بلوغ غاية الأماني في الرد على مفتاح التيجاني
تأليف الشيخ :
أحمد ولد الكوري العلوي الشنقيطي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فإنني ماسمعت بمفتاح التجاني حتى اتصل بي ذات مساء اليدالي ولد ابيه وقال عندي في هذا المساء نقاش حول مسألة التوسل مع شخص يدعى مفتاح ولزمني ملازمة الغريم حتى أجبته إلى ما خطب، فوعدته ماطلب، ثم سألت الناس عن هذا المفتاح فقالوا:هذا تجاني يؤمن بوحدة الوجود، وغاية أمنيته وحدة الشهود، ويفضل صلاة الفاتح على القرآن، ويعتقد تنعم الكفار في النيران، ويصفه - صلى الله عليه وسلم - بالكتمان، ويدعي رؤيته - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة والعيان، وأن أشياخه يعلمون خطرات الجنان؛ وهلم جرا …(1/1)
فقلت هذا لا يمنع من مناظرته، والالتقاء به ومحاورته، فربما أبصر عميّت، وآمن عفريت، ومضيت بمفردي إليه، فوجدته في بيت مع رفقة قد اجتمعت عليه، وقد شرع في فتواه، وأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وقد أبدى شقاشقه وغطى مخارقه، ورفع عقيرته بالنكير، و { إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } ، فاستصغرني لأن شاربي بعد ما طر، وعارضي ما اخضر، ولكني أمهلته حتى أكمل هذيانه فقذفته بصواعق الوحي المنزل حتى صار باطله كرماد اشتدت به الرياح في يوم عاصف، وما إن شرعت في الكلام حتى عرفني إذ كان يسمع بي، فحشا الله قلبه رعبا حتى عقل الخوف جنانه، وقيد أركانه، كأنه رأى الليث طالعا من غابه، منتفخا في إهابه، مكشرا عن أنيابه، بطرف قد ملئ صلفا، وأنف قد حشي أنفا، وصدر لا يبرحه القلب، ولا يسكنه الرعب، فكان كل همه انتهاز فرصة للهرب، فأظهرالغضب، بل اشتاط، وأول العِي الاحتلاط، وقال لما عجز عن الجواب من عند نفسه بأن عنده كتابا في هذه المسألة، فلما قرئ المزبور إذا به لا يسمن ولا يغني من جوع، فنقضته عروة عروة، ورددت عليه فقرة فقرة، ثم قلت له إنه من الواجب قبل بحث مسألة التوسل أن نعرف الإله الذي نتوسل إليه هل هو الرحمن المستوي على عرشه أم هو الوجود المطلق، والرسول الذي تريد أن تتوسل به هل هو المتبوع وحده أم هنالك من المشاييخ من هم أولى بالاتباع منه، وهذا القرآن الذي نستدل به على مسألة التوسل هل هو كلام الله المنزل أم أنه يوجد ما هو أفضل منه ستة آلاف مرة ونحو ذلك من المسائل التي تترتب عليها مسألة التوسل.
فلما أفحم وانقطع جعل يقول هذه مسائل كبيرة تحتاج إلى وقت آخر فطلبنا منه أن يحدد الزمان والمكان فقال يوم الإثنين في نفس البيت والنية ألا يعود ولسان حاله يقول:
فرجّي الخير وانتظري إيابي
إذا ما القارظ العنزي آبا(1/2)
فلما حل الأجل المضروب، جئت أستنجز الوعد المكذوب، فقال من كان موجودا من الحضور، لن يرجع إليك أبد الدهور، وقد صدق ذلك الظن فلم نره حتى الآن:
وعدت وكان الخلف منك سجية
مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
وبعد ذلك بسنوات حاول المفتاح أن يعيد لنفسه بعض المصداقية فكتب وريقات حول حديث الأعمى في الرد على العلامة محمد الحسن بن الددو فكان:
تخرصا وأحاديثا ملفقة
ليست بنبع إذا عدت ولا غرب
وقد تهجم فيه على العلماء الراسخين والدعاة البارزين لتغطية جهله وتقصيره وكان من حقه أن لا يتكلم عندهم:
إذا صاح باز كاسر ترك السجعا
حمام غصون الأيك إذ يختشي الفجعا
فكتبت له أنصحه فيما بيني وبينه مذكرا له بما قلت له في المناظرة من أن هناك ماهو أولى بالنقاش من مسألة التوسل وقد حرصت في هذه الرسالة أن أنقل له من كتبهم المعتمدة بالجزء والصفحة وبعد أكثر من سنة وقفت على ماكتبه هذا المفتاح يرد به علي فإذا به قد أساء الأدب، وأورد نفسه موارد العطب، وخاض ما لا علم له به ولا دراية، فأخطأ طريق الرشد والهداية، وسلك سبيل الإضلال فاضطر إلى التزوير والتحريف وتردى رداء التناقض والهذيان، فانخرط في سلك المرفوع عنهم الملامة والتكليف وغلب عليه هواه فطعن فيما تواتر من أمور الدين، وكذب بما انعقد عليه الإجماع بين المسلمين.
ولما أمعنت النظر فيما كتب فإذا ردوده مسروقة من كتاب "رشق السهام" دون أبسط إشارة إلى ذلك فما أدري هل السبب هو ما شاع أخيرا من تراجع صاحب هذا الكتاب عن التجانية؟ أم بسبب الصراعات الداخلية بين طوائف التجانية المتناحرة؟ أم أنه مجرد التشبع بما لم يعط لإظهار نفسه بمظهر العالم؟ أم كل ذلك مجتمعا ؟.(1/3)
وقد تتبعت أباطيله في كتابي هذا فرددت عليها فقرة فقرة متبعا في ذلك إيراد فقرة كلها أو بعضها وأحيل على باقيها ثم أرد عليها بالكتاب والسنة وأقوال أهل العلم وقد اعتمدت في هذا البحث على أكثر من مائتي كتاب سائلا المولى عز وجل أن يهدينا إلى مافيه صلاح ديننا ودنيانا وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه العظيم إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الرد على مقدمة مفتاح التجاني
قال مفتاح التجاني:
" وبعد فإنني وقفت على محاضرتين لأحد علمائنا المعاصرين ضعف فيهما حديث الضرير وأعله بأربع علل واهية، فأفردت بحثا بينت فيه صحة الحديث وبعثت به إليه وبعد ذلك بمدة وقفت على منشور غير موقع باسم أحد تنزل صاحبه فيه منزلة ضل بن ضل وهيان بن بيان وسلك فيه مسلك سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان ومشى فيه مشية الخزل والرسفان فسولت له نفسه فيه أن يخرج الأولياء الراسخين في العلم والفهم من دائرة الإيمان وأن يجعلهم كعبدة الطبيعة والأوثان وقد شحنه بالدس والتلفيق وتهرب فيه من مواطن التحقيق فحرم الإصابة والتوفيق وحرف فيما نقل ودلس وتحامل وتقول وقدم وأخر واقتضب وبتر ثم افترض أن في كتب طريقتنا التجانية سبع مسائل ينبغي لنا -في نظره- أن نبدأ ببحثها قبل مسألة التوسل فبحثت عنه حتى عرفته فاقتضى النظر عندي أنه من الواجب علي أن أرد عليه وعلى كل من زين له سوء عمله-وإن كان لا يستحق جوابا- وقد بسطت الكلام في الجواب على تساؤلاته إفادة للعالم المنصف لا الجاهل المتهور المرجف... " اهـ ص1
أقول: في هذه الخطبة التي هي مفتاح كتابه وعنوان خطابه أوهام قبيحة وأغلاط شنيعة لا تصدر عن عاقل يفهم ما يكتب أو متيقظ يعقل ما يقول والرد عليه من ثمانية أوجه:
الوجه الاول:(1/4)
أما تعلقك بحديث الأعمى كدليل على مسألة التوسل بالجاه أو بالذات أو بالحرمة فإليك الرد عليه وعلى كل شبهة يمكن أن يتعلق بها المتوسلون بالجاه بدء بالآيات القرآنية ثم الأحاديث الصحيحة ثم الأحاديث الضعيفة والموضوعة ثم الشبه العقلية.
أولا: النصوص الثابتة
درهم من القرآن الكريم:
- الآية الأولى:
قال الله تعالى { يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وابتغوا إليه والوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون } المائدة الآية 35.
أ- قال ابن جرير الطبري في تفسيرها: " يأيها الذين صدقوا الله ورسوله فيما أخبرهم ووعد من الثواب وأوعد من العقاب { اتقوا الله } يقول أجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم بالطاعة له في ذلك وحققوا إيمانكم وتصديقكم ربكم ونبيكم بالصالح من أعمالكم { وابتغوا إليه الوسيلة } يقول اطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه "(1)اهـ
ب - قال ابن كثير:
" { وابتغوا إليه الوسيلة } قال سفيان الثوري ثنا أبي عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس أي القربة وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد، وقال قتادة أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه وقرأ ابن زيد { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة } وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلا ف بين المفسرين فيه وانشد عليه ابن جرير قول الشاعر:
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل "(2) اهـ
جـ - قال القرطبي:
" { يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة } الوسيلة هي القربة عن أبي وائل والحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسدي وابن زيد وعبد الله بن كثير وهي فعيلة من توسلت إليه أي تقربت قال عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة
أن يأخذوك تكحلي وتخضبي"(3)
د - قال الشوكاني:
__________
(1) تفسير الطبري 4/566
(2) تفسير ابن كثير 2/898
(3) تفسير القرطبي 6/104(1/5)
" { ابتغوا } اطلبوا { إليه } لا إلى غيره { الوسيلة } فعيلة من توسلت إليه إذا تقربت إليه... فالوسيلة القربة التي ينبغي أن تطلب وبه قال أبو وائل والحسن ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد وروي عن ابن عباس وعطاء وعبد الله بن كثير، قال ابن كثير في تفسيره:وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلا ف بين المفسرين فيه... والظاهر أن الوسيلة التي هي القربة تصدق على التقوى وعلى غيرها من خصال الخير التي يتقرب العباد بها إلى ربهم "اهـ(1)
هـ قال آبّ ولد اخطور الشنقيطي:
" وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين وتلاعب بكتاب الله تعالى واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار كما صرح به تعالى في قوله عنهم { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وقوله { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون } فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسول - صلى الله عليه وسلم - ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءً يجز به } "(2) اهـ
فتلخص مما سبق أن احتجاجهم بهذه الآية الكريمة باطل من ثمانية أوجه:
1- إجماع المفسرين على أن الوسيلة هي القربة كما تقدم.
2- اتفاق أئمة اللغة على أن معنى توسل إلى الله أي تقرب إليه بعمل كما في القاموس(3) واللسان(4) وغيرهما من كتب اللغة.
3- قوله تعالى: { ابتغوا إليه الوسيلة } تدل على أن المراد هو الطاعة والقربة لا جعل الأشخاص وسائط.
__________
(1) فتح القدير 2/38 بتصرف
(2) أضواء البيان 2/77
(3) القاموس المحيط 4/64
(4) لسان العرب 11/724(1/6)
4- توسط الوسيلة بين التقوى والجهاد يدل على أن المعني بها هو الاعمال الصالحة التي تقرب إلى الله تعالى كالجهاد وغيره.
5- واعجبا لهم كيف استجازوا ترك بعض الأوامر الواردة في الآية { وجاهدوا في سبيله } مع تشنيعهم على من ترك الأمر الآخر حسب فهمهم له .
6- أن رسول - صلى الله عليه وسلم - المبين عن الله لم يثبت عنه هذا التوسل الذي يريدونه فدل على أنه غير مقصود في الآية الكريمة.
7- لوكان المراد بالوسيلة غير الطاعة لكانت لفظا مجملا والمجمل لا يعمل به حتى يأتي ما يبينه.
8- أن الآية الأخرى والأحاديث الثابتة تبين نوع التوسل المشروع فتفسر هذه الآية، وأول ما يفسر به القرآن هو القرآن والسنة الثابتة.
- الآية الثانية:
قال تعالى { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } (الإسراء 56-57)
أ- قال ابن كثير:" روى البخاري من حديث سليمان بن مهران الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله في قوله: { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة } قال ناس من الجن كانوا يُعبدون فأسلموا، وفي رواية قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم.وقال قتادة عن معبد بن عبد الله الرماني عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود في قوله { أولئك الذين يدعون } الآية، قال: نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم فنزلت هذه الآية " (1) اهـ
ب - قال الشوكاني:" الوسيلة القربة بالطاعة والعبادة أي يتضرعون إلى الله في طلب ما يقربهم إلى ربهم والضمير في ربهم يعود إلى العابدين أو المعبودين { أيهم أقرب } مبتدأ وخبر قال الزجاج: المعنى أيهم أقرب.
__________
(1) تفسير ابن كثير 3/1672- 1673(1/7)
بالوسيلة إلى الله أي يتقرب إليه بالعمل الصالح؛ ويجوز أن يكون بدلا من الضمير في { يبتغون } أي يبتغي من هو أقرب إليه تعالى وسيلة فكيف بمن دونه..."(1)اهـ
ج - قال القرطبي:" { يبتغون } يطلبون من الله الزلفة والقربة ويتضرعون إلى الله تعالى في طلب الجنة وهي الوسيلة أعلمهم الله تعالى أن المعبودين يبتغون القربة إلى ربهم..."(2)اهـ
د- قال الحافظ ابن حجر في شرح أثر ابن مسعود السابق:" أي استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة "(3)اهـ
هـ - قال آبّ ولد اخطور الشنقيطي:" بين جل وعلا بهذه الآية الكريمة أن المعبودين من دون الله الذين زعم الكفار أنهم يقربونهم إلى الله زلفى ويشفعون لهم عنده، لا يملكون كشف الضر عن عابديهم أي إزالة المكروه عنهم { ولا تحويلا } أي تحويله من إنسان إلى آخر أو تحويل المرض إلى الصحة والفقر إلى الغنى والقحط إلى الجدب ونحو ذلك، ثم بين فيها أيضا أن المعبودين الذين عبدهم الكفار من دون الله يتقربون إلى الله بطاعته ويبتغون الوسيلة إليه أي الطريق إلى رضاه ونيل ما عنده من الثواب بطاعته وكان الواجب عليكم أن تكونوا مثلهم "(4) اهـ
ويتحصل مما سبق رد استدلالهم بهذه الآية من سبعة أوجه:
1- أن تفسير ابن مسعود له حكم الرفع.
2- اتفاق المفسرين على أن الوسيلة هنا هي القربة والطاعة.
3- أن آية المائدة بينت أن الوسيلة هي القربة والقرآن يفسر بعضه بعضا.
4- قوله: { يبتغون إلى ربهم } تدل على أن المتوسل به هو العمل الصالح لا غير.
5- قد صرحت الآية بأن الوسيلة هي القربة لقوله { أيهم أقرب } .
6- قوله: { ويرجون رحمته ويخافون عذابه } يدل على التجائهم إلى الله وعدم جعل الوسائط بينهم وبينه تعالى.
__________
(1) فتح القدير 3/237
(2) تفسير القرطبي 10/181
(3) فتح الباري 10/12-13
(4) أضواء البيان 3/436-437(1/8)
7- أول الآية رد على التوسل بالأشخاص ودعائهم من دون الله فدل على أن الوسيلة ليست ذات شخص ولا جاهه.
- الآية الثالثة:
قال تعالى: { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } [ النساء 64 ].
أ - قال ابن كثير:" يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن ياتوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم "(1)اهـ
ب - قال الشوكاني: { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك { جاءوك } متوسلين إليك متنصلين من جناياتهم ومخالفتهم { فاستغفروا الله } لذنوبهم وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعا لهم واستغفرت لهم ولهذا قال { لوجدوا الله توابا رحيما } "(2) اهـ
ج - قال الرازي:" يعني لو أنهم عندما ظلموا أنفسهم بالتحاكم إلى الطاغوت والفرار من التحاكم إلى الرسول جاءوا الرسول فأظهروا الندم على ما فعلوه وتابوا عنه واستغفروا منه { واستغفر لهم الرسول } بأن يسأل الله أن يغفر لهم عند توبتهم { لوجدوا الله توابا رحيما } "(3) اهـ
د - قال أبو السعود: " جاءوك من غير تأخير كما يفصح عنه تقديم الظرف متوسلين بك في التنصل عن جناياتهم القديمة والحادثة ولم يزدادوا جناية على جناية بالقصد إلى سترها بالإعتذار الباطل والأيمان الفاجرة { فاستغفروا الله } بالتوبة والإخلاص وبالغوا في التضرع إليك حتى انتصبت شفيعا لهم إلى الله تعالى واستغفرت لهم "(4) اهـ
فتلخص مما سبق أنه يرد على استدلالهم بهذه الآية من عشرة أجه:
__________
(1) تفسير ابن كثير 1/713
(2) فتح القدير 1/483
(3) التفسير الكبير 3/253
(4) تفسير أبو السعود بهامش التفسير الكبير 3/191(1/9)
1- الآية خطاب لقوم معينين وليس فيها لفظ عموم حتى نقول العبرة بعموم اللفظ وإنما فيها ضمائر والضمائر لا عموم لها.
2- أما المجيء إلى القبر لا يتناوله المجيء إلى الشخص لا شرعا ولا لغة ولا عرفا فالمجيء إليه إنما يكون في حياته فقط.
3- أن الاستغفار عمل وفي الحديث ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلى من ثلاثة: صدقة جارية أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له ))(1).
4- لو استقام استدلالهم بهذه الآية لكان قوله تعالى { ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم } [الحجرات 5] أولى، فما كان ردهم على هذه الآية فهو ردنا على الاستدلال بتلك.
5- ثم المتوسل به بعد موته - صلى الله عليه وسلم - لا بد أن يناديه من وراء الحجرة والله يقول { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } [الحجرات 4].
6- لو جاز الاستدلال بهذه الآية بعد موته - صلى الله عليه وسلم - لجاز الاستدلال على بيعته بعد موته لقوله تعالى { يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } الآية [ الممتحنة 10].
7- هذا الأمر لم يفعله أحد من السلف الصالح ولا من تبعهم بإحسان من أئمة الإسلام وهداة الأنام بل أجمعوا على تركه.
8- لو سلمنا جدلا أنه - صلى الله عليه وسلم - يسمع الشخص الآن فيستغفر له لكان هذا من التوسل بدعاء عباد الله الصالحين.
9- لو كان - صلى الله عليه وسلم - يسمع ويتكلم ما سكت عن الصحابة في الفتن العظيمة ولما ترك الدعوة والجهاد في سبيل الله.
__________
(1) صحيح مسلم ح(1223) وأبو داود ح (1880) والنسائي 6/210 والبخاري في الأدب المفرد ص 28 والطحاوي في مشكل الآثار 1/85 والبيهقي في سننه 6/278 من حديث أبي هريرة.(1/10)
10- الآية تعني المنافقين الذين امتنعوا عن حكم الله ورسوله فلا بد لهم من استغفار الله واستغفار الرسول الذي تحدوه بامتناعهم عن حكمه كما دل على ذلك سياق الآيات { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا... } الآيات [النساء 61-63 ].
- الآية الرابعة:
قوله تعالى: { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } [البقرة 89 ].
قال ابن كثير:" { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } أي وكانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم يقولون إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم "(1) اهـ
ويرد على استدلالهم بهذه الآية من أربعة أوجه:
1- الإستفتاح في اللغة الإستنصار(2) وهو طلب الفتح والنصر وطلب الفتح به - صلى الله عليه وسلم - هو دعاء الله أن يبعثه فيقاتلونهم معه.
__________
(1) تفسير ابن كثير 1/182
(2) لسان العرب 2/538 والقاموس ص 212(1/11)
2- أن هذا هو المعتمد في كتب التفسير بالماثور(1) ودلائل النبوة (2) والسيرة النبوية (3) قال أبوالعالية وغيره كان اليهود إذا استنصروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - على مشركي العرب يقولون " اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذب المشركين ونقتلهم فلما بعث الله محمدا رأوا أنه من غيرهم كفروا به حسدا للعرب وهم يعلمون أنه رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال الله { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } (4).
وروى محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة الانصاري عن رجال من قومه قالوا: مما دعانا إلى الإسلام ـ مع رحمة الله وهداه ـ ما كنا نسمع من رجال اليهود وكنا أهل شرك أصحا ب أوثان وكانوا أهل الكتاب عندهم علم ليس عندنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض مايكرهون قالوا تقارب زمان نبي يبعث الآن فنقتلكم معه قتل عاد وإرم كثيرا ما كنا نسمع ذلك منهم فلما بعث الله محمدا رسولا من عند الله أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا، ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات التي في البقرة { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } (5) .
ولم يذكر ابن أبي حاتم وغيره ممن جمع كلام مفسري السلف إلا هذا(6).
__________
(1) انظر تفسير الطبري 1/454-457 تفسير ابن كثير 1/186 والدر المنثور 1/216- 218
(2) دلائل النبوة للبيهقي 2/84- 86 دلائل النبوة لأبي نعيم 1/96- 97
(3) انظر سيرة ابن هشام 1/211- 214 والروض الأنف للسهيلي 2/326- 329
(4) تفسير الطبري 1/456
(5) سيرة ابن هشام 1/211 وتفسير الطبري 1/455 والروض الانف 2/326
(6) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 225(1/12)
3- أن ما خالف هذا فهو باطل لأنه من رواية عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود فعاذت بهاذا الدعاء ( اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم ) فكانوا إذا دعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كفروا به فأنزل الله تعالى { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } رواه الحاكم في مستدركه وقال " أدت الضرورة إلى إخراجه في التفسير وهو غريب من حديثه "اهـ فرد عليه الذهبي بقوله " قلت لا ضرورة في ذلك فعبد الملك متروك هالك "(1) .
قلت ومن العجيب أن الحاكم قال في المدخل(2) عن عبد الملك هذا " روى عن أبيه أحاديث موضوعة " ثم يروي له هنا في المستدرك ؛ وقال أبو حاتم في عبد الملك:" متروك ذاهب الحديث " وقال ابن حبان " يضع الحديث " وقال السعدي:"دجال كذاب "(3) .
4- ولو ثبت هذا فلا أسوة لنا في فعل اليهود لعنهم الله.
- السنة:
الأحاديث الصحيحة:
1- قال البخاري حدثنا الحسن بن محمد حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري ثني أبي عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس " أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون ".(4)
والرد عليهم من أربعة أوجه:
__________
(1) مستدرك الحاكم 2/ 263
(2) 1/170
(3) انظر ترجمته في الجرح والتعديل5/374 والميزان 2/514 والمجروحين لابن حبان 2/133
(4) صحيح البخاري كتاب الإستسقاء باب 3ح (1010 ) وفي فضائل الصحابة ح ( 3710 ) وفي طبقات ابن سعد 4/28-29 وفي السنن الكبرى 3/ 88 عن أنس بن مالك.(1/13)
أ- أن التوسل في قوله " إنا كنا نتوسل إليك بنبينا" هو بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - كما بينته رواية حديث أنس بحديث الإستسقاء على المنبر يوم الجمعة وحديث عائشة قالت شكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر وكبر وحمد لله ثم قال:" إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله ان تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم... " الحديث. (1)
ب- ويدل على ذلك عدول عمر وغيره من الصحابة عن التوسل به - صلى الله عليه وسلم - إلى التوسل بالعباس لأنهم إنما يريدون التوسل بالدعاء وذلك غير ممكن منه - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته.
ج- قوله في الحديث " وإنا نتوسل إليك بعم نبينا " بينت الروايات الصحيحة أن عمر بن الخطاب إنما توسل بدعاء العباس قال ابن حجر: " قد بين الزبير بن بكار في الانساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال " اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث " فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الارض وعاش الناس " (2)
د- ومن أصرح الأدلة على أن توسلهم إنما كان بدعائه - صلى الله عليه وسلم - رواية الاسماعيلي لهذا الحديث بلفظ " كانوا إذا قحطوا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقوا به فيستسقي لهم فيسقون... " (3)
2- أحاديث الشفاعة الكبرى:
__________
(1) سنن أبي داود ح (1173)
(2) فتح الباري 3/150
(3) فتح الباري 2/399(1/14)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عنه حدثنا محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون: اشفع إلى ربك، فيقول: لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيأتون موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته فيأتون عيسى فيقول لست لها، ولكن عليكم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فيأتوني فأقول أنا لها، فأستأذن على ربي فيأذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال يا محمد: ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع، فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه نثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمد بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه ذرة أو خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل...)) الحديث (1) وما في معناه من أحاديث الشفاعة.
والرد على استدلالهم بأحاديث الشفاعة من ثمانية أوجه:
1- أن هذه الشفاعة في الآخرة لا في الدنيا.
2- أن هذه شفاعة وليست توسلا بذات ولا بجاه.
3- أن الشفاعة العظمى خاصة به - صلى الله عليه وسلم - دون سائر الأنبياء، فكيف بسواهم من الأولياء والصالحين.
4- هذا من قياس الدنيا على الآخرة ولو كان القياس كله حقا لكان هذا منه عين الباطل.
5- أن تلك الشفاعة لا تقع إلا بعد إذن الله له - صلى الله عليه وسلم - فمن الذي أذن لكم أنتم.
6- أن هذه الشفاعة من باب التوسل بدعاء الأخيار وهذا النوع مشروع إجماعا.
7- أن هذا قياس في العقائد وهو ممنوع إتفاقا.
__________
(1) صحيح البخاري ح ( 7510 )(1/15)
8- أن هذا من باب التوسل بالعمل الصالح لأنه - صلى الله عليه وسلم - يخر ساجدا ويحمد الله بتلك المحامد فيؤذن له بالشفاعة.
- الأحاديث الضعيفة والموضوعة:
- الحديث الأول:
حديث الأعمى: قال عبد الله بن أحمد حدثني أبي(1)، وقال الترمذي (2)والنسائي (3)حدثنا محمود بن غيلان، وقال ابن ماجه(4) حدثنا أحمد بن محمد بن منصور وقال الحاكم(5) حدثنا أحمد بن سليمان الفقيه عن الحسن بن مكرم.
أربعتهم عن عثمان بن عمر عن شعبة عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه - عنه "أن رجلا ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ادع الله أن يعافيني، قال:(( إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك )) قال: فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء (( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم شفعه في )) هذا لفظ النسائي وللترمذي نحوه".
والرد عليه من سبعة عشر وجها:
1- اضطراب إسناده فقد رواه شعبة وحماد عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه - ؛ قال النسائي: خالفهما هشام الدستوائي وروح بن القاسم فقالا عن أبي جعفر عمير بن يزيد بن خراشة عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه - اهـ(6)
ومن كان مثل أبي جعفر لا يحتمل منه هذا الاختلاف لأنه لم يوصف بالحفظ والضبط وإنما وصف بالصدق فقط.
__________
(1) مسند الإمام أحمد 4/190ـ191
(2) سنن الترمذي 5/229 ح ( 3649 )
(3) عمل اليوم والليلة ص 417
(4) سنن ابن ماجه ص 197 ح ( 1385 )
(5) مستدرك الحاكم 1/519
(6) عمل اليوم والليلة ص 418(1/16)
2- اضطراب متنه: فبعضهم زاد " يصلي ركعتين"(1)وأكثرهم لا يذكرها وبعضهم يقول " فشق علي ذهاب بصري"(2) وعامتهم يحذفونها وبعضهم يقول "شفعني في نفسي"(3)وبعضهم يحذفها وبعضهم يقول:" فرجع وقد كشف له عن بصره"(4) وأكثرهم لا يذكر ذلك وفي رواية بعضهم "إني توجهت بك يا محمد "(5)وغيره يحذفها، وفي بعض الطرق " أن يقضي حاجتي أو حاجتي إلى فلان أو حاجتي في كذا وكذا "(6) وعند بعضهم " وشفعني فيه "(7) وفي رواية "ثم ما كانت حاجة فافعل مثل ذلك "(8) وفي بعض الطرق " فكان يقول هذا مرارا "(9) وفي رواية " وإن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك "(10) كل هذه الألفاظ المختلفة مدارها على أبي جعفر وهذا مما يؤكد عدم ضبطه للحديث.
3- نكارة متنها لأن الصحابي لن يعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمران ويقول له إن أحدهما خير له في الآخرة ثم يتركه أبدا وفي رواية أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للأعمى (( إن شئت أخرت ذلك وهو أفضل لآخرتك )) ومما يؤيد ذلك قصة المرأة التي كانت تصرع وقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - (( إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك )) فقالت أصبر…الحديث(11) .
__________
(1) عمل اليوم والليلة للنسائي ح (658) وح ( 660) وابن ماجه ح (1385)
(2) الترمذي ح (3649) والنسائي ح (659)
(3) عمل اليوم والليلة ح (660) والبيهقي في الدلائل 6/166
(4) عمل اليوم والليلة ح 660
(5) ابن ماجه ح (1385) والنسائي في عمل اليوم والليلة ح (658)
(6) عمل اليوم والليلة ح (658 )
(7) أحمد 4 /138 وابن خزيمة 2 /225
(8) ابن أبي خيثمة كما في مجموع الفتاوى 1/275
(9) مسند الإمام أحمد 4/190ـ 191
(10) المصدر السابق
(11) البخاري ح (5652) ومسلم ح (2576)(1/17)
خاصة أن الصحابي يسمع الأجر العظيم الذي ورد في الصبر على فقد البصر لحديث أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة ))(1) يريد عينيه.
فهذا يدل على أن الخير الذي وعد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعمى إذا صبر هو الجنة أو ما هو أعم منها.
وعلى تقدير صحته فهو واضح وضوح الشمس في الدلالة على التوسل بالدعاء لا غير يدل على ذلك:
4- مجيء الأعمى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صريح في أن المقصود هو التوسل بالدعاء لأنه لو قصد التوسل بالجاه لما تجشم عناء المجيء إليه - صلى الله عليه وسلم -.
5- قول الأعمى:" ادعو الله أن يعافيني " نص صريح في أنه إنما يريد دعاءه - صلى الله عليه وسلم -.
6- قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرد على الأعمى (( إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك )) فخيره بين الدعاء والصبر على البلاء فلم يذكر له التوسل بالجاه ولا بالذات من قريب ولا بعيد.
7- قول الأعمى: " ادع " وفي رواية النسائي من طريق حماد "ادع الله لي " مرتين أو ثلاثا وفي رواية أحمد " لا بل ادع الله لي " فهذا واضح في أن مقصود الأعمى هو الدعاء.
8- قول الصحابي "فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء " يدل على أن المسالة متعلقة بالدعاء ليس إلا ولا علاقة لها بجاه ولا غيره.
9- قال الأعمى: "إني توجهت بك" بعد قوله "أتوجه إليك " فيه معنى قوله { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } فيكون خطابا لحاضر معاين في قلبه مرتبط بما توجه به عند ربه من سؤال نبيه بدعائه الذي هو عين شفاعته ولذلك أتى بصيغة الماضوية بعد الصيغة المضارعية المفيد كل ذلك: أن هذا الداعي قد توسل بشفاعة نبيه في دعائه فكأنه استحضره وقت ندائه(2) .
__________
(1) صحيح البخاري ح (5653)
(2) انظر الضياء الشارق ص 540(1/18)
10- قوله في الحديث " اللهم شفعه في " صريح في أن هنالك داعيان هما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأعمى حتى يكون العدد شفعا قال في اللسان(1): " وتشفعت إليه في فلان فشفعني فيه تشفيعا قال حاتم يخاطب النعمان:
فككت عديا كلها من إسارها
فأفضل وشفعني بقيس بن جحدر"
11- قوله في الحديث " وشفعني فيه " وفيه أوضح دليل على أن المقصود هو الدعاء منهما فلذلك يطلب من الله قبول تلك الشفاعة لأن معنى شفع قبل شفاعته قال في القاموس(2):" وشفعته فيه تشفيعا حين شفع كمنع شفاعة قبلت شفاعته ".
وعلى هذا يكون المعنى اللهم اقبل دعائي في أن تقبل شفاعته في.
12- هذا لو صح من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه ولذلك رواه أصحاب دلائل النبوة كالبيهقي وأبو نعيم وابن كثير(3) وغيره.
13- لو صح لكان خاصا بحال حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يتصور منه - صلى الله عليه وسلم - الدعاء بعد موته.
14- المستدلون بهذا الحديث يقيسون جاه صاليحهم بجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشتان ما بين اليزيدين.
15- لو كان الحديث صحيحا لورد أن بعض الصحابة فعله مع كثرة العميان فيهم كابن أم مكتوم وابن عباس وجابر وغيرهم.
16- لوصحت هذه القصة لتواتر نقلها وكثر ذكرها واشتهر أمرها ولما تفرد بها صحابي واحد مع أنها معجزة عظيمة وآية باهرة.
في رواية الطبراني " فو الله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط " (4).
__________
(1) لسان العرب 8/184
(2) قاموس المحيط ص 661
(3) دلائل النبوة البيهقي6/166 وابن كثير في دلائل النبوة من البداية 6/248
(4) الترغيب والترهيب 1/175(1/19)
17- وقد روى الطبراني(1) هذا الحديث فذكر في أوله قصة منكرة وهي أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان - صلى الله عليه وسلم - في حاجة له وكان عثمان لا يلتفت إليه فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك ورح إلي حتى أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال ما حاجتك فذكر حاجته فقضاها له ثم قال ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال ما كانت لك من حاجة فاتنا ثم إن الرجل خرج من عندي فلقي عثمان بن حنيف فقال له جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل ضرير..." الحديث.
وإنما قلت إنها منكرة لأمور:
أ - قوله "وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته " وقوله في آخر القصة " ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في..." فهذا باطل قطعا لأنه يدل على مداومة عثمان لذلك .
ولعل محمد مفتاح لم يلتفت إلى هذا اللفظ عمدا لحاجة في نفسه ! فراح يرد على اتخاذ الحاجب وأغمض عينيه عن هاتين الجملتين الصريحتين فأين الأمانة العلمية !!!
ب - الحديث من رواية روح بن صلاح وهو غير معروف بالصلاح يقال له ابن سبابة ويكنى أبا الحارث ضعفه الجمهور قال ابن يونس رويت عنه مناكير قال ابن عدي بعد أن أخرج له حديثين:" له أحاديث كثيرة في بعضها نكارة وقد ضعفه الدار قطني وابن عدي وغيرهما(2).
__________
(1) انظر الكبير 9/17ـ18 والصغير 1 /184
(2) أنظر ترجمته في لسان الميزان 2 /573 والكامل 3/146(1/20)
ج - وبهذا تعلم أن هذه الزيادة منكرة لأن روح معروف برواية المناكير كما قال ابن عدي وابن يونس.
د- وجاءت هذه القصة عند الطبراني في الصغير ص 184 من طريق ابن وهب عن شبيب بن سعيد عن أبي جعفر، لكن هذه الطريق لا يفرح بها أن رواية ابن وهب عن شبيب فيها مناكير كثيرة وقد بين ابن عدي سبب ذلك فقال:" لعل شبيبا لما قدم مصر في تجارته كتب عنه ابن وهب من حفظه فغلط ووهم وأرجو أن لا يتعمد الكذب" وقال الذهبي عن شبيب:" صدوق يغرب" وقال ابن حجر لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه لا من رواية ابن وهب عنه " اهـ (1)
د - لو صحت القصة لتسابق الناس إلى فعل ذلك لأن النفوس مولعة بقضاء حوائجها فتتشبث بكل ما تقدر عليه.(2)
- الحديث الثاني:
قال أحمد ثنا يزيد أنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (( من قال إذا خرج إلى الصلاة اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك)) .
وأسنده ابن ماجه من طريق الفضل بن الموفق أبي الجهم حدثنا فضيل بن مرزوق به.(3)
والرد عليه من خمسة أوجه:
1- هذا حديث باطل إسناده مسلسل بالضعفاء، قال البوصيري " هذا إسناد مسلسل بالضعفاء ؛ عطية وفضيل بن مرزوق والفضل بن الموفق كلهم ضعفاء "(4).
فالحديث له أربع علل:
__________
(1) انظر ترجمته في الميزان 2/202 والتهذيب 4/206 والتقريب ص 205
(2) الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق ص 543
(3) مسند الإمام أحمد 3/21 وابن ماجه 1/256 ح ( 778 ) وابن السني في عمل اليوم واللييلة ص 42.
(4) مصباح الزجاجة 2/52(1/21)
أ - عطية العوفي: قال الإمام أحمد " بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنى بأبي سعيد فيقول قال أبو سعيد، يوهم الخدري " وقد ضعفه الثوري وهشيم وابن عدي وقال ابن حبان:"لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب " قال الذهبي إنه مجمع على ضعفه وكذا قال شيخ الإسلام في القاعدة الجليلة ص 215(1).
ب - فضيل بن مرزوق قال ابن حجر "صدوق يهم رمي بالتشيع من السابعة" ضعفه أبو حاتم والنسائي وقال ابن حبان: " يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات "(2)
ج - الفضل بن الموفق: قال أبو حاتم :" كان شيخا صالحا ضعيف الحديث " قال ابن حجر:" فيه ضعف من صغار التاسعة "(3).
د ـ ذكر له الألباني علة أخرى وهي الاضطراب ؛ فروي تارة مرفوعا وأخرى موقوفا على أبي سعيد كما عند ابن أبي شيبة في المصنف (12/ 110 /1 )وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/184) "موقوف أشبه" .
2- ولو سلمنا جدلا بصحة الحديث لما كان فيه حجة على التوسل بالجاه من قريب ولا بعيد.
3- هذا من باب التوسل بأسماء الله وصفاته لأن حق السائلين عليه إجابتهم { ادعوني استجب لكم } { أجيب دعوة الداع إذا دعان } .
4- وهو أيضا من باب التوسل بالعمل الصالح لأنه يمشي إلى المسجد ويتضرع إلى الله تعالى وهذا من أعظم العبادات.
5- أن أحسن أحوال الحديث أن يكون ضعيفا والضعيف لا يحتج به في العقائد اتفاقا.
- الحديث الثالث:
__________
(1) انظر ترجمته في الكبير للبخاري 8/7 والضعفاء للذهبي1/88 والميزان3/79 وتهذيب التهذيب 5 /591 ـ 592
والضعفاء للنسسائي ص 225
(2) التقريب2/113 وتهذيب الكمال 6/55 وتهذيب التهذيب 8/268-269
(3) التقريب 2/ 34 وتهذيب الكمال 6/44 وتهذيب التهذيب 8/259(1/22)
ماروى ابن السني من طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عن بلال مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى الصلاة قال: ((بسم الله آمنت بالله توكلت على الله لا حول ولاقوة إلا بالله اللهم بحق السائلين عليك وبحق مخرجي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا....)) " الحديث (1)
يرد عليه من وجوه أربعة:
1- هذا حديث موضوع آفته الوازع ؛ قال الحاكم:" يروي أحاديث موضوعة " وقال ابن أبي حاتم:" كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات على قلة روايته " وقال البخاري:" منكر الحديث " وقال النسائي:" متروك " وقال ابن عدي:" عامة ما يرويه الوازع غير محفوظ وقال أحمد وابن معين:" ليس بثقة"(2)
2- هذا حديث مضطرب السند قال الحافظ:"قد اضطرب في هذا الحديث فأخرجه أبو نعيم في اليوم والليلة من وجه آخر عنه فقال عن سالم بن عمر عن بلال محل قوله في الطريق الأول عن نافع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عن بلال؛ - وقال الحافظ - لم يتابع عليه "(3) .
3- ولو سلمنا جدلا بصحته فهو كسابقه من باب التوسل بأسماء الله وصفاته.
4- وهو ايضا من باب التوسل بالعمل الصالح لأنه ما قال ذلك إلا بعد الخروج من المسجد ؛فالدعاء والعمل له سبحانه وتعالى سبب لحصول مقصود العبد وهو كالتوسل بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - والصالحين من أمته (4)
- الحديث الرابع:
__________
(1) عمل اليوم والليلة لابن السني ح 82
(2) انظر ترجمته في الكبير للبخاري 8/205 والميزان 4/299 واللسان 6/213 والمغني 2/718 والكامل 7/94
(3) صيانة الإنسان ص 122
(4) انظر مجموع الفتاوى 1/341(1/23)
عن أبي أمامة قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصبح وإذا أمسى دعا بهذا الدعاء: ((اللهم أنت أحق من ذكر وأحق من عبد... أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض وبكل حق هو لك وبحق السائلين عليك... ))(1) الحديث.
الرد عليه من وجهان:
1- هذا حديث باطل آفته فضال بن جبير أبو المهند قال ابن حبان:" شيخ يزعم أنه سمع أبا أمامة يروي عنه ما ليس من حديثه " وقال أيضا " لا يجوز الاحتجاج به بحال يروي أحاديث لا أصل لها " وقال ابن عدي:" أحاديثه غير محفوظة " وقال أبو حاتم " ضعيف الحديث "(2)
2- أن الحديث لو صح فهو من باب التوسل بأسماء الله وصفاته لأن حق السائلين عليه تعالى هو الإجابة.
- الحديث الخامس:
عن ابن عباس قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فقال:(( سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي فتاب عليه ))(3) .
والرد عليه من أربعة أوجه:
1- هذا خبر موضوع آفته عمرو بن ثابت بن هرمز أبوثابت الكوفي قال ابن معين:" ليس بشيء " وقال مرة:" ليس بثقة ولا مأمون " وقال النسائي:" متروك الحديث " وقال ابن حبان:" يروي الموضوعات " قال أبو داود:" رافضي " وقال ابن المبارك:" لا تحدثوا عن عمرو بن ثابت فإنه يسب السلف ".(4)
2- أن الراوي شيعي وقد روى ما يؤيد مذهبه مما يدل على أن هذا الخبر مما عملت يداه وقد تقرر في أصول الحديث أن رواية المبتدع لا تقبل فيما يؤيد بدعته.
3- أن هذا لو ثبت لكان خاصا بمن ذكر إذ لا دليل على العموم.
__________
(1) قال الهيثمي 10/117 :" رواه الطبراني وفيه فضال بن جبير وهو ضعيف مجمع على ضعفه"اهـ
(2) انظر ترجمته في الكامل لابن عدي 25/13 والميزان 3/347ـ 548 واللسان 4/434
(3) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 394ـ395
(4) انظر ترجمته في الكبير للبخاري 6/319 والميزان 3 /249 والضعفاء الصغير للبخاري ص 87(1/24)
4- مما يدل على بطلان هذا الحديث مخالفته للقرآن الكريم الذي بين هذه الكلمات { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } [ الأعراف 23 ].
- الحديث السادس:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم - أم علي رضي الله عنه - دعا أسامة بن زيد وأبو أيوب الانصاري وعمر بن الخطاب وغلاما أسود يحفرون...فلما فرغ دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاضطجع فيه فقال: (( الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين...))(1) .
والرد عليه من ثلاثة أوجه:
1- الحديث تفرد به روح بن صلاح وقد ضعفه الجمهور ولم يوثقه إلا بن حبان والحاكم وهما متساهلان؛ قال ابن يونس:" رويت عنه مناكير" وقال الدار قطني:"ضعيف في الحديث " وضعفه ابن عدي وقال:" له أحاديث كثيرة في بعضها نكارة".(2) اهـ
2- الحديث من منكرات روح بن صلاح الكثيرة، فكيف يكون حجة في باب الاعتقاد.
3- لو سلمنا جدلا بصحته لما كانت فيه حجة على التوسل بالجاه وإنما هو من باب التوسل بصفات الله لأن حق الرسل على الله إثابتهم.
- الحديث السابع:
قال الطبراني: حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه حدثنا أبي حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن أبيه عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح بصعاليك المهاجرين(3) .
والجواب من وجوه ثلاثة:
1- أمية هذا لم تثبت صحبته فالحديث مرسل كما قال ابن عبد البر في الإستيعاب (1/38) " لا تصح عندي صحبته والحديث مرسل ".
__________
(1) قال الهيثمي في المجمع 9/257 " رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه روح بن صلاح " ؛ومن طريقه أبو نعيم في الحلية 3/121
(2) نظر ترجمته في اللسان 2/465
(3) الطبراني في الكبير 1/81 /2(1/25)
وقال الحافظ في الإصابة (1/133) " ليست له صحبة ولا رواية " وفي التهذيب (1/385) أن ابن الجارود قال:" ليس له صحبة ".
2- اختلاط أبي إسحاق وعنعنته فإنه كان مدلسا إلا أن سفيان سمع منه قبل الإختلاط فبقيت العلة الثانية وهي العنعنة.
3- ثم الحديث لو صح فإنما هو من باب التوسل بدعاء العبد الصالح كما روى النسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:((إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ))(1).
- الحديث الثامن:
روى الحاكم من طريق عبد الله بن مسلم الفهري حدثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله :- صلى الله عليه وسلم - (( لما اقترف آدم الخطيئة قال:يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال:يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا:لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك ))(2).
والرد عليه من ثلاثة أوجه:
1- هذا خبر موضوع قطعا وبيان ذلك:
أ- عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال البخاري: ضعفه عليّ جدا وقال النسائي:"ضعيف " وقال الحاكم:" روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه " وقال ابن حبان:"كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم ذلك حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف، فاستحق الترك، قال الإمام الشافعي:" قيل لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحدثك أبوك عن جدك أن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت خلفه ركعتين، فقال نعم ".
__________
(1) النسائي في سننه بسند صحيح 2/15
(2) المستدرك 2/615 ثم قال الحاكم صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي بقوله:" بل موضوع وعبد الرحمن واه "(1/26)
وفي الضعفاء للعقيلي أن رجلا ذكر لمالك رحمه الله تعالى حديثا فقال: من حدثك ؟ فذكر إسنادا له منقطعا فقال: "اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح !! " وقال ابن الجوزي: " أجمعوا على ضعفه "(1) اهـ
ب - عبد الله بن مسلم الفهري قال الذهبي:" لا أدري من ذا " قال الحافظ:" قلت: لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته " والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رشيد ذكره بن حبان وقال:"متهم بوضع الحديث وقال حدثنا عنه جماعة، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة لا يحل كتب حديثه وهو الذي روى عن ابن هدبة نسخة كأنها معمولة "(2) اهـ
وهكذا اتفقت كلمة الحفاظ كابن تيمية والذهبي والعسقلاني وابن عبد الهادي والسهسواني والألباني وغيرهم على بطلان هذا الحديث.
ج - قال ابن عبد الهادي رادا على من صحح الحديث:" وإني لأتعجب منه كيف قلد الحاكم في تصحيحه مع أنه حديث غير صحيح ولا ثابت بل هو حديث ضعيف الإسناد جدا وقد حكم عليه بعض الأئمة بالوضع وليس إسناده من الحاكم إلى عبد الرحمن بصحيح بل مفتعل على عبد الرحمن "(3) اهـ
د - الاضطراب: فقد اضطرب عبد الرحمن أو من دونه فتارة يرفعه كما سبق وتارة يجعله موقوفا على عمر كما عند الآجري.(4)
__________
(1) انظر ترجمته في الميزان 2/534 والكبير 5/284 والصغير للبخاري ص 74 والتهذيب 5/90 وتهذيب الكمال17/118
(2) انظر ترجمته في الميزان 2/387 ولسان الميزان للحافظ ابن حجر 3/441
(3) الصارم المنكي في الرد على السبكي ص 32
(4) الشريعة للآجري ص 427(1/27)
2- أن هذا الخبر مخالف للقرآن قال تعالى: { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم } [البقرة 37 ] قال ابن عباس:" قال أي رب ألم تخلقني بيدك قال: بلى، قال ألم تنفخ في من روحك قال بلى، قال: ألم تسبق رحمتك غضبك، قال: بلى، قال: أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال: بلى، قال: فهو قوله { فتلقى آدم من ربه كلمات } "(1) اهـ
وقول ابن عباس هذا له حكم الرفع من وجهين:
أ - أنه تفسير صحابي.
ب - أن هذا الأمر من الغيب الذي لا يمكن أن يقال بمجرد الرأي.
والظاهر إن الكلمات هي قوله تعالى { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } [ الأعراف 23 ] وبهذا جزم رشيد رضا في تفسيره (1/279).
3 - أن هذ من الإسرائليات رفعه بعض الضعفاء.
- الحديث التاسع:
(( توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم )) وبعضهم يرويه (( إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم )).
والرد عليهم من وجوه خمسة:
1 - هذا خبر باطل لا أصل له في شيء من كتب الحديث البتة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث مع أن جاهه عند الله تعالى أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين "(2)وممن حكم ببطلان هذا الخبر السهسواني والألباني وغيرهما.
2- ثبوت جاهه لا يدل على جواز التوسل به كما لا يجوز لنا السجود له ولا الركوع.
3 - أن تعظيم جاهه - صلى الله عليه وسلم - إنما يكون باتباعه وطاعته وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال :(( ما تركت شيئا يقربكم من الله إلا أمرتكم به )) رواه الشافعي والطبراني وغيرهما وصححه الألباني.
__________
(1) المستدرك 3/ 545 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي والألباني.
(2) قاعدة جليلة ص 252(1/28)
فلو كان التوسل بجاهه من القربات لعلمنا إياه - صلى الله عليه وسلم - إذ أنه علمنا كل شيء حتى الخراءة كما في مسلم(1).
4- لم يثبت عن أحد من الصحابة أومن بعدهم من السلف الصالح أنه فعل هذا التوسل الممنوع ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
5- قال السهسواني: "لم يروه أحد من أهل العلم ولا هو في شيء من كتب الحديث وما رواه القشيري عن معروف الكرخى – قدس الله سره - أنه قال لتلاميذه إن كانت لكم إلى الله حاجة فأقسموا عليه فإني الواسطة بينكم وبينه جل جلاله الآن، لايوجد له سند يعول عليه عند المحدثين "(2)اهـ
- الحديث العاشر:
(( إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور )) وفي رواية (( فاستغيثوا بأصحاب القبور ))
والرد عليه من ستة أوجه:
1 - هذا أثر باطل لا أصل له ذكره العجلوني وعزاه للأربعين لابن كمال باشا(3)وقال شيخ الإسلام:" كلام موضوع مكذوب باتفاق العلماء "(4) وقال في موضع آخر:" هذا الحديث كذب مفترى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بإجماع العارفين بحديثه لم يروه أحد من العلماء بذلك ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة "(5).
2 - مما يدل على بطلانه مناقضته للشرع قال تعالى: { والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير } [فاطر 13-14]وقال تعالى: { والله يعلم ما تسرون وما تعلنون والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } [النحل 19-21].
3 ـ الأصل في الأموات أنهم لا يسمعون قال تعالى: { وما أنت بمسمع من في القبور } [ فاطر 22 ]وقال تعالى: { إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين } [النمل 85 ].
__________
(1) صحيح مسلم ح (606)
(2) صيانة الإنسان ص 188ـ189
(3) كشف الخفاء 1/85
(4) اقتضاء الصراط المستقيم 2/196
(5) مجموع الفتاوى 1/356(1/29)
4 - أن أصحاب القبور قد انقطع عملهم من الدنيا فلا يملكون منها شيئا، كما في صحيح مسلم (( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة...)) الحديث.
5 - أن في هذا جعل قدرة لأصحاب القبور فوق قدرة الله؛ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
6 - الحديث من باب الإستغاثة بغير الله وهي مجمع على تحريمها لأنها شرك وليست من التوسل في شيء.
- الحديث الحادي عشر:
(( لولا عباد ركع وصبية رضع وبهائم رتع لصب عليكم البلاء صبا )) أسنده البيهقي في سننه (3/345) عن إبراهيم بن خثيم يعني ابن عراك بن مالك عن أبيه عن جده عن أبي هريرة مرفوعا (( مهلا عن الله مهلا فأنه لولا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا ))(1).
والرد عليه من وجوه أربعة:
1 - هذا خبر موضوع وإفك مصنوع آفته إبراهيم بن خثيم قال ابن التركماني:" وأهل هذا الشأن غلظوا فيه القول لقول النسائي: متروك " وقال أبو الفتح الأزدي:" كذاب" وقال الجوزقاني:" اختلط بآخرة " وذكره صاحب الميزان وذكر هذا الحديث من مناكيره(2)؛ قال النسائي:" متروك الحديث " قال الجوزقاني:" كان غير مقنع واختلط بآخرة " وقال الدوري: " سمعت ابن معين يقول: كان الناس يصيحون به لا شيء وكان لا يكتب عنه وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا مأمون "(3) اهـ
وللحديث علة أخرى وهي جهالة مالك وأبيه فمن يدري لعلهما من الكذابين كابنهما وعلة ثالثة أيضا وهي اضطراب متنه.
2- هذا الحديث ذكره العسقلاني في مناكير إبراهيم بن خثيم (4) فهو خبر منكر باطل.
__________
(1) رواه الطبراني والطيالسي وابن منده وابن عدي والديلمي كما في تمييز الطيب من الخبيث ص 254 ح (1133)
(2) هامش سنن البيهقي 3/345
(3) انظر ترجمته في الميزان 1/55 وضعفاء النسائي ص 147 واللسان 1/43
(4) لسان الميزان 1/43(1/30)
3- أن هؤلاء المطيعين لهم فضل ومنزلة لكنهم لايردون عذاب الله عن العامة إذاعصت بل يهلك الجميع لقول الله تعالى: { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب } [ الأنفال 25 ] وفي الصحيحين أن زينب قالت له: أنهلك وفينا الصالحون قال: (( نعم إذا كثر الخبث ))(1).
فتبين أن هذا الخبر الموضوع مناف للقرآن والسنة.
4- هذا الخبر لا علاقة له بالتوسل بالجاه أو الذات أو الحرمة أو الإقسام على الله بالمخلوق بل غاية ما فيه الترغيب في الطاعات التي تقرب من الله كالخشوع والركوع.
- الحديث الثاني عشر:
(( إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا علي فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم )) أخرجه الطبراني (3/81) وأبو يعلى في مسنده ( 1/254 ) وعنه ابن السني في عمل اليوم والليلة ص 50 كلاهما من طريق معروف بن حسان السمرقندي عن سعيد بن عروبة عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن ابن مسعود.
والرد عليه من وجوه ثلاثة:
1- هذا حديث ضعيف له علتان:
أ - أن معروفا غير معروف(2) بل مجهول قال ابن أبي حاتم (8/323) عن أبيه " مجهول " قال ابن عدي ( 6/325):" منكر الحديث قد روى عن عمر بن ذر نسخة طويلة كلها غير محفوظة " قال الهيثمي في المجمع (10/132):" هو ضعيف ".
ب - الانقطاع بين ابن بريدة وابن مسعود نقله ابن علان عن الحافظ كما في شرح الأذكار لابن علان (5/150).
2 - وله شاهد عند ابن أبي شيبة في المصنف (12/153/2) عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فذكره.
وهذا له ثلاث علل:
أ - عنعنة ابن إسحاق.
ب - أنه معضل.
ج - الصواب وقفه على ابن عباس.
فالحديث ضعيف بل منكر لا تقوم به حجة، فكيف تبنى عليه العقائد.
__________
(1) البخاري ح (3598) ومسلم (2880)
(2) لسان الميزان 6/61 والميزان 4/133(1/31)
3 - لو ثبت فلا يدل إلا على الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لأن هؤلاء الملائكة يستطيعون هذا العمل ولا علاقة لهذا بالتوسل بالجاه أو الذات أو الحرمة أو الإقسام على الله بالمخلوق.
- الحديث الثالث عشر:
(( إذا أضل أحدكم شيئا أوأراد أحدكم غوثا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أغيثوني فإن لله عبادا لا يراهم )) رواه الطبراني (6/55/1) من طريق عبد الرحمن بن شريك قال حدثني أبي عن عبد الله بن عيسى عن ابن علي عن عتبة بن غزوان مرفوعا.
والرد عليهم من وجوه ثلاثة:
1- هذا حديث ضعيف له ثلاث علل:
أ - ب: عبد الرحمن بن شريك بن عبد الله القاضي هو وأبوه ضعيفان قال الحافظ في التقريب (ص284)عن الأول:" صدوق يخطئ " وقال (ص 207)عن الأب:" صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة " اهـ
ج - الانقطاع: قال الهيثمي:" رواه الطبراني ورجاله وثقوا على ضعف فيهم؛ إلا أن يزيد بن علي لم يدرك عتبة(1) " اهـ
وقال الحافظ في تخريج الأذكار:" أخرجه الطبراني بسند منقطع عن عتبة بن غزوان ولكن له شاهد عند البزار كما في الزوائد ص 303 من طريق حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن إبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس وله علتان:
أ - أسامة بن زيد وإن كان من رجال مسلم فقد قال الحافظ في التقريب ص 38:"صدوق يهم ".
ب - وخالف حاتم بن إسماعيل - الذي قال عنه في التقريب ص 84:"صدوق يهم "- جعفر بن عون وهو أوثق منه فهو من رجال الصحيحين قال الحافظ:" صدوق " فوقفه على ابن عباس كما عند البيهقي في الشعب (2/455/1)فالصحيح أنه موقوف إذا.(2)
__________
(1) مجمع الزوائد 10/132
(2) راجع السلسلة الضعيفة 656(1/32)
2 - وإذا علمت بطلان هذا الخبر فلا تعارضه بما سمعت من تجربة، قال الشوكاني:" السنة لا تثبت بالتجربة ولا يخرج الفاعل للشيء معتقدا أنه سنة عن كونه مبتدعا وقبول الدعاء لا يدل على أن سبب القبول ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد يجيب الله الدعاء من غير توسل بسنة وهو أرحم الراحمين وقد تكون الإستجابة استدراجا "(1) اهـ
3 - روى الهروي في ذم الكلام (4/68/1) أن عبد الله بن المبارك ضل في بعض أسفاره في طريق وكان قد بلغه أن من اضطر في مفازة فنادى عباد الله أعينوني أعين، قال: فجعلت أطلب الجزء انظر في إسناده " قال الهروي:" فلم يستجز أن يدعوا بدعاء لا يرى إسناده " اهـ
- الحديث الرابع عشر:
ما روى عبد الملك ابن هارون ابن عنترة عن أبيه عن جده أن أبا بكر الصديق أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إني أتعلم القرآن ويتفلت مني فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قل:(( اللهم إني أسألك بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك وبموسى نجيك وعيسى روحك وكلمتك وبتوراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وفرقان محمد بكل وحي أوحيته وقضاء قضيته...)) الحديث.
والرد عليه من وجوه أربعة:
1 - قال شيخ الإسلام "وهذا الحديث ذكره رزين بن معاوية العبدلي في جامعه ونقله ابن الأثير في جامع الأصول(2) ولم يعزه لا هذا ولا هذا إلى كتاب من كتب المسلمين لكنه قد رواه من صنف في عمل اليوم والليلة كابن السني وأبي نعيم وفي مثل هذه الكتب أحاديث كثيرة موضوعة لا يجوز الإعتماد عليها في الشريعة باتفاق العلماء وقد رواه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب فضائل الأعمال وفي هذا الكتاب أحاديث كثيرة مكذوبة وموضوعة ".(3) اهـ
__________
(1) تحفة الذاكرين ص 140
(2) جامع الأصول لابن الأثير 4/302 ح (2302)
(3) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 164ـ 165(1/33)
2 - هذا خبر موضوع آفته عبد الملك بن هارون قال ابن معين:" كذاب " وقال السعدي:" دجال كذاب " قال أحمد:" ضعيف " وقال ابن عدي:" له أحاديث لا يتابعه عليها أحد "وقال الحاكم في المدخل:" عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني روى عن أبيه أحديث موضوعة "(1).
وله علة أخرى وهي ضعف والد عبد الملك كما قال الدار قطني:"وأبوه أيضا متروك " (2)
فتحصل مما سبق أنه خبر باطل لا يحتج به.
- الحديث الخامس عشر:
ما روى موسى بن عبد الرحمن الصنعاني عن ابن عباس مرفوعا (( من سره أن يوعيه الله حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف أو في صحف قوارير بعسل وزعفران وماء مطر وليشربه على الريق وليصم ثلاثة أيام وليكن إفطاره عليه ويدعو به في أدبار صلواته: اللهم إني أسألك بأنك خير مسؤول لم يسأل مثلك ولا يسأل وأسألك بحق محمد نبيك وإبراهيم خليلك وموسى نجيك وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك....)) الحديث .
ويروى نحوه عن ابن مسعود(3).
والرد عليهم من وجوه خمسة:
1 - موسى بن عبد الرحمن الصنعاني هو آفة هذا الخبر الموضوع.
قال ابن حبان:" دجال وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابا في التفسير جمعه من كلام الكلبي ومقاتل " وقال ابن معين:" كذاب " قال الدار قطني " متروك " وقال ابن حبان:" كان مغفلا يلقن فيتلقن فاستحق الترك " (4) اهـ
2 - قال السيوطي:" موضوع، المتهم به عمر بن صبح " كما في اللآلئ المصنوعة (2/356).
__________
(1) التاريخ لابن معين2/376 وأحوال الرجال ص 68 والمجروحين 2/133 كتاب الضعفاء والمتروكين ص 166 والكامل 5/1942
(2) الضعفاء والمتروكين ص 289 رقم ( 362 )
(3) انظر ابن الجوزي في الموضوعات 2/174 وابن عراق في تنزيه الشريعة 2/322
(4) الميزان 4/194 واللسان6/124 والضعفاء للعقيلي4/166 وقاعدة جليلة ص 178 والكامل 6/349(1/34)
3 - قال ابن عراق في تنزيه الشريعة (2/322):" رواه أبو الشيخ في الثواب من حديث أبي بكر الصديق من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني الدجال.." اهـ
4 - أن هذا الحديث معضل والمعضل من قسم الضعيف لأنه ما سقط منه راويان على الولاء.
5 - لا طريق لحفظ القرآن إلا بالمداومة على تكرار ترتيله وتعلمه كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (( إنما العلم بالتعلم))(1) .
- الحديث السادس عشر:
(( قال داود عليه السلام أسألك بحق آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال أما إبرهيم فألقي في النار فصبر من أجلي وتلك بلية لم تنلك، وأما إسحاق فبذل نفسه ليذبح فصبر من أجلي وتلك بلية لم تنلك وأما يعقوب فغاب عنه يوسف وتلك بلية لم تنلك ))(2)
والرد عيه من وجوه ستة:
1 - هذا خبر منكر لأن في سنده أبا سعيد واسمه الحسن بن دينار، قال ابن حبان:"تركه وكيع وابن المبارك فأما أحمد ويحي فكانا يكذبانه قال عباس سمعت يحي يقول ليس بشيء ؛ وقال أبو حاتم: "متروك الحديث كذاب " وقال أبو خيثمة:"كذاب ".(3) اهـ
2 - وله طريق أخرى عند الطبري ذكرها ابن كثير في تفسيره (4/17) عن طريق زيد بن الحباب عن الحسن بن دينار عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب به؛ وقال ابن كثير عقبه لا يصح ؛ في إسناده ضعيفان وهما: الحسن بن دينار متروك وعلي بن زيد بن جدعان منكر الحديث.
__________
(1) علقه البخاري ووصله غيره.انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 342
(2) قال الهيثمي في المجمع 8/202 رواه البزار من رواية أبي سعيدم عن علي بن زيد وأبو سعيد لم أعرفه وعلي بن زيد
ضعيف وقد وثق .
(3) انظر ترجمته في الميزان 1/487 والكبير 2/222 والضعفاء الصغير للبخاري ص33 واللسان 203-205(1/35)
3 - وله طريق ثالث عند الحاكم (2/526) من طريق زيد بن الحباب عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب مرفوعا وفيه علي بن زيد وهو ضعيف منكر الحديث.(1)
4 - ولو ثبت هذا الأثر لكان ردا واضحا عليهم إذ لم يقره على هذا التوسل بل بين له أنهم إنما وصلوا إلى ما وصلوا إليه طاعتهم فلنسلك نحن طريقهم في ذلك كما بين له أنه لا علاقة له بطاعتهم هم وأعمالهم الصالحة.
5 - أنه منكر المتن لأن الذبيح هو إسماعيل كما دل عليه الكتاب والسنة.
- الحديث السابع عشر:
" ما روي عن أبي صالح السمان عن مالك الدار وكان خازن عمر قال أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتي الرجل في المنام فقيل له ائت عمر...."
وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة.(2)
والرد عليه من وجوه خمسة:
1 - هذا الأثر ضعيف لا يثبت بوجه من الوجوه، فمالك الدار هذا مجهول لا يدرى من هو، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكر له راويا غير أبي صالح ولم يذكر فيه جرحا ولا توثيقا ولا ينافي ذلك قول الحافظ " بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار"، لأنه يعني صحة الإسناد إلى أبي صالح وقال الهيثمي في المجمع (3/125) والمنذري في الترغيب (2/41) ومالك الدار لا أعرفه.
2 - أن هذا الأثر مخالف لما ثبت من صلاة الإستسقاء التي ثبتت في النصوص الكثيرة والدعاء.
3 - مخالف للقرآن يقول تعالى: { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا.. } [ نوح 10-11 ].
__________
(1) راجع السلسلة الضعيفة 1/342- 343 والميزان 3/125 والتقريب ص 340
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 12/31- 32 وانظر البداية والنهاية لأبن كثير 7/101(1/36)
4 - مخالف لهدي السلف إذ كانوا يصلون ويدعون في الإستسقاء كمافعل العباس بحضور الصحابة وفعل معاوية بيزيد بن الأسود الجرشي.
5 - هذه القصة لا حجة فيها لأن الرجل الذي فعل هذا مجهول لا ندري هل هو شيطان رجيم أم عفريت مارد أم زنديق شارد وتسميته بلالا إنما وردت عن سيف بن عمرو الضبي الأسدي... مصنف الفتوح والدرة وغير ذلك قال يحي:" ضعيف "، وقال مرة:"فلس خير منه"، قال ابن حبان:" يروي الموضوعات عن الأثبات وقالوا إنه كان يضع الحديث "، قال أبو حاتم:" متروك "، وقال ابن حبان:" اتهم بالزندقة "، وقال ابن عدي:" عامة حديثه منكر "، وقال أبو داود:" ليس بشيء " (1) اهـ
- الحديث الثامن عشر:
قال الدارمي في سننه(2): "حدثنا أبو النعمان ثنا سعيد بن زيد ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف قال ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق "
والرد عليهم من وجوه خمسة:
1 - هذا خبر ضعيف لا يثبت من وجه، له ثلاث علل:
أ - ضعف سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن زيد قال يحي بن سعيد:"ضعيف " قال السعدي:" ليس بحجة يضعفون حديثه " وقال النسائي وغيره:" ليس بالقوي" وقال أحمد:" ليس به بأس " وكان يحي بن سعيد لا يستمرئه(3)
ب - الوقف على عائشة فلو ثبت وهيهات له ذلك لكان اجتهادا منها لا حجة فيه.
ج - أبو النعمان محمد بن الفضل اختلط في آخر عمره(4) فلا ندر هل سمع منه هذا الحديث قبل الإختلاط أم بعده فوجب رده.
__________
(1) انظر ترجمته في الميزان 2/197 وضعفاء النسائي187
(2) سنن الدارمي 1/43
(3) انظر الميزان 2/138 والكبير3/472 وضعفاء النساء ص 190
(4) ذكره برهان الدين الحلبي في المختلطين(1/37)
2 - أنه مخالف للكتاب والسنة حيث بينا طريقة الإستسقاء وأنها تكون بالصلاة والدعاء لا غير أو الدعاء وحده.
3 - ومما يدل على بطلان هذا الخبر ما ثبت في الصحيح(1) أن حجرة عائشة كان سقفها مكشوفا وبعضها مسقوفا منذ حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف توقف المطر ؟.
4 - لوكان هذا الخبر ثابتا لاستمر المطر عليه - صلى الله عليه وسلم - في حياته وهو حي عند ما يخرج وقد وقعت في حياته مجاعات وجدب مع بروزه للشمس ؟!.
5 - لو صح ذلك الخبر لجعلها الناس سنة يفعلونه في كل جدب أو قحط.
- الحديث التاسع عشر:
ما روي في الدر المنظم " أن أعرابيا وقف على القبر الشريف فقال: اللهم إن هذا حبيبك وأنا عبدك والشيطان عدوك فإن غفرت لي...سر حبيبك وفاز عبدك وغضب عدوك وإن لم تغفر لي غضب حبيبك ورضي عدوك وهلك عبدك وأنت يا رب... أكرم من أن تغضب حبيبك وترضي عدوك وتهلك عبدك... فقال بعض الحاضرين ياأخا العرب إن الله قد غفر لك بحسن السؤال ".
الرد عليه من وجوه ثلاثة:
1 - هذا خبر باطل لا أصل له في شيء من كتب السنة فهو إفك مفترى لا خطم له ولا زمام هذا فضلا عن تلفيق متنه الذي يدل على أنه مصنوع وما حواه من الأباطيل والمشاكل.
وقصارى أمره أن يكون من وضع بعض المتوسلين من المحرفين ولا وجود له إلا في إدمغتهم.
2 - ثم من هذا الأعرابي ومتى كان كلامه حجة على العالمين والله يقول: { الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم } [ التوبة 97 ].
__________
(1) هدا إشارة إلى حديث عائشة عند البخاري ح (546) بلفظ:" كان يصلي صلاة العصر والشمس طالعة في حجرة لم يظهر الفيءبعد "
وما في معناه من الأحايث الكثيرة .(1/38)
وقد ثبت في الصحيحين أن أعرابيا بال في المسجد النبوي(1) وأن أعرابيا آخر جبذه - صلى الله عليه وسلم - برداء حتى أثر في عنقه وقال أعطني من مال الله(2) فهل تقتدي بهؤلاء في ذلك ؟.
3 – قوله: " وغضب حبيبك ":يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باطل لأنه لا يغضب من حكم الله بل يرضى به ولا يغضب منه ويسخطه إلا الكافرون.
- الحديث العشرون:
ماروى البيهقي من طريق أبي معمر سعيد بن أبي خيثم عن مسلم الملاء عن أنس - رضي الله عنه - أن أعرابيا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي به وأنشده أبياتا أولها
أتيناك والعذراء يدمي لبانها
وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
إلى أن قال:
وليس لنا إلا إليك فرارنا
وأنى فرار الخلق إلا إلى الرسل
فلم ينكر - صلى الله عليه وسلم - هذا البيت بل قال أنس لما أنشد الأعرابي قام - صلى الله عليه وسلم - يجر رداءه حتى رقي المنبر فخطب ودعا لهم فلم يزل يدعو حتى أمطرت السماء(3).
الرد عليهم من ثلاثة أوجه:
1 - هذا خبر واه تفرد به مسلم بن كيسان أبو عبد الله الضبي الأعور المكي قال الفلاس:" متروك الحديث" وقال أحمد:" لا يكتب حديثه " وقال يحي:" ليس بثقه " وقال أيضا: "زعموا أنه اختلط" وقال البخاري:" يتكلمون فيه " وقال النسائي وغيره "متروك "وقال الذهبي:" أنه روى حديث الطائر الذي أهدته أم أيمن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحديث الطائر موضوع عند أهل الحديث "(4) اهـ
- قال في التقريب " موسى بن كيسان الضبي الملائي البراد الأعور أبو عبد الله الكوفي ضعيف من الخامسة "(5) اهـ
__________
(1) متفق عليه: البخاري (220- 221 ) ومسلم ( 659- 660 )
(2) مسند أحمد 2/288
(3) رواه البيهقي في دلائل النبوة ومن طريقه ابن كثيرفي البداية والنهاية 6/79
(4) انظر ترجمته في الميزان 4/99 والكبير 7/271 والضعفاء والصغير للبخاري ص 111
(5) تقريب التهذيب ص 463(1/39)
2 - والحديث لو صح - وأنى له ذلك - ليس فيه إلا التوسل بدعائه - صلى الله عليه وسلم - والحمد لله رب العالمين.
3 - لو كان متوسلا بذاته - صلى الله عليه وسلم - أو بجاهه لما احتاج إلى المسير إليه من البادية إلى المدينة.
