بدع الاعتقاد
وأخطارها على المجتمعات الإسلامية
الشيخ محمد حامد الناصر
موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/
موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/
المقدِّمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصلى الله على رسولنا الكريم، وعلى آله وصحبه وسلم.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن هذا البحث قد جاء إيضاحاً وتفصيلاً للباب الأخير من كتابنا السابق.(1)
والذي تحدثنا فيه عن مظاهر الانحراف في المجتمعات المعاصرة. تلك الانحرافات التي تتمثل في ظهور الإلحاد - بينما لم يسبق لعرب الجاهلية أن عرفوا الإلحاد تماماً وإنما أشركوا الله شرك الألوهية.
وتتمثل في عودة الشرك بنوعيه، وسيادة القوانين الوضعية في معظم ديار المسلمين.
وتتمثل في شيوع البدع في معظم المجتمعات الإسلامية.
* ولما كان موضوع البدع العقدية - خاصة - شائعاً وخطيراً، وجاء موجزاً في ذلك الكتاب، فقد فصلت القول فيها وأفردت لها هذا الكتاب.
واقتصرت على البدع العقدية، كثيرة الانتشار في مجتمعاتنا المعاصرة، والشائعة بين الناس، لخطورتها على عقيدة الأمة، ولما تشيعه من مفاسد في حياة المسلمين، وخاصة أنها ترفع شعارات الإسلام بأساليب ملتوية، ابتعدت بها عن هديه الصافي.
* وقد تحدثت عن فكر الإرجاء الذي مازال يتسرب إلى عقول الأمة وقلوب أبنائها.
وعن الغلو في الدين ((التطرف))، ولعله امتداد لفكر الخوارج من بعض الوجوه -كما سيأتي- وعن التصوف بمعتقداته وأساليب أهله في التربية والسلوك.(1/1)
أما العقلانيون أحفاد المعتزلة في تأليه العقل ومعتقدات أخرى، فسوف نخصهم ببحث مستقل(2)، إن شاء الله تعالى.
* وقد حاولت جاهداً أن أرجع إلى آراء هذه الفرق في كتب أصحابها، وإلى البحوث الحديثة التي تحدثت عنهم، لألقي الضوء على عقائدهم وأفكارهم، وربطت هذه العقائد بجذورها القديمة، مع التركيز على الآثار السلبية لهذه البدع على مجتمعاتنا المعاصرة.
وذلك مساهمةً مني في بيان الحق، وقمع البدع، عسى أن يتوب جاهل، أو يعود مغرر فيه، وأن تكون هنالك مناعة وتحصين لمن لم تصله لوثة هؤلاء المبتدعة.
* وقد حاولت جاهداً -كذلك- أن ألقي الضوء على الأفكار والمنطلقات، مبتعداً عن تجريح الأشخاص، ورؤوس هذه التيارات، لأن القصد هو بيان الحق وإبراء الذمة، والمشاركة في إنقاذ هذه الأمة مما تعانيه من تفكك واضطراب.
* وقد جاء الكتاب في تمهيد وثلاثة أبواب:
1- الباب الأول: في ظاهرة الإرجاء، وبيان أخطارها على المجتمعات المعاصرة.
2- الباب الثاني: خصص للحديث عن الغلو في الدين ((التطرف)) وقد تحدثت فيه: عن ظاهرة التطرف في حياة المسلمين المعاصرة.
كما تعرضت لتطرف الأعداء وغلوهم في القديم والحديث، واستغلالهم لهذه الظاهرة - على قلة القائلين بها - من أجل شن حملتهم ضد ما أسموه ((بالأصولية الإسلامية)) للتنفير منها.
3- الباب الثالث: في التصوف، نشأته واشتقاقه وانحرافاته وآثاره في حياة الأمة.
والله أسأل أن يلهمنا الصواب في القول، والإخلاص في العمل، إنه سميع الدعاء.
محمد الناصر
مكة المكرمة: 4/7/1415هـ
بين يدي البحث
مفهوم أهل السنة والجماعة
ومنهج أهل البدع في الاستدلال
1-…مفهوم أهل السنة والجماعة.
2-…مفهوم البدعة: تعريفها وأنواعها وأحكامها.
3-…الحجة للكتاب والسنة لا للرأي والعقل.
4-…منهج أهل البدع في الاستدلال.
1- مفهوم أهل السنة والجماعة:(1/2)
لقد كان لأهل السنة والجماعة منهجهم في تناول القضايا الشرعية، إذ يعتمدون على الكتاب والسنة، ومنهج السلف في القرون الثلاثة الأولى، خلافاً للفرق المنحرفة الضالة.
فمن هم أهل السنة والجماعة يا ترى؟!
((إنهم هم الذين اعتصموا بكتاب الله تعالى، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم في عقائدهم، وسائر أصول دينهم. ولم يعارضوا نصوصهما بالعقل أو الهوى، وتمسكوا بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، من دعائم الإيمان، وأركان الإسلام، كالحسن البصري، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، والأوزاعي، وأحمد، والبخاري، ومن سلك سبيلهم والتزم منهجهم عقيدة واستدلالاً.
أما هؤلاء الذين خرجوا عنهم في مسائل من أصول الدين، ففيهم من السنة بقدر ما بقي لديهم مما وافقوا فيه الصحابة (رضي الله عنهم) وأئمة الهدى من مسائل أصول الإسلام، وفيهم من البدع والخطأ بقدر ما خالفوهم فيه من ذلك قليلاً أو كثيراً...)).(3)
((فأهل السنة والجماعة هم المستمسكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين اجتمعوا على ذلك، وهم الصحابة والتابعون وأئمة الهدى المتبعون لهم، ومن سلك سبيلهم في الاعتقاد والتقوى والعمل إلى يوم الدين، هم الذين استقاموا على الاتّباع وجانبوا الابتداع في أي مكان وأي زمان، وهم باقون ظاهرون منصورون إلى يوم القيامة)).(4)
((وأهل السنة والجماعة لا يعتدون ولا يقتدون ولا يلتزمون إلا بعلم وسلوك السلف الصالح، ومن أخذ عنهم والتزم جماعتهم، وسار على دربهم، وتقيد بأصولهم، وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم، تعلموا تفسير القرآن والحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا رأي ولا ذوق ولا عقل ولا وجد غير ذلك)).(5)
((إن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر، فمن السنة لزوم الجماعة، ومن رغب عن الجماعة وفارقها، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وكان ضالاً مضلاً.(1/3)
والأساس الذي بنيت عليه الجماعة هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رحمهم الله أجمعين، وهم أهل السنة والجماعة، فمن لم يأخذ عنهم فقد ضل وابتدع، وكل بدعة ضلالة، والضلال وأهله في النار)).(6) ولو كثروا، فقد نقل عن الفضيل بن عياض قوله: ((اتبع طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين)).(7)
ومعنى الجماعة: يمكن أن يصنف في مجموعتين:
المجموعة الأولى: وتجتمع فيها أربعة أقوال:
1- الجماعة السواد الأعظم من أهل السنة.
2- الجماعة هي أئمة العلماء المجتهدين.
3- الجماعة هم الصحابة على وجه الخصوص.
4- الجماعة هم أهل الإسلام مقابل الكفار.
فمدار هذه الأقوال كلها مبني على معنى الاتباع، لذلك فإن الجميع اتفقوا على اعتبار أهل العلم والاجتهاد هم الجماعة.(1)
أما المجموعة الثانية: فهم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على الإمام الشرعي، وهو القول الخامس.
وإذا درست النصوص السابقة التي وردت في الجماعة ينظر في سياقها، وكلام أهل السنة في كل نص، ثم ينزل النص على المعنى الواقع عليه من الإطلاقين، إذ لا تعارض بينهما(2).
* ومن هؤلاء الفرقة الناجية التي وصفها ابن تيمية رحمه الله فقال: ((أحق الناس أن تكون الفرقة الناجية: هم أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع تتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزاً بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم هم فقهاء دينها، وأهل معرفته بمعانيها، واتّباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتّباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)).(1/4)
ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، ويؤثرون كلام الله على كلام غيره، من كلام أصناف الناس))(8).
هذه هي طريقة السلف من أهل السنة والجماعة، اتّباع لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولن ينصر الإسلام وأهله إلا بالعودة إلى المنبع الصافي أما أهل البدع فلا يتبعون إلا الهوى والرأي عارياً عن الدليل الصحيح من الكتاب والسنة.
قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: ((قبض رسول الله وقد تم هذا الأمر واستكمل، فإنما ينبغي أن نتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نتبع الرأي، فإنه إذا اتبع الرأي جاء رجل آخر أقوى في الرأي منك فاتبعته، فأنت كلما جاء رجل غلبك اتبعته، أرى هذا لا يتم)).(9)
وقال أيضاً رحمه الله: ((السنة مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك)).(10)
2- البدعة: تعريفها وأنواعها وحكمها:
البدعة: مأخوذة من البدع وهو الاختراع على غير مثل سابق.
وفي الدين: هي ما لم يشرعه الله ورسوله، وهو ما لم يأمر به الدين أمر إيجاب أو استحباب، فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب وعلم الأمر به بالأدلة الشرعية فهو من الدين الذي شرعه الله، وإن تنازع أولو الأمر في بعض ذلك.(11)
والابتداع على قسمين:
- ابتداع في العادات: كالمخترعات الحديثة، وهذا أمر مباح.
- وابتداع في الدين وهو نوعان:
أ- بدعة قولية اعتقادية: كمقالات الجهمية والمعتزلة والرافضة، والمعتقدات المنحرفة للفرق الضالة كلها.
ب- بدعة في العبادات: كالتعبد لله بعبادة لم يشرعها وهي أنواع:
- ما يكون في أصل العبادة: مثل ما يسمى أعياد المولد ونحوها، أو إحداث صلاة غير مشروعة، أو صيام غير مشروع، أو أعياد غير مشروعة.
- ما يكون في الزيادة على العبادة المشروعة: كما لو زاد أحدهم ركعة خامسة في صلاة الظهر والعصر مثلاً.
- ما يكون في صفة أداء العبادة: كالأذكار بأصوات جماعية مطربة.(1/5)
- تخصيص وقت للعبادة المشروعة: كليلة النصف من شعبان للصلاة والقيام فيها، أو صيام يومها، فأصل الصلاة والصيام مشروع، ولكن تخصيصه بوقت يحتاج إلى دليل.(12)
ومن أبرز الأسباب المؤدية إلى البدع:
- الجهل بأحكام الدين.
- اتّباع الهوى والخضوع لسطوة العادات.
- التعصب لآراء الرجال، مما يحول بين المرء واتّباع الدليل.
- التشبه بالكفار في عاداتهم وأساليب حياتهم وتفكيرهم.(13)
هذا ومن المعلوم ((أنه لا حرج في أخذ العلوم الدنيوية عن غير الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثل الطب والحساب والفلاحة.
أما الأمور الإلهية والمعارف الدنيوية، فهذا العلم يؤخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا غيره)).(14)
((ذلك أن التصور الإسلامي يدع للعقل البشري، وللعلم البشري ميدانه واسعاً كاملاً، فيما وراء أصل التصور ومقوماته، ولا يقف دون العقل يصده عن البحث في الكون، بل يدعوه إلى هذا البحث ويدفعه إليه دفعاً..)).(15)
وأصل البدع، كما قال عبد الله بن المبارك: أربعة أهواء ومن هذه الأربعة أهواء تشعبت الاثنتان وسبعون هوى: القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج.
- فمن قدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً على أصحاب رسول الله، ولم يتكلم في الباقين الآخرين، ودعا لهم، فقد خرج من التشيع أوله وآخره.
- ومن قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره.
- ومن قال: الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره.
- ومن قال: المقادير كلها من الله عز وجل، خيرها وشرها، يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره وهو صاحب سنة.(16)
حكم البدعة في الدين:
كل بدعة في الدين محرمة وضلالة لقوله صلى الله عليه وسلم : ((إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)).(17)(1/6)
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)).(18)
فدل الحديث على أن كل محدث في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة مردودة ومعنى ذلك أن البدع في العبادات والاعتقاد محرمة، ولكن التحريم يتفاوت حسب نوعية البدعة.
* فمنها ما هو كفر صريح كالطواف بالقبور تقرباً لأصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم، وكذلك مقالات غلاة الجهمية...
* ومنها ما هو من وسائل الشرك كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها.
* ومنها ما هو فسق اعتقادي: كبدعة الخوارج والقدرية، والمرجئة فيما خالفوا فيه الشرع.
* ومنها ما هو معصية: كبدعة الصيام قائماً في الشمس، وكبدعة التبتل.(19)
وقد حذر السلف من البدع وبينوا خطورتها، حتى قال بعضهم (البدعة أحب إلى إبليس من المعصية)، لأن المعصية قد يتوب صاحبها أما البدعة فنادراً ما يرجع عنها.
ونهوا عن توقير أصحاب البدع، بل دعوا إلى هجر أصحابها.
عن هشام بن عروة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)) لأن توقيره مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
إحداهما: إلتفات العامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس، فيؤدي ذلك إلى اتّباعه على بدعته دون اتّباع أهل السنة على سنتهم.
الثانية: أنه إذا وقره من أجل بدعته صار ذلك كالمحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء، فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه.(20)
ويكفي المبتدع إثماً أن عليه وزر من يعمل ببدعته، ففي الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((من سنَّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً)).(21)
وقد غزت البدع بأنواعها المجتمعات الإسلامية، وخاصة في هذا العصر، حتى كادت أن تطغى على كثير من طوائف المسلمين، مما سنوضحه في هذا الكتاب إن شاء الله.
3- الحجة للكتاب والسنة لا للرأي والعقل:(1/7)
لقد عارض أهل الأهواء الكتاب والسنة معتمدين على تحكيم عقولهم وآرائهم، مما أدى إلى انحرافهم وضلالهم.
وقد وقف علماء هذه الأمة يردون على المبتدعة هؤلاء ويبينون لهم الطريق الأقوم... مع العلم بأن العقل السليم قلما يتعارض مع النقل الصحيح. قال شارح الطحاوية:
((إذا تعارض العقل والنقل، وجب تقديم النقل، لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفضهما رفض النقيضين، وتقديم العقل ممتنع لأن العقل قد دل على صحته السمع، ووجب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم )).(22)
فالأصل عند المسلمين عند التلقي هو القرآن والسنة وهما معيار على العقل. قال ابن عبد البر: ((واعلم يا أخي أن السنة والقرآن هما أصل الرأي والمعيار عليه، وليس الرأي بالمعيار على السنة، بل السنة معيار عليه، ومن جهة الأصل لم يصل الفرع أبداً...)) وقال أيضاً: ((من عارض السنن برأيه ورام أن يردها إلى مبلغ نظره فهو ضال مضل)).(23)
ويتحدث ابن القيم محذراً من فساد هذا الطريق، طريق الرأي وحده ويقول: ((لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة، والمحاكمة إليها، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فساد في نظرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور، حتى رُبي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يردّها منكراً، فجاءتهم دولة أخرى، قامت فيها البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل والضلال مقام الهدى... والجهل مقام العلم.. )).(24)
ولاشك أن ابن القيم رحمه الله يحذر من اتّباع الهوى والعقل على حساب النص، أما القياس الذي يعتمد على مشابهة النصوص، والاجتهاد في قضية عند أهل الاجتهاد، فما كان مردوداً عنده ولا عند علماء الأمة.(1/8)
ذلك: ((أن دلائل العقل قلما تتفق.. وأهل البدعة يأخذون الدين عن المقولات والآراء، فأورثتهم الافتراق.. بينما كان اتفاق أهل الحديث لأنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة، وطريقة النقل، فأورثهم الاتفاق والائتلاف)).(25)
لقد كان أئمة السلف حريصين على المنهج الصحيح: الكتاب والسنة. فكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى الناس: ((إنه لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم )).(26)
وبعد أن تبين للناس أمر دينهم، فلا عذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى، ولا هدى يركبه، حسبه ضلالة فقد ثبتت الحجة وانقطع العذر - كما روي عن عمر ? - فعلينا الاتّباع، لأن الدين إنما جاء من قبل الله تعالى، لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم، فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم السنة لأمته، وأوضحها لأصحابه، فمن خالف أصحاب رسول الله في شيء من الدين فقد ضلّ.(27)
إلا أن شيوخ الضلال من الجهمية والمعتزلة، اعتمدوا على كثرة الجدل، وضروب الأقيسة، وأنواع الخيال، فضلوا وأضلوا.
يقول ابن القيم رحمه الله: ((أين العلم الذي أسنده محمد بن عبد الله عن جبريل عن رب العالمين سبحانه، من الخواص الذي سنده شيوخ الضلالة من الجهمية والمعتزلة...
وأين الأقوال والآراء التي إذا مات أنصارها والقائمون بها... من النصوص التي لا تزول إلا إذا زالت الأرض والسماوات))(28)، ((أفيظن المعرض عن كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينجو غداً بآراء الرجال، ويتخلص من مطالبة الله له بكثرة البحوث والجدال، أو ضروب الأقيسة، أو بالشطحات والمشاورات وأنواع الخيال؟((.(29)(1/9)
وقال الإمام أحمد رحمه الله فيما صنفه من الرد على الزنادقة والجهمية: ((الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهوى، ويصبرون فيهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس أحيوه، وكم من تائه ضال قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحار المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة...)).(30)
وما زالت الحرب دائرة يشنها أصحاب البدع في هذه الأيام، من زنادقة وعقلانيين، ناهيك عن المتصوفة الذين تجاوزوا الشريعة إلى الذوق والوجد، أما المستشرقون فقد أشعلوها حرباً خبيثة لا تخبو نيران أحقادها. وإلى هذا أشار السباعي رحمه الله بقوله: ((إنها سلسلة متتابعة من الجهود، لم تنقطع منذ أربعة عشر قرناً، وستظل قائمة مادام للإسلام أعداء، يغيظهم ضوء الإسلام الباهر فيدفعون بعصبية عمياء حمقاء لتهديم كل ما يتصل به من قرآن وسنة واجتهاد، ولتشويه كل من حمل لواءه، من رسول الله وصحابته إلى حملته من أعلام السنة والتشريع، ولإفساد الحقائق المتصلة به من حضارة وتاريخ)).(31)
وقد انتشر إنكار السنة في العالم الإسلامي مع الأسف في الهند وغيرها، تقول دائرة المعارف الإسلامية الأردية: ((لقد تغلب العقل على النقل في الآونة الأخيرة، فأخرج إلى حيز الوجود أناساً أنكروا حجية السنة، فمنهم من نادى بسلب حق التشريع من المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من فسر الرسول بالقرآن، ومنهم من جعل أحكام النبي حينية خاصة لعصره، ولمن خاطبهم، ومنهم من أقر بحق التشريع له، غير أنه رد السنة لأن روايتها غير ثابتة، ولهذه الطائفة اعتماد كلي على المستشرقين في ترديد الشبهات الواردة على السنة النبوية)).(32)(1/10)
وهذه الدعوة من أبرز خصائص المدرسة العصرية ((العقلية)) الحديثة مما سنعرضه مفصلاً إن شاء الله في بحث مستقل بعد هذا الكتاب.
4- منهج أهل البدع في الاستدلال:
يعتمد منهج أهل البدع على مناقضة منهج أهل السنة والجماعة خلال القرون الثلاثة المفضلة...
يعتمد منهج هؤلاء على تأليه العقل، وتأويل السنة أو رفضها ورد مقاصد الشارع، وقد جعلوا للهوى على أنفسهم سلطاناً...
((والمبتدع إنما يكون محصول قوله بلسان حاله أو أفعاله: أن الشريعة لم تتم، وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها لأنه لو كان معتقداً لكمالها وتمامها من كل وجه، لم يبتدع، ولا استدرك عليها، وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم. قال ابن الماجشون: سمعت مالكاً يقول: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً)).(33)
((فهذا الذي ابتدع في دين الله قد صير نفسه نظيراً أو مضاهياً، حيث شرع مع الشارع، وفتح للاختلاف باباً، ورد قصد الشارع في الانفراد بالتشريع وكفى بذلك)).(34)
أبرز انحرافاتهم:
* ومن أبرز انحرافات أهل البدع أنهم يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم، وما تأولوا من اللغة، ولهذا لا تجدهم يعتمدون على أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولا الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، فلا يعتمدون لا على السنة، ولا على إجماع السلف وآثارهم، وإنما يعتمدون على العقل واللغة، وتجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثورة، ولا الأحاديث وآثار السلف، وإنما يعتمدون على كتب الأدب وكتب علم الكلام التي وضعها رؤوسهم)).(35)(1/11)
لقد وضح ابن تيمية رحمه الله هنا حقيقة مناهج المبتدعة في تفسير القرآن، وردهم لكل المأثور: من السنة وآثار السلف، وبين الأدوات التي يعتمدونها، من كتب الأدب وعلم الكلام، وهذا هو شأن أتباعهم من مبتدعة اليوم، أصحاب المدرسة العصرانية - العقلية - في تناولهم للتفسير أو الفقه، أو أمور هذا الدين، يحاولون تطويعها حسب متطلبات الحضارة الغربية وآراء أساتذتهم من المستشرقين.
* تأليه العقل:
وذلك من أبرز انحرافاتهم، ولاشك أن مشايخ المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع يعترفون بأن اعتقادهم في التوحيد والصفات والقدر، لم يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة، ولا عن أئمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما يزعمون أن العقل دلهم عليه)).(36)
* ومن شأنهم دائماً الجدل والخصومة، ورفضهم الاحتكام للكتاب والسنة، ((وإذا رأيت الرجل يخاصم في دين الله، ويجادل في كتاب الله، فإذا قيل له، قال رسول الله. قال: حسبنا كتاب الله. فاعلم أنه صاحب بدعة.
وإذا رأيت الرجل إن قيل له لم لا تكتب الحديث؟ قال: العقل أولى، فاعلم أنه صاحب بدعة. قال علماء السنة: ليس في الدنيا مبتدع إلا وقد نزع حلاوة الحديث من قلبه)).(37)
* ومن أبرز ضلال المبتدعة: ((ردهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم، ويدعون أنها مخالفة للمعقول، وغير جارية على مقتضى الدليل فيجب ردها))(38) وهذا ما أشار إليه ابن تيمية رحمه الله إذ يقول: ((وإن عامة ضلال أهل البدع كان بسبب: أنهم يحملون كلام الله ورسوله على ما يدعون أنه دال عليه، ولا يكون الأمر كذلك)).(39)(1/12)
* ومن طرائق المبتدعة أنهم يزعمون، أن ما جاء به الرسول هو الحق، وأنهم يلتزمون شريعته، ولكنهم ربما ضلوا الطريق...)) وكل فريق من المبتدعة إنما يدعي أن الذي يعتقده هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم ملتزمون في الظاهر بشعائر الإسلام، ... إلا أنهم طلبوا الدين، لا بطريقة من الكتاب والسنة، بل رجعوا إلى عقولهم وخواطرهم وآرائهم، فطلبوا الدين من قبلها، فإذا سمعوا شيئاً من الكتاب والسنة عرض على معيار عقولهم، فإن استقام قبلوه، وإن لم يستقم ردوه، فإن اضطروا إلى قبوله حرَّفوه بالتأويلات البعيدة، والمعاني المستكرهة، فحادوا عن الحق، وزاغوا عنه، ونبذوا الدين وراء ظهورهم)).(40)
* وهؤلاء المبتدعة لم يبلغوا في علوم الشريعة ما يمكنهم من الاجتهاد فيها بإطلاق إما لعدم الرسوخ في معرفة كلام العرب والعلم بمقاصد الشريعة، وإما لعدم الرسوخ في العلم بقواعد الأصول التي من جهتها تستنبط الأحكام الشرعية، وإما لعدم الأمرين جميعاً.(41)
ومن الأسباب التي أدت إلى زيادة الانحراف:
((أن أي انحراف عن السنة ولو كان قليلاً، وبالمعنى الشمولي للسنة، لابد أن يزداد هذا الانحراف، ثم تأتي الروافد من هنا وهناك باجتهادات خاطئة، أو تصورات باطلة، فتتسع رقعة الباطل، ومن العسير عندئذ عودة أصحابه إلى الجادة المستقيمة إلا أن يشاء الله)).
وهذا ما حصل للمتصوفة خلال المراحل التي مروا بها، مما سنوضحه خلال الحديث عن الصوفية.(42)
* وكلما بعد العهد ظهرت البدع وكثر التحريف الذي سماه أهله تأويلاً ليقبل، وقل من يهتدي إلى الفرق بين التحريف والتأويل، إذ قد سمي صرف الكلام عن ظاهره إلى معنى آخر يحتمله اللفظ في الجملة تأويلاً، وإن لم يكن ثمت قرينة توجب ذلك. ومن هنا حصل الفساد، فإذا سموه تأويلاً قبل وراج على من لا يهتدي إلى الفرق بينهما)).(43)(1/13)
* ((والمبتدعة عادة يقابلون البدعة بالبدعة. فعندما غلا بعضهم في علي ?، كفّره آخرون، وعندما غلا بعضهم في الوعيد - الخوارج - غلا آخرون في الوعد حتى نفوا بعض الوعيد - يعني المرجئة - وعندما غلا المعتزلة في التنزيه حتى نفوا الصفات، غلا آخرون في الإثبات حتى وقعوا في التشبيه))(44).
* وإن جميع هذه الطوائف من المبتدعة تنزل القرآن على مذاهبها وبدعها وآرائها.
فالقرآن عند الجهمية جهمي، وعند المعتزلة معتزلي، وعند القدرية قدري، وعند الرافضة رافضي، وكذلك هو عند جميع أهل الباطل، وما كانوا أولياءه { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ } [الأنفال:34].(45)
توبة بعض الخارجين على منهاج السلف من المتكلمين والمتصوفة:
ومن نعمة الله أن عامة الخارجين على منهاج السلف من المتكلمة والمتصوفة، يعترف عند الموت، أو قبل الموت برجوعه عن ذلك، لما لمسوه من الحيرة والاضطراب، والعدول عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كلام الرجال.
((ومن هؤلاء المتكلمين الذين رجعوا عن طريقتهم: أبو الحسن الأشعري، فقد تبحر في علم الكلام والاعتزال... ثم سأل الله أن يهديه إلى الطريق المستقيم، فتاب من الاعتزال، حيث خرج إلى الناس في الجامع بالبصرة، فصعد المنبر بعد صلاة الجمعة وانخلع (كما قال) من جميع ما كان يعتقده كما انخلع من ثوبه)).(46)
ومثل هذا ما رُوي عن أبي حامد الغزالي، عندما ترك كتب الفلسفة، والكلام في التصوف، ورجع إلى كتب السنة والحديث.(47)
وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي صنفه في أقسام اللذات: ((لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي...
نهاية إقدام العقول عقال
وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا(1/14)
سوى أنه جمعنا فيه قيل وقالوا(48)
ويقول إمام الحرمين أبو المعالي الجويني:
((لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته، فالويل لفلان، ها أنا أموت على عقيدة أمي)).(49)
الباب الأول
ظاهرة الإرجاء وأخطارها
على المجتمعات المعاصرة
وفيه عدة فصول:
الفصل الأول: الجذور التاريخية لبدعة الإرجاء.
الفصل الثاني: تطور هذه الظاهرة.
الفصل الثالث: الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
الفصل الرابع: العلاقة بين إيمان القلب وعمل الجوارح.
الفصل الخامس: آثار بدعة الإرجاء على المجتمعات المعاصرة.
مقدمة:
يعتبر الفكر الإرجائي من أشد الانحرافات التي وقعت في تاريخ المسلمين، حيث ترك آثاراً خطيرة في حياة الأمة، ما تزال تنخر في جسمها حتى الآن.
وعندما نبحث الإرجاء على أنه فرقة من الفرق التي طواها التاريخ، فإن من أهم ما يفوتنا هو معرفة حقيقة واقعنا المعاصر الذي بات يسيطر عليه الفكر الإرجائي بكل سلبياته.
((إنه ظاهرة فكرية نشأت ثم تطورت إلى واقع ضخم، يواجه كل دعوة تجديدية...
إن هذه الأمة وهي تتراخى عن العمل بالتدريج، وتنحدر من قمة الامتثال رويداً رويداً، كانت تجد في الإرجاء تفسيراً مريحاً يبرر لها تراخيها وتفريطها، فكل ما انحسر عنه العمل واقعياً ستره ثوب الإرجاء الواسع نظرياً...
لقد صارت هذه الأمة تعتقد أن التصديق القلبي المجرد من قول اللسان وعمل الأركان هو حقيقة الإيمان الذي أنزل الله به الكتب وبعث به الرسل، وجعله مناط النجاة من عذابه في الآخرة... وأصبح معنى كون الصلاة والزكاة والصيام والحج أركاناً للإسلام هو اعتقاد وجوبها والإقرار به وإن لم يعمل من ذلك شيئاً)).(50)
((لقد كان فكر الإرجاء على امتداد الزمن أشد خطراً على العقيدة الإسلامية، والحياة الإسلامية، من كل معاظلات الفلسفة التي دخلت في دراسة العقيدة.(1/15)
فالقول بأن الإيمان هو التصديق، أو هو التصديق والإقرار وإخراج العمل من مسمى الإيمان، كان من أخطر المزالق التي أدخلتها الفرق على تلك العقيدة الصافية، ومفهومها الصحيح عند المسلمين)).(51)
((إن إخراج العمل من مسمى الإيمان في هذا الدين الذي نزل لينشئ واقعاً معيناً تحكمه شريعة الله ومنهجه للحياة، أمر مذهل في مجرد تصوره، فضلاً عن أن يصدر عن علماء معتبرين في تاريخ هذه الأمة!)).(52)
ولم يقتصر فكر الإرجاء على غبش التصور لدى عامة المسلمين بل تعداهم إلى واقع الدعوة الإسلامية المعاصرة.
((إذ أن أصحاب الدعوة ينقسمون غالباً فريقين، وكل فريق تتوزعه فرق وآراء واجتهادات..
أحدهما: فطن إلى أصل القضية ومكمن الداء فأراد أن يصحح الأصول ويجلي بدهيات الدين، ويربط ذلك بالعمل وضرورته ولكنه سلك في سبيل ذلك حرفية عقيمة في الفهم، إثارة موغلة في الغلو ظاناً أن هذا هو منهج العزيمة والاستقامة فوقع في طامة التكفير - تكفير أعيان عوام المسلمين من المخالفين - وبذلك نفر هذا الفريق من بدعة الإرجاء والتبرير ليقع في بدعة شر منها... فتحولت دعوته إلى نظرية عقيمة تتآكل كل يوم وتفرز بدعاً جديدة.
والآخر: انطلق في دعوته بدون منهج واضح ولا تصور اعتقادي متكامل، فلم يتناول الأمر بالتأصيل العلمي، بل بالتهويش العاطفي، فكان أن واجهه أصحاب الفريق الأول بأصول وقواعد لا يملك مثلها، ولا يستطيع ردها، فهرب من التكفير إلى التبرير وأخذ يسند هذا الواقع المنحرف ويؤصله بنظريات بدعية، ووجد في مذهب المرجئة الذي أصبح هو الظاهرة الفكرية العامة بغيته.
فالفريق الأول: أعاد مذهب الحرورية جذعاً.
والفريق الثاني: أحيا مذهب المرجئة غضاً ونقله من الدوائر الأكاديمية التقليدية إلى منهج العمل والتغيير)).(53)
وسوف نفصل القول في بدعة الإرجاء مع بيان آثارها في تخدير المسلمين عن العمل القويم، وتهوين أمر المعاصي على عامتهم.(1/16)
ثم نتحدث عن التطرف والغلو في الدين موضحين أبعاد هذه البدعة وخطورتها، معتمدين في كل ذلك على النصوص الشرعية، ومنهج السلف في مناقشة البدع عموماً.
كل ذلك بأسلوب مبسط، يجعل قراءة هذا الفكر سهلاً ميسراً بإذن الله.
الفصل الأول
الجذور التاريخية لظاهرة الإرجاء(54)
يرجع فكر المرجئة إلى الفتن التي اجتاحت ديار المسلمين منذ مقتل عثمان بن عفان ?، وما تلاه من حرب صفين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
لقد فجرت هذه الفتن كثيراً من المواقف والآراء وردود الأفعال بين الصحابة أنفسهم.
* فبعض كبار الصحابة وأجلائهم مثل سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد وغيرهم رأوا موقف الحياد، مع إجلالهم لكبار الصحابة كعلي وعثمان ومعاوية.
* وبعض سكان الأطراف والمرابطين على ثغور الجهاد فوجئوا بمقتل أمير المؤمنين عثمان ?، ثم فوجئوا بما تلا ذلك من أحداث، وما استطاعوا أن يستبينوا رأياً فيتبعوه أو يرجحوا طرفاً فيوالوه، فآثروا مسألة الفريقين المتقاتلين والركون إلى حياد ولا حيلة لهم في قبوله، وهؤلاء هم الشكاك من أهل الحيرة والتردد. كانوا يقولون: كلهم عندنا ثقة، ونحن لا نتبرأ منهما ولا نلعنهما، ولا نشهد عليهما، ونرجئ أمرهما إلى الله حتى يكون هو الذي يحكم بينهما.
فهؤلاء - إن صح إطلاق الإرجاء على موقفهم - فهو إرجاء حيرة لا إرجاء فكرة، وهذه الحيرة كانت خاصة بقضية الحكم على المختلفين بالخطأ أو الصواب، أما موالاتهم والإقرار بفضلهم وسابقتهم، فلم يكن موضع شك عندهم.
* وهنالك فئة ضاق أفق أصحابها عن تفهم الخلاف فثارت ساخطة على الطرفين، دون تبصر في الدوافع أو تريث في الحكم.
ومن هؤلاء فرقة أعلنت نقمتها وسخطها على كل الأطراف وقالوا: كيف يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتقاتلون وهم أصحاب رسول الله وأعلم الناس بالدين؟! والأصل أن يكونوا أكثر الأمة تمسكاً ووفاقاً ودعوةً وجهاداً!!(1/17)
إذن لقد انحرفوا عما كانوا عليه زمن رسول الله، بلا شك ولا ريب، ومن ثم فلا حرمة لمن نكص على عقبيه، ولا اعتبار لسابقته في الإسلام مادامت هذه خاتمته!!!
هذه الفكرة تبناها الفكر الخارجي الذي بلغ به حنقه على الأطراف جميعها إلى تدبير مؤامرة لاغتيال زعماء الخلاف (علي ومعاوية وعمرو بن العاص) رضي الله عنهم.
وهذا هو أصل المذهب الذي يرى تخطئة وتفسيق، أو تكفير كلا الطائفتين، وصار هذا مذهب كثير من أهل الأهواء من المعتزلة والخوارج وبعض المتكلمين.(55)
* وكان من هذه الفئة فرقة أقل غلواً وشططاً فقالوا: لقد حدث بين الصحابة ما حدث، وهم على الدرجة العليا من الفضل والعلم، ومعنى ذلك أن في الأمر ما لا نستطيع إدراكه، ولا نأمن مغبة الحكم عليه، ولا يمكن ترجيح أحد الطرفين، وأن نبرئ أنفسنا من الوقوف مع أحد منهم أو عليه، ولذلك فإننا نكل أمر الجميع إلى الله وهو الذي يتولى حسابهم ونحن لا نوالي أحداً منهم ولا نعاديه، ولا نشهد له بحق ولا باطل.
ولم تتجرأ هذه الفرقة على تكفير الصحابة، كحال نظيرتها الأولى ورأوا أن الذي يتفق مع موقفهم، هو اعتقاد أن ما ارتكبوه - أي الصحابة - هو دون الشرك بالله تعالى، ومن ثم فهم داخلون تحت المشيئة.
وهذه الطائفة هي التي يصح أن توصف بأنها أصل الإرجاء، سواء ما نشأ منه في أحضان الخوارج، وهم الأعم الأغلب، أو ما كان آراء فردية ومواقف نفسية.
* ويمكن اعتبار وقعة صفين هي المنطلق التاريخي لهذه الفتنة، بل إن حادثة التحكيم هي الشرارة التي فجرت بركانها.
لقد أنتجت هذه الحادثة وذيولها فرقتين كبيرتين، أو منهجين كبيرين، ما يزال لهما وجود ملموس وانحراف بعيد حتى الآن.
