الرد المفحم على من أجاز إمامة المرأة للرجل المسلم
محمد صدقي بن أحمد البورنو
أبو الحارث الغزي
مقدمة
الحمد لله الذي قدر فهدى ، وخلق فسوى ، وخلق الذكر والأنثى ، وجعل لكل منهما وظائف في هذه الحياة الدنيا ، وخص كلاًّ منهما بميزات تميزه عن الاخر ليعمر الكون ويستمر النسل وتستقيم الحياة ، ولكن وجد في هذا العصر أناس ودول في الغرب الكافر تريد أن تزيل الفوارق بين الذكر والأنثى ، وادّعوا أن المرأة والأنثى عموماً مهضومة الحق مظلومة من الرجال فنادوا إلى تحريرها وإخراجها من خدرها وعشها إلى البروز للرجال ومشاركتهم في كل أعمالهم وجوانب حياتهم ، ونجحوا في ذلك فأخرجوا المرأة من بيتها حصنها الحصين وسلبوها عفتها وطهارتها وعرّوها من لباسها ، وجعلوها سلعة تباع وتشترى ، ومع الأسف إن كثيراً ممن ينتسبون للإسلام جاروهم في ذلك وسلكوا سبيلهم متغاضين عن العواقب الوخيمة لذلك التحرر .
وأخيراً قام نسوة مفتونات وشباب جاهلون ينادون بمساواة المرأة بالرجل في أهم شعائر الإسلام وهو الصلاة، فنادوا بإمامة المرأة للرجال للصلاة في المساجد واختلاط الرجال مع النساء في الصفوف، وأن تخطب المرأة المسلمة الجمعة ، وتصلي بالرجال والنساء المختلطات بالرجال والحاسرات ، وأن تؤذن المرأة في المساجد ، ولما كان ذلك من البدع الشنيعة والأفعال المفسدة للصلاة ، والموقعة الشقاق والتمزيق في المجتمع المسلم وبخاصة في بلاد الغرب وأمريكا بالذات رأيت واجباً إحقاقاً للحق وإزهاقاً للباطل أن أبين الحق في هذه المسألة وأرد الأمر إلى نصابه ، لعل من في قلبه زيغ يثوب ويعود إلى الحق ، وتكون الحجة قد قامت على من عاند وأبى إلا الفتنة بين المسلمين ، والله حسيبه وسيلاقي جزاء ما اقترفت يداه .
وحسبنا الله ونعم الوكيل ،،،
الفصل الأول(1/1)
من مساوئ هذا الزمان أن أصبحت ساحة الإسلام مستباحة لكل ناعق ، لأنه ليس للإسلام الآن قوة تحميه وتذب عنه كيد المنافقين والمنافقات والملحدين في دين الله والملحدات ، إذا استطاع كل من لم يعجبه شعيرة من شعائر الإسلام أو لم يفقه الحكمة الإلهية من فرض مِن فرائضه أو عبادة من عباداته أن يدعو إلى إصلاح الإسلام وتغيير بعض شعائره ومسلماته التي أجمع عليها المسلمون من عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا .
وقد قام في هذه الأيام فئة ضالة من النساء المنحرفات عن منهج الله ومنهج رسوله - صلى الله عليه وسلم - تدعو إلى إمامة المرأة للرجال والنساء معاً يختلط بعضهم ببعض في الصفوف في صلاة الجمعة وغيرها ، وأن تكون المرأة خطيبة للجمعة وإمامة للمصلين ذكوراً وإناثاً ، وسواءً أكان النساء حاسرات الرؤوس أو متكشفات متزينات أو متحجبات ، وربما يرين أنه يجوز صلاة المرأة وإمامتها وهي حائض أو نفساء .
وهؤلاء النسوة يدعون أيضاً إلى أن تكون المرأة مؤذنة في المساجد بصوتها الرخيم ، ومن المؤسف أن يساعدهن على هذا الفساد رجال لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ، وليس عندهم من الفقه والعلم والورع ما يردع عن مؤازرة تلك الدعوة المفسدة الموقظة للفتنة بين المسلمين .
والقائمات بهذه الفتنة باسم إصلاح الإسلام فئة من النسوة الضالات المفتونات بثقافة الغرب المنحلّة ، والمتأثرات بالبيئة الإباحية التي يعشن فيها ، وتعامين عن أن الإسلام دين إلهي متميز بتشريعاته الحكيمة العادلة لأنها من لدن حكيم خبير ، يعلم ما يصلح عباده في دنياهم وأخراهم فأمرهم به ، ويعلم ما يفسد عباده في دنياهم وأخراهم فنهاهم عنه في كتابه المنزل وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وفئة أخرى من الرجال الذين يسمون أنفسهم ( المسلمون التقدميون ) ولهم موقع على الشبكة العنكبوتية باسم : ( استيقظ يامسلم ) يؤازرونهن في ذلك .
ما هو هدف هؤلاء المضلين ؟(1/2)
بحسب دعواهم الظاهرة أنهم يريدون إصلاح الإسلام أو إصلاح المجتمع المسلم الذي أفسده العلماء الجامدون – بحسب اصطلاحهم – وأما في حقيقة أمرهم فهم فئة ضالة مضلة تدعو إلى إيجاد البلبلة والتمزق في المجتمعات الإسلامية وإشعال معركة باسم إصلاح الإسلام وهم في الحقيقة المنافقون المفسدون في الأرض.
ويريدون إخراج المرأة المسلمة من جلباب حياتها وعفتها وسترها وحجابها إلى الاختلاط بالرجال في أقدس وأطهر الأماكن وهي بيوت الله ، بدعوى حقوق المرأة واستخلاصها من أيدي الرجال الذين حرموها إياها وبخاصة في الصلاة والمساجد ، ولذلك قاموا بالدعوة إلى إمامة المرأة للرجال في صلاة الجمعة وغيرها من الصلوات بحيث تكون المرأة خطيبة الجمعة والمصلية إماماً بالمصلين رجالاً ونساءً مختلطين في الصفوف المرأة بجانب الرجل وأمامه وخلفه .
من هم هؤلاء وما أدلتهم على دعواهم ؟
الذي علمته وفهمته من خلال المقابلة التي أجراها معهم مراسل قناة الجزيرة القطرية حافظ المرازي أنهم ثلاثة أشخاص يدّعون أنهم يمثلون شريحة من المسلمين في أمريكا :
أولاهن : امرأة اسمها إسراء بنت ظفر النعماني من مدينة مورجان بولاية وست فرجينيا ، أصلها من الهند – ولاندري إن كانت أسرتها مسلمة سنية أو تتبع إحدى الفئات الضالة في الهند – وهذه المرأة لاعلم عندها ولا فقه – يقال إنها كاتبة أمريكية – ولعل ذلك لأنها ألفت كتاباً عن رحلتها إلى مكة المكرمة وأودعت هذا الكتاب خلاصة أفكارها وما تريده لنفسها وللمرأة المسلمة ، ويظهر من خلال كتابها وما صرحت به خلال مقابلتها لمراسل الجزيرة أنها لم تدرس شيئاً عن شريعة الإسلام ولا تعرف شيئاً عن الحرام والحلال في الإسلام.
وما دعاها إلى هذه الفتنة إلا إنه أخذها الكبر والأنفة أن يطلب منها ومن النساء في بلدتها أن يدخلن المسجد من الباب المخصص للنساء في مؤخرة المسجد .(1/3)
وأن تجلس وتصلي في صفوف النساء ، فهي تريد أن تدخل من الباب الرئيسي للمسجد والصلاة فيه بدون حاجز عن الرجال والاختلاط معهم في الصفوف والصلاة وتجلس وتصلي في صفوف الرجال متكشفة متزينة متعطرة .
ولجهلها بدينها اعتقدت أن دخول النساء من الباب المخصص لهن فيه إهانة للمرأة واحتقار لها ، وكما قلنا هي امرأة لا علم عندها البتة ولا تعرف من الفقه في الدين شيئاً بل إنها تعيش حياة كحياة النساء الأمريكيات الكافرات اللاتي لا عفة عندهن ولا طهارة ولا حياء وهي نفسها باعتراف أبيها رزقت بولد من سفاح من غير زواج وهو يتربى في حضن جده لأمه .
وفي كتابها الذي ألفته بعد رجوعها من مكة بعنوان ( الوقوف وحيدة في مكة ) كفاح امرأة أمريكية من أجل روح الإسلام الأصيلة ، وهي تجهل أبسط مسلمات الإسلام ، فهي تطالب في كتابها المذكور بأشياء منها : للنساء حق إسلامي في دخول المسجد من بابه الرئيسي ، وللنساء حق إسلامي في إمامة الصلاة بالمسجد وتولي مناصب قيادية فيه ، وللمرأة حقها في متى تمارس الجنس ومع من تريده . فهي امرأة إباحية لا تحرم الزنا على نفسها وتريد أن تشيعه أيضاً بين النساء المسلمات ، هذه إحدى النساء اللاتي يدعون إلى الفتنة والضلال .(1/4)
وثانيتهن : امرأة تدعى آمنة ودود تعمل أستاذة التفسير بجامعة فرجينيا كومنولث ، وقالت عن نفسها : أنا لست فقيهة ولا أقوم بأعمال الفقه ولكنني أقرأ في كتب الفقه ، وتخصصي في الحقيقة هو في التفسير ، وتقول : وليس تركيزي على الفقه ، وتخصصي في الحقيقة هو في التفسير ، و تقول : وليس تركيزي على الفقه لأن الفقه ليس في الحقيقة جزءا من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالرسول لم ينتم إلى مذهب ، وتقول : أنا أنتمي إلى نفس المذهب الذي ينتمي إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وتقول : منذ أن وُضع القانون على أساس القرآن والسنة أحياناً يفهم بأنه حديث ( أي جديد ) ، وتقول أيضاً :إنها تشجع وتروج لفكرة الإصلاح في القانون الإسلامي ، وتعتبر أن نجاحها في الوصول إلى إمامة الرجال يضع المزيد من الدراسات المفصلة والمعمقة للقرآن نفسه ، وتستند في دعوتها كما تقول : على كل من معاني القرآن الكريم وما يقوله القرآن الكريم والأمور المسكوت عنها في القرآن الكريم والتي يستخدم فيها المرء تفكيره الخاص ليقرر ما هي أفضل السبل ؟ لتحقيق الهدف الأسمى للنص ، وهي تدعي أن الرجال هم الذين فسروا القرآن على أساس الذكورية ، وقللوا من شأن المرأة حتى في الأمور التي تخص أمور حياتها الخاصة وشؤونها ، ولذلك فهي تريد أن تعيد للمرأة مكانتها التي أهملها الرجال وأضاعوها – على حسب فهمها السقيم للقرآن العظيم .
