الوقفات على شيء مما في كتاب التبيان من المخالفات
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى القرء الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد ،،،
فقد رأيت كتاباً بعنوان " التبيان في كفر من أعان الأمريكان " للأخ ناصر الفهد – وفقه الله لهداه- فوجدت فيه روح الحماسة والعجلة التي دفعت بكاتبها إلى الوقوع في التناقضات والاضطرابات ، وما كنت راغباً الرد عليه لولا أن هناك طائفة اغترت بهذا الكتاب وتناقلته فمن ثم استعنت الله في الرد عليه ، فرأيت أنه سيطول ، وإذا طال أعرض الكثيرون عن قراءته ، لذا اخترت أن أظهر للقارئ الفطن شيئاً من التناقضات ، وبها يهتدي على ما في الكتاب من هنات وزلات ومخالفات ، والذي وقع الاختيار عليه كلامه حول حديث حاطب بن أبي بلتعة وأسميته : الوقفات على شيء مما في كتاب التبيان من المغالطات .
اعلم - أيها القارئ – أن البراءة من الكفر وأهله عقيدة قد تواترت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في تقريرها وتأكيدها ومع ذلك – وللأسف - نرى كثيراً من المسلمين مقصرين فيها وكأنهم لم يسمعوا قوله تعالى :" قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده " وإن من هؤلاء الكفرة أم الكفر في هذا الزمن( أمريكا) أقر الله أعين المسلمين بزوالها وسقوطها وجعل العاقبة للإسلام وأهله .(1/1)
فبعد هذا أرجو ألا يظن ظان أن الرد على كتاب التبيان ومناقشة كلامه المتناقض حول حديث حاطب يعني الدفاع عن أم الكفر ( أمريكا ) كلا هذا ما لا يصح ظنه وأنا منه براء بل أدعو الله عليها صباح مساء لكفرها وظلمها وإيذائها المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها . ثم ليعلم – أيضاً – أني لا أجوّز مظاهرة الكفار بل هي حرام بالأدلة المتكاثرة ، وإنما المراد بهذا الرد بيان أنه ليس كل معاونة للكفار على المسلمين كفراً مع كونه حراماً على ما سيأتي تفصيله .
وقد جعلت ردي هذا على فصول :
الفصل الأول / ألفاظ حديث حاطب في الصحيحين .
الفصل الثاني / فوائد مستنبطة من القصة .
الفصل الثالث / ذكر من فهم من العلماء أن فعل حاطب ليس كفراً وأن من فعل مثله لم يفعل الكفر .
الفصل الرابع / تجلية تناقضات ومغالطات صاحب كتاب التبيان حول حديث حاطب .
الفصل الخامس / حقاً إنه لأمر عجيب !.
وبعد هذا إليك الرد فصلاً فصلاً :
الفصل الأول / ألفاظ حديث حاطب في الصحيحين :
قد خرج الشيخان حديث حاطب بألفاظ يفسر بعضها بعضاً ويكمل بعضها بعضاً :(1/2)
اللفظ الأول : أخرج البخاري ( 3007)(4274)(4890) ومسلم (2494) من طريق عبيد الله بن أبي رافع عن علي -رضي الله عنه – وفيه " فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا حاطب ماهذا ؟" قال : يا رسول الله لا تعجل علي ، إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي وما فعلت كفراً ولا ارتداداً ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لقد صدقكم " قال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال :" إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
اللفظ الثاني : أخرج البخاري (3081) من طريق هشيم عن حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه وفيه : فأرسل إلى حاطب ، فقال : لا تعجل ، والله ما كفرت ولا ازددت للإسلام إلا حباً ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله ولم يكن لي أحد فأحببت أن أتخذ عندهم يداً فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال عمر : دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق فقال :" ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال :اعملوا ماشئتم ".(1/3)
اللفظ الثالث : أخرج البخاري (3983)(6259) من طريق عبد الله بن إدريس عن حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي وفيه " فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" ما حملك على ما صنعت " قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" صدق ولا تقولوا له إلا خيراً " فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه . فقال :" أليس من أهل بدر ؟ فقال : لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم " فدمعت عينا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم " .
اللفظ الرابع : أخرج البخاري (6939) وفيه "فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر: يا رسول لله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فأضرب عنقه . فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم :" يا حاطب ما حملك على ما صنعت " قال : يا رسول الله ما لي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله ؟ ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله قال :" صدق لا تقولوا له إلا خيراً " قال : فعاد عمر فقال : يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فلأضرب عنقه . قال :" أو ليس من أهل بدر وما يدريك لعل الله اطلع عليهم فقال : اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة " فاغرورقت عيناه . فقال : الله رسوله أعلم .