هذان المنهجان هما: التشيع والخروج، وكلاهما ناشئ عن علة واحدة، هي الغلو ولكنه غلو متضاد.(1/18)
وكان من آثار هذه الفتنة أن أصبحت المعسكرات المتحاربة ثلاثة: أهل العراق - أهل الشام - الخوارج، وأصبحت المناهج الاعتقادية ثلاثة: السنة، والخروج والتشيع.
وهذا التفرق وما صحبه من صراع أدى إلى نمو بذرة الإرجاء التي تكونت في الفتنة الأولى (مقتل عثمان ?) لتصبح منهجاً رابعاً فيما بعد.(56)
* إلا أن فكر المرجئة تطور بعد ذلك ليصبح من قضايا الاعتقاد ولذلك عندما سئل ابن عينية عن الإرجاء، وفيم سميت المرجئة مرجئة قال:
((الإرجاء على وجهين: قوم أرجوا أمر علي وعثمان، فقد مضى أولئك، أما المرجئة اليوم فهم قوم يقولون: الإيمان قول بلا عمل، فلا تجالسوهم ولا تؤاكلوهم، ولا تشاربوهم ولا تصلوا عليهم)).(57)
ويقول ابن جرير الطبري شارحاً لهذا القول: ((والصواب من القول في المعنى الذي من أجله سميت المرجئة مرجئة أن يقال: إن الإرجاء معناه: تأخير الشيء، فمؤخر أمر علي وعثمان رضي الله عنهما إلى ربهما، وتارك ولايتهما، والبراء منهما مرجئاً أمرهما فهو مرجئ، غير أن الأغلب من استعمال أهل المعرفة بمذاهب المختلفين في الديانات في دهرنا هذا: هو هذا الاسم فيمن كان من قوله الإيمان قول بلا عمل، وفيمن كان من مذهبه أن الشرائع ليست من الإيمان...)).(58)
ومن كلام الإمام ابن عينية وشرح الطبري له، ما يدل على أن المرجئة الأولى هي طائفة من الناس كانت ترجئ أمر عثمان وعلي إلى الله، فلا تتولاهما ولا تتبرأ منهما، فهي مضادة لمن يكفرهما أو يغلو فيهما - أو بأحدهما - وكذلك فهي مضادة لمن يرى تقديمهما وفضلهما ووجوب موالاتهما.
والإرجاء عندها ليس في مسألة الكفر والإيمان عامة، وإنما هو في الموقف من الصحابة المختلفين في الفتنة - رضي الله عنهم - خاصة، فهم مناقضون لما كان عليه عامة الخوارج من تكفيرهما، وما كان عليه عامة الشيعة من الغلو في عليّ والحط من عثمان، أو تكفيره، وكذلك فهم يخالفون ما عليه الجماعة في أمرهما.(59)(1/19)
((فطائفة الشكاك هؤلاء ممن لم يستطيعوا أن يحددوا لأنفسهم موقفاً معيناً من الخلاف، وخاصة من كان على الثغور البعيدة منهم، كانوا يشعرون بالألم الفاجع لما حل بالمسلمين، وبالأسى البالغ لتفرقهم بعد الاجتماع، فكانت تحن إلى عهد الشيخين وأول عهد عثمان، وتكره أن تسمع أو تفكر في شيء مما حدث بعد ذلك...
فإرجاء هؤلاء هو إرجاء شك وحيرة ونفرة من الخوض في القضية، لا إرجاء عقيدة وفكرة... خلافاً لأفكار الخوارج...
فأصل الإرجاء إذن خارج مذهب الخوارج هو التحول تدريجياً من موقف سلبي إلى عقيدة ومبدأ)).(60)
وسوف نتحدث عن تطور هذه الظاهرة في البحث القادم، وكيف تحولت تدريجياً من بدعة نظرية ولأسباب معينة، إلى عقيدة ومبدأ، وظاهرة عامة تسيطر على كثير من مظاهر حياة المسلمين.
الفصل الثاني
تطور ظاهرة الإرجاء
* إرجاء الفقهاء.
* إرجاء الجهمية ومن تأثر بهذه البدعة قديماً وحديثاً.
تطور ظاهرة الإرجاء
لقد تحوّل الفكر الإرجائي العام من بدعة نظرية، يدين بها أفراد معدودون إلى ظاهرة عامة تسيطر على الفكر الإسلامي، بل والحياة الإسلامية عامة.
وقد مر هذا الفكر بمراحل متعددة، وتباين من طائفة إلى أخرى، إلا أن أهم مرحلتين مرّ بهما:
- إرجاء الفقهاء والعبّاد من جهة.
- وإرجاء المتكلمين، أو ما يسمى بإرجاء الجهمية من جهة ثانية.
إرجاء الفقهاء:
ويقصد به: أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والإقرار باللسان. أو ((المعرفة بالله، والإقرار بالله، والمعرفة بالرسول والإقرار بما جاء به من عند الله في الجملة دون التفسير)).(61)
وهو شبهة نظرية أخطأ فيها بعض العلماء نتيجة ردود فعل خاصة، ورأي غير مجرد، مثله في ذلك مثل زلة العالم، أو خطأ المجتهد، في أي مسألة نظرية.(1/20)
وقد كان لثورة ابن الأشعث، وظهور الحجاج عليه، ثم ملاحقة العلماء والبطش بهم، أسوأ الأثر في بروز قرن الإرجاء هذا بين صفوف هؤلاء البائسين، المستسلمين للأمر الواقع، كما تجرأ الذين كانوا مرجئة من قبل فأعلنوا مذهبهم واستغلوا آثار الهزيمة لنشره، كما نشط الخوارج وخلت لهم الساحة أكثر من ذي قبل....(62)
وقد قام أئمة أهل السنة والجماعة بجهد مشكور لمقاومة هذه الفكرة ومحاصرتها في مهدها... إذ لاحظ العلماء أن مذهب هؤلاء المرجئة الفقهاء يتضمن أن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان.
فهذا الأوزاعي رحمه الله يقول: ((كان يحيى بن أبي كثير، وقتادة، يقولان ليس من أهل الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء)).(63)
ويقول إبراهيم النخعي التابعي المشهور، وقد عاصر أحداث الحجاج(64): ((الإرجاء بدعة، إياكم وهذا الرأي المحدث)) وقال عن المرجئة: ((تركوا هذا الدين أرق من الثوب السابري)) ومن أقواله أيضاً فيهم: ((لفتنتهم عندي أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة)).
ورغم أن القائلين بالإرجاء كانوا عباداً زهاداً في الغالب إلا أن أهل السنة والجماعة لم يألوا جهداً في مقاومة فكرهم، ولذلك فلا غرابة إذا تشدد ورثة هؤلاء التابعين من أئمة السنة على المرجئة مثل: وكيع، وابن المبارك، وابن معين، والإمام أحمد والبخاري، وأبي داود ونحوهم، وذلك أن الإرجاء الغالي قد ظهر في زمنهم.(65)
فهذا هو الخط الأول الذي سار عليه الإرجاء وهو ما سمي بإرجاء الفقهاء، وهو الاكتفاء بالقول دون العمل في مسمى الإيمان، وهذا الإرجاء هو الذي ذمه علماء السلف، ((ولا يفوتنا هنا أن كلمة المرجئة في اصطلاح هؤلاء العلماء - علماء السلف - إنما تعني هذا الإرجاء، أي إرجاء الفقهاء، وظل هذا قائماً حتى بعد ظهور الجهمية، فكل ذم أو عيب قيل في المرجئة فهو منصرف لهم وحدهم حتى منتصف القرن الثاني تقريباً، بل هو الأغلب إلى القرن الثالث)).(66)(1/21)
فهؤلاء الفقهاء عندما جعلوا الأعمال خارجة عن مسمى الإيمان، لم يعارضوا وجوبها والمعاقبة عليها، مع وجوب ترك المحظورات، ولهذا عدّ بعض العلماء أن الخلاف كله لفظيّ.
يقول ابن تيمية (رحمه الله) عنهم(67): وهذه الشبهة التي أوقعتهم - يعني شبهة عدم التعدد والتبعيض في الإيمان - مع علم كثير منهم وعبادته وحسن إسلامه وإيمانه، ولهذا دخل في إرجاء الفقهاء جماعة هم عند الأمة أهل علم ودين، ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحداً من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال، لا من بدع العقائد، فإن كثيراً من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنة هو الصواب، فليس لأحد أن يقول بخلاف قول الله ورسوله، لا سيما وقد صار ذلك ذريعة إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم، وإلى ظهور الفسق، فصار ذلك الخطأ اليسير في اللفظ سبباً لخطأ عظيم في العقائد والأعمال، ولهذا عظم القول في ذم الإرجاء)).
منطلق شبهة هؤلاء المرجئة:
إن منطلق الشبهات... في الإيمان، وأساس ضلال الفرق جميعها فيه هو أصل واحد، اتفقت عليه الأطراف المتناقضة ثم تضاربت عقائدها المؤسسة عليها.
ذلك أن الخوارج والمعتزلة والمرجئة - بأنواعهم - اتفقوا على أصل واحد، انطلقوا منه هو ((أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص)) وأنه لا يجتمع في القلب الواحد إيمان ونفاق، ولا يكون في أعمال العبد الواحد شعبة من الشرك، وشعبة من الإيمان.
فالمرجئة وجدوا أن النصوص الكثيرة والنظر العقلي يدلان على فساد قول الخوارج من أن مرتكب الكبيرة غير مؤمن، وكذلك المعتزلة حيث سلبوا مسمى الإيمان عنه، ولم يدخلوه في الكفر، وابتدعوا ما أسموه ((المنزلة بين المنزلتين)).(1/22)
ثم وجد المرجئة أن ارتكاب المحظورات وترك الفرائض هو من جنس الأعمال لا الاعتقادات، فاتفقت سائر فرقهم على إخراج الأعمال من مسمى الإيمان، حتى يسلم لها الأصل المذكور، فيظل تارك الصلاة مثلاً أو مرتكب المحرم مؤمناً، بل لم يتورع بعضهم عن التصريح بمساواة إيمانه بإيمان الملائكة والنبيين بناءً على هذا الأصل.
ثم اختلفت فرق المرجئة: فمنهم من يقول: الإيمان محله القلب ومنهم من يضيف إليه إقرار اللسان، والذين قالوا: محله القلب، اختلفوا في التسمية. فقال بعضهم: هو المعرفة، وقال آخرون: هو التصديق.(68)
ولهدم هذه الشبهة شرعاً نقول بإيجاز:
1- انعقد الإجماع من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهو إجماع يستند إلى النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة، في زيادة الإيمان ونقصه، واجتماع النفاق والإيمان في القلب الواحد، واجتماع الشرك والإيمان في عمل الرجل الواحد.(69)
2- تفاضل المؤمنين في الأعمال الظاهرة تفاضلاً لا ينكره إلا مكابر، فمنهم القانت الأواب، والمجاهد الدائب، ومنهم المقتصد، ومنهم الظالم لنفسه المنهمك في فسقه.
3- تفاوت المؤمنين في الأعمال الباطنة، كالحب والخوف والرجاء والذكر والتفكر في آلاء الله وآياته، والخشوع واليقين.. ونحو ذلك، مما لا يجحده إلا معاند مكابر.
4- تفاوت الناس في العلم: فالمعرفة والعلم واليقين، لكل منها درجات متفاوتة، والإنسان الواحد نفسه، قد يكون إيمانه بشيء أقوى من إيمانه بشيء آخر، ويكون إيمانه بالشيء اليوم أقوى منه غداً أو العكس.
أما الخط الثاني وهو الأكثر خطراً، فهو ما يسمى بإرجاء الجهمية، الذي تأثر كثيراً بعلم الكلام، والغزو الفلسفي، فهو مجال حديثنا في الصفحات القادمة(70).
2- الخط الثاني من الإرجاء وهو ما يسمى بإرجاء الجهمية:
ويعتمد على القول بأن الإيمان هو المعرفة فقط.(71)(1/23)
وقد انقرض القائلون بأن الإيمان هو مجرد المعرفة القلبية ولكن العجيب هو قيام أعظم مذهبين في الإرجاء وهما: الأشعرية والماتريدية (اللذان يشكلان جملة الظاهرة العامة) على أصوله في أن الإيمان هو ما في القلب فقط...
وقد استطاع هذا الخط الجهمي أن يحتوي الخط الأول وغيره من الخطوط، ويصبح هو المهيمن على فكر أكثر الفرق الإسلامية انتشاراً.(72)
((ولقد أصبحت الظاهرة العامة للإرجاء في طورها النهائي مكونة من مذهبي الأشعرية والماتريدية اللذين شمل انتشارهما معظم الأقطار الإسلامية، وتبنتها أكثر المعاهد الإسلامية شرقاً وغرباً، وهذا من أعظم السمات الفكرية لعصور الانحراف في الفكر الإسلامي والحياة الإسلامية العامة)).(73)
والغريب أن أكبر ظاهرة غريبة وفدت على الفكر الإسلامي هي ظاهرة الغزو الفلسفي الإغريقي، إذ كيف تقبل أمة الوحي والتوحيد الخالص، فكراً وثنياً لأمة مشركة منقرضة؟
هذا الغزو هو الذي ترك الأثر الكلامي والفلسفي الذي أوجد رؤوس الضلالة لكثير من الأفكار الزائغة هذه.
الجهمية وتغلغل الشرك والوثنية بين ثنايا رؤوسها:
فبشر المريسي يهودي، كما نص عليه الدارمي والإمام أحمد، وإبراهيم النظام ((برهمي)) فقد ذكر بعض العلماء أنه كان يخفي برهميته بالاعتزال، وكتبه تدل على ذلك.(74)
وعبدك الصوفي ((ثيوصوفي)) والثيوصوفية معناها الحكماء الإلهيون، وعبد الله بن المقفع ((مجوسي)).
وهناك سوسن النصراني، ولبيد بن أعصم اليهودي وغيرهم(75)، وكان المسلمون ينفرون من الفكر الدخيل، فلما فتح المسلمون أرض فارس ووجدوا فيها كتباً كثيرة، كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يستأذن في شأنها، فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء فإن يكن ما فيها هدى، فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالاً فقد كفانا الله! فطرحوها في الماء أو في النار.(76)(1/24)
وعلى هذا ثبتت الطائفة المنصورة في كل العصور، ولكن المنهج التوفيقي الذي ابتليت به هذه الأمة عكر على هذا المنهج الحازم مواقفه وأفسد كثيراً، في حين أراد إصلاحاً وتوفيقاً.
هذا المنهج يرى إمكان الجمع بين الوحي والفلسفة، بين منهج القرآن ومنهج اليونان(77)، والخروج لموقف أو رأي وسط بينهما، فكثر التأويل وكثرت المخالفات للنصوص القطعية، حتى انحاز أصحاب هذا الاتجاه إلى جانب الفلسفة.(78)
لقد تحول هذا الفكر إلى إخراج العمل من مسمى الإيمان كما عرفنا، وأصبح الإنسان مؤمناً كامل الإيمان، ولو لم يركع لله ركعة، ولو لم يعمل في الإسلام خيراً، حتى أن كثيراً من الأشعرية والماتريدية صرحوا بنفي أن تكون شهادة أن لا إله إلا الله داخلة في الإيمان.
يقول أبو منصور البغدادي أحد أئمة الأشعرية:
((أما الإقرار وهو قول كلمة الشهادة، والعمل الذي هو فعل المأمورات وترك المنهيات، فليس من الإيمان ولا يكون تاركهما كافراً، فإن كان تاركاً للإقرار كان مؤمناً عند الله فحسب، وإن كان تاركاً للعمل كان مؤمناً عند الله وفي أحكام الدنيا أيضاً))(79).
ويقول سعد الدين التفتازاني ضمن كلام معقد طويل عن مسألة النطق بالشهادتين وحكمه: ((أن ها هنا مطلبين، الأول: أن الإقرار ليس جزءاً من الإيمان، والثاني: أنه (أي الإيمان) التصديق لا غير)). وهو ينقل عن شرح المواقف: ((أن السجود للصنم بالاختيار يدل بظاهره على أنه ليس بصدق، ونحن نحكم بالظاهر فلذلك حكمنا بعدم إيمانه، حتى علم أنه لم يسجد له على سبيل التعظيم، بل سجد له وقلبه مطمئن بالإيمان، لم يحكم بكفره فيما بينه وبين الله تعالى، وإن أجري عليه حكم الكافر في الظاهر))(80).(1/25)
ومن الكتاب المعاصرين من تحدث عن حكم النطق بالشهادتين على طريقة القوم فقال: ((أما من لم ينطق بالشهادتين بغير سبب من الأسباب ولكنه مصدق بقلبه، مطمئن إلى دين الله وأحكامه، فالقول الراجح أنه ناج عند الله، وإن كان لا يعامل معاملة المسلمين لعدم العلم بإيمانه، وعدم الدليل عليه، وهذا كله فيمن يريد الدخول في الإسلام، أما أولاد المؤمنين فهم مؤمنون وإن لم يحصل منهم النطق بالشهادتين إلا إذا ظهر منهم ما يتنافى مع الإيمان)).(81)
وهكذا يتفق قدماء القوم ومعاصروهم على هذا الأصل الخطير الذي سوف نوضح مخالفته التامة للحق في الفصول القادمة.
فإذا كانت الشهادتان وهما الركن الأول من أركان الإسلام قد أخرجهما هؤلاء المرجئة الضالون من حقيقة الإيمان، وجعلوهما شرطاً لإجراء أحكام الدنيا على المكلف فحسب، فما بال الأركان الأخرى والأعمال الفضلى التي أمر بها الإسلام؟!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ((ومن هنا يظهر خطأ قول جهم بن صفوان ومن اتبعه، حيث ظنوا أن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، ولم يجعلوا أعمال القلب من الإيمان، وظنوا أنه قد يكون الإنسان مؤمناً كامل الإيمان بقلبه، وهو مع هذا يسب الله ورسوله، ويعادي أولياء الله، ويوالي أعداء الله، ويقتل الأنبياء ويهدم المسجد، ويهين المصاحف، ويكرم الكفار غاية الكرامة، ويهين المؤمنين غاية الإهانة، قالوا: وهذه كلها معاصٍ لا تنافي الإيمان الذي في قلبه، وقالوا: إنما ثبت له في الدنيا أحكام الكفار، لأن هذه الأقوال أمارة على الكفر ليحكم بالظاهر كما يحكم بالإقرار والشهود...)).
إلى أن قال: ((وهذا القول مع أنه أفسد قول قيل في الإيمان فقد ذهب إليه كثير من أهل الكلام المرجئة، وقد كفر السلف كوكيع بن الجراح، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد وغيرهم من يقول بهذا القول)).
ويقول في موضع آخر:(82)(1/26)
((والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر، ولهذا صاروا يقدرون مسائل يمتنع وقوعها لعدم تحقيق الارتباط الذي بين البدن والقلب، مثل أن يقولوا: رجل في قلبه من الإيمان مثل ما في قلب أبي بكر وعمر، وهو لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ويزني بأمه وأخته ويشرب الخمر نهار رمضان، يقولون: هذا مؤمن تام الإيمان، فيبقى سائر المؤمنين ينكرون ذلك غاية الإنكار)).
هذا هو الفكر الإرجائي الذي أفرزته هذه الفرق المنحرفة وإن المسلم ليكاد يذهل مما كتبه المرجئة المتكلمون حول حقيقة الإيمان، وهذا ما نخر في جسم الأمة، وأودى بها إلى مهاوي الهلكة.
ولبيان فساد هذا المعتقد سوف أخصص الفصلين القادمين للرد على هذا الزيغ، فالإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
أما الفصل الرابع فسوف يخصص لبيان الارتباط الوثيق بين إيمان القلب وعمل الجوارح، وعن حقيقة الترابط بين أجزاء الإيمان على ضوء مذهب السلف، خلافاً لما أجمع عليه أهل الإرجاء من إخراج العمل عن مسمى الإيمان.
الفصل الثالث
الإيمان قول وعمل يزيد
بالطاعة وينقص بالمعصية
ويدل على ذلك:
1- حقيقة الجيل الأول الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم وواقع هذا الدين.
2- إجماع علماء السلف على أن الإيمان قول وعمل وعلى ضلال المرجئة.
3- الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة على اقتران العمل بالإيمان، وعلى فساد بدعة المرجئة في إخراج العمل من مسمى الإيمان.
الإيمان قول وعمل
يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية(1/27)
نريد أن نناقش في هذا الفصل بدعة المرجئة الذين يرون أن الأعمال خارجة عن الإيمان، وأن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ولا يتفاضل الناس فيه بل قالوا: ما هو أسوأ من ذلك، وهو أن ارتكاب جميع المحرمات، وترك جميع الطاعات، لا يذهب شيئاً من الإيمان، إذ لو ذهب منه شيء، لم يبق منه شيء، وهذا ما اتفقت عليه فرقهم كلها. (83)
وقد جعل المرجئة أن أعظم أركان الإسلام وهو الشهادتان، بمنزلة شهادة الشهود أو القرائن الظاهرة، التي قد يكون الواقع مخالفاً لها، حتى أنهم قالوا: إن من سبّ الله، أو قتل الرسول، يجوز أن يكون مؤمناً في الباطن، ولا يكون كافراً قط، إلا إذا انتفى العلم الباطن من قلبه... وما سوى ذلك لا نجزم بكفره، وإن أقمنا عليه أحكامه الظاهرة.
وينقض هذه الآراء الضالة:
1- حقيقة الجيل الأول وواقع هذا الدين.
2- إجماع علماء السلف على ضلال هذه المعتقدات.
3- الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة على فساد آراء المرجئة هذه.
1- حقيقة الجيل الأول وواقع هذا الدين:
كانت حقيقة الجيل الأول الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حقيقة حية للإيمان كما فهموه وتربوا عليه لقد كانت حياتهم حلقات قاسية من المعاناة والتربية بالأحداث والتجارب والفتنة والابتلاء.
كان الإيمان الراسخ في القلوب يحرك ذلك الجيل لأعمال ضخمة، فكانت التضحيات وكانت الغزوات والسرايا وكان الجهاد ينشر هذا الدين، كل ذلك يعتبر برهاناً ساطعاً على حقيقة دين الله تعالى، وحقيقة النفس التي يجب أن تؤمن به وتستقيم عليه، مع صراع مستمر لدحر الجاهلية بكل أشكالها.
((وقد استمرت سيرتهم امتداداً لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد بكل ضروبه، ففتحوا الآفاق والبلاد وفتحوا القلوب والعقول ونقلوا للناس هدى نبيهم حياً ماثلاً، فما انقضى عصرهم حتى أنفقت كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله...(1/28)
كانوا يعملون ذلك على أنه هو حقيقة الإسلام، وهو شعب الإيمان، وهو مفتاح الشهادتين... )).(84)
وخير من وضح هذه القضية من الدعاة المعاصرين الأستاذ سيد قطب رحمه الله إذ يقول: ((إن حقيقة العبادة لو كانت مجرد الشعائر التعبدية ما استحقت كل هذا الموكب من الرسل والرسالات، وما استحقت كل هذه الجهود المضنية التي بذلها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وما استحقت كل هذه العذابات والآلام التي تعرض لها الدعاة والمؤمنون على مدار الزمان، إنما الذي استحق كل هذا الثمن الباهظ هو إخراج البشر جملة من الدينونة للعباد وردهم إلى الدينونة لله وحده في كل أمر، وفي منهج حياتهم كله)).(85)
2- إجماع علماء السلف على خلاف هذه المعتقدات:
عندما اتسع الخلاف بين الفرق في موضوع الإيمان ظهرت الحاجة إلى قول فصل يعرف الناس به هذا المفهوم في الكتاب والسنة، فتواردت أقوال علماء الجماعة في جميع الأمصار على معنى موجز شاف مقتبس من الكتاب والسنة، وموافق للعقل والفطرة، ومترجم لواقع الجيل الأول وهو: ((أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص)).(86)
قال الإمام البخاري رحمه الله: ((لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص)).(87)
وقال الإمامان الجليلان أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان فيما رواه عنهما الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم قال:
((سألت أبي وأبازرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار - فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص)).
ثم ذكر عقيدة عظيمة أيضاً جاء فيها: ((وأهل الكبائر في مشيئة الله عز وجل، ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم، ونكل سرائرهم إلى الله عز وجل)).(88)(1/29)
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام، وله كتاب مصنف في الإيمان قال: هذه تسمية من كان يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص (وعدد العشرات من أئمة العلم في الأقطار) ثم قال: وهؤلاء جميعاً يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وهو قول أهل السنة المعمول به عندنا)).(89)
ويقول الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي:
((والمشهور عن السلف وأهل الحديث أن الإيمان قول وعمل وفيه وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان، وحكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين، ومن بعدهم ممن أدركهم وأنكر السلف على من أخرج الأعمال عن الإيمان إنكاراً شديداً، ومن هؤلاء سعيد بن جبير وقتادة والنخعي والزهري وغيرهم وقال الثوري: هو رأي محمد أدركنا الناس على غيره)).(90)
* وهنا شبهة لابد من إزالتها، وقد أثارها المرجئة على أن السلف أهملوا إيمان القلب.
والواقع أن المرجئة عندما ابتدعوا القول في أن الإيمان قول فقط، كذبهم السلف وردوا عليهم دعواهم قائلين: بل هو قول وعمل، من هنا نشأت العبارة، ذلك أن أعمال القلوب لم تكن موضع نزاع بين السلف وأصناف المرجئة المتقدمين إلا فرقة شاذة هي فرقة الجهم بن صفوان، ومن وافقه كالصالحي، وهي فرقة كفرها السلف بهذا وبمقالاتها الأخرى في الصفات والقدر.
وإنما أصبحت أعمال القلوب محل نزاع كبير بعد أن تبنى الأشاعرة مذهب جهم في الإيمان، وحصروه في عمل قلبي واحد هو التصديق ومال إليهم الماتريدية بعد ذلك.(91)
وقال أيضاً: ((إن من قال من السلف الإيمان قول وعمل أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح)).(92)
وقال ابن القيم: ((إن الإيمان قول وعمل: والقول قول القلب واللسان، والعمل عمل القلب والجوارح)).(93)
وسوف نفصل القول في العلاقة بين إيمان القلب وإيمان الجوارح في الفصل القادم إن شاء الله.
3- أما أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية:
فعليه أدلة كثيرة نذكر بعضها مما ينقض رأي المرجئة.(1/30)
فالمعصية لا تخرج من الإيمان ولكنها بالتأكيد تؤثر فيه قال صلى الله عليه وسلم : ((إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكره الله تعالى: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ } [المطففين: 14-16].(94)
وفي السخرية من مقولة المرجئة أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، قال وكيع: ((أترى إيمان الحجاج بن يوسف مثل إيمان أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟ )).(95)
بل ينتفي الإيمان تماماً إذا خالطه الشرك الأكبر.
هذا ((وإن ذل المعصية لابد أن يقوم بالقلب، فيورثه خوفاً من غير الله، وذلك شرك، ويورثه محبة لغير الله، واستعانة بغير الله في الأسباب التي توصله إلى غرضه، فيكون عمله لا بالله، ولا لله، وهذا حقيقة الشرك.
نعم قد يكون معه توحيد أبي جهل وعبّاد الأصنام، وهو توحيد الربوبية، وهو الاعتراف بأنه لا خالق إلا الله، ولو أنجى هذا التوحيد وحده لأنجى عبّاد الأصنام، والشأن في توحيد الألوهية هو الفارق بين المشركين والموحدين)).(96)
والواقع أن المعنى الذي يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور: التصديق بالقلب والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، قال تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال:2-4] فأخبر تعالى (أن المؤمن من كانت هذه صفته).(97)(1/31)
كيف لا يزيد الإيمان بالطاعة، وهو يتغير في نفس صاحبه خلال تلاوة القرآن، والذكر واتصال القلب بالله خلال العبادة خلافاً لغيرها من الأوقات.
عن حنظلة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوعظنا فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان، ولاعبت المرأة، قال: فخرجت فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر. فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: يا رسول الله! نافق حنظل. فقال: مَهْ؟ فحدثته بالحديث، فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل. فقال: يا حنظلة، ساعة وساعة، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر، لصافحتكم الملائكة، حتى تسلم عليكم في الطرق)).(98)
الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة:
الأدلة على اقتران العمل بالإيمان كثيرة:
قال تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [البقرة:143] أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة.
وقد استدل من السلف قديماً الإمام أبو بكر بن الحسين الآجري قال: إن الله عز وجل لم يثن على المؤمنين بأنه قد رضي عنهم، وأنهم قد رضوا عنه، وأثابهم على ذلك الدخول إلى الجنة والنجاة من النار إلا بالإيمان والعمل الصالح، وقرن مع الإيمان العمل الصالح، فلم يدخلهم الجنة بالإيمان وحده حتى ضم إليه العمل الصالح الذي قد وفقهم إليه، فصار الإيمان لا يتم لأحد حتى يكون مصدقاً بقلبه، وناطقاً بلسانه، وعاملاً بجوارحه.
وقال رحمه الله: قد تصفحت القرآن فوجدت فيه ما ذكرته في ستة وخمسين موضوعاً من كتاب الله عز وجل، أن الله تبارك وتعالى لم يدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده، بل أدخلهم الجنة برحمته إياهم، وبما وفقهم له من الإيمان به والعمل الصالح.
وهذا رد على من قال: ((الإيمان المعرفة)) وعلى من قال: ((المعرفة والقول وإن لم يعمل)).(1/32)
ثم شرع رحمه الله في سرد هذه المواضع ابتداءً من قوله تعالى في سورة البقرة: { وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } [البقرة:20] إلى قوله: { وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [العصر:1-3].
ومن ذلك قوله تعالى في سورة طه: { وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلا } [طه:75]، فإذا ضممنا إليها آية أخرى في السورة نفسها: { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً } [طه:112].
ومنها: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران:110].
ومنها قوله تعالى: { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } [النساء:147].
أما الصلاة والزكاة ففي قوله تعالى: { لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [المائدة:12].
فالإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، بل ما وقر في القلب وصدقه العمل، أنه لا أحد أحسن ديناً ممن أسلم أي انقاد وأطاع بلا حرج ولا منازعة، وهذه هي ملة إبراهيم التي لا يقبل الله ديناً غيرها، مهما كثرت الأماني والدعاوى.(99)
الأحاديث الدالة على فساد رأي المرجئة:
أما الأحاديث في ذلك فهي كثيرة وهذه أهمها:(100)
1- حديث جبريل عليه السلام وهو حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما وفيه:(1/33)
((يا محمد: أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال صدقت)).(101)
قال الإمام البغوي في شرح هذا الحديث: ((جعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الإسلام اسماً لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان أو التصديق بالقلب، ليس من الإسلام، بل ذلك تفصيل لجملة، هي كلها شيء واحد وجماعها الدين ولذلك قال: ((ذاك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم)).(102)
2- حديث شعب الإيمان:
عن أبي هريرة ? قال: قال صلى الله عليه وسلم : ((الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)).(103)
3- حديث وفد عبد القيس:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن وفد عبد القيس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من الوفد؟ أو من القوم؟ قالوا: ربيعة فقال: مرحباً بالقوم - أو بالوفد - غير خزايا ولا نادمين.
قالوا: إنا نأتيك من شقة بعيدة، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نخبر من وراءنا ندخل الجنة.
فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع:
أمرهم بالإيمان بالله عز وجل، قال: هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس من المغنم. ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت. قال شعبة ربما قال: النقير وربما قال المقيّر(104) قال: احفظوه وأخبروه من وراءكم)).(105)(1/34)
فهذا الحديث متقدم ولذلك لم يذكر فيه الحج، ولكن أهميته ظاهرة في أنه فسر الإيمان بالأركان الأربعة، فدل على أن الإيمان إذا انفرد عن الإسلام يشمل باطن الدين وظاهره، أي مجموع ما ذكر في حديث جبريل من أركان الإسلام وأركان الإيمان، وكذلك حديث الشعب فإن أركان الإسلام الخمسة داخلة في الشعب بدليل أنه جعل كلمة الشهادة أفضل الشعب وأعلاها.
ويرى الإمام أحمد في أكثر الروايات عنه، أن تارك أحد أركان الإسلام الأربعة - عدا الشهادتين - متعمداً كافر كتارك الركن الأول، وله من سلف الصحابة والتابعين في هذا الرأي.
ووجد الاستدلال بهذه الرواية أن حديث جبريل اشتمل على أركان العمل الظاهر ((الإسلام))، وأركان الاعتماد الباطن ((الإيمان))، وهو لتأخره قاض على كل ما سبق من أحاديث فيها إطلاق دخول الجنة لمجرد الشهادة أو نقص في عدد الأركان ونحو ذلك.
وقد صرح فيه بأنه إذا فعل الأركان الظاهرة فهو مسلم، وإذا فعل الأركان الباطنة فهو مؤمن، ومن هذين يتركب الدين وتتكون حقيقته.
وهذه الأعمال الظاهرة التي سماها إسلاماً في حديث جبريل، سماها إيماناً في حديث الشعب، وحديث وفد عبد القيس.
يقول أبو طالب المكي من كلام نفيس له حول هذا الموضوع:
((لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له... ومن كان ظاهره أعمال الإسلام، ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب، فهو منافق نفاقاً ينقل عن الملة، ومن عنده الإيمان بالغيب ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد... )).(106)
وقال ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان: ((وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها)).(1/35)
((ثم ذكر الروايات عن الإمام أحمد في ذلك وقال: قال الحكم بن عتيبة: ((من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمداً فقد كفر، ومن ترك الحج متعمداً فقد كفر، ومن ترك صوم رمضان متعمداً فقد كفر)).
وقال سعيد بن جبير كلاماً مثل هذا.
ويتبين مما سبق أن الأعمال الباطنة هي ((الإيمان)) الذي يشمل قول القلب وعمله، والأعمال الظاهرة هي الإسلام الذي يشمل قول اللسان وعمل الجوارح، وأصول الأجزاء الظاهرة من الإيمان هي أركان الإسلام الخمسة، وهذه الأركان ترجع في الأصل إلى ركن واحد هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والباقي حقوق لها وفروع منها.
فكل ما ورد من نصوص في أحكام المسلمين، أو أصحاب التوحيد أو أهل القبلة، وما أطلق من تعليق النجاة في الدنيا والآخرة، على الإقرار بالشهادتين، فالمقصود به هو هذا، أي من يشهد بها قائماً بحقوقها، فهو المسلم الموحد الذي يعد من أهل القبلة، وتجري عليه أحكامهم وحقوقهم في الدنيا والآخرة.(107)
وننقل أخيراً نقلاً مهماً عن الإمام سفيان بن عيينة، إذ روى عنه الإمام عبد الله ابن الإمام أحمد قال:
((حدثنا سويد بن سعيد الهروي قال: سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء فقال: يقولون الإيمان قول، ونحن نقول: الإيمان قول وعمل.
والمرجئون أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله، مصرًّا بقلبه على ترك الفرائض، وجعلوه ذنباً بمنزلة ركوب المحارم وليسا سواء.
لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر.
وبيان ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر.
وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود.
أما آدم فنهاه عن أكل الشجرة وحرمها عليه، فأكل منها متعمداً ليكون ملكاً، أو يكون من الخالدين فيسمى عاصياً من غير كفر، وأما إبليس فإنه فرض عليه سجدة واحدة فجحدها متعمداً فسمي كافراً.(1/36)
وأما علماء اليهود فعرفوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي رسول، كما يعرفون أبناءهم، وأقروا به باللسان، ولم يتبعوا شرائعه، فسماهم كفاراً.
فركوب المحارم مثل ذنب آدم وغيره من الأنبياء.
وتركها على معرفة من غير جحود فهو مثل كفر علماء اليهود(108) فهذا الكلام الموجز الواضح هو تفصيل لأنواع من الكفر، وبيان لمناط تكفير تارك الفرائض.
الفصل الرابع
العلاقة بين إيمان القلب وعمل الجوارح
1- حقيقة الترابط بين أجزاء الإيمان على ضوء مذهب السلف، قول القلب وعمله، وقول اللسان وعمل الجوارح يتركب منها حقيقة الإيمان الشرعي.
2- علاقة قول اللسان بقول القلب عمله. ((حقيقة لا إله إلا الله ومقتضياتها)).
3- إثبات عمل القلب وأهميته في الإيمان: نماذج من أعمال القلوب.
4- أثر عمل الجوارح في أعمال القلوب: بيان أثر المعاصي والطاعات على القلب.