- الحديث الواحد والعشرون:
ما روى الطبراني في الكبير والبيهقي في الدلائل (1) أن سواد بن قارب أنشد الرسول - صلى الله عليه وسلم - قصيدته التي فيها التوسل ومنها:
وأشهد أن الله لا رب غيره
وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة
إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب
فامرنا بما يأتيك يا خير مرسل
وإن كان فيما فيه شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة
بمغن فتيلا عن سواد بن قارب
والرد عليه من وجوه ثلاثة:
1 - هذه خرافة باطلة وإن كثرت طرقها وإليك بيان ذلك(2) :
أ - رواية البيهقي في الدلائل(2/34) فيها زياد بن يزيد بن بادويه ومحمد بن تراس الكوفي، قال الذهبي في التاريخ (1/206):" هذا حديث منكر بالمرة ومحمد بن تراس وزياد مجهولان لا تقبل روايتهما وأخاف أن يكون موضوعا على أبي بكر بن عياش " اهـ
ب - رواية أبي يعلى رواها ابن كثير في سيرته " السيرة المطولة " (1/44- 346) قال " هذا منقطع من هذا الوجه " وقد أوضح الذهبي في تاريخ الإسلام (1/207-208) علة هذه الطريق فقال:" أبو عبد الرحمن اسمه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي متفق على تركه وعلي بن منصور فيه جهالة مع أن الحديث منقطع " اهـ
وعثمان هذا قال البخاري:"تركوه" وقال ابن معين:" ليس بشيء - وقال مرة - يكذب " وقال النسائي والدار قطني "متروك ".(3) اهـ
__________
(1) دلائل النبوة للبيهقي 2/34 وقال في الرواية الصحيحة غنية عن هذه الروايات.
(2) أنظر التوصل إلى حقيقة التوسل ص 308
(3) انظر ترجمته في الميزان3/44 والكبير 6/238(1/40)
ج - رواية ابن عدي في الكامل (2/628) في ترجمة الحكم بن يعلى من طريقه عن عباد بن عبد الصمد عن سعيد بن جبير قال الذهبي في تاريخ الإسلام (1/208):" فيه سعيد يقول أخبرني سواد بن قاربة وبينهما انقطاع وعباد ليس بثقة يأتي بالطامات " اهـ
د - رواية محمد بن السائب الكلبي عند ابن كثير في السيرة (1/348-349) وهو" متهم بالكذب ورمي بالرفض " كما في التقريب(1) قال الجوزقاني وغيره:" كذاب " قال الدارقطني وجماعة:" متروك "قال البخاري: "تركه يحي وابن مهدي" وقال يزيد بن زريق :" حدثني الكلبي وكان سبئيا " وقال ابن حبان :" كان الكلبي سبئيا من أولئك الذين يقولون إن عليا لم يمت وأنه راجع إلى الدنيا ويملؤها عدلا كما ملئت جورا وإن رأوا سحابة قالوا :أمير المؤمنين فيها"وقال ابن معين:" الكلبي ليس بثقة" وقال:" مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه وقال لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به "(2) .
ه - رواية أبي بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتابه الذي جمعه في هواتف الجان وهي عند ابن كثير (1/346) وفيها الشعر سوى بيت " وكن لي شفيعا...." وهو محل استدلالهم.
و - رواية الفضل بن عيسى القرشي عن العلاء بن يزيد، قال السيوطي في شرح شواهد المغني (2/255):" والعلاء بن يزيد المديني كان يضع الحديث وقال البخاري وغيره: " منكر الحديث " وقال أبو حيان: " روى نسخة موضوعة "، وأورد له الذهبي في الميزان عدة مناكير "(3). اهـ
ز - رواية الحسن بن سفيان في مسنده من طريق الحسن بن عمارة، قال السيوطي في شرح شواهد المغني (2/255):" والحسن بن عمارة ضعيف جدا ". اهـ
__________
(1) ص 415
(2) الميزان 3/533- 534
(3) ميزان الإعتدال 3/105(1/41)
قال شعبة:" يكذب " وقال أحمد:"متروك " قال ابن معين:" ليس حديثه بشيء " وذهب ابن المديني إلى أنه كان يضع الحديث، وقال الجوزقاني:" ساقط " وقال أبو حاتم ومسلم والدار قطني وجماعة:" متروك ".(1) اهـ
2 - ثم لو صح هذا الخبر فلا حجة لهم فيه لأنه إنما تضمن الشفاعة ورسول - صلى الله عليه وسلم - سيشفع في أمته يوم القيامة.
3 - أما قوله " أدنى العالمين وسيلة..." فإن الوسيلة هنا هي المنزلة والمكانة العالية والوسيلة في اللغة تطلق على ذلك كما في القاموس (4/64) .
- الحديث الثاني والعشرين:
" مرثية صفية رضي الله عنها التي فيها:
ألا يارسول الله كنت رجاءنا
وكنت بنا برا ولم تك جافيا(2)
والرد عليهم من ثلاثة أوجه:
1 - هذا خبر ضعيف لانقطاعه إذ هو من رواية عروة بن الزبير عن صفية وعروة إنما ولد سنة 29 هـ كما في التهذيب أي بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ب 19 سنة والقصيدة إنما قيلت عند الوفاة وصفية ماتت سنة 20 هـ قبل ولادة عروة ب 9 سنين فكيف يروي عنها، وبذلك تعلم تساهل الهيثمي في تحسينه للحديث.
2 - ولا متعلق لهم بهذا الخبر فلما أيقنوا ذلك قام شيخهم دحلان بتحريف البيت إلى: " أنت رجاؤنا..." بدل "كنت رجاءنا " وما ذهب إليه لا يوجد في شيء من روايات هذه القصة.
3 - ومعنى الرجاء التوقع والأمل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يستحق من صفية وغيرها أن تؤمل فيه كل خير.
قال في القاموس:" الرجاء ضد اليأس كالرجو والرجاءة والرجاوة والترجي والإرتجاء والترجية "(3)
وقال ابن الأثير:" وقد تكرر فيه الرجاء بمعنى التوقع والأمل "(4) اهـ
- الحديث الثالث والعشرون:
__________
(1) انظر ترجمته في الميزان1/507- 508 والكبير 3/303
(2) مجمع الزوائد 9/38ـ 39 وعزاه إلى الطبراني وحسنه.
(3) القاموس ص 1158
(4) النهاية في غريب الحديث 2/207(1/42)
" ما روي عن محمد بن حرب الهلالي قال: دخلت المدينة فأتيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فزرته وجلست بحذائه، فجاء أعرابي فزاره ثم قال:يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتابا صادقا قال فيه: { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } إلى قوله { رحيما } وإني جئتك مستغفرا ربك من ذنوبي مستشفعا بك وفي رواية وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم بكى وأنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم استغفر وانصرف، قال فرقدت فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نومي وهو يقول الحق بالرجل وبشره بأن الله غفر له بشفاعتي فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم أجده "(1) .
والرد عليه من ستة أوجه:
1- هذه حكاية باطلة، قال ابن عبد الهادي:" وهي الحكاية التي ذكرها - يعني السبكي - بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب بلا إسناد عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي وذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري،حدثني أبو حرب الهلالي قال حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجده - صلى الله عليه وسلم - أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ثم ذكر نحو ما تقدم وقد وضع لها بعض الكذابين إسنادا إلى علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - وفي الجملة ليست الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما تقوم به الحجة وإسنادها مظلم ولفظها مختلف أيضا ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية ولا الإعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله والتوفيق(2)" اهـ
2- ليس في هذه الأسطورة ذكر للتوسل بالذات أو الجاه وإنما فيها شفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) وفاء الوفاء للسمهودي 4/1136
(2) لصارم المنكي ص 212(1/43)
3 - وهذه منامات وأضغاث أحلام ولا علاقة لذلك بشريعة الله ولا تبنى عليها الأحكام الشرعية.
4 - والعجب أنهم يتعلقون بما ينسب إلى الأعراب الأجلاف ويعرضون عما ثبت عن أئمة السلف فهل يعتقدون أن هذا الأعرابي وأمثاله أعلم بالدين من أبي بكر وعمر وسائر الصحابة الذين لم يفعلوا هذا الأمر ؟.
5 - يلزم من يستدل بفعل هذا الأعرابي أن يبول في المسجد النبوي الشريف لما ثبت في الصحيحن أن أعرابيا بال في المسجد...الحديث(1) .
6 - فإن قيل قد روى أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي قال حدثني أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي الصادق عن علي بن أبي طالب قال قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أيام... الحديث .
__________
(1) صحيح البخاري ح (220)(1/44)
قال ابن عبد الهادي " هذا خبر منكر موضوع وأثر مختلق مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه ولا يحسن المصير إليه وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض والهيثم جد أحمد بن محمد بن الهيثم أظنه ابن عدي الطائي فإن يكه فإنه متروك كذاب وإلا فهو مجهول وقد ولد الهيثم بن عدي في الكوفة ونشأ بها وأدرك زمان سلمة بن كهيل فيما قيل ثم انتقل إلى بغداد فسكنها قال عباس الدوري سمعت يحي بن معين يقول الهيثم بن عدي كوفي ليس بثقة كان يكذب وقال العجلي وأبو داود :( كذاب ) وقال أبو حاتم الرازي والنسائي والدولابي والأزدي:( متروك الحديث ) وقال السعدي:( ساقط قد كشف قناعه ) وقال أبو زرعة ( ليس بشيء ) وقال البخاري:( سكتوا عنه ) أي تركوه وقال ابن عدي:( ما أقل ماله من المسند إنما هو صاحب أخبار وأسمار ونسب وأشعار ) وقال ابن حبان:( إنه روى عن الثقات أشياء كأنها موضوعات يسبق إلى القلب أنه كان يدلسها ) وقال الحاكم أبو أحمد:( ذاهب الحديث ) وقال الحاكم أبو عبد الله:( حدث عن جماعة من الثقات أحاديث منكرة ) وقال العباس بن محمد ( سمعت بعض أصحابنا يقول قالت جارية الهيثم كان مولاي يقوم الليل يصلي فإذا أصبح جلس يكذب )"(1)
- الحديث الرابع والعشرين:
__________
(1) انظر ترجمته في الكبيرالبخاري 8/218 والميزان 4/296- 297 والكامل لإبن عدي 7/104 وضعفاء النسائي 244(1/45)
روى ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن أبان الغنوي عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد العزيز عن الشعبي أنه قال:" لقد رأيت عجبا كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم ليقم كل رجل منكم فليأخذ بالركن اليماني وليسأل الله حاجته فإنه يعطى من ساعته ؛ ثم قالوا قم يا عبد الله بن الزبير فإنك أول مولود في الإسلام بعد الهجرة فقام فأخذ الركن اليماني فقال:اللهم إنك عظيم ترجى لكل عظيم أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك وحرمة نبيك ألا تميتني من الدنيا حتى تولني الحجاز ويسلم علي بالخلافة ؛ثم جاء فجلس ثم قام مصعب فأخذ بالركن اليماني ثم قال: اللهم إنك رب كل شيء وإليك يصير كل شيء أسألك من قدرتك على كل شيء ألا تميتني من الدنيا حتى تولني العراق وتزوجني سكينة بيت الحسين ؛ ثم قام عبد الملك فأخذ بالركن اليماني ثم قال:اللهم رب السماوات السبع ورب الأرض ذات النبت بعد القفر أسألك بماسألك به عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحقك على خلقك وبحق الطائفين حول عرشك...الأثر(1).
والرد عليهم من وجهين:
1- هذا خبر موضوع وكذب مصنوع آفته إسماعيل بن أبان، قال أحمد: " كتبت عنه ثم حدث بأحاديث موضوعة فتركناه " وقال يحي بن معين:" وضع حديثا على السابع من ولد العباس يلبس الخضرة - يعني المأمون - " وقال البخاري ومسلم وأبو زرعة والدار قطني:" متروك " وقال الجوزقاني:" ظُهر منه على الكذب " وقال أبو حاتم:" كذاب " وقال ابن حبان:" يضع على الثقات وكان أحمد بن حنبل شديد الحمل عليه "(2) اهـ
__________
(1) كتاب مجابي الدعاء لابن أبي الدنيا ( 120ـ121).
(2) انظر ترجمته في الميزان 1/232 والجرح والتعديل 2/160 والضعفاء والمتروكين ص 132 وأحوال الرجال ص 84
والمجروحين من المحدثين الضعفاء والمتروكين 1/128 .(1/46)
وله علة أخرى وهي جهالة طارق بن عبد العزيز فلا ذكر له في شيء من كتب الرجال التي بين يدي .
2 - أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/91) بإسناد ضعيف لكنه خير من الإسناد السابق وليس فيه السؤال بالمخلوقات من طريق الأصمعي " حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: اجتمع في الحجر مصعب وعروة وعبد الله بنو الزبير وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنوا فقال عبد الله ابن الزبير: أما أنا فأتمنا الخلافة، وقال عروة: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين، وقال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة، قال فنالوا كلهم ما تمنوا ولعل ابن عمر قد غفر له " اهـ.
- الحديث الخامس والعشرون:
قال الحاكم: حدثنا علي بن حمشاد العدل إملاء ثنا هارون بن العباس الهاشمي حدثنا جندل بن والق حدثنا عمرو بن أوس حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام ياعيسى آمن بمحمد ومر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به ولولا محمد ماخلقت الجنة والنار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن.
قال الذهبي:" أظنه موضوعا على سعيد "(1) اهـ
والرد عليهم من وجوه ثلاثة:
1 - قال الحافظ الذهبي:" عمرو بن أوس يجهل حاله، وأتى بخبر منكر أخرجه الحاكم في مستدركه وأظنه موضوعا من طريق جندل بن والق...وذكر هذا الخبر "(2)، وقال الصنغاني: "موضوع " كما نقله الشوكاني عنه وأقره(3)، وكذلك حكم عليه بالوضع العسقلاني وغيره.
__________
(1) الحاكم في المستدرك 2/615 ط: دار الكتاب العربي
(2) الميزان 3/240 واللسان 4/408
(3) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 326(1/47)
2 - أن الله أخبر في كتابه بسبب خلق الكون كله فقال تعالى: { وما خلقت الحن والإنس إلا ليعبدون } [ الذاريات 56 ] وقال { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا } [ الملك 02 ].
3 - لا علاقة لهذا الحديث بالتوسل أصلا.
- الحديث السادس والعشرون:
روى الخطيب في تاريخه (1/123) من طريق عمر بن إسحاق بن إبراهيم أنبأنا علي بن ميمون قال سمعت الشافعي يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره كل يوم - يعني زائرا - فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده فما تباعد عني حتى تقضى حاجتي.
والرد عليهم من وجهين:
1 - أن هذه رواية باطلة فإسحاق غير معروف ولا ذكر له في شيء من كتب الرجال إلا أن يكون هو والد عمرو بن إسحاق بن إبراهيم وهذا مجهول أيضا.(1)
2 - قال شيخ الإسلام:" هذا كذب معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل، فالشافعي لما قدم بغداد لم يكن بعدُ القبر يُنتاب للدعاء عنده البتة بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفا وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده ثم إن أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد وطبقتهم لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند أبي حنيفة ولا غيره ثم قد تقدم عن الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها وإنما يضع هذه الحكايات من يقل علمه ودينه وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف "(2) اهـ
- الحديث السابع والعشرون:
__________
(1) انظر السلسلة الضعيفة 1/297-298
(2) اقتضاء الصراط المستقيم ص 165(1/48)
روى أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهات قال ثنا أبو الحسن علي بن فهر ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج، ثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب، ثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل ثنا بن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله أدب أقواما فقال: { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبئ... } ؛ وذم قوما فقال: { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات.. } الآية وإن حرمته ميتا كحرمته حيا، فاستكان لها أبو جعفر فقال يا أبا عبد الله: أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى يوم القيامة ؟ بل استقبله واستشفع به، فيشفعك الله قال الله تعالى: { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } .
والرد عليهم من وجوه أربعة:
1 - هذه حكاية موضوعة آفتها محمد بن حميد الرازي كذبه أبو زرعة وابن وارة وقال صالح بن محمد الأسدي: "ما رأيت أحدا أجرأ على الله منه وأحذق بالكذب منه" وقال يعقوب بن أبي شيبة: " كثير المناكير" وقال ابن حبان:" يتفرد عن الثقات بالمقلوبات " قال ابن خراش:"حدثنا ابن حميد وكان والله يكذب "وقال:" وقال النسائي:" ليس بثقة "(1) اهـ
2 - وهذا الخبر منقطع: ابن حميد لم يدرك مالكا لا سيما في زمن أبي جعفر فإن أباجعفر توفي بمكة سنة 158هـ وتوفي مالك سنة 179هـ بينما توفي ابن حميد سنة 248هـ(2) .
__________
(1) انظر ترجمته في تهذيب الكمال 3/1190ـ 1191 والمجروحين 2/204 وتاريخ بغداد 2/260 والميزان 3/58-59
(2) انظر المجروحين 2/303 والكاشف 3/326 وتهذيب التهذيب 9/131 الميزان 3/531(1/49)
3 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه القصة: " كذب على مالك وليس لها إسناد معروف وهو خلاف الثابت المنقول عنه بأسانيد الثقات في كتب أصحابه كما ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي وغيره "(1) اهـ
4 - ثم لو صح فمعنى "وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى يوم القيامة " شفاعته لهم يوم القيامة وعليه فلا متعلق لهم بهذه الأسطورة.
- الشبه العقلية:
الشبهة الأولى قياس الخالق على المخلوق :
وتقرير هذه الشبهة أنهم يتوسلون إلى الله بالأنبياء والأولياء لأنهم أقرب إلى الله منهم كما يتوسل إلى الملوك بالمقربين منهم.
والرد على ذلك من أربعة أوجه:
1 - هذا قياس للخالق على المخلوق بل على المجرمين الجائرين لأن العادلين لا يحتاجون إلى وسائط وهذا من أبطل القياس وأشده كفرا قال تعالى: { فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون } [ النحل 74 ] وقال: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [ الشورى 11 ].
2 - مما يبطل هذه الشبهة وينسفها من أصلها أن الله تكفل بإجابة من دعاه فلم يحتج إلى وسائط يتوسل بهم من مخلوقاته قال تعالى: { وقال ربكم ادعوني استجب لكم } [ غافر 60 ] وقال: { أجيب دعوة الداع إذا دعان } [ البقرة 186 ].
3 - أن المتوسل إلى الرؤساء والملوك لا بد أن يأتي بالوسيط ليقوم بالشفاعة له أما لو جاء إلى الملك وقال أسألك بعمل فلان أو جاهه لكان من أسخف الناس ولما قضى له حاجة، وكذلك التوسل لا بد أن تذهب إلى العبد الصالح الحي فيدعو الله لك.
4 - أن هؤلاء الذين يشفعون عند الملوك إنما قبل الملك شفاعتهم خوفا أو طمعا والله تعالى غني عن العالمين قال تعالى: { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير } [ سبأ 22 ] .
الشبهة الثانية: وهي قولهم " هل هناك مانع من التوسل بالجاه أو بالذات أو بالحرمة؟ "
__________
(1) مجموع الفتاوى 1/353(1/50)
فهم يقرون أنه لم يثبت ما يدل على استحباب هذا النوع من التوسل لكن لا مانع منه أيضا والرد عليهم من أربعة أوجه:
1 - الوسيلة الشرعية عبادة ولا بد من دليل عليها، قال - صلى الله عليه وسلم -:" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " متفق عليه.
2 - لماذا تتركوا أنواع التوسل المشروع الثابتة في الكتاب والسنة إلى أنواعه المبتدعة { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } [ البقرة 61 ] ألم تسمعوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( كل بدعة ضلالة )).
3 - التوسل بالأشخاص قياس للخالق على المخلوق وهو من أبطل القياس مع أنه لا قياس في العقائد أصلا.
4 - لو كان في هذا النوع من التوسل خير لسبقنا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وتابعيهم بإحسان إذ الدين قد كمل { اليوم أكملت لكم دينكم... } [ المائدة 03 ].
- الشبهة الثالثة: قياس التوسل بالذات على التوسل بالعمل الصالح .
إذ يقولون: إذا كان التوسل بالعمل الصالح جائزا فالتوسل بالرجل الصالح الذي صدر منه هذا العمل أولى بالجواز،والرد عليهم من ثلاثة أوجه:
1 - هذه مغالطة مكشوفة لأننا لا نجيز التوسل بعمل الغير وإنما الجائز توسل الداعي نفسه بعمله الصلاح.
2 - هذا القياس باطل لمصادمته للشرع لأن القياس لا يجوز في العقائد.
3 - في هذا الكلام استدراك على الشرع وتسوية بين ما فرق الله بينه لأن التوسل بالعمل الصالح ثابت بالكتاب والسنة وأما التوسل بذات الغير فلا أصل له في شريعة الله.
- الشبهة الرابعة قياس التوسل على التبرك:
إذ يقولون إذا جاز لنا التبرك بآثاره - صلى الله عليه وسلم - فمن باب أولى يجوز لنا التوسل بجاهه العظيم، والرد عليهم من أربعه أوجه:
1 - أن التبرك إنما يرجى به الخير الدنيوي بخلاف التوسل الذي يرجى به أي شيء من خيري الدنيا والآخرة فظهر الفرق بينهما.(1/51)
2 - أن التبرك هو إلتماس الخير العاجل وأما التوسل فهو مصاحب للدعاء الذي هو أساس العبادة أما التبرك فلا يصاحبه دعاء .
3 - أما التبرك لا يكون بأحد من الأشخاص إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإجماع السلف الصالح كما ذكر الشاطبي في الإعتصام وأنتم تريدون التوسل بذات وجاه غيره - صلى الله عليه وسلم -.
4 - هذا قياس وهو في العقائد مردود.
الوجه الثاني:
لقد صورت للقارئ أنه ما رد عليكم إلا شخص واحد مجهول وهذا باطل لعدة أمور:
أ- أن هذا الكلام قد قلته لك مشافهة في المناظرة.
ب - لو صرحت لك باسمي لجبنت وخفت من عاقبة الرد عليه بدليل هروبك ليلة المناظرة وعدم مجيئك للمناظرة الثانية مع أنك أنت الذي حددت زمانها ومكانها كما هو موجود على الشريط بصوتك ومنذ ذلك الوقت وأنا أتحداك أن تناظرني في هذه المسائل إلى الآن.
ج- عامة أهل العلم ببلدنا وغيره من بلاد الإسلام تصدوا للرد على طريقتكم المبتدعة الضالة نظما ونثرا وإليك أمثلة من ذلك:(1/52)
1 - مما خوفكم معاشر التجانيين من المناظرة ما وقع لكم في مناظرة أبي تلميت التاريخية ولندع القاضي والعلامة الأديب والشاعر المفلق الأريب محمد عبد الله بن محمد بن أحمَذَيَّ ينقل لنا وقائعها إذ قال ما نصه:" بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والسلامان على سيد المرسلين وبعد فقد بعث إلي الأمير أحمد بن الديد - حفظه الله ورعاه وحمد في الدارين مسعانا ومسعاه - لأحضرمجلس المناظرة بين أحمد سالم بن سيديا الجكني متكلما عن ابن مايابى والشيخ المختار بن محمد بن عم متكلما عن كتب الطريقة التجانية وألزمني النظر فيما يقع بينهما من إيراد ورد والإفصاح بما تبين لي من الحق في ذلك وألزم القاضي محمد محمود بن عبد الله مثل ما ألزمني فحكمنا بينهما، وزجرهما عن الاحتجاج من قبل أنفسهما وألزمهما أن يتراسلا بأن يملي أحمد سالم من كتاب ابن مايابى إحدى المسائل التي شنع فيها على التجانية وما استشهد به لبطلانها من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة، ثم يسكت فيملي الشيخ المختار من كتابهم الذي ألفوه في الرد على ابن مايابى وما أجابوا به عن تلك المسألة ثم يملي أحمد سالم الثانية،ثم كذلك، فأمعنت النظر فيما جرى بينهما فتبين لي أن ما أجابوا به ابن مايابى ليس فيه جواب عما أورد فلما ضاق الشيخ المختار ذرعا بالجواب أخذ يجيب من عند نفسه بأن كلام الشيخ سيد أحمد التيجاني لا يفهمه أمثالنا من المحجوبين وأنه معذور بالشطح فسألته أكان يتكلم بالشطح وهو يقول:أن جميع ما يمليه عن أصحابه يمليه عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفيملي عليه الشطح ؟ قال: يصح أن يكون في إملائه عليه في الحال يتكلم بالشطح ؛ وزعم أنه وجد ذلك في الكتب الموثوق بها فقلت أرنا ذلك، فقال: إن أريتكموه تبين لكم صحة جميع مذهب التجاني وبطلان حجج من يرد عليه، فقلت له: لا، فإن في كلام التجاني أمورا كذبها القرآن فكل من قال بها ارتد فأنكر ذلك،فقلت أرايت لو نطق أحد بأن(1/53)
الكفار تنالهم الرحمة الأخروية فقال: إن تكلم بذلك مثلي ومثلك ارتد وإن تكلم به الشيخ سيد أحمد لم يرتد فأقبل الجمع يتعوذون من عظم ما قال ويشهدون عليه به فراجع الشهادتين وتاب وانقطع، فأقامه الأمير أحمد المذكور من مجلسه وحلف له أنه لو لم يكن غريبا لعزره فزجره عن حضور مجلسه أبدا، فامتنع الأمير ابن الديد المذكور من البحث بعد ذلك فتحصل مما حصل من البحث والنظر أن في جواهر المعاني التجاني مسائل منها ماهو صريح لا يقبل تأويلا كمحبوبية الكفار عند الله تعالى وقد قال تعالى: { والله لا يحب الكافرين } ونومهم في النار وقد قال تعالى: { لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا } وانقطاع الإحساس بالعذاب عنهم وقد قال تعالى: { فلن نزيدكم إلا عذابا } ، { لا يفتر عنهم } وأكلهم ما يشتهون فجميع هذا لا يقبل تأويلا ومثله نيل الرحمة الأخروية لهم وقد قال تعالى { يئسوا من رحمتي } ومنها ماهو مقتض وهو أكثر من ذلك كنسبة الكتمان له - صلى الله عليه وسلم - وكون صلاة الفاتح من كلامه تعالى وتفضيلها على القرآن وعدم صلاحية معاصريه - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة لما يصلح لحمله المتأخرون إلى غير ذلك، ومنها ما هو تحكم على الله تعالى وتكلم بما هو توقيفي من تحديد الأجور وتفضيل بعض الطاعات على بعض ففيه ما فيه من سوء الأدب، من غرور العوام وتأمينهم مكر الله وتجرئتهم على معاصي الله تعالى ما لا يخفى ومنها ماهو بدعة واعتزال كالمعية بالذات فالقول بها مذهب النجارية من المعتزلة كما نص عليه زروق وغيره إلى غير ذلك مما ينقم من اشتراط أهلها على من دخل فيها هجران زيارة أولياء الله تعالى البتة فهو شرط مراغم للسنة مفيت لكثير من الخير قد وعد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتزاورين في الله فالصواب عندي أن يمتثل أتباعه أمر الشرع بنبذ ما خالف السنة من كل مايقول وبالله تعالى التوفيق والهداية إلى سواء الطريق، ففيما صح عنه(1/54)
- صلى الله عليه وسلم - من العبادات السالمة من البدع المقربة من الله تعالى ما فيه للمسلم كفاية فقد أقسم بالذي نفسه بيده ما ترك شيئا يقربنا من الجنة ويباعدنا عن النار إلا ودلنا عليه ولا ترك شيئا يقرب من النار ويباعد من الجنة إلا حذرنا منه فإن كانت الطريقة التجانية مما يقرب من الجنة فلا يصح أن يكون سكت عنها وكتمها وإن كانت مما ذكر لأصحابه فأخذها عنه - صلى الله عليه وسلم - لا عن غيره وإن كانت مما سكت عنه ولم يبلغه فلا تقرب من الجنة ولا تباعد من النار لأنه بلغ كلما يقرب من الجنة ويباعد من النار فلا طائل حينئذ تحتها ".
وكتبه محمد عبد الله ولد محمد بن أحمذَيَّ لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى عام 1348 هـ انتهى من خط القاضي المذكور.(1)
2- وممن أنكر عليكم هذه المسائل التي نبهتك عليها العلامة الجليل أفاه بن الشيخ محمد المهدي التنواجيوي الذي كان معروفا بالإنكار عليكم وقد رام بعض شعرائكم النيل منه فرد عليه الشاعر المجيد محمد ولد ابنُ ولد أحميده الحسني بهذه القصيدة التي هتكت أستاركم وكشفت أسراركم:
إن لم تكن قد أحست البين من سلمه
لا تجر دمعا فإجراء الدموع لمه
صن بعض دمعك إن الدمع فيه لمن
يعتاده الوجد ما يشفي به ألمه
الدمع علق نفيس غير أن به
يبدو من الصب للواشين ماكتمه
فقلت لا تحج دمع الصب صائنه
إما تبين(2) أن الحِب قد صرمه
ما كان أجرى لدمع البين من طلل
تلتاح فيه بقايا الآي منثلمه
عاف كوشي فرند أو كوشم يد
أسف فيه النؤور الرجع من وشمه
لم تلف فيه أريما إن وقفت به
إلا رمادا ككحل العين أو حممه
لله عصر بذي الأثل انقضى ومضى
سقيت فيه العدو المستشيط دمه
قالت أمامة: إني صرت صارمة
حبل المودة والأحشاء مضطرمه
__________
(1) تقاريظ مشتهى الخارف ص 16ـ 18
(2) كدا في الديوان وفي بعض النسخ "حتى تبين"(1/55)
ولست أرضى بأن ألفى مخاللة
من ليس شيخي أو أنغي له كلمه
وصرت أحسب منك الوصل منقصة
فقلت:هذا لمه،قالت: رويدك مه(1)
إني غدرت وشيخي من شمائله
غدر وإني لأقفو دائما شيمه
فقلت: ما شاهدت عيناك فيه من السـ
يما على ما ادعاه الناس من عظمه
قالت: شريعته للشرع ناسخة
والأولياء به في الدهر مختتمه
بله الكرامات قد جلت وأعظمها
أن المحارم صارت غير محترمه
وصار دين النبي الهاشمي لقى
وصار لقيا الغواني للصلاح سمه!
وشارك الشيخ في الزوجات كل فتى
قسرا ولما تكن بالعدل مقتسمه
تلفى الخرائد في حافاته حلقا
أمواج أردانها بالمسك ملتطمه
تختال في نسج صنعاء المصور في
أرجائه، وتذم البرق مبتسمه
تأتيه ليلا فرادى كي ينال لما
يهوى وتاتي نهارا وهي ملتئمه
كأنهن زليخى وهو يوسف إلـ
ــلا أن يوسف رب العرش قد عصمه
وأنه عنده شطر الجمال وأن
ما بلغت أحدا هماته هممه
كأنه بينها لو لم يكن خرقا
عرس كريم علا الأقوام في الكرمه
قالت: أتنكر ما قد قلت فيه أمن
حزب الشريف(2) المقاس في الضلال حمه؟
المقتفي نهج طه في فعائله
من لم يكن عاملا إلا بما علمه
فقلت: لله هذاك الشريف وما
أجرى على من أتاه منكم ديمه
فكم كسى عاري الأوصال مكرمة
منكم وكم جند جوع عنكم(3) هزمه
لله قلب له مبيض كل رجا
قد أودع الله في سودائه حكمه
لله هيبة ليث منه واضحة
كأنه وهو ضاح هو في أجمه
يسطو على بدع قد شبن منتضيا
صمصامة الحق حتى فئن منهزمه
قالوا: اسمه في نوادينا المضلل لا
(أفاه) قلت لهم:ما كان ذاء سمه
ولو وسمتم بهذا الاسم شيخكم
__________
(1) في الديوان "فقلت مادا لمه ؟قلت:رويدك مه"
(2) يعني (أفاه ولد الشيخ محمد المهدي)
(3) في بعض النسخ عنه قد هزمه(1/56)
لطابقت في اسمه السيما لمن وسمه
أما الشريف فلم يعبأ بقولكم
فيه وإن كان بعض منكم شتمه
ولست أحسبه يدعى المضلل إن
نفى عن المصطفى الكتمان والتهمه
أو قال ما قاله في الكتب إن له
كفا بقول رسول الله معتصمه
صلى عليه إلاه العرش ما نسمت
صبا وما بردت من الجوى نسمه(1)
3 - من العلماء البارزين المعروفين الذين أنكروا عليكم هذه الكفريات العلامة العلم محمد بن حبيبنا التندغي الجكني حيث يقول:
شهدنا بأن الهاشمي مبلغ
وأن طريق التيجني جنون
طريق بها كتم الرسالة واضح
وفيها من أنواع المجون فنون
لأن طريق الحق لما تكملت
ومرت لها بعد النبي قرون
حباهم رسول الله وردا وشيخهم
له الورد عن كل الأنام مصون
ومن زار هذا الشيخ من كافر الملا
يصير شهيدا والحديث شجون
فيالك من شيخ حبيت مزية
سمت عن مزايا الكل وهي مجون
وفيها كلام يعدل النور فضله
وأنى له ذاك الفخار يكون
فإن المزايا الغر لا بد أن ترى
عليها من السمع الصحيح حصون
وغفران حوب الكل ذاك مزية
وتلك التي منها استهل شؤون
لأن رسول الله أنذر آله
وما قام بالإنذار وهو حجون
وإعطاء أعمال العباد لحزبه
ظنون وما تغني العباد ظنون
لما فيه من تكذيب خالقنا الذي
لتكذيبه تبكي الدماء جفون
وأن ليس للإنسان يقضي برده
لمن كان نحو الحق منه ركون
وإن قلتم قدر الثواب يرده
لو أنفق ما أن يعتريه فتون
فهذا ولو شئنا ملأنا دفاترا
تضيق لها عن كتب ذاك بطون
فيا نصرة الإسلام قوموا لقطعها
وخلوا سبيل النفس فهي حرون
ولا ترهبوا في الله لومة لائم
ألم تعلموا أن الإله مثيبكم
فذاكم عدو والعدو خؤون
وليس إلى غير الإله سكون
ألم تعلموا أن الإله مثيبكم
__________
(1) ديوان الشاعر محمد بن ابنُ بن احميدة ص 760 ـ 763(1/57)
وليس إلى غير الإله سكون
وإن لم تراعوا الحق والحق واضح
تسير بكم نحو النجاة زبون
فيا ليت شعري ما يكون جوابكم
وأنتم بأحشاء التراب رهون (1)
4- ومن أشهر من رد عليكم العلامة الأديب اللغوي الأريب الشيخ محمد عبد الله بن محمد بن أحمذَيَّ بقصيدته المشهورة التي فلق بها هامكم وهي:
في باطل أو خفت الأحلام
لاغور أن رعفت لكم أقلام
ما هكذا الإيراد والإلزام
ألزمتمونا سب أحمد شيخكم
أقلامنا، فعلام فيه نلام
من بعد ماقد برأته من الخنى
لا تنقضي أو تنقضي الأيام
إن الملام لمن رموه بسبة
يقدى بها من دينه الإسلام
لم يبق من كفر ولا من بدعة
لم يرع منكم للإمام ذمام
إلا وقد ألزمتوه إمامكم
غرضا تفوق منه فيه سهام
فنصبتموه لمن يسئ ظنونه
نشرته من تشنيعه الأقلام
حتى إذا ما ضقتم ذرعا بما
من مثلها تتضاحك الأقوام
أنشأتم تبدون عنه معاذرا
وجها فمنها تنفر الأفهام
بفسادها معنى وشدة بعدها
ئف نقدها منكم أتاه ملام
فمن استحال محالها أورد زا
مرض يخالطه عمى وزكام
ورميتموه بدائكم فبجسمه
ـإنصاف حادت فالبريء يلام
ذي خطة جدلية عن خطة الـ
ــها جائر وذوي الهدى ظلام
والحق فيها باطل والعدل فيـ
فلمثلها تتحير الأوهام
فيها الحقائق مستجاز قلبها
بديانة عنها الأنام نيام
أوما أتت من قبلها أربابها
طه عليه تحية وسلام
أخذت شفاها عن إمام الأنبيا
إذ لم تطقها صحبه الأعلام
قد صان عن أصحابه أسرارها
آل الفلال ومن نماهم حام
فأطاقها من بعده حمالها
وله بأطباق الجحيم منام
فيها الكفور محبب عند العلي
مما اشتهاه وتقطع الآلام
فيها يطاف على الردي بفواكه
وتزول عنه فما لهن دوام
فيها تجدد للقديم صفاته
__________
(1) حصول الأماني ص 38ـ39(1/58)
ضعفا كلام الحق حين يرام
فيها كلام الخلق يرجح أجره
بالذات جل المالك العلام
فيها معية ذي الجلال لخلقه
لنواشز النسوان فيه رجام
فيها مجالسة الرسول بمشهد
ــعاتي المصر له رضى ومقام
فيها الكبائر لا تضير بخدنها الـ
عي من برته محبة وغرام
نهلة ولقلبه تهيام
فيها ينال المسرف العاصي مسا
فجفى المضاجع جنبه فدموعه
منهلة ولقلبه تهيام
فجفى المضاجع جنبه فدموعه
حزب له بجنابها إلمام
ينفي الحساب وتسقط التبعات عن
تجدي عن المتحالم الأحلام
تلك المنى لو أنها حق فما
كي ما ينال من الطغام حطام
نصبت حبائل للطغام مكيدة
حكما إذا ما بان منه خصام
أما حكومة من به لم تقنعوا
طرا فهو للمتقين إمام
فطوائف الإسلام راضية بها
لذوي الهوى وهم هم الحكام (1)
وأئمة الإسلام خصم كلهم
5 - أما العالم الكبير واللغوي الشهير إدييج بن عبد الله الكمليلي(2) الذي قال فيه صاحب الوسيط " نابغة قطره وجرير عصره ادييج المشهور هاجى كثيرا من فطاحل تلك البلاد فظهر عليهم "(3) فقد اشتهر بقصائده العصماء التي رد بها عليكم وله أرجوزة ذاع صيتها وشاع ذكرها لما فيها من الرد المؤصل على أباطيل التجانية وإليك منها نماذج:
ونسبة الكتمان للنبي
تعد من مناكر البدعي
فورده صين عن الصحابة
فيما ادعى وخص بالأصابة
وذاك ينفي "ما على الرسول
إلا البلاغ " محكم التنزيل
و"اليوم أكملت لكم " والمكمل
دين المخاطبين أو من يرسل
وقال أيضا:
وما ادعوا من أخد هذا الورد
عن الرسول يقظة لا يجدي
إذ لم تحقق في اللقاء الدعوى
ولم تنل كرامة بطغوى
ولم يرد عن النبي المصطفى
لقياه يقظة بنور من طفى
__________
(1) تقاريظ مشتهى الخارف الجاني ص 18ـ19
(2) انظر ترجمته في الوسيط في تراجم علماء شنقيط ص368ـ369
(3) الوسيط ص 31(1/59)
فصح أن يخاطب التجاني
شيطانه من جهة العدناني
فالروح من عالمنا العلوي
ولا يرى العلوي بالسفلي
كيف ترى الروح بعين الراس
وذا محال كان في القياس
وهكذا شرح ابن باديس نفى
سوى المنام من لقاء المصطفى
بل عده فائدة للنوم
ومثل ذا ينفي كلام القوم
من أن خير الخلق لا يغيب
عنهم وأن شخصه قريب
وكلما أوهم رؤية البصر
مؤول إذ في البصيرة انحصر(1)
وقال:(2)
ولم يجز إطلاق لفظ موهم
نقصا على النبي مثل الأسقم
كذا مطلسم وما يدريك
لعلها كفر عن الشريك
وقال:(3)
وفضلوا شيخهم على الخضر
وكونه شيخا لموسى لم يضر
والخلف في الخضر هل نبي
أو مرسل أو صالح ولي
وهو على كل يكون أفضلا
ممن عليه جعلوا مفضلا
6- وممن اشتهر بالرد عليكم وعلى غيركم من الفرق الصوفية الضالة العلامة المحدث باب ولد الشيخ سيديا من ذلك قوله:
كن للإله ناصرا
وأنكر المناكرا
وكن مع الحق الذي
يرضاه منك دائرا
ولا تعد نافعا
سواءه أو ضائرا
واسلك سبيل المصطفى
ومت عليه سائرا
أما كفى أولنا
أليس يكفي الآخرا
وكن لقوم أحدثوا
في أمره مهاجرا
قد موهوا بشبه
واعتذروا معاذرا
وزعموا مزاعما
وسودوا الدفاترا
واحتنكوا أهل الفلا
واحتنكوا الحواضرا
وأورثت أكابر
بدعتها أصاغرا
واحكم بما قد أظهروا
فما تلي السرائرا
وإن دعا مجادل
في أمرهم إلى مرا
فلا تمار فيهم
__________
(1) مشتهى الخارف ص 71، 108، 110، 112، 113
(2) مشتهى الخارف ص 311
(3) مشتهى الخارف ص 527(1/60)
إلا مراء ظاهرا(1)
وقال أيضا:
آمن أخي واستقم
ونهج أحمد التزم
واجتنب السبل لا
تغررك أضغاث الحلم
لا خير في دين لدى
خير القرون منعدم
أحدثه من لم يرد
نص بأنه عصم
من بعدما قد أنزلت
" اليوم أكملت لكم "
وبعد ما صح لدى
جمع على غدير خم
وادع إلى سبيله
وخص في الناس وعم
واذكر إذا ما أعرضوا
عليكم أنفسكم(2)
وقال أيضا:
آكل مال الناس بالباطل
مزخرف القول بلا طائل
مميلهم عن سنة المصطفى
إلى طريق البدعة المائل
محصل المال بلا فترة
في جمعه المانع للحاصل
عجلان في حظ له عاجل
كسلان في منفعة الآجل
يصبو إلى زخرفه عاقل
كأنه من ليس بالعاقل
اتسع الخرق على راقع
واختلط الحابل بالنابل
هذا وذو التوحيد عنوانه
إسناده الفعل إلى الفاعل (3)
7 - أن العلامة والشاعر المجيد محمد محمود بن الشيخ محمد بن أحمذَيَّ قد رد عليكم في قصيدته الشهيرة وأيد حكم أخيه:
حكم المصيب لنفسه ولجنسه
بالحق لا بهوى المريب وحدسه
فنفى الذي نسب المريب لربنا
سبحانه مما نفى عن نفسه
من حبه للكافرين ورحمة
تغشاهم يوم الجزا في حبسه
ومنامهم فيها وأكل فواكه
مع قطع إحساس العذاب ومسه
وتجدد الأوصاف ثم زوالها
__________
(1) محمد يوسف مقلد في كتاب شعراء موريتانيا ص 339-340
(2) شن الغارات على أهل وحدة الوجود ومعية الذات ص 172، مخطوط.وكتاب السلفية وأعلامها في موريتانيا ص 296
(3) شن الغرات ص 185 وكتاب السفية وأعلامها في موريتانيا 297(1/61)
عنه تعاظم في علاه وقدسه
ومعية بالذات منه وغير ذا
من ترهات أخي الضلال ورجسه
واحتج بالذكر الحكيم لحكمه
عن فهم أسرار الكتاب ودرسه
فمن ادعى بطلان ذا أو جوره
خاض المهالك ثم باء بتعسه
إذ كذب القرآن والإجماع والسـ
نن الصحيحة من شقاه ونحسه
فليستتب أمد الثلاث فإن يتب
فليأتنف عقد النكاح لعرسه
وإذا يكون خلال ذلك مسها
فليأت باستبرائها من مسه
وبفوت كنه كلامه يحتج من
أعيته حجته فمال للبسه
من رام إفحام المناظر فليجن
عليه جاء بطرده وبعكسه
شتان ما بين احتجاج ملبس
بالشطح غاب بزعمه عن حسه
فرأى صواب المسلمين جميعهم
خطأ ومال إلى عماية نفسه
وملازم في جمعه وبفرقه
أدب الخطاب بفرعه وبأسه
من كانت العوراء مفزعه إذا
ما ترجمت سنن الهدى عن رجسه
معذور إن يفزع لها في مثل ذا
لكنه جان لثمرة غرسه
من في سبيل الله أوذي صادعا
بالحق فالباوي له عن جنسه
ولذاك وطن نفسه مستمسكا
بالصبر للمولى لزورة رمسه
وأقول ذا مستغفرا مستعصما
بالله من بلوى هوا ي وبأسه
مستدركا حمد الإله مع الصلا
ة على النبي بدر الوجوه وشمسه(1)
8- أن العالم الجليل والمحدث واللغوي الشهير محمد ولد أبي مدين الديماني قد ألف كتابه " شن الغارات على أهل وحدة الوجود وأهل معية الذات " فرد عليكم وعلى أمثالكم في عدة مسائل.
__________
(1) تقاريظ مشتهى الخارف 21ـ22(1/62)
أ - معية الذات: حيث ذكر أن بعض الضلال يقول إن معية الله تعالى تكون بعلمه وبذاته أيضا ؛ فقال:" سبحان الله كيف يسوغ لعاقل إطلاق كلام موهم على الله عز وجل مخالف لإجماع المسلمين من أهل السنة إذ من المعلوم أن "بذاته"لم ترد في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا خلاف بين المسلمين في منع إطلاق الموهم غير الوارد على الله تعالى وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء... (1) اهـ
قال: وقد نظمت أبياتا بينت فيها المذاهب الضالة التي يرجع إليها القول بمعية الذات فقلت:
أما المعية بذاته فما
يملأ ذو ديانة بها فما
لأنها من مذهب النجاري
ومن على مذهب جهم جار
ومذهب الغلاة والمعتزلة
وكل من يرضى بتلك المنزلة
كما عزاه لهم أبو الحسن
أي في الإبانة كتابه الحسن(2)
ب - وحدة الوجود:
__________
(1) شن الغارات ص 94
(2) ن الغارات ص 153(1/63)
قال: " كما أن من أهم مقالاتهم المؤذنة بكفرهم تصريحهم بأنهم يرونه تعالى في دار الدنيا يقظة وذلك مبني على زعمهم أنه سبحانه عين خلقه أو حال فيه كما نص على ذلك شيخهم الحلاج بقوله ( أنا الحق وما في الجبة إلا الله ) وقد أجمع العلماء في عصره على تكفيره بما قال وعلى وجوب قتله فرفعوا أمره إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله فأمر بضرب عنقه وقتل وأحرقت جثته ورمي برمادها في دجلة وكان على نحو مذهب الحلاج جماعة آخرون فصلبهم أهل السنة وقتلوهم(1)... - إلى أن قال - ودعوى أصحاب وحدة الوجود والحلول والاتحاد في غاية البطلان لأن الأدلة النقلية والبراهين العقلية قاطعة باستحالة ما يقولون على الله - سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا - فمن زعم أن الله عز وجل هو عين مخلوقاته أو أنه حل في شيء منها فهو ضال وكافر بالإجماع "(2)
ج - العلم اللدني :
قال رحمه الله تعالى:
ومن يقل من مدعي ولاية
أن له من ربه عناية
دون اتباع المصطفى خير البشر
في باطن وظاهر فقد كفر
وقصة الخضر والكليم لم
يكن لهم فيها احتجاج قد ألم
لأن موسى لم يكن بمرسل
للخضر النبي في القول الجلي
فما على الخضر أن يتبعه
لذاك لما اختلفا قد ودعه
مصرحا بأنه علم ما
لم يك موسى ذو العلوم علما
ومن يقل كمثل ما قال الخضر
للمصطفى نبينا فقد كفر
فالمصطفى عن البرايا فضلا
ولجميعهم بشيرا أرسلا
__________
(1) المرجع السابق ص156-157
(2) المرجع السابق ص165-167(1/64)
فلو أتى الخليل والكليما
وخضرا لاتبعوا الكريما
وما جرى من خضر إذا سبر
يوافق الكليم فافهم واعتبر
لذاك لما بين الأسبابا
وافقه وترك العتابا
فانظره في الزرقاني والفرقاني
تجده في الفرقان والزرقاني
وانظره في الفتح وفي الرياض
شرح الشهاب لشفا عياض
والقرطبي المرتضى للمسلم
بينه في شرحه لمسلم
وانظر له إن شئت في النهاية
لابن كثير تكمل الكفاية(1)
9- وممن فند أباطيلكم في اتهاماتاكم له - صلى الله عليه وسلم - بالكتمان العلامة الشيخ أحمد ولد محمد حبيب الرحمن فقال:
وقول من قال من الأجلا
مبينا ما كتمه قد حلا
وإن تمشينا على ما زعما
لا يجب التبليغ فيما كتما
بل يجب التبليغ فيما سئلا
عنه من الأحكام أو ما أنزلا
وغير ذا تبليغه لم يجب
لو فرضت صحته في الكتب
ما ساغ بالتقييد ذا أن كتما
صلاة فاتح لما قد رسما
في منية الحبر التجاني أنزلت
من حضرة الغيب لمن له رست
ثم اعتقاد أنها كلام
رب الورى وما بذا ملام
وما على النبي صلى أحد
بمثلها قال النبي أحمد
يعني صلاة الفاتح التي اشتهر
رجحانها بكل ذكر مستطر
على الذي عزي لخير من هدى
في كتبه حزب التجاني أحمدا
فهي لما قال من المنزل
ومن كلام الله جل الأزل
__________
(1) المرجع السابق 211(1/65)
وفضلها الهادي لذا لا يجهل
وصحبه عن الصلاة سألوا
بقولهم كيف نصلي فظهر
أن ليس سائغا لأنصح البشر
إيثار غير صحبه عليهم
بما من الخير الكثير يعلم
وكتم ما الفوز به يكتسب
نسبته إلى النبي عجب
إذ ما لنا به انتفاع لم ينم
عن شيء الأمين منه منكتم
والموت للوحي به انقطاع
كما عليه انعقد الإجماع
صلى وسلم على من صانه
بالصدق والتبليغ والأمانه
وأكمل النصح عن الخيانه
رب له قد أكمل الديانه(1)
10- وممن رد على عقائدكم المخالفة للشرع عالم أوانه وفريد زمانه شيخ الإسلام محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي المعروف ب" آبّ " فمن ذلك قوله في تفسير سورة الكهف:"وما يدعيه كثير من الجهلة المدعين للتصوف من أن لهم ولأشياخهم طريقا باطنة توافق الحق عند الله ولو كانت مخالفة لظاهر الشرع كمخالفة ما فعله الخضر لظاهر العلم الذي عند موسى زندقة وذريعة إلى الإنحلال من دين الإسلام بالكلية بدعوى أن الحق في أمور باطنة تخالف ظاهره "(2) اهـ
__________
(1) التقاريظ ص 29ـ 30
(2) أضواء البيان 4/123ـ124(1/66)
وقال في تفسير سورة الحجر عند قوله تعالى: { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } [ الحجر 99 ]ما نصه: " التنبيه الثاني: اعلم أن ما يفسر به هذه الآية الكريمة بعض الزنادقة الكفرة المدعين للتصوف من أن معنى اليقين المعرفة بالله جل وعلا وأن الآية تدل على أن العبد إذا وصل من المعرفة بالله إلى تلك الدرجة المعبر عنها باليقين أنه تسقط عنه العبادات والتكاليف لأن ذلك اليقين هو غاية الأمر بالعبادة، إن تفسير لأية بهذا كفر وزندقة وخروج عن ملة الإسلام بالإجماع وهذا النوع لا يسمى في الإصطلاح تأويلا بل يسمى لعبا كما قدمنا في سورة آل عمران، ومعلوم أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته وما يستحق من التعظيم وكانوا مع ذلك أكثر الناس عبادة لله جل وعلا وأشدهم خوفا منه وطمعا في رحمته والله جل وعلا يقول { إنما يخشى الله من عباده العلماء } والعلم عند الله تعالى." (1)
11- من الرد البليغ على التجانية ماقاله العالم الديماني ابن بدح وسلمه جمع من العلماء كباب بن محمود بن محنض باب:
من لم يكن معتقد التجاني
لم يك في اعتقاده بالجاني
وغير آخذ طريقه برى
في الشرع من لوم ولم يكفر
لا سيما إن كان ذا توقف
وذا احتياط في الذي لم يعرف
ولم يك الشرف والولاية
في حقه بسنة أو آية
حتى يكون ناسخا للشرع
ما كان من أصل له وفرع
لأن أس ما بناه واه
وغير وارد عن الأواه
وما عليه دس أو عنه ثبت
عنه نصوص الشرع كلها أبت
وليس عن منقوده يجيب
تعصبا منتصر مجيب
فالدين جوهرأخي فرد وحق
وهو من سواه بالحري أحق
ولا هوادة ولا مداجنه
ولا محاباة ولا مداهنه
والله قد أكمله فلا تحد
__________
(1) أضواء البيان 3/157(1/67)
عنه ولا تنقص أخي ولا تزد
فأمره مفوض للشارع
فلا تعارضه ولا تنازع
وليس مما بلغ العدناني
عن العلي طريقة التجاني
وإن يكن وليا أو شريفا
فاتبع السنة لا تحيفا
بل إنها طريقة مبتدعه
وملة شنيعة مخترعه
ولم تكن شرط كمال ينعدم
بدونها من الكمال ما ختم
ولم تكن شرطا مصححا لما
من ديننا قد صح عند القدما
ولم تكن ركنا إذا ما انعدما
ينهدم الدين الذي ما انهدما
ولا تقل فيها الصلاة والصيام
وغير ذا من القواعد العظام
إذ لا بقا مع بدعة لقاعدة
ولم تكن للدين معها فائدة
لأن ذا البدعة ذو استدراك
على العلي فهو ذو إشراك
وكاذب على النبي مكذب
له وناف ماله قد يجب
من عصمة تستلزم الأمانة
وتمنع الكذب والخيانة
وذو اتهام للإله والرسول
فاردد عليه فعله وما يقول
واترك لتشريع العلي تشريعه
وأعلنن بين الورى تشنيعه
ولا بقا للفرع دون الأصل
في ديننا بالعقل لا والنقل
فلم تكن بما سوى المشروع
بمثبت الأصول كالفروع
للشرع الإيمان ككفر قد ثبت
من الفروع عنهما ما قد نبت
فبسوى السنة والكتاب لا
تثبت ولا تنف عن الله علا
إذ منهما قد يعلم الإيمان
ويعلم الإسلام والإحسان
ومنهما قد تعرف الهداية
كذا العدالة مع الولاية
كضدها لا إن ثم مثبت
من عقل أو هوى به قد يثبت
فكل مثبت بغير دين
لأحد حكما قرين مين
فمثبت الرتبة والمقام
دون الشريعة أخو ملام
هيهات فالتشريع دهره انقضى(1/68)
وختمه قل جرى به القضا
ولم يك التشريع بالمنام
كلا ولا الكشف ولا الإلهام
فبالكتاب مسكنا والسنه
من ههنا إلى دخول الجنة (1)
وقد قرظ هذه الأرجوزة الشيخ بابا ولد محمود ولد محنض بابا فقال:
جزيت يا ابن بدح إحسانا
ونلت ما ترجوه من مولانا
نظمت نظما رائقا حسانا
نظما يحاكي الدر والعقيانا
به قمعت الغي والخسرانا
فوضح الحق به وبانا
ضمنته ما وافق القرآنا
وسنة المختار من عدنانا
به ردعت البيض والسودانا
والقوم والنسوان والصبيانا
أن يصطلوا بالبدع النيرانا
لم تخش لوم لائم ما كانا
ولم تك مداهنا إنسانا
مخافة الإفلاس والليانا
إلى آخر الأبيات (2)
__________
(1) حصول الأماني ص 49 ـ 51
(2) المرجع السابق ص 51(1/69)
12-كذلك من أشهر من رد عليكم الإمام العلامة محمد رشيد رضا فقال:" كان من فساد هذا التصوف الذي بثه الشعراني وأمثاله في المسلمين أن وجد في المغرب الأقصى في القرن الثالث عشر للهجرة شيخ اسمه الشيخ أبو العباس أحمد التجاني صار له طريقة من أشهر الطرق امتدت من المغرب الأقصى إلى السودان الفرنسي والجزائر فتونس فمصر وصار لها مئات الألوف من الأتباع لما فيها من الغلو في الدعاوي والخرافات والابتداع وتفضيل شيخها نفسه على جميع من سبقه من أقطاب الأولياء وكذا الأنبياء بأمور منها ضمان النبي - صلى الله عليه وسلم - له ولأصوله وفروعه وأتباعه ولكل من يكرمه ويحسن إليه ولو بالطعام أعلى منازل الجنة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير حساب ولا عقاب لأن جميع معاصيهم وتبعاتهم تغفر لهم لأجله... إلخ، كأن الغرض من طريقته أكل أموال الناس وطعامهم والجاه عندهم خلافا لجميع صوفية العالم وقد ألف أحد أتباعه كتابا كبيرا في مناقبه وكراماته وأوراده تلقاها من لسانه وقلمه هدم بها هدي كتاب الله وسنة رسوله مدعيا أنه تلقاها منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (1).اهـ
__________
(1) تفسير المنار 11/426(1/70)
13- قال العلامة المبرز مفتي الديار المصرية سابقا وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشيخ محمد بخيت المطيعي الأزهري:"وقد سئلنا مند خمس سنين من أحد العلماء الأجلاء ممن يغارون على الدين عما نسب إلى التجاني وأتباعه... وملخص ما جاء في السؤال هو أن شيخ الطريقة التيجاينة قال عن صلاة الفاتح إنها من كلام الله القديم وأنها بمنزلة القرآن وأنه ينبغي لتاليها اعتقاد ذلك لينال ثواب قارئ كلام الله وأن من لم يعتقد ذلك لا يصح له الثواب وغير ذلك من المفتريات، فأجبت على ذلك بما يأتي: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسائر أتباعه وحزبه أما بعد فقد اطلعنا على ما جاء في هذا السؤال ونقول: قال الله تعالى: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم } ...- إلى أن قال - فلا يجوز ولا يحل أن يطلق على شيء من كلام البشر بعد النبيين أنه من كلام الله القديم... - إلى أن قال - قال الله تعالى: { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } قال أهل العلم وقد دخل في حكم هذه الآية كل من افترى على الله كذبا في ذلك الزمان وبعده بأنه لا يمنع خصوص السبب من عموم الحكم إذا علمت ما تقدم فنقول إن صلاة الفاتح لما أغلق لا يصح ولا يجوز أن يقال إنها من كلام الله القديم وقوله أنها كالأحاديث القدسية ؛ فالمنقول عن علماء الأصول كما في شرح الحسامي (أن الأحاديث القدسية من الوحي الذي ليس بمتلو لم ينزل إلا معناه ) أي ليس لفظه من الله وفي حاشية ابن عابدين ( خرج بالمنزل غير المنزل كالأحاديث الإلهية ) وفي المرآة (أن الحديث القدسي من النظم غير المنزل) " (1)
__________
(1) تقاريظ المشتهى 9-11 بتصرف(1/71)
14- اعلم أن التجانيين في هذا البلد قد استأجروا الأديب محمد الحافظ ولد أحمد للدفاع عنهم فرد عليه العلامة والشاعر الشيخ محمد ناصر السنة في نفس البحر والقافية ردا مفحما فلم يستطع بعد ذلك أن ينبس ببنت شفة:
ألا حبذا أهل التقى والتحنف
على مهيع الهادي وأهل التهنف
هم المنكرون المحدثات وإنهم
لأهل صفاء خالص من تطرف
صدور بأنواع المعارف أفعمت
ففاضت يقينا لم يشب بتفلسف
أرف بهفهاف من الشوق نحوهم
وأرنو إلى لألائهم في تلهف
أولئك أقمار الولاية إنني
إلى نفحات منهم ذو تشوف
وهيهات لقياهم فلست أراهم
بغير حديث أو يراع مصنف
على رسمهم أبقى أرقرق أسجما
لعل رسيم الحب مسعف مقتف
فأجني به وصلا على درب سنة
وأطوي مسافات بسير مؤنف
ألا سدف من ذلك الهدي مسدف
لليل بتشريع الخرافة مشدف
ألا عبق من ذلك النشر فائح
يعمق في قلبي صريف التعرف
أعايش إشراق العقيدة منشدا
أهازيج توحيد ندي مشنف
رزينا إذ ما مِسْت من وقع آية
ولست بفنان ولا ذي تكلف
تفيأت أفنان المحجة لا أُرى
بأحضان هوف للشرائع جفجف
ودين السكارى عفت إني مكلف
وتلك خطابات لغير المكلف
نبذت وليا لا يوالي موحدا
ولي بتدجيل وأسرار أحرف
طروب إذا ما الغانيات تكشفت
وإن هد ركن الدين لم يتزنف!
دعي فناء في الهوى وفناؤه
عن الشرعة الغراء في كل متلف
سليل لحي رام مسخ عقيدتي
وأوَّل تشريعي بكل تعسف
تشبثت بالإسناد أبطل سحره
ورتلت فرقاني فألّت بمصحف
ظواهر آيات رجوما لكاهن
ومسترق من باطن اللفظ مسرف
أيا واهفا ميت الطريقة نافخا
به روح أسحار وعلم مزيف
أتبدل فيحاء الرياض منيرة
بقفر كئيب أغطف الليل مسنف
تنكرتَ للجهال في ثوب عابد(1/72)
وأخفيت في الوجدان صلبان أسقف
فبح باسم من تهوى وجاهر ببدعة
جراثيمَ في أسرار سرك تختفي
أقول لمن يحمي سخافات بدعة
عليك بتزويق وقول مزخرف
وأصل بأضغاث المنامات والهوى
ودع ذكر إسناد الحديث المشرف
فمالك والإسناد في عرض منهج
بحدثني قلبي عن الرب مكتف
جعلتَ عمائي عن ضلالة محدث
عمىً أي قول في الخطيئة موكف
عن الذكر يعشو من يوزف قاصدا
جحيم صراط أسقم الحال مجنف
عن الذكر يعشو من تبلد عقله
يقول نعم تقليد كل مخرف
وما قال لا دهرا ولو في تشهد
أسير حلول للنصوص مجئِّف
ومن شدة التوحيد أصبح سارقا
بلا خجل من ربه بعض أحرف
ومن شدة التوحيد قدس ذاته
وقال: لنا في الكون كل التصرف
بجوهرة النقصان أضحى موظفا
وليس له في العلم أي توظف
أيا رب زلفى في الجنان عظيمة
لعبد ضعيف مشفق متزلف
وكأس اهتداء باقتداء مشعشع
لأحسوه في لذة وترشف
وفتحا نظيفا ليس فيه تخلع
ورنة مزمار وقرقف منزف
ووصلا بلا رقص وزحف إلى الخنا
وهزة رعبوب لكشح مهفهف
وطهرا من الأخطا وإن هي أسرفت
ببحر من الإحسان والصفح زعرف
صلاة على ماحي الضلالة ساطعا
بفجر جميل صادق المد مسدف
15- ومن أشهر من رد عليكم وعلى أمثالكم من الطرق الصوفية المبتدعة العلامة الجليل والشاعر المجيد محمد مولود ولد أحمد فال المباركي -رحمه الله - فقال:
هوى ما هوى ما ازداد في العمر يزدد
وليس له من مصدر بعد مورد
هوى لخلوب اللحظ ما أنا قبلها
وذكر الهوى هل ذو هوى منه مفتدي
سأعرب عنها باسمها اللذ إنها
زبيد فما أكني بليلى ومهدد
تصيدني منها وما كنت قبلها
وقوع الشوى في كفة المتصيد
مصائد غر تدّري طرر الورى
بساحل جن فوقها متمرد(1/73)
تخيرها وهو الخبير حبالة
متى ما يضعها لا محالة يصطد
كأمنية المشتاق أنسا وبهجة
يديك على أمثالها ويك فاشدد
تنوء فتأتي بالتكاليف جيرة
لها ميس غصن البانة المتأود
كما الصنج أو نأي بكف كرينة
ولا بربط تغتاله يد معبد
بأشهى إلى الآذان من وقع نعلها
ووسواس حلي في قنى لم يخدد
فعدِّ وسل الهم عنها فإنما
حمى السنة الغراء همي ومقصدي
تفسخ منها أهلها وتواكلوا
رعايتها فاغتالها كل معتد
تسمى لنا باسم الولي جهالة
وإن تتفقد وصفه فيه تفقد
غوي مبين يأتلي لَعلى هدى
أما والهدايا إنه غير مهتد
وأي ولي كان أطيب كسبه
رشى نزوات بين آم وأعبد
يروح ويغدو في المحارم دائبا
دؤوب مغيٍّ في الغواية مسئد
يدور به ما يشتهي من نواعم
ميامس وقح بين عون ونهد
تمتع قليلا ويك إنك مجرم
فما لك من الَاذوى لدى المضجع الردي
أفسقا بواحا وادعاء ولاية؟
(ألست تر ى أن قد أتيت بمؤيد؟)
ألم يعلموا أن الولي هو الذي
تولاه مولاه بنصر مؤيد
فقام بأمر الله يحمي ويحتمي
ويهدي إلى قصد السبيل ويهتدي
ولم يتخذ لهوا مدى الدهر دينه
ولا لعبا ما العارف الحق من دد
فباطنه سر مصون عن الورى
وظاهره نور مبين لمقتد
أولاك الألى إن جئت يغنيك لحظهم
عن اللفظ فانظر واصدق القصد تسعد
وهم أصفياء الله من أصفيائه
وهم جلساء الله في كل مقعد
ألا وا أمير المؤمنين لأمة
على أمة ليست بأمة أحمد
هم وضعوا فيها أحاديث لم ترد
عن الرسل إلا عن سجاح وأسود
فليس ابن مسعود لهم بمساعد
عليها ولا سهل بن سعد بمسعد
وقد فرق الفاروق في الدين فرقه
فأية دعوى يدعي الجاهل الردي
فأغووا بها غوغاء تحسب غيهم
من الرشد ما إن تعرف الأمس من غد
خداعا لهم عن مالهم فتفوقوا
بها ما لديهم من طريف ومتلد(1/74)
وأيدهم من ليس يخشى من الذي
بناها بأيد فوقه بطش أيد
يريد وأنى للدني مرامه
ليغلب دين اللات دين محمد
أماني عند الزاهرات تسوقهم
إلى الحتف فاردي شيعة الغي وابعد
وتهدى إليهم بالمودة فرقة
رجاء لنصر منهم لم يؤيد
وأدهن أهل الرشد أو غاب عنهم
هداهم فهم في حيرة وتردد
فذو الرشد يهديهم إليه كمبصر
مع العُمي أو مستيقظ بين هجد
فلم تر منهم زاجرا عن غواية
ولا مكفهر الوجه في وجه ملحد
دعوت وغربت الدعاء لو أنني
دعوت سميعا أو مصيخا لمرشد
وأنذرتكم صماء إن لم تصبكم
تحل قريبا منكم أو كأن قد
وقد كنت –والمستغفر الله –مدهنا
فقدني من الإدهان في غيهم قد
هم الرجس فاحذرهم مقالة معرب
فصوب بها ما شئت عني وصعد
وهبكم مجيريهم وذو العز جاره
عزيز، عزيز جاركم لم يصرد
أترضون أن يلفى أخو الغي ضاربا
لديكم بأعطان الخنى لم يقرد
وما حقه إلا نكالا ومن يزغ
عن الحق من أوزاغكم لم يفند
وأن تزجروا المفتون عن هفواته
ويطرد من ساحاتكم أي مطرد
فلو أدركوا خير الورى لأبادهم
بضرب طلفح أو بطعن مشرد
ولو أدركوا أصحابه لتجللوا
سناسن حدبار من الشر أنكد
وأقسم برا أيمنا لو تنالهم
يدي لأقرت عين أعدائهم يدي
فمعذرة مني إلى الله إذ يرى
هواني وعند الله غيبي ومشهدي
وإني وربي ناصري إن نصرته
على كل من يبغي علي ويعتد
لآوي إلى ركن شديد وعترة
فلا تحسبن الله مخلف موعدي
الوجه الثالث:(1/75)
يدل كلامك على أن العلامة الشيخ محمد الحسن بن الددو - حفظه الله - لم يرد عليك وهذا كذب لأنه عندما التقى بك رد عليك ردا مسكتا مفحما فقال لك: " هل تتوسل به - صلى الله عليه وسلم - في حالة الصحو أم في حالة المحو فقلت له أنك تتوسل به في حالة الصحو لأن حالة المحو أشرف من ذلك وأفضل، فقال لك:" فأنت لا تتوسل به إلا في أسوأ حالتيك ولا تعطي لأفضل الأنبياء والمرسلين إلا أرذل أحوالك " فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين.
والوجه الرابع:
قولك " فأفردت بحثا بينت فيه صحة الحديث" يفيد أنك ألفته بهذه المناسبة وهو باطل لأنك قرأته علي في المناظرة قبل سنوات وهو هو في الجوهر والمعنى إلا ما زدت فيه أو نقصت كما هو موجود في الأشرطة.
الوجه الخامس:
أما قولك " وقفت على منشور " فباطل أيضا لأنني عندما جمعت ذلك الرد وأعطيته لأحد الثقات من الإخوة ليطبعه ويعطيك نسخة منه ويرد إلي نسخة فقط، ليس إلا فأين النشر ؟ فما نشرته في وسائل الإعلام ولا في شبكة المعلومات الدولية ولا أرسلت منه نسخة لأحد لأن قصدي هو النصح فيما بيني وبينك والإصلاح ما استطعت ثم لو نشرته فلا ضير !.
الوجه السادس:
قولك:" غير موقع بسم أحد " كلام ممنوع لأنني:
أولا - أرسلته لك مع أحد الثقات.
ثانيا - قد شافهتك في المناظرة بمعناه.
ثالثا - ينبغي أن يكون المهم عندك هو الحق بغض النظر عن معرفة القائل فالمؤمن يتعامل مع الأدلة والقول لا مع المستدل والقائل.
رابعا - أنني لو صرحت لك باسمي لخفت ولم تقم بهذا الرد بدليل أنك هربت من المناظرة.
الوجه السابع:(1/76)
أما قولك بأنني حرفت الأنقال أو لفقتها أو دلستها فهذا كذب لم تأت عليه بمثال واحد { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } بل كنت أنقل الكلام بحروفه وأعزوه إلى أحد تكتبكم المعتمدة بالجزء والصفحة والواقع هو كما يقال:" رمتني بدائها وانسلت " فأنت الذي دلست ولفقت وحذفت ما فيه الحجة عليك في مواضيع كثيرة وإليك عشرة أمثلة منها:
1- في ص 19 حذفت من كلام الذهبي في ترجمة البسطامي من سير أعلام النبلاء (13/88) ما لا يوافقك وهو قوله:" وجاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها الشأن في ثبوتها أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو فيطوى ولا يحتج بها إذ ظاهرها إلحاد مثل: (سبحاني، ما في الجبة إلا الله... ) إلخ " اهـ ثم قلت هذه عبارة الذهبي لتوهم أنك نقلت كلامه كاملا
2- في ص 24 حذفت من كلام التجاني في جواهر المعاني (1/188) ما هو حجة عليك وهو قوله:" إن الكفار والفجرة والمجرمين والظلمة فهم في ذلك التخليط الذي خالفوا فيه نصوص الشرع وصورة الأمر الإلهي فإنهم في ذلك ممتثلون لأمر الله تعالى ليسوا بخارجين عن أمره ومراده …" اهـ
3- في ص 24 أيضا حذفت من أول كلام التجاني في جواهر المعاني (2/239) ما سوى فيه بين الكافر والرسول في القرب من الله وهو قوله:" إن الخلق كله بالنسبة إلى الله في قربه منها كلها على حد سواء فالكافر والرسول على نسبة واحدة في ذلك كله والحق في ذلك كله لا متصل ولا منفصل فهو قريب في غاية القرب وأبعد من كل بعيد " اهـ
4- في ص 28 بترت كلام التجاني لأنه نص لا يقبل التأويل في وحدة الوجود وهو قوله:" على ذلك وقد قلنا إن الحضرة في غاية الصفاء لا تقبل الغير والغيرية لأن الله تعالى إذا تجلى بكمال جلاله للعبد أماته عن جميع الألوان فلم يعقل لا غيرا ولا غيرية فهذا غاية الصفاء " اهـ
فانظر كيف كتب " ولم يقدر " وبترها عن ما هو متعلق بها " على ذلك …"(1/77)
5- في ص 31-32 بترت كلام ابن عربي وهو:" فإن قيل له: كيف الأمر ؟ قال: نسب تظهر فيه منه له فما ثم في ثم إلا هو وهو عين ثم وهذا مذهب أبي يزيد البسطامي بالحال " اهـ
6- في ص 35 حذفت أول الآية لصراحتها في النهي عن الإستغاثة ودعاء غير الله وهي قوله تعالى: { ولا تدع مع الله إله آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون } .
7- في ص 35 بترت آخر حديث من عادى لي وليا لأنه صريح في الرد على أهل وحدة الوجود كما قال الحافظ في فتح الباري (3/2858) .
8- في ص 35 حرفت حديث ((كان الله ولم يكن شيء قبله )) وفي رواية ((كان الله ولم يكن شيء غيره )) فرويته بلفظ ((كان الله ولا شيء معه )) وهذا الله اللفظ لا أصل له.
9- في ص36 جذفت من وسط كلام التجاني في الجواهر (1/91-92): " وهو آمن من كل ضرر يلحقه في الدنيا والآخرة " لصراحتها فيما أنكرت من دعوتكم إلى الأمن من مكر الله.