هذه المرأة ودعواها أنها مفسرة للقرآن الكريم وتدرس التفسير ومن خلال ماصرحت به خلال مقابلتها لمراسل الجزيرة واعترافها بأنها غير فقيهة ولا تعتني بالفقه ، ومن خلال ما صرحت به أقول وبالله التوفيق :(1/5)
لا أدري هل هذه المرأة درست الشريعة كتاباً وسنة في جامعة موثوقة أو لم تدرس ؟ ولا أدري كيف تحصلت على شهادتها لتكون أستاذة لمادة التفسير في جامعة ؟ ولا أدري أيضاً كيف تجهل الفقه وهي تفسر كتاب الله عز وجل وكلامه ؟ وإذا أرادت تفسير آية فيها حكم شرعي فماذا تفعل ؟
وأفهم من كلامها أنها لا تعتني بالسنة ولا تعرف شيئاً عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لأنها لم تذكر أنها تستعين بها في فهم كلام الله ، وكيف يُفهم مراد الله عز وجل من كتابه دون الرجوع إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبينة والشارحة لكتاب الله ؟ ومن أعلم بمراد الله من كلامه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله عز وجل ليبين للناس ما نزِّل إليهم ؟
وأقول أيضاً : هل هذه المرأة تجيد اللغة العربية لغة القرآن ؟ وهل تعلمت اللغة العربية نحوها وصرفها وبلاغتها وفقهها ، وعامها وخاصها ومطلقها ومقيدها ، وما يتعلق بها من أمور أخرى لا يمكن أن يفسر القرآن الكريم بغير فهمها و إجادتها ، وإذا كانت جاهلة باللغة العربية وعلومها فكيف تستسيغ لنفسها أن تقوم مفسرة لكتاب الله الذي أنزله بلسان عربي مبين .
والذي أظنه والله أعلم أنها تلقت علمها على أيدي المستشرقين .
ثم تقول : الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينتم إلى مذهب وهي تقول إنها تنتمي إلى المذهب الذي ينتمي إليه .. نعم الرسول لم ينتم إلى مذهب لأن المذاهب الفقهية هي التي تنتمي إليه ، وإذا كنتِ أنت تنتمين إلى مذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تتبعين سنته فأنت على غير مذهبه .(1/6)
وتقول إنها تروج لفكرة الإصلاح في القانون الإسلامي. وأقول: الإسلام شريعة رب العالمين وليس قانوناً وضعياً وضعه البشر القاصرون ليحتاج للإصلاح ... الله عز وجل يقول { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } (1) فقد أكمل الدين وتمت النعمة على المؤمنين قبيل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليس الإسلام في حاجة للإصلاح ، وليست شريعة الله في حاجة للإصلاح ، فمن أراد ذلك بفهمه القاصر وعلمه الضحل فهو مفسد غير مصلح وإن نال أعلى الدرجات ، وهي تريد أن تفسر وتبين ما سكت عنه القرآن بتفكيرها الخاص وفهمها لتحقق الهدف الأسمى للنص ، فمن أين جاءها أن ما تتوصل إليه بتفكيرها الخاص وعقلها الخاص من بيان ما سكت عنه القرآن أنه الصواب وغيره الخطأ ؟ وإذا اعتمد كل إنسان ذكر أو أنثى على استنباط حكم ما سكت عنه القرآن على فهمه وعقله الخاص دون الرجوع إلى فهم وعلم من أُنزِل عليه القرآن وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن الذي سيصل إلى الحق ؟ وكلهم يدّعي أن فهمه أدق من فهم غيره ، وعقله أكبر من عقل غيره ؟ أليس هذا تلاعب بالشريعة وهزء بالدين وسخرية ؟
وثالث هؤلاء : شخص يسمى أحمد ناصف لا أدري من هو وما مدى ثقافته الدينية ، والذي سمعته منه عند المقابلة مع مراسل قناة الجزيرة أنه يتكلم بالعامية ، ويقول : ( نحن هذا اليوم مش بنبتدي شيء جديد في الدين الإسلامي هذا أهم شيء لازم نفتكره ) هذه لغته التي نطق بها – ثم يدعي أن وجهة نظره ومن معه لا تختلف أبداً عن وجهة نظر الشيخ الطبري المؤرخ العظيم والفقيه الذي كان له نفس الرأي من ألف ومائة سنة.
أقول : ما نسبه هو وغيره للإمام الطبري بجواز إمامة المرأة للرجال سيأتي الرد عليه وعلى كل من نسب إليه أنه يقول بجواز إمامة المرأة للرجال .
__________
(1) سورة المائدة الآية (3)(1/7)
ويقول متسائلاً : لماذا بعض المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة لماذا لا يستطيعوا – هكذا – أن يجتمعوا معاً ويصلوا – يعني أن هذا الاجتماع سيكون لعبادة الله فقط ، وأقول : الحق أنه اجتماع لعبادة الشيطان من دون الله ، ثم هو يتفاءل بحضور عدد كبير من المسلمين في الولايات الأمريكية .
وهذا أحمد ناصف رئيس ما يسمى ( بالمسلمين التقدميين ) في أمريكا وكما ذكرت سابقاً له موقع على الإنترنت باسم ( استيقظ يامسلم )
وقبل أن أدخل في التعليق على ما أجاب به أخونا الدكتور الفاضل طه جابر العلواني أقول : إنه يظهر لي والله أعلم أن آمنة ودود وأحمد ناصف وأشباههما هم ممن يسمون أنفسهم القرآنيين ، فهم لا يعترفون بغير القرآن ويرون أنهم يستطيعون أن يفهموا دينهم من القرآن وحده دون الرجوع إلى السنة بدعوى أن فيها الضعيف والموضوع ، وبالتالي فهم لا يعترفون بفقه الفقهاء ، ولا بأي دليل من أدلة الشرع غير القرآن الذي يرون أنهم يستطيعون أن يفهموا دينهم منه وحده دون الرجوع إلى غيره .
وهذه فئة ضالة تريد إفساد الدين وتأويل القرآن بغير ما أراد الله عز وجل وأراد رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - وأما ما أجاب به فضيلة الدكتور طه فلي عليه ملحوظات أرجو أن يتقبلها بصدر رحب ، منها : أنني كنت أرجو أن يكون له موقف حازم من مثل هذه الدعاوى التي تثير البلبلة والشقاق بين المسلمين وكأن المسلمين ليس عندهم وبينهم ما يكفيهم من أسباب البلبلة والشقاق .
ومنها : أنه اتَّهم من يرون وضع حاجز أو ساتر بين الرجال والنساء في المساجد بالجهل ، مع أنه سامحة الله يعلم ماوصلت إليه المرأة من عدم التزام باللباس الشرعي ولو في المسجد ، ودخولها المسجد متعطرة متزينة ، خلاف ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلاف ما كنّ عليه الصحابيات من تستر عند دخولهن المسجد للصلاة .(1/8)
وأما مسألة تخصيص أبواب خاصة للنساء فهذه من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو عليه الصلاة والسلام الآمر بجعل باب خاص للنساء في مسجده الشريف ولا زال حتى اليوم يحمل الباب اسم ( باب النساء ) وينظر في ذلك سنن أبي داود جـ1ص 1236 حديث رقم 462 ، وحديث رقم 463 عن عمر وابنه رضي الله عنهما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( لو تركنا هذا الباب للنساء ) قال الراوي ولم يدخل منه عمر - رضي الله عنه - حتى مات وأما ما أشار إليه فضيلة الدكتور من وجود خلاف في المسألة وذكر أن فيها أقوالاً خمسة ثم ذكر أنه ليس فيها إجماع .
أقول وبالله التوفيق :
إن الإجماع المعتبر وأنت شيخ الأصوليين – هو ما كان في عصر الصحابة رضوان الله عليهم – حتى ولو كان إجماعاً سكوتياً . وقد اجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أنه لا يجوز أن تؤم المرأة الرجال والنساء مختلطين وغير مختلطين في المساجد العامة. كما أنهم أجمعوا بدون خلاف على أنه لا يجوز أن تكون المرأة خطيبة يوم الجمعة ومصلية إماماً بالناس فيها ، كما أنهم أجمعوا على عدم جواز أذان المرأة في المساجد ورفع صوتها بالأذان حتى بين النساء .
وعلى هذا الإجماع التابعون ومن تبعهم بإحسان ، وأما ذكر من خالف بعد ذلك كما ذكرتم وذكر غيركم فهذا سيأتي الحديث عنه ومناقشتة من بعد إن شاء الله .
