباد الأوثان) "المنار المنيف في الصحيح والضعيف"ص(139) رقم (319) وقال أيضا : (ومنها أحاديث مكذوبة مختلقة وضعها أشباه عباد الأصنام من المقابرية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تناقض دينه) ثم ذكر هذا الحديث ((لو أحسن...)) ثم قال : (وأمثال هذه الأحاديث التي هي مناقضة لدين الإسلام وضعها المشركون وراجت على أشباههم من الجهال والضلال) "إغاثة اللهفان"1/308 .
وقال الحافظ ابن حجر والسخاوي رحمهما الله : (لا أصل له). اهـ انظر "الضعيفة" رقم (450) .
الحديث الثاني : ((إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور أو فاستعينوا بأهل القبور)) وهذا الحديث قد حكم عليه علماء الإسلام بالوضع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (هو كذب باتفاق أهل المعرفة) "مجموع الفتاوى" 11/293)
وقال أيضا : (هو كلام موضوع مكذوب باتفاق العلماء)" اقتضاء الصراط المستقيم" 2/196.
(1/156)
وقال ابن قيم الجوزية وهو يعدد الأشياء التي أوقعت القبورية في الافتتان بها : (ومنها أحاديث مكذوبة مختلقة وضعها أشباه عباد الأصنام من المقابرية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تناقض دينه وما جاء به كحديث ((إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور)) وحديث ((لو أحسن أحدكم...)) الحديث، وأمثال هذه الأحاديث التي هي مناقضة لدين الإسلام وضعها المشركون وراجت على أشباههم من الجهال والضلال) "إغاثة اللهفان"1/308.
الحديث الثالث : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟ قال يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه قد غفرت لك, ولولا محمد ما خلقتك))
الحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك"2/615 والبيهقي في "الدلائل"5/488-489 والحديث حكم عليه الذهبي بالوضع انظر "الضعيفة" رقم (25) .
الحديث الرابع : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا ، يا عباد الله احبسوا، فإن لله حاضرا في الأرض سيحبسه)) أخرجه أبو يعلى في "مسنده" 9/17 رقم (5269) والطبراني في "الكبير"10/267 رقم (10518) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"ص(455) رقم (508) والحديث فيه معروف بن حسان وهو ضعيف. وفيه الانقطاع بين ابن بريدة وابن مسعود, والحديث ضعفه جماعة من أهل العلم. انظر "الضعيفة" رقم (655).
(1/157)
الحديث الخامس : عن عتبة بن غزوان رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ((إذا أظل أحدكم شيئا أو أراد أحدكم عونا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أغيثوني ، يا عباد الله أغيثوني فإن لله عبادا لا نراهم)) أخرجه الطبراني في "الكبير" 17/117-118 رقم (290) والحديث فيه ثلاث علل:
الأولى: عبد الرحمن بن شريك القاضي ضعيف.
الثانية : أبوه وهو شريك بن عبد الله القاضي ضعيف أيضا.
الثالثة: الانقطاع بين عتبة والراوي عنه وهو زيد بن علي .
والحديث قد ضعفه جماعة من أهل العلم .انظر "الضعيفة" رقم (656) .
تنبيه: حديث عتبة وحديث ابن مسعود الذي قبله فيهما دعوة إلى الاستنجاد والاستغاثة بالجن والشياطين, لأن القائل: (يا عباد الله احبسوا) يسمعه الجن ...وهم يستغلون مثل هذا النداء ليتوصلوا إلى التسلط على الداعي ودفعه إلى ما يريدون من الشركيات والخرافات. وأما الملائكة فإنهم وإن سمع من سمع منهم النداء إلا أنهم لا يفعلون شيئا إلا بإذن الله ، والله أعلم بعباده ، فهناك من لا يستحق أن يدفع عنه ما نزل به من بلاء ومعنى ((عباد الله احتبسوا))عند القبورية الأقطاب والأوتاد والأغواث والنجباء والطيارين, وهذا مبني على عقيدتهم الباطلة أن هؤلاء حاضرون مع الخلق ناظرون إليهم , فيا لله العجب من هذه الشطحات التي جعلت أصحابها لا يعرفون التوجه إلى الله, بل لب توجههم إلى هذه الدعاوى , فإنا لله وإنا إليه راجعون .
الحديث السادس : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن لله قوما اختصهم لمنافع العباد ويقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم وحولها إلى غيرهم )) أخرجه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" رقم (49) والاصبهاني في "الترغيب والترهيب" 2/70وأبو نعيم 6/115 و"تمام الفوائد" رقم (162). وابن عساكر 59/295 والطبراني 12/358 والحديث ضعيف من جميع طرقه .
(1/158)
الحديث السابع : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من زار قبري وجبت له شفاعتي)) رواه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر ، قال صاحب "الصارم" : (في سنده عبد الله بن عمر العمري المصغر الرواية. ضعيف ، ورواه عنه موسى بن هلال قال أبو حاتم : مجهول) اهـ من "الصارم المنكي".
وانظر "الإرواء" (1127)
الحديث الثامن : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من زار قبري حلت له شفاعتي)) رواه الدارقطني والبزار من طريق عبد الله بن إبراهيم عن عبدالرحمن بن زيد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به .
عبد الله بن إبراهيم الغفاري ضعيف جدا نسبه بعضهم إلى الكذب ووضع الحديث.
عبد الرحمن بن زيد ضعيف جدا . اهـ من "الصارم المنكي".
الحديث التاسع : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من جاءني زائرا لا تحمله حاجة إلا زيارتي كان حقا عليّ أن أكون له شفيعا يوم القيامة)) رواه عبد الله بن محمد العبادي عن مسلمة بن سالم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن أبيه.
وعبد الله بن محمد خالفه من هو أمثل منه ، وهو مسلمة بن حاتم الأنصاري وهو شيخ صدوق ، فرواه مسلمة بن حاتم عن مسلمة بن سالم عن عبد الله العمري عن نافع به ، فرجع الحديث إلى عبد الله المكبر الصغير الضعيف ، وحتى إن صح إلى مسلمة بن سالم أنه رواه عن عبيد الله المصغر الكبير فلا يقبل تفرده عنه دون أصحاب عبيد الله ، وأين هم من هذا ؟ ومسلمة ليس بالثقة الحافظ) اهـ من "الصارم المنكي".
الحديث العاشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان)) رواه الحاكم ، وفي سند الحديث أسيد بن زيد الجمال كذبه ابن معين.
(1/159)
و قال الألباني في "الدفاع عن الحديث النبوي والسيرة"ص(108) : (حديث موضوع آفته أسيد بن زيد الجمال الكوفي الكذاب ، وله طريق آخر عن ابن عباس بلفظ ((من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي ، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيدا أو قال : شفيعا)) وهذا موضوع أيضا ، في إسناده فضالة بن سعيد بن زميل مجهول لا يعرف إلا بهذا الخبر الذي تفرد به ولم يتابع عليه)، وقال الذهبي : (هذا موضوع).
الحديث الحادي عشر : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي )) رواه الدارقطني عن ابن عمر وفي سنده حفص بن سليمان بن أبي داود المقري متروك الحديث . قال البيهقي : (تفرد به, وحفص يسميه أبو الربيع الزهراني: حفص بن أبي داود لضعفه ، وفي السند أيضا ليث بن أبي سليم ضعيف ، وحفص اضطرب فيه فتارة يرويه عن ليث وتارة عن كثير بن شنطير عن ليث به) اهـ من "الصارم المنكي".
وقال الألباني في "الضعيفة" (47) : (موضوع).
الحديث الثاني عشر: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن حج ولم يزر قبري فقد جفاني)) رواه بعض المتأخرين من طريق النعمان بن شبل عن محمد بن الفضل عن جابر عن محمد بن علي عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به.
النعمان بن شبل اتهمه موسى بن هارون ، وقال ابن حبان : (يأتي عن الثقات بالطامات وعن الأثبات بالمقلوبات).
محمد بن الفضل هو ابن عطية كذبوه . وجابر هو الجعفي كذاب. ومحمد بن علي هو الباقر لم يدرك عليا جد أبيه رضي الله عنهم فالسند منقطع) اهـ من "الصارم المنكي".
قال الألباني في "الدفاع عن الحديث النبوي والسيرة"ص(108) : (موضوع).
(1/160)
الحديث الثالث عشر: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني)) من طريق محمد بن محمد بن النعمان عن جده عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به.
محمد بن محمد بن النعمان متهم بالكذب والوضع على جده. وجده لا يقبل تفرده عن مالك إن فرضنا أنه ثقة, فأين أصحاب مالك عن مثل هذا؟ فكيف وقد اتهمه موسى بن هارون ؟.
والصحيح في الرواية عن النعمان بن شبل عن محمد بن الفضل عن جابر عن محمد بن علي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه به، وقد تقدم الكلام عليها) اهـ من "الصارم المنكي" بتصرف . وقد حكم عليه جماعة من أهل العلم بالوضع .انظر "الضعيفة" رقم (45).
الحديث الرابع عشر: ((من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد ضمنت له على الله ـ أو دخل ـ الجنة))
قال ابن عبد الهادي فيه وفي الأثر الذي قبله: ( ذكر بعض أهل العلم أن هذا الحديث إنما افتراه الكذابون لما فتح بيت المقدس واستنقذ من أيدي النصارى على عهد صلاح الدين سنة بضع وثمانين وخمسمائة فإن النصارى نقبوا قبر الخليل وصار الناس يتمكنون من الدخول إلى الحضرة) اهـ من "الصارم المنكي" وانظر "الضعيفة" رقم (46).
الحديث الخامس عشر : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من زار قبري أو من زارني كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة)) رواه أبو داود الطيالسي عن سوار بن ميمون أبي الجراح العبدي عن رجل من آل عمر عن عمر به مرفوعا.
هذا الحديث فيه علل وهي :
الاضطراب ، والاختلاف ، والانقطاع ، والجهالة ، والإبهام) اهـ من "الصارم المنكي".
(1/161)
ورواه هارون بن قزعة عن رجل من ولد حاطب عن حاطب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وتارة عن رجل من ولد حاطب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وتارة يقول فيه: عن رجل من آل الخطاب . وتارة من آل عمر ...الخ ففيها اضطراب كثير) اهـ من "الصارم المنكي". .
وقال الألباني في "الضعيفة" (1021) : (باطل).وانظر الدفاع عن الحديث النبوي ص(107-108) للألباني .
الحديث السادس عشر : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى عليّ في بيت المقدس لم يسأله الله فيما افترض عليه)) وهو حديث موضوع قال الذهبي في الميزان :هذا خبر باطل آفته بدر) .اهـ وبدر هو ابن عبد الله المصيصي انظر "الضعيفة" رقم (204).
الحديث السابع عشر : حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي)) رواه ابن مردويه عن الحسن بن محمد السوسي عن أحمد بن سهل بن أيوب عن خالد بن يزيد عن عبد الله بن عمر قال: سمعت سعيدا المقبري يقول سمعت أبا هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره.
هذا حديث منكر لا أصل له ، وإسناده مظلم بل هو حديث موضوع على عبد الله العمري الصغير المكبر المضعف, والحسن بن محمد السوسي وأحمد بن سهل الأهوازي يرويان المنكر لا يحتج بخبرهما ولا يعتمد على روايتهما, وخالد بن يزيد هو العمري بلا شك وهو متروك الحديث متهم بالكذب) اهـ من "الصارم المنكي".
الحديث الثامن عشر : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شهيدا أو شفيعا)) وفي رواية ((من زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة)) يرويه ابن أبي فديك عن سليمان بن يزيد أبي المثنى الكعبي عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به .
(1/162)
سليمان بن يزيد منكر الحديث غير محتج به، لم يسمع من أنس بل روايته منقطعة غير متصلة) اهـ من "الصارم المنكي".
قلت: هو عند البيهقي في "الشعب" وذكره السيوطي في "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة"2/130 وفي بعض ألفاظه ((من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة)).
الحديث التاسع عشر : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من زارني ميتا فكأنما زارني حيا ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة وما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر)) موضوع مكذوب مختلق مصنوع من النسخة الموضوعة المكذوبة الملصقة بسمعان المهدي قبح الله واضعها ، وإسناده إلى سمعان ظلمات بعضها فوق بعض ، وأما سمعان فهو من الحيوانات التي لا يدرى هل وجدت أم لا ؟) اهـ من "الصارم المنكي".
الحديث العشرون : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيدا أو قال: شفيعا)).
هو حديث منكر جدا ليس بصحيح ولا ثابت بل هو حديث موضوع على ابن جريج, في سنده فضالة بن سعيد بن زميل المازني شيخ مجهول لا يعرف له ذكر إلا في هذا الخبر الذي تفرد به, ولم يتابع عليه. ومحمد بن يحيى المازني قال ابن عدي : (منكر الحديث) . وقال : (أحاديثه مظلمة منكرة) اهـ من "الصارم المنكي" .
الحديث الحادي والعشرون : عن بكير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من أتى المدينة زائرا لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة، ومن مات في أحد الحرمين بعث آمنا)) رواه يحيى الحسيني في "أخبار المدينة" في باب ما جاء في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي السلام عليه فقال : حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا عبد الله بن وهب عن رجل عن بكير بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به .
(1/163)
قال ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي"ص(173) : (هو حديث باطل لا أصل له وخبر معضل لا يعتمد على مثله وهو من أضعف المراسيل وأوهى المنقطعات) .اهـ من "الصارم المنكي" .
الحديث الثاني والعشرون : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ((من سأل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدرجة الوسيلة حلت له الشفاعة يوم القيامة ، ومن زار قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان في جوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ))
هذا مكذوب على علي رضي الله عنه يرويه عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن علي به.
عبد الملك بن هارون بن عنترة متهم بالكذب ووضع الحديث.
الحديث الثالث والعشرون : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((ما من مسلم يسلم علي في شرق ولا غرب إلا أنا وملائكة ربي نرد عليه السلام فقال له قائل: يا رسول الله ما بال أهل المدينة ؟ فقال : وما يقال لكريم في جيرته وجيرانه)) رواه الطبراني عن أبي هريرة.
والحديث موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس له أصل. والمتهم بوضعه شيخ الطبراني عبيد الله بن محمد العمري المدني ، ويجوز أن يكون وضع له وأدخل عليه فحدث به) اهـ من "الصارم المنكي" وانظر "الضعيفة" رقم (205).
الحديث الرابع والعشرون : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من صلى عليّ عند قبري سمعته ، ومن صلى علي نائيا من قبري أبلغته)) أخرجه البيهقي في "الشعب" .
قال صاحب "الصارم المنكي" : (موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يحدث به أبو هريرة ولا أبو صالح ولا الأعمش ، فيه محمد بن مروان السدي متهم بالكذب والوضع . وفيه أيضا العلاء بن عمرو الحنفي متروك) .
وجاء نحوه عن أبي البختري عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
(1/164)
وأبو البختري اسمه وهب بن وهب القاضي كذاب يضع الحديث باتفاق أهل المعرفة بالحديث) اهـ من "الصارم المنكي" . وانظر "الضعيفة" رقم (203).
الحديث الخامس والعشرون : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لما أسري بي إلى بيت المقدس مر بي جبريل بقبر أبي إبراهيم عليه السلام فقال: يا محمد انزل فصل هنا ركعتين هذا قبر أبيك إبراهيم ثم مر بي ببيت لحم فقال انزل فصل هاهنا ركعتين فإنه ولد أخوك عيسى عليه السلام ثم أتى بي إلى الصخرة فقال: يا محمد من هنا عرج ربك إلى السماء...)) والحديث طويل كما ذكر ذلك ابن حبان وقال : (وذكر كلاما طويلا أكره ذكره).
والحديث أخرجه ابن حبان في "المجروحين"1/197 وذكره ابن الجوزي في "الموضوعات"1/113 والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة"1/12-13.
والحديث موضوع وآفته بكر بن زياد الباهلي، قال ابن حبان في "المجروحين"1/196 : (شيخ دجال يضع الحديث على الثقات لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه).
والحديث حكم عليه العلماء والأئمة بالوضع .
الحديث السادس والعشرون : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور)) أخرجه البيهقي في كتاب "حياة الأنبياء" وهو موضوع لأن فيه أحمد ابن علي الحسنوي وهو متهم, ومتنه يعارض الأحاديث الصحيحة التي فيها إثبات أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء.
وقد جاء من كلام سعيد بن المسيب فلعله من الإسرائيليات.
(1/165)
الحديث السابع والعشرون : عن سعيد بن المسيب قال : لقد رأيتني ليالي الحرة وما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيري وما يأتي وقت صلاة إلا سمعت الأذان من القبر ثم أتقدم فأقيم وأصلي وإن أهل الشام ليدخلون المسجد زمرا فيقولون انظروا إلى الشيخ المجنون)) رواه أبو نعيم الأصبهاني في "الدلائل" وهو ضعيف لأن فيه عبد الحميد بن سليمان ضعيف ، وله طريق أخرى عند ابن سعد فيها محمد بن سعيد وهو مجهول وفيها ولده طلحة بن محمد وهو مجهول أيضا.
الحديث الثامن والعشرون : عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من زار قبر والديه كل جمعة فقرأ عندهما {يس} غفر له بعد كل آية أو حرف )) موضوع ، رواه ابن عدي وأبو نعيم في " أخبار أصبهان" والمتهم بوضعه عمرو بن زياد الثوباني فقد اتهمه بالوضع ابن عدي وغيره.
الحديث التاسع والعشرون : ((من حج فليقدس حجته من سنته)) قال النووي : (لا أصل له) "تنزيه الشريعة" لابن عراق ص(176) .
الحديث الثلاثون : (( رحم الله من زارني وزمام ناقته بيده...)) سئل ابن حجر عنه فقال : (لا أصل له) "تنزيه الشريعة"ص(176) وفي "كشف الخفاء" قال ابن حجر : (لا أصل له بهذا اللفظ).
الحديث الحادي والثلاثون : عن مالك الدار وكان خازنا لعمر على الطعام قال : (أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مستسقون وقل له عليك الكيس) هذه القصة أخرجها البيهقى في دلائل النبوة 7/47 وفيها جهالة الرجل الذي جاء إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(1/166)
وقد ذكر سيف بن عمر في فتوحه أن بلال بن الحارث المزي أحد الصحابة هو الذي رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن سيف هذا متروك, والرؤيا المنامية لا يبنى عليها أحكام عند أهل العلم, بل القصة هذه مخالفة لأدلة الاستسقاء .
الحديث الثاني والثلاثون :حديث (توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (هذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث مع أن جاهه عند الله أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين). "التوسل والوسيلة" (168).
الحديث الثالث والثلاثون : حديث ((أن الله تعالى وكل ملكا على قبر كل ولي يقضي حوائج الناس)) . والحديث لا أساس له من الصحة .
الحديث الرابع والثلاثون : حديث ((حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم فإن أنا مت كانت وفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فإن رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت شرا استغفرت لكم )). رواه البزار وهو "ضعيف انظر "الضعيفة"رقم (975).
الحديث الخامس والثلاثون : حديث ((تعرض علي أعمالكم كل خميس)) قال الألباني موضوع فيه الأنصار ي هذا وهو محمد بن عبد الملك .انظر "الضعيفة" رقم (975).
الحديث السادس والثلاثون : عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : ((من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب برا )) أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط وهو موضوع لأن في إسناده يحي بن العلاء البجلي وقد كذبه غير واحد من المحدثين, وفيه علل أخرى .
ذكر بعض الآثار الضعيفة التي استدلت بها القبورية
أثر بلال :
(1/167)
جاء عن بلال أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام وقال : (ما هذه الجفوة فسافر إلى المدينة وجاء عند القبر فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه...) رواه أحمد والحاكم عن محمد بن الفيض أبي الحسن الغساني عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه محمد بن سليمان عن أبيه سليمان بن بلال عن أم الدرداء عن أبي الدرداء في قصة طويلة.
هذا أثر غريب منكر وإسناد مجهول ، وفيه انقطاع ، وقد تفرد به محمد بن الفيض الغساني عن إبراهيم بن محمد بن سليمان عن أبيه عن جده.
وإبراهيم هذا شيخ لم يعرف بثقة وأمانة ولا ضبط وعدالة. بل هو مجهول غير معروف بالنقل ولا مشهور بالرواية, ولم يرو عنه غير محمد بن الفيض روى عنه هذا الأثر المنكر.
ومحمد بن سليمان بن بلال والد إبراهيم قليل الحديث ، لم يشتهر من حاله ما يوجب قبول أخباره.
وأما أبوه سليمان بن بلال فإنه رجل غير معروف بل هو مجهول الحال ، قليل الرواية لم يشتهر بحمل العلم ونقله ، ولم يوثقه أحد من الأئمة فيما علمناه ، ولم يذكر له البخاري ترجمة في كتابه ، وكذلك ابن أبي حاتم ، ولا يعرف له سماع من أم الدرداء) اهـ من "الصارم المنكي".
وقال الألباني في "الدفاع عن الحديث النبوي والسيرة "ص(95) : (وهذه الرواية باطلة ولوائح الوضع عليها ظاهرة من وجوه عديدة . ثم ذكر أهمها فراجعها إن شئت
أثر وهب بن منبه:
قال وهب بن ومنبه : (إذا كان آخر الزمان حيل بين الناس وبين الحج فمن لم يحج ولحق ذلك ولحق بقبر إبراهيم فإن زيارته تعدل حجة).
هذا كذب على وهب بن منبه، اهـ من "الصارم المنكي".
أثر عمر بن عبد العزيز:
عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد من الشام ويقول له سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هذا لا يصح ، وإن صح فليس فيه دلالة على شد الرحال لمجرد زيارة القبر ) اهـ من "الصارم المنكي" .
أثر عمر بن الخطاب:
(1/168)
قال عمر بن الخطاب لكعب الأحبار لما أسلم : هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتتمتع بزيارته , فلما قدم عمر المدينة أول ما بدأ بالمسجد وسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال ابن عبدالهادي : (من المعلوم أن هذا من الأكاذيب والموضوعات على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتوح الشام فيه كذب كثير ، وهذا لا يخفى على آحاد طلبة العلم) اهـ من "الصارم المنكي" .
أثر عائشة في شأن القحط
واخرج الدارمي في سننه 1/56 عن أبي الجوزاء قال قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة فقالت : (انظروا قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا فمطروا مطرا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من اللحم فسمي عام الفتق . قلت :هذا الأثر ضعيف انظر الكلام عليه في" الرد على البكري" 1/89 وما بعدها.