الفصل الثاني / فوائد مستنبطة من القصة :
في حديث حاطب – بعد جمع ألفاظه في الصحيحين – من الفوائد ما يلي :(1/4)
1/ أن في الحديث ما يدل صراحة من أن رسول الله صله عليه وسلم لم يقر عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – على قوله في حاطب ما قال وذلك يتضح من أوجه :
أن في أحد ألفاظ البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صدق ولا تقولوا له إلا خيراً "
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين رد على عمر وصفه حاطباً بالنفاق بأنه شهد بدراً ، وهذا يدل على عدم إقراره له ويؤكد ذلك الوجه الذي يليه ، وهو
أن عمر – رضي الله عنه – بكى نادماً فقال : (الله ورسوله أعلم ) كما في البخاري ، وقد ذكر ابن تيميه أن عمر أخطأ بقوله منافق . راجع مجموع الفتاوى (7/523 ) .
2/ أن حاطباً – رضي الله عنه – ذكر الضابط الكفري في إعانة الكفار وذلك أنه قال :" وما فعلت كفراً ولا ارتداداً ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام " وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الضابط الكفري ووجه إقراره ؛ أن فعل حاطب لو كان كفراً لما نفعه كلامه الذي اعتذر به ، وكلام حاطب قد نفعه لذلك قال عقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنه صدقكم " ولعل هذا الوجه يتضح بالمثال ، فلو أن رجلاً سب الله أو عبد غيره ثم قال : لم أفعل ذلك كفراً ولا ارتداداً ولا رضا بالكفر ، أكان ينفعه عذره ؟ كلا لأنه فعل أمراً كفرياً فتأمل .
وإنما ينفع هذا الكلام إذا كان في فعل ليس كفراً من كل وجه إلا أنه قد يأتي على صورة كفرية كالذبح عند القبر فقد أفتى علماؤنا – وعلى رأسهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وعبد العزيز بن باز – رحمهما الله – أنه ليس كفراً إلا إذا أراد بالذبح التقرب لغير الله .
3/ فإذا تبين الوجه الثاني اتضح لك أنه ليس متقرراً لدى حاطب أن مطلق إعانة الكافر كفر بل ولا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك أقره على هذا الضابط . وهذا الوجه كاف في خلخلت مباحث هذا الكتاب .(1/5)
4/ أن حاطباً – رضي الله عنه – فعل الحرام عالماً للدوافع التي ذكرها ولم يفعل فعلته معتقداً جواز الفعل – أي ليس متأولاً – كما قال بعضهم ، ويدل على ذلك ما يلي :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأل حاطباً عن عذره ، لم يعتذر حاطب بأنه تأول دليلاً شرعياً بل ذكر أنه فعل ما فعل لحظ دنيوي .
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفهم أن حاطباً كان متأولاً لذلك لم يكشف شبهة كان حاطب متمسكاً بها ، ودواء الشبه كشفها .
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر بأنه عاص ، لكنه مغفور له لكونه من أهل بدر لا لأجل التأويل .
بيان ذلك أن المتأولين غير آثمين ، وعليه فهم غير محتاجين إلى حسنات – كحضور بدر – تغفر بها سيئاتهم ، وقد حكى ابن حزم الإجماع على ذلك ( الفصل (3/ 270) ( وانظر كلام ابن تيميه في الاستقامة ( 2/ 143) مجموع الفتاوى (1/113)(3/284 ) (12/180) والرد على البكري ص(259 ، 329 ) والأصفهانية (144- 145 )).
5/ أن أهل بدر لا يكفرون لأنه مغفور لهم ، والكفر لا يغفر فدل هذا على أنهم لا يكفروون بل مآلهم الجنة – هذا ما قرره ابن تيميه (7/ 490) فقال : فكما لا يجوز حمل الحديث –أي حديث حاطب – على الكفر لما قد علم أن الكفر لا يغفر إلا بالتوبة " .