10- في ص 48 حذفت من وسط كلام ابن عربي الذي نقله صاحب جواهر المعاني (1/14-15):" وذلك معلوم عند أهل الله عز وجل ومن قطع عمره في معرفة المحدثات وتفصيلها فإنه حظه من ربه عزل وجل …-إلى قوله- ولو أنك يا أخي سلكت على يد شيخ من أهل الله عزل وجل لأوصلك حضرة شهود الحق تعالى فتأخذ منه العلم بالأمور عن طريق الإلهام الصحيح من غير تعب ولا نصب ولا سهر كما أخذه الخضر عليه السلام فلا علم إلا ما كان عن كشف وشهود لا عن نظر وفكر وظن وتخمين " اهـ
11- في ص 114 حذفت من أو ل كلام التجاني في الجواهر (1/64) في محبة الله للكفار وتنعمهم في النار ما فيه حجة عليك.
12- في صفحة 115 حذفت من أول كلام الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/2370) ما فيه حجة عليك مما أخل بمعنى كلام الحافظ رحمه الله.
الوجه الثامن :
قولك "فاقتضى النظر عندي أنه من الواجب علي أن أرد عليه " فهذا دليل على أنك متبع لهواك ونظرك لا متبعا للكتاب والسنة ومن أنت حتى يكون لك نظر(1/78)
يقولون هذا عندنا غير جائز ومن أنتم حتى يكون لكم عند ؟
الرد على قواعد المفتاح
قال مفتاح التجاني:
" أما المحور الأول المتعلق بالقواعد التي تجب مراعاتها فمنه قول الحافظ ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/160) (والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب قوله من جهة الفقه والنظر) ومنه قول الإمام ابن السبكي في قاعدته في المؤرخين ص 79 ( فلا ينبغي أن يقبل قول مخالف في العقيدة على الإطلاق إلا أن يكون ثقة وقد روى شيئا مضبوطا عاينه أو حققه، فقولنا مضبوطا احترزنا به عن رواية ما لا ينضبط من الترهات التي لا يترتب عليها عند التأمل والتحقق شيء وقولنا عاينه أو حققه، ليخرج ما يرويه عمن غلا أو رخص ترويجا لعقيدته ) ومنه قوله أيضا في قاعدته في الجرح والتعديل ص 45-55 (ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح أيضا حال الجارح في الخبرة بمدلولات الألفاظ، فكثيرا ما رأيت من يسمع لفظة فيفهمها على غير وجهها والخبرة بمدلولات الألفاظ ولا سيما الألفاظ العرفية التي تختلف باختلاف عرف الناس وتكون في بعض الأزمنة مدحا وفي بعضها ذما أمر شديد لا يدركه إلا قعيد بالعلم ) ثم قال: ( لا شك أن من تكلم في إمام استقرت في الأذهان عظمته وتناقلت الرواة ممادحه فقد جر الملام إلى نفسه ) " اهـ ص3.
الوجه الأول:
اعلم أن هذا من مباحث علم مصطلح الحديث ولكن لجهل هذا المفتاح بالحديث وعلومه لم يأت البيوت من أبوابها فلم يحرر هذه المسائل من علم مصطلح الحديث ولما كان بهذه الدرجة من الجهل فهأنذا أتبرع له بذكر نبذة صالحة من مؤلفات هذا الفن الذي يجهله جهلا مركبا فأقول مستعينا بالله:(1/79)
- أول من ألف فيه أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي (ت360هـ ) واسم كتابه ( المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) لكنه لم يستوعب لأنه هو أول من جمع هذا العلم.
- ثم جاء بعده الحاكم أبو عبد الله النيسابوري محمد بن عبد الله ( ت 405 هـ ) واسم كتابه ( معرفة علوم الحديث ) وهو أول من هذب هذا العلم حيث ذكر 52 نوعا ؛ وقد لخصه طاهر بن عاشور الجزائري (ت 1338هـ ) في كتابه توجيه النظر.
- ثم جاء أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني(ت 430هـ ) فعمل على الحاكم مستخرجا وبقيت عليه أشياء لم يذكرها.
- ثم الحافظ الخطيب البغدادي أبو بكر أحمد بن علي (ت 463 هـ ) فصنف في قوانين الرواية كتابه ( الكفاية في قوانين الرواية ) وفي آدابها كتابه ( الجامع لآداب الشيخ والسامع )، وله كتب مفردة في أكثر فنون هذا العلم.
- ثم القاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت 544 هـ ) فجمع كتابه ( الإلماع في ضبط الرواية وتقييد الأسماع ) وهو جزء لطيف.
- ثم أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانجي (ت 580 هـ) جمع جزءا سماه ( ما لا يسع المحدث جهله ).
وبعد كل هؤلاء وغيرهم جاء الحافظ أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري ( ت 643 هـ ) فصنف كتابه علوم الحديث المعروف بـ(مقدمة ابن الصلاح ) لما تولى تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية وجمع فيه ما تفرق في غيره من كتب الخطيب وغيره حيث ذكر فيه 65نوعا وقد اعتنى به أهل العلم تدريسا واختصارا وشرحا ونظما ومعارضة وانتصارا.
- فلكل من الزين العراقي (ت 806هـ ) والبدر الزركشي (ت 794هـ ) والحافظ ابن حجر ( 852هـ ) نكت عليه.
تسمى نكت العراقي (التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح ) وتسمى نكت ابن حجر ( الإفصاح عن نكت ابن الصلاح).(1/80)
- واختصره الإمام النووي(ت 676هـ ) في كتابه الإرشاد ثم اختصره في (التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير ) وهو الذي شرحه السيوطي (ت 911هـ ) بكتاب (تدريب الراوي) كما شرحه زين الدين العراقي والسخاوي وبرهان الدين القباقبي الحلبي ثم المقدسي (ت 851 هـ ) وللسيوطي أيضا كتاب ( التذنيب في الزائد على التقريب).
- واختصره أبو الفداء اسماعيل بن كثير (ت 474هـ ) في كتابه (اختصار علوم الحديث) الذي شرحه أحمد محمد شاكر وسماه (الباحث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ).
- واختصره مع التهذيب والزيادات الحافظ البلقيني (ت 805هـ )وسماه (محاسن الإصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح )، واختصره علاء الدين المارديني وبهاء الدين الأندلسي وكثير من العلماء.
- واختصره بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة (ت 733 هـ ) بكتابه ( المنهل الروي في الحديث النبوي )وشرحه سبطه عز الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة ( ت 819هـ) وسماه (المنهج السوي في شرح المنهل الروي ).
- وقد نظمه زين الدين العراقي عبد الرحيم ابن الحسين وزاد عليه في ألفيته:(نظم الدرر في علم الأثر ) وشرحها شرحا مطولا ومختصرا طبع بسم (فتح المغيث في شرح ألفية الحديث ) وعلى شرحه حاشية لبرهان الدين عمر بن إبراهيم البقاعي (ت 885هـ) وبلغ بها النصف وتسمى ( النكت الوفية بما في شرح الألفية) وحاشية لقاسم بن قطلوبغا (ت 879هـ ).
وشرحها السخاوي (ت 902هـ ) في (فتح المغيث في شرح ألفية الحديث ) وهو أوفى شروحها وأفضلها.
- وشرحها زكريا الأنصاري (928هـ) واسمه (فتح الباقي بشرح ألفية العراقي ) وعلى شرحه حاشية لعلي بن أحمد العدوي (ت 1189هـ)في مجلد.(1/81)
- وشرحها جلال الدين السيوطي في (قطر الدرر) وشرحها قطب الدين الخضيري (ت 894هـ) (صعود المراقي شرح ألفية العراقي ) وشرحها زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر العيني (ت 983هـ ) وشرحها إبراهيم بن محمد الحلبي (ت 955هـ)وأبو الفداء إسماعيل بن جماعة (ت 861هـ).
- وللسيوطي ألفية عارض بها ألفية العراقي جمع بها زيادات كثيرة وشرحها في كتابه (البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر) ولم يتم، وشرحها محمد محفوظ التمرسي واسمه (منهج ذوي النظر بشرح منظومة علم الأثر ) وفيه أوهام وأغلاط وللشيخ أحمد محمد شاكر حاشية على هذه الألفية وأجود شرح لها هو (إسعاف الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر ) لمحمد بن علي بن آدم الأثيوبي المولوي في مجلدين وله شرح أكبر من ذلك.
ومن الكتب في هذا الفن مختصر لتقي الدين محمد بن علي بن دقيق العيد(ت702هـ)يسمي (الإقتراح) ؛ ولأبي الخير محمد بن محمد الجزري ت (833هـ)مقدمة في علوم الحديث وله أيضا (تذكرة العلماء في أصول الحديث ) ,(والخلاصة في أصول الحديث) لشرف الدين حسين بن محمد الطيبي (ت743هـ)؛(والمختصر ) المنسوب إلىالشريف الجرجاني(ت816هـ) وعليه شرح جيد لمحمد عبد الحي اللكنوي (ت1304هـ)سمي (ظفر الأماني شرح خلاصة الجرجاني) وليوسف بن عبد الهادي الدمشقي (ت 909هـ) مختصرا سماه (بلغة الحثيث في علوم الاحديث)؛ وكتاب (المختصر في مصطلح أهل الأثر) وشرحه المسمى (خلاصة الفكر في شرح المختصر)كلاهما لعبد الله بن محمد الشنشوري الفرضي (ت999هـ).
- ومن أنفع الكتب المختصرة ((نخبة الفكر في مصطلح علم الأثر)) للحافظ ابن حجر العسقلاني وقد شرحها في (نزهة النظر) وعلى شرحه حاشية للقاني (ت1041هـ) تسمى (قضاء الوطر من نزهة النظر)، وحاشية لابن قطلوبغا.(1/82)
- وشرح لولدالمصنف كمال الدين محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني واسمه (نتيجة النظر في شرح نخبة الفكر)، وشرح لكمال الدين الشمني محمد بن حسن المالكي (ت821هـ) وشرح على شرح المصنف لعلي بن سلطان القاري (ت1014هـ)سماه (مصطلحات أهل الأثر على شرح نخبة الفكر ).
وحاشية للعلامة ابن الصائر (ت1066هـ) وشرح لمحمد بن أكرم بن عبد الرحمن المكي سماه (إمعان النظر في توضيح نخبة الفكر) وشرح شرح المصنف لعبد الرؤوف المناوي (ت1031هـ) إسمه (اليواقيت والدرر في شرح نخبة الفكر )وشرح لمحمد صادق بن عبد الهادي السندي (ت 1138هـ)يسمى (بهجة النظر بشرح نخبة الفكر ) وعلى شرح المصنف حاشية عبد الله بن الحسين السمين العدوي تسمى (لقط الدرر) ولكمال الدين محمد بن محمد بن أبي شرف المقدسي حاشية على النخبة وشرحها
- وكذلك نظم النخبة كمال الدين الشمني وشرح ولده هذا النظم وهو أحمد بن محمد الشمني (ت872هـ) وسماه (عالي الرتبة في شرح نظم النخبة) ونظمها شيخ الإسلام محمد رضي الدين أبو الفضل الغزي (ت935هـ) وسماه (سلك الدرر في مصطلح أهل الأثر ونظم نخبة الفكر ) لابن حجر.
- ونظمها أبو حامد سيدي العربي ابن أبي المحاسن الفاسي (1052هـ) وسماه (عقد الدرر في نظم نخبة الفكر) ونظمها شهاب الدين أحمد بن محمد الطوفي (ت893هـ) ونظمها الصنعاني (ت1182هـ) في يوم واحد وهو أكثر من 200 بيت نظما يسمى (قصب السكر) وهو مطبوع مع شرحه (ثج المطر) ونظمها الشيخ محمد بن أحمد بن سيد أحمد بن زاروق الكنتي في يومين وعدد أبياتها حوالي 150 بيتا واسمه (عقد الدرر في نظم نخبة الفكر ).(1/83)
- ومن هذه المصنفات أيضا نظم (طلعة الأنوار) لسيد عبد الله ولد الحاج إبراهيم وشرحها للمشاط والقصيدة الغرامية لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن فرح الإشبيلي (ت699هـ) وشرحها لقطلوبغا الحنفي والبدر بن جماعة في (زوال الترح بشرح منظومة بن فرح ) ولكل من أبي العباس أحمد بن الحسين (810هـ) ومحمد بن إبراهيم التتائي المالكي(ت937هـ) شرحا عليها.
- والمنظومة البيقونية لعمر بن محمد بن فتوح البيقوني الدمشقي وشرحها محمد محمود نشابة واسمه(البهجة الوضية شرح متن البيقونية) وشرحها محمد بن صعدان الحاجري (ت1229هـ) وشرحها الحموي وابن الميت الدمياطي وجمع بينهما وزاد عليهما محمد بن عبد الباقي الزرقاني (ت1122هـ)وعلى شرحه حاشية لعطية الأجهوري (ت1190هـ) وشرحها محمد صديق حسن خان البخاري القنوجي (ت1307هـ) يسمى (العرجون في شرح البيقون ) ولجمال الدين القاسمي (ت1332هـ) كتاب (قواعد التحديث) جمع فيه فوائد مهمة.
- و(التذكرة) لسراج الدين بن الملقن (ت893هـ).
- (والروض المكلل والورد المعلل) للسيوطي.
ومن الكتب الجامعة المحررة: (كتاب تنقيح الأنظار) لمحمد بن إبراهيم المعروف بابن الوزير (ت840هـ)وشرحه للأمير الصنعاني (ت1182هـ)ويسمى (توضيح الأفكار) وذكر فيه مسائل أصولية واستطرادات ومذاهب علماء الزيدية.
ولشمس الدين الذهبي محمد بن أحمد (ت848هـ)كتاب (الموقظة) وقد نظمها العلامة الشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيديا أطال الله بقاءه.
الوجه الثاني:
لماذا لا ينقل هذه القواعد عن بعض مشاييخ التيجانية أم أنهم جاهلون بهذا الفن فاحتاج هو إلى أن يبحث في المزاد العلني عمن ينقل عنه هذه الأمور لا شك أن الجواب: نعم، لأنهم ينقلون عن الله مباشرة وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - بلا واسطة في زعمهم فما فائدة علم مصطلح الحديث عندهم ؟!.
فأصل بأضغاث المنامات والهوى
ودع ذكر إسناد الحديث المشرف
فمالك والإسناد في عرض منهج(1/84)
بحدثني قلبي عن الرب مكتف
الوجه الثالث:
لم تورد دليلا من كتاب أوسنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ولاقياس ولا قول صاحب ولا تابعي...
مع أن أدلة هذه القاعدة معروفة معلومة عند صغار الأطفال فأن جهلتها فاحضر معي دروسي في علم الحديث حتى يلقنها لك بعض صغار الطلبة الذين يحضرون هذه الدروس.
الوجه الرابع:
أن هذه القواعد أجنبية على موضوع البحث فأنا لم أنتقد أشخاصا وإنما انتقدت أفكارا وشتان ما بين انتقاد الشخص وانتقاد فكرته ولكن لا غرو إن لم تفرق بينهما فأنتم التيجانيون لا تفرقون بين الخالق والمخلوق بله الأفكار والأشخاص، وأذكر أني في بعض رحلاتي الدعوية في ولاية اترارزة تناظرت مع أحد مشايخكم فقال بأن الله هو كل شيء في الوجود لأنه لا يوجد إلا ظاهر أو باطن وقد قال تعالى { هو الأول والآخر والظاهر والباطن } فقلت له: حتى ما في المراحيض من النجاسات فقال:"إن لم تقل بأن ذلك هو الله فأنت مشرك " فقلت بل أنت هو تلك النجاسات فاستشاط غضبا وانتصر له أتباعه ؛ فقلت له: أترضى أن تصف الله بذلك وأنت لا ترضى به لنفسك فبهت الذي كفر ؟!.
الوجه الخامس:(1/85)
أما قوله نقلا عن السبكي" فلا ينبغي أن يقبل قول مخالف في العقيدة.." فهذا اعتراف ضمني منه بمخالفته هو وأهل طريقته لعقيدة كل المسلمين وهذا حقيقة واضحة للعيان ؛ لأن عقيدتهم أقرب إلى عقيدة النصارى من عقيدة المسلمين فوحدة الوجود ووحدة الشهود أصولهما نصرانية (1)وعقيدة الجذبة لا توجد إلا في الديانة النصرانية وما تعتقده النصارى من تأليه عيسى عليه السلام يعتقدونه هم في محمد - صلى الله عليه وسلم - (2) وما يضفونه من تقديس على مشايخهم أنهم لا يسألون عما يفعلون (3)مقتبس من تقديس النصارى للقسيسين والرهبان وما يعتقدونه من أن الشيخ التجاني هو ممد هذا الكون (4) هو اعتقاد النصارى في البابا بل عندهم تثليث النصارى(5) حتى أنهم أخذوا طقوس النصارى كأعياد المواليد...(6)
بل وصل بهم الأمر إلى التعاون مع المستعمر النصراني الفرنسي عند احتلاله كثير من بلاد الإسلام وخير دليل على ذلك الخطبة التي ألقاها الشيخ سيد محمد الكبير خليفة الشيخ التيجاني آنذاك بين يدي الكونونل (سكوني ) الفرنسي الذي ترأس بعثة من الضباط قامت بنزهة استطلاعية في الجنوب الجزائري أقام لهم الخليفة التجاني مأدبة فاخرة قرئت فيها بالنيابة عنه خطبة طويلة يقول فيها:
" ففي سنة 1838 كان جدي سيد محمد الصغير قد أظهر شجاعة نادرة في مقاومة أكبر عدو لفرنسا الأمير عبد القادر الجزائري..."(7)
__________
(1) انظر الصوفية معتقدا ومسلكا / د. صابر طعيمة ص 217 ومجلة الرسالة: مقال د. زكريا إبراهيم السنة 12 مجلد2 ص 620
(2) جواهر المعاني 2/233 والدرة الخريدة 4/203 وانظر الصوفية مسلكا ومنهجا ص 167
(3) الرماح 1/323و327و334و341و379 وبغية المستفيد ص 300 ـ 301 وجواهر المعاني 1/118
(4) بغية المستفيد ص 225 والرماح 2/142
(5) انظر شرح الهمزية لعلي حرازم ص 61.
(6) انظر مجلة الأزهر سنة 29 1/8-10 ومجلة الفتح العدد 257 بتاريخ 16 صفر 1350 هـ
(7) المصدر السابق(1/86)
وكما قال:" وفي سنة 1864 م كان عمي سيدي أحمد مهد السبيل لجنود (الدوك دومال) وسهل عليهم السير إلى مدينة بسكرة وعاونهم على احتلالها " (1) .
وقال:" وفي سنة 1881م كان المقدم سي عبد القادر بن أحميدة مات شهيدا مع الكونونل (افلاتين) حيث كان يعاونه على احتلال بعض النواحي الصحراوية "(2) .
وقال:" وفي سنة 1894م طلب منا موسيو (جول كوميون) والي الجزائر العام يومئذ أن نكتب رسائل توصية فكتبنا عدة رسائل وأصدرنا عدة أوامر إلى أحباب طريقتنا في بلاد الهكار (الطوارق) و(السودان) (3) نخبرهم بأن حملة (فود ولامي )الفرنسية هاجمة على بلادهم ونأمرهم أن لا يقابلوها إلا بالسمع والطاعة وأن يعاونوها على احتلال تلك البلاد وعلى نشر العافية فيها(4).
ويقول:" وفي سنة 1906-1907م أرسل موسيو (جونار)والي الجزائر العام يومئذ ضابطه المترجم مدير الأمور الأهلية بالولاية العامة سيدي (مورانت) برسالة إلى أبي المأسوف عليه سيدي البشير فأقام عنده في زاوية كوردان شهرا كاملا لأداء مهمة سياسية ولتحرير رسائل وأوامر أمضاها سيدي البشير والدي رئيس التجانية يومئذ ثم وجهت إلى كبراء مراكش وأعيانها وزعماء تلك البلاد وجلهم - أو قال أكثرهم - تجانيون من أحباب طريقتنا نبشرهم بالاستعمار الفرنسي ونأمرهم بأن يتقبلوه بالسمع والطاعة والاستسلام والخضوع التام وأن يحملوا الأمة على ذلك وأن يسهلوا على جيوش فرنسا تلك البلاد.
وفي الحرب العالمية الكبرى أرسلنا ووزعنا في سائر أقطار شمال إفريقية منشورات تلغرافية وبريدية استنكارا لتدخل الأتراك في الحرب ضد فرنسا الكريمة وضد حلفائها الكرام وأمرنا أحباء طريقتنا بأن يبقوا على عهد فرنسا وعلى ذمتها ومودتها.
__________
(1) المصدر السابق
(2) المرجع السابق
(3) يقصد بالسودان الدول الزنجية كمالي والسنغال...
(4) المصدر السابق(1/87)
وفي سنة 1913م إجابة لطلب الوالي العام للجزائر أرسلنا بريدا إلى المقدم الكبير للطريقة التيجانية في السنغال سيد الحاج مالك عثمان سي نأمره بأن يستعمل نفوذنا الديني الأكبر هنالك في السودان لتسهيل مأمورية (كلوزيل) الوالي العام للجزء الشمالي من افريقية الغربية أي لكي يسهل عليه احتلال واحة شنقيط(1).
وفي سنة 1916م إجابة لطلب المارشال (ليوتي)عميد فرنسا في مراكش كان سيدي علي - صاحب السجادة الرئيس الذي كان قبلي - كتب مائة وثلاث عشرة رسالة توصية وأرسلها إلى الزعماء الكبار وأعيان المغاربة يأمرهم بإعانة فرنسا في تحصيل مرغوبها وتوسيع نفوذها... - إلى أن قال - وبالجملة فإن فرنسا ما طلبت من الطائفة التيجانية نفوذها الديني إلا وأسرعنا بكل فرح ونشاط بتلبية طلبها وتحقيق رغائبها وذلك كله لأجل عظمة ورفاهية وفخر حبيبتنا فرنسا النبيلة والله المسؤول أن يخلد وجودها بيننا لنتمتع برضاها الخالد"(2)
ولم يقاوم المستعمر الفرنسي منهم إلا عمر الفوتي وقد تبرأوا منه وخذلوه وقالوا بأنه غير ماذون بذلك (3).
الوجه السادس:
قوله ناقلا عن السبكي:" لا شك أن من تكلم في إمام استقرت في الاذهان عظمته وتناقلت الرواة ممادحته فقد جر الملام على نفسه..."
__________
(1) موريتانيا حاليا
(2) مجلة الأزهر سنة 29. 1/8-10 ومجلة الفتح العدد 257 القاهرة 16/صفر 1350 هـ
(3) كشف الحجاب ص 336(1/88)
أقول فكيف بمن تكلم في كل إمام أو ولي من أولياء الله واحتقره واستهزأ به بل جعله تحت قدميه ؟ ففي الرماح أن الشيخ التجاني قال ذات ليلة في مجلسه أين السيد محمد الغالي فجعل أصحابه ينادون أين السيد محمد الغالي على عادة الناس مع الكبير إذا نادى أحدا فلما حضر بين يدي الشيخ قال - رضي الله عنه - وأرضاه وعنا به " قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى " وقال سيد محمد الغالي وكان لا يخافه لأنه من أكابر أحبائه وأمرائهم يا سيدي أنت في الصحو والبقاء أو في السكر والفناء فقال - رضي الله عنه - وأرضاه وعنا به:" أنا في الصحو والبقاء وكمال العقل ولله الحمد " وقال قلت ما تقول بقول سيدي عبد القادر - رضي الله عنه - قدمي هذه على رقبة كل ولي لله تعالى فقال " صدق - رضي الله عنه - يعني أهل عصره " وأما أنا فأقول: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ في الصور..."(1)
وفي هذا الكلام السخيف غاية الاحتقار والازدراء لجميع أولياء الله تعالى من الأنبياء فمن دونهم من أهل العلم والصلاح.
ادعاء مفتاح وجوب الرد عن التجاني
قال مفتاح التجاني:
" المحور الثاني:
وأما المحور الثاني المتعلق بوجوب الرد عن الشيخ فالدليل عليه من طريق النظر والاستدلال جاء في آيات كثيرة منها قوله تعالى { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } وقد روى ابن أبي حاتم بسنده إلى أبي الدرداء في تفسيرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا هذه الآية " ومنها قوله تعالى { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } قال ابن جزي في تفسيرها (ج3 ص 42) ينصره أي ينصر دينه وأولياءه " ومنها قوله تعالى { يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } .
__________
(1) الرماح 2/405(1/89)
وأما الدليل من السنة على وجوب الرد عن الشيخ فهو أكثر من أن يحصى أو يستقصى ويكفينا منه ما ساقه الإمام النووي في الأذكار (ص294-295) حيث بوب بقوله (باب أمر من سمع غيبة شيخه أو صاحبه أو غيرهما ) بردها وإبطالها ثم قال ( اعلم أنه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردها ويزجر قائلها فإن لم ينزجر بالكلام زجره باليد فإن لم يستطع باليد ولا باللسان فارق ذلك المجلس فإن سمع غيبة شيخه أو غيره ممن له عليه حق أو كان من أهل الفضل والصلاح كان الإعتناء بما ذكرناه أكثر ثم استدل على وجوب الرد عنه بعدة أحاديث ) " اهـ بلفظه ص 4
قلت: ثم ذكر حديث عتبان في قصة مالك بن الدخشم وجزءا من حديث كعب بن مالك وحديث جابر وأبي طلحة عند أبي داود انظر ص 4-5 .
والرد عليه من أحد عشر وجها:
الوجه الأول:
أنه ورد في القرآن الكريم أكثر من مائة آية تتحدث عن هذا الموضوع ولم يستطع أن يذكر منها إلا ثلاثا ثم اختار الآيات التي يخبر الله فيها عن نفسه بنصرته للمؤمنين { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } ، { ولينصرن الله من ينصره } وذلك إشارة منه إلى مذهبه الردي القائل بوحدة الوجود وعليه فلا فرق بين الخالق والمخلوق.
الوجه الثاني:
ذكر في تفسيير الآية الأولى حديثا ضعيفا ولما رأى سنده واضح الضعف حذفه وهذا غاية التدليس والتلبيس وإليك البيان:
قال ابن أبي حاتم (1): " حدثني أبي حدثنا نفيل حدثنا موسى بن أعين عن ليث عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ".
ولهذا الحديث علتان:
__________
(1) تفسير ابن أبي حاتم9/3093(1/90)
العلة الأولى: ليث هو ابن أبي سليم الكوفي قال أحمد:" مضطرب الحديث ولكن حدث عنه الناس " وقال يحي:" ضعيف " وقال ابن معين أيضا " لا بأس به " وقال ابن حبان:" اختلط في آخر عمره " وقال عبد الله بن أحمد:" حدثنا أبي قال:مارأيت يحي بن سعيد أسوأ رأيا في أحد منه في ليث ومحمد بن إسحاق، وهمام لايستطيع أحد أن يراجعه فيهم " وقال النسائي:" ضعيف " وإن وثقه بعض الأئمة فالجمهور على تضعيفه (1) وقد لخص ابن حجر كلام العلماء فيه فقال:" صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك "(2)
العلة الثانية:
شهر بن حوشب الأشعري قال أبو حاتم:" ليس بدون أبي الزبير ولا يحتج به " وقال أبوزرعة:" لا بأس به " وقال ابن عون:" إن شهرا تركوه " وقال ابن عدي والنسائي:" ليس بالقوي " وقال الفلاس:" كان يحي ابن سعيد لا يحدث عن شهر وكان عبد الرحمن يحدث عنه " ووثقه ابن معين وقال أحمد:" روى عن أسماء بنت يزيد أحاديث حسانا " واتهم بالسرقة من بيت المال " (3) قال ابن حجر:" صدوق كثير الأوهام والإرسال " (4) وعندما ذكر الشوكاني الحديث في تفسيره أشار إلى تضعيفه فقال:" وهو من طريق شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء"(5) اهـ
الوجه الثالث:
__________
(1) انظر التاريخ الكبير 7/247 والميزان 3/420
(2) التقريب ص 400
(3) انظر التاريخ الكبير 4/258 والميزان 2/283
(4) التقريب ص 210
(5) فتح القدير4/233(1/91)
ولجهله بعلم المصطلح لم يذكر الحديث بصيغة التمريض كما هي القاعدة عند المحدثين ولم يذكر إسناده مع أن الحديث في حكم شرعي هو وجوب الرد عن الشيخ قال ابن الصلاح " إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك وإنما تقول فيه روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا أو بلغنا عنه كذا وكذا أو ورد عنه أو جاء عنه أو روى بعضهم وما أشبه ذلك وهكذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه وإنما تقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي أوضحناه أولا" (1)
قال العراقي في ألفيته
وإن ترد نقلا لواه أو لما
يشك فيه لا بإسنادهما
فات بتمريض كيروى واجزم
بنقل ما صح كقال فاعلم(2)
وقال السيوطي في ألفيته
ومن روى متنا صحيحا يجزم
أو واهيا أو حاله لايعلم
بغير ما إسناده يمرض
وتركه بيان ضعف قد رضوا
في الوعظ أو فضائل الأعمال
لا العقد والحرام والحلال
قال الشارح" وحاصل المعنى أن من أراد رواية أو كتابة حديث ضعيف أو مشكوك في صحته بغير سنده فعليه أن يرويه أو يكتبه بصيغة التمريض كأن يقول روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بلغنا عنه وما أشبه ذلك لئلا يغتر به من لا يعرفه لو ذكره بصيغة الجزم "(3)
الوجه الرابع:
أي غيبة فيما كتبت وإنما أشرت إلى بعض المسائل التي يجب نقاشها لخطورتها ولم أتكلم عن أشخاص بأعيانهم وإنما تكلمت عن المسائل التي ذكروا، وهنالك فرق كبير بين الحكم على القول والحكم على القائل فقائل الكفر مثلا قد لا يكون كافرا لإكراه أو غيره من الأعذار الشرعية المعتبرة.
الوجه الخامس:
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص 136
(2) فتح المغيث للسخاوي 1/330
(3) إسعاف ذوي الوطر 1/336(1/92)
أنكم معشر الصوفية تعترفون بأن العلماء في كل الأزمنة ينكرون عليكم بل قتلوا بعضكم بسبب الزندقة، قال الفوتي في الرماح "...وقد نفي أبو يزيد البسطامي من بلده سبع مرات بأمر الحسين بن عيسى لما تكلم أبو يزيد بعلوم لا عهد لأهل بلده بها في مقامات الأنبياء والأولياء ولم يعد البسطامي إلا بعد الحسين ثم بعد ذلك ألفه الناس وعظموه.
- وكذلك ذو النون المصري أخرجوه من مصر إلى بغداد مقيدا مغلولا وسافر معه أهل مصر يشهدون عليه بالزندقة.
- وأخرجوا محمد بن الفضل البلخي من بلخ لكون مذهبه مذهب أهل الحديث من إجراء آيات الصفات وأخبارها على ظاهرها بلا تأويل وتجسس على علم الله تعالى فيها ولما أخرجه أهل بلخ قال لهم: نزع الله من قلوبكم معرفته ولم يخرج بعد ذلك صوفي من بلخ مع أنها كانت أكثر بلاد الله صوفية.
وكذلك شهدوا على الجنيد بالكفر وكان يتكلم في علم التوحيد على رؤوس الأشهاد فصار يقرره في قعر بيته.
- وعقدوا على الشيخ ابن أبي جمرة مجلسا في الرد عليه حين قال: أنا أجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فلزم بيته ولم يخرج إلا إلى الجمعة حتى مات ورموه بالكفر وبالقول بإباحة الخمر واللواط وأنه لبس في الليل الغيار وهو يشبه الزنار وأتوا به مقيدا مغلولا من الشام إلى مصر.
- ورموا أبا مدين بالزندقة وأخرجوه من بجاية إلى تلمسان فمات ودفن بها.
- وأخرجوا الحكيم الترمذي حين صنف كتابه علل الشريعة وكتاب ختم الأولياء وأنكروا عليه بسبب هذين الكتابين وقالوا إنه فضل الأولياء على الأنبياء وأغلظوا عليه فجمع الكتابين كليهما وألقاهما في البحر فابتلعتهما سمكة سنين ثم لفظتهما وانتفع بهما.
- ورموا سعد بن عبد الله بالقبائح وأخرجوه إلى مصر حتى مات.
- ورموا أبا سعيد الخراز بالعظائم والكفر بألفاظ وجدوها في كتبه.
- ورموا يوسف بن الحسين بالعظائم إلى أن مات لكنه لم يبال بهم لتمكنه.(1/93)
- وأخرجوا أبا الحسن البوسنجي إلى نيسابور فلم يزل بها حتى مات.
- ورموا سمنون المحب بالعظائم ورشوا بغيا فادعت أنه كان يأتيها هو وأصحابه.
- وشهدوا على الشبلي بالكفر مرارا حتى أن من كان يحبه شهدوا عليه بالجنون وأدخلوه المارستان ليرجع الناس عنه وقال أحد مشايخ بغداد: لو لم تكن لله تعالى جهنم لخلقها للذين آذوا الشبلي وكفروه وقال: إن لم يدخل الشبلي الجنة فمن يدخلها.
- وأخرج أهل المغرب الإمام أبا بكر القابسي من المغرب مقيدا إلى مصر وأخذ وسلخ حيا وهو يقرأ القرآن بتدبر وخشوع وكاد أن يفتتن به الناس فرفع الأمر إلى السلطان فقال: اقتلوه واسلخوه.
- وكذا سلخوا النسفي بحلب وكان ينظر إلى الذي يسلخه ويبتسم وعمل خمسمائة بيت من موشحات التوحيد وهم يسلخونه وذلك حين كان يقطعهم بالحجج فاحتالوا له بأن كتبوا سورة الإخلاص في ورقة وخاطوا عليها نعلا فأهدوها إلى الشيخ من طريق بعيدة فلبسها وهو لا يشعر وقالوا لنائب حلب إن النسفي كتب { قل هو الله أحد } وجعلها في طباق نعله، فبعث النائب إليه فاستخرج الورقة فسلم الشيخ لله تعالى ولم يذب عن نفسه وعلم أنه لا بد أن يقتل على تلك الصورة.
- وأخرجوا أبا القاسم البهرباذي من البصرة وأبا عبد الله صاحب أبي حفص الحداد.
- وشهدوا على أبي الحسن البصري بالكفر.
- وتكلموا في ابن شمعون بالكلام الفاحش حتى مات فلم يحضروا له جنازة.
- وتكلموا في الإمام أبي القاسم بن جميل بالعظائم إلى أن مات ولم يتزلزل عما فيه من الاشتغال بالعلم والحديث وصيام الدهر وقيام الليل وزهده في الدنيا حتى لبس الحصير.
- وقال أبو بكر السمطاني كان أبو دينار يحط على الجنيد وعلى رويم وعلى سحنون وابن عطاء الله تعالى وعلى مشائخ العراق وكان إذا سمع واحدا يذكرهم تغيظ وتغير.
- وأخرجوا أبا الحسن الشاذلي من المغرب إلى مصر ورموه بالزندقة والإلحاد وتحليل المحرمات.(1/94)
وقتلوا الإمام أبا القاسم ابن قسي وابن حيان والجوني والمرجاني.
- وما زالوا ينكرون على ابن عربي الحاتمي وابن الفارض إلى وقتنا هذا.
وعقدوا على عز الدين ابن عبد السلام مجلسا في كلمة قالها في العقائد.
وحسدوا تقي الدين بن ليث الأغر وزوروا عليه كلاما في السلطان حتى هم بقتله ثم تداركه.
- وقال السيوطي ومما منّ الله تعالى علي به أنه قام لي عدو يؤذيني ويمزق عرضي لتكون لي أسوة بالأنبياء والأولياء "(1)اهـ بحروفه
الوجه السادس:
لو فرضنا أن ما قلناه غيبة فإن هؤلاء لا غيبة لهم لمجاهرتهم ببدعهم وضلالهم وقد جعل النووي هذا هوالخامس من المسائل التي تجوز فيها الغيبة فقال: " الخامس أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس وأخد المكس وجباية الأموال ظلما وتولي الامور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به ويحرم ذكره بغيره من العيوب إلا أن يكون لوجوازه سبب آخر كما ذكرناه"(2) اهـ
قلت يستدل لذلك بحديث " بئس أخو العشيرة "(3) ونحن إنما ذكرنا ما نشروا في كتبهم مجاهرة منهم بالإثم والعدوان وإشاعة للفاحشة في الذين آمنوا.
الوجه السابع:
أنما قلناه يدخل في باب الإستعانة على تغيير المنكر قال النووي في المسائل التي تجوز فيها الغيبة "الثاني الإستعانة على تغيير المنكر فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك "(4) اهـ
قلت يستدل له بقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } [ المائدة 02 ] ولحديث زيد بن أرقم حين بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قاله ابن أبي فنزلت الآيات بتصديقه(5) .
__________
(1) الرماح 2/512.طبعة دار الفكر 1421 وكاشف الألباس ص 63 ـ 64 ونحوه في الطبقات الكبرى للشعراني 1/15-17
(2) رياض الصالحين ص 404 وانظر الأدكار ص341ـ 342
(3) البخاري ح 6131 ومسلم ح 2591
(4) رياض الصالحين 404 والأذكار ص 340ـ341
(5) البخاري ح ( 4900 ) ومسلم ( 2772 )(1/95)
الوجه الثامن:
أن ما قلناه هو أيضا هو من باب النصح للمسلمين وتحذيرهم من الشر قال النووي:" الرابع تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم "؛ قلت: يستدل له بحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت:" أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت إن أبا الجهم ومعاوية خطباني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما وأبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه…)) الحديث(1).
الوجه التاسع:
أما استدلاله على وجوب الرد عن الشيخ بحديث عتبان، حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن قال بأن مالك بن الدخشم منافق: ((لا تقل ذلك ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ))، فما أدري أجعل مالك بن الدخشم شيخا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم جعل ابن الدخشم مدافعا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم كيف استدل بهذا.؟
الوجه العاشر:
أن حديث عتبان وكعب بن مالك لا يدلان على الوجوب لأن الأول فعل والثاني تقرير وهذا يدل على السنية و الاستحباب لا الوجوب، لانه ليس في واحد منهما الأمر بالدفاع عن عرض المسلم.
الوجه الحادي عشر:
أما حديث جابر وأبي طلحة فعزاه إلى أبي داود مع أن إسناد أبي داود ضعيف ولغشه وتدليسه لم يذكر ما قال فيه لأن فيه إشارة إلى ضعفه؛ إذ قال رحمه الله بعد إخراجه للحديث: " قال أبو داود:يحي بن سليم هذا أبو زيد مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإسماعيل بن بشير مولى بني مغالة وقد قيل عتبة بن شداد موضع عقبة "(2) فهذه هي العلة الأولى للحديث وهي الاختلاف الذي ذكره أبوداود.
__________
(1) ومسلم ح ( 3697)
(2) سنن أبي دوود كتاب الأدب باب الرجل يذب عن عرض أخيه ح 4884 ص 689(1/96)
أما العلة الثانية: فهي إسحاق بن الصباح الأشعثي وهو ضعيف قال الذهبي " ضعفه يحي والدارقطني وغيرهما وقل ما روى "(1) ولهذا قال في التقريب " مقبول " (2) أي حيث توبع وإلا فلين الحديث كما قال في مقدمة التقريب(3).
أما العلة الثالثة: فهي يحي بن سليم ابن زيد فإنه مجهول قال الذهبي: "ماعلمت أحدا روى عنه سوى الليث "(4) وقال ابن حجر " مجهول "(5).
أما العلة الرابعة: فهي إسماعيل بن بشير المدني فإنه مجهول أيضا قال الذهبي:" إسماعيل بن بشير المدني عن أبي طلحة وجابر في إثم خذلان المسلم وعنه يحي بن سليم بن زيد لا يدرى من ذا "(6).
وقال ابن حجر " إسماعيل بن بشير الأنصاري مولى بني مغالة ( بفتح الميم والمعجمة ) مجهول " (7) فبان ضعف هذا الإسناد والله أعلم.
ترجمة التجاني مغالطات مكشوفة
قال مفتاح التجاني:
" المحور الثالث وأما المحور الثالث المتعلق بالترجمة عن الشيخ التجاني فهو - رضي الله عنه - عنه أجل قدرا وأعظم شأنا من أن تستوفى الترجمة عنه في هذا المقام... إلخ " اهـ ص 06 -10
والرد عليه من وجوه ستة:
الوجه الأول:
__________
(1) لميزان 1/216
(2) التقريب ص 41
(3) التقريب ص14
(4) الميزان 4/350
(5) التقريب ص 521
(6) الميزان 1/243
(7) التقريب ص45(1/97)
اعلم أنهم يترضون على شيخهم لأنهم يعتقدون أنه يجالس النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال اليقظة بل لا يغيب عنه فهو بذلك من الصحابة بل يدعي أنه أفضل من الصحابة أجمعين، قال علي حرازم :"وسمعت منه - رضي الله عنه - أن الاسم الخاص به إذا ذكره العارفون كلهم من لدن آدم إلى قيام الساعة سبعة وعشرون مائة سنة يذكرونه في كل يوم ألف مرة وجمعت تلك الاذكار كلها في تلك المدة كلها ما لحقوا مرة واحدة من ذكر سيدنا الخاص به "(1) وقال التجاني:" إن مقامنا عند الله في الآخرة لا يصله أحد من الأولياء ولا يقاربه من كبر شأنه ولا من صغر وإن جميع الأولياء من الصحابة إلى النفخ في الصور ليس فيه من يصل مقامنا "(2).
زاد في موضع آخر " ولا يقاربه لبعد مرامه عن جميع العقول وصعوبة مسلكه على أكابر الفحول "(3) وقال:" قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ الصور "(4) ؛ وقال " وليس لأحد من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلا أنا وحدي "(5)
وقال علي حرازم:" وأخبره - صلى الله عليه وسلم - بقوله عليه الصلاة السلام: بعزة ربي يوم الإثنين ويوم الجمعة ؛ لم أفارقك فيهما من الفجر إلى الغروب ومعي سبعة أملاك وكل من يراك في اليومين يكتب الملائكة اسمه في رقعة من ذهب ويكتبونه من أهل الجنة "(6) .
__________
(1) جواهر المعاني 1/54
(2) الرماح 2/399 ط دار الفكر 1421
(3) الرماح 2/413
(4) الرماح 2/399 وبغية المستفيد ص 225
(5) المرجع السابق 2/413
(6) جواهر المعاني 1/98 دار الكتب العلمية 1417(1/98)
قال التجاني:"... وهذا غاية إدراك النبيين والمرسلين والأقطاب يصلون إلى هذا المحل ويقفون ثم استأثرت بألباس من الأنوار الإلهية أخرى وبها سميت عقلا ثم استأثرت بألباس من الأنوار الإلهية أخرى فسميت بسببها قلبا ثم استأثرت بألباس من الأنوار الإلهية الأخرى فسميت بسببها نفسا " (1).
قال التجاني:" قال لي - صلى الله عليه وسلم - لك في الجنة أربعون مقاما من مقامات الأنبياء "اهـ(2)
وقال صاحب بغية المستفيد " ومن ذلك الذي قصدت ذكره هنا مما لسيدنا - رضي الله عنه - من الكرامات المأثورة والمناقب المشهورة رؤيته واجتماعه بسيد الأنام عليه الصلاة والسلام في حال اليقظة والمشافهة لا في حال المنام وهي لدى الرجال الكاملين أجل مقصد وأسنى مرام ومن ذلك أيضا بلا شك ولا مين دوام شهوده له - صلى الله عليه وسلم - بحيث لا تغيب عنه صورته الشريفة طرفة عين "(3).
وقال أيضا " من كرامات هذا الإمام ما اشتهر بين الأتباع مما تلقاه عنه الخاصة من أصحابه الكرام من أن طائفة من أهل طريقته هذه الأحمدية المنخرطين في سلك سلسلة المحمدية لو اجتمع أقطاب هذه الأمة الشريفة ما وزنوا شعرة مما اختص به الواحد منه من المقامات الرفيعة والأحوال السامية المنيفة(4)
__________
(1) لمرجع السابق 1/107
(2) الدرة الخريدة 1/ 54
(3) بغية المستفيد ص 209 ط دار الجيل بيروت
(4) قلت أكبر تلاميذه علي حرازم يقول له التجاني:" سببه ما تمكن من نفسك من الميل إلى الراحات واقتحام ما تقدر عليه من الشهوات
" كشف الحجاب 88.
وقال عنه:" وقد سامحته وتجاوزت عنه في جميع ما أكل وأخذ من متاعي بعلمه أو بغير علمه ظاهرا وباطنا وفي جميع مخالفته لنا ظاهرا وباطنا " كشف الحجاب ص 95..
ومن أكبر تلاميذ التجاني أيضا محمد بن أبي النصر العلوي الذي كان خارجا مع محمد اكنوس لوادي فاس فمر على أحد أبواب فاس فوقفا بباب حانوت إنسان يبيع الفاكهة فقال لصاحب الحانوت بكم ذاك الجوز وذاك الثمر وأشار إلى شيء وراءه فالتفت ليناوله منه فصار يأخذ مما يليه من غير علم صاحب الحانوت ويجعل منه في جيبه وكاد صاحبه يذوب حياء ثم ترك صاحب الحانوت بعد أن أظهر له أنه لم يصلح له ما أشار إليه. كشف الحجاب ص 160. فهؤلاء وأمثالهم هم الذين لو اجتمع أقطاب هذه الأمة الشريفة ما وزنوا شعرة من واحد منهم!!!.(1/99)
فكيف بقدوتهم وإمام سلسلتهم الآخذ بأرسانهم وأزمتهم "(1).
الوجه الثاني:
قوله " يرجع نسبه إلى الإمام محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل "
أقول من المعلوم أنه لم يدعي الشرف أحد من آبائه بل يعترفون أنهم برابرة ولم يستطع أن يسوق لنا أسماء آبائه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل اكتفى بالوضع على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له: نسبك إلى الحسن بن علي صحيح(2) وما لفق صاحب الدرة الخريدة لا يسمن ولا يغني من جوع لأنه ما نسبه إلى كتاب معتمد.
وما الفرق بينك وبين من قال إنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له: إن التجاني بربري وليس بشريف.
واعلم أن السبب في ادعائه الشرف هو أن الدولة العبيدية التي حكمت فترة طويلة إنما حكمت بادعاء الشرف فصارت عادة كلما أراد شخص أن يجعل لنفسه مكانة ومنزلة ادعى الشرف
فبان أن الذي يحويه من شرف
قد صح لكنه بالهاء لا الفاء
الوجه الثالث:
التجاني نسبة إلى (بني توجين) أصحاب (تاهرت) و(تاكدمت) من البربر إخوان (بني زبيان ) ملوك تلمسان و(بني مرين) ملوك المغرب الأقصى و(بنو توجين ) هم أخوال أحمد التجاني(3) فعلام يدل انتسابه لأخواله وتركه الانتساب إلى آبائه ؟!.
الوجه الرابع:
أنه نقل عن صاحب شجرة النور الزكية قوله:" وله بالمغرب وما والاها أصحاب وأتباع كثيرون يتغالون فيه إلى حد يفوت الوصف ويعظمونه تعظيما بليغا " فانظر كيف أشار إلى غلوكم في شيخكم إلى حد يفوت الوصف ثم فات عليك ذلك فنقلته أم أن الله أراد أن يجعل تدبيركم تدميرا لكم.
الوجه الخامس:
__________
(1) غية المستفيد ص 230
(2) جواهر المعاني 1/26
(3) تحفة الزائر في تاريخ الجزائر ص 303 ط الثانية.الترجمانة الكبرى في المعمور برا وبحرا ص 460-461(1/100)
من تلبيسك أنك لم تذكر سبب طرده من تلمسان إلى (أبي سمعون) لأنه قاصمة ظهرك ومهيض كسرك ولندع المؤرخ المغربي الشهير (الزياني )(1) يحكي لنا تفاصيل القصة فهو معاصر لذلك حيث يقول إن:" الباي محمد بن عثمان طرده - يعني أحمد التجاني - من تلمسان إلى أبي سمعون بسبب تدبيره الفضة وتدليسه على الناس فأقام بها مدة فعظم صيته وكثر فساده وعبثه فبلغ خبره الباي وهو أن عثمان بن محمد بن الباي محمد بن عثمان السابق الذكر كتب لأهل قرية (أبي سمعون) بالوعيد إن لم يطردوه فلما بلغه ذلك فر إلى المغرب في طائفة من أتباعه وتلاميذه "(2)
فهو إنما كان مزورا للعملات مخادعا للمسلمين غاشا لهم وقد أشارت كتبكم إلى أنه كان يزور العملات (3) ثم انتقل من تزوير العملات إلى التزوير في الديانات.
الوجه السادس:
- أما ما ادعاه له من العلم فلم نر برهانا عليه إلا ما في جواهر المعاني وهو - على ما فيه - مسروق من كتاب (المقصد الأحمد) إلا أن (مؤلفه) غير فيه قليلا ثم نسبه إلى نفسه وإليك البيان:
1- سرق خطبته وهي خمس صفحات فنقلها بالحرف الواحد (انظر صورة الخطبتين في الملحق).
__________
(1) هو أبو القاسم أحمد بن علي بن إبراهيم المؤرخ ولد بفاس سنة 1147هـ وكان سفيرا لبلاده في الإستانة سنة 1200هـ ومن كتبه
"الرحلة اكبرى"والترجمان المعرب عن دول المشرق والمغرب توفي بمدينة فاس سنة 1249هـ كما في الأعلام للزركلي 6/6.
(2) الترجمانة الكبرى في المعمور برا وبحرا ص 460- 461
(3) بغية المستفيد ص 258 وكشف الحجاب ص 121و476 و477.(1/101)
2- ترتيب أبواب جواهر المعاني كترتيب أبواب المقصد الأحمد وعناوين الأبواب متطابقة في الكتابين إلا أن (مؤلف ) جواهر المعاني أجملها في ستة أبواب وصاحب المقصد ذكرها في تسعة أبواب؛ وقد اعترف بهذا أحد أقطاب التيجاينة وهو أحمد سكيرج فقال " ولقد عثرت على ثلاث نسخ من هذا المقصد وقابلته مع جواهر المعاني فوجدت خطبته كخطبته وجل ترتيب أبوابه على ترتيبه " (1).
وإليك أبواب كل واحد من الكتابين:
أولا: أبواب كتاب المقصد الأحمد
الباب الأول: في نسبه وأبويه وعشيرته الأقربين إليه.
الباب الثاني: في نشأته وبدايته وأخذ طريق هدايته.
الباب الثالث:في مواجيده وأحواله ومقامه المتصف به وكماله.
الباب الرابع: في سيرته السنية وجمل من أخلاقه السنية.
الباب الخامس: في كرمه وسخائه وعظيم فتوته ووفائه.
الباب السادس: في علو همته وورعه وزهده وحريته.
الباب السابع: في دلالته على الله وجمعه عليه وسوقه الأقوام بحاله ومقاله إليه.
الباب الثامن: في كلامه وإشاراته وبعض ما سمعته من تقريراته.
الباب التاسع: في جملة من كراماته وبعض ما جرى من تصرفاته.
الباب العاشر: في شيخه الهمام ومشايخ شيخه الأعلام.
الباب الحادي العاشر: في أسانيد طريقته وتحرير رفعتها وتحقيقه.
الباب الثاني عشر: في بعض ما قيل فيه من القصائد الشعرية المنبئة عن محاسنه السوية.(2)
ثانيا : أبواب كتاب جواهر المعاني:
الباب الأول: في التعريف به وبمولده وأبويه ونسبه وعشيرته الأقربين إليه ونشأته وبدايته ومجاهدته وأخذ طريق رشده وهدايته وفيه ثلاثة فصول.
الباب الثاني: في مواجيده وأحواله ومقامه المتصف به وكماله وسيرته السنية وجمل من أخلاقه السنية وحسن معاملاته مع إخوانه وأهل مودته وفيه ثلاثة فصول.
__________
(1) جناية المنتسب العاني لأحمد سكيرج (2/53)
(2) المقصد الأحمد 1/5-6(1/102)
الباب الثالث: في كرمه وسخائه وعظيم فتوته ووفائه وخوفه وعلو همته وورعه وزهده وموعظته وحريته ودلالته على الله وجمعه عليه وسوقه الأقوام بحاله ومقاله إليه وفيه ثلاثة فصول.
الباب الرابع: في ترتيب أوراده وأذكاره وذكر طريقته وأتباعه وفضل ورده وما أعده الله لتاليه وصفة المريد وحاله وما يقطعه عن أستاذه وكيفية الشيخ الذي يتبعه بسائر أقواله وأفعاله وكيفية السماع ومايتبعه من سائر لياليه وأيامه وأدعية شتى أجراها الله على لسانه كما هي عادته الكريمة على قلوب أهل عرفانه وفيه ثلاث فصول.
الباب الخامس: في ذكر أجوبته على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وفي ذكر رسائله وكلامه وإشاراته وما سمعته من فيض علومه وتقريراته وفيه فصول.
الباب السادس: في جملة من كراماته وبعض ما جرى من تصريفاته وما اتفق لبعض أصحابه معه من مكاشفاته.(1)
وتلاحظ معي أنه حذف الأبواب الثلاثة الأخيرة من (المقصد الأحمد) وما سوى ذلك فالتطابق فيه واضح إلا أنه دمج الباب الأول في الثاني الرابع في الثالث والسابع والسادس في الخامس.
3 - معظم الجزء الأول من (جواهر المعاني) منقول بالمعنى من (المقصد الأحمد) وكثير منه منقول بالحرف الواحد وإليك أمثلة على ذلك:
الجزء الأول من جواهر المعاني(2)
الجزء الأول من المقصد الأحمد (3)
الصفحة 2 -3
الصفحة 2 – 3
الصفحة 5- 7
الصفحة 3 – 5
الصفحة57
الصفحة 52 – 53
الصفحة 60
الصفحة 58
الصفحة67 – 68
الصفحة 79 – 80
الصفحة 76 -78
الصفحة 81 – 82
الصفحة 84 – 85
الصفحة 104
الصفحة 91 – 92
الصفحة 112 – 113
الصفحة 98 – 99
الصفحة 133 – 134
الصفحة100
الصفحة 135
الصفحة105 - 110
__________
(1) جواهر المعاني 1/11
(2) جواهر المعاني طبعة شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده المطبوعة بمصر سنة 1308 هـ
(3) المقصد الأحمد وهو مطبوع بالمطبعة الحجرية بفاس سنة 1351 هـ(1/103)
الصفحة 154 - 158
وانظر صور أمثلة من هذه الصفحات في الملحق.
- وقد شهد التجاني على نفسه بأنه عامي كما في رماح حزب الرحيم (2/422):" وقد أخبرني سيد محمد الغالي - رضي الله عنه - أن الشيخ - رضي الله عنه - وأرضاه وعنا به قال يوما في مجلسه من كان يحبني لله ورسوله فليحبني ومن كان يحبني لغرض فبالله الذي لا إله إلا هو أنا عامي صرف لم يكن لي شيء "اهـ
- بل شهد التجاني على نفسه أنه ما شم رائحة الإسلام فقال كما في الدرة الخريدة (1/84):" والله ما شممنا رائحة الإسلام، فقيل له أنت ترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقظة وتقول هذا فيقول كائن ذلك حقا لكن أمن أصاب إلخ " اهـ
ترجمة ابن عربي وبيان تكفير العلماء له
قال مفتاح التجاني:
" المحور الرابع المتعلق بالترجمة عن الشيخ محي الدين بن عربي فإنه رضي الله عنه قد شهد له الجمهور من علماء الأثر والفقه أنه بلغ رتبة المجتهد المطلق في العلوم النقلية والعقلية... " إلى آخر كلامه(ص 11- 14).
وقد اقتصر في هذه الترجمة على اليقل عن ابن حجر الهيتمي الصوفي في فتاويه والشعراني في اليواقيت - وأطال النقل عنهما -كما نقل عن ابن العماد، فهؤلاء كل من نقل عنهم في هذه الترجمة.
والرد عليه من أكثر من أربعة أوجه:
الوجه الأول:
قوله:" قد شهد له الجمهور من علماء الأثر والفقه أنه بلغ رتبة المجتهد المطلق في العلوم النقلية والعقلية " اهـ
أقول بل شهدوا عليه بالكفر والزندقة والإلحاد وألفوا في ذلك التآليف الكثيرة ولهذا لم تستطع أن تنقل ترجمته من كتب التراجم وكتب التاريخ حتى اضطررت إلى النقل عن بعض كتب المتصوفين التي هي غير معتمدة عند علماء المسلمين وهأنذا أنقل تكفير العلماء المعتمدين له.(1/104)
1- ممن ألف في تكفيره العلامة برهان الدين البقاعي وسمى كتابه " تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي " قال في مقدمته:" وبعد فإني لما رأيت الناس مضطربين في ابن عربي المنسوب إلى التصوف الموسوم عند أهل الحق بالوحدة ولم أر من شفى القلب في ترجمته وكان كفره في كتابه الفصوص أظهر منه في غيره أحببت أن أذكر منه ما كان ظاهرا حتى يعلم حاله فيهجر مقاله ويعتقد انحلاله وكفره وضلاله وأنه إلى الهاوية مآبه ومآله "(1)
2- شيخ الإسلام زين الدين العراقي له كراسة في تكفير ابن عربي يقول فيها:" قوله - يعني ابن عربي - في قوم نوح { لا تذرن آلهتكم... } كلام ضلال وشرك واتحاد وإلحاد فجعل تركهم لعبادة الأوثان التي نهاهم نوح عن عبادتها جهلا يفوت عليهم من الحق بقدر ما تركوا " (2) وقال في نفس الكراسة:" وأما قوله - يعني ابن عربي - (فهو عين ما ظهر وعين ما بطن) فهو كلام مسموم ظاهره القول بالوحدة المطلقة وأن جميع مخلوقاته هي عينه ويدل على إرادته لذلك صريحا قوله بعد ذلك (وهو المسمى أباسعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات) وكذا قوله بعد ذلك (والمتكلم واحد وهو عين السامع) وقائل ذلك والمعتقد له كافر بإجماع المسلمين " اهـ(3)
3- ممن أفتى بكفره بدر الدين بن جماعة حيث قال ردا على قول ابن عربي أنه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أذن له في تأليف كتابه الفصوص ما نصه:" وحاشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ياذن في المنام فيما يخالف أو يضاد قواعد الإسلام بل ذلك من وساوس الشيطان ومحنته وتلاعبه برأيه وفتنته وأما إنكاره - يعني ابن عربي - ما ورد في الكتاب والسنة من الوعيد فهو كافر به عند علماء التوحيد؛ وكذلك قوله في نوح وهود عليهما السلام قول لغو باطل مردود " اهـ(4)
__________
(1) تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي ص 21
(2) تنبيه الغبي ص 52
(3) المصدر الساسق ص 64
(4) انظر نص الفتوى في العلم الشامخ للمقبلي ص494(1/105)
4- وقال شمس الدين الذهبي في ترجمته:" محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي صاحب كتاب (فصوص الحكم)مات سنة 638هـ ورأيته قد حدث عن أبي الحسن بن الهذيل بالإجازة وفي النفس من ذلك شيء سمع منه التيسير لأبي عمرو الدامي شيخنا محمد بن أبي الذكر الصقلي المطرز بسماعه من أبي بكر بن أبي جمرة وبإجازته من ابن هذيل وروى الحديث عن جماعة ونقل رفيقنا أبي الفتح اليعمري وكان متثبتا قال سمعت الإمام تقي الدين بن دقيق العيد يقول سمعت شيخنا أبا محمد بن عبد السلام السلمي يقول وجرى ذكر أبي عبد الله بن عربي الطائي فقال: هو شيخ سوء شيعي كذاب فقلت له وكذاب أيضا ! قال نعم ؛ تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن فقال هذا محال لأن الإنس جسم كثيف والجن روح لطيف ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف ثم بعد قليل رأيته وبه شجة فقال: تزوجت جنية فرزقت منها ثلاثة أولاد فاتفق يوما أني أغضبتها فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة وانصرفت فلم أرها بعد هذا أو معناه ؛ قلت نقله لي بحروفه ابن رافع من خط أبي الفتح " اهـ(1)
وقال الذهبي أيضا في ترجمة ابن عربي من السير:
" ومن أردأ تواليفه كتاب الفصوص فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر نسأل الله العفو والنجاة " اهـ (2)
5- قال أبو زرعة ولي الدين العراقي في المسألة الحادية والعشرين من فتاويه المكية ما نصه: " لا شك في اشتمال الفصوص المشهورة عنه على الكفر الصريح الذي لا شك فيه وكذلك فتوحاته المكية فإن صح صدور ذلك عنه واستمر إلى وفاته فهو كافر مخلد في النار بلا شك وقد صح عندي عن الحافظ المزي أنه نقل من خطه في تفسير قوله تعالى { إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } [ البقر 6 ]كلاما ينبو عنه السمع ويقتضي الكفر وبعض كلماته لا يمكن تأويلها "(3)
__________
(1) ميزان الإعتدال 3/629-630 ونقله الحافظ بن حجر في اللسان 5/352-353.
(2) سير أعلام النبلاء 23/ 48
(3) تنبيه الغبي ص 124(1/106)
6- قال الإمام أبوعلي السكوتي:" وليحترز من مواضع كثيرة من كلام ابن عربي الطائي في فصوصه وفتوحاته المكية وغيرهما وليحترز أيضا من مواضع كثيرة من كلام ابن الفارض الشاعر وأمثاله مما يشيرون بظاهره إلى القول بالحلول والاتحاد لأنه باطل بالبراهين القطعية ثم قال وكل كلام وإطلاق يوهم الباطل فهو باطل بالإجماع فأحرى وأولى بطلانه إذا كان صريحا في الباطل فإن قالوا لم نقصد بكلامنا ورموزنا وإشاراتنا الاتحاد والحلول وإنما قصدنا أمرا آخر تفهم عنا قلنا لهم الله أعلم بما في الضمائر وما يخفى في السرائر وإنما اعترضنا نحن الألفاظ والإطلاقات التي تظهر فيها الإشارات إلى الإلحاد والحلول والاتحاد "(1)
7- اتفق القضاة على تكفيره.
وذلك أن علامة زمانه علاء الدين محمد البخاري الحنفي ذكر عنده ابن عربي هذا فقال قاضي المالكية أنذاك شمس الدين محمد البساطي: يمكن تأويل كلامه، فقال له البخارى كفرت وسلم له أهل عصره ممن كان في مجلسه ومن غيرهم وما طعن أحد منهم فيه بكلمة واحدة وقد كان منهم حافظ العصر قاضي الشافعية شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني وقاض القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني وقاض القضاة محمود العيني الحنفي والشيخ يحي السيرامي الحنفي وقاضي القضاة محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي الحنبلي وزين الدين أبو بكر القمي الشافعي وبدر الدين محمد بن الأمانة الشافعي وشهاب الدين أحمد بن تقي المالكي وغيرهم من العلماء والرؤساء وما خلص البساطي من ذلك إلا بالبراءة من اعقاد الاتحاد ومن طائفة الاتحادية وتكفيره لمن يقول بقولهم.(2)
__________
(1) كتابه ( نحت العوام فيما يتعلق بعلم الكلام) وعنه تنبيه الغبي ص 126-127
(2) المصدر السابق ص 127-128 وكتاب الصوفية متعقدا ومنهجا ص 237(1/107)
8- وألف في تكفيره جماعة منهم شهاب الدين أحمد بن يحي بن أبي حجلة التلمساني الحنفي والإمام سيف الدين عبد اللطيف بن بلبان الصوفي وقال في كتابه " وقد كتب كل من راقب الله تعالى وخشيه وامتنع كل من التبسه مخافة غيره وغشيه فالذي كتب قام لله تعالى بلوازم فرضه والذي امتنع فهو المسؤول عن ذلك في يوم عرضه فإن زعم أنه ترك خوف الفتنة من المخالفين فتلك محنة في الدين بما وجب على كل عامل من التبيين ".(1)
9- وممن ألف في تكفيره وتكفير أمثاله القدوة العارف عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي وله ثلاثة كتب في هذا الموضوع:
أ- أشعة النصوص في هتك أستار الفصوص.
ب- لوامع الاسترشاد في الفرق بين التوحيد والإلحاد.
ج- البيان المفيد في الفرق بين الإلحاد والتوحيد." (2)
10- وممن كفره العلامة شمس الدين محمد بن يوسف الجزري:
قال عنه:" وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للأصنام كفر وقوله إن الحق المنزه هو الخلق المشبه كلام باطل متناقض وهو كفر وقوله عن قوم هود وحصلوا في عين القرب افتراء على الله تعالى ورد لقوله فيهم وقوله زال البعد وصيرورة جهنم في حقهم نعيما كذب وتكذيب للشرائع وأما من يصدقه فيما قال فحكمه كحكمه في التضليل والتكفير إن كان عالما وإن كان ممن لا علم له فإن قال ذلك جهلا عرف بحقيقة ذلك ويجب تعليمه وردعه عنه مهما أمكن "(3) .
11- وممن كفره الإمام القدوة برهان الدين إبراهيم بن معضاض الجعبري والعلامة زين الدين عمر بن أبي الحرم الكتاني الشافعي ومن جوابه قوله يعني ابن عربي في قوم هود كفر لأن الله تعالى أخبر في القرآن العظيم عن عاد أنهم كفروا بربهم والكفار ليسوا على صراط مستقيم فالقول بأنهم كانوا عليه مكذب لصريح القرآن ويأثم من سمعه ولم ينكره إذا كان مكلفا وإن رضي به كفر.(4)
__________
(1) مصرع التصوف 137-138
(2) المصدر السابق ص 140
(3) انظر الفتوى في العلم الشامخ ص 495
(4) المصدر السابق 496(1/108)
12- ممن كفره أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي عند تفسير قوله تعالى { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم...ا } [ المائة 17 ] ما نصه: " ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقر بالإسلام ظاهرا وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة كالحلاج والشعوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق وابن الفارض وأتباع هؤلاء كابن سبعين...وعد جماعة ثم قال وإنما سردت هؤلاء نصحا لدين الله -يعلم الله ذلك - وشفقة على ضعفاء المسلمين وليحذروا فهم شر من الفلاسفة الذين يكذبون الله ورسوله ويقولون بقدم العالم وينكرون البعث وقد أولع جهلة ممن ينتمي إلى التصوف بتعظيم هؤلاء وادعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه " (1).
13- وممن كفره هو وأمثاله القاضي شيخ الإسلام تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي فقال:" ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضلال جهال خارجون عن طريقة الإسلام فضلا عن العلماء " (2) ونقله الكمال الدميلي والتقي الحصني.
14- وممن أحرق كتب ابن عربي الحافظ تقي الدين الفاسي الذي ألف كتابا يرد به على ابن عربي قال فيه:" وقد أحرقت كتب ابن عربي غير مرة "(3) وممن صنع ذلك من العلماء المعتبرين الشيخ بهاء الدين السبكي(4).
__________
(1) البحر المحيط لأبي حيان 3/448
(2) تنبيه الغبي ص 143
(3) مصرع التصوف ص143
(4) المرجع السابق 143(1/109)
15- ومن العلماء الذين كفروه العلامة القاضي شرف الدين عيسى بن مسعود الزواوي المالكي شارح صحيح مسلم الذي قال:" وأما ما تضمنه هذا التصنيف - يعني الفصوص - من الهذيان والكفر والبهتان فهو كله تلبيس وضلال وتحريف وتبديل فمن صدق بذلك أو اعتقد صحته كان كافرا ملحدا صادا عن سبيل الله مخالفا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملحدا في آيات الله مبدلا لكلماته فإن أظهر ذلك وناظر عليه كان كافرا يستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن أخفى ذلك وأسره كان زنديقا فيقتل متى ظهر عليه ولا تقبل توبته إن تاب لأن توبته لا تعرف فقد كان قبل أن يظهر عليه يقول بخلاف ما يبطن فعلم بالظهور عليه خبث باطنه وهؤلاء القوم يسمون الباطنية لم يزالوا من قديم الزمان ضلالا في الأمة معروفين بالخروج من الملة يقتلون متى ظهر عليهم وينفون من الأرض وعادتهم التمصلح والتدين وادعاء التحقيق وهم على أسوأ طريق فالحذر كل الحذر منهم فإنهم أعداء الله وشر من اليهود والنصارى لأنهم قوم لا دين لهم يتبعونه ولا رب يعبدونه وواجب على كل من ظهر على أحد منهم أن ينهي أمره إلى ولاة المسلمين ليحكموا فيه بحكم الله تعالى ويجب على من ولي الأمر إذا سمع بهدا التصنيف البحث عنه وجمع نسخه حيث وجدها وإحراقها وأدب من اتهم بهذا المذهب أو نسب إليه أو عرف به على قدر قوة التهمة عليه حتى يعرفه الناس ويحذروه "(1)
__________
(1) العلم الشامخ ص 498(1/110)
16- وممن كفره نور الدين علي بن يعقوب البكري الشافعي قال عن الفصوص:" وأما تصنيفٌ تذكر فيه هذه الأقوال ويكون المراد بها ظاهرها فصاحبها ألعن وأقبح من أن يتأول له ذلك بل هو كاذب فاجر كافر في القول والاعتقاد ظاهرا وباطنا وإن كان قائلها لم يرد ظاهرها فهو كافر في قوله ضال بجهله ولا يعذر في تأويله بتلك الألفاظ إلا أن يكون جاهلا بالأحكام جهلا تاما عاما ولا يعذر في جهله لمعصية لعدم مراجعة العلماء والتصانيف على الوجه الواجب من المعرفة في حق من يخوض في أمر الرسل ومتبعيهم أعني معرفة الأدب في التعبيرات على أن في هذه الألفاظ ما يتعذر أو يتعسر تأويله بل كلها كذلك " (1)
17 – وممن كفره نجم الدين محمد بن عقيل البالسي الذي قال:" من صدق هذه المقالة الباطلة أو رضيها كان كافرا بالله تعالى يراق دمه ولا تنفعة التوبة عند مالك وبعض أصحاب الشافعية ومن سمع هذه المقالة القبيحة تعين عليه إنكارها بلسانه بل يجب عليه منع قائلها بالضرب إن لم ينزجر باللسان فإن عجز عن الإنكار بلسانه أو بيده وجب عليه إنكار ذلك بقلبه وذلك أضعف الإيمان "(2).