العلاقة بين إيمان القلب وعمل الجوارح(109)
تعتبر العلاقة بين إيمان القلب وعمل الجوارح، من أهم قضايا الإيمان، وقد تسرب الضلال إلى صفوف المرجئة بسبب عدم فهم هذه العلاقة، بل كان ذلك سبباً في انحراف كثير من المسلمين، حيث ظنوا أن المرء قد يكون كامل الإيمان في القلب، دون عمل الجوارح مطلقاً، كما ظنوا أن تماثل الناس في أعمال الجوارح تقتضي تماثل إيمانهم وأجورهم عند الله. ولفهم هذه القضية:
1- لابد أن نعلم حقيقة الترابط بين أجزاء الإيمان على ضوء مذهب السلف:
فالقلب: يشمل إقرار القلب وتصديقه، وهو الإيمان المجمل، مع إقرار اللسان وتصديقه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله.
والعمل: يعني انقياد القلب وإذعانه، ويكون ذلك بتحقيق أعمال القلوب مع انقياد الجوارح وامتثالها بفعل الأوامر، وترك النواهي.
وهذان الركنان: القول والعمل، أو الأربعة أجزاء: قول القلب وعمله، وقول اللسان وعمل الجوارح، يتركب منها حقيقة الإيمان الشرعي.(1/37)
على أن هذه الأجزاء تتكون تفصيلاً من بضع وسبعين شعبة، وكل شعبة فيها قابلة للتفاوت بين أعلى درجات الكمال، وأدنى درجات النقص أو الاضمحلال والعدم، وبهذا نفهم اندراج كل الأعمال فرضاً كانت أو نفلاً في مسمى الإيمان المطلق، ومن أظهر الأدلة على هذا الامتزاج أنه قد وردت النصوص بتسمية الإيمان عملاً، وتسمية العمل إيماناً.(110)
فأما تسمية الأعمال إيماناً: فنصوصه كثيرة جداً، حتى أن الإمام البخاري رحمه الله، عقد في كتاب الإيمان من الصحيح تراجم كثيرة لذلك مثل: (باب الجهاد من الإيمان)، (باب الصلاة من الإيمان)، ونحو ذلك، وأورد في ذلك الأحاديث الصحيحة التي شاركه في إخراجها كتب السنة الأخرى.
وأما تسمية الإيمان عملاً: فقد عقد له أيضاً. مثل (باب من قال إن الإيمان هو العمل لقوله تعالى: { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الزخرف:72]. ثم روى بسنده عن أبي هريرة ? أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ((أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور)).(111)
وقد قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: ((كان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان، والإيمان من العمل)).(112)
ولتوضيح ذلك نورد مثالين: أحدهما من أعمال الجوارح، والآخر من أعمال القلوب، وهما الصلاة والحياء.
فالصلاة: وهي من أعمال الجوارح، قد ورد تسميتها إيماناً في القرآن. قال تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [البقرة:143] أي صلاتكم إلى بيت المقدس.(113)
والحياء: عمل قلبي، وقد صح تسميته إيماناً في حديث الشُّعَب وغيره، ومع ذلك فلا يمكن تصور وجوده في القلب إلا بظهور أثره على اللسان والجوارح، وبمقدار حياء الجوارح يقاس حياء القلب.(1/38)
ثم يأتي بعد ذلك مسألة التفاوت في الصلاة، والتفاوت في الحياء، فصلاة يقترن بها الخشوع وحضور القلب، وحسن الأداء، لا تكون كأخرى منقورة نقر الغراب.
وكذلك حياء مقرون به زيادة التقوى، وحسن السمت، وورع اللسان، لا يكون كحياء رجل ليس لديه إلا ما يمسكه عمّا يفعله أو يقوله من لا حياء له.(114)
ولقد وصل الشذوذ بالمرجئة الغالية إلى حد القول بأن قول لا إله إلا الله باللسان ليس شرطاً في الإيمان - عندهم - بل قالوا: يكفي حصول الإيمان في القلب لنجاة صاحبه عند الله، وأما أحكام الدنيا فقد جعلت الشهادتان أمارة على ما في القلب، وبها نحكم على قائلها بالإيمان، وجعلوا هذا هو الغاية من الشهادتين، وليس لديهم من شبهة إلا أن الإيمان محله كله القلب، وأنه ما يظهر على الجوارح فهو مجرد إمارات وثمرات.(115)
2- علاقة قول اللسان بقول القلب وعمله:
يعتقد المرجئة أن قول لا إله إلا الله، إنما هو إخبار عما في القلب من تصديق - إذ لا يثبتون من أعمال القلوب سوى التصديق فمتى تلفظ الإنسان بها فقد أصبح عندهم مؤمناً باطناً وظاهراً، بخلاف ما لو امتنع عن قولها، فإنه (عندهم) يعتبر كافراً مع جواز كونه مؤمناً باطناً، وكذلك متى ارتكب فعلاً مكفراً، قالوا: يكفر ظاهراً. (116)
أما من ورد الوحي بنفي الإيمان عنه، لارتكابه فعلاً مكفراً (كإبليس)، أو امتناعه عن الشهادتين (كاليهود) فقالوا: هذا ليس في قلبه تصديق أصلاً، وفي هذا من المغالطات ما لا يخفى.
والمراد هنا أن نبين غلط المرجئة في هذه القضية، وهي اعتبار قول لا إله إلا الله: إخبار مجرد، ويتجاهلون أنه قد حصل الإخبار المجرد هذا من بعض أحبار اليهود، ومن بعض كفار قريش، حيث ثبت إقرارهم برسالة النبي صلى الله عليه وسلم إخباراً عما في نفوسهم من اعتقاد صدقه في كل ما يقول، ولم يثبت لهم ذلك إسلاماً قط.
قال شيخ الإسلام في معرض رده على المرجئة: (117)(1/39)
((وأيضاً فقد جاء نفر من اليهود إلى النبي فقالوا: نشهد أنك رسول، ولم يكونوا مسلمين بذلك لأنهم قالوا ذلك على سبيل الإخبار عما في نفوسهم أن نعلم ونجزم أنك رسول الله. قال: فلمَ لا تتبعوني؟ قالوا: نخاف من اليهود، فعُلم أن مجرد العلم والإخبار عنه (أي عن العلم) ليس بإيمان، حتى يتكلم بالإيمان على وجه الإنشاء المتضمن للالتزام والانقياد، مع تضمن ذلك الإخبار عما في أنفسهم)). وقال أيضاً: ((وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين، فهو كافر)). (118)
((وأن من صدق بقلبه، ولم يتكلم بلسانه، فإنه لا يعلق به شيء من أحكام الإيمان، لا في الدنيا ولا في الآخرة... فعدم الشهادتين مع القدرة، مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام)). (119)
ومن هنا يتبين لنا أن قول لا إله إلا الله هو إنشاء للالتزام بقول القلب وعمله وتحقيقهما... وكذلك كان أجهل الناس بالتوحيد من يظن أن المطلوب بقول لا إله إلا الله هو التلفظ بها باللسان فقط.
والحقيقة أن أعمال الإنسان الظاهرة على اللسان أو الجوارح، لابد أن تكون تعبيراً عما في القلب وتحقيقاً له، ومظهراً لإرادته، وإلا كان صاحبه منافقاً النفاق الشرعي أو العرفي... ولذلك يتفاوت قائلو هذه الكلمة تفاوتاً عظيماً بحسب تفاوت ما في قلوبهم من التوحيد. (120)
فكل المسلمين يقولون: لا إله إلا الله، ولكن التفاوت بينهم كبير، حسب ما في قلوبهم.
يقول ابن القيم رحمه الله: ((اعلم أن أشعة لا إله إلا الله تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه، فلها نور، وتفاوت أهلها في ذلك النور - قوة وضعفاً - لا يحصيه إلا الله تعالى... ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم، على هذا المقدار، بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة، علماً وعملاً ومعرفة وحالاً... )) (121)(1/40)
وليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله، وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان عبّاد الأصنام مقرّين بذلك وهم مشركون، بل إن التوحيد يتضمن - من محبة الله والخضوع له، والذل له، وكمال الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له.. بجميع الأقوال والأعمال - بما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها، ومن عرف هذا عرف قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)).
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا يدخل النار من قال لا إله إلا الله)).
وما جاء في هذا الضرب من الأحاديث التي أشكلت على كثير من الناس، وأوقعتهم في تأويلات مستكرهة بعيداً عن تحقيق مدلولها، وإلا فإن المنافقين يقولون: ((لا إله إلا الله)) بألسنتهم وهم في الدرك الأسفل من النار تحت الجاحدين لها، فلابد من قول القلب وقول اللسان.
فمن قالها بلسانه غافلاً عن معناها، معرضاً عن تدبرها، ولم يواطئ قلبه لسانه، ولا عرف قدرها وحقيقتها، راجياً مع ذلك ثوابها حطت من خطاياه بحسب ما في قلبه، فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض، والرجلان يكون مقامهما في الصف واحداً وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض. (122)
والقلب ليس ملك الأعضاء فحسب بل هو مصدر توجيهها، وأساس خيرها أو شرها قال صلى الله عليه وسلم : ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)). ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام أحمد في مسنده: ((الإسلام علانية والإيمان في القلب، وأشار إلى صدره ثلاث مرات قائلاً: التقوى ها هنا، التقوى ها هنا)).(123)(1/41)
فهذه النصوص تدل على أن القلب هو الأصل وأن إيمانه هو جزء الإيمان الأساسي الذي يقوم عليه الجزء الظاهر ويتفرع منه، ومن هنا لم يسمّ المنافق مؤمناً قط، وإن كثر عمل جوارحه بالجهاد والصلاة.
ومن أفسد الأصول التي بناها المرجئة على هذا الاعتقاد - أي انحصار الإيمان في التصديق القلبي وحده - أنهم حصروا الكفر في التكذيب القلبي أيضاً، حتى أنهم لم يعتبروا الأعمال الكفرية الصريحة كالسجود للصنم، وإهانة المصاحف وسب الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلا دلالات على انتفاء التصديق القلبي وليست مكفرة بذاتها. (124)
وكان لهذه العقيدة آثار عميقة المدى على الأمة، بل هي في عصرنا هذا أساس الضلال، والتخبط الواقع في مسألة التكفير ومنها نشأ التوسع في استخدام (شرط الاستحلال) حتى اشترطوه في أعمال الكفر الصريحة، كإهانة المصحف، وسب الرسول، وإلغاء شريعة الله، فقالوا: لا يكفر فاعلها إلا إذا كان مستحلاً بقلبه!!
واشترط بعضهم مساءلة المرتد قبل الحكم عليه، فإن أقرّ أنه يعتقد أنّ فعله كُفْرٌ كُفِّرَ، وإن قال إنه مصدق بقلبه، ويعتقد أن الإسلام أفضل مما هو عليه من الردة فلم يكفّروه.
فأصل القضية كلها هو عدم إدراك العلاقة بين عمل القلب وعمل الجوارح.(125)
3- إثبات عمل القلب:(126)
لقد أنكر المرجئة دخول أعمال القلب في الإيمان - ما عدا التصديق القلبي - رغم ورود آيات كثيرة تبين أعمال القلب وأهميتها في الإيمان، وحسبنا أن نورد هنا ما يتجلى به صحة مذهب أهل السنة والجماعة، وبيان شذوذ فكر المرجئة، الذي لم يكن مصدره في التلقي الكتاب والسنة.
وسوف نستعرض فيما يأتي بعض أعمال القلب مقرونة بما يدل عليها من الآيات القرآنية، فمنها ما هو في حق المؤمنين ومنها ما جاء في حق الكفار دالاً على أمور سوى التكذيب - الذي لم يقر المرجئة بغيره - ومن ذلك:(1/42)
الوجل: قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [الأنفال:2].
والإخبات: قال تعالى: { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } [الحج:54].
والإنابة:قال تعالى: { مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ } [ق:33].
والطمأنينة: قال تعالى: { أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد:28].
ومن ذلك التقوى والانشراح والسكينة، واللين والخشوع والهداية والتدبر { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد:24].
والرضا والتسليم: قال تعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [النساء:65].
ومما ورد مسنداً إلى القلب غير المؤمن:
الإنكار:{ لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } [النحل:22].
والكبر: { إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } [غافر:56].
ومن ذلك الاشمئزاز والريب والزيغ: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف:5].
والعمى : { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [الحج:46].
ومثلها الران والعداوة للحق وأهله.
وهنالك آيات كثيرة في أعمال القلوب، مما يشير إلى الخوف والرجاء والتوكل والاستعانة والرضا، وإن لم يذكر فيها لفظها.
ورغم هذا الوضوح في أعمال القلوب فقد ضل فيها ثلاث طوائف خلال امتداد ظاهرة الإرجاء الزمني. من هؤلاء:
الطوائف الضالة في أعمال القلوب:
المتكلمون:(1/43)
وهؤلاء أهملوا أعمال القلوب كلية جاعلين الإيمان قضية عقلية بحتة، ولم يثبتوا من أعمال القلب سوى التصديق الخبري الذي هو في الحقيقة أشبه بالعمل الذهني الخالص - وإن نسبوه للقلب - وأصل هذا المذهب هو ذلك المبتدع الضال (الجهم بن صفوان).
ومن المؤسف أن أكثرية متكلمي الأمة، اعتنقوا هذا المذهب مع اتفاق أئمة السلف المعاصرين لنشأته على تكفير جهم وأصحابه، واعتبار الجهمية فرقة خارجة عن فرق أهل القبلة الثلاث والسبعين. (127)
أما غلاة المتصوفة:
فقد كان ضلالهم في أعمال القلوب من نوع آخر، إذ أن القوم مع اهتمامهم الشديد بها، وتسميتها أحوالاً ومقامات، ورغم تفصيل دقائقها فإن الابتداع أوقعهم في تناقضات أخرجت طائفة منهم عن الدين كله.
فمن ذلك ضلالهم في (الرضا) الجامع للانقياد والقبول، فقد خرجوا فيه عما كان عليه السلف إلى معنى فلسفي وثني، هو الرضا المطلق بكل ما في الوجود، لأنه من إرادة الله وقدره، حتى اعتقدوا وجوب الرضا بالكفر والفسوق والعصيان، ووقعوا في الجبر المحض تحت ستار ما أسموه ((شهود الحقيقة الكونية، والاستبصار بسر الله في القدر))!!
واحتقروا الرجاء واعتبروه أضعف مقامات المريدين، وغلوا في المحبة حتى أسقطوا ما يقابلها من الخوف، وجعلوا همهم - بزعمهم - عبادة الله لذاته، لا طمعاً في جنته، ولا خوفاً من ناره، وجعلوا ذروة المحبة ((الفناء في المحبوب)) ولهذا قال فيهم السلف: ((من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق))، وأفضى بهم هذا إلى اعتقاد الحلول والوحدة عياذاً بالله.(128)(1/44)
وضل المتصوفة في التوكل فجعلوه سلبية مطلقة وتواكلاً رخيصاً، وتركاً للأسباب المشروعة، فضلاً عن أنهم غفلوا عن أعظم درجات التوكل، وهي التوكل على الله في إقامة دينه والجهاد في سبيله، ومقاومة الكفر والفساد، وضلوا في الزهد فأخرجوه من عمل قلبي إيجابي إلى مظهر سلبي، حتى حرموا به طلب العلم لأن ذلك بزعمهم يؤدي إلى تقدير الناس للعالم، وهذا ينافي الزهد عندهم. (129)
وبالجملة فلا تكاد تجد شرطاً من شروط لا إله إلا الله ولا عملاً من أعمال القلوب إلا ولهم فيه ضلال وانحراف، مما كان له أثره العميق في انتشار ظاهرة الإرجاء. (130)
المرجئة الفقهاء:
إن هؤلاء يثبتون أعمال القلب كما يثبتها أهل السنة والجماعة، لكنهم يجعلونها شيئاً آخر سوى الإيمان، كما يخرجون منه أعمال الجوارح، فإذا سئلوا عن علاقتها بالإيمان قالوا: هي من لوازمه أو ثمراته.
ومن العلماء من يرى أن الخلاف بين المرجئة الفقهاء، وبين السلف لفظي فقط، اعتماداً على كلام شارح الطحاوية وبعض مواضع من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية. (131)
أما المرجئة المعاصرون:
فقد وقعوا في كثير مما وقعت فيه الطوائف السابقة، مما كان له آثار مدمرة في حياة الأمة. (132)
نماذج من أعمال القلوب: (133)
سنذكر في هذه الفقرة نماذج من أعمال القلوب لبعض ما أنكره المرجئة في بدعتهم، ومن تلك النماذج: الرضا والمحبة، واليقين والصدق والإخلاص.
فالرضا:
كلمة تجمع بين شرطين من الشروط التي ذكرها بعض العلماء لشهادة (أن لا إله إلا الله)، وهما القبول والانقياد، بل يعتبر الرضا أعلى منهما وأشمل.
فالرضا بالدين هو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان، فيجب على العبد أن يكون راضياً به بلا حرج ولا منازعة، ولا معارضة. { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [النساء:65].(1/45)
وقال صلى الله عليه وسلم : ((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً)).
إلا أن بعض التائهين: منهم من يحكم الذوق والوجد لينتكس إلى حضيض الخرافة والوهم كالمتصوفة.
ومنهم من حكم العقل والأقيسة المنطقية فنقل فلسفات الوثنيين، وحثالة فكر التائهين، وهؤلاء هم أصحاب الكلام.
ومنهم من حكم الأقيسة العقلية والأعراف السياسية بحجة تحقيق المصلحة الشرعية ومراعاة الأصول الكلية وهم فقهاء الرأي وعلماء السلاطين من جهة، وحكام عصور الانحراف من جهة أخرى، إذ أحلوا من الدماء والأموال والفروج ما ورد النص الصريح بتحريمه.
وكان ذلك ممهداً لما وقعت فيه الأمة في العصر الحديث من الشرك الأكبر بتحكيم القوانين الوضعية، وإحلالها محل الشريعة الإسلامية، بل وصل الأمر بكثير منهم إلى الكراهية الصريحة لكثير مما أنزل الله وخاصة في قضايا الجهاد والحجاب والموالاة السياسية. (134)
والمحبة:
تتفاوت درجات الإيمان عند المؤمنين أنفسهم، وذلك بحسب المحبة والرضا.
فكم بين إسلام أبي ذر ? الذي تحمل المشاق حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أسلم، أعلن إسلامه بين ظهراني الكفار مستعذباً ضربهم وأذاهم يوماً بعد يوم، وبين إسلام الأعرابي الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له: ((أسلم، فقال: أجدني كارهاً، فقال: أسلم وإن كنت كارهاً)). (135)
بل كم بين إسلام سلمان الفارسي ? الذي قضى السنين الطوال بحثاً عن الدين الحق... وعندما بلغه خبر رسول الله وهو على النخلة كاد أن يسقط فرحاً وشوقاً)).(136) وبين إسلام المؤلفة قلوبهم من جفاة الأعراب الذين دخلوا في الإسلام بذل ذليل؟!
ومن هنا كانت المحبة أصل أعمال القلب وشرطاً من شروط لا إله إلا الله، لأن الإسلام هو الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)). (رواه البخاري ومسلم).(1/46)
وقال صلى الله عليه وسلم : ((ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء، لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار)). (137)
على أن محبة الله ورسوله ليست دعوى يمكن أن تلوكها ألسنة الزنادقة، أو المبتدعين ولا شعاراً يرفعه المنافقون، بل هي تحقيق لتوحيد الله وطاعته باتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، بتحريم المحرمات كشرب الخمر، وارتكاب الفواحش، بأمر شرعي قطعي، ليس اتباعاً لقوانين وضعية تسنها البرلمانات، أو تبت فيها!!(138)
((ورحم الله الشيخ محمد بن إبراهيم حين قال في تحكيم القوانين الوضعية في المحاكم، إنها نوع من أنواع الحكم بغير ما أنزل الله، وهي تخرج صاحبها عن الملة، وتناقض الشهادتين)). (139)
ولا يمكن أن يعتبر الكارهون للجهاد أنهم محبون لله ورسوله ولا أولياء له ولرسوله.
اليقين:
يعتبر شرطاً من شروط الشهادتين، والإيمان المجمل ((قول القلب واعتقاده)) لا يتحقق إلا به، فمن شك في الله أو في رسوله وما جاء به عن الله، فهو كافر، لا شهادة له ولا إيمان. جاء في الحديث الشريف: ((من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه، لم يدخل النار)) أو ((دخل الجنة)). وقال مرة: ((دخل الجنة ولم تمسسه النار)). (140)
واليقين لب الإيمان وخلاصته وزبدته، كما قال عبد الله بن مسعود ?: ((اليقين الإيمان كله)).
وفي المسند: ((أفضل الأعمال عند الله، إيمان لا شك فيه، وغزو لا غلول فيه، وحج مبرور)).(141)
والصدق والإخلاص:
عملان قلبيان، من أعظم أعمال القلوب، وأهم أصول الإيمان.
وهناك أعمال أخرى كثيرة لا تقل أهمية عن هذه مثل: التوكل والصبر والتوبة والخوف والرجاء.(142)
4- أثر عمل الجوارح في أعمال القلوب:
حتى تكتمل الصورة لدينا، لابد من بيان أثر أعمال الجوارح في عمل القلوب، وبذلك تكتمل صورة التأثير المتبادل.(1/47)
ولنبدأ ببيان أثر المعاصي على القلب، ثم نتبعه بأثر الطاعات في أعمال القلب.
أثر المعاصي على القلب:
وهي كثيرة جداً وقد فصل ابن القيم كثيراً منها في كتابه: ((الجواب الكافي)). وها أنا أقتبس بعضها موجزاً ومن أبرزها:
1- حرمان العلم النافع، فإن هذا العلم نور يقذفه في القلب، إلا أن المعصية تطفئه، ولهذا كان السلف يرشدون تلاميذهم إلى ترك المعاصي.
2- الوحشة بين العبد وربه، وهي وحشة لو اجتمعت لصاحبها ملذات الدنيا كلها فإنها لن تذهبها، ومن علاماتها، الوحشة بين هذا الإنسان وبين أهل التقوى والإيمان.
3- الظلمة التي يجدها العاصي في قلبه، فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرة العاصي، حتى توقعه في البدع والضلالات.
4- وهن القلب: فلا تزال المعاصي توهنه حتى تزيل حياته كلية، ويظهر أثر هذا الوهن على البدن عادة.
5- إن العبد كلما عصى ربه خفت عليه المعصية حتى يعتادها، فيموت إنكار قلبه لها، ويفقد عمل القلب تماماً، حتى يصبح من المجاهرين بها، المفاخرين بارتكابها.
روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود ? قال: ((إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال به هكذا فطار)).
6- الذل: فالمعصية تورث الذل ولابد، والعز كل العز في طاعة الله تعالى وكان من دعاء بعض السلف: ((اللهم أعزني بطاعتك، ولا تذلني بمعصيتك)).(143)
* ومن ذلك الصدى والران والطبع، والقفل والختم، وذلك أن القلب يصدأ من المعصية فإذا زادت غلب عليه الصدى حتى يصير راناً { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين:14]، ثم يغلب حتى يصير طبعاً وقفلاً وختماً، فيصير القلب في غشاوة وغلب، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة، انتكس فصار أعلاه أسفله، وحينئذ يتولاه عدوه، ويسوقه حيث أراد. وبمثل هذا اتخذ الشيطان من البشر دعاة وجنوداً.(1/48)
* ومن ذلك إطفاء الغيرة من القلب، وهي الغيرة على محارم الله أن تنتهك، وعلى دينه أن يضعف، أو يضيع، وعلى إخوانه المسلمين أن يهانوا، أو يبادوا، بل على أهله ونفسه أن يقعوا في المعصية والهلاك، فالمعاصي تضعف هذه الغيرة حتى تذهبها وتزيلها، ولهذا تجد المدمنين على المعاصي لا يبالون بما حل بالإسلام وأهله من كوارث ومحن، وإنما جل همهم يتمثل في اتباع الشهوات وإضاعة الأوقات، بل إنهم يفقدون الغيرة الخاصة، وهي الغيرة على العرض، حتى تصير دياثة فيهم، وطبعاً وسجية.
* ومن ذلك ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب...
* ومنها نكد القلب وقلقه وضنكه: وهذا يلازم المعصية ملازمة الظل لأصله. كما قال تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [طه:124].
فهذه بعض آثار معاصي الجوارح على القلب وعمله، فهي تذهب يقينه وإخلاصه، وتوكله ومحبته.(144)
أما أثر الطاعات في أعمال القلب:
فذلك ما ينوء بالمجلدات الكبار، حيث أن هذه الطاعات هي مادة حياة القلب وقوته وعزيمته، والجوارح هي منافذه وثغوره وهل نجهل ما تورثه الصلاة من رضا وطمأنينة وخشوع وإنابة؟!
أو ما يورثه الصوم من يقين وتوكل وإخلاص؟!
أو ما يورثه الجهاد من محبة واستسلام؟!...
وإن هذه الطاعات تورث القلب شجاعة وثباتاً وقوة، وأنها تسدد على الشيطان مداخله إلى القلب... وتفرغ القلب للكفر في مصالحه والاشتغال بها.(145)
وأخيراً فهذا ما أردنا إيجازه حول بدعة الإرجاء وبيان مفاسدها.
وسوف نخصص الفصل الخامس لبيان الآثار المدمرة (لهذا الفكر) على الأمة في العصر الحاضر.
الفصل الخامس
آثار الفكر الإرجائي على المجتمعات المعاصرة
1- اضطراب مفهوم لا إله إلا الله، وضمور مقتضيات هذا المفهوم.
2- نتائج إهمال المرجئة لأعمال القلوب.
- انحسار مفهوم العبادة أو تركها.
- انتقاص توحيد الألوهية وتفشي مظاهر الشرك.(1/49)
- تفاقم الفسق والفجور.
3- تجرؤ الملاحدة والعلمانيين على دين الله سخرية واستهزاء.
- كثرة المنظمات الملحدة.
- الاستهانة بالمقدسات الدينية.
4- الاستهانة بقضية تحكيم شرع الله، وتأويلات المرجئة وضلالاتهم الفاسدة.
5- شيوع ضلالات المرجئة على يد المستشرقين ومقلديهم من أبناء هذه الأمة.
آثار الإرجاء على المجتمعات المعاصرة
عندما أخرج المرجئة العمل من مسمى الإيمان، واكتفوا بمسمى الإيمان وأنه مجرد تصديق القلب، وأرجؤوا ما يرتكب من فواحش وانحرافات إلى الله، شجعوا على التفلت من التكاليف الشرعية - ولو عن غير قصد منهم ابتداء - وجاء زمن زعم فيه المرجئة أن ((من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن، ولو لم يعمل عملاً واحداً من أعمال الإسلام)).
ومن الغريب أن هذا الفكر المريض، جعل الأمة - في عصرنا - تتبنى الإرجاء عقيدة ومنهجاً، وصارت تعد مخالفه خارجاً مارقاً من الإسلام، وأضحت تضبط دينها وأحكام إيمانها بأصول فكر الإرجاء وقواعده.
لقد تحول معنى أركان الإسلام، إلى اعتقاد وجودها، والإقرار بها، وإن لم يعمل المرء منها شيئاً.
لكن كيف يستقيم ذلك مع تعاليم هذا الدين، وآيات كتاب الله؟ تلك التي تحض على العمل بمقتضى الاعتقاد الصحيح؟!
إن ذلك مهزلة، ولكنها حظيت بتأييد كثير من العلماء المعاصرين مع الأسف.
لقد ربّت هذا الفكر على التسيب والانحراف داخل المجتمعات الإسلامية، وأوجد له الفتاوى العريضة.
فشجع على الفسق والفجور، والتهاون في شأن العبادات، مادام يحكم لهؤلاء بالإيمان، فهم يقرون بقلوبهم أنهم مؤمنون.
وسوف نستعرض في هذا الفصل أبرز الانحرافات التي شاعت في الأمة، بين المجتمعات الحديثة ومن أبرزها:
1- اضطراب مفهوم لا إله إلا الله على يد المرجئة:(1/50)
لقد اضطرب مفهوم لا إله إلا الله، وصار عند كثير من المسلمين لا يعني أكثر من لفظ مجرد باللسان، ويتناسى هؤلاء أن الشهادة ليست كلمة تقال، وإنما هي مفتاح هذا الدين، ولها مقتضياتها أو إن الشهادة تعني أنه لا معبود إلا الله، ولا طاعة إلا له، وإلا فهي عبادة الشيطان.
فلا تعبد إلا الله في عقيدة القلب، ولا تعبد إلا الله في شعائر التعبد، ولا تعبد إلا الله في التشريعات، والتنظيمات التي تنظم علاقة البشر بعضهم ببعض... فهذا هو المعنى الحقيقي للشهادة، والذي كان القرآن في العهد المكي كله يتنزل لترسيخه في القلب، واستمر الجهد في العهد المدني ليعلم الناس أن هنالك إلهاً يجب أن يعبد كما أمر سبحانه)).(146)
إلا أن الفكر الإرجائي جاء في العصر الأخير ليطمئن الغافلين على أنهم مؤمنون، مادامت قلوبهم قد استقر فيها الإيمان!
جاء في هذا العصر من يدعي أن من قال ((لا إله إلا الله فهو مؤمن، ولو لم يعمل عملاً واحداً من أعمال الإسلام)).
لقد كان الإرجاء عقبة شديدة في وجه الدعوة السلفية، ومن أشد المصاعب التي واجهت دعوة ابن تيمية وابن عبد الوهاب رحمهما الله. إذ التجأ الخرافيون والمبتدعة إلى اتهام علماء التجديد بأنهم يكفرون الناس، فكان سيف الإرجاء من أمضى الأسلحة لتحريش غوغاء العامة.(147)
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - بعد أن تحدث عن عظم شأن كلمة لا إله إلا الله: ((أين هذا الواقع من أهل هذا الزمان، جعلوا المتلفظ بها عادة وهذياناً.. فهي عندهم الإسلام والإيمان، مع ما هدموه من التوحيد الذي هو حق لله، وأكبوا وأقبلوا على عبادة المشاهد والأوثان، وضيقوا الفرائض وسائر الأركان، وزين لهم ما ارتكبوه من التبدع والتنطع والعصيان إلا أنهم يقولون: لا إله إلا الله. فما أحسن ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله: ((لا إله إلا الله سماها الله كلمة التقوى، فجعلوها كلمة الفجور)).(148)(1/51)
فالمرجئة القدامى لم يتطرقوا إلى إسقاط الصلاة أو التحاكم إلى شريعة الله، كما أسقطها المرجئة المحدثون...
المرجئة المعاصرون تجاوزوا أسلافهم كثيراً، ذلك لأنهم ولدوا في مجتمع لا يحكم بشريعة الله... وفي مجتمع لا تؤدى فيه الصلاة ولا غيرها من العبادات ثم تناولوا الجرعة المسمومة من أسلافهم، ومدوا فكرهم حتى شملوا به كل شيء من مقتضيات لا إله إلا الله فقالوا: ((من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن ولو لم يعمل عملاً واحداً من أعمال الإسلام، فتجاوزوا بذلك الحاجزين الأخيرين اللذين كان المرجئة القدامى قد وقفوا عندهما: حاجز الصلاة، وحاجز الشريعة، فوصفوا المجتمعات التي لا تحكم بما أنزل الله؛ بأنها مجتمعات إسلامية، وصنفوا الناس كل الناس بأنهم مسلمون ماداموا يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله! معتمدين على الحديث: ((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)) متناسين أن هذا الحديث قد خصص بأحاديث أخرى، قد اشترط الرسول صلى الله عليه وسلم فيها البراءة من الشرك. قال صلى الله عليه وسلم : ((من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة)) (أخرجه مسلم).(149)
وقال ابن تيمية رحمه الله عندما سئل عن رجل قال: ((أنا لو فعلت كل ما يليق وقلت لا إله إلا الله، دخلت الجنة ولم أدخل النار)).
أجاب رحمه الله: ((الحمد لله رب العالمين. من اعتقد أنه لمجرد تلفظ الإنسان بهذه الكلمة يدخل الجنة ولا يدخل النار بحال، فهو ضال مخالف للكتاب والسنة وإجماع المؤمنين.
فإنه قد تلفظ بها المنافقون الذين هم في الدرك الأسفل من النار وهم كثيرون بل إن المنافقين قد يصومون ويصلون ويتصدقون ولكن لا تقبل منهم.. )).
ثم قال رحمه الله: ((ولكن إن قال لا إله إلا الله خالصاً صادقاً من قلبه، ومات على ذلك لا يخلد في النار... إذ لا يخلد في النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، كما صحت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم )).(150)(1/52)
وبذلك يتبين أن ضمور مفهوم لا إله إلا الله عند المرجئة سبب هذا الانحراف، وأدى إلى التسيب الموجود حالياً عند كثير من المسلمين، ناهيك عن تبني بعض الإسلاميين لهذا الفكر المريض.
لقد تميعت المواقف حتى عند بعض الدعاة، مما أدى إلى الاضطراب والانتكاس مع أعداء الدعوة الإسلامية.
وفي ضوء الفكر الإرجائي نستطيع أن نفسر كثيراً من الانحرافات التي اشتدت وطأتها في هذا القرن، وعلى رأسها انتشار مظاهر الشرك كلها.
2- لقد ترتب على إهمال المرجئة لأعمال القلوب من الآثار المدمرة في حياة الأمة الشيء الكثير.
ومن أعظم ذلك انحسار مفهوم العبادة وتضييقه، وانتقاص توحيد الألوهية، ووقوع الأمة في الشرك الأكبر، حتى أصبح المرجئة في عصرنا الحاضر يجاهرون بإنكار دخول الأعمال في العبادة والتأله.
فقالوا: إن الرجاء والمحبة والرضا والانقياد والطاعة ونحوها من تعبدات القلب، بل الدعاء والاستغاثة بالمخلوقين لا علاقة لها بالشرك، ولا يسمى فاعلها - لغير الله - مشركاً ما دام يقول: لا إله إلا الله، ويعتقد بقلبه صدق الرسول فيما جاء به!!
وينحصر الشرك بزعمهم في اعتقاد القلب أن هذا المخلوق إله أو رب معبود.. أما إذا عمل أعمال الكفر، كالتشريع من دون الله مع اعتقاده أن ذلك لا يخرجه من الملة فليس بكافر.
وقد وصل بهم التمادي إلى إخراج شعائر التقرب والتنسك كالنذر والتوسل والذبح والتعظيم من مسمى العبادة، بل صرحوا بأن السجود للصنم ليس بكفر لذاته.(151)(1/53)
ومن هنا فقد تفاقم الفسق والفجور بعد ذلك، بل لقد تفشت مظاهر الشرك في مجتمعاتنا المعاصرة، وظهر شرك العصر المعروف وهو شرك الاتباع والتشريع بغير ما أنزل الله، فألغيت المحاكم الشرعية في أكثر البلدان، ومن بقيت فيها حجم دورها، وشيدت المحاكم الوضعية التي تحكم بقوانين ملفقة ((من شرائع شتى وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي والأمريكي والبريطاني، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين للشريعة وغير ذلك، فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به وتحتمه عليهم.
فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة)).(152)
((ومع هذا يدعي أصحاب هذا الفكر محبة الله ورسوله، ويعبرون عن هذا الحب المزعوم بالمظهر والاحتفالات البدعية، وأعمال الضرار الأخرى، ويستدرجون بهذا عقول بعض العلماء الناصحين، فيتورعون عن الحكم عليهم كما حكم الله عليهم به، متذرعين بأنهم غير مستحلين! )).(153)
((لقد كان حجم الفرق الزائفة قديماً ضئيلاً بالنسبة إلى أعداد المسلمين، وكانت أفكارهم تعيش في دهاليز مظلمة، أو ما كان لها أثر ملموس في واقع حياة المسلمين.
بل إن أصحاب الفكر الإرجائي، كثير منهم كان من العاملين الفقهاء والعابدين الزهاد، ولم يتأثروا بفكرهم الخاص ليتركوا العمل أو ينادوا بتركه شأن مرجئة اليوم)).(154)
الذين اعتبروا ترك العبادات لا يؤثر بالإيمان بينما اعتبر السلف ذلك كفراً. قال الحكم بن عتيبة(155): ((من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمداً فقد كفر، ومن ترك الحج متعمداً فقد كفر، ومن ترك صوم رمضان متعمداً فقد كفر)).