و فهمت مما قاله فضيلة الدكتور أن اعتراضه انصبّ فقط على توقيت الزمان والمكان ولم يعترض على الفكرة ذاتها أو المبدأ ذاته بحجة وجود الخلاف في المسألة ، مع أن عدم جواز إمامة المرأة في الجمعة وعدم جواز أذانها في المساجد العامة مجمع عليه . ولم يعترض فضيلته على ما تود تلك النسوة ومن معهن أن يفعلنه في اليوم التالي للمقابلة مما لم يقع في بطلانه خلاف ، وهو إمامة المرأة وخطبتها في صلاة الجمعة .
الفصل الثاني : تفصيل الرد على فتنتهم :
أول ما نقول وبالله التوفيق :(1/9)
إن المسلمين من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا قد أجمعوا بلا خلاف أنه لا يجوز ان تقف المرأة خطيبة يوم الجمعة ولا تؤم الناس في صلاة الجمعة لا رجالاً ولا نساءً ولا مختلطين ولم يخالف في ذلك أحد .
وكذلك أجمع العلماء على أن لاجمعة ولا جماعة على النساء لكن إذا حضرن الإمام فصلين معه فذلك مجزئ عنهن ، ينظر كتاب الأوسط للإمام ابن المنذر جـ3 ص 16
والإجماع المعتبر – كما يقول الأصوليون – هو ما جرى في عصر صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد حصل الإجماع المتقدم تصريحاً ، وسكوتياُ وعملياً ، ولا ينكره إلا مكابر أو مغرض .
وقال عطاء بن أبي رباح مفتي مكة في وقته وقد تتلمذ على يد عدد كبير من الصحابة الكرام وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله سبحانه وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } إن ذلك مختص بالرجال وليست النساء مع الرجال . ينظر الأوسط للإمام ابن المنذر جـ3 ص17
فالنداء للجمعة خطاب للرجال فقط دون النساء ، ولم يثبت طيلة أربعة عشر قرناً أن قامت امرأة تخطب الرجال والنساء المختلطين يوم الجمعة ، حيث إن المسلمات المؤمنات القانتات الطاهرات يطعن الله ورسوله ويلزمن حدود الشرع ولا يطالبن بتعدي حدود الشرع بدعوى ضالة مُحدَثة باسم حقوق المرأة ، ولأنهن يعلمن أن صلاة الجمعة والخطبة لها هي من حقوق الرجال ، وواجباتهم باتفاق بين المسلمين من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا ، ودعوى آمنة ودود أنها قد صلت الجمعة وراء امرأة في جنوب أفريقيا فهي صلاة مبتدعة وراء جاهلة .
وفي قوله تعالى في سورة النور : ( يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال ) الآية 37 من سورة النور(1/10)
قال القرطبي في كتابه أحكام القرآن : قوله تعالى : ( رجال ) وخصهم بالذكر دل على أن النساء لا حظّ لهن في المساجد ، إذ لا جمعة عليهن ولا جماعة ، وإن صلاتهن في بيوتهن أفضل ، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ) الحديث رواه أبو داود عن عبد الله بن مسعود ينظر تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن جـ12 ص279 .
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : في قوله تعالى ( رجال ) فيه إشعار بهممهم السامية ونياتهم وعزائمهم العالية التي صاروا بها عمّاراً للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه ، ومواطن عبادته وشكره وتوحيده وتنزيهه كما قال تعالى : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ) الآية23من سورة الأحزاب
وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن ، وذكر الحديث السابق وقال ابن كثير أيضاً : وإذا جاز للمرأة شهود جماعة الرجال فلا تؤذي أحداً من الرجال بظهور زينة ولا ريح طيب ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسن طيباً ) والحديث رواه مسلم عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما . ينظر تفسير ابن كثير جـ3 ص294-295
الأقوال في إمامة المرأة :
قول عامة الفقهاء والجمهور الأعظم : إن المرأة لا يصح أن يأتم بها الرجل بحال في فرض ولا نافلة .
قول أبي ثور : لا إعادة على من صلى خلفها ، قياس قول المزني .
قول بعض الحنابلة يجوز أن تؤم الرجال في التراويح وتكون وراءهم وهنا يقول ابن قدامة رحمه الله : وتخصيص الصلاة بالتراويح واشتراط تأخرها تحكم يخالف الأصول بغير دليل . المغني لابن قدامة جـ3 ص33-34
شُبَه القائلين بجواز إمامة المرأة(1/11)
حديث أم ورقة رضي الله عنها وهي أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل الأنصارية ورد بألفاظ مختلفة فعند أبي داود : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل لها مؤذناً يؤذن لها ، وأمرها أن تؤم أهل دارها . سنن أبي داود في باب إمامة النساء جـ1ص139 . حديث 591 .
وفي حديث آخر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها . حديث 592 .
ورواه الدارقطني رحمه الله في باب ذكر الجماعة وأهلها : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لأم ورقة أن يؤذن لها ويقام وتؤم نساءها . سنن الدارقطني جـ1ص279.
ورواه الحاكم في المستدرك جـ1ص203 : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : انطلقوا بنا إلى الشهيدة فنزورها وأمر أن يؤذن لها وتقام وتؤم أهل دارها في الفرائض ، ويقول الحاكم : وهذه سنة غريبة لا أعرف في الباب حديثاً مسنداً غير هذا .
وذكر أيضاً أثراً عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقوم وسطهن . الحديثان سكت عنهما الذهبي رحمه الله المستدرك جـ1ص204.
وحديث ام ورقة هذا لا يصح الاحتجاج به على جواز إمامة المرأة للرجال ، لأن فيه مقالاً من عدة نواح ٍ:
مقال في سنده لأن من رواته الوليد بن جميع وعبد الرحمن بن خلاد ، قال فيهما ابن القطان لا يعرف حالهما .
مقال من حيث روايته إذ روي بلفظ تؤم أهل دارها – ولهذا فيه احتمال دخول الرجال وروي بلفظ ( نساءها )
ج - ومقال آخر من حيث الصلاة هل هي النوافل أو الفرائض .
د – ومقال آخر : من جهة أخرى : فقد يحتمل أن يكون هذا خاصاً بأم ورقة ، حيث لم يرد خبر أو أثر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز لغيرها أن تؤم رجالاً أو نساءًا والقاعدة الأصولية : { أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال )(1/12)
الشبهة الأخرى : ادعاؤهم أن من العلماء الأجلاء من قد أجازوا إمامة المرأة للرجال وذكروا : المزني وأبا ثور والطبري .
وذكر فضيلة الدكتور طه البويطي وزفر أيضاً .
الرد على هذه الشبهة
أقول وبالله التوفيق :
أن ما نسب لهؤلاء الأئمة إما غير صحيح وإما غير دقيق .
أما ما نسب إلى المزني رحمه الله وهو الإمام أبو إبراهيم إسماعيل بن يحي بن إسماعيل المصري . قال عنه الشافعي رحمه الله : المزني ناصر مذهبي .
وهو الذي اختصر آراء الشافعي في كتابه المعروف بمختصر المزني ، وتوفي بمصر سنة 260 هـ . أقول إن ما نسب إلى هذا الإمام من القول بجواز إمامة النساء للرجال غير صحيح وغير دقيق ، قال في المختصر : القياس أن كل مصلّ خلف جنب وامرأة ومجنون وكافر يجزئه صلاته إذا لم يعلم بحالهم ، وعلل ذلك بقوله : ( لأن كل مصلّ لنفسه لا تفسد عليه صلاته بفسادها على غيره ) ينظر المختصرعلى هامش كتاب الأم جـ1ص145 طبعة كتاب الشعب . فالقول بأن المزني رحمه الله يجيز صلاة الرجل أو الرجال خلف المرأة على الإطلاق قول غير صحيح ونظر غير دقيق .
فهو رحمه الله لم يخرج عن رأي إمامه الشافعي رحمه الله ، فهو إنما أجاز صلاة من صلى خلف امرأة دون أن يعرف حالها ، أي هل هي امرأة أو رجل ، وإلا لو عرف حالها ماصحت صلاته ، وهو بهذا خالف علماء المذهب الآخرين الذين يرون فساد صلاة من صلى خلف أو وراء امرأة ولم يعرف حالها ، قالوا لأن ذلك لا يخفى ، ولعل ما نسب إلى أبي ثور هو مثل ما نسب إلى المزني ولم أعثر على قول للمزني ولا لأبي ثور بجواز صلاة الرجل خلف المرأة على الإطلاق إلا قول ابن المنذر في الأوسط ، وكان أبو ثور يقول: صلاتهم مجزية وهو قياس قول المزني ، وذلك بعد إيراده نص الشافعي رحمه الله لو صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور فصلاة النساء مجزية وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزية ، هذا نص الإمام الشافعي رحمه الله الذي ذكره في كتاب الأم .(1/13)
فأرى أن النقل عن المزني وأبي ثور غير دقيق لأنهما ما صححا صلاة الرجال خلف المرأة أو المجنون أو الجنب أو الكافر إلا عند عدم العلم بحالهم .
وأما عند جمهور الشافعية فوجوب الإعادة ، ينظر الوسيط للإمام الغزالي جـ2 ص702 وغيره من كتب الشافعية .
هذا وعندما ترجم السبكي عبد الوهاب بن تقي الدين للإمام المزني في كتابه طبقات الشافعية الكبرى – وهو أعرف بأهل مذهبه – أقول : إنه لم يذكر هذه المسألة مما خالف فيه المزني المذهب ، مع أنه ذكر مسائل أخرى عدة مما خالف فيه المزني إمامه الشافعي ، ينظر طبقات الشافعية جـ1ص238 فما بعدها وكذلك ما نسب إلى أبي ثور وهو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي المتوفي سنة 240هـ فقد ترجمه السبكي في كتابه السابق ذكره وقال : لأبي ثور شذوذاً فارق فيه الجمهور وذكر بعضاً مما انفرد به ولم يذكر عنه أنه أجاز إمامة المرأة للرجال .ينظر الطبقات جـ1 ص227 فما بعدها.