__________
(1) مصرع التصوف ص 144- 145
(2) المرجع السابق ص 146 – 147(1/111)
18- وممن كفره العلامة أبو أمامة محمد بن علي بن النقاش المصري الذي قال:" وقد ظهرت أمة ضعيفة العقل نزرة العلم اشتغلوا بهذه الحروف وجعلوا لها دلالات واشتقوا منها ألفاظا واستدلوا منها على مدد وسموا أنفسهم بعلماء الحروف ثم جاءهم شيخ وقح من جهلة العالم يقال له البوني ألف فيه مؤلفات وأتى فيها بطامات ومن الحروف دخلوا للباطن وأن للقرآن باطن غير ظاهر بل وللشرائع باطنا غير ظاهرها ومن ذلك تدرجوا إلى وحدة الوجود وهو مذهب الملحدين كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض ممن يجعل وجود الخالق هو الوجود المخلوق وقد لا يرضى هؤلاء بلفظ الاتحاد بل يقولون بالوحدة " (1) اهـ ثم قال:" وهم متألهون للخيال معظمون له لا سيما ابن عربي منهم ويسميه أرض الحقيقة ولهذا يقولون بجواز الجمع بين النقيضين وهو من الخيال الباطل وقد علم المعتنون بحالهم من علماء الإسلام كالشيخ عز الدين بن عبد السلام وابن الحاجب وغيرهما أن الجن والشياطين تمثلت لهم وألفت كلاما يسمعونه وأنوارا يرونها فيظنون ذلك كرامات وإنما هي أحوال شيطانية لا رحمانية وهي من جنس السحر " اهـ(2)
19- ومن العلماء الذين كفروه العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام النحوي اللغوي الشهير الذي كتب على نسخة من كتاب الفصوص:
" هذا الذي بضلاله
ضلت أوائل معْ أواخر
من ظن فيه غير ذا
لينأ عني فهو كافر
هذا كتاب فصوص الظلم ونقيض الحكم وضلال الأمم كتاب يعجز الذم عن وصفه وقد اكتنفه الباطل من بين يديه ومن خلفه لقد ضل مؤلفه ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا لأنه مخالف لما أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وفطر عليه خليقته " (3).اهـ
__________
(1) تفسيره المسمى (السابق واللاحق) وعنه مصرع التصوف ص 147-148
(2) المرجع السابق ص150
(3) المرجع السابق ص 150(1/112)
20- ومنهم العلامة القاضي أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون الذي قال:"... والطريقة الثانية وهي مشوبة بالبدع وهي طريقة قوم من المتأخرين يجعلون الطريقة الأولى وسيلة إلى كشف حجاب الحس لأنها من نتائجها ومن هؤلاء المتصوفة ابن عربي وابن سبعين وابن برجان وأتباعهم ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم ولهم تآليف كثيرة يتداولونها مشحونة بصريح الكفر ومستهجن البدع وتأويل الظاهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملة أو عدها في الشريعة وليس ثناء أحد على هؤلاء حجة ولو بلغ المثني ما عسى أن يبلغ من الفضل لأن الكتاب والسنة أبلغ فضلا أو شهادة من كل أحد وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة وما يوجد من نسخها بأيدي الناس مثل الفصوص والفتوحات المكية لابن عربي والبد لابن سبعين وخلع النعلين لابن قسي وعين اليقين لابن برجان وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض والعفيف التلمساني وأمثالهما أن يلحق بهذه الكتب وكذا شرح ابن الفرغاني للقصيدة التائية من نظم ابن الفارض فالحكم في هذه الكتب وأمثالها اذهاب أعيانها متى وجدت بالتحريق بالنار والغسل بالماء حتى ينمحى أثر الكتاب لما في ذلك من المصلحة العامة في الدين بمحو العقائد المختلفة فيتعين على ولي الأمر إحراق هذه الكتب دفعا للمفسدة العامة ويتعين على من كانت عنده التمكين منها للإحراق " اهـ (1)
__________
(1) تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي ص 150-152 والعلم الشامخ ص 500(1/113)
21- وممن كفره العلامة شمس الدين محمد العيزرى الشافعي فقال عن الفصوص:" قال العلماء: جميع ما فيه كفر لأنه دائر مع عقيدة الاتحاد وهو من غلاة الصوفية المحذر من طرائقهم وهم شعبان: شعب حلولية يعتقدون حلول الخالق في المخلوق، وشعب اتحادية لا يعتقدون تعددا في الوجود في زعمهم أن العالم هو الله وكل فريق منهم يكفر الآخر ؛ وأهل الحق يكفرون الفريقين...ثم قال :ومنهم ابن الفارض صاحب الديوان وعد جماعة معه ثم قال :ذكر هؤلاء بالحلول والاتحاد جماعة من علماء الشريعة المتأخرين كالشيخ عز الدين بن عبد السلام وأبي عمرو بن الصلاح وابن دقيق العيد وشيخ الفقهاء الزين الكتاني وقاضي القضاة الشيخ تقي الدين السبكي وحكم بتكفيرهم القضاة الأربعة بدر الدين ابن جماعة والزين الحنفي والشرف الزواوي والسعد الحنبلي " اهـ (1)
22- الحافظ الرحالة شمس الدين أبو عبد الله الموصلي الشافعي قال:" وفي كلام ابن عربي من الكفر الصريح الذي لا يمكن تأويله شيء كثير يضيق هذا الوقت من وصفه ومنه تفسير اسمه العلي؛ بأن قال العلي على من ؟ وما ثم إلا هو !! وهو المسمى أبا سعيد الخراز " اهـ (2)
23- قال القاضي شمس الدين محمد بن أحمد البساطي المالكي في أول كتابه في أصول الدين ؛" في المسألة السادسة في حدوث العالم ما نصه: وخالفنا في ذلك طوائف الأولى الدهرية والثانية متأخرو الفلاسفة كأرسطو ومن تبعه من ضلال المسلمين وابن سينا والفارابي ومن حلى كلامه وزخرفه بشعار الصالحين كابن عربي وابن سبعين " اهـ (3)
__________
(1) العلم الشامخ ص 495
(2) مصرع التصوف ص 154
(3) المرجع السابق154- 155(1/114)
24- ذكر شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في ترجمة ابن الفارض ما نصه:" وقد كنت سألت شيخنا سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني عن ابن عربي فبادر بالجواب بأنه كافر، فسألته عن ابن الفارض فقال: لا أحب أن أتكلم فيه فقلت:ما الفرق بينهما والموضع واحد ؟ وأنشدته من التائية فقطع علي بعد إنشادي عدة أبيات بقوله هذا كفر، هذا كفر " اهـ(1)
25- وممن كفره أيضا العلامة برهان الدين السفاقيني صاحب الإعراب ونظم قصيدة طويلة رائعة في الرد عليه وعلى أمثاله يقول فيها:
فشيخهم الطائي في ذاك قدوة
يرى كل شيء في الوجود هو الحقا
وكم من غوي كابن سبعين مثله
وكلهم بالكفر قد طوقوا طوقا
وكالششتري القونوي وابن فارض
فلا برد الله ثراهم ولا أسقى(2)
26- وقال حافظ عصره وفريد دهره شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي بعد حط الحافظ سيف الدين بن المجد على الحريري الصوفي: " فكيف لو رأى الشيخ كلام ابن عربي الذي هو محض الكفر والزندقة لقال هذا الدجال المنتظر ولكن كان ابن عربي منقطعا عن الناس إنما يجتمع به آحاد الاتحادية لا يصرح بأمره لكل أحد ولم تشتهر كتبه إلا بعد موته ولهذا تمادى أمره فلما كان على رأس السبع مائة جدد الله لهذه الأمة دينها بهتكه وفضيحته ودار بين العلماء كتابه الفصوص وقد خط عليه الشيخ القدوة الصالح إبراهم بن معضاد الجعبري فيما حدثني به شيخنا ابن تيمية عن التاج البارنباري أنه سمع الشيخ إبراهيم يذكر ابن عربي قال: (كان يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا) وحكى عنه ابن تيمية أنه قال لما اجتمعت بابن عربي: رأيت شيخا نجسا يكذب بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي أرسله الله "(3) اهـ
__________
(1) لسان الميزان 4/365
(2) تنبيه الغبي ص 160
(3) التاريخ الإسلامي للذهبي ج20 الورقة 57 إلى 62(1/115)
27- وذكر تقي الدين الفاسي في كتابه " تحذير النبيه والغبي من الإفتتان بابن عربي " عددا من العلماء الذين كفروه منهم أبو بكر بن محمد بن صالح الجيلي المعروف بابن الخياط الشافعي المفتي والمدرس بالمعينية والقاضي شهاب الدين أحمد بن علي الناشري الشافعي مفتي زبيد وفاضل اليمني شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المقري الشافعي الذي نظم قصيدة رائعة تبلغ ستا وسبعين بيتا يقول فيها:
حوتهن كتب حارب الله ربها
وغر بها من غر بين الحواضر
تجاسر فيها ابن العُريبي واجترا
على الله في ما قال كل التجاسر
فقال بأن العبد والرب واحد
فربي مربوب بغير تغاير
وأنكر تكليفا إذ العبد عنده
إله وعبد فهو إنكار فاجر
وقال تجلى الحق في كل صورة
تجلى عليها فهو إحدى المظاهر
فسبحان رب العرش عما يقوله
أعاديه من أمثال هذي الكبائر
فكذبه يا هذا تكن خير مؤمن
وإلا فصدقه تكن شر كافر(1)
28- وممن كفر ابن عربي وأمثاله نادرة الزمان علاء الدين محمد بن محمد بن محمد البخاري الحنفي الذي صنف في ذلك رسالة سماها (فاضحة الملحدين وناصحة الموحدين ) ونقل عن القاضي عضد الدين تكفيرهم فإنه قال في وصفه لابن عربي " يحكى عنه أنه كان كذابا حشاشا كأوغاد الأوباش "(2)
29- وقال العلامة أبو عبد الله محمد بن عرفة التونسي عالم إفريقية وقد سئل عن ابن عربي وعن بعض كلامه فقال:" إن من نسب إليه هذا الكلام لا يشك مسلم منصف في فسقه وضلاله وزندقته"(3) اهـ
__________
(1) العلم الشامخ ص 504والرد على القائلين بوحدة الوجود للقاري ص 141 -152
(2) مصرع التصوف ص 164
(3) المرجع السابق ص 175(1/116)
30- وممن صنف في تكفير ابن عربي وأضرابه: بدر الدين حسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني الحسيني نسبا وبلدا وقد ألف كتابين الأول كشف الغطاء عن حقائق التوحيد وعقائد الموحدين والثاني: بيان حكم الشطح والنص على مروق ابن عربي وابن الفارض واتباعهما من الملحدين.(1)
31- قال الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير:" محي الدين بن عربي صاحب الفصوص وغيره محمد بن علي بن محمد بن عربي أبو عبد الله الطائي الأندلسي طاف البلاد وأقام بمكة مدة وصنف فيها كتابه المسمى (بالفتوحات المكية) في نحو عشرين مجلدا فيها ما يعقل ومالا يعقل وما ينكر ومالا ينكر وما يعرف وما لا يعرف وله كتابه المسمى بـ(فصوص الحكم )فيه أشياء كثيرة ظاهرها كفر صريح "(2) اهـ
32- وممن ألف في تكفيره الملا علي القارئ واسم كتابه (الرد على القائلين بوحدة الوجود) وهو مطبوع.
33- وممن ألف في تكفيره العلامة إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي (ت 945) واسم كتابه (تسفيه الغبي في تنزيه ابن عربي) طبع بتحقيق علي رضى.
34- وممن كفره جلال الدين السيوطي بعد أن كان يدافع عنه، قال في كتابه (التحبير):" ويحرم تحريما غليظا أن يفسر القرآن بما لا يقتضيه جوهر اللفظ كما فعل ابن عربي المبتدع الذي ينسب إليه كتاب الفصوص الذي هو كفر كله " اهـ (3)
وقال في كتابه إتمام الدراية شرح النقاية:" ونعتقد أن طريق أبي القاسم الجنيد سيد الصوفية علما وعملا وصحبة طريق مقوم فإنه خال من البدع دائر على التفويض والتسليم والتبري من النفس بخلاف طريق جماعة من المتصوفة كابن عربي الطائي وأضرابه فإنها زندقة منافية للكتاب والسنة " (4)اهـ
فهذه جماعة تزيد على الخمسين من أكابر الأئمة والقضاة وهم:
برهان الدين البقاعي
__________
(1) انظر البدر الطالع للشوكاني 1/218-219
(2) البداية والنهاية 13/135
(3) التحبير في علم التفسير ص 537 تحقيق د/ زهير عثمان علي نور 1416 هـ
(4) مجلة الحكمة العدد 11 ص 297(1/117)
شيخ الإسلام زين الدين العراقي
بدر الدين بن جماعة
شيخ الإسلام بن حجر العسقلاني
ولي الدين العراقي
الإمام أبو علي السكوني
علاء الدين البخاري الحنفي
قاضي القضاة زين الدين التفهني
قاضي القضاة محمود العيني الحنفي
الشيخ يحي السيرامي الحنفي
قاضي القضاة محب الدين أحمد بن نصر الله الحنبلي
زين الدين أبو بكر القمني الشافعي
بدر الدين محمد بن الأمانة الشافعي
شهاب الدين أحمد بن تقي المالكي
شمس الدين محمد البساطي المالكي
شهاب الدين أحمد بن يحي التلمساني الحنفي
الإمام سيف الدين عبد اللطيف بن بلبان الصوفي
عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي
شمس الدين محمد بن يوسف الجزري
برهان الدين الجعبري
زين الدين عمر بن أبي الحرم الكتاني الشافعي
تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي
تقي الدين الفاسي المكي
بهاء الدين السبكي
الكمال الدميري
التقي الحصني
شرف الدين عيسى بن مسعود المالكي
نور الدين علي بن يعقوب البكري الشافعي
نجم الدين محمد بن عقيل الشافعي
العلامة محمد بن علي بن النقاش المصري
جمال الدين بن هشام النحوي
قاضي القضاة عبد الرحمن بن خلدون
شمس الدين محمد العيزري الشافعي
عز الدين بن عبد السلام
أبو عمرو بن الصلاح
أبو الفتح بن دقيق العيد
شيخ الفقهاء الزين الكتاني
شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني
عماد الدين ابن كثير الدمشقي
الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الموصلي
الإمام أبو حيان الأندلسي
سراج الدين البلقيني
برهان الدين السفاقيني
شمس الدين الذهبي
القاضي عضد الدين
أبو بكر بن محمد بن صالح المعروف بابن الخياط
شهاب الدين أحمد بن علي الناشري الشافعي
بدر الدين حسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني
شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المقرئ
أبو عبد الله محمد بن عرفة التونسي
الملا علي القارئ
جلال الدين السيوطي
إبراهيم بن محمد الحلبي(1/118)
فهل يمكن بعد هذا العدد الكثير من علماء المسلمين الذين تدور عليهم الفتوى أن يدعى أن جمهور علماء الأثر والفقه يثنون عليه.
الوجه الثاني
قوله:" أن ابن عربي مكث ثلاثة أشهر على وضوء واحد" مهزلة تضحك الثكالى إذ هذا ضرب من الخرافات المستحيلة عقلا وعرفا وعادة ثم لو صحت لما كانت مدحا إذ لو كانت كذلك لكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه والتابعون لهم بإحسان أحق بها وإنما الصواب أن هذا الزنديق مرت عليه هذه الأشهر ولم يتوضأ بل لم يتوضأ أكثر من ذلك لأن المرتد لا وضوء له وقد عرفت تكفير العلماء له.
الوجه الثالث:
أما قوله" أنه لما صنف كتابه الفتوحات المكية وضعه على ظهر الكعبة ورقا من غير وقاية عليه فمكث على ظهرها سنة لم يمسسه مطر ولا أخذ منه الريح ورقة واحدة مع كثرة الرياح والأمطار بمكة"
فنقول أولا: هذا كذب مفضوح لأن هذا الكتاب موجود وهو كسائر الكتب ومن كابر فليأتنا بنسخته نرش عليها ملء محجم من الماء ثم نرى ما يحدث.
ثانيا: هذه أصنام قريش كانت فوق الكعبة أزمانا طويلا لم تضرها الأمطار والرياح فهل هذا دليل على أنها على الحق ؟! وما نعلم له سلفا غيرهم.
الوجه الرابع:
قوله:" وسئل العماد بن كثير رحمه الله عمن يخطئ الشيخ محي الدين؛ فقال: أخشى أن يكون مخطؤه هو الخاطئ "
فالرد عليه من وجوه أولها أن هذا لم يثبت من طريق يحتج به لأن ناقله هو الشعراني الذي لو سلمنا ثقته فإخباره بهذا مردود لما تقرر في كتب المصطلح من أن رواية المبتدع لما يؤيد مذهبه مردودة.(1)
ثانيهما: ما تقدم نقله عن ابن كثير من تكفيره لابن عربي.
ثالثها أن ابن كثير كان مع شيخ الإسلام ابن تيمية وأمثاله ممن يشدد النكير على ابن عربي ولم يخطئهم.
__________
(1) انظر مقدمة ابن الصلاح ص 149- 150 وتدريب الراوي 324- 325 والكفاية للخطيب 120- 121 وشرح ألفية السيوطي للأثيوبي1/362(1/119)
رابعها: أنه لو سلمنا جدلا ثبوته لتعين تأويله بأن مجرد تخطئة ابن عربي قليل في حقه إذ حقه التكفير فمخطئه خاطئ من هذه الحيثية.
تعقيبات على ترجمة البكري
قال مفتاح التجاني:
" المحور الخامس: وأما المحور الخامس المتعلق بالترجمة عن البكري فإنه - رضي الله عنه - ترجمه جماعة من جلة العلماء..."ألخ (ص 15-18)
والرد على هذه الترجمة من ثلاثين وجها على سبيل البسط ترجع إجمالا إلى ستة أوجه.
الوجه الأول:
ما نقل عن البكري أنه قال:" إن لله عبدا بين أظهركم حاضرا معكم في مجلسكم هذا ينزل إليه في كل يوم ملك صبيحة يأمره بمكارم الاخلاق وينهاه عن مساوئها يعني نفسه "اهـ بلفظه. فهذا باطل:
أولا: من يدريه أنه ملك إذ الملك لو جاء في صورته الملائكية لما وسعته الأرض كلها بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى جبريل على صورته سد عنه الأفق (1)
فإن قال: إن الملك جاءه في صورة بشر فكيف عرف أنه ملك، وقد قال تعالى: { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون } [ الأنعام 09].
ثانيا: أنه قد نص غير واحد من العلماء كعز الدين بن عبد السلام وابن الحاجب وغيرهما أن الشياطين تتمثل لهؤلاء وألفت كلاما يسمعونه وأنوارا يرونها يظنون ذلك كرامات وإنما هي أحوال شيطانية لا رحمانية وهي من جنس السحر (2) .
وفي الرماح للفوتي ناقلا عن زين الدين ما نصه: " والشيطان يجئ على صورة الصالحين كثيرا ولا يقدر على التمثل بصورة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(3)
__________
(1) البخاري بنحوه الأحاديث (4- 3238- 4922- 4923- 4924 – 4925 )
(2) مصرع التصوف ص 148
(3) الرماح 1/363(1/120)
ثالثا: الرسول إلى كافة الناس محمد - صلى الله عليه وسلم - لا نبي آخر ولا ملك ؛ لهذا غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عمر حينما رأى معه صحيفة من التوراة فقال له:" لو كان موسى حيا ثم اتبعتموه واتركتموني لضللتم " (1)
رابعا: لم يصح عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا الأئمة المتبوعين أنه أتاه ملك وأمره بشيء أونهاه عن شيء آخر ؛ نعم قد يسمع بعضهم تسليم الملك دون أن يراه كما وقع للصحابي عمران بن حصين أو يراه على صورة بشر كما في حديث جبريل الطويل ولو لم يخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جبريل لماعرفوه أما أن يراه على صورته الملكية فلا يستطيع ذلك.
الوجه الثاني:
ما نقل عن الشعراني أنه قال: جاورت بمكة المشرفة مع الأستاذ سيدي محمد البكري الصديق في بعض مجاوراته وكنت كثير الملازمة له شديد الإتصال به بينما هو جالس بالحرم الشريف بباب إبراهيم وأنا عنده إذ جاء الخادم من منزله فطلب شيئا من النفقة ولم يكن معه إذ ذاك ماينفق فقال للخادم نرسل الآن إن شاء الله فمضى الخادم ثم عاد ولح في الطلب فأجاب الشيخ بما أجاب به أولا وتكرر ذلك من الخادم فنهض الشيخ للطواف وأنا معه وهو يقول:
صوح النبت فاسقه
قطرة من سحائبك
وأغثنا فإننا
في ترجي مواهبك
وما زال يكررها في الطواف وإذا بشخص هندي أقبل على الشيخ وقبل يده ورفع له من جيبه صرة من الدنانير وقال: ياسيدي هذه هدية لك أرسلها معي ملك الهند، فسجد الشيخ شكرا لله تعالى وانقلب إلى أهله مسرورا " اهـ
نقول لك يا مفتاح:
__________
(1) أحمد 3/387 والدارمي 1/115 وابن أبي عاصم في السنة 5/2وابن عبد البر 2/42.
وقال ابن حجر في الفتح 13/284" رواه أحمد وابن أبي شيبة والبزار ورجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفا"اهـ
وتعقبه الألباني في الإرواء 6/34 بقوله :" لكن الحديث قوي فإن له شواهد كثيرة "اهـ(1/121)
أولا هذه ليست كرامة إذ حصول المال الكثير للشخص قد يكون ابتلاء واستدراجا كما وقع لقارون قال الله تعالى { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لايشعرون } [ المؤمنون 55 ].
ثانيا: كونه ترك أهله وليس عندهم شيء وجلس في الحرم تضييع لأهله وقد قال - صلى الله عليه وسلم - " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت "(1)
ثالثا: تركه للتكسب واعتماده على سؤال الناس وهداياهم مخالف للشرع والعقل والفطرة، ولو حصل الرزق بدون كسب لحصل لمريم وهي في حال الولادة قال الله تعالى { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } [ مريم 25 ].
رابعا:كان الأولى للشيخ أن يتكسب بعمل يده حتى يستغني عن الآخرين ففي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود ليه السلام كان يأكل من عمل يده " (2)
خامسا: اشتغاله في الطواف بإنشاد الأشعار الهزيلة التي ليس فيها إلا طلب المال يدل على انحطاط همته التي قصاراها أن يحصل على المال من أي وجه.
سادسا: عدم اشتغاله بالأذكار والأدعية في الطواف وإبدالها بهذه الأشعار جهل كبير وتقصير عظيم.
سابعا: تقبيل يده يدل على تكبره وإعجابه بنفسه وعلى تقديس أتباعه وأشياعه له وإطرائهم له.
ثامنا: سجوده عند مجيء المال يدل على امتلاء قلبه من محبة الدنيا وأنها همه الأكبر ومقصوده الأعظم.
الوجه الثالث:
قوله أنه حج سنة من السنين وزار قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جلس بين الروضة والمنبر خاطبه النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاها وقال له:" بارك الله فيك وفي ذريتك ".
أقول:
__________
(1) صحيح مسلم في الزكاة باب النفقة على العيال والمملوك ح ( 2312 ) وأبو دود ح (1692) واللفظ له.
(2) البخاري في البيوع باب كسب الرجل وعمل يده ح ( 2072 ).(1/122)
أولا: قولك جلس بين الروضة والمنبر باطل لأن الروضة هي ما بين المنبر وحجرة عائشة لقوله - صلى الله عليه وسلم -:" ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة "(1).
ثانيا: زعمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاطبه كاذب فيه إذ لو كان مخاطبا أحدا لخاطب ابنته فاطمة مع شدة وجدها على فراقه أو أبا بكر أو غيره من الخلفاء ولخاطبهم في سقيفة بني سعادة أو عند وقعة الجمل وصفين وغيرها من الأمور المهمة إذ لا يعقل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع حقن دماء المسلمين ثم لا يفعل.
ثالثا من الذي قال له أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه إنما يسمع الصوت ولا يدري صوت من.
رابعا: لو وقع مثل هذا الحادث الجلل في هذا المكان المعمور دواما بالمسلمين خاصة في موسم الحج لتواتر ذكره وذاع واشتهر بين الناس أما وقد انفرد به تلميذه الشعراني فهيهات.
خامسا: مما يدل على بطلان زعمه هذا أنه لم يبارك فيه بل مات على بدعته وضلاله والمصطفى - صلى الله عليه وسلم - مستجاب الدعاء.
الوجه الرابع:
عندما أراد أن يتبجح بعلمه ومعرفته لم يذكر أنه قرأ كتابا كاملا إلا الألفية والتنبيه للشرازي وأنه حضر بعض دروس والده في التفسير والحديث والفقه ؛ هل بهذا يكون علامة أساذ الأستاذين وشيخ الإسلام وإمام الأولياء والعارفين ؟!!.
الوجه الخامس:
وذكر في الترجمة " وقال - رضي الله عنه - في الحجة الأخيرة: إن قدمت هذه المرة تكون شيخا مربيا فلما قدم تلقيته وقلت له يا والدي هل أنجزتني ما وعدتني فقال نعم،وزيادة عرضتك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقلت: مالولدي محمد فقال لو أخبرت قريشا بما لها عند الله بطرت " اهـ (ص 17).
أولا: قوله إن قدمت هذه المرة تكون شيخا مربيا هذا متناقض لأنه ما دام لا يعرف هل سيعود أم لا فكيف يعرف حال غيره وأنه سيكون شيخا مربيا فتنبه لهذا فهو واضح ؟.
__________
(1) البخاري ح ( 1195) و( 1196) ومسلم ح ( 1390 ) و( 1391 )(1/123)
ثانيا: قال تعالى { وما تدري نفس مادا تكسب غدا } [ لقمان 34 ] فكيف خرج البكري عن ذلك حتى علم حال ابنه في المستقبل.
ثالثا: قال تعالى { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول } [ الجن 26 ] فهل هو من أدعياء النبوة والرسالة ؟.
رابعا: قال تعالى { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } [ آل عمران 179 ] فمن الذي أطلعه هو على الغيب ؟.
خامسا: قوله تعالى على لسان رسله - صلى الله عليه وسلم -: { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير.. } [ الأعراف 188 ] فكيف علم الغيب الذي جهله سيد الأنبياء والمرسلين وإمام الحنفاء والمتقين محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟.
سادسا: قوله " عرضتك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلا بل عرضته على شياطينك، ثم هذه بدعة أحدثتها ؛ فأي الصحابة عرض ابنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد موته أو التابعين أو تابعيهم أهل القرون المزكاة.
الوجه السادس:
قوله ثم إن الله تعالى وله المنة والفضل أنعم علي بالتكلم على نقطة البسملة في الجامع الأزهري في ألفي مجلس ومائتا مجلس وفي الألف في افتتاح الاسم الجامع من آية الكرسي أكثر من ذلك " اهـ ص 18.
أولا: ألم تذكر قوله تعالى { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء } [ النساء 49 ]وقوله تعالى { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } [ النجم 32 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عياض بن حمار " إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد "(1)
ثانيا: كم مجلس عقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للكلام على نقطة الفاتحة ؟ نتحداكم أن تذكروا لنا مجلسا واحدا حولها أو حول الألف.
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الجنة ونعيمها ح ( 7210 )(1/124)
ثالثا: هل كتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا العلم الكثير فنشرته أنت ؟ كتمه عن الصحابة أفضل هذه الأمة ونشرته أنت بين من لا يساوي صحابيا واحدا ؟.
رابعا: أين هذه العلوم الجليلة ؟ أم أننا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا أم أنه مجرد تبجح وافتخار على المؤمنين ؟.
خامسا: ماهو الاسم الجامع ؟ وما الذي يجمعه ؟ هل تعني الاسم الأعظم الذي استأثر الله بعلمه ؟ أم هو اسم آخر ؟
سادسا:وأين آلاف التلاميذ الذين استوعبوا هذه العلوم الجليلة ؟! أم أنها إنما تدرس للعوام والجهال ؟.
ملاحظات على ترجمة البسطامي
قال مفتاح التجاني:
"المحور السادس وأما المحور السادس فهو المتعلق بأبي يزيد البسطامي - رضي الله عنه - ..." اهـ ثم ذكر بعض ترجمة الذهبي له في الميزان والسير والعبر انظر ص 19.
والرد عليه من اثني عشر وجها:
الوجه الأول:
لقد حذفت من كلام الذهبي ما صرح فيه بأن ظاهر كلام البسطامي إلحاد، وهذا في قمة التلبيس والتدليس وإليك نص الكلام المحذوف قال الذهبي في السير (13/ 88 ) وجاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها الشأن في ثبوتها عنه أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو فيطوى ولا يحتج بها إذ ظاهرها إلحاد مثل " سبحاني " "وما في الجبة إلا الله " ؛ " ما النار لأستندن إليها غدا وأقول اجعلني فداء لأهلها وإلا بلعتها ما الجنة لعبة الصبيان ومراد أهل الدنيا ما المحدثون إن خاطبهم رجل عن رجل فقد خاطبنا القلب عن الرب " وقال في اليهود:" ما هؤلاء هب هم لي أي شيء هؤلاء حتى تعذبهم " اهـ كلامه بحروفه.
الوجه الثاني:
وبعد أن حذفت من كلامه ماهو حجة عليك وقاصم لظهرك جاهرت بالكذب فقلت في آخر مانقلت عنه ما نصه (هذه عبارة الذهبي فيه).
لكي يفهم القارئ أنك نقلت عبارته كاملة تامة.
الوجه الثالث:(1/125)
أما التشكيك في ثبوت هذه الكفريات فلا يصدر عن تجاني لأن أحمد التجاني أثبتها كلها أو معظمها في جواهر المعاني (1).
الوجه الرابع:
وأما تأويلها بأنه كان في حالة السكر والفناء فغايتها تنزيله منزلة المجانين المرفوع عنهم القلم وهذه رتبة لا يفرح بها.
الوجه الخامس:
هذه ضلالات كفرية صريحة لا تقبل التأويل وكل من تأولها فقد تعسف قال الحافظ ابن كثير ما نصه: " وقد حكي عنه شطحات ناقصات وقد تأولها كثير من الفقهاء والصوفية وحملوها على محامل بعيدة وقد قال بعضهم إنه قال ذلك في حال الإصطلام والغيبة ومن العلماء من بدعه وخطاه وجعل ذلك من أكبر البدع وأنها تدل على اعتقاد فاسد كامن في القلب ظهر في أوقاته والله أعلم " اهـ كلامه بحروفه.(2)
الوجه السادس:
لقد صرح الذهبي بإنكار أهل العلم عليه وطردهم له من بلده وأنتم معاشر التجانية أول من يعترف بذلك قال في الرماح: وقد نفي أبو يزيد البسطامي من بلده سبع مرات بأمر الحسين بن عيسى لما تكلم أبو يزيد بعلوم لا عهد لأهل بلده بها في مقامات الأنبياء والأولياء ولم يعد البسطامي إلا بعد الحسين ثم بعد ذلك ألفه الناس وعظموه " اهـ (3)
الوجه السابع:
لو كانت هذه زلات وشطحات في حال غيبة العقل لما كثرت وتنوعت وتعددت فإن ذلك يقوى ما أشار إليه ابن كثير من أنها حقائق نابعة عن عقائد مكتومة في القلب.
الوجه الثامن:
لم اقتصرت في نقل ترجمته على عالم واحد هو الذهبي مع أنه قد ترجم له غير واحد من الكتب المعتمدة مثل حلية الأولياء (10/33-42) والمنتظم (5/28-29) ووفيات الأعيان (2/531) والبداية والنهاية (11/30) وشذرات الذهب (2/143) وغيرهم كثير ؟
الوجه التاسع:
لماذا أخرته وقدمت أحمد التجاني عليهم جميعا مع أنه متأخر عنهم هل لأنك تعتقد بأنه أفضل منهم ؟ بل هم تحت قدميه كما قال عن نفسه ؟.
__________
(1) انظر جواهر المعاني 1/277 وكاشف الألباس ص 167و176
(2) البداية والنهاية 11/30
(3) الرماح 2/512(1/126)
الوجه العاشر:
صرح من تأول هذه الشطحات على أنها لا يحتج بها بل غايتها أن يسلم صاحبها ويبقى في دائرة الإسلام ولهذا قال الذهبي كما تقدم:" أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو فيطوى ولا يحتج بها إذ ظاهره إلحاد ".
الوجه الحادي عشر:
لم تذكر في الترجمة تاريخ مولده ولا وفاته وهذا غاية في التقصير.
الوجه الثاني عشر:
افترت الصوفية على البسطامي وأناطوا به الكثير من باطلهم قصد ترويجه لعموم المسلمين.
إطراء مفتاح لبحثه
قال مفتاح التجاني:
" أن من كان بمثابته من الجهل والتعصب لا يمكنه بوجه من الوجوه أن يقيم أو يقوم بحثي الأصولي المحكم المشبك بقواعد علم الصناعة الحديثية الذي لم يترك شاذة ولا فاذة لمن حاول تضعيف حديث الضرير إلا جعلها كرماد اشتدت به الرياح في يوم عاصف " اهـ ص 20
والرد عليه من وجوه ثلاث:
الوجه الأول:
أما شتمك لي فأنا لا أنتصر لنفسي وإنما أنتصر لدين الله وأدافع عنه وشهادتك علي بالجهل والتعصب وغير ذلك من السب والشتم كتبت عليك وستسأل عنها بين يدي علام الغيوب.
الوجه الثاني:
إذا كنت جاهلا كما وصفت فلم لم تستطع الرد علي ليلة المناظرة فلجأت إلى ادعاء وجود بحث كتبته فأرسلنا له فلما قرئ ورددنا عليه ووقف حمارك في العقبة لجأت على ادعاء وجود أدلة أخرى لا يمكن أن تأتي بها الآن ولكن في المناظرة القادمة وكان ذلك أسلوبا ذكيا في الهروب لأنك لم تأت في الموعد الذي حددت للمناظرة.
الوجه الثالث:
أما البحث الذي بالغت في مدحه وإطرائه فهو صفحات قليلة لا تبلغ عدد أصابع اليدين وليس فيها إلا الطعن في أهل العلم والفضل مع ما شحنته به من التدليس والاغلاط الفاحشة والأوهام المنكرة وإليك أكثر من عشرة أمثلة على ذلك:(1/127)
1- حاولت في البداية حصر الزيادات على الرواية الأصلية ولعل ما بقي عليك منها أكثر مما ذكرته فلم تذكر زيادة صلاة ركعتين وهي عند أحمد وابن ماجه والحاكم من طريق شعبة وعند النسائي من طريقي حماد وهشام الدستوائي.
2- غفلت عن رواية النسائي من رواية حماد والتي فيها " أن يقضي حاجتي أو حاجتي إلى فلان أو حاجتي في كذا وكذا " والظاهر أنك أهملت هذه الزيادة خوفا من تضعيف الحديث بسببها لأنك تعتبرمجرد الشك كاف في تضعيف الحديث كما قلت في تضعيفك لزيادة ((وشفعني فيه)).
3- ثم لم تذكر الزيادة التي روى أحمد (4/190- 191) بلفظ ((وإن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك )) هل حذفتها لأنها تدل على نكارة الحديث إذ لن يقدم الصحابي شيئا من أمر الدنيا على أمر الآخرة إلى غير ذلك من الألفاظ التي تركتها وقد تقدم الكلام عليها في أول هذا البحث.
4- قولك بأن اللفظ عام والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم من تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه.
هذا دليل على الجهل المركب لأن الحديث ليس فيه لفظ من ألفاظ العموم أصلا وهذه العبارة هي كل ما ذكرت مما يتعلق بعلم الأصول ومع ذلك لم تستح فقلت بلسان المغرور المتبجح " بحثي الأصولي المحكم "
وتعظم في عين الصغير صغيرها وتصغر في عين العظيم العظائم
5- ذكرت القصة التي وقعت في زمن عثمان - رضي الله عنه - ولم تذكر إسنادها لأنك تعلم ضعفها ففيه روح بن صلاح ضعفه الجمهور كما تقدم في هذا البحث.
6- ذكرت طرق الحديث ولم تشر إلى الاختلاف الواقع فيها لأنه مشعر بعدم ضبط أبي جعفر الذي لم يوصف إلا بالصدق لا بالضبط قال ابن حجر في التقريب:" صدوق من السادسة " (1) وقد ذكر في مقدمة التقريب أن هذه المرتبة لمن كان دون مرتبة ثقة أو عدل أو نحوها (2).
__________
(1) تقريب التهديب ص 368
(2) المرجع السابق ص 14(1/128)
أما الاختلاف فلأن الحديث رواه شعبةوحماد عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة وعن عثمان بن حنيف، ورواه هشام الدستوائي وروح بن القاسم عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان - رضي الله عنه -.
7- قوله " أن هذا المحاضر ـ يعنى العلامة الشيخ محمد الحسن بن الددو ـ غير عبارة الترمذي (وهو غير الخطمي ) فأبدلها بقوله (وليس بالخطمي) " اهـ
قلت: بل ذلك في بعض النسخ بدليل قول حافظ الدنيا ابن حجر العسقلاني في التقريب ما نصه " أبو جعفر عن عمارة ابن خزيمة قال الترمذي (ليس هو الخطمي) فلعله الذي بعده " (1).
8- وأما قولك:بأن (وهو غير الخطمي) تحرفت على النساخ وأن صوابها وهو عين الخطمي.
فهذا كلام من لا علاقة له بسنن الترمذي لأن الترمذي لم يقل في راو واحد " وهو عين فلان " ولكن يقول "وهو فلان "أو "واسمه فلان" ونحو ذلك وأنا أتحداك أن تذكر لي موضعا واحدا في سنن الترمذي قال فيه "وهو عين فلان".
ثم ادعاء الوهم والغلط بدون حجة أو برهان تحكم باطل ووقاحة شديدة وطرده يؤدي إلى إبطال الدين وقلب الحقائق ولا يمارس مثل هذا إلا المستشرقون.
9- قوله:" كذلك لفظ الاحتجاب لم يرد في شيء من طرق هذا الحديث بما في ذلك طريق القصة التي في خلافة عثمان فإن كان هذا المحاضر فهم الاحتجاب عن الناس من قول أبي أمامة فيها: فجاء البواب فأخذ بيده "
__________
(1) المرجع السابق ص 554(1/129)
هذا كذب صراح وإفك مكشوف وتلبيس مفضوح لأنه في هذه القصة عند الطبراني وغيره:" أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في حاجة له وكان عثمان لا يلتف إليه ولا ينظر في حاجته " وفيها أيضا " ثم أن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي " فهذا هو الإحتجاب المنسوب ظلما وعدوانا إلى عثمان - رضي الله عنه - ولا شك أنه مما عملت يدا روح بن صلا ح المصري إذ كثير من فسقة المصريين كانوا حربا على عثمان حتى قتلوه كماهو معروف،وروح قد تقدم أنه صاحب مناكير.
اقصر بطرفك لا تطمح إلي به
... ...
فشأن من ليس يدري الجري أن يقفا
10- قوله أن عبارة ((وشفعني فيه )) ماتثبت لأن شعبة هو الذي تفرد بها دون سائر الرواة ونقل عنه الشك فيها.
قلت بل الشك ممن فوق شعبة فقد رواها عنه روح بدون شك عند أحمد (4/190-191) والحاكم عن طريق محمد بن جغفر بدون شك كما في المستدرك (1/519) ولكن لجهلك بمبادئ علم الحديث لا تستطيع أن تعرف ممن وقع الشك ثم ليس كل شك سببا لرد الرواية.
11- قوله " أن يكون الأعمى شافعا في النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا مستحيل شرعا وعقلا " قلت: لم يقل باستحالته أحد بل كل مسلم يفعل ذلك في اليوم خمس مرات لأنه يسأل بعد كل أذان الوسيلة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهي منزلة عالية في الجنة (( اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته))(1) .
12- لم تتناول في بحثك العلل الحقيقية لهذا الحديث وهي اضطرابه سندا ومتنا ونكارة متنه إلى غير ذلك مما سبق ومع ذلك قلت عن بحثك " لم يترك شاذة ولا فاذة لمن حاول تضعيف حديث الضرير"
فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمداد
رمتني بدائها وانسلت
قال مفتاح التجاني:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الأدان باب الدعاء عند النداء ح ( 614 )(1/130)
" ثانيها أن عدوله وإعراضه عن موضوع التوسل إلى اختلاق مسائل خارجة عنه إن دل على شيء إنما يدل على ضعف حجته وتعصبه لرأيه وتهربه من مواطن التحقيق ورغبته عن صحيح السنة " اهـ من ص 20
والرد عليه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
يبدو أن سهام الرد أصابت منك مقتلا حتى فقدت صوابك فصرت تهرف بمالا تعرف وتهذي بمالا تضبط وتقول مالا تعقل وأنا أعذرك في ذلك لأن فيه تسلية لنفسك وتخفيف عليها.
لو لم تكن لي في القلوب مهابة ... ...
لم تكثر الأعداء في وتقدح
كالليث لما هيب حط له الزببى ... ...
وعوت لهيبه الكلاب النبح
يرمونني شزر العيون لأنني
... ...
غلست في طلب العلا وتصبحوا
الوجه الثاني:
أماتقديم النقاش حول الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر ونحو ذلك مما هو محل إجماع بين المسلمين على مافيه خلاف بين المسلمين كالتوسل فصواب لثلاثة أمور:
أ- قوله تعالى { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولانشرك به شيئا ولا يتخد بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمين } [ آل عمران64 ].
ب- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أرسل معاذا إلى اليمن قال له: (( إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذاجئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله …))(1) الحديث.
ج- أن مسألة التوسل مترتبة على هذه المسائل لأن الله هو الذي نتوسل إليه والرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي تريدون التوسل به والكتاب هو الذي تستدلون به على ذلك.
الوجه الثالث:
أنت تعلم في قرارة نفسك من المتهرب من مواطن التحقيق فإن كنت صادقا في قولك فتعال إلى مناظرة علنية في أي مكان شئت.
__________
(1) 1 البخاري كتاب الزكاة (باب وجوب الزكاة) ح (1395) و(4347) واللفظ لها وغير ذلك من المواضع ومسلم في كتاب الإيمان (باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام)< 1/196 النووي.(1/131)
أليس الإيمان بالله وكتابه ورسوله من قواعد الدين ؟!
قال مفتاح التجاني:
" ثالثها أن قوله بأن الإيمان بالله والرسول - صلى الله عليه وسلم - والقرآن والسنة قواعد هو أدل دليل على جهله المركب بمدلولات الألفاظ وتراكيب الكلام " ص 20.
الرد عليه من خمسة أوجه:
الوجه الأول:
بل هذا دليل على جهلك بلغة العرب قال ابن منظور ما نصه:" والقاعدة أصل الأس والقواعد الإساس وقواعد البيت إساسه وفي التنزيل { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } [ البقرة/127 ] وفيه { فأتى الله بنيانهم من القواعد } [ النحل/26 ] قال الزجاج: القواعد أساطين البناء التي تعمده " اهـ(1) أفتنكر أيها المفتاح أن الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر من أسس الدين وقواعده فإن قلت: نعم كفرت، وإن قلت: لا، رجعت عن قولك الباطل السخيف وهما خطتا خسف لا بد من إحداهما.
الوجه الثاني:
كما يدل كلامك هذا على جهلك بالشرع قال - صلى الله عليه وسلم -: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان " متفق عليه (2) قال ابن حجر قوله:" على خمس " أي دعائم صرح به عبد الرزاق في روايته، وفي رواية لمسلم على خمسة أي أركان اهـ(3)
قلت: انظر كيف جعل من قواعد الإسلام وأسسه وأركانه شهادة أن لا إله إلا الله
وهي الإيمان بالله وشهادة أن محمدا رسول الله وهي الإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه الثالث:
__________
(1) لسان العرب 3/361 وانظر القاموس المحيط ص 281-282
(2) البخاري ح(8) ومسلم ح (16)
(3) فتح الباري ج1/275(1/132)
أنه في صحيح مسلم (باب السؤال عن أركان الإسلام ) وفيه (باب أركان الإسلام ودعائمه العظام ) وذكر في هذا الباب الحديث السابق ثم روى فيه حديث أنس أن أعرابيا قال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال: صدق، قال: فمن خلق السماء قال :الله ، قال فمن خلق الأرض، قال: الله، قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال: الله، قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك... الحديث(1)فانظر كيف جعل الإيمان بالله ورسوله من أركان الإسلام ودعائمه التي هي القواعد كما تقدم عن أهل اللغة.
الوجه الرابع:
كما يدل كلامك هذا على جهلك بكتب طريقتك التيجاينة فإنها تستعمل القواعد لنفس المعنى، قال في بغية المستفيد ما نصه:" قال الشعراني - رضي الله عنه - ما نصه: قلت: هذا كلام جاهل بأحوال الأئمة الأربعة الذين هم أوتاد الأرض وقواعد الدين والله أعلم " اهـ(2) .
فتأمل كيف جعل هؤلاء العلماء قواعد للدين، فكيف لا يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى منهم بذلك.
الوجه الخامس:
من تناقضك المخزي أنك وقعت فيما أنكرت وارتكبت ما عنه تنهى حيث قلت في صفحة 3 " وأما المحور الأول المتعلق بالقواعد التي تجب مراعاتها..."
انظر كيف أثبت في ص 3 ما أنكرته في ص 20 وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنك لم تتمكن من مراجعة أبواب البحث والتنسيق بينها بعد أن أنجز كلا منها من كان مكلفا به.
ومن العجائب والعجائب جمة
قرب الدواء وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول
التضايق من السؤال علامة للعجز عن الجواب
قال مفتاح التجاني:
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الإيمان ح ( 10 )
(2) بغية المستفيد ص 113(1/133)
" وأما قوله في المسألة الأولى من المسائل التي تساءل عنها هل تعتقد أن الله هو الوجود المطلق وكل المخلوقات حتى الأوثان هي الله كما هو مسطور في كتبكم المعتمدة أو تعلم أن الله خالق كل شيء فالرد عليه من ثلاثة أوجه: أولها أن تلفظه بهذا السؤال الركيك المصدر بما يوهم التشكيك... إلخ " ص 21.
والرد عليه من أربعة أوجه:
الوجه الأول:
لقد أحرجك هذا السؤال حتى ارتبكت فلم تدر ما تقول لأن أشد شيء على المبتدع هوالسؤال فلجأت إلى الشتم والسب :
ويشتم أعلام الأئمة ضلة
...
... ...
ولا سيما أن أوردوه المضايقا
ويسهب في المعنى الوجيز دلالة
... ... ...
بتكثير ألفاظ تسمى الشقاشقا
الوجه الثاني:
قولك "...جملة فكل المخلوقات حتى الأوثان هي الله لا توجد في كتاب من كتب طريقتنا التيجانية على الجملة والتفصيل"
أقول بل هي موجودة في كتبكم وانكارك لها عجز ومكابرة
عجزت فأظهرت القبول كتابع عجوزا يصلي خلفها وهي حائض
وإليك أمثلة من ذلك:
أولا: قال التجاني في جواهر المعاني(1) ما نصه:" قوله لا إله إلا أنا يعني لا معبود غيري وإن عبد الأوثان من عبدها فما عبدوا غيري ولا توجهوا بالخضوع والتذلل لغيري بل أنا الإله المعبود فيهم " اهـ
__________
(1) /137(1/134)
ثانيا: قوله قبل ذلك(1) ما نصه:" المحبة الرابعة العامة وهي للكفار خاصة فإنهم يحبون الله محبة الألوهية لما هو عليه من كمال الألوهية وعمومها إلا أنهم مختلفون في هذه المرتبة، منهم من أحب الله تعالى مع معرفتهم بألوهيته كاليهود مثلا ومنهم من أحب الله تعالى غلطا منه بنسبة الألوهية لغيره إلا أن الحق سبحانه وتعالى تجلى لهم في تلك الألباس لكمال ألوهيته فأحبوه وعبدوه من حيث لا يشعرون فلولا أنهم تجلى لهم في تلك الألباس وجذبهم بذلك التجلي إلى محبة ألوهيته ما كانوا يلتفتون إلى تلك الأوثان ولا أن يلموا بها فضلا عن أن يعبدوها وهم محبون لله عابدون له من حيث لا يشعرون " اهـ
انظر رحمك الله إلى هذا الدفاع المستميت عن عبدة الأوثان واليهود عليهم لعنة الله وقارنه بتهجم التيجانية على علماء المسلمين وتضليلهم إياهم لتعلم أنه لا علاقة لهم بالإسلام وإنما هم جزء ممن يدافعون عنه من الكفار.
ثالثا: وشيخ التجاني في هذه المسألة ابن عربي إذ يقول في الفصوص (ص72) ما نصه:" { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [الإسراء 32 ] أي حكم فالعالم يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية فما عبد غير الله في كل معبود " اهـ
__________
(1) جواهر المعاني1/136(1/135)
ولهذا يدافع عن قوم نوح فيقول كما في الفصوص (ص72-74): " { مما خطيئاتهم } [نوح 25 ] فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحور العلم بالله وهو الحيرة { فأدخوا نارا } [نوح 25 ]في عين الماء في المحمدين، { وإذا البحار سجرت } [ التكوير 6 ]سجرت التنور إذا أوقدته { فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا } [ نوح 25 ] فكان الله عين أنصارهم... إلى أن قال: { إنك إن تذرهم } [ نوح 27 ]أي تدعهم وتتركهم { يضلوا عبادك } [ نوح 27 ] إلى الخير فيخرجوهم من العبودية إلى ما هم فيه من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعدما كانوا عند أنفسهم عبيدا فهم العبيد الأرباب " اهـ
وقال ابن عربي:
لقد صار قلبى قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان وديرا لرهبانى
وبيت لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآنى
أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالدين ديني وإيماني(1)
الوجه الثالث:
قوله:" وهو احتمال بعيد جدا لمغايرته معتقد أئمته في الحشو " اهـ
أقول هذه هي علامة زنادقة المبتدعة أنهم يسمون أهل السنة حشوية كما قال أبو حاتم: " وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار "(2) اهـ
وقال الحاكم أبو عبد الله: " وعلى هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية " اهـ (3)
الوجه الرابع:
أما قوله:" تساؤله هذا يعكس بجلاء مدى تأثره بمعتقد قدماء فلاسفة اليونان القائلين باتحاد العالم وخالقه "
__________
(1) ابن عربي في ذخائر الأغلاق شرح ترجمان الاشواق ص 39
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 1/ 107
(3) معرفة علوم الحديث ص 4(1/136)
قلت هذه هي عقيدتكم معاشر التيجانية وأما تأثركم بالفلسفة اليونانية فحقيقة ثابتة يقول الكاتب الصوفي أحمد توفيق عياد:" للتصوف الإسلامي شخصيته ففيه من مسحة الفارسية عاطفته وقوته فقوامه المحبة والتفاني ولكنه يمتاز بالحكمة المصبوغة بصبغة فلسفية وفيه من الهندية تجريده وفناؤه فقوامه الفناء في الله بالإستعلاء بالصفات البشرية بتزكية الصفات الإلهية في النفس " (1)
ومن أين جئتم بوحدة الوجود التي تبنون طريقتكم عليها والتي تقتضي أن الله تصدر عنه مخلوقاته وهذا الصدور لا يمس جوهر الله مطلقا فقد كان هذا النوع موجودا عند الفلاطونية المحدثة أو عند المدرسة الإسكندرية التي أسسها الفيلسوف افلوطين (2)
فوحدة الوجود مذهب قديم أخذت به البراهماتية والرواقية والفلاطونية المحدثة والصوفية مع اختلاف كل فلسفة في إلباس الثوب الذي ترى لهذه الفكرة إلا أنه يجمع بينها قاسم مشترك كما يقول أبو الفيض المنوفي :"وهي أنها وحدة لا يتميز فيها ما هو إلهي مما هو طبيعي أو أن الله والأشياء شيء واحد أو أنه يحل فيها أو يتوحد معها "(3) اهـ
وأما الفلسفة فتقول بأن الروح الأعظم والعالم المادي واحد وكل ما في العالم يجري من ذلك الروح وإليه يعود وهو الموجود الساطع الذي يرى في قرص الشمس كما يرى في عين الإنسان، هو النور الوضاء الذي يضيء في الأرض وفي نفس الإنسان هو الذات العاقلة الخالدة السعيدة(4).
__________
(1) التصوف الإسلامي تاريخه ومدارسه وطبيعنه وأثره ص 23ـ-24
(2) انظر خريف الفكر اليوناني د: عبد الرحمن بدوي 1/166
(3) انظر كتاب الوجود لمحمود أبو الفيض المنوف 1/118
(4) التصوف بين الحق والخلق لمحمد فهد سقفه 1/49-50(1/137)
وأما الفلاطونية المحدثة فيقولون بأن الله واحد وأن العالم يفيض عنه كفيضان النور عن الشمس وأن للموجودات مراتب مختلفة إلا أنها لا تؤلف مع الله إلا موجودا واحدا(1)، ومن هذا أخذتم فكرة وحدة الوجود فالله عندكم هو الوجود كله ولا موجود غيره وما الفناء أو الاتحاد الذي يهدف إليه كل صوفي إلا تجريدا للشخصيات كلها ولمفردات الموجودات وفناء المخلوق في الخالق بل عوده إلى مصدر فيضه وتحقق ذاته فيه(2).
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن البراهمة في الهند أول من وضع نظرية وحدة الوجود لاعتقادهم ظهور الكون وتجلي عناصره في الإله براهما وكان براهما جوهر العالم الفرد وكانت كافة الموجودات ومنها الإنسان تحمل جزءا أو جوهرا من براهما وكان هذا الاعتقاد عندهم مبدأ وحدة الوجود وتناسخ الأرواح قام عندهم على توجيه وتأثير معتقدهم في وحدة الوجود فانتشرت هذه العقيدة في إيران واليونان (3).
وقد فضحكم شيخ الإسلام إذ بين أن سلفكم هم متطرفو الفلاسفة فقال:" واعلم أن هذه المقالات لا أعرفها لأحد من أمة قبل هؤلاء على هذا الوجه ولكن رأيت في بعض كتب الفلسفة المنقولة عن أرسطو أنه حكى عن بعض الفلاسفة قوله: أن الوجود واحد ورد ذلك وحسبك بمذهب لا يرضاه متكلمة الصابئين "(4) اهـ
الكلام على وحدة الوجود:
ثم شرع مفتاح التجاني في مسألة وحدة الوجود فركز على إنكارها وتأول كلامهم في ذلك على غير وجهه وفيما يلي أنقل له عشرين نصا من النصوص الصريحة في وحدة الوجود من كتب التيجانية المعتمدة عندهم حتى يعلم أن هذه حقيقة لا مرية فيها إذ أحمد التجاني نفسه يصرح بها في غير ما موضع بل ويدافع عنها:
__________
(1) المعجم الفلسفي د: جميل صليبا 2/569
(2) انظر دراسات في الفلسفة اليونانية والعربية لإنعام الجندي 1/283
(3) هدا هو الإسلام لمؤلفه فاروق الرملوجي 1/110
(4) مجموع الفتاوى 2/171(1/138)
1- قال التجاني في جواهر المعاني (ج 1/57): " أن العارف بالله يصير حرفا من حروف الذات قيل له أن الحرف ذات والعارف ذات كيف يصير ذاتا واحدة ؟
قال معناه أن العارف يصير يتصرف بذاته كالحرف لا أنه يصير عين الحرف قيل له:ولماذا لم يتصرف بالأسماء العالية أو بعسكرة الأسماء ، قال - رضي الله عنه -: أما الأسماء العالية فلا يعرفها ولا يطلع عليها إلا الفرد الجامع أما عسكرة الاسماء وغيرها من أسماء الله فيعرفها العارفون ولكن العارف يغلبه الحياء من الله أن يطلب حاجة بأسماء الله ولكن إذا أراد حاجة يوجه همته إليها فتقضى إن أراد قضاءها " اهـ
2- قال التجاني أيضا في جواهر المعاني (ج2/303):" وأما مرتبة الأحدية فلا توحيد فيها لأنها إن تجلت انمحق تحتها وذهب شعوره بنفسه وبفنائه فلا مشاهدة حينئذ إنما هو الحق بنفسه في نفسه لنفسه عن نفسه فأين الغير حتى تتجلى له الأحدية ولذا أجمع العارفون كلهم على أن التجلي بالأحدية غير ممكن كذلك الذات التجلي بها غير ممكن يعني الذات المطلقة الساذجة العارية عن النسب والإضافات إلا الفرد الجامع فإنه تتجلى له لأنه هو الحاجب بينها وبين الوجود والوجود كله عائش في ظله ولو زالت ظليته لانمحق الوجود كله في أسرع من طرفة عين " اهـ(1/139)
3- قال التجاني في الجواهر (2/442- 443) " { واقترب } معناه قرب النسبة لا قرب المسافة ومعناه هو مناسبه العبد للحضرة الإلهية فإن الحضرة قلنا حقيقتها هي محق للغير والغيرية فلا أين ولا كيف ولا رسم ولا وهم ولا خيال ولا عقل وتمييز إلا الطمس والعمى حيث لم يعقل هنالك إلا الله بالله لله في الله عن الله فهذه هي نسبة الحضرة الإلهية وهذا هو القرب الحقيقي لا قرب المسافة والعبد وضع في أول نشأته لا يخوض إلا في وجود الكون كيف ما تقلب أو كيفما تحرك أو سكن هو في غيبة عن الله تعالى وهذا هو البعد عن الله لا بعد المسافة فإنها مستحيلة فإذا عرفت هذا وتحققته فالعبد إذا دخل الحضرة الإلهية لا يدخلها إلا بنسبتها وهي محو الغير والغيرية من قلبه فحينئذ يناسبها ويدخلها " اهـ
4- وقال أيضا في جواهر المعاني (2/421) " قوله (الساري) معناه أنه - صلى الله عليه وسلم - سار في جميع الموجودات كسريان الماء في الأشجار لا قيام لها بدونه وتلك السراية منه - صلى الله عليه وسلم - في الموجودات لا مطمع للعقل في دركها ولا أن يحوم حول حماها فما وصل إليها أحد من خلق الله ولا عرف لها كيفية ولا صورة وكل الوجود في حجاب عن هذا الإدراك يعني إدراك السراية منه في الموجودات فما أدركتها أكابر الملائكة العالين ولا أكابر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام كلهم لم يشموا لها رائحة فمن دونهم أحرى وأولى لا يذوق منها شيئا وغاية السريان أنه - صلى الله عليه وسلم - لو فقد سريانه في ذاته من ذوات الأكوان لصارت محض العدم من ساعتها " اهـ(1/140)
5- وقال أيضا في جواهر المعاني (1/203): "وأما التعريف بباطن الألوهية فهو للصديقين والعارفين خرقوا أحجاب الظواهر وبلغوا من باطن الألوهية إلى رتبة حق اليقين فما الكون عندهم كله إلا صفات الله وأسماؤه حقيقة الاعتقاد فتجلى لهم سبحانه وتعالى بباطن أسمائه وصفاته وأفاض عليهم أسرارها فاختطفوا عن دائرة البشرية وصارت جميع حركاتهم وسكناتهم وجميع تقلباتهم وأحولهم وأفعالهم وأقوالهم بالله محضا وحيث كانوا بالله كانوا في جميع أمورهم لله في الله عن الله موتى عن جميع ما سواه " اهـ
6- وقال أيضا في جواهر المعاني (1/214):" اعلم أن أذواق العارفين في ذوات الوجود أنهم يرون أعيان الموجودات { كسراب بقيعة } الآية فما في ذوات الوجود كله إلا الله سبحانه وتعالى تجلى بصورها وأسمائها وما ثم إلا أسماؤه وصفاته فظاهر الوجود صور الموجودات وصورها وأسماؤها ظاهرة بصورة الغير والغيرية وهو مقام أصحاب الحجاب الذين حجبوا بظاهر الموجودات عن مطالعة الحق فيها وإنما مرتبة الصديقين الكون عندهم معتقد فقط والظاهر المحض إنما هو وجود الحق وحده في كل شيء فإذا رأيت ما يظهر من صور الموجودات على اختلاف أحواله وتباين أشكاله وتشتيت أموره من مذمومه ومحموده فما فيها إلا تجليات الحق سبخانه وتعالى بشؤونه قال جل جلاله: { كل يوم هو في شأن } وتلك الشؤون في الموجودات هي تجلياته فيها سبحانه وتعالى بضروب أموره واختلاف شؤونه " اهـ(1/141)
7- وقال أيضا في جواهر المعاني (1/188):" واعلم أن حضرة الحق سبحانه وتعالى متحدة من حيث الذات والصفات والأسماء والوجود، والوجود كله بأسره متوجه إليه بالخضوع والتذلل والعبادة والخمود تحت سلطان القهر وامتثال الأمر والمحبة والتعظيم والإجلال فمنهم المتوجه إلى صورة الحضرة الإلهية نصا جليا في محو الغير والغيرية ومنهم المتوجه إلى الحضرة االعلية من وراء ستر كثيف وهم عبدة الأوثان ومن ضاهاهم فإنهم في توجههم إلى عبادة الأوثان وما توجهوا لغير الحق سبحانه وتعالى ولا عبدوا غيره لكن الحق سبحانه وتعالى تجلى لهم من وراء تلك الستور بعظمته وجلاله وجذبهم بحسب ذلك بحكم القضاء والقدر الذي لا منازع له فيه وهذا هو التوجه إلى الله كرها يقول سبحانه وتعالى { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها } [ الرعد 15 ] فالوجود كله متوجه إلى حضرة الحق سبحانه وتعالى بصفة ما ذكرنا فردا فردا وإن الكفار والفجرة والمجرمين والظلمة فهم في ذلك التخليط الذي خالفوا فيه نصوص الشرع وصورة الأمر الإلهي فإنهم في ذلك ممتثلون لأمر الله تعالى ليسوا بخارجين عن أمره ومراده إلا أنهم خرجوا عن صورة الأمر الإلهي ظاهرا وغرقوا فيه باطنا " اهـ
8- واستمع يامفتاح إلى شيخك التجاني يدافع عن وحدة الوجود ويستدل لها قال علي حرازم:" ومن كلامه - رضي الله عنه - في إيضاح وحدة الوجود وبيانها على مذهب القوم رضي الله عنهم وإبطال ما قال أهل الظاهر من إحالة الوحدة وبطلان ما ألزموه لمن قال بها قال - رضي الله عنه - بيانها من وجهين:(1/142)
الوجه الأول: أن العالم الكبير كذات الإنسان في التمثيل فإنك إذا نظرت إليها وجدتها متحدة مع اختلاف ما تركبت منه في الصورة والخاصية من شعر وجلد ولحم وعظم وعصب ومخ وكذلك اختلاف جوارحه وطبائعه التي ركبت فيه وبها قيام بنيانه فإذا فهمت هذا ظهر بطلان كل ما ألزموه من نفي الوحدة لإستلزام تساوي الشريف والوضيع واجتماع المتنافيين والضدين إلى آخر ما قالوه، قلنا لا يلزم ما ذكره هنا لأنه وإن كانت الخواص متباعدة فالأصل الجامع لها ذات واحدة كذات الإنسان سواء بسواء.
الوجه الثاني: اتحاد ذات العالم في كونه مخلوقا كله للخالق الواحد سبحانه وأثرا لأسمائه فلا يخرج فرد من أفراد العالم عن هذا الحكم وإن إختلفت أنواعه فالأصل الذي برز منه واحد فبهذا النظر هو متساو فيلزم اتحاده وإن اختلفت أجزاؤه كما ذكر في ذات الإنسان وإنما تختلف نسبه بحسب ما فصلته مشيئة الحق فيه من بين شريف ووضيع وعال وسافل وذليل وعزيز وعظيم الشأن وحقيره إلى آخر النسب فيه ولم تخرجه تفرقة النسب عن وحدة ذاتية كما أن ذات الإنسان واحدة ووحدتها لا تنافي إختلاف نسب أجزائها وإختصاص كل جزء بخاصيته فإن خاصية اليد غير خاصية الرجل وخاصيتها غير خاصية العين وهكذا سائر الخواص والأعضاء والأجزاء وإن ارتفاع وجهه في غاية الشرف وانخفاض محله في غاية الضعة والإهانة لم يخرج عن كون ذاته واحدة مع اختلاف الخواص وهو اتحاد وجوده من حيث فيضان الوجود عليه من حضرة الحق فيضا متحدا ثم تختلف خواصه وأجزاؤه بحسب ما نفصل ذلك الوجود فإنه يتحد في عين الجملة ويفترق في حال التفصيل مثاله في الشاهد مثال المداد فإن الحروف المتفرقة في المداد والكلمات المتنوعة والمعاني المختلفة التي دلت عليه صورة المداد لم تخرجه عن وحدة مداديته...."اهـ(1)
9- نقل صاحب الرماح في أدب المريد مع شيخه ما نصه:
__________
(1) جواهر المعاني 2/297(1/143)
"...وأن لا يدخل عليه خلوة إلا بإذن ولا يرفع الستارة التي فيها الشيخ إلا بإذنه وإلا هلك كما وقع لكثير وألا يزوره إلا وهو على طهارة لأن حضرة الشيخ حضرة الله تعالى " (1) اهـ
10- وفي بغية المستفيد ص 18 ما نصه:" وكان الشيخ أبو مدين - رضي الله عنه - يقول لأصحابه إذا سمع أحدا منهم يقول أخبرني فلان لا تطعمونا القديد يريد بذلك رفع همة أصحابه، يريد لا تحدثوا إلا بفتوحكم الجديد الذي فتح الله تعالى به على قلوبكم في كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن الواهب للعلم الإلهي حي لا يموت ليس له محل في كل عصر إلا قلوب الرجال " اهـ
11- وقال في كشف الحجاب (ص289) ما نصه:"حدثني سيدي ومولاي العارف بالله أحمد العبدلاوي نفعني الله به والمحبين ببركته أن العارف بالله الولي الكبير مولاي محمد بن أبي النصر الشريف العلوي كان مارا بحومة الشرابليين من مدينة فاس صانها الله من كل باس، ولما بلغ لباب درب زقاق الرواح وجد سيدنا - رضي الله عنه - هنالك واقفا والناس ينظرونه من الطرق الاربعة فلمارأى سيدنا سلم عليه وبقي واقفا بجنب سيدنا - رضي الله عنه - حتى ذهب معه لدار سكناه هناك ثم قال لسيدنا - رضي الله عنه - يا سيدي ما سبب إطالة وقوفك في ذلك المحل فقال له: - رضي الله عنه - قيل لي من الحضرة الإلهية اخرج لعبادي في صورتي فمن رءاك رآني " اهـ
__________
(1) رماح حزب الرحيم 1/323(1/144)
12- قال في كشف الحجاب نقلا عن شيخه ص 295 ما نصه:" واعلم أنهم لو سألوني وقالوا لي من أين لك هذا ؟ لقلت من عند الله فإن قيل لي أبوحي أو برؤية أو بهاتف ؟ لقلت دفعت في ابتداء أمري إلى الحضرة الربانية دفعة واحدة مذ أنا يافع فصار أولى آخرى وآخرى أولى وبعضي كلي وكلي جزئي فكنت أنا هو من حيث أنا لا من حيث هو وحينئذ لو سئلت عن ألف ألف مسألة من أهم المسائل لأجبت عنها بجواب واحد إذ صرت كالمصباح لو شعلت مني جميع المصابيح ما نقصت من ضوئي شيء ولله الحمد " اهـ
13- وقال عبيدة بن محمد الصغير الشنقيطي عند شرحه لقول التجاني (إحاطة النور المطلسم):" مما يوحى إلى وحدة الوجود لتعلم صحة اعتقاد معتقدها وكماله ونقص اعتقاد منتقدها واعتلاله ولكن قد علم كل أناس مشربهم ومشرقهم ومغربهم " (1)
14- وقال أيضا ص 66 ما نصه :" والقائلون بوحدة الوجود أولو الذوق الصحيح والكشف الصريح وأهل هذا التصديق الجامع فإنهم قائلون بأن الله تعالى هو الوجود المطلق بالإطلاق الحقيقي " اهـ
15- وقال أيضا ص62 "... وأن هذا الاعتقاد ليس هو اعتقاد القائل بوحدة الوجود لأن ذلك اعتقاد صحيح شرعا يقبله العقل السليم بالوهب الإلهي والفيض الرحماني وإن لم يدركه بالنظر الفكري " اهـ
16- قال إبراهيم انياس:" والحضرات ثلاثة: ألوهية ونبوة وولاية والكل منهما عين الباقيتين حتى أن أنانية كل منهما أنانية الأخرى والأنانية كالأنانية...إلى أن قال: وقوله وابن جثماني كذلك جار على لسان الولاية إذ لا جثمان إلا من الولاية "(2) اهـ
17- وقال أيضا:" بل ربما يكون رب العالمين في صورة رجل " اهـ (3)
18- وقال أيضا:" ولا فرق بين المعية والهوية هنا وقد علمت أن المعية بالذات وإذا بدت فلا معية" (4) اهـ
__________
(1) ميدان الفضل والإفضال ص66
(2) جواهر الرسائل 1/120
(3) المرجع السابق 2/10
(4) المرجع السابق 1/88(1/145)
19- قال علي حرازم:" الوجود الذي هو الظل الإضافي ظهر عن حقيقتين الحقيقة الأولى: الذات المقدسة، والحقيقة الثانية مرتبة الأولوهية والوجود ظهر عنها وإلى هذا المعنى الإشارة لقوله سبحانه وتعالى في مفتح الإنجيل قال: }باسم الإب والأم والإبن إلها واحدا{ فركبه الجهلة بكفرهم بحقيقته وقالوا إن الإله مركب من ثلاثة أقانيم، أقنوم العلم وأقنوم الحياة وأقنوم الكلمة وأقنوم العلم عندهم هي الذات المقدسة وأقنوم الحياة هي مريم وأقنوم الكلمة هو عيسى تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا إنما المعنى الذي أراده الحق في كلامه: }باسم الإب والأم والإبن إلها{ فالأب ههنا هو اسم الجلالة لأنه هو أبو الوجود كله فعنه ظهر الوجود لأنه عين مرتبة الألوهية والأم ههنا هي الذات المقدسة فإنها من تصرفها ظهر الوجود فإنها تصرفت في الوجود بحكم المشيئة والقدرة والكلمة بقوله: كن، فإنها بمنزلة الأم للوجود الذي وجد عن اسم الجلالة وعن الذات هو الوجود الظاهر وأدرجه مع قوله إلها واحدا لأنه تجلى في حقائق الوجود بكمال ذاته وبصور صفاته وأسمائه فلهذا قال: }باسم الإب والأم والإبن إلها واحدا{ فإن الوجود كله ما فيه إلا الألوهية المحضة لأنه صور الصفات والأسماء "(1) اهـ
__________
(1) شرح الهمزية لعلي حرازم ص 61(1/146)
20- قال إبراهيم انياس:" فلهذا العارفون أول مايهتمون للمريد به أن يجد الفناء في الله تبارك وتعالى ثم بعد ذلك يترقى حتى يصل بالشيخ لأنه صفة الله، المطلب من هذين الفنائَين أن العبد سوف يرجع إلى مقام لولا أنه التقى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالشيخ ما عرفها بعد إذا مضى هذا يرجع إلى شهود الكائنات يشهد عدما موجودا في آن واحد مثال ذلك ما يشاهد في سينما، من لم يكن منكم ما رأى سينما العارفين أحب أن يراها ولو مرة واحدة فيشاهد الشيء ويتيقن أن هذا مفقود وهو موجود ولولا أنه موجود ما تراه وهو في الحقيقة غير موجود والكائنات كلها هكذا بمنزلة السينما فقط يشاهد شيئا موجودا مفقودا فبهذا تكون في الوجود وتعمل الخيرات وتعلم أنك لم تعمل شيئا وتجتنب السيئات على أنك لم تفعل شيئا الواحد الله تبارك وتعالى هو الفاعل " (1)
21- قال في جواهر المعاني (1/117):" واعلم أن سيدنا - رضي الله عنه - سئل عن حقيقة الشيخ الواصل ما هو ؟ فأجاب - رضي الله عنه - بقوله ( أما حقيقة الشيخ الواصل فهو الذي رفعت له جميع الحجب عن كمال النظر إلى الحضرة الإلهية نظرا عينيا وتحقيقا يقينيا فإن الأمر أوله محاضرة وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر كثيف ثم مكاشفة وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر رقيق ثم مشاهدة وهو تجلي الحقائق بلا حجاب لكن مع خصوصية ثم معاينة وهو مطالعة الحقائق بلا حجاب ولا خصوصية ولا بقاء للغير والغيرية عينا وأثرا وهو مقام السحق والمحق والدك وفناء الفناء فليس في هذا إلا معاينة الحق في الحق للحق بالحق
فلم يبق إلا الله لا شيء غيره
فما ثم موصول ولا ثم واصل
" اهـ
قال مفتاح التجاني:
__________
(1) جواهر الرسائل 2/60(1/147)
" فتصرف هو فيه بجعله شذرة شذرة حيث أخر منه وقدم وتجاوز وبتر ليحرفه عنما وضع له وبيان ذلك أنه ساق منه ستة أسطر في مختم منشوره معلقا بها على مسألته السابعة التي هي الإخيرة عنده ثم تجاوز سطرين هما محل الاحتجاج عليه وهما: فهم - يعني عبدة الأوثان - محبون لله عابدون له من حيث لا يشعرون وهذه العبادة هي المعبر عنها بالسجود كرها قال سبحانه وتعالى: { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال } " اهـ ص 23-24
والرد عليه من سبعة وجوه:
الوجه الأول:
قوله بأني قدمت وأخرت كذب محض لم يستطع أن يذكر له مثالا واحدا وأنا لا يلزمني أن أذكر كل كلامه إنما أذكر موضع الاحتجاج منه.
الوجه الثاني:
أما قوله بأني بترت هذين السطرين مدعيا أنهما محل الاحتجاج علي فهو ادعاء الساعي إلى حتفه بظلفه:
فكان كعنز السوء قامت بظلفها
إلى مدية تحت التراب تثيرها
فليس فيهما إلا الكفر البواح حيث ادعى أن الله يحب الكفار وأنهم يحبونه، وهذا مثل قول التجاني: "وهناك المحبة العامة منه سبحانه وتعالى وفي هذه المحبة جميع العوالم حتى الكفار فإنهم محبوبون عنده "(1) اهـ
__________
(1) جواهر المعاني 1/ 135(1/148)
وقد قال الله تعالى: { فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين } [آل عمران 32 ] وقال تعالى: { ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين } [الروم 45 ] وقال: { إن الله يدافع عن الذين ءامنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور } [الحج 38 ] وقال تعالى: { ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين } [البقرة 190 ] وقال: { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد } [البقرة 205 ] وقال: { يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } [ البقرة 276 ] وقال تعالى: { وأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين } [ 57 آل عمران ] وقال تعالى: { وليعلم الله الذين ءامنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين } [ 140 آل عمران ] وقال تعالى: { إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا } [ النساء 36 ] وقال: { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما } [ 107 النساء ] قال تعالى: { ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين } [ 64 المائدة ] وقال: { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } [ 31 الأعراف ] وقال: { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } [ 55 الأعراف ] وقال: { فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } [ 58 الأنفال ] وقال: { لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين } [ 33 النحل ] والآيات في الباب كثيرة معلومة.