3- لقد تجرأ الملاحدة زعماء وكتاباً على دين الله سخرية واستهزاء:(1/54)
عندما مهد الفكر الإرجائي لهم الطريق، وجرت بعد ذلك ألفاظ الاستهزاء على ألسنة العوام فأصبحت في أحيان كثيرة كالسلام.. ماداموا لا يخشون عقاباً، ويجدون من تأويل المرجئة وفتاواهم اللين والاستخذاء.
((ومن ثم عم البلاء حتى تعدى مجال الاستهزاء إلى مجال الكفر الجاد الجلي الذي كان أمراً محظوراً - ولو عرفاً وعادة - فنسي الناس تكفير الباطنية كالقرامطة والدروز وأمثالهم، وغاب عنهم تماماً كفر الطواغيت، كطواغيت الدجل والخرافة والسحر، أما طواغيت الحكم والتشريع فقد نسخوا شريعة الله جهاراً نهاراً وحكموا شرائع الطاغوت في الدماء والأعراض والأموال، وألزموا الناس في مناهجهم ووسائل تربيتهم لموالاة الكفار، بالموبقات ضروباً وألواناً، وسخروا من الحدود والحجاب وتعدد الزوجات، وأحكام المواريث، والعبادات والأخلاق..
وانضم أغلب الطبقة المثقفة - كما يسمونها - إلى الأحزاب الكفرية والمنظمات الإلحادية، والمذاهب الأدبية التي تسير الكفر بالشعر، وسقط حد الردة إلا من كتب الفقه الموروثة، بل ظهر في صفوف المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية اتجاه جديد ينكر حد الردة ضمن ما ينكر من حدود الإسلام وأصوله. ومر على الأمة الإسلامية أجيال بل قرون لم تسمع فيها أن حد الردة أقيم على زنديق مجاهر أو ملحد مكابر، في حين أن الآلاف من الأرواح تزهق لأسباب سياسية أو خلافات شخصية)).(156)
لقد حصر المرجئة الكفر في تكذيب القلب فقط فهانت المقدسات، وتجرأ السفهاء حتى أنهم لم يعتبروا أعمال الكفر الصريحة كالسجود للصنم، وإهانة المصحف وسب الرسول صلى الله عليه وسلم إلا دلالات على انتفاء تصديق القلب وليس مكفرة بذاتها.(1/55)
وها نحن نقرأ ونرى عشرات الكتب وآلاف الصحف والمجلات، وكثيراً من الوسائل المرئية والسمعية تهاجم أصول الدين، وتسخر من قضايا التشريع والأخلاق بل إنها تشجع الخنا والفجور، وتهزأ بالرسل ورجال السلف، وتعرض بحقائق الجيل الأول، وتحاول تزويرها، ولا تخشى بسبب هذا الكفر أو التطاول عقاباً، ولا نبالغ إذا قلنا إنها تجد تشجيعاً من أكثر المنظمات العالمية، وكثير من السلطات المحلية، ويجري كل ذلك باسم حماية الحرية الشخصية، وتحت مظلة من الأفكار الإرجائية.
حتى أصبحت المحافظة على العقيدة الصافية جرماً شائناً، والتمسك بما تتطلبه الشريعة رجعية عتيقة، إن لم تكن أصولية، يجمع أقطاب النظام العالمي الجديد على حربها خارج بلادها عند المسلمين فقط.
((لقد كان لعقيدة الإرجاء آثار عميقة المدى على الأمة، بل هي في عصرنا هذا أساس الضلال والتخبط الواقع في مسألة التكفير، ومنها نشأ التوسع في استخدام ((شرط الاستحلال)) حتى اشترطوه في أعمال الكفر الصريحة كإهانة المصحف وسب الرسول صلى الله عليه وسلم وإلغاء شريعة الله، فقالوا لا يكفر فاعلها إلا إذا كان مستحلاً بقلبه!! واشترط بعضهم مساءلة المرتد قبل الحكم عليه، فإن أقر أنه يعتقد بفعله الكفر كُفّر، وإن قال: إنه مصدق بقلبه، ويعتقد أن الإسلام أفضل مما هو عليه من الردة لم يكفروه)).(157)
لقد كان الفكر الإرجائي (كما نلاحظ) ولازال من أخطر الانحرافات العقدية التي وقعت فيها الأمة الإسلامية.
4- تأويلات المرجئة وقضية الحكم بغير ما أنزل الله:
تعتبر هذه القضية من أخطر القضايا في العصر الحديث، حيث نحيت شريعة الله جهاراً نهاراً، ووجدت هذه القضية تأويلات فاسدة من ضلالات الإرجاء، وانحرافات التائهين المعجبين بما وفد إلينا من حثالات الأمم الضالة.(1/56)
((إن من لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله، ولا يقيم من شريعة الله إلا جزءاً قليلاً أو كثيراً، لكنه لا يقيمه امتثالاً لأمر الله وإيماناً بدينه، بل لأنه يوافق الهوى والمصلحة الذاتية.. ولأنه أُقر ممن يملك حق الإقرار والتشريع، سواء كان شخص الزعيم أو الحزب.. إن مثل هذا لا يكفر إلا إذا علمنا أنه - في قلبه - يفضل شرائع البشر على شريعة أحكم الحاكمين.
ويرى المرجئة أننا ما لم نطلع على ذلك فكل أعماله تعتبر بحكم المعصية، حتى وهو يصدر القوانين تلو القوانين، حتى وهو يترصد للمطالبين بتطبيق الشريعة ويلاحقهم بصنوف الأذى، حتى وهو يظهر الموالاة الصريحة للكفار، ويلغي ما شرعه الله من الفوارق الجلية بين المؤمنين والكافرين من الرعية، ويرخص بإقامة أحزاب لا دينية - ويمنع قيام أحزاب لها صفة دينية - كل ذلك يعتبر من المعاصي التي لا تخرجه من الإسلام، وما لم نطلع على ما في قلبه فنعلم أنه يفضل شرعاً وحكماً غير شرع الله على شرع الله وحكمه)).(158)
وعلى ضوء هذا الفكر لا نعجب من عدم الإنكار لتصرفات بعض الحكام الهوجاء، وصمتهم حيال ما يصدر من حكامهم من خرق لأحكام الدين، وانتهاك لمحارمه، ومن ظلم واضطهاد للناس، وأعظم من ذلك كله موالاة الكافرين ومناصرتهم وعداوة المؤمنين، ما دام أن هؤلاء الحكام يتفوهون بالشهادة، ويتكلمون باسم الدين.
وبذلك ابتعدت الأمة عن تحكيم شرع الله، وهي لا تحس غضاضة بذلك ما دامت تقر أن شرع الله أفضل من شرع الطواغيت وكفى!!.(159)
لقد فاقت آثار الفكر الإرجائي في هذا القرن ما سببه هذا الفكر نفسه من انحراف في القرون الخالية، وإذا كان الفكر الإرجائي في القرن الأول حدث كرد فعل ضد الفكر الخارجي، فإن العكس هو الذي حدث في عصرنا هذا حيث كان فكر التكفير الغالي رداً على الفكر الإرجائي المعاصر الذي غلا به أصحابه.(1/57)
ومن المفارقات أن فكر الإرجاء، قد تسرب حتى إلى بعض الجماعات الإسلامية، التي اعتنق بعضها الخط الديمقراطي البرلماني، ثم التحالف مع الأحزاب العلمانية، مما جعلها لا تختلف عن الأحزاب السياسية في كثير من المنطلقات، وكان لذلك أسوأ الأثر في إصدار فتاوى رجراجة متناقضة مع المبادئ التي كانت معلنة عند هذه الجماعات.
5- دور المستشرقين ومقلديهم في نشر فكر المرجئة:
لقد استمر تيار الإرجاء ينخر في كيان الأمة الإسلامية، ويذكيه ما كان ينشره علماء الكلام ويقومون بتدريسه في كبرى المعاهد الإسلامية كالأزهر والزيتونة والقرويين، ومما يؤسف له أنها مازالت مستمرة في تبني علم الكلام وعقائد المتكلمين، وإعراضها عن عقيدة السلف، بل ومقاومتها في كثير من الأحيان.(160)
ولقد تعرض عدد من المستشرقين، وممن اتبعهم من الكتاب المعاصرين لنشأة الإرجاء وفكره، وتجاهل هؤلاء المعاصرون كلام علماء الإسلام الثقات وأئمة السنة المشهورين، واتبعوا المستشرقين الحاقدين في آرائهم المسمومة.
ومن أبرز المستشرقين الذين تعرضوا لهذا الموضوع (فان فلوتن)، و(يوليوس ويلهاوس). وهما من أخبث المستشرقين، وأكثرهما أثراً في المقلدين.(161)
* أما الأول منهما فله كتيب سقيم يقوم على فكرة واحدة هي أن الفتوحات الإسلامية كانت بغرض الاستعمار على الطريقة الأوروبية، ومن هنا فقد فسر (الفرق) على أنها انتقام من الشعوب المستعمرة ضد مستعمريها.
ويقول خلال حديثه عن المرجئة: إن جهم بن صفوان أحد رؤوس المرجئة كان يرى أن الإيمان عقد بالقلب، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية وعبد الأوثان، أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام، وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام، ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ومن أهل الجنة)).(1/58)
ثم يقول: ((ومن هذه الناحية كان الإرجاء في خراسان أشبه شيء بأثر عكسي أخلاقي لذلك الإسلام الشكلي دين الحكومة العربية في ذلك الحين، تلك الحكومة التي أصرت على عدم المساواة بين جميع رعاياها في الدين باتباعها النظام الجائر لجمع الضرائب وجباية المكوس)).(162)
أما يوليوس ويلهاوس فقد ذكر فيما يخص الإرجاء أن الإسلام انقسم بسبب هذه المسألة قسمين:
محافظ وهو الذي يحترم الجماعة ويؤيد الوضع القائم، وثائر، ومن الثائرين المرجئة والخوارج والشيعة، ويقول: المرجئة أكثر أهمية، وكان لهم أثر ضخم في التاريخ.
ويستمر في كلام، خلاصته أن المرجئة حركة ثورية ضد طغيان المستعمرين الفاتحين، ولهذا وسعت مفهوم الإيمان ليقبل جميع الشعوب المضطهدة، كي تكون يداً واحدة على الشعب الفاتح)).(163)
* وليست الغرابة فيما يقرره هذان المستشرقان، وما ينفثان من أحقاد، وإنما الغرابة فيما نقله عنهما وعن أمثالهما كتاب من بني جلدتنا.
فما قرره هذان المستشرقان لخصه أحمد أمين وشريكاه وهذبوه من الكلمات الصريحة الجارحة وقدموه على أنه فكرة سليمة.
وعن أحمد أمين نقل الشيخ محمد أبو زهرة(164) ونعمان القاضي(165) وألبير نصري نادر.(166)
وعن أبي زهرة نقل كثير من الباحثين ثقة منهم في الشيخ، والغريب أن يترجم كتاب يوليوس مرتين إحداهما سورية ((يوسف العش)) والأخرى مصرية ((أبوريدة)) وفي هذا الكتاب هجوم صريح على الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالة الإسلام.
ومن المستشرقين الحاقدين المستشرق اليهودي ((جولدزيهر)) الذي يتميز بمهارة فائقة في الدس والتزوير.
وهو يذهب إلى أن المرجئة من أهل السنة والجماعة، وتبعه على ذلك مقلدون كثيرون.
وعلى هذا يسير الدكتور فاروق عمر الذي ينقل عنه مقراً مؤيداً في كتابه ((العباسيون الأوائل ص60)).(1/59)
من ذلك قوله: ((لم يكن مذهب أهل السنة والجماعة في بدايته إلا فكرة غامضة مرنة تتسع لكثير من الجماعات، وبعد المحنة التي عركت الأمة الإسلامية أثناء الحرب الأهلية الأولى - بانت الخصائص الأولى لمذهب أهل السنة حيث انقسم المسلمون إلى فئتين تمثل الأولى (دين عثمان)، وتمثل الثانية (دين مروان).
وممن تأثر بالمستشرقين: عبد الرحمن بدوي(167) وعلي سامي النشار(168) ورغم جودة عبارة النشار إلا أنه من أكثر الكتاب المعاصرين اضطراباً وتناقضاً.
وهو أستاذ لكثير من المتخصصين في الدراسات الكلامية في مصر وغيرها، ومن أجلى شنائعه أنه يكفر معاوية ? وأباه، ويعتمد على كتب الرافضة في النقل عن الراشدين وغيرهم، ويجعل أصل مذهب السلف في الصفات هو اليهود والصابئة.(169)
لقد ساهم هؤلاء وأمثالهم في نشر فكر الإرجاء الغالي في كتبهم، ومن خلال المعاهد والجامعات التي يشغلون فيها مناصب التوجيه والتدريس، مما زاد في مظاهر الانحراف والاضطراب في المجتمعات المعاصرة، ومما جعل الغلبة لمذاهب المتكلمين والفرق المنحرفة، على حساب فكر السلف وعقيدتهم.
* هذه بعض الآثار السلبية لفكر الإرجاء، على المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
* وإذا أضيف إليها انحرافات المتصوفة، وسلبيات منطلقاتهم، التي ساهمت في تخدير الأمة، وانحرافها عن جادة الصواب.
* وكذلك الفكر الغالي الذي ترعرع في ظل سلبيات كل من فكر الإرجاء والتصوف.
* عندها نعلم أهمية بيان هذه الانحرافات، وضرورة عودة الأمة إلى عقيدتها الصافية، وشريعتها القويمة.
الباب الثاني
الغلو في الدين
((التطرف))
وفيه فصلان:
الفصل الأول: الغلو والتطرف في حياة المسلمين المعاصرة.
الفصل الثاني: الغلو والتطرف عند غير المسلمين.
تمهيد:(1/60)
الغلو ظاهرة قديمة تجددت مع الزمن، حيث أن الغلو في دائرته الواسعة، كان من ظواهر الأديان قبلنا، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من الغلو فقال: ((إنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)).(170)
وللغلاة صفات متشابهة، وتشدد يخرجهم عن حدود الاعتدال، والغلو عند الأمم الأخرى، أشد منه عند المسلمين ولكن أهل السنة والجماعة، والطائفة المنصورة في هذه الأمة، ما زالوا يبتعدون عن جفاء المغالين، وتفريط الجافين، فنصوص الكتاب والسنة، تدعو ليلاً نهاراً إلى اليسر والوسطية فيرجع من اهتدى، ويغلو من اشتد وجفا..
وسوف نتحدث في هذا الفصل -الأول- عن الغلو المعاصر لدى فئة قليلة من المسلمين، نبين أسباب هذه الظاهرة ومظاهرها، وكيفية علاجها، مقدمين لذلك بتوطئة عن جذور هذا التطرف في تاريخنا الإسلامي.
وفي الفصل الثاني، سنتحدث إن شاء الله عن ظاهرة التطرف لدى الأمم الأخرى، وكيف كان حقدهم على المسلمين خلال عصور التاريخ.
ولعل ظاهرة الغلو المعاصر عند المسلمين كانت ردة فعل، على تسيب الفكر الإرجائي، وتفريط المسلمين في دينهم، وتوغل الفكر الصوفي، إضافة إلى عوامل أخرى متعددة ومتشابكة.
الفصل الأول
الغلو والتطرف في حياة المسلمين المعاصرة
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: مفهوم الغلو وأنواعه.
المبحث الثاني: الجذور التاريخية لظاهرة الغلو.
المبحث الثالث: ظاهرة الغلو المعاصرة: العوامل والأسباب.
المبحث الرابع: مظاهر الغلو في حياة المسلمين المعاصرة.
المبحث الخامس: كيف تعالج هذه الظاهرة؟!
المبحث الأول
مفهوم الغلو وأنواعه
الغلو لغةً: هو مجاوزة الحد، يقال غلا فلان في الدين غلوًّا، تشدد وتصلب حتى جاوز الحد.(171)
وكل من تجاوز حد الاعتدال وغلا، يصح لغوياً تسميته بالمتطرف. جاء في المعجم الوسيط في معنى تطرف: ((تجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط)).(172)(1/61)
ويلاحظ أن هنالك تقارباً بين لفظي الغلو والتطرف، فهما بمعنى واحد، وإن كان لفظ الغلو قد ورد في النصوص الشرعية. وفي الكتاب والسنة جاءت النصوص الشرعية تذم الغلو وتنهى عنه. قال ابن مسعود ? قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((هلك المتنطعون)) قالها ثلاثاً.(173)
وعن ابن عباس ? قال لما جمع للنبي جمرات أمره أن يلقط له حصى صغاراً وقال: ((مثل هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)).(174)
وقال تعالى في ذم النصارى الذين غلوا في عيسى عليه السلام فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلهاً من دون الله يعبدونه كما يعبدون الله: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } [المائدة:72].
فالغلو شرعاً: هو مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق.(175)
والحد هو النص الشرعي، من كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم .
وجاء في فتح الباري: ((إن الغلو هو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد)).(176)
والغلو على أنواع:
يتنوع باختلاف متعلقه من أفعال العباد على نوعين:
اعتقادي: كغلو النصارى في عيسى عليه السلام، أو غلو الرافضة في الإمام علي والأئمة الإثني عشر، أو غلو الخوارج في تكفير أهل الإسلام بالمعاصي والذنوب، وكبيرها وصغيرها، أي كل ما كان متعلقاً بكليات الشريعة الإسلامية.
وغلو عملي: وهو المتعلق بالأمور التفصيلية من قول اللسان، أو عمل الجوارح مما لا يكون فرعاً عن عقيدة فاسدة. مثال: رمي الجمار بالحصى الكبار ومثله المبالغة في العبادة كوصال الصوم، وقيام الليل كله، ولا شك أن الغلو الاعتقادي هو الأشد خطراً.(177)(1/62)
وقد دعا الإسلام إلى الوسطية وهي من أبرز خصائص الإسلام. قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة:143]. فالإسلام يقدم المنهج الوسط في كل شأن من شؤون الحياة، ويحذر من المصير إلى الانحرافين: الغلو أو التقصير.
قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران:110]
وعن أبي هريرة ?، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)).(178) أي غلبه الدين وعجز وانقطع عن عمله كله أو بعضه.
وقال ابن حجر رحمه الله: ((والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية، وترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب)).(179)
* وقد خرجت بعض الفرق منذ القديم عن هذا المنهج الوسط، منهج أهل السنة والجماعة خلال القرون الأولى المفضلة.
ومن أبرز هذه الفرق الغالية: الشيعة والروافض، والخوارج والمعتزلة، وسائر أهل الأهواء، إذ كفر الشيعة معظم سائر الصحابة، وأهل السنة ما عدا علياً ?، وبعض الصحابة. وكفر الخوارج ومن شايعهم على الذنوب والمعاصي، وقالوا: بتخليد مرتكب الكبيرة في النار.
((فالخوارج تكفر أهل الجماعة، وكذلك أكثر المعتزلة يكفرون من خالفهم وكذلك أكثر الرافضة، ومن لم يكفر حكم بفسقه.. وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول، ولا يكفرون من خالفهم فيه)).(180)
المبحث الثاني
الجذور التاريخية لظاهرة الغلو
لعل أفكار الخوارج ومعتقداتهم كانت من أبرز مظاهر الغلو في التاريخ الإسلامي.. ويحاول بعضهم أن يعقد مقارنات بين الخوارج وظاهرة الغلو المعاصرة، فما مدى صحة هذا القول؟ هذا ما سوف نلقي عليه الضوء في آخر هذه الفقرة.(1/63)
فالخوارج كلمة تطلق على تلك الفرقة التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بالمروق من الدين، وتميزت بالغلو والإفراط والشطط كما تميزت بالاندفاع والتهور والقابلية السريعة للتمزق والاشتعال وما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أعسرهما.
روى أبو سعيد الخدري ? في قصة الرجل الذي اعترض على قسمة الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه: ((ثم أدبر الرجل، فاستأذن رجل من القوم في قتله، يرون أنه خالد بن الوليد، فقال رسول الله: ((إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان)).(181)
فمن صفاتهم إذن: أنهم لا يفهمون القرآن، وهو لا يصل إلى حلوقهم فضلاً عن أن يصل إلى القلوب، وعدم فهمهم للقرآن يجعلهم يأخذون آيات نزلت في الكفار فيحملونها على المسلمين. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الخوارج: ((إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين)).(182)
والوصف الثاني لهم في الحديث السابق: التكفير واستحلال الدماء ((يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان)).
وقد امتلأت صفحات تاريخ الخوارج بنماذج غريبة لعقيدتهم، ومنهجهم، فقد يثورون ويحجمون من أجل إثبات قضية قد لا تكون ذات شأن، لكنهم يرون أن عدم إثباتها كفر وضلال، فإذا ما تحقق لهم ذلك نكصوا وقالوا: قد كنا مخطئين، بل كافرين - حين فعلنا ذلك فيثورون ويشتطون أشد من ذي قبل، من أجل إثبات إبطال ما أثبتوه والتراجع عما قرروه، ويرون ضد ذلك كفراً وليس ذلك فحسب بل كانت طوائفهم تتهجم على بعضها ويكفرون بعضهم.
وهكذا كان تاريخ هذه الطائفة سلسلة من تضخم المواقف والاجتهادات والتكفير، وقد تؤدي إلى سلسلة من الانشقاقات الجذرية والمفاصلات الكاملة.
وقد ابتدأ أمرهم يوم (صفين) حين قالوا لأمير المؤمنين علي ? عليك أن تقبل تحكيم كتاب الله وإلا فأنت كافر، فلما وافقهم كارهاً، قالوا: حكمت الرجال في دين الله فأنت كافر لأنه لا حكم إلا الله)).(183)(1/64)
ولما رد عليهم بأنهم هم الذين أرغموه قالوا: لما رضينا بالتحكيم كنا كافرين، والآن نتوب من الكفر، فإن شهدت على نفسك بالكفر وتبت عدنا إلى طاعتك فقال: ((أبعد إيماني بالله ورسوله وهجرتي وجهادي مع رسول الله أشهد على نفسي بالكفر، قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين)).(184)
وعندما قيل لهم عودوا إلى طاعة أمير المؤمنين ولا تشقوا عصا الطاعة قالوا: ((إذا جئتمونا بمثل عمر فعلنا)).(185)
ولما لم يأتهم أحد بمثل عمر اختاروا لإمرة المؤمنين عبد الله بن وهب الراسبي. وهو أعرابي ((بوال على عقبيه، ولا سابقة له ولا صحبة، ولا فقه ولا شهد الله له بخير)).(186)
ظاهرة التكفير عند الخوارج:
لعل أبرز ما يميز هذه الطائفة هو تكفير مخالفيهم، فقد اشتطت وغلت في النظر لمرتكب الكبيرة، وتشعب بها الخلاف في أحكام التكفير حتى كفر بعض فرقها بعضاً!!
ليس هذا فحسب، بل إن الرزية كل الرزية أن مرتكب الكبيرة عندهم ليس هو الزاني والسارق، وغيرهما من عصاة الأمة، وإنما هو علي وعثمان وطلحة والزبير ومعاوية وأمثالهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالحكم على هؤلاء بالكفر هو أصل عقيدة الخوارج، وحادثة التحكيم هي التي أثارت ذلك.
ومن ثم برزت عندهم قضية ((الدار)) وأصبح من أصول الأزارقة المميزة لهم ((أن كل كبيرة كفر، وأن الدار دار كفر - يعنون دار مخالفيهم - وأن مرتكب الكبيرة يخلد في النار أبداً، وأن من أقام في دار الكفر فكافر لا يسعه الخروج)).(187)
وخالفت فرق الخوارج بعضها بعضاً، وكفروا بعضهم كذلك.
موقف أهل السنة من غلو الخوارج:(1/65)
((إن القول بتخليد أهل الكبائر في النار، لم يوافق أهل السنة قائليه من الخوارج والمعتزلة، لأن هذا القول من بدعهم المشهورة وقد اتفق الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين على أنه لا يخلد في النار أحد ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان، واتفقوا أيضاً على أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، يشفع فيمن يأذن الله له بالشفاعة فيه من أهل الكبائر من أمته)).(188)
((فالخوارج هم أول من كفر المسلمين بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أكثر أهل البدع، يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها.
وأهل السنة يتبعون الكتاب والسنة، ويطيعون الله ورسوله، فيتبعون الحق ويرحمون الخلق)).(189)
وجاء في شرح الطحاوية: ((ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله، ولا نشهد عليهم (أهل القبلة) بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله)).(190)
وسنزيد الأمر تفصيلاً خلال حديثنا عن التكفير بالمعصية وتكفير المعين.
هل لجماعات الغلو المعاصر صلة بفكر الخوارج؟!
يبدو أن المعاصرين لم يستقوا أفكارهم من الخوارج والشيعة وإنما ((هو لون غريب من التوافق في التفكير أدى إلى النتائج عينها)).(191)
ويدل على ذلك أن هؤلاء المعاصرين نشأت أفكارهم وهم داخل السجون، وما كان من السهل أن يطلعوا على كتب الفرق القديمة. وهذا ما أشار إليه أحد المتهمين بالغلو عندما قال: ((مستحيل، هذه الأحكام هي وليدة الزنزانات والفقه البعيد عن أي كتاب، إذ لم يكن مع الجميع كتاب واحد، حتى المصاحف كانت تصادر منا، وما توصل إليه الشباب، فهو اجتهاد يقوم على ما يحفظون من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم )).(192)(1/66)
هذا وإن غالب الأفراد الذين ابتدءوا الغلو كانوا غير متخصصين في العلوم الشرعية، إذ لم يسبق لهم اطّلاع على هذه الكتب، ولذلك عندما بين لهم من ناقشهم أن آراءهم موجودة في الملل والنحل للشهرستاني ونحوه من كتب الفرق: قال بعضهم: بأنه لم يسمع بهذه الكتب، وقال آخرون: إنهم سمعوا بها ولم يروها.(193)
هذا وإن أهل الغلو في المراحل المتأخرة وخاصة المتصدرين منهم للقيادة ربما استفادوا من أفكار الخوارج بصورة ما)).(194)
((وقد كان قادة الغلاة يمنعون أتباعهم من قراءة كتب التاريخ وليس ثمة تفسير ظاهر لهذا إلا الخوف من معرفة تاريخ الخوارج وآرائهم المبثوثة في تلك الكتب)).(195)
ومما يبين أن آراءهم المتأخرة جاءت مطابقة لفكر الخوارج غلوهم في تكفير مرتكب الكبيرة، وفي ذم المقلدين.
((إلا أن هذا يبين لنا أن أثر الفرق القديمة على الغلاة المعاصرين جاء تالياً ولاحقاً، فقد انحصر في إثراء تيارات الغلو وتأييد حججها، لا في إيجادها، إذ أن وجودها كان أثراً لعوامل أخرى.(196)
وإذا تبين هذا فإن سر التشابه بين آراء الخوارج وآراء المعاصرين يتضح في الجوانب التالية:
1- تشابه المنهج الفكري للفريقين: إذ أن المنهج الفكري الذي استعمله الفريقان للوصول إلى الحقائق متشابه بدرجة كبيرة، وهذا ما يجعل الآراء في كثير من الأحيان تتشابه بل تتماثل.
2- تشابه المناخ الفكري للفريقين: من حيث الجهل والتطور الفكري ويتضح ذلك الجهل ((يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم))، كما أن التطور الفكري للفريقين متقارب حيث بدأ الغلو بالتكفير ثم تطور إلى آراء غالية أخرى.
فالغلاة المعاصرون كان مبدأ غلوهم تكفير الحكام، ثم تطورت صور الغلو من خلال الممارسات العملية.
والخوارج رفعوا شعار: لا حكم إلا لله، ثم تكفير مخالفيهم واستباحة قتلهم وقتالهم، ومن خلال ممارساتهم العملية تكونت لهم آراء عامة حول الإمامة ومرتكب الكبيرة... الخ.(197)
المبحث الثالث
ظاهرة الغلو المعاصر(1/67)
العوامل والأسباب
لقد ظهرت تيارات غالية في بعض أقطار المسلمين، خلال السنوات الأخيرة من هذا القرن، وأعادت إلى الأذهان مقولات أهل الغلو القديمة.
فمن قائل بتكفير الفرد إلى قائل بتكفير المجتمعات، إلى من يتوقف فيها، ثم ظهرت مقولات وتصرفات، كمقاطعة الصلاة في المساجد، إلى هجرة المجتمعات والفرار بدين الله إلى الجبال والأودية..
فما الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة؟ وما العوامل التي أدت إلى ظهور بعض الجماعات المتطرفة في ديار المسلمين؟! وما المظاهر التي بدأت تنتشر سريعاً هنا وهناك؟ وما مدى الصواب أو الانحراف فيها؟!
صحيح أن أهل الغلو يعتبرون فئة قليلة، وربما اندثر معظمها إلا أن آثارها لا تزال موجودة، لأنها لم تعالج بشكل طبيعي، ولأن الأعداء من علمانيين وغربيين حاولوا تشويهها، والانتقال إلى شباب الصحوة المعتدلين، ليبعدوهم عن العودة إلى منابع دينهم الصافية.
وعلى العموم فالأسباب كثيرة ومتشابكة، فمن أسباب محلية، إلى أسباب فكرية ونفسية تخص الغلاة أنفسهم، ناهيك عن الأسباب الخارجية التي يريد أصحابها إبعاد المسلمين عن دينهم.
ولعل أبرز الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة هي:
1- التحاكم للأنظمة والقوانين الوضعية:
فجع المسلمون بسقوط الخلافة، ثم بتحكيم القوانين الوضعية صراحة، فكانت مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، هي الجذر الرئيسي للغلو المعاصر، حيث كانت الشكاية الكبرى للتيارات الإسلامية كلها المعتدل والمغالي من إبعاد الشريعة عن واقع حياة المسلمين، وذلك مما يناقض الإسلام صراحة، بل هو ثمرة خبيثة للاستعمار الغربي الصليبي، وللغزو الفكري المصاحب له.
ومن رد شرع الله ورضي بالأحكام والقوانين الوضعية فقد كفر بالذي أنزل على محمد وارتد عن دينه.(198)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ليس لأحد أن يحكم بين أحد من خلق الله، لا بين المسلمين ولا بين الكفار... إلا بحكم الله تعالى ورسوله)).(199)(1/68)
وهذا مجمع عليه بين علماء المسلمين استناداً إلى الكتاب والسنة.(200)
وعند تتبع مظاهر الغلو العقدية والعملية نجد أن غالبها يرجع إلى مسألة الحكم بغير ما أنزل الله. من ذلك:
تكفير المقيم غير المهاجر، وأن الدار دار كفر، وضرورة الخروج على الحكام لهذا السبب، والغلو في مفهوم التقليد، مما سنوضحه في البحث القادم. وإن عدم الاستجابة لتحكيم الشريعة أنتج ردة فعل تدين الحاكم بغير ما أنزل الله وتكفره، ثم جاءت بعد ذلك مجالات الغلو الأخرى.(201)
2- الاضطهاد السياسي:
إن غربة الإسلام وغربة تعاليمه في كثير من ديار المسلمين، حيث غاب الإسلام بشموله عن الساحة، وفي جوانب حياة المسلمين المختلفة، مما يشعر المسلم بالغربة، وهذه الغربة تعمل عملها في نفسية المسلم في هذا العصر وخصوصاً الشباب.(202)
وإن الكبت والتسلط والقهر، لا يمكن إلا أن يؤدي إلى قتل إنسانية الشعوب والقضاء على كرامتها...
((لقد أذلوا الأمة أكبر إذلال، ولا سيما المسلم الملتزم بدينه حتى قيل: إن قوانين الطوارئ لا تطبق إلا على الجماعات الدينية، فهل في العالم دولة تشرع لبعض أبنائها دون بعض؟!
لقد كان التعذيب في بعض البلاد العربية يمزق الأجساد، ويهدر الكرامة ويهتك الأعراض، وقد هددوا بعض المعتقلين بزوجاتهم أمامهم، وقتلوا بعضهم أمام ذويهم...
((لقد جاءوا برجل مشلول منذ ستة أشهر، وقد حملوه إلى السجن واتهم حسب الأصول بالمشاركة في التآمر على رئيس الدولة، والإطاحة به.. )) ومثل هذا كثير.
((ثم راح الشباب بعد ذلك يناقشون: هل هؤلاء (الزبانية) كفار أم مسلمون؟! فتوصلوا إلى كفرهم، وقد رتبوا ذلك على مقدمات عقلية إن صحت عقلاً، فهي غير صحيحة شرعاً)).(203)
وقد تحدث شاهد عيان عما وقع على الشباب المسلم في سجون مصر. يقول الأستاذ محمد قطب عن واقعة 26/أكتوبر/1954م:(1/69)
((افتعلت مسرحية الإسكندرية، وتم على إثرها اعتقال أكثر من عشرين ألف من شباب الإخوان وشيوخهم في السجن الحربي وغيره من السجون.
ووقع عليهم من ألوان التعذيب الوحشي ما تعجز الكلمات عن وصفه مهما تكن دقة المتكلم في الوصف، وكانت أدوات التعذيب قد أقيمت في السجن الحربي ابتداء من يونيو 1954م، أي قبل الحادث بخمسة أشهر، وأخذ الزبانية يدربون على استخدامها بواسطة عدد من خبراء النازيين، استؤجروا خصيصاً لهذا الأمر)).(204)
لقد كان استخدام القوة والعنف، داخل السجون وخارجها أول جذور الغلو، حيث نشأت فكرة محاربة الأنظمة ورد الاعتداء بالقوة، إضافة إلى الهزء والسخرية والاتهام عند معالجة القضايا المنسوبة إلى التيار الإسلامي في الصحافة والإعلام مع كثير من التهويل والتضخيم والاتهام بلا أدلة، بل والاستهزاء بأمور أصيلة من الدين.
ومقابل هذا التضييق على التيار الإسلامي فتح المجال أمام الاتجاه العلماني، فقد صودرت حرية الدعوة إلى الله في بعض ديار المسلمين، بينما أفلت العنان في المقابل لدعاة العلمانية والتغريب، وهذه المصادرة لها أثر كبير على الدعاة، حيث اندفع بعضهم إلى أضرب من السرية، واتخذوا العنف منهجاً لهم.(205)
3- الجهل بالعلوم الشرعية:
إن الجهل وعدم معرفة حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، مع اندفاع الإنسان وراء عاطفته (رغم غيرته على الدين وتعظيمه للمحرمات) قد يوقعه في الغلو في كثير من الأحيان.
فإذا رأى المتحمس إنساناً يعصي ولو كانت معصيته صغيرة، لم يطق أو يتصور أن يكون العاصي مسلماً، أو مغفوراً له لشدة غيرته فيؤدي ذلك إلى لون من ألوان الغلو.
((والجهل يزول عادة بالعلم، ولهذا رجع كثير من الخوارج الأوائل عن بدعتهم بالمناظرة، فرجع على يد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لما ناقشهم - في مجلس واحد - أكثر من أربعة آلاف إنسان.(1/70)
وفي عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، نوقشوا فرجع منهم ما يزيد على ألف إنسان في مجلس واحد، ولهذا فالجهل من أسهل الأسباب علاجاً لأنه سرعان ما يزول بالعلم وبيان الدليل)).(206)
((وأبرز جوانب الجهل التي كان لها أثرها في الغلاة الجدد: الجهل بالكتاب والسنة وبمقاصد الشريعة، والجهل بأدوات الاستنباط وأقوال العلماء وآثارهم، وبالواقع وملابساته...
وأبرز جوانب الخلل في منهجهم: الحرفية في فهم النصوص وكثرة التأويل وانعدام النظرة الشمولية، والتلقي المباشر من النصوص وعدم الجمع بين الأدلة والاجتهاد من غير أهلية، وانعدام الموضوعية واتباع الهوى)).(207)
وهذه موضوعات كثيرة لابد للشباب المسلم من التنبه لأهميتها في مجال الدعوة.
4- الفساد العقدي في حياة الأمة:
لقد ضمرت العقيدة في النفوس على توالي العصور، ثم بدأ الانسلاخ من أركان هذا الدين رويداً رويداً، فعطلت الأحكام الشرعية، وتهاون الناس في الصلاة والصيام والحج والزكاة، حتى تحولت الشهادة نفسها إلى ألفاظ مجردة.
وإن عدم فهم الكثيرين لمقتضيات الشهادتين، وعندما أفرغت لا إله إلا الله من محتواها الحقيقي ساد الفساد في التصور، وقد قوى هذا الاتجاه الفكر الإرجائي والصوفي في أوساط المسلمين.