فأما ما نسبه الدكتور طه للبويطي وزفر – فهذان لم يذكرهما أحد ممن ذكر المخالفين في إمامة المرأة للرجال ، ولا أدري من أين أتى بهما ليذكرهما في هذا الموضع وأما ما نسبه الدكتور طه للبويطي فهو غير صحيح قطعاً .(1/14)
والبويطي هو أبو يعقوب يوسف بن يحي البويطي المصري صاحب الشافعي ، أكبر أصحاب الشافعي ، إماماً جليلاً عابدا زاهداً فقيهاً عظيماً امتحن بفتنة خلق القرآن وسجن بسببها حتى مات في سجنه ببغداد رحمه الله مات في شهر رجب سنة 231هـ له مختصر لكتاب الأم للشافعي رحمه الله ، وكان لا يخرج عن قول الشافعي ، وقد جلس في مجلسه عند مرضه وبعد موته ، والشافعي رحمه الله هو الذي استخلفه على أصحابه بعد موته ، وقد ترجم له السبكي في طبقات الشافعية ولم يذكر في فوائده ومختصره ما نسبه إليه الدكتور طه من أنه يرى جواز إمامة النساء بالرجال ، كذلك لم يذكره أحد ممن حكى جواز إمامة النساء بالرجال عن بعض الأئمة كالمزني وأبي ثور وابن جرير الطبري كذلك لم يذكره القفال في كتابه حلية العلماء مع أنه قال : حكي عن أبي ثور وابن جرير الطبري أنه يجوز إمامتها في صلاة التراويح إذا لم يكن قارئ غيرها وتقف خلف الرجال . ينظر كتاب حلية العلماء للقفال .جـ2ص199 كما سبق ذكر ابن قدامة لهذا في المغني بعد قوله : ولا تصح إمامة المرأة للرجال .
وأما ما نسب لابن جرير الطبري وهو أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري – من طبرستان – الإمام العلم البحر ، المتوفى في بغداد سنة 310 هـ(1/15)
فكل من تكلم في هذه المسألة يذكرون مخالفة أبي ثور والطبري إما بلفظ حكي أو لفظ شذّ ، ولم يذكر أحد منهم مصدراً لهذا القول ، وقد سبق ذكر ما قال صاحب المغني ، وماذكر عن أبي ثور سبق الرد عليه وتفنيذه وكذلك ما نسب إلى المزني والبويطي ، ولو صح ما نسب إلى ابن جرير رحمه الله – وما أظنه يصح ، لأنني لم أجد من ذكر مصدراً لهذا القول – فإن هذا قول شاذ لا يعول عليه ، وأقول لدعاة تحرير المرأة : ما قولكم وما هو موقفكم من رأي ابن جرير في معنى هجران المرأة إذا خيف نشوزها ؟ انظروا إلى ما قاله في تفسيره قال : واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن في نشوزهن عليكم ، فإن اتعظن فلا سبيل لكم عليهن ، وإن أبين الأوبة من نشوزهن فاستوثقوا منهن رباطاً في مضاجعهن ، ينظر تفسير الطبري جامع البيان جـ4ص91 وما قبلها وما بعدها .
فهل الذين واللواتي ينادون بحقوق المرأة يرضون تفسير ابن جرير هذا لقوله تعالى : ( واهجروهن في المضاجع ) وقد شذ ابن جرير قي قوله وتفسيره لمعنى الهجر وخالف كل المفسرين والمحدِّثين في هذا ؟ ولكنهم ولكنهن يتبعون ويتبعن ما يوافق أهواءهم وأهواءهن ولو كان شذوذاً في القول والفكر ، وكما قال مالك رحمه الله : كل أحد يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر ، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فهو عليه الصلاة يؤخذ قوله ولا يجوز الرد عليه ، لأنه لا ينطق عن الهوى . عليه الصلاة والسلام . ولو سلمنا جدلاً بصحة مانسب إلى هؤلاء الأئمة فهل من العقل والرأي السديد أن يؤخذ بقول شاذ محكي لا مصدر له ، ويترك قول جماهير الصحابة وعلماء الأمة من التابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا .
ذكر بعض أقوال العلماء من مختلف المذاهب في هذه المسألة :
1- قال الإمام النووي أبو زكريا يحي بن شرف بن مري الحزامي الشافعي الإمام الحافظ المتوفى سنة 676هـ قال في كتابة المجموع وهو شرح كتاب المهذب للإمام الشيرازي :(1/16)
واتفق أصحابنا –أي الشافعية- على أنه لا يجوز صلاة رجل بالغ ولا صبي خلف امرأة ، وسواء في منع إمامة المرأة للرجال صلاة الفرض والتراويح وسائر النوافل ، هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف رحمهم الله ، وحكاه البيهقي عن الفقهاء السبعة فقهاء المدينة والتابعين وهومذهب مالك وأبي حنيفة وسفيان وأحمد وداود. ينظر المجموع جـ 4 ص136 وقال القفال في حلية العلماء : ولا تصح إمامة المرأة للرجال .ينظر جـ2 ص 199 .
وقبل ذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله : وإذا صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور فصلاة النساء مجزأة وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزأة لأن الله عز وجل جعل الرجال قوامين على النساء ، وقصرهن عن أن يكن أولياء، ولا يجوز أن تكون امرأة إمام رجل في صلاة بحال أبداً . ينظر كتاب الأم جـ 1 ص145.
وأما عند الحنفية ، فما اطلعت عليه من كتبهم : كالمبسوط للسرخسي ، وبدائع الصنائع للكاساني ، وفتح القدير لابن الهمام وشروحه ، ونجمع الأنهر لداماد أفندي ، وحاشية ابن عابدين ، وغيرها فلم يذكر أي واحد منها خلافاً في عدم جواز إمامة المرأة للرجال. ولما كان جمهور الحنفية يكرهون إمامة المرأة للنساء كراهة تحريم ، ولم يذكر أحد من علمائهم خلافاً في عدم جواز إمامة المرأة للرجال. وعلى ذلك فما نسبه الدكتور طه إلى زفر رحمه الله غير صحيح ، ولم يرد في أي كتاب من كتب الحنفية وغيرهم خلافاً له في ذلك . وكيف يرى زفر رحمه الله جواز إمامتها للرجال وعلماء مذهب أبي حنيفة جميعهم يرون أن صلاة من صلى خلف امرأة في صلاة مشتركة أن صلاته باطلة وكذلك صلاة من خلفه إلى آخر الصفوف ، وكذلك صلاة من بحذائها .(1/17)
أما ما ورد عن زفر رحمه الله وخالف فيه الآخرين : أن المرأة يصح اقتداؤها بالرجل - لا إمامتها – وإن لم ينو إمامتها ، لأن الآخرين قالوا : إنه لا يصح اقتداء المرأة بالرجل إلا إذا نواها . وينظر مجمع الأنهر جـ1ص111 ،وحاشية ابن عابدين جـ1 ص380 .
وقال ابن حزم في كتابه المحلى وابن حزم هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي المتوفى سنة 456هـ وهو إمام أهل الظاهر : قال : ولا تجزئ صلاة فرض أحداً من الرجال – إذا كان بحيث يسمع الأذان أن يصليها إلا في المسجد مع الإمام ، وليس ذلك فرضاً على النساء ، فإن حضرنها فقد أحسنّ .
وقد صح في الآثار كون نساء النبي صلى الله عليه وسلم في حجرهن لا يخرجن إلى المسجد . ينظر المحلى جـ4 ص188،196
وقال أيضاً : ومن ائتم بمن لم يؤمر أن يأتم به – وهو عالم بحاله فصلاته باطلة . جـ 4 ص218
وقال أيضاً : وصلاة المرأة بالنساء جائزة ، ولا يجوز أن تؤم الرجال. والأخبار عن إمامة أمهات المؤمنين للنساء صحيحة عن عائشة وأم سلمة أميّ المؤمنين رضي الله عنهما المحلى جـ 4ص219،220
وقال الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي المالكي : ولا يجوز الإئتمام بامرأة ولا خنثى مشكل ولا كافر ولا مجنون ولا أمّي ، ولا يكون واحداً من هؤلاء إماماً بحال من الأحوال إلا الأمي بمثله . ينظر كتاب الكافي جـ1 ص210 .
وقال الإمام الشوكاني في السيل الجرارمن كتب فقه الزيدية : لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في جواز إمامة المرأة بالرجل أو الرجال شيء ، ولا وقع في عصره ولا في عصر الصحابة والتابعين من ذلك شيء ، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوفهن بعد صفوف الرجال ، وذلك لأنهن عورات ،ينظر السيل الجرار جـ1ص250 .(1/18)
وقال في كتاب الجامع للشيخ أبي محمد عبدالله بن محمد بن بركة البهلوي العماني من فقهاء الإباضية : ولا يجوز أن تؤم المرأة رجلاً ،وقال : ولا تنازع بين الأمة في ذلك . ينظر كتاب الجامع جـ1 ص507
وقال أيضاً في الروضة الندية من فقه الزيدية : ويؤم الرجل النساء لا العكس ، جـ 1 ص120
وقال ابن رشد القرطبي : اختلفوا في إمامة المرأة فالجمهور على أنه لا يجوز أن تؤم الرجال وشذ أبو ثور والطبري فأجازا إمامتها على الإطلاق ، وقد سبق أن ذكرت أن لا دليل على صحة هذه النسبة لهذين الإمامين .
ثم يقول ابن رشد رحمه الله معللاً اتفاق الجمهور على منعها أن تؤم الرجال ، لأنه لو كان جائزاً لنقل ذلك عن الصدر الأول ، ولأنه أيضاً لما كانت سنتهن في الصلاة التأخير عن الرجال علم أنه ليس يجوز لهن التقدم عليهم ،ولذلك أجاز بعضهم إمامتها للنساء إذ كن متساويات في المرتبة في الصلاة . ينظر بداية المجتهد جـ 1 ص148.
وأما عند الحنابلة : فقد قال في الإنصاف : والأذان والإقامة مشروعان للصلوات الخمس للرجال . ومفهوم ذلك أنه لا يشرع للخناثى ولا للنساء . ينظر الإنصاف جـ1 ص406
وقال أيضاً : ( ولا تصح إمامة المرأة للرجل ) قال : هذا المذهب مطلقاً . وقال عند ذكر الخلاف وعن أحمد أنها تصح في صلاة التراويح ، ولا تجوز في غير التراويح ، وقالوا : إنها تقف خلفهم . وهذا انتقده ابن قدامة رحمه الله كما سبق بيانه ، واشترط لصحة إمامتها أن تكون قارئة وهم ( أميون ، أو أقرأ من الرجال ، على الخلاف ) ينظر الإنصاف جـ 2 ص 263 ، 264
والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل .
ومؤلفه هو : علاء الدين بن سليمان المرداوي الحنبلي .
وقال في كتاب المحرر : ولا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى إلا بالنساء . ينظر المحرر جـ1 ص103 ، والمحرر كتاب في الفقه الحنبلي من تأليف الشيخ الإمام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن تيمية الحراني .(1/19)
وقال مثله في المقنع لابن قدامة موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي . ينظر المقنع جـ1ص 206
وأما ما يتعلق بصلاة الجمعة ففي الباب أحاديث :
منها : عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : الجمعة واجبة إلا على امرأة أو صبي أو مريض أو عبد أو مسافر . ينظر مجمع الزوائد جـ2ص383 حديث رقم 3032 وفي الباب أحاديث عن أبي هريرة وأبي قتادة وابن عمر رضي الله عنهم .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك ، أو امرأة أو صبي أو مريض .
هذا حديث صحيح . ينظر في المستدرك جـ 1 ص288
وفي حديث عن سلمان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر ثم يخرج من بيته حتى يأتي الجمعة فيقعد وينصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة . حديث صحيح – ينظر المستدرك جـ1ص277
أقول وبالله التوفيق :
ولو سلمنا جدلاً بصحة خلاف من خالف ، وأخذنا ببعض محتملات حديث أم ورقة رضي الله عنها ، فما شأن الجمعة وخطبتها يتسور لها هؤلاء النسوة ومن معهن ؟ وليس في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة دليل ولو ضعيف على جواز أن تخطب امرأة للجمعة وتصلي بالناس .
كذلك ليس في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة دليل ولو ضعيف على جواز أذان امرأة في مسجد جامع .
كذلك ليس في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة ولا في عمل الصحابة ولا التابعين أن يصلي المسلمون – في غير المسجد الحرام – رجالاً ونساءً مختلطين في الصفوف ولا أن تؤمهم امرأة .
فعلى هذا ما فعله أولئك النسوة ومن معهن بدعة منكرة لا سابقة لها أردن وأرادوا بها إيجاد بلبلة وتمزق وتشويش بين المسلمين ، وإفساداً في الأرض وفتنة لعن الله من أيقظها ووقى الله المسلمين شرها .
الفصل الثالث : من المسلمات الثوابت في الإسلام(1/20)
إن دين الإسلام يقوم على مسلمات ثوابت لا يقبلن التغيير باختلاف الزمان أو تفاوت البلدان أو اختلاف اللغات والألسن والألوان ، لأن الله عز وجل الذي أنزل هذا الدين ورضيه لنفسه ولعباده المؤمنين أعلم وأحكم بما يصلح عباده في دينهم ودنياهم وأخراهم ، وقد بلّغ الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - رسالة ربه وحمّلها أصحابه فحملوها ونقلوها إلى من بعدهم من التابعين بيضاء نقية كما تركهم عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( لقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين وعليكم بالطاعة وإن كان عبداً حبشياً عَضّوا عليها بالنواجذ ) . مسند الإمام أحمد بن حنبل جـ4 ص126 عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - ، ورواه ابن ماجة حديث رقم 5 ، وقد قال الله سبحانه وتعالى آمراً بطاعته وطاعة رسوله في أكثر من آية من القرآن الكريم ، وآمراً بطاعة رسوله بخاصة .
في مثل قوله سبحانه : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون } الآية 56 من سورة النور . وقال سبحانه { وإن تطيعوه تهتدوا } الآية 54 من سورة النور ، وقال سبحانه مخاطباً نساء الأمة الإسلامية – وليس خاصاً بأمهات المؤمنين رضوان الله عليهن : { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } الآية 33 من سورة الأحزاب .
وقال سبحانه { من يطع الرسول فقد أطاع الله } الآية 33 من سورة الأحزاب .
وقال سبحانه على لسان رسوله : { وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري } الآية 90 من سورة طه .
إلى غير ذلك من الآيات المحكمات الآمرة بطاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .(1/21)
وكان مما أجمع عليه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعون من بعدهم وهم خير القرون بنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل : خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون . رواه البخاري عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - جـ 1 ص3 من الفتح وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي هريرة والنعمان بن بشير رضوان الله عليهم وروي عن غيرهم أيضاً .
فكان ممن أجمعوا عليه – تصريحاً أو سكوتاً أو عملاً – ولم يخالف فيه أحد منهم من لدن نزول الرسالة والوحي ، وبعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ثم في عصر الصحابة ثم التابعين كان مما أجمعوا عليه طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ما يلي :
إقامة الصلوات في المساجد والنداء لها والإمامة فيها للرجال والحرص عليها والمحافظة على أدائها بمقدماتها وشروطها وأركانها كما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما رأوه عليه الصلاة والسلام يصلي وقد قال لهم عليه الصلاة والسلام آمراً : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) الحديث متفق على صحته ينظر شرح السنة للإمام البغوي الحسين بن مسعود المتوفى سنة516هـ جـ2ص296 .
ولما كانت الصلاة أعظم وأهم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي ميزان الأعمال يوم القيامة كان حرص الصحابة والتابعين على ادائها كما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصاً بالغاً لعلمهم أن هذه الصلاة هي مظهر دينهم وبها تظهر حقيقة إيمانهم ، وبها يصلون إلى خالقهم ، ويعلقون قلوبهم بالله ربهم لا يدعون إلا إياه ولا يرجون سواه ، ولا يخافون غيره ، فمن المسلمات التي أجمعوا عليها الطهارة الكاملة للصلاة عند القدرة، والأدلة على ذلك لا تخفى .
ومنها استقبال القبلة عند القدرة لا تصح الصلاة إلا بها .(1/22)
ومنها الأذان للفرائض والإقامة لها ، ومن المسلمات الثوابت إجماعهم على أنه لا يؤذن للصلاة – في الجمعة وغيرها – إلا الرجال ، ولا يجوز أن تؤذن امرأة في مسجد جماعة أعد للصلاة ، وأما حديث عائشة رضي الله عنها ( أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء ) فعلى التسليم بصحة هذا الأثر فذلك داخل البيوت وعند النساء بخاصة ، وبدون رفع صوت بحيث يسمعه من هم خارج البيت لا في المسجد ولا على المنارة أو المئذنة ..
ومن المسلمات الثوابت التي لم يختلف فيها الصحابة ولا التابعون عدم جواز إمامة المرأة للرجال ، ولم يثبت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عصر الصحابة ولا التابعين أن أمّت امرأة الرجال في المساجد ، فكان ذلك إجماعاً منهم على عدم جواز إمامة المرأة للرجال في المساجد – وهم أهل القرون المفضلة – فإذا جاء بعد ذلك من يرى جواز إمامة المرأة للرجال في الفرائض ، وفي المساجد فيعتبر خارقاً للإجماع ، وقوله شاذ غير معتبر ولا يعول عليه مهما بلغ في العلم ، لأنه كما قيل : لكل جواد كبوة .
وكما سبق أن ذكرت قول مالك رحمه الله : كلٌّ يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما حديث أم ورقة رضي الله عنها فقد رأينا أن فيه مقالات واحتمالات - على فرض صحته – والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
ومن المسلمات الثوابت التي لم يقع فيها خلاف عدم وجوب الجمعة على النساء ، وكذلك عدم وجوب الجماعة عليهن ، بل الجمعة والجماعة واجبة على الرجال البالغين الأحرار الأصحاء المقيمين فقط فلا جمعة على النساء ولا على الصبيان ولا على العبيد ولا على المسافرين ولا على المرضى ، ولكن من حضر من هؤلاء الجمعة فقد صحت منه ، وكانت بدلاً عن الظهر في حقه .(1/23)
ودليل ذلك قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) هذا نداء خاص بالرجال لا يدخل فيه النساء ، كما روي عن عطاء بن رباح مفتي مكة في زمنه وهو من التابعين وقد تتلمذ على يد كثير من الصحابة رضوان الله عليهم .
وكذلك صلاة الجماعة في المساجد لا تجب على النساء وإنما هي واجبة على الرجال دون النساء ، ولكن إن حضرتها المرأة جاز ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد كما ورد في أكثر من حديث ، وقد سبق ذكر بعض منها .
6- وكذلك من المسلمات الثوابت المجمع عليها أن موقع ومكان صفوف النساء للصلاة في المساجد هو في مؤخرة المسجد خلف صفوف الرجال ، وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها . ينظر صحيح مسلم رقم 269 من المختصر ص77.
وفي الأثر الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه : (أخروهن من حيث أخرهن الله ) وهذا الأثر أخرجه عبد الرزاق بن همام الصنعاني في كتابه المصنف جـ3 ص149 حديث رقم5115 . كما أخرجه الزيلعي عبدالله بن يوسف في كتابه نصب الراية جـ1ص36حديث 69 ، كما أخرجه ابن حجر في فتح الباري جـ2 ص238 .
وسيأتي الحديث عن أسباب تأخير صفوف النساء عن صفوف الرجال والحكمة من ذلك .
ولا تقاس مساجد المدن والقرى على المسجد الحرام الذي قد يختلط فيه بعض النساء ويصلين في صفوف الرجال ، وصلاة النساء بين الرجال في السمجد الحرام مختلف في جوازها ، وعلى فرض الصحة فذلك لضرورة الزحام وكثرة الناس ، فإذا كانت المرأة في الطواف وأقيمت الصلاة ولم تتمكن من الوصول إلى أماكن النساء المعدة لصلاتهن فيها ولا يختلطن بالرجال فأجاز من أجاز صلاتها بين الرجال ، فهذا والله أعلم ضرورة لا تصح في حال السعة .(1/24)
وقد ذكرت سابقاً أن النساء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنذ زمنه عليه الصلاة والسلام يدخلن من باب مخصوص لدخولهن ولا يختلطن بالرجال ، والباب ما زال حتى اليوم يحمل عنوان – باب النساء ، والآن لهن أبواب مخصوصة وأماكن مخصوصة لصلاتهن فلا يختلطن مع الرجال .
ومن المسلمات الثوابت أيضاً أن العبادات أصلها التحريم والمنع. ومعنى هذا أنه لا يجوز أن يعبد الله إلا بما شرع في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد بين القرآن الكريم والرسول الأمين عليه الصلاة وأزكى التسليم بقوله وفعله كيف نعبد الله عز وجل ونحظى بالقبول والرحمة والرضوان في صلاتنا وصيامنا وحجنا وزكاة أموالنا وكل ما نتقرب به إلى الله عز وجل ، فلا يجوز أن يبتدع إنسان مهما بلغ من العلم عبادة لم ترد في كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بدعوى أنه يريد أن يتقرب إلى الله بتلك العبادة ، كأن يبتدع صلاة سادسة فيوجبها على نفسه ، أو يوجب على نفسه صيام شهر غير رمضان ، أو يحج إلى غير بيت الله الحرام ، أو يبتدع أذكاراً وتسبيحات وصفات لعبادة من العبادات لم ترد في الكتاب ولا في السنة ، فهذه كلها بدع ، وعمله مردود عليه ، وعليه الوزر والإثم ، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وقصة الصحابة الثلاثة فعن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنه قال : ( جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها – أي اعتبروها قليلة – فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال احدهم : أما أنا فأنا أصلي الليل أبداً ، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر : أناأعتزل النساء فلا أتزوج أبداً ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنتم الذين(1/25)
قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) الحديث متفق على صحته . ينظر فتح الباري جـ9ص104
فمن ابتدع بدعة في الدين فعمله مردود عليه وعليه إثمه وإثم من يعمل به من بعده إلى يوم القيامة .
والإسلام فرض على أتباعه المؤمنين أن يتبعوا ما أنزل الله في كتابه وما أمربه رسوله أو فعله ، ونهاهم عما نهى عنه في كتابه أو نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكان مما أمر الله به وفعله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفعله أصحابه معه ومن بعده ، كما فعله التابعون ومن تبعهم إلى يومنا هذا صلاة الجمعة والجماعة وأنها صلاة لا تجب إلا على الرجال البالغين الأصحاء الأحرار المقيمين العقلاء دون الأطفال والنساء والعبيد والمرضى والمسافرين والمجانين ، ولكن إن حضرها النساء والمسافرون والصبيان والعبيد أجزأتهم صلاتهم ، وذلك من باب الجواز والاستحباب لا على سبيل الوجوب ، وقد سبق ذكر ذلك .(1/26)
ومما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله خطبة الجمعة ، وانه لا يليها إلا الرجال دون النساء ، فلا يجوز أن تقف امرأة خطيبة للجمعة مهما بلغت من العلم والفقه ، وقد كان في عصر الصحابة من النساء من هن أعلم وأفقه من كثير من الرجال ، وعلى رأسهن أمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن ، وقد ثبت أنهن كن يصلين في حجرهن ولا يصلين في المسجد ، وفي مقدمة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها وهي العالمة الفقيهة ولم نسمع أنها أو غيرها منهن طلبت أن تؤم الرجال والنساء وتكون خطيبة يوم الجمعة ، كما فعلن بعض النسوة في هذا العصر اللواتي يردن إفساد الدين ، وتمزيق شمل المسلمين ، وإيجاد البلبلة والتشويش في المجتمعات الإسلامية باسم إصلاح الإسلام وبخاصة في بلدان الغرب، وأولئك من المفتونات بالحياة الغربية المبتذلة الضالة ويردن إسلاماً غربياً لا يمت إلى الإسلام الصحيح بصلة ولا رابط ، ويردن من المرأة المسلمة الحصول على ما يسمونه حقوق المرأة على الطريقة الأمريكية وتجاهلن الفارق بين المرأة المسلمة الطاهرة العفيفة وبين المرأة الغربية المبتذلة الشقية ، وتجاهلن الفارق الكبير بين ما يدعو إليه الإسلام ويحرص عليه ويريد أن يتمسك به المسلمون والمسلمات وبين ما تدعو إليه الثقافة الغربية الملحدة التي لا تدين بدين .
الفصل الرابع
الحكمة من وراء تأخير صفوف النساء وعدم اختلاطهن بالرجال .
أقول وبالله التوفيق :
هل الأمر بتأخير صفوف النساء عن صفوف الرجال وعدم جواز اختلاطهن بالرجال في الصلاة وتخصيص أبواب المساجد يدخلن منها وأماكن خاصة ويصلين ويجلسن فيها من باب تحقير النساء وإهانتهن واعتبارهن أقل رتبة ومكانة من الرجال ؟ أو أن ذلك إنما شرع لاعتبارات أخرى وحكم شرعية إلهية ؟
أولاً / الأدلة من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله على تأخير صفوف النساء :(1/27)
1- عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنه قال : صليت أنا ويتيم لنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأم سليم خلفنا ) الحديث صحيح رواه الشافعي والبخاري رحمهما الله .
2- وفي حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه كان يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام ويجعل الركعة الأولى هي أطولهن ، لكي يثوب الناس ، ويجعل الرجال قدام الغلمان ، والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان ، الحديث رواه أحمد وأبو داود .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخيرصفوف النساء أخرها وشرها أولها ) رواه الجماعة إلا البخاري ، والمراد بالجماعة مسلم وأصحاب السنن ، والمراد بخيرها أكثرها ثواباً ، وشرها أقلها ثواباً ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : صليت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة معنا تصلي خلفنا ، وأنا إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم أصلي معه ) الحديث رواه أحمد والنسائي . ينظر المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم ، لمجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني جـ 1 حديث 1461 ص644 .
فهل هذه الأحاديث تشير إلى أن المراد بتأخيرهن إهانتهن وتحقيرهن ، وهل بظن ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله شرعه ، الأمين في تبليغ رسالة ربه القائل : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } الآية 228 من سورة البقرة ، والمراد بالدرجة : القوامة والرعاية .(1/28)
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( واستوصوا بالنساء خيراً ) الحديث متفق عليه ، ونص الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر قلا يؤذي جاره ، واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيراً ) ينظر شرح السنة جـ9 ص162 رقم 2332 وعن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه قال : وعظ النبي صلى الله عليه وسلم الناس في النساء فقال : يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد ثم يعانقها آخر النهار ) منكراً عليهم ذلك ، الحديث متفق على صحته .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وخياركم خياركم لنسائكم ) رواه أحمد بن حنبل رحمه الله في المسند جـ2ص472 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير النساء من تسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر ، ولا تخالفه في نفسها وماله بما يكره ) رواه أحمد والنسائي والحاكم ينظر كتاب كشف الخفا ومزيل الإلباس جـ1 ص395 حديث رقم 1262
وعند الطبراني عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قريب منه ، وينظر في هذه الأحاديث وغيرها في مجمع الزوائد جـ4 ص502.
وعن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله يوصيكم بالنساء خيراً ، إن الله يوصيكم بالنساء خيراً ، فإنهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم ) الحديث رواه الطبراني في الكبير جـ2 ص274 ، وينظر في مجمع الزوائد جـ4 ص555 حديث رقم 7614(1/29)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) رواه البزار وهو حديث حسن كما رواه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها ، وينظر في مجمع الزوائد جـ 4 ص557 حديث رقم 7621 ورواه معاوية رضي الله عنه بزيادة : ( وما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم ) ينظر إتحاف السادة المتقين جـ 5 ص394 .
إلى غير ذلك من الأحاديث المرغبة في رعاية النساء وإكرامهن والوصاية بهن خيراً .
وقد أذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور المساجد والصلاة مع الجماعة في الجمعة وغيرها ونهى الرجال عن منعهن من المساجد على ان تخرج النساء غير متبرجات بزينة متسترات غير متكشفات ، ويصلين في صفوفهن خلف الرجال ، كما سبق بيانه .