الوجه الثالث:
إنما تركت هذين السطرين لأنهما يتعلقان بمسألة خارجة عن الموضوع الذي تكلمت عنه وهو وحدة الوجود مع أن فيهما من الكفر ما فيهما كمحبة الله الكفار ومحبة الكفار لله.
الوجه الرابع:(1/149)
لو ذكرتهما في موضوع وحدة الوجود فلا يسعني حينئذ السكوت عنهما لأنه سكوت على الباطل فحذفتهما إذ لا تعلق لهما بكلامي وأشرت إلى حذفهما بوضع نقاط حذف.
الوجه الخامس:
استدلال التجاني على أن الكفار يعبدون الله بالسجود القدري الكوني من أبطل الباطل وأمحل المحال كما قيل:
أوردها سعد وسعد مشتمل
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
الوجه السادس:
التجاني إنما يريد أن يثبت لعبدة الأوثان عبادتهم ويشرعها لهم لأنه قال: " فكل عابد أو ساجد لغير الله في الظاهر فما عبد ولا سجد إلا لله تعالى " ثم بين دليله بقوله "لأنه هو المتجلي في تلك الألباس " فهو يعتقد أن الله هو هذا الوجود بأصنامه وجميع مخلوقاته فلم يعرف الله كما أخبر تعالى عن نفسه وأخبر عنه نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأنه فوق عرشه بذاته بائن من خلقه وهو معهم بعلمه.
الوجه السابع:
ولذلك فتقصيرهم هو في عبادتهم لجزء من الوجود دون ماسواه ولهذا ينعمون في النار عند التجاني كما سيأتي.
قال مفتاح التجاني:
" ثم وضع نقاط استرسال، وتجاوز مرة أخرى أربعة أسطر فيها الحجة عليه مزيد تفصيل ما ساق من كلام الشيخ من هذه الفقرة وما تجوز منه هو قوله (وتعبده وتسبحبه خائفةمن سطوة جلاله سبحانه وتعالى ولو أنها برزت لعبادة الخلق لها وبرزت لها بدون تجليه فيها لتحطمت في أسرع من طرفة عين لغيرته سبحانه وتعالى لنسبة الألوهية لغيره تعالى قال سبحانه وتعالى لكليمه موسى عليه الصلاة والسلام { إنني إنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } والإله في اللغة المعبود بالحق " اهـ ص 24.
والرد عليه من خمسة أوجه:
الوجه الأول:(1/150)
أنه أثبت لعباد الأوثان الخوف من الله تعالى بقوله " خائفة من سطوة جلاله " والخائف من الله في أعلى مراتب الإيمان وهو آمن في جنان الخلد كما قال تعالى: { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى } [ النازعات 41 ] وقال تعالى: { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن 46 ].
الوجه الثاني:
انظر كيف نفى عن عباد الأوثان عبادة المخلوق وأخبر أنهم ما عبدوا إلا الخالق،كيف يقرر هذا ويقرر فيما سبق أن الوجود واحد فالأوثان عنده هي الله تعالى عنما يقول علوا كبيرا .
الوجه الثالث:
قوله:" ولو أنها برزت..لتحطمت في أسرع من طرفة عين " كذب مفضوح لأن الكفار في عصور كثيرة ما عبدوا إلا غير الله عز وجل وقد أمهلهم الله سبحانه وتعالى واستدرجهم زمنا طويلا ولم يهلكهم في طرفة عين كما قال تعالى: { وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير } [ الحج 48 ] وقال تعالى: { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين } [ آل عمران 178 ] وقال: { ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا } [ الرعد 32 ] وقال: { فأمليت للكافرين ثم أحذتهم فكيف كان نكيري } [ الحج 44 ]وقال: { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم أن كيدي متين } [ القلم 45 ].
الوجه الرابع:
قوله:" والإله في اللغة المعبود بحق " جهل باللغة بعد ما تقدم من الجهل بالشرع لأن الإله لغة هو المعبود مطلقا، قال ابن منظور: ( الإله: الله عز وجل وكل ما اتخذ من دونه معبودا إله عند متخذه، والجمع آلهة والآلهة الأصنام ) وقال في القاموس (ألِه إلاهة وألوهة وألوهية عبد عبادة ومنه لفظ الجلالة واختلف فيه على عشرين قولا ذكرتها في المباسيط وأصحها أنه علم غير مشتق وأصله إله كفعال بمعنى مألوه،وكل ما اتخذ معبودا إله عند متخذه ) اهـ .
الوجه الخامس:(1/151)
لقد وقعت أنت في ما رميتني به فحذفت من كلام التجاني في جواهر المعاني (1/188): " واعلم أن حضرة الحق متحدة..."
حذفت منه ما يفضح كذبك ويكشف عقيدتك؛ وهوقوله:" إن الكفار والفجرة والمجرمين والظلمة فهم في ذلك التخليط الذي خالفوا فيه نصوص الشرع وصورة الأمر الإلهي فإنهم في ذلك ممتثلون لأمر الله تعالى ليسوا بخارجين عن أمره ومراده إلا أنهم خرجوا عن صورة الأمر الإلهي ظاهرا وغرقوا فيه باطنا " اهـ
ترى فمن الذي يحذف من الكلام ما هو حجة عليه ؟!
ثم أشار مفتاح التجاني إلى جهل شيخه فقال:" ثانيها أن سجود وصلاة وتسبيح وإذعان جميع المخلوقات طوعا من المؤمنين وكرها من الكافرين جاء في إحدى عشرة آية محكمة احتج الشيخ التجاني بالآيتين السابقتين... " اهـ ص 24
والرد عليه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
نبه على جهل شيخه الذي لم يستطع أن يذكر من هذه الآيات الإحدى عشرة إلا آيتين وهو وإن لم يقصد ذلك لكن الجاهل يجني على نفسه.
الوجه الثاني:
ثم ظاهر كلامه حصر آيات هذا الباب في إحدى عشرة آية وهذا باطل فقد بقيت عليه آيات كثيرة كقوله تعالى: { يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم } [الحشر 24 ] وكقوله تعالى: { وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين } [ 79 الأنبياء ] وكقوله: { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب } [ ص 18 ] وقال: { والنجم والشجر يسجدان } [ الرحمن 6 ]...إلخ
الوجه الثالث:(1/152)
هذه الآيات كلها تتحدث عن القهر والتسيير القدري الكوني أما التجاني فيعني الجانب التشريعي ولهذا يقول في جواهر المعانى(1/188): "وإن الكفار والفجرة والمجرمين والظلمة فهم في ذلك التخليط الذي خالفوا فيه نصوص الشرع وصورة الأمر الإلهي فإنهم في ذلك ممتثلون لأمر الله تعالى ليسوا بخارجين عن أمره ومراده إلا أنهم خرجوا عن صورة الأمر الإلهي ظاهرا وغرقوا فيه باطنا " فانظر كيف دافع عن الكفار في مخالفتهم لنصوص الشرع واعتبرهم مصيبين فيما فعلوا معرضا عن الآيات فأي دليل على ماقاله ؟! وانظر كيف هدم كلام شيخك بيوت العنكبوت التي نسجتها أنت من التأويل والتحريف.
قال مفتاح التجاني:
" ثانيهما أن الله لولا أنه تجلى لهم في الأصنام بحكم القهر لما عبدوها ويجاب عنه بأن التجلي لفظ أطلقه الله على نفسه في محكم كتابه في قوله تعالى: { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } معنى تجلى ظهر وبان.اهـ ص 26
والجواب عنه من وجوه خمسة:
الوجه الأول:
هذا كفر صراح حيث جعل الله قاهرا للكفار على عبادة الأوثان والله يقول: { قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالا تعلمون } [ الأعراف 28 ] وقال: { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم } [ الزمر 7 ] بل بين الله تعالى لهم طريق الحق وأمرهم بسلوكه والإستقامة عليه وبين لهم طريق الكفر ونهاهم عن سلوكه فاختاروا الكفر على الإيمان قال الله تعالى { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } [الإنسان 3 ] وقال: { فهدينا النجدين } [ البلد 10] وقال: { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها } [ الشمس 3 ] .
الوجه الثاني:(1/153)
هذه عقيدة الجبرية وسلفهم فيها الجهم بن صفوان السمرقندي الذين يقولون " إن التدبير في أفعال الخلق كلها لله تعالى وهي كلها اضطرارية كحركات المرتعش والعروق النابضة وحركات الأشجار وإضافتها إلى الخلق مجاز "(1) اهـ
الوجه الثالث:
وأما الآية التي أورد فهي قاصمة ظهره لأن الله عندما تجلى للجبل جعله دكا فلو تجلى لعبدة الأوثان لجعلهم دكا ومحقوا عن آخرهم.
الوجه الرابع:
أما تفسير التجلي الوارد في كلام التجاني بالتجلي اللغوي فهي مغالطة مكشوفة لأن التجاني نفسه صرح بمعنى التجلي عنده وهو وحدة الوجود لأنه تجلى ذات الله في مخلوقاته.
__________
(1) شرح العقيدة الطحاوية ص 436(1/154)
فقال التجاني ما نصه(1):" اعلم أن عند الصديق بل كل صدّيق من العلم القطعي من عند الله بطريق الوحي التحقيقي بما أفاض عليه من العلوم وعرفه من حقائقها كأنه يقول له سبحانه وتعالى: أنا الواحد الحق الذي لا شيء غيرى وأتجلى في كل مرتبة بما أشاء من الشؤون سواء طابقة الأغراض أوخالفتها. فكأنه يقول لكل صديق إن تجلياتي في فلان لك لا أعطيك منه إلا صورة المحبة وإفاضة الخيرات منه وآثرتك منه على نفسه وكذا في فلان ولا أتجلى لك فيهم إلا بصورة المحبة والنعمة وبذل الخيرات وكذا في بلد كذا لا أتجلى لك فيهم إلا بصورة المحبة والتعظيم والإجلال وما ثم غيري إنما هم صوري لا شيء فيها فأحمدني وأشكرني على ذلك وإن فلانا مثلا لا أتجلى لك فيه إلا بصورة العداوة المحضة والشر البالغ والقهر والقتل فخف مني وأحذرني فيه ولا تأمن مكري فيه فإنى لا أفعل بك في تلك الصورة إلا شرا ولا ترى مني فيها إلا شرا وكذا في بني فلان لا ترى مني فيهم إلا شرا وهلاكا وضررا وكذا في بلد كذا لا ترى مني فيها إلا ذلا وإهانة وإنخفاضا وإستكانة ولا ترى مني فيهم ما تحب أصلا فخف مني وأحذرني في جميعهم ولا تأمن مكري فيهم وكن شديد الإحتراز مني فيهم فما ثم غيري في جميعهم فأنا المتجلي فيهم بشؤوني فإنك إن أمنت مني فيهم أهلكتك ". اهـ
__________
(1) جواهر المعاني 1/215(1/155)
وقال التجاني أيضا " وحقيقة التجلي هو الظهور وتجلي الحق بذاته في ذاته لذاته عن ذاته وهذا التجلي هو مرتبة كنه الحق ولا اطلاع لأحد عليه والتجلي الثاني تجليه لغيره في غيره بنفسه لنفسه عن نفسه فهذا التجلي هو الذي يدركه الخلق وكان تجلي المقادير الإلهية في صور الأكوان مطلقا إنما كان عن سبب وهو تعلق المشيئة وسبق الحكم منه سبحانه وتعالى وتعلق كلمة ( كن ) فهذ ا السبب هو الذي برزت به المقادير في صور الأكوان فإن تلك المقادير برزت لا عن ذاتها بذاتها وإنما برزت عن غيرها بغيرها فذلك السبب هو الذي تقدم عليها وبه وجدت أما تجلي الذات فلم يتقدمها شيء لأنها أجل من أن تكون منفعلة للمشيئة أو غيرها إنما تجلت بذاتها في الخلق " اهـ(1)
فأنظر كيف صرح بأن تجلي الله بذاته في مخلوقاته تعالى الله عما يقول علوا كبيرا.
وجاء في الرماح ما نصه:".... وذلك أن الله سبحانه وتعالى تجلى في كل مرتبة من مراتب خلقه بأمر وحكم لم يتجلى به في غيرها من المراتب وذلك التجلي تارة يكون كمالا في نسبة الحكمة الإلهية وتارة يكون صورته صورة نقص في نسبة الحكمة الإلهية فلا محيد لتلك المراتب من ظهور التجلي فيها بصورة ذلك النقص لأن ذلك ناشئ عن المشيئة الربانية وكل تعلقات المشيئة يستحيل تحولها لغير ما تعلقت به "(2) اهـ
وفي كاشف الألباس نقلا عن ابن عربي:" ولذلك قال بعض العارفين في حق التلميذ الذي أستغنى بالله على زعمه عن رؤية أبي يزيد لأن يرى أبا يزيد مرة خير له من أن ير ى الله ألف مرة، فعبر أبو يزيد فقيل له هذا أبو يزيد فعندما وقع بصره عليه مات التلميذ فقيل لأبي يزيد في موته فقال رأى مالا يطيق لأنه تجلى له من حيث أنا فلم يطقه كما صعق موسى لأن الله من حيث أنا مجلاه أعظم من حيث المجلى الذي كان يشهده فيه ذلك المريد ".اهـ(3)
__________
(1) جوهر المعاني 2/341
(2) الرماح 1 /326-327
(3) كاشف الألباس 172(1/156)
وقال التجاني :" القطب المكتوم له تجل يضاهي تجليات الأنبياء يتجلى له الحق سبحانه وتعالى في كل لحظة مائة ألف تجل كل تجل يعطى فيه ما يعطى لجميع أهل الجنة مائة ألف مرة أو أكثر منها "(1)اهـ
فهكذا ترى أن التجلي عندهم هو وحدة الوجود وهو الكفر الصراح.
الوجه الخامس:
لو سلمنا صحة ماقال من تجلي الله في مخلوقاته لكان كفرا بإجماع المسلين قال القاضي البساطي المالكي " ولكن دعوى تجلى الله بصورة ما مكفر بها شرعا بإجماع المسلمين "(2)
الوجه السادس:
ما قلته يا مفتاح هو حجة الكفار قديما قال تعالى: ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ( [ الأنعام 148 ]
وقال تعالى: ( وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } [ النحل 35 ]
قال مفتاح التيجاني:
" وأما اعتراضه على قول الشيخ التجاني في جواهر المعاني ج1 ص1 " فإن الحضرة القدسية في غاية الصفاء لا تقبل التلويث بوجه من الوجوه فإن من دخلها غاب عنه الوجود كله حتى نفسه تغيب عنه ففي هذه الحال لا نطق للعبد ولا هم ولا حركة ولا سكون لا رسم ولا كيف ولا أين ولا حد ولا علم فلو نطق العبد في هذا الحال لقال لا إله إلا أنا سبحاني ما أعظم شأني لأنه مترجم عن الله عز وجل وفي هذا الميدان قال أبويزيد قولته التي قال في وسط أصحابه وهم دائرون به قال: (سبحاني ما أعظم شأني ) فهابوا أن يكلموه... إلخ" اهـ ص 28
فالرد عليهم من أربعة عشر وجها:
الوجه الأول:
__________
(1) الدرة الخريدة 1/27
(2) مصرع التصوف ص159(1/157)
لقد بترت هذا الكلام عما قبله لأنه صريح في وحدة الوجود صراحة لا تقبل التأويل ونصه " وأما قولنا أن القرب قرب النسبة لا قرب المسافة وقولنا إن الخلق كله بالنسبة إلى الله في قربه منها كلها على حد سواء فالكافر والرسول على نسبة واحدة والحق في ذلك كله لا متصل ولا منفصل فهو قريب في غاية القرب وأبعد من كل بعيد وتلك الصفة تتبع حقيقة وجوده ولا يعرف الوجود المطلق ولا يصل عالم ولا غيره وأما النسبة المذكورة للرجال فإنها قرب النسبة فإن الحضرة القدسة في غاية الصفاء...إلخ "(1) اهـ فانظر كيف سوى بين الكافر والرسول !!
الوجه الثاني:
قوله ج1 ص1 باطل لأن هذا الكلام في الفصل الثاني من الباب الخامس فكيف يكون في الصفحة الأولى من ج1.؟!
الوجه الثالث:
ولا يفهم من كلامه إلا وحدة الوجود حيث قال:" فإن من دخلها غاب عنه الوجود الكله فلم يبق إلا الألوهية المحضة " فهذا في غاية الصراحة في وحدة الوجود وكذلك قوله:" ففي هذه الحال لا نطق للعبد " فهو صريح في أن هذا الناطق هو الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وهذا مصرح به في قوله " لأنه مترجم عن الله عز وجل " وهل يحتاج الله إلى من يترجم عنه إلا إذا قصد به الوجود المطلق ؟.
الوجه الرابع:
غاية ما اعتذر به عن أبي يزيد البسطامي أنْ حشره في زمرة المجانين فاقدي العقل وأنه مرفوع عنه القلم بسبب ذلك حيث قال:
" يعني أن العبد في هذه الحال الذي زال عنه فيه التمييز " ص 29.
الوجه الخامس:
فانظر رحمك الله كيف جعل هذا المقام الذي هو أشرف مقام عندهم وما أفنوا أعمارهم إلا من أجل تحصيله فقدا للوعي والتمييز !!
الوجه السادس:
أبو يزيد البسطامي كان قطب زمانه على حد قولكم وأنتم تعتقدون أن القطب هو روح الموجودات والمتصرف فيها فلا يتحرك منها ساكن إلا به لأنه خليفة الله في تصريف الكون فليت شعري من الذي صرف الكون حال فقد البسطامي للتمييز والوعي ؟!
__________
(1) جواهر المعاني 2/239(1/158)
قال عن القطب في جواهر المعاني:" هو الروح في جميع الموجودات فما في الكون ذات إلا وهو الروح المدبر لها ووالمحرك لها والقائم فيها ولا في كورة العالم مكان إلا وهو حال فيه متمكن منه "(1) اهـ
الوجه السابع:
أن ابن عربي وهو أدرى منك بالبسطامي قال بأنه قال ذلك في الصحو وأقره على ذلك زعيمكم في هذا العصر إبراهيم انياس إذ قال:" ومنها من ادعت ذلك على بصيرة وصحو وتحقق معرفة في مجلس لقرينة حال اقتضاها المجلس لما رأوا أن الحق عين قواهم وما هم هم إلا بقواهم وبقواهم يقولون ما يقولون فقواهم القائلة لاهم وهي عين الحق كما أخبر الحق وكما أعطاه الشهود بانخراق العادة في قولهم عندهم فقالوا: أنا الله وإني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدون؛ كأبي يزيد ممن نقل عنه مثل هذا مع صحوه وثبوته وعلمه بأن الحق هو الظاهر بأفعاله في أعيان الممكنات "(2) اهـ
فهل نصدقك في قولك أنه كان في حال الغيبة والمحو أم نصدق شيخك إبراهيم انياس الذي تبع ابن عربي في أنه قاله في حال الصحو والثبوت ؟! أليس هذا هو التناقض يا تجانية ؟! { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } [ النساء 82 ].
الوجه الثامن:
__________
(1) جواهر المعاني 2/339
(2) ملحق كاشف الألباس ص 171(1/159)
ومما يؤكد كلام ابن عربي قول صاحب جواهر المعاني:" وأما قول السائل ما معنى قول الشيخ عبد القادر الجيلاني - رضي الله عنه -: (وأمري بالله إن قلت كن، يكن ) وقول الشيخ زروق - رضي الله عنه -:(في طي قبضتي) وكقول بعضهم:(يا ريح اسكني عليهم بإذني) إلى غير ذلك من أقاويل السادات رضي الله عنهم مثل هذا، قال - رضي الله عنه -: معنى ذلك أن الله ملكهم الخلافة العظمى واستخلفهم على مملكته تفويضا عاما أن يفعلوا في المملكة كلما يريدون ويملكهم الله تعالى كلمة التكوين متى قالوا لشيء كن كان من حينه وهذا من حيث بروزه بالصورة الإلهية المعبر عنها بالخلافة العظمى فلا يستعصي عليهم شيء عن الوجود.(1) اهـ
- ومما يؤيد قولك ماقاله التجاني في جواهر المعاني ونصه:" والجواب عن هذه الشطحات أن للعارف وقتا يطرأ عليه الفناء والاستغراق حتى يخرج بذلك عن دائرة حسه وشهوده ويخرج عن جميع مداركه ووجوده لكن تارة يكون ذلك في ذات الحق سبحانه وتعالى فيتدلى له من قدس اللاهوت من بعض أسراره فيض يقتضي منه أن يشهد ذاته عين ذات الحق لمحقه فيها وإستهلاكه فيها ويصرح في هذا الميدان بقوله سبحاني لا إله إلا أنا وحدي إلخ... من التسبيحات كقوله جلت عظمتي وتقدس كبريائي وهو في ذلك معذور لأن العقل الذي يميز به الشواهد والعوائد ويعطيه تفصيل المراتب بمعرفة كل بما يستحقه من الصفات غاب عنه وانمحق وتلاشى واضمحل وعند فقد هذا العقل وذهابه وفيض ذلك السر القدسي عليه تكلم بما تكلم به فالكلام الذي وقع فيه خلقه الحق فيه نيابة عنه فهو يتكلم بلسان الحق لا بلسانه ومعربا عن ذات الحق لا عن ذاته ومن هذا الميدان قول أبي يزيد البسطامي سبحاني ما أعظم شأني وقول الحلاج أنا الحق وما في الجبة إلا الله وكقول بعضهم فالأرض أرضي والسماء سمائي كقول التستري - رضي الله عنه -:
أنظر أنا شيء عجيب لمن يراني
__________
(1) جواهر المعاني 2/ 279-280(1/160)
أنا المحب والحبيب ما ثم ثان
"(1) اهـ
فانظر إلى تناقضهم في هذه المسألة وحدها فكيف بغيرها !.
الوجه التاسع:
وأما قولك يا مفتاح:" وأنه بتر من كلام الشيخ أبي يزيد البسطامي ما فيه الحجة عليه ومزيد التفصيل وهو قوله: وعرفوا أنه غائب فلما صحا من سكرته وتحققوا منه الصحو أخبروه بما سمعوه منه فقال ما علمت بشيء وهلا قتلتموني في تلك الحالة فإنكم لو قتلتموني كنتم غزاة في سبيل الله وكنت شهيدا فقالوا لم نقدر " اهـ
فهذا باطل من وجهين:
أ- أنك حذفت بقية الكلام التي فيها الحجة عليك وهي قوله " على ذلك وقد قلنا أن الحضرة في غاية الصفاء لا تقبل الغير والغيرية لأن الله تعالى إذا تجلى بكمال جلاله للعبد أماته عن جميع الألوان فلم يعقل لا غير ولا غيرية فهذا غاية الصفاء "(2) اهـ
فهذا هو الحذف والبتر حتى عن المتعلق " لم يقدر على ذلك " وذلك لأن في هذه الفقرة التصريح بعقيدة وحدة الوجود التي تنكرها.
ب- ما نقلت عن البسطامي حجة عليك لأنه أباح لهم قتله وما ذلك إلا لأنه يعلم أن ما قاله كفر مخرج من الملة وقد تقدم كلام الذهبي في أن ما قال البسطامي ظاهره إلحاد(3) وأن الشأن أو الشك في ثبوته وذلك قد انتفى بإثبات التجاني له كما تقدم.
الوجه العاشر:
__________
(1) واهر المعاني ص2 /277
(2) المصدر السابق 2/239
(3) سير أعلام النبلاء13/88(1/161)
أن هذا النوع من الكفر البواح لا يتأول لصاحبه كما قال شيخ الإسلام زين الدين العراقي في رده على مسألة وحدة الوجود عند ابن عربي ما نصه:" ولا يقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره ولا نؤول له كلامه ولا كرامة، ولقد أحسن بعض من عاصرناه من العلماء العارفين وهو الشيخ الإمام العلامة علاء الدين علي ابن إسماعيل القونوي حيث سئل عن شيء من هذا فقال إنما نؤول كلام من ثبتت عصمته حتى نجمع كلاميه لعدم جواز الخطأ عليه وأما من لم تثبت عصمته فجائز عليه الخطأ والمعصية والكفر فنؤاخذه بظاهر كلامه ولا يقبل منه ما أول كلامه عليه مما لا يحتمله أو مما يخالف الظاهر وهذا هو الحق "(1) اهـ
الوجه الحادي عشر:
قال الإمام أبو علي السكوتي ما نصه:" كل كلام وإطلاق يوهم الباطل فهو باطل بالإجماع فأحرى وأولى إذا كان صريحا بالباطل فإن قالوا لم نقصد بكلامنا ورموزنا وإشاراتنا الاتحاد والحلول وإنما قصدنا أمرا آخر يفهم عنا قلنا لهم الله أعلم بما في الضمائر وما يخفى في السرائر وإنما اعترضنا نحن الألفاظ والإطلاقات التي تظهر فيها الإشارات إلى الإلحاد والحلول والاتحاد "(2) اهـ
الوجه الثاني عشر:
__________
(1) انظر مصرع التصوف ص 65
(2) المرجع السابق ص 126-127(1/162)
قال أبو حامد الغزالي:" وأما الطامات فيدخلها ما ذكرناه في الشطح وأمر آخر يخصها وهو صرف ألفاظ الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا يسبق منها إلى الأفهام فائدة كدأب الباطنية في التأويلات وهذا أيضا حرام وضرره عظيم فإن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالالفاظ وسقط به منفعة كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإنما يسبق منه إلى الفهم لا يوثق به والباطن لا ضبط له بل تتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيله على وجوه شتى وهذا أيضا من البدع الشائعة العظيمة الضرر"(1) اهـ
الوجه الثالث عشر:
وأما ادعاؤه أن ابن القيم رحمه الله تعالى أجاب عن البسطامي فهو ادعاء عار من الصحة وكذب ما جرى منه حرف قط وإنما الذي قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى وغيره من العلماء هو أن هذا الكلام كفر وإلحاد فإن قاله في وعيه فهو كافر وإن قاله في حال فقدان العقل والتمييز فليس مخاطبا كسائر المجانين وهاك نص كلامه:"... ولكن في حال السكر والمحو والإصطلام والفناء قد يغيب عن التمييز في هذا الحال قد يقول صاحبها ما يحكى عن أبي يزيد أنه قال سبحاني أو مافي الجبة إلا الله ونحو ذلك من الكلمات التي لو صدرت عن قائلها وعقله معه لكان كافرا ولكن مع سقوط التمييز والشعور قد يرتفع عنه قلم المؤاخذة " اهـ(2)
ونحوه ما تقدم عن الحافظ الذهبي في ترجمة أبي يزيد البسطامي حيث قال: " وجاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها، الشأن في ثبوتها عنه، أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو فيطوى ولا يحتج بها إذ ظاهرها إلحاد مثل سبحاني، وما في الجبة إلا الله "(3) اهـ
الوجه الرابع عشر:
__________
(1) إحياء علوم الدين 1/37
(2) مدارج السالكين 1/296
(3) سير أعلام النبلاء 13/88(1/163)
على أن كلام البسطامي لكثرته وصراحته في الكفر والإلحاد لا يمكن تأويله إلا بتعسف شديد قال ابن كثير في ترجمة البسطامي:" وقد حكي عنه شطحات ناقصات وقد تأولها كثير من الفقهاء والصوفية وحملوها على محامل بعيدة وقد قال بعضهم إنه قال ذلك في حال الاصطلام والغيبة ومن العلماء من بدعه وخطأه وجعل ذلك من أكبر البدع وأنها تدل على اعتقاد فاسد كامن في القلب ظهر في أوقاته " اهـ(1)
الوجه الخامس عشر:
وقال الدكتور صابر طعيمة:" وهذا يشبه إلى حد كبير ما كان يقول به أبو يزيد البسطامي المتوفى 260 هـ الذي كان ينحدر من أصل زرادشتي وعنصر وحدة الوجود محدد عنده تحديدا واضحا فالله كما يقول(محيط لا قرار له ) وأنه هو نفسه العرش واللوح المحفوظ والقلم والكلمة "اهـ(2)
قال مفتاح التيحاني:
" وأما اعتراض هذا الجاهل المغرض على ما نقله الشيخ إبراهيم في كاشف الألباس ص 171 عن الإمام محي الدين بن عربي في الفتوحات المكية ونصه:
(فإن من لم تصبه الرؤية دائما مع الأنفاس لا يكون من هؤلاء الرجال وهذا مقام من يقول ما رأيت إلا الله فإن قيل من الرائي قال هو فإن قيل من القائل قال هو فإن قيل له من السائل قال هو...) " اهـ ص 31-32.
والرد عليه من وجوه تسعة إجمالا:
الوجه الأول:
لم تذكر آخر الكلام لأنه حجة عليك كما هي عادتك فقد قال بعد هذا مباشرة " فإن قيل له فكيف الأمر ؟ قال نسب تظهر فيه منه له فما ثم في ثم إلا هو وهو عين ثم وهذا مذهب أبي يزيد البسطامي - رضي الله عنه - بالحال " اهـ(3)
الوجه الثاني:
هذا الكلام صريح في وحدة الوجود لأن قوله " من لم تصبه الرؤية دائما " لا يصح إلا على قول أهل وحدة الوجود لأنهم يعتقدون أن ما يشاهدونه من الوجود هو الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
__________
(1) البداية والنهاية 11/30
(2) الصوفية معتقدا ومسلكا ص62
(3) الطبقات الكبرى للشعراني 1/5 كاشف الألباس ص 171(1/164)
وقوله:" ما رأيت إلا الله " و" من الرائي قال هو " و" ومن السائل قال هو " وقوله " نسب تظهر فيه منه له فما ثم في ثم إلا هو "
كلها عبارات في غاية الصراحة لا تحتمل إلامعنى واحدا هو وحدة الوجود.
الوجه الثالث:
أما قوله بأنني نسبت الكلام لإبراهيم انياس وهو إنما نقله عن ابن عربي فهو فخ سقط فيه مفتاح التجاني لأنكم معاشر التيجانية تقولون بوحدة الوجود وأن الخالق هو عين المخلوق فكيف تعيب علي مع ذلك التفريق بين مخلوقين أليس هذا دليل تنقاضكم في هذه الفكرة الباطلةواستحالة تطبيقها في الواقع لأنه إذا كان وجود المخلوق ليس هو وجود المخلوق الأخر فكيف يكون الخالق هو المخلوق ؟! ثم إبراهيم انياس إنما نقل هذا الكلام مستدلا به فهو قائل به قطعا.
الوجه الرابع:
أما قوله بأن ابن عربي ينفي الحلول والاتحاد فهذه مغالطة مكشوفة لأنه وإن نفى ذلك فقد أثبت وحدة الوجود وأثبتتها التيجانية كما تقدم والفرق واضح بين الحلول والاتحاد وبين وحدة الوجود ولكنك خلطت بينهم لجهلك وتلبيسك على الناس، فالحلول والاتحاد يقتضي وجود خالق ومخلوق وبمداومة المخلوق على رياضات روحية معينة حل في الخالق كحلول الزبدة في اللبن والماء في الإناء فهذا هو الحلول أواتحد به حتى صار شيئا واحدا وهذا هو الاتحاد وأما وحدة الوجود فهي أعظم كفرا من ذلك إذ لا تعترف بوجود خالق ومخلوق أصلا بل الوجود كله واحد هو الله.
الوجه الخامس:
أما هروبك من محل البحث والنقاش وهو وحدة الوجود إلى مسألة أجنبية عنها وهي وحدة الشهود فهو دليل على وقوف حمارك في العقبة وتبلد ذهنك وعجزك التام عن الجواب.
ثم وحدة الشهود التي هربت إليها لم تذكر لها دليلا صريحا من الكتاب ولا السنة ولا الإجماع ولا القياس ولا قول صاحب ولا تابع.
الوجه السادس:
أما الآيات الأربعة التي ذكرت فهي:(1/165)
الآية الأولى: قوله تعالى { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } [ الحديد 03] وهذه الآية قد فسرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ((... أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعد شيء وأنت الظاهر فليس فوق شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء..)) مسلم (1)
هكذا فسرها رسول الله- صلى الله عليه وسلم -فلم يذكر وحدة وجود ولا شهود ولم يذكرها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أتباعهم فلماذا وصلتم انتم إلى هذه الدرجة الرفيعة من الشهود التي لم يصل إليها واحد من هؤلاء ؟ ليس ذلك إلا من باب تفضيلكم معاشر المتصوفة أنفسكم على الأنبياء فمن دونهم مثل قول قائلكم:
" خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله " وقول آخر:" معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب وأوتينا ما لم تؤتوه " وقال شاعركم:
ودونك بحرا خضته وقف الأولى
بساحله صونا لموضع حرمتي
وقول أحد عارفيكم: " نهاية أقدام النبيين بداية أقدام الأولياء ".(2)
وإليك أقوال المفسرين المعتمدين في هذه الآية:
- قال ابن جرير الطبري:
" يقول تعالى ذكره { هو الأول } قبل كل شيء بغير حد { والآخر } يقول و الآخر بعد كل شيء بغير نهاية وإنما قيل ذلك كذلك لأنه كان ولا شيء موجود سواه وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها كما قال جل ثناؤه { كل شيء هالك إلا وجهه } وقوله: { والظاهر } يقول وهو الظاهر على كل شيء دونه وهو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه { والباطن } يقول هو الباطن جميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه كما قال { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن - صلى الله عليه وسلم -وقال به أهل التأويل " (3)
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء باب الدعاء عند النوم ح ( 6889 )
(2) جواهر المعاني 2/276- 277
(3) تفسير الطبري 11/670(1/166)
- وقال القرطبي عند هذه الآية:" وقد شرحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرحا يغني عن قول كل قائل فقال في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة (( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعد شيء وأنت الظاهر فليس فوق شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين واغننا من الفقر )) (1).
- وقال النسفي: " { هو الأول } هو القديم الذي كان قبل كل شيء { والآخر } الذي يبقى بعد هلاك كل شيء { والظاهر } بالأدلة الدالة عليه { والباطن } لكونه غير مدرك بالحواس وإن كان مرئيا "(2)
- وقال ابن كثير:" وقال البخاري قال يحي الظاهر على كل شيء علما والباطن على كل شيء علما وقال شيخنا الحافظ المزي يحي هذا هو ابن زياد الفراء له كتاب سماه معاني القرآن وقد ورد في ذلك أحاديث..."(3) اهـ
- قال الشوكاني: " { هل الأول } قبل كل شيء { والآخر } بعد كل شيء أي الباقي بعد فناء خلقه { والظاهر } العالي الغالب على كل شيء أو الظاهر وجوده بالأدلة الواضحة { والباطن } أي العالم بما بطن من قولهم فلان يبطن أمر فلان أي يعلم داخلة أمره ويجوز أن يكون المعنى المحتجب عن الأبصار والعقول وقد فسر هذه الأسماء الأربعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي فتعين المصير إلى ذلك "(4) اهـ
أما الآية الثانية فهي قوله تعالى: { ولا تدع مع الله إله آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون } القصص 88.
ولما كانت الآية حجة عليه في تحريم دعاء غير الله والإستغاثة به بتر أولها ووسطها ولم يذكر منها إلا { كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون } فانظر إلى التحريف المتعمد من أجل ليّ أعناق النصوص. ثم الآية لا ذكر فيها لوحدة الشهود لا صراحة ولا ضمنا وإليك كلام أئمة المفسرين فيها:
__________
(1) تفسير القرطبي17/154
(2) تفسير النسفي 4/222
(3) تفسيرابن كثير 4/2765
(4) فتتح القدير 5/165-166(1/167)
ـ قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري:" يقول تعالى ولا تعبد يا محمد مع معبودك الذي له عبادة كل شيء معبودا آخر سواه وقوله { لا إله إلا هو } يقول لا معبود تصلح له العبادة إلا الله الذي كل شيء هالك إلا وجهه واختلف في معنى قوله { إلا وجهه } فقال بعضهم معناه كل شيء هالك إلا هو وقال آخرون معنى ذلك إلا ما أريد به وجهه واستشهدوا لتأويلهم ذلك كذلك بقول الشاعر:
استغفر الله ذنبا لست محصيه
رب العباد إليه الوجه والعمل
وقوله { له الحكم } يقول له الحكم بين خلقه دون غيره ليس لأحد غيره معه فيهم حكم، { وإليه ترجعون } يقول إليه تردون من بعد مماتكم فيقضي بينكم بالعدل فيجازي مؤمنكم جزاؤهم وكفاركم ما وعدهم " (1)
- وقال القرطبي:" قوله تعالى { ولا تدع مع الله إله آخر } أي لا تعبد معه غيره فإنه لا إله إلا هو نفي لكل معبود وإثبات لعبادته { كل شيء هالك إلا وجهه } قال مجاهد:( معناه إلا هو ) وقال الصادق (دينه ) وقال أبو العالية وسفيان (أي إلا ما أريد به وجهه أي ما يقصد إليه بالقربة ) "(2) اهـ
قال النسفي: { " كل شيء هالك إلا وجهه } أي إلا إياه فالوجه يعبر به عن الذات وقال مجاهد يعني علم العلماء إذا أريد به وجه الله { له الحكم } القضاء في خلقه { وإليه ترجعون } "(3) اهـ
- قال ابن كثير قوله { ولا تدع مع الله إلها آخر } أي لا تليق العبادة إلا له ولا تنبغي الألوهية إلا لعظمته وقوله { كل شيء هالك إلا وجهه } إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم الذي تموت الخلائق ولا يموت كما قال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } فعبر بالوجه عن الذات وهكذا قوله ههنا { كل شيء هالك إلا وجهه } أي إلا إياه(4) اهـ
__________
(1) تفسيرالطبيري 10/119
(2) تفسير القرطبي 13/322
(3) تفسير النسفي 3/249
(4) تفسير ابن كثير 3/2141(1/168)
قال الشوكاني: " وكذلك قوله { ولا تدع مع الله إلها آخر } فإنه تعريض لغيره ثم وحد سبحانه نفسه ووصفها بالبقاء والدوام فقال { لا إله إلا هو كل شيء } من الأشياء كائنا ما كان { هالك إلا وجهه } أي إلا ذاته " (1) اهـ
قال أبو السعود: " { ولا تدع مع الله إلها آخر } هذا وما قبله للتهييج والإلهاب وقطع أطماع المشركين عن مساعدته عليه الصلاة والسلام لهم وإظهار أن المنهي عنه في القبح والشرية بحيث ينهى عنه من لا يمكن صدوره عنه أصلا { لا إله إلا هو } وحده { كل شيء هالك إلا وجهه } إلا ذاته فإنما عداه كائنا ما كان ممكن في حد ذاته عرضة للهلاك والعدم { له الحكم } أي القضاء النافذ في الخلق { وإليه ترجعون } عند البعث بالجزاء بالحق والعدل "(2) اهـ
- قال الرازي:" اختلفوا في قوله { كل شيء هالك } فمن الناس من فسر الهلاك بالعدم والمعنى أن الله تعالى يعدم كل شيء سواه ومنهم من فسر الهلاك باخراجه عن كونه منتفعا به إما بالإماتة أو بتفريق الأجزاء وإن كانت أجزاؤه باقية فإنه يقال هلك الثوب وهلك المتاع ولا يريدون به فناء أجزائه بل خروجه عن كونه منتفعا به ومنهم من قال معنى كونه هالكا كونه قابلا للهلاك في ذاته فإن كل ما عداه ممكن الوجود لذاته وكل ما كان ممكن الوجود كان قابلا للعدم فكان قابلا للهلاك فأطلق عليه اسم الهلاك نظرا إلى هذا الوجه..."(3) اهـ
أما الآية الثالثة التي تعلق بها فهي قوله تعالى { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما تدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير } [لقمان 30 ].
وفي ما يلي ننقل لك أقوال المفسرين المعتمدين حتى يتبين أنه لا علاقة لها بالكشف والشهود الصوفي:
__________
(1) فتح القدير 4/189
(2) تفسير أبو السعود بحاشية التفسير الكبير 7/370
(3) التفسير الكبير للرازي 6/462(1/169)
- قال ابن كثير:" قوله { ذلك بأن الله هو الحق وأن مايدعون من دونه الباطل } أي إن ما يظهر لكم آياته لتستدلوا بها على أنه الحق أي الموجود الحق الإله الحق وأن كل ما سواه باطل فإنه الغني عما سواه وكل شيء فقير إليه لإن كل ما في السماوات والأرض الجميع خلقه وعبيده لا يقدر أحد منهم على تحريك ذرة إلا بإذنه ولو اجتمع كل أهل الأرض على أن يخلقوا ذبابا لعجزوا عن ذلك ولهذا قال تعالى { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير } أي العلي الذي لا أعلي منه الكبير الذي هو أكبر من كل شيء فالكل خاضع حقير بالنسبة إليه"(1) اهـ
قال الشوكاني: " والإشارة بقوله { ذلك } إلى ما تقدم ذكره والباء في { بأن الله } للسببية أي ذلك بسبب أنه سبحانه { هو الحق } وغيره الباطل أو متعلقة بمحذوف أي فعل ذلك ليعلموا أنه الحق { وأن ما يدعون من دونه الباطل } قال مجاهد: الذي يدعون من دونه هو الشيطان وقيل ما اشركوا به من صنم أو غيره وهذا أولى { وأن الله هو العلي الكبير } معطوفة على جملة { أن الله هو الحق } والمعنى أن ذلك الصنع البديع الذي وصفه في الآيات المتقدمة للإستدلال به على حقية الله وبطلان ما سواه وعلوه وكبريائه { هو العلي } في مكانته ذوالكبرياء في ربوبيته وسلطانه "(2) اهـ
قال الرازي: " قوله { هو الحق } إشارة إلى التمام وقوله { وأن الله هو العلي الكبير } أي فوق التمام وقوله { هو العلي } أي في صفاته، وقوله { الكبير } أي في ذاته وذلك ينافي أن يكون جسما في مكان لأنه يكون حينئذ جسدا مقدرا بمقدار فيمكن فرض ما هو أكبر منه فيكون صغيرا بالنسبة إلى المفروض لكنه كبير مطلقا أكبر من كل ما يتصور "(3) اهـ
__________
(1) تفسير ابن كثير 3/2205
(2) فتح القدير 4/244
(3) التفسير الكبير 6/550(1/170)
قال أبو السعود: " { ذلك } إشارة إلى ما تلى من الآيات الكريمة وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتها في الفضل وهو مبتدأ خبره قوله تعالى { بأن الله هو الحق } أي بسبب بيان أنه تعالى هو الحق إلهيته فقط ولأجله لكونها ناطقة بحقية التوحيد { وأن ما يدعون من دونه الباطل } أي ولأجل بيان بطلان إلهية ما يدعون من دونه تعالى لكونها بذلك شهادة بينة لا ريب فيها "(1) اهـ
قال الشنقيطي: " أي وذلك الوصف بخلق النهار والليل والإحاطة بما يجري فيهما والإحاطة بكل قول وفعل بسبب { أن الله هو الحق } أي الثابت الإلوهية والإستحقاق للعبادة وحده وأن كل ما يدعى إلها غيره باطل وكفر ووبال على صاحبه وأنه جل وعلا { هو العلي الكبير } الذي هو أعلا من كل شيء وأعظم وأكبر سبحانه وتعالى علوا كبيرا "(2) اهـ
أما الآية الرابعة { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } [ الرعد 39 ] فها أنذا أنقل لك أقوال المفسرين عند هذه الآية حتى ترى أنه لا حجة له فيها من قريب ولا من بعيد.
__________
(1) تفسير أبي السعود حاشية التفسير الكبير 7/417-418
(2) أضواء البيان للشنقيطي 5/505(1/171)
- قال الطبري: " وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بتأويل الآية وأشبهها بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن ومجاهد وذلك أن الله - تعالى ذكره - توعد المشركين الذين سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآيات بالعقوبة وتهددهم بها وقال لهم { وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب } يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مثبتا في كتاب هم مؤخرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل ثم قال لهم فإذا جاء ذلك الأجل يجيء الله بما شاء ممن قد دنا أجله وأنقطع رزقه أو حان هلاكه أو إتضاعه من رفعة أو هلاك مال فيقضي ذلك في خلقه فذلك محوه ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه وبهذا المعنى جاء الأثر عن رسول - صلى الله عليه وسلم - "(1) اهـ
- قال القرطبي: " قوله تعالى { يمحو الله ما يشاء ويثبت } أي يمحو من ذلك الكتاب ما شاء أن يوقعه بأهله ويأتي به ويثبت ما شاء أي يؤخره إلى وقته "(2) اهـ
- قال ابن كثير: " قوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } أختلف المفسرون في ذلك فقال الثوري ووكيع وهشيم عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عباس: " يدبر أمر السنة فيمحو الله ما يشاء إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت "(3) اهـ
- قال الشوكاني: وظاهر النظم القرآني العموم في كل شيء مما في الكتاب فيمحو ما شاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر أو خير أوشر ويبدل هذا بهذا ويجعل هذا مكان هذا { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبو وائل وقتادة والضحاك وابن جريج وغيرهم "(4) اهـ
- قال الرازي: " المسألة الرابعة في هذه الآية قولان:
__________
(1) تفسير الطبري 7/403
(2) تفسير القرطبي 9/329
(3) تفسير ابن كثير 2/1506
(4) فتح القدير 3/88(1/172)
الأول: أنها عامة في كل شيء كما يقتضيه ظاهر اللفظ قالوا إن الله يمحو من الرزق ويزيد فيه وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر وهو مذهب عمر وابن مسعود...القول الثاني أن هذه الآية خاصة في بعض الأشياء دون البعض "(1) اهـ
- قال أبو السعود: " { يمحو الله ما يشاء } أي ينسخ ما شاء نسخه من الأحكام لما تقتضيه الحكمة بحسب الوقت { ويثبت } بدله ما فيه المصلحة أو يبقيه على حاله غير منسوخ أو يثبت ما شاء إثباته مطلقا أعم منهما ومن الإنشاء ابتداء أو يمحو من ديوان الحفظة الذين ديدنهم كتب كل قول وعمل ما لا يتعلق به الجزاء ويثبت الباقي أو يمحو سيئات التائب ويثبت مكانها الحسنة أو يمحو قرنا ويثبت آخرين أو يمحو الفاسدات من العلم الجسماني ويثبت الكائنات أو يمحو الرزق ويزيد فيه أو يمحو الأجل أوالسعادة والشقاوة وبه قال ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما والقائلون به يتضرعون إلى الله تعالى أن يجعلهم سعداء وهذا رواه جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والأنسب تعميم كل من المحو والإثبات ليشمل الكل"(2) اهـ
الوجه السابع:
__________
(1) التفسير الكبير 5/210
(2) تفسير أبي السعود بحاشية التفسير الكبير6/170-171(1/173)
وأما استدلاله بحديث ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها..)) هذا ما ذكره من الحديث فانظر إلى بتر الأحاديث والتصرف فيها وقطع أوصال النصوص وإليك نص الحديث، قال البخاري (6502) حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة حدثنا خالد بن مخلد،حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولأن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته )) فالحديث لا دلالة فيه على وحدة الوجود ولا الشهود بل ولا على ما دون ذلك من الحلول والاتحاد:
أ- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:" وحمله بعض أهل الزيغ على ما يدعونه من أن العبد إذا لازم العبادة الظاهرة والباطنة حتى يصفو من الكدورات أنه يصير في معنى الحق تعالى الله عن ذلك وأنه يفنى عن نفسه جملة حتى يشهد أن الله هو الذاكر لنفسه الموحد لنفسه المحب لنفسه وأن هذه الأسباب والرسوم تصير عدما صرفا في شهوده وإن لم تعدم في الخارج وعلى الأوجه كلها فلا متمسك فيه للإتحادية ولا للقائلين بالوحدة المطلقة لقوله في بقية الحديث ((ولإن سألني )) ((ولإن استعاذني )) فإنه كالصريح في الرد عليهم " (1)اهـ
قلت: ولهذا حذف مفتاح التجاني هذه الجملة الأخيرة لصراحتها في الرد عليه كما قال ابن حجر العسقلاني وهذا قمة في التدليس والتحريف والعياذ بالله.
__________
(1) فتح الباري 3/2858(1/174)
ب- قال الطوفي:"اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها ولهذا وقع في رواية ((فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي)) قال: والاتحادية زعموا أنه على حقيقته وأن الحق عين العبد واحتجوا بمجيئ جبريل في صورة دحية قالوا: فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر قالوا فالله أقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو بعضه، تعالى الله عنما يقول الظالمون علوا كبيرا " (1)اهـ
ج - قال ابن رجب: " فمتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى محا ذلك من القلب كل ما سواه ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره ولا يتحرك إلا بأمره فإن نطق نطق بالله وإن سمع سمع به وإن نظر نظر به وإن بطش بطش به فهذا هو المراد بقوله (( كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها )) ومن أشار إلى غير هذا فإنما يشير إلى الإلحاد من الحلول أوالاتحاد والله ورسوله بريئان منه "(2) اهـ
د- قال الخطابي:" هذه أمثال والمعنى والله أعلم توفيقه في الأعمال التي باشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه من موافقة ما يكره الله تعالى من الإصغاء إلى اللهو مثلا ومن النظر إلى ما نهى عنه ومن البطش بما لا يحل له ومن السعي في الباطل برجله..."(3) اهـ
الوجه الثامن:
وأما قوله " ويتحققون بمشاهدة ما في صحيحه - يعني البخاري - أيضا من قوله - صلى الله عليه وسلم - (كان الله ولا شيء معه) وفي رواية ( كان الله ولم يكن شيء غيره ) " اهـ ص 35.
__________
(1) فتح الباري 3/2857
(2) جامع العلوم والحكم ص 684
(3) عمدة القارئ 15/577(1/175)
قلت: هذه هي عادته، قطع أوصال النصوص مع تحريف ألفاظها وتبديل ما لا يوافقه منها وإليك نص الحديث: قال البخاري حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا جامع بن شداد عن صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال ((اقبلوا البشرى يا بني تميم )) قالوا قد بشرتنا فاعطنا، مرتين ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال ((اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إن لم يقبلها بنو تميم )) قالوا: قد قبلنا يا رسول الله قالوا جئنا نسألك عن هذا الأمر قال: ((كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض ))فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب فوالله لوددت أني كنت تركتها.
هذا لفظ البخاري من كتاب بدأ الخلق باب ما جاء في قوله تعالى: { هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } ورواه البخاري في كتاب التوحيد باب وكان عرشه على الماء الحديث رقم ( 7418) بلفظ (( كان الله ولم يكن شيء قبله )).
أما لفظ (( معه )) الذي ذكره هو فلا أصل له (1) بهذا اللفظ وإن كان في معنى الرواية الثابة ولفظ الحديث في المسند 4/ 431 (( كان الله تبارك وتعالى قبل كل شيء )) وأعلم أن المتصوفة لكي يستدلوا بهذا الحديث على باطلهم وضعوا في آخره زيادة وهي (( وهو الآن على ما عليه كان )) وهي كذب لا أصل لها قال ابن حجر: " وقع في بعض الكتب في هذا الحديث (( كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان )) وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث نبه على ذلك العلامة تقي الدين ابن تيمية وهو مسلّم في قوله (( وهو الآن إلى آخره...)) وأما لفظ ((ولا شيء معه )) فرواية الباب بلفظ (( ولا شيء غيره بمعناها )) "(2) اهـ
__________
(1) انظر تخريج الألباني لشرح الطحاوية ص 133
(2) فتح الباري 2/1503(1/176)
وقال الملا علي القاري: "... لكن الزيادة وهي قولهم (( الآن على ما عليه كان )) من كلام الصوفية يشبه أن يكون من مفتريات الوجودية القائلة بالعينية "(1) اهـ
الوجه التاسع:
أما قول مفتاح التجاني: " وقوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري أيضا أصدق كلمة قالها الشاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل وقوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم وأصله في البخاري اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اهـ ص 35.
وأما الحديث الأخير فقد تقدم الكلام على معناه في تفسير آية سورة الحديد { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } [ الحديد 03 ].
وأما الحديث الأول فقال البخاري حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عبد الملك عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أصدق كلة قالها الشاعر كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم ))(2) ولا حجة لهم في البيت لأن المقصود بالبطلان الموت والفناء والهلاك
1 - قال ابن حجر: " والمراد في البيت بالبطلان الفناء لا الفساد فكل شيء سوى الله جائز عليه الفناء لذاته حتى الجنة والنار وإنما يبقيان بإبقاء الله لهما وخلق الدوام لأهلهما والحق على الحقيقة من لا يجوز عليه الزوال ولعل هذا هو السر في إثبات الألف واللام في قوله ((أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق )) وحذفهما عند ذكر غيرهما والله أعلم اهـ (3)
__________
(1) الأسرار المرفوع ص 261
(2) البخاري المناقب باب أيام الجاهلية ح (3841) وانظر في ح ( 6147 ) و( 6489 ) وصحيح مسلم ( 2256) .
(3) فتح الباري 2/1713(1/177)
2- قال المناوي: " (( ألا كل شيء ما خلا باطل )): أي هالك مضمحل لأنه موافق لأصدق الكلام وهو قوله تعالى { كل من عليها فان } ولا ريب أن هذه الكلمة أصدق ما تكلم به ناظم أو ناثر مقدمتها كلية مقطوع بصحتها وشمولها عقلا ونقلا ولم يخرج من كليتها شيء قطعا إلا ما مر استثناؤه وهو الله وصفاته وعقابه وثوابه "(1).
3 - وهكذا يتبين أن الحديث لا علاقة له بالفناء المزعوم ولا بما يسمى وحدة الوجود وإنما فيه أن ما سوى الله فان وزائل وأن الله هو الذي لا يفنى ولا يزول .
أما ابن القيم فقد رد عليكم في هذا الفناء إذ قال في مدارج السالكين (1/304):" ومن كان هذا التوحيد والفناء غاية توحيده انسلخ من دين الله ومن جميع رسله وكتبه وإذلم يتميز عنده ما أمر الله به مما نهى عنه ولم يفرق بين أولياء الله وأعدائه ولا بين محبوبه ومبغوضه ولا بين المعروف والمنكر وسوى بين المتقين والفجار والطاعة والمعصية بل ليس عنده في الحقيقة إلا طاعة لاستواء الكل في الحقيقة التي هي المشيئة العامة الشاملة ثم صاحب هذا المقام يظن أنه صاحب الجمع والتوحيد وأنه وصل إلى عين الحقيقة وإنما وصل المسكين إلى الحقيقة الشاملة التي يدخل فيها إبليس وجنوده أجمعون وكل كافر ومشرك وفاجر...". اهـ
وقال أيضا (1/296):" وأما عدم الشعور والعلم بحيث لا يفرق صاحبه بين نفسه وغيره ولا بين الرب والعبد مع اعتقاده الفرق ولا بين شهوده ومشهوده بل لا يرى السوى ولا الغير فهذا ليس بمحمود ولا هو وصف كمال ولا هو مما يرغب فيه ويؤمر به بل غاية صاحبه أن يكون معذورا لعجزه وضعف قلبه وعقله عن احتمال التمييز والفرقان... " اهـ
__________
(1) فيض القدير1/529(1/178)
قال الذهبي في الميزان (3/630) آخر ترجمة ابن عربي:" فوالله لأن يعيش المسلم جاهلا خلف البقر لا يعرف من العلم شيئا سوى سور من القرآن يصلي بها الصلوات ويؤمن بالله وباليوم الآخر خير له بكثير من هذا العرفان وهذه الحقائق ولو قرأ مائة كتاب أو عمل مائة خلوة " اهـ
قال الغزالي في الإحياء (1/36):" وأما الشطح فنعني به صنفين من الكلام أحدثه بعض الصوفية (أحدهما) الدعاوى الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة حتى انتهى قوم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب فيقولون قيل لنا كذا وقلنا كذا ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج الذي صلب من أجل إطلاقه كلمات من هذا الجنس ويستشهدون بقوله (أنا الحق ) وبما حكي عن أبي يزيد البسطامي أنه قا ل: ( سبحاني، سبحاني ) وهذا فن من الكلام عظيم ضرره في العوام حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم وأظهروا مثل هذه الدعاوى فإن هذا الكلام يستلذه الطبع إذ فيه البطالة من الأعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال فلا تعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم ولا عن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة ومهما أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا أن يقولوا هذا إنكار مصدره العلم والجدال، والعلم حجاب والجدل عمل نفسي وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق فهذا ومثله مما استطار في البلاد شرره وعظم في العوام ضرره حتى من نطق بشيء منه فقتله أفضل في دين الله من إحياء عشرة " اهـ
قال مفتاح التجاني:
" أما اعتراض هذا الجاهل المغرض على قول عبيدة بن محمد الصغير في ميزاب الرحمة ص 66 فإذا عرفت أن وجود الله تعالى لا ماهية له وأنه يقبل التجلي في جميع الصور عرفت أن الوجود في هذه الصورة المرئية هو وجوده تعالى والصور ليست له بل من حكم الذات المتجلي عليها فيجاب عنه بأنه كلام صحيح المعنى والمبنى لأنه يتلخص في ثلاثة أمور... " اهـ ص 35(1/179)
والرد عليه من وجوه خمسة:
الوجه الأول:
أن هذا الكلام صريح في وحدة الوجود لأنه قال " عرفت أن الوجود في هذه الصورة المرئية هو وجوده تعالى ".
الوجه الثاني:
أن عبيدة قال قبل ذلك بقليل " والقائلون بوحدة الوجود أولي الذوق الصحيح والكشف الصريح وأهل هذا التصديق الجامع فإنهم قائلون بأن الله تعالى هو الوجود المطلق بالإطلاق الحقيقي "(1) اهـ
فهل تستطيع تأويل هذا ؟!
الوجه الثالث:
وقال أيضا عند شرح إحاطة النور المطلسم ما نصه: " مما يوحي إلى وحدة الوجود لتعلم صحة اعتقاد معتقدها وكماله ونقص اعتقاد منتقدها واعتلاله ولكن قد علم كل أناس مشربهم ومشرقهم ومغربهم "3 اهـ فانظر كيف دافع عن وحدة الوجود ورد على منكرها مع ذلك ينكر مفتاح أنه يقول بها !!
الوجه الرابع:
من شدة جهل مفتاح بكتب التجانية أنه عزا هذا الكلام لميزاب الرحمة الربانية ظنا منه أنه ليس لعبيدة بن محمد الصغير التيشيتي إلا هذا الكتاب والكلام إنما هو في كتاب آخر هو " ميدان الفضل والإفضال في شم رائحة جوهرة الكمال " طبع بالمطبعة الرسمية العربية بحاضرة تونس 1329هـ 1911 م .
الوجه الخامس:
ومن كلام عبيدة الصريح في وحدة الوجود قوله "...وأن هذا الاعتقاد ليس هو اعتقاد القائل بوحدة الوجود لأن ذلك اعتقاد صحيح شرعا يقبله العقل السليم بالوهب الإلهي والفيض الرحماني وإن لم يدركه بالنظر الفكري"(2)
حكم القائلين بوحدة الوجود
وإذا عرفت مما سبق أن التيجانية تقول بوحدة الوجود وتدافع عنها فلنشرع في بيان حكمها الشرعي:
__________
(1) ميدان الفضل والإفضال ص 66
(2) المصدر السابق .(1/180)
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهؤلاء إذا قيل في مقالتهم أنها كفر لم يفهم هذا اللفظ حالها فإن الكفر جنس تحته أنواع متفاوتة بل كفر كل كافر جزء من كفرهم ولهذا قيل لرئيسهم أنت نصيري فقال نصير جزء مني، وكان عبد الله بن المبارك يقول:(إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية ) وهؤلاء شر من أولئك الجهمية فإن أولئك كان غايتهم القول بأن الله في كل مكان وهؤلاء قولهم: إنه وجود كل مكان ما عندهم موجودان أحدهما حال والآخر محل، ولهذا قالوا: إن آدم من الله بمنزلة إنسان العين من العين وقد علم المسلمون واليهود والنصارى بالإضطرار من دين المرسلين أن من قال عن أحد من البشر أنه جزء من الله فإنه كافر في جميع الملل "(1) اهـ
قال أيضا " وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى ولهذا يقولون بالحلول تارة وبالاتحاد أخرى وبالوحدة تارة فإنه مذهب متناقض في نفسه ولهذا يلبسون على من لم يفهمه فهذا كله كفر باطنا وظاهرا بإجماع كل مسلم ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين "(2) اهـ
2- وقد قال القاضي عياض :"فذلك كله كفر بإجماع المسلمين كقول الإلهيين من الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين وكذلك من ادعى مجالسة الله والعروج إليه ومكالمته أو حلوله في أحد من الأشخاص كقول بعض المتصوفة والباطنية والنصارى والقرامطة"(3) اهـ
__________
(1) مجوع الفتاوى 2/127
(2) المرجع السابق2/368
(3) الشفاء للقاضي عياض 2/585-586(1/181)
3- قال زين الدين العراقي في رده على ابن عربي:" وأما قوله (فهو عين ما ظهر وعين مابطن) فهوكلام مسموم ظاهره القول بالوحدة المطلقة وأن جميع مخلوقاته هي عينه ويدل على إرادته لذلك صريحا قوله بعد ذلك وهو المسمى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات وكذلك قوله بعد ذلك ( والمتكلم واحد وهو عين السامع ) وقائل ذلك المعتقد له كافر بإجماع العلماء "(1) اهـ
4- وفي المواقف للعضد مع شرح الجرجاني بعد أن ذكر المخالفين للمسلمين في مسألة الحلول والاتحاد ما نصه: " ورأيت من الصوفية الوجودية من ينكره ويقول: لا حلول ولا اتحاد إذ ذاك يشعر بالغيرية ونحن لا نقول بها بل نقول ليس في ذات الوجود غيره وهذا العذر أشد قبحا وبطلانا من ذلك الجرم إذ يلزم من ذلك المخالطة التي لا يجترئ على القول بها عاقل ولا مميز أدنى تمييز "(2) اهـ
5- قال أبو حيان الأندلسي:"ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقر بالإسلام ظاهرا وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة كالحلاج والشعوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق وابن الفارض وأتباع هؤلاء كابن السبعين والتستري - وعد جماعة - ثم قال وإنما سردت هؤلاء نصحا لدين الله - يعلم الله ذلك - وشفقة على ضعفاء المسلمين وليحذروا فهم شر من الفلاسفة الذين يكذبون الله ورسوله ويقولون بقدم العالم وينكرون البعث وقد أولع جهلة ممن ينتمي إلى التصوف بتعظيم هؤلاء وادعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه والرد على النصارى والحلولية والقائلون بالوحدة هو من علم أصول الدين "(3) اهـ
__________
(1) مصرع التصوف ص 64
(2) شرح المواقف 8/29
(3) البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 3/448(1/182)
6 - قال ابن النقاش في تفسيره: "...ومن ذلك تدرجوا إلى وحدة الوجود وهو مذهب الملحدين كابن عربي وابن سبعين وبن الفارض ممن يجعل الوجود الخالق هو الوجود المخلوق وقد لا يرضى هؤلاء بلفظ الاتحاد بل يقولون بالوحدة لأن الاتحاد يكون افتعالا بين شيئين وهم يقولون الوجود واحد لا تعدد فيه ولم يفرقوا بين الواحد في العين والواحد بالنوع فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود ولكن ليس وجود هذا وجود هذا والقدر المشترك هو كلي والكلي المطلق لا يوجد كليا مطلقا إلا في الأذهان لا في الأعيان بل كل موجود من المخلوقات له وصف يختص به لا يشاركه فيه غيره في الخارج وأنقص المراتب عند هؤلاء مرتبة أهل الشريعة "(1) اهـ
7 - قال شمس الدين العيزري:" وهم شعبان: شعب حلولية يعتقدون حلول الخالق في المخلوق وشعب اتحادية لا يعتقدون تعددا في الوجود في زعمهم أن العالم هو الله وكل فريق منهم يكفر الآخر وأهل الحق يكفرون الفريقين "(2) اهـ
8 - قال علاء الدين البخاري:"...إذ لا يخفى على العاقل أن ذلك من الخيالات المتناقضة الحاصلة من الحشيش إذ عندهم أن وجود الكائنات هو الله تعالى فإذن الكل هو الله لا غير فلا نبي ولا رسول ولا مرسل إليه ولا خفاء في امتناع النوم على الواجب وفي امتناع افتقار الواجب إلى أن يأمره النبي بشيء في المنام لكن لما كان لكل ساقطة لاقطة ترى طائفة من الجهال ذلت أعناقهم لها خاضعين أفرادا وأزواجا وشرذمة من الضلال يدخلون في فسوق الكفر بعد الإيمان زمرا وأفواجا مع أنهم يرون أنه اتخذ آيات الله وما أنذروا هزوا وأشرك جميع الممكنات حتى الخبائث والقاذورات بمن لم يكن له كفوا أحد "(3) اهـ
__________
(1) مصرع التصوف ص147- 148
(2) المرجع السابق ص 152
(3) المرجع السابق ص 165(1/183)
9 - وقال جلال الدين السيوطي في رسالته تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد:" القول بالحلول والاتحاد الذي هو أخو الحلول أول من قال به النصارى إلا أنهم خصوه بعيسى عليه السلام أو به وبمريم أمه ولم يعدوه إلى أحد وخصوه باتحاد الكلمة دون الذات إلى أن قال: أما المتوسمون بسمة الإسلام فلم يبتدع أحد منهم هذه البدعة وحاشاهم من ذلك لأنهم أذكى فطرة وأصح لبا من أن يمشي عليهم هذا المحال وإنما مشى ذلك على النصارى لأنهم أبلد الخلق أذهانا وأعماهم قلوبا غير أن طائفة من غلاة المتصوفة نقل عنهم أنهم قالوا بمثل هذه المقالة وزادوا على النصارى في تعدية ذلك والنصارى قصروه على واحد فإن صح ذلك عنهم فقد زادوا في الكفر على النصارى "(1) اهـ
10 - قال أبو حامد الغزالي: " ومن هنا نشأ خيال من ادعى الحلول والاتحاد وقال أنا الحق وحوله يدندن كلام النصارى في دعوى اتحاد اللاهوت بالناسوت أو تدرعها بها أو حلولها فيها على ما اختلفت فيه عباراتهم وهو غلط محض "(2) اهـ
__________
(1) الحاوي للفتاوي 2/ 122 ـ 123
(2) إحياء علوم الدين2/292(1/184)
11 - قال ابن القيم رحمه الله تعالى:" أما الفناء عن وجود السوى فهو فناء الملاحدة القائلين بوحدة الوجود وأنه ما ثم غير وأن غاية العارفين والسالكين الفناء في الوحدة المطلقة ونفي التكثر والتعدد عن الوجود بكل اعتبار فلا يشهد غيرا أصلا بل يشهد وجود العبد عين وجود الرب بل ليس عندهم في الحقيقة رب وعبد وفناء هذه الطائفة في شهود الوجود كله واحد وهو الواجب بنفسه ما ثم وجودان ممكن وواجب ولا يفرقون بين كون وجود المخلوقات بالله وبين كون وجودها هو عين وجوده وليس عندهم فرقان بين العالمين ورب العالمين ويجعلون الأمر والنهي للمحجوبين عن شهودهم وفنائهم والأمر والنهي تلبيس عندهم والمحجوب عندهم يشهد أفعاله طاعات أو معاص ما دام في مقام الفرق فإذا ارتفعت درجته شهد أفعاله كلها طاعات لا معصية فيها لشهوده الحقيقة الكونية الشاملة لكل موجود فإذا ارتفعت درجته عندهم فلا طاعة ولا معصية بل ارتفعت الطاعات والمعاصي لأنها تستلزم اثنينية وتعددا وتستلزم مطيعا ومطاعا وعاصيا ومعصيا وهذا عندهم محض الشرك والتوحيد المحض يأباه فهذا فناء هذه الطائفة "(1) اهـ
12 - قال قاضي القضاة الماوردي:" القائل بالحلول والاتحاد ليس من المسلمين بالشريعة بل في الظاهر والتسمية ولا ينفع التنزيه مع القول بالاتحاد والحلول فإن دعوى التنزيه مع ذلك إلحاد "(2) اهـ
13 - وقال عز الدين ابن عبد السلام في قواعده الكبرى:" ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفي عن المجسمة لغلبة التجسيم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل فلا يعفى عنه"(3) اهـ
__________
(1) مدارج السالكين1/293 ـ 294
(2) الحاوي للفتاوي 2/125
(3) المرجع السابق 2/126(1/185)
قال السيوطي معقبا عليه:" قلت مقصود الشيخ أنه لا يجري في تكفيرهم الخلاف الذي جرى في المجسمة بل يقطع بكفر القائلين بالحلول إجماعا وإن جرى في المجسمة خلاف "(1) اهـ
14 - قال أبو نعيم الأصبهاني في أول الحلية:" وذلك لما بلغك من بسط لساننا وألسنة أهل الفقه والآثار في كل الأقطار والأمصار في المنتسبين إليهم من الفسقة والفجار والمباحية والحلولية الكفار "(2) اهـ
15 - قال - صاحب كتاب معيار المريدين - أبو محمد عبد الله بن محمد النوري:" والدليل على بطلان اتحاد العبد مع الله تعالى أن الاتحاد بين مربوبين محال فإن رجلين مثلا لا يصير أحدها عين الآخر لتباينهما في ذاتيهما كما هو معلوم فالتباين بين العبد والرب سبحانه وتعالى أعظم فإذن أصل الاتحاد باطل محال مردود شرعا وعقلا وعرفا بإجماع الأنبياء والأولياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين وليس هذا مذهب الصوفية وإنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى عليه السلام اتحد ناسوته بلاهوته "(3) اهـ
16 - وقال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد على أهل الوحدة والحلول والاتحاد:" حدثني الشيخ كمال الدين المراغي عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أنه قال له مرة الكفار إنما انتشروا في بلادكم لانتشار الفلسفة هناك وقلة اعتنائهم بالشريعة والكتاب والسنة قال فقلت له في بلادكم ما هو شر من هذا وهو قول الاتحادية فقال هذا لا يقوله عاقل فإن قول هؤلاء كل أحد يعرف فساده "(4) اهـ
__________
(1) المرجع السابق 2/126
(2) حلية الأولياء 1 /4
(3) الحاوي للفتاوي 2/126
(4) المرجع السابق2/127(1/186)
17 - وقال العلامة محمد رشيد رضا: " وهذه المرتبة هي وحدة الشهود وما يذكرونه من مرتبة وراء هذه تسمى وحدة الوجود وهي عبارة عن كون وجود الخلق عين وجود الحق وكون ذات العبد هي ذات الرب أو لا عبد ولا رب ما ثم إلا شيء واحد له مظاهر وأطوار كظهور الماء في صورة الثلج الجامد والسائل والبخار وقد يحتجب بالانحلال إلى عنصري الأكسجين والهدروجين عن الأبصار فهذه فلسفة مادية باطلة اخترعتها مخيلات صوفية البوذية والبراهمة وهي كفر بالله وخروج من ملل جميع رسل الله وقد فتن بها بعض صوفية المسلمين ولهم فيها من الشعريات المنظومة والمنثورة وتأويل بعض الآيات والأحاديث المأثورة ما أضل كثيرا من الناس بهم وبها ..."(1) اهـ
18 - وقال العلامة حافظ أحمد الحكمي:"... الطائفة الثالثة الاتحادية وهم القائلون إن الوجود بأسره هو الحق وأن الكثرة وهم بل جميع الأضداد المتقابلة والأشياء المتعارضة الكل شيء واحد هو معبودهم في زعمهم وهم طائفة ابن عربي الطائي صاحب الفتوحات المكية وفصوص الحكم وغيرهما مما حرف فيه الكلم عن مواضعه وتلاعب فيه بمعاني الآيات وأتى بكفر لا يشبه كفر اليهود الذين قالوا عزير ابن الله ولا النصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله وقالوا: هو الله وقالوا: ثالث ثلاثة؛ فإن النصارى وأشباههم خصوا الحلول والاتحاد بشخص معين وهؤلاء جعلوا الوجود بأسره على اختلاف انواعه وتقابل أضداده مما لا يسوغ التلفظ بحكايته هو المعبود فلم يكفر هذا الكفر أحد من الناس..."(2) اهـ
__________
(1) تفسير المنار 10/240
(2) معارج القبول 1/301-302(1/187)
19- وقد ألف العلامة الشيخ محمد بن أبي مدين في الرد عليكم كتابه شن الغارات على أهل وحدة الوجود وأهل معية الذات قال فيه: " قال جامعه وفقه الله إنما جمعت بين الكلام على معية الذات ووحدة الوجود لأني رأيت التصريح بالثانية في كلام بعض أئمة الأولى وسمعت بعض مشائخي يقول إن القول بمعية الذات يفضي إلى القول بوحدة الوجود وكفى بمقالة تفضي إليها قبحا وفسادا فإن جل مقالات أهلها صريح في كفر من يقوله، فهم يقولون بقدم العالم وينكرون بعث الأجساد وحشرها... كما أن من أمهات مقالاتهم المؤذنة بكفرهم تصريحهم بأنهم يرونه تعالى في دار الدنيا يقظة وذلك مبني على زعمهم أنه سبحانه عين خلقه أو حال فيه كما نص على ذلك شيخهم الحلاج بقوله: (أنا الحق وما في الجبة إلى الله)(1) - إلى أن قال - فمن زعم أن الله عز وجل هو عين مخلوقاته أو أنه حل في شيء منها فهو ضال كافر بالإجماع "(2) اهـ
المحظورات الشرعية المترتبة على القول بوحدة الوجود:
واعلم أنه يترتب على عقيدة وحدة الوجود محظورات كثيرة من أهمها:
1- لو كان الوجود وحدة واحدة لكان الخالق عين المخلوق فكيف يأمره وينهاه ؟ وكيف يرغبه ويرهبه ؟ إذ الآمر هو المأمور وهو الأمر الذي أمر به وهذا لا يقول به من له أدنى مسحة من عقل (3).