الفصل الثالث / ذكر من فهم من العلماء أن فعل حاطب ليس كفراً ومن فعل مثله لم يفعل الكفر :
لن أستطرد في ذكر هؤلاء العلماء بل أقتصر على بعضهم طلباً للاختصار :
الإمام الشافعي / قال – رحمه الله – في كتاب الأم( 4/250):في هذا الحديث ( أي حديث حاطب بن أبي بلتعة ) مع ما وضحنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكاً في الإسلام ، وأنه فعله ليمنع أهله ، ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام ، واحتمل المعنى الأقبح، كان القول قوله فيما احتمل فعله ، وحكم رسول الله فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب ا.هـ(1/6)
الإمام ابن تيميه / قال – رحمه الله – في ( مجموع الفتاوى (7/522-523)) : وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً كما حصل لحاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليكم بالمودة ) وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك فقال لسعد بن معاذ : كذبت والله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، قالت عائشة : وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية . ولهذه الشبهة سمى عمر حاطباً منافقاً فقال : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال :" إنه شهد بدراً " فكان عمر متأولاً في تسميته منافقاً للشبهة التي فعلها . وكذلك قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه إنما أنت منافق تجادل عن المنافقين هو من هذا الباب ، وكذلك قول من قال من الصحابة عن مالك بن الدخشم : منافق ، وإن كان قال ذلك لما رأى فيه من نوع معاشرة ومودة للمنافقين ا.هـ(1/7)
الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن / قال – رحمه الله – ( الدرر السنية (1/473) : مع أن في الآية الكريمة –( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ..) – ما يشعر : أن فعل حاطب نوع موالاة وأنه أبلغ إليهم بالمودة وأن فاعل ذلك قد ضل سواء السبيل لكن قوله " صدقكم خلوا سبيله " ظاهر في أنه لا يكفر بذلك إذا كان مؤمناً بالله ورسوله غير شاك ولا مرتاب وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي ولو كفر لما قال : خلوا سبيله . ولا يقال قوله صلى الله عليه وسلم :" ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " هو المانع من تكفيره لأنا نقول : لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنع من لحاق الكفر وأحكامه فإن الكفر يهدم ما قبله لقوله تعالى ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ) وقوله ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون )والكفر محبط للحسنات والإيمان بالإجماع فلا يظن هذا ا.هـ
فلا أدري هل هؤلاء من أهل الباطل كما فعل الأخ ناصر الفهد لما قال في طليعة الكلام على حديث حاطب : ( احتج أهل الباطل …) ؟ أم هو الحماسة غير المنضبطة ؟ .
الفصل الرابع / تجلية تناقضات ومغالطات صاحب كتاب التبيان حول حديث حاطب :
الأول / قال الأخ ناصر الفهد : الأمر الأول : قول عمر في هذا الحديث : دعني أضرب – إلى قوله – فهذا يدل على أن المتقرر عند عمر – رضي الله عنه – والصحابة أن مظاهرة الكفار وإعانتهم كفر وردة عن الإسلام …ا.هـ في هذا الكلام مغالطات :
المغالطة الأولى: أن كون هذا متقرراً عند عمر – رضي الله عنه – فهو كذلك لكنه ليس حجة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليه – كما سبق – ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنكر على الصحابي قولاً أو اعتقاداً فهو باطل بالإجماع فكيف- إذاً -الاحتجاج به ؟(1/8)
المغالطة الثانية : ذكر أن هذا – أيضاً – متقرر عند الصحابة ولا أدري ما برهان هذه الدعوى ؟ أهو المبالغة ؟ ثم لو كان كذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر وبين بطلان قوله فدل على خطأ هذا الاعتقاد .
الثاني / قول الأخ الفهد : الأمر الثاني : إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لما فهمه عمر ، ولم ينكر عليه تكفيره إياه وإنما ذكر عذر حاطب ا.هـ
في هذا الكلام من العي والمغالطات ما يلي :
المغالطة الأولى : زعمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر عمر .
وقد سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقره بل أنكر عليه ، وأردف ذلك ببيانه أن فعل حاطب من جملة الذنوب التي تكفرها الحسنات – كشهود بدر – ، ثم ندم الفاروق على ما بدا منه لذا دمعت عينه وقال : الله ورسوله أعلم . وقد سبق نقل كلام ابن تيميه في هذا ( راجع مجموع الفتاوى ( 7 / 522) وانظر (3/ 284)).
المغالطة الثانية : : زعمه أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر.." هو عذر حاطب .
وهذا باطل فليس هذا هو عذر حاطب ، بل هذا بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذنبه مغفور ، وإلا فإن عذر حاطب هو قوله " لا تعجل عليّ يا رسول الله .."، قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير سورة الممتحنة : ولهذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر حاطب لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش ، لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد ا.هـ فليس كونه من أهل بدر هو الذي دعاه لكتابة الرسالة ، فكم نحن محتاجون لمعرفة دلالات الألفاظ حتى نضع كل لفظ في موضعه ؟ . ثم تنبه – أيها القارئ – أن مقتضى هذا أن حاطباً كافر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أقر عمر ثم سترى الباحث بعدُ يناقضه – كما سيأتي – فلا تغفل.