وحينما تفسد العقيدة والتصور وتفرغ كلمة التوحيد من محتواها الكامل، ويحصر الإسلام في التلفظ بالشهادتين فقط، ويبعد الدين كله في جانب قصي من الحياة، يعيش المسلمون حينئذ في وهن وذل وخضوع وانهزام نفسي أمام الطغيان المادي، وبهرج الحياة الزائف.
وعندما تقوى العقيدة، ويصفو التصور الإسلامي، وترى الحاكمية في كل أمر لله عز وجل، يعلو المسلمون عندها على كل شيء وتلك هي حالة المؤمنين الأوائل عندما حققوا الإيمان في نفوسهم، وأخلصوا العبودية لله تعالى في كل شؤون حياتهم.(208)(1/71)
لقد كانت هذه الأجواء المنحرفة مرتعاً خصباً لردود الأفعال العنيفة، ومحاولة التمرد على الواقع المنحرف بجرعات قوية، أدت إلى الغلو والتطرف.
5- الفساد الخلقي:
إن انتشار مظاهر الرذيلة في المدرسة والجامعة، والشارع والشاطئ والمتجر، والحديقة والشاشة والإذاعة، وغير ذلك إذا أقرها المجتمع وسكت عنها، يجب عليه أن يتوقع أنماطاً كثيرة من الغلو والتطرف، فما بالك إذا كان دور المجتمع هو تشجيع مظاهر الانحراف ودعمها وحراستها وتبنيها؟
وقل مثل ذلك في وسائل الإعلام والثقافة التي أصبحت حكراً لاتجاه معين، ومذهب خاص، أو طائفة محدودة.. فقد صودرت الآراء النزيهة المعتدلة، فضلاً عن الآراء المتطرفة الغالية، ومثل هذا الوضع لابد أن يولد آلاف الأمراض في المجتمعات.(209)
يضاف إلى ذلك هجمة التيار التغريبي على ديار المسلمين، وشدة وطأة الغزو الفكري، مع ضعف في الولاء للمؤمنين، وتعلق بالغزاة وأفكارهم مما جعل التحلل يزداد، والفواحش تنتشر، وبات الصالحون لا يملكون القدرة على تغيير ذلك، مما دفع إلى اليأس من صلح هذه المجتمعات، والاندفاع بقوة وعنف لإصلاحها.. والعنف لا يؤدي إلا إلى عنف مثله. ولابد من عودة الأمة إلى منابع دينها الصافية بلا إفراط ولا تفريط.(210)
6- غياب دور العلماء الثقات:
إن غياب دور العلماء الثقات، هو الذي جعل علماء السلطة يزيدون الأمور تعقيداً واضطراباً.
ولابد من تمكين العلماء الصادقين من القيام بواجبهم، وفتح السبل لكلمتهم، والسماح بمرورها إعلامياً، وتسخير إمكانات الأمة لهذا الغرض.
ولا يجوز أن تكون المنابر الدينية حكراً على فئة من الهتافين من أمثال المفتين الرسميين، كما هي الحال في بعض البلدان الإسلامية.(211)
ولهذا شدد الإمام أحمد رحمه الله، حين سئل عن العالم وهل له أن يأخذ بالتقية في فتواه فقال: ((إذا أجاب العالم تقية، والجاهل يجهل، فمتى يتبين الحق؟ )).(212)(1/72)
وعندما تخلى العلماء عن مهامهم في توجيه الناس، وانشغلوا بمهام تستهلك الوقت والجهد، فتح المجال لفئات من الجهلة، أو حديثي عهد بالعلوم الشرعية لتسنم أماكن التوجيه.
وإن عدم التصدي للقضايا التي طرحها المتهمون بالغلو، وعدم بيان وجه الحق فيها، يعتبر قصوراً من العلماء الثقات، رغم أن القضايا من المعضلات، التي اشتبهت على كثير من الناس ومع ذلك لم تبين البيان الذي تبرأ به الذمة.(213)
هذا وإن أخذ العلم الشرعي من الكتب مباشرة، له مخاطره الكثيرة إذ أن معظم الانحرافات في العقيدة والتصور، مردها إلى تلقي العلم عن الكتب دون واسطة، ونعني بذلك التعليم غير النظامي، والذي لا يشرف عليه عالم رباني، أو شيخ متبصر... حيث صار الشباب يعلمون أنفسهم بأنفسهم، فلا يجدون من يصوب الخطأ والانحراف، وخاصة في قضايا العقيدة، ومن هذه الانحرافات بدعة التكفير.(214)
وفي كثير من البلدان كان يؤتى ببعض المشايخ أو برجال أمن على هيئة مشايخ، ليقول أحدهم بعد حفل من التعذيب الذي لا يطاق أمام الشباب:
((لقد راجعت مكتبتي كلها فلم أجد شيئاً اسمه الحكم بالقرآن فأنتم مضللون، وشيوخكم يتاجرون بهذه القضية لأن الأنبياء لا يحكمون بالقرآن بل يوصون به. قال تعالى: { شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً .. } [الشورى:13] فإذا كان النبي لا يحكم بالدين بل يوصي به فأنتم فجرتُم عن الأنبياء بطلبكم الحكم بالقرآن)).(215)
لقد توالت المحاضرات على الشباب في المعتقلات، يديرها أمثال هذا الشيخ مع حفلات التعذيب، لذا فلا عجب إن فقد الشباب ثقتهم بكثير من العلماء خصوصاً إن كانوا من أعوان السلطان الظالم.(216)(1/73)
هذه بعض الأسباب والعوامل التي أدت إلى ظاهرة الغلو المعاصر، بعضها يعود إلى طبيعة الحكم الذي أعلنوه (قوانين وضعية بلا تردد)، وبعضها يعود إلى ثقافة هؤلاء الشباب وجهلهم، وبعضها يعود إلى تخلي الأمة عموماً عن أخلاقها الإسلامية، وابتعادها عن تطبيق أحكام دينها الحنيف.
المبحث الرابع
مظاهر الغلو والتطرف عند بعض
الجماعات الإسلامية المعاصرة
لعلّ أبرز هذه المظاهر:
1- التكفير بالمعصية.
2- تكفير المعين دون مراعاة للضوابط الشرعية.
3- تكفير الحكام الذين لا يحكمون الشريعة بإطلاق.
4- تكفير الأتباع: المحكومين بغير ما أنزل الله.
5- تكفير الخارج عن الجماعة المسلمة.
6- مقاطعة الجمعة والجماعات في المساجد.
7- الدعوة إلى الأمية وتحريم التعليم.
وهنالك مجالات أخرى غالية، تبنتها بعض الجماعات المتطرفة من ذلك:
أ- هجرة المجتمعات إلى الجبال والصحاري.
ب- عزلة المجتمعات ومفاصلتها.
جـ- يعتبرون الفترة التي نعيشها الآن كالعهد المكي.
د- ذم التقليد وإنكار الإجماع، وإلزام الناس بالاجتهاد.(217)
وهذه موضوعات طويلة لا مجال للتفصيل فيها في هذا المبحث وأكتفي بالإشارة إليها، ومن شاء التفصيل فعليه أن يرجع إلى المراجع التي نشير إليها في ثنايا البحث.
وهذه أبرز مظاهر الغلو المعاصر، تبنتها جماعات قليلة، نتيجة لأسباب كثيرة تحدثنا عنها فيما سبق.
والواقع كان يمكن معالجة هذه الظاهرة، لولا أنها قمعت بقوة، ومن ثم لولا تسليط وسائل الإعلام المغرضة عليها، بغية تشويه صورتها وتنفير الناس من الصحوة الإسلامية المعتدل منها والمتطرف.
بل لعل الهدف البعيد لأعداء الإسلام يكمن في محاولة إبعاد المسلمين عن دينهم القويم. وإلا فما معنى أن يتهم المصلون بالتطرف مجرد محافظتهم على الصلاة في المساجد؟!
وما معنى أن تحارب المرأة المسلمة، إذا أصرت على حجابها الشرعي، وتعتبر متطرفة متشددة؟!(1/74)
نجد ذلك واقعاً مريراً في كثير من ديار المسلمين... فلماذا يترك المستهترون يعيثون في المجتمعات العامة الفساد باسم الحرية الشخصية، ولا يتاح للمؤمنين أن يمارسوا شعائرهم بحرية، ولا أن يعبروا عن معتقداتهم بوضوح؟!
لماذا يغض الطرف عن إقامة اليهود دولتهم على أسس دينية توراتية، ويعتبر ذلك تطرفاً وأصولية عندما ينادي به شباب المسلمين؟!
لقد استغلت بعض وسائل الإعلام المحلية والعالمية بعض مظاهر الغلو عند قلة من أتباع الجماعات الإسلامية المتطرفة، وصورتهم وكأنهم مجموعة من قطاع الطرق، يجب أن يبادوا بأي شكل، وأن يحذر العالم كله من إرهابهم.
ومن العدل أن نعالج هذا الأمر بموضوعية، نقول: ما لهم وما عليهم من وجهة النظر الشرعية، عسى أن نساهم في معالجة ذلك بهدوء بعد إقامة الحجة والله يهدي إلى سواء السبيل.
1- التكفير بالمعصية(218):
كانت هذه النزعة من أخطر بدع الخوارج، ومن أشد آرائهم ومعتقداتهم، التي قتلوا من أجلها كثيراً من المسلمين، وأباحوا بسببها إراقة دماء كبار الصحابة رضي الله عنهم.
وعند النظر في الواقع المعاصر يتبين لنا أن هناك من يكفر المسلم بسبب وقوعه في المعاصي، ويرى أن كل عاصٍ كافر.
يقول أحد زعمائهم: ((إن كلمة عاصي هي اسم من أسماء الكافر، وتساوي كلمة كافر تماماً، ومرجع ذلك إلى قضية الأسماء، فليس من دين الله أن يسمى المرء في آن واحد مسلماً وكافراً)).(219)
ويقول هؤلاء: إن مرتكبي الكبائر كفار، وإن صاموا وصلوا وزعموا أنهم مسلمون.
ويشرح ابن تيمية رحمه الله هذه الصفة عند الخوارج وأهل البدع فيقول:
((إنهم يكفرون بالذنب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام دار كفر، ودارهم هي دار الإيمان، وكذلك يقول جمهور الرافضة، وجمهور المعتزلة والجهمية، وطائفة من غلاة المنتسبة إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم)).(220)(1/75)
وقد ذكرنا في المبحث الثالث أن أثر الفرق القديمة على الغلاة المعاصرين جاء تالياً ولاحقاً، وقد أثرت تيارات الغلو، وأيدت حججهم.
ويتبين لنا غلو الذين يكفرون بالمعاصي من النصوص الكثيرة وآراء علماء السلف.
قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء:48].
وقد بوّب الإمام البخاري في صحيحه فقال: ((باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا الشرك، لقوله صلى الله عليه وسلم : ((إنك امرؤ فيك جاهلية))(221) لأحد أصحابه وقد جاء في شرح الطحاوية قول الإمام الطحاوي: ((ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله))(222) فالاستحلال شرط أساسي لتكفير أهل المعاصي.
وفصل الإمام النووي رحمه الله هذا الأمر فقال: ((اعلم أن مذهب أهل الحق، أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، ولا يكفر أهل الأهواء والبدع وأن مَنْ جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره، إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة أو نحوه، فإن استمر بعد أن يُعرّف حكم بردته)).(223)
((وإذا قلنا إن أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب فإنما نريد به المعاصي كالزنا وشرب الخمور، وأما المباني - يعني أركان الإسلام الأربعة بعد الشهادتين - ففي تكفير تاركها نزاع مشهور)).(224)
وطبيعي أن هذا لا يعني التهوين من خطورة الإصرار على المعاصي، إذ أن المعاصي بريد الكفر، ويخشى على صاحبها من سوء الخاتمة.
قال صلى الله عليه وسلم : ((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه)).(225)
وقال صلى الله عليه وسلم :(1/76)
((إن العبد إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وفي رواية حتى تغلف قلبه، فذلك الران الذي قال الله تعالى فيه { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين:14].(226)
إلا أن هذا شيء والحكم على مرتكب المعصية بالكفر شيء آخر.
2- تكفير المعين دون مراعاة للضوابط الشرعية(227):
إن من القواعد المقررة عند أهل السنة والجماعة: التفريق في أمر التكفير بين الإطلاق والتعيين، فالنصوص الواردة بالتكفير لمن عمل أعمالاً معينة مطلقة، قد يلغى حكمها لعدم قيام الشروط وانتفاء الموانع ولا فرق في ذلك بين الأصول والفروع، فإنه وإن كان القول تكذيباً لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن قد يكون القائل حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، فمثل هذا لا يكفر بجحد ما جحده حتى تقوم عليه الحجة وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم يتثبت منها أو عارضها عند معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً.(228)
فأهل السنة يقولون بالتلازم بين الظاهر والباطن، لكن مع توفر شروط وانتفاء موانع... فهم يعتبرون العمل والنية معاً، ويجعلون التحقق منهما معاً - بضوابط شرعية - شرطاً في الحكم على المعين، ولا يكفي في الحكم على المعين مجرد العمل الظاهر بإطلاق. كما لا يكفي في الحكم عليه مجرد الباطن في حال العلم به - ولا يكون ذلك إلا بوحي من الله وقد انقطع الوحي - بل لابد مع العمل الظاهر من التحقق من القصد.. )).(229)
فهنالك حالات أربع لابد من التفريق بينها وعدم لبس بعضها ببعض:(230)(1/77)
الحالة الأولى: أن يكون القصد مكفراً لكن لا يدل عليه العمل الظاهر: وذلك كأعمال المنافقين التي هي في الظاهر طاعات مع أنهم كفار في الباطن لعدم إخلاصهم لله فيها. ولذلك لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم على المنافقين الذين كان يعلم حقيقة أمرهم بالكفر الظاهر.. وكان يعاملهم معاملة المسلمين في أحكام الدنيا من النكاح والإرث وما شابه ذلك.
الحالة الثانية: وذلك كسَبِّ الله أو رسوله أو دينه، فإن ذلك كفر ظاهر ولا يمكن أن يصدر عن مؤمن يحب الله ورسوله ودينه: فإن السب بغض وكراهية، ولا يكون إيمان أبداً في قلب من لم يحب الله ورسوله ودينه، ولا ينظر هنا إلى استحلاله أو عدمه، فإن السب كفر بذاته، وهو دال دلالة قطعية على قصد من تلبس به.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده. هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل)).(231)
وهذا يبين بطلان منهج المرجئة في حقيقة العلاقة بين الظاهر والباطن، إذ يلزمهم أن يكون ما تقدم من سب الله ورسوله ودينه أوداس المصحف احتمال أن يكون مؤمناً.
الحالة الثالثة: أن يكون الفعل الظاهر محتملاً للكفر وعدمه: إذ لا يكون قاطعاً في الدلالة على أنه كفر وأمثلة ذلك هي:
فعل حاطب بن أبي بلتعة ( ومكاتبته لقريش بأمر مسير الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين إليهم لفتح مكة، فإنه في عمومه موالاة للكافرين، لكن ليس فعله قاطعاً في الدلالة على موالاتهم على دينهم، فكان ما فعله حاطب بعد تبين النبي صلى الله عليه وسلم عن حاله إنما هو معصية وليس بكفر، لذلك كان شهوده بدراً مكفراً لتلك السيئة.
فحكم رسول الله فيه كان بالظاهر لا بأمر باطن، وظاهره ليس كفراً بل معصية تحتمل الكفر، ومثل هذا لابد فيه من التبين عن حال المعين.(1/78)
الحالة الرابعة: أن يقوم بالمعين ما هو كفر قطعاً، لكن يمنع من تكفيره الاحتمال في قصده: إن من لم تبلغه الحجة الرسالية ببعض الأمور قد يكذب بها أو يستحلها فلا يكفر لأنه لم يتحقق فيه الرد للشريعة - فمجرد وصف الفعل أنه تكذيب أو استحلال أو كفر لا يعني إلحاق وصف الكفر بالمعين، حتى تقوم عليه الحجة فيما خالف فيه، فإن أصر بعد ذلك حكم بكفره لنقضه لمبدأ الالتزام بالشريعة.
ويدل على ذلك ما رواه حذيفة ? عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله، فقال لأهله: إذا أنا مت فخذوني فذروني في البحر في يوم صائف ففعلوا به، فجمعه الله ثم قال: ما حملك على الذي صنعت؟ قال ما حملني عليه إلا مخافتك فغفر له)).(232)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذُري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكنه كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك، والمتأول من أهل الاجتهاد والحريص على متابعة الرسول أولى بالمغفرة من ذلك)).(233)
ومما يدخل تحت هذه القاعدة وهي الإعذار بالجهل والتأول فيما لا يعلم، حادثة قدامة بن مظعون ?، عندما شرب الخمر مستحلاً لها لشبهة عرضت له، وهي أن التحريم عام خصصته آية المائدة { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا }[المائدة:92].
واتفق عمر والصحابة على أن قدامة وأصحابه إذا اعترفوا بالتحريم جلدوا، وإن أصروا على استحلالها قتلوا))(234) وقد جلد قدامة ?.
وعلى هذا كان عمل السلف رضوان الله عليهم، في التفريق بين التكفير المطلق، وتكفير المعين. فلم يكفر الإمام أحمد رحمه الله كل من دعا إلى القول بخلق القرآن بعينه، مع قوله إن القول بخلق القرآن كفر.
ولم يكفر الإمام ابن تيمية الذين جادلوه من الجهمية في عصره مع أن قولهم كفر.(235)(1/79)
وكثير من الغلاة وقعوا في تكفير أناس بأعيانهم دون نظر ومراعاة للضوابط الشرعية، متناسين أن للمسلم حرمته قال صلى الله عليه وسلم : ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)).(236)
((وقد جاءت السنة بعدم لعن الفاسق المعين، وإنما جاءت بلعن الأنواع، إذ لعن الله السارق يسرق البيضة، فتقطع يده، ولعن الله آكل الربا وموكله، ولعن المحلل والمحلل له، ولعن الله الخمر وعاصرها.. وذهب طائفة من الفقهاء إلى جواز لعن المعين... )).(237)
والأولى من ذلك هو الابتعاد عن تكفير المعين لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، لأن التكفير مزلق خطير، ولا يجوز للمسلم أن يُقْدِمْ عليه إلا ببرهان واضح. قال تعالى: { وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً } [النساء:94].
وجاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال الرجل لأخيه يا كافر، فقد باء به أحدهما)).(238)
فوظيفة المسلم أن يدعو على بصيرة، وما أمرنا أن نحكم على ما في سرائر الخلق، فمن نطق بالشهادتين يحكم بإسلامه ما لم يقل أو يعمل عملاً يخرجه عن دائرة الإسلام. وإن فعل شيئاً من ذلك يحكم بكفره ولا حرج.
((وإن الحكم على الناس بالإسلام أو الكفر ليس هو الذي سيحل القضية، ولا هو الذي سيجعل الناس يغيرون موقفهم)).(239)
فقد نقول عن دولة من الدول كالهند مثلاً أو تركيا أو إسرائيل إنها دولة عَلْمانِيَّة كافرة، لكن هل ينطبق ذلك على كل أفرادها وفيهم المسلمون وغيرهم؟!.(240)
وقد يصح أن نصف المجتمع الذي تحكمه شريعة الله، ويعيش تحت مظلة الجاهلية بأنه جاهلي. لكن لا يصح أن نحكم على أفراده بأعيانهم بالكفر أو الجاهلية.
يجب الاحتياط في مثل هذه المسائل، وأن نفرق بين الدولة والمجتمع والفرد.
3- تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله بإطلاق:(1/80)
ورد في القرآن الكريم التصريح بأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر قال تعالى :{ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } [المائدة:44]، { فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ }[المائدة:45]،{ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } [المائدة:47] وللعلماء آراء في تفسير هذه الآيات.(241)
والحكم بغير ما أنزل الله منه ما هو كفر عمل، ومنه ما هو كفر اعتقاد يقول ابن أبي العز الحنفي مفصلاًً أحوال الحاكم:
((إنه إن اعتقد - أي الحاكم - أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، أو أنه مخير فيه أو استهان به، مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر، وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله. ثم عدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاص، ويسمى كافراً كفراً مجازياً أو كفراً أصغر)).(242)
وزاد الشيخ محمد بن إبراهيم الأمر تفصيلاً، فأوضح أحوال الحاكم وبين مذهب أهل السنة نختصر منه ما يناسب المقام.
قال رحمه الله إن الآية تتناول الكفر بين كفر الاعتقاد وكفر العمل.
فأما الأول فهو أنواع: النوع الأول: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله فهذا جحود لما أنزل الله... ولا نزاع بين أهل العلم أن من جحد أصلاً من أصول الدين، وفرعاً مجمعاً عليه.. فإنه كافر الكفر الأكبر الناقل عن الملة.
ومن ذلك: أن يعتقد أن حكم غير الله أحسن وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم... وهذا لا ريب أنه كفر.
ومن ذلك إذا اعتقد الحاكم أن حكم القوانين مثل حكم الله، وذلك كمن سبقه في كونه كافراً الكفر الناقل عن الملة، ومن ذلك إذا اعتقد جواز الحكم بغير ما أنزل الله، ومن ذلك جعل محاكم غير شرعية مراجعها كلها من غير الشرع من القوانين الملفقة من شرائع شتى.. فأي كفر فوق هذا الكفر!!(1/81)
وأما القسم الثاني: كفر العمل وهو الذي لا يخرج من الملة، وذلك أن تحمل الحاكم شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهوى، فهذا وإن لم يخرج عن الملة، فإنه معصية عظمى أكبر من الكبائر كالربا وشرب الخمر...(243)
فالحكم بغير ما أنزل الله من أشد الأسباب التي أدت إلى ردة فعل عنيفة، أدانت كل من يخرج عن حكم الشريعة وحكمت بكفره، ثم جاءت أحكام أخرى تالية.. تبعاً لهذه الظاهرة.
إن الدعوة إلى تحكيم شرع الله واجب على كل مسلم، وقد بوّب العلماء في قضية الخروج على الحاكم الكافر: لأن إمامته لا تصح ابتداء. قال ابن المنذر: ((أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر لا ولاية له على مسلم بحال)).(244)
وقال ابن حجر ((إنه ينعزل بالكفر إجماعاً، فيجب على كل مسلم في ذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة عن تلك الأرض)).(245)
إلا أن ذلك يتولاه أهل الحل والعقد، لأن الخروج له خطورته، وقد سبب فتناً كثيرة في تاريخ هذه الأمة.
وعلى ضوء ما تقدم يتبين لنا أن أصحاب الغلو المعاصر وقعوا في الخلل في موضعين:
أ- إطلاق القول في تكفير الحكام دون نظر للتفصيل الذي أورده العلماء.
ب- تكفير المعين منهم، دون نظر لما قد يكون عليه من جهل أو إكراه أو إيمان بحكم الله عز وجل، مع وجود بعض الأعذار التي تنقل حكم هذا الفعل من الكفر المخرج عن الملة إلى الكفر غير المخرج عن الملة.(246)
ويتبين لنا حدود الغلو في هذه المسألة فيما يأتي:
1- الخارج على الإمام العادل يعتبر غالياً.
2- الخارج على الإمام الكافر لا يعد غالياً.
إلا أن يكون وحيداً أو معه آحاد من الناس، فيعتبرون مشددين على أنفسهم إذ حملوها ما لا تطيق، والخروج هنا ليس غلواً من حيث الخروج نفسه، وإثماً من جهة كيفيته ووقته، فهو غلو في منهج العمل.(247)(1/82)
ومما تجدر الإشارة إليه أن الداعين إلى الحاكمية اليوم يصرون على ضرورة تطبيق الحكم الشرعي، بل يقولون بالسيادة المطلقة لحكم الله التي هي من لوازم الإسلام، ومن أول مقتضيات الشهادتين.
بينما كان الخوارج لا يرون تحكيم الرجال في دين الله، حتى لو كانوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأياً كان الأمر فإن قضية تكفير الحكام عامة، اتخذت ذريعة من قبل أعداء الإسلام، ليشنوا حملة تحصد شباب الصحوة الإسلامية في كل مكان، دون تمييز بين المعتدل منهم أو الغالي.. وإن التركيز على التربية العقدية هو الأساس، حتى إذا عادت الأمة إلى دينها، وصفت عقيدتها، هانت التكاليف، وخفت المآسي.
4- تكفير الأتباع المحكومين بغير ما أنزل الله:
من الغلو التكفير دون دليل واضح..
وقد كفّر بعضهم: الشعوب المسلمة اليوم بدعوى اتباعها لمن يحكم بغير ما أنزل الله، وطاعتها لهم حتى قالوا: ((إن المسلم يرتد كافراً مشركاً متى أطاع من لم يحكم بما أنزل الله واتبعه، والطاعة والاتباع يكونان - حسبما قالوا - بالعمل دون النظر إلى النية والاعتقاد)).(248)
لقد حكم هؤلاء بأن عدم الاعتراض الظاهر على ممن يحكمون غير الشريعة من القوانين الوضعية دليل كاف على الرضا في الباطن، وأنهم بذلك قد شايعوا حكامهم وتابعوهم على إبعاد تحكيم الشريعة. وأن ذلك هو الأصل فيهم حتى يظهر منهم ما يدل على خلافه بعد التبيّن.
ونتيجة هذا القول فإن من لم يتبين إسلامه، ولم يهاجر في مثل هذه الظروف، يكون كافراً لا ولاية بينه وبين المسلمين.(249)
والحقيقة أن الأتباع الذين يحكمون من قبل رؤسائهم بغير ما أنزل الله يختلفون حسب موقفهم ونياتهم من ذلك الحكم. وقد قسمهم العلماء إلى قسمين:
القسم الأول: المطيعون لحكّامهم وهم نوعان:(1/83)
أ- العالمون بأن متبوعيهم قد بدلوا دين الله، فيتبعونهم على التبديل، ويعتقدون تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله اتباعاً لهؤلاء المتبوعين، مع علمهم بمخالفتهم للإسلام، فهذا كفر بالله عز وجل وقد جعله الله شركاً.(250) قال تعالى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً } [التوبة:31]، وذلك بسبب طاعتهم لهم في الأمر والنهي بغير ما أنزل الله...
ب- النوع الثاني: المطيعون مع إيمانهم واعتقادهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال، ولكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم عند قيامه بالمعاصي، مع اعتقاده بأنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، فقد ثبت عن رسول الله أنه قال: ((إنما الطاعة في المعروف)).(251)
إلا أن مجرد الطاعة في العمل لا يكون بها تكفير، إنما يكون التكفير في الطاعة مع الاعتقاد.
يقول أبو بكر بن العربي: ((إنما يكون المؤمن بطاعة المشرك مشركاً إذا أطاعه في اعتقاده، الذي هو محل الكفر والإيمان، فإذا أطاعه في الفعل، وعقده مستمر على التوحيد والتصديق، فهو عاصٍ، فافهموا ذلك في كل موضع)).(252)
القسم الثاني: هم المنكرون والكارهون، غير الراضين، فهؤلاء غير آثمين بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضلاً عن أن يكونوا كافرين.
قال صلى الله عليه وسلم : ((يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع)).(253)
فالإنكار واجب حسب الاستطاعة، وفي الكراهية سلامة، والكفر لا يكون إلا بالرضا والمشايعة والاتباع.
5- تكفير الخارج عن الجماعة المسلمة(254):
لقد أمر الله عز وجل بالاجتماع ونهى عن التفرق والاختلاف:
{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } [آل عمران:103].(1/84)
وقد تكاثرت الأحاديث الحاضة على الجماعة والمحذرة من مفارقتها ومخالفتها ومن ذلك:
- الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود ? إذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)).(255)
- وعن أبي ذر ? قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)).(256)
والنصوص في لزوم الجماعة كثيرة، وقد تتبع بعض أهل العلم هذه الأحاديث وأقوال السلف في بيان معنى الجماعة وبينوا المقصود بالجماعة.(257)
6- المقصود بالجماعة:
ويمكن إيجازها على خمسة أقوال:
1- إن الجماعة: هي السواد الأعظم من أهل الإسلام.
2- الجماعة هي: أئمة العلم والمجتهدين.
3- إن الجماعة: هم الصحابة على وجه الخصوص.
4- إنها تعني أهل الإسلام في مقابل الكفار.
ومداد هذه الأقوال كلها على معنى الاتباع ولذلك فإن الجميع اتفقوا على اعتبار أهل العلم والاجتهاد هم المقصودين.
5- القول الخامس يعني أن الجماعة، هي جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على الإمام الشرعي.
((وعليه فإن الجماعة المذكورة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن حصرها في واحدة من الجماعات الإسلامية القائمة الآن والمعروفة بأسمائها وقادتها ونظمها، فاعتبار جماعة من هذه الجماعات هي جماعة المسلمين، واعتبار الخارج منها كافراً، أو مفارقاً للجماعة، كل ذلك تعسف لا مبرر له)).(258)
فالجماعة في العمل الإسلامي تعد وسيلة للدعوة إلى الله عز وجل ولا يضير المسلم أن يختار من هذه الجماعات ما يراها أقرب إلى الحق والصواب.(1/85)
وقد وقع الغلو في مفهوم الجماعة في العصر الحديث، حيث اعتقد بعض الناس أن جماعتهم هي جماعة المسلمين، وجعلوا كل حديث ورد في النهي عن مفارقة الجماعة منزلاً على جماعتهم الخاصة، ومن ذلك ما يراه الشيخ سعيد حوى رحمه الله من أن جماعته هي أقرب الجماعات على الإطلاق لأن تكون جماعة المسلمين.(259)
وممن وقع في الغلو في مفهوم الجماعة ما تدعيه جماعة شكري مصطفى من أنها جماعة المسلمين، بل يسمونها بهذا الاسم، ((ويعتقدون أنها جماعة آخر الزمان المجتباة قدراً، المعلومة عند الله، والمكتوبة في اللوح المحفوظ)).(260)
ويقول أيضاً: ((إذا كنا الجماعة المسلمة، وإذا اتفق على أننا الجماعة المسلمة المعنية في آخر الزمان، والتي ما إن تظهر حتى تظل ظاهرة غالبة لا يضرها من خالفها حتى يقاتل آخرها الدجال أو حتى تقوم الساعة)).(261)
كما أنهم يعتقدون أن جماعتهم هي جماعة الحق، يقول أحد قادتهم(262): ((نحن جماعة الحق، ومن عدانا فليس بمسلم)).
وقد أفضى بهم هذا الغلو في مفهوم الجماعة إلى قتل من تركوا جماعتهم واعتبارهم مرتدين بهذا الخروج.(263)
وفي حوار دار بين عبد الرحمن أبي الخير، ورجل آخر من جماعة شكري مصطفى. قال الآخر:
((إنهم لم يصلوا على الشيخ صالح سرية وكارم الأناضولي وهما من جماعة أخرى (تدعى الفنية العسكرية) لأنهما رفضا أن يبايعا الجماعة، ونحن جماعة الحق، ومن عدانا فليس بمسلم، ولا يجوز أن تتعدد الجماعة المسلمة، ولذلك فإن هذه الجماعة تسمي الخارجين عنها مرتدين)).(264)
لقد أخطأ هؤلاء في إنزال الأحاديث التي تتحدث عن جماعة المسلمين على جماعتهم الخاصة، مخالفين إجماع العلماء وإنه حتى الخروج على جماعة المسلمين على الشكل الذي أوردوه لا يعد كفراً.
ومن هنا تخبط الغلاة في بدعتهم هذه، ووقعوا في مخالفات لا مبرر لها، وحكموا على المسلمين ما عداهم بالكفر.
7- مقاطعة الجمعة والجماعة في المسجد:(1/86)
يرى بعض أهل الغلو أن فريضة الجمعة لها شروط إذا توافرت أقيمت الفريضة، وإلا توقفنا عنها حتى تستوفى شروطها، وشرطوا في إقامة الجمعة التمكين فلا جمعة في الاستضعاف.(265)
ولم يسبقهم إلى ذلك عملياً إلا الرافضة، حيث يرون إيقاف إقامتها إلى ما بعد أن يمكن الله لهم في الأرض.
((وقد زعم بعضهم أن المساجد القائمة الآن في الأرض مساجد ضرار باستثناء أربعة مساجد فقط، هي المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ومسجد قباء، وعليه فلا يجوز الصلاة في غير هذه المساجد الأربعة)).(266)
ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يصلون الجمع والأعياد والجماعات، لا يدعون الجمعة والجماعة، كما فعل أهل البدع من الرافضة وغيرهم.(267)
أما صلاة الجمعة: فقد شددت الأحاديث على ضرورة إقامتها، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليطبعن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين)) وقال: ((من ترك ثلاث جمع تهاوناً من غير عذر طبع الله على قلبه)). والجمعة فريضة باتفاق الأئمة.(268)
أما الإمامة في صلاة الجمعة، فقد اختلف الفقهاء في وجوب تقليدها: ((فذهب أبو حنيفة وأهل العراق إلى أن صلاة الجمعة من الولايات الواجبات، وأن صلاة الجمعة لا تصح إلا بحضور السلطان أو من يستنيبه فيها))، ((وذهب الشافعي وفقهاء الحجاز.. أن حضور السلطان ليس بشرط فيها، فإن أقامها المصلون على شرائطها، انعقدت وصحت)).(269)
أما صلاة الجماعة: فهي واجبة عند كثير من العلماء، بل عند أكثر السلف، وهل هي شرط في صحة الصلاة على قولين:
أقواهما كما في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من سمع النداء فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له)).
وعند طائفة من العلماء أنها واجبة على الكفاية.
(وأحد الأقوال) أنها سنة مؤكدة - ولا نزاع بين العلماء أن من جعل صلاته وحده أفضل من صلاته في جماعة فإنه ضال مبتدع، مخالف لدين المسلمين.(1/87)
وهذه البدع يذم أصحابها، ويعرف أن الله لا يتقبلها، وإن كان قصدهم العبادة، كما أنه لا يقبل عبادة الرهبان)).(270)
وقد يحتج أهل الغلو بأن الصلاة خلف مجهول الحال، وفي دار يعتبرونها دار حرب وكفر لا تصح. بينما يرى العلماء أن ((الصلاة خلف المستور جائزة باتفاق علماء المسلمين، ومن قال إن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلون خلف من يعرفون فجوره، كما صلى عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان قد شرب الخمر وصلى صلاة الصبح أربعاً، وحده عثمان بن عفان على ذلك)).(271)
هذا وإن المبتدعة لا ينظرون إلا من زاوية واحدة، تتسم بضيق الأفق غالباً.
فالمسلم الداعية إلى الله، يبتغي الأجر، وما عند الله، ويحافظ على العبادات، كما دعت إليها أحكام الشرع.
فلِمَ يضيع مضاعفة الحسنات بسبب تخلفه عن صلاة الجماعة؟ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة)).(272)
وقد حثت الأحاديث النبوية على ملازمة الصلوات مع الجماعة، ولم يرخص في التخلف عنها إلا لصاحب عذر، كمرض ونحوه، وما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعمى في تركها، وما كان يتخلف عن صلاة الجماعة إلا منافق معلوم النفاق.
عن ابن مسعود ? قال: ((من سره أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات))، ((ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)).(273)
وعن أبي الدرداء ? قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم صلاة، إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)).(274)(1/88)
وأخيراً: ألا يفرح العلمانيون والحاقدون، إذا أغلقت المساجد، وهجرت صلاة الجماعة، وعطلت صلاة المسلمين في المساجد؟!
المسجد مدرسة يتخرج منها المؤمنون علماً وتقىً وجهاداً.
والمساجد منابر فيها تتاح الفرص، ليخاطب الدعاة جمهور المسلمين من فوق منابرها، في الأعياد والجمع.
وهي الوسيلة المثلى من أجل لقاء المصلين مع بعضهم، وحتى يتفقدوا أمورهم، وليتذاكروا ويتناصحوا.
إن تعطيل الجمعة والجماعة غلو مناف للنصوص الشرعية وأقوال العلماء.
وهو مناف لروح الدعوة، وطبيعة هذا الدين.. مخالف لما سار عليه جمهور المسلمين عبر تاريخهم الطويل، كما أن هذه البدعة لم تجد آذاناً صاغية من جمهور المسلمين حتى اليوم.
8- تحريم التعليم والدعوة إلى الأمية(275):
هي دعوة شاذة لا ريب، وخاصة أننا نعلم مدى حرص الإسلام على طلب العلم قال تعالى: { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً } وقال صلى الله عليه وسلم : ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)).