يقول ابن عربي:
أنت عبد وأنت رب
لمن له فيه أنت عبد
وأنت رب وأنت عبد
لمن له في الخطاب عهد
فكل عقد عليه شخص
بحله من سواه عقد(4)
__________
(1) شن الغارات154- 158
(2) المصدر السابق 167
(3) الله ذاتا وموضوعا لعبد الكريم الخطيب ص 219
(4) الفصوص ص 90(1/188)
2- في هذا القول إنكار أن يكون الله خلق شيئا من هذه المخلوقات لأنها ليست سواه فالمخلوقات عين المخلوق والمخلوق عين الخالق ومن الممتنع أن يكون خالقا لنفسه لأن الشيء لا يخلق نفسه قال تعالى متحديا للكفار: { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } [ ] وقال شيخ الإسلام: " وعند هؤلاء الكفرة الملاحدة الفرعونية أنه ما ثم شيء يكون الرب قد خلقه وبرأه أو أبدعه إلا نفسه المقدسة ونفسه المقدسة لا تكون مخلوقة مربوبة مصنوعة مبروءة لامتناع ذلك في بدائه العقول وذلك من أظهر الكفر عند جميع الملل "(1) اهـ
3- ويلزم على هذا القول ألا يكون الله رب العالمين ولا مالك الملك لأنه لا يكون رب نفسه ولا يكون مالكا مملوكا إذليس هنالك أحد سواه(2).
4- يلزم منه أنه تعالى لم يرزق أحدا ولا هدى أحدا ولا علم أحدا علما فلم يصل إلى أحد منه خير ولا شر إذ هو الرزاق المرزوق والهادي المهدي والعالم المعلم إذليس في الوجود سواه(3).
5- وأن الله هو الذي يصوم ويقوم ويركع ويسجد ويموت ويمرض وتتسلط عليه الأعداء ويوصف بكل نقص وعيب - تعالى الله عما يقولون - إذ ليس في الوجود سواه.(4)
6- كما يلزم منه أن الذين عبدوا الأوثان وغيرها من كل ما عبد من دون الله ما عبدوا إلا الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وقد صرح التجاني بذلك:" يعني لا معبود غيري وإن عبد الأوثان من عبدها فما عبدوا غيري ولا توجهوا بالخضوع والتذلل لغيري "(5)
7- كما يلزم منه تصحيح دعوى من ادعى الألوهية من البشر كفرعون والدجال المنتظر.(6)
__________
(1) مجموع الرسائل والمسائل ( ق 2/135 )
(2) التجانية : على دخيل الله ص 91
(3) التفسير القيم لابن القيم ص 51
(4) مجموع الرسائل والمسائل ق2/135
(5) جواهر المعاني 1/185
(6) مجموعة الرسا/ل والمسائل ق2/147(1/189)
8- أن كل عابد للشيطان أو لهواه هو عابد لله إذ ليس الشيطان عندهم شيء سوى الرحمن فالمتبعين للهوى والشيطان هم المطيعون لله لأن الله هو الوجود المطلق بالإطلاق الحقيقي.
9- يلزم منه أن تكون الكلاب والحمير والخنازير آلهة وكذا الأبقار وغيرها إذ ليس في الوجود أحد سواه(1) تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
10- يلزم عليه اعتقاد ماهو مستحيل عقلا قال الرازي: "البارى لا يتحد بغيره لأنه حال الاتحاد إن بقيا موجودين فهما أثنان لا واحد وإن صارا معدومين فلم يتحدا بل حدث ثالث وإن عدم أحدهما وبقي الآخر فلم يتحد لأن المعدوم لا يتحد بالموجود "(2) اهـ
11- يلزم عليه مناقضة الفطر والشرائع إذ لا تحله شريعة سماوية إطلاقا ولا تستسيغه فطرة سوية أبدا لأن الله فطر الناس على أنهم مخلوقين وأنه هو الخالق حتى الكافر يعلم ذلك وإن جحدها بعضهم منهم { ولئن سألتهم من خلقهم ليقون الله } [الزخرف 87 ].
دعوة التيجانية إلى الأمن من مكر الله وتجرئتهم على المعاصي:
قال مفتاح التجاني:
" وأما اعتراضه على ماقال سيدي علي حرازم في جواهر المعاني ج1ص104 ونصه:( فمن أراد الدخول في طريقنا فلا بد له من هذا الشرط ولا خوف عيله من صاحبه ولا من غيره أيا كان من الأولياء الأحياء والأموات في الدنيا والآخرة، لا من شيخه ولا من غيره ولا من الله ولا من رسوله - صلى الله عليه وسلم - بوعد صادق لا خلف فيه ) فيجاب عنه من ثلاثه أوجه أولها: أن هذا الوعد الذي قاله علي حرازم مشروط بما اشترطه الشيخ نفسه في طريقته من اجتناب المنهيات وامتثال المأمورات...إلخ" اهـ ص36
والرد عليه من وجوه ثمانية:
الوجه الأول:
__________
(1) الله ذاتا وموضوعا ص 205
(2) محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص 112(1/190)
لِمَ لم تذكر تمام كلام شيخك حتى يتضح مقصوده ؟! أم أن في كلامه الذي تركت صارحة لا تقبل التأويل ؟ فهل هذه هي الأمانة العلمية ؟ ونص كلامه: "واعلم أن هذا الورد العظيم لا يلقن لمن كان له ورد من أوراد المشايخ رضي الله عنهم إلا إن تركه وانسلخ منه ولا يعود إليه أبدا وعاهد الله على ذلك فعند ذلك يلقنه الورد من له الإذن الخاص من الشيخ - رضي الله عنه - وإلا فلا يلقنه له إن لم ينسلخ عن ورده الذي بيده فيتركه وورده وطريقته لأن أوراد المشايخ رضي الله عنهم كلها على هدى وبينة من الله وكلها مسلكة وموصلة إلى الله تعالى وهذا ليس منا تكبرا واستعلاء على المشايخ رضي الله عنهم حاشا وكلا ومعاذ الله بل هذا الشرط مشروط في طريقتنا لا غير فمن أراد الدخول في طريقتنا فلا بد له من هذا الشرط ولا خوف عليه من صاحبه ولا من غيره أيا كان من الأولياء الأحياء والأموات في الدنيا والآخرة وهو آمن من كل ضرر يلحقه في الدنيا وفي الآخرة لا من شيخه ولا من غيره ولا من الله ولا من سوله - صلى الله عليه وسلم - بوعد صادق لا خلف له ".(1) اهـ
الوجه الثاني:
أنك حذفت من وسط الكلام ما فيه حجة عليك دون أن تشير إلى ذلك وهو قوله:"وهو آمن من كل ضرر يلحقه في الدنيا والآخرة لا من شيخه ولا من غيره ولا من الله ولا من سوله - صلى الله عليه وسلم - بوعد صادق لا خلف له "(2) اهـ
فهل بعد هذا درجة من التزوير والتحريف والكذب ؟!!.
الوجه الثالث:
أما قوله أن هذا مشروط بالامتثال والإجتناب قلنا هذا تحريف بين يفرغ كلام شيخك من محتواه ويصبح لا فائدة فيه إذ لا فرق بين صاحب طريقتكم وغيره وهذا خلاف المقصود من السياق.
الوجه الرابع:
هذه خديعة مكشوفة في جمع الأتباع السذج بالترغيب والترهيب وقد عفا عليها الزمن.
الوجه الخامس:
__________
(1) جواهر المعاني 1/91ـ92 والرماح 1/372ـ373 وبغية المستفيد ص 329 والدرة الخريدة 2/123
(2) المرجع السابق .(1/191)
قوله أنه آمن فهذا باطل وضلال حتى لو كان أعبد الناس فينبغي أن يكون أشدهم خوفا وأبعدهم عن الأمن من مكر الله.
الوجه السادس:
إذا كانت طرق المشايخ هدى من الله كيف تلزمه بتركها ومعاهدة الله على أن لا يعود إلى ذلك الهدى الذي في تلك الطرق ؟!!.
الوجه السابع:
إذا كانت طرق المشايخ هدى فلم لا يمكن جمعها مع الهدى الذي عندك كيف يكون كله هدى والجمع بينه محرم وممنوع.
الوجه الثامن:
وأما استدلاله بأن التجاني في موضع آخر نهى عن الأمن من مكر الله فهذا من باب ذر الرماد في العيون وإلا فعامة كلامه حث على الأمن من مكر الله وبما أنك نقلت عنه ثلاثة أنقال فأنا أنقل لك عنه ثلاثين كلها في الحث على الأمن من مكر الله:
1. ما تقدم من قوله:"وهو آمن من كل ضرر يلحقه في الدنيا والآخرة...الخ"
2. قال التجاني:" من ترك وردا من أوراد المشايخ لأجل الدخول في طريقتنا هذه المحمدية التي شرفها الله تعالى على جميع الطرق أمنه الله تعالى في الدنيا والآخرة فلا يخاف من شيء يصيبه لا من الله تعالى ولا من رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا من شيخه أيا كان من الأحياء أو من الأموات " (1) اهـ
3. قال التجاني: " وليس لأحد من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنه بغيرحساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ماعملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلا أنا وحدي"(2) اهـ
4. قال التجاني:" كل من عمل عملا لله تعالى فرضا أو نفلا وتقبل منه يعطينا الله على ذلك العمل أزيد مما يعطيه لعامله بأكثر من مائة ألف ضعف ونحن رقود "(3) اهـ
5. قال التجاني: " أخبرني سيد الوجود يقظة لامناما قال لي أنت من الآمنين وكل من رآك من الآمنين إن مات على الإيمان وكل من أحسن إليك بخدمة أو غيرها وكل من أطعمك يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب "(4) اهـ
__________
(1) الرماح 1/378و2/413 والدرة الخريدة 2/124
(2) الرماح 2/413و2/422 والدرة الخريدة 1/87
(3) بغية المستفيد ص 279.
(4) جواهر المعاني 1/96(1/192)
6. قال التجاني: " وسألته - صلى الله عليه وسلم - لكل من أخذ عنى ذكرا أن تغفر لهم جميع ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر وأن تؤدي عنهم تبعاتهم من خزائن فضل الله لا من حسناتهم أن يرفع الله عنهم محاسبته على كل شيء وأن يكونوا آمنين من عذاب الله من الموت إلى دخول الجنة بلا حساب ولاعقاب في أول الزمرة الأولى وأن يكونوا كلهم معي في عليين في جوار النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي - صلى الله عليه وسلم - ضمنت لهم هذا كله ضمانة لا تنقطع حتى تجاورني أنت وهم في عليين "(1) اهـ
7. قال التجاني: " ومن أخذ عنى الورد المعلوم الذي هو لازم للطريقة أو عن من أذنته يدخل الجنة هو ووالداه وأزواجه وذرياته المنفصلة عنه لا الحفدة بلا حساب ولا عقاب بشرط ألا يصدر منهم سب ولا بغض ولا عداوة وبدوام محبة الشيخ بلا انقطاع إلى الممات وكذلك مداومة الورد إلى الممات "(2) اهـ
8. وفي جواهر المعاني:"وأخبره - صلى الله عليه وسلم - بقوله عليه الصلاة والسلام بعزة ربي يوم الإثنين ويوم الجمعة لم أفارقك فيها من الفجر إلى الغروب ومعي سبعة أملاك وكل من يراك في اليومين يكتب الملائكة اسمه في رقعة من ذهب ويكتبونه من أهل الجنة وأنا شاهد على ذلك"(3) اهـ
9. قال في جواهر المعاني:" قيل أن أبايزيد باسطه الحق في بعض مباسطاته فقال له يا عبد السوء لو أخبرت الناس بمساويك لرجموك بالحجارة، فقال له وعزتك لو أخبرت الناس بما كشفت لي من سعة رحمتك لما عبدك أحدك، فقال له: لا تفعل، فسكت " (4) اهـ
10.في جواهر المعاني: " وورد في بعض الاخبار أن الله سبحانه وتعالى يوقف العبد بين يديه فيقول له: ما الذي جرأك على معصيتي حتى خالفت أمري ؟ أو ما هذا معناه، فيقول:
العبد رب ظننت أنك تغفر لي فيغفر له لحسن ظنه " (5) اهـ
__________
(1) المرجع السابق 1/96
(2) المرجع السابق 1/98
(3) المرجع السابق 1/98
(4) المرجع السابق 1/ 132و136
(5) المرجع السابق 2/227(1/193)
11. وفيه أيضا:" أن يحي ابن أكثم وكانت حالته معروفة قال بعض من رآه في النوم: وسأله ما فعل الله بك فقال غفر لي، قال قلت له لماذا، قال لي سبحانه وتعالى: فعلت وفعلت وفعلت قال: قلت إلهي ما بهذا حدثت عنك قال: وبماذا حدثت عني قال: قلت، حدثني فلان عن فلان وذكرت الرواية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه - صلى الله عليه وسلم - يقول:إن الله يستحيي من ذي الشيبة في الإسلام أن يعذبه أو ما معناه هذا، فقال صدق فلان وفلان وذكر الرواية ثم قال لي اذهب فقد غفرت لك "(1) اهـ
12. وفيه أيضا:" قال أبو نواس الشاعر المشهور وكانت حالته معروفة قال بعض الصالحين، رأيته في النوم بعد موته في حالة حسنة محمودة قال: قلت له ما فعل الله بك، قال: غفر لي فقلت بماذا، قال لي: بأبيات قلتها عند موتي...الخ "(2) اهـ
13. قال التجاني: " كل أعمال الناس ذهبت مجانا إلا أعمار أصحاب الفاتح لما أغلق فإنها فازت بالذكر دنيا وأخرى ولا يتصل بها إلا سعيد من الناس "(3) اهـ
__________
(1) المرجع السابق 2/227ـ 228
(2) المرجع السابق 2/228
(3) كشف الحجاب ص 365(1/194)
14. قال في الجواهر:" اطلعت على مارسمه من خطه ونصه: " أسأل من فضل سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضمن لي دخول الجنة بلا حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى أنا وكل أب وأم ولدوني من أبوي إلى أول أب وأم في الإسلام من جهة أبي ومن جهة أمي وجميع ما ولد آبائي وأمهاتي من أبوي إلى الجد الحادي عشر والجدة الحادية عشرة من جهة أبي ومن جهة أمي من كل ما تناسل منهم من وقتهم إلى أن يموت عيسى ابن مريم من جميع الذكور والإناث والصغار والكبار وكل من أحسن إلي بإحسان حسي أومعنوي من مثقال ذرة فأكثر وكل من نفعني بنفع حسي أو معنوي من مثقال ذرة فأكثر من خروجي من بطن أمي إلى موتي وكل من له علي مشيخة في علم أو قرآن أو ذكر أو سر من كل من لم يعادني من جميع هؤلاء أما من عادانى أو أبغضنى فلا وكل من أحبنى ولم يعادنى وكل من والاني واتخذني شيخا أو أخذ عني ذكرا وكل من زارني وكل من خدمني أو قضى لي حاجة أو دعا لي كل هؤلاء من خروجي من بطن أمي إلى موتي وآبائهم وأمهاتهم وأولادهم وبناتهم وأزواجهم ووالدي أزواجهم وكل من أرضعني وأولادهم وبناتهم ووالديهم ووالدي أزواجهم يضمن لي سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولجميع هؤلاء إلى أن نموت أنا وكل حي منهم على الإيمان والإسلام وأن يؤمننا الله وجميعهم من جميع عذابه وعقابه وتهويله وتخويفه ورعبه وجميع الشرور من الموت إلى المستقر في الجنة وأن تغفر لي ولجميعهم جميع الذنوب ما تقدم منها وما تأخر وأن تؤدي عني وعنهم جميع تبعاتنا وتبعاتهم وجميع مظالمنا ومظالمهم من خزائن فضل الله عز وجل لا من حسناتنا وأن يؤمنني الله عز وجل وجميعهم من جميع محاسبته ومناقشته وسؤاله عن القليل والكثير يوم القيامة وأن يظلني الله وجميعهم في ظل عرشه يوم القيامة وأن يجيزني ربي وكل واحد من المذكورين على الصراط أسرع من طرفة العين على كواهل الملائكة وأن يسقيني الله وجميعهم من حوض سيدنا محمد - صلى(1/195)
الله عليه وسلم - يوم القيامة وأن يدخلني ربي وجميعهم جنته بلا حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى وأن يجعلني ربي وجميعهم مستقرين في الجنة في عليين من جنة الفردوس ومن جنة عدن أسأل سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالله أن يضمن لي ولجميع الذين ذكرتهم فيه هذا الكتاب جميع ما طلبت من الله لي ولهم في هذا الكتاب بكماله ضمان يوصلني وجميع الذين ذكرتهم في هذا الكتاب إلىكل ما طلبته من الله لي ولهم فأجاب - صلى الله عليه وسلم - بقوله الشريف: كل ما في هذا الكتاب ضمنته لك ضمانة لا تتخلف عنك وعنهم أبدا إلى أن تكون أنت وجميع من ذكرت في جواري في أعلى عليين وضمنت لك جميع ما طلبته منا ضمانة لا يخلف عليك الوعد فيها والسلام"(1) اهـ
15. قال التجاني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إن كنت بابا لنجاة كل عاص مسرف على نفسه تعلق بي فنعم وإلا فأي فضل لي فقال - صلى الله عليه وسلم - أنت باب لنجاة كل عاص تعلق بك "(2) اهـ
16. وفي بغيةالمستفيد: " أن من جملة ما ذكره سيدنا - رضي الله عنه - من فضل هذا الورد العظيم عن نبينا المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم أن كل من أخذه عن الشيخ أو عمن عنده الإذن الصحيح في التلقين يكون مقامه ومستقره من فضل الله تعالى في أعلى عليين بجوار سيد المرسلين وإمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ويغفر الله له تعالى بفضله من ذنوبه الكبائر والصغائر وتؤدي عنه التبعات من خزائن الرب المجيد القادر ولذلك كان آمنا من أن يروعه هول المحشر أو يؤلمه ضنك القبر وأزواجه وأولاده المنفصلون عنه دنية وكذا أبواه داخلون معه في هذا الخير الجزيل بفضل الله بشرط أن لا يصدر بغض من الجميع في هذا الشيخ الجليل وجانبه الأعز المنيع "(3) اهـ
__________
(1) جواهر المعاني 1/96ـ97 والدرة الخريدة 4/27-28
(2) رماح حزب الرحيم 2/413
(3) بغية المستفيد ص 273(1/196)
17. قال التجاني:" وسألته - صلى الله عليه وسلم - لكل من أخذ عني وردا أن تغفر لهم جميع ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر وأن تؤدي عنهم تبعاتهم من خزائن فضل الله لا من حسناتهم وأن يدفع الله عنهم محاسبته على كل وأن يكونوا آمنين من عذاب الله من الموت إلى دخول الجنة لا حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى وأن يكونوا معي في عليين في جوار النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - ضمنت لك هذا ضمانا لا تنقطع حتى تجاورني أنت وهم في عليين "(1) اهـ
18. قال في الرماح:" رأيت شيخنا التجاني - رضي الله عنه - وأرضاه في واقعة من الوقائع وبيده حلة من نور وقال لي - رضي الله عنه - وأرضاه وعنا به من رأى هذه الحلة دخل الجنة ثم ألبسني إياها - رضي الله عنه - "(2) اهـ
19. قال التجاني: " إن أصحابنا لا يدخلون المحشر مع الناس ولا يذوقون مشقة ولا يرون محنة من تغميض أعينهم إلى الاستقرار في عليين " (3) اهـ
20. قال التجاني: " أخبرني سيد الوجود أن كل من أحبني فهو حبيب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يموت حتى يكون وليا قطعا "(4) اهـ
21. قال التجاني: " كل من أخذ وردنا وداوم عليه إلى الممات يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب هو والداه وأزواجه وذريته إن سلم الجميع من الإنتقاد "(5) اهـ
22. قال التجاني: " قال لي سيد الوجود: أنت من الآمنين وكل من أحبك من الآمنين أنت حبيبي وكل من أحبك حبيبي وفقراؤك فقرائي وتلاميذك تلاميذي وأصحابك أصحابي وكل من أخذ وردك فهو محرر من النار " اهـ ؛ قال الفوتي قلت: ولهذا صار أهل طريقته صحابيين بهذا المعنى.(6) اهـ
__________
(1) الجيش الكفيل بأخذ الثأر ص 214ـ 215 والدرة الخريدة 4/27
(2) الرماح 1 /360
(3) المرجع السابق 2/425
(4) المرجع السابق 2/421
(5) المرجع السابق 2/422
(6) المرجع السابق 2/421(1/197)
23. قال التجاني: " أن سيد الوجود قال له من نظر إلى وجهك غفر الله تعالى له "(1) اهـ
24. قال التجاني:" طائفة من أصحابنا لو اجتمع أكابر أقطاب هذه الأمة ما وزنوا شعرة من أحدهم "(2) اهـ
25. قال التجاني:" هو - صلى الله عليه وسلم - كفاني الحضور مع أصحابي عند الموت وعند السؤال "(3) اهـ
26. قال التجاني في فضائل الفاتح لما أغلق:"ومن جملتها أيضا أن الله تعالى يعطيه ثواب جميع الخلائق ومن جملتها أيضا أن الله تعالى يعطيه ثواب سبعين نبيا كلهم بلغوا الرسالة " (4) اهـ وفي الدرة الخريدة (1/142)ما نصه: " قال التجاني: يعطي الله لأصحابنا ثواب الأنبياء قلت له ثواب الأعمال أو ثواب المرتبة؟ قال ثواب الأعمال والمرتبة "اهـ
27. قال التجاني:" لو أجتمع أهل السموات السبع وما فيهن والأرضين السبع وما فيهن على أن يصفوا ثواب الفاتح لما أغلق ما قدروا "(5) اهـ
28. قال التجاني ما نصه:" وأما فضل وظيفة اليوم والليلة وهي لا إله إلا الله والله أكبر إلخ فمن ذكرها في الصباح ثلاثا لا يكتب عليه ذنب في ذلك اليوم ومن ذكرها في المساء ثلاثا كذلك لا يكتب عليه ذنب في تلك الليلة حتى يصبح "(6) اهـ
29.قال صاحب بغية المستفيد:" ومن فضائل أصحاب سيدنا - رضي الله عنه - ومآثار أهل طريقه التي اختصهم بها مولاهم ومزاياهم التي تفضل بها عليهم بجوده وكرمه وأولاهم ما أخبر به سيدنا - رضي الله عنه - تبشيرا لهم وترجية وتأكيدا لنور إيمانهم وتقوية من أن مراتبهم يوم القيامة عند ربهم الملك القادر الفاعل بالإختيار أكبر من مقامات من عداهم من الأولياء المقربين الأبرار وذلك لما لحقهم بفضل الله تعالى وسابق عنايته من بركة أستاذهم الذي طابوا من طيبه وشرفوا بولايته "(7) اهـ
__________
(1) المرجع السابق 2/425
(2) الإفادةالأحمدية ص 40
(3) المرجع السابق ص 69 والدرة الخريدة 1/101-102
(4) جواهر المعاني 1/100
(5) المرجع السابق 1/109
(6) المرجع السابق 1/111
(7) بغية المستفيد ص 276(1/198)
30. قال التجاني:" شفعني الله في أهل عصري ومرة قالها فقال خليفته على حرازم - رضي الله عنه - وزيادة عشرين سنة فأقر الشيخ - رضي الله عنه - مقاله ذلك واستحسنه فظهر أنه مما ساره به قبل ذلك الزمان ثم استفاض بعد ذلك " (1) اهـ
بهذه الأنقال الثلاثين يتبين أن أحمد التجاني إنما يربي أتباعه على الأمن من مكر الله انطلاقا من عقيدته الخبيثة القائلة بوحدة الوجود إذ تقتضى أنهم الإله الخالق فلماذا يخافون العذاب ؟ ومن الذي سيعذبهم ؟ !
فاعرف مقامك في درك العلوم ولا
...
تعرض لمن خاض فيها شاسع الشقق
فأنت ويحك في وهد الحضيض فلا
...
تمدد يديك لمأوى فارق الأنق
ادعاء التجانية معرفة الغيب المطلق
قال مفتاح التجاني:
" وأما قول هذا الجاهل المغرض هل تعتقد أن التجاني يعلم الغيب المطلق حتى ما تخفي القلوب من أحوال أم تؤمن أن الله { لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول } واعتراضه على قول علي حرا زم في جواهر المعاني ج 1 ص153 - 154: " ومن كماله - رضي الله عنه - - يعني الشيخ التجاني - ونفوذ بصيرته الربانية وفراسته النورانية التي ظهرت مقتضاها في معرفة أحوال الأصحاب وغيرها من إظهار مضمرات وإخبار بمغيبات وعلم بعواقب الحاجات وما يترتب عليها من المصالح والآفات وغير ذلك من الأمور الواقعات فيعرف أحوال قلوب الأصحاب وتحول حالهم وإبدال أعراضهم وانتقال أغراضهم وحالة إقبالهم وإعراضهم وسائر عللهم وأمراضهم ويعرف ما هم عليه ظاهرا وباطنا. اهـ وما نقل عن الرماح ج 1 ص 28 والدرة الخريدة ج 1 ص 219 وبغية المستفيد ص 226 مما هو مندرج فيما قاله علي حرازم هنا فالجواب عليه من خمسة أوجه:
__________
(1) المرجع السابق ص 220 والإقادة الأحمدية ص 69(1/199)
أولها: أنني لا أعتقد أن أحدا من الأنبياء المرسلين فضلا عن غيرهم من الملائكة والأولياء المقربين يعلم الغيب المطلق الذي هو العلم الإحاطي بحقائق ودقائق الكليات والجزئيات على الجملة والتفصيل وأعتقد أن الله يطلع الشيخ التجاني وغيره من الأولياء على الكثير من أحوال وضمائر الناس... الخ " اهـ ص38-39.
والرد عليه من أربعة أوجه:
الوجه الأول:
أعلم أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته أن هؤلاء التجانيين يدعون الغيب المطلق الذي استأثر الله بعلمه مثل ما يكون في المستقبل من أمور { وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا } [لقمان 34 ] بل بالغوا في شيخهم حتى جعلوه { يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون } [ القصص 69] بل { يعلم السر وأخفي } [طه 7 ].بل ادعوا أنه يعلم مفاتيح الغيب الخمس التي لا يعلمها إلا الله.
وإليك نصوصهم الصريحة في ادعاء علم الغيب.
1- قال علي حرازم ما نصه: وسألته - رضي الله عنه - - يعني التجاني - في قوله تعالى { وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو } فأجاب - رضي الله عنه - بقوله نفى الله العلم بالغيب عن الخلق بهذه الآية فلا يعلمها أحد سواه لكن العلم المنفي ما كان للخلق إليه طريق وطرق العلم إلى الخلق من أحد ثلاث: إما بحاسة من الحواس وإما بطريق السمع وتبليغ الخبر وإما بطريق الفكر وهو النظر في أمور معلومة يتوصل بالنظر فيها إلى العلم بأمور مجهولة فهذه الطرق هي المنفية عن الخلق وبقيت الطريق الرابع وهي ما يقذفه الله في قلب العبد بغير حاسة ولا واسطة ولا فكر ويسمى هذا بالعلم اللدني فإن هذا العلم غير منفي على الرسول ولا على غيره من النبيين والمرسلين يشهد بهذا قوله سبحانه وتعالى { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضي من رسول } قال المرسي أو صديق أو ولي "(1) اهـ أنظر كيف ادعى معرفة مفاتيح الغيب.
__________
(1) جواهر المعاني 1/166(1/200)
2- قال في الرماح ما نصه: " وينبغي على المريد أن يعتقد في شيخه أنه يرى أحواله كلها كما يرى الأشياء في الزجاجة (1) اهـ فانظر كيف جعل الشيخ ربا يعلم { ما تخفي الصدور } .
3 - وفي الرماح ما نصه: " حكى القشيري في رسالته أن شقيقا البلخي وأبا تراب النخشى قدما على أبي يزيد وقدمت السفرة وشاب يخدم أبا يزيد فقال شقيق كل معنا يا فتى فقال أنا صائم فقال أبو تراب ولك أجر صوم شهر فأبي فقال شقيق كل ولك أجر صوم سنة فأبى فقال أبويزيد دعوا من سقط من عين الله فأخذ ذلك الشاب بعد مدة وقطعت يده بسرقة (2) اهـ
4 - وقال في بغية المستفيد: " وأما مكاشفاته - رضي الله عنه - بمعنى إخباره بالأمر قبل وقوعه فيقع على وفق ما أخبر به فلا يكاد ينحصر ما حدث به الثقات عنه - رضي الله عنه - وقد ذكر في الجامع أنه - رضي الله عنه - كان كثيرا ما يستره بقوله قلبي يحدثني بكذا أو وقع في خاطري كذا فيخرج كما قال وذكر فيه أيضا ما يفيد أنه - رضي الله عنه -كان يخبر بقدوم الغائب قبل أن يقدم فيكون ذلك وفق ما أخبر به وذكر من ذلك أنه أخبره مرة وهو معه في بلاد الصحراء بقدوم الأمير الظالم إذ ذاك فكان ذلك وأنه - رضي الله عنه - أخبره مرة أخرى بخراب قرية قبل وقوعه فوقع وأنه أخبر مرة أخرى أيضا بقدوم بعض أصحابه فكان كما قال (3) اهـ
__________
(1) رماح حزب الرحيم1/28
(2) الرماح 1/ 338
(3) بغية المستفيد ص 246 والدرة الخريدة 1/64(1/201)
5 - وقال أيضا ما نصه: " أن الخليفة المعظم سيدي علي حرازم - رضي الله عنه - كان حين أراد التوجه إلى بيت الله الحرام يذكر لبعض الخاصة ممن يساره بالأمور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجه بنت بتونس وكان يصفها وربما ذكر اسمها واسم أبيها ثم لما سافر ووصل تونس حرسها الله كان ما أخبر به قال المحدث فلم نلبث أن جاء الخبر بأنه طلقها قال فكان يقع في باطني شيء من جهة تطليقه إياها وهو أخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجه بها قال وكان الشيطان لعنه الله كثيرا ما يكدر عليه وقته بالوسوسة في ذلك وخصوصا حين يطيب وقته قال لي فجلست يوما مع الشيخ - رضي الله عنه - ولم يحضر معنا ثالث فطاب لي الوقت بمحادثة الشيخ - رضي الله عنه - ولان القلب وخشعت الجوارح فلم أشعر حتى ألقي ذلك الخاطر ببالى وأشتغل به فكري وكدر على صفوي فرفع - رضي الله عنه - بصره إلي وأدنى رأسه مني وقال لي كانت لا تصلي ولم يزد - رضي الله عنه - على ذلك شيئا قال: فعلمت أن ذلك موجب لطلاقه إياها "(1) اهـ
فانظر إلى هذه القصة المخترعة التي يهدف من خلالها الاستدلال على أن شيخه يعلم خفيات الضمائر وما توسوس به النفوس فلم يبق له إلا أن يدعي له الخلق { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } [ ق 16 ].
ثم ليت شعرى كيف يأمره - صلى الله عليه وسلم - بالزواج بهذه الكافرة التي لا تصلى ؟! وكيف يرغب هو عما اختار له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟!
6 - وقال في الدرة الخريدة: قلت لا مانع من كونه تعالى يطلع على غيبه بعض أصفيائه كما قال تعالى: { فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارضى من رسول } يعني أو ولي كما قال بعض العارفين والصحيح أنه لم ينقل من هذه الدار حتى أطلعه الله على مفاتيح الغيب فلتكن بعض خواص أمته كذلك بطريق الوراثة المحمدية.(2)
__________
(1) المرجع السابق 248
(2) الدرة الخريدة 1/ 219(1/202)
فانظر إلى دعوى علم مفاتح الغيب مع قوله تعالى { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } [ الأنعام 59 ].
7 - وفي بغية المستفيد: " ومن إخباره بالغيب عن طريق كشفه - رضي الله عنه - إخباره بأمور لم تقع إلا بعد وفاته إما بالتصريح أو التلويح فأخبر بالفتن التي وقعت بالقرب من وفاته في الغرب فكان الأمر وفق ما أخبر به وأخبر بالمسغبة العظيمة أعاذنا الله منها التي كانت بعد وفاته بنحو تسع سنين "(1) اهـ
8 - وفي كشف الحجاب ما نصه: " فمن ذلك ما بلغني عن أن سيدنا - رضي الله عنه - قال له - رضي الله عنه - بعد الاجتماع ما هذا التواني الذي فيك يا فلان حتى أنك لم تسارع للدخول في طريقتنا من أول وهلة مع أني مربيك وكفيلك قبل أن تلدك أمك ولقد كانت أمك حاملة بك فسقطت يوما على شيء كاد أن يثقب جنينها ويؤذيك في جسدك فتلقيتها برفق ولين فلم يؤثر ذلك في جسمك تأثيرا يؤدي إلى فساد الخلقة وتشويه الصورة بإذن الله تعالى وإذن رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإنما أصابك بعض الضرر في رأسك ودليل ذلك وجود أثر فيه وكان في رأس صاحب الترجمة حفرة "(2) اهـ
الوجه الثاني:
وأعلم أن ما يدعون لشيخهم من معرفة الغيب يكذبه الواقع وإليك أمثلة على ذلك:
__________
(1) بغية المستفيد ص 247
(2) كشف الحجاب ص 172(1/203)
1 - تقول الكاهنة المشهورة لالة منانة المعروفة بشنيورة: " كنت يوما جالسة فأتانى مشاوريان فقالا لي قومي تكلمي السلطان فظننت السلطان مولانا سليمان وكان كثيرا ما يرسل إليها وتذهب إليه وكان يحبها محبة خاصة قالت فذهبت معهما حتى خرجنا على باب الفتوح أحد أبواب فاس فوجدت هناك المحلة فتقدمت إلى السلطان فلم أجده مولانا سليمان، وإنما وجدته سيد أحمد التجاني - رضي الله عنه - ولم أعرفه من قبل قالت فصرت أتعجب مما رأيت ثم قال لي السلطان سيد أحمد التجاني ما تقولين أنت في دخول الطاعون إلى هذه المدينة فإنه لا بد من دخوله لهؤلاء الناس الذين اتصفوا بكذا وكذا وعد جملة فعال.
قال فلما سمعت منه ذلك قالت له إذا وقع الإجماع عليه من الأولياء الموجودين ولم يقدروا على حمل هذا البلاء فأنا ألقي الباس عن الناس فقال لها أو تقدري على ذلك وتتحملي به فقالت نعم فأمرها أن ترجع لمحلها فلما دخلت على باب المدينة سمعت من وراءها عمارة بارود فأصابتها فسقطت على وجهها وبقيت ساقطة حتى جاء الناس بالنعش وحملوها عليه حتى أوصلوها إلى محلها وكان الناس يسمعون البارود يتكلم فيها وهي تصيح في كل مرة إلى أن قضى الله برفع ذلك البلاء عن هذه البلد "(1) اهـ
__________
(1) كشف الحجاب 190(1/204)
2 - وذكر صاحب كشف الحجاب أن جماعة من تلاميذ التجاني: " ارتحلوا إلى فاس قاصدين زيارة سيدنا - رضي الله عنه - وكان سيدنا - رضي الله عنه - في مرضه الذي توفي فيه وقد حصل لهم في طريق سفرهم مانع أخرهم عن الوصول حتى بعث سيدنا - رضي الله عنه - إلى الولية الصالحة لالة منان شنيورة المتقدمة وسألها عن سبب تأخرهم فأخبرته بأن سبب ذلك أن الترك عمال تلمسان أخذوا إبلهم فارغة لقضاء بعض أغراضهم وقد ردوها لهم ولا بأس عليهم وعما قريب يدخلون لهذه البلدة ثم بعد أن دخلت قافلتهم بنحو عشرة أيام بعث لها وقال لها أنه يحب أن يرسل القافلة لمحلها فما تقولين فقالت إن بعثها قبل يومين أو ثلاثة فذاك وإن زاد على ذلك تقع لها عطلة بسبب موت السلطان فسأل صاحبه وأي سلطان تعنى ورده إليها وقال لها لم تتيسر لنا هذه المدة فأعادت قولها الأول فبقي سيدنا - رضي الله عنه - يومين أو ثلاثة ثم توفي - رضي الله عنه - فحضرت جنازته فقيل لها أليس قد قلت السلطان فقالت نعم هذا هو السلطان "(1) اهـ
هكذا ترى أن التجاني مولع بسؤال الكهان عن الغيب لأنه لا علم له به.
3 - ونقل في بغية المستفيد عن بعض علمائهم قال " حضرت مع والدي وكان ممن أخذ الطريقة في أول ظهورها عن سيدنا الشيخ جعلنا الله في حماه وكان قد طال عهده - رضي الله عنه - برؤيته يعني والده المذكور فسأله الشيخ من أنت فقال له إن المشايخ يعرفون تلاميذهم بظهر الغيب ويحضرون معهم عند الموت في كلام ينحو منحى هذا فقال سيدنا - رضي الله عنه - مجيبا له عند ذلك هو - صلى الله عليه وسلم - كفاني الحضور مع أصحابي عند الموت وعند سؤال الملكين في القبر "(2) اهـ
فانظر كيف ألقمه هذا الرجل حجرا وأفحمه في دعواه علم الغيب.
الوجه الثالث:
وإذا علمت ادعاءهم علم الغيب فإليك بيان حكم مدعيه:
__________
(1) كشف الحجاب 197 ـ 198
(2) بغية المستفيد 279 ـ 280 والدرة الخريدة 1/102(1/205)
قال الله تعالى { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } [ النمل 65 ] و قال: { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } [ آل عمران 179 ] وقال: { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضي من رسول } [ الجن 26 ] وقال: { قل إنما الغيب لله } [ يونس 20 ] وقال { ولله غيب السماوات والأرض } [ النحل 77 ] وقال { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } [ الأنعام 50 ]وقال: { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء } [ الأعراف 188 ] وقال: { قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض } [ الكهف 26 ] وقال: { إن الله عالم غيب السماوات والأرض } [ فاطر 38 ] وقال: { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } [ الأنعام 59 ] وقال: { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت } [ لقمان 34 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - (( مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ))(1)
وفي حديث جبريل أنه قال: متى الساعة فقال له - صلى الله عليه وسلم -:(( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشرا طها إذا ولدت الأمة ربتها وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الله عنده علم الساعة.. الآية )) (2)
__________
(1) صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قول الله تعالي: عالم الغيب الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الحديث رقم 7379.
(2) صحيح البخاري كتاب الإيمان باب سؤال جبريل... الحديث رقم 50(1/206)
وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله يقول قل لا يعلم من في السماوات والأرض إلا الله "(1)
من أقوال العلماء في كفر مدعي علم الغيب:
1 - قال القرطبي: "فمن قال إنه ينزل الغيث غدا وجزم به فهو كافر أخبر عنه بأمارة ادعاها أم لا وكذلك من قال إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر - إلى أن قال - وأما من أدعى الكسب في مستقبل العمر فهو كافر أو أخبر عن الكوائن المجملة أو المفصلة في أن تكون قبل أن تكون فلا ريب في كفره أيضا "(2) اهـ
2 - قال أبو حيان الأندلسي: " ولقد يظهر من هؤلاء المنتسبة إلى التصوف أشياء من إدعاء علم المغيبات والاطلاع على علم عواقب أتباعهم وأنهم معهم في الجنة مقطوع لهم ولأتباعهم بها يخبرون بذلك على رؤوس المنابر ولا ينكر ذلك أحد هذا مع خلوهم من العلوم يوهمون أنهم يعلمون الغيب.. "(3) اهـ
3- قال ابن حجر:"وفي الآية - يعني { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا } - رد على المنجمين وعلى كل من يدعي أنهه يطلع على ما سيكون من حياة أو موت أو غير ذلك لأنه مكذب للقرآن وهم أبعد شيء من الارتضاء مع سلب صفة الرسلية عنهم "(4) اهـ
__________
(1) صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قول الله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا...ح (7380) وصحيح مسلم مع شرح النووي 3/9 واللفظ له.
(2) تفسير القرطبي 7 /2-3
(3) البحر المحيط 4 /145 و436 و5/ 93
(4) فتح الباري 3/3300(1/207)
4- قال الشوكاني:" وفي هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين والرمليين وغيرهم من المدعين ما ليس من شأنهم ولا يدخل تحت قدرتهم ولا يحيط به علمهم ولقد ابتلي الإسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة والأنواع المخذولة ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم بغير خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - (( من أتى كاهنا أومنجما فقد كفر بما أنزل على محمد ))"(1) اهـ
5- قال شارح الطحاوية: " والواجب على ولي الأمر وكل قادر أن يسعى في إزالة هؤلاء المنجمين والكهان والعرافين وأصحاب الضرب بالرمل والحصى والقرع والقالات ومنعهم من الجلوس في الحوانيت والطرقات أو يدخلوا على الناس في منازلهم لذلك - إلى أن قال - وهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال الخارجة عن الكتاب والسنة أنواع:
- نوع منهم أهل تلبيس وكذب وخداع الذين يظهر أحدهم طاعة الجن له.
- أو يدعي الحال من أهل المحال من المشايخ النصابين والفقراء الكاذبين والطرقية الماكرين، فهؤلاء يستحقون العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالهم عن الكذب والتلبيس، وقد يكون في هؤلاء من يستحق القتل " (2) اهـ
6- وقال آب ولد اخطور الشنقيطي: " وهذه الآية الكريمة تدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله وهو كذلك لأن الخلق لايعلمون إلا ما علمهم خالقهم جل وعلا "(3) اهـ
__________
(1) فتح القدير 2/123 والحديث عند أحمد والحاكم وصححه الألباني في تخريج شرح الطحاوية (768)
(2) شرح الطحاوية ص504
(3) أضواء البيان 2/149(1/208)
7- قال محمد رشيد رضا: " وإذا كان الله تعالى لم يؤت الرسل ما لم يؤت غيرهم من أسباب التصرف في المخلوقات ومن علم الغيب وكان كل من التصرف بالقدرة الذاتية وعلم الغيب خاصا به عزوجل يستحيل أن يشاركه غيره فيه فمن أين جاءت دعوى التصرف في الكون وعلم الغيب لمن هم دون الرسل منزلة وكرامة عند الله تعالى من المشايخ المعروفين وغير المعروفين حتى صاروا يدعون من دون الله تعالى لما عز نيله من الأسباب والسنن الإلهية " (1) اهـ
الوجه الرابع:
لقد ذكرت لك يا مفتاح أربعة نصوص في هذه المسألة الأول من جواهر المعاني والثاني في الرماح والثالث في الدرة الخريدة والرابع في بغية المستفيد، ورددت بزعمك على الأول فقط ولم تستطع تأويل وتحريف الثلاثة الأخرى.
ومن قدمته نفسه دون غيره
رأى غيره التأخير ذاك التقدما
تقدمت للتصدير جهلا مؤخرا
ذوي الرأي والتصدير أن تتقدما
الفراسة ليست حجة شرعية:
قال مفتاح التجاني:
"خامسها أنه لما انقطع الوحي التشريعي بانتقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى أكرم الله أمته بأن أبقى لها ثلاثة أبواب مفتوحة للاطلاع على الغيب هي الفراسة والرؤيا والإلهام.
أما الفراسة فدليلها من القرآن قوله تعالى: { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } قال السيوطي في الدر المنثور ج4 ص 103 ما لفظه:( أخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } قال هم المتفرسون وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبن السني وأبو نعيم معا في الطب وأبن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنورالله ثم قرأ { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } ... " ثم ذكر شواهد هذا الحديث عن ثوبان وأنس وأبي الدرداء وأبي أمامة انظر ص 40 - 41 اهـ
__________
(1) تفسير المنار 7/425(1/209)
والرد عليه من وجوه ثمانية:
الوجه الأول:
الفراسة ليست وحيا ولا علما وإنما هي ظن وتخمين قال ابن الأثير وابن منظور في تعريف الفراسة: " ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس "(1) اهـ
الوجه الثاني:
أما الآية التي استدل بها فليست صريحة فيما قال وبيان ذلك:
- قال آبّ بن اخطور الشنقيطي " يبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن فيما أوقع من النكال بقوم لوط آيات للمتأملين في ذلك تحصل لهم بها الموعظة والإعتبار والخوف من معصية الله أن ينزل بهم مثل ذلك العذاب الذي أنزل بقوم لوط لما عصوه وكذبوا رسله ويبين هذا المعنى في مواضع أخرى كقوله في العنكبوت { ولقد تركنا فيها آية بينة لقوم يعقلون } وقوله في الذاريات { وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم } وقوله هنا { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } وقوله في الشعراء بعد ذكر قصة قوم لوط { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين } كما صرح بمثل ذلك في إهلاك قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب في الشعراء، وقوله { المتوسمين } أصل التوسم تفعل من الوسم وهو العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها يقال توسمت فيه الخير إذا رأيت ميسمه فيه أي علامته التي تدل عليه ومنه قول عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - في النبي - صلى الله عليه وسلم -:
إني توسمت فيك الخير أعرفه
والله يعلم إني ثابت النظر
وقال آخر
توسمته لما رأيت مهابة
عليه وقلت المرء من آل هاشم
__________
(1) النهاية في غريب الحديث 3/428 ولسان العرب 6/160(1/210)
هذا أصل التوسم وللعلماء فيه أقوال متقاربة يرجع معناها كلها إلى شيء واحد فعن قتادة:" { للمتوسمين } أي المعتبرين " وعن مجاهد:" { للمتوسمين } أي المتفرسين " وعن ابن عباس والضحاك:" { للمتوسمين } أي للناظرين " وعن مالك عن بعض أهل المدينة:" { للمتوسمين } أي للمتأملين " ولا يخفى أن الإعتبار والنظر والتفرس والتأمل معناهما واحد وكذلك قول ابن زيد ومقاتل:" { للمتوسمين } أي للمتفكرين " وقول أبي عبيدة:" { للمتوسمين } أي للمتبصرين " فمآل جميع الأقوال راجع إلى شيء وهو أن ما وقع لقوم لوط فيه موعظة وعبرة لمن نظر في ذلك وتأمل فيه حق التأمل وإطلاق التوسم على التأمل والنظر والإعتبار مشهور في كلام العرب ومنه قول زهير:
وفيهن ملهى للصديق ومنظر
أنيق لعين الناظر المتوسم
أي المتأمل في ذلك الحسن .
وقول طريف بن تميم العنبري:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة
بعثوا إلي عريفهم يتوسم
أي ينظر ويتأمل " (1) اهـ
- قال ابن كثير:" أي إن آثار هذه النقم الظاهرة على تلك البلاد لمن تأمل ذلك وتوسمه بعين بصره وبصيرته كما قال مجاهد في قوله { للمتوسمين } قال المتفرسين وعن ابن عباس والضحاك للناظرين وقال قتادة للمعتبرين وقال مالك عن بعض أهل المدينة { للمتوسين } للمتأملين "(2)
- قال الشوكاني: " { إن في ذلك } أي في المذكور من قصتهم وبيان ما أصابهم { لآيات } لعلامات يستدل بها { للمتوسمين } للمتفكرين الناظرين في الأمر ومنه قول زهير:
وفيهن ملهى للصديق ومنظر
أنيق لعين الناظر المتوسم
وقال الآخر:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة
بعثوا إلي عريفهم يتوسم
__________
(1) أضواء البيان 3/118 ـ 119
(2) تفسير ابن كثير 2/ 1554(1/211)
وقال أبو عبيدة:" للمتبصرين " وقال ثعلب:" الواسم الناظر إليك من قرنك إلى قدمك " والمعنى متقارب وأصل التوسم التثبت والتفكر مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير "(1)
- قال الرازي " واختلفت عبارات المفسرين في تفسير المتوسمين قيل المتفرسين وقيل الناظرين وقيل المتفكرين وقيل المعتبرين وقيل المتبصرين قال الزجاج حقيقة المتوسمين في اللغة المتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا سمة الشيء وصفته وعلامته " (2) اهـ
- قال أبو السعود " { إن في ذلك } أي في ما ذكر من القصة { لآيات } لعلامات يستدل بها على حقيقة الحق { للمتوسمين } أي المتفكرين المتفرسين الذين يتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشيئ بسمته " (3) اهـ
الوجه الثالث:
أما الحديث الذي تعلق به (( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله )) فلا يصح بحال من الأحوال وإليك البيان:
ورد هذا الحديث عن أبي سعيد و أبي أمامة وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وثوبان رضي الله عنهم.
- أما حديث أبي سعيد فيرويه عمرو بن قيس عن عطية عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره، أخرجه البخاري في التاريخ الكبير(4/1/354) والترمذي(4/132) والطبري في تفسيره (14/31) وأبو نعيم (10/281 -282) والسلمي في طبقات الصوفية ص156 والخطيب في تاريخه(7/242) والعقيلبي في الضعفاء (396) وأبو الشيخ في الأمثال (127) وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/337 /1-2) والمايليني في الأربعين الصوفية(3/1) من طرق عن عمرو بن قيس به وقال الترمذي " حديث غريب لانعرفه إلا من هذا الوجه "
قلت: معلول بثلاث علل:
__________
(1) فتح القدير 3/138
(2) التفسير الكبير 5/279
(3) تفسير أبى السعود 6/285 بحاشية التفسير الكبير.(1/212)
العلة الأولى: ضعف عطية وهو ابن سعد العوفي الكوفي قال أبو حاتم " يكتب حديثه ضعيف " وقال سالم المرادي " كان عطية يتشيع " وقال ابن معين " صالح " وقال أحمد " ضعيف الحديث " وكان هشيم يتكلم فيه وضعفه الثوري و النسائي وابن عدي والذهبي وقال ابن حبان" لا يكتب حديثه إلا على التعجب"(1)
العلة الثانية: تدليس عطية وهو شر أنواع التدليس فإنه يدلس تدليس التسوية قال أحمد:" بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنى بأبي سعيد فيقول قال أبو سعيد " قال الذهبي " يعني يوهم أنه الخدري "(2)
وذكره ابن حجر في الطبقة الرابعة من المدلسين وهم من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل وقال " ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح "(3) اهـ
العلة الثالثة: الإرسال فالصواب إرساله لا وصله قال العقيلي بعد أن رواه من طريق سفيان بن عمرو بن قيس الملائي قال:" كان يقال فذكره، قال هذا أولى "(4) وقال الخطيب:" وهو الصواب والأول وهم "(5) اهـ
- وأما حديث أبي أمامة فيرويه أبو صالح عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عنه به، أخرجه الطبراني وعنه أبو نعيم في الحلية(6/118) وابن عدي في الكامل(4/206) وابن نصر في الفوائد (2/229 /2) والخطيب في التاريخ (5/99) وابن عبد البر في الجامع (1/196) والضياء المقدسي في المنتقى من مسموعاته بمرو (32/2و127/2) من طرق.
__________
(1) انظر ترجمته في الكبير للبخاري 8/7 والميزان 3/79 وتهذيب التهذيب 5/591-592 والضعفاء للنسائي ص225
(2) الميزان 3/79
(3) تعريف أهل التقديس ص 130
(4) الضعفاء للعقيلي ص396
(5) تاريخ بغداد3/191(1/213)
وهذا الحديث ضعيف علته أبو صالح عبد الله بن صالح فإنه كثير الغلط فاحش الغفلة قال صالح جزرة:" كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث "وقال النسائي:" ليس بثقة " وقال ابن المديني:" لاأروي عنه شيئا " وقال ابن حبان:" كان في نفسه صدوقا إنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له وسمعت ابن خزيمة يقول كان له جار كان بينه وبينه عداوة كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله ويرميه في داره بين كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به " وقال ابن عدي:" هو عندي مستقيم الحديث إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه غلط ولا يتعمد " وقال أحمد بن حنبل:" كان أول أمره متماسكا ثم فسد بآخرة وليس هو بشيء يروي عن ليث عن ابن أبي ذئب ولم يسمع الليث من أبن أبي ذئب شيئا " (1) اهـ
وأما حديث أبي هريرة فيرويه أبو معاذ الصائغ عن الحسن عن أبي هريرة أخرجه أبو الشيخ ص 126 وابن بشران في مجلسين من الأمالي 210-211 وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 329 - 330) وقال:" لا يصح أبو معاذ هو سليمان بن أرقم متروك"
__________
(1) انظر ترجمته في الكامل 4/206 والميزان2/337 وتهذيب التهذيب 5/256 -261(1/214)
قلت: هو واه شديد الضعف آفته سليمان بن أرقم قال أحمد:" لا يساوي حديثه شيئا " وقال ابن معين:" ليس بشيء، ليس يساوي فلسا " وقال عمرو بن علي:"ليس بثقة روى أحاديث منكرة " وقال:" وقال: محمد بن عبد الله الأنصاري كانوا ينهوننا عنه ونحن شبان " وذكر عنه أمرا عظيما وقال البخاري:" تركوه وقال أبو داوود:" متروك الحديث وقال أبو حاتم والترمذي وابن خراش وغير واحد:" متروك الحديث " وقال أبو زرعة:" ضعيف الحديث ذاهب الحديث " وقال الجوزقاني:" ساقط " وقال ابن عدي:" عامة ما يرويه لا يتابع عليه " وقال أبو أحمد الحاكم والنسائي:" متروك الحديث" وقال مسلم في الكنى:" منكر الحديث "(1) اهـ
وأما حديث ابن عمر فيرويه فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عنه أخرجه ابن جرير في التفسير(24 - 32) وأبو نعيم في الحلية (4/ 94) وقال:" غريب من حديث ميمون لم نكتبه إلا من هذا الوجه ".
قلت: هذا الحديث شديد الضعف علته الفرات ابن السائب قال البخاري:" تركوه منكر الحديث " وقال ابن معين:" ليس بشيء " وقال الدارقطني وغيره:" متروك " وقال أحمد:" قريب من محمد بن زياد الطحان في ميمون يتهم بما يتهم به ذاك " قال النسائي وابن الجوزي:" متروك الحديث "(2)
وأما حديث ثوبان فيرويه سليمان بن سلمة ثنا مؤمل بن سعيد بن يوسف حدثنا أبو المعلى أسد بن وداعة الطائي قال حدثني وهب بن منبه عن طاووس عنه أخرجه ابن جرير (24/32) وأبو الشيخ في الأمثال 128 وطبقات الأصبهانيين (223-224) وأبو نعيم في الأربعين الصوفية (ق 62/ 1) والحلية (4/81).
قلت:" هذا الحديث منكر فيه ثلاث علل ".
__________
(1) انظر ترجمته في الكبير للبخاري 2/ 2 والميزان 2/154 وتهذيب التهذيبب 4/ 168 ـ 169
(2) انظر ترجمته في الكبير 7/ 130 والميزان 3/ 330 وضعفاء النسائي 226 والضعفاء الصغير للبخاري 98(1/215)
أسد بن وداعة شامي من صغار التابعين ناصبي يسب قال ابن معين:" كان هو وأزهر الحراني وجماعة يسبون عليا وقال النسائي ثقة "(1)
مؤمل بن سعيد قال فيه ابن أبي حاتم (4/1 /375) عن أبيه:" هو منكر الحديث وسليمان بن سلمة منكر الحديث ".
سليمان بن سلمة هو الخبائري تقدم قريبا قال ابن أبي حاتم:" هو منكر الحديث " وقال أيضا:" متروك لا يشتغل به " وقال ابن الجنيد:" كان يكذب ولا يحدث عنه " وقال النسائي:"ليس بشيء " وقال ابن عدي:" له غير حديث منكر " وقال الخطيب:" الخبائري مشهور بالضعف "، ذكر له الذهبي حديثا موضوعا (2) ويكفي حديث ثوبان ضعفا أن السيوطي ضعفه وأقره المناوي في فيض القدير (1/186) ويتحصل مما تقدم أن قول من قال أنه حديث حسن ليس بحسن فإنه إن لم يكن حكم ابن الجوزي عليه بالوضع صحيح فهو واه شديد الضعف.
وأما حديث أنس بن مالك بلفظ (( إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم )) أخرجه الطبراني في الأوسط (3086) والقضاعي (2/84) فليس شاهدا له لأنه يختلف عنه في اللفظ والمعنى ولأنه منكر مداره على أبي بشر المزلق عن ثابت عن أنس به وأبو بشر المزلق اسمه بكر بن الحكم التميمي جار حماد بن زيد قال أبو زرعة:" ليس بالقوي " قال الذهبي:" روى خبرا منكرا قاله أبو حاتم عن ثابت عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (( إن لله رجالا يعرفون الناس بالتوسم ))(3) " وقال ابن حجر:"صدوق فيه لين "(4) اهـ
وهكذا حكم عليه أبو حاتم الرازي والذهبي بأنه منكر والمنكر لا يعتبر به.
الوجه الرابع:
وأما القصص التي ذكرت في شأن الفراسة فلم تذكر لها أسانيد حتى ننظر في صحتها على أنه لا حجة في كلام البشر دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه الخامس:
__________
(1) الميزان 1/ 229
(2) انظر الكامل لابن عدي 3/ 293 و الميزان 2/ 164 ـ 165
(3) الميزان 1/ 353
(4) التقريب 65(1/216)
كثير من القصص التي ذكرت تتعلق بالتأمل في سنن الله الجارية في الكون والتي من خلالها يمكن الجزم ببعض الأمور المستقبلية كالجزم الآن بسقوط الحضارة الأمريكية.
الوجه السادس:
الفراسة ثلاثة أنواع:
أ - فراسة إيمانية وهي خاطر يهجم على القلب ينفي ما يضاده يثب على القلب كوثوب الأسد على الفريسة (1).
قلت: فالفراسة خواطر وأفكار ظنية تخمينية وليست أدلة مقطوعا بها ولذلك لا تثبت بها الأحكام الشرعية بإجماع المسلمين.
ب - فراسة الرياضة والجوع والسهر والتخلي فإن النفس إذا تجردت من العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر ولا تدل على إيمان ولا على ولاية وكثير من الجهال يغتر بها وللرهبان فيها وقائع معلومة(2).
ج - الفراسة الخلقية وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخلق على الخُلق لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله (3).
الوجه السابع:
أما إقسام بعض الناس على أمور لم تقع فليس له علاقة بالفراسة وإنما هي من باب (( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ))(4).
الوجه الثامن:
لم يثبت أحد من السلف الصالح حكما شرعيا واحدا بالفراسة عكس ما تلهجون به معاشر الصوفية.
قال الشاطبي:" وعلى هذا لو حصلت له مكاشفة بأن هذا المعين مغصوب أو نجس أو أن هذا الشاهد كاذب أو أن المال لزيد وقد تحصل بالحجة لعمرو أو ما أشبه ذلك فلا يصح له العمل على وفق ذلك ما لم يتعين سبب ظاهر فلا يجوز له الانتقال إلى التيمم ولا ترك قبول الشاهد ولا الشهادة بالمال لزيد على حال فإن الظواهر قد تعين فيها بحكم الشريعة أمر آخر فلا يتركها اعتمادا على مجرد المكاشفة أو الفراسة "(5) اهـ
الاحتجاج بالرؤى والمنامات
قال مفتاح التجاني:
__________
(1) مدارج السالكين3/ 360
(2) المرجع السابق 3/364
(3) المرجع السابق 3/ 365
(4) البخاري ح 2703 ومسلم ح 4374
(5) الموافقات 2/ 184(1/217)
" أما الرؤيا فقد ثبتت بنص القرآن ومتواتر السنة وثبت العمل بمقتضاها فيهما أما القرآن فدليلها منه قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: { يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } وقوله على لسان يعقوب عليه السلام: { يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين } ... إلخ " ص 44 اهـ
والرد عليه من واحد وعشرين وجها:
الوجه الأول:
هذه الآيات التي ذكرتها حول رؤيا الأنبياء وقياس غيرهم عليهم باطل لأنه قياس مع وجود الفارق لأن رؤيا الأنبياء وحي قال ابن القيم: " ورؤيا الأنبياء وحي فإنها معصومة من الشيطان وهذا باتفاق الأمة ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام وأما رؤيا غيرهم فتعرض على الوحي الصريح فإن وافقته وإلا لم يعمل بها "(1).
الوجه الثاني:
أنه لجهله إنما ذكر الآيات التي فيها رؤيا غير نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وجهل الآيات التي فيها رؤياه - صلى الله عليه وسلم - مثل { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } [ الإسراء 60 ] وفي الآية الأخرى { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله } [ الفتح 27 ]ونحو ذلك.
الوجه الثالث:
كل الآيات التي ذكر هي في الأنبياء السابقين والخلاف في شرع من قبلنا معروف لأن الله تعالى يقول: { ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } [ المائدة 48 ] أما الأحاديث فلم يذكر منها إلا اثنان:
حديث (( الرؤيا الصالحة جزء من ست وأربعين جزءا من النبوة )) وحديث (( لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات قال: الرؤيا الصالحة )) وهذا يدل على قصر باعه في علم الحديث.
الوجه الرابع:
__________
(1) مدارج السالكين 1/123(1/218)
الرؤيا الصالحة جزء من النبوة في حق الأنبياء فقط. قال أبو زرعة العراقي: " لا يتخيل من هذا الحديث أن رؤيا الصالح جزء من أجزاء النبوة فإن الرؤيا إنما هي من أجزاء النبوة في حق الأنبياء عليهم السلام وليست في حق غيرهم من أجزاء النبوة ولا يمكن أن يحصل لغير الأنبياء جزء من النبوة "(1) اهـ
الوجه الخامس:
إنما المعنى أن الرؤيا الواقعة للصالح تشبه الرؤيا الواقعة للأنبياء التي هي في حقهم جزء من أجزاء النبوة فأطلق أنها من أجزاء النبوة على طريق التشبيه (2).
الوجه السادس:
قال الخطابي:"وإنما كانت من أجزاء النبوة في حق الأنبياء صلوات الله عليهم دون غيرهم لأن الأنبياء صلوات الله عليهم يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة ثم قال وقال بعض أهل العلم معناه أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة "(3) اهـ
ورجح ابن حزم هذا القول قال " وهذا هو الأظهر والله أعلم ويكون خارجا على مقتضى ألفاظ الحديث بلا تأويل يتكلف " ورجحه أيضا ابن العربي "(4) اهـ
الوجه السابع:
__________
(1) طرح التثريب 8/214
(2) المرجع السابق.
(3) معالم السنن للخطابي 4/129
(4) الفصل لابن حزم 3/ 190 وعارضة الأحوذي 9/125(1/219)
الإجماع منعقد على أن الرؤيا لا تثبت الأحكام. قال العراقي:" قد يفهم من كون الرؤيا جزء من أجزاء النبوة ولم يذكر أنها جزء من الرسالة أنه لا يعتمد عليها في إثبات حكم وإن أفادت الاطلاع على غيب فشأن النبوة الاطلاع على الغيب وشأن الرسالة تبليغ الأحكام للمكلفين ويترتب على ذلك أنه لو أخبر صادق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم بحكم شرعي مخالف لما تقرر في الشريعة لم نعتمده وذكر بعضهم أن سبب ذلك نقص الرائى لعدم ضبطه وقد حكي عن القاضي حسين أن شخصا قال له ليلة شك رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال لي صم غدا أو نحو ذلك فقال له القاضي: قد قال لنا في اليقظة لا تصوموا غدا فنحن نعتمد ذلك أو ما هذا معناه " اهـ.
وحكى القاضي عياض الإجماع على عدم اعتماد المنام في ذلك.(1)
الوجه الثامن:
والرؤيا لا تكون لبيان الأحكام الشرعية بل للبشارة في الغالب قال - صلى الله عليه وسلم -: (( لم يبق من النبوة إلا المبشرات )) قالوا: وما المبشرات: (( الرؤيا الصالحة )) (2)
الوجه التاسع:
الرؤيا منها ما هو رحماني ومنها ما هو نفساني ومنها ما هو شيطاني قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( الرؤيا ثلاث:حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله ))(3) متفق عليه واللفظ للبخاري وعليه فلا اعتبار إلا لنوع واحد منها.
الوجه العاشر:
__________
(1) طرح التثريب 8/215
(2) الموطأ 2/957 والبخاري في التعبير باب المبشرات ح (6990 ) بنحوه
(3) البخاري في التعبير باب القيد في المنام (7017) بنحوه ومسلم برقم( 2263)(1/220)
قال عبد العزيز بن ناصر الجليل: " ينبغي الحذر من تلاعب الشيطان بالناس في رؤيا المنامات فكم ضل أفراد بل أقوام بسبب الرؤيا في النوم فعطلت أحكام واتخذت مواقف بنيت عليه أعمال ما أنزل الله بها من سلطان بل واعتدي بسببها على معصومين كل ذلك بسبب رؤيا في النوم من ورائها الشيطان في غالب الأحيان وقد يبرم الشيطان كيده وألاعيبه مع ذريته في نشر رؤيا واحدة بين فئام من الناس حتى تتواطأ رؤياهم فلا يشكون بصدقها فيعملون بها ويبنون عليها مواقف وهذا حاصل مشاهد "(1) اهـ
الوجه الحادي عشر:
قال الشاطبي: " وأضعف هؤلاء احتجاجا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المقامات وأقبلوا وأعرضوا بسببها فيقولون رأينا فلانا الرجل الصالح فقال لنا اتركوا كذا واعملوا كذا ويتفق مثل هذا كثيرا للمتمرسين برسم التصوف وربما قال بعضهم رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فقال لي كذا وأمرني بكذا فيعمل بها ويترك بها معرضا عن الحدود الموضوعة في الشريعة وهو خطأ لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعا على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا "(2) اهـ
الوجه الثاني عشر:
__________
(1) هامش مدارج السالكين 1/124
(2) الإعتصام للشاطبي 1/189(1/221)
وقد كمل الدين بنزول { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } [ المائدة 3 ] فلا يحتاج إلى رؤيا ولا غيرها ولا تقبل أيضا إن غيرت ما كان مستقرا في الشرع لو قال الشخص أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الشاطبي: " وأما الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرائي بالحكم فلا بد من النظر فيها أيضا لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته فالحكم بما استقر وإن أخبر مخالف فمحال لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته لأن الدين لا يتوقف استقراره بعد موته على حصول المرائى النومية لأن ذلك باطل بالإجماع فمن رأى شيئا من ذلك فلا عمل عليه وعند ذلك نقول إن رؤياه غير صحيحة إذ لو رآه حقا لم يخبره بما يخالف الشرع "(1) اهـ
الوجه الثالث عشر:
قال محمد أفندي الرومي في كتابه الطريقة المحمدية حاكيا عن الصوفية: " وأنا إذا صدر منا مكروه أو حرام نبهنا بالنوم بالرؤيا فنعرف بها الحلال والحرام وإنما فعلنا مما قلتم أنه حرام لم ننه عنه في المنام فعلمنا أنه حلال قال: ونحو هذا من الترهات كله إلحاد وضلال إذ فيه ازدراء للشريعة الحنيفية والكتاب والسنة النبوية وعدم الاعتماد عليهما وتجويز الخطأ والبطلان فيهما العياذ بالله فالواجب على كل من سمع مثل هذه الأقاويل الباطلة الانكار على قائله والجزم ببطلان مقاله بلا شك ولا تردد ولا توقف ولا تلبث وإلا فهو من جملتهم فيحكم بالزندقة عليهم " (2) اهـ
الوجه الرابع عشر:
__________
(1) الاعتصام 1/191
(2) الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية 162 ـ 164(1/222)
وقال عبد الغني النابلسي في شرحه لهذا الموضع: " وهذا القول من غلبة الجهل عليهم وفساد عقولهم لأنهم في أحكام شريعتهم يتكلون على ما يرونه في مناماتهم من الخيالات الشيطانية والوساوس النفسانية لعدم اعتنائهم بالحلال والحرام ورفضهم بالكلية لشرائع الإسلام " (1) اهـ
الوجه الخامس عشر:
وأعلم أن رؤيا أهل الكفر والفسوق والعصيان لا تنسب إلى النبوة لقوله في الحديث (( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح )) قال القاضي أبو بكر بن العربي: " رؤيا المؤمن الصالح هي التي تنسب إلى أجزاء النبوة ومعنى صلاحها استقامتها وانتظامها قال وعندي أن رؤيا الفاسق لا تعد في أجزاء النبوة " (2) اهـ
قلت: وأي كفر وفسوق بعد القول بوحدة الوجود ومحبة الله للكفار وإنكار الوعيد وتفضيل كلام البشر على كلام خالق البشر.... إلخ
الوجه السادس عشر:
قال سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم: " وكذا من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم يأمره وينهاه لا يجوز اعتماده وإن كان من رآه في النوم فقد رآه حقا وإن كان على غير صفته المعروفة في الدنيا عند الجمهور لعدم ضبط الرائى"(3) اهـ
الوجه السابع عشر:
قال آب بن اخطور الشنقيطي في معرض كلامه على الإلهام: " والحق فيه ما ذكره المؤلف من أنه ينبذ بالعراء أي يلغى ويطرح بالفضاء إذ لا يثبت الشرع إلا بدليل ومثل الإلهام ما لو رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يامره أو ينهاه في النوم لأن النائم لا يضبط "(4) اهـ
الوجه الثامن عشر:
__________
(1) الحديقة الندية ص 162
(2) عارضة الأحوذي 9/127
(3) نشر البنود 2/170
(4) نثر الورود 2/576(1/223)
الاحتجاج بالرؤيا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - طعن في كمال الدين واستدراك على رب العالمين قال الشوكاني: " ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا - صلى الله عليه وسلم - قد كمله الله عز وجل وقال: { اليوم أكملت لكم دينكم } ولم يأتنا دليل يدل على أن رؤيته في النوم بعد موته - صلى الله عليه وسلم - إذا قال فيها بقول أو فعل فيها فعلا يكون دليلا وحجة بل قبضه الله إليه عند أن كمل لهذه الأمة ما شرعه لها على لسانه ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة فى أمر دينها وقد انقطعت البعثة لتبليغ الشرائع وتبيينها بالموت وإن كان رسولا حيا وميتا وبهذا تعلم أن لو قدرنا ضبط النائم لم يكن ما رآه من قوله - صلى الله عليه وسلم - أو فعله حجة عليه ولا على غيره من الأمة " (1) اهـ
الوجه التاسع عشر:
أن الرؤيا تحتاج إلى تعبير غالبا ولا يمكن أن يجزم بالتأويل الصحيح على سبيل القطع إلا بالنسبة للأنبياء قال العلامة رشيد رضا: " والرؤى صور حسية في الخيال تذهب الآراء والأفكار في تعبيرها مذاهب شتى قلما يعرف تأويل الصادق منها غير الأنبياء كرؤيا ملك مصر التي عبرها يوسف عليه السلام ورؤياه هو في صغره " (2) اهـ
الوجه العشرون:
قال الشاطبي: " ومن أمثلة ذلك مسألة سئل عنها ابن رشد في حاكم شهد عنده عدلان مشهوران بالعدالة في أمر فرأى الحاكم في منامه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له لا تحكم بهذه الشهادة فإنها باطل فمثل هذا من الرؤيا لا معتبر بها في أمر ولا نهي ولا بشارة ولا نذارة لأنها تخرم قاعدة من قواعد الشريعة وكذلك سائر ما يأتى من هذا النوع "(3) اهـ
الإلهام ليس حجة شرعية
قال مفتاح التجاني:
__________
(1) إرشاد الفحول ص 416
(2) تفسير المنار 11/150
(3) الموافقات 2/183-184(1/224)
" وأما الإلهام فدليله من القرآن قوله تعالى: { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } قال القرطبي ج 13 ص 259 كان إلهاما قال وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية وقال ابن كثير ج 2 ص 78 الذى عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبيا إلا من الرجال { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى } وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله على ذلك الإجماع...." إلخ ص 45
والرد عليه من ثمانية عشر وجها:
الوجه الأول:
كل ما قلته من كلام في هذا الموضوع فهو حول إثبات الإلهام وهذا لا نزاع فيه أصلا وإنما النزاع في الاحتجاج به لكنك عند ما لم تجد دليلا على حجيته لجأت كعادتك على ما لا علاقة له بالموضوع.
الوجه الثاني:
عامة أهل العلم على أن الإلهام ليس بحجة في دين الله قال العلامة تاج الدين السبكي " الإلهام إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر يخص به الله تعالى بعض أوليائه وليس بحجة لعدم ثقة من ليس معصوما بخواطره خلافا لبعض الصوفية " (1)؛ قلت وقد نقله القسطلاني محتجا به ومقررا له. (2)
الوجه الثالث:
قال سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم في المراقي:
وينبذ الإلهام بالعراء أعني به إلهام الأولياء
وقال في الشرح: والإلهام إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر من غير استدلال بآية ولا نظر في حجة يخص به الله تعالى بعض أصفيائه وليس بحجة لعدم ثقة من ليس معصوما بخواطره لأنه لا يأمن دسيسة الشيطان فيها وهذا هو معنى قولنا " وينبذ الإلهام " البيت (3)
الوجه الرابع:
__________
(1) جمع الجوامع في أصول الفقه ص 111
(2) المواهب اللدنية( 2/300 )
(3) نشر البنود ( 2/170 )(1/225)
قال الشيخ آبّ بن اخطور الشنقيطي في شرح هذا البيت: " يعني أن الإلهام ليس بحجة لعدم الثقة بإلهام من ليس معصوما فلا تؤمن دسيسة الشيطان فيه والنبذ الطرح والإلغاء والعراء الأرض التي لا نبات فيها ولا شجر والإلهام إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر من غير استدلال يخص الله به من شاء والحق فيه ما ذكره المؤلف من أنه ينبذ بالعراء أي يلغي ويطرح بالفضاء إذ لا يثبت الشرع إلا بدليل " (1)
قال عند قول المصنف:
" لا يحكم الولي بلا بدليل من النصوص ومن التأويل
هذا البيت بين فيه المؤلف نبذ إلهام الأولياء بالعراء فبين أن معناه أنهم لا يحكمون أي لا يثبتون حكما من أحكام الله تعالى إلا بدليل من الأدلة الشرعية من نص صريح أو مؤول غير ذلك لانعقاد الإجماع على ان الأحكام الشرعية لا تعرف إلا بأدلتها وقد كان - صلى الله عليه وسلم - ينتظر الوحي فيما لم يرد عليه فيه نص " (2)
الوجه الخامس:
وقد كان الأكثرون من الصوفية لا يحتجون بالإلهام حتى قال الشاذلي: " ضمنت لنا العصمة في الشريعة ولم تضمن لنا في الخواطر " (3)
الوجه السادس:
قال صاحب الطريقة المحمدية: " وقد صرح العلماء بأن الإلهام ليس من أسباب المعرفة بالأحكام " (4)
الوجه السابع:
قال في شرح مرقاة الوصول: " إن إلهام النبي - صلى الله عليه وسلم - وحي بأن يريه الله تعالى بنوره كما قال تعالى { لتحكم بين الناس بما أراك الله } وهو حجة منه لأمته يجب عليهم اتباعه بخلاف إلهام الأولياء فإنه لا يكون حجة على غيره.(5)
الوجه الثامن:
في شرح العقائد للتفتزانى: " والإلهام المفسر بإلقاء معنى في القلب بطريق الفيض ليس من أسباب المعرفة بصحة الشيء عند أهل الحق " (6)
الوجه التاسع:
__________
(1) نثر الورود شرح مراقي السعود ( 2/576 )
(2) المرجع السابق ( 2/577 )
(3) نشر البنود (2/170 )
(4) الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية ص 164
(5) المرجع السابق ص 164
(6) الحديقة الندية ص 164(1/226)
قال صاحب الحديقة الندية وهو من أكابر الصوفية: " فأعلم أن الإلهام ليس حجة عند علماء الظاهر والباطن بحيث تثبت به الأحكام الشرعية فيستغنون بذلك عن النقل من الكتاب والسنة، بل هو طريق صحيح لفهم معاني الكتاب والسنة عند المحققين من علماء الباطن بعد تصحيح العمل على مقتضى ما فهم بالاجتهاد من معاني الكتاب والسنة وإلا كان وسوسة شيطانية لا يجوز العمل به"(1)
الوجه العاشر:
ثم ما يلقى في قلب الملهم ليس محققا من كونه من عند الله تعالى قال ابن القيم: " فمن أين للمخاطب أن هذا خطاب رحماني أو ملكي ؟ بأي برهان أو بأي دليل ؟ والشيطان يقذف في النفس وحيه ويلقي في السمع خطابه فيقول المغرور المخدوع " قيل لي وخوطبت " صدقت لكن الشأن في القائل لك والمخاطب وقد قال عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - لغيلان بن سلمة وهو من الصحابة لما طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه " إني لأظن الشيطان - فيما يسترق من السمع - سمع بموتك فقذفه في نفسك " فمن يأمن القراء بعدك يا شهر " (2)
الوجه الحادي عشر:
قال الشوكاني: " ثم على تقدير الاستدلال لثبوت الإلهام بمثل ما تقدم من الأدلة من أين لنا أن دعوى هذا الفرد لحصول الإلهام له صحيحة وما الدليل على أن قلبه من القلوب التي ليست بموسوسة ولا بمتساهلة " (3)
الوجه الثاني عشر:
إذا عرفت أن الإلهام ليس حجة شرعية فلا بد إذن لصاحبه من رده إلى كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن حجر العسقلاني: " إن المحدث منهم إذا تحقق وجوده لا يحكم بما وقع له بل لا بد له من عرضه على القرآن فإن وافقه أو وافق السنة عمل به وإلا تركه ". (4)
الوجه الثالث عشر:
__________
(1) المرجع السابق ص 165
(2) مدارج السالكين ( 1/114 )
(3) إرشاد الفحول ص 415
(4) فتح الباري ( 3/1670 )(1/227)
أن كثيرا مما يسميه الصوفية إلهام إلهي إنما هو خطاب حالي نفسي قال شمس الدين ابن القيم في كلامه على الإلهام: " النوع الثالث خطاب حالي تكون بدايته من النفس وعوده إليها فيتوهمه من خارج وإنما هو من نفسه منها بدأ وإليها يعود وهذا كثيرا ما يعرض للسالك فيغلط فيه ويعتقد أنه خطاب من الله كلمه به منه إليه "(1)
الوجه الرابع عشر:
لقد أثبت الطب النفسي المعاصر أن كثيرا مما تدعيه النصرانية والصوفية من الإلهامات أنه أمراض نفسية قال عبد العزيز بن ناصر الجليل: " وقد تكون أيضا نتاج مرض نفسي ألم بهذه النفوس فتخيلت ما لم يكن موجودا وهذا ما أثبته الطب النفسي المعاصر وأنه عرض من أعراض ما يسمى بانفصام الشخصية " (2)
الوجه الخامس عشر:
واعلم أن الصوفية إنما يتشبثون بالإلهام لأنهم يجعلونه وسيلة إلى قولهم بوحدة الوجود قال ابن القيم: وحاصل هذا الإلهام أنه إلهام ترتفع معه الوسائط وتضمحل وتعدم لكن في الشهود لا في الوجود وأما الاتحادية القائلون بوحدة الوجود فإنهم يجعلون ذلك اضمحلالا وعدما في الوجود " (3)
الوجه السادس عشر:
قال آب بن اخطور الشنقيطي: " وما يستدل به بعض الجهلة ممن يدعي التصوف على اعتبار الإلهام من ظواهر بعض النصوص كحديث (( استفت قلبك وإن أفتاك وأفتوك )) لا دليل فيه البتة على اعتبار الإلهام " (4)
الوجه السابع عشر:
قال الشاطبي: " فالاعتبارات الغيبية مهملة بحسب الأوامر والنواهي الشرعية ومن هنا لم يعبأ الناس من الأولياء وغيرهم بكل كشف أو خطاب خالف المشروع بل عدوا أنه من الشيطان "(5) اهـ
الوجه الثامن عشر:
__________
(1) مدارج السالكين ( 1/115 )
(2) المرجع السابق هامش ( 1/116 )
(3) المرجع السابق ( 1/119 )
(4) أضواء البيان 4/124
(5) الموافقات 2/188(1/228)
لو قلنا بحجية الإلهام لكان حاكما على الشرع والشريعة حاكمة لا محكومة قال الشاطبي:" الثاني أن الشريعة حاكمة لا محكوم عليها فلو كان ما يقع من الخوارق والأمور الغيبية حاكما عليها بتخصيص عموم أو تقييد إطلاق أو تأويل ظاهر أو ما أشبه ذلك لكان غيرها حاكما عليها وصارت هي محكوما عليها بغيرها وذلك باطل باتفاق فكذلك ما يلزم منه " (1)
خرافة العلم اللدني حيلة لإلغاء الشرع
قال مفتاح التجاني:
" وأما قول هذا المعترض: هل يمكن أن تستغني عن الرسل وتأخذ العلم عن الله مباشرة مع أن الله يقول: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } الآية واعتراضه على ما نقله علي حرازم في جواهر المعاني ج 1 ص 12 عن الشيخ محيى الدين بن عربي أنه كتب إلى الشيخ فخر الدين الرازي صاحب التفسير رسالة يقول فيها " اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك أن الرجل لا يكمل في مقام العلم حتى يكون علمه عن الله عز وجل بلا واسطة من نقل أو شيخ، فإن من كان علمه مستفادا من نقل أو شيخ فما برح من الأخذ عن المحدثات إلى أن قال له فيها: وكان الشيخ الكامل أبو يزيد البسطامي - رضي الله عنه - يقول لعلماء عصره " أخذتم علمكم من علماء الرسوم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت " واعتراضه أيضا على قول الشيخ التجاني في جواهر المعاني ج 1 ص 153 قيل إن أبا يزيد باسطه الحق في بعض مباسطاته فقال له يا عبد السوء لو أخبرت الناس بمساويك لرجموك بالحجارة فقال له: وعزتك لو أخبرت الناس بما كشفت لي من سعة رحمتك لما عبدك أحد فقال لا تفعل فسكت " اهـ ص 48.
__________
(1) المرجع السابق 2/190 ـ 191(1/229)
إلى أن قال مفتاح التجاني: " ثالثها أن المحققين من فهماء العلماء وصلت عقولهم إلى أن العلم ينقسم إلى أربعة أقسام: علم الرواية وقد فاز به الحفاظ وعلم الدراية وقد فاز به الفقهاء وعلم النظر والقياس والاستنباط وقد فاز به المجتهدون وعلم المكافحة وهو العلم اللدني الذي يفيضه الله على قلوب أوليائه المقربين من غير واسطة مشهودة " اهـ ص 50
والرد عليه من اثنا عشر وجها:
الوجه الأول:
كل شيء في جواهر المعاني فهو كلام التجاني وهو ملزم به لأن على حرازم لما كتب أجازه التجانى بل تدعون معشر التجانيين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجازه واعتمده ونسبه إلى نفسه وهذا الكلام نقله في جواهر المعاني مقررا له ومستدلا به. قال في بغية المستفيد: " وبعد أن فرغ منه - يعني جواهر المعاني- أحضره بين يديه يعني التجاني - وأجازه في سائر ما فيه وكتب له بخط يده المباركة أوله وآخره بذلك في مسجد الديوان " (1) اهـ
وقال في بغية المستفيد أيضا: " ومما بلغنا في فضل هذا الكتاب عن سيدنا - رضي الله عنه - أن سيد الوجود - صلى الله عليه وسلم - نسبه إليه فقال فيه كتابي هذا وأنا ألفته " (2) اهـ
وفي كشف الحجاب " ولم يؤلفه - رضي الله عنه - إلا بعد إذنه - صلى الله عليه وسلم - له فيه " (3) اهـ
الوجه الثاني:
__________
(1) بغية المستفيد ص 183
(2) المرجع السابق
(3) كشف الحجاب ص 71(1/230)
لقد حذفت من وسط كلام صاحب جواهر المعاني ما فيه الحجة الدامغة عليك حيث حذفت بعد قوله: " فما برح الأخذ عن المحدثات... ما نصه: " وذلك معلوم عند أهل الله عز وجل ومن قطع عمره في معرفة المحدثات وتفصيلها فإنه حظه من ربه عز وجل لأن العلوم المتعلقة بالمحدثات يفنى الرجل فيها ولا يبلغ إلى حقيقتها ولو أنك يا أخى سلكت على يد شيخ من أهل الله عز وجل لأوصلك حضرة شهود الحق تعالى فتأخذ منه العلم بالأمور عن طريق الإلهام الصحيح من غير تعب ولا نصب ولا سهر كما أخذه الخضر عليه السلام فلا علم إلا ما كان عن كشف وشهود لا عن نظر وفكر وظن وتخمين وكان الشيخ الكامل أبو يزيد البسطامي..."(1) إلخ ما تقدم .
فانظر إلى الكذب والخيانة والخديعة التي وقعت فيها وإن تعجب فعجب قول شيخه الذي حذفه " فلا علم إلا ما كان عن كشف... إلى آخره. فهل يقول هذا مؤمن بالرسل والكتب ؟!!
العلم للرجل اللبيب زيادة
... ...
ونقيصة للأحمق الطياش
مثل النهار يزيد أبصار الورى
... ...
نورا ويعمى أعين الخفاش
الوجه الثالث:
وإليك أخي القارئ الكريم أمثلة على ادعائهم للوحي من نصوص كلام التجاني:
أ - قال التجاني: " الأمر العام الذي كان يأتيه عاما للأمة طوي بساط ذلك بموته - صلى الله عليه وسلم - وبقي الأمر الخاص الذي كان يلقيه للخاص فإن ذلك في حياته وبعد مماته دائما لا ينقطع " (2) اهـ
فانظر كيف جعل الشرع للعوام وجعل لهم شرعا خاصا بهم.
__________
(1) جواهر المعاني 1/14 ـ 15
(2) جواهر المعاني 1/103(1/231)
ب - قال التجاني: " وأما أصحاب باطن الألوهية وهم الصديقون فوحيه إليهم أن كشف لهم أحوال الغيب جهارا وأسمعهم سبحانه وتعالى لذة مساررته لهم لتبدي حقائق تلك الأسرار لكن وإن بلغوا ما بلغوا من وحي الله إليهم تقصر رتبتهم عن مرتبة الأقطاب كما أن الأقطاب وإن بلغوا ما بلغوا من وحي الله إليهم تقتصر مرتبتهم عن مرتبة النبيين عليه الصلاة والسلام "(1) اهـ
ج - وقال التجاني: " ومن الوحي أيضا ما يكون بالنظر في مراتب الأسماء والصفات وما تستحقه من الخواص فيأخذ منها فيضا إلهيا ووحيا ربانيا يعلم به حكم الغيب وصريح الأمر الإلهي ومن الوحي ما يكون بطريق الورود يرد عليه الوارد في حضرته من عند الله تعالى في منزلة الرسول من عنده فيلقى إليه ما يلقى من التعريفات والأسرار والعلوم وكشف الغيوب وتحقيق الأمر " (2) اهـ فانظر كيف جعلوا أنفسهم في الوحي في منزلة الرسول أليس هذا هو ادعاء النبوة بصريح العبارة يا عباد الله ؟
د - وقال التجاني: " اعلم أن عند الصديق بل عند كل صديق من العلم القطعي من عند الله بطريق الوحي التحقيقي بما أفاض عليه من العلوم وعرفه من حقائقها "(3) اهـ
بهذه النصوص الصريحة يتبين لكل أحد ما هم عليه من ادعاء النبوة حيث يدعون الوحي إليهم وحصولهم على العلم من غير طريق رسول - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه الرابع:
__________
(1) المصدر السابق 1/203- 204
(2) المصدر السابق 1/204
(3) المصدر السابق 1/ 215(1/232)
قال القرطبي قال شيخنا أبو العباس: " ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق لا تلزم منه الأحكام الشرعية فقالوا هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها الأنبياء والعامة وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم وقالوا وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار فتتجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون أحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم عما كان عند موسي من تلك الفهوم وقد جاء فيما ينقلون " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " قال شيخنا - رضي الله عنه -: وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب لأنه إنكار ما علم من الشرائع فإن الله تعالى قد أجرى سنته وانفذ حكمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه وهم المبلغون عنه رسالتهم وكلامه المبينون شرائعه وأحكامه اختارهم لذلك وخصهم بما هنالك كما قال تعالى: { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير } وقال تعالى: { الله أعلم حيث يجعل رسالته } وقال تعالى: { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيئين مبشرين ومنذرين } إلى غير ذلك من الآيات وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي واليقين الضروري وإجماع السلف والخلف على أن لا طريق إلى معرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل فمن قال إن هنالك طريق أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل حتى يستغني عن الرسل فهو كافر يقتل ولا يستتاب ولا يحتاج معه إلى سؤال وجواب ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله فلا نبي بعده ولا رسول وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه وأن ما يقع فيه حكم الله تعالى(1/233)
وأنه يعمل بمقتضاه وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة فإن هذا نحو ما قاله - صلى الله عليه وسلم -:" إن روح القدس نفث في روعي.... " اهـ (1)
الوجه الخامس:
قال البقاعي: " ومن يعتقد أن لأحد من الخلق طريقا إلى الله من غير متابعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر من أولياء الشيطان بالاجماع فإن رسالته - صلى الله عليه وسلم - عامة ودعوته شاملة " (2)
الوجه السادس:
قال ابن حجر العسقلاني: " ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة فقالوا: إنه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية العامة تختص بالعامة والأغبياء أما الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم... إلى أن قال نقلا عن أبي العباس القرطبي: وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال: أنا لا آخذ عن الموتى وإنما آخذ عن الحي الذي لا يموت وكذا قال آخر أنا آخذ عن قلبي عن ربي وكل ذلك كفر باتفاق أهل الشرائع ونسأل الله الهداية والتوفيق ". (3)
الوجه السابع:
__________
(1) تفسير القرطبي 11/40 ـ41 وعنه الشنقيطي في أضواء البيان 4/ 123 ـ 124
(2) مصرع التصوف ص 24
(3) فتح الباري 1/351(1/234)
قال القسطلاني: " وأما قصة موسى مع الخضر فالتعلق بها في تجويز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني إلحاد وكفر يخرج عن الإسلام، موجب لإراقة الدم والفرق أن موسى عليه السلام لم يكن مبعوثا إلى الخضر ولم يكن الخضر مأمورا بمتابعته ولو كان مأمورا بها لوجب عليه أن يهاجر إلى موسى ويكون معه ولهذا قال له: أنت موسى بني إسرائيل قال نعم، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - مبعوث إلى جميع الثقلين فرسالته عامة للجن والإنس في كل زمان ولو كان موسى وعيسى حيين لكانا من أتباعه. فمن ادعى أنه مع محمد كالخضر مع موسى أو جوز ذلك لأحد من الأمة فليجدد إسلامه وليشهد بشهادة الحق فإنه مفارق لدين الإسلام بالكلية فضلا عن أن يكون من خاصة أولياء الله تعالى وإنما هو من أولياء الشيطان وحلفائه ونوابه " (1)
الوجه الثامن:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن ادعى أن من الأولياء الذين بلغتهم رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - من له طريق إلى الله لا يحتاج فيه إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فهذا كافر ملحد وإذا قال أنا محتاج إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - في علم الظاهر دون علم الباطن أو علم الشريعة دون علم الحقيقة فهو شر من اليهود والنصارى "(2) اهـ
قال أيضا: " ومن اعتقد أن في أولياء الله من لا يجب عليه اتباع المرسلين وطاعتهم فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل مثل من يعتقد أن في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من يستغني عن متابعته كما استغنى الخضر عن متابعة موسى فإن موسى لم تكن دعوته عامة بخلاف محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه مبعوث إلى كل أحد فيجب على كل أحد متابعة أمره "(3) اهـ
الوجه التاسع:
__________
(1) المواهب اللدنية 2/492- 493
(2) مجموع الفتاوى 11/225
(3) مجموع الفتاوى 4 /318(1/235)
قال القاضي عياض المالكي: "... أو من ادعى النبوة لنفسه أو جوز اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها كالفلاسفة وغلاة المتصوفة وكذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة أو أنه يصعد إلى السماء ويدخل الجنة ويأكل من ثمارها ويعانق الحور العين فهؤلاء كلهم كفار مكذبون للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه خاتم النبيين لا نبي بعده وأخبر عنه الله تعالى أنه خاتم النبيين وأنه أرسل كافة للناس؛ وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره وأن مفهومه المراد منه دون تأويل ولا تخصيص فلا شك في كفر هؤلاء الطوائف كلها قطعا اجماعا وسمعا "(1) اهـ
الوجه العاشر:
قال محمد عليش المالكي: " ويكفر إن جوز اكتساب النبوة بتصفية القلب وتهذيب النفس والجد في العبادة لاستلزامه جوازها بعد سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وتوهين ما جاء به الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم"(2) اهـ
الوجه الحادي عشر:
وقال الشربينى: " من نفى الرسل بأن قال لم يرسلهم الله أو نفى نبوة نبي أو ادعى النبوة بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أو صدق مدعيها أو قال النبوة مكتسبة أو تنال رتبتها بصفاء القلوب أو أوحى إليه ولم يدع النبوة... فقد كفر "(3) اهـ
الوجه الثاني عشر:
__________
(1) انظر الشفاء 2/586-587
(2) منح الجليل شرح مختصر خليل 4/464 وانظر حاشية الدسوقي 4/269 والشرح الصغير للدردير 6/149
(3) مغني المحتاج 4/135 بتصرف وانظر نهاية المحتاج للرملي 7/395(1/236)
قال محمد أفندي الرومي ممزوجا بكلام الشارح عبد الغني النابلسي الدمشقي ما نصه: " (فإن حصل لنا) بفتوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قناعة) أي اكتفاء (فيها) أي فقد رضينا بها (وإلا) أي وإن لم يحصل لنا قناعة بذلك (رجعنا) في تلك المسألة (إلى الله تعالى بالذات) تأكيد لاسم الجلالة... (فنأخذ) حكم تلك المسألة التي اشكلت علينا (منه) سبحانه بلا واسطة أحد وهذا القول كفر أيضا لا محالة بالاجماع من وجوه الأول التصريح بعدم الدخول تحت أحكام الكتاب والسنة مع وجود شروط التكليف بذلك من العقل والبلوغ ووصول الدعوة والكون في دار الإسلام ومنها التصريح بعدم قبول قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفتاه في حكم من الأحكام وأنه مخير فيه إن شاء قبله وإن شاء رده ومنها دعوى تلقى الأحكام الشرعية من الله تعالى بلا واسطة نبي وذلك دعوى نبوة "(1) اهـ
رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة مستحيلة عقلا وشرعا
قال مفتاح التجاني:
" وأما اعتراض هذا الجاهل المغرض على قول الشيخ التجاني - رضي الله عنه - في جواهر المعاني ج 1 ص 114 " ثم أمرني بالرجوع إلى صلاة الفاتح لما أغلق فلما أمرني بالرجوع إليها سألته - صلى الله عليه وسلم - عن فضلها؛ فالجواب عنه أن ما ثبت بنص القرآن ومتواتر السنة من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنبياء ليلة أسري به ونصيحة موسى له بطلب التخفيف عن أمته ونصيحة إبراهيم الخليل له بأن يأمر أمته بالاكثار من الحوقلة أصل أصيل فيما يقع للأولياء الورثة المحمديين من الإجتماع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة وأخذ العلوم عنه في حياته البرزخية " اهـ ص 51 .
والرد عليه من اثنا عشر وجها:
الوجه الأول:
__________
(1) الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية ص 158.(1/237)
اعلم أن رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته لم يقل بها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أتباع التابعين ولا من بعدهم من الأئمة المجتهدين ولا أحد من المسلمين إلا ثلة قليلة من غلاة المتصوفة القائلين بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود فخالفوا إجماع الأمة خلفا عن سلف قال القاضي أبو بكر بن العربي: " ووغلا صالح فيه فقال كل الرؤيا والرؤية بعين الرأس حقيقة وهذا حماقة " (1)
الوجه الثاني:
رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد وفاته مستحيل شرعا من عدة وجوه:
1 - أنه - صلى الله عليه وسلم - قد مات فادعاء حياته بعد موته قبل البعث تكذيب لقوله تعالى: { إنك ميت وإنهم ميتون } [ الزمر 30 ] وقوله تعالى: { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } [ الأنبياء 95 ].
2 - إذا كان يحيا لكل شخص ممن ادعى رؤيته فسوف يموت موتات كثيرة ويحيى عدة مرات وهذا مخالف لقوله تعالى { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } [ البقر 28 ]. ولا يتعارض ذلك مع حياة الأنبياء في قبورهم فإن تلك حياة برزخية تختلف عن هذه الحياة الدنيوية وهي من الغيب والغيب لا يكيف قال العلامة محمد رشيد رضا: " والحق أن كل ما ورد في حياة الشهداء والأنبياء بعد الموت فهو من أخبار الغيب التي لا يقاس عليها ولا يتعدى فيها ما صح منها عن المعصوم باجماع علماء المسلمين " (2) اهـ
3 - أنه قال في الحديث (( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة )) (3) وقد رآه ملايين البشر من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين في المنام ولم يدع أحد منهم أنه رآه في اليقظة فحمل الحديث على الرؤية في اليقظة في الدنيا يؤدي إلى تكذيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتلك غاية الكفر والإلحاد.
__________
(1) عارضة الأحوذي 9/130
(2) تفسير المنار 11/432
(3) البخاري ح ( 6993 ) ومسلم ( 266)(1/238)
قال ابن حجر العسقلاني: " ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف "(1) اهـ
4 - القول برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة والأخذ عنه بعد موته يستلزم وصفه - صلى الله عليه وسلم - بالتقصير في نصح الأمة وتبليغها وإصلاح أمرها لأنه لم يأت لمحاصري دار عثمان فينهاهم كما لم يرشد الصحابة في وقعة الجمل وصفين وتركهم يتقاتلون ولو رأوه يقظة لتوقفوا عن ذلك وكذلك ما خرج لجيش بني أمية في وقعة الحرة فينهاهم إلى غير ذلك من الحوادث العظيمة والخطوب الجليلة.
الوجه الثالث:
القول برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته مستحيل عقلا قال القرطبي: " وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانيين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من المعقول وملتزم شيء من ذلك مختل مخبول " (2) اهـ
الوجه الرابع:
وأما تعلقه بحادثة الإسراء والمعراج فمردود من وجهين:
أ - الإسراء والمعراج كانا معجزتين للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة لا يقاس عليه غيره من الأنبياء أحرى من دونهم.
ب - أن هذه المسألة من باب العقائد وهي توقيفية لا يدخلها القياس.
الوجه الخامس:
__________
(1) فتح الباري 3/3124
(2) فتح الباري 3/3123 والمواهب اللدنية 3/399(1/239)
وأما تعلقه بحديث (( من رآنى في المنام فسيراني في اليقظة ))(1) وفي رواية (( فقد رآني ))(2) وفي رواية (( من رآني فقد رأى الحق ))(3).
فمردود من وجوه:
أ - لا يمكن حمله على رؤيته يقظة في الدنيا لما تقدم من رؤية كثير من الناس له من عصر الصحابة إلى الآن في النوم ولم يره أحد منهم في اليقظة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الصادق المصدوق.
ب - قال ابن بطال قوله (( فسيراني في اليقظة )) يريد تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وخروجها على الحق " (4) وقد رجح هذا الوجه ابن حجر العسقلاني فقال: " والذي يظهر لي أن المراد (( من رآني في المنام )) على أي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه قد رأى الرؤيا الحق التي هي من الله لا الباطل الذي هو الحلم " ورجحه ابن العربي في العارضة (5). قلت ويؤيده رواية (( فقد رأى الحق )).
ج - وقال ابن التين " المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون بهذا مبشرا لكل من آمن به ولم يره أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته قاله القزاز " (6) اهـ
د - وقيل معنى الحديث أنه يراه يقظة في الآخرة وفي هذا بشارة لرائيه بحسن الخاتمة وهذا قول الدماميني ونصره محمد الخضر الشنقيطي (7) وتؤيده رواية (( فسيراني )).
هـ - وقيل أنه على التشبيه والتمثيل ويدل على ذلك رواية (( لكأنما رآني في اليقظة ))(8).
__________
(1) تقدم قريبا
(2) البخاري ح ( 6994 ) و مسلم ح ( 2264 )
(3) البخاري ح (6996 ) ومسلم ح ( 2261 )
(4) فتح الباري 3/3123
(5) المرجع السابق 3/3125 وعارضة الأحوذي 9/131
(6) المرجع السابق 3/3123
(7) انظر فتح الباري 3/3124 والمواهب اللدنية 2/296 ومشتهي الخارف الجاني ص 93 وعون المعبود 7/249
(8) مسلم ح ( 5920 ) وأبو داود ح ( 5023 ) وابن ماجه ح ( 3904)(1/240)
و – وقيل إذا رؤي على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة كحاله فإن رؤي على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رؤية حقيقة فإن من الرؤيا ما يخرج عن وجهه ومنها ما يحتاج إلى تأويل وعبارة. (1)
الوجه السادس:
وأما ادعاؤه بأن رؤيته - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته من باب الكرامة فباطل من وجوه:
أ - أن الكرامة هبة من الله تعالى لمن يشاء من عباده الصالحين لا تطلب ابتداءا (2) وأما هم فهذه المسألة هي غاية مطلوبهم حتى قال في الدرة الخريدة: " وأما الذي هو أفضل وأعز من دخول الجنة فهو رؤية سيد الوجود - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة فيراه الولي اليوم كما يراه الصحابة رضي الله عنهم فهي أفضل من الجنة "(3) اهـ
ب - أن الكرامة لا تدرك بالتعلم وهم يدعون أن رؤيته - صلى الله عليه وسلم - يقظة تدرك بتعلم رياضات وأذكار بصيفة مخصوصة ومن أمثلة ذلك قوله في بغية المستفيد ما نصه: " طريقتنا أن نكثر من الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - حتى نصير من جلسائه ونصحبه يقظة مثل أصحابه ونسأله عن أمور ديننا وعن الأحاديث التي ضعفها الحفاظ عندنا ونعمل بقوله فيها "(4) اهـ
قال الشيخ صنع الله الحلبي: " أما اعتقادهم أن هذه التصرفات لهم من الكرامات فهو من المغالطة لأن الكرامة شيء من عند الله يكرم بها أولياءه لا قصد لهم فيها ولا تحد ولا قدرة ولا علم كما في قصة مريم بنت عمران وأسيد بن حضير وأبي مسلم الخولاني "(5) اهـ
ج - أن الكرامة أمر خارق للعادة لا يخالف النصوص الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة ورؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته في الدنيا معارضة للشرع كما تقدم .
__________
(1) إكمال المعلم بفوائد مسلم 7/219
(2) محموع الفتاوى 11/360
(3) الدرة الخريدة شرح الياقوتة الفريدة 1/84
(4) بغية المستفيد ص 79.
(5) تيسير العزيز الحميد ص 198.(1/241)
د - أن الكرامة لا تكون إلا نادرة ولا تتكرر غالبا أما أنتم تدعون كثرة هذه الرؤية المزعومة بل دوامها حتى قال شيخكم الاكبر أبو العباس المرسي: " لو حجب عني النبي - صلى الله عليه وسلم - طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين "(1) اهـ
الوجه السابع:
وأما من نسب إليه مفتاح القول برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد وفاته فهم أربعة أنواع:
أ - علماء افترى عليهم لم يقولوا بذلك بل بعضهم أنكره مثل ابن العربي فإنه قال إنها " غلو وحماقة " (2) والعز ابن عبد السلام فإنه نقل كلام ابن الحاج في ذلك فقط ولم يقل به (3) وابن الحاج فإنه قال فقط أنه لا ينكر على من يقول بها (4) والقاضي شرف الدين البارزي فإنه نقلها عن غيره فقط ولم يقل بها (5) ومنهم أبو عبد الله القرطبي فإنه إنما ادعي سماع الكلام ورد السلام ولم يدع الرؤية مطلقا (6) ومنهم نور الدين فإنه ادعي أنه سمع رد السلام من القبر الشريف ولم يدع الرؤية أصلا (7). فأنظر إلى تعمد الكذب على العلماء نصرة لباطله.
ب - صوفيون يؤمنون بوحدة الوجود فلا غرو في دعواهم رؤيته - صلى الله عليه وسلم - لأنهم يعتقدون انه - صلى الله عليه وسلم - حال في كل شيء من الكون.
__________
(1) شرح المواهب اللدنية 5/300 ـ301
(2) المواهب اللدنية 2/300
(3) الحاوي للفتاوى 2/245
(4) الحاوي للفتاوى 2/245
(5) المرجع السابق 2/245
(6) المرحع السابق 2/247
(7) المرجع السابق 2/248(1/242)
قال التجاني: قوله " (الساري) معناه أنه - صلى الله عليه وسلم - سار في جميع الموجودات كسريان الماء في الأشجار لا قيام لها بدونه وتلك السراية منه - صلى الله عليه وسلم - في الموجودات لا مطمع للعقل في دركها ولا أن يحوم حول حماها فما وصل إليها أحد من خلق الله ولا عرف لها كيفية ولا صورة وكل الوجود في حجاب عن هذا الإدراك يعني إدراك السراية منه في الموجودات فما أدركتها أكابر الملائكة العالين ولا أكابر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام كلهم لم يشموا لها رائحة فمن دونهم أحرى وأولى لا يذوق منها شيئا وغاية السريان أنه - صلى الله عليه وسلم - لو فقد سريانه في ذاته من ذوات الأكوان لصارت محض العدم من ساعتها "(1) اهـ
ج - من ذكره مرتين ليكثر به العدد كأبي عبد الله الأسنوي هو نفس محمد بن يحي الأسنوي(2).
د - الجماعة الرابعة قالت برؤية الروح أو الرؤية الحالية كالسيوطي حيث قال: " ليست الرؤيا البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض وإنما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته إلا من باشره " (3) اهـ
الوجه الثامن:
أعلم أن الصوفية القائلين برؤية الأنبياء يقظة إنما يقلدون النصارى فإنهم قد اشتهروا بذلك.
__________
(1) جواهر المعاني 2/421
(2) الحاوي 2/246
(3) الحاوي 2/249(1/243)
قال العلامة رشيد رضا: " إن الذين يتراءى لهم المسيح أو أمه عليهما السلام أو غيرهما من القديسين عندهم كثيرون ومن الرجال المشهورين بهذا في هذا الزمان رشيد بك مطران وهو وجيه سوري من بعلبك مشهور يقيم في أروبه ويكون غالبا في باريس فهو يرى أو يتراءى له مثال السيدة مريم العذراء في اليقظة كثيرا ويسألها عن كثير مما يشكل عليه فتجيبه وحدثني الأمير شكيب أرسلان عنه أنه سألها مرة عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فأجابته مثنية عليه - صلى الله عليه وسلم - ثناء عظيما لم أحفظه " وقرأت في جريدة مرآة الغرب العربية التي صدرت في نيويورك في مارس سنة 1933 م رسالة من عمان عاصمة إمارة شرق الأردن كتبت في 26 من كانون الثاني ( يناير ) سنة 1933 م (الموافق 29 رمضان سنة 1351 هـ ) ملخصها أن امرأة نصرانية في عمان اسمها حنة بنت إلياس غابى الملقب صهر الله متزوجة ولها أولاد وأخ فقيرة مشهورة بالتقوى عرض لها منذ سنة ونصف نزيف دموي عقب الولادة وأريد عمل عملية جراحية لها فأرشدت إلى التوجه أولا إلى الطبيب السماوي فدعت يسوع ليلا ثم ذهبت إلى الكنيسة بعد منتصف الليل لتصلي وهي في حال غيبوبة أو عقب رؤيا فرأت الكنيسة خالية وشاهدت في الهيكل شخصا يحيط به نور عظيم فاشتد خوفها ورعبها فدعاها وقال لها لا تخافي أنا المسيح فركعت على قدميه وقالت له اشفني يا سيدي فقال لها حسب إيمانك يكون لك فبرئت وقرر الأطباء بعد فحصها أنه لم تبق حاجة إلى العملية الجراحية فازدادت عبادة وتقوى. ولما كان اليوم الرابع من هذا الشهر ك 2 من يناير شعرت في منتصف الساعة الثالثة بعد نصف الليل بيد تهزها من الكتف ففتحت عينيها فإذا نور عظيم في الغرفة وفي وسط النور شخص ملاك يقول لها سيحدث ضيق عظيم في العالم ولكن لا تخافوا وستكون لكم هذه العلامة وكان بيده كأس فغمس اليد الأخرى في الكأس وبأصابعه الثلاثة وضع على جبينها علامة ثم تركها وقال اعطوا مجد الله فقامت(1/244)
وصارت تمجد الله بصوت عال فهب أهلها وقالوا لها ماذا جرى لك ؟ فقالت لم تروا النور وتسمعوا الصوت ؟ قالوا لا قالت جيئوني بالضوء فلما أحضروا القنديل رأوا في جبينها علامة طائر يشبه النسر صافا جناحيه ممتدا على طول جبينها وعرضه ( أي جبهتها ) وليس ماسا للحاجبين ولا شعر الرأس ولونه عنابي كالدم ورسمه متقن كأنه رسم فنان عظيم " (1) اهـ
فهؤلاء النصارى هم سلفكم في هذه المسألة ما لكم سلف سواهم.
الوجه التاسع:
وأما احتفاله بأن السيوطي ألف في هذا الموضوع رسالة فتلك قاصمة ظهره لأن السيوطي على سعة اطلاعه وضخامة المكتبة المحمودية التي كان فيها لم يستطع أن يورد حديثا واحدا في المسألة لا صحيحا ولا ضعيفا ولا مرفوعا ولا موقوفا ولا مقطوعا مع حاجته الشديدة إليه، بل صرح الحفاظ أن هذه المسألة لم ير فيها أي حديث البتة.
منهم العلامة شمس الدين السخاوي خليفة الحافظ بن حجر قال: " لم يصل إلينا ذلك عن أحد من الصحابة ولا عمن بعدهم وقد اشتد حزن فاطمة عليه - صلى الله عليه وسلم - حتى ماتت كمدا بعد ستة أشهر على الصحيح وبيتها مجاور لضريحه الشريف ولم ينقل عنها رؤيته في المدة التي تأخرت عنه "(2) اهـ
الوجه العاشر:
ثم هؤلاء الذين يدعون الرؤية إنما يرون صور الشياطين فتخدعهم لأنها تتمثل لهم في أي صورة جميلة وتقول أنها محمد - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الأنبياء قال العلامة أدييج الكمليلي:
وما ادعوا من أخذ هذا الورد
عن الرسول يقظة لا يجدي
إذ لم تحقق في اللقاء الدعوى
ولم تنل كرامة بطغوى
ولم يرد عن النبي المصطفي
لقياه يقظة بنور ما انطفي
فصح أن يخاطب التجاني
شيطانه من جهة العدنانى(3)
__________
(1) تفسير المنار 11/437 ـ 438
(2) المواهب اللدنية 2/297
(3) مشتهي الخارف ص 108(1/245)
وقال العلامة بدر الدين ابن الأهدل: " ومراتبهم في الرؤية متفاوتة وكثيرا ما يغلط فيها رواتها فقل ما تجد رواية متصلة صحيحة عمن يوثق به أما من لا يوثق به فقد يكذب وقد يرى مناما أو في غيبة حس فيظنه يقظة وقد يرى خيالا ونورا فيظنه الرسول وقد يلبس عليه الشيطان فيجب التحرز في هذا الباب "(1) اهـ
قال العلامة محمد رشيد رضا: " والراجح عندنا أن أكثر المدعين لذلك أولو كذب وحيل وتلبيس وأن أقلهم يرون بعض الشياطين من جند إبليس ولا سيما شياطين الموتي وقرنائهم العارفين بأحوالهم "(2) اهـ
قلت: من تمثل الشيطان للصوفية ما حدث لعبد القادر الجيلاني فقد رأى الشيطان في النوم فقال أنا ربك قد أبحت لك المحرمات فقال اخسأ يا لعين فقيل له بم عرفت أنه شيطان قال بقوله أبحت لك المحرمات وبقوله أنا ربك ولم يقل أنا الله (3) .
الوجه الحادي عشر:
__________
(1) المواهب اللدنية 2/299
(2) تفسير المنار 11/439
(3) شرح المواهب اللدنية 5/298(1/246)
لو كانت هذه الرؤية حقا لسبقنا إليها خير القرون وأفضل هذه الأمة صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع حاجتهم إليه - صلى الله عليه وسلم - قال الآلوسي عند قوله تعالى: { خاتم النبيين } ما نصه: " إن ما نسب إلى بعض الكاملين من أرباب الأحوال من رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته وسؤاله والأخذ عنه لم نعلم وقوعه في الصدر الأول وقد وقع اختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم من حين توفي عليه الصلاة والسلام إلى ما شاء الله تعالى في مسائل دينية وأمور دنيوية وفيهم أبو بكر وعلي رضي الله تعالى عنهما وإليهما ينتهي أغلب سلاسل الصوفية الذين تنسب إليهم تلك الرؤية ولم يبلغنا أن أحد منهم ادعي أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة وأخذ عنه ما أخذ وكذلك لم يبلغنا أنه - صلى الله عليه وسلم - ظهر لمتحير في أمر من أولئك الصحابة الكرام فأرشده وأزال حيرته وقد صح عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال في بعض الأمور يا ليتني كنت سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه ولم يصح عندنا أنه توسل إلى السؤال عنه - صلى الله عليه وسلم - نظير ما يحكي عن بعض أرباب الأحوال وقد وقفت على اختلافهم في حكم الجد مع الإخوة فهل وقفت على أن أحدا منهم ظهر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرشده إلى ما هو الحق فيه ؟ وقد بلغك ما عرى فاطمة البتول رضي الله تعالى عنها من الحزن العظيم بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - وما جرى في أمر فدك فهل بلغك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهر لها كما ظهر للصوفية فبل لوعتها وهون حزنها وبين لها الحال وقد سمعت بذهاب عائشة رضي الله عنها إلى البصرة وما كان من وقعة الجمل فهل سمعت تعرضه - صلى الله عليه وسلم - لها قبل الذهاب وصده إياها عن ذلك لئلا يقع أو تقوم الحجة عليها على أكمل وجه إلى غير ذلك مما لا يكاد يحصى كثرة والحاصل أنه لم يبلغنا ظهوره عليه الصلاة والسلام لأحد من(1/247)
الصحابة وأهل بيته وهم هم مع احتياجهم الشديد لذلك وظهوره عند باب قباء كما يحكيه بعض الشيعة افتراء محض وبهت بحت وبالجملة عدم ظهوره لأولئك الكرام وظهوره لمن بعده مما يحتاج إلى توجيه يقنع به ذووا الأفهام " (1)
الوجه الثاني عشر:
قال ابن الجوزي: " وقد أشكل على الناس رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله (( من رآني في المنام فقد رآني )) فقال ظاهر الحديث أنه يراه حقيقة وفي الناس من يراه شيخا وشابا ومريضا ومعافى فالجواب أنه من ظن أن جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المودع في المدينة خرج من القبر وحضر في المكان الذي رآه هو فيه فهذا جهل لا جهل يشبهه فقد يراه في وقت واحد ألف شخص في ألف مكان على صور مختلفة فكيف يتصور هذا في شخص واحد ؟ وإنما الذى يرى مثاله لا شخصه فيبقي (( من رآني فقد رآني )) معناه قد رأى مثالى الذي يعرفه الصواب وتحصل به الفائدة المطلوبة "(2) اهـ
تفضيل صلاة الفاتح على القرآن الكريم ستة آلاف مرة
قال مفتاح التجاني:
" وأما اعتراضه على قول التجاني - رضي الله عنه - في جواهر المعاني ج 1 ص 114: " فأخبرني - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - - أولا بأن المرة الواحدة منها - يعني صلاة الفاتح - تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير ومن القرآن ستة آلاف مرة " فإن غاية ما يريده هذا الجاهل المغرض وأضرابه المعترضون على الشيخ التجاني في هذه المسألة قديما وحديثا هو أن يلزموه بالقول بتفضيل صلاة الفاتح على القرآن وذلك مندفع بأمور... إلخ " ص 58.
والرد عليه من أربعة وعشرين وجها:
الوجه الأول:
__________
(1) روح المعاني تفسير سورة الأحزاب الآية وخاتم النبيين 12/55-56
(2) صيد الخاطر 497 ـ498(1/248)
اعلم أن هذه الصلاة المخترعة مبنية على أساس عقيدة الحلول وذلك أن معني الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق أنه - صلى الله عليه وسلم - هو الإله المتصرف في الكون فلا يفتح فيه شيء من رزق أو تدبير إلا وهو - صلى الله عليه وسلم - الذي يفتح ذلك وأعلق الله به صور تجلياته فهو آخر صورة تجلى فيها الله تعالى كما قال أحمد التجاني إذ قال:" معناه الفاتح لما أغلق من صور الأكوان فإنها كانت مغلقة في حجاب البطون وصورة العدم وفتحت مغاليقها بسبب وجوده - صلى الله عليه وسلم - وخرجت من صورة العدم إلى صورة الوجود ومن حجابية البطون إلى نفسها في عالم الظهور إذ لولاه ما خلق الله موجودا ولا أخرجه من العدم إلى الوجود " (1)
الرماح: " وكذا الخاتم لما سبق من صور التجليات الإلهية التي تجلى الحق سبحانه بصورها في عالم الظهور لأنه - صلى الله عليه وسلم - أول موجود أوجده الله في العالم من حجاب البطون وصورة العماء الرباني ثم ما زال يبسط صورة العالم بعدها في ظهور أجناسها بالترتيب القائم على المشيئة الربانية جنسا بعد جنس إلى أن كان آخر ما تجلى به في عالم الظهور الصورة الآدمية على صورته - صلى الله عليه وسلم - وهو المراد بالصورة الآدمية " (2) اهـ
الوجه الثاني:
تفضيلكم صلاة الفاتح على القرآن الكريم صريح صراحة لا تقبل التأويل من ذلك:
__________
(1) جواهر المعاني 1/106
(2) رماح حزب الرحيم 2/458(1/249)
- نص التجاني الذي قطعته وبترت منه ما شئت قصد التشويش على القارئ وأنا أذكره بحروفه قال أحمد التجاني: " ثم أمرني بالرجوع - صلى الله عليه وسلم - إلى صلاة الفاتح لما أغلق فلما أمرني بالرجوع إليها سألته - صلى الله عليه وسلم - عن فضلها فأخبرني أولا بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات ثم أخبرني ثانيا أن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبيرا أو صغيرا ومن القرآن ستة آلاف مرة لأنه من الأذكار " (1) اهـ
فأي شيء أصرح من هذا ؟ وليتهم اكتفوا بتفضيلها على القرآن وحده لقد فضلوها على كل الكتب الإلهية.
- قال صاحب الرماح: " أما المرتبة الظاهرة في الفاتح لما أغلق مهما قرأها أحد بشرطها كتب الله له فيها أن يأخذ جميع تلك الأذكار من تسبيح وتهليل وتكبير وتحميد واستغفار وصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - وقراءة القرآن وغيره من الكتب الإلهية كلها مثل التوراة والإنجيل مثلا من أول منشأ العالم إلى بروز تلك الصلاة من الذاكر وتجمع تلك الجمعية المذكورة وتتضاعف ستة آلاف مرة ثم تحسب ألسنة جميع المخلوقات من كل ما سوى الله تعالى وتتضاعف فيها تلك الجمعية بعد مضاعفتها ستة آلاف مرة " (2)
الوجه الثالث:
تفضيل صلاة الفاتح على القرآن الكريم وغيره من الكتب السماوية هو غاية الإستهزاء والاستخفاف بها بل لو أنهم قالوا بأن القرآن أفضل من صلاة الفاتح لكان في ذلك تنقيصا له كما قال الشاعر:
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
ولا خلاف في أن سب القرآن والاستخفاف به كفر مخرج من الملة
__________
(1) جواهر المعاني 1/100 والدرة الخريدة 4/218
(2) رماح حزب الرحيم 2/441(1/250)
ا - قال قاضي القضاة عياض: " أعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحده أو خوفا منه أو آية أو كذب به أو بشيء منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفي ما اثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع " إلى أن قال " وكذلك إن جحد التوراة والإنجيل وكتب الله المنزلة أو كفر بها أو لعنها أو سبها أو استخف بها فهو كافر " (1)
ب - قال ابن نجيم: " ويكفر إذا أنكر آية من القرآن أو سخر بآية منه إلا المعوذتين ففي إنكارهما اختلاف والصحيح كفره " البحر الرائق 5/131
ج - وجاء في الفتاوي البزارية: " وادخال القرآن في المزاح والدعابة كفر لأنه استخفاف به " الفتاوى البزازية 3/338
د - وفي يتيمة الفتاوى: " من استخف بالقرآن أو بالمسجد أو بنحوه مما يعظم في الشرع كفر " تهذيب رسالة البدر الرشيد في المكفرات 22 ـ 23
هـ - كما حكم ابن قدامة بالكفر على من استهزأ بآيات الله. المغني 10/113
و - وقال البهوتي: " من جحد كتابا من كتب الله أو شيئا منه أو استهزأ بالله تعالى أو بكتبه أو رسله فهو كافر لقوله تعالى: { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } . كشاف القناع 6/168 وانظر المبدع 9/171 اهـ
وقال تعالى { وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزؤا أولئك لهم عذاب مهين } وقال تعالى { وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزؤا وغرتكم الحياة الدنيا } [ الجاثية 34 ـ 35 ]
الوجه الرابع:
اعلم أنهم يدعون أن صلاة الفاتح من كلام الله ؛ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
أ - قال الفوتي في الرماح أن من شروطها " أن يعتقد أنها من كلام الله " الرماح 2/139 اهـ
__________
(1) الشفاء 2/1101 ـ 1105 باختصار.(1/251)
وقال صاحب الدرة الخريدة: " وفي [د] ومن لم يعتقد أنها من كلام الله ل يصح له الثواب المذكور فيها يعني صلاة الفاتح … وفي [جع] والفضل المذكور في الياقوتة الفريدة لا يحصل لذاكرها إلا بشرطين الأول: الإذن والثاني: يعتقد الذاكر أن هذه الصلاة من كلام الله تعالى كالأحاديث القدسية وليست من تأليف مؤلف " الدرة الخريدة 4/128- 219 اهـ
قال صاحب بغية المستفيد عند شرح قول الناظم:
وفضلها يحصل مع شرطين
من ذاك إذن الشيخ دون مين
ثم اعتقاد أنها قد برزت
من حضرة الغيب لمن له سرت
قال: " وأشار بهذا إلى ما ثبت عن سيدنا - رضي الله عنه - بأن الفضل المذكور يعني الخاص لا العام الذي هو مذكور في وردة الجيوب عن القطب سيدى محمد البكري - رضي الله عنه - لا يحصل لذاكرها إلا بشرطين: الأول الإذن الصحيح من الشيخ - رضي الله عنه - إذ هو - رضي الله عنه - المأذون له من الحضرة المحمدية - صلى الله عليه وسلم - في إبرازه والشرط الثاني اعتقاد المصلى أنها ليست من تأليف البشر وذلك لأن القطب البكري المذكور - رضي الله عنه - توجه إلى الله تعالى مدة يسأله أن يمنحه صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها سر جميع الصلوات فنزلت عليه مكتوبة بقلم القدرة في صحيفة من نور " بغية المستفيد 375.
وقال أيضا: " فهي يعني الصلاة الشريفة المذكورة وردت من حضرة الحق تبارك وتعالى على طريق التعليم وفق ما قالوه في فاتحة الكتاب. اهـ المرجع السابق 376.
وقد اتفق العلماء على أن زيادة حرف واحد في كلام الله تعالى كفر فكيف بمن زاد هذه الصلاة المخترعة الطويلة:(1/252)
أ - قال ابن حزم في مراتب الإجماع: " واتفقوا أن الملائكة حق..... إلى أن قال: وأن كل ما في القرآن حق وأن من زاد فيه حرفا من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة أو نقص منه حرفا أو بدل منه حرفا مكان حرف وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادي متعمدا لكل ذلك عالما بأنه بخلاف ما فعل فإنه كافر " مراتب الإجماع ص 270 اهـ
ب – قال القاضي عياض:" وقد أجمع المسلمون على أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمعته الدفتان من أول ( لحمد لله رب العالمين ( إلى أخر ( قل أعوذ برب الناس ( أنه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن جميع ما فيه حق وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه وأجمع على أنه ليس من القرآن عامدا بكل هذا أنه كافر اهـ الشفاء 2/597
ج - قال ابن جزي: " لا خلاف في تكفير من نفي الربوبية أو الوحدانية " إلى أن قال: " أو قال بسقوط العبادة عن بعض الأولياء أو جحد حرفا فأكثر من القرآن أو زاده أو غيره " القوانين الفقهية ص 313 بتصرف
الوجه الخامس:
أما اشتراطهم الإذن في حصول الثواب المزعوم فإنه من أعاجيب الدنيا إذ لا يستأذن في أمور الإيمان إلا في دين فرعون { قال آمنتم له قبل أن آذن لكم } [ ] لأنه إن كان حقا ودينا فلا يحتاج فيه إلى إذن مخلوق وإن كان باطلا لم يزده الإذن إلا بطلانا ولكنها المتاجرة بالدين وحتى على حساب قوانين التجارة فحق الإبتكار للبكري لا للتجاني.
الوجه السادس:(1/253)
قوله أن المراد في كلام التجاني بالقرآن القراءة باطل منقوض بما تقدم في الرماح من قوله: " أن يأخذ جميع الأذكار من تسبيح وتهليل وتكبير وتحميد واستغفار وصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقراءة القرآن وغيره من الكتب الإلهية كلها مثل التوراة والإنجيل مثلا من أول منشأ العالم إلى بروز تلك الصلاة من الذاكر وتجمع تلك الجمعية المذكورة وتضاعف ستة آلاف مرة " انظر رماح 2/441
الوجه السابع:
قوله أن ما يقرأ ليس هو القرآن فلسفة مناقضة للكتاب العظيم والسنة وإجماع السلف قال الله تعالى: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } [ التوبة 06 ]
قال شارح الطحاوية: " وهو لا يسمع كلام الله من الله وإنما يسمعه من مبلغه عن الله والآية تدل على فساد قول من قال إن المسموع عبارة عن كلام الله وليس هو كلام الله فإنه تعالى قال: { حتى يسمع كلام الله } ولم يقل حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله والأصل الحقيقة ومن قال: إن المكتوب في المصاحف عبارة عن كلام الله أو حكاية كلام الله وليس فيها كلام الله فقد خالف الكتاب والسنة وسلف الأمة وكفى بذلك ضلالا " شرح الطحاوية ص 181 اهـ
الوجه الثامن:
وأما قوله " أن العدد كثيرا ما يرد في الكتاب والسنة ويكون غير مراد فيحمل على الغاية والمبالغة " .(1/254)
وهذا حجة عليه لأن مقتضى ذلك أن التجاني أراد الغاية والمبالغة في تفضيل الفاتح على القرآن ولم يرد حصر هذا العدد وهذا ما تقدم تصريح صاحب الرماح به حيث قال: " وتتضاعف ستة آلاف مرة ثم تحسب ألسنة جميع المخلوقات من كل ما سوى الله تعالى وتتضاعف فيها تلك الجمعية بعد مضاعفتها ستة آلاف مرة تتضاعف أيضا على عدد ألسن جميع العوالم من كل ماسوى الله تعالى ثم تتضاعف مضاعفة ثالثة على قدر مرتبة كل إنسان فإن من الألسن من ليس له من ذكره إلا مرة واحدة من كل لفظ وفيهم من له التضاعف مائة مرة كل كلمة من كل ذكر وفيهم من له عشرة آلاف وفيهم من له ألف ألف إلى عشرة آلاف ألف إلى مائة ألف ألف إلى ألف ألف ألف إلى ما وراء ذلك مما يكثر ذكره " الرماح 2/441 اهـ
الوجه التاسع:
وأما قوله " أن المزية وكثرة الثواب لا يستلزمان الأفضلية المطلقة " فنعم لكن المزية تقتضي الأفضلية من وجه على الأقل هذا يقضى أنه معترف بأن صلاة الفاتح أفضل من القرآن من بعض الأوجه وهذا كفر محض.
قال العلامة محمد الخضر الجكني: " فإن هذا استهزاء وتحقير لا تفضيل فلا يشك في كفر قائله وإنما كان تفضيل غير القرآن عليه كفرا لأن القرآن كلام الله تعالى وفضله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه فتفضيل كلام بعض المخلوقين عليه كتفضيل بعض المخلوقين على الله تعالى وكفر فاعل ذلك لا يشك فيه أحد " مشتهي الخارف ص 259
الوجه العاشر:
ما نقل عن التجاني من أن العاصي تكون صلاة الفاتح أفضل له من تلاوة القرآن حيث قال التجاني: " المرتبة الرابعة رجل يتلو القرآن سواء علم معانيه أو لم يعلم إلا أنه متجرئ على معصية الله غير متوقف على شيء منها فهذا لا يكون القرآن في حقه أفضل بل كلما ازداد تلاوة ازداد ذنبا وتعاظم عليه الهلاك " اهـ
والرد عليه من خمسة وجوه:(1/255)
أ - فهذا من أعظم الكفر البواح لأنه جعل تلاوة القرآن للعاصي المذنب ذنبا وهلاكا عظيما فانظر إلى هذا الاعتذار الذي هو أقبح من الذنب.
ب - بل العاصي المذنب لا علاج له إلا كتاب الله تعالى فهو الشفاء من أدواء الشبهات والشهوات { قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمومنين } .
ج - أن القرآن الكريم هو السبيل الوحيد لهداية هذا العاصي فكيف يكون هلاكا له ؟ قال تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } [ ] وقال: { ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } وقال: { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم } [ ] وقال: { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } [ ] وقال: { قد جاءتكم بينة من ربكم وهدى ورحمة } [ ] وقال { لقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون } [ ] وقال: { هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يومنون } [ ] وقال تعالى: { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يومنون } [ ] وقال: { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } [ ] وقال: { طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمومنين } [ النمل 01-02 ] وقال: { الم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين } [ ] وقال: { هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون } [ الجاثية 20].(1/256)
د - اعلم أن العاصي أحوج ما يكون إلى إقناع عاطفي ولا يكون ذلك إلا بترغيب القرآن وترهيبه ووعده ووعيده ولهذا حصر الله النذارة فيه قال تعالى: { قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون } [ الأنبياء 45 ] وقال: { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } [ الأنعام 19 ] وقال: { كتاب أنزلناه إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمومنين } [ الأعراف 2 ] وقال: { وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لتنذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين } [ الاحقاف 12 ] وقال تعالى: { هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب } [إبراهيم 52 ].
هـ - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيه العاصي يشكو إليه حاله سواء أكان زانيا أو قاتلا أو غير ذلك ولم ينه أحدا منهم عن تلاوة القرآن بل كل الأوامر بالتلاوة في الكتاب والسنة عامة في العاصى وغيرهم قال تعالى: { ورتل القرآن ترتيلا } [ ] وقال: { فاقرأوا ما تيسر من القرآن } [ ] وقال: { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث } [ ] وقال - صلى الله عليه وسلم -: (( اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه )) مسلم ح (1874) وقال: - صلى الله عليه وسلم - ((أقرأوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه... )) الخطيب وأبو جعفر النحاس في الوقف والإبتداء والسجزي في الإبانة ( انظر السلسلة الصحيحة 660 ) وقال: (( تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها )) متفق عليه: البخاري ح (5033) ومسلم ح (1844) والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة معلومة.
الوجه الحادي عشر:(1/257)
أن قوله هذا صد عن كتاب الله وصرف للناس عن قراءته وتدبر معانيه وداع إلى هجره فإذا كانت صلاة الفاتح لما أغلق وهي لا تتجاوز ثلاثة أسطر تعدل ستة آلاف ختمة من القرآن فإن من يعتقد ذلك سينصرف عن قراءة القرآن إلى هذه الصلاة التي لا تتطلب منه وقتا ولا جهدا.
الوجه الثاني عشر:
هذه المقولة الشنعاء تتضمن صرف الناس عن الإسلام الصحيح المأخوذ من ينابيعه الصافية: الكتاب والسنة ليصبحوا فريسة لخرافات الصوفية وعقائدها انظر مصرع الشرك والخرافة لخالد محمد ص 523 الباطلة.
الوجه الثالث عشر:
قوله أنه ورد في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفضائل ما لم يرد في عمل آخر يعني القرآن الكريم لأنه هو الذي يدور البحث حوله هذا كفر وكذب محض لأنه ورد في فضل القرآن والثناء عليه وبيان علو منزلته ما يزيد على سبعين آية ولم يرد في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا آية واحدة.
الوجه الرابع عشر:
أما الأحاديث التي سردتها في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي كلها مأخوذة من كتاب ابن القيم جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام من ص 5 إلى ص 56 فحذفت بعضها وذكرت البعض الآخر دون أن تشير إلى هذا الكتاب أدنى إشارة خوفا من تحسب من الوهابيين فالحمد لله الذي جعلك عالة عليهم أحببت أم كرهت.
على أن الأمانة العلمية تقتضي منك ألا تتنكر لمن أنت عالة عليه وتصرح بما سرقت من كتابه ونسبته إلى نفسك تشبعا بمالم تعط فهنيئا لك ثوبي زورك
وينسب إبداء المعاني لنفسه ليوهم أغمارا وإن كان سارقا
الوجه الخامس عشر:
صلاة الفاتح لا تدخل في عموم نصوص الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -:(1/258)
أ - لأنها مبنية على عقيدة وحدة الوجود كما تقدم ذلك صريحا في شرح التجاني لها وإلا فما معنى " ناصر الحق بالحق " إذا علمت أنهم صرحوا بأن المقصود بالحق في اللفظين هو الله قال في الرماح: " قال - رضي الله عنه - في شرح ياقوتة الحقائق أن الحق في اللفظين هو الله تعالى ومعناه أنه نصر الله تعالى بالله سبحانه نهض إلى نصرة الله تعالى حيث توجه إليه أمر الله تعالى بالنصرة له فنهض مسرعا إلى نصرة الله تعالى بالله تعالى " الرماح 2/459 والدرة الخريدة 4/201 اهـ
ب - لو كانت صلاة حقيقية لسبقنا إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه وسائر السلف الصالح مع ما تدعون فيها من الفضل العميم الذي لا يمكن أن يفوت هؤلاء لو كان حقا.
ج - ليتكم سويتموها بالصلوات الإبراهيمية الثابتة ! لقد فضلتموها عليها وعلى كل الصلوات الأخرى قال التجاني: " قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما صلى علي أحد بأفضل من صلاة الفاتح لما أغلق " جواهر المعاني 1/109 والدرة الخريدة 4/202 اهـ
وهذا يستلزم أنه - صلى الله عليه وسلم - علم الصحابة صلاة مفضولة وكتم عنهم الصلاة الفاضلة وهو كفر بواح ممن قاله.
د - أن الصحابة لم يستطيعوا اختراع صلاة مع علمهم بالشرع واللغة حتى جاء البكري فاخترعها بل بادر الصحابة بسؤاله - صلى الله عليه وسلم - عن كيفية الصلاة عليه فقالوا: عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك…الحديث البخاري ح (3370) و( 4797 ) و(6357 ) ومسلم 2/4/ 125- 126 .
هـ - أنه - صلى الله عليه وسلم - أجابهم بصيغة محددة ولم يقل لهم اخترعوا لأنفسكم ما شئتم من الصلوات أو نحوها من الألفاظ التي تدل على ذلك.
و - ثم لو سلمنا جدلا بدخولها في عموم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس في هذا ما يجعلها أفضل من القرآن الكريم وغيره من الكتب السماوية وجميع العبادات الأخرى.(1/259)
قال التجاني: " فلما تأملت هذه الصلاة وجدتها لا تزنها عبادة جميع الجن والإنس والملائكة " جواهر المعاني 1/101
اهـ
الوجه السادس عشر:
ومما يدل على أنهم يتعمدون الكذب على الله تعالى أنه قال بأن صلاة الفاتح من كلام الله وهي تبدأ بقوله " اللهم صل على سيدنا محمد " فهل محمد سيد لله تعالى الهدية الهادية ص 106 ؟!! بل هي عقيدة وحدة الوجود التي لا فرق فيها بين الخالق والمخلوق.
الوجه السابع عشر:
هذه الصلاة المفضلة على القرآن الكريم بدعة محدثة لم ترد كاملة في آية قرآنية ولا حديث نبوي صحيح أو ضعيف ولا أثر عن أحد من السلف الصالح ولا نقلت عن أحد من علماء الأمة الذين تدور عليهم الفتيا وبهذا يتبين بطلانها بإجماع أهل العلم في كل العصور.
الوجه الثامن عشر:
ومن العجب أن يتصور التجاني هذا القول وأن ينطق به لسانه مع معرفته أنه كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال جمهور العلماء من اعتقد حل الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كفر. انظر فتح الباري 1/342
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار )) البخاري ح (106) ومسلم (01) وهو حديث متواتر.
الوجه التاسع عشر:(1/260)
ثم هو من الكذب على الله تعالى الذي هو كفر بإجماع العلماء انظر مشتهي الخارف ص 253 قال الله تعالى: { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } [ الأنعام 93 ] وقال: { ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون } [ المائدة 103 ] وقال أبو حيان: " نص الشعبي وغيره أن المفترين هم المبتدعون وأن الذين لا يعقلون هم الأتباع " البحر المحيط 4/34 وقال تعالى: { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته } [ الأنعام 21 ] وقال: { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه } [ العنكبوت 68 ] وقال: { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه } [ الزمر 36 ] وقال: { فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون } [ آل عمران 94 ] وقال: { انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا } [ النساء 50 ] وقال: { قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون } [ يونس 68 - 69 ] وقال: { إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم } [ النحل 116 - 117 ].
الوجه العشرون:(1/261)
أن الكلام صفة من صفات الله الهدية الهادية 105 والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات فكما أن ذات الله لا تشبهها ذوات المخلوقين فإن كلام الله لا يشبهه كلام المخلوقين وقد تحداهم الله أن يأتوا بمثله فقال سبحانه: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } [ الإسراء 88 ] وقال ابن كثير: " نبه تعالى على شرف هذا القرآن العظيم فأخبر أنه لو اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن ياتوا بمثل ما أنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه ولو تعاونوا وتساعدوا وتظاهروا فإن هذا أمر لا يستطاع وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له ولا مثال له ولا عديل له ؟ " تفسير ابن كثير 3/1693
الوجه الواحد والعشرون:
وأما قولك: " وقد ذكر ابن القيم في جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ص 129 - 135 أربعين فائدة من فوائد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلصها من الأحاديث الواردة في فضلها " ثم سردها ص 84 - 76
قلت: ما علمناك إلا محاربا لشيخ الإسلام ابن القيم فلماذا تنقل عنه هذه الفوائد أما وجدت في التجانيين الذين يتلقون الوحي عن الله وعن الرسول يقظة من يستطيع جمع هذه الفوائد!!
الوجه الثاني والعشرون:
ما نقله من قول صاحب بغية المستفيد عن صلاة الفاتح: " وأنها وردت من الحضرة القدسية مكتوبة بقلم القدرة في صحيفة نورانية " ص 97.
والرد عليه من وجوه خمسة:
أ - خرافة باطلة وما سمعنا ذلك وقع لأحد من المسلمين وإنما يذكر هذا وأمثاله دجاجلة النصارى وأذنابهم من المتصوفة.
ب - لو وقع مثل هذا لذاع وانتشر وتواتر نقله لتوفر دواعي ذلك ولغرابته.(1/262)
ج - لم يرد في آية ولا خبر صحيح أن محمد - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الأنبياء نزلت عليه صحيفة نورانية فهل أنتم أقرب إلى الله عز وجل منهم أم تقولون على الله ما لا تعلمون ؟.
د - أن هذا محال لأن النور لا يمكن أن يجسم فتجعل منه صحيفة أو ورقة أو غير ذلك.
هـ - من أدراه أنها من عند الله ؟ ومن علمه بماذا كتبت هذه الصحيفة يا ترى ؟
ولا شك أن هذه خيالات شيطانية وخزعبلات خرافية لا تروج على عاقل يفهم الأمور وإنما غرهم بذلك الغرور.
الوجه الثالث والعشرون:
وأما ما نقل عن صاحب الدرة الخريدة أنه قال في صلاة الفاتح: " واعتقاد المصلي أنها في صحيفة من نور أنزلت بأقلام إلهية وليست من تأليف زيد ولا عمرو بل هي من كلامه سبحانه وتعالى كالأحاديث القدسية " ص 98.
والرد عليه من وجوه ثلاث:
أ - هذا شيء لا يعقل ولا يصح في الشرع حيث لم يجعلها من الأحاديث القدسية وإنما هي تشبهها وليت شعري فيم تشبهها ؟!!
ب - هذا تناقض عجيب لأنه أخبر أنها نزلت في صحيفة من نور كتبها الله فيها وأنزلها على البكري ثم جعلها كالأحاديث القدسية وهي التي يرويها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه وهذه لم يرويها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه أصلا.
ج - هذا ادعاء للوحي بل ادعاء للنبوة حيث جعل نفسه في منزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث أنه - صلى الله عليه وسلم - يروي الأحاديث القدسية عن ربه وهو أيضا يرويها عن ربه.
الوجه الرابع والعشرون:(1/263)
قوله بأن الفاتح من كلمات الله المذكورة في قوله تعالى: { قل لو كان البحر مدادا لكمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي } [ الكهف 109] جهل عظيم بالفرق بين كلمات الله الشرعية وكلماته القدرية الكونية فكلماته الشرعية هي القرآن الكريم وغيره من الكتب السماوية وكلمات الله الكونية القدرية فهي الواردة في هذه الآية وفي قوله تعالى: { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا } [ الأعراف 137] قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر )) أحمد 3/419 وابن السني 631 عن عبد الرحمن بن حنيش مرفوعا بسند صحيح. وهذه الكلمات لا حصر لها كما قال سبحانه: { كل يوم هو في شأن } [ الرحمن 29] ولأنه { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } [ آل عمران 47] وقال تعالى: { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله } [ لقمان 27] فهذه كلمات الله الكونية أي المتعلقة بالخلق والرزق وتدبير الكون بأسره. انظر شرح الطحاوية ص 448 وأضواء البيان 4/151 وفتح القدير ( 3/318 ).
اتهام التجانية النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكتمان
قال مفتاح التجاني:
" وأما اعتراض هذا الجاهل المغرض على قول علي حرازم في جواهر المعاني ج 1 ص 119 " قلت لسيدنا - رضي الله عنه - وهل كان سيد الوجود - صلى الله عليه وسلم - عالما بهذا قلت لم يذكره لاصحابه رضوان الله عليهم أجمعين لما فيه من هذا الخير الذي لا يكيف قال: منعه أمران: الأول أنه علم بتأخر وقته وعدم وجود من يظهره الله على يديه في ذلك الوقت " اهـ ص 104
الرد عليه من أكثرمن خمسين وجها ترجع إجمالا إلى تسعة عشر:
الوجه الأول:(1/264)
مثل هذا في الصراحة ما قال صاحب الجيش ونصه: " وسئل هل كان - صلى الله عليه وسلم - عالما بفضل صلاة الفاتح لما أغلق ؟ فقال نعم كان عالما به قالوا: ولم لم يذكره لأصحابه ؟ قال: لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بتأخر وقته وعدم وجود من يظهره الله على يديه في ذلك الوقت " الجيش ص 110 اهـ
وبهذا يتضح لك اتفاق التجانية على اتهام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتمان.