المغالطة الثالثة : زعمه أن حضور حاطب لبدر هو العذر المانع من تكفيره ، مع أن فعله كفر .(1/9)
وهذا أبطل من الذي قبله ، وقد سبقت الإشارة إلى رده ، قال ابن تيمية (7/ 490) : كما لا يجوز حمل الحديث – أي حديث حاطب – على الكفر لما قد علم أن الكفر لا يغفر إلا بالتوبة " ا.هـ.
الثالث / قول الأخ الفهد : الأمر الثالث : أن حاطباً – رضي الله عنه – قال : وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام . وهذا يدل على أنه تقرر لديه أيضاً أن مظاهرة الكفار ( كفر وردة ورضا بالكفر ) وإنما ذكر حقيقة فعله ا.هـ
في هذا الكلام مغالطة جلية ألا وهي : أنه لو كان متقرراً عند حاطب – رضي الله عنه – أن مجرد كتابة الرسالة ردة ورضا بالكفر لما نفى الردة والرضا بالكفر بعد إقراره بكتابتها لأن مجرد كتابة الرسالة – في زعم الفهد – عند حاطب كفر وردة فما فائدة نفي الردة والرضا بالكفر وهو قد أقر بكتابة الرسالة التي معناه الردة والرضا بالكفر بل إنه – رضي الله عنه- لما نفى الردة والرضا بالكفر مع إقراره بالرسالة دل هذا على أنه متقرر عنده أنه لا تلازم بينهما وأن مجرد مساعدة الكفار من غير رضاً بالكفر ليس كفراً.
الرابع / قول الأخ الفهد : الوجه الثاني : إن حاطباً – رضي الله عنه – إنما أعان … إلى قوله : ومع هذا كله فإنه لما كاتب المشركين يخبرهم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ذلك منه مظاهرة لهم ولا مناصرة …ا.هـ
ومعنى هذا الوجه أن حاطباً لم يقع في الكفر لأنه لم يظاهر الكفار فههنا يتناقض الأخ الفهد مناقضة مكشوفة لكل ذي عينين ؛ وذلك أنه قرر في ثنايا الوجه الأول – كما سبق – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر عمر على تكفير حاطب يعني صار حاطب كافراً ثم الآن يناقض نفسه ، ويذكر أن حاطباً لم يناصر الكفار ولم يظاهرهم – إذاً – لماذا يا ناصر الفهد ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر عمر على تكفير حاطب ؟!(1/10)
الخامس / قول الأخ الفهد : الوجه الثالث : إن رسالة حاطب – رضي الله عنه – لكفار مكة ليست من المظاهرة والإعانة لهم على المسلمين في شيء …ا.هـ
حاول – أيها القارئ- أن تجمع بين هذا الوجه الثالث الذي مؤداه أن حاطباً لم يقع في شيء من المظاهرة ، والوجه الأول الذي ذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر عمر على تكفيره ؟ وحتى لا تجهد فكرك وتتعب نفسك فإنه لا سبيل إلى الجمع بينهما لأنهما متناقضان ، والمتناقضان لا يجتمعان .
ثم ههنا مغالطة لازمها التكذيب لقوله تعالى : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) وذلك أن هذه الآية نزلت في حاطب لما فعل ما فعل ففيها التصريح بأن حاطباً اتخذهم أولياء وألقى إليهم بالمودة ، ثم يزعم الأخ الفهد أن فعل حاطب ليس من المظاهرة في شيء ، وكذب الفهد وصدق الله إذ يقول : ( أولياء تلقون إليهم بالمودة ) .
ثم قبل الانتقال من هذا الرد أنبه على مناقضة ثالثة وقع فيها الأخ الفهد وهي زعمه في الأمر الثالث من الوجه الأول أنه متقرر لدى حاطب أن مظاهرة الكفار كفر ، وقد ذكر حقيقة فعله على هذا ثم الآن يناقض نفسه بنفسه ويذكر أنه ليس في فعل حاطب شيء من المظاهرة .
أرأيتم أيها القراء كيف يفعل تكثير الأوجه لمن لا يحسنه ؟ وليس الغرام بتكثير الأوجه لمن لا يحسنه إلا تناقضاً واضطراباً . فرحم الله امرءً عرف قدر نفسه .