فالعلوم الشرعية والعربية محمودة ضرورية، والعلوم التي يحتاجها البشر في أمور حياتهم ليست مذمومة، بل هي محمودة مطلوب من الناس أن يحققوا لأنفسهم الكفاية فيها، إنما تذم إذا أضرت بالناس وانحرفت عن مقاصدها.
وقد جاءت الشريعة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم بما يدل على مشروعية تعلم العلوم البشرية، من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت ? أن يتعلم كتاب اليهود ((حتى كتب للنبي كتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه)).(276)
واتخذ صلى الله عليه وسلم الكتاب، منهم الخلفاء الراشدون، كما أمر بعض أسرى قريش يوم بدر أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة فداء لهم من الأسر.(277)
إلا أن تحريم تعلم العلوم البشرية، هو تحريم لما أحله الله وهو غلو في الدين، وقد وقع في هذا بعض المعاصرين.(1/89)
يقول شكري مصطفى في سياق عرضه لجماعة آخر الزمان: ((إن جماعة الحق في آخر الزمان خير أمة سوف تخرج للناس مرة ثانية، سيمتها وعمومها أنها أمة أمية لأنها تدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((.. نحن أمة أمية)).(278)
وفي كتاب الخلافة يقول: ((من كان يظن أن تكاليف بناء المدنية الحديثة لا تتعارض مع تكاليف العبادة، وأنه كان يمكن لعلماء الغرب وبناة المدنية أن يكونوا عباداً لله في نفس الوقت، من كان يظن ذلك فليشهد على نفسه أولاً بقلة الحياء، وصفاقة الوجه، ثم يفعل بعد ذلك ما شاء)).(279)
ومما يجدر ذكره أن تحريم الدراسة لم يكن قاصراً على كليات الطب والهندسة واللغات الأجنبية، وإنما كان يشمل الجامعات والمعاهد الإسلامية.. لأنها تدخل ضمن إطار مساجد الضرار، فأساتذتها منافقون بل ومرتدون لأنهم يؤمنون بأن هنالك كفراً لا يخرج عن الملة)).(280)
ويعتمدون على الحديث: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا)) يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين.
ويسرف في الخطأ من يعتقد أن رسول الله دعا في هذا الحديث إلى تكريس الأمية للأسباب التالية:(281)
1- بين صلى الله عليه وسلم أننا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب، كما كانت تفعل الأمم السابقة، فالشهر يكون تارة تسعة وعشرين، وتارة ثلاثين، والفارق بينهما هي الرؤية فقط، وما تزال الرؤية أفضل من الاعتماد على الكتاب والحساب.
2- وصف صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الحالة التي كان عليها العرب الذين بعثه الله فيهم، وليس فيه ما يدعو إلى تحريم الكتابة والقراءة.
قال ابن حجر العسقلاني: ((المراد - أي الأميون - أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة، وهو محمول على أكثرهم أو المراد نفسه صلى الله عليه وسلم )).(282)(1/90)
ولم يكن الصحابة جميعاً أميين، فلقد كان بينهم كتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد ومعاوية.. وكانوا رضي الله عنهم يكتبون الوحي والعهود.. وقد أمر زيد بن ثابت - كما علمنا - أن يتعلم لغة يهود فتعلمها ? في خمسة عشر يوماً.. وفي هذا دليل على ضرورة تعلم اللغات الأجنبية عند الحاجة إلى ذلك.
ولم يعد المسلمون أميين بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لقد فقه أصحابه في دين الله، وعلمهم الكتاب والحكمة، فكانوا خير أمة أخرجت للناس..
ولو دعت هذه الجماعة - الجماعة الإسلامية - إلى إعادة النظر في مناهج التعليم التي وضع أسسها أعداء الإسلام، أو لو قالوا: إن القائمين على معظم الجامعات في عالمنا الإسلامي، حرصوا على إبعاد علوم الشريعة الإسلامية من المناهج المقررة في الكليات العلمية، ودراسة اللغات الأجنبية، لقلنا إن هذا الكلام لاشك فيه.
أما أن يقولوا بحرمة الدراسة في مختلف الجامعات والمعاهد العلمية، وأن الدارسين فيها كفرة باعوا آخرتهم بدنياهم، فهذا مناف للعقول، وإنه لمن المؤكد أن أقباط مصر سيرقصون طرباً لهذه الخرافات، وأن أعداء الإسلام سوف يجدون في انتشار مثل هذه الأفكار آمالاً عريضة طالما عملوا لها خلال قرون، وأية خدمة أكبر من إبعاد شباب الإسلام عن المدارس والجامعات ونشر روح التخلف والأمية بينهم؟(283)
المبحث الخامس
كيف تعالج هذه الظاهرة؟!
إن علاج هذه المشكلة ليست بالأمر السهل، وإن تفاديها يكمن وراء تفادي الأسباب التي أدت إلى هذا الغلو.
إنها لمهمة صعبة ومشتركة تقع على عاتق جميع فئات المجتمع.
((ولابد أن نفرق بين نوعين من الغلو:
أ- الغلو الذي هو فعلاً غلو في الدين، وتجاوز للحد، كغلو بعض الجماعات الموجودة الآن في بعض أقطار المسلمين.(1/91)
ب- ما تسميه أجهزة الإعلام - غربيها وشرقيها - غلواً أو تطرفاً، أو أصولية، وهو في الواقع دعوة إلى الله وإلى دينه، وتحكيم شريعة الله، والعمل بالكتاب والسنة)).(284)
نتحدث عن النوع الأول، ونصرف النظر عن التهويش الإعلامي. فمن أهم أسباب تفادي هذه الظاهرة:
1- الاعتصام بالكتاب والسنة، ونشر عقيدة السلف:
أمر الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بالاعتصام بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد حذر من الفرقة واتباع الأهواء، وكذا فعل رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام.
قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [آل عمران:103].
وقال جل من قائل: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } [الأنعام:159].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنتي)).(285)
وقد بينت الأحاديث كذلك حتمية افتراق هذه الأمة إلى فرق، وسيصيبها ما أصاب بني إسرائيل من التمزق والتحزب والتفرق، وبين صلى الله عليه وسلم ، أن العاصم من هذا كله هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما أجمع عليه سلف هذه الأمة.
قال صلى الله عليه وسلم : ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة على أمر الله لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)).(286)
فمن أراد النجاة والفوز، فعليه أن يعتصم بما اعتصم به السلف الصالح من التمسك بكتاب الله وسنة رسوله.(1/92)
ومن تأمل في مظاهر الغلو الموجودة في العصر الحديث، يتبين له أن تلك المظاهر خارجة عن مذهب أهل السنة والجماعة، وعن المعتقد الشرعي الصحيح، وعليه فإن نشر العقيدة الصحيحة وتدريسها في المدارس والجامعات والمساجد، وتدارس أهل الدعوة لها ووضعها في مناهجهم، سيحقق للمجتمع المسلم الحصانة من الغلو بإذنه تعالى.(287)
2- نشر العلم الشرعي:
يتميز دعاة الغلو بقصور باعهم في مجال العلوم الشرعية، وينصب اهتمامهم على الدعوة، وذخيرتهم فيها الحماس والغيرة، دون علم شرعي.
لذا يجب نشر العلوم الشرعية، ومعرفة الدليل، بين الشباب، وأن تعقد لهم دورات خاصة لهذا الغرض، يشرف عليها علماء أكفاء، ذوو علم وإخلاص.(288)
ومن أوجب الواجبات على المسلم بعد أن يشهد شهادة الحق، هو الاشتغال بالعلم الشرعي لمعرفة ما أوجبه الله عليه من أمور دينية فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ((وإن العلماء ورثة الأنبياء... فمن سلك طريقاً يطلب به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة)).
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أيها الناس تعلموا، إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)).(289)
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: ((طلب العلم أفضل من صلاة النافلة)).(290)
ولابد من ضبط مناهج التعليم، وربطها بدين هذه الأمة وتاريخها حاضرها ومستقبلها، حتى يتخرج جيل مؤمن يعرف دينه حقاً.
وإن تكثيف المواد الشرعية والإسلامية، هو الذي ينتج العلم الشرعي الصحيح الواقي من الانحراف ولا ريب.(291)
3- إحياء دور العلماء:
يعتبر غياب دور العلماء عن الساحة - في كثير من البلاد الإسلامية غياباً كلياً أو نسبياً، من ضمن أسباب الغلو، فلابد إذن من إعادة دورهم، ويعتمد ذلك على:(1/93)
* أن ينبري العلماء لهذا الدور بالإخلاص لله، والقيام بواجبهم تجاه ولاة الأمر بالمناصحة، وتجاه عموم المجتمع بالتربية والتوجيه، وتجاه فئة الشباب بالتربية والعناية. وأن يبتعد العلماء عن كل ما يخدش مقام العلماء وكرامتهم، من الحرص على الدنيا والتكالب عليها.
* وأن يأخذ ولاة الأمر برأي العلماء، ويستشيروهم، وأن يوكلوا إليهم مهمة معالجة مظاهر الانحراف.
* وأن يأخذ المجتمع (الشباب خاصة) برأي العلماء وبفتاواهم الشرعية.
وإذا تحقق دور العلماء في المجتمع، فإن هذا المجتمع سوف يكتسب حصانة من مظاهر الانحراف والغلو.(292)
* ولابد من إعادة الثقة بين العلماء والحكام والشباب، على أسس سليمة من وعي لواقع الأمة، وتمسك بشريعتها السماوية.
وإن أية محاولة لمعالجة الغلو لابد أن تنطلق من أرضية صحيحة، وهي الدين الوسط، وأن لا نعالج بعض مظاهر الغلو كالعنف، ثم نهمل الجذور الحقيقية للغلو.
هذا وإن تمكين العلماء الربانيين من القيام بواجبهم وفتح السبل لكلمتهم، والسماح بمرورها إعلامياً، وأن يشكل العالم الشرعي مرجعية حقيقية للجميع مما يساعد في القضاء على ظاهرة الغلو.
((والعلماء الذين - أعنيهم - هم العلماء الربانيون الجريئون في قول الحق، المحبون لخير هذه الأمة، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، والمحاسبون للولاة، الناصحون لهم بالحق.. لا يخشون أحداً إلا الله سبحانه، ولا يسكتون عن حق واجب إذاعته، ولا يكتمون حكماً شرعياً في قضية، سواء أكانت متعلقة بشؤون الأمة أم بعلاقات الدولة.
إن علماء المسلمين هم الذين كانوا يقودون حملات الجهاد، ويرفعون رايات الإصلاح، ويدافعون عن حقوق أمتهم، فلم ينزووا في مساجدهم، أو منازلهم، أو يقتصروا على تدريس طلابهم، وإفتاء الناس في قضاياهم الخاصة من طلاق ووضوء وصلاة، وبيع وشراء وغيرها، مع أهمية ذلك كله، بل كانوا يعلمون أن مسؤوليتهم أكبر من ذلك بكثير.. )).(293)(1/94)
4- تحكيم شرع الله ونبذ القوانين الوضعية:
إن إبعاد الإسلام عن الساحة - في معظم بلاد المسلمين - وحصره في جانب العبادات والأحوال الشخصية، والخضوع إلى شرع الكفار والملحدين، من أهم أسباب فساد العقائد والتصورات، وظهور كثير من البدع والمخالفات، كبدعة التكفير وغيرها.
إن الغلو المعاصر كان بسبب تحكيم القوانين الوضعية، وما عليه المسلمون اليوم من ذل وتمزق لا يمكن أن يزول إلا بالرجوع إلى شرع الله، وقد جاء في الأثر عن الإمام مالك رحمه الله قوله: ((لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها))، وهو الإسلام.
هذا وإن إعادة الأمة الإسلامية إلى رشدها، وإعادة الإسلام إلى الساحة في معظم ديار المسلمين، يحتاج إلى صدق وإخلاص وعمل متواصل، إلى صبر وعلم وفقه، لأن ذلك لا يتم إلا بتحكيم شرع الله في الشؤون كلها، ولابد للدعاة والعلماء والجماعات الإسلامية أن تركز على:
- العمل لتصحيح عقائد المسلمين وتصوراتهم، وعلى مفهوم وحقيقة لا إله إلا الله.
- والعمل على إعداد قوة لتمكين هذا الدين في الأرض، وإزالة قوى الشر التي تحول دون ذلك.(294)
لقد كانت مشكلة الغلو المعاصر رد فعل لأوضاع خاطئة - كالحكم بغير ما أنزل الله - فهؤلاء يطالبون بتصحيح الأوضاع الخاطئة.
هذا وإن المطالب المشروعة التي يطالبون بها، يشترك معهم فيها كثير من المنصفين لأمتهم، بغض النظر عن أسلوب الغلاة الخاطئ في تصحيح هذه الأوضاع.(295)
5- محاورة أهل الغلو:
ينبغي إقامة الحوار البناء مع الغلاة، على أسس شرعية، فقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب المحاورة مع الغلاة، ودحض شبهاتهم إذ رد على ذي الخويصرة بقوله: ((ويحك من يعدل إن لم أعدل)) كما حاور علي ? الخوارج، وحاورهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. وهو أسلوب ناجح لأن نور الحق ساطع، ولكن لابد من ضوابط لهذا الحوار:
أ- أن يكون مبنياً على الثقة، فيكون العالم المناقش والمحاور محل ثقة المتهمين بالغلو.(1/95)
ب- أن يعامل المتهمون بالغلو على أنهم متهمون، لا أنهم مدانون يقفون في ساحة محكمة.
جـ- أن يتوفر للطرفين حرية الحوار، فلا يملى على العالم جوانب الحوار، ولا يكون حوار المتهمين بالغلو في ظل القوة والعنف.
د- أن يكون القصد من الحوار البحث عن الحق، وليس جمع أدلة لإدانة المتهمين بالغلو.(296)
كما ينبغي البعد عن العنف في معالجة الغلو، لأن ذلك لم يُجْدِ حتى الآن، فالعنف لا ينتج إلا العنف، وإذا استنفدت الوسائل كلها في العلاج، فلابد أن يتولى المحاكمة العلماء والقضاة الشرعيون.
((فالضغط والإرهاب والتعسف لا يزيد الغلو إلا مضاء وقوة وإصراراً، وهذا الضغط يعتبر من أكبر المسوغات لأولئك الغلاة.
وإننا نعلم أن في إسرائيل مثلاً أحزاباً أصولية، متطرفة متشددة، فماذا فعلت إسرائيل تجاه هذه الأحزاب؟!
لقد شاركت في الحكم رغم خلافها مع الأحزاب الحاكمة. إن الدعوات لا تحارب بالقهر والعسف والملاحقة)).(297) إذا أردنا حلاً جاداً لقضية التطرف وما يتبعها من عنف.
6- البعد عن الازدواجية والتناقض:
إن ذلك ضروري لمن يريد معالجة الغلو، وقد وقع فيها كثير من المعاصرين، فبينما ترتفع الأصوات في بعض المجلات والصحف وتفتح الملفات الصحفية (كملف النقاب) باعتباره مظهراً من مظاهر الغلو - كما يزعمون - لا نرى من يستنكر ظاهرة العري في الشوارع، وعلى الشواطئ وظواهر الانحلال في المجتمع المسلم بحجة الحرية الشخصية؟)).(298)
ومما يؤسف له أن الإعلام العربي عندما يتحدث عن الدعوة الإسلامية باسم التطرف والأصولية، يتخلى عن الموضوعية ويتناقض وينحاز، فلا يعرض إلا رأياً واحداً، ولا يعرض إلا جانباً واحداً من الحقيقة.(299)
وهذه الازدواجية أدت إلى إضرام النار في قلوب المعتدلين فضلاً عن الغلاة، فلو كثر المنصفون والناهون عن المنكرات لهان الأمر.(1/96)
((ولو أن الإنسان وقف موقفاً إيجابياً من المتنكرين للدين، والمتحللين من أحكامه، وغير ما يراه من المنكر بيده أو بلسانه، ما وجدت عندنا ظاهرة التطرف في الدين، ولو وجدت - لسبب أو لآخر - لكانت أخف وطأة مما ظهرت به)).(300)
فالواجب على المسلمين البعد عن الخلط بين الصحوة والغلو، وأن يحذروا من أساليب الأعداء التي تبرر ضرب الصحوة الإسلامية تحت ستار ضرب الغلو، فإن الغلو في المجتمعات المسلمة المعاصرة قليل الحجم، ومن الظلم أن يسحب الحكم على الكثرة التي تمثل تيار الاعتدال، ليشمل معظم تيار الصحوة الإسلامية في العصر الحديث.
الفصل الثاني
الغلو والتطرف عند غير المسلمين
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: دور الأعداء في تضخيم ظاهرة الغلو عند المسلمين ويتمثل في:
1- دور الدوائر الغربية.
2- دور إسرائيل.
3- دور العلمانيين.
المبحث الثاني: غلو الأعداء وتطرفهم عبر التاريخ.
1- من هم أهل التطرف والإرهاب في هذا القرن؟!
2- صور من غلو الأعداء وتطرفهم.
أ- مأساة المسلمين في الأندلس.
ب- الحروب الصليبية في القديم والحديث.
جـ- محنة المسلمين في البوسنة والهرسك.
المبحث الأول
دور الأعداء في تضخيم ظاهرة الغلو عند المسلمين
1- دور الدوائر الغربية:
لقد ساهمت صحف الغرب في تضخيم هذه الظاهرة، حتى أخافت العالم من خطر الزحف الأصولي عليه، وها هي وسائل إعلامهم في أوروبا وأمريكا ما تزال تدق نواقيس الخطر لتخنق الصحوة الإسلامية، وتحارب عودة المسلمين إلى دينهم الحنيف.
((لقد استخدم الغرب مصطلح (الأصولية) للنيل من الصحوة الإسلامية عموماً، وأهل الغلو خاصة)).(301)
يقول أحد الباحثين الغربيين: ((إن كلمة الأصولية تعتبر غير محببة للنفس.. فهي عبارة، تقترن عادة بالعداء والازدراء وتدل على ضيق الأفق والتعصب الأعمى، وتدل على النزعة المناهضة للتقدم، والنزعة الطائفية كذلك)).(302)(1/97)
لقد نقل الغربيون هذا المصطلح، ووصموا به طائفة من المسلمين اعتباراً من عام (1975م) إذ شهدت هذه الفترة تنامي الصحوة الإسلامية، وظهور مظاهر التدين، كالحجاب واللحية والدعوة إلى تطبيق الشريعة، مما جعل الغرب يعيش في حالة من القلق، إلى درجة دفعت بعض الباحثين إلى وصفها بأنها حالة مرضية.(303)
ويؤكد بعض الكتاب أن اصطلاح ((التطرف)) الذي يقابل مصطلح ((الأصولية)) استعمل في إسرائيل، في الصحف والإذاعة، ووصم المتمسكين بالإسلام جميعاً بالتطرف، مما يشعر بأن اليهود هم أول من استخدم هذا المصطلح.
وعلى أية حال: فسواء أكان السابقون لنشر هذا المصطلح هم اليهود أم ((ظاهرة الأصولية الإسلامية)) متأثراً في تسميته هذه بالخلفية الموجودة عند الغربيين عن ظاهرة الأصولية النصرانية.(304)
ويتلخص مفهوم الغلو - أو ما يسمى بالأصولية الإسلامية - عندهم فيما يأتي:
1- إن الغربيين يهتمون بالظاهرة الإسلامية باعتبارها ناحية سياسية أكثر منها ظاهرة دينية ويدل على ذلك:
* أن الجانب السياسي للغلو هو الأكثر استئثاراً بالبحث في موضوع الغلو.
2- أن تطبيق الشريعة والدعوة إليها، يعد من أبرز ملامح الغلو عندهم، سواء أكان ذلك التطبيق في الجانب السلوكي للأفراد أم في الجانب الاجتماعي للأمة كلها.
3- أن الدعوة إلى عدم فصل الدين عن الحياة تعتبر لديهم من الغلو؟!
4- أن الأخذ الحرفي بأوامر القرآن والالتزام بها من الغلو.
5- أن من أظهر أعمال الغلاة مزاولة أعمال العنف. والغربيون يسوون في ذلك بين: الجهاد ضد الكفار، والعنف والإرهاب غير المشروع.(305)
ويلاحظ هنا مدى التحامل أو التجاهل لحقيقة الإسلام الذي لا يفصل بين الدين والسياسة في تاريخه كله.(1/98)
((وحقيق بالغربيين حينما يستنكرون ما يسمونه ((إدخال الدين في السياسة)) ألا يقعوا في التناقض بإغفالهم لظاهرة مشابهة في الشعوب الأوروبية المتقدمة، حيث أثبتت الدراسات الفكرية والميدانية، ازدياد تأثر تلك الشعوب بالعامل الديني عند وضع قراراتها السياسية المصيرية، بالرغم من أن النصرانية عقيدة روحانية لا تتدخل في التنظيم السياسي لحياة الفرد والجماعة، بل هناك أحزاب عديدة في الدول الأوروبية تنتسب إلى المسيحية))(306) ولها توجهات نصرانية واضحة في برامجها.
ومن الخطأ الفاحش القول ((بأن تطبيق الشريعة أو الدعوة إلى ذلك من الغلو، إذ أن الشريعة الإسلامية جاءت بما فيه خير البشرية وإسعادها، وليس بين الإسلام والنصرانية المحرفة شبه، إذ لو طبقت النصرانية المحرفة في الحياة الإنسانية لكان في ذلك إعناتاً بالناس، وما كانت نشأة العلمانية في الغرب إلا هروباً من جحيم الحياة النصرانية التي أراد البابوات ورجال الكنيسة تطبيقها)).(307)
فالخلفية التاريخية الموجودة في أذهان الغربيين تجعلهم إذا سمعوا الأصولية، تمتلئ أذهانهم رعباً ونفرة بسبب المعاملات الهمجية التي اقترفها إخوانهم النصارى باسم الدين، حيث حوربت الإنسانية والتقدم العلمي، فاختيار هذا المصطلح وإسقاطه على المسلمين أو على طائفة منهم لا يخلو من غرض ولا مبرر له أصلاً.(308)(1/99)
تقول المستشرقة الإيطالية ((إيزابيلا كاميرا دافيلتو))(309): ((إن قضية الأصولية الإسلامية واجهت تضخيماً مبالغاً فيه من قبل أجهزة الإعلام الغربي، فالغرب كان وما يزال بحاجة إلى اختراع عدو حتى يضمن لنفسه خطاً دفاعياً... فلعقود كان هذا العدو متمثلاً في الشيوعية التي يتبناها المعسكر الشرقي، وعندما انهارت الشيوعية برز لدى الغرب التساؤل التالي: من سيكون عدونا المقبل؟! وإذا به يسحب من خزانة تراكم عليها غبار الزمن صورة العدو التاريخي القديم المتمثل في العالم الإسلامي. لكن الغرب كان أيضاً بحاجة إلى وسيلة لإقناع مواطنيه بمصداقية هذا الاكتشاف - الجديد القديم - لذا كان طبيعياً أن يحاول ترسيخ ملامح ((البعبع)) من خلال تقديم الأصولية الإسلامية في صورة العدو العنيف، واستخدم لتقديم هذه الصورة كل ما يمكن أن يمت إلى العالم الإسلامي بصلة. ثم تابعت حديثها قائلة: ((فنحن وعلى الرغم من وجود مظاهر أصولية كثيرة في الديانة المسيحية أو الديانات الأخرى في الغرب، لا نسمع حديثاً عن عنف هذه المظاهر الأصولية، في حين نرى هذا المنطق يطبق على العالم العربي.. إن الغرب لا يرغب في تقديم صورة حقيقية في وسائل إعلامية.. يكفي أن ترى نشرات الأخبار عندما تتحدث عن الظاهرة الأصولية ومظاهرها العنيفة، تصور الناس وهم يؤدون شعائر دينية، أو يصلون في المساجد ثم تربط بين هذه الصور وظاهرة العنف الإسلامي)) ثم تقول: ((ترى لماذا لم تفكر محطات التلفزيون في الحديث عن الظاهرة الأصولية من خلال الربط بينها وبين مشهد آلاف الذين يؤمون ساحة القديس بطرس في الفاتيكان كل يوم أحد للاستماع إلى قداس الأحد الذي يقيمه البابا ((يوحنا بولس الثاني))؟! وأولئك الذين يقفون أمام حائط المبكى ((البراق)) في القدس؟!
ثم من أجاز لهؤلاء الصحفيين أن يطلقوا على بشر عاديين يؤدون شعائرهم الدينية صفة الأصولية))؟!(1/100)
وجاء في المقال السابق أيضاً: ((وبالتعريف الغربي للأصولية صار من يتحدث اللغة العربية أو يطالب برفع الأذان، أو يعتقد بعروبة الجزائر هو أصولي)).
والآن علينا أن نستمع إلى مفكر غربي آخر يصور تحامل الغرب على الصحوة الإسلامية إذ يقول:
((الغرب ينظر للمسلمين باحتقار حتى ولو كانوا عملاءه، فما بالك بالأصوليين؟! فهذه الحركات الأصولية تمثل مصدر إزعاج للغرب، وهو غير قادر ولا راغب في مناقشة طموحاته)).(310)
إن الحقد أعمى الغربيين عن قول الحقيقة، وقلائل هم المنصفون من أمثال من سبق. وإلا فلماذا لا تكتب صحفهم عن الغلو بين المذاهب النصرانية والحروب بين أهلها؟ وها هي الحرب الدائرة بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلندة الشمالية من النماذج الحية، وها هو حقد الأرثوذكس من الصرب وإرهابهم خير دليل على ما نقول.
وقد أسفرت الدراسات التي قامت بها بعض المؤسسات الأمريكية عن وجود (370) منظمة إرهابية في العالم، وقد وقع (43%) من عمليات الإرهاب هذه في دول أوروبا الغربية، و22% منها في أمريكا اللاتينية، و6% منها في الولايات المتحدة، وفي الشرق الأوسط 15% فلماذا لا يشار إلى ذلك في صحفهم ومجلاتهم؟!
2- دور إسرائيل:
لإسرائيل دور كبير في تزوير الحقائق وتضخيم ما يسمى بقضية التطرف الإسلامي، ذلك لأنها تعتبر الصحوة الإسلامية والالتفاف حول الطروحات الإسلامية من التطرف.(311)
((على أن 40% من أهالي فلسطين في الأراضي المحتلة باتوا يؤيدون (حماس) ويرون ضرورة استبدال إسرائيل بحكم إسلامي)).(312)
كل ذلك جعل إسرائيل تضع التيارات الإسلامية على قائمة أعدائها محاولة منها لضرب هذا التيار.
وقد بدأت تتاجر لتسويق (الخطر الأصولي) - في العام الماضي - عندما ظل الرئيس الإسرائيلي الأسبق ((حاييم هرتسوغ)) يكرر ويشير إلى هذا الخطر القادم، وإلى ضرورة تصدي المجتمع الدولي له. وذلك خلال جولته الأخيرة في دول أوروبا.(1/101)
ففي زيارته إلى بريطانيا ((حمل حملة شعواء على الاتجاه الإسلامي المتعصب معتبراً أنه يشكل أكبر خطر على العالم الحر)).(313)
وقال في بولندا: ((إن الأصولية الإسلامية وتجدد العداء للسامية لا يزالان يهددان الشعب اليهودي، وإن هذا المرض لا يشكل خطراً على الشعب اليهودي فقط، ولكن على الإنسانية عموماً)).(314)
ثم صرح كذلك في بولندا قائلاً: ((إن الحركات الإسلامية المتطرفة لا تهدد الشرق الأوسط وحده، وإنما تنتشر بسرعة في العالم كله، وأضاف أن هذه الظاهرة التي يتجاهلها الغرب حتى الآن تشكل الخطر الرئيسي الذي يواجه العالم حالياً، وقال: إن حركة ((حماس)) تعتبر القوة الناسفة الرئيسية لعملية السلام في الشرق الأوسط، وأن النزاع العربي الإسرائيلي مهما كثرت تعقيداته، فإنه ليس هذه القوة الناسفة)).(315)
هكذا يدق رئيس دولة إسرائيل ناقوس الخطر من الإرهاب والأصولية، من شعب شرد وطرد من وطنه، وكأن دولته ما قامت على إرهاب ونزعة دينية حاقدة، وكأنه لا يعلم مجازر صبرا وشاتيلا وتل الزعتر للسكان الآمنين في مخيماتهم، أكان من السلام المفتعل أن يقتل عشرات المصلين في المسجد الإبراهيمي في نصف رمضان وهم سجود صائمون؟!
وبنفس الطريقة قام رئيس الوزراء الإسرائيلي (إسحاق رابين) بجولة لأوروبا وأمريكا، وحذر في العديد من خطاباته من خطر المد الأصولي في العالم، ودعا إلى ضرورة الوقوف أمام هذا المد. فقد قال في أحد تصريحاته: ((إن الخطر الحقيقي الذي يواجه إسرائيل اليوم هو خطر الأصولية، وإن إبعاد نشطاء حماس سيؤدي دون شك إلى تطوير حوار السلام، وإلى تقوية الفلسطينيين المعتدلين)).(316)
وقال خلال زيارته لبريطانيا: ((إن الإسلام الأصولي ينتشر خارج منطقة الشرق الأوسط، وأن على العالم تقليد إسرائيل في حربها ضد هذا التيار)).(317)
وقال في تصريح آخر: ((إن العالم الغربي والعالم أجمع سيدفع الثمن باهظاً إذا لم يتم إيقاف السرطان الإسلامي)).(318)(1/102)
وتعدت هذه الحملة الظالمة رجال السياسة، إلى رجال الفكر يقول باري روبين الأستاذ في جامعة تل أبيب:
((إن إنهاء الحرب الباردة، وحرب الخليج لم يقللا من خطر الأصولية الإسلامية، وإن على إدارة كلينتون أن تتعلم بسرعة أن الأصولية الإسلامية الثورية والإرهاب الدولي تجعلان قوى الراديكالية التي تهدد إسرائيل والمعتدلين العرب والولايات المتحدة بدرجة متساوية)).(319)
إن هذه التصريحات تمثل تياراً عاماً وتوجهاً واضحاً لدى الحكومة الإسرائيلية نحو سياسة معينة تهدف إلى أهداف خبيثة. منها استعداء العالم بأسره على المد الإسلامي، ومنها إظهار إسرائيل بأنها تلعب دوراً بارزاً ومهماً في القضاء عليه.
وقد أرادت من انتهاء الحرب الباردة أن تكون الشرطي بالوكالة في المنطقة، لتضمن استمرار الدعم الأمريكي، والغربي لها، مستغلة شعور الخوف المتأصل في نفوس الشعوب الغربية من الإسلام.
وهذا ما أشار إليه الكاتب اليهودي ((سول موديل)) بقوله: ((إن هناك خطراً جديداً بدأ يحل محل الخطر الشيوعي، هذا الخطر هو الأصولية الإسلامية، وربما يكون أمراً محبذاً أن تقوم إسرائيل مرة أخرى بالعمل كدفاع متقدم للغرب، ولكن في هذه المرة ضد التيار الضخم المتصاعد للإسلام القاتل..
إن هذا الشكل من الأصولية الإسلامية يكتسح اليوم الشرق الأوسط مهدداً استقرار نظم عربية كثيرة مثل مصر والأردن والسودان وليبيا والجزائر وتونس حتى أفغانستان وباكستان، ومحرضاً على العنف الإرهابي ضد إسرائيل، بل إن هذه الأصولية قد بدأت تضع عينها على ضحاياها في العالم المسيحي الغربي.(320)
في ظل هذا التضخيم الإعلامي المغلف بالتحذير من خطر الأصولية الإسلامية، تحول الأمر إلى عنوان يوحي في صدر صفحات الصحف الغربية وأمريكا خاصة لإقناع الإدارة الأمريكية بتكليف إسرائيل بالقيام بدور رئيسي في محاربة هذه الموجة، والتصدي لها، هذا هو الهدف الاول.(1/103)
والهدف الثاني من هذه الحملة هو إشعار الدول العربية بأنها تعيش هي وإسرائيل أزمة واحدة، ولذلك فلابد من توحيد الجهود الإسرائيلية العربية للوقوف أمام التيار الأصولي.
تشعرهم بأن الصحوة الإسلامية هي الخطر الحقيقي على الأنظمة العربية.. وعليه فعلى الجميع أن يقفوا صفاً واحداً في وجه هذا التيار، ولذا فلابد من أن تعجل الدول العربية كلها لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وفي هذا الصدد يقول إسحاق نافون: ((إن الدول العربية تواجه نفس الخطر الذي تواجهه إسرائيل، وإنها تتعامل معه بنفس القوة)).(321)
3- دور العلمانيين:
إن العلمانيين هم أكثر الناس استخداماً لمصطلح التطرف ضد الصحوة الإسلامية، دون أن يلتزموا بالموضوعية.
وكثيراً ما يوظف هذا المصطلح للتنفير ممن يلتزم بالسنة في صلاته ولباسه، وممن يتجنب المحرمات، ومن المرأة المسلمة إذا أصرت على لباسها وحجابها، وضد الذين ينادون بالحكم الإسلامي، وتطبيق الشريعة الإسلامية، ومن كل من يدعو لمخالفة المشركين في هديهم وسلوكهم.(322)
العلمانيون هم المرآة التي تعكس ما يريده أعداء الأمة من اليهود والنصارى، ولذلك فهم يتبنون كل ما من شأنه إبعاد هيمنة الإسلام على حياة المسلمين.
إنهم نتاج الكيد الصليبي الذي وجه ضد الإسلام منذ أكثر من قرن من الزمان، وهم لا يدركون ذلك.. بسبب ما أحدث في نفوسهم من مسخ وتشويه، إذ ركبوا في مصانع الغزو الصليبي بحيث يرون الإسلام عدواً لهم لابد من محاربته.
لذلك فهم يعتقدون أنهم في مواقفهم ضد الإسلام، وضد تحكيم الشريعة منطلقون من ذوات أنفسهم، وبدوافعهم الخاصة، ولكن ألا يستوقفهم ذلك التوافق العجيب بين مواقفهم ومواقف الغرب تجاه الإسلام..ز في تنحية الشريعة واعتبار أن الإسلام السياسي هو الخطر الجديد الذي يهدد العالم؟!(323)(1/104)
قد قامت الأحزاب العلمانية في بلادنا، وجعلت من نفسها قيماً على ما يزعمونه ((بالشرعية الدستورية)) فحكمت بعقلية بوليسية مناوئة للأمة ولعقيدتها، وضربت بالحديد والنار كل دعاة الفكرة الإسلامية، واعتبرتهم أعداء، ليس لهم حق الدعوة إلى تحكيم شريعة الله في وضح النهار، في الوقت الذي فتحت فيه المجال لكل منهاج علماني، حتى ولو كان ماركسياً)).(324)
لقد جعلها العلمانيون حرباً معلنة في السنوات الأخيرة ضد الإسلام نفسه، ناهيك عن المتمسكين بهديه.
((ويرتبط ذلك بتصاعد الحرب من جانب القوى المحلية والأجنبية ضد الحركات الإسلامية، حيث فقدت هذه القوى توازنها وصبرها في الفترات الأخيرة، وقررت أن تكون الحرب علنية، ليس فقط ضد التيارات الإسلامية، ولكن ضد الإسلام ذاته، من خلال وجوده الدستوري في أنظمة الدول العربية، وكذلك من خلال وجوده المؤسسي في هيئات تعليمية أو ثقافية واجتماعية)).(325)
هذا وما فتئ العلمانيون يخططون من أجل إجهاض الصحوة الإسلامية، والدعوة إلى مبادئهم عبر الندوات المختلفة.
من ذلك الندوة التي أقامتها مجلة فكر للدراسات والأبحاث وقد شارك فيها أقطاب الاتجاه العلماني، وصرحت المجلة نفسها بأن المشاركين فيها يمثلون الاتجاه العلماني.(326)
لقد ركز المجتمعون على محورين اثنين من محاور الغلو في نظرهم هما:
أ- تسييس الدين.
ب- تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة.
وكل عمل يدخل تحت أحد هذين الجانبين فهو من الغلو عندهم. وهذه بعض تصريحات القوم:
* يقول د. فرج فودة في تفسيره لظاهرة التطرف الديني في هذه الندوة: ((إن الهدف الأساسي للتيار الإسلامي الديني هو هدف سياسي، مضمونه إقامة دولة دينية إسلامية وهو هدف شديد الغموض لأنهم جميعاً يتحاشونه، ويحصرون الحوار دائماً في الهدف المعلن، وهو تطبيق الشريعة الإسلامية))(327) فإقامة دولة إسلامية باتت تهمة، وهدفاً شديد الغموض لدى أساطين العلمانية.(1/105)
* ويتفق محمد سعيد العشماوي مع هذا الطرح، فيكتب كتاباً بعنوان ((الإسلام السياسي)) ويخصص للحديث عن تسييس الدين وتطبيق الشريعة، باعتبار أنهما من التطرف والغلو، وأن الإسلام دين عبادة لا علاقة له بالسياسة، وكانت معظم ردوده في هذا الكتاب على ما أسماه تيار تسييس الدين بالعنف والتطرف)).(328)
أما الدعوة إلى تطبيق الشريعة فهو المعلم الثاني الدال على الغلو والتطرف في مفهومهم. يقول أحد المشاركين في الندوة: ((إن أصحاب التيار كانوا ومازالوا يخلطون بين الدعوة إلى الإسلام كدين وعقيدة وأخلاق، وبين الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية كمجموعة من النصوص التي تنظم المعاملات الاجتماعية بين الناس)).
ولذلك يرى ((أن من المهام الرئيسية الملقاة على عاتق العقلانيين في مصر والعالم العربي الدعوة إلى الفصل بين الإسلام والشريعة الإسلامية)). (329)
فالعلمانيون يعممون الغلو والتطرف، ويصمون به كل الدعاة إلى الإسلام، ويؤكدون وقوفهم ضد كل ما تطرحه التيارات الإسلامية التي لا يرون فيها الاعتدال.. بل الجميع في نظرهم إما غلاة جداً أو غلاة فقط.(330)
وهذا ما يؤكده مدير الندوة في جلستها الثانية عندما يقول: ((إن ما ينبغي أن نواجهه هو التطرف، أي هذه الجماعات الدينية المتطرفة، وهذا موضوع اللقاء)).(331)
* والحقيقة إن قضية الفصل بين الدين والسياسة يعتبر مؤامرة كبيرة، يراد بها الكيد لهذا الدين، أو الخروج على تعاليمه.
يقول رئيس المجمع الفقهي في مكة المكرمة:
((إن هذه الدعوة الآثمة - فصل الدين عن السياسة - في حقيقتها عزل الدين عن الحياة، ووأد للناس وهم أحياء، وما حقيقة وصل الدين بالسياسة إلا الدعوة إلى الله، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل على مد الإسلام وجزر الكفر والكافرين)).(332)(1/106)
وإذا عاب الغرب والتيار العلماني إدخال السياسة في الدين، فلماذا لم يعيبوا ذلك على النصارى والأقباط الذين تقضي تعاليم دينهم المحرف بهذا الفصل؟. وقد أصبح التيار الذي يتزعمه البابا شنودة ينادي بأن تكون للكنيسة ذاتيتها في مواجهة الدولة ومؤسساتها.
ومع ذلك لم يوصم بالغلو، مما يدل على أن تيار الغلو عند المسلمين قد هُوِّل وضُخِّم.(333)
ومع أن تيار الغلو عند الأقباط كان متقدماً في وجوده على تيار الغلو عند المسلمين، وأنه منذ أواخر (1940م) ظهر تنظيم يحمل اسم ((جماعة الأمة القبطية))، وبدأ يوزع بعض المنشورات التي تطالب بالحكم الذاتي للأقباط، وفي عام 1954م أقدم أربعة شبان من الأقباط بهجوم مسلح على المقر البابوي فاقتحموه بقوة السلاح واحتجزوا البابا وأجبروه على إعلان تنازله.(334)
ومع ذلك مرت الحادثة دون أن تدق نواقيس الخطر، وأين من هذه الحادثة قضية اغتيال الشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله؟!
* يتبين لنا بعد كل هذا أن الغلو عند فئة قليلة من المسلمين استُغِلّ وضُخِّم ليقضي على المسلمين عموماً وعلى تعاليم الإسلام نفسه.
فقد ضخّم الإعلام الغربي الصهيوني والصليبي هذه الظاهرة، يبتغي من وراء ذلك:
أ- إرضاء نزعة الحقد الموجودة لديهم على الإسلام وأهله.
ب- تضليل الرأي العام العالمي حتى لا يتعاطف مع المسلمين وقضاياهم المريرة في هذا القرن.
وها نحن نلاحظ أن وسائل الإعلام المحلية والعالمية باتت تصور الدعاة حتى المعتدلين منهم، وكأنهم متهمون يُطارَدُون باسم الإرهاب والأصولية، والله غالب على أمره ولو كره الكافرون.
المبحث الثاني
غلو الأعداء وتطرفهم عبر التاريخ
أولاً: من هم أهل التطرف والإرهاب في هذا القرن؟!
ثانياً: صور من غلو الأعداء وتطرفهم.
1- مأساة المسلمين في الأندلس.
2- الحروب الصليبية في القديم والحديث.
3- محنة المسلمين في البوسنة والهرسك.
أولاً: من هم أهل التطرف والإرهاب؟!(1/107)
ما كنا نتصور أن يتهم المسلمون بالتطرف والإرهاب، إلا إذا انقلبت الموازين والمعايير، فها هو التاريخ يشهد على عدل المسلمين مع الصديق والعدو.
ورغم أن أعداء المسلمين هم الذين كانوا ومازالوا يمارسون معهم ألواناً من التعذيب والإرهاب، كلما سنحت لهم الفرصة، إلا أنهم يتقنون فن الاتهام للآخرين.
إن تاريخ اليهود والنصارى مليء بأحداث الغلو فيما بينهم من جهة، وفيما بين مذاهبهم ضمن أتباع الدين الواحد، منذ القرون الوسطى وحتى الآن.
أما ما تعرض له المسلمون في هذا القرن، من إرهاب واضطهاد، فهو أمر لا يحتاج إلى برهان.
وإذا استعرضنا نماذج من غلو أعدائنا وتطرفهم عبر التاريخ، وجدنا المآسي والويلات...
فمن هم أهل التطرف والإرهاب في هذا القرن؟!
هم الذين يتحدثون عن الإرهاب الإسلامي، ليل نهار، مصورين أنه الخطر الكاسح، الذي سيقوض أمن العالم كله، إنه الغرب الصليبي.
يتحدث عن الأصولية عند المسلمين ولا يتحدث عنها وعن ((الإرهاب النصراني)) وقد تمثل في أبشع صوره في مأساة البوسنة والهرسك، ولا يتحدث عن ((الإرهاب اليهودي)) وهو يتمثل يومياً في قتل أصحاب البلاد وتشريدهم أو تعذيبهم داخل المعتقلات، مع الاستيلاء على أرضهم وديارهم وطردهم منها.(335)
إن الغرب لا يتحدث عن مذابح سكان المخيمات وهم يقتلون في تل الزعتر وصبرا وشاتيلا، ولم يفكر قط في إحراق المسجد الأقصى، فلا يعتبر غلواً وإرهاباً في نظرهم؟!
ناهيك عن مذبحة المسجد الإبراهيمي في النصف من رمضان المبارك 1414هـ عندما أطلقت النيران على المصلين، وهم ركع سجود فقتل العشرات تحت حماية جيش إسرائيل!
إن إسرائيل تندد ليل نهار بضحاياها من أهل البلاد، وتعتبرهم إرهابيين، وكأن ما تقوم به هو العدل والإنصاب؛ لأنهم يمثلون حمائم السلام، وخاصة أنهم سمحوا بحكم ذاتي في جزء من أراضي فلسطين، والأيام هي التي ستكشف الحقائق.
وفي الهند:(1/108)
يقتل المسلمون بالآلاف على يد الهندوس أو السيخ. ومن ضمن شعارات الهندوس التي نشرت وألصقت على الجدران: ((اتركوا القرآن أو اتركوا الهند)).
إن المساجد تهدم، والمصلون يقتلون من قِبَلِ متطرفي الهندوس أو السيخ، ولا نجد رغم ذلك اهتماماً بذلك الغلو، ولا تنديداً بذلك التطرف.(336)
إن النظام العالمي الجديد يغض الطرف عن الإرهاب البوذي الذي يفعل بالمسلمين ما تقشعر منه الأبدان، وعن الإرهاب في الفيليبيين حيث يذهب آلاف المسلمين ضحية الحقد والتطرف النصراني.
وفي أذربيجان: يشرد أهلها ويهيم ربع مليون منهم على وجوههم أمام نيران الأرمن وإرهابهم الحاقد.
هل يعتبر ذلك من عدل النظام الجديد وثمراته؟!
وها هو شعب الطاجيك يتعرض لإبادة الحكومة الشيوعية في مجازر وحشية، تجبر المهاجرين وتضطرهم أن يرموا بأنفسهم في نهر جيحون وقد بلغ عدد الذين قتلوا عند العبور أو ماتوا غرقاً عشرين ألف مسلم؟!
أما عن انتهاك الأعراض، ورد الفتيان بالقوة إلى داخل طاجيكستان فحدث ولا حرج، وأين هؤلاء من غضبة المعتصم، أو نخوة إسلامية صادقة؟! )).(337)
والمسلمون في الاتحاد السوفياتي السابق: تعرضوا لإبادة جماعية واضطهاد شرس وما يزالون كذلك.
لقد حول الشيوعيون المساجد إلى مسارح ودور للسينما، وأغلقوا المدارس والمعاهد الإسلامية، ومنعوا المسلمين من الصلاة، وقتل الملايين من المسلمين.
وعندما جاء (غورباتشوف) بإصلاحاته لم يعامل المسلمون كما عومل النصارى واليهود، فالنصارى حصلوا على كامل حقوقهم، وانطلق القسيسون يعملون ويتعاونون مع إخوانهم وأبناء دينهم، في حين لم يحصل المسلمون على جزء يسير من حقوقهم حتى الآن، واليهود سمح لهم بالهجرة المكثفة إلى فلسطين المحتلة.(1/109)
وحين انهار هذا الاتحاد راح قادة روسيا يتعاونون مع النصارى والشيوعيين ضد المسلمين، ولا يزال المسلمون يعانون أصنافاً من الكبت والاضطهاد حتى اليوم. ومن ذلك مأساة المسلمين في الشيشان وتهديم عاصمتهم (قروزني)، وفصول المجزرة لم تتم بعد، وما تزال مستمرة على مرأى ومسمع من العالم كله.
وفي أوروبا نفسها: فإن الإرهاب والتطرف يتمثلان في الصمت الإجرامي حيال ما يجري في البوسنة، وفي حوادث إحراق المسلمين أحياء في مخادعهم في مدن ألمانيا وغيرها.
بل لم يعد برنامج التطهير الديني، أو العرقي محصوراً في صربيا.. إنه ينتقل بتسارع شمالاً عبر أحزاب وقوى سياسية تشمل النازيين الجدد، والأحزاب الوطنية الدينية في فرنسا، وتضم الحزب الوطني البريطاني الذي يطالب بإجلاء الأجانب وفي مقدمتهم الجاليات الإسلامية.
ولقد وصل الحقد برئيس وزراء فرنسا السابق (جاك شيراك) لأن يطالب ((بطرد هؤلاء المهاجرين بروائحهم الكريهة))(338) وطالب بإيقاف طابور الهجرة والمهاجرين الذين يصرون على تشويه وجه فرنسا، حينما يتمسكون بعادات وتقاليد، لا تتفق وثقافتنا.(339) كما يزعم.
إن هذا لا يعتبر غلواً ولا تطرفاً، ولكنه حضارة ووطنية في نظر هؤلاء، ولقد صدق من قال: ((رمتني بدائها وانسلت)) و((كل إناء بما فيه ينضح)).
إن المقصود بالهجوم العنصري المتعدد الجبهات من مراهقي النازيين وحتى منظري السياسة الأمريكية والمباشرين لتنفيذها، هو فتح جبهة جديدة مع الإسلام كدين، ومع المسلمين كأمة. ولكن يا ليت قومي يعلمون.
ثانياً: صور من غلو الأعداء وتطرفهم عبر التاريخ:
1- مأساة المسلمين في الأندلس:
إنها لمأساة اهتزّ لها التاريخ، مأساة ما كان يخطر على قلب بشر أن تحصل كما كانت، ولمأساتها إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة، لعمق الجرح وغور الأثر..(1/110)
هذه الأندلس التي كانت تتعالى فيها تراتيل المؤذنين، أمست نواقيس الكنائس فيها تصم الآذان، حتى لا تسمع للتوحيد صوتاً تلك الأرض التي أشرقت بنور الإسلام ثمانية قرون، وخلال سنوات معدودة، لم يبق للإسلام فيها أثر، وأصبحت خبراً يذكر؟! وليس الخبر كالمعاينة)).(340)
قد يتوقع الإنسان أن تنتهي الدولة الإسلامية في الأندلس ولكن أن يمحى الإسلام من تلك الأرض، ويجتثّ ويقتلع فهذا أمر لا يخطر على بال.
لقد سقطت الأندلس (عام897) بعد ثمانية قرون من البناء والتقدم والازدهار... وإشاعة العدل والتسامح مع جميع السكان بأديانهم المختلفة، وإتاحة حرية العبادة وبناء الكنائس والبيع.
وبعد معاهدة التسليم بسنوات قليلة. كيف كان رد الجميل؟! كانت محاكم التفتيش التي يشرف عليها رجال الدين النصارى، تشيع الإرهاب في كل مكان.
تضمنت معاهدة غرناطة شروطاً لحماية المسلمين، وبقاء مساجدهم وأملاكهم، وصادق البابا والقساوسة عليها وذلك (عام897هـ).
فهل كان هؤلاء النصارى أهلاً للعهد؟!
((يقول المؤرخ محمد عبد الله عنان عن صاحب كتاب أخبار العصر: ثم بعد ذلك دعاهم - أي ملك قشتالة - إلى التنصير، وأكرههم عليه، وذلك في سنة (904هـ) فدخلوا في دينهم كرهاً، وصارت الأندلس كلها نصرانية، ولم يبق فيه من يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، إلا من يقولها في قلبه وفي خفية من الناس، وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الأذان، وفي مساجدها الصور والصلبان بعد ذكر الله، وتلاوة القرآن.(1/111)
فكم فيها من عين باكية وقلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعذورين، لم يقدروا على الهجرة واللحاق بإخوانهم المسلمين، قلوبهم تشتعل ناراً ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً، وينظرون إلى أولادهم وبناتهم، يعبدون الصلبان ويسجدون للأوثان، ويأكلون الخنزير والميتات، ويشربون الخمر فلا يقدرون على منعهم ولا على نهيهم، ومن فعل ذلك عوقب بأشد العقاب، فيا لها من فجيعة ما أمرها، ومصيبة ما أعظمها، وطامة ما أكبرها)).(341)
وماذا أذكر من حقد النصارى وغلو رجال الدين عندهم في هذه الصفحات القليلة؟! وحسبي أن أنقل شواهد عن المؤرخين، كنماذج فقط. يقول المقري في نفح الطيب واصفاً استعداد النصارى لإحدى المعارك: ((وجاء الطاغية يجيش لا يحصى.. وذهب إلى طليطلة ودخل على مرجعهم البابا، وسجد له وتضرع، وطلب منه استئصال ما بقي من المسلمين في الأندلس، وأكد عزمه على ذلك)).(342)
ويقول جوستاف لوبون في كتابه ((حضارة العرب)):
((إن الراهب بليدا أبدى ارتياحه لقتل مائة ألف مهاجر من قافلة واحدة، كانت مؤلفة من (140) ألف مهاجر مسلم حينما كانت متجهة إلى أفريقيا)).
لقد امتلأ تاريخ الأندلس بغدر النصارى، حتى طفحت من سطوره الدماء، وضجت أوراقه بهتك الأعراض. من ذلك: ((دخول ألفونسو السادس طليطلة بعد أن أعطى أهلها الأمان وبعد شهرين فقط نقض العهود وحوّل مسجد المدينة الجامع إلى كنيسة بقوة السلاح، ومن ثم حطم المحراب، ليقام الهيكل مكانه)).(343)
وكانت محاكم التفتيش مضرب المثل في الظلم والقهر والتعذيب، وكانت تلاحق المسلمين بأساليب تقشعر لها القلوب والأبدان فإذا علم أن رجلاً اغتسل يوم الجمعة، يصدر في حقه حكم بالموت، وإذا وجدوا رجلاً يلبس الزينة ليوم العيد عرفوا أنه مسلم، فيصدر في حقه حكم الإعدام.(344)(1/112)
كانت لديهم آلة اسمها العروسة على صورة فتاة جميلة من النحاس والحديد على شكل تابوت، يخرج من بين ثناياها خناجر حادة، ويقال للمسلم: هذه زوجتك ويطبق عليه التابوت فتخترق أمعاءه وأحشاءه، ويقضي نحبه بعد لحظات)).(345)
لقد تفننوا في ألوان التعذيب الوحشي، والمطاردة للمسلمين وقد صور الشاعر المسلم أبو البقاء الرندي هذه المأساة في قصيدته التي تغني عن عشرات الصفحات، إذ تصور الفاجعة الأليمة تصويراً يقطر ألماً وحزناً. يقول في مطلعها:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
ثم يقول:
فجائع الدهر أنواع منوعة
وللزمان مسرات وأحزان
وللحوادث سلوان يسهلها
وما لما حل بالإسلام سلوان
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف
كما بكى لفراق الإلف هيمان
على ديار من الإسلام خالية
قد أقفرت ولها بالكفر عمران
حيث المساجد قد صارت كناس ما
فيهن إلا نواقيس وصلبان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة
حتى المنابر ترثي وهي عيدان
إلى أن يقول متفجعاً معتبراً:
يا غافلاً وله في الدهر موعظة
إن كنت في سنة فالدهر يقظان
يا راكبين عتاق الخيل ضامرة
كأنها في مجال السبق عقبان
أعندكم نبأ من أهل أندلس
فقد سرى بحديث القوم ركبان
وانظر إلى هذه الصور الحزينة لمصير المسلمين في ديار أهل الصليب:
بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم
واليوم في بلاد الكفر عبدان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهم
لهالك الأمر واستهوتك أحزان
يا رب أم وطفل حيل بينهما
كما تفرّق أرواح وأبدان
وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلـ
ـعت كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهة
والعين باكية والقلب حيران
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
إن كان في القلب إسلام وإيمان
هذه المآسي الدامية، وهذه الوحشية الظالمة تكررت في التاريخ مع أمتنا، ثم يتحدث هؤلاء عن الإرهاب الإسلامي، والتطرف الإسلامي؟!
2- الحروب الصليبية في القديم والحديث:(1/113)
إن غزو أوروبا لبلاد المسلمين، واتخاذ الصليب شعاراً لهذه الحروب، استجابة لنداء البابا ورجال الدين من النصارى، يعتبر أكبر دليل على الحقد الدفين، والغلو المتأصل في نفوس القوم.
لقد كانت القسوة والهمجية من أظهر ملامح تلك الحروب، وأذكر شاهداً واحداً على ذلك، وهو غدرهم بالمسلمين أثناء احتلال بيت المقدس.
جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي عن أحداث عام 492هـ. ((إن الفرنجة أخذت بيت المقدس بعد حصاره شهر ونصف، وقتلوا به أكثر من سبعين ألفاً، منهم جماعة من العلماء والزهاد والعباد. وهدموا المشاهد...(346) وورد المستنفرون إلى بغداد فأوردوا كلاماً أبكى العيون... )).(347)
وكتب قائد الفرنجة رسالة إلى ملوك أوروبا، يتبجح فيها لما حققوه من انتصارات، ومما قال في رسالته: ((إن خيولنا تخوض بدماء المسلمين إلى الركب)).
قال الشاعر يصف مظالم الصليبيين وما حاق بالمسلمين من جراء هذه الحروب، واحتلال بيت المقدس، ويتحدث عن تحويل المساجد إلى أديرة، وارتفاع الصلبان على محاريب تلك المساجد:
أحل الكفر بالإسلام ضيماً
يطول عليه للدين النحيب
فحقٌّ ضائع وحمى مباحٌ
وسيف قاطع ودم صبيب
وكم من مسلم أمسى سليباً
ومسلمة لها حرم سليب
وكم من مسجد جعلوه ديراً
على محرابه نصب الصليب
أتسبى المسلمات بكل ثغر؟
وعيش المسلمين إذن يطيب؟
هذا بعض ما ارتكبه الصليبيون، فماذا فعل المسلمون عندما استردوا بيت المقدس؟! وكيف كانت معاملة صلاح الدين لهم؟!
لقد خيرهم السلطان المسلم بين الرجوع إلى بلادهم آمنين، أو البقاء على أن يدفعوا الجزية فقط، إنها وسطية الإسلام وتطرف الآخرين)).
هذا تاريخنا، تاريخ العدل والسماحة، فأين تاريخ أعدائنا الملطخ بالغدر وانتهاك الحرمات وتجاوز القيم الإنسانية؟!
* وفي الحروب الحديثة خلال الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين، كان الإرهاب والحقد من أبرز خصائصها.(1/114)
ففي بلاد الشام: بعد أن حاربت بريطانيا وفرنسا العثمانيين بقوات عربية، باسم الثورة العربية الكبرى، بقيادة الشريف حسين وقد خدعته بمعاهدات غادرة معروفة تاريخياً، لم يخف الجنرال غورو حقده عندما دخل دمشق، ووقف على قبر صلاح الدين رحمه الله إذ قال: ((ها قد عدنا يا صلاح الدين)). وقال: ((نحن أحفاد - غود فراي - فأين أحفادك يا صلاح الدين؟! )). ثم أحرق الفرنسيون أحياء كاملة من المدن السورية.
أما الجنرال اللنبي قائد القوات البريطانية، فقد قال قولته المشهورة الحاقدة عندما دخل بيت المقدس: ((الآن انتهت الحروب الصليبية)). هذا حصاد غدرهم لمن وثق بهم، حارب بني دينه، قوى صليبية تستغل غفلة عند المسلمين، فتحارب بهم بني دينهم.
وخلال استعمار فرنسا للجزائر: حصل من الاضطهاد والجرائم ما تقشعر منه الأبدان. وقد سجل مؤرخوهم ما يوضح الحقائق التالية:
قال المؤرخ ((دبو زايد)) عن غنائم الجند الفرنسي خلال غزوهم للقبائل المعادية: ((أما الغنيمة من الحيوان فقد بيعت إلى ممثل قنصلية الدانمارك، وأما بقية الغنائم الصامتة، فقد عرضت للبيع في سوق باب ((عزون)). وكان من بين الغنائم أساور نساء وهي لا تزال في أيديهن المقطوعة، وأقراط نساء لا تزال تلتصق بها قطع من آذانهن، ثم وزع ثمن كل ذلك على السفاكين من رجال الطابور الفرنسي، وأصدرت السلطة في ذلك اليوم أمرها لسكان الجزائر المسلمين بأن يضيئوا ليلاً حوانيتهم، إظهاراً لسرورهم بذلك الانتصار)).(348)
ويروي الكونت ((يريسون)) ذكرياته عن تلك الأحداث فيقول: ((لقد كان الزوج من آذان الوطنيين يساوي عشرة فرنكات، وكانت نساؤهم طرائد فاخرة في نظرنا، والواقع أننا عدنا ومعنا برميل مليء من الآذان التي جمعناها)).(349)
هل يحق لأحفاد هؤلاء أن يتهموا المسلمين بالغلو والإرهاب؟!
أما جرائم إيطاليا عندما احتلت ليبيا: فهي مما يدمي القلوب، ويبكي العيون.(1/115)
يقول الأستاذ عبد الرحمن عزام - وهو ممن شهدوا هذه الحرب: ((إن الناس يبحثون عن أخبار الأندلس، وكيف أجرى الأسبان بالمسلمين هناك، وما لهم وللأندلس ولأمور جرت في القرون الوسطى، فأمام أعينهم طرابلس، فليذهبوا ويشاهدوا بأعينهم في هذه الأيام فظائع لا تقل عما جرى بالأندلس)).
((شنق الإيطاليون في هذه الحرب أكثر من عشرين ألفاً، وكان نحو من (1200) امرأة من نساء الأشراف قد فررن إلى الصحراء قبل وصول الجيش الإيطالي، فأرسلوا قوة في أثرهن وسحبوهن إلى بلدة ((الكفرة)) حيث خلا بهن ضباط الجيش الطلياني، وأنزلوا المعرات بسبعين أسرة شريفة من أشراف ((الكفرة)) اللواتي كانت الشمس لا ترى وجوههن من الصون والعفاف، وقتل قائد الطليان شيوخ تلك البلدة الذين احتجوا على هتك أعراض السيدات المذكورات، وقال ذلك القائد - قبحه الله - الذي أشرف على تنفيذ أمر الإعدام: ((ليأت محمد هذا نبيكم البدوي، الذي أمركم بالجهاد، وينقذكم من أيدينا)).
وتكاد قصص حقدهم لا تنتهي. قال المراسل النمساوي ((هرمان دنول)): ((قَتَلَ الطليان في غير ميدان الحرب كل عربي زاد عمره على (14) سنة، وأحرقوا في (26 أكتوبر سنة 1911م) حياً كاملاًخلف بنك روما، بعد أن ذبحوا أكثر سكانه، وكان من بينهم النساء والشيوخ والأطفال.
وقال آنذاك - وهو شاهد عيان: ((رجوت طبيبين عسكريين من أطباء المستشفى أن ينقلوا بعض المرضى المصابين المطروحين على الأرض تحت حرارة الشمس فلم يفعلا، فلجأت إلى راهب من كبار جمعية الصليب الأحمر، وهو الأب ((يوسف فيلاكو)) وعرضت عليه الأمر وأخبرت شاباً فرنسياً أيضاً بذلك. لكن الأب حول نظره عني ونصح الشاب بأن لا يزعج نفسه بشأن عربي في سكرات الموت وقال: ((دعه يموت)).
هذه مجرد شذرات من حقد القوم وخستهم، إذ كان أحدهم يتجرد حتى عن أبسط مبادئ الإنسانية.
* وكان النشيد الذي يردده جنود الصليب وهم يقتحمون معاقل الإسلام في ليبيا:(350)(1/116)
أماه... أتمي صلاتك ولا تبكي بل اضحكي وتأملي
أنا ذاهب إلى طرابلس فرحاً مسروراً..
سأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة
سأحارب الديانة الإسلامية..
سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن...(!!!)
وقال الأستاذ شكيب أرسلان معلقاً على تلك الأحداث: ((إن عدد سكان برقة وطرابلس، قبل غارة إيطاليا عليهم، كان مليوناً ونصف المليون، فلم يبق منهم الآن سوى سبعمائة ألف نسمة، فيكون عددهم قد تناقص إلى النصف بالظلم والعسف والقتل، وما نشأ عن ذلك من رحيل الأهلين)).(351)
وبعد كل ذلك هل يحق لأحفاد هؤلاء الجزارين أن يتهموا المسلمين بالإرهاب والتطرف؟! ألا يحق لنا أن نتساءل: من هو المتطرف: الضحية أم الجلاد؟! ولله در من قال:
أتطرُّفٌ إيماننا بالله في
عصر تطرف بالهوى وتزندقا؟!
إن التطرف ما نرى من غفلة
ملك العدو بها الزمان وأطبقا
إن التطرف ما نرى من ظالم
أودى بأحلام الشعوب وأرهقا
إن التطرف وصمة في وجه
من جعلوا صليبهم الرصاص المحرقا
إن التطرف أن يظل رصاصنا
متلعثماً ورصاصهم متفوقاً؟!
3- محنة المسلمين في البوسنة والهرسك:
لقد تعرض المسلمون في هذه البلاد إلى مذابح جماعية عبر تاريخهم الطويل على يد نصارى الصرب من الأرثوذكس خاصة، ونصارى الكروات من الكاثوليك.
ففي تاريخهم القديم: عندما دخل كثير من أهل البلقان في الإسلام بعد الفتح العثماني، عاش المسلمون وغيرهم هناك مكرمين، وبرز منهم العلماء والقادة والمفكرون، وعامل الأتراك العثمانيون الصرب وغيرهم من النصارى معاملة طيبة، فلم تضم أياً من دويلات وممالك البلقان، ولم تفرض على شعوبها تغيير دينهم، بل تركت لهم حرية ممارسة شعائرهم مكتفية بفرض الجزية.(352)
ثم تعرض المسلمون في تلك البلاد إلى مذابح جماعية خلال تاريخهم الطويل، منذ أن ضعفت قبضة العثمانيين على تلك البلاد.(353)(1/117)
وذلك بقصد طمس الشخصية الإسلامية والثقافية للمسلمين هناك. وكانت الموجة الأولى للإبادة: تعود إلى سنة (1711هـ) عندما بدأ ملك الجبل الأسود بطرد المسلمين من بلاده تحت شعار ((إعادة النصارى الذين اعتنقوا الدين التركي إلى دينهم الأم، إلى الأرثوذكسية))، وقد اختفى فجأة بسبب ذلك ما يقارب عشرين ألف مسلم من بلغراد وحدها.
وخلال انسحاب العثمانيين عام 1807م من بلغراد، قتل عدد كبير من المسلمين من أهالي البلاد، وتم تنصير الآخرين قسراً، وهجر من بقي من النساء والأطفال إلى رومانيا.
ومن ثم تم تنصير قبائل المسلمين جماعياً في جنوب الجبل الأسود بحضور القسس والحرس والشرطة.
واستمر مسلسل الإبادة الجماعية بتحريض من رجال الدين في جميع المناطق، حتى أنه خلال السنة الأولى من حكم الصرب في البوسنة 1918م تم إحراق (270) قرية مسلمة، وقتل آلاف المسلمين، ونزح أكثر من (300) ألف مسلم في البوسنة والهرسك وإقليم سنجاق.(354)
وفي الحرب العالمية الثانية (1941-1945م) تعرض المسلمون لأبشع إبادة جماعية في تاريخهم الطويل وقامت بذلك الكتائب الكرواتية المتطرفة، والعصابات الصربية المتوحشة، وكان شعارهم آنذاك (تطهير الأرض من المسلمين)، وقدرت ضحايا الإبادة في تلك الفترة بأكثر من (250) ألف شخص، أي ما يقارب عشر عدد المسلمين.(1/118)
وقد كتبت جريدة الأهرام عن هذه الفجائع(355)، كما نشرت مجلة المرأة في سراييفو تحقيقاً عن المجازر الصربية في الحرب العالمية الثانية جاء فيه(356): ((يروي شهود عيان من القلائل الذين نجوا من سكاكين ومناشير الكتائب الصربية صوراً مروعة من أفاعيلهم البشعة في مناطق جنوب وشرق البوسنة، فقد قاموا بإحراق المسلمين في مساجدهم وبيوتهم، وكانوا يقطعون أثداء النساء بعد اغتصابهنّ، ويبقرون بطون الحوامل للتمثيل بالأجنة، وكانوا يلقون بالرجال في الماء المغلي...))، ((ودخلت هذه العصابات مدينة (فوتشا) يوم عيد الأضحى سنة 1942م، وأخذ قائدها مفتي المدينة، وثبت على رجليه حدوة الخيل بالمسامير، ثم ركب ظهره إلى المسجد الجامع، وقام بذبح المفتي على عتبة باب المسجد قائلاً: هذا أول قربان لربكم في هذا العيد)).
أما المرحلة المعاصرة لمأساة هذا الشعب المسلم فتتمثل في معارضة الصرب بشدة لاستقلال البوسنة والهرسك بعد تفكك يوغسلافيا السابقة واستقلال جمهوريات البلقان، ورغم استقلال البوسنة الذي تم في استفتاء شعبي سنة 1992م إلا أن هذا الاستقلال رفض بشدة من قبل الصرب، بل من دول أوروبا النصرانية كلها..
فالصرب الذين يعتبرون أنفسهم درع أوروبا ضد الإسلام، أعلنوا أحقادهم بشراسة، ويتمثل ذلك في مسلسل المذابح المستمر حتى الآن، وفي الشعارات المطروحة.
يقول أحد أناشيدهم: ((من الثاني؟ من الثاني؟ فأنا الأول الذي سيشرب دم التركي)).
ونشيد آخر يردده الصرب: ((يا مسلمون يا غربان، ذهب تيتو وآن لذبحكم الأوان)).(357)
أما حقد الكروات وتلونهم فيصوره تصريح أحد المسؤولين في الحكومة البوسنية إذ يقول: ((إن صربيا أفعى تلدغ ليلاً نهاراً، سرًّا وجهاراً، أما كرواتيا فهي أفعى ذات جلد ناعم، لا تلدغ إلا في ظلماء الليل، بعد أن تستيقن تمكنها من فريستها وهدف كلتا الحيتين الموت)).(358)(1/119)
إن معركة (كوسوفو) التي انتصر فيها السلطان العثماني (1389هـ) مراد على جيوش الصرب في منطقة البوسنة، كانت سبباً وذكرى سنوية لدى الصرب ليتذكروا أحقادهم، وكان رئيس عصابات الصرب قد صاح في البرلمان الصربي المزعوم: يا لثارات كوسوفو). رغم أن السلطة العثمانية - خلال حكمها لهم، لم تقم بأي عمل غير ديني، أو أخلاقي تجاه أصحاب الديانات الأخرى.(359)
لقد تمثلت محنة البوسنة المسلمة في:
أ- طمس التراث والشخصية الإسلامية.
ب- في وحشية الصرب الأرثوذوكس: من قتل وتهجير واغتصاب.
جـ- في التآمر الصليبي العالمي (صليبية المجزرة) والموقف الدولي المتخاذل.
أ- طمس التراث والشخصية الإسلامية:
لقد تركز حقد الصرب على طمس الآثار الإسلامية من مكتبات ومساجد، وآثار معمارية حضارية.
فقد جعلوا المكتبة الوطنية في سراييفوا أكداساً من الرماد والطوب والكتب المحترقة خلال عامين من الحرب، ودمروا التراث المعماري الذي يزيد عمره عن مائة سنة في جمهورية البوسنة والهرسك بفعل قصف الصرب لها، ولم يتركوا من محتويات المكتبة الوطنية إلا خمس محتوياتها التي بلغت (2.5) مليون كتاب.
أما المساجد فقد تم تدمير أكثر من ثمانمائة مسجد، وتدمير العديد من المدارس وعمائر الأوقاف، ما بين تدمير كامل أو إلحاق أضرار فادحة.
ودمروا مدينة (فوجة) بكافة بيوتها التقليدية، أما مسجد (غازي خسرو) في نفس المدينة، وأكبر مسجد في منطقة البلقان كلها، فقد قاموا بقصفه أكثر من ثلاثين مرة.
وفي مدينة (برشكو) المحتلة وضع الصرب عبوات ناسفة في خمسة مساجد، ثم دمروها في يوم واحد، ولم يتورعوا عن تدمير مقابر المسلمين، فقد سووها بالأرض، وغيروا أسماء المدن والطرق والشوارع والميادين.(360)
وقد بلغ عدد المساجد والمعالم التاريخية الشهيرة التي دمرت في البوسنة والهرسك خلال شهري (إبريل ومايو) 1992م، (186) مسجداً.(1/120)
إذ نشر المكتب الإعلامي لحكومة البوسنة والهرسك عدداً خاصاً تضمن معلومات حول الأماكن الدينية الموجودة فوق أراضي البوسنة والهرسك حتى شهر مايو 1992م.(361)
ومن أبشع جرائمهم ضد التراث الحضاري والتاريخي، هجوم الميليشيات الصربية المتوحشة على معهد الدراسات الشرقية في سراييفو في 17/5/1992م بالقنابل والصواريخ الحارقة، بحيث ضاعت كافة الوثائق والكتب والمقتنيات والأبحاث في يوم واحد... وكان هذا المركز يحتوي على أكثر من سبعة آلاف وثيقة تاريخية، في مخطوطات بالعربية والتركية والفارسية والبوسنية.(362)
ب- وحشية الصرب وأحقادهم الدفينة:
لقد أصبح الحديث عن معسكرات الاعتقال والتمثيل بالجثث، وتشريد الملايين، وزرع الخوف في صدور الأطفال، وعيونهم واغتصاب المسلمات، أصبح كل ذلك حديثاً عادياً لا يثير في المسلمين فضلاً عن غيرهم - موضع ألم أو لحظة غيرة عابرة.(363)
ومع ضخامة أعداد المعتقلين قام الصرب بتحويل المدارس والصالات الرياضية، والثكنات العسكرية والسجون والكنائس، إلى معتقلات وصلت في مجموعها إلى (173) معتقلاً.
وكانت طريقة التعذيب تفوق في وحشيتها ما كان يجري في الحرب العالمية الثانية، وكانت سياسة التطهير الطائفي هي جوهر السياسة الغربية في البلقان ضد المسلمين. يقول ((نيكولاباستيك)) وهو رئيس وزراء صربي سابق في معرض تشجيعه لهذه الحملة: ((للألبان البارزين استعملوا المسدس، وللفلاحين استخدموا الرشاشات والمدافع)).(364)(1/121)
الأحقاد الصليبية للأرثوذكس فاقت وحشية التتار المغول، وهم أمة وثنية همجية. ففي مدينة (بيلبينا) على الحدود مع صربيا، وعند خروج المصلين من المسجد في صلاة التراويح (1412هـ) أخذت القوات الصربية اثنين منهم وذبحتهما على باب المسجد، ومن ثم بدأت بإطلاق النار على الآخرين، وعندما هرع المصلون إلى المسجد راجعين ألقى الصرب القنابل في داخله ليقتلوا ما يزيد عن مئة مصلٍّ، ثم دخلوا المسجد وسلبوا المصلين(365) تماماً كما فعل اليهود بمصلى المسجد الإبراهيمي.
وهذه مقتطفات من رحلة في أعماق البوسنة، ومشاهدات حية سجلها الدكتور مانع الجهني(366) قال:
((إن ما يجري الآن هو عملية إبادة جماعية لهذا الشعب المسلم مع التهجير العشوائي والاستيلاء على الممتلكات، وقد أوجدت هذه الحرب الظالمة موجة من اللاجئين لم يعرف العالم الأوروبي لها مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، فقد بلغ عددهم مليونين ونصف، تتلقفهم الأيدي بين قابل ورافض.. ولقد ظهرت صليبية المعركة في أكثر من سلوك وحادثة ومن هذه المظاهر:
* توجيه التدمير والقتل إلى المؤسسات الدينية ورموز الإسلام، فقد هدمت المساجد والمدارس الإسلامية وقتل العلماء والمؤذنون واغتصبت المحجبات.
* يعذب بعض الأئمة ويطالبون بالكفر بالإسلام، والإيمان بالمسيحية، أو وضع علامة التثليث شئت أم أبيت ثم يقتل العالم بعد ذلك.
* يجبر كثير من المسلمين في المخيمات على أكل لحم الخنزير.
* ذكر الناس والصحافة الكرواتية قصة الشيخ (مصطفى كافوفيتش) الذي رفض صنع علامة الصليب فقطعت أصابعه، ثم أجبر على شرب الخمر فرفض، ثم نشروه وهو حي يقرأ القرآن وله زوجة وطفلان.
* إن إجراءات أخذ الأطفال تتم بسهولة من المخيمات إلى المؤسسات الكنسية، بينما توضع العراقيل أمام أي جهة إسلامية تريد أن تأخذ الأطفال المسلمين.(367) وهذه لقطات قصيرة من مسلسل الرعب الوحشي:(1/122)
- معسكر (أومارسكا) شمال غربي البوسنة، كان يضم ألف معتقل منهم كل النخبة السياسية والثقافية في مدينة (بريجدود). كان الصرب يعدمون (10-15) شخصاً كل بضعة أيام.(368)
وقالت إحدى المعتقلات لمراسل شبكة (أي . بي . سي) الأمريكية: ((هذا معسكر متوحش، هنا تجري مذابح، قتل في هذه المنطقة (800) طفل وامرأة.(369)
كان يؤتى بالمسلم فيرقد على ضفة (ساقا) ويوضع رأسه على حجر ويهيأ ويذبح لينسكب دمه في النهر.(370)
وذكرت مجلة تايم تقريراً مفاده أن الصرب في مدرسة ابتدائية في (براتوناك) استنزفوا دماء خمسمائة مسلم حتى الموت من أجل إمداد الصرب الجرحى بالدم، وكان يعلق السجناء في بلدة (فوكاسكا) من أرجلهم وتسمل عيونهم بآلات حادة، وكان لكل صربي يقتل طفلاً مسلماً ما يعادل (300) جنيه استرليني.(371)
أما قضية اغتصاب المسلمات: فقد أكثرت التقارير والصحف العالمية والعربية من الحديث عنها، ولا نريد أن نخوض في التفاصيل لأنها ثقيلة على النفس، وهي أعراض مسلمة تنتهك، ولا نخوة معتصم، إنها اغتصاب وحشي منظم، وليس عملاً فردياً، ويقصد منه إذلال المسلمات وتحطيم شخصياتهن، ومما يؤسف له أن كثيراً من المعتدين كانوا من جيران المغتصبات، فقد تنكروا لعلاقات الجوار والمعايشة خلال عشرات السنين، وتذكر بعض التقارير أن الاغتصاب كان يتم أمام محارمهن وأولادهن.(372)
جـ- التآمر الصليبي والموقف الدولي المتخاذل:
لقد تكالبت الأحقاد الصليبية وتعاونت على تمزيق شعب مسلم، وإجهاض دولة شرعية اعترفت بها الأمم المتحدة: تكالبت أحقاد الصرب الأرثوذكس وحلفائهم من نفس المذهب، من الروس واليونان ومن شايعهم.
وأحقاد الكاثوليك من الكروات وحلفائهم من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ومن سايرهم.(1/123)
لقد كانت مذبحة صليبية لأهل البوسنة والهرسك، والشواهد على ذلك كثيرة من فعل عصابات الصرب. فقد قاموا بذبح المسلمين ورسموا الصليب على أجسادهم، كما قاموا بتدمير المساجد في كل بلدة احتلوها.(373)
ونقلت مجلة غربية عن بعض الصرب قولهم: ((إن كل المسلمين في الأصل عرب قذرون يمسحون أدبارهم بأيديهم)).(374)
هذا وإن ((أكثر الصرب يقولون: إن القتال في البوسنة أمر ضروري لمنع انتشار الإسلام في أوروبا)).(375)
وذكرت مراسلة شبكة (أي . بي . سي) (شيلا ماكينكار) في تقرير لها عن مدينة (اليجا البوسنية): ((أن القادة العسكريين الصرب يقولون إنهم يشنون حرباً دينية، نصارى ضد مسلمين، هي نوع من الحرب الصليبية في القرن العشرين)).(376)
لقد كان لأوروبا المسيحية ضلوعاً واضحاً في المؤامرة، وفتوراً قوياً في تردد الحكومات الأوروبية وتلوناً في مواقفها.
* قال الرئيس الفرنسي عند زيارته لمطار سراييفو: ((لن أسمح بقيام دولة أصولية إسلامية في أوروبا)) وقال: ((إن الحل العسكري مستبعد لأن المعضلة من سيقدم الجنود المطلوبين)).
وقال الجنرال روسو قائد الفيلق المحارب إلى جانب الكروات، والذي خدم عشرين سنة في الجيش الفرنسي: ((إنه سيشارك الجيش الكرواتي في معركة أوروبا ضد الإسلام الناشئ، الذي بات يهدد الحضارة الغربية)).
* وروسيا الاتحادية وريثة روسيا القيصرية الأرثوذكسية، ما فتئت تهدد مجلس الأمن علناً بحق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يتخذه هذا المجلس ضد الصرب المعتدين، وقد اتضحت ملامح مؤامرتهم بانتشار بضع مئات من الجنود الروس على جبال سراييفو بالرغم من اعتراض حكومة البوسنة الشرعية على قدومهم، إلا أن بطرس غالي أكد موافقته على ذلك القدوم، أما اليونان فهي الحليف الطبيعي للصرب لأنها على نفس المذهب، وتقوم بتسريب السلاح والمؤن إلى الصرب، حتى لبنان ما قصرت في هذا الشأن.(377)(1/124)
* وبريطانيا موقفها المتلون أوضحته الرسالة السرية من رئيس وزراء بريطانيا جون ميجر إلى الوزير البريطاني للشؤون الخارجية دوغلاس هوغ ومما جاء فيها: ((الهدف النهائي هو تقسيم البوسنة والهرسك، ومنع قيام الدولة الإسلامية في أوروبا وهو الأمر الذي لا يمكن أن نسمح به أبداً... )).(378)
ويتساءل الآن كلارك وزير الدفاع البريطاني السابق قائلاً: ((كيف نستطيع أن نبرر لعوائل الجنود المقتولين أن أبناءهم لم يموتوا في سبيل الملكة أو الوطن، بل لمنع الصرب من قتل المسلمين)).(379)
* واقترح (توجمان) رئيس جمهورية كرواتيا: ((بأن تضم المناطق المأهولة بالصرب إلى صربيا، والمأهولة بالكروات إلى كرواتيا، الأمر الذي يسمح بوجود دولة إسلامية صغيرة في وسط البوسنة)) وأضاف: ((إن ذلك سيضع حداً لأي مطالب أو محاولات لإنشاء دولة إسلامية كبيرة في قلب أوروبا)).(380)
* أما الولايات المتحدة فهي الأمم المتحدة ولسانها الناطق بطرس غالي، فعندما تريد شيئاً تتخذ من هذه الهيئة غطاء قانونياً لتنفيذ أغراضها.
وحينما سئل رئيسها (جورج بوش) عشية قمة ميونيخ عن سبب إحجامه عن التحرك في ظل الوضع المتردي أجاب قائلاً: ((إنه ليس مستعداً لأن يرسل الأولاد الأمريكيين في مهمة كهذه)) وتعلق (لاسلي غليب) في النيويورك تايمز قائلة: ((إن الغرب ما كان ليتخذ هذا الموقف اللامبالي لو كان ضحايا المجزرة من النصارى)).(381)
* ويتجلى الحقد الصربي اليهودي في تعاون الشعبين في الجيش اليوغسلافي الاتحادي، ومدهم بالخبراء العسكريين، إنها معركة واحدة مع المسلمين في البوسنة ومع الإسلام كدين.(382)
هذه هي الدول الكبرى، وقد تبين حقيقة مواقفها.
أما الشرعية الدولية ممثلة بهيئة الأمم ومجلس الأمن، فلا تزال محجمة عن التدخل ضد أطماع الصرب وأحقادهم، رغم خرقهم لكل اتفاقيات وقف إطلاق النار.(1/125)
إن المسلمين في البوسنة، هم ضمن لعبة سياسية بين الأمم المتحدة والمجموعة الأوروبية، فالمجموعة الأوروبية لا تريد التدخل لإيقاف المذبحة إلا بناءً على قرارات مجلس الأمن، والأمم المتحدة الممثلة في أمينها العام الذي يماطل في اتخاذ أي قرار من شأنه أن يحمي المسلمين.(383)
إن ما قامت به هيئة الأمم هو حظر السلاح على حكومة البوسنة، وهي تبرر سياسة الصمت لما يجري من حرق وتهجير وقتل المسلمين بأن قوات حفظ السلام لديها أوامر بأن تبقى محايدة مهما يكن من أمر.(384)
وقد وصف مندوب البوسنة لدى الأمم المتحدة عملية التستر هذه بأنها خيانة، وانتقد هذا الحياد المزعوم الذي يعني غض الطرف عن وحشية المعتدي ومعاناة الضحية، ومنظمة الصليب الأحمر، كانت تزعم الحياد أيضاً، وقد أخفت معلومات عن اعتقالات جماعية وعمليات تعذيب واغتصاب منظمة.(385)
لماذا ترسل الأمم المتحدة (14) ألف جندي لحفظ السلام عندما حصلت الحرب بين الصرب والكروات، وضغطت دول أوروبا على صربيا لوقف العدوان، وتتحول هذه الهيئة إلى حمل وديع لا يستطيع إيقاف عدوان الصرب على مسلمي البوسنة بعد ذلك؟!
بل إن بطرس غالي يأمر بسحب هذه القوات من (سراييفو) حتى يسهل على الصرب مهمة قصف المدينة وإبادة أهلها.
وها هي القوات الصربية تطبق على جيب (بيهاتش) وتكاد تدمر المدينة، وفيها ما يقرب من مئتي ألف مسلم ما بين لاجئ ومقيم، وهو من المناطق التي أعلنت الأمم المتحدة أنها دولية ومحمية، ويرفض قائد هذه القوات الدولية (مايكل روز) من استدعاء طائرات حلف شمال الأطلسي وبكل جلافة.(386)
وماذا تصنع هذه الطائرات؟! فقد أصابت في إحدى غاراتها مدفعاً صربياً وفي الأخرى دبابة قديمة!!
((وقد عبر نائب الرئيس البوسني أيوب غانيتش عن موقف الأوروبيين من قضية بلاده فقال: إن أوروبا أظهرت وجهها الحقيقي، وإن تدمير البوسنة وفناء أهلها، سيكون على يد أوروبا، وليس على يد الصرب فقط)).(1/126)
ومما يوضح التواطؤ بين دول أوروبا وروسيا ما صرح به (كاراجيتش) زعيم عصابات الصرب البوسنية، وهو يتساءل باستغراب: ((لماذا يتظاهر الجميع بذرف الدموع على البوسنة؟ إن هؤلاء - المتظاهرين بدموعهم - يتحدثون إلينا في الغرف المغلقة بطريقة مختلفة)).
وإن قرارات مجلس الأمن لا تنفذ على المسلمين ((فهناك أكثر من (63) قراراً دولياً في قضية البوسنة لم ينفذ منها قرار واحد وكأن الصرب يعرفون هذه الحقيقة، فاستمروا في مذابحهم وجرائمهم في ظل الحماية الدولية))، ولنكرر مع الرئيس علي عزت قوله: ((إن الغرب حينما يتعلق الأمر بالإسلام، مستعد لأن يخون مبادئه وقيمه التي ينادي بها)).(387)
ولكن لمن تساق الأخبار، وعلى من تعرض الصور؟!
((لقد آن الأوان لإعادة النظر في أشياء مسلمة، كعضوية الأمم المتحدة، واستقلال الصليب الأحمر، ونزاهة المنظمات الدولية، التي هي غربية الهوى والمنهج واللسان.
ماذا لو كان أهل البوسنة المستهدفون، بالإبادة والطرد يهوداً أو نصارى؟! ماذا لو كان مرتكبو المذابح مسلمين؟!
إلا أن مسلمي البوسنة لا بواكي لهم، ولن يسمح لهم أنهم أوروبيون بيض البشرة ومتسامحون)).(388)
وصدق الله العظيم: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [البقرة:120].
وأنتم يا مسلمي البوسنة: لقد خيبتم آمال المعتدين، وآمال حلفائهم، وسوف يسجل التاريخ أنكم صمدتم صمود الأبطال في معركتكم الشريفة ضد قوى الظلم والطغيان.
وأن أهل البوسنة قاتلوا بعدة زهيدة جيوشاً مدججة بالسلاح، وأنهم نجحوا سياسياً وعسكرياً في إفشال مؤامرة الإجهاز على الإسلام في قلب أوروبا)).(389)
وبعد كل هذه الصور من إرهاب الأعداء وغلوهم، فهل يحق لهم ولأحفادهم أن يتشدقوا باتهام المسلمين بالتطرف والإرهاب! وصدق من قال: ((رمتني بدائها وانسلت)).(1/127)
أخي القارئ: إن الغلو مذموم أياً كان مصدره، وعواقبه وخيمة، لا ينتج عنه إلا إراقة الدماء البريئة، وتجاوز النصوص الشرعية، هذا وإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى)).
وإنها لمؤامرة عالمية - كما مرّ معنا - تستهدف اجتثاث الإسلام وأهله باسم التخويف من الإرهاب والأصولية. وإلا كيف يتبجح الجزار بخوفه من ذبيحته وبيده السكين يجز به رأسها؟! إنها لمهزلة حقاً، تتم فصولها في أواخر القرن العشرين.
الباب الثالث
التصوف
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: تعريف التصوف - نشأته وتطوره.
الفصل الثاني: الانحرافات العقدية عند أهل التصوف.
الفصل الثالث: الآثار السلبية لظاهرة التصوف.
الفصل الأول
نشأة التصوف وتطوره
1- تعريف التصوف واشتقاقه:(390)
اختلف العلماء في اشتقاق التصوف لغوياً، وفي تعريفه كذلك، كما اختلفوا في أصله ونشأته، وما زالوا مختلفين حتى اليوم.
والواقع إن البحث في التصوف شائك، لأن المراجع التي دون فيها فكر التصوف ومنطلقاته، تجمع من الحجج والبراهين الأشياء الكثيرة والمتناقضة.
وسوف نقتصر في بحثنا عن التصوف، على ما شاع عند أهله وما دون عند المتصوفة في كتبهم، وما كتب عنهم عند العلماء الثقات، إن شاء الله تعالى.
* فالتصوف مشتق من الصفاء، كما يرى بعضهم، قال بشر بن الحارث: ((الصوفي من صفت لله معاملته، فصفت له من الله عز وجل كرامته)).
- وقال آخرون: إن الصوفية نسبوا إلى صفة المسجد النبوي لقرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفة.
- وأكد آخرون: أن التصوف منسوب إلى ((الصوف)) لأن لباس الصوف أقرب إلى الاشتقاق اللغوي، وإلى الظروف التاريخية التي أحاطت بنشأة التصوف، فقد كان يكثر لباسه عند المتصوفة.
((وقد روي أن محمد بن سيرين بلغه أن قوماً يفضلون لباس الصوف فقال: إن قوماً يتخيرون الصوف، يقولون إنهم متشبهون بالمسيح بن مريم، وهدي نبينا أحب إلينا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس القطن وغيره)).(1/128)
((إلا أن ابن تيمية رحمه الله يضعف أكثر هذه الأقوال لأنها لا تصح من ناحية اللغة واشتقاقها)).(391)
- وذهب البيروني إلى أن الصوفية إنما هي اشتقاق من كلمة ((سوفيا)) اليونانية، والتي تعني الحكمة.
- ويقول ابن خلدون عن التصوف وطريقته التي كثر الاختلاف فيها عند الناس: ((وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها.. والانفراد في الخلوة للعبادة)).(392)
وعلى العموم فإن الأقوال في تعريف التصوف كثيرة، حتى قال السهر وردي: ((وأقوال المشايخ في ماهية التصوف تزيد على ألف قول)).(393)
ويبدو أن هذا الاختلاف يرجع إلى تطور ا لتصوف وتشابك جذوره ومظاهره عبر القرون، وهذا ما سوف نلقي عليه الضوء في الفقرة القادمة.
2- نشأة التصوف ومصادره:
لقد تشعبت الآراء والأقوال في منبع التصوف ومصدره أيضاً، فقال قائل: إنه إسلامي بحت في أشكاله وصوره، وأصوله وقواعده، وأغراضه ومقاصده، وفي مواجيده وأناشيده... وهذا هو ادعاء الصوفية ومن ناصرهم.
وقال قوم: لا علاقة للتصوف بالإسلام إطلاقاً، في نشأته وظهوره، وهو أجنبي عنه كاسمه... ولذلك يبحث هؤلاء عن مصادره في الفكر الأجنبي.
ويقول بهذا الرأي أكثر السلفيين والفقهاء والمتكلمين من أهل السنة المتقدمين، وكثير من الباحثين المعاصرين والمستشرقين.
وقالت طائفة: إنه اسم للزهد الذي تطور بعد القرون المشهود لها بالخير، كرد فعل على زخرفة المدنية وزينتها التي انفتحت أبوابها على المسلمين بعد الفتوحات، وانغماسهم في ترف الدنيا ونعيمها.
ودخلت بعد ذلك أفكار أجنبية وفلسفات غير إسلامية، وذهب إلى هذا الرأي ابن تيمية والشوكاني وغيرهما من بعض أعلام السنة، حتى الصوفية أنفسهم وبعض المستشرقين يرون هذا الرأي.(1/129)
وقال آخرون: إن التصوف كان وليد الأفكار المختلطة من الإسلام وبقايا اليهودية والمسيحية، ومن المانوية والمجوسية والبوذية وقبل ذلك من فلسفة اليونان، وآراء الأفلاطونية الحديثة، وتمسك بهذا الرأي بعض من كتب عن الصوفية، من المسلمين وغير المسلمين.(394)
وخير طريقة للحكم على آراء المتصوفة هو الرجوع إلى رسائلهم وكتبهم الموثوقة لديهم.
والحقيقة: إن الصوفية مصطلح طارئ ظهر عندما كثر لبس الصوف في جماعة من الزهاد، فقيل إنهم تصوفوا - أي لبسوا الصوف - فسموا صوفية وقيل لواحدهم ((صوفي)).
متى ظهر التصوف؟
يرى بعض الباحثين أنه ظهر في الكوفة، وسبب ذلك عندهم أن الكوفيين قد تأثروا بموجة الزهد الذي اتخذ شكل معارضة لبني أمية، فقد خالفوهم إلى لبس ملابس الزهاد والرهبان.
وممن قال بذلك: الدكتور كامل الشيبي، الذي يرى أن التصوف ارتبط بسبب ذلك بالتشيع، لما في الكوفة من اضطراب سياسي وهزيمة نفسية من جراء الأحداث التي نزلت بساحتها خلال مواقفهم مع آل البيت، فلما لحقتهم الهزيمة العسكرية، تركوا القتال والدعوة إلى خلافة علي وذريته، ولجؤوا إلى الزهد وطريقة التصوف.(395)
بينما يرى ابن تيمية رحمه الله: أن الصوفية ظهرت في البصرة، وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر الأمصار، ولهذا كان يقال: فقه كوفي، وعبادة بصرية وغالب ما يحكى من المبالغة في هذا الباب إنما هو عن عباد أهل البصرة.. فكان فيهم طوائف يصعقون عند سماع القرآن، ولم يكن في الصحابة من هذا حاله، فلما ظهر ذلك أنكره طائفة من الصحابة والتابعين، كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، ومحمد بن سيرين ونحوهم...
وقد اختلف الناس في طريقة المتصوفة هؤلاء، يقول ابن تيمية:
((فطائفة ذمت الصوفية والتصوف، وقالوا إنهم مبتدعون خارجون عن السنة... وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم.(1/130)
والصواب: أنهم مجتهدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، ومنهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب.
ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاصٍ لربه.
وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة، كالحلاج، وإن أنكر طائفة من مشايخ الصوفية أنه منهم)).(396)
والطوائف هذه تمثل تطور التصوف خلال مراحله المتباينة كما سيأتي بيانه.
3- تطور التصوف والمراحل التي مرّ بها:
لقد مر التصوف بمراحل مختلفة، إذ بدأ بالزهد والزهاد في البصرة وأمثالها من أمصار المسلمين، ثم تحول بعد ذلك إلى طرق صوفية لكل منها معالمها المتميزة، ومن ثم صارت تنحرف عن الإسلام وتعاليمه رويداً رويداً.
ويمكن أن نميز في الصوفية ثلاث مراحل واضحة نوجزها فيما يأتي:
المرحلة الأولى:
وكان يغلب على أصحابها جانب العبادة والبعد عن الناس، مع التزامهم بآداب الشريعة، وقد يغلب على بعضهم الخوف الشديد والبكاء المستمر، وكان من هؤلاء في المدينة: عامر بن عبد الله بن الزبير، الذي كان يواصل في صومه ثلاثاً ويقول له والده: رأيت أبا بكر وعمر ولم يكونا هكذا.(397)
وكان في البصرة طلق بن حبيب العنزي، وعطاء السلمي الذي بكى حتى عمش.(398)
ومن هؤلاء الزهاد: إبراهيم بن سيار وبشر بن الحارث الحافي كان قد فاق أهل عصره في الزهد وحسن الطريقة واستقامة المذهب وعزوف النفس كما قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.(399)
ومن هؤلاء جنيد بن محمد الجنيد، الذي ينقل عنه الخطيب البغدادي قوله: ((علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، ومن لم يحفظ الكتاب ولم يكتب الحديث ولم يتفقه، فلا يقتدى به)).(400)
((إن هؤلاء كانت مقاصدهم حسنة، غير أنهم على غير الجادة وفيهم من كان لقلة علمه، يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري)).(401)(1/131)
ومن هذا الزهد المشروع نسبياً انتقل بعضهم إلى تأليف الكتب، يدعو فيها إلى أمور لم تكن عند الزهاد السابقين، كترك الزواج مثلاً، ومن هؤلاء: مالك بن دينار الذي امتنع عن الزواج، وعن أكل اللحم إلا من أضحيته، وكثيراً ما كان يقرأ في كتب السابقين كالتوراة والإنجيل.
ويعتبر من أقطاب هذه المرحلة: رابعة العدوية، التي استحدثت قصة الحب الإلهي والعشق الإلهي.
فهؤلاء من أوائل الصوفية الذين اتخذوا طريقة، جمعوا فيها بين الزهد والتعمق والتشدد، والتفتيش عن الوساوس والخطرات، مما لم يكن على عهد السلف الأول.
وإذا كان الصفاء الروحي يأتي بدون تكلف عند السلف نتيجة التربية المتكاملة، فنحن هنا بصدد تشدد وتكلف لحضور هذا الصفاء، وبصدد تنقير وتفتيش عن الإخلاص يصل إلى حد الوساوس.
ومما استحدث في هذه المرحلة: الاستماع إلى القصائد الزهدية مع استعمال الألحان المطربة، وصنفت الكتب التي تجمع أخبار الزهد والزهاد، ولكنها تخلط بين الصحيح وغيره، وتدعو إلى الفقر، وتنقل عن أهل الكتاب، مثل كتب الحارث المحاسبي، وقوت القلوب لأبي طالب المكي والرسالة للقشيري.(402)
وعلى كلٍّ ((فإن هذه المذاهب قد ظهرت فيما بعد القرون المفضلة رويداً رويداً، وكان أصحابها الأولون قد انفردوا بما أتوا من الزهد والورع، الذي لم يكن عليه رسول الله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وإلى هذا يشير قوله تعالى: { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَامَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } [الحديد:27].
والحقيقة إن لفظ الصوفية لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك)).(403)
وربما كان الصوفية صادقين في زهدهم في هذه المرحلة، مع بعدهم عن الدنيا، إلا أن التشدد الذي فرضوه على أنفسهم لم يأمر به الشارع، ويبدو أن هناك تأثيراً للنصارى في تكوين القناعات بتعذيب الجسد كي تصفو الروح.(404)(1/132)
هذه البداية للتصوف بقيت مقبولة إلى حد ما، ولكن ليت الأمر وقف عند هذا الحد، وإنما بدأت تغزو الصوفية مصطلحات غامضة، وطقوس غريبة، وانحرافات عن الشريعة، وهذا ما ظهر جلياً في المرحلة التالية، وخلال طرق منظمة، لها مشايخها وطقوسها، بعد القرن الثالث الهجري.
المرحلة الثانية:
وقد أدخل فيها المتصوفة مصطلحات غامضة فتحدثوا عن الفناء والبقاء، وعلم الإشارة في المكاشفات، والمآل في ذلك إلى الذوق.
وفي هذه المرحلة: نشأ لديهم ما يسمى بعلم الظاهر والباطن وأعلنوا سقوط تكاليف الشريعة عن أوليائهم، لاطلاعهم على علم الحقيقة وبسبب الكشف والإلهام، وزعموا الاطلاع على علم الغيب فكثرت الأساطير والخرافات عندهم.(405)
ولعل عقائد الشيعة - والباطنية خاصة - قد خالطت عقائد القوم، كما أن الأديان القديمة وفلسفة اليونان، قد تغلغلت في عقائد المتصوفة من خلال الطريقة ورموزها ومصطلحاتها.
((وقد ظهر هذا التصوف بصورة مذهب مخصوص، وطائفة مخصوصة عند الموالي والأعاجم، عن سذاجة حيناً، وأحقاد لهدم الإسلام حيناً آخر، فأدخلوا اليهودية والمسيحية وأفكارهما على الإسلام، ناهيك عن الزرادشتية والمجوسية والبوذية، وفلسفة اليونان الأفلاطونية، يقصدون إبطال الشريعة والتفريق بينها وبين الحقيقة، مع إشاعة الأساطير والأباطيل باسم الكرامات والخوارق، ولم يظهر التصوف مذهباً ومشرباً، ولم ترج مصطلحاته الخاصة وأصوله وقواعده إلا في القرن الثالث الهجري، وما بعده)).(406)
وقد كان معظم أقطاب التصوف من هذه الطبقة منهم: أبو الحسن الشاذلي، وأبو يزيد البسطامي، وأحمد الرفاعي، وأحمد البدوي، وعبد القادر الجيلاني والتيجاني والنقشبندي...(1/133)
* فأبو يزيد البسطامي: ((طيفور بن عيسى، أحد الزهاد كان جده مجوسياً فأسلم، وله نكت مليحة، إلا أنه جاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها، قاله في حالة السكر والدهشة والغيبة، لا يحتج بها، إذ ظاهرها الإلحاد كقوله: سبحاني ما أعظم شاني وما في الجبة إلا الله، ما النار؟ لاستندت إليها غداً، وأقول: اجعلني فداء لأهلها...
لقد تأول هذه الشطحات، علماء الصوفية وقال بعضهم: إنه قال ذلك في حال الاصطلام والغيبة)).(407)
* وأبو الحسن الشاذلي: شيخ الطائفة الشاذلية، كان كبير المقدار عالي المنار، له عبارات فيها رموز.(408)
والأقوال فيه متضاربة: فبينما ينقل عنه الشعراني في طبقاته أنه: ((كان يقول: إذا عارض كشفك الكتاب والسنة، فتمسك بالكتاب والسنة، ودع الكشف)).
وينقل عنه أيضاً: ((أنه كان يقول: أنا الآن لا أنتسب إلى أحد، بل أعوم في عشرة أبحر، محمد وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وجبريل وميكائيل... الخ)).(409)
ومن الجدير بالذكر أن الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر، كتب كتاباً في تمجيد الشاذلي وطريقته.
ففي ذلك الكتاب يذكر أن الله سبحانه كلم الشاذلي على جبل زغوان، وهو الجبل الذي اعتكف الشاذلي في قمته، وتعبد فيه وتحنث، يذكر ذلك نقلاً عن صاحب كتاب ((درة الأسرار)).(410)
وينقل أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم الشاذلي من داخل حجرته الشريفة ((فلما قدم المدينة زادها الله تشريفاً وتعظيماً، وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه، عريان الرأس حافي القدمين، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً، فسئل عن ذلك فقال: حتى يؤذن لي... فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة: ((يا علي ادخل)).(411)(1/134)
فمن كانت هذه مكانته لا يستبعد أن يقول: ((لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يكون في غد وبعد غد إلى يوم القيامة)) وإني لأستغرب كيف ينقل شيخ الجامع الأزهر هذه الأساطير وهو الذي تخرج من فرنسا أيضاً، إلا أن التربية الصوفية كثيراً ما تلغى فيها العقول.
والطريقة عند أقطاب التصوف، أن معظمهم يوصل نسبه إلى آل البيت ((علي وأبنائه خاصة)) فالرفاعي والشاذلي وأحمد البدوي والجيلاني كلهم من آل البيت، ويخاطبون جدهم رسول الله، وهو في قبره فيجيبهم. صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هكذا يزعمون، ويصدقهم أتباعهم بلا تردد.
ومما قاله الشاذلي: ((أعطيت الشاذلية ثلاثاً لم تحصل لمن قبلهم ولا لمن بعدهم: الأول أنهم مختارون في اللوح المحفوظ، الثاني أن القطب منهم إلى يوم القيامة، الثالث أن المجذوب منهم يرجع إلى الصحو)).(412)
* أحمد بن الرفاعي:(413) المتوفى سنة 578، يحاول أتباعه إثبات نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً.
يذكر صاحب القلادة أن الرفاعي لما حج عام 555هـ وقف تجاه الحجرة العطرة النبوية وقال: السلام عليكم يا جدي، فقال له عليه أفضل صلوات الله: وعليك السلام يا ولدي.(414) وسمع ذلك كل من في المسجد النبوي، ومد له رسول الله يده الشريفة العطرة من قبره الأزهر فقبّلها، في ملأ يقرب من تسعين ألف رجل؟! ثم قالوا: ((وإنكار هذه الكرامة كفر)).(415)
وينقل عن الرفاعي أمور غريبة، وحركات عجيبة، وقد تعلم أصحابه السحر. يقول الذهبي: ((ولكن أصحابه فيهم الجيد والرديء، وقد كثر الزغل فيهم وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق، من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيات)).(416)
وقال ابن خلكان(417): ((ولأتباعه أحوال عجيبة، من أكل الحيات وهي حية، والنزول إلى التنانير وهي تضطرم من النار فيطفئوها)).(1/135)
وقال ابن الملقن في ترجمة الرفاعي: ((هو القائل: الشيخ من يمحو اسم مريده من ديوان الأشقياء، ثم قال: ودخل عليه شخص، وكان على جبهته مكتوب سطر الشقاوة فمحي ببركته)).(418)
وقد ناظر ابن تيمية رحمه الله أتباع الرفاعي ((البطائحية)) أمام أمير دمشق، وأبان الكذب والتلبيس عند مشايخهم، واشترط عليهم أنه سيدخل معهم النار على أن يغتسلوا بالخل والماء الحار، لأنهم كانوا يطلون جسوهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع وباطن قشر النارنج وغير ذلك من الحيل المعروفة لهم... ولما فضح أمرهم ذلوا، وطلبوا التوبة عما مضى، وسأل الأمير ابن تيمية عما يطلب منهم فقال: متابعة الكتاب والسنة.(419)
* أما أحمد البدوي: والملقب بالسيد البدوي، فقد أحاطوه بمظاهر التقديس، وجعل قريناً لرسول الله وغيره من الأنبياء، وزعموا أن شفاعته لا يصل إلى مثلها الأنبياء، وأنه يطلع على الغيب، وأن الأرض تطوى له، وأنه قادر على إحياء الموتى، وإماتة الأحياء، وأنه يخرج من قبره عندما يستغيث به أحد ممن يتعرض لقاطع طريق، وأنه يتكلم من قبره، وقد ادّعى السيد البدوي أنه من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم .(420)
ويبدو أن البدوي كان شخصية غامضة مريبة، لها مخطط باطني خبيث، خطط له ومهد الطريق شخصيات من رموز الشيعة الباطنية باسم التصوف والدروشة.(421)
* هذه نماذج من قادة التصوف عرضت لسيرة بعضها حتى يطلع القارئ على خطورة ما توصلوا إليه من أفكار وشطحات، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى المراجع المطولة.
المرحلة الثالثة:
تعتبر هذه المرحلة من أخطر مراحل التصوف حيث تسربت الفلسفة اليونانية، فابتعدت بها عما سبقها من مراحل التصوف، بل جعلتها من الصوفية الخارجة عن الإسلام، إذ كان تأثير الفلاسفة قوياً بعد ترجمة كتب اليونان، وفيها نظرية الفيض والإشراق، التي ستلعب دوراً خطيراً في فكر التصوف، وخاصة عند السهر وردي، وابن عربي.(422)(1/136)
وقد ذكر كثير من الباحثين، أن الأفلاطونية الحديثة هي أحد المصادر الأساسية للتصوف، بل إنها هي المصدر الأول بالنسبة إلى القائلين بوحدة الوجود والحلول، بدءاً من أبي يزيد البسطامي، وسهل التستري وابن سبعين، وانتهاء بابن الفارض والحلاج وابن العربي والسهر وردي المقتول وغيرهم كثير.
وقد أخذ هؤلاء نظرية الفيض والمحبة والإشراق والمعرفة، مع الآراء الأخرى التي تمسكوا بها عن الأفلاطونية الحديثة.
ويرى آخرون أنها مأخوذة من البوذية، وغيرها من الديانات المحرفة كاليهودية والنصرانية.(423)
فصار هؤلاء المتصوفة يعتقدون أنه ليس هناك فرق بين الله وخلقه، إلا أن الله تعالى كل والخلق جزؤه، وأن الله متجلٍّ في كل شيء من الكون حتى الكلاب والخنازير، فالكل مظاهره، وما في الوجود إلا الله، فهو الظاهر في الكون، والكون مظهره.(424)
يقول ابن عربي: ((فلا مظهر له إلا نحن، ولا ظهور لنا إلا به، فبه عرفنا أنفسنا وعرفناه، وبنا تحقق عين ما يستحق الإله.
فلولاه لما كنا
ولولا نحن ما كانا
فإن قلنا بأنا ((هو))
يكون الحق إيانا
فبدانا وأخفاه
وأبداه وأخفانا
فكان الحق أكوانا
وكنا نحن أعيانا(425)
تعالى الله عما يقول هؤلاء الضالون علواً كبيراً، إذ أن هؤلاء ((يعتقدون أن العالم كله ظل وعكس لذات الله تعالى، فهل في الوجود إلا الله؟ والإنس والجن والشجر والحجر والدود والدواب، والطيور والسباع والكلاب والخنازير صور مختلفة للتجلي الإلهي، فكل شيء في العالمين إله عند الصوفية، وعلى ذلك نقل الطوسي عن أبي حمزة الصوفي: أنه كان إذا سمع صوتاