الرد الصارم
على المتنبيء ( سليمان أبي القاسم )
تأليف الشيخ
حفظه الله تعالى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . أما بعد ..
فإنه بلغني أنه ظهر في بلاد السودان رجل يدّعي أنه المسيح عيسى بن مريم ، وأن له شبهات يُشبّه بها على الجهلة وأنه تبعه على كفره وضلالة أناس من السودان وغيرها ، فكتبت كلاماً مجملاً في بيان فِرْيته العظيمة ، وأنه من جنس المتنبئين الكذابين ولن يَعْدُوَ قَدْره .
ثم وصلت إليَّ بعض مؤلفاته المحشوَّة بالضلال فكتبت ما هداني الله إليه وله الحمد باختصار ، وبينت أمره ودعوْته إلى المباهلة إن أصَرَّ على كفره ، وما توفيقي إلا بالله .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى رسول الله عيسى وعلى جميع النبيين والمرسلين .
بريدة ، رجب / 1426هـ
الكلام في رفع الله عيسى عليه السلام
حياً بروحه وجسده
يزعم المتنبي أن الذي رُفع هو روح المسيح فقط، أما جسده فزعم أنه تلاشى في الهواء، وما لهُ دليل على ذلك وإنما يُمهِّد بذلك لتصحيح فِرْيته ليشبّه على الجهال وليلتبس عليهم شأن رفع عيسى عليه السلام وليُقرِّر أنه كما رُفع روحاً فكذلك نزل وتكوّن وتخلّق بدنه في رحم أم هذا المتنبي.
وصار سليمان أبو القاسم موسى هو عيسى المسيح النازل من السماء .
ولوْلا غلبة الجهل وعِلمي أنه تبعه أناس صدّقوا كفره وضلاله لما احتاج الأمر إلى رد بل مجرد حكايته تكفي المسلم أن يعلم أن هذا دَجَل وكفر وضلال عظيم .
يقول المتنبي الكذاب : ( فعلى الأمة أن تنزل إلى حكم الله باتباع المسيح المهدي سليمان أبو القاسم موسى وإلا فإنهم سوف يسلكون طريق الضلالة والغواية على علم منهم ويقين وقد تبين لهم الرشد من الغي باعترافهم جميعاً )(1)
وقد كذب على الله : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ) .
__________
(1) الديموقراطية ص 43 .(1/1)
فهذا حكم الشيطان وليس حكم الله وسوف يتبين إن شاء الله الأمر على جليته وأن سليمان أبو القاسم موسى دجال من الدجاجلة .
وهو يفسر القرآن برأيه ليوافق فريته وأنّى له ذلك فهو يستدل بنزول روح عيسى بقوله تعالى : { تنزل الملائكة والروح فيها }(1)وهذه الآية ليست في شأن عيسى عليه السلام وإنما المراد تنزل الملائكة والروح ليلة القدر .
قال ابن كثير رحمه الله : ( أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدقٍ تعظيماً له.
وأما الروح فقيل : المراد به هاهنا جبريل عليه السلام فيكون من باب عطف الخاص على العام، وقيل : هم ضرب من الملائكة كما في سورة النبأ ) . انتهى .(2)
آية النبأ : { يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون } يعني يوم القيامة، وكل هذا لا تعلّق له بعيسى عليه السلام لكن هو يقول بالقرآن برأيه ليوافق فِرْيته .
وله هذيان كثير محصّلهُ الدجل والافتراء، ولذلك يقول : إن عيسى بن مريم يولد مرة ثانية وهذه حقيقة يُفسّر العلم الحديث، فسليمان أبو القاسم هو نفس عيسى بن مريم المسيح بجسد وأحد وروح واحدة .(3)
ومن هذيانه أن عيسى بن مريم لا صلة رحمية له مع أحد من البشر لا ذكر ولا أنثى لأن طينته ليست من طينة أمه لا في بني إسرائيل ولا في هذه الأمة، وقد حسم الله تعالى الجدل في هذا في قوله تعالى : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون }(4)
__________
(1) عودة المسيح في القرآن ص 7 .
(2) تفسير ابن كثير 4/531 .
(3) المنقذ من الفتن ص 29 ، 30 .
(4) المنقذ من الفتن ص 6 .(1/2)
إنه يحاول بكل حيلة أن يتم له مراده ويأبى الله ذلك وكما يقال : إن الله لا يخلي الصادق من إظهار صدقه والكاذب من إظهار كذبه . قال تعالى : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ. تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } .
وقد بيّن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - شأن عيسى عليه السلام غاية البيان من حين نفخ الروح في أمه مريم وحياته في قومه ورفع الله إياه ونزوله في آخر الزمان بياناً يكشف كذب كل مُدّع مفتر على الله وعلى رسوله مضل للخلق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن النصارى أنهم يذكرون في الأمانة أن المسيح تجسّد من مريم ومن روح القدس، قال: وهذا يوافق ما أخبر الله به أنه أرسل روحه الذي هو جبريل، وهو روح القدس فنفخ في مريم فحملت بالمسيح فكان المسيح متجسداً مخلوقاً من أمه ومن ذلك الروح.(1)
فكيف يقول المتنبي أن طينة عيسى ليست من طينة أمه؟
ونقل شيخ الإسلام ما قال يوحنا في كتاب أخبار الحواريين المسمى " أفراكسيس " " يا أحبابي إياكم أن تؤمنوا بكل روح . لكن مَيّزوا الأرواح التي من عند الله من غيره" [أقول : في هذا بيان لكشف المدّعي أنه المسيح مثل هذا المتنبي وأنه لابد من التمييز بالرجوع إلى ميراث محمد - صلى الله عليه وسلم - فإليه يُرَدّ النزاع وفيه بيان الحق من الباطل] ثم قال : " واعلموا أن كل روح تؤمن بأن يسوع المسيح قد جاء فكان جَسَدِياً فهي من عند الله " [ يعني نزوله عليه السلام آخر الزمان وأنه بروحه وجسده، وهذه معنى جسدياً ] ثم قال : "وكل روح لا تؤمن بأن المسيح جاء وكان جسدياً فليست من عند الله بل من المسيح الكذاب الذي هو الآن في العالَم"(2).
__________
(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/ 228 .
(2) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/ 228 .(1/3)
فهذا فيه بيان أن المتنبي سليمان أبو القاسم من عند المسيح الكذاب الدجال، وكوْنه في العالَم يوافق ما عندنا كما في حديث تميم الداري .
أما التعبير بالماضي لما سيأتي أو يكون في المستقبل كما ورد هنا " بأن المسيح جاء " فكثير مثل قوله تعالى : { وجاء ربك والملك صفا صفا } { وجاءت سكرة الموت بالحق } وغير ذلك .
قال المتنبي : والعقل الذي تقع على عاتقه التكاليف الشرعية يقف مع الدين في عدم وجود عيسى في السماء بشراً سوياً لعدم وجود أكسجين للحياة طوال هذه الفترة المديدة والزمان المتطاول، وإذا كان الدين والعقل يخالفان الاعتقاد بعودة المسيح من السماء بشراً كاملاً فعلى أي أساس بنى هؤلاء اعتقادهم ؟ أم أنه حَقَّ فيهم قول الشاعر :
وآخر تبعته الناس عن سفهٍ ... كالسامري بلا عقل ولا دين(1)
الجواب : العقل الذي يرد خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقل خبيث ولا وزن له .
أما زعمك أن الدين يقف فيما زعمت مع العقل فكذبت الدين لا يوافق العقول الزائفة الضالة، وإنما يوافق العقول الصحيحة السليمة، ومعلوم ولله الحمد أن كل ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق لا يردّه إلا زائغ ضال .
ووجود عيسى بشراً سوياً في السماء هو الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وتحيكم العقول فيما صَحّ عن الرسول طريق هلكة، ولأن وظيفة العقل أن يُسلِّم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأن الرسول لم يأت بما تراه العقول محالاً .
ومن رد ما صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزعمه أن عقله يُحيل ذلك فالفساد في عقله قطعاً. وكم ممن ضل بهذه المتاهة.
أما عدم وجود هواء لتنفس عيسى في السماء فمن الذي أوحى إليك هذا التخريف الذي انفردت بعلمه عن الأمة ؟
{ وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } .
إذاً رُدّ معراج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعدم وجود أكسجين، مع أنه صعد فوق مكان عيسى عليه السلام .
__________
(1) المنقذ ص 24 .(1/4)
ورُدّ الأحاديث التي وردت في أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النَفَس، وهم فوق السماء السابعة .
ففي الحديث الذي رواه مسلم رحمه الله " إن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفَس " .
فقد ظهر أنه لا يرد ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مُصاب في عقله ودينه .
ومتى ما اعترض العقل على خالقه فإنما يُعلن عن مَسْخِه، والزنادقة هم الذين يعرضون ما جاء عن الله وعن رسوله على عقولهم فإن قبلتْ ذلك وإلا فهو مردود .
وهذا جبريل عليه السلام يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة رجل كما في حديث عمر رضي الله عنه .
وأحيانا يجلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحسبونه دحْية الكلبي، حيث يرونه بصورته .
والله سبحانه على كل شيء قدير، فالملائكة مسكنهم العالَم العِلوي ولا يأكلون ولا يشربون وليست خِلَقتهم كبني آدم ومع هذا ينزلون إلى العالَم السفلي دائماً ولا كلْفة عليهم.
والذي يفعل ذلك كله واحد قادر سبحانه وتعالى .
فكيف تعترض على رفع عيسى عليه السلام الذي أخبر الله عنه وأخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما سَمَّيتَه الأكسجين، هل صعدت إلى السماء فرأيت ؟ أم نزل عليك جبريل فأخبرك؟ إنك لا تعدو قدْرك وإن كان الشيطان قدْ مكرَ بك وغَرَّك .
{ هل أنبئكم على من تنزل الشياطين . تنزل على كل أفاك أثيم } .
قال الإمام أحمد رحمه الله : " كل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إسناد جيد أقررنا به، وإذا لم نقر بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودفعناه ورددْناه رَدَدْنا على الله أمره، قال الله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } انتهى .
وقال تعالى : { إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا } .(1/5)
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : " إني متوفيك " (يعني وفاة المنام، رفعه الله في منامه. قال الحسن : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لليهود : " إن عيسى لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة . وقوله تعالى : { ومطهرك من الذين كفروا } أي برفعي إياك إلى السماء ) انتهى .(1)
أما إطلاق الوفاة على النوم فكما قال تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } وهي الوفاة الصغرى التي نفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الجنة . وهي التي يقول فيها حين يصبح " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " . فمعنى " متوفيك أي قابضك " .
قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره : " ومعلوم أنه لوْ كان قد أماته الله عز وجل لم يكن بالذي يميته ميتة أخرى [ يعني بعد نزوله ] فيجمع عليه ميتتن لأن الله عز وجل إنما أخبر عباده أنه يخلقهم ثم يميتهم ثم يحيهم كما قال جل ثناؤه: { الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم } الآية .
فتأويل الآية إذاً : قال الله لعيسى : ( يا عيسى إني قابضك من الأرض ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا فجحدوا نبوتك) .(2)
يوضح كلام ابن جرير المتقدم قوله تعالى : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } قال ابن تيمية(3)أي يؤمن بالمسيح قبل أن يموت [ يعني قبل أن يموت المسيح ] حين نزوله إلى الأرض، وحينئذ لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا يبقى إلا دين الإسلام، وهذا موجود في نعته عند أهل الكتاب . انتهى .
قال ابن كثير : ( فأخبر تعالى أنه رفعه إلى السماء بعد ما توفاه بالنوم على الصحيح المقطوع به وخلّصه ممن كان أراد أذِيّته من اليهود الذين وَشَوْا به إلى بعض الملوك الكفرة في ذلك الزمان ) . انتهى .(4)
__________
(1) تفسير ابن كثير 1/366 .
(2) تفسير ابن جرير 3/204 .
(3) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/282 .
(4) البداية والنهاية 2/91 .(1/6)
قال ابن حجر في " فتح الباري " في ذكر عيسى عليه السلام أنه قد رُفع وهو حي على الصحيح .(1)
وقال ابن حجر " فتح الباري " في قوله تعالى : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } يعود على عيسى، أي إلا ليؤمن بعيسى قبل موت عيسى، وبهذا جزم ابن عباس فيما رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عنه بإسناد صحيح ... ومن طريق أبي رجاء عن الحسن قال : قبل موت عيسى، والله إنه الآن لحي ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون . انتهى .(2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله تعالى : { بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً } بيان أن الله رفعه حيا وسلّمه من القتل وبيّن أنهم يؤمنون به قبل أن يموت .
ثم قال : ولو مات لم يكن فرق بينه وبين غيره [ يعني أنه وأيّ اختصاص وميزة تكون لعيسى عليه السلام إذا كان المرفوع روحه فقط كما يزعم المتنبي الكذاب لأن أرواح الأنبياء والأولياء ترفع عند الوفاة وإنما اختص عيسى برفعه بروحهِ وجسده وهو حي ] ثم قال ابن تيمية : ولفظ التوفي في لغة العرب معناه الاستيفاء والقبض وذلك ثلاثة أنواع : أحدها : توفي النوم . والثاني : توفي الموت . والثالث : توفي الروح والبدن جميعاً .
فإنه [ يعني عيسى عليه السلام ] بذلك خرج عن حال أهل الأرض الذين يحتاجون إلى الأكل والشرب واللباس والنوم ويخرج منهم الغائط والبول، والمسيح عليه السلام توفاه الله .
وهو في السماء الثانية إلى أن ينزل إلى الأرض، ليست حاله كحالة أهل الأرض في الأكل والشرب واللباس والنوم والغائط والبول، ونحو ذلك ) انتهى .(3)
__________
(1) فتح الباري 6/375 .
(2) فتح الباري 6/493 .
(3) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/7 ، 8 .(1/7)
وقال ابن تيمية أيضاً : وصعود الآدمي ببدنه إلى السماء قد ثبت في أمر المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فإنه صعد إلى السماء وسوف ينزل إلى الأرض، وهذا مما يوافق النصارى عليه المسلمين، فإنهم يقولون : إن المسيح صعد إلى السماء ببدنه وروحه كما يقوله المسلمون، إلى آخره .
وقال أيضاً : وكذلك إدريس صعد إلى السماء ببدنه . انتهى وقد قال تعالى عن إدريس : { ورفعناه مكاناً علياً } وعند أهل الكتاب كذلك أن إلياس وهو إدريس صعد إلى السماء ببدنه .(1)
ثم ذكر الشيخ أن المتفلسفة يُنكرون صعود البدن إلى السماء ثم رَدّ عليهم جهالتهم بِرَدٍّ بليغ .
إذا تبين هذا فالمتنبي ينكره فقد قال : ( أما الذين يعتقدون أن عيسى بن مريم موجوداً في السماء بشراً فلا يستندون في ذلك على دليل من الكتاب والسنة ) .(2)
والذين يعتقدون ذلك هم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه على الحقيقة وعندهم الخبر اليقين الذي نطق به الكتاب والسنة، أما هذا المتنبي فالذي عنده وحي الشيطان : " وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم " .
يقول المتنبي في قوله تعالى : { بل رفعه الله إليه } وقوله تعالى : { متوفيك ورافعك إلي } : فالقرآن صريح في أن عيسى رُفع إلى الله وليس إلى السماء، فعيسى روح من الله نزل روحاً منه ورفع روحاً إليه ، فالرفع إلى الله لا يناسبه الجسد، ويناسبه الروح يقول تعالى : { الروح من أمر ربي } و { وكما بدأكم تعودون } فالروح تلائم العودة في الأرحام في بطن امرأة من أطهر النساء نفساً وأشرفهن نسباً وأزكاهن طينة لتناسب نشأة الروح الثانية كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لينزلن عيسى بن مريم على ثمانمائة رجل وأربعمائة امرأة أخيراء من على الأرض وأصلحا من مضى ) إلى آخر هذيانه .(3)
__________
(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/417 .
(2) الإمام ص 9 .
(3) المنقذ ص 5 .(1/8)
فيقال : قولك : رُفع إلى الله وليس إلى السماء تناقض لأن من رُفع إلى الله فقد رُفع إلى السماء .
وقولك : نزل روحاً منه باطل فعيسى عليه السلام خلقه الله من نفخة الملك في مريم ولم يكن روحاً قبل ذلك .
وقولك : ورُفع روحاً باطل أيضاً، بل رفع بروحه وجسده، وإلا فما وجه اختصاصه بذكر الرفع لأن أرواح الأنبياء والمؤمنين ترفع إلى الله، لكن لما كان رفعه خاصاً بالروح والجسد ذكر الله أنه فعل به ذلك صيانة له من أعداءه اليهود الذين أرادوا صلبه .
وإدريس أيضاً رفعه الله بجسده وروحه .
وكوْن الرفع إلى الله لا يناسبه الجسد ويناسبه الروح هذا لا دليل عليه بل نقول : القدرة صالحة، ونعوذ بالله من الجرأة على الله من رد خبره وخبر رسوله، وفي هذا الكتاب ما يبين تخرص هذا المتنبي .
أما الآية { قل الروح من أمر ربي } فقد بيّنت المراد منها. وليس فيها حجة لمطلوبه، ولا شأن لها بعيسى لكن هو يفسر القرآن برأيه، وسأذكر إن شاء الله نماذج من ذلك .
كذلك الآية الأخرى : { كما بدأكم تعودون } ليس معناها عودة الروح إلى رحم آخر . هذا دجل وباطل وضلال، وقد بنى عليه أمره الخاسر فالآية فيها إثبات المعاد، وأنه سبحانه كما بدأ العباد في النشأة الأولى يعيدهم في النشأة الآخرة بعد موتهم حين البعث، ولا شأن لعيسى هنا .
أما افتراؤه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لينزلن عيسى بن مريم على ثمانمائة رجل وأربعمائة امرأة " فكذب ظاهر ويا وَيْله من تلاعبه بالآيات والأحاديث فهو يأتي بآيات يؤولها على مراده، ويأتي بأحاديث صحيحة يؤول معانيها معلى مراده، ويأتي بأحاديث طَوَام مثل هذا .
والله ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا ، بل هو من وضعه أوْ وَضع من هو على نحلته .
فيقال للمتنبي الكذاب : أما عيسى نبي الله عليه السلام فرفعه الله مرة واحدة بروحه وجسده وينزله مرة واحدة بروحة وجسده .(1/9)
وأما من يدّعي أنه عيسى وهو كذاب فلا جدال أن يبلغ أولئك هذا العدد وأكثر . قال تعالى : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ . تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } .
وشأن عيسى بن مريم عليه السلام في نزوله أكبر وأعظم من أن يلتبس على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
أما الجهلة فأتباع كل ناعق ولا وزن لهم ولا اعتبار، لكن من ظهر له الحق ورجع عن ضلاله فهنيئاً له، وباب التوبة مفتوح .
نزول عيسى عليه السلام من السماء
ذكر المتنبي أن عيسى بن مريم عندما يقتل الدجال في الشام يسير إليه من أفريقية لا من السماء .(1)
وهو إنما قال ذلك ليروج كذبه على الجهلة لأنه هو في أفريقية ولا يبالي برد الأحاديث الصحيحة وتأويلها على ما يريد .
وقد بيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شأن عيسى عليه السلام أعظم البيان، ولن يرتاب في أمره المؤمنون لظهوره ووضوحه حيث بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نزول عيسى عليه السلام من السماء إنما هو بعد ظهور المهدي الذي يُقيم الخلافة الإسلامية وبعد خروج الدجال حيث يقتله بباب لُدّ في الشام حال نزوله .
والمهدي لم يخرج حتى الآن، والدجال أيضاً لكن هذا المهووس يُلبس على الجهال ويذكر أحاديث وآثاراً لا تدل على مراده وإنما هو يتأولها كذلك مع أن الصحيح منها حجة عليه لا له .
ومما يبين تلاعبه أنه جعل أمريكا هي الدجال وقد خرج. وجعل صدام حسين رئيس العراق هو المهدي . دجَل في دجل .
والأحاديث الصحيحة في شأن عيسى عليه السلام والمهدي والدجال تفضحه غاية الفضح .
__________
(1) المسيح هو الحل ص 13 .(1/10)
ففي حديث النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه الصحيح الذي رواه مسلم رحمه الله وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال ذات غداه . وفيه : " فبينما هو كذلك [ يعني الدجال ] إذْ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين(1). واضعاً كفّيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ . فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات . ونَفَسُه حيث ينتهي طرْفه .
فيطلبه [ يعني يطلب الدجال ] حتى يُدركه بباب لد فيقتله) الحديث فانظر ما في هذا الحديث مما يبين نزول عيسى عليه وسلم ووقته وموضعه وصفته وطلبه للدجال في الحال وقتله إياه .
ويأتي إن شاء الله كلام ابن القيم رحمه الله في كتابه ( هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ) وأنه يراه الناس عياناً بأبصارهم نازلاً من السماء، وأنه يفعل عند نزوله ما ورد في الأحاديث الصحيحة حتى كأن المسلمين يشاهدونه عياناً قبل أن يروْه .
وإنما ذكر ابن القيم ذلك على مقتضى ما ورد في كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون تحريف وتلبيس وتأويل باطل كما يفعل هذا المتنبي الكذاب .
كذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو في صحيح مسلم رحمه الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق ) وفيه : " فيفتحون قسطنطينية " وفيه : " فإذا جاءوا الشام خرج [ يعني الدجال ] فبينما هم يُعدّون للقتال يُسوون الصفوف إذْ أُقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم فيؤمهم فإذا رآه عدو الله [ يعني الدجال ] ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حَرْبته " .
__________
(1) أي ثويان مصبوغان بورس ثم زعفران .(1/11)
في هذا الحديث فتح قسطنطينية يفتحها المسلمون وأنه بعد ذلك يخرج الدجال وبعد ذلك ينزل عيسى عليه السلام وأنه يقتل الدجال حتى أن عيسى عليه السلام يُريهم دمه في حرْبته لإتمام فرحهم وسرورهم بذلك لأن فتنة الدجال أعظم فتنة من حين أهبط الله آدم إلى قيام الساعة كما ورد .
ففي هذا أبلغ الرد على المتنبي، وما أعظم ما افتراه نسأل الله العافية، ولعله يتوب قبل فوات الأوان ولابد من بيان ذلك، وإلا فأمره في غاية الخطورة والشناعة .
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن دعوى النبوّة لا يدّعيها إلا خير الناس أو شرّ الناس، وهذا واضح فالأنبياء عليهم السلام خير الناس وهم يخبرون الناس بنبوتهم ويدعونهم للإيمان بذلك وهي حق .
أما مَن سِواهم ممن يدّعي النبوّة فلا ريب أنهم شرّ الناس لعظم كفرهم بكذبهم على الله وعلى الناس، وعظم إفسادهم لأنفسهم ولغيرهم ونبوتهم باطلة .
أما المنارة البيضاء التي ينزل عليها المسيح عليه السلام فقال ابن كثير رحمه الله : ( قوِيَ الرجاء حين بُنِيَتْ هذه المنارة الشرقية بدمشق التي هي من حجارة بيض، وقد بُنِيَتْ أيضاً من أموال النصارى حين حَرّقوا التي هُدِمَتْ وما حولها فينزل عليها عيسى بن مريم ) .(1)
المتنبي يقول : " ليست هناك منارة بيضاء معروفة بدمشق(2)فهو يرد أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصريحة فوصف المنارة ولونها ومكانها والبلد الذي هي فيه وجهتها من البلد واضح في الحديث ومع هذا يُنكرها ويقول : بغداد المنارة البيضاء .(3)
ويقول : ليس هنا لك جزم بأن أول نزول لعيسى بن مريم يكون في المنارة البيضاء، بل قد يكون في الأردن أو القدس أو عسكر المسلمين، وهذا يؤدي بدوره إلى احتمال نزوله في مكان آخر كالسودان، وهو الأصح .
ثم قال : وما يهمنا هو تحديد وتعريف المنارة البيضاء فهي بغداد وليست بدمشق بالأدلة الآتية :
__________
(1) البداية والنهاية 2/99 .
(2) المنقذ ص 49 .
(3) المنقذ ص 50 .(1/12)
أولاً : سُميت بغداد بالمنارة لقول الشاعر :
بغداد يا بلد الرشيد ... ومنارة المجد التليد
ثانياً : أنها شرق دمشق .(1)
هكذا يتلاعب بكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواضح الجلي لأجل فِرْيته .
فبجرئته على الحق جعل المنارة التي في دمشق بلداً هي بغداد كما جعل الدجال الشخص دولة .
وجعل المهدي محمد بن عبد الله الذي أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ووصَفه لأمته جعله رئيس العراق صدام حسين وجعله مهدياً أيضاً وإماماً للمسلمين كما سيأتي إن شاء الله بيانه .
كل هذا وغيره من التلاعب بنصوص الكتاب والسنة حَسَّنه له الشيطان ونفسه الإمارة بالسوء .
قال إمام المنارة البيضاء، بغداد هو المهدي صدام حسين للآتي :
1- قبيل هجوم التحالف الصليبي على صدام حسين في حرب الخليج الثانية اجتمعت وفود علماء المسلمين وأصحاب الرأي والمشورة من شتى أنحاء العالم الإسلامي وبايعوا صدام إماماً للمسلمين لمواجهة الحرب الصليبية العالمية بقيادة أمريكا ضد الإسلام. فأصبح العالم فرقتان : فرقة تقاتل باسم الإسلام يقودها صدام حسين، والفرقة الثانية صليبية تقودها أمريكا .