السادس / قول الأخ الفهد :الوجه الرابع :أن فعل حاطب – رضي الله عنه – اختلف فيه هل هو كفر أم لا ؟ فإن قيل هو كفر فهذا دليل على أن إفادة الكفار بمثل هذا الأمر اليسير كفر ، فهو تنبيه على أن ما فوقه من المناصرة بالنفس أو المال أو غير ذلك كفر من باب أولى ، وإن قيل ليس بكفر فإنما يكون هكذا لأنه في حقيقة فعله ليس مناصراً للكفار … ا.هـ(1/11)
في هذا الوجه من التناقض ما سبق ذكره إلا أنه زاد على ما سبق أنه زعم بأن فعل حاطب أهون من الإعانة بالمال وهذه مكابرة غير مقبولة ، وذلك أنه لا يختلف عاقلان أن دعم الكفار ضد المسلمين بمال – لاسيما إذا كان قليلاً – أهون على المسلمين بكثير من إفشاء خطة سرية قد ينهزم المسلمون على إثرها أو يقتل منهم عدد قليلاً كان أو كثيراً "فاعتبروا يا أولي الأبصار " .
السابع / قول الأخ الفهد : الوجه الخامس : إن حاطباً – رضي الله عنه – إنما فعل ذلك متأولاً أن كتابه لن يضر المسلمين ، وأن الله ناصر دينه ونبيه ، حتى وإن علم المشركون بمخرجهم إليهم ،وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث أن حاطباً قال معتذراً " قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم أمره " ا.هـ
فأولاً : قد سبق الرد على من زعم أن حاطباً كان متأولاً فراجعه ، ثم هذا الوجه يناقض ما ذكره الأخ الفهد – سابقاً – من أن فعل حاطب ليس من المظاهرة في شيء إذ – الآن - رجع وزعم أنه من الموالاة لكن كان بتأويل .
وثانياً : ادعاء الفهد أن عذر حاطب في كتابته لقريش إنما هو علمه بانتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة ، يناقض ما جاء في الصحيحين من اعتذار حاطب بأنه يريد يداً يحمي بها قرابته ، إذ لو كان عذره هو علمه أن الله سينصر رسوله فما فائدة رسالته - إذاً – وأي يد تلك التي سيستفيدها عند قريش ليحمون بها قرابته وهم مهزومون عما قريب .
فإن قيل : أراد يداً يحمي بها قرابته إلى أن ينتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالجواب أن هذا بعيد بل ممتنع لأمرين :
1/ أن المدة قصيرة بين كتابة الرسالة وفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، إذ لما كتبت الرسالة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد الجيش فالذي صبر الأزمان الماضية الطويلة ألا يصبر أياماً قليلة .(1/12)
2/ أن الحالة لو كانت كذلك لكان حاطب يكتب رسالة كاذباً فيها فيجمع بين عدم إضرار المسلمين وكسب يدٍ عند الكافرين إلى أن ينصر الله رسوله فإن المدة قصيرة ولن ينكشف فيها كذبه ، لا أن يعمد حاطب – رضي الله عنه – إلى كشف خطة سرية وهي مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وثالثاً : يمكن أن يتمسك كل مظاهر للكفار بما زعمه الفهد ، وذلك بأن يقول المظاهر للكفار في هذا الزمان : إنما فعلت ذلك متأولاً أن مظاهرتي للكفار لن تضر المسلمين ، وأن الله ناصر دينه وأولياءه !!!! فما جواب الفهد له ياترى ؟!
ثم اعلم – أيها القارئ الكريم – إن هذه الرواية خرجها الإمام أحمد وابن حبان وغيرهما من طريق أبي الزبير عن جابر ، فأبو الزبير وإن كانت روايته مقبولة لكن تكلم بعض الأئمة في حفظه فكيف وقد أتى بما لم يأت به الثقات عن علي – رضي الله عنه – صاحب القصة .
الثامن / قول الأخ الفهد : الوجه السادس : أن يقال للمستدل بهذا الحديث على عدم كفر المظاهر وهل هذا الحديث يدل على أن جميع صور مظاهرة الكفار ومناصرتهم ليست كفراً وردة ؟ فإن قال : نعم ، فقد خرق الإجماع ، ولا سلف له ، فلا كلام معه . وإن قال : لا . فيقال : فما الصور التي يكفر بها المظاهر للكفار . فأي صورة يذكرها يقدح فيها بحديث حاطب هذا ، وأي جواب له على هذا القدح ، فهو جوابنا عليه ا.هـ(1/13)
هذا الوجه السادس والأخير من الأخ الفهد مجازفة وإرهاب فكري ، إذ يقال في الضابط الكفري لموالاة الكفار هو ما قاله الشافعي – رحمه الله – في كتاب الأم (4/249-250) قيل للشافعي : أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم أو بالعورة من عوراتهم هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين ؟ قال الشافعي - رحمه الله تعالى- : لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا أن يقتل أو يزني بعد إحصان أو يكفر كفراً بيناً بعد إيمان ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين ، فقلت للشافعي : أقلت هذا خبراً أم قياساً ؟ قال : قلته بما لا يسع مسلماً علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب فقيل للشافعي فاذكر السنة فيه – ثم ساق خبر حاطب ثم قال – قال الشافعي رحمه الله تعالى : في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكاً في الإسلام ، وأنه فعله ليمنع أهله ، ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام ، واحتمل المعنى الأقبح، كان القول قوله فيما احتمل فعله ، وحكم رسول الله فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الأغلب مما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولاً كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه ، قيل للشافعي : أفرأيت إن قال قائل إن رسول الله صلى الله عليه قال قد صدق إنما تركه لمعرفته بصدقه لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره فيقال(1/14)
له قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر وتولى الله عز وجل منهم السرائر ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكماً له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصاً أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجهلوا له سنة أو يكون ذلك موجوداً في كتاب الله عز وجل ا.هـ(1/15)
وقال القرطبي في تفسيره (18/52) : من كثر تطلعه على عورات المسلمين وينبه عليهم ويعرف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافراً إذا كان فعله لغرض دنيوي واعتقاده على ذلك سليم ؛ كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين ا.هـ وقال ابن الجوزي في زاد المسير (2/ 378) عند تفسير قوله تعالى :" ومن يتولهم منكم فإنه منهم " فيه قولان أحدهما : من يتولهم في الدين فإنه منهم في الكفر …ا.هـ وانظر ما ذكره الألوسي في روح المعاني ( 3/ 157 ) والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في أحد أقواله إذ قال – في الدرر السنية ( 1/474) لما ذكر قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) -: فقد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة ، وأصل الموالاة هو الحب والنصرة والصداقة ودون ذلك مراتب متعددة ولكل ذنب حظه وقسطه من الوعيد والذم ، وهذا عند السلف الراسخين في العلم من الصحابة والتابعين معروف في هذا الباب وفي غيره …ا.هـ .وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره لقوله تعالى ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) : لأن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم والتولي القليل يدعو إلى الكثير ثم يتدرج شيئاً فشيئاً حتى يكون العبد منهم ا.هـ
تنبيه / عزا الأخ الفهد – هداه الله – إلى القرطبي أن مطلق المساعدة كفر مع أنه غير صريح في كلامه ولم يتعرض لهذا النقل عنه ألبته وكذلك فعل مع الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ولم يتعرض للنقل الذي أثبتّه عنه ، فيا ليته أشار إليه حتى لا يشابه أهل البدع في ذكر ما لهم وترك ما عليهم .(1/16)
لفتة نظر / لما قرر الأخ الفهد – هداه الله – ما ذكره من ضابط التولي الكفري زعم أن عليه الإجماع وهذا خطأ بين كيف يدعي ذلك والشافعي والقرطبي وابن تيميه – لما قرر أن فعل حاطب ليس كفراً – وابن الجوزي نقله قولاً لأهل العلم على خلاف هذا الإجماع المخروم الذي لا يعول على مثله عالم بخرمه وعدم انضباطه .
الفصل الخامس / حقاً إنه لأمر عجيب :
إن العجائب في هذا الكتاب – من غير مبالغة – تكاد لا تنقضي من كثرتها وإني موقفك – بفضل الله وعونه - على بعضها :(1/17)
1/ تلاعبه هو والمقدم له علي الخضير – هداهم الله - بلفظ الإرجاء فمن لم يوافقهم على تشددهم في بعض مسائل التكفير انقلبوا عليه واصفينه بالإرجاء وما يدرون أن لغيرهم وصفهم بأنهم خوارج بما أن التنابز بالألقاب -عندهم - مقبول بلا بينة ، فعندهم الذي يعلق الكفر بالاعتقاد مرجئ وهذا اطراده دائماً خطأ ؛ وذلك أن من الأعمال ما هو كفر في ذاته كالسجود للصنم والسب والاستهزاء بالدين ، ومن الأعمال ما ليس كفراً إلا إذا احتف به اعتقاد كفري من استحلال الزنا وشرب الخمر أو إنكار سنية ما هو مشروع كالسواك وهكذا … وهذا بإجماع أهل السنة السلفيين ، ومن الأعمال ما يختلف أهل السنة في التكفير بها كالطواف حول القبر فبعض أهل العلم وتبعهم الفهد – في هذا الكتاب – على أن مجرد عمل الطواف كفر ، ويذهب طائفة من العلماء الكبار ومنهم الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله – (راجع فتاوى اللجنة رقم(9879) ) إلى أنه ليس كفراً إلا إذا احتف به اعتقاد كفري كالتقرب للميت ، ومن هذه الأعمال إعانة الكفار – على نحو ما ذكر الشافعي – فطائفة من العلماء يرون أنه كفر مطلقاً ، وقد نقل الأخ الفهد بعض نصوصهم ، وبعض العلماء لا يرون التكفير به مطلقاً ، وقد ذكرت بعضهم وهؤلاء يقولون : لا نص يدل على التكفير بمطلق المساعدة وحديث حاطب مؤكد لهذا . فلا يصح للفهد أو غيره أن يتهوروا فيصفون غير المكفر بأنه مرجئ كما فعلوا – وللأسف – وظاهرة التهور في الوصف بالإرجاء ظهرت طافحة على مستوى شباب المسلمين حتى رأينا بعضهم يصف من لا يكفر بترك الصلاة بالإرجاء مع أن جمهور علماء المذاهب على عدم التكفير كالحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة وبهذا قال بعض التابعين كالزهري –رحمه الله – وهي رواية عن الإمام أحمد . فهل يا ترى يجرؤ هؤلاء على وصف الزهري ومالك والشافعي وأحمد في رواية بالإرجاء ؟ هذا ما أخشاه من هؤلاء المتهورين .(1/18)
2/ استشهاد الأخ الفهد – هداه الله – بالأحاديث الضعيفة ومن ذلك قصة خالد بن الوليد مع مجاعة بن مرارة الحنفي ؛ فإن القصة باللفظ المستشهد به في إسنادها الواقدي وهو متروك ، ورواية ابن عباس لقصة بلعم ضعيفة –أيضاً -. وهناك أحاديث أخرى أعرضت عنها اختصاراً ، فما الذي دعا الأخ الفهد يستدل بها من غير بيان ضعفها ؟!.
3/ استدلاله ببعض النصوص التي لا تدل على الدعوى المراد إثباتها مما يدل على شعوره بافتقاره إلى الأدلة الدالة على دعواه لذا استدل بها اضطراراً ، وأكتفي بذكر ثلاثة أمثلة :
المثال الأول / صدر لإثبات دعوى الإجماع على كفر من أعان ( الأمريكان ) بما نقله عن ابن حزم وهو قوله – رحمه الله – " صح أن قوله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار ، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين "ا.هـ وهذا الإجماع الذي يحكيه ابن حزم لا ممسك للأخ الفهد فيه ، وذلك أن غاية ما فيه إثبات كفر المتولي وهذا لا نزاع فيه لكن النزاع ومحل الخلاف من هو المتولي ، هل مطلق الإعانة تولي ؟ هذا ما يدعيه الأخ الفهد ويخالفه في ذلك الإمام الشافعي ومن سبق النقل عنهم مستدلين بحديث حاطب بن أبي بلتعة وغيره … فبهذا يتبين أن تمسك الأخ الفهد بكلام ابن حزم من العجائب . على أنه قد تقدم أن دعوى الإجماع على كفر المعين بمطلق الإعانة مردودة . وبهذا تعلم – أيضاً – أن استدلال الأخ الفهد – وفقه الله – بالآيات القرآنية ما بين الاستدلال بمورد النزاع أو ما لا دلالة فيه فأعد النظر مدققاً تجد مصداق هذا .(1/19)
المثال الثاني / قصة العباس – إن صحت – لما فدى نفسه وفيه قال العباس : يا رسول الله قد كنت مسلماً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيك ، وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابني أخيك " . استدل الأخ الفهد – هداه الله – بهذا الحديث على كفر من أعان الكفار ، وهذا – عند من تدبره ولو قليلاً – من تحريف الكلم عن مواضعه لأن الحديث صريح في عدم تكفير رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان مكفراً للعباس لقتاله مع الكفار لما قال له : الله أعلم بإسلامك ، بل لقال : كفرت بقتالك لنا مع الكفار ، ولما قال : فإن الله يجزيك على إسلامك ، بل كان يقول : إن إسلامك حبط فلا جزاء لك عليه فتأمل . أما أمره بفداء نفسه فذلك من باب أحكام الدنيا حتى لا ينفتح الباب فكل يدعي أنه مسلم .(1/20)
المثال الثالث / تمسكه في الدليل الثالث والرابع والخامس والسادس من السنة بالنصوص الدالة على حرمة مساكنة المشركين وأن مساكنهم مثلهم ، وقد أخطأ في هذا غاية الخطأ ؛ وذلك أن مساكنة الكفار لمن كان مظهراً دينه جائزة ودليل ذلك قوله تعالى ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض ..الآية ) . وجه الدلالة / أن الذم في حق المستضعفين دون غيرهم فدل هذا بمفهوم المخالفة أن غير المستضعفين جائزة لهم الإقامة في بلاد الكفار ، ويؤيد ذلك ما ذكر أن العباس بعد فدائه ذهب إلى مكة وأقام بها ولم يكفر بذلك ( انظر الإصابة (4/30) ) وهذا ما قرره ابن قدامة في المغني (13/151) وابن تيميه في مجموع الفتاوى (28/240) وابن حجر في الفتح (6/220) ومن أئمة الدعوة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن وأبوه وعبد الله أبا بطين (راجع مجلد الجهاد من الدرر السنية ص136،146) ، بل من العلماء من ذهب إلى استحباب إقامة المسلم بين ظهراني الكفار إذا كان مظهراً دينه ونافعاً للإسلام والمسلمين هناك .(راجع نيل الأوطار(8/26) ) . فقارن – أيها القارئ – بين هؤلاء الأئمة المحققين وتهور الأخ الفهد –هداه الله -.
4/ أن دولتكم الدولة السعودية هي الناصرة للإسلام والدعوة السلفية في العالم – كما شهد بذلك الأعداء الكفار فيما نقل الفهد ، والحق ما شهدت به الأعداء – وإن تصادم الفهد وأمثاله معها لا يجدي شيئاً بل يضعف الدعوة ويجعل ولاتكم يبعدون أهل العلم والخير ويقربون أهل الفساد الفكري من علمانية وأشباههم ، وإذا أردت الحقيقة فقارن دولتكم بغيرها تجد ما يقنع . فالله الله بالتعقل وإن أسلوب الهمز واللمز من الفهد لدولتكم السعودية والعلماء غير مقبول بل مرفوض وهذا الذي صرح به شيخنا مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله – في آخر حياته .(1/21)
5/ طعن الأخ الفهد وبعض المقدمين له على علماء هذا البلد الإسلامي وتجرئة العامة عليهم علامة خذلان وحرمان له ولأمثاله وهذا دليل قرب افتضاحهم عند الناس فترقب زوالاً. قال تعالى في الحديث القدسي :" من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب " رواه البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه - .
6/ أنك ترى كثيراً من الناس الرعاء يتناقلون هذا الكتاب ويعظمونه مع وجود هذه المغالطات والمتناقضات فيه ، ولعل ذلك يرجع إلى أن كثيراً منهم قد تبنى قول صاحب الكتاب قبل إخراجه الكتاب لأنه القول الذي توافقه النفوس الحماسية فما إن ير كتاباً يوافق ما تبنى إلا ويسارع في توزيعه وتعظيمه والدعوة إليه وهذا هو الهوى نسأل الله السلامة والعافية .
وقبل رفع القلم إنني - والله – تركت كثيراً من المغالطات في هذا البحث من باب الاختصار ، وليسهل على القراء الاطلاع على هذا الرد . ثم إن إثبات صحة الاستدلال بحديث حاطب كاف في إسقاط دعوى الأخ ناصر الفهد – وفقه الله – من أن مناصرة الكفار بأدنى مناصرة كفر ، فكيف إذا ضممت إليه حديث صلح الحديبية وفيه رد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جندل مع أن الصلح لم يكتب بعد ،ولو كان الصلح قد ثبت فإنه لو كان رد أبي جندل وإعانة الكفار عليه كفراً لما صالح النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش على أمور كفرية . ومثل هذا قل في رده أبا بصير ، وانظر ما قرره الإمام ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد ( 3/300) وإنكاره الخصوصية المزعومة .
أسأل الله القبول ومغفرة الذنوب وعز الإسلام والمسلمين وإهلاكاً للكافرين ، وعلى رأسهم أم الكفر أمريكا .
ووالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت هذه الأوراق إلا نصحاً للأمة وابتغاء للأجر فما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
كتبه / أبو عبد الله اليمني .(1/22)