وعلى ذلك فإن الإسلام إذا أجاز للمرأة حضور الصلوات ، في صفوف منفصلة عن صفوف الرجال ومتأخرة عنهم ، ولم يكن في هذا التشريع إهانة للمرأة ولا تحقير لها ، فلم إذا كان هذا التأخر وعدم الاختلاط بالرجال ؟ أقول بالله التوفيق :
الله عز وجل هو الذي خلق الرجل والمرأة ، وعندما شرع لعباده الإسلام ديناً ، ورضيه لهم أوجب على الرجال والنساء من المسلمين واجبات يقومون بها ، ولكل من أطاع أمره منهما ثواب عمله ، كما أنه سبحانه حرم عليهما محرمات نهاهم عن قربانها ، فمن أتى منهما محرماً عوقب عليه . لا فرق في ثواب الواجبات ولا عقاب بالمحرمات بين الذكر والأنثى منهما. فهم جميعاً أما م شرع الله سواء ، فالصلاة والزكاة والصيام والحج واجبات يشترك فيها الرجال والنساء ، ولكن الله عز وجل خفف عن النساء فمنع الحائض والنفساء من الصلاة حال الحيض والنفاس وأسقط عنهما قضاءها ، كما أنه سبحانه منع الحائض والنفساء من صيام رمضان وإن أوجب عليهما القضاء .(1/30)
كما أنه سبحانه لم يوجب على المرأة الحج إلا إذا وجدت ذا محرم لها يحج بها ، وإلا سقطت عنها الفريضة ، كما أنه سبحانه لم يوجب على المرأة القتال والجهاد تخفيفاً عنها ورعاية لها ، فهو سبحانه خالقها ويعلم ضعف بنيتها وأثر فتنتها .
وقد ذكر الله سبحانه في كتابه الكريم في أكثر من موضع اشتراك النساء مع الرجال في العمل الصالح ، والثواب المترتب على كل عمل صالح يقومون به ، ومن ذلك :
قوله سبحانه : { أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض } الآية 195من سورة آل عمران
وقوله سبحانه : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون } الآية 97 من سورة النحل .
وقوله سبحانه : (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم } الآية 72من سورة التوبة .
وقوله سبحانه : إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات إلى قوله سبحانه : { أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً } الآية 35 من سورة الأحزاب .
وقوله سبحانه : ( ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً } الآية 72 من سورة الأحزاب
وقوله سبحانه : مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم : { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } الآية 19 من سورة محمد
وقال سبحانه : { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً } الآية 5 من سورة الفتح
عدا عن أن كل آية يبشر الله عز وجل بها المؤمنين هي في الحقيقة للرجال والنساء منهم، وكيف يظن بأن الإسلام حقر المرأة وأهانها بتأخير صفوفها عن صفوف الرجال والله عز وجل يقول : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الآية 13 من سورة الحجرات سواء أكان رجلاً أم امرأة .(1/31)
فمن جعل المؤمنين والمؤمنات في درجة واحدة إمام أعمالهم هل يريد بتأخير صفوف النساء إهانة المرأة وتحقيرها ؟ أم هناك حكمة أرادها الله سبحانه من وراء ذلك ؟ هذا ما سنعرضه بإذن الله فنقول وبالله التوفيق :
إن الله عز وجل حينما خلق الخلق من جن وإنس وحيوان وجماد خلق من كل شيء زوجين ذكراً وأنثى موجباً وسالباً ، وكان من حكمته سبحانه أن غرز في كلٍ من الزوجين انجذاباً وميلاً للآخر منهما ، وعلى هذا قام الكون واستمرت الحياة ، ولما كان البشر وبنو آدم خير ما خلق الله – عدا الملائكة المقربين – وكرم الله بني آدم كما قال سبحانه : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ) الآية 70 من سورة الإسراء ولقد كان من سنن الله في خلقه أن يعمر الأرض بهذا الجنس من المخلوقات فخلق منه الذكر والأنثى آدم وحواء ونسلهما وميز سبحانه في أصل الخلقة بينهما ، وجعل لكل منهما ميزات تناسب وظيفته التي خلق لأجلها في هذه الحياة الدنيا ، فميز الأنثى في جسمها ونفسيتها وعقلها وعواطفها ، فجعل لها أعضاء في جسمها خاصة بها تناسب وظيفتها التي خلقت لأجلها ، كما ميز الذكر بأعضاء خاصة به تناسب وظيفته التي خلق ليؤديها، وجعل وظيفة المرأة في الحياة أن تكون وعاءً للنسل فتحمل وتلد وترضع وتعتني بأطفالها وبيتها وأسرتها، وفطرها على الرحمة والشفقة والصبر والقدرة على تحمل ومقاساة الحمل والولادة ، وجعل فيها ميلاً فطرياً طبيعياً لحب التزين باللباس والحلي والتعطر لتلفت نظر الذكر إليها وجعل فيها ضعفاً فطرياً يجعلها تحس دائماً أنها بحاجة إلى الرجل ليكمل نقصها ، ويقف بجانبها ، ويعينها ويدفع عنها ويقوم بمصالحها ، وجعل وظيفة الرجل القوامة على أهل بيته من نساء وأطفال ، والقدرة على الدفاع عنهم وعن أسرته ومجتمعه، والعمل للإنفاق عليهم وسد حاجاتهم وأودع سبحانه وتعالى في كل منهما ميلاً فطرياً جبلياً للآخر ، وملكة مغروزة في أصل خلقته ينجذب بها إلى زوجه(1/32)
ولا يستطيع له دفعاً ، ليعمر الكون ويستمر سير البشرية إلى ماشاء الله فلا يمكن أن يصير الذكر أنثى ولا الأنثى ذكراً .
والذي خلق الخلق وخلق البشر ويعلم ما فطرهم عليه علم ما سيصلحهم في حياتهم فأمرهم به على لسان رسله وفي كتبه المنزلة ، وعلم ما يفسدهم في حياتهم فنهاهم عنه ، وسن لهم الشرائع على لسان رسله وأنبيائه وفي كتبه المنزلة ، على رسله وأنبيائه ، وأمرهم باتباع ما تدعوهم إليه رسله وأنبياؤه ، وكان مما شرعه سبحانه وتعالى ليعيش الناس في أمن وطمأنينة وسلام أن نظم بتشريعاته العلاقة بين الذكور والإناث من أول ما خلقهم ، ورسم لهم طريقاً واحداً مستقيماً هو طريق الزواج المشروع ، ذكر لأنثى لا يشاركه فيها ذكر آخر ، وهذا التشريع أدركته كل أمم الأرض وسارت على منهاجه قروناً متطاولة ولا زالت تسير عليه ، وذلك لدفع التغالب والتنازع بين الذكور على الإناث غالباً أو بين الإناث على الذكور دون ذلك ، ولم يكن يخلو زمن من أناس يخالفون شرع الله وينحرفون عن طريق الهداية فيتخذون طرقاً لاتصال الذكور بالإناث غير ما شرع لهم خالقهم – وهو ما سماه شرعنا الزنا – فأوجب سبحانه على ألسنة رسله وفي كتبه المنزلة على رسله وأنبيائه وفي كل شرائعه عقوبات على من يخالف شرعه ويحيد عن طريقه ولكن مع ذلك ولعدم وجود الحاكم الصالح لتنفيذ العقوبات عصى البشر وانحرفوا عن طريق الله وأباحوا ما حرم الله عليهم ، وحرموا ما أباحه الله لهم وساروا في طريق الغواية والضلال قرونا متطاولة ، ولا زالت البشرية تتردى في العلاقة بين الذكر والأنثى من سيء لأسوأ إلى يومنا هذا حيث بلغ الانحلال والفسق والفساد أشده وأقصى غاياته ، وما هو مشاهد الآن من تفسخ في المجتمعات الكافرة وبعض المجتمعات التي تدعي الإسلام ، وما يشاهد من وضع للبشرية مزرٍ وبخاصة فيما يتعلق بالمرأة من انحدار ترفعت عنه حيوانات الغابات المفترسة ما يغني عن الإفاضة في الشرح والبيان .(1/33)
ولما جاء الله بالإسلام وجعله الشريعة الخاتمة ، وأنزل أفضل كتبه على أكرم رسله كان مما شرعه الله لعباده المؤمنين تنظيم العلاقة بين الذكور والإناث ووضع كل في إطاره الصحيح ، وكان من المشروع أن يتعبد الله عز وجل عباده المؤمنين بعبادات يتقربون بها إليه ويرجون بها رحمته ويعوذون بها من عذابه فكان أن فرض عليهم فرائض جعلها أركاناً لدينه لا يتم إسلام المسلم إلا بها وهي الشهادتان عنوان المسلم ودليل إيمانه وإسلامه ، والصلاة تقرباً إلى الله وطلباً لمرضاته ورضوانه والزكاة تطهيراً لماله ، وصوم رمضان تطهيراً لبدنه ونفسه وحج بيت الله الحرام غفراناً لذنوبه وسيئاته .
و كان من أهم ما فرض عليهم بعد الشهادتين الصلاة تقرباً إليه سبحانه ومناجاته وأمرهم ببناء المساجد لإقامتها وجعلها مظهر الإسلام وعنوانه ، وأوجبها بأركانها وشروطها على عباده رجالاً ونساءً ، فمن أقامها منهم وأداها بشروطها كما أمر الله وسن رسوله صلى الله عليه وسلم كان له أجرها بقدر إخلاص قلبه لربه وخشوعه ، لا فرق بين الذكر والأنثى منهم ، ومن لم يقمها كما أمر الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم كان عليه الوزر والإثم والعقوبة في الدنيا والاخرة ذكراً كان أم أنثى .
ولكن لما كان كل من الذكر والأنثى ينجذب بفطرته وجبلته التي فطره الله عليها ينجذب إلى الآخر إذا التقيا وينظر إلى محاسنه فرق الشرع بينهما في أمور لا تخل بأداء ما أوجب الله ، وهي تدخل في باب الأمور التنظيمية – كإقامة الصفوف وتسويتها مثلاً – وذلك لكي يؤدي كل واحد منهما واجبه بإخلاص قلب وسلامة توجه وخشوع إلى الله سبحانه بحيث لا ينشغل قلبه وفكره بغير صلاته وتوجهه إلى خالقه .
فمن هذه الأمور : أنه لم يوجب على النساء صلاة جمعة ولا جماعة كما أوجبها على الرجال ، وإنما أذن لهن في حضورها وصحة أدائهن لها بشروط :-(1/34)
منها : أن يأتين للصلاة متسترات غير متكشفات ولا حاسرات ، ففي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس ) ينظر صحيح مسلم جـ1 ص178 وغيره من كتب الصحاح والسنن ، كما ينظر المحلى لابن حزم جـ4 ص198 وهذا إذا كن في صلاة الفجر فكيف بهن إذا كن في باقي الصلوات ! كذلك لم يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة تريد الصلاة في المسجد أن تمسّ طيباً ، فقال عليه الصلاة والسلام : إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسنّ طيباً ) رواه مسلم عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ، ولذلك كانت صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، وقد سبق ذكر أحاديث في هذا المعنى .
ومنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل في مسجده الشريف باباً خاصاً للنساء لا زال حتى اليوم يحمل اسم ( باب النساء ) وجعل عليه الصلاة والسلام صفوف النساء في الصلاة خلف صفوف الرجال ، ولم يأذن لهن بالاختلاط مع الرجال والوقوف في صفوفهم درءاً للفتنة ، وصوناً للنساء وسلامة لقلوبهم وقلوبهن من نزغات الشيطان ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( المرأة عورة وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان ، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها ) رواه طبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح وينظر مجمع الزوائد جـ 4 ص575 حديث 7671 .
وقال السرخسي وهو أبو بكر أحمد بن سهل في كتابه المبسوط : تأخير المرأة لأجل الصلاة لأن حال الصلاة ، حال المناجاة ، فلا ينبغي أن يخطر ببال المصلي شيء من معاني الشهوة فيه ، ومحاذاة المرأة إياه لا تنفك عن ذلك عادة ، ينظر المبسوط للسرخسي جـ1 ص184 .(1/35)
وكما أن الإسلام لم يوجب على النساءجمعة ولا جماعة كذلك لم يوجب عليهن الجهاد تخفيفاً وصوناً لهن ، وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : يارسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ؟ قال : لكنَّ أفضل الجهاد حج مبرور ) أخرجه البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد باب 1 وكذلك لم يفرض الله عز وجل على النساء الحج إلا إذا وجدت المرأة محرماً – زوجاً أو أباً أو أخاً - يحج بها وإلا إذا لم تجد محرماً فلا يلزمها الحج ولا يجب عليها .(1/36)
فالإسلام يحرص أشد الحرص على سلامة المجتمع أولاً من الفتن والفساد ثم يحرص على طهارة المرأة وعفتها وحيائها ، لأن المرأة إذا اختلطت بالرجال في مجامعهم وأسواقهم ومجالسهم ومساجدهم استشرفها الشيطان فلا بد أن تميل وتنجذب إليهم بفطرتها وغريزتها الجنسية فتفقد طهارتها وحياءها وعفتها وهي عنوان أنوثتها ، وحتى لو سلمنا جدلاً أنها لا تميل إلى الرجال ولا تشتهيهم ، فإن الرجال لا يتركونها بل يحاولون إمالتها بمختلف السبل والوسائل الشيطانية حتى يوقعوها في حبالة الشيطان ، وبذلك تفسد الأسر التي يحرص الإسلام على سلامة بنائها ، وتشيع الفاحشة في المجتمع المسلم كما هي شائعة في المجتمعات الكافرة ، التي أطلقت للمرأة العنان منذ بلوغها الثامنة عشرة فلا رقيب عليها ولا من يحاسبها على ما تفعله لنفسها ، فهي تذهب حيث تشاء ومع من تشاء باسم الحرية الشخصية وباسم تحرر المرأة وباسم حقوق المرأة ، فهم أطاعوا الشيطان فأخرجوا المرأة من بيتها فنافست الرجل في كل عمل ، واختلطت مع الرجال في كل مجمع ، فهم أعطوها حقوق الرجل ، وسلبوها حياتها كأنثى ، فهي لا تحس كونها أنثى إلا إذا جامعها الرجل ، وما عدا ذلك فهما سواء إلا في الحمل والولادة ، فالبكارة عندهم عيب لأن الفتاة تتعلم الاتصال الجنسي – أي الزنا – وهي في المدرسة الابتدائية وقد قيل إن في كل مدرسة غرفة خاصة للولادات ، وكلها طبعاً غير شرعية ، وبذلك شاع الانحلال والفساد وكثر أولاد الزنا وقل النسل المشروع ، وانتشرت الأمراض الجنسية للفوضى العارمة في الاتصالات الجنسية ، ومن أشهرها مرض الإيدز – نقص المناعة – وغيره من الأمراض .(1/37)
فإذن حينما منع الإسلام اختلاط النساء بالرجال في المساجد وجعل لهن أبواباً خاصة يدخلن منها وجعل صفوفهن خلف صفوف الرجال ، لم يكن ذلك تحقيراً للمرأة ولا إهانة لها ولا إنزالها منزلة دونية عن الرجل ، بل هو من باب الحرص على النقاء والطهارة والعفة في المجتمع المسلم ، وحفاظاً على الأسر أن تتفكك والأنساب أن تختلط والفساد والانحلال أن ينتشر في المجتمع المسلم فهو من باب تأخير المكان لا تأخير المكانة والمنزلة فمكانة المرأة محفوظة في المجتمع المسلم الطاهر .
وعلى هذا فكل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك إنما هو أمر شرعي إلهي لا يجوز تغييره مهما تطاول الزمن وإلى قيام الساعة إن شاء الله تعالى ، ومن يفعله ويدعو إليه إنما هو مستجيب لأمر الله عز وجل الذي يقول ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) الآية 36 من سورة الأحزاب .
وقال الله عز وجل محذرا من مخالفة أمره وأمر رسوله : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو عذاب أليم ) الآية 63من سورة النور .(1/38)
فكل من يدعو إلى اختلاط الرجال بالنساء في المساجد فهو داع إلى فتنة وإلى نشر الفاحشة بين المؤمنين وإفساد عبادة المسلمين وصلاتهم ، وتحطيم الأسرة وتفكيكها ، وذوبان المجتمع المسلم في بلاد الغرب ، وإفساد شباب المسلمين وشاباتهم باختلاطهم في المساجد كاختلاطهم في الأسواق بل هذا أشد ضرراً ، فهل يخشع الشاب أو الشابة في صلاته وبجواره شابة أو شاب يحس حرارة جسمه بجواره ، أو يكون أمامه يتمتع بالنظر إلى محاسن جسمه ولا يفكر إلا فيما تحت الثياب ، وقد تكون المرأة حاسرة متكشفة تلبس ملابس ما تكشفه من جسمها أكثر مما تغطيه وتستره ، فكيف بالله تكون هذه الصلاة والشيطان يلعب بهم ذكوراً وإناثاً حتى يوقعهم في الآثام ويفسد عليهم دينهم الذي من أهم مظاهره تلك الصلاة التي يريد أولئك أن يفسدوها على عباد الله ويحلوا عُرْوتها ، وكأنهم لم يسمعوا ولم يقرأوا قول الله سبحانه : (إن الذين يحبون أن تشسع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) الآية 19 من سورة النور .
فأولئك دعاة فتنة وإفساد في الأرض ، فإذا كانوا يجهلون ما يترتب على دعوتهم تلك ولا يقدرون عواقبها فها قد بين لكم فتوبوا إلى الله واستغفروه فهو الذي يقبل التوبة عن عباده ، وإن كنتم تدعون إلى ما تدعون إليه على وعي بنتائجه فاحذروا غضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة .
وأقول أخيراً : هؤلاء الذين ينادون بإمامة المرأة وخطبتها في الجمعة هل رأو في كنيسة من كنائس النصارى الذين يعيشون بينهم امرأة قسيسة تصلي بالنصارى وتؤمهم يوم الأحد ؟ وهل رأوا حاخامة يهودية تؤم اليهود في كنيسهم يوم السبت ؟ فَلِمَ هذه الضجة والفتنة في الإسلام دون غيره من الأديان ؟ هل لأن الإسلام ليس له في هذا العصر قوة تحميه ، وإن النصرانية واليهودية لها قوى تحميها من عبث العابثين والعابثات .(1/39)
ولكن أقول لأولئك الذين صلوا الجمعة في كنيسة للنصارى ، وفي ذلك دلالة_ وإن لم يقصدوها_ أنهم ليسوا من الإسلام في شيء، وأنهم مدفوعون بأيد خارجة عن الإسلام لإفساده ، أقول لأولئك ضل عملكم وخاب سعيكم فإن الإسلام إن لم تكن له قوة في الأرض تحميه فهو تحميه قوة السماء التي أقوى من كل قوة في الأرض وقد قال الله سبحانه في محكم كتابه : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) الآية 9 من سورة الحجر .
وأقول مهما تحاولوا أنتم وغيركم من المدسوسين على الإسلام ومن المنافقين فمهما تحاولوا أن تردوا المسلمين عن إسلامهم أو تضعفوا شوكة الإسلام أو توقفوا مدة فلن تستطيعوا وسيذهب عملكم سدى وسعيكم عبثاً ،لأن الله عز وجل حافظ لدينه وكتابه وسنة رسوله بعلماء الأمة المخلصين الذي يردون عن الإسلام والمسلمين كيد الكائدين وتحريف المحرفين وضلالات الضالين
والحمد لله رب العالمين ،،،
محمد صدقي بن أحمد البورنو
أبو الحارث الغزي
الرياض
هاتف 4539426 ... ... ... جوال 0505172064(1/40)