تأكيد المسلمات السلفية
في نقض الفتوى الجماعية
بأن الأشاعرة من الفرقة المرضية
تقديم
العلامة المحدث أحمد النجمي و العلامة عبيد الجابري
ومراجعة
العلامة صالح الفوزان و العلامة المحدث عبدالمحسن العباد
إعداد
عبدالعزيز بن ريس الريس
1427هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله وعلى آله وصحبه .
وبعد، فإجابة على سؤال عن الأشاعرة : هل هم من أهل السنة والجماعة أوْ لا ؟
أقول: أهل السنة والجماعة هم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، ومن سار على نهجهم ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في بيان الفرقة الناجية : (( هم من كان على ما أنا عليه وأصحابي )) ومعتقدهم في أسماء الله عز وجل وصفاته أنهم يثبتون لله عز وجل ما ثبت في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات على وجه يليق بالله سبحانه وتعالى من غير تكييف أو تشبيه أو تمثيل ، ومن غير تحريف أو تأويل أو تعطيل ، كما قال الله عز وجل ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ففي هذه الآية إثبات صفتي السمع والبصر لله تعالى في قوله ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، وتنزيهه عن مشابهة غيره له في قوله ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) .(1/1)
والأشاعرة هم المنتسبون إلى مذهب أبي الحسن الأشعري - رحمه الله - المولود سنة ( 270هـ ) والمتوفى سنة ( 330هـ ) ، الذي كان عليه قبل رجوعه إلى مذهب أهل السنة والجماعة ، وهو تأوبل أكثر الصفات ، وهو خلاف مذهب أهل السنة والجماعة ، وعلى هذا فالأشاعرة من الفرق الإسلامية المنحرفة عما كان عليه أهل السنة والجماعة ، وليس من المعقول أن يُحجب حق عن الصحابة والتابعين وأتباعهم ، ثم يكون في اتباع اعتقادٍ حصلت ولادته بعد أزمانهم ، وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقولاً كثيرة عن السلف في العقيدة الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة ، وختمها بقوله (13/407) : وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار ، كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنهم من الأئمة ، فكيف لا يوثَق بم اتفق عليه أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة ؟! ا.هـ ونقل أيضاً (13/504) عن الحسن البصري أنه قال: لو كان ما يقول الجعد حقاً لبلّغه النبي - صلى الله عليه وسلم - ا.هـ والجعد هو ابن درهم مؤسس مذهب الجهمية ، وأقول كما قال الحسن البصري - رحمه الله -: لو كان ما يقوله الأشاعرة وغيرهم من المتكلمين حقاً لبلغه الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
قال ذلك عبدالمحسن بن حمد العباد البدر
في 21/ 8 / 1427هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تقريض
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :(1/2)
فقد اطلعت على رسالة كتبها الشيخ عبدالعزيز بن ريس الريس - جزاه الله خيراً ، وبارك فيه - ؛ رد بها على فتوى كتبها مجموعة من المشائخ زعموا فيها أن الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة ؛ كبرت كلمة تخرج من أفواههم ، والحق الذي لا مرية فيه ، أن الأشاعرة ، والماتريدية ؛ من طوائف أهل البدع ، ولا يجوز لأحد أن يقول إنهم من أهل السنة ، ومن زعم أن هاتين الطائفتين من أهل السنة والجماعة ، فإنه قد أقحم نفسه في خطأ فادح ، وخطر فاضح ، وسيسأل يوم القيامة عن قيله قبل أن يُفرَج له عن سبيله ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاواه في (3/347) بعد كلام له في هذا المجال : وبهذا يتبين أن أحق الناس أن تكون هي الفرقة الناجية ؛ أهل الحديث والسنة ؛ الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أعلم الناس بأقواله ، وأحواله ، وأعظمهم تمييزاً بين صحيحها وسقيمها ، وأئمتهم فقهاء فيها ، وأهل معرفة بمعانيها ، وأتباع لها ؛ تصديقاً ، وعملاً ، وحباً ، وموالاةً لمن والاها ، ومعاداةً لمن عاداها ... - إلى أن قال : وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات ، والقدر ، والوعيد ، والأسماء ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله ، ويفسرون الألفاظ المجملة ؛ التي تنازع فيها أهل التفرق ، والاختلاف ، فما كان من معانيها موافقاً للكتاب والسنة أثبتوه ، وما كان منها مخالفاً للكتاب والسنة أبطلوه ، ولا يتبعون الظن ، وما تهوى الأنفس ، فاتباع الظن جهل ، واتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم ، وجماع الشر الجهل ، والظلم ا.هـ(1/3)
كيف يكون من أهل السنة والجماعة من يحكم العقل في القضايا الإيمانية الثابتة بالكتاب والسنة ، فما قبله منها قبل ، وما ردّه منها ردَّ ، ولذلك فإنهم لا يثبتون من الصفات إلا سبع صفات ، وما عداها فإنه يكون مصيرها التأويل ؛ الذي يؤدي إلى التعطيل ؛ كيف يكون من أهل السنة والجماعة من يؤول قوله تعالى ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) باستولى ، فيكون كأنَّه مستولٍ عليه غيره ، ثم استولى عليه بعد ذلك ؛ كيف يكون من أهل السنة والجماعة من يتأول حديث نزول الربِّ في الثلث الأخير من الليل الذي ثبت في قوله (( ينزل الله عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا لنصف الليل الآخر أو لثلث الليل الآخر فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؛ من ذا الذي يسألني فأعطيه ؛ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر )) رواه أحمد , وأصله في الصحيحين . فيقول المؤول : ينزل أمره مع أن أمر الله عز وجل هو نازل في كل وقت وحين ؛ كيف يكون من أهل السنة والجماعة من يتأول اليدين بالنعمتين مع أن الله سبحانه وتعالى قد قرن ذلك بما يكون من خصائص اليد ، وهو الإنفاق ، فقال جل من قائل: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) علماً بأن النعم التي يسديها الرب الجليل إلى عباده كثيرة لا تحصى قال جل من قائل ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ) كيف يكون من أهل السنة والجماعة من يتأول حديث (( لا ينظر الله إلى من جرّ ثوبه خيلاء )) متفق عليه ، وما في معناه ؛ يتأول النظر في هذا الحديث بأن النظر هنا مجازٌ عن الرحمة بأنه لا يرحمهم ؛ إلى غير ذلك من التأويلات المتعسفة ، والتي يحيلون بها النصوص الواردة من الله عزّ وجل في كتابه أو على لسان رسوله مما يتضمن المعاني السامية التي تليق بالله عز وجل يتأولونها بتأويلات باطلة .(1/4)
وإذا فكرنا ما هو الذي أوجب لهم ذلك نجد أنهم زعموا إحالة العقول بأن يوصف الله بتلك الصفات ؛ لأنهم جعلوا تأصيلات أهل الكلام هي الأساس ، وحكموا بها على النصوص الشرعية ؛ التي جاءت في كتاب الله ، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تثبت لله عز وجل أسماءً ، وصفات تليق بجلاله، فجعل الأشاعرة والماتريدية تلك التأصيلات الكلامية ؛ التي هي مأخوذة عن الفلاسفة ، وأهل المنطق ممن استغرقوا في علم الكلام ، وأمضوا فيه أوقاتهم ، وأفنوا فيه أعمارهم ، وكانت عاقبتهم إلى الحيرة ؛ فمنهم من يقول:
نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وغاية دنيانا أذىً ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وقال بعضهم : لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تروي غليلاً ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ا.هـ
وهذا الكلام والأبيات تعزى للفخر الرازي .
ويقول الإمام أبو المعالي الجويني: لقد خضت البحر الخضم ، وتركت أهل الإسلام وعلومهم ، وخضت في الذي نهوني عنه ، والآن إن لم يتداركني ربي برحمة منه فالويل لفلان ، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي ا.هـ
قال الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم - رحمه الله - في الدرر السنية في الأجوبة النجدية في (3/124) عن أبي الحسن الأشعري : فانظر رحمك الله إلى هذا الإمام ؛ الذي تنتسب إليه الأشاعرة اليوم ؛ لأنه إمام الطائفة المذكورة ؛ كيف صرّح بأن عقيدته في آيات الصفات ، وأحاديثها ؛ اعتقاد أهل السنة والجماعة ؛ من الصحابة ، والتابعين ، وأئمة الدين ، ولم يحك تأويل الاستواء بالاستيلاء، واليد ؛ بمعنى النعمة ، والعين بمعنى العلم إلا عن المعتزلة ، والجهمية ، وصرح أنه خلاف قوله ؛ لأنه خلاف قول أهل السنة والجماعة ا.هـ(1/5)
وأخيراً فإنِّي أشكر الله عزّ وجل ، ثمّ أشكر أخي في الله عبدالعزيز الريس أشكره على وقفته ، وبيانه للحق ، ودحضه للباطل ؛ بما كتب من النقض ، والرد على الفتوى الجماعية في أن الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة والجماعة ، وأحث طلاب العلم على قراءة هذا الرد حتى يتبصروا ، ويميزوا بين الحق والباطل ، وأسأل الله أن يجزيه خير الجزاء ، وأن يكثر أهل العلم المنصفين ؛ الذين يدافعون عن العقيدة الإسلامية ؛ أن يكثر سوادهم ، وأن يعينهم على رد كلّ شبهة يقصد من ورائها تلبيس الحق وخلطه بالباطل ، والله يتولى الجميع ، فيجزي من دافع عن العقيدة الإسلامية خير الجزاء ، ويردَّ من ظلَّ عن الحق ردّاً جميلاً ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه.
كتبه
أحمد بن يحيى النجمي
1 / 8 / 1427 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبيد الجابري إلى فضيلة الأخ في الله / عبدالعزيز بن ريس الريس
- حفظه الله وسدده في أقواله وأعماله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أما بعد ...
فقد استعرضت بحثكم القيّم الموسوم ( تأكيد المسلمات السّلفية في نقض الفتوى الجماعية بأن الأشاعرة من الفرقة المرضية ) والذي ضمنتموه الرد عل كلٍّ من:
د. عبدالعزيز بن عبدالفتاح القارئ
و د. محمد بن ناصر السحيباني .
و د. عبدالله بن محمد الغنيمان .
فألفيتكم بارك الله فيكم قد أرويتم الغليل ، وشفيتم العليل ؛ بما أقمتموه من الدليل على ضلال فتوى أولئك بأن الأشاعرة من الفرقة الناجية . فجزاكم الله خيراً ، وزادكم توفيقاً ، وثبتنا وإياكم على الإسلام والسُّنة بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
فانشروا هذا البحث إن رأيتم على بركة الله .
والسلام عليكم ورحمة الله
كتبه / عبيد بن عبدالله بن سليمان الجابري
المدرس بالجامعة الإسلامية سابقاً
وحرر في الثالث من شهر شعبان عام سبعة وعشرين وأربعمائة وألف
وكان بالمدينة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم(1/6)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .............................. أما بعد ،،،
فقد وقفت على فتوى جماعية مشتركة بين ثلاثة وهم الشيخ عبدالله الغنيمان والشيخ محمد السحيباني والشيخ عبد العزيز القاري ـ وفقنا الله وإياهم لما يحبه ويرضاه ـ سئلوا فيها عن الأشاعرة و كان مفاد جوابهم أنهم ليسوا من الاثنتين والسبعين فرقة الضالة ، ومعناه أنهم من الفرقة الناجية الطائفة المنصورة ، ودعوا إلى التعاون معهم على البر والتقوى ، وإليك نص السؤال والجواب وهو موجود في موقع الإسلام اليوم الذي يشرف عليه سلمان العودة :
ما حكم التعامل مع المخالف لعقيدة السلف الصالح كالأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم والتعاون معهم على البر والتقوى والأمور العامة وهل يحرم العمل معهم سواء كانت الإدارة لنا وهم يعملون تحتنا أو العمل تحت إشرافهم؟ وهل هم من الفرق الضالة الاثنتين والسبعين؟ وهل التعامل معهم يعد من باب تولي غير المؤمنين ؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فجواباً على ذلك نقول: الأشاعرة والماتريدية قد خالفوا الصواب حين أولوا بعض صفات الله سبحانه. لكنهم من أهل السنة والجماعة، وليسوا من الفرق الضالة الاثنتين والسبعين إلا من غلا منهم في التعطيل، ووافق الجهمية فحكمه حكم الجهمية. أما سائر الأشاعرة والماتريدية فليسوا كذلك وهم معذورون في اجتهادهم وإن أخطأوا الحق.(1/7)
و يجوز التعامل والتعاون معهم على البر والإحسان والتقوى، وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد تتلمذ على كثير من العلماء الأشاعرة، بل قد قاتل تحت راية أمراء المماليك حكام ذلك الزمان وعامتهم أشاعرة، بل كان القائد المجاهد البطل نور الدين زنكي الشهيد، وكذا صلاح الدين الأيوبي من الأشاعرة كما نص عليه الذهبي في سير أعلام النبلاء، وغيرهما كثير من العلماء والقواد والمصلحين، بل إن كثيراً من علماء المسلمين وأئمتهم أشاعرة وماتريدية، كأمثال البيهقي والنووي وابن الصلاح والمزي وابن حجر العسقلاني والعراقي والسخاوي والزيلعي والسيوطي، بل جميع شراح البخاري هم أشاعرة وغيرهم كثير، ومع ذلك استفاد الناس من عملهم، وأقروا لهم بالفضل والإمامة في الدين، مع اعتقاد كونهم معذورين فيما اجتهدوا فيه وأخطأوا، والله يعفو عنهم ويغفر لهم. والخليفة المأمون كان جهمياً معتزلياً وكذلك المعتصم والواثق كانوا جهمية ضُلاَّلاً. ومع ذلك لم يفت أحد من أئمة الإسلام بعدم جواز الاقتداء بهم في الصلوات والقتال تحت رايتهم في الجهاد، فلم يفت أحد مثلاً بتحريم القتال مع المعتصم يوم عمورية، مع توافر الأئمة في ذلك الزمان كأمثال أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأضرابهم من كبار أئمة القرن الهجري الثالث. ولم نسمع أن أحداً منهم حرم التعامل مع أولئك القوم، أو منع الاقتداء بهم، أو القتال تحت رايتهم. فيجب أن نتأدب بأدب السلف مع المخالف.
والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د. عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ ( عميد كلية القرآن في الجامعة الإسلامية سابقًا )
د. محمد بن ناصر السحيباني ( المدرس بالمسجد النبوي )
د. عبد الله بن محمد الغنيمان ( رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقاً )(1/8)
لما قرأت هذه الفتوى عجبت غاية العجب أن تخرج ممن هم منسوبون لأهل السنة بل لعلمائهم وأكثر ما تعجبت أن يكون من بينهم الشيخ عبدالله الغنيمان .
ومما يلفت النظر أن موقع الإسلام اليوم جدد نشرها هذه الأيام في الصفحة الأولى للموقع وكأنها مقصودة لمساندة كتاب جديد لتوه طبع بعنوان ( أهل السنة الأشاعرة ) قدّم له عشرة كلهم أجنبيون عن السنة وأهلها(1), أو أنه أراد أن يدعم موقفه غير المرضي من تأيد الرافضة في لبنان.
وبين يديك -أيها القارئ- أوراق ٌمختصرات في الرد على هذه الفتوى البدعية الجماعية المخالفة لمسلمات وأصول أهل السنة الطائفة المرضية .
أسأل الله أن يتم بها المقصود إنه الرب الودود وسميتها ( تأكيد المسلمات السلفية في نقض الفتوى الجماعية بأن الأشاعرة من الفرقة المرضية )
وقد جعلت هذه الأوراق في فصول :
الأول/ العلماء الذين قرروا بأن الأشاعرة مبتدعة من الفرق الهالكة .
الثاني/ مختصر في معتقد الأشاعرة وسبب إخراجهم من الفرقة الناجية .
الثالث/ من قواعد أهل السنة عداء أهل البدعة .
الرابع/ بعض الخلل في الفتوى الجماعية .
الخامس /تناقض الشيخ الغنيمان -هده الله- في حال الأشاعرة.
السادس/ الرد على من أنكر تفرق المسلمين فرقاً بدعية ورد الأحاديث رواية أو دراية .
السابع/مصادر التلقي عند الأشاعرة
الثامن / الفرق بين الأشاعرة المتأخرين وأبي الحسن الأشعري .
__________
(1) منهم مفتي مصر علي جمعة ومحمد رمضان سعيد البوطي وعجيل النشمي الإخواني الكويتي وعلي الجفري داعية الشرك القائل: الولي يحي الموتى!!(1/9)
وقبل الشروع في ذكر فصول الكتاب أشكر علماءنا علماء السنة الذين دفعتهم غيرتهم على السنة ومنهج السلف على أن أيدوا هذا الرد إما بتقديم أو بفتوى أو بمراجعة وتصحيح ، فقد منّ الله أن تفضل العالمان الجليلان شيخنا العلامة المحدث أحمد النجمي وشيخنا العلامة عبيد الجابري - حفظهما الله - أن كتبا مقدمة على هذا الرد أثبتهما في أول الكتاب ، وتفضل شيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله - بمراجعة الرد كاملاً مرتين ، وإبداء التوجيهات والنصائح وبناء على طلبه أضفت الفصل السابع والثامن ، وراجعهما - جزاه الله خيراً -، علماً أن هذين الفصلين لم يطلع عليهما من المشايخ المقدمين والمراجعين إلا هو لأني أضفتهما مؤخراً .
وأيضاً ممن اطلع على الرد تصفحاً وأيده شيخنا العلامة المحدث عبدالمحسن العباد - حفظه الله - بقراءة أخينا الشيخ الفاضل عبدالمالك رمضاني الجزائري - وفقه الله - ، وكتبت إليه سؤالاً عن الأشاعرة فأجاب بما هو مثبت في أول الكتاب .
أسأل الله أن يجزي علماء السنة عنا وعن السنة خيراً
وبعد هذا إليك الكلام على هذه الفصول :
الفصل الأول
العلماء الذين قرروا بأن الأشاعرة مبتدعة من الفرق الهالكة
قد نص غير واحد من أهل العلم على أن الأشاعرة مبتدعة ، ومعنى هذا أنهم ليسوا من أهل السنة ، وعليه فلا يكونون من الفرقة الناجية الطائفة المنصورة :
1-إمام أهل السنة الإمام أحمد فقد بدع الكلابية وشدد عليهم وهم كالأشاعرة الأوائل قال الإمام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (2/6): (وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه) .(1/10)
وقال في الفتاوى (12/368: (والإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة كانوا يحذرون عن هذا الأصل الذي أحدثه ابن كلاب ويحذرون عن أصحابه.وهذا هو سبب تحذير الإمام أحمد عن الحارث المحاسبي ونحوه من الكلابية) وقال في كتابه الاستقامة (1/105):والكلابية هم مشايخ الأشعرية فإن أبا الحسن الأشعري إنما اقتدى بطريقة أبي محمد بن كلاب وابن كلاب كان أقرب إلى السلف زمنا وطريقة وقد جمع أبو بكر بن فورك شيخ القشيري كلام ابن كلاب والأشعري وبين اتفاقهما في الأصول ولكن لم يكن كلام أبي عبد الرحمن السلمي قد انتشر بعد فإنه انتشر في أثناء المائة الرابعة لما ظهرت كتب القاضي أبي بكر بن الباقلانى ونحوه ا.هـ وقال كما في الفتاوى(12/178):وأما قوله وقوم نحوا إلى أنه-أي القرآن- قديم لا بصوت ولا حرف إلا معنى قائم بذات الله وهم الأشعرية فهذا صحيح ولكن هذا القول أول من قاله فى الإسلام عبدالله بن كلاب فان السلف والأئمة كانوا يثبتون لله تعالى ما يقوم به من الصفات والأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته والجهمية تنكر هذا وهذا فوافق ابن كلاب السلف على القول بقيام الصفات القديمة وأنكر أن يقوم به شيء يتعلق بمشيئته وقدرته وجاء أبو الحسن الأشعرى بعده وكان تلميذا لأبى على الجبائى المعتزلى ثم إنه رجع عن مقالة المعتزلة وبين تناقضهم في مواضع كثيرة وبالغ في مخالفتهم في مسائل القدر والإيمان والوعد والوعيد حتى نسبوه بذلك إلى قول المرجئة والجبرية والواقفة وسلك في الصفات طريقة ابن كلاب وهذا القول في القرآن هو قول ابن كلاب في الأصل وهو قول من اتبعه كالأشعرى وغيره ا.هـ
وقال كما في الفتاوى (17/149) : كالكلابية و من اتبعهم من الأشعرية و غيرهم ا.هـ
وقال الإمام أبو بكر ابن خزيمة كما في سير أعلام النبلاء(14/380) لما قال له أبو علي الثقفي : (ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟(1/11)
قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره ا.هـ
فكيف لو أدرك من جاء بعدهم من الأشاعرة الذين ازدادوا سوءاً إلى أشاعرة زماننا الذين تميع فيهم هؤلاء المفتون وطار بفتواهم إذاعة ونشراً موقع الإسلام اليوم تحت نظر ورعاية من مشرفه سلمان العودة , فإن الأشاعرة كلما تأخروا زادوا بعداً عن السنة قال الإمام ابن تيمية في شرح الأصفهانية (ص107-108)، : فإن كثيراً من متأخري أصحاب الأشعري خرجوا عن قوله إلى قول المعتزلة أو الجهمية أو الفلاسفة) وقال في الدرء (7/97) : وهذا الكلام في الأصل-أي تقديم العقل على النقل- هو من قول الجهمية المعتزلة وأمثالهم وليس من قول الأشعري وأئمة أصحابه وإنما تلقاه عن المعتزلة متأخرو الأشعرية لما مالوا إلى نوع التجهم بل الفلسفة وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه الذين لم يكونوا يقرون بمخالفة النقل للعقل بل انتصبوا لإقامة أدلة عقلية توافق السمع ولهذا أثبت الأشعري الصفات الخبرية بالسمع وأثبت بالعقل الصفات العقلية التي تعلم بالعقل والسمع فلم يثبت بالعقل ما جعله معارضاً للسمع بل ما جعله معاضداً له وأثبت بالسمع ما عجز عنه العقل ا.هـ(1)
__________
(1) وانظر اجتماع الجيوش الإسلامية ص207(1/12)
2- الإمام أبو نصر السجزي إذ وصف الأشاعرة بأنهم متكلمون وفرقة محدثة وأنهم أشد ضرراً من المعتزلة فقال:(فكل مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك علم صدقه، وقبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف، عُلم أنه محدث زائغ، وأنه لا يستحق أن يصغا إليه أو يناظر في قوله، وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهم عنهم بين، وكتبهم عارية عن إسناد بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي، وقال الجبائي...ومعلوم أن القائل بما ثبت من طريق النقل الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسمى محدثاً بل يسمى سنياً متبعاً، وأن من قال في نفسه قولاً وزعم أنه مقتضى عقله، وأن الحديث المخالف له لا ينبغي أن يلتفت إليه، لكونه من أخبار الآحاد، وهي لا توجب علماً، وعقله موجب للعلم يستحق أن يسمى محدثاً مبتدعاً ، مخالفاً، ومن كان له أدنى تحصيل أمكنه أن يفرق بيننا وبين مخالفينا بتأمل هذا الفصل في أول وهلة، ويعلم أن أهل السنة نحن دونهم، وأن المبتدعة خصومنا دوننا) انظر: الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص100-101) .(1/13)
-ثم قال ص222- 223 -: (ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء؛ بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم وهم أبو محمد بن كلاب وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري ...وفي وقتنا أبو بكر الباقلاني ببغداد وأبو إسحاق الإسفرائني وأبوبكر بن فورك بخراسان فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردوه على المعتزلة - ثم قال : وكلّهم أئمّةُ ضَلالة يدعونَ النّاسَ إلى مخالفةِ السّنةِ وتركِ الحديث »....) وبين - رحمه الله- وجه كونهم أشد من المعتزلة فقال ص177-178: ( لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف ولم تُمَوِّه.بل قالت: إن الله بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي، وإنه لا سمع له ولا بصر ولا علم ولا قدرة ولا قوة ... فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء. والكلابية، والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة والذب عن السنة وأهلها، وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه ا.هـ .
3- الإمام محمد بن احمد بن خويز منداد المصري المالكي - رحمه الله- ، فقد روى عنه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/96): أنه قال في كتاب الشهادات في تأويل قول مالك: لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء قال : أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها )
4- ابن قدامة-رحمه الله- فقد نص على أنهم مبتدعة فقال في كتاب المناظرة في القرآن ص35 : ولا نعرف في أهل البدع طائفة يكتمون مقالتهم ولا يتجاسرون على إظهارها إلا الزنادقة والأشعرية ا.هـ(1/14)
وقال في كتاب تحريم النظر في كتب الكلام ص42 : وقال أحمد بن إسحاق المالكي أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري لا تقبل له شهادة ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها ا.هـ
5- أبو حامد الإسفرائني /
قال ابن تيمية في درء التعارض (2/96) : قال الشيخ أبو الحسن: وكان الشيخ أبو حامد الإسفرايني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام قال ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ويتبرؤن مما بنى الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت عدة من المشايخ والأئمة منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن على الساجي يقولون سمعنا جماعة من المشايخ الثقات قالوا كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفرايني إمام الأئمة الذي طبق الأرض علمًا وأصحابا إذا سعى إلى الجمعة من قطعية الكرج إلى جامع المنصور يدخل الرباط المعروف بالزوزي المحاذي للجامع ويقبل على من حضر ويقول اشهدوا على بأن القرآن كلام الله غير مخلوق كما قاله الإمام ابن حنبل لا كما يقوله الباقلاني وتكرر ذلك منه جمعات فقيل له في ذلك فقال حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح ويشيع الخبر في أهل البلاد أني بريء مما هم عليه يعني الأشعرية وبريء من مذهب ابي بكر بن الباقلاني فإن جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية ويقرؤون عليه فيفتنون بمذهبه فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة فيظن ظان أنهم منى تعلموه قبله وأنا ما قلته وأنا بريء من مذهب البلاقلاني وعقيدته .(1/15)
قال الشيخ أبو الحسن الكرجي وسمعت شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني يقول سمعت شيخنا الأمام أبا بكر الزاذقاني يقول كنت في درس الشيخ أبي حامد الإسفرايني وكان ينهي أصحابه عن الكلام وعن الدخول على الباقلاني فبلغه أن نفراً من أصحابه يدخلون عليه خفية لقراءة الكلام فظن أني معهم ومنهم وذكر قصة قال في آخرها إن الشيخ أبا حامد قال لي: يا بني قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل - يعني الباقلاني - فإياك وإياه فإنه مبتدع ؛ يدعو الناس إلى الضلالة ، وإلا فلا تحضر مجلسي فقلت: أنا عائذ بالله مما قيل وتائب إليه، واشهدوا علي أني لا أدخل إليه . قال الشيخ أبو الحسن وسمعت الفقيه الإمام أبا منصور سعد بن علي العجلي يقول: سمعت عدة من المشايخ والأئمة ببغداد أظن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أحدهم قالوا : كان أبو بكر الباقلانى يخرج إلى الحمام متبرقعاً خوفاً من الشيخ أبي حامد الإسفرايني قال أبو الحسن: ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري . وعلقه عنه أبو بكر الزاذاقاني ، وهو عندي وبه اقتدى الشيخ أبو اسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة حتى لو وافق قول الأشعري وجها لأصحابنا ميزه ، وقال: هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقه فضلاً عن أصول الدين.
قلت: هذا المنقول عن الشيخ أبي حامد وأمثاله من أئمة أصحاب الشافعي ، أصحاب الوجوه معروف في كتبهم المصنفة في أصول الفقه وغيرها ، وقد ذكر الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وأبو إسحاق الشيرازي وغير واحد بينوا مخالفة الشافعي وغيره من الأئمة لقول ابن كلاب والأشعري في مسألة الكلام التي امتاز بها ابن كلاب والأشعري عن غيرهما وإلا فسائر المسائل ليس لابن كلاب والأشعري بها اختصاص ا.هـ(1)
6- أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري .
__________
(1) وانظر الإصفهانية58(1/16)
ذكر السبكي في طبقاته (4/272) أنه ذكر في كتابه ذم الكلام أنه كان يلعن أبا الحسن الأشعري , وأنه ترك الرواية عن شيخه القاضي أبي بكر الحيري لكونه أشعرياً ا.هـ
وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى(14/354) : كأبي إسماعيل الأنصاري الهروي صاحب كتاب ذم الكلام فإنه من المبالغين في ذم الجهمية لنفيهم الصفات و له كتاب تكفير الجهمية و يبالغ في ذم الأشعرية مع أنهم من أقرب هذه الطوائف إلى السنة و الحديث و ربما كان يلعنهم وقد قال له بعض الناس: بحضرة نظام الملك أتلعن الأشعرية ؟ فقال: ألعن من يقول ليس في السموات إله و لا في المصحف قرآن و لا في القبر نبي و قام من عنده مغضباً ا.هـ
7- محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر بن محمد الكرجي أبو الحسن الشافعي.
تقدم نقل ابن تيمية كلامه عن الأشعرية وقد نقل له السبكي في طبقاته(6/144) أبياتاً في ذم الأشعرية فقال-رحمه الله- :
وخبث مقال الأشعري تخنث يضاهي تلويه تلوي الشغازب
يزين هذا الأشعري مقاله ويقشبه بالسم ياشر قاشب
فينفي تفاصيلاً ويثبت جملة كناقصه من بعد شد الذوائب
يؤول آيات الصفات برأيه فجرأته في الدين جرأة خارب
8-القحطاني في نونية الرائعة إذ قال :
يا أشعرية يا أسافلة الورى يا عمي يا صم بلا آذان
أني لأبغضنكم وأبغض حزبكم بغضا أقل قليله أضغاني
لو كنت أعمى المقتلتين لسرني كيلا يرى إنسانكم إنساني
وقال :
يا أشعرية يا جميع من ادعى بدعاً وأهواء بلا برهان
جاءتكم سنية مأمونة من شاعر ذرب اللسان معان
9- الإمام ابن تيمية-رحمه الله- قد بين أنهم مبتدعة بطرق؛ منها أنه نص على ذلك فقال كما في مجموع الفتاوى (2/50) : كما يقوله بعض المبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء جبرائيل أو محمد مضاهاة منهم فى نصف قولهم لمن قال انه قول البشر من مشركى العرب ممن يزعم أنه أنشأه بفضله وقوة نفسه ا.هـ(1/17)
ومنها أنه جعلهم من المتكلمين وبجعله لهم من المتكلمين أخرجهم من أهل السنة إلى أهل البدع فقال في الدرء (6/183) : وأهل الكلام من الأشعرية وغيرهم ا.هـ
وفي أكثر من موضع يذكر أنهم أقرب إلى أهل السنة من غيرهم فهذا يدل على أنهم ليسوا منهم قال في مجموع الفتاوى (6/55): ( و أما الأشعرية فلا يرون السيف موافقة لأهل الحديث ، وهم في الجملة أقرب المتكلمين إلى مذهب أهل السنة والحديث . . )
وقد نقل في الدرء (6/221) كلام أبي الْوَلِيدِ بن رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ في كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بالكشف عن مَنَاهِجِ الْأَدِلَّةِ والمثل الذي ضربه لخطورة التأويل ثم قال أبو الوليد: وهذه حال الفرق الحادثة في هذه الشريعة وذلك أن كل فرقة منهم تأولت في الشريعة تاويلا غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى وزعمت أنه الذي قصد صاحب الشرع حتى تمزق الشرع كل ممزق وبعد جدا عن موضوعه الأول ولما علم صلى الله عليه وسلم أن مثل هذا يعرض ولا بد في شريعته قال :ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة يعني بالواحدة التي سلكت ظاهر الشرع ولم تؤوله تأويلا صرحت به للناس .
قال: وأنت إذا تأملت ما عرض في هذه الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها من قبل التأويل تبينت أن هذا المثال صحيح فأول من غير هذا الدواء الأعظم هم الخوارج ثم المعتزلة بعدهم ثم الأشعرية ثم الصوفية ثم جاء أبو حامد فطم الوادي على القرى ا.هـ
فأبو الوليد بن رشد يقرر أن الأشاعرة من عموم الفرق الاثنتين والسبعين الضالة وأقره الإمام ابن تيمية على هذا ولم يعترض عليه خلافاً لهؤلاء المفتين الفتوى الجماعية البدعية ولسلمان العودة الناشر لها في موقعه.(1/18)
10-الإمام ابن القيم -رحمه الله-فقد نقل كلام أبي الْوَلِيدِ بن رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ المتقدم في كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بالكشف عن مَنَاهِجِ الْأَدِلَّةِ والمثل الذي ضربه لخطورة التأويل كما في الإعلام (4/254) والصواعق المرسلة (2/417) وأقره ولم يخالفه مثل شيخه ابن تيمية .
11- الشيخ العلامة من أئمة الدعوة النجدية السلفية سليمان بن سحمان -رحمه الله- فقد رد على السفاريني قوله في لوامع الأنوار: إن الأشاعرة والماتردية من الفرقة الناجية كما قال هؤلاء المفتون فقال: (هذا مصانعة من المصنف- رحمه الله تعالى- في إدخاله الأشعرية والماتريدية في أهل السنة والجماعة، فكيف يكون من أهل السنة والجماعة من لا يثبت علو الرب سبحانه فوق سماواته، واستواءه على عرشه ويقول: حروف القرآن مخلوقة، وإن الله لا يتكلم بحرف ولا صوت، ولا يثبت رؤية المؤمنين ربهم في الجنة بأبصارهم، فهم يقرون بالرؤية ويفسرونها بزيادة علم يخلقه الله في قلب الرائي. ويقول: الإيمان مجرد التصديق وغير ذلك من أقوالهم المعروفة المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة) لوامع الأنوار البهية (1/73)
12- الشيخ العلامة من أئمة الدعوة النجدية السلفية عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين - رحمه الله- فقد رد على السفاريني قوله في لوامع الأنوار: إن الأشاعرة والماتردية من الفرقة الناجية كما قال هؤلاء المفتون فقال : (تقسيم أهل السنة إلى ثلاث فرق فيه نظر، فالحق الذي لا ريب فيه أن أهل السنة فرقة واحدة، وهي الفرقة الناجية التي بينها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل عنها بقوله: (هي الجماعة)، وفي رواية: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، أو (من كان على ما أنا عليه وأصحابي). وبهذا عرف أنهم المجتمعون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ولا يكونون سوى فرقة واحدة. والمؤلف نفسه يرحمه الله لما ذكر في المقدمة هذا الحديث، قال في النظم:(1/19)
وليس هذا النص جزماً يعتبر في فرقة إلا على أهل الأثر
يعني بذلك: الأثرية. وبهذا عرف أن أهل السنة والجماعة هم فرقة واحدة الأثرية والله أعلم) المصدر السابق (1/73) .
31- الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة(6/285) حيث قال: (فإن ما أنا فيه من الاشتغال بالمشروع العظيم - تقريب السنة بين يدي الأمة - الذي يشغلني عنه في كثير من الأحيان ردود تنشر في رسائل و كتب و مجلات من بعض أعداء السنة من المتمذهبة و الأشاعرة و المتصوفة و غيرهم ، ففي هذا الانشغال ما يغنيني عن الرد على المحبين الناشئين ، فضلا عن غيرهم . و الله المستعان ، و عليه التكلان) ا.هـ
14-الإمام الفقيه محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله-في شرحه للواسطية استدرك في أولها على السفاريني لما جعل الأشاعرة والماتردية من الفرقة الناجية وبين أن الفرقة الناجية واحدة وهم أهل الحديث أهل السنة دون الأشعرية والماتردية وقال (2/372) أيضاً:أن الأشاعرة والماتردية ونحوهم ليسوا من أهل السنة والجماعة ا.هـ
15-شيخنا العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- سئل : أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة وهذا سائل يقول : هل الأشاعرة والماتريدية يعدون من أهل السنة والجماعة ؟
الجواب :
لا يعدون .
لم يعدهم أحد من أهل السنة والجماعة قط .
لكن هم يسمون أنفسهم من أهل السنة وهم ليس من أهل السنة ا.هـ(1)
تنبيهات :
التنبيه الأول /
ذكر الإمام ابن تيمية في أكثر من موضع أن الأشاعرة أقرب إلى أهل السنة فقال في نقض التأسيس (2 /87): فإنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث ا.هـ
،
__________
(1) رقم الفتوى105 / الموقع الرسمي للشيخ صالح الفوزان(1/20)
وليس معنى هذا تزكيتهم وأنهم من أهل السنة ، بل معناه أنهم خير من الجهمية والمعتزلة على سوئهم الشديد كالقول إن النصارى أقرب إلى الإسلام من اليهود فليس معنى هذا أن النصارى مسلمون فالله الذي قال ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى) قد نص على أن النصارى كفار كما قال تعالى ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )
التنبيه الثاني/
شاع في هذا الزمن عند كثيرين إدخال الأشاعرة في أهل السنة معتمدين في هذا على كلام لابن تيمية وهو أن لأهل السنة اطلاقين إطلاقاً عاماً وهو ما يقابل الرافضة وإطلاقاً خاصاً والمراد بهم أهل الحديث فعلى الإطلاق الأول تكون الأشاعرة من أهل السنة وإذا أرادوا تعليل إدخال الأشاعرة في أهل السنة قالوا : هم أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة وقد وقع هؤلاء في خطئين :
الأول / في فهم كلام ابن تيمية فإنه لما ذكره أراد في استعمال عامة الناس لا في استعمال الشرع وكلام العامة لاينبني عليه شرع وإنما يذكره من باب الإخبار ببغض الناس للرافضة ثم على فهم هؤلاء لكلام ابن تيمية تكون المعتزلة من أهل السنة !!(1/21)
الثاني /أنه يلزم على تعليلهم إدخال الرافضة في أهل السنة قيما وافقوا فيه أهل السنة. وبعد هذا إليك نصوص الإمام ابن تيمية التي توضح مراده قال (4/155) : فالمقصود هنا أن المشهورين من الطوائف بين أهل السنة والجماعة العامة بالبدعة ليسوا منتحلين للسلف بل أشهر الطوائف بالبدعة الرافضة حتى إن العامة لا تعرف من شعائر البدع إلا الرفض والسنى في اصطلاحهم من لا يكون رافضيا وذلك لأنهم أكثر مخالفة للأحاديث النبوية ولمعاني القرآن وأكثر قدحا في سلف الأمة وأئمتها وطعنا في جمهور الأمة من جميع الطوائف فلما كانوا أبعد عن متابعة السلف كانوا أشهر بالبدعة ا.هـ وقال في المنهاج(2/221) : فلفظ أهل السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول إن القرآن غير مخلوق وإن الله يرى في الآخرة ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة .وهذا الرافضي يعنى المصنف جعل أهل السنة بالإصطلاح الأول وهو اصطلاح العامة كل من ليس برافضي قالوا هو من أهل السنة ثم أخذ ينقل عنهم مقالات لا يقولها إلا بعضهم مع تحريفه لها فكان في نقله من الكذب والإضطراب ما لا يخفى على ذوي الألباب وإذا عرف أن مراده بأهل السنة السنة العامة ا.هـ
وانظر شرح الواسطية لشيخنا محمد بن عثيمين - رحمه الله- (1/53)
التنبيه الثالث/(1/22)
قال ابن تيمية في نقض التأسيس (2 / 87 (: ( فإنهم طوائف أقرب أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث ، وهم يعدون من أهل السنة و الجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم ، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم ) اعتمد على هذا النص بعض من في قلبه زيغ لينسب إلى الإمام ابن تيمية القول بأن الأشاعرة من أهل السنة ، وهذا من التدليس وبيان ذلك من وجهين:
الوجه الأول / أن كلام العالم يفسر بعضه بعضاً وقد تقدم كلامه الصريح على أن الأشاعرة من أهل البدع فكيف يترك منصف كلامه الصريح المبين من عدة طرق إلى كلام مجمل .
الوجه الثاني / أن في الكلام نفسه ما يدل على أن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة عند الإطلاق بل بالنسبة إلى غيرهم من المعتزلة أما عند الإطلاق فليسوا من أهل السنة وهو المراد. وإنما سموا أهل السنة والجماعة بالنسبة للمعتزلة وفي البلد التي ليس فيها إلا هم لأنهم أكثر تمسكاً بالسنة والجماعة منهم .
الفصل الثاني
مختصر في معتقد الأشاعرة وسبب إخراجهم من الفرقة الناجية
إليك شيئاً من معتقد الأشاعرة مفقراً على وجه الاختصار :
1- أن الإيمان هو التصديق فلا يرون عمل الجوارح من الإيمان ولا يرون كفراً يكون بالجوارح(1).
2- أنهم جبرية في باب القدر فلا يثبتون إلا الإرادة الكونية دون الإرادة الشرعية ، فليس للعبد عندهم قدرة ولا يثبتون إلا الاستطاعة والقدرة المقارنة للعمل دون ما قبله(2).
__________
(1) مجموع الفتاوى (12/471) (20/86) (7/636) وانظر من كتب الأشاعرة الإرشاد للأبي المعالي الجويني ص398 وشرح التسفيه ص428 لسعد الدين التفتازاني
(2) مجموع الفتاوى (16/237) (8/340) الصفدية (1/152) ,منهاج السنة (1/463) , والاستقامة (1/215) وانظر من كتب الأشاعرة الإرشاد للأبي المعالي الجويني ص219 والجوهرة وشرحها للباجوري ص197-229 والمواقف من علم الكلام ص324 للأيجي(1/23)
3- لا يثبتون لأفعال الله علة ولا حكمة(1)والعياذ بالله .
4- لا يثبتون شيئاً من الصفات الفعلية(2).
5- الأشاعرة الذين هم من بعد أبي المعالي الجويني أنكروا علو الله على خلقه بذاته(3).
6- لا يثبتون من صفات المعاني إلا سبعاً أو أكثر وعمدتهم في الإثبات العقل ثم هم في الصفات السبع نفسها لا يثبتونها كما يثبتها أهل السنة(4).
7- معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله راجع إلى توحيد الربوبية فلا يعرفون توحيد الألوهية كما فسر الباقلاني كلمة التوحيد بمعنى الربوبية(5).
8- مآل قولهم في كلام الله أن القرآن مخلوق كما أفاده أحد أئمة الأشاعرة المتأخرين الرازي(6).
9- يتوسعون في الكرامة فيجعلون كرامة الأنبياء ممكنة للأولياء(7).
__________
(1) مجموع الفتاوى (14/183) (8/97) (8/428), الأصفهانية ص204 ,الدرء (1/330) وانظر من كتب الأشاعرة التمهيد ص50 للباقلاني وغاية المرام في علم الكلام ص224 للآمدي والجوهرة وشرحها للباجوري ص181 وشرحها عون المريد (1/509).
(2) الفتاوى الكبرى (5/68)(5/239) وانظر من كتب الأشاعرة الإرشاد للجويني ص156 وأساس التقديس ص103-107 للرازي وعون المريد (1/410) وشرح الباجوري ص132
(3) الدرء (6/213) (6/245)(6/267) واجتماع الجيوش الإسلامية ص 207,والصواعق المرسلة (2/405) وانظر من كتب الأشاعرة الجوهرة وشرحها للباجوري ص182 وشرحها عون المريد (1/510) ومشكل الحديث لابن فورك ص193 وأساس التقديس ص160 للرازي.
(4) منهاج السنة (2/497) و التدمرية ص33 وانظر من كتب الأشاعرة تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد ص542 وشرح الباجوري ص145 وانظر ما يدل أن عمدتهم العقل أساس التقديس ص168 والإرشاد ص359
(5) الفتاوى الكبرى (5/248) وانظر من كتب الأشاعرة أصول الدين للبغدادي ص123
(6) التسعينية (2/597)(2/618) وقرره الشيخ عبدالله أبا بطين في الدرر السنية (3/231)
(7) النبوات ص15 ,وطبقات الشافعية للسبكي (((2/315)(1/24)
10- يقررون رؤية الله إلى غير جهة ومآل قولهم إنكار الرؤية(1).
11- أن العقل لا يحسن ولا يقبح(2).
12- أنه لا يصح إسلام أحد بعد التكليف إلا أن يشك ثم أول واجب عليه النظر كما قال أبو المعالي الجويني(3).
إلى آخر ما عندهم من اعتقادات بدعية .
إذا تبين شيء من معتقد الأشاعرة فالواحدة مما تقدم تكفي في تبديعهم وإخراجهم من أهل السنة والفرقة الناجية إلى عموم الاثنتين والسبعين فرقة المسلمة الضالة لأن ما ذكرت من المؤاخذات العقدية هي مؤاخذات كلية .
وتخرج الطائفة والفرقة من طائفة أهل السنة إلى أهل البدعة إذا خالفت أهل السنة في أمر كلي ولو واحداً كما أفاد ذلك الشاطبي في الاعتصام (2/712) فقال : وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئي من الجزئيات إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية لأن الكليات نص من الجزئيات غير قليل وشأنها في الغالب أن لا تختص بمحل دون محل ولا بباب دون باب واعتبر ذلك بمسألة التحسين العقلي فإن المخالفة فيها أنشأت بين المخالفين خلافاً في الفروع لا تنحصر ما بين فروع عقائد وفروع أعمال .
__________
(1) الدرء (1/250) (7/239) بيان تلبيس الجهمية (1/26) وانظر من كتب الأشاعرة الجوهرة وشرحها للباجوري ص246 وشرحها عون المريد (2/638)
(2) مجموع الفتاوى (8/90) (11/677) وانظر من كتب الأشاعرة الجوهرة وشرحها عون المريد (1/157) والمواقف من علم الكلام ص324 للأيجي
(3) درء التعارض (7/ 440,418) بيان تلبيس الجهمية (1/249) وانظر من كتب الأشاعرة الإرشاد ص25 والانصاف ص33 للباقلاني(1/25)
ويجرى مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضاً وأما الجزئي فبخلاف ذلك بل يعد وقوع ذلك من المبتدع له كالزلة والفلتة وإن كانت زلة العالم مما يهدم الدين حيث قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : ثلاث يهدمن الدين: زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وأئمة مضلون ولكن إذا قرب موقع الزلة لم يحصل بسببها تفرق في الغالب ولا هدم للدين بخلاف الكليات ا.هـ
فكيف بمن يخالف أهل السنة في عدة كليات كالأشاعرة .
أو إذا خالفت أهل السنة فيما اشتهر خلاف أهل السنة فيه لأهل البدع كما أفاده ابن تيمية إذ قال (35/414) : والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة ا.هـ
وقال ابن بطة -رحمه الله-: (ونحن الآن ذاكرون شرح السنة ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سمى بها واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحذر منه من أهل البدع والزيغ مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة منذ بعث نبيه الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إلى وقتنا هذا . ثم ذكر أمور الاعتقاد -...) الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة (175-176)(1/26)
تنبيه / قرر الشنقيطي محمد ددو المفتي في قناة المجد بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة والماتريدية والسلفية(1)وبمثل قوله فال صالح الأسمري الموظف في وزارة الشئون الإسلامية في مكالمة له مسجلة مع امرأة وهي موجودة بصوته بل زاد الثاني في هذه المكالمة الطعن في دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب وفي شيخنا ابن باز(2).
الفصل الثالث
من قواعد أهل السنة عداء أهل البدع
من شدة أهل السنة في هذا الباب أنك إذا سمعت كلامهم في التحذير من أهل البدع ظننتهم يهونون من شأن المعاصي الشهوانية وليس الأمر كذلك وإنما لعظم البدع وخطورتها صَغُرَ جرم المعاصي الشهوانية بالنسبة إلى البدع .
قال البربهاري: : وإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب، فاسقاً فاجراً صاحب معاص ضالاً وهو على السنة؛ فاصحبه، واجلس معه، فإنه ليس يضرك معصيته، وإذا رأيت الرجل مجتهداً في العبادة متقشفاً محترقاً بالعبادة صاحب هوى، فلا تجالسه، ولا تقعد معه، ولا تسمع كلامه، ولا تمش معه في طريق، فإني لا آمن أن تستحلي طريقته؛ فتهلك معه. ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال:يا بني من أين جئت؟ قال: من عند فلان، قال: يا بني! لأن أراك خرجت من بيت خنثى، أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان، ولأن تلقى الله يا بني زانياً فاسقاً سارقاً خائناً، أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفر ؟!ا.هـ(3)
__________
(1) كما في شرحه لكتاب التوحيد المسمى بالمغني المفيد . وهو موجود في موقعه في الشبكة العنكبوتية .
(2) المكالمة موجودة بصوته في آخر شريط لي مسجل وعنوانه :محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الحقيقة والادعاء .موجود في تسجيلات البينة بالرياض 014493755
(3) شرح السنة ص114-116 .(1/27)
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الهوى ا.هـ(1)
وقال الإمام أحمد - رحمه الله - :وقبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة ، فساق أهل السنة أولياء الله، وزهاد أهل البدعة أعداء الله ا.هـ(2)
وقال أرطاة بن المنذر: لأن يكون ابني فاسقاً من الفساق أحب إلي من أن يكون صاحب هوى ا.هـ(3)
وقال سعيد بن جبير: لأن يصحب ابني فاسقاً شاطراً سنياً أحب إلي من أن يصحب عابداً مبتدعاً ا.هـ(4)
قال أبو عثمان الصابوني: ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ا.هـ(5)
__________
(1) أخرجه البيهقي في الاعتقاد ص 158 .
(2) طبقات الحنابلة (1/ 184):
(3) الشرح والإبانة عن أصول الديانة رقم( 87)
(4) المرجع السابق رقم(89) .
(5) عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص105 .(1/28)
وقال: واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم ، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم ، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم . وأنا بفضل الله عز وجل ومنّه متبع لآثارهم مستضيء بأنوارهم ، ناصح لإخواني وأصحابي أن لا يزلقوا عن منارهم ، ولا يتبعوا غير أقوالهم ، ولا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع التي اشتهرت فيما بين المسلمين ، والمناكير من المسائل التي ظهرت وانتشرت ، ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه وبدعوه ، ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه ، ولا يغرّن إخواني حفظهم الله كثرة أهل البدع ووفور عددهم ، فإن وفور أهل الباطل وقلة عدد أهل الحق من علامات اقتراب اليوم الحق ، فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة ، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل والعلم هو السنة ، والجهل هو البدعة ا.هـ(1)
بل بلغت شدة السلف على المبتدعة أنهم يغلظون في التعامل معهم في الدنيا أكثر من الكفار وإن كان المبتدع في الآخرة خيراً منهم ، لكن لما كان ضرر الاغترار بهم أكثر من الكافر شددوا عليه أكثر في الدنيا ، بل إن أئمة السلف يشددون على المبتدعة أشد من شدتهم على الكفار من حيث التعامل في الدنيا والتحذير منهم، وإن كان المبتدع في الآخرة خيراً من الكافر؛ لأن المبتدع لا يزال مسلماً، وسبب تشديد السلف أن المبتدع يخشى من ضرره على الإسلام والمسلمين أكثر من الكافر؛ لأنه يتكلم باسم الدين. ومثله يغتر به من لا علم عنده؛ لأنه مسلم؛ ولأنه يمزج الباطل بشيء من الحق، أما الكافر فلا يقبل كلامه في الإسلام لكون كفره معلوماً ظاهراً فلا يغتر به .
__________
(1) عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص113 .(1/29)
ومن هذا قول الفضيل بن عياض: لأن آكل عند اليهودي والنصراني أحب إليّ من أن آكل عند صاحب بدعة، فإني إذا أكلت عندهما لا يقتدى بي، وإذا أكلت عند صاحب بدعة اقتدى بي الناس، أحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد ا.هـ(1).
ذكر عند إبراهيم النخعي المرجئة فقال : والله إنهم أبغض إلي من أهل الكتاب .(2)
ومن ذلك أن الإمام أحمد أشار على الخليفة أن يستعين باليهود والنصارى ولا يستعين بأهل الأهواء والبدع .(3)
قال ابن مفلح: ويحرم بأهل الأهواء في شيء من أمور المسلمين ؛ لأن فيه أعظم الضرر ولأنهم دعاة ، واليهود والنصارى لا يدعون إلى أديانهم . نص على ذلك ، وعنه في اليهود والنصارى: لا يغتر بهم ، فلا بأس فيما لا يسلطون فيه على المسلمين حتى يكونوا تحت أيديهم ، قد استعان بهم السلف ا.هـ(4)
الفصل الرابع
بعض الخلل في الفتوى الجماعية
إليك عشرة أخطاء شرعية في هذه الفتوى الجماعية على وجه الاختصار :
1- عدم جعلهم الأشاعرة من الثنتين والسبعين فرقة الضالة مع أن حالهم ما تقدم ذكره ، فهذا إما أن يرجع إلى عدم معرفتهم بالأشاعرة والماتريدية أو عدم معرفتهم بتأصيل أهل العلم وضابطهم في إخراج الفرقة المخالفة من الناجية إلى عموم الاثنتين والشبعين فرقة وكلا الاحتمالين قبيح بأحدهم فكيف وهم مجتمعون !!!
2- جوزوا التعاون مع أهل البدع على البر والتقوى وهذا مخالف لهدي السلف مع أهل البدع كما تقدم ذكره إذ الأصل العداء والبعد عنهم إلا لمصلحة شرعية وهو خلاف الأصل .
__________
(1) أبو نعيم ( 8 / 103 ) .
(2) ابن سعد في الطبقات (6/274) والحلية(4/223)
(3) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص208 .
(4) الفروع (10/248) .(1/30)
3- خلطوا وقاسوا قياساً فاسداً وذلك أنهم قاسوا التعاون مع عموم الأشاعرة بالتعاون مع الحاكم وولي الأمر المبتدع كأن يكون أشعرياً ، والشريعة فرقت بين ولاة الأمر وعامة الناس ، ومعتقد أهل السنة كما في كتب الاعتقاد أن يقاتل ويصلى مع ولاة الأمر ولو كانوا فجاراً مبتدعة وهذا ما لا يكون مع عامة الناس .
4- أنهم جعلوا كثرة وجود الأشاعرة في العلماء دليلاً على أن الأشاعرة من أهل السنة وهذا خطأ فإن مما يعرفه المبتدئون من طلاب العلم أن فعال وأقوال واعتقاد أهل العلم ليست حجة ما لم يجمعوا على ذلك فكيف جعلوا فعل الكثير حجة !!.
وأنبه إلى أنه ليس معنى كونهم أشاعرة ألا يستفاد من علمهم فلا تعارض بين كونهم أشاعرة والاستفادة من علمهم عند الحاجة كما فصل ذلك علماء أهل السنة .
5- جعْلُ المزي أشعرياً خطأ كبير بل هو من أئمة السنة كما يعرف ذلك من طالع كلام أئمة السنة في عصره , وقصة شرحه لكتاب البخاري خلق أفعال العباد مشهورة قال الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1499) : ترافق هو وابن تيمية كثيرا في سماع الحديث وفي النظر في العلم وكان يقرر طريقة السلف في السنة ا.هـ.
6- جعلهم جميع شراح البخاري أشاعرة خطأ فاضح فإن مما يعلمه المبتدئون من طلاب العلم أن من شراح البخاري ابن كثير و ابن رجب و هما من علماء السنة .
7- القول بأنهم لم يعرفوا من أئمة السلف من أمر بإعادة الصلاة خلف المأمون قصور من قائله فقد روى عبدالله بن أحمد في كتاب السنة (1/130) أن يحيى بن معين كان يعيد صلاة الجمعة مذ أظهر عبد الله بن هارون المأمون ما أظهر يعني القرآن مخلوق .
8- قولهم : يجب التأدب بآداب السلف حق وها نحن ندعوهم من هذا المنطلق أن يتأدبوا بآداب السلف ويقوموا بواجب الله تجاه الأشاعرة وأن يتراجعوا عن فتواهم علانية.(1/31)
9- حصرُ خطأ الأشاعرة في تأويل بعض الصفات فحسب غلطٌ ظاهر-كما تقدم بيانه- يدل على عدم معرفتهم بحال الأشاعرة مما يبين أن حكمهم فيهم غير مقبول فلا أدري آ العجب من حكمهم في الأشاعرة أم جهلهم بهم ؟!!
10-الجزم بأن الأشاعرة كلهم معذورون في اجتهادهم ضرب من الغيب ومقتضاه ألا يكون بينهم من هو مفرط في طلب الحق أو من اجتهد وليس أهلاً لذلك أو معاند وهكذا... وهذا يكذبه الواقع الذي لا يخفى على كل عارف منصف .
تنبيهان :
التنبيه الأول : ما تقدم ذكره في الأشاعرة يدخل فيهم الماتريدية من باب أولى لأنهم أسوأ منهم في الاعتقاد .
التنبيه الثاني : رأيت كلاماً مكتوباً قبل أشهر للشيخ عبدالله الغنيمان يجدد فيه فتواه هذه(1)وللأسف لما أراد التدليل عليها استدل بخلاف الصحابة في صلاة العصر عند بني قريظة لما أمرهم الرسول بذلك . وهذا ما لا يصح الاستدلال به لأنه من المسائل الفقهية التي يسوغ الخلاف فيها, أما ما نحن بصدده وهو خلاف أهل السنة مع الأشاعرة فهو من المسائل العقدة و التي لا يسوغ الخلاف فيها .
فإن المسائل الشرعية المتنازع فيها نوعان:
النوع الأول / لا ينكر ولا يعنف فيه على القائل، ولا يلزم بتركه، أما القول نفسه فللمجتهد المخالف أن يبين ضعفه وكونه مرجوحاً، هذا النوع هو المسمى عند العلماء بالمسائل الاجتهادية. وهو كل قول لم يخالف إجماعاً أو سنة ظاهرة صريحة .
__________
(1) قد أخبرني الشيخ عبدالله بن صليفيق الظفيري أنه هاتف الشيخ الغنيمان قبل أيام حول هذه الفتوى الجماعية وحكمه على الأشاعرة بأنهم من الفرقة الناجية وأنه مصر على هذه الفتوى . علماً أن المكالمة مسجلة .(1/32)
النوع الثاني / ينكر ويعنف فيه على القائل، ويلزمه من له ولاية بتركه، والقول نفسه يرد ويبدع، وهذا النوع هو المسمى عند العلماء بالمسائل الخلافية، وهو كل قول يخالف إجماعاً أو سنة ظاهرة صريحة، قال ابن مفلح: وقال - أي ابن تيمية - في كتاب - بطلان التحليل - قولهم: ومسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل: أما الأول فإن كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر، بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء . وأما العمل إذا كان على خلاف سنة أو إجماع، وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار كما ذكرنا من حديث شارب النبيذ المختلف فيه، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة، وإن كان قد اتبع بعض العلماء، وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللاجتهاد فيه مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً. وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس. والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد، ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ - إذا عدم ذلك - الاجتهاد لتعارض الأدلة المقاربة، أو لخفاء الأدلة فيها .ا.هـ(1)قال أبو المظفر السمعاني: فأما الضرب الذي لا يسوغ فيه الاختلاف، كأصول الديانات من التوحيد وصفات الباري عز اسمه، وهي تكون على وجه واحد، لا يجوز فيه الاختلاف، وكذلك فروع الديانات التي يعلم وجوبها بدليل مقطوع به، مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج، وكذلك المناهي الثابتة بدليل مقطوع به، فلا يجوز اختلاف القول في شيء من ذلك .
__________
(1) الآداب الشرعية (1/ 191 ) وانظر كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل ص 181 .(1/33)
فأما الذي يسوغ فيه الاختلاف، وهي فروع الديانات إذا استخرجت أحكامها بأمارات الاجتهاد ومعاني الاستنباط، فاختلاف العلماء فيه مسوغ، ولكل واحد منهم أن يعمل فيه بما يؤدي إليه اجتهاده ا.هـ(1)
وقال ابن القيم: وهذا يرد قول من قال: لا إنكار في المسائل المختلف فيها، وهذا خلاف إجماع الأئمة، ولا يعلم إمام من أئمة الإسلام قال ذلك- ا.هـ(2)وقال النووي: ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه أما المختلف فيه فلا إنكار فيه .- ثم قال - لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق ا.هـ(3)ومراد النووي بعدم الإنكار أي على القائل أما القول فينكر ببيان مخالفته للدليل كما في كلام ابن القيم وشيخه .
الفصل الخامس
تناقض الشيخ الغنيمان - هداه الله - في حال الأشاعرة
قد كان للشيخ عبدالله الغنيمان كلام شديد على الأشاعرة عند شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري مخالف لهذه الفتوى الجماعية والتي أكدها بعد بخط يده هذا العام وإليك طرفاً من كلامه :
قال-هداه الله- في (1/85 ): وهذا المذهب- أعني مذهب الأشعرية الذي عليه أكثر المتأخرين- مخالف لما عليه رسل الله صلى الله عليهم وسلم، ومخالف لكتبه، ولما عليه أتباع الرسل، كما أعترف بذلك بعض كبار علماء هذا المذهب، كالفخر الرازي، والجويني، والغزالي، والشهرستاني، وغيرهم، كما يأتي ذكر ذلك، إن شاء الله-تعالى-.
__________
(1) قواطع الأدلة في أصول الفقه ( 5/ 62) .
(2) أعلام الموقعين ( 3/ 299) .
(3) شرح مسلم (2/23) .(1/34)
وهكذا تبرر الأشعرية تأويل صفات رب العالمين بما تعرفه من صفات المخلوقين، فكأنهم لم يعرفوا من الرحمة إلا أنها العطف والرقة على المرحوم، ولا من الغضب إلا أنه غليان دم القلب ثم طلب الانتقام، وما أشبه ذلك، ولهذا لجأوا إلى التحريف الذي يسمونه تأويلاً، وجعلوه واجباً ضرورياً، حتى لا يلزم التشبيه، فيسلم المسلم من التشبيه والتجسيم على ما زعموا.
هذا مع أنهم ينكرون على الفلاسفة تأويلهم نصوص المعاد، وعلى الباطنية تأويلهم الشرائع أشد الإنكار، فما الذي سوغ لهم تأويل نصوص الصفات مع كثرتها ووضوحها؟ وما ادعوه أن العقل يوجب ذلك، بإمكان كل مبطل أن يدعيه.ا.هـ
وقال : وقد انتسب إلى الأشعري أكثر العالم الإسلامي اليوم من أتباع المذاهب الأربعة، وهم يعتمدون على تأويل نصوص الصفات تأويلاً يصل أحياناً إلى التحريف، وأحياناً يكون تأويلاً بعيداً جداً، وقد أمتلأت الدنيا بكتب هذا المذهب، وادعى أصحابها أنهم أهل السنة، ونسبوا من آمن بالنصوص على ظاهرها إلى التشبيه والتجسيم.
وقال (1/25): هذا ولابد لعلماء الإسلام-ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم – من مقاومة هذه التيارات الجارفة، على حسب ما تقتضيه الحال، من مناظرات، أو بالتأليف، وبيان الحق بالبراهين العقلية والنقلية، وقد يصل الأمر أحياناً إلى شهر السلاح ا.هـ
وقال (1/26): وقد أكثر علماء السنة من التأليف في الرد على أهل الأهواء والانحراف، كما ظهر بعض الطوائف المقابلة لتلك البدع كالسالمية والكلابية، الذين تولوا أيضاً الرد على أهل تلك الانحرافات، غير أنهم كثيراً ما يردون البدع ببدع مماثلة لما يرد أو قريباً منها، يزداد من أجل ذلك التباس الحق على كثير من الناس، بخلاف ما إذا كان الرد بما دل عليه كتاب الله- تعالى- وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم – كما هو نهج أهل السنة، بالإضافة إلى المعقول الصريح ا.هـ(1/35)
وله رسالة مختصرة بعنوان (الإيمان ؛ حقيقته وزيادته وثمراته) كتبها قبل ثلاث سنوات يذكر أن المرجئة مغايرون ومقابلون لأهل السنة فيقول : قالت المرجئة وقالت أهل السنة مما يدل على أن المرجئة ليسوا من أهل السنة فقال ص38 :أما تفاضل الناس في الأعمال الظاهرة فهو محل اتفاق بين أهل السنة والمرجئة، ولكنهم ينازعون أهل السنة في دخول الأعمال في مسمى الإيمان ...ا.هـ
وقد تقدم أن الأشاعرة مرجئة لا يرون العمل من الإيمان فهم على هذا ليسوا من أهل السنة ولا الفرقة الناجية كما ذكر في الفتوى الجماعية بل إن الأشاعرة زادت ضلالة ببدع أخرى -كما تقدم ذكر بعضها-فهم أولى بالتبديع والتضليل !!
الفصل السادس
في الرد على من أنكر تفرق المسلمين فرقاً بدعية ورد الأحاديث رواية أو دراية
يحاول بعضهم ردّ أحاديث الافتراق لأنه يسير على منهج التجميع والتكتيل لكسب أكثر عدد من الأصوات لتوصلهم إلى منصة الحكم ومقتضى العمل بأحاديث الافتراق تقليل الجماهير لأن من لم يكن من الفرقة الناجية والطائفة المنصورة الوحيدة فإنه مبتدع يعادى , ومؤدى قول هؤلاء إبعاد العقيدة السلفية عقيدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه التي علق الله رضاه عليها و بها تفتح الجنان وتغلق أبواب النيران .(1/36)
وقد حاول كثيرون ردّ أحاديث الافتراق إما رواية أو دراية كالدكتور طهَ جابر العلواني , والقرضاوي , والسقاف الجهمي الصوفي الأردني وله في ذلك رسالة , و المجلس الأوربّي للبحوثِ والإفتاءِ وليس هذا مستنكراً منهم كثيراً لأنهم لم يعرفوا بعقيدة صحيحة ولم ينشئوا بدولة سلفية وإنما المستنكر للغاية أن يدعو لهذا المبدأ الشيطاني من درس العقيدة السلفية وتربى في دولتها وبأرضها من أمثال المشرف على موقع الإسلام اليوم سلمان العودة(1)-هداه الله- إذ قال في موقعه : هذا الحديث المشهور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلاَنِيَةً، لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِى النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي)). ومدار كلام الأكثرين على هذا الحديث، بل لا يكاد يتكلم أحد في الخلاف إلا وذكره، وربما بالغ البعض وأكثروا من روايته وسياقه عند العوام وغيرهم، ممن لا يحيطون بهذا الحديث علماً ولا يدركون أبعاده، ولذلك أحببت أن ألقي الضوء على هذا الحديث:
هذا الحديث لم يخرجه صاحبا الصحيح: البخاري ومسلم؛ وهذا بطبيعة الحال لا يعني عدم صحته، لكنَّ عدم تخريجهم له -والله أعلم- ربما لأنه يتقاصر عن شرطهم فيما يخرجونه من الأحاديث.
__________
(1) قد أرسل لي الشيخ الدكتور أحمد بن صالح الزهراني-وفقه الله لكل خير - أوراقاً في نقد كلام سلمان العودة ,وقد استفدت منها . فجزاه الله خيراً .(1/37)
الحديث رواه أحمد وأهل السنن من طرق، ومن العلماء من صححه أو حسنه كالترمذي، والحاكم، والذهبي، وابن تيمية، والشاطبي، وابن حجر وغيرهم، ومنهم من ضعفه كابن حزم وابن الوزير وغيرهم، ومذهب الأكثرين في ثبوت الحديث أقوى؛ فإن الحديث بمجموع طرقه ثابت، لكن لا يجب أن ينظر إليه وكأنه لم يرد في باب الاختلاف غيره.
1- لدينا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (( أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلاَزِلُ وَالْقَتْلُ)) وهذا حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والحاكم، عن أبي موسى وهو صحيح الإسناد؛ فهذا الحديث فيه إشارة إلى رحمة هذه الأمة، وأنه ليس عليها في الآخرة عذاب، وإنما عذابها في الدنيا.
2- هذه الأمة هي أفضل الأمم عند الله -تبارك وتعالى- فهي بيقين قطعي بمحكمات الكتاب والسنة أفضل من الأمم السابقة، أفضل من أمم أهل الكتاب؛ من اليهود في زمانهم، ومن النصارى في زمانهم، ولذلك قال الله سبحانه :(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس) [آل عمران:110]، وقال سبحانه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة:143]. والنصوص النبوية في ذلك متواترة مقطوع بها؛ فهذه الأمة هي أفضل الأمم، وينبغي ألا يفهم من الحديث أن الأمم السابقة أقل اختلافاً من هذه الأمة، وبالتالي هي أفضل أو أقل شراً.(1/38)
3- في الصحيحين، عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ كُنَّا مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فِى قبة فقال : (( أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟)) . قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : ((أتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟)) . قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : ((أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟)) . قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : (( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ))، وبذلك حكم النبي -صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة أن نصف من يدخلون الجنة هم من أتباعه عليه الصلاة والسلام.
4- قد عفا الله -تبارك وتعالى- لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، كما في آخر سورة البقرة (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)[البقرة:286] وفي الحديث الصحيح: (( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ )). وهذا المعنى أيضاً في الجملة معنى مقطوع به متداول عند الفقهاء والأصوليين.
5- رفع الله سبحانه وتعالى عن هذه الأمة الآصار والأغلال التي كانت على من كان قبلنا (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم) [الأعراف:157].
وقد استشكل جمعٌ من أهل العلم كثرة الفرق في هذه الأمة، كما هو مذكور في الحديث، ويمكن أن يُجاب عن ذلك بأجوبة؛ منها:
- طول عمر هذه الأمة وامتدادها كما هو معروف.(1/39)
- أن تفرقها أهون شراً من تفرق غيرها من الأمم قبلها، وهو مُقابل بألوان من الخير والفضل تقابل النقص الحاصل به، والفرقة لا يلزم أن تكون كثيرة العدد؛ فلو أن اثنين افترقا لاعتبر فرقة، ذاً قد تكون ثلاث وسبعين فرقة، ومع ذلك لا تشمل إلا قسماً محدوداً من الأمة.
- إنما الإشكال الحقيقي لدى من يجعل نفسه الفرقة الناجية، ثم يصمُ الآخرين بالضلال ويتوعدهم بالنار، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ)) . يعني: أشدهم هلاكاً، وفي رواية (( أَهْلَكَهُمْ )) أي تسبب في هلاكهم.
- هذه الفرق الثنتان والسبعون أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم من أمته، و((ستفترق هذه الأمة)) و((ستفترق أمتي)), إذاً هم ليسوا بكفار ولا مشركين، لكنهم مسلمون مؤمنون، وقد يكون فيهم المنافق، أو الكافر، لكن فيهم كثير كثير من هذه الأمة من أهل الإيمان والإسلام، وإن كان عندهم نوع من الاختلاف ونوع من التقصير، وهذا رجحه أهل العلم كابن تيمية والشاطبي وغيرهم.
وهذا وعيد لا يلزم تحققه، ولذا يقول ابن تيمية -رحمه الله-:هذا الحديث ليس بأعظم من قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) [النساء:10]، وقوله سبحانه: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً) [النساء:30]. ومع ذلك لا نشهد لمعين بالنار؛ لإمكان توبته من ذنبه، أو كانت له حسنات محت سيئاته، أو كفر الله عنه بمصائب وغير ذلك.(1/40)
ولم يكن من شأن السلف -رضي الله عنهم- الاشتغال بتعين هذه الطوائف، كما ذكر الشاطبي في الموافقات وابن تيمية وغيرهم، فإن ابن تيمية -رحمه الله- يقول: من كان من الثنتين والسبعين فرقة منافقاً؛ فهو كافر في الباطن، ومن لم يكن منافقاً في الباطن بل كان مؤمناً بالله ورسوله لم يكن كافراً وإن أخطأ في التأويل كائناً ما كان خطؤه، وإذا قال المؤمن: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ) [الحشر:10]؛ فإنه يقصد كل من سبقه من قرون الأمة بالإيمان، وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله فخالف السنة، أو أذنب ذنباً؛ فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان؛ فيدخل في العموم، وإن كان من الثنتين والسبعين فرقة؛ فإنه ما من فرقه إلا وفيها خلق كثير ليسوا كفاراً؛ بل مؤمنون فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد.
ثم يقول -رحمه الله-: مع أن حديث الثنتين والسبعين فرقة ليس في الصحيحين؛ فقد ضعفه ابن حزم وغيره، لكن حسنه غيره أو صححه كما صححه الحاكم، وقد رواه أهل السنن من طرق.
إن مثل هذا الحديث ينبغي أن يوضع في إطاره الصحيح، وإن كان ثابتاً عندنا إلا أنه ينبغي ألا يُتعدى به قدره، وألا يكون سبباً لإشاعة الفرقة والخلاف بين المؤمنين.
وقد وقفت على بحث قيم للأستاذ عبد الله بن يوسف الجديع عنوانه ( أضواء على حديث افتراق الأمة) أنصح بقراءته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وقال في زيارتِه لليمَن القريبة قبل أشهر : « إنّ حديثَ الفرقَةِ النّاجِيةِ مُختَلفٌ في ثبوتِه ، وَلا يُعَدُّ أصلاً مِن أُصولِ الدّينِ » .ا.هـ
والجواب على ما ذكر سلمان العودة دراية ورواية أما رواية فقد صح معنى حديث الافتراق من غير حديث الافتراق المعروف من ذلك :(1/41)
1- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" متفق عليه واللفظ لمسلم . ونحوه في الصحيحين عن معاوية، وفي مسلم عن ثوبان وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وسعد بن أبي وقاص نحوه . و هذا الحديث متواتر كماعده متواتراً الإمام ابن تيمية في الاقتضاء (1/69) وجلال الدين السيوطي في كتاب قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة , وهو يفيد معنى افتراق الأمة وأن الذين على الحق طائفة واحدة .
2- وأخرج أحمد(1/435) والنسائي في الكبرى (6/343) بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال خط رسول الله خطا بيده ثم قال هذا سبيل الله مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )(الأنعام: من الآية153)
3- عن العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله ذات يوم ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله: كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ))(1)أخرجه أبو داود واللفظ له والترمذي وصححه وصححه أبو نعيم والبزار وابن عبدالبر(2). قال ابن القيم: وهذا حديث حسن، إسناده لا بأس به.
__________
(2) انظر جامع العلوم والحكم الحديث الثامن والعشرين ، وجامع بيان العلم وفضله(2/1165 ) .(1/42)
فهذه الأحاديث تدل على ما يدل عليه حديث الافتراق المعروف الذي رواه جمع من الصحابة وخرجه طائفة منهم :
أ أخرج الإمام أحمد وأبوداود عن معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلاة الظهر فقال إن رسول الله قال إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة ) في إسناد حديث معاوية أزهر الهوزني وقيل الحرازي وقيل غير ذلك، حسن حديثه الذهبي في الميزان ولم أر في أئمة الحديث المتقدمين من وثقه توثيقاً معتبراً وإن كان توثيق الذهبي له اعتباره.
ب أخرج الترمذي وابن ماجه من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة )، وقد تكلم يحيى بن معين في رواية محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة.
وقد روي حديث الافتراق عن ما يقارب ستة عشر صحابياً .
وهذا الحديث لم يتفرد بحكم جديد بل تؤكده الأحاديث السابقة لذا لم يشدد فيه الأئمة فصححه و حسنه طائفة .
قالَ الحافِظُ ابنُ حجَر في «تخريج أحاديث الكشاف» ( ص 63) : «حسَنٌ ».
و قال ابن تيمية في «مجموعِ الفتاوَى» (3/345): «الحديثُ صحيحٌ مشهورٌ في السّننِ والمسانيدِ ».
و قال الشّاطِبي في «الاعتصامِ » (2/186): «صحّ مِن حديثِ أبيِ هريرَةَ ».
و قالَ الحافِظُ ابنُ كَثير في «تفسيرِه» (2/482): «كما جاءَ في الحديثِ المرويِّ فيِ المسانيدِ والسّننِ من طُرقٍ يشدّ بعضُها بعضاً : أنّ اليهُودَ افترَقَت... » الحديث .
وقالَ (4/574): «كمَا جاءَ في الحديثِ المرويِّ من طرقٍ ».
والإمام الألبانِي في «الصّحيحةِ» (204و205) .(1)
وبعد بيان صحة حديث الافتراق وذكر ما يشهد لمعناه أقف مع بعض الملاحظات في كلامه
__________
(1) انظر كلام الشيخ سليم الهلالي-وفقه الله لكل خير- على الحديث وقد استفدت منه .(1/43)
الملاحظة الأولى /أنه عاب على من يبالغ ويذكر هذا الحديث عند العامة خشية أن يفهموا منه ما ليس مراداً ونسي أنه ممن يلقيه على العامة ويفهمهم خلاف المراد منه عند علماء السنة حتى اليمن لما زارها ذكر الحديث وأفهمهم منه ما ليس مراداً عند علماء السنة , والأحرى بالمنع هو من أتى بفهم جديد خلاف فهم السلف .
الملاحظة الثانية /حاول التشكيك في صحة الحديث مع اعترافه بصحته وذلك أنه ذكر أن الشيخين لم يخرجاه وهذا لا فائدة منه بما أنه معترف بصحته ثم إنه ذكر من ضعفه وهذا لا فائدة منه بما أنه اعترف بصحته ثم زاد في التشكيك لما عزا وأشاد ببحث المفتون عبد الله الجديع وهو يعلم أنه ممن يضعف الحديث.
الملاحظة الثالثة /أورد حديث أبي موسى (( أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلاَزِلُ وَالْقَتْلُ)) الذي جوده إسناده ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/100)و حسنه الحافظ ابن حجر في بذل الماعون (2/54) وابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى (4/23)وصححه الإمام الألباني في السلسة الصحيحة رقم959 وقد أورده العودة في سياق الرد و التشكيك في أحاديث الافتراق وهذا ما لا يصح لأن ظاهر هذا يعارض نصوصا أخرى متواترة تدل على أن من المسلمين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من سيدخل النار كأحاديث الشفاعة لذا وجهه أهل العلم توجيهاً يتوافق مع بقية النصوص الشرعية خلافاً للعودة وذلك بأن حمله طائفة على الغالب كما هو قول ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى(4/23) والإمام الألباني إذ قال : واعلم أن المقصود بـ ( الأمة ) هنا غالبها للقطع بأنه لابد من دخول بعضهم النار للتطهير ا.هـ وآخرون من العلماء على أن المراد أهل قرنه - صلى الله عليه وسلم - كما هو قول ابن رسلان والمناوي كما في فيض القدير (2/185) .(1/44)
إذا تبين توجيه العلماء للحديث على ما تقدم لم يكن للعودة متعلق بالحديث إلا أن يقول على التوجيه الأول : إن هذا يفيد أن غالب الأمة سالم وهذا خلاف ظاهر حديث الافتراق فيقال :إن هناك فرقاً بين أحكام الدنيا والآخرة -على ما سيأتي بيانه- وحديث الافتراق يتعلق بأحكام الدنيا والواجب تجاه المخالفين من أهل البدع ممن تلبسوا بالبدع ثم لازم استدلال العودة بالحديث ألا ننكر الزنا ولا الربا على المسلمين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا عذاب على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا ما لا يقول به لا هو ولا غيره فبهذا يكون تناقض تناقضاً بيناً !!
الملاحظة الرابعة/ استدل على رد أحاديث الافتراق بقوله تعالى :(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس) ، وقال سبحانه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) وهذا مالا دلالة فيه بحال لأنه لا تنافي ولا تعارض بين خيرة الأمة على غيرها من الأمم ووجود فرق أكثر من الأمة ضالة من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول / قد تكون الخيرية من جهة النوع لا العدد .
الوجه الثاني /أنه لا يلزم من كثرة عدد الطوائف والفرق الضالة أن يكون عدد الأفراد الضالين أكثر فقد يتفرق مائة على فرقتين وفي المقابل يتفرق عشرة على خمس فرق .
الوجه الثالث/أن نوع تفرق هذه الأمة أهون من نوع تفرق الأمم السابقة وهذا التفرق الأهون مقابل بفضائل ومحامد كثيرة للأمة .
وقد ذكر هذين الوجهين الأخيرين سلمان العودة نفسه في مقاله المردود عليه ثم بعد ذلك وقع فيما يخالفهما .!!
الملاحظة الخامسة / استدل على رد أحاديث الافتراق بقوله تعالى في سورة البقرة (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)وهذا استدلال باطل عاطل فمن قال: إن هذه الفرق الضالة ناسية أو مخطئة الخطأ المقابل لتعمد القول أو الاعتقاد ؟
هذا لم يقل به أحد ولو كانوا كذلك لما ضللوا فضلاً أن يخرجوا من الفرقة الناجية المرضية .(1/45)
الملاحظة السادسة /أكثر من إيراد الأدلة التي فيها كثرة دخول أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - الجنة , والأدلة التي فيها العفو عن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهكذا ...
وهذا ما لا يصح الاعتماد عليه لرد أحاديث الافتراق من وجهين :
الوجه الأول/ أنه لا تلازم بين أحكام الدنيا والآخرة فهم في الدنيا ضلال أما حكمهم في الآخرة إلى الله ولا يلزم من ضلال الرجل المعين في الدنيا أن يكون في الآخرة بالنار قال الإمام ابن تيمية : لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليها الأحكام في الدنيا، لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة ثم تكلم عن المنافقين وأن عبد الله بن سلول ورث ابنه عبد الله000 ا.هـ(1)
وقال - رحمه الله - : فهذا أصل ينبغي معرفته فإنه مهم في هذا الباب، فإن كثيراً ممن تكلم قي مسائل الإيمان والكفر لتكفير أهل الأهواء - لم يلحظوا هذا الباب، ولم يميزوا بين الحكم الظاهر والباطن ، مع أن الفرق بين هذا وهذا ثابت بالنصوص المتواترة ، والإجماع المعلوم ،بل هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام ، ومن تدبر هذا علم أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع ، قد يكون مؤمناً مخطئاً جاهلاً ضالاً عن بعض ما جاء به الرسول ، وقد يكون منافقاً زنديقياً يظهر خلاف ما يبطن ا. هـ(2)
وقال: وبالجملة فأصل هذه المسائل أن تعلم: أن الكفر نوعان : كفر ظاهر ، وكفر نفاق،فإذا تكلم في أحكام الآخرة كان حكم المنافق حكم الكفار ، وأما في أحكام الدنيا فقد تجري على المنافق أحكام المسلمين ا0هـ(3)ومن المعلوم عند أهل السنة أن كل ذنب دون الشرك تحت المشيئة كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) وقد أشار إلى هذا العودة في جوابه.
__________
(1) مجموع الفتاوى (7/209-210) .
(2) الفتاوى (7/472) .
(3) الفتاوى (7/620) .(1/46)
الوجه الثاني /أنه لا يصح لأحد أن يضرب السنة بعضها ببعض والواجب عند الاشتباه التسليم والإيمان بكل دليل وحده كما قال تعالى عن الراسخين في العلم (كل من عند ربنا ).
الملاحظة السابعة /ذكر نقلاً عن الشاطبي أن السلف لم يكونوا يشتغلون بتعين الاثنتين والسبعين فرقة .
ونقله عن الشاطبي صحيح لكن لا فائدة منه فيما نحن بصدده لأن الكلام ليس في تعيين هذه الطوائف الاثنتين والسبعين كلها حتى يقال هذا الكلام وإنما في مفهوم حديث الافتراق وتبديع من لم يكن من الفرقة الناجية وعدائه, والسلف جزموا بأن بعض الطوائف من الفرق الهالكة الاثنتين والسبعين كمثل المرجئة والقدرية والمعتزلة والشيعة كما جعلها الإمام ابن المبارك أصول الفرق الضالة , وجزموا أن الأشاعرة كذلك كما تقدم فالمطلوب صحة الحكم على بعض طوائف المسلمين أنهم من الفرق الضالة لا تعيين جميع طوائف الاثنتين والسبعين .
وإني لأجد نفسي مضطراً أن أبين للمسلمين نصحاً لله ولدينه أنه من دراستي لأطروحات العودة فإني أجدها غير صريحة وغير واضحة وإذا أراد الدعوة إلى أمر يصادم ما عليه الجماهير اتخذ أسلوب الخفاء وعدم الوضح كما فعل في أحاديث الافتراق فكن حذراً فإن الزم ما عليك دينك وهو زادك عند لقاء ربك وتذكر قول الإمام ابن سيرين كما في مقدمة صحيح مسلم : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
الفصل السابع
مصادر التلقي عند الأشاعرة
إن من المهم معرفة مصادر التلقي عند الأشاعرة من كتب أئمتهم ليعرف مدى ضلالهم وبعدهم عن السنة التي يدعون انتسابهم إليها ، وأخطر من هذا أن يخرج أناس تتلمذوا في مدارس بلاد التوحيد والسنة حتى إذا شابت لحاهم رجعوا مؤيدين كلام أئمة الأشاعرة في أنهم من أهل السنة مع شدة بعد الأشاعرة عن أهل السنة في التأصيل والتطبيق كما فعل أصحاب هذه الفتوى الجماعية !! .(1/47)
وإن بعد الأشاعرة عن أهل السنة في التأصيل كبعض مصادر التلقي أدى بهم إلى بعد كبير في التطبيق كما تقدم ذكر مختصر عقائدهم البدعية وإليك ذكر مصادرهم:
المصدر الأول/عندهم أن الأدلة السمعية المتواترة وهي القرآن والأحاديث المتواترة دون أحاديث الآحاد فإنه لا يحتج بها في العقائد :
قال الرازي في أساس التقديس ص 168: أما التمسك بخبر الواحد في معرفة الله تعالى فغير جائز ا.هـ ثم ذكر أوجهاً لتقوية ما ذهب إليه ، ومنها أن أخبار الآحاد ظنية ، وما كان كذلك فلا يجوز التمسك به لقوله تعالى ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً )(1)
وقد رد أئمة السنة على هذا الأصل ، وأطالوا النفس في ذلك ، ومن أحسن ما رأيت ما ذكر الإمام ابن القيم في مختصر الصواعق من أن خبر الواحد يفيد العلم وأنه حجة في باب العقائد وغيرها . إليك كلامه مرتباً مجموعاً في نقاط :
__________
(1) وانظر أصول الدين للبغدادي ص 22(1/48)
الأولى/ أنه فعل الصحابة وطريقتهم فإنهم كانوا يجزمون بخبر الواحد ، قال ابن القيم في مختصر الصواعق ص456: من هذا إخبار الصحابة بعضهم بعضاً فإنهم كانوا يجزمون بما يحدث به أحدهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل أحد منهم لمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرك خبر واحد ولا يفيد العلم حتى يتواتر ، وتوقف من توقف منهم حتى عضده آخر منهم لا يدل على رد خبر الواحد عن كونه خبر واحد ، وإنما كان يستثبت أحياناً نادرة جداً إذا استخبر . ولم يكن أحد من الصحابة ولا أهل الإسلام بعدهم يشكون فيما يخبر به أبو بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا عبدالله بن مسعود وأبي بن كعب وأبو ذر ومعاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وعبدالله بن عمر وأمثالهم من الصحابة ، بل كانوا لا يشكون في خبر أبي هريرة مع تفرده بكثير من الحديث ، ولم يقل له أحد منهم يوماً واحداً من الدهر: خبرك خبر واحد لا يفيد العلم ، وكان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل في صدورهم من أن يقابل بذلك ، وكان المخبر لهم أجل في أعينهم وأصدق عندهم من أن يقولوا له مثل ذلك . وكان أحدهم إذا روى لغيره حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات تلقاه بالقبول واعتقد تلك الصفة به على القطع واليقين ، كما اعتقد رؤية الرب وتكليمه ونداءه يوم القيامة لعباده بالصوت الذي يسمعه البعيد كما يسمعه القريب ، ونزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة ، وضحكه وفرحه وإمساك سماواته على إصبع من أصابع يده وإثبات القدم له .(1/49)
من سمع هذه الأحاديث ممن حدث بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صاحب اعتقد ثبوت مقتضاها بمجرد سماعها من العدل الصادق ، ولم يرتب فيها حتى أنهم ربما تثبتوا في بعض أحاديث الأحكام حتى يستظهروا بآخر كما استظهر عمر رضي الله عنه برواية محمد بن مسلمة على رواية المغيرة بن شعبة في توريث الجدة ، ولم يطلب أحد منهم الاستظهار في رواية أحاديث الصفات البتة ، بل كانوا أعظم مبادرة إلى قبولها وتصديقها والجزم بمقتضاها ، وإثبات الصفات بها من المخبر لهم بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن له أدنى إلمام بالسنة والتفات إليها يعلم ذلك ولولا وضوح الأمر في ذلك لذكرنا أكثر من مائة موضع . فهذا الذي اعتمده نفاة العلم عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقوا به إجماع الصخابة المعلوم بالضرورة وإجماع التابعين وإجماع أئمة الإسلام ، ووافقوا به المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة ، وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء ، وإلا فلا يعرف لهم سلف من الأئمة بذلك ، بل صرح الأئمة بخلاف قولهم ا.هـ ومن هدي الصحابة العملي في ذلك ما ذكره ابن القيم إذ قال : إن المسلمين لما أخبرهم الواحد وهم بقباء في صلاة الصبح أن القبلة قد حولت إلى الكعبة قبلوا خبره وتركوا الحجة التي كانوا عليها واستداروا إلى القبلة ، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى اله عيه وسلم ، بل شكروا على ذلك وكانوا على أمر مقطوع به من القبلة الأولى ، فلولا حصول العلم لهم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به المعلوم لخبر لا يفيد العلم ، وغاية ما يقال فيه أنه خبر اقترنته قرينة ، وكثير منهم يقول: لا يفيد العلم بقرينة ولا غيرها ، وهذا في غاية المكابرة ومعلوم أن قرينة تلقي الأمة له بالقبول وروايته قرناً بعد قرن من غير نكير من أقوى القرائن وأظهرها ، فأي قرينة فرضتها كانت تلك أقوى منها ا.هـ(1/50)
الثانية/ أن كل مسألة فقهية طلبية تتضمن حكماً خبرياً وهو اعتقادي ، قال ابن القيم في مختصر الصواعق ص 489: فما الفرق بين باب الطلب وباب الخبر بحيث يحتج بها في أحدهما دون الآخر ، وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة ، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات كما تحتج بها في الطلبيات العمليات ، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه ديناً ، بشرعه ودينه راجع إلى أ.سمائه وصفاته ، ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام ، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الإخبار عن الله وأسمائه وصفاته . فأين سلف المفرقين بين البابين ، نعم سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه ، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة ، ويحيلون على آراء المتكلمين ، وقواعد المتكلفين ا.هـ(1/51)
الثالثة/ أن الله تعالى قال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) وفي القراءة الأخرى ( فتثبتوا ) وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد أنه لا يحتاج إلى التثبت ، ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت حتى يحصل العلم ومما يدل عليه أيضاً أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وفعل كذا ، وأمر بكذا ونهى عن كذا . وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة . وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع وكثير من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما سمعه من صحابي غيره ، وهذه شهادة من القائل وجزم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نسبه إليه من قول أو فعل ، فلو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان شاهداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم .
الرابعة/ إن أهل العلم بالحديث لم يزالوا يقولون صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك جزم منهم بأنه قاله ، ولم يكن مرادهم ما قاله بعض المتأخرين إن المراد بالصحة صحة السند لا صحة المتن ، بل هذا مراد من زعم أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم ، وإنما كان مرادهم صحة الإضافة إليه ، وأنه قال كما كانوا يجزمون بقولهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر ونهى وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحيث كان يقع لهم الوهم في ذلك يقولون يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويروى عنه ونحو ذلك ، ومن له خبرة بالحديث يفرق بين قول أحدهم هذا الحديث صحيح ، وبين قوله إسناده صحيح ، فالأول جزم بصحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والثاني شهادة بصحة سنده ، وقد يكون فيه علة أو شذوذ فيكون سنده صحيحاً ، ولا يحكمون أنه صحيح في نفسه .(1/52)
الخامسة/ قوله تعالى ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) والطائفة تقع على الواحد فما فوقه ، فأخبر أن الطائفة تنذر قومهم إذا رجعوا إليهم والإنذار والإعلام بما يفيد العلم ، وقوله: لعلهم يحذرون ، نظير قولهم في آياته المتلوة والمشهودة ( لعلهم يتفكرون . لعلهم يتقون . لعلهم يهتدون ) وهو سبحانه إنما يذكر ذلك فيما يحصل العلم لا فيما يفيد العلم .
السادسة/ قوله ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) أي لا تتبعه ولا تعمل به ، ولم يزل المسلمون من عهد الصحابة يقفون أخبار الآحاد ويعملون بها ويثبتون لله تعالى بها الصفات ، فلو كانت لا تفيد علماً لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم .
السابعة/ قوله تعالى ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فأمر من لم يعلم أن يسأل أهل الذكر وهم أولو الكتاب والعلم ، ولولا أن أخبارهم تفيد العلم لم يأمر بسؤال من لا يفيد خبره علماً ، وهو سبحانه لم يقل سلوا عدد التواتر ، بل أمر بسؤال أهل الذكر مطلقاً ، فلو كان واحداً لكان سؤاله وجوابه كافياً .(1/53)
الثامنة/ قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) وقال ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( بلغوا عني )) وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة (( أنتم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت . ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ ويحصل به العلم ، فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد ، فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه فتقوم الحجة على من بلغه ، وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته ، ولو لم يفد العلم لم تقم علينا بذلك حجة ، ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر ، وهذا من أبطل الباطل .
فيلزم من قال إن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم أحد أمرين: إما أن يقول: إن الرسول لم يبلغ غير القرآن وما رواه عنه عدد التواتر ، وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ ، وإما أن يقول: إن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب علماً ولا يقتضي عملاً ، وإذا بطل هذان الأمران بطل القول بأن أخباره صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات العدول الحفاظ وتلقتها الأمة بالقبول لا تفيد علماً ، وهذا ظاهر لا خفاء به .(1/54)
التاسعة/ قوله تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) وقوله ( وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) وجه الاستدلال أنه تعالى أخبر أنه جعل هذه الأمة عدولاً خياراً ليشهدوا على الناس بأن رسلهم قد بلغوهم عن الله رسالته وأدوا عليهم ذلك ، وهذا يتناول شهادتهم على الأمم الماضية وشهادتهم على أهل عصرهم ومن بعدهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بكذا ونهاهم عن كذا ، فهم حجة الله على من خالف رسول الله ، وزعم أنه لم يأتهم من الله ما تقوم به عليه الحجة ، وتشهد هذه الأمة الوسط عليه بأن حجة الله بالرسل قامت عليه ، ويشهد كل واحد بانفراده بما وصل إليه من العلم الذي كان به أهل الشهادة ، فلو كانت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم لم يشهد به الشاهد ولم تقم به الحجة على المشهود عليه .
العاشرة/ قوله تعالى ( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) وهذه الأخبار التي رواها الثقات الحفاظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تكون حقاً أو باطلاً أو مشكوكاً فيها ، لا يدري هل هي حق أو باطل . فإن كانت باطلاً أو مشكوكاً فيها وجب اطراحها وأن لا يلتفت إليها ، وهذا انسلاخ من الإسلام بالكلية . وإن كانت حقاً فيجب الشهادة بها على البت أنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الشاهد بذلك شاهداً بالحق وهو يعلم صحة المشهود به .(1/55)
الحادية عشرة/ قول النبي صلى الله عليه وسلم على مثلها (( فاشهدوا )) أشار إلى الشمس ولم يزل الصحابة والتابعون وأئمة الحديث يشهدون عليه صلى الله عليه وسلم على القطع أنه قال كذا ، وأمر به ونهى عنه وفعله لما بلغهم إياه الواحد والاثنان والثلاثة فيقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، وحرم كذا وأباح كذا ، وهذه شهادة جازمة يعلمون أن المشهود به كالشمس في الوضوح ، ولا ريب أن كل من له التفات إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتناء بها يشهد شهادة جازمة أن المؤمنين يرون بهم ربهم عياناً يوم القيامة ، وأن قوماً من أهل التوحيد يدخلون النار ثم يخرجون منها بالشفاعة وأن الصراط حق ، وتكليم الله لعباده يوم القيامة كذلك ، وأن الولاء لمن أعتق ، إلى أضعاف أضعاف ذلك ، بل يشهد بكل خبر صحيح متلقى بالقبول لم ينكره أهل الحديث شهادة لا يشك فيها .
الثانية عشرة/ إن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم العلم يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم أنهم قالوا ، ولو قيل لهم إنها لم تصح عنهم لأنكروا ذلك غاية الإنكار ، وتعجبوا من جهل قائله ، ومعلوم أن تلك المذاهب لم يروها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم ، لم يروها عنهم عدد التواتر . وهذا معلوم يقيناً . فكيف حصل لهم العلم الضروري والمقارب للضروري بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا وذهبوا إلى كذا ، ويحصل لهم العلم بما أخبر به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وسائر الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا بما رواه عنهم التابعون وشاع في الأمة وذاع ، وتعددت طرقه وتنوعت ، وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم ؟ إن هذا لهو العجب العجاب .(1/56)
وهذا وإن لم يكن نفسه دليلاً يلزمهم أحد أمرين: إما أن يقولوا أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتاواه وأقضيته تفيد العلم ، وإما أن يقولوا إنهم لا علم لهم بصحة شيء مما نقل عن أئمتهم ، وأن النقول عنهم لا تفيد علماً ، وأما أن يكون ذلك مفيداً للعلم بصحته عن أئمتهم دون المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من أبين الباطل .
الثالثة عشرة/ قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ووجه الاستدلال أن هذا أمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة . ودعوته نوعان: مواجهة ونوع بواسطة المبلغ وهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين ، وقد علم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها ، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً ، أو يحييه بما لا يفيد علماً أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل عاقبه ، وحال بينه وبين قلبه .
الرابعة عشرة/ قوله تعالى ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وهذا يعم كل مخالف بلغه أمره صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، ولو كان ما بلغه لم يفده علماً لما كان متعرضاً بمخالفة ما لا يفيد علماً للفتنة والعذاب الأليم ، فإن هذا إنما يكون بعد قيام الحجة القاطعة التي لا يبقى معها لمخالف أمره عذر .(1/57)
الخامسة عشرة/ قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) إلى قوله ( وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ووجه الاستدلال أنه أمر أن يرد ما تنازع فيه إلى الله ورسوله ، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى رسوله هو الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته . فلولا أن المردود إليه يفيد العلم وفصل النزاع لم يكن في الرد إليه فائدة ، إذ كيف يرد حكم المتنازع فيه إلى ما لا يفيد علماً البتة ولا يدرى حق هو أم باطل؟ وهذا برهان قاطع بحمد الله ، فلهذا قال من زعم أن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد علماً ؛ إنا نرد ما تنازعنا فيه إلى العقول والآراء والأقيسة فإنها تفيد العلم .
السادسة عشرة/ قوله تعالى (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) إلى قوله ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ووجه الاستدلال أن كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما أنزل الله ، وهو ذكر من الله أنزله على رسوله ، وقد تكفل سبحانه بحفظه ، فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة ، ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه ، وهذا من أعظم الباطل ، ونحن لا ندعي عصمة الرواة ، بل نقول: إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلا بد أن يقوم دليل على ذلك ، ولابد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته ، ولا تلتبس بما ليس منها ، فإنه من حكم الجاهلية بخلاف من زعم أنه يجوز أن تكون كل هذه الأخبار والأحكام المنقولة إلينا آحاداً كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغايتها أن تكون كما قاله من لا علم عنده إن نظن إلا ظنا ، وما نحن بستيقنين .(1/58)
السابعة عشرة/ ما احتج به الشافعي نفسه فقال: أخبرنا سفيان عن عبدالملك بن عمير عن أبيه عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها ، فرب حامل فقه إلى غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ، والنصيحة للمسلمين ، ولزوم جماعتهم . فإن دعوتهم تحيط من ورائهم )) . قال الشافعي: فلما ندب رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها أمر أن يؤديها ولو واحد ، دل على أنه لا يأمر من يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه ؛ لأنه إنما يؤدي عنه حلال يؤتى ، وحرام يجتنب وحد يقام ومال يؤخذ ويعطى ، ونصيحة في دين ودنيا ، ودل على أنه قد يحمل الفقه غير الفقيه يكون له حافظاً ولا يكون فيه فقيهاً ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين لازم . انتهى . والمقصود أن خبر الواحد العدل لو لم يفد علماً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقبل من أدى إليه إلا من عدد التواتر الذي لا يحصل العلم إلا بخبرهم ، ولم يدع للحامل المؤدي وإن كان واحداً ؛ لأن ما حمله لا يفيد العلم ، فلم يفعل ما يستحق الدعاء وحده إلا بانضمامه إلى أهل التواتر ، وهذا خلاف ما اقتضاه الحديث . ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ندب إلى ذلك وحث عليه وأمر به لتقوم الحجة على من أدى إليه ، فلو لم يفد العلم لم يكن فيه حجة.(1/59)
الثامنة عشرة/ حديث أبي رافع الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا ألفين أحداً منكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري يقول: لا ندري ما هذا ، بيننا وبينكم القرآن ، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه )) ووجه الاستدلال أن هذا نهي عام لكل من بلغه حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخالفه أو يقول لا أقبل إلا القرآن ، بل هو أمر لازم ، وفرض حتم بقبول أخباره وسننه ، وإعلام منه صلى الله عليه وسلم أنه من الله أوحاها إليه ، فلو لم تفد علماً لقال: من بلغته إنها أخبار آحاد لا تفيد علماً فلا يلزمني قبول ما لا علم لي بصحته ، والله تعالى لم يكلفني العلم بما لم أعلم صحته ولا اعتقاده ، بل هذا بعينه هو الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ونهاهم عنه ، ولما علم أن في هذه الأمة من يقول حذرهم منه ، فإن القائل إن أخباره لا تفيد العلم هكذا يقول سواه لا ندري ما هذه الأحاديث ، وكان سلف هؤلاء يقولون بيننا وبينكم القرآن وخلفهم يقولون: بيننا وبينكم أدلة العقول ، وقد صرحوا بذلك وقالوا: نقدم العقول على هذه الأحاديث ، آحادها ومتواترها ، ونقدم الأقيسة عليها .(1/60)
التاسعة عشرة/ ما رواه مالك عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شراباً من فضيخ ، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت ، فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها ، فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفلها حتى كسرتها . ووجه الاستدلال أن أبا طلحة أقدم على قبول خبر التحريم حيث ثبت به التحريم لما كان حلالاً ، وهو يمكنه أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاها ، وأكد ذلك القبول بإتلاف الإناء وما فيه ، وهو مال ، وما كان ليقدم على إتلاف المال بخبر من لا يفيده خبره العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فقام خبر ذلك الآتي عنده وعند من معه مقام السماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لم يشكوا ولم يرتابوا في صدقه ، والمتكلفون يقولون إن مثل ذلك الخبر لا يفيد العلم لا بقرينة ولا بغير قرينة .(1/61)
العشرون/ إن خبر الواحد لو لم يفد العلم لم يثبت به الصحابة التحليل والتحريم والإباحة والفروض ، ويجعل ذلك ديناً يدان به في الأرض إلى آخر الدهر . فهذا الصديق رضي الله عنه زاد في الفروض التي في القرآن فرض الجدة وجعله شريعة مستمرة إلى يوم القيامة بخبر محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة فقط ، وجعل حكم ذلك الخبر في إثبات هذا الفرض حكم نص القرآن في إثبات فرض الأم ، ثم اتفق الصحابة والمسلمون بعدهم على إثباته بخبر الواحد . وأثبت عمر بن الخطاب بخبر حمل ابن مالك دية الجنين وجعلها فرضاً لازماً للأمة ، وأثبت ميراث المرأة من دية زوجها بخبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده ، وصار ذلك شرعاً مستمراً إلى يوم القيامة . وأثبت شريعة عامة في حق المجوس بخبر عبدالرحمن بن عوف وحده . وأثبت عثمان بن عفان شريعة عامة في سكنى المتوفى عنها بخبر قريعة بنت مالك وحدها ، وهذا أكثر من أن يذكر ، بل هو إجماع معلوم منهم ، ولا يقال على هذا إنما يدل على العمل بخبر الواحد في الظنيات ، ونحن لا ننكر ذلك لأنا قد قدمنا أنهم أجمعوا على قبوله والعمل بموجبه ، ولو جاز أن يكون كذباً أو غلطاً في نفس الأمر لكانت الأمة مجمعة على قبول الخطأ والعمل به ، وهذا قدح في الدين والأمة .
الحادية والعشرون/ إن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يقبلون خبر الواحد ويقطعون بمضمونه ، فقبله موسى من الذي جاء من أقصى المدينة قائلاًَ له: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ، فجزم بخبره وخرج هارباً من المدينة ، وقبل خبر بنت صاحب مدين لما قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، وقبل خبر أبيها في قوله: هذه ابنتي وتزوجتها بخبره .(1/62)
وقبل يوسف الصديق خبر الرسول الذي جاءه من عند الملك وقال: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة . وقبل النبي صلى الله عليه وسلم خبر الآحاد الذين كانوا يخبرونه بنقض عهد المعاهدين له وغزاهم بخبرهم ، واستباح دماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم . ورسل الله صلواته وسلامه عليهم لم يرتبوا على تلك الأخبار أحكامها ، وهم يجوزون أن تكون كذباً وغلطاً ، وكذلك الأمة لم تثبت الشرائع العامة الكلية بأخبار الآحاد ، وهم يجوزون أن يكون كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الأمر ، ولم يخبروا عن الرب تبارك وتعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله بما لا علم لهم به ، بل يجوز أن يكون كذباً وخطأ في نفس الأمر ، هذا مما يقطع ببطلانه كل عالم مستبصر .
الثانية والعشرون/ إن خبر العدل الواحد المتلقى بالقبول لو لم يفد العلم لم تجز الشهادة على الله ورسوله بمضمونه ، ومن المعلوم المتيقن أن الأمة من عهد الصحابة إلى الآن لم تزل تشهد على الله وعلى رسوله بمضمون هذه الأخبار جازمين بالشهادة في تصانيفهم وخطابهم ، فيقولون شرع الله كذا وكذا على لسان رسوله صلى الله ، فلو لم يكونوا عالمين بصدق تلك الأخبار جازمين بها لكانوا قد شهدوا بغير علم وكانت شهادة زور ، وقولاً على الله ورسوله بغير علم ، ولعمر الله هذا حقيقة قولهم ، وهم أولى بشهادة الزور من سادات الأمة وعلمائها .
المصدر الثاني / تقديم العقل على النقل ، وجعل العقل هو الأصل والنقل هو التبع ، هذا فيما يعتبرونه من النقل وهو القرآن والأحاديث المتواترة دون أحاديث الآحاد كما تقدم .
ذكر هذا الأصل الرازي في مواطن من كتبه مثل : أساس التقديس، والمطالب العالية، ولباب الأربعين، ونهاية العقول، لكن ليعلم أنه لم ينفرد به فهو موجود عند أسلافه من المعتزلة والأشاعرة كالجويني في الارشاد ص359 لكن غاية ما من فعله أنه ينظر ويقعد. وإليك نص هذا القانون الكلي : قال في أساس التقديس ص172-173 :
[(1/63)
اعلم أن الدلائل القطعية إذا قامت على ثبوت شيء، ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين وهو محال. وإما أن تكذب الظواهر النقلية، وتصدق الظواهر العقلية. وإما أن تصدق الظواهر النقلية وتكذب الظواهر النقلية وذلك باطل، لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته وكيفية دلالة المعجزة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهور المعجزات على يد محمد صلى الله عليه وسلم. ولو صار القدح في الدلائل العقلية القطعية صار العقل متهماً غير مقبول القول، ولو كان كذلك لخرج عن أن يكون مقبول القول في هذه الأصول، وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة. فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً وأنه باطل. ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية : إما أن يقال : إنها غير صحيحة، إلا أن المراد منها غير ظواهرها ؛ ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل، وإن لم يجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى. فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات، وبالله التوفيق ا.هـ.
فهنا أربع احتمالات : إما أن يصدقهما وهذا لا يصح لأنهما متناقضان، أو يكذبهما وهذا لا يصح لأنهما متناقضان، وإما أن يقدم النقل وهذا لا يصح على قوله لأن العقل أصل في معرفة النقل، وإما أن يقدم العقل وهذا هو الصحيح. وقد أطال ابن تيمية الرد على هذا القانون كما في كتاب درء تعارض العقل والنقل، وابن القيم في كتاب الصواعق المرسلة.
وخلاصة الأدلة في نقض هذا القانون الكلي ما يلي : -(1/64)
1- القطعي مقدم على الظني عند التعارض سواء كلن عقلياً أو سمعيا ً، وليس هناك دليل يدل على أن كل عقلي قطعي وكل سمعي ظني بل متى ما كان أحدهما قطعياً قدم على الآخر فمن ثم يتبين أن القسمة الرباعية على وجه الحصر خطأ، بل يزاد أمر خامس وهو أنه تارة يقدم العقلي إذا كان قطعياً وتارة النقلي إذا كان قطعياً.
2- قولهم : قدم العقل لأنه أصل النقل غير صحيح، إذ يقال : هل يريدون بذلك أن العقل أصل في ثبوت النقل في نفس الأمر، أو أصل في علمنا بالصحة ؟ أما الأول قطعاً أنه خطأ غير مراد إذ عدم العلم بالشيء لا يدل على العدم. أما إن أرادوا أنه أصل في علمنا بالصحة، فيقال لهم ماذا تريدون بالعقل أتعنون به القدرة الغريزية التي فينا أم العلوم المستفادة بهذه القوة الغريزية ولا شك أن القوة الغريزية غير مرادة لأنها ليست علماً يتصور، فلم يبق إلا العلوم المستفادة ومن المعلوم أن هذه العلوم المستفادة منه ما ليس له صلة بالسمعيات كالحساب ومنه ما له صلة وهو صدق الرسول و ثبوت نبوته فمن ثم يعلم أن قول العقل أصل النقل خطأ.
3- من أقر بالنبوة لن يجعلها معارضة بل سيقدمها، وإلا فهو مكذب للنبوة لأنه سيقدم العقل على خبر النبي وهذا تكذيب للنبي الذي هو تكذيب به.
4- بين - رحمه الله - أنهم سموا الأدلة بغير اسمها فقالوا : عقلي وسمعي والصواب أن يقولوا : شرعي وغير شرعي لأن الأدلة الشرعية منها ما هو سمعي، ومنها ما هو عقلي، ومنها ما هو عقلي وسمعي في آن واحد، فكأن هؤلاء يقولون نقدم الدليل البدعي على الدليل الشرعي، وهذا كفر، لأن واقعه معارضة خبر الرسول بخبر غير الرسول صلى الله عليه وسلم.(1/65)
5- أن العقول تتفاوت في إدراكها ومعرفتها بل عقل الرجل الواحد يتفاوت فكيف بعقول الناس. وصدق الله القائل : (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً). وقال مطرف بن الشخير : لو كانت هذه الأهواء هوى واحداً، لقال قائل : الحق فيه. فلما تشعبت فاختلفت عرف كل ذي عقل أن الحق لا يتفرق.
6- لا نسلِّم أصلاً بوجود التعارض، لأن الشرع يأمر بالحق، والعقل الصحيح يدل على الحق وما يدلان على الحق لا يتعارض إلا إذا كان في أحدهما خطأ، لذا قال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )
المصدر الثالث /أنه لا بد من تأويل نصوص الأسماء والصفات لأن ظاهرها التشبيه وهو كفر .
قال السنوسي في كتابه ( شرح عقيدة أهل التوحيد الكبرى ص 502) وأما من زعم أن الطريق بدأ إلى معرفة الحق الكتاب والسنة ويحرم ما سواهما ، فالرد عليه أن حجيتهما لا تعرف إلا بالنظر العقلي ، وأيضاً فقد وقعت فيهما ظواهر من اعتقدها على ظاهرها كفر عند جماعة وابتدع ا.هـ
وقال أيضاً : أصول الكفر ستة .. - ثم عد خمسة وقال - سادساً : التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية ، للجهل بأدلة العقول ، وعدم الارتباط بأساليب العرب . والتمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير بصيرة في العقل هو أصل ضلالة الحشوية فقالوا بالتشبيه والتجسيم والجهة عملاً بظاهر قوله تعالى ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) ( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ونحوها ا.هـ
قال في متن الجوهرة الأشعري :
وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها(1/66)
وقال الباجوري في شرحه للجوهرة ص 149: والمراد من التشبيه - في هذا الموطن - المشابهة للحوادث ، ومحل الشبهة أن ظاهر النصوص يوهم أن لله تعالى مكاناً أو جارحة ا.هـ(1)
وقد مشى على هذا الأصل عملياً ابن فورك في كتابه مشكل الحديث فقال في عدة مواضع : ذكر خبر مما يقتضي التأويل ويوهم ظاهره التشبيه .
وهذا الأصل فاسد وقد رده أئمة الإسلام منهم الإمام ابن تيمية إذ قال في مجموع الفتاوى (3/43): فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين أو ما هو من خصائصهم فلا ريب أن هذا غير مراد ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهرها ولا يرتضون أن يكون ظاهرالقرآن والحديث كفرا وباطلا والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من ان يكون كلامه الذى وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر أو ضلال والذين يجعلون ظاهرها ذلك يغلطون من وجهين:
تارة يجعلون المعنى الفاسد ظاهر اللفظ حتى يجعلوه محتاجا إلى تأويل يخالف الظاهر ولا يكون كذلك وتارة يردون المعنى الحق الذى هو ظاهر اللفظ لاعتقادهم أنه باطل ا.هـ
__________
(1) وانظر عون المريد (1/442) .(1/67)
وقال الأمين الشنقيطي في تفسيره الأضواء (2/285): اعلم أولاً أنه غلط في خلق لا يحصى كثرة من المتأخرين فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد مثلا في الآيات القرآنية هو مشابهة صفات الحوادث وقالوا يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعاً لأن اعتقاد ظاهره كفر لأن من شبه الخالق بالمخلوق فهو كافر ولا يخفى على أدنى عاقل أن حقيقة معنى هذا القول أن الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله والقول فيه بما لا يليق به جل وعلا ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قيل له ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) لم يبين حرفاً واحداً من ذلك مع إجماع من يعتد به من العلماء على أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه وأحرى في العقائد ولا سيما ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين حتى جاء هؤلاء الجهلة من المتأخرين فزعموا أن الله أطلق على نفسه الوصف بما ظاهره المتبادر منه لا يليق والنبي - صلى الله عليه وسلم - كتم أن ذلك الظاهر المتبادر كفر وضلال يجب صرف اللفظ عنه وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنة سُبْحَانَكَ هَاذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ
ولا يخفى أن هذا القول من أكبر الضلال ومن أعظم الافتراء على الله جل وعلا ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والحق الذي لا يشك فيه أدنى عاقل أن كل وصف وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - .(1/68)
فظاهره المتبادر منه السابق إلى فهم من في قلبه شيء من الإيمان هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث ، فبمجرد إضافة الصفة إليه جل وعلا يتبادر إلى الفهم أنه لا مناسبة بين تلك الصفة الموصوف بها الخالق وبين شيء من صفات المخلوقين وهل ينكر عاقل أن السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته وجميع صفاته لا والله لا ينكر ذلك إلا مكابر ا.هـ
وقد رد هذا الأصل البدعي ونقضه شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- في كتابه القواعد المثلى ص40 من خمسة أوجه ضمنها تدليلات شرعية وعقلية ولوازم لا محيص ولا محيد عنها .
الفصل الثامن
الفرق بين الأشاعرة المتأخرين وأبي الحسن الأشعري
ينتسب الأشاعرة في الاعتقاد إلى أبي الحسن الأشعري ، وواقع الحال يكذب هذه النسبة ويبين الفرق بين أبي الحسن الأشعري والأشاعرة ، وقبل أن أشرع في ذكر بعض الفروق العقدية بين أبي الحسن الأشعري والأشاعرة إليك شيئاً من كلام أبي الحسن الأشعري به يتبين حقيقة اعتقاده :
قال - رحمه الله - في كتابه مقالات الإسلاميين (1/345) مبيناً عقيدة أهل السنة والجماعة أهل الحديث بياناً مجملاً مع التصريح بأنه يعتقده ويدين الله به : هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة :
جملة ما عليه أهل الحديث والسنة : الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يردون من ذلك شيئا وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد لا اله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور .(1/69)
وان الله سبحانه على عرشه كما قال ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وأن له يدين بلا كيف كما قال ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) وكما قال ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) وأن له عينين بلا كيف كما قال ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) وأن له وجها كما قال ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) - ثم قال - ويقرون بأن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص - ثم قال -
ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر؟ كما جاء في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله عز وجل ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين وأن لا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله - ثم قال - وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول واليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل واليه المصير ا.هـ
وقال في رسالته لأهل الثغر ص210: وأجمعوا على إثبات حياة الله عز وجل لم يزل بها حيا وعلما لم يزل به عالما وقدرة لم يزل بها قادرا وكلاما لم يزل به متكلما وإرادة لم يزل بها مريدا وسمعا وبصرا لم يزل به سميعا بصيرا وقال : وأجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى وأن له تعالى يدين مبسوطتين وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوارحا وأن يديه تعالى غير نعمته
وقد دل على ذلك تشريفه لآدم عليه السلام حيث خلقه بيده وتقريعه لإبليس على الاستكبار عن السجود مع ما شرفه به بقوله ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )
وقال : وأجمعوا على أنه عز وجل يجيء يوم القيامة والملك صفا صفا لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها فيغفر لمن يشاء من المذنبين ويعذب منهم من يشاء(1/70)
وقال: وأنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه وقد دل على ذلك بقوله ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) وقال ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )وقال ( الرحمن على العرش استوى ) وليس استواؤه على العرش استيلاء كما قال أهل القدر لأنه عز وجل لم يزل مستوليا على كل شيء ا.هـ
وقال في الإبانة ص20 : قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل وبسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وما روى عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولما خالف قوله مخالفون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيع الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفهم- ثم قال- وأن له سبحانه وجها بلا كيف كما قال ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )
وأن له سبحانه يدين بلا كيف كما قال سبحانه ( خلقت بيدي )
وكما قال ( بل يداه مبسوطتان )
وأن له سبحانه عينين بلا كيف كما قال سبحانه ( تجري بأعيننا ) ا.هـ
مما تقدم يتضح الفرق الكبير بين معتقد أبي الحسن الأشعري ومعتقد الأشاعرة الذي سبق ذكر شيء منه ، ومزيداً على ما تقدم فإن الأشاعرة لا يثبتون اليدين لله بل يؤولون اليد بالنعمة . قال ابن فورك في مشكل الحديث وبيانه ص 188: واعلم أنه ليس ينكر استعمال لفظ اليد على معنى النعمة ، وكذلك استعماله على معنى الملك والقدرة ا.هـ
وهذا التأويل قد أنكره أبو الحسن الأشعري بعينه كما تقدم .(1/71)
ولا يثبت الأشاعرة المجيء لله حقيقة بل يؤولونه كما قال الرازي في أساس التقديس ص 103: المراد هل ينظرون إلا أن تأتيهم آيات الله ، فجعل مجيء آيات الله مجيئاً له على التفخيم لشأن الآيات ، كما يقال: جاء الملك إذا جاء جيش عظيم من جهته . أو يكون المراد : هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمر الله ... أما قوله ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) إما وجاء أمر ربك ، أو جاء قهر ربك . كما يقال : جاءنا الملك القاهر إذا جاء عسكره ، أو جاء ظهور معرفة الله تعالى بالضرورة في ذلك اليوم ، فصار ذلك جارياً مجرى مجيئه وظهوره ا.هـ
ولا يثبت الأشاعرة الاستواء بل يؤولونه بالاستيلاء ، قال الرازي كما في أساس التقديس ص 156 والآمدي كما في غاية المرام ص141: إن معنى الاستواء : الاستيلاء والقهر ونفاذ القدر وجريان الأحكام الإلهية ا.هـ وهذا التأويل قد أنكره أيضاً أبو الحسن الأشعري بعينه كما تقدم .
ولا يثبت الأشاعرة الوجه لله بل يتأولونه بالذات ، قال البغدادي في أصول الدين ص 110: والصحيح عندنا أن وجهه ذاته ا.هـ
وتأول الأشاعرة العينين فقال الجويني في الإرشاد ص155: المراد منها البصر . وقال البغدادي في أصول الدين ص109: المراد منها الرؤية والعلم . وقال الرازي في أساس التقديس ص121: المراد منها العناية والحراسة ا.هـ(1)
__________
(1) انظر كتاب ( شعبة العقيدة بين أبي الحسن الأشعري والمنتسبين إليه في العقيدة ) فقد استفدت منه في هذا الفصل .(1/72)
مما تقدم يتبين لك براءة أبي الحسن الأشعري من كثير من التأويلات التي أصبحت من مسلمات الاعتقاد عند الأشاعرة ، و سلفهم فيها المعتزلة الذين يعلن الأشاعرة في كتبهم تبديعهم وعداءهم ، قال الإمام ابن تيمية في الفتاوى (12/203): فمن قال أن الأشعري كان ينفيها وأن له في تأويلها قولين فقد افترى عليه ، ولكن هذا فعل طائفة من متأخري أصحابه كأبي المعالي ونحوه ، فان هؤلاء أدخلوا في مذهبه أشياء من أصول المعتزلة ا.هـ
وقال في مجموع الفتاوى (5/23): وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب التأويلات وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه ( تأسيس التقديس ) ويوجد كثير منها في كلام خلق كثير غير هؤلاء مثل أبى على الجبائي وعبدالجبار بن أحمد الهمدانى وأبى الحسين البصري وأبى الوفاء بن عقيل وأبى حامد الغزالى وغيرهم هي بعينها تأويلات بشر المريسي التي ذكرها في كتابه وإن كان قد يوجد في كلام بعض هؤلاء رد التأويل وإبطاله أيضا ولهم كلام حسن في أشياء .(1/73)
فإنما بينت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات بشر المريسي ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة المشاهير في زمان البخاري صنف كتابا سماه ( رد عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افترى على الله في التوحيد ) حكى فيه هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتضى أن المريسى أقعد بها وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرين الذين اتصلت إليهم من جهته وجهة غيره ثم رد ذلك عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكى علم حقيقة ما كان عليه السلف وتبين له ظهور الحجة لطريقهم وضعف حجة من خالفهم ،ثم إذا رأى الأئمة أئمة الهدى قد أجمعوا على ذم المريسية وأكثرهم كفروهم أو ضللوهم وعلم أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرين هو مذهب المريسي تبين الهدى لمن يريد الله هدايته ولا حول ولا قوة إلا بالله ا.هـ
فهلا اعتبر بهذا أشاعرة اليوم وتركوا هذه التأويلات الاعتزالية ، ورجعوا إلى ما عليه السلف الصالح متبعين في ذلك أبا الحسن الأشعري الذي أعلن رجوعه إلى مذهب السلف كما تقدم نقله معرضين عن كل من خالف منهج السلف سواء كان أبا الحسن الأشعري أو غيره في تفصيل ما عليه السلف .
وختاماً .. عجباً من تعاطف هؤلاء المصدرين لهذه الفتوى الجماعية مع الأشاعرة علماً أنهم يكفرون أهل السنة بتهمة أنهم مجسمة ومشبهة -كما تقدم- وعلى إثر هذا عادوا أئمة السنة وعلماءهم من ذلك ما ذكر ابن الأثير في الكامل (8/428) فقال : ذكر الفتنة ببغداد بين الشافعية والحنابلة - ثم قال-(1/74)
ورد إلى بغداد هذه السنة الشريف أبو القاسم البكري المغربي الواعظ وكان أشعري المذهب وكان قد قصد نظام الملك فأحبه ومال إليه وسيره إلى بغداد وأجرى عليه الجراية الوافرة فوعظ بالمدرسة النظامية وكان يذكر الحنابلة ويعيبهم ويقول ( وما كفر سليما ولكن الشياطين كفروا ) والله ما كفر أحمد ولكن أصحابه كفروا ثم إنه قصد يوما دار قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني بنهر القلائين فجرى بين بعض أصحابه وبين الحنابلة مشاجرة أدت إلى الفتنة وكثر جمعه فكبس دور بني الفراء وأخذ كتبهم وأخذ منها كتاب الصفات لأبي يعلى فكان يقرأ بين يديه وهو جالس على الكرسي للوعظ فيشنع به عليهم وجرى له معهم خصومات وفتن ولقب البكري من الديوان بعلم السنة ومات ببغداد ودفن عند قبر أبي الحسن الأشعري ا.هـ(1)
كما كفروا الإمام ابن تيمية ، وتسببوا في سجنه مراراً - رحمه الله - .
أسأل الله أن يرفع راية التوحيد والسنة ، ويقمع راية الشرك والبدعة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالعزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
http://www.islamancient.net/
1427 هـ
الفهارس
- إجابة العلامة العباد
- تقديم العلامة النجمي
- تقديم العلامة الجابري
- المقدمة
- نص الفتوى البدعية الجماعية
- العلماء الذين بدعوا الأشاعرة
- معنى كون الأشاعرة أقرب إلى أهل السنة
- معنى أن الأشاعرة من أهل السنة
- معنى أنهم أهل السنة في أرض الاعتزال
- مختصر معتقد الأشاعرة
- عداء أهل البدع
- بعض الخلل في الفتوى البدعية الجماعية
- تناقض الغنيمان في حال الأشاعرة
- الرد على من أنكر أحاديث الافتراق رواية ودراية
- الرد على سلمان العودة
- مصادر التلقي عند الأشاعرة
- الفرق بين الأشاعرة وأبي الحسن الأشعري
__________
(1) وانظر تاريخ المقريزي (3/358)(1/75)