أثر أبي أيوب
أخرجه أحمد 5/422 والطبراني في الكبير رقم( 3999 ) والأوسط رقم( 3962) من طريق داود بن أبي صالح قال : (أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر فأخذ مروان برقبته ثم قال هل تدري ما تصنع ؟ فإذا هو أبو أيوب الأنصاري ...)والقصة ضعيفة في سندها داود بن أبي صالح وهو مجهول وانظر مزيدا من الكلام عليها في رسالة "شفاء الصدور في الرد على الجواب المشكور" ص 16-19.
قصة أعرابي :
قال محمد بن حرب الهلالي دخلت المدينة فأتيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فزرته وجلست حذاءه فجاء أعرابي فزاره ثم قال : (يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتابا صادقا قال فيه : {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم بكى وأنشأ يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
(1/169)
ثم استغفر وانصرف قال فرقدت فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نومي وهو يقول : الحق الرجل فبشره أن الله قد غفر له بشفاعتي فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم أجده)
قال ابن عبد الهادي : (هذه الحكاية بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد , وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي , وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي ).
وقد ذكرها البيهقي في كتابه "شعب الإيمان" بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبو حرب الهلالي فذكر نحو ما تقدم . وقد وضع لها بعض الكذابين إسنادا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي الجملة ليست هذه الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة, وإسنادها مظلم مختلف ، ولفظها مختلف أيضا . ولا يصلح للإحتجاج بمثل هذه الحكاية ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم ، وبالله التوفيق) اهـ من "الصارم المنكي" .
قصة أعرابي مع علي بن أبي طالب :
إسنادها إلى علي ، قال أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبدالله بن عبد الرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي حدثنا أحمد بن محمد الهيثم الطائي حدثني أبي عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : (قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أيام فرمى بنفسه إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحثا على رأسه من ترابه ، وقال : يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله عز وجل فما وعينا عنك ، وكان فيما أنزل الله عليك {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر إنه قد غفر لك ).
(1/170)
وهذا خبر منكر موضوع ، وأثر مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه ، ولا يحسن المصير إليه ، وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض ، والهيثم جد أحمد أظنه ابن عدي الطائي فإن يكن هو فهو متروك كذاب ، وإلا فهو مجهول ، وقد ولد الهيثم بن عدي بالكوفة ونشأ بها وأدرك زمان سلمة بن كهيل فيما قيل ، ثم انتقل إلى بغداد فسكنها ، اهـ من )الصارم المنكي" .
قصة مالك مع أبي جعفر المنصور:
قال أبو جعفر لمالك :( أأستقبل وأدعو أم أستقبل القبر ؟قال له مالك : لم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام ؟بل استقبله واستشفع به يشفعه الله فيك . قال الله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}.
هذه القصة إسنادها مظلم منقطع وهو مشتمل على من يتهم بالكذب ، وعلى من يجهل حاله ، وابن حميد هو محمد بن حميد الرازي كذاب ولم يلق مالكا ,فهي ضعيفة جدا ومنقطعة
والمعروف عن مالك أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء.
قال مالك : ( لا أرى أن يقف عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو ولكن يسلم ويمضي).
قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " ص(52) : (وليس في مصنفات المسلمين التي يعتمدون عليها في الحديث والفقه أصل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه في زيارة قبره) اهـ .
هذا ما تيسر لي نقله من الأحاديث والآثار التي ليست من ديننا , وبقيت أحاديث وآثار كهذه لم نذكرها خشية الإطالة ، ومن جمال التأليف ومكملاته تتويجه بذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة وما لا أصل لها المتعلقة بالبحث وبيان حالها .
ذكر بعض الكتب القبورية
أخي المسلم : لقد ألفت مئات الكتب التي تدافع عن الشرك والخرافة تارة ، وتدعو إليه تارة ، وسأذكر عددا يسيرا من تلك الكتب لعظم خطرها لعل من يريد الحق يحذر منها، ويحذر وينأى عنه ويدبر ويتركها من أجل سلامة دينه, وهي كالتالي :
(1/171)
1- "تحريض الأغبياء على الاستغاثة بالأنبياء والأولياء" لمؤلفه عبد الله بن إبراهيم الملقب بالمحجوب ، ولما عظم جرم هذا الرجل وجرأته على تأليف هذا الكتاب المعلن بالدعوة إلى الشرك الصراح لقبه القبوريون بـ (القطب الأعظم والغوث الأكرم) تزعم القبورية أنه يأخذ مباشرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
2- "مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام" لمؤلفه محمد بن موسى التلمساني الفاسي ثم المصري ، وقد تقدم أن ذكرنا أنه حج إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذهب إلى بيت الله الحرام ، وقد جعلته القبورية من الأئمة الكبار.
3- "نفحات القرب والاتصال بإثبات التصرف للأولياء بعد الانتقال" ومن عنوان الكتاب هذا ندرك مدى مزاحمة القبورية لربوبية الله ، وأما الألوهية فقد حولتها للضرائح.
4- "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" للسبكي وهو من أسوأ كتبه التي مهد بها للشرك والخرافة, وقد بين حقيقته ابن عبد الهادي في كتابه "الصارم المنكي في الرد على السبكي" .
5- "شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق" للنبهاني ، جمع فيه أقوال دعاة الشرك والخرافة من أولهم إلى آخرهم ، والمؤلف بالرغم أنه عصري إلا أنه مغرم بدسائس القبورية ، وحقيقة الكتاب: الدعوة إلى عبادة أقطاب الصوفية بكل ما تعني كلمة عبادة.
6- "كرامات الأولياء" للنبهاني أيضا، جمع فيه مؤلفه أقوال الحلوليين والاتحاديين ، والزنادقة، والسحرة، والمنجمين، والدجالين، والفلاسفة ، وجعل ذلك كله من كرامات الأولياء، فما أحد في عصرنا أحيا الشرك والخرافة في تأليفه كالنبهاني ، نسأل الله أن يعامله بما يستحق.
7- "إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور" لأحمد بن محمد الغماري القبوري العصري.
8- "اتحاف الأذكياء بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء" لعبد الله الغماري القبوري.
9- "إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي" .
(1/172)
10- "البصائر لمنكري التوسل بأهل المقابر"
11- "ثبوت الحاضر والناظر" يريد المؤلف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حاضر معنا وناظر إلينا ، وإلى أحوالنا.
12- "الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظم" لابن حجر الهيتمي ، وهو غير ابن حجر العسقلاني فتنبه .
13- "حكايات الأولياء" لأشرف علي التهانوي.
14- "حياة الممات في بيان سماع الأموات" لأحمد رضا خان القبوري.
15- "الذخائر القدسية في زيارة خير البرية".
16- "روض الرياحين في حكايات الصالحين" للخرافي القبوري عبد الله بن أسعد اليماني اليافعي .
17- "ضياء الصدور لمنكر التوسل بأهل القبور" للقبوري الخرافي طاهر شاه.
18- "طبقات الخواص أهل الصدق والإخلاص" لأحمد بن أحمد اليماني الوثني ، فيه شطحات كفرية كثيرة وهو مملوء بذلك.
19- "غوث العباد ببيان الرشاد" لمصطفى الحمامي الأزهري الوثني.
20- "الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية" لإمام الملحدين و المتزندقين ابن عربي محمد بن علي.
21- "قمر التمام في نفي الظل عن سيد الأنام" لأحمد رضا خان الوثني.
22- "مفاهيم يجب أن تصحح" لمحمد علوي مالكي المغربي القبوري في هذا العصر وقد نسف أباطيل هذا الكتاب فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في كتابه القيم " هذه مفاهيمنا ".
23- "المواهب اللدنية" للقسطلاني المصري فيه عقائد قبورية.
24- "المواهب السرمدية في مناقب السادة النقشبندية" لمحمد أمين الكردي .
25- "المشرع الروي في مناقب السادة آل باعلوي" كتاب مملوء بالشطحات الشركية والدعوات القبورية.
26- "شرح العينية " من أخبث كتب الشروح القبورية.
27- "الاستغاثة بأحباب الله عند الشدائد" .
الفصل الخامس :
شبهات والجواب عنها
إن دعاة القبورية جاءوا بشبهات عديدة ليفسدوا بها على عباد الله دينهم, وإلقاء الشبهات على الناس طريقة كل ملبس مفلس .
(1/173)
والرد عليهم بالحجج والبراهين الشرعية كفيل بإزهاقها قال رب العالمين: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق{ [الأنبياء].
وقال تعال:ى }وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا{ [الإسراء] وقال تعالى: }ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار{ [إبراهيم] .
وقال تعالى : }ليهلك من هلك عن بينة ويحيى, من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم{ [الأنفال] .
وقد أتى علماء التوحيد على أصول هذه الشبه فاقتلعوها وعلى قواعدها فنسفوها .
والشبهات كثيرة ولكني سأكتفي بذكر بعضها, وسأجيب عنها بأجوبة مختصرة إن شاء الله تعالى فإليكها :
الشبهة الأولى : ادعاؤهم أن الشرك لا وجود له في أمة الإسلام :
مستدلين على ذلك بحديث جابر عند مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم )) وهذا الحديث ليس فيه دليل لهم بل غاية ما في الحديث: الإخبار عن حالة الشيطان الذي كان يعبد في الجزيرة أنه قد يئس من عبادته بسبب استقامة الناس على دينهم ، وهذا حاصل عند شياطين الجن والإنس أنهم ييأسون من المجتمع الذي يستقيم على دين الله ، قال تعالى :{اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } [المائدة]، فقد يئس كفار الإنس من قبول المسلمين الشركيات والكفريات عندما استقاموا على دين الله ، وهذا مصداق قوله تعالى :{يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة] .
ويأس الشيطان لا وجود له اليوم, والواقع أكبر شاهد بأن الشيطان يعبد بأنواع شتى وقد قال نبينا - صلى الله عليه وسلم - :" لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة)) متفق عليه عن أبي هريرة .
والمراد بالحديث والله أعلم أن أهل الجزيرة لا يجتمعون على الشرك بالله عز وجل, فظهر بهذا بطلان استدلال القبورية بهذا الحديث .
(1/174)
وهناك أحاديث صرح فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن اللات والعزى ستعبدان في آخر الزمان ، وقد ذكرنا أدلة أكثر مما ذكرنا هنا في كلامنا على خوف رسولنا - صلى الله عليه وسلم - على أمته من الشرك ، وتلك الأدلة تدل على وجود الشرك في عصرنا ، وذكرنا أيضا أنواعا من الشرك في كلامنا على الشركيات المتحققة في عصرنا .
فاتضح من هذا أن بلاد المسلمين ملغمة بالشركيات بل مليئة بالشركيات, فإلى متى المكابرة والمعاندة عند الصوفية ؟
الشبهة الثانية : قولهم قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد النبوي وعليه قبة :
قلت: أما إدخال قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه المسجد فهذا من فعل الوليد بن عبد الملك لما كان خليفة على المسلمين, فإدخال حجرة عائشة التي فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحباه في المسجد كان منكرا عظيما لا شك في ذلك ، وكيف لا يكون كذلك وهو ينافي الحكمة من اتفاق الصحابة على دفن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجرة عائشة؟ ألا وهي (لكي لا يتخذ قبره مسجدا) ولم يكن في وقت إدخالها أحد من الصحابة حيا في المدينة ، وقد ذكر بعض العلماء أن العلماء من التابعين المتواجدين في المدينة استنكروا ذلك فأصر الوليد على تنفيذ ذلك ، فالقضية دولية لا دليلية ، فكيف يحتج القبوريون بفعل بعض الملوك وقد احتاط المخالفون عند إدخال القبر النبوي في المسجد بأن بنوا حيطانا مرتفعة مستديرة حول القبر لئلا يظهر في المسجد؟ ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين ورفعوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر. ذكر هذا النووي في شرح صحيح مسلم 5/14.
(1/175)
وأما بناء القبة على قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالمشهور أن أول من بناها السلطان المنصور قلاوون الصالحي والد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، ذكر هذا صاحب كتاب "عمدة الأخبار في مدينة المختار"ص(124) وزين الدين المراغي في كتابه "تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة"ص(81) والسمهودي في كتابه "وفاء الوفاء..." 2/609 وقد كان بناء هذه القبة على قبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من قبل السلطان قلاوون في عام 678هـ .
وعلى هذا فلا حجة أبدا للقبورية في وجود هذه القبة ، والحقيقة أن هذه هي طريقتهم يتركون الكتاب والسنة جانبا ويحتجون بأفعال البشر ،ولا حجة إلا في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - , فانظر كيف يحتجون بالأمور الدولية كهذه؟ ، والعلماء ما يزالون يطالبون بإزالة القبة المذكورة ، وانظر إلى شيء من أقوالهم في كتاب شيخنا العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله "رياض الجنة"ص(273-275)
الشبهة الثالثة :وهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في مسجد الخيف وقد ورد في الحديث أن فيه سبعين نبيا :
قال العلامة الألباني رحمه الله : إننا لا نشك في صلاته - صلى الله عليه وسلم - في هذا المسجد ولكننا نقول : إن ما ذكر في الشبهة من أنه دفن فيه سبعون نبيا لا حجة فيه من وجهين :
الأول : أننا لانسلم بصحة الحديث المشار إليه لأنه لم يروه أحد ممن عني بتدوين الحديث الصحيح, ولا صححه أحد ممن يوثق بتصحيحه من الأئمة المتقدمين, ولا النقد الحديثي يساعد على تصحيحه, فإن في إسناده من يروي الغرائب وذلك مما يجعل القلب لا يطمئن لصحة ما تفرد به ...) وأنا أخشى أن يكون الحديث تحرف على أحدهما فقال (قبر) بدل (صلى ) لأن هذا اللفظ الثاني هو المشهور في الحديث, فقد أخرج الطبراني في الكبير بإسناد رجاله ثقات عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا((صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا)) وكذلك رواه الطبراني في الأوسط,...
(1/176)
وقال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن, ولا شك في حسن الحديث عندي فقد وجدت له طريقا أخرى عن ابن عباس رواه الأزرقي في "أخبار مكة" ص( 35) عنه موقوفا عليه, وإسناده يصلح للاستشهادكما بينته في كتابي الكبير "حجة الوداع". وجملة القول : أن الحديث ضعيف لا يطمئن القلب بصحته فإن صح فالجواب عنه من الوجه الآتي وهو :
الثاني : أن الحديث ليس فيه أن القبور ظاهرة في مسجد الخيف, وقد عقد الأزرقي في "تاريخ مكة"ص(406-410) عدة فصول في وصف مسجد الخيف فلم يذكر فيه قبورا بارزة, ومن المعلوم أن الشريعة إنما تبنى أحكامها على الظاهر, فإذا ليس في المسجد المذكور قبورا
ظاهرة, فلا محظور في الصلاة فيه البتة لأن القبورمندرسة ولا يعرفها أحد, بل لولا هذا الخبر الذي عرفت ضعفه لم يخطر في بال أحد أن في أرضه سبعين قبرا, لذلك لا يقع فيه تلك المفاسد التي تقع عادة في المساجد المبنية على القبور الظاهرة والمشرفة) اهـ. "تحذير الساجد"ص(101-108).
الشبهة الرابعة :ماذكر في بعض الكتب أن قبرإسماعيل عليه السلام وغيره في الحجر من المسجد الحرام.
فالجواب : من وجهين :
الأول :أنه لم يثبت في حديث مرفوع أن إسماعيل عليه السلام أو غيره من الأنبياء الكرام دفنوا في المسجد الحرام, ولم يرد شيء من ذلك في كتاب من كتب السنة المعتمدة كالكتب الستة ومسند أحمد ومعاجم الطبراني وغيرها من الدواوين المعروفة, وذلك من أعظم علامات كون الحديث ضعيفا بل موضوعا عند بعض المحققين, وغاية ماروي في ذلك آثار معضلات بأسانيد واهيات موقوفات أخرجها الأزرقي في "أخبار مكة" فلا يلتفت إليها وإن ساقها بعض المبتدعة مساق المسلمات.
(1/177)
الوجه الثاني :أن القبور المزعوم وجودها في المسجد الحرام غير ظاهرة ولا بارزة ..., وأن العبرة في هذه المسألة بالقبور الظاهرة, وأن ما في باطن الأرض من القبور فلا يرتبط به حكم شرعي من حيث الظاهر, بل الشريعة تتنزه عن مثل هذا الحكم لأننا نعلم بالضرورة والمشاهدة أن الأرض كلها مقبرة الأحياء كما قال تعالى }ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا{ اهـ من "تحذير الساجد"ص( 108-113) بتصرف .
الشبهة الخامسة : أن أبا حندل رضي الله عنه بنى مسجدا على قبر أبي بصير في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال الألباني رحمه الله في تحذير الساجد ص 114-120مجيبا عن هذه الشبهة : فشبهة لا تساوي حكايتها ولولا أن بعض ذوي الأهواء من المعاصرين اتكأ عليها في رد تلك الأحاديث المحكمة لما سمحت نفسي أن أسود الصفحات في سبيل الجواب عنها وبيان بطلانها والكلام عليها من وجهين :
الأول : رد ثبوت البناء المزعوم من أصله لأنه ليس له أسناد تقوم الحجة به, ولم يروه أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وغيرهم, وإنما أورده ابن عبد البر في ترجمة أبي بصير من "الاستيعاب" 2/21-23 مرسلا إلى أن قال :
فهذه الزيادة أعني قوله : (وبنى على قبره مسجدا) معضلة بل هي عندي منكرة .
الوجه الثاني :أن ذلك لو صح لم يجز أن ترد الأحاديث الصريحة في تحريم بناء المساجد على القبور لأمرين :
أولا : أنه ليس في القصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلع على ذلك وأقره .
ثانيا : أنه لو فرضنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلع على ذلك وأقره فيجب أن يحمل ذلك على أنه قبل التحريم لأن الأحاديث صريحة في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم ذلك في آخر حياته كما سبق, فلا يجوز أن يترك النص المتأخر من أجل النص المتقدم على فرض صحته عند التعارض, وهذا بين لا يخفى .
الشبهة السادسة: أن المنع من البناء على القبور كان لعلة وهي : (خشية الافتتان بالقبور) وقد زالت تلك العلة فزال المنع .
(1/178)
هذه الشبهة ردها العلامة الألباني رحمه الله من عدة وجوه :
ننتقي من ذلك ما نراه مناسبا لبحثنا وقد صدر كلامه بقوله : (لا أعلم أحدا من العلماء ذهب إلى القول بهذه الشبهة إلا مؤلف "إحياء القبور" فإنه تمسك بها وجعلها عمدته في رد تلك الأحاديث المتقدمة واتفاق الأئمة عليها .
الوجه الثاني : علمت مما سبق من الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حذر أمته من اتخاذ المساجد على القبور في آخر حياته بل في مرض موته, فمتى زالت العلة التي ذكرها ؟
إن قيل : زالت عقب وفاته - صلى الله عليه وسلم - فهذا نقض لما عليه جميع المسلمين أن خير الناس قرنه ؛ لأن القول بذلك يستلزم أن الإيمان لم يكن قد رسخ في نفوس الصحابة وإنما رسخ بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ولذلك لم تزل العلة وبقي الحكم, وهذا لا أتصور أحدا يقول به لوضوح بطلانه .
وإن قيل : زالت قبل وفاته - صلى الله عليه وسلم - قلنا : وكيف ذلك وهو - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن ذلك في آخر نفس من حياته - صلى الله عليه وسلم - ؟.
الوجه الثالث : أن في بعض الأحاديث المتقدمة باستمرار الحكم إلى قيام الساعة .
الوجه الرابع : أن الصحابة رضي الله عنهم إنما دفنوه خشية أن يتخذ قبره مسجدا كما تقدم عن عائشة رضي الله عنها في الحديث, فهذه الخشية إما أن يقال أنها كانت منصبة على الصحابة أنفسهم أو على من بعدهم, فإن قيل بالأول قلنا فالخشية على من بعدهم أولى . وإن قيل بالثاني وهو الصواب – عندنا- فهو دليل قاطع على أن الصحابة كانوا لا يرون زوال العلة المستلزم زوال الحكم لا في عصرهم ولا فيما بعدهم, فالزعم بخلاف رأيهم ضلال .
الوجه السادس : أن العمل استمر من السلف على هذا الحكم ونحوه مما يستلزم بقاء العلة السابقة وهي خشية الوقوع في الفتنة والضلال, فلو أن العلة المشار إليها كانت منتفية لما استمر العمل على معلولها, وهذا بين لا يخفى والحمد لله) اهـ من "تحذير الساجد"ص(120-129).
(1/179)
الشبهة السابعة :استدلال القبورية بأثر خارجة بن زيد وهو : رأيتني ونحن شبان في زمن عثمان رضي الله عنه وإن أشدنا وثبة الذي يثب على قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه
ووجه الاستدلال عندهم أنه كان مرتفعا والجواب : لقد ضعف هذا الأثر العلامة عبد الرحمن المعلمي بتفرد محمد بن إسحاق حيث قال: (وهذه القصة قد انفرد بها ففيها نكارة, ويحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة لم أطلع على ترجمته .اهـ من رسالته ( البناء على القبور ) ص32 .
قلت يحيى بن عبد الله ذكره ابن حبان في ثقاته وقال: روى عنه ابن إسحاق وذكره البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل, وقالا: روى عنه ابن إسحاق ولم يذكراه بجرح ولا تعديل فهو مجهول, وقد ضعف المعلمي رحمه الله الأثر المذكور من جهة التاريخ ومن جهة أنها مخالفة لما علم من آداب أبناء الصحابة حيث قال : وأبناء الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يبلغون التمييز إلا وهم عارفون آداب الدين ملتزمون لها مثل خارجة بن زيد .
قلت : فعلى هذا فلم يكن شباب الصحابة مفرطين إلى حد أنهم يؤذون الأموات من أفاضل الصحابة السابقين كصاحب القبر المذكور .
وأما قول الحافظ ابن حجر في الفتح 3/223. وفيه (جواز تعلية القبر ورفعه على وجه الأرض). فلا يفهم من التعلية المذكورة إلا بقدر المشروع منها .
الشبهة الثامنة: أن بعض السلف ضرب الفسطاط على القبور ومن ذلك :
1- لما مات الحسن بن علي رضي الله عنهما ضربت امرأته قبة على قبره سنة ثم رفعت :
استدل بهذه القصة القائلون ببناء القباب والمساجد على القبور, ولا دليل فيها للآتي :
أولا : القصة ضعيفة فقد أخرجها الحافظ موصولة في تغليق التعليق وفي سندها محمد بن حميد الرازي وهو متهم .
ثانيا : لوفرضنا صحتها فنصب الخيمة من شعر ليس بناء على القبر فالفارق كبير بين نصب خيمة لتبقى مدة ثم ترفع وبين البناء على القبور وإن كان ضرب الفسطاط على القبر مكروها .
(1/180)
2- ومنه :ضرب فسطاط على قبر ابن عباس .
الجواب : القصة فيها ضعف لأن في سندها عمران الأسدي وقد ضعفه غير واحد كما في تهذيب الكمال .
ولو سلمنا بصحة القصة فليس فيها دليل لعباد القبور لثلاثة أمور :
الأمر الأول : أن القصة ليس فيها بناء على القبر .
الأمر الثاني : أن الفسطاط رفع بعد ثلاثة أيام .
الأمر الثالث : أن فعل التابعي ليس بحجة .
3- ومنه ضرب فسطاط على قبر الحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان .
الجواب : هذه القصة غير صحيحة لأن في سندها محمد بن عمر الواقدي وهو متروك كما في التقريب, وقد استدل القبوريون بهذه القصة على أن عثمان رضي الله عنه يرى جواز البناء على القبور .
وقد ثبت أن عبد الله بن شرحبيل قال : (رأيت عثمان بن عفان يأمر بتسوية القبور فقيل له هذا قبر أم عمرو وأمر بتسويته) رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح 4/138.
ومنه :ضرب فسطاط على قبر زينب أم المؤمنين من قبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الجواب : أن القصة مدارها على محمد بن عمر الواقدي المعروف بالكذب, وهذه علة كافية على اسقاط الاحتجاج بهذه القصة, وللقصة طريق أخرى مرسلة في سندها أبو معشر السندي وهو ضعيف .وعلى افتراض صحة القصة ليس فيها دليل على جواز البناء على القبور لا تصريحا ولا تلميحا .
الشبهة التاسعة :استدلال القبوريين بقول الشعبي: رأيت قبور شهداء أحد جثاء مسنمة ..
الجواب : لا دليل في هذا لأن التسنيم المذكور هو المأذون به شرعا, قال الكسائي في "بدائع الصنائع" 1/320 : (ومقدار التسنيم أن يكون مرتفعا من الأرض قدر شبر أو أكثر قليلا).
وقال القرطبي : ذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ...والتسنيم في القبر ارتفاعه قدر شبر مأخوذ من سنام البعير . الجامع 10/380
الشبهة العاشرة: قول دعاة القبورية: إن للقبور أحكاما من النهي عن القعود عليها وغير ذلك وهذا يقتضي رفعها لتتميز عن الأرض فتعرف .
(1/181)
الجواب: أن رفع القبر عن الأرض مقدار شبر ووضع علامة عليه ليتميز هذا مأذون فيه . فقد روى البخاري رقم (1390)0بسنده عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - مسنما, وعند أبي داود رقم(3220) عن القاسم بن محمد قال: (دخلت على عائشة فقلت: يا أماه اكشفي عن قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لائطة مبطوحة ببطحاء الحصباء الحمراء) والمراد بقوله لا مشرفة: أي ليس مرتفعا زيادة على المأذون فيه .
قال الشيخ علي القاري في "المرقاة" 2/372. في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه ((ولاقبرا مشرفا إلا سويته)) (هو الذي يبنى عليه حتى ارتفع بالرمل والحصباء ...بالحجارة ليعرف ولا يوطأ, ولا تعارض بين قول القاسم مبطوح وقول غيره مسنم قال ابن القيم في الزاد : (وقبره مسنم مبطوح ببطحاء الحصباء الحمراء لا مبني ولا مطين وهكذا قبر صاحبه).
ولكن صاحب الشبهة لا يريد بالارتفاع الارتفاع المرخص فيه وإنما يريد بذلك القباب والمشاهد وغير ذلك, وهذا هو عين ما حرم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كما سبق بيان ذلك بالأدلة الصحيحة, فليحذر من قبول مغالطات عباد القبور .
الشبهة الحاية عشر : قول عباد القبور : قد رخص بعض المتأخرين في البناء على قبور الفضلاء .
الجواب : هو ما قاله العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله : (القول المعتمد كما جزم به النووي في شرح المهذب حرمة البناء على المقبرة المسبلة فإن بني فيها هدم ولا فرق في ذلك بين قبور الصالحين والعلماء وغيرهم).
وما في الخادم مما يخالف ذلك ضعيف لا يلتفت إليه, ولما أنكر العلماء على باني قبة الإمام الشافعي...وغيرها, وكفى بتصريحهم في كتبهم إنكارا..."الفتاوى الكبرى" 2/17.
(1/182)
وقال أيضا: (...وقد أفتى جماعة من عظماء الشافعية بهدم قبة الإمام الشافعي وإن صرف عليها ألوف الدنانير لكونها في المقبرة المسبلة, وهذا أعني البناء في المقابر المسبلة مما عم وطم ولم يتوقه كبير ولا صغير, فإنا لله وإنا إليه راجعون).اهـ المصدر السابق 2/25.
الشبهة الثانية عشر: استدلالهم بما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رش على قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه حصباء))
الجواب : الحديث ضعيف فقد روي في الأم 1/315وفيه ذكر ثلاث حثيات بيده على الميت , وفي سنده إبراهيم بن محمد هو ابن يحيى الأسلمي وهو متروك, وقد رواه أبو داود في المراسيل والبيهقي من طريق الدراوردي عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه مرسلا, وله طريق أخرى عند البيهقي مرسلة, والمرسل من قسم الضعيف, وعلى فرض الاحتجاج بالمرسل فلا حجة البتة على رفع القبور لأن وضع كف أو كفين أو ثلاثة من الحصباء لا تؤثر ولا تجعله مرفوعا زيادة على المرخص فيه.
فبان بهذا عدم صحة الاستدلال بهذا الأثر سندا ومتنا.
الفهرس
الموضوع الصفحة
المقدمة...........................................................................................
الفصل الأول
خطر الإشراك بالله..............................................................................
خوف الأنبياء والرسل على أنفسهم وأتباعهم من الوقوع في عبادة الأصنام...........................
أساس الشرك في الأمم الغلو في قبور الصالحين .....................................................
أول من أسس عبادة القبور في أمة الإسلامأصناف دعاة القبورية......................................
أعداء الإسلام يحرصون على نشر الدعوة القبورية ...................................................
(1/183)
خطط أعداء الإسلام في المحافظة على الأصنام والأوثان باسم الأثار ....................................
أصناف دعاة القبورية والخرافة في الأمة الإسلامية ....................................................
غلاة الشيعة يتلقون الدعوة القبورية ................................................................
مزاعم دعاة القبورية في الأولياء ..................................................................
تفريخ الأولياء عند القبورية.........................................................................
دعاة القبورية شوهوا بالإسلام......................................................................
وفود جماهير الناس إلى الضرائح تبلغ أرقاما خيالية....................................................
دعاة الشرك والوثنية يربطون الناس بضرائحهم.......................................................
نبذة عن حج القبورية إلى الضرائح .................................................................
ما يجري عند الضرائح من الفساد ..................................................................
ذكر بعض معتقدات القبورية في الضرائح ...........................................................
الضرائح والقباب والمشاهد إله من تقرب إليها .......................................................
تواجد شياطين الجن عند الضرائح التي تعبد من دون الله ..............................................
ذكر الأدلة القاطعة بتحريم اتخاذ قبور الأنبياء مساجد ومشاهد.........................................
معنى اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد...........................................................
هدي الصحابة في هدم الضرائح والقباب والمشاهد...................................................
(1/184)
حرص السلف على إخفاء القبور التي يخشى أن تعبد إذا عرفت........................................
سد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك ................................................................
الأسلحة التي يقاوم بها المسلمون الشرك والخرافة .....................................................
ذكر بعض القادة الذين هدموا الضرائح .............................................................
الفصل الثاني : قواعد وفوائد تتعلق بعامة القبور .
القاعدة الأولى : لا يجتمع مسجد وقبر في الإسلام....................................................
القاعدة الثانية : أساس الشرك بناء قبة أو مسجد على قبر تعظيما له....................................
القاعدة الثالثة : من بنى قبة او مسجدا على قبر دون تعظيمه وقع في البدعة.............................
القاعدة الرابعة : الحكمة من إظهار القبور العبرة والدعاء لأهلها.......................................
القاعدة الخامسة : يجب هدم كل بناء على القبور إذا زاد على شبر.....................................
القاعدة السادسة : بناء المساجد أو القباب على القبر ليس على صلاح الباني ولا المبني عليه...............
القاعدة السابعة : اقتضت المصلحة الشرعية تغبيب القبور التي يخشى أن تعبد من دون الله................
القاعدة الثامنة : عبادت الأشجار والأحجار والنار والشمس والقمر وغير ذلك غنما حصلت بعد حصول شرك القبور ......................................................................................
القاعدة التاسعة : العبرة بالقبور الظاهرة.............................................................
قواعد وفوائد تتعلق بقبور الأنبياء
القاعدة الأولى : الأنبياء والرسل يدفنون حيث يموتون................................................
(1/185)
القاعدة الثانية : الأنبياء والرسل كانت بعثتهم في الجزيرة العربية والوطن العربي.........................
القاعدة الثالثة : لايعرف مكان قبر نبي قط غلا قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ......................................
القاعدة الرابعة : لايمكن عودة الأنبياء إلا الدنيا بعد موتهم.............................................
القاعدة الخامسة : رؤية الأنبياء يقظه وهم في الحياة البرزخية خاصة بمن شاء الله من الأنبياء..............
القاعدة السادسة : حياة الأنبياء في قبورهم حياة برزخية لاصلة لها بحياة الأحياءعلى الرض..............
القاعدة السابعة : لا يوجد دليل يثبت أن نبيا واحدا دفن في مسجده...................................
القاعدة الثامنة : اختص الله الأنبياء والرسل ببقاء أجسادهم بعد مماتهم..................................
القاعدة التاسعة : حياة الأنبياء في قبورهم أكمل من حياة الشهداء.....................................
القاعدة العاشرة : اختص الله نبينا بمن يبلغه صلاة وسلام أمته عليه.....................................
القاعدة الحادية عشر : اختص الله الأنبياء بتخييرهم في الانتقال إليه وبالبقاء في الدنيا.....................
القاعدة الثانية عشر : جميع الأنبياء والرسل توفاهم الله في عصرهم الذي بعثهم فيه......................
ولم يبق أحد منهم على وجه الأرض................................................................
القاعدة الثالثة عشر : لا وجود لشيء من آثار الأنبياء المتعلقة بذواتهم .................................
القاعدة الرابعة عشر : لا يمكن أن يثبت قبر أي نبي إلا ببرهان من الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ......................
القاعدة الخامسة عشر : لا اعتماد على أخبار أهل الكتاب عن قبور الأنبياء ............................
(1/186)
القاعدة السادسة عشر : لم يجعل الله هداية الخلق متعلقة بقبور الأنبياء..................................
ذكر الأدلة على عدد الأنبياء والرسل ...............................................................
أحاديث وآثار في قبور الأنبياء لا يصح منها شيء ...................................................
ذكر قبور الأنبياء جملة وتفصيلا ....................................................................
المختلف في نبوتهم ................................................................................
حكم تصوير الأنبياء...............................................................................
زيارة قبور الأنبياء والمرسلين........................................................................
زيارة آثار الأنبياء ليس من منهج السلف............................................................
ذكر مجموعة من قبور الأنبياء عبدت من دون الله....................................................
ادعاء آبار سكن فيها الأنبياء............... .......................................................
ادعاء معرفة قبور بعض الصحابة والتابعين...........................................................
قبور لغير الصحابة نسبت إلى أماكن لا تثبت فيها....................................................
الفصل الثالث : انتشار الدعوة القبورية في اليمن
الدولة الصليحية أول دولة أسست القبورية في اليمن..................................................
الدولة الشيعية وما قامت به من نشر الدعوة القبورية في اليمن.........................................
الدولة الرسولية ومشاركتها في نشر القبورية في اليمن.................................................
(1/187)
ادعاء وجود قبور للأنبياء والصحابة في اليمن لا تثبت منها شيء......................................
ذكر بعض ما يجري على ألسنة المستغيثين بالضرائح...................................................
نصيب اليمن من شطحات دعاة القبورية ...........................................................
قدرتهم على إحياء الموتى ..........................................................................
قدرتهم على سماع الموتى والتخاطب معهم وخروج الموتى من قبورهم إليهم............................
ادعاؤهم علم الغيب...............................................................................
ادعاؤهم القدرة على إنقاذ المستغيث بهم.............................................................
زعمهم أن الله يتكلم معهم ويعرجون إليه...........................................................
زعمهم أنهم يغفرون لمن أرادوا أو أنهم سبب لذلك ..................................................
زعمهم أن البراءة من النار تنزل عليهم من السماء .................................................
الأماكن التي تكثر عندها الشركيات في حضرموت...................................................
ذكر بعض الضرائح التي عبدت من دون الله في اليمن.................................................
الفصل الرابع
الوعيد الشديد على من كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..................................................
جريمة الكذب على الصالحين.......................................................................
ذكر شيء من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي اعتمدت عليها القبورية..............................
ذكر بعض الآثار الضعيفة التي استدلت بها القبورية ..................................................
(1/188)
ذكر بعض الكتب القبورية ........................................................................
الفصل الخامس: شبهات والجواب عنها
الشبهة الأولى : إدعاؤهم أن الشرك لاوجود له في امة الإسلام.........................................
الشبهة الثانية : قولهم قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد النبوي وعليه قبة........................................
الشبهة الثالثة : وهي ان النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في مسجد الخيف وقد ورد في الحديث أن فيه سبعين نبيا.........
الشبهة الرابعة : ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه السلام وغيره في الحجر من المسجد الحرام...
الشبهة الخامسة : ان أبا جندل رضي الله عنه بنى مسجدا على قبر أبي بصير في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ............
الشبهة السادسة : أن المنع من البنا على القبور كان لعلة وهي خشية الافتتان بالقبور وقد زالة تلك العلة فزال المنع.........................................................................................
الشبهة السابعة : استدلال القبورية بأثر خارجة بن زيد وهو "رأيتني ونحن شبان في زمن عثمان رضي الله عنه وإن أشدنا وثبة الذي يثب على قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه ...............................
الشبهة الثامنة : ان بعض السلف ضرب الفسطاط على القبور.........................................
الشبهة التاسعة : استدلال القبوريين بقول الشعبي رأيت قبور شهداء أحد جثاء مسنعة
الشبهة العاشرة : قول دعاة القبورية إن للقبور أحكاما من النهي عن القعود عليها وغير ذلك وهذ يقتضي رفعها لتتميز عن الأرض فتعرف....................................................................
الشبهة الحادية عشر : قول عباد القبور قد رخص بعض المتأخرين في البناء على قبور الفضلاء ...........
(1/189)
الشبهة الثانية عشر : استدلالهم بما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رش على قبر إبنه إبراهيم ووضع عليه حصبا.....................................................
الفهرس..........................................................................................
(1/190)