2- وإمامة صدام هنا ملزمة لأنها بيعة رضوان لم يكره فيها أحد، ثم قال عن صدام : وهو الإمام الوحيد في العالَم الإسلامي بطريقة شرعية، وأي اعتراض على خلافته يعتبر فتنة وخروج عن الجماعة وتفريق لكلمة المسلمين يقاتل صاحبها حرابه .(2)
هكذا يكون التخبيط والتخليط، المنارة البيضاء بغداد، والمهدي صدام وهو إمام المسلمين وبيعته شرعية، كل هذا وغيره من الهَوَس جَرَّه إليه هواه الجارف ليصدّق الناس أنه المسيح وحاشا وكلا، والجنون فنون، فصدام البعثي مهدي وإمام للمسلمين ؟ لكن هو يتحايل على النصوص ويتلاعب بها لتروج بضاعته الخاسرة .
__________
(1) المنقذ ص 50 .
(2) المنقذ ص 50 ، 51 .(1/13)
فيقول : إن صدام هو المهدي الذي يحاصره الدجال في المنارة البيضاء شرقي دمشق .(1)يعني بغداد كما تقدم جعله إياها بغداد وليتوصل إلى تصحيح كذبه أن أمريكا هي الدجال، فيريد أن يبايعه الناس باعتباره المسيح عيسى بن مريم ليقتل أمريكا الدجال كما زَعَم .
ولذلك يقول : نخلص من ذلك كله أنه اكتمل التحضير لنزول المسيح في المنارة البيضاء بعد أن أحكم الحصار على المهدي فيها كما تهيأت الظروف لخروجه من السودان، وفق ما بينه الحديث " 28 " .
فإن المسيح المهدي يطارد الدجال غرباً مروراً بالأردن حتى يقتله باللد بفلسطين .(2)
هذا هو المراد من المكر بالآيات والأحاديث لتصح له دعواه وأنى له ذلك .
أما الحديث الذي قال عنه : الحديث " 28 "(3)فهو حديث النواس بن سمعان الصحيح، وقد تقدم ذكره وكله يفضح دعوى هذا المتنبي .
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصف الدجال أنه شاب قَطَط ومعنى قَطَط أن شعر رأسه شديد الجعودة، فهذا وصف شخص والمتنبي يجعل الدجال دولة هي أمريكا .
ووصَفه بأن عينه طافية فهذا شخص بخلاف تأويلات المتنبي الفاسدة .
حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( كأني أشبهه بعبد العزى ابن قطن ) فهذا وصف بليغ لشخص الدجال لكن هذا المتنبي يريد غصب الأمور وهي لا تطاوعه .
ومن تناقضه أنه كما تقدم جعل المهدي هو صدام حسين وفي موضع آخر جعل المهدي الذي من ولد فاطمة هو عيسى بن مريم بشهادة الله ورسوله(4)، هكذا يفتري الكذب على الله وعلى رسوله .
وقال في موضع آخر : فإن جميع ذلك يؤدي إلى حتمية أن المهدي البيتي إنما هو عيسى بن مريم ليس غير، وهو محجة الإسلام التي ليلها كنهارها(5).
وركَّب على صدام أحاديث الرافضة التي وضعوها لمنتظرهم الخيالي الذي يزعمون أنه في سرداب سامرا .
__________
(1) المنقذ ص 51 .
(2) المنقذ ص 51 .
(3) المنقذ ص 47 .
(4) المنقذ ص 5 .
(5) الديموقراطية ص 50 .(1/14)
فقال : وعن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام قال: " تكون لصاحب هذا الأمر يعني المهدي عليه السلام غيْبة في بعض الشعاب " .
وعن عبد الله بن الحسين بن علي أنه قال : " لصاحب هذا الأمر يعني المهدي عليه السلام غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم : مات . وبعضهم : قُتل . وبعضهم : ذهب، ولا يطلع على موضعه أحد من وَلي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره) المصدر : عقد الدرر ليوسف بن يحيى .
إن ما جاء في الأثريْن قد تحقق في صدام حسين إذْ استفاضت الإشاعات حول مصيره أثناء غزو الولايات المتحدة للعراق وبعد سقوط بغداد فمنهم من قال : قتل . وذكر أن امرأة رأته يمشي في الأسواق ثم اختفى وغاب عن الأنظار .(1)
هكذا ينقل عن الرافضة ما وضعوه لمهديّهم المنتظر ويجعل ذلك لصدام ليكون هو المهدي .
فيقال له على سبيل التنزل : مهديّك صدام في السجن ليس في الشعاب، هذا حديثك الأول، والثاني : صدام اطلع على أمره الذين سجنوه وأصحابه والناس وفي حديثك أنه لا يطلع عليه غير واحد .
وهكذا ألجأتك الحيلة إلى الموضوعات الرافضية تستشهد بها على مهديّك { تشابهت قلوبهم } .
ولما لم يستقم لك أمر المهدي أنكرته وجعلت نفسك هو بأنك عيس والمهدي، وعجائبك لا تنقضي، نسأل الله العافية مما ابتلاك به، ولقد صَدَّق عليك إبليس ظنه، فالتوبة التوبة قبل الخلود في جهنم وبئس المصير، وأنا أُشهد الله وملائكته والناس أجمعين أنك إن مت على هذا العقيدة أنك مخلد في جهنم أبداً . { وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم } .
واعلم أنك مع ما تحمل من وزرك فستحمل من أوزار أتباعك حيث قلت : فعندما خرجت داعية إلى الله في بادية أولاد كامل عام 1994 – 1995م وأعلنت للناس بأني المسيح المهدي بايعني عدد كبير من أولاد كامل .(2)
__________
(1) الديموقراطية ص 12 .
(2) نجدة الأمة ص 11 .(1/15)
وقد استدل بحديث " لا مهدي إلا عيسى بن مريم " وقد تكلم العلماء بهذا الحديث وبيّنوا ضعفه وانقطاعه، وأن أحاديث المهدي صحيحه .
دعوى المتنبي الكذاب أنه هو عيسى بن مريم
قال في قوله تعالى : { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } قال : تفيد الفاصل الزمني بين أول الأمة وآخرها، فإن الآخرين في سورة الجمعة هم الجماعة وإمامهم عيسى بن مريم، فأنا سليمان أبو القاسم (عيسى بن مريم) مجدد القرن وهادي القوم وإمام الأناس وإمام الجماعة وصاحب الوقت وغوْث الزمان ومهدي الدين ولا فخر ... إلى آخره .(1)
الجواب : كذب أخو مسيلمة وافترى على الله، وإنه لأحمق أخرق إذْ أنه يُكذِّب نفسه بنفسه فقوله : فأنا سليمان أبو القاسم عيسى بن مريم كذب ظاهر لأن عيسى عليه السلام شخص واحد واسمه واحد في القرآن وأحاديث رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - فإقراره باسمه واسم أمه دار السلام شهادة منه على نفسه بالكذب، فالأمة إنما تعرف نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام باسم واحد وصفات واضحة لرفعه ونزوله وأفعاله، ولكن هذا المحتال المفتري تلاعب في شأن روح عيسى عليه السلام تلاعباً سوف يظهر بيانه إن شاء الله .
أما قوله تعالى : { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } فليست الآية الوحيدة التي فسّرها برأيه وعلى ما يوافق بزعمه فِرْيته بل استدل بآيات وأحاديث كثيرة على ذلك بتأويلات فاسدة لتناسب دعواه الكاذبة الخاسرة كما سيتبين فيما يأتي إن شاء الله .
فقوله تعالى : { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } تفسيرها ورد في صحيح البخاري رحمه الله، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره وغيره .
__________
(1) الديموقراطية ص 30 .(1/16)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزلت عليه سورة الجمعة { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } قالوا : من هم يا رسول الله ؟ فلم يُراجعهم حتى سُئل ثلاثاً وفينا سلمان الفارسي فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على سلمان الفارسي ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء " رواه مسلم وغيره.
وقال عن نفسه : إذْ أن المسيح الذي يقاتلون المسلمين للتعجيل بعودته قد عاد بالفعل [ يعني نفسه ] وهو إمام المسلمين الآن .(1)
وليعلم هذا المتنبي أن قبله من سلك هذا الطريق الوعر المفضي إلى سقر مثل مسيلمة، وأمره مشهور، وقد كان له أتباعاً قاتل هو وإياهم على دعوته، وكذلك الأسود العنسي فإنه ظهر ظهوراً قوياً حتى استوثقت له اليمن بكمالها، وجعل أمره يَعظم فكان له جيش وأمراء، ثم ماذا ؟ كلاهما قُتل على الكفر وخزي الدنيا والآخرة، والحارث الدمشقي الذي قتله عبد الملك ابن مروان . وغيرهم .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : وكل من قال : إنه رسول الله فإنْ كان صادقاً كان من خير أهل الأرض وأحقّهم برضوان الله وثوابه، وإن كان كاذباً كان من شر أهل الأرض وأحقهم بغضب الله وعقابه . انتهى .(2)
هذا واضح فإنه لا يقول إنه رسول الله إلا صادق أو كاذب.
قال المتنبي تحت هذا العنوان : ( فإن وفاة عيسى كانت بتلاشي هذه الحواس حتى لا تدرك المحسوسات فأدّى ذلك إلى تلاشي بشريته وصورته الآدمية، وعاد إلى أصل بدئه روحاً ) .
وقال : ( إن عيسى بن مريم عند وفاته ورفعه إلى الله عاد إلى حالة الروح الأولى قبل نزولها ونفخها في بطن مريم ) .
__________
(1) الديمقراطية ص 51 .
(2) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/232 .(1/17)
وقال أيضاً : ( فعاد إلى الله روحاً بالرفع إليه كما بدأ بالنزول منه وهذا ما يؤكده قوله تعالى : { تعرج الملائكة والروح إليه } فإن الروح هي التي تعرج إلى السماء بصريح الآية فلا اجتهاد مع النص) .(1)
الجواب : قوله : " وعاد إلى أصل بدئه روحاً " وقوله : " عاد إلى حالة الروح الأولى قبل نزولها ونفخها في بطن مريم " .
هذا الذي ذكر إنما بناه على أصل باطل وهو أن عيسى عليه السلام كان روحاً أنزلها الله إلى مريم وليس الأمر كذلك بل الذي أرسله إلى مريم روحاً أخرى أضافها الله إلى نفسه إضافة تشريف مثل : بيت الله وناقة الله، وهو المراد بقوله تعالى : { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً . قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً . قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً } .
قال ابن القيم رحمه الله : ( ومعلوم أن الروح الذي أُرسل إلى مريم ليس هو روح المسيح، بل ذلك الروح نفخ فيها فحملت بالمسيح، ثم ذكر الآية وقال : فروح المسيح لا يخاطبها عن نفسه بهذه المخاطبة قطعاً ) .(2)
يريد رحمه الله أن روح المسيح لا تخاطب مريم بأن تقول : " إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيا " .
يوضح ذلك قول ابن القيم على الحديث الصحيح " أن خلق ابن آدم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفه ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ) .
قال : ( فالملك وحده يرسل إليه فينفخ فيه، فإذا نفخ فيه كان ذلك سبب حدوث الروح فيه، ولم يقل : يرسل الملك إليه بالروح فيدخلها في بدنه، وإنما أرسل إليه الملك فأحدث فيه الروح بنفخته فيه، لا أن الله سبحانه أرسل إليه الروح التي كانت موجودة قبل ذلك بالزمان الطويل مع الملك .
__________
(1) عودة المسيح في القرآن ، ص 4، 5، 6 .
(2) كتاب الروح ص 162 .(1/18)
فَفَرْق بين أن يرسل إليه ملك ينفخ فيه الروح وبين أن يرسل إليه روح مخلوقة قائمة بنفسها مع الملك، وتأمل ما دل عليه النص من هذين المعنيين وبالله التوفيق ) انتهى.(1)
تبين الآن أن عيسى عليه السلام إنما خلق الله روحه من نفخة الملك المرسل إلى مريم، وليس لروحه وجود قبل ذلك حتى يزعم المتنبي السوداني أنها نزلت ودخلت في مريم .
وعيسى عليه السلام خلقه الله من نفخة الملك كما خلق آدم من تراب، قال تعالى : { إنما مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } والضمير في "خلقه" يعود على آدم .
وعيسى عليه السلام خلقه الله بقوله : " كن " فكان وكوْنه روح الله إضافة تشريف، فهو كان بكن وليس هو كن، وإنما خُلِقَ بالكلام، الخلاصة : أن الأرواح لم تكن موجودة قبل الأبدان لا روح عيسى ولا غيره، وإنما خلق الله عز وجل روح عيسى عليه السلام بعد نفخة الملك ومن نفخة الملك، فهو جسد وروح في بطن أمه ووُلد كذلك وعاش في قومه كذلك ورُفع إلى السماء كذلك .
دعوى المتنبي نزول عيسى
من السماء روحاً في الأرحام
قال : إن الوجه الآخر من الاعتقاد في نزول عيسى هو أنه ينزل من السماء روحاً في الأرحام ويولد مرة ثانية، ونسوق على ذلك الشواهد التالية :
قال تعالى : { إذا قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين . ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين } وقد أخرج ابن جرير في شرحه للآية عن يزيد قال : قد كلمهم عيسى في المهد ويكلمهم إذا قتل الدجال وهو يؤمئذٍ كهل .
__________
(1) كتاب الروح ص 174 ، 175 .(1/19)
ثم قال المتنبي : الكهولة هي السن ما بين الأربعين إلى الخمسين سنة، وبما أن هذا هو عام 2000 من ميلاد عيسى الأولى فإن كلامه للناس كهلاً يستوجب ميلاداً جديداً للمسيح، وهذا الميلاد الجديد مهّد له عدم وجود بشراً كاملاً في السماء، يقول تعالى للرسول - صلى الله عليه وسلم - : { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } وهو خطاب يشمل كل البشر بما فيهم عيسى ابن مريم لأنه بشر وليس إلهاً كما ادّعت النصارى .(1)
الجواب : ليس في كلام الله ولا كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ان عيسى عليه السلام ينزل من السماء روحاً في الأرحام ويولد مرة ثانية، هذا من أعظم الكذب، أما ما ذكره الله عز وجل من أن عيسى يكلم الناس كهلاً فقال ابن كثير : أي يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له في حال صغره معجزة وآية، وفي حال كهولته حين يوحي الله إليه .(2)
فهذا هو معنى الآية وهو قبل رفعه إلى السماء، أما قوله تعالى : { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } فكما قال سبحانه، وعيسى لم يُخلد في الأرض، أما حياته في السماء فلا تتعارض مع الآية، لأن المراد منها الخلد في الأرض، ثم إنه لا يستمر له الخلد بل يموت بعد نزوله كما قال تعالى : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } يعني قبل موت عيسى بعد نزوله حيث ورد أنه يمكث أربعين سنة .
هل يولد المسيح مرتين ؟
تحت عنوان : " الميلاد الثاني للمسيح " قال المتنبي : هذا العنوان يثير الدهشة والاستغراب لدى الناس لمخالفته لاعتقادهم في عودة المسيح من السماء بشراً سوياً .
ثم قال : والدليل الوحيد الذي يعتمد عليه هؤلاء هو اعتقادهم أن أول نزول لعيسى من السماء هو نزوله في جماعة المسلمين المحاصرين في المنارة البيضاء بين إقامة الصلاة وتكبيرة المهدي للصلاة، ويقدمه المهدي للصلاة لكنه يعتذر بحجة أن الصلاة أقيمت للمهدي خصيصاً .
__________
(1) المنقذ ص 24 .
(2) تفسير ابن كثير 1/364 .(1/20)
ولا خلاف لي مع الناس في أن عيسى ينزل في المنارة البيضاء بشراً سوياً ولكن خلافي معهم هو أن هذا النزول ليس هو الأول بل يسبقه النزول الروحي .
ولنناقش هذين الاعتقادين بمنطق العقل والدين لمعرفة أيهما أصح عقيدة :
1- اعتقاد النزول من السماء بشراً كاملاً :
لو نزل عيسى بن مريم من المساء بشراً كاملاً إلى الأرض لوجدنا أنفسنا وجهاً لوجه مع الحقائق التالية :
أ أن ينزل عيسى بن مريم بلسانه الذي رُفع به وبدنيه الذي أنزل عليه ( الإنجيل ) ولَبُعِثَ رسولاً وصلى بالناس بالإنجيل، وهذه ينافي الدين الإسلامي .(1)
الجواب : إنه من أكذب الكذب وأبطل الباطل دعوى أن عيسى عليه السلام يولد غير ولادته من مريم بنت عمران الصِّدِّيقة التي بيّنها الله في القرآن، وأدلة القرآن والسنة واضحة في ذلك يعرفها الصبيان والعوام فضلاً عن العلماء.
ولقد احتال هذا المتنبي الكذاب بحيلة تُذهب دنياه وآخرته وهي تعدّد ميلاد عيسى وتعدّد نزوله وحتى تجريد روحه من جسده إذا احتاجت الحيلة إلى ذلك .
وليس في الكتاب والسنة إلا ميلاداً واحداً لعيسى بروحه وجسده ورفْعاً واحداً بروحه وجسده أيضاً، ونزولاً واحداً على المنارة البيضاء شرقي دمشق كذلك، وما سوى هذا فلا ريب أنه وحي شيطاني ألقاه الشيطان إلى وليِّه سليمان أبو القاسم السوداني المتنبي الكذاب أخو مسيلمة .
وقد زعم هذا الدجال أن نزول عيسى المذكور على المنارة البيضاء يسبقه النزول الروحي، وهذا مَدْخل حيلته وبابها.
فيقال له : أنت صفر اليدين لا تملك ولا عُشْر دليل تُقيم به هذيانك لكنك تتأوّل القرآن والحديث والآثار على مرادك وهي لا تطاوعك .
قال : لو نزل عيسى بن مريم بلسانه الذي رُفع به وبدينه الذي أنزل عليه " الإنجيل " ولبُعث رسولاً وصلى بالناس بالإنجيل، وهذا ينافي الدين الإسلامي .
__________
(1) المنقذ ص 22 ، 23 .(1/21)
ثم ذكر قوله تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } وقال : وإذا صلى بالإنجيل يكون قد نسخ القرآن، وهذا ما لم يقل به أحد .(1)
الجواب : ومَن الذي قال : إن عيسى عليه السلام سوف يتكلم إذا نزل بلسانه ؟ ومَن قال : إنه يتديّن بكتابه الإنجيل ؟ وإنما يتكلم عيسى حال نزوله بالعربية ويطبق شريعة أخيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ويقرأ القرآن بالصلاة وغيرها . وهذا هو الذي تدل عليه أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه يحكم بشريعته .
والله سبحانه قادر يُنطقه بلسان محمد وإن كان لسانه العبرانية، وإذا كان جبريل عليه السلام ينزل بالوحي على الأنبياء كل بلغته ولسانه فما الذي يحيل نطق عيسى عليه السلام بالعربية مع أنه سوف ينزل على أهل القرآن أهل العربية والذي أنطقه في المهد قدرته صالحة دائماً كما يشاء سبحانه وتعالى .
والله يُجري الآيات والخوارق المخالفة للعادات على أيدي رسله عليهم السلام، ولعيسى من ذلك الحظ الوافر، كإحيائه الموتى بإذن الله، ونفخه في الطين الذي يعمله على هيئة الطير فيكون طيراً بإذن الله وغير ذلك، فهل يقول هذا المتنبي : لا يقدر الرب على إنطاق عيسى بالعربية حين نزوله ؟ وهو الذي أنطقه في المهد .
وبما أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا أنه سوف ينزل في أمته الناطقة بالعربية، وفي أول نزوله يسمع الناس كلامه عندما يقدمونه للصلاة بهم . يسمعونه يتكلم بلغتهم ، وهذا واضح في الأحاديث .
ففي الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجه في سننه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم أنه ينزل وقت صلاة الصبح ويقول للإمام الذي يتأخر ليتقدم عيسى عليه السلام. فيقول عيسى : " تقدم فصل فإنها لك أُقيمت " فهذه المحاورة عربية .
__________
(1) المنقذ ص 23 .(1/22)
وفي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " كيف أنتم إذا أنزل فيكم ابن مريم فأمّكم منكم " .
قال ابن أبي ذئب أحد رواة الحديث للوليد بن مسلم : تدري ما أمّكم منكم ؟ قال تخبرني . قال : فأمّكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - .
فهذا يبين أنه يحكم بالقرآن والسنة ويتكلم بالعربية.
كذلك في حديث النواس بن سمعان الذي في صحيح مسلم : " ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه [ يعني الدجال ] فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة " فهو يحدثهم بالعربية .
كذلك روى الحاكم في حديث صحيح عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أدرك منكم عيسى بن مريم فليقرئه مني السلام " .
وهذا واضح أن عيسى عليه السلام تخاطبه أمة محمد الناطقة بالعربية بلغتهم العربية .
زعمه أن الدجال قد ظهر وهو أمريكا
زعم المتنبي الكذاب أن الدجال قد خرج وأنه أمريكا واستدل على ذلك بكلام لبعض جهلة المتأخرين على ما في الحديث " إنما يخرج الدجال من غضبة يغضبها " .
قال : وقد خرجت أمريكا من غضبة 11 سبتمبر 2001م وغزت أفغانستان .(1)
وقال : لقد خرج الدجال الأمريكي في أعراض الناس وحاصر المسلمين .(2)
وقال : فإن عيسى بن مريم هو الآن بن ظهراني الناس، وقد أثبتت الدلائل القطعية أن أمريكا هي الدجال وقد خرج(3).
وقال : وأقول : إن هذا المظهر هو ما أفرزته الحضارة الغربية من إعجاز في مجال العلوم المختلفة، فعيْن الدجال ترى أقصى الأرض بما تشاهده على شاشة التلفزيون التي تنقل لنا ما يجري حول الأرض من وقائع حية، وتسمع بإذن الدجال ما يتهامش به الناس عبر البحار بالهواتف المتنقلة وأجهزة المذياع، وله حمار يركبه .(4)
__________
(1) نجدة الأمة ص 6 .
(2) نجدة الأمة ص 8 .
(3) نجدة الأمة ص 8 .
(4) المنقذ من الفتن ص 34 .(1/23)
ثم ذكر أن حمار الدجال هو الطائرة .(1)
وزعم أن أي شخص يستعمل قوته المادية بما توفره له هذه الحضارة واستغلال ضعف الآخرين لإظهار الفساد في الأرض فهو الدجال، وكما علمنا أن هناك أكثر من دجال رجالاً ونساء . وذكر حديث : " في أمتي كذابون ودجالون " الحديث . وقال : هؤلاء الدجالون هم الذين يفرضون الحصار على السودان والعراق وفلسطين . ثم ذكر إن الذي يدير ذلك هو أمريكا وإسرائيل .(2)
وقال : إن وصف الدجال في القرآن ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة الشر .(3)
الجواب : لقد كتبت في رسالة سابقة أن هذا الكذاب أمره مكشوف بيّن بطلانه، لكن بلغني أنه تبعه على فِرْيته جماعات من السودان وغيرها، ولعلمي بغلبة الجهل في وقتنا واستفحال أمر الفتن، لذلك بسطت الرد عليه بعض البسط لعله يتوب من دعواه العظيمة الهائلة وليعلم أن عليه آثام أتباعه مع عدم نقص آثامهم، فدعوى النبوة كفر ليس كغيره من الكفر .
وهو إنما رَوّج بضاعته الخاسرة بصرف معاني القرآن والأحاديث على ما يريد لكن هي لا تطاوعه وإن غصَبها، لأن نصوص الكتاب والسنة لا تدل أبداً إلا على الحق لا تدل على الباطل ودعواه من أبطل الباطل وأكفر الكفر والعياذ بالله .. والمراد هنا أن شأن الدجال عند الأمة ظاهر واضح لا يقبل هذا التلاعب، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفه بصفات شخص وبيّن علاماته بوضوح وجلاء يعرفه الصبيان الصغار، وأمريكا دولة وشتان بين أوصاف شخص ودولة .
__________
(1) المنقذ من الفتن ص 35 .
(2) المنقذ من الفتن ص 27 ، 28 .
(3) الديموقراطية ص 10 .(1/24)
فهو كما ورد في الأحاديث شخص أعور، وهو حي في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكرت ذلك من حديث فاطمة بنت قيس، والحديث رواه مسلم وغيره، وهو حديث تميم الداري الذي رأى الدجال في جزيرة من جزر البحر وقد وصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث بصفات شخص بحيث لا يرتاب في ذلك إلا مكابر للحقائق، فمن ذلك أنه رجل قصير أفحج جعد أعور، مطموس العين، مكتوب بين عينيه كافر إلى غير ذلك من الصفات الواضحة، حتى شبّهه - صلى الله عليه وسلم - بابن قطن وهو رجل من خزاعة، فكيف يجعل الدجال دولة أو دول ؟ .
نعم الدجَل اسم جنس . فيقال : فلان دجال ونحو ذلك .
أما الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو شخص مُعَرّف بالألف واللام ولا ينصرف هذا الاسم لغيره، لأن غيره إذا وُصف أنه دجال فيكون هناك قرينة تميزه لابد منها، وهذا المذكور يُطْلق عليه هذا الاسم بلا قرينة، بل بأوصاف تميز شخصه عن غيره .
أما ما ذكره عن الذي يُسمى الحضارة الغربية فهو مقدمات الدجال وهو الباطل المخالف للشريعة المقْرون بالخوارق، وقد ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله، وأنه يكون في كل زمان .
أما أن يكون ذلك هو الدجال فتأويل لأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باطل ومردود .
ولا شك أن ما ظهر على أيدي أعداء الله من هذه الخوارق الشيطانية أنه تقديم للدجال الذي ذكره شيخ الإسلام وعَرَّفه كما تقدم، والذي حصل منه في وقتنا ما لم يحصل مثله من حين أهبط الله آدم إلى الأرض، لكن فرق بين مقدماته وبين شخصه .
قال القاضي عياض في الكلام على أحاديث الدجال :(1/25)
هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه، ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله ، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره، ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يُعْجزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويبطل أمره، ويقتله عيسى - صلى الله عليه وسلم - ، ويثبت الله الذين آمنوا .
هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار، خلافاً لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة انتهى . ذكره النووي في شرح مسلم .
ولما زعم المتنبي أن أمريكا هي الدجال التزم أن صدام حسين رئيس العراق هو المهدي وأن يأجوج ومأجوج هم الأوربيون .
وهكذا إذا كان الأصل فاسداً فلابد أن تجيء الفروع فاسدة.
يقول : والأوربيون هم يأجوج ومأجوج، وقال : فإن الروم هم شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة، أي هم يأجوج ومأجوج الذين وصفهم القرآن الكريم بأنهم مفسدون في الأرض .(1)
ولما كان قد أصَّلَ أنه هو المسيح ورأى أن نزول المسيح بعد ظهور الدجال وبعد وجود المهدي كما ورد في الأحاديث الصحيحة، ورأى أن يأجوج ومأجوج تخرج في وجود عيسى، فركّب منظومته الشيطانية كما تبين من أنه هو عيسى وأمريكا الدجال وصدام حسين هو المهدي، ويأجوج ومأجوج الدول الأوربية .(2)
__________
(1) المنقذ ص 61 ، 62 .
(2) إبطال دعوى الخروج ليأجوج ومأجوج ، كتاب للمؤلف 1424 هـ .(1/26)
فجاء على آيات القرآن وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة والآثار، وغصَبها وفسرها بتأويلات باطلة لِتجاري هواه وأنى له ذلك ؟ فالباطل باطل والحق حق، واللبْس هو الذي يُزيل أوْ يُضعف التمييز بينهما للجاهل، أما مَنْ مَنَّ الله عليه ببصيرة نافذة فهو يرى الباطل بظلمته والحق بنوره، ولا يروج عليه اللبس .
تكفير المتنبي لمن خالفه
قال : ولما كانت كل الشواهد من القرآن والسنة تؤكد أني خليفة الله اليوم في الأرض، تعيّن على كل مسلم ومسلمة مبايعتي واتباعي، وأن مخالفتي وتكذيبي كفر صريح بنص قوله تعالى : { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } وبعد أن أكّدَتْ النصوص من القرآن والسنة بأني أنا المسيح عيسى بن مريم حقيقة روحاً وجسداً .
وقد عجز العلماء طوال فترة العشرين عاماً الماضية الإتيان بأي دليل من القرآن والسنة يُكَذِّبون به دعوتي، فأصبح لزاماً عليهم اتباعي ومبايعتي امتثالاً لقوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } .(1)
يقال للمتنبي : أما شواهد القرآن والسنة فتؤكِّد أنك من جنس الدجاجلة الكذابين لأن الدليل الحق لا يدل إلا على الحق لا يدل على الباطل بل ويدل على بطلان الباطل .
ولما كانت دعواك باطلة فإن أعظم ما يبيّن بطلانها شواهد القرآن والسنة .
وفي هذا الكتاب بيان ذلك ولله الحمد، ولقد أعظمت الفِرية على الله بدعواك أن كل الشواهد من القرآن والسنة تؤكد أنك خليفة الله اليوم في الأرض .
لقد أضلك الشيطان ضلالاً بعيداً فتب قبل فوَات الأوان، أما مبايعتك واتباعك فيفعل ذلك من خسر الدنيا والآخرة.
__________
(1) المنقذ ، ص 8 - 9 .(1/27)
أما أن مخالفتك وتكذيبك كفر صريح فهنيئاً لك تكفير أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أهل القرآن والإيمان لأن صبيانهم وجهالهم وعوَامه يعلمون أنك من جنس الكذابين ولأن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - قد بيّن لهم أمر عيسى عليه السلام ووضحه بحيث لا يلتبس عليهم أمره، ويعلمون أن شأنه أكبر وأعظم من دعواك الزائفة .
وقد ظهر في هذا الكتاب ولله الحمد أن عيسى عليه السلام ليس كغيره من الأنبياء الذين يبدأون الناس بدعوة، وقد تكون سراً في بدايتها بل أمره ظاهر واضح فالمسلمون يعرفونه وفي أول نزوله يقتل الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام .
وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يأت بشرع جديد بل يحكم بشريعة أخيه محمد - صلى الله عليه وسلم - .
أما قوله تعالى : { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } هذه الآية في أتباع المسيح الحق . وهم الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أُنزل عليه : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } لأن المسيح عليه السلام لما رفعه الله إليه تفرقت أصحابه شيعاً بعده، فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أمَتِه، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله، وآخرون قالوا : هو الله، وآخرون قالوا : هو ثالث ثلاثة .
والمراد أن أتباع المسيح على الحقيقة هم الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهم فوق الكفار إلى يوم القيامة، وانظر تفسير ابن كثير وغيره .
أما ما ذكرت من عجز مَن تُسميهم علماء في مدى عشرين سنة عن الإتيان بدليل يُكذّب دعوتك من القرآن والسنة.
فيقال هنا : أما علماء الشريعة فمعَ ما بهم من نقص في هذا الزمان لا يُعجزهم بيان أمرك على حقيقته لانكشافه وظهوره .(1/28)
لكن دعنا من الماضي فأنا لست بعالم وهذا ما بيّنته من أمرك، والتحدّي لازمك بعد وقوفك على كلامي، وهو بمثابة المناظرة لأني أجبت على شبهاتك التي في كتبك فأتحداك بالمباهلة، واعلم أنك إن لم تُباهل فأنت تُعلن هزيمتك وبطلان زيْفك كما حصل لنصارى نجران الذين نكلوا عن مباهلة النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن عيسى عليه السلام فكان ذلك دليل هزيمتهم وبطلان معتقدهم .
وأنت بما أنك جازم بما ادّعيته واثق به فهل تخاف أن يحيف الله عليك، تعالى الله فلابد من المباهلة إن لم تتب وهل يمتنع نبي عن المباهلة مع أنها دعاء الله أن يُظهر حقيقة نبوته وينتقم ممن كفر به وهو أنا الكافر بك .
اعلم أن ما ادّعيته عظيم وخطير، قال شيخ الإسلام رحمه الله : فإن النظر في أمر من قال : " إني رسول الله إليكم " مُقَدّم على كل شيء إذْ كان التصديق بهذا مستلزماً لغاية السعادة، والتكذيب به مقتضياً لغاية الشقاوة، فبالرسول يحصل الفرق بين السعداء والأشقياء وبين الحق والباطل والهدى والضلال والفرق بين أولياء الله وأعدائه .(1)انتهى.
تأمل هذا الكلام للشيخ أنت وأتباعك لتعلموا أن الأمر عظيم خطير .
تفسيره القرآن على مراده
لقد ورد الوعيد الشديد لمن قال بالقرآن برأيه وأنه يتبوء مقعده من النار لجرأته على الله وكذبه عليه، وهذا المتنبي يُفسر آيات القرآن على مقتضى ضلالة، وسوف أنقل بعض الأمثلة لذلك إن شاء الله وهي قليل من كثير .
قال : وقَدْ وَرَدَ ذِكر بعثة المسيح المهدي في القرآن في الآية 33 من سورة براءة يقول تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } وقد تكررت في سورتي الفتح والصف .(2)
وقد كذب وافترى فالمراد بالرسول في هذه الآيات محمداً - صلى الله عليه وسلم - ، ومن شاء فليراجع التفاسير كلها فهذا واضح بيّن.
__________
(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/245 .
(2) المنقذ ص 4 .(1/29)
قال ابن كثير رحمه : فالهدى هو ما جاء به [ يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم - ] من الإخبارات الصادقة والإيمان الصحيح والعلم النافع .
ودين الحق هو الأعمال الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة { ليظهره على الدين كله } أي على سائر الأديان كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها " .
المتنبي يقول : " أرسل رسوله " عيسى بن مريم، وقد كذب وافترى وكوْن المراد النبي - صلى الله عليه وسلم - إجماع من الأمة ولا يعرفون غير ذلك، وكأنّ هذا السوداني عَلِم ما لم تعلمه الأمة كلها، بل إنه زائغ ضال يفسر القرآن برأيه .
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " .(1)
وقال في قوله تعالى : { أفعيينا بالخلق الأول } قال : وهو خلْق عيسى بالنزول في الأرحام في بني إسرائيل.(2)
كذب المتنبي فالآية ليست في شأن عيسى عليه السلام من قريب ولا بعيد، وإنما جاءت رداً على قريش إنكارهم للبعث فقد ذكرا لله قولهم : { إءذا متنا وكنا تراباً ذلك رجع بعيد } فذكّرهم سبحانه بقدرته على الخلق فيما يشاهدونه، ثم ذكر لهم عاقبة الأمم المكذبة قبلهم وما حَلّ بهم . ثم قال تعالى : { أفعيينا بالخلق الأول } قال ابن كثير : أي أفأعجزنا ابتداء الخلق حتى هم في شك من الإعادة . كما قال عز وجل : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه }(3).
__________
(1) أخرجه البخاري ومسلم .
(2) المنقذ ص 6 .
(3) تفسير ابن كثير 4/233 .(1/30)
ثم قال المتنبي بعد ذلك بعد أن ذكر قوله تعالى : { بل هم في لبس من خلق جديد } قال : الذي يكون في هذه الأمة في بطن امرأة من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - , ولهذا يشير قوله تعالى للرسول - صلى الله عليه وسلم - والد وفي نفس الوقت ما ولد، وهي إشارة صريحة لميلاد عيسى ابن مريم في النشأة الثانية .(1)
هكذا يتلاعب بالقرآن، والآية معناها كما قال ابن كثير قال : والمعنى أن ابتداء الخلق لم يعجزنا والإعادة أسهل منه.(2)
ولا شأن لعيسى عليه السلام بهذا كله لكن هو جرئ على كلام الله وكلام رسوله يُصَرِّف ذلك على مراده فيفتضح لأن دليل الحق لا يدل إلا على الحق لا يدل على الباطل، ودعواه النبوة من أبطل الباطل وأكفر الكفر .
أما قوله تعالى : { وأنت حل بهذا البلد } فقال أهل التفسير : أنت يا محمد يحل لك أن تقاتل فيه، ذكره ابن كثير وقال : وكذا رُويَ عن سعيد بن جبير وأبي صالح وعطية والضحاك وقتادة والسدي وابن زيد .(3)
فما شأن عيسى عليه السلام بهذا لَوْلا التلاعب بكلام الله.
والله سبحانه قال : { لا أقسم بهذا البلد } وهي مكة، وقد أحلّها الله لنبيه ليقاتل فيها والقتال محرم فيها، يوضح ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجرة ولا يختلى خلاه، وإنما أحلت لي ساعة من نهار " الحديث . وقد ذكره ابن كثير في تفسير الآية .
أما قوله تعالى : { ووالد وما ولد } فكذب المتنبي ليس ذلك في شأن عيسى عليه السلام وإنما المراد كما قال ابن كثير : وقال مجاهد وأبو صالح وقتادة والضحاك وسفيان الثوري وسعيد بن جبير والسدي والحسن البصري وخصيف وشرحبيل بن سعد وغيرهم : يعني بالوالد آدم وما ولد ولده.
__________
(1) المنقذ ص 6 .
(2) تفسير ابن كثير 4/223 .
(3) تفسير ابن كثير 4/511 .(1/31)
وعلى هذا فقد ضلّت الأمة في تفسير كلام ربها ومعرفة معانيه حتى جاء هذا المتنبي ليبين معانيه، قد هزلتْ وقلّ مخها وسامها كل مفلس .
ويفسر برأيه وهواه قوله تعالى : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } يُفسّر هذه الآية بأن طينة عيسى ليست من طينة أمه لا في بني إسرائيل ولا في هذه الأمة .(1)وهكذا يتلاعب بكلام الله يُصَرّفه على مراده .
والآية إنما جاءت في الرد على من استشكل كوْن عيسى عليه السلام جاء من أنثى بلا ذكر .
فبيّن سبحانه قدرته على ذلك وأنه خلق آدم من تراب بلا ذكر ولا أنثى، والضمير في " خلقه " يعود على آدم عليه السلام .
وقد وضحت في هذا الكتاب أن جسد عيسى عليه السلام تكوّن في بطن مريم كغيره من بني آدم حيث يتحول الطعام إلى دم يُغَذّى به الجنين، ولا فرق في هذا بين عيسى وغيره من بني آدم .
لكن هذا المتنبي يريد الاستمرار في تلاعبه بشأن الروح.
ويقال له هنا : أنت تدّعي أنك المسيح فمعنى كلامك أن جسدك هذا لم يتكون في بطن أمك، فهل وُلِدتَ روحاً بلا جسد أم ماذا ؟
وزعم المتنبي أن عيسى بن مريم هو خاتم النبيين وليس محمدًا صلى الله عليهما وسلم(2)وهذا من تخبيطه وتخليطه، والعجب أنه يذكر قوله تعالى : { ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } فيتلاعب بكلام الله وكلام رسوله الواضح البيّن .
قال القاضي عياض رحمه الله بعد أن ذكر قوله تعالى : " وخاتم النبيين " قال : وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة لا تنسخ .
ثم قال : ليس المراد بنزول عيسى عليه السلام أنه ينزل نبياً بشرع ينسخ شرعنا .
ثم ذكر أنه ليس في الأحاديث شيء من هذا .
__________
(1) المنقذ ص 6 .
(2) المنقذ ص 23 .(1/32)
ثم قال : بل صحّت الأحاديث أنه ينزل حَكَماً مقسطاً يحكم بشرعنا ويُحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس. انتهى. ذكره النووي في شرح مسلم .
ومن تفسيره القرآن برأيه قال : كما أن اسمي سليمان له شاهد في قوله تعالى على لسان المسيح : { والسلام عليَّ يوم ولدت } فسليمان مشتق من معنى الآية .(1)
هكذا يكون الإفلاس والعياذ بالله، ومن شاء فلينظر في كتب تفاسير الأمة كلها هل يجد مثل هذا التخريف ؟
ووالله الذي لا إله غيره لو كان اسمك عيسى واسم أمك مريم ما يغتر بك إلا مفتون زائغ ضال أو مَن هو من أجهل خلق الله، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفه لأمته بوصف بليغ بحيث لا يرتاب في شأنه إلا من هو أضل من حمار أهله .
ولقد شهد المتنبي على نفسه بتفرّده عن السلف والعلماء بفرْيته فقال : ولما لم يسبقني أحد من علماء السلف ولا علماء هذا القرن باستنباط ميلاد عيسى بن مريم ثانية في هذه الأمة وتأصيل ذلك بالكتاب والسنة، تفردت بصفة مجدد القرن بتصحيح عقيدة العلماء الموروثة من شروحات السلف بتوضيح للمعاني الصحيحة من الكتاب والسنة بشرح وفهم جديد صحيح غير مسبوق، كنت قد صرحت بأني خليفة الله في هذا الزمان ومجدد القرن الحالي وأني ذات المسيح عيسى بن مريم مهدي هذه الأمة، وسماتي دالّة على ما قاله الله تعالى في صفة الإمام على نحو قوله : " لعلمه الذين يستنبطونه " فهذه شهادة من الله لي بأني أنا سليمان أبو القاسم موسى المسيح المهدي المحمدي منقذ هذه الأمة من محنتها الراهنة، وكفى بالله شهيدا .(2)
فيقال : أما كوْنه لم يسبقك أحد إلى هذا الافتراء بهذه الصورة فنعم، ولقد تفرّدت بِشَرِّ عقيدة، وعلى هذا يكون السلف على ضلالة وأنت الذي على هدى .
نعم جئت بما لم تستطعه الأوائل .
إني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائلُ
__________
(1) المنقذ ص 43 ، 44 .
(2) عودة المسيح في القرآن ص 21 .(1/33)
أما زعمك تأصيل بهتانك بالكتاب والسنة فكذبت والله ولكنك تلاعبت بنصوص الكتاب والسنة وآثار الأنبياء والسلف ولكن ذلك كله لا يطاوعك، حتى الرافضة استعنت بطوامّهم وهذيانهم في منتظرهم .
وكيف تدعي أنك المسيح وتجعل الصور المحرمة على غلاف كتابك " الديموقراطية " .
إن عيسى عليه السلام يحرم الصور لأنه وارث لأخيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وحاشا أن يتساهل في شأنها .
وقال في خاتمة كتابه " عودة المسيح في القرآن " على علماء الأصول أن يعلنوا للأمة الإسلامية صراحة وجهرة على الملأ عبر وسائل الإعلام كافة المقروءة والمسموعة والمشاهدة بطلان العقيدة القائلة بأن عيسى بن مريم موجود في السماء بشراً ويعود إلى الأرض بشراً سوياً .
ويُعلنوا مكانها العقيدة الإسلامية القائمة على أصول الدين وهي أن عيسى بن مريم رفعه الله روحاً وسيعود روحاً وتلده امرأة من آل البيت متزوجة برجل من أهل البيت.
ويتبرءوا من العقيدة الفاسدة التي ورثوها من كتب تفاسير السلف .
فالحق أحق أن يتبع ، وهي مسئوليتكم أمام الله لتوجيه الأمة إلى طريق الحق، قال تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } فأنتم أمناء الله على دينه وحراس العقيدة. انتهى .(1)
هكذا يُجَهِّل سلف هذه الأمة ويرميهم بالبهتان ويُوهِم أن شأن عيسى المكذِّب لدعواه الفاضح لها موروث من كتب تفاسير السلف، وكأنّ آيات القرآن وأحاديث الرسول لم تبين شأن عيسى، وكذب وافترى .
وأقول : بل نبرأ إلى الله منك وعقيدتك الكافرة الفاسدة.
جواب سؤال عن المتنبي
وهذا جواب كتبته لبعض الأخوة السودانيين قبل أن تصل إلي بعض كتب المتنبي أضيفه هنا لتمام الفائدة .
__________
(1) عودة المسيح ص 23 .(1/34)
الجواب : ليس من العجب العجاب كما ذكرتَ أْن ظَهَرَ عندكم في السودان مَن يزعم أنه المسيح عيسى عليه السلام لأن هذه الدعوى حاصلة وأعظم منها قبل زماننا، وحتى في هذا الوقت ففي الكويت ظهر اللحيدي يدّعي الرسالة والمهدوية وفي اليمن امرأة ادّعَتْ النبوة وغير هؤلاء .
لكن العجب العُجاب تصديق هذا الصنف واتّباعه مع وجود ميراث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي فيه بيان كل شيء .
وهؤلاء في الغالب يكونون مَهْوُوسين، وفيهم المحتال الماكر .
والمراد أن مثل هذا الأمر لا يحتاج إلى بيان، لكن غلبة الجهل وفساد الزمان وظهور الفتن .
فمما يبين دجل هذا الدجال أن عيسى عليه السلام أمه مريم ابنت عمران هي التي ولدته، وهذا المفتري تجد أن أمه معروفة سواء حيّة أو ميتة، وقصة مريم وولادتها عيسى واضحة في القرآن، وعيسى عليه السلام رُفع إلى السماء حياً وفي آخر الزمان ينزل وليس يولد مرتين ليكون له أمّين، ونزوله أيضاً بالشام .
ومن أبرز علامات وقت نزوله ظهور المسيح الدجال، لأنه لا ينزل حتى يظهر هذا المسْخ الذي يَدّعي الربوبية ليقتله .
وخروج الدجال وفتنته من أعظم الفتن التي تحصل في الأرض، وظهور أمره أعظم من أن يُذكر في العالَم كله.
ومن علامات دجل هذا المفتري أن عيسى عليه السلام لا ينزل إلا بعد ظهور المهدي، وهذا كله وارد في الأحاديث الصحيحة، فأين الدجال وأين المهدي ؟
وسأنقل هنا بعض الأحاديث المتصلة بالموضوع وهي أحاديث صحيحة .
فكَوْن فتنة الدجال أعظم الفتن وهو لم يخرج حتى الآن، ففي صحيح مسلم عن هشام بن عامر رضي الله عنه . قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال " ورواه الإمام أحمد .
فأين الدجال الذي هذا شأنه والذي ينزل نبي الله عيسى عليه السلام ليقتله ؟
وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن المسيح بن مريم يطلب الدجال حتى يدركه بباب لُد فيقتله .(1/35)
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم (فذكر الحديث وفيه) : ثم ينزل عيسى بن مريم فينادي من السَّحر فيقول : يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث ؟ ( فذكر الحديث وفيه ) فحين يراه الكذاب [ يعني الدجال ] يَنْماث كما ينماث الملح في الماء، فميشي إليه فيقتله " الحديث رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح على شرط الشيخين . ورواه الحاكم مختصرا وصححه وقال الذهبي : على شرط مسلم . ورواه غيرهم .
وفي حديث النواس بن سمعان وفيه : " فبينما هو كذلك إذْ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق " الحديث رواه مسلم والإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم .
فهل نزل هذا المفتري من السماء مع أنه من حين ينزل عيسى عليه السلام يعلم به الناس وذلك في الشام ليس في السودان ويكون الدجال قَدْ عَثا في الأرض فساداً نسأل الله العافية من الزيغ والضلال، ويكون المهدي قد ظهر وعلا شأنه وخُسِف بالجيش الذي يغزوه بالبيداء كما ورد في الحديث. وكل ذلك لم يحصل .
وعن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والله لينزلنّ ابن مريم حكَماً عادلاً فليكسرنْ الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية " الحديث رواه مسلم والإمام أحمد وأبو بكر الآجري في " كتاب الشريعة " .
إن علامات عيسى عليه السلام أشهر من أن تخفى إلا على من هو مُغرق في الجهل والضلال، فهذا الذي يفعله عليه السلام من هذه الأمور بعد نزوله مباشرة لأنه يحكم بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو نبي رسول مؤيّد تظهر على يديه العجائب ويُمكِّنه الله من أعداء الله ولا يقبل إلا الإسلام .(1/36)
فكيف يلتبس أمر هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بمن يكون لابساً من حُلل الخذلان والطرد وعظيم الافتراء على الله ما يُناسبه وشنيع افترائه ودعواه ؟
الأمر أظهر من أن يُذكر، لكن لعلمي أن هناك أشباه الأنعام من الجهلة الطغام أوْ مَن يكون له كيْد ومكر بدين الإسلام وإلا فالأمر واضح .
إن هذه دعوى عظيمة ومُدّعيها من أكفر الناس لافترائه على الله أو مرفوع عنه القلم لخبالِهْ .
وليُعلم أنه في الغالب لا تروج هذه الافتراءات إلا بمخارق شيطانية دجّالية، وما أكثر من لا يميِّز بين الكرامات التي هي للصالحين وبين الخوارق الشيطانية التي تُقارن مثل هذه الدعوى، فلا يُغْتر بمثل هؤلاء ولوْ طاروا في الهواء أوْ مَشَوْا على الماء، ولا يوزنوا بهذا وأمثاله لأن الشياطين تصنع لهم أعظم من هذا بسبب كفرهم، لكن الميزان الذي أُمرْنا أن نَزِنَ به كل شيء هو الكتاب والسنة .
كذلك فإن عيسى عليه السلام كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الأنبياء أخوة لِعَلاّت أمهاتهم شتّى ودينهم واحد وإني أوْلى الناس بعيسى بن مريم لأنه لم يكن نبي بيني وبينه وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض عليه ثوبان ممصّران كأنّ رأسه يقطر وإن لم يصبْه بلل فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس إلى الإسلام ويُهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويُهلك الله في زمانه المسيح الدجال " الحديث .
رواه الإمام أحمد والحاكم وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في تلخيصه، وذكره ابن حبان في صحيحيه وأبو بكر الآجري في " كتاب الشريعة " وغيرهم.
وهذا الوصْف كله لا ينطبق على هذا الكذاب وإنما هذا من إخوان مسيلمة .(1/37)
أما ما ذكر السائل من أن هذا المفتري ظل يبحث في نزول عيسى وأشراط الساعة وأحاديث الفتن والملاحم والمهدي لمدة ستة وعشرين سنة حتى تخصص في هذه النصوص وألّف ثلاثة عشر كتاباً ورسالة في إثبات أنه المسيح عيسى عليه السلام .
الجواب : أن هذا لا يغترّ به إلا مفتون، وكثرة الكتب وطول المدة في التخصص ليس بحجة إنما الحجة بالكتاب والسنة، وقد تقدم ما يبيّن كذبه .
وليس كل من نظر وبحث وتخصص يُوَفق للحق.
وقد ارْتد أناس في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد رأوْا الآيات الباهرات، فالقلوب بيد مقلّبها سبحانه .
والرب سبحانه لا يظلم عباده فمن بحث ونظر طالباً للحق وقد علِم الله ذلك من نيته فمحال أن يُضله الله وإنما يُؤتى الإنسان من قِبَل نيته، ولا يَدّعي هذه الدعوى ويفتري على الله هذه الفِرْية إلا أكفر الناس وأخبثهم أوْ فاقد لعقله .
وهذا لا يُقال عنه جاهل فلَه بحث ونظر ودراسة وإنما مَكَرَ به إبليس مثل بلعام .
وإذا كان هذا يُهَوِّل على الناس بكثرة بحثه وكتبه فليعلم أن بلعام وغيره كثير ضلوا على علم .
كذلك يُقال : فإن شأن عيسى عليه السلام يعرفه الصبيان والجواري الصغار ولا يحتاج إلى تهْويل هذا المفتري . فالعلم به وعلاماته ورفعه ونزوله لا يحتاج إلى هذا التهويل لأنه مُيُسّر في كلام الله وكلام رسوله .
أما ما ذكره السائل من أن هذا الكذاب جاء بنصوص من القرآن والسنة والتوراة والإنجيل وأنه صَدَّقه جمهرة من الناس في السودان وغيره من دول الجوار وخاصة ممن يُسمون بالطبقة المثقفة وبعض الطلاب الجامعيين .
فالجواب : أن ما ذكر السائل من نصوص القرآن والسنة والتوراة والإنجيل التي يحتج بها هذا الكذاب فلم نقف عليها(1)وإنما أقول : نصوص الكتاب والسنة والتوراة والإنجيل الصحيحة تفضح هذا الأفاك وتكشف ستره، والأمر ولله الحمد واضح جلي .
__________
(1) بعد ذلك وصلتني بعض كتبه فبينت كفره وضلاله كما تقدم في البداية .(1/38)
وسورة كاملة في القرآن الكريم اسمها " سورة مريم " فيها قصة عيسى عليه السلام وأمه، وفيها ما يجعل هذا المفتري مضحكة للصبيان، وشر البليّة ما يُضحك وفي سورة " آل عمران " بسط أيضا .
أما الإنجيل ففي إنجيل مَتّى أن عيسى عليه السلام يقول: " انتبهوا . إياكم أن يُضلكم أحد، فسوف يأتي كثير من الناس مُنْتحلين اسمي، ويُضلون أناساً كثيرين " فهذا السوداني منهم، وقد حَذّر عنه عيسى عليه السلام .
أما الأتباع وكثرتهم فليس ذلك بحجة، ففرعون تبعته القبط كلها مع شناعة وفظاعة دعْواه، ومسيلمة الكذاب تبعه خلائق مع أن دعواه النبوة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - والذين يدّعون المهدوية يتبعهم الجهلة قال تعالى : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } .
قال ابن القيم رحمه الله :
والناس أكثرهم فأهل ظوَاهِرٍ ... تبدو لهم ليسوا بأهل معاني
فهمُ القشور وبالقشور قَوَامُهمْ ... واللّبُّ حظّ خلاصة الإنسان
فالحجة إنما هي بدليل الكتاب والسنة، ولا يمكن هذا الأفاك وأمثاله أن يأتي بدليل إلا هو حجة عليه لا له لكن أهل الباطل يُفسّرون الكتاب والسنة على ما يؤيد باطلهم . ويكون ظاهرٌ عَوَارُهم إلا على أتباع كل ناعق .
وهذا الكذاب فسّر الآيات والآثار على مقتضى ضلاله .
والدجال أول ظهوره يتبعه كثيرون فهل يُغتر به لذلك.
ففي حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالة " رواه مسلم .
أما ما ذكر السائل من أن هذا الدجال لم يجد من يتصدى له لكثرة ما كَتَب في الموضوع ولأنه فاجأهم بكثرة النصوص والأدلة التي تحتاج إلى بحث وتحقيق وأنه الآن في ازدياد من أمره يوماً بعد يوم .
الجواب : ليس هذا بشيء وإنما راجَتْ شبهته على مفتونين زائغين، ويكفي ما تقدم من الأحاديث لدحض دعْواه .(1/39)
ثم إنه يُقال له : عيسى النبي عليه السلام أمه مريم ابنت عمران وقصته وأمه أشهر من أن تذكر فهي في غاية الوضوح في القرآن وأنت تعرف أمك ويعرفها والناس، وقد وُلِدَ عيسى عليه السلام قبل ألفيْ سنة، وتكلم في المهد وقد اشتهر أمره وذلك في الشام بجوار المسجد الأقصى وعاش في قومه ثم رفعه الله إليه حيا وهو الآن في السماء الثانية ونزوله في الشام أيضاً كما تقدم . وفي ذلك الوقت يكون الدجال موجوداً وقد عَثى في الأرض فساداً كذلك يكون المهدي موجوداً خليفة مقيماً للشريعة وقد تقدم بيان هذا كله. وهذا السوداني له أب وعيسى عليه السلام ماله أب ، وفضائح هذا المفتري كثيرة .
بطلان دعواه من وجوه
قال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } فالمتنبي كذاب من وجوه :
1- قال تعالى عن عيسى عليه السلام : { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ } فهو مرفوع إلى السماء منذ أكثر من ألفيْ سنة، ومَن ادّعى نزوله فهو أكذب الكاذبين .
2- أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أخيه عيسى عليه السلام مما أوحى الله إليه أنه ينزل آخر الزمان فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، وغير ذلك مما يفعله حال نزوله . ففي حديث النواس بن سمعان الذي فيه : " فبينما هو كذلك [ يعني الدجال ] إذْ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق " رواه مسلم والإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم .
3- يُبين الحديث المتقدم أن نزول عيسى عليه السلام لا يحصل إلا مرة واحدة، وذلك بعدما يظهر الدجال ويعبث في الأرض فساداً فيقتله عيسى عليه السلام، فأين الدجال الآن ؟(1/40)
4- يزعم المدّعي أن الدجال هو أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وأتْباعهم من بقية الدول العربية وغيرها، وهذا كذب بارد حيث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف الدجال بصفات مُنطبقة على شخص لا على دُوَل، ففي أحاديث الدجال الصحيحة منها : حديث فاطمة بنت قيس وهو في صحيح مسلم وهو حديث تميم الداري وفيه : " فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قَط خَلْقاً وأشدّة وثاقاً مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبية بالحديد " الحديث وفيه : " إني أنا المسيح " الحديث ، وهو طويل وكلّه يُكذِّب دعْوى أن الدجال دُوَل كما يزعم المتنبي الكذاب .
ومنها : حديث حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الدجال أعور العين اليسرى، جفال الشعر، معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار " رواه مسلم وغيره .
" جفال الشعر " أي كثيرة
وغير ذلك من أحاديث كثيرة في وصف الدجال تُكذِّب مَن زعم أن الدجال دول ، بل هو شخص وهذا أظهر من أن يحتاج إلى بيان .
5- نبي الله عيسى عليه السلام ليس هو يبدأ الناس بالدعوة لنفسه أنه نبي بل من حين نزوله والناس مُسْتشرفون له وفي انتظاره لحصول علامات نزوله البيِّنة والتي أعظمها وجود الدجال، كذلك وجود المهدي، فهم على عِلْم به قبل نزوله لِدلائل الكتاب والسنة المبيِّنة لذلك، وقد تقدم حديث النواس بن سمعان الذي فيه بيان موضع نزول عيسى عليه السلام وأنه المنارة البيضاء شرقي دمشق .
6- وردت أحاديث صحيحة في ذكر المهدي الذي يخرج آخر الزمان وفيها ذِكر صفاته وأنه أقنى الأنف أجلى وأن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. وأنه يكون خليفة سبع أو تسع سنين واسمه محمد بن عبد الله والمدَّعي يزعم أن المهدي هو صدّام حسين، وأن حصار الدول له هو حصار الدجال للمهدي، وقد تقدم بيان زعمه أن أمريكا وحلفائها هم الدجال .(1/41)
وصدام حسين لا يشبه المهدي لا من قريب ولا من بعيد، وبطلان ذلك كبطلان أن الدول المحاصرة للعراق هي الدجال، كل ذلك دجل وهذيان، وحاشا المهدي أن يُشبه البعثي .
7- هذا المدَّعي اسمه سليمان أبو القاسم موسى ونبي الله عليه السلام اسمه عيسى بن مريم في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم .
وهذا المدّعي له أم معروفة هي التي ولدته واسمها : دار السلام محمد موسى، وأم نبي الله عيسى عليه السلام مريم بنت عمران، فأين الثرى من الثريا ؟
8- هذا المدّعي له أب وزوجة ونبي الله عليه السلام ليس له أباً ولم يتزوج .
9- هذا المدّعي أمره ظاهر البطلان والزّيْت لكن هو لبّس على الجهال بشأن رفع عيسى إلى السماء وأنه بالروح فقط، أما الجسد فتلاشى في الهواء أثناء الرفع، وهذا كذب ظاهر فعيسى عليه السلام رفعه الله إليه لما أرادت يهود صلْبه، وهو مرفوع بجسده وروحه، والأمة مجمعة وعلى ذلك.
أما مجرد رفع الروح فأرواح المؤمنين ترفع عند الموت فما اختصاص عيسى عليه السلام بذلك ؟ ولوْ كان المراد رفع روحه لذكر الله قبض روحه ووفاته ولم يذكر رفعه، بل رفعه الله حياً وهو الآن في السماء الثانية بجسده وروحه، وقد قرب نزوله، وسينزل عليه السلام بجسده وروحه كما رُفع .(1/42)
10- كذلك فإن هذا المدعي يُلبس على الجهال بأن مريم ليست أماً لعيسى بل هي مجرد وعاء ورِحم وليست أمه حقيقة لأنه لم يكن لها زوج جامعها فقذف في رحمها المني فولدت عيسى عليه السلام، وعيسى لم يكن من مَني . وكلامه هذا تكذيب لله ولرسوله وإن في القرآن سورة كاملة هي " سورة مريم " وفيها تجلية أمر نبي الله عيسى عليه السلام وأمه مريم فكيف يقول هذا المفتري عن مريم أنها ليست هي أم عيسى، بل مجرد وعاء ورحم ؟ كذلك سورة " آل عمران " فيها بسط القصة . نعم لم يكن لمريم زوج، وقد جعلها الله سبحانه وابْنها آية للعالمين، وإنما نفخ جبريل عليه السلام في جيب درعها فدخلت النفخة بإذن الله في فرج مريم فحملت به جسداً وروحاً وولدته جسداً وروحاً وكلم الناس في المهد وشب ونشأ في قومه ثم رفعه الله إليه بجسده وروحه وسينزل بجسده وروحه .
وإذا لم يكن لمريم زوجاً جامعها فهل يقال إنها ليست أمه حقيقة ؟ وهل هذا إلا تكذيب لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وفي سورة مريم { وَبَرّاً بِوَالِدَتِي } و { أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } .
11- هذا المفتري له أب ونبي الله عيسى عليه السلام جعله الله آية لبني إسرائيل بأن خلقه من أنثى بلا ذكر كما خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى وخلق حواء من ذكر بلا أنثى وسائر بني آدم خلقهم من ذكر وأنثى، والقدرة صالحة، فالرب سبحانه إذا أراد شيئاً قال له : كن فيكون، وأبلغ من هذا عصا موسى عليه السلام خشبة بيده وفي الحال يقلبها رب العالمين سبحانه حيّة وثم يعيدها عصا.(1/43)
12- يزعم المفتري أن عيسى لوْ كان من غير أب وأم لكان من غير البشر وهذا ممتنع في حق الرسل والأنبياء إذْ لابد أن يكونوا من البشر فيقال له : هذا آدم عليه السلام نبي رسول مُكَلَّم والله سبحانه يقول لملائكة: { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ } ، فسماه الله بشراً وهو بدون أب ولا أم .
13- أما زعم المفتري على الله الكذب أن عيسى في بعثه في الأمة المحمدية لابد له من رحم امرأة أخرى ليتكون فيه من جديد لأن مريم قد انتهى دوْرها في بني إسرائيل ولابد من امرأة في الأمة المحمدية فكانت هذه المرأة هي أمه الحالية التي ولدته وتسمى : " دار السلام محمد موسى " .
كلامه هذا مبني على أصله الفاسد وهو أن المرفوع روح عيسى، وهذا من أبطل الباطل كما سيظهر زيادة إن شاء الله وفيما تقدم كفاية لبيان افترائه على الله وعلى أنبياءه.
وفي حديث عطاء بن ميناء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية " الحديث وقد رواه مسلم وغيره .
لماذا لم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - : " والله لينزلن ابن دار السلام حكماً عادلاً ؟ ليُصدقه الناس أو يقول : " والله لينزلن سليمان أبو القاسم موسى ليصدقه الناس ؟ هذا والله الافتراء على الله وعلى رسله .(1/44)
14- أما زعم الكذاب أنه لابد أن يكون له أباً لئلا يظنه الناس ابن زنى ويمتنعوا من قبول دعوته فيقال : لقد قالت اليهود عن عيسى عليه السلام وعليهم لعائن الله : أنه ابن زنى وثم ماذا ؟ فقد بَرّأه الله وأمه مريم الصِّدّيقة ولعن أعدائه، ومازالت أعداء الرسل ترميهم بالبهتان والله سبحانه يتولى تبرئتهم، وقد قيل في محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه ساحر ومجنون وغير ذلك وقيل في غيره من الرسل، وما ضرّ أنبياء الله كما لم يضر القمر نباح الكلاب، أما قبول دعوته والامتناع منها فقد تبين أن شأن عيسى عليه السلام ليس كغيره من الرسل إذْ الأمة المحمدية تستقبله لأول وهْله استقبال عالم به وموقِن لِما لَدَيْها من العلم به وصفاته وحصول علامات نزوله. وذلك في الشام ليس في السودان، وفي حكم المهدي محمد بن عبد الله وفي وجود الدجال الشخص كما تبين وليس الدول.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه " هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى " ص 111 .
" ومسيح المسلمين الذي ينتظرونه هو عبد الله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، عيسى بن مريم أخو عبد الله ورسوله محمد بن عبد الله فيُظهر دين الله وتوحيده ويقتل أعداءه عُبَّاد الصليب الذين اتخذوه وأمه إلهين من دون الله وأعداءه اليهود الذين رموْه وأمه بالعظائم .
فهذا هو الذي ينتظره المسلمون، وهو نازل على المنارة الشرقية بدمشق واضعاً يديه على منكبيْ مَلَكَيْن، يراه الناس عياناً بأبصارهم نازلاً من السماء " .(1/45)
تأمل هذا الوصف وكله ورد في أحاديث صحيحة تعلم أن شأن نزول عيسى عليه السلام عظيم وأنه يكون بحضور المسلمين ويشاهدون نزوله وصفته يروْنه عياناً بأبصارهم نازلاً من السماء، وانظر كوْنه عليه السلام واضعاً يديه على منكبيْ ملَكين كما في الحديث وأن هذا دليل قاطع على أنه عليه السلام مرفوع بروحه وجسده وينزل مرة واحدة بروحه وجسده، فالرفع مرة واحدة والنزول مرة واحدة وكل ذلك بالروح والجسد وعلى هذا إجماع الأمة .
ثم قال ابن القيم : " فيحكم بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينفذ ما أضاعه الظلَمة والفجرة والخونة من دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويُحيي ما أماتوه، وتعود الملل كلها في زمانه ملة واحدة وهي ملته وملة أخيه محمد وملة أبيهما إبراهيم وملة سائر الأنبياء وهي الإسلام الذي من يبتغ غيره ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، وقد حَمَّل رسوله - صلى الله عليه وسلم - مَن أدركه من أمته السلام، وأمره أن يُقْرئه إياه منه .
فأخبر عن موضع نزوله بأي بلد وبأي مكان منه وبحاله ووقت نزوله وملبسه الذي كان عليه وأنه " ممصرتان " أي ثوبان، وأخبر بما يفعل عند نزوله مفصلاً حتى كأن المسلمين يشاهدونه عياناً قبل أن يروْه. وهذا من جملة الغيوب التي أخبر بها فوقعت مطابقة لخبره حذو القذة بالقذة .
فهذا مُنتظر المسلمين لا منتظر المغضوب عليهم والضالين ولا منتظَر إخوانهم من الروافض المارقين وسوف يعلم المغضوب عليهم والضالين إذا جاء منتظر المسلمين أنه ليس بابن يوسف النجار ولا هو ولد زِنْية ولا كان طبيباً حاذقاً ماهراً في صناعته استولى على العقول بصناعته ولا كان ساحراً ممخْرقاً .(1/46)
ولا مُكنوا من صلبه وتسْميره وصفعه وقتله، بل كانوا أهْون على الله من ذلك، ويعلم الضالون أنه ابن البشر وأنه عبد الله ورسوله ليس بإله ولا ابن إله وأنه بَشَّر بنبوّة محمد أخيه أولاً وحكم بشريعته ودينه آخراً، وأنه عدوّ المغضوب عليهم والضالين ووليّ رسول الله وأتباعه المؤمنين، وما كان أولياؤه بالأرجاس الأنجاس عبدة الصلبان، إلى آخر كلامه.
15- أما كوْن مرتكز دعوته يدور حوْل كيفية رفع عيسى إلى السماء .
هل هو بروح وجسد أم بروح فقط فأبين ذلك إن شاء الله، ففي حديث النواس بن سمعان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فبينما هو كذلك إذْ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفية على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدّر منه جمِانِ كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونَفَسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله " الحديث. وقد رواه مسلم وغيره .
ففي الحديث بيان نزول عيسى عليه السلام بدنه وروحه وهذا ظاهر مِن وضْعه كفيه على أجنحة الملكين، وذِكْر رأسه وما يقطر منه، ونَفَسُه أيضاً، كذلك لباسه المهرودتين وهي ثياب .
وهذا كله لا توصف به الروح المجرّدة، والأمر واضح لا يجادل فيه إلا مكابر .
16- أخبر الرب سبحانه في كتابه عن نبيه عيسى عليه السلام أنه يفعل أشياء بإذنه تعالى . قال تعالى في سورة المائدة { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَْكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي } .(1/47)
وقال تعالى في سورة آل عمران عن نبيه عيسى عليه السلام : { وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ، والأكمه هو الذي يولد أعمى.
فإذا كان هذا المدّعي هو المسيح فليأت بآياته ليصدقه الناس وأنىَّ له ذلك، فلْيخلق من الطين طيراً وليبرئ الأكمه والأبرص وليحيي الموتى بتأييد الله له وإذنه ، وإلا فهو أخو مسيلمة الكذاب .
17- أما زعم المفتري أنه عُرِجَ به إلى السماء وأن الرب عز وجل خاطبة عِدّة مرات وأرسل إليه الوحي يخبره بأنه عيسى بن مريم الذي رُفع إلى السماء وأنزل إلى الأرض مرة ثانية في الأمة المحمدية .
فيقال : كذب المفتري وما عُرج به وما خاطبه الله ولا أرسل إليه الوحي . نعم : " وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم " كذلك قد ترفعه الشياطين لِكفره وضلاله وتريه أنواراً وقد تُسْمعه أصواتاً في الهواء فيظن أن ذلك هو ما اعتقده .
والشياطين تفعل أعظم من ذلك لمن كفر بل حتى من ضل من المسلمين تغرّه بالمخارق .
ونبي الله عيسى عليه السلام لا يُعرج به بعد نزوله { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } .
18- أما كوْنه تحدّى جميع أهل العلم من المفتي وإلى أصغر طالب علم وأرسل نسخاً من كتبه إلى جميع الجهات الدينية في البلاد وطلب من الجميع أن يردوا عليه بالنصوص والأدلة التي تبين بطلان دعوته وحينها لن يتردد في الرجوع والتوبة من هذا الزعم إذا كان الرد علمياً .(1/48)
فأقول : وأنا أتحداه وجميع أتباعه أنه كاذب ملبوس عليه وذلك بالنصوص والمعقول والمباهلة كما سيأتي ذكر المباهلة إن شاء الله .
أما رجوعه وتوبته وإشهار ذلك فهو والله أحب إليّ من أن يُصَدِّق عليه إبليس ظنه .
{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ } هذه الوجوه كتبتها قبل اطلاعي على شيء من كتبه ثم وصل إلي بعض كتبه فكتبت الرد عليه وهو أول هذا الكتاب .
والأمر أوْضح وأظهر من أن يحتاج إلى رد لكن يوجد جهال يغترون بهذا وأمثاله فلابد من البيان .
وليَعلم هو وغيره أن ( دعْوى الرسالة لا يدّعيها إلا من هو مِن خيار الناس وأكملهم إن كان صادقاً، أوْ هو من شَرّ الناس وأخبثهم إن كان كاذباً ) .
قاله شيخ الإسلام ابن تيمية 2/349 الجواب الصحيح.
19- المباهلة وهي سنة ماضية أمر الله بها نبيه أن يباهل نصارى نجران في شأن عيسى عليه السلام .
وحيث أنه يتعذر اللقاء بيني وبينه فسوف أكتب صورة المباهلة وعليه أن يُؤمِّن عليها .
فأقول : اللهم إن كان عبدك سليمان أبو القاسم موسى هو نبيك عيسى بن مريم الذي أرسلته إلى بني إسرائيل ثم رفعته إليك وأخبر نبيك محمد أنه ينزل آخر الزمان فامسخني قرداً لأكون آية لمن كذّبه. آمين يا رب العالمين .
وإن كان كاذباً في دعواه وليس هو نبيك عيسى فسَوِّد وجهه وأعْمِ بصره ليكون عبرة لمن افترى .
المطلوب منه أن يؤمن على هذا الدعاء . والله الموفق وله الحمد .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .
قصيدة
في بيان كذب الدجال سليمان أبي القاسم(1/49)
دعوى النبوةِ ليس أمراً هيناً إن النبيَّ محمداً هو خاتمٌ ولذاك عيسى تابعٌ لمحمدٍ آن الآوانُ بقربِ وقتِ نزُولِهِ مَن كان يعجبُ مِن فتونِ زمانِنَا هذا سليمانٌ(1)فلقد غشاهُ مِنَ الفتونِ عجيبُ عيسى بن مريم والجنون ضُرُوبُ(2)ضلوا بهِ والدينُ صارَ غريبُ قومٌ وحقاً إنه لكذوبُ هذا زمانٌ أمرهُ مقلوبُ فيها إمامٌ للردى منصوبُ عيسى بن مريم .. ياله مجذوبُ أنتَ الكفورُ الكاذبُ المحروبُ برأ البريةَ لم ينلهُ لغوبُ وَمِنَ اليهودِ وقولهم مَصلوبُ وَفِعاله بعدَ النزولِ غيوبُ فيه البيانُ وليس فيه عيوبُ وقتَ النزولِ وإنهُ لَقَرِيبُ حينَ النزولِ يُفَرَّجُ المكروبُ والدينُ يَظهرُ والزمانُ يطيبُ مَن قال " كُرِّرَ " عقلهُ مَقلوبُ .
(3) ضروب ، أي : أنواع وفنون . &%$يقول بأنهُ وله مِنَ الأتباعِ جَمٌّ وَافِرٌ وبلادُهُ السودان كذَّبَهُ بِهَا ما شأنُ سُودانٍ بعيسى إنما كيف ادعى دعوى مسيلمة له كيف ادعى هذا الخبيثُ بأنه حاشا رسول الله منك وإنما ما شأن عيسى هكذا لا والذي حاشا نبي الله مِنْ هذيانِهِ عيسى بنُ مريمِ رفعهُ ونزولُه لكنها جاءت بوحيٍ طاهرٍ لا يستريبُ المؤمنون بشأنِهِ آياتُ عيسى كالنهارِ ظهورها إذ يقتل الدجالَ دون تريث ونزوله كالرفعِ ليسَ مكرراً .
بلاد الحرمين - بريدة ، 12 / 7 / 1426هـ
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
مقدمة ..................................................................................................... ... 3
الكلام في رفع الله عيسى عليه السلام حياً بروحه وجسده ....... ... 4
نزول عيسى عليه السلام من السماء ............................................. ... 22
__________
(1) يؤوب ، أي : يعود ويرجع لأنه منها رُفع . ... كفرٌ غليظٌ يدَّعيهِ كذوبُ للرُّسْلِ ليسَ وراءَهُ تعقيبُ ولِشَرْعِهِ يقفو وعنهُ يَنوبُ والشامُ مَهبطه إليهِ يؤوبُ$%&
(2)
(2) سليمان أبو القاسم موسى . ...(1/50)
دعوى المتنبي الكذاب أنه هو عيسى بن مريم ............................ ... 35
دعوى المتنبي نزول عيسى من السماء روحاً في الأرحام ...... ... 42
هل يولد المسيح مرتين ؟ .................................................................. ... 45
زعمه أن الدجال قد ظهر وهو أمريكا ........................................... ... 51
تكفير المتنبي لمن خالفه .................................................................... ... 58
تفسيره القرآن على مراده ................................................................. ... 63
جواب سؤال عن المتنبي ................................................................... ... 74
بطلان دعواه من وجوه ..................................................................... ... 85
قصيدة في بيان كذب الدجال سليمان أبي القاسم ......................... ... 102
الفهرس .................................................................................................. ... 104(1/51)