الوجه الثاني:
وأصرح من هذا، قول كبيرهم أحمد التجاني: " الأمر العام الذي كان يأتيه عاما للأمة طوي بساط ذلك بموته - صلى الله عليه وسلم - وبقي الأمر الخاص الذي كان يلقيه للخاص فإن ذلك في حياته وبعد مماته دائما لا ينقطع " ا هـ
الوجه الثالث:
وإذا اتضح لك أنهم واصفين للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالكتمان فأعلم أنه لا خلاف في أن ذلك كفر مخرج من الملة وقد أحسن العلامة محمد الخضر حين قال في الرد على كلام التجاني السابق " هذا الذي قاله زور عظيم وبهتان من أشنع ما يختلسه الشيطان من الإنسان يخرج قائله من دين الإسلام خروج السهم من الرمية بإجماع الأمة المعصومة من الإجتماع على الضلال والطغيان أعاذنا الله وجميع الإخوان من الزيغ عن الطريق المستقيم إلى طريق الخذلان " مشتهي الخارف الجاني ص 19 اهـ
الوجه الرابع:(1/265)
وممن نقل الإجماع على ذلك الإمام ابن حزم إذ قال: " وأعلموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكتم من الشريعة كلمة فما فوقها ولا أطلع أخص الناس به من زوجة أو ابنة عم أو ابن عم أو صاحب على شيء من الشريعة كتمه عن الأحمر والأسود ورعاة الغنم ولا كان عنده عليه السلام سر ولا رمز ولا باطن غير ما دعا الناس كلهم إليه ولو كتمهم شيئا لما بلغ كما أمر ومن قال هذا فهو كافر فإياكم وكل قول لم يبين سبيله ولا وضح دليله ولا تعوجوا عما مضى عليه نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم " الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/116 اهـ
الوجه الخامس:
قال القاضي عياض:" وكذلك من أضاف إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - تعمد الكذب فيما بلغه أو أخبر به أو شك في صدقه أو سبه أو قال إنه لم يبلغ أو استخف به أو بأحد من الأنبياء أو أزرى عليهم أو آذاهم أو قتل نبيا أو حاربه فهو كافر بإجماع " الشفاء 2/586 اهـ
الوجه السادس:
قال علي دخيل الله: " ومن اعتقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كتم شيئا مما أوحاه الله إليه فقد كفر لمخالفته لصريح القرآن والسنة المطهرة وإجماع الأمة " التجانية ص 165 اهـ
الوجه السابع:
قال الرازي: " أجمع المسلمون على أنه لا يجوز على الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يخون في الوحي والتنزيل وأن يترك بعض ما يوحى إليه لأن تجويزه يؤدي إلى الشك في كل الشرائع والتكاليف وذلك يقدح في النبوة وأيضا فالمقصود من الرسالة تبليغ تكاليف الله تعالى وأحكامه فإن لم تحصل هذه الفائدة فقد خرجت الرسالة عن أن تفيد فائدتها المطلوبة منها " التفسير الكبير 17/193 اهـ
الوجه الثامن:
لقد تولى الله الرد عليكم وعلى أمثالكم إذ شهد لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بالبلاغ في آيات كثيرة بأساليب متنوعة وإليك أمثلة منها:
- قال تعالى: { فإن تولوا فإنما عليك البلاغ } [ آل عمران 20 ].(1/266)
- وقال: { فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين } [ المائدة 92 ].
- وقال: { ما على الرسول إلا البلاغ } [ المائدة 99 ].
- وقال تعالى: { وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ المبين } [ الرعد 40 ].
- وقال: { هذا بلاغ للناس ولينذروا به } [ إبراهيم 52 ].
- وقال: { فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } [ النحل 35 ].
- وقال: { فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين } [ النحل 82 ].
- وقال: { وما على الرسول إلا البلاغ المبين } [ النور 54 ].
- وقال: { فإن اعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ } [ الشورى 48].
- وقال: { إلا بلاغا من الله ورسالاته } [ الجن 23 ].
- وقال: { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } [ المائدة 67 ].
- وقال: { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } [ فاطر 08].
- وقال: { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يومنوا بهذا الحديث أسفا } [ الكهف 06].
- وقال: { فلعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } [ الشعراء 3 ].
فهل يمكن لمن يدعي الإسلام بعد هذه الآيات كلها أن يدعي أنه - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئا من الدين ؟! { كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا } .
الوجه التاسع:
إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كتم صلاة الفاتح عن أبي بكر وعمر وسائر الصحابة فكيف تشيعونها أنتم بين النساء والأطفال وسوقة الناس ؟!
الوجه العاشر:
هذا الكلام الذي قاله التجاني يؤدي إلى أنه هو وأتباعه أفضل سائر الصحابة والتابعين وتابعيهم باحسان وكفى بقول يؤول إلى هذا ضلالا بطلانا.
الوجه الحادي عشر:(1/267)
وأما احتجاج مفتاح التجاني على ما اتهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكتمان بحديث ابن عباس قال لما اشتد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وجعه قال: (( إيتوني بكتاب أكتب لكم فيه كتابا لا تضلوا بعده )) قال عمر إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتد عليه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط قال: ((قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع )) فخرج ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين كتابه " اهـ ص 106
والرد عليه من وجوه:
أ - اعلم أن الذي عليه أهل العلم من السلف قاطبة أن الذي أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب هو استخلاف أبي بكر الصديق. قال البيهقي: " وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر - رضي الله عنه - ثم ترك ذلك اعتمادا على ما علمه من تقدير الله تعالى ذلك كما هم بالكتاب في أول مرضه حين قال (( وارأساه )) ثم ترك الكتاب وقال:(( يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر )) أحمد 6/48- 106 ومسلم 7/110 وللبخاري نحوه 4/46- 47 و405-406 ثم نبه أمته على استخلاف أبي بكر بتقديمه إياه في الصلاة. المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ص 1041
قال ابن حجر العسقلاني: " ويؤيده أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة: (( ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله والمومنون إلا أبا بكر )) أخرجه مسلم وللمصنف معناه. أحمد 6/48- 106 ومسلم 7/110 وللبخاري نحوه 4/46- 47 و405-406 ومع ذلك فلم يكتب فتح الباري ص 345.(1/268)
ب - تركه - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على الكتمان كما زعمت ولكن رفع أو قل نسخ حكم تعيين الخلفاء من بعده بسبب الاختلاف كما رفع تعيين ليلة القدر بسبب خصومة بين رجلين من المسلين قال النووي: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هم بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة أو أوحي إليه بذلك ثم ظهر له أن المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول النووي على مسلم (1041). " اهـ
ج - أن الدين كمل بشهادة القرآن وهذا هو غاية تبليغه - صلى الله عليه وسلم - قال النووي: " وأما كلام عمر - رضي الله عنه - فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب - صلى الله عليه وسلم - أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها فقال عمر حسبنا كتاب الله لقوله تعالى: { ما فرطنا في الكتاب من شيء } وقوله: { اليوم أكملت لكم دينكم } فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة وأراد الترفيه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه " النووي على مسلم ص 1041 اهـ
د - أنه - صلى الله عليه وسلم - عاش بعد ذلك مدة وأوصاهم بعدة أمور فلو لم تنسخ هذه المسألة لأوصى بها شفويا كما أوصى بغيرها فعند البخاري في هذا الحديث: " وأوصى عند موته بثلاث: (( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم )) ونسيت الثالثة صحيح البخاري ح (3053) و(3168) قيل هي الوصية بالقرآن وبه جزم ابن التين. وقال المهلب بل هو تجهيز جيش أسامة وقال عياض يحتمل أن تكون هي قوله (( لا تتخذوا قبري وثنا )).
وقال ابن حجر ويحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله (( الصلاة وما ملكت أيمانكم )) انظر الفتح ص 1923 .(1/269)
هـ - قال ابن حجر العسقلاني: " وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه لم يكن أمرا متحتما لأنه لو كان مما أمر بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع اختلافهم ولعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه ولبلغه لهم لفظا كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك" فتح الباري ص 1923 اهـ
قال البيهقي " لو كان مراده - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لإختلافهم ولا لغيره لقوله تعالى { بلغ ما أنزل إليك } كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه وكما أمر في ذلك الحال بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك مما ذكره في الحديث " النووي على مسلم ص 1041 اهـ
و - الحديث دليل على كمال الدين وبلوغه لكل الناس لأنه - صلى الله عليه وسلم - أقر عمر على قوله " حسبنا كتاب الله " وأنتم لا تكتفون بذلك بل تزيدون من الإلهام والرؤيا ونحوه حتى قال قائلكم وهو أبو يزيد البسطامي لعلماء زمانه أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت وكان الشيخ أبو مدين - رضي الله عنه - يقول لأصحابه إذا سمع أحدا منهم يقول أخبرني فلان لا تطعمونا القديد. بغية المستفيد ص 18
الوجه الثاني عشر:
وأما قوله: " وأيضا ففي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم )) قلت فلو كان تعيين ليلة القدر للصحابة مما أوجب الله عليه لعينها لهم ولما رفعت. ص 106
والرد عليه من وجوه:
أ - هذا لا علاقة له بالموضوع لأنه - صلى الله عليه وسلم - نسي تعيينها ولم يكتمه عن العامة ويخبر به الخاصة لحديث مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال (( يأيها الناس إنها كانت أبينت لي ليلة القدر وإني خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان فنسيتها...)) الحديث مسلم ح (2774)(1/270)
ب - قال ابن حجر العسقلاني: " قوله (( فرفعت )) أي فرفع تعيينها عن ذكري هذا هو المعتمد هنا والسبب فيه ما أوضحه مسلم من حديث أبي سعيد في هذه القصة قال: (( فجاء رجلان يحتقان )) بتشديد القاف أي يدعي كل منهما أنه المحق (( معهما الشيطان فنسيتها )) فتح الباري ص 303 اهـ
ج - أنه في إخفاء ليلة القدر حكمة بالغة وهي اجتهاد الناس في رمضان التماسا لها قال ابن حجر: " لكن في الرفع خير مرجو لاستلزامه مزيد الثواب لكونه سببا لزيادة الاجتهاد في التماسها وإنما حصل ذلك ببركة الرسول - صلى الله عليه وسلم - " المرجع السابق 303 اهـ
د - لم يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بليلة القدر أحدا من الناس حتى نقول بأنه قد خصه بهذا العلم بل أخفيت ليلة القدر عن جميع الناس وبهذا يتضح أنه لا حجة في هذا الحديث من قريب ولا من بعيد ولكن هذا الرجل كالغريق يتعلق بأي شيء ولو كان فيه حتفه.
الوجه الثالث عشر:
وأما احتجاجه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خص بعض الصحابة ببعض الأحكام الشرعية ومثل لذلك بجعله - صلى الله عليه وسلم - شهادة خزيمة بشهادة رجلين إلى آخره ص 107 فباطل من وجوه:
أ- أن الذي خص به هؤلاء الصحابة كخزيمة وغيره هو أمر تنفيذي أي أنه - صلى الله عليه وسلم - استثناه من تنفيذ هذا الحكم عليه ولم يخصهم بشيء من الأمور التشريعية أصلا ولكن بعض الجهال قد لا يميزون بين الأحكام التنفيذية والأحكام التشريعية
ب - أن ما خص به النبي - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء المذكورين ليس من علم معرفة الله وتوحيده وشرعه إذ هذا لا يجوز أن يخص به أحد دون أحد التجانية علي دخيل الله ص 157 .(1/271)
ج - أنه ما خصهم بعلم معين ولا خص به أقرب الناس إليه فعن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال قلت لعلي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - : ( هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله ) قال:( لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة ) قلت: ( وما في هذه الصحيفة ؟ قال العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر ) متفق عليه وهذا اللفظ للبخاري البخاري في الجهاد باب فكاك الأسير( 3047 ) ولفظ مسلم عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطب علي ابن أبي طالب فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة قال - وصحيفة معلقة في قراب سيفه - فقد كذب، فيها أسنان الإبل وشيئا من الجراحات... الحديث صحيح مسلم ح ( 1370 ) .
د - هذه الدعاوى الباطلة بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خص بعض الناس بشيء من الوحي ليس لهم فيها سلف إلا الشيعة الرافضة الباطنية قال النووي في شرح الحديث السابق " هذا تصريح من علي - رضي الله عنه - بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم أن عليا - رضي الله عنه - أوصى إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة وأنه - صلى الله عليه وسلم - خص أهل البيت بما لم يطلع غيرهم وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها ويكفي في إبطالها قول علي - رضي الله عنه - هذا " النووي صحيح مسلم ص 855 اهـ(1/272)
هـ - عن أبي الطفيل قال كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسر إليك ؟ قال فغضب وقال ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسر إلي شيئا يكتمه الناس غير أنه حدثني بكلمات أربع قال: فقال: ما هن يا أمير المؤمنين ؟ قال: قال: (( لعن الله من لعن والده ولعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من آوى محدثا ولعن الله من غير منار الأرض )) رواه مسلم مسلم في الأضاحي باب تحريم الذبح لغير الله ( 1978) وفي رواية له عن أبي الطفيل سئل علي أخصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء ؟ قال: ما خصنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا قال فأخرج صحيفة مكتوب فيها (( لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من سرق منار الأرض ولعن الله من لعن والده ولعن الله من آوى محدثا )) المصدر السابق
الوجه الرابع عشر:
وأما قوله: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه كان يخص ببعض الأمور بعض الصحابة دون بعض والدليل على هذا ما في الصحيحين من قول أنس - رضي الله عنه - أسر إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - سرا فما أخبرت به أحدا بعده ولقد سألتني أم سليم فما أخبرتها به.(1/273)
وفيهما من قول عائشة رضي الله عنها إنا كنا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - جميعا لم تغادر منا واحدة فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي لا والله لا تخفى مشيتها من مشية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآها رحب، قال مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى حزنها سارها الثانية فإذا هي تضحك فقلت لها أنا من بين نسائه خصك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيننا ثم أنت تبكين فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألتها عما سارك قالت ما كنت لأفشي على رسول - صلى الله عليه وسلم - سره فلما توفي قلت لها عزمت عليك بمالي عليك من الحق لما أخبرتني قالت أما الآن فأخبرتني قالت أما حين سارني في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن كل سنة مرة وقد عارضني العام مرتين ولا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتق الله واصبري فإني نعم السلف أنا لك قالت فبكيت بكائي الذي رأيت فلما رأى جزعي سارني الثانية قال يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة ) اهـ ص 108.
واحتجاجه مردود من وجوه:
أ - أما حديث أنس فالسر الذي فيه مما يختص بنسائه - صلى الله عليه وسلم - وإلا فلو كان من العلم ما وسع أنسا كتمانه فتح الباري ص 2751 ومما يدل على ذلك رواية مسلم ( بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة فابطأت على أمي... الحديث صحيح مسلم ح ( 2482 ) وفي مسند أحمد عن أنس ( فأرسلني في رسالة فقالت أم سليم ما حبسك... الحديث
ب - فهذه الطرق تبين أنه - صلى الله عليه وسلم - أرسله في بعض أموره الخاصة كشؤونه الأسرية وهذا لا علاقة له بكتمان شيء من شرع الله عن الأمة اثنا عشر قرنا ثم يخص به أمثالكم من المبتدعة المسترزقة.(1/274)
ج - أما حديث عائشة في قصة فاطمة الزهراء فلا حجة فيه أصلا لأن الأمور التي أسر بها - صلى الله عليه وسلم - إلى فاطمة رضي الله عنها لا علاقة لها بالناحية التشريعية التعبدية لأن الذي أسر إليها هو دنو أجله وأنها سيدة نساء الأمة.
د - ثم إن فاطمة قد ذكرت ما أسر به - صلى الله عليه وسلم - إليها بعد وفاته وعلمه كل الناس فأين ذلك من اتهامكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتمان صلاة الفاتح لما أغلق ثم زدتم على ذلك بادعاء أنها من كلام الله تعالى وأنها أفضل من جميع الصلوات بل ومن جميع العبادات. قال التجاني: " وإن صلاة الفاتح لما أغلق أفضل من جميع وجوه الأعمال والعبادات وجميع وجوه البر على العموم والإطلاق. جواهر المعاني 1/103.
الوجه الخامس عشر:
وأما احتجاجه على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتم بعض الشرع بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرابي علم أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم اهـ ص 108 فلا حجة لك فيه من وجوه:
أ - قال ابن حجر العسقلاني: " وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم كقوله ( أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان ) يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية. لأنها كانت سنة 60 هـ " فتح الباري 1/348 اهـ
وهكذا تعلم أن العلماء متفقون على أن الوعاء المكتوم ليس مما يتعلق بالشرع أصلا.(1/275)
ب - وإنما قال بهذا التحريف الذي ذهبت إليه أضل الناس وهم الباطنية الملاحدة فجئتم تقتفون آثارهم تاركين هدي السلف الصالح { بأس للظالمين بدلا } قال العلامة ابن المنيّر: " جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا وذلك الباطن إنما حاصله الإنحلال من الدين قال وإنما أراد أبو هريرة بقوله ( قطع ) أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم " المرجع السابق اهـ
ج - أن أبا هريرة ما كان ليكتم شيئا من الشرع وهو القائل إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ثم يتلو: { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى...-إلى قوله- الرحيم } الحديث. صحيح البخاري ح ( 118 ) وصحيح مسلم ( 2492 ).
د - جهل ما كتمه أبو هريرة لا يضر المؤمن وليس مما يقرب إلى الله تعالى عكس صلاتكم المزعومة التي تفضلونها على القرآن وغيره من الكتب السماوية كما تقدم.
الوجه السادس عشر:
وأما قوله " وما فيه من قول أبي الدرداء لعلقمة أليس فيكم أو منكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره يعني حذيفة ".
وفي صحيح مسلم عن حذيفة قال أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة فما منه شيء إلا قد سألته عنه إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة اهـ ص 108
والرد عليه من وجوه:
أ - قال الحافظ:" والمراد بالسر ما أعلمه به - صلى الله عليه وسلم - من أحوال المنافقين " فتح الباري ص 1688 اهـ
قلت دليل ذلك ما روى مسلم عن حذيفة قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( في أصحابي اثنا عشر منافقا فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة ... )) وأربعة لم أحفظ ما قاله شعبة فيهم صحيح مسلم ح ( 7035 ) .(1/276)
ب - مما يؤيد ذلك أن عمر كان لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة على المنافقين وجهل المؤمن بأسماء المنافقين لا يضر. مجموعة الرسائل والمسائل ص 112 ـ 113
ج - أما ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذيفة من الفتن التي تكون بين يدي الساعة فقد أخبر به - صلى الله عليه وسلم - كل الصحابة في درس عام في المسجد النبوي الشريف فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال:( قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه... الحديث ). صحيح مسلم ح ( 7263 ) وعن أبي زيد عمرو ابن أخطب قال صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا ) وكلا الحديثين في صحيح مسلم المصدر السابق ح ( 7267 )
د - هذه التفاصيل المتعلقة بالفتن لا ينبني عليها حكم شرعي أصلا ومن جهلها لا يضر ذلك إيمانه.
الوجه السابع عشر:
وأما قوله: " وقد بوب البخاري في كتاب العلم من صحيحه فقال: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا وقال علي حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله. اهـ ص 109
والرد عليه من وجوه:
أ- هذه مغالطة مكشوفة لأن البخاري قال " كراهية أن لا يفهموا " ليبين أنها مسألة تدرج فقط فالمبتدئ في علم النحو لو ابتدأت له بكتاب سيبويه لكان ذلك فتنة له وصدا له عن هذا العلم ولكن تبدأ له بالكتب الصغيرة ثم المتوسطة ثم الكبيرة وتقدم أسهلها عبارة وأقربها فهما ولهذا قال علي حدثوا الناس بما يفهمون... الأثر.(1/277)
ب - وأن هذا في المسائل التي لا يتعلق بها صحة عبادة المسلم ولا يضر جهلها في عقيدته قال ابن حجر: " وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة ومثله قول ابن مسعود (ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) رواه مسلم وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ومالك في أحاديث الصفات وأبو يوسف في الغرائب فتح الباري ص 353.
ج - أن المراد من ترك تحديث بعض الناس أي من لا يستطيع فهم ذلك الخبر أو من سيتأوله على ما يقوي به بدعته ومذهبه أي أن العبرة إنما هي بجلب المصلحة ودرء المفسدة قال ابن حجر العسقلاني: " وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب " المرجع السابق. اهـ
الوجه الثامن عشر:
وأما قوله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان هديه أنه إذا أخبر أحدا من الصحابة بفضل كثير في مقابلة عمل يسير استكتمه عليه خشية أن يتكل الصحابة على ذلك العمل اليسير.
الرد عليه من وجوه:
أ- قوله "مقابل عمل يسير " ممنوع لأنه استدل عليه بحديث (( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار )) وهذا ليس عملا يسيرا لأنه يشمل كل الإسلام فالشرط الأول من الشهادتين في توحيد العبادة وإخلاصها له فتدخل فيه كل عبادة والشرط الثاني توحيده - صلى الله عليه وسلم - في الإتباع في كل صغيرة وكبيرة، ولكن المشكلة أنك لا تفهم معنى الشهادة وتظنها مجرد ألفاظ يترنم بها وتلحن في المناسبات.
ب - لو كان هديه - صلى الله عليه وسلم - كتم هذه الأمور لما اطلعت عليها أنت وأمثالك من الجهلة الأغبياء بل حدث بذلك عدد جم من الصحابة حتى تواتر الخبر وأشتهر انظر الأزهار المتناثرة ص33 ونظم المتواتر ص49 .(1/278)
ج - في حديث أبي هريرة عند مسلم أنه أرسل أبا هريرة بنعله يبشر الموحدين بالجنة حتى بين له عمر أن الحكمة تقضي أن لا يفعل ذلك حتى لا يتكل الناس وقد ذكرت الحديث لأنك حاطب ليل تقرأ ما لا تفهم وتهرف بما لا تعرف.
د - وإنما لم يشعه النبي - صلى الله عليه وسلم - بين العامة من أجل أن يغلبوا في الحياة جانب الخوف على الرجاء لا أنه كتمه - صلى الله عليه وسلم - ولهذا أخبر به معاذ عند موته تأثما قال النووي: " ومعنى تأثم معاذ أنه كان يحفظ علما يخاف فواته وذهابه بموته فخشي أن يكون ممن كتم علما وممن لم يمتثل أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ سنته فيكون آثما فاحتاط وأخبر بهذه السنة مخافة الإثم وعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينهه عن الإخبار بها نهي تحريم " النووي على مسلم ص 114 اهـ
وقال ابن حجر: " ودل صنيع معاذ على أنه عرف أن النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم وإلا لما كان يخبر به أصلا أو عرف أن النهي مقيد بالاتكال فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك وإذا زال القيد زال المقيد والأول أوجه " فتح الباري ص 353 اهـ
قال مفتاح التجاني:
" ثامنها أن قول التجاني - رضي الله عنه - بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عالما بهذا الفضل المتأخر عن عهد الصحابة رضي الله عنهم وأنه لم يذكره لهم لتأخره وعدم وجود من يظهره الله على يديه في ذلك الوقت لا إشكال فيه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت في الصحيحين من حديث أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للصحابة يوما ( لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم ) وثبت فيهما من حديث أسماء بنت أبي بكر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من شيء لم أكن أريته إلا قد رأيته حتى الجنة والنار ) وهذا الخبر المتأخر داخل في عموم قوله شيء في هذين الحديثين الصحيحين " ا هـ ص 112
والرد عليه من وجوه:(1/279)
ا - قوله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عالما بفضل الفاتح ولم يذكره للصحابة وهو تعريف الكتمان تماما ولا يشك مسلم في كفر من اتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التبليغ.
ب - وأما قوله " وعدم وجود من يظهره الله على يديه " صريح في تفضيل التجاني لاصحابه وأتباعه على الصحابة رضوان الله عليهم وهذا غاية الاستهزاء بالصحابة وسبهم واحتقارهم وهذا كفر بإجماع أهل الإسلام.
- قال القاضي عياض: " وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير جميع الصحابة... " الشفاء 2/1072 اهـ
- يقول السبكي: " إن سب الجميع بلا شك أنه كفر وهكذا إذا سب واحدا من الصحابة حيث هو صحابي لأن ذلك استخفاف بحق الصحبة ففيه تعرض إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا شك في كفر الساب " فتاوي السبكي 2/575 اهـ
- وقال مالك رحمه الله " من شتم أحدا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال: كانوا على ضلال وكفر قتل وإن شتهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالا شديدا " الشفاء 2/599 اهـ
- وسئل الإمام أحمد " عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة فقال ما أراه على الإسلام وسئل عمن يشتم عثمان فقال رحمه الله هذه زندقة " انظر السنة للخلال ص 493 اهـ
- قال الذهبي: " فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم وإضمار الحقد فيهم وإنكار ما ذكره الله في كتابه من ثنائه عليهم وما لرسوله الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنائه عليهم وبيان فضلهم ومناقبهم... " الكبائر للذهبي ص 285 اهـ
ج - كيف يتصور أحد أن يحمل أتباع التجاني ما عجز عن حمله ذلك الجيل الفريد الذي لم ير التاريخ مثله جيل الصحابة فهذا الكلام السخيف لو قيل لأسخف الناس أسخف ما شئت واجتهد لما استطاع أن يأتي بمثله.(1/280)
د - وأما قوله أن هذه الفرية السخيفة داخلة في عموم (( لا تسألوني عن شيء )) وحديث (( ما من شيء لم أكن رأيته )) فهذا هو غاية الجنون لأن المدعي تأليه الكواكب والأوثان سيقول إنها تدخل في عموم شيء وكفى بقول يؤول إلى تصحيح عبادة الأوثان وغيرها من سائر الضلال بطلانا.
هـ - والمعنى بقوله شيء أي مما يتعلق بالشرع لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد قال لهم (( أنتم أعلم بأمور دنياكم )) كما في صحيح مسلم صحيح مسلم الفضائل باب وجوب امتثال ما قاله شرعا... ح ( 6126 ) .
الوجه التاسع عشر:
ولقد أحسن العلامة أدييج بن عبد الله الكمليلي في رده عليكم في هذه المسألة حيث قال:
ونسبة الكتمان للنبي
تعد من مناكر البدعي
فورده صين عن الصحابة
فيما ادعى وخص بالاصابة
وذاك ينافي ما على الرسول
إلا البلاغ محكم التنزيل
واليوم أكملت لكم والمكمل
دين المخاطبين أو من يرسل مشتهى الخارف ص 71
ادعاء التجانية أن الكفار ينعمون في النار
قال مفتاح التجاني:
" وأما اعتراض هذا الجاهل المغرض على قول الشيخ التجاني في جواهر المعاني ج 1 ص 64 ولفظه ( وقد ذكر بعض أهل الحقائق أن بعض أحوال الرحمة في أهل النار من الكفار أنهم يغمى عليهم في بعض الأوقات فيكونون كالنائم لا يحسون بأليم العذاب ثم تحضر بين أيديهم أنواع الثمار والمآكل فيأكلون في غاية أغراضهم ثم يفيقون من تلك السكرة فيرجعون إلى العذاب...)" اهـ ص 114.
الرد عليه أكثر من أربعين وجها ترجع إجمالا إلى عشرين:
الوجه الأول:(1/281)
لم لم تذكر بداية الكلام أم حذفته لما فيه من الكفر الصريح إذ صرح بمحبة الله للكفار ورد صريح القرآن الكريم وإليك نص كلامه: " وقد استدل شيخنا - رضي الله عنه - فيما ذكره في شرح هذه الآية المتقدمة من أن الكفار داخلون في حيطة محبة الله ورحمته بقوله سبحانه: { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون } قال - رضي الله عنه - معناه فسأكتبها خالصة من العذاب للذين يتقون دلت الآية على أن خلق الله قسمان القسم المرحوم المعذب فقال سبحانه وتعالى: { عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء } وأما الصنف الثاني الذي هو مرحوم بلا عذاب فقال سبحانه وتعالى في حقهم { فسأكتبها للذين يتقون } وما ورد مما يناقض عموم الرحمة في قوله تعالى: { والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم } فالرحمة في هذه الآية التي يئسوا منها هي الجنة فقط فإنها محرمة على كل كافر وليست الجنة هي غاية رحمة الله تعالى فإن رحمة الله تعالى لا تحيط بها العقول يرحم الكفار حيث يشاء وقد ذكر بعض أهل الحقائق... إلخ اهـ
الوجه الثاني:
هذا الكلام صريح في محبة الله للكفار وقد قدمنا الأدلة القطعية على كفر معتقد ذلك ولله الحمد.
الوجه الثالث:
مضمون هذا الكلام كما ترى هو الدعوة إلى الكفر وصد الناس عن الإسلام لأنه يقول لهم أنهم مرحومون منعمون في نارهم.
الوجه الرابع:
كلامه صريح في إنكار الوعيد وإنما يتخرج ذلك على عقيدتهم في وحدة الوجود فالكون كله مؤمنه وكافره هو الله ولهذا قال أبو يزيد البسطامي الذي هو أول من أدخل هذه الفكرة إلى المسلمين ما نصه: " ما النار ؟ لأستندن إليها غدا وأقول اجعلني فداءا لأهلها وإلا بلعتها ما الجنة ؟ لعبة صبيان ومراد أهل الدنيا " سير أعلام النبلاء 13/88 اهـ
الوجه الخامس:
واعلم أن إنكار الوعيد كفر مخرج من الإسلام إجماعا.(1/282)
أ - قال القاضي عياض: " وكذلك من أنكر الجنة أو النار أو البعث أو الحساب أو القيامة فهو كافر بإجماع للنص عليه وإجماع الأمة على صحة نقله متواترا وكذلك من اعترف بذلك ولكنه قال إن المراد بالجنة والنار والحشر والنشر والثواب والعقاب معنى غير ظاهر وأنها لذات روحية ومعان باطنة كقول النصارى والفلاسفة والباطنية وبعض المتصوفة" الشفاء 2/1077 اهـ
ب - وقال ابن حزم: " وأن ما في القرآن من أمور الجنة من أكل وشرب وجماع والحور العين والولدان المخلدين ولباس وعذاب في النار بالزقوم والحميم والأغلال وغير ذلك فكله حق... فمن خالف شيئا من هذا فقد خرج عن الإسلام لخلافه القرآن والسنة والإجماع " الدرة 221 بتصرف يسير اهـ
ج - ذكر ابن نجيم كفر من أنكر الجنة أو النار أو الحساب كما يكفر من انكر الوعد والوعيد. انظر البحر الرائق 5/129 فما بعدها
د - جاء في الفتاوي البزازية " أو أنكر وعدا أو وعيدا يكفر إذا كان الجزاء ثابتا بالقطع " 3/323 اهـ
هـ - قال الغزالي: " من زعم أن الجنة لذة روحية وأن النار شقاء نفسي...ثم قال: والذي نختاره ونقطع به أنه لا يجوز التوقف في تكفير من يعتقد شيئا من ذلك لأنه تكذيب صريح لصاحب الشرع ولجميع كلمات القرآن من أولها إلى آخرها " فضائح الباطنية ص 153 بتصرف اهـ
و - قال الشربيني: " ويكفر إن أنكر الجنة أو النار أو الحساب أو العقاب أو أقر بها لكن قال المراد بها غير معانيها " مغني المحتاج 4/136 وانظر قليوبي وعميرة 4/175 والإعلام لابن حجر الهيتمي ص 357 ـ 374 اهـ(1/283)
ز - وقال ابن تيمية: " وقد يقول حذاق هؤلاء من الاسماعيلية والقرامطة وقوم يتصوفون أو يتكلمون وهم غالية المرجئة: إن الوعيد الذي جاءت به الكتب الإلهية إنما هو تخويف للناس لتنزجر عما نهيت عنه من غير أن يكون له حقيقة... وهؤلاء هم الكفار برسل الله وكتبه واليوم الآخر المنكرون لأمره ونهيه ووعده ووعيده " مجموع الفتاوى 19/150 بتصرف اهـ
ح - وذكر البهوتي أن مما يوجب الردة: السخرية بالوعد أو الوعيد. انظر كشاف القناع 6/170
ط - وقال ابن جزي: " لا خلاف في تكفير من نفى الربوبية أو الوحدانية... أو قال الثواب والعقاب معنويان " القوانين الفقهية 313 بتصرف اهـ
الوجه السادس:
انظر كيف يتلاعب بالقرآن ويحرفه كما يشاء ويصرفه عن ظاهره بغير برهان ولا شك أن هذا من التفسير بالرأي المذموم قطعا بل من الإستهزاء بالقرآن لأنه من جنس تأويل القرامطة والباطنية.
الوجه السابع:
قال الشيخ إبراهيم القطان:" فانظروا يا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما في هذا من الكفر الصريح المكذب للقرآن العزيز بجعل رحمة الله تنال الكفار في الآخرة وقد قال تعالى: { والذين كفروا بآياتات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي } وقال تعالى { كما يئس الكفار من أصحاب القبور } . مخازي الولي الشيطاني الملقب بالتجاني ذيل مشتهي الخارف ص 605 اهـ
الوجه الثامن:
وقصره للرحمة على الجنة لا حجة عليه من كتاب ولا سنة ولا قول صاحب ولا تابع ولا أثارة عن أحد من علماء الإسلام وإنما هي من وحي الشيطان عليه وعلى شيخه ابن عربي.
الوجه التاسع:
أما قوله بتوقف العذاب عن أهل النار والتنعم فيها بأكلهم ما يشاؤون من الثمار والمآكل فقد بلغ الغاية في معارضة الوحي ومعاندته وإنكار المعلوم من الدين ضرورة.
- قال تعالى: { ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع } [ الغاشية 6- 7 ].(1/284)
- وقال: { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين } [ الأعراف 50 ].
- وقال: { لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا } [ النبأ 25 ].
- وقال: { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم } [ الدخان 44 ].
- وقال: { فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين } [ الحاقة 35-37 ].
- وقال: { إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما } [ المزمل 12-13 ].
- وقال: { ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نزلهم يوم الدين } [ الواقعة 51 - 56 ].
وقال: { أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار } [ البقرة 174 ]
وقال: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا } [ النساء 10 ].
الوجه العاشر:
وقد صرح أن الكافر مرحوم منعم كالمؤمن إلا أن المؤمن لا يسبق نعيمه عذاب عكس الكافر وهذه هي منزلة المؤمن الفاسق لأنه يعتقد أن الكل مؤمنون تبعا لعقيدة وحدة الوجود.
الوجه الحادي عشر:
وأما ادعاؤه تخفيف العذاب عن الكفار في بعض الأوقات فهو باطل لقوله تعالى: { وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } [ غافر 49-50 ] وقال: { لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور } [ فاطر 36 ] وقال: { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب } [ النساء 56 ] وقال: { كلما خبت زدناهم سعيرا } [ الإسراء 97 ].
الوجه الثاني عشر:(1/285)
قول مفتاح التجاني: " فقوله نضجت جلودهم ظاهرها أن الإحساس بالألم ينقطع في لحظة نضج الجلود ولذا قال تعالى بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب وقوله تعالى: { كلما خبت زدناهم سعيرا } فقوله { كلما خبت } ظاهر في تخفيف العذاب عن أهل النار حالة خبوها... " اهـ
وهذا باطل من وجوه:
أ - هاتين الآيتين صريحتين في استمرار العذاب للكافرين في النار وعدم تخفيفه أبدا وقد تضافرت الآيات القرآنية على ذلك وخير ما يفسر به القرآن هو القرآن نفسه.
- قال تعالى: { أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون } [ البقرة 86 ].
- وقال: { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون } [ البقرة 161 - 162 ].
- وقال: { أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون } [ آل عمران 87 - 88 ].
- وقال: { وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولاهم ينظرون } [النحل 85 ].
- وقال: { والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور } [ فاطر 36 ].
- وقال: { وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تك تاتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } [ غافر 49 - 50 ].
- وقال: { فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق } [ الحج 19 - 22 ] والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة.(1/286)
ب - أما الآية الأولى فهي صريحة في استمرار العذاب وعدم تخفيفه لحظة واحدة قال الرازي: " هذا استعارة عن الدوام وعدم الانقطاع كما يقال لمن يراد وصفه بالدوام كلما انتهى فقد ابتدأ وكلما وصل إلى آخره فقد ابتدأ من أوله فكذا قوله { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } يعني كلما ظنوا أنهم نضجوا واحترقوا وانتهوا إلى هلاك أعطيناهم قوة جديدة من الحياة بحيث ظنوا أنهم الآن حدثوا ووجدوا فيكون المقصود بيان دوام العذاب وعدم انقطاعه" التفسيير الكبير 3/239 اهـ
ج - أن المعروف المشاهد أن تبديل الجلد إنما يكون مما تحته من اللحم فكلما احترق جزء من الجلد فالذي يليه من اللحم قد صار جلدا تلقائيا ويكون أضعف من الجلد الأصلي وأشد حساسية وتأثرا بالعذاب قال السدي: " أنه تعالى يبدل الجلود من لحم الكافر فيخرج من لحمه جلد آخر " المرجع السابق اهـ
د - وقوله في الآية { ليذوقوا العذاب } صريحة جدا لأنها تدل على أنهم يحسون بالعذاب أبد الدهر كإحساسهم به لأول مرة وهو المعبر عنه بالذوق لأنه في الأول أشد عادة قال الرازي: قوله { ليذوقوا العذاب } أي ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع كقولك للمعزوز أعزك الله أي أدامك على العز وزادك فيه وأيضا المراد { ليذوقوا } بهذه الحالة الجديدة العذاب وإلا فهم ذائقون مستمرون عليه المرجع السابق 3/239 اهـ
وقال أبو السعود: " والتعبير عن إدراك العذاب بالذوق ليس لبيان قلته بل لبيان أن إحساسهم بالعذا في كل مرة كإحساس الذائق بالمذوق من حيث أنه لا يدخله نقصان بدوام الملامسة أو للإشعار بمرارة العذاب مع إيلامه أو التنبيه على شدة تأثيره من حيث أن القوة الذائقة أشد الحواس تأثرا " المرجع السابق اهـ.(1/287)
هـ - أما الآية الثانية فهي في معنى الآية الأولى لأن النار ما خبت إلا لنضج الجلود لأن ذلك هو وقودها { وقودها الناس والحجارة } { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } وزيادة سعيرها بأن يبدل الله لهم جلودا غيرها قال أبو السعود:" { كلما خبت زدناهم سعيرا } أي كلما سكن لهبها بأن أكلت جلودهم ولحومهم ولم يبق فيهم ما تتعلق به النار وتحرقه.
الوجه الثالث عشر:
وأما استدلال مفتاح على أن العذاب يخفف عن الكفار بين النفختين بقوله تعالى: { قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } .
فالرد عليه من وجوه:
أ - هذه استدلال بكلام الكفار ولا حجة فيه لأنه لا يصدق في الحالة العادية فكيف إذا كانوا في ذلك الوقت الذي بلغت فيه قلوبهم حناجرهم وافئدتهم هواء بل هم سكارى من شدة هول الموقف العظيم قال الشوكاني: " { من بعثنا من مرقدنا } ظنوا لإختلاط عقولهم بما شاهدوا من الهول وما داخلهم من الفزع أنهم كانوا نياما " فتح القدير 4/374 اهـ
ب - في استدلاله بهذه الآية تقديم لظن الكفار في حالة فزعهم وخوفهم على الكتاب والسنة واجماع أهل الإسلام قال عياض: " انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وإن كان بعضهم أشد عذابا من بعض " فتح الباري 9/176 اهـ
ج - أن المراد بالمرقد هنا المخرج قاله ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس كما في البخاري عند تفسير هذه الآية . صحيح البخاري 6/29
د - أن المراد بالمرقد المضجع هو القبر لأن هذا هو معناه اللغوي قال في القاموس " وكمسكن المضجع " القاموس ص 257 وفي اللسان " ويحتمل أن يكون المرقد مصدرا ويحتمل أن يكون موضعا وهو القبر " لسان العرب 3/183(1/288)
هـ - قال ابن كثير: " { قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } يعنون قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها فلما عاينوا ما كذبوا به في محشرهم { قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد " تفسير ابن كثير 4/2370 ونحوه عند القرطبي 10/32 اهـ
ومن شدة خيانته في النقل وتحريفه للكلام حذف بداية كلام ابن كثير كله وبدأ بقوله " هذا لا ينفي ... إلخ
و - هذه الآية أجنبية على الموضوع الذي هو عذاب الكفار في النار والآية إنما هي فيما يتعلق بالنفخ في الصور والبعث فقام لجهله بالخلط بين هذا وذاك.
الوجه الرابع عشر:
وأما قوله: " أن عرض آل فرعون في الدنيا على النار وهم في البرزخ فيه التخفيف البين بالنسبة لما هم صائرون إليه يوم القيامة قال تعالى { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } اهـ 116.
والرد عليه من وجوه:
أ - لا علاقة للآية بموضوع تخفيف عذاب الكفار في نار جهنم وإنما تتحدث عن عذابهم البرزخي قبل أن يردوا إلى عذاب النار وبئس المصير.
ب - لا شك أن عذاب النار لا يقارن بأي عذاب آخر في الدنيا ولا في البرزخ وهذا لا يختلف فيه شخصان ولا تنتطح فيه عنزان.
ج - ما مثلك إلا كمن قال فرعون عذب في الدنيا بالغرق وغيره وهذا العذاب الدنيوي أشد منه عذاب النار في الآخرة فنقول لك هذا هروب من موضع النقاش إلى ما لا علاقة له بالموضوع.
الوجه الخامس عشر:
وأما قوله: " وإن في غلق أبواب النار في شهر رمضان لرفعا لعذابها عن جميع المعذبين في البرزخ بما في ذلك الكفار ا هـ ص 116
وهذا مردود من وجوه:(1/289)
ا - هذا لا علاقة له بتخفيف عذاب الكفار في النار الذي ادعى شيخكم وقد عودتنا على هروبك من موضع النقاش عند ما تعوزك الحجة ويدمغك البرهان وهنا هربت إلى تخفيف العذاب في البرزخ حسب دعواك الباطلة.
ب - لا علاقة بين غلق أبواب النار وتخفيف عذاب أهل القبور لأنه لا يمتنع عقلا ولا شرعا أن يصلهم في قبورهم من حرها وسمومها مع غلق أبوابها.
ج - الظاهر أن الكافر يفتح له باب خاص به من النار ليس من أبوابها السبعة المعروفة -الله أعلم بكيفية ذلك الباب- لحديث البراء الطويل وفيه ( فينادي مناد من السماء أن كذب أفرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها... ) الحديث انظر الحديث في أبي داود 2/ 281 والحاكم 1/37 ـ 40 والطيالسي ح ( 753 ) وأحمد 4/287، 288، 295، 296. .
قوله عند كل كافر ( افتحوا له بابا إلى النار ) يؤكد أنها ليست الأبواب السبعة إذ لو كانت هي لما أمر بفتحها بعد الكافر السابع لأنها مفتوحة أصلا وتحصيل الحاصل محال.
د - وإذا مات الكافر في رمضان فإنه سيقال ( افتحوا له بابا إلى النار ) وهذا صريح في أنها ليست الأبواب السبعة المغلقة في رمضان.
الوجه السادس عشر:
وأما ما نسب إلى شيخه من القول بتأبيد عذاب الكفار في النار وإلى شيخ الإسلام وابن القيم من القول بفناء النار.
فالرد عليه من وجوه:
أ- أن شيخك قصده بعذابهم غاية النعيم كما تقدم عنه أنه قال: " فيكونون كالنائم لا يحسون بأليم العذاب ثم تحضر بين أيديهم أنواع الثمار والمآكل فيأكلون في غاية أغراضهم "
ب - لا يمكن أن يقصد شيخك التجاني العذاب الحقيقي للكفار لأنه يعتقد أنهم الله لأنه هو الوجود المطلق عنده كما تقدم.(1/290)
ج - لقد قال شيخك كما تقدم " وإن عبد الأوثان من عبدها فما عبدوا غيري " فلا يمكن أن يعتقد مع هذا عذابهم وإنما يعتقد أنهم مرحومون رحمة عامة لا ينقصها إلا دخول الجنة ثم حول لهم نارهم إلى جنة يتنعمون فيها ولا يحسون بالعذاب.
د - أما ما نسبت إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وشمس الدين ابن القيم فأثبت العرش ثم انتقش لأنك لم تعز شيئا من ذلك إلى شيء من كتبهما المعروفة مع كثرتها وإنما نسبته إلى حادي الأرواح فقط ولم ينسب ابن القيم هذا القول إلى شيخ الإسلام ولا إلى نفسه وعزوك ذلك إليه بالصفحة ( حادي الأرواح ص 249 - 252 ) ليفضحك الله على رؤوس الأشهاد وإنما عزاه إلى قوم لم يذكرهم أصلا.
يا ناطح الجبل العالي ليوهنه
أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
وما أنت إلا:
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
هـ - لو صح ما قلت عن الشيخين لكنا أول من ينكر عليهما لأننا لا نعتقد فيهما ولا فيمن هو أجل منهما من العلماء العصمة من الزلل والخلل خلافا لكم أنتم الذين تعتقدون أن شيخكم أخذ هذه الأمور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقظة ولا يمكن أن تكون خطأ بل هي صواب عندكم.
الوجه السابع عشر:
كل الشبه الباطلة التي ذكرت تدور حول تخفيف العذاب على الكافرين لكنك لم تتطرق إلى نعيمهم في النار الذي نص عليه شيخك فيما نقلت عنه فشبهتك أخص من دعوى شيخك.
الوجه الثامن عشر:
قول التجاني هذا إنما أخذه عن ابن عربي الحاتمي فإنه قال إن أهل النار الذين يعذبون فيها من الكفار أنه تتحول طبيعتهم إلى طبيعة نارية فيتلذذون ويتنعمون في النار لموافقتها لطبيعتهم قال شارح الطحاوية "وهذا قول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي " شرح الطحاوية 427 وحادي الأرواح ص 300 اهـ
وقال ابن عربي الحاتمي في كتابه الفصوص:
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده
... ... ...
وما لوعيد الحق عين تعاين(1/291)
وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم
...
... ... ...
على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد
... ... ...
وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة لفظه
... ... ...
وذاك له كالقشر والقشر صائن فصوص الحكم لابن العربي ص 93 ـ 94
الوجه التاسع عشر:
أن نص كلام التجاني أن الكفار يعذبون أولا ثم ينعمون بعد ذلك ولا يحسون بأليم العذاب وهذا هو نص كلام اليهود عليهم لعائن الله تعالى: { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [ البقرة 80 - 81 ].
الوجه العشرون:
حقيقة الأمر أنهم لا يؤمنون بالآخرة أصلا فلا بعث عندهم ولا نشور لأن كل شيء في الوجود هو الله تعالى وتقدس عما يقولون وقد صرح بهذا أحد أكابرهم وهو محمد الأمين بن سيدنا فقال: " لا بعث في الآخرة وإنما البعث الآن واستدل بقوله تعالى { فهذا يوم البعث } قال والإشارة بهذا تفيد القرب وحكاية هذا القول تغني عن رده.
قائمة المراجع
إحياء علوم الدين / أبو حامد الغزالي
الأدب المفرد / الإمام البخاري
الأذكار / الإمام النووي
إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول / محمد بن علي الشوكاني
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل / الألباني
الإستيعاب / ابن عبد البر
الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة / الملا علي القارئ
إسعاف ذوي الوطر شرح منظومة الأثر/ الأتيوبي
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن / محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي
الإعتصام / أبي إسحاق الشاطبي
الإعلام بقواطع الإسلام / لأحمد بن حجر الهيتمي
الأعلام لخير الدين الزركلي(1/292)
الإفادة الأحمدية لمريد السعادة الأبدية / محمد الطيب بن محمد الحسني السفياني
اقتضاء الصارط المستقيم مخالفة أصحاب الحجيم / شيخ الإسلام ابن تيمية
إكمال المعلم بفوائد مسلم / القاضي عياض
الأم / الإمام الشافعي
الأمثال / أبي الشيخ
البحر الرائق شرح كنز الدقائق / ابن نجيم الحنفي
البحر المحيط / أبو عبد الله محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان
البداية والنهاية / الحافظ ابن كثير
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع / الشوكاني
بغية المستفيد بشرح منية المريد/ محمد العربي السائح الشرقي العمري
تاريخ ابن معين
تاريخ الإسلام / شمس الدين الذهبي
تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي
تاريخ دمشق / ابن عساكر
التجانية (دراسة لأهم عقائد التجانية على ضوء الكتاب والسنة ) / علي بن محمد الدخيل الله
التحبير في علم التفسير / الحافظ جلال الدين السيوطي
تحفة الزائر في تاريخ الجزائر / محمد بن عبد القادر الجزائري
تحفة الذاكرين شرح حصن الحصين / الشوكاني
تدريب الراوي على تقريب النواوي / السيوطي
الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا / أبي القاسم الزياني
الترغيب والترهيب / الحافظ المنذري
التصوف الإسلامي تاريخه ومدارسه وطبيعته وأثره / أحمد توفيق العياد
التصوف بين الحق والخلق / محمد فهد سقفه
تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس / ابن حجر العسقلاني
تفسير ابن أبي حاتم
تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ) / أبو السعود
تفسير القرآن العظيم / الإمام إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي
التفسير القيم / شمس الدين ابن القيم
التفسير الكبير / الفخر الرازي
تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) / النسَفي
تفسيرالقرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار / الأستاذ محمد رشيد رضا(1/293)
تقريب التهذيب / ابن حجر العسقلاني
تمييز الطيب من الخبيث / ابن الديبع
تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي (مصرع التصوف ) / براهان الدين البقاعي
تنزيه الشريعة / ابن عراق
تهذيب التهذيب / ابن حجر العسقلاني
تهذيب الكمال / الحافظ المزي
تهذيب رسالة البدر الرشيد / محمد بن إسماعيل الرشيد
التوصل إلى حقيقة التوسل / محمد نسيب الرفاعي
تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد / سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب
جامع البيان في تأويل القرآن / أبي جعفر محمد بن جرير الطبري
جامع العلوم والحكم / أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي
جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله / أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري
الجامع لأحكام القرآن / أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي
الجامع للأصول / ابن الأثير
جمع الجوامع في أصول الفقه/ السبكي
جناية المنتسب العاني فيما نسبه بالكذب للشيخ التجاني / أحمد سكيرج
جواهر الرسائل/ إبراهيم انياس
جواهر المعاني وبلوغ الأماني/ علي حرازم بن العربي برادة المغربي الفاسي
الجيش الكفيل لأخذ الثار ممن سل على الشيخ التجاني سيف الإنكار / محمد بن محمد الصغير الشنقيطي التيشيتي
حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح / شمس الدين ابن القيم
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدرديري
الحاوي للفتاوي/ جلال الدين السيوطي
الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية / العلامة عبد الغني النابلسي الحنفي
حصول الاماني بتقريظ مشتهى الخارف الجاني
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء / الحافظ أبو نعيم الأصبهاني
خريف الفكر اليوناني / عبد الرحمن البدوي
الدر المنثور في التفسير المأثور / الحافظ جلال الدين السيوطي
دراسات في الفلسفة اليوناية والعربية / إنعام الجندي(1/294)
الدرة الخريدة شرح الياقوتة الفريدة / حمد فتحا بن عبد الواحد النطيفي
دلائل النبوة / الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي
دلائل النبوة / الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني
ديوان محمد بن أبنُ بن أحميدا
ذخائر الأغلاق شرح ترحمان الأشواق / ابن عربي
ذم الكلام / الهروي
الرد على القائلين بوحدة الوجود / الملا علي القاري
رشق السهام على ما في كلام المنكر على الشيخ التجاني من الأغلاط والأوهام / محمد فال (أباه ) ولد عبد الله
رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم / عمر ابن سعيد الفوتي الطوري
روح المعاني / الآلوسي
الروض الأنف/ عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي
رياض الصالحين / النووي
سلسلة الأحاديث الصحيحة / الألباني
سلسلة الأحاديث الضعيفة / الألباني
السلفية وأعلامها في موريتانيا / الشيخ الطيب بن عمر بن الحسين
السنة / ابن أبي عاصم
السنة / أبو بكر الخلال
سنن ابن ماجه
سنن أبي داود
سنن البيهقي
سنن الترمذي
سنن الدارمي
سنن النسائي
سير أعلام النبلاء /شمس الدين الذهبي
السيرة النبوية / أبو محمد عبد الملك بن هشام الحميري
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة / أبي القاسم اللالكائي
شرح الأذكار / ابن علان
الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب مالك / أحمد الدرديري
شرح الطحاوية / علي بن علي بن محمد بن أبي العز
شرح المواقف في علم الكلام / الإيجي
شرح المواهب اللدنية بالمنح المحمدية / أحمد بن محمد القسطلاني
شرح النووي على مسلم (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ) النووي
الشريعة / أبو بكر الآجري
شعب الإيمان / البيهقي
شعراء موريتانيا / محمد يوسف مقلد
الشفاء بتعريف حقوق المصطفى / للقاضي عياض بن موسى اليحصبي(1/295)
شن الغارات على أهل وحدة الوجود ومعية الذات / محمد بن أبي مدين الديماني
الصارم المنكي في الرد على السبكي / ابن عبد الهدي
صحيح ابن خزيمة
صحيح البخاري
صحيح مسلم
الصوفية معتقدا ومسلكا / د.صابر طعيمة
صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان / محمد بشير السهسواني الهندي
صيد الخاطر / جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي
الضعفاء / الذهبي
الضعفاء الصغير / البخاري
الضعفاء الصغير / النسائي
الضعفاء / الدارقطني
الضعفاء / العقيلي
الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق / الشيخ سليمان بن سحمان
طبقات ابن سعد
الطبقات الكبرى /الشعراني
طرح التثريب شرح التقريب / زين الدين العراقي وابنه ولي الدين أبو زرعة
عارضة الأحوذي / ابن العربي
العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ / صالح بن المهدي المقبلي
عمدة القاري شرح صحيح البخاري / العيني
عمل اليوم والليلة / النسائي
عمل اليوم والليلة / ابن السني
الفتاوى البزازية (بهامش الفتاوى الهندية العلمكيرية )
فتاوى السبكي
فتح الباري شرح صحيح البخاري / العسقلاني
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير / الإمام محمد بن علي الشوكاني
فتح المغيث شرح ألفية الحديث / السخاوي
الفصل في الملل والأهواء والنحل / أبي محمد علي بن سعيد بن حزم الأندلسي
فصوص الحكم / ابن عربي الحاتمي
فضائح الباطنية / الغزالي
الفوائد المجموعة في الأحديث الموضوعة / الشوكاني
فيض القدير شرح الجامع الكبير / عبد الرؤوف المناوي
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة /شيخ الإسلام ابن تيمية
القاموس المحيط / الفيروزبادي
حاشيتا القليوبي وعميرة على منهاج الطالبين / قليوبي وعميرة
القوانين الفقهية / ابن جزي الكلبي
كاشف الألباس عن فيضة الختم أبي العباس / إبراهيم انياس(1/296)
الكاشف / الذهبي
الكامل / ابن عدي
الكبائر / شمس الدين الذهبي
الكبير / البخاري
كتاب الوجود / محمود أبو الفيض المنوفي
مسند القضاعي
كشاف القناع عن متن الاقناع / منصور البهوتي
كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب / أحمد سكيرج
كشف الخفا ومزيل الألباس / العجلوني
الكفاية في قوانين الرواية /الخطيب البغدادي
لسان العرب / ابن منظور
لسان الميزان / ابن حجر
الله ذاتا وموضوعا / عبد الكريم الخطيب
المبدع في شرح المقنع / ابن مفلح
مجابي الدعاء / ابن أبي الدنيا
المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين / أبو حاتم ابن حبان البستي
مجلة الأزهر
مجلة الحكمة
مجلة الرسالة
مجلة الفتح
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / الحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي
مجموع الرسائل والمسائل / شيخ الإسلام ابن تيمية
مجموع الفتاوى / شيخ الإسلام ابن تيمية
محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين / فخر الدين الرازي
مخازي الولي الشيطاني المدعو التجاني الجاني / الشيخ إبراهيم القطان
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين / ابن القيم
المدخل إلىمعرفة الصحيح / الحاكم أبو عبد الله
مراتب الإجماع / ابن حزم
المستدرك على الصحيحين / الحاكم أبو عبد الله
مسند أبي داود الطيالسي
مسند أبي يعلى الموصل
مسند الإمام أحمد بن حنبل
مسند الفردوس / الديلمي
مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني /محمد الخضر بن ميابا الجكني
مصباح الزجاجة / البصيري
مصرع الشرك والخرافة / خالد محمد
مصنف ابن أبي شيبة
معارج القبول شرح سلم الأصول / حافظ حكمي
معجم الطبراني الأوسط
معجم الطبراني الصغير
معجم الطبراني الكبير
المعجم الفلسفي / د. جميل صليبا
معرفة علم الحديث/ الحاكم(1/297)
مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج /الخطيب الشربيني
المغني / ابن قدامة
المقصد الأحمد في التعريف بسيدنا أبي عبد الله أحمد / أبي محمد عبد السلام بن الطيب القادري الحسيني
منح الجليل شرح مختصر خليل / محمد عليش المالكي
منية المريد في آداب وأوراد الطريقة التجانية / بابا الشنقيطي العلوي
الموافقات في أصول الأحكام / الشاطبي
الموضوعات / ابن الجوزي
موطأ الإمام مالك
ميدان الفضل والإفضال في شم رائحة جوهرة الكمال / عبيدة بن محمد الصغير الشنقيطي
ميزان الإعتدال في نقد الرجال / أبو عبد الله أحمد بن عثمان الذهبي
نثر الورود شرح مراقي السعود / محمد الأمين الشنقيطي
نشر البنود شرح مراقي السعود / سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج / الرملي
النهاية في غريب الحديث / ابن الأثير
الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية / د. محمد تقي الدين الهلالي
هذا هو الإسلام / فاروق الرملوجي
الوسيط في تراجم أدباء شنقيط / أحمد بن الأمين الشنقيطي
وفاء الوفاء / السمهودي
الياقوتة الفريدة في الطريقة التجانية / محمد فتحا عبد الواحد محمد النطيفي
فهرس الموضوعات
المقدمة ... 1
الرد على مقدمة مفتاح ... 3
الرد على شبهات المتوسلين بالجاه: أولا من القرآن الكريم أربع آيات ... 3
الآية الآولى ... 3
الآية الثانية ... 5
الآية الثالثة ... 7
الآية الرابعة ... 8
ثانيا من السنة: ... 10
أ- الأحاديث الصحيحة: ... 10
- حديث توسل عمر بالعباس ... 10
- أحاديث الشفاعة الكبرى ... 11
ب- الأحاديث الضعيفة والموضوعة: ... 12
الأول: حديث الأعمى ... 12
الثاني: حديث أبي سعيد: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك … ... 15
الثالث: حديث بلال بنحو حديث أبي سعيد ... 17
الرابع: حديث أبي أمامة بنحوه ... 17(1/298)
الخامس:حديث ابن عباس: الكلمات التي تلقى آدم ... 18
السادس:حديث أنس: لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علي ... 18
السابع: حديث أنه كان يستشفع بصعاليك المهاجرين … ... 19
الثامن: حديث: لما اقترف آدم الخطيئة … ... 19
التاسع: توسلوا بجاهي … ... 21
العاشر : " إذا أعيتكم الأمور " ... 22
الحادي عشر:" لولا عباد ركع " ... 23
الثاني عشر: " إذا انفلتت دابة أحدكم " ... 23
الثالث عشر: " إذا أضل أحدكم شيئا " ... 24
الرابع عشر: " اللهم إني أسألك بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك " ... 25
الخامس عشر: حديث ابن عباس في حفظ القرآن ... 26
السادس عشر: قال داود عليه السلام: أسألك بحق آبائي ... 27
السابع عشر : حديث مالك الدار خازن عمر قال أصاب الناس قحط " ... 28
الثامن عشر: حديث عام الفتق ... 29
التاسع عشر: قصة الأعرابي الذي قال: " اللهم إن هذا حبيبك وأنا عبدك " ... 29
العشرون: قصة الأعرابي الذي قال: " أتيناك العذارء يدمى لبانها " ... 30
الواحد والعشرون: قصة سواد بن قارب ... 31
الثاني والعشرون: مرثية صفية ... 32
الثالث والعشرون:قصة العتبي ... 33
الرابع والعشرون:قصة وبن الزبير وابن عمر ومصعب وعبد الملك عند الكعبة ... 34
الخامس والعشرون:" عن ابن عباس أوحى الله إلى عيسى آمن بمحمد " ... 35
السادس والعشرون: دعاء الشافعي عند قبر أبي حنيفة ... 36
السابع والعشرون:قصة مالك مع أبي جعفر المنصور ... 37
الشبه العقلية ... 38
الشبهة الأولى: قياس الخالق على المخلوق ... 38
الشبهة الثانية: التوسل لا مانع منه وإن لم يثبت ... 38
الشبهة الثالثة: قياس التوسل بالذات على التوسل بالعمل الصالح ... 39
الشبهة الرابعة: قياس التوسل على التبرك ... 39
نص محاكمة التجانية الشهيرة في مدينة بوتلميت ... 40
قصيدة ولد ابنُ في الرد على التجانية ... 41
قصيدة محمد بن حبيبا ... 42
قصيدة محمد عبد الله بن أحمذَيَّ ... 43(1/299)
أرجوزة أدييج الكمليلي في الرد على التجانية ... 44
ردود العلامة باب بن الشيخ سيديا ... 45
قصيدة محمد محمود بن أحمذَيَّ ... 46
ردود محمد بن أبي مدين عليكم ... 47
أرجوزة الشيخ أحمد بن حبيب الرحمن ... 49
ردود العلامة آب ولد اخطور ... 50
أرجوزة ابن بدح في الرد عليكم ... 50
رد العلامة محمد رشيد رضا عليكم ... 52
رد العلامة بخيت المطيعي ... 52
قصيدة محمد ناصر السنة ... 53
قصيدة محمد مولود ولد أحمد فال المباركي ... 54
أكثر من عشرة أمثلة من تحريفات مفتاح وتلبيساته ... 57
الرد على قواعد مفتاح في الجرح والتعديل ... 59
المؤلفات في مصطلح الحديث ... 59
علاقة التجانية بالنصرانية ... 63
خدمة التجانية للمستعمر الفرنسي ... 64
احتقار التجاني لكل الأولياء ... 65
الرد على دفاع مفتاح التجاني عن شيخه ... 67
عزوه للحديث الضعيف بصغة الجزم ... 67
اعترافهم بقتل وسجن ومحاكمة أسلافهم من ضلال المتصوفة ... 69
من الحالات التي تجوز فيها الغيبة ... 71
ضعف حديث جابر وأبي طلحة عند أبي داود ... 72
ترجمة التجاني مغالطات مكشوفة ... 73
التجاني يفضل نفسه على كل الأنبياء والأولياء ... 73
التجاني منسوب إلى أخواله " بنو توجين " ... 75
التجاني يزوِّر العملات ... 75
جواهر المعاني مسروق من كتاب المقصد الأحمد ... 75
التجاني يشهد على نفسه بالجهل وأنه ما شم رائحة الإسلام..................77-78
تكفير أكثر من خمسين عالما لابن عربي الحاتمي ... 79
تعقيبات على ترجمة البكري ... 91
ملاحظات على ترجمة البسطامي ... 95
مفتاح يحذف من كلام الذهبي في ترجمة البسطامي ... 95
مفتاح التجاني يمدح رسالته في تصحيح حديث الضرير ... 97
أكثر من عشرة أمثلة على أغلاطه وأخطائه في هذه الرسالة ... 97
رمتني بدائها وانسلت ... 100
مفتاح التجاني ينكر أن الإيمان بالله وكتابه ورسوله من قواعد الإسلام ... 101
التضايق من السؤال علامة للعجز عن الجواب ... 103(1/300)
التجانية تقول بأن كل الكفار لا يعبدون إلا الله وإن عبدوا الأوثان في الظاهر ... 103
ابن عربي يدافع عن الكفار ... 104
تسمية أهل السنة حشوية هي علامة زنادقة المبتدعة ... 104
علاقة التجانية بالفلسفة ... 104
الكلام على وحدة الوجود ... 107
الرد على قول التجانية بأن الله يحب الكفار ويحبونه ... 113
دفاع التجانية عن عبدة الأوثان ... 115
مفتاح يحذف من كلام شيخه ما فيه حجة عليه ... 116
مفتاح يشير من غير قصد إلى جهل شيخه التجاني ... 117
التجلي عند التجانية هو وحدة الوجود ... 118
مفتاح يبتر من كلام شيخه التجاني ما سوى فيه بين الرسول والكافر ... 121
اعتذار مفتاح عن شطحات البسطامي بأنه كان فاقدا للوعي والتمييز ... 121
ابن عربي والتجاني وانياس يصرحون بأن البسطامي قال تلك الشطحات
في حال الوعي وكمال العقل ... 122
الكفر الصريح المتكرر صاحبه لا يتأول له ... 124
حذف مفتاح التجاني من كلام ابن عربي ما هو صريح في وحدة الوجود ... 126
هروب مفتاح التجاني من وحدة الوجود إلى وحدة الشهود ... 127
مشاييخ الصوفية يفضلون أنفسهم على الأنبياء ... 127
تفسير قوله تعالى: { هو الأول والآخر والظاهر والباطن … } الآية ... 127
تفسير قوله تعالى: { كل شيء هالك إلا وجهه … } الآية ... 128
تفسير قوله تعالى : { ذلك بأن الله هو الحق … } الآية ... 130
تفسير قوله تعالى : { يمحو الله ما يشاء ويثبت … } الآية ... 131
الرد على تعلقه بحديث من عادى لي وليا ... 132
الرد على تعلقه بحديث "كان الله ولم يكن شيء قبله " ... 134
الرد على تعلقه بقول الشاعر : ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... 135
رد ابن القيم والذهبي والغزالي على وحدة الشهود ... 135
كلام عبيدة بن محمد الصغير حول وحدة الوجود ... 137
حكم القائلين بوحدة الوجود ... 138
المحظورات المترتبة على القول بوحدة الوجود ... 143
دعوة التجانية إلى الأمن من مكر الله ... 145(1/301)
مفتاح يحذف من كلام شيخه ما هو حجة عليه ... 145
ثلاثون نصا من كتب التجانية تدعو إلى الأمن من مكر الله ... 146
ادعاء التجانية معرفة الغيب المطلق ... 152
التجاني يسأل الكاهنة سنيورة عن الغيب ... 155
الآيات والأحاديث الدالة على اختصاصه تعالى بالغيب المطلق ... 156
من أقوال العلماء في كفر مدعي علم الغيب ... 158
عجز مفتاح عن الرد على ثلاثة نصوص حول علم الغيب ... 159
الفراسة ليست حجة شرعية ... 160
الآية ليست صريحة في هذا الموضوع ... 160
الحديث الذي استدل به طرقه كلها ضعيفة ... 162
أنواع الفراسة ... 166
الاحتجاج بالرؤى والمنامات ... 168
رؤيا غير الأنبياء ليست بحجة شرعية إجماعا ... 168
الإلهام ليس بحجة عند أهل العلم ... 174
الإلهام وسيلة إلى القول بوحدة الوجود ... 176
ادعاء العلم اللدني حيلة لإلغاء الشرع ... 178
نصوص التجاني في ادعاء الوحي ... 179
رد أهل العلم على ذلك ... 180
ادعاء التجانية رؤيته يقظة بدعة صوفية ... 184
رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة مستحيلة شرعا ... 184
رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة مستحيلة عقلا ... 185
الرد على تعلقه بحديث من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ... 185
الرد على ادعائه أن هذه الرؤية من باب الكرامة ... 186
من نسب إليهم مفتاح هذه الرؤية أربعة أنواع ... 187
ادعاء التجانية رؤيته - صلى الله عليه وسلم - يقظة تقليد للنصارى ... 188
رؤيته - صلى الله عليه وسلم - يقظة لم ترد في آية ولا حديث ... 189
تفضيل صلاة الفاتح على القرآن الكريم ستة آلاف مرة ... 192
معنى صلاة الفاتح هو وحدة الوجود ... 192
نصوص كتبهم الصريحة في تفضيل صلاة الفاتح على القرآن وغيره من الكتب المنزلة192
تفضيل شيء على القرآن يعتبر استهزاء به والمستهزئ به كافر ... 193
ادعاؤهم أن صلاة الفاتح من كلام الله ... 194
من زاد حرفا في كلام الله فهو كافر ... 195(1/302)
الرد على شبهة: أن ما يقرأ هو معنى كلام الله فقط ... 195
الرد على شبهة : أن العدد يرد لمجرد التكثير ... 196
الرد على شبهة : أن المزية لا تستلزم التفضيل ... 196
الرد على شبهة :أن صلاة الفاتح أفضل في حق العاصي من تلاوة القرآن ... 196
الرد على شبهة :أن ما ورد في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما
ورد في فضل القرآن ... 198
مفتاح يسرق الأحاديث من جلاء الأفهام لابن القيم ... 198
كيف تكون صلاة الفاتح كلام الله وهي مبدوءة ب"اللهم صل على سيدنا محمد "؟!199
تفضيلهم صلاة الفاتح على جميع الصلوات ... 199
تفضيلهم صلاة الفاتح على عبادة الجن والإنس والملائكة ... 199
صلاة الفاتح لا توجد كاملة في حديث صحيح ولا ضعيف ... 200
خطورة الكذب على الله ورسوله ... 200
تفضيل كلام على كلام الله كتفضيل شيء على الله ... 200
ادعاؤهم أن صلاة الفاتح جاءت في صحيفة من نور مكتوبة بقلم القدرة ... 201
ادعاؤهم أن صلاة الفاتح من كلام الله كالأحاديث القدسية ... 201
مفتاح لا يفرق بين الكلمات الشرعية والكلمات الكونية ... 202
اتهام التجانية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتمان ... 203
من اتهمه - صلى الله عليه وسلم - بالكتمان فهو كافر إجماعا ... 203
الآيات الشاهدة له - صلى الله عليه وسلم - بالبلاغ ... 204
الرد على استدلال مفتاح على كتمانه - صلى الله عليه وسلم - بحديث " ايتوني بكتاب اكتب لكم
كتابا لا تضلوا بعده" ... 205
الرد على استدلال مفتاح على كتمانه - صلى الله عليه وسلم - بحديث رفع تعيين ليلة القدر ... 207
الرد على استدلال مفتاح على كتمانه - صلى الله عليه وسلم - خص بعض الصحابة ببعض الأحكام ... 208
الرد على استدلال مفتاح على كتمانه - صلى الله عليه وسلم - بحديث أنس " أسر إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" .209
الرد على استدلال مفتاح على كتمانه - صلى الله عليه وسلم - بحديث الجرابين ... 210(1/303)
الرد على استدلال مفتاح على كتمانه - صلى الله عليه وسلم - بأن حذيفة كان صاحب السر ... 210
الرد على استدلال مفتاح على كتمانه - صلى الله عليه وسلم - بقول البخاري باب من خص بالعلم قوما211
الرد على استدلال مفتاح على كتمانه - صلى الله عليه وسلم - بأنه - صلى الله عليه وسلم - إذا أخبر أحدا بأجر كثير
على عمل قليل استكتمه ... 212
ادعاء التجاني صلاحية أصحابه لتحمل ما عجز عنه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 214
حكم انتقاص الصحابة واحتقارهم ... 214
ادعاء التجانية أن الكفار ينعمون في النار ... 216
حذف مفتاح لبداية كلام شيخه بسبب ما فيه من الكفر البواح ... 216
انكار الوعيد كفر ... 217
الرد على ادعائه أكل أهل النار ما يشتهون من الثمار والمآكل ... 218
الرد على ادعائه تخفيف العذاب عن أهل النار ... 219
الرد على استدلاله على تخفيف العذاب عن الكفار بآيتين ... 219
الرد على استدلاله على تخفيف العذاب عن الكفار بين النفختين ... 220
الرد على استدلاله على تخفيف العذاب عن الكفار بعرض آل فرعون
على النار في الدنيا ... 221
مفتاح ينسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم القول بفناء النار كذبا وبهتانا ... 222
سلف التجانية في هذه المسألة هو ابن عربي ... 223
إنما انكرت التجانية عذاب الكفار لاعتقادهم وحدة الوجود ... 224
فهرس المراجع ... 246(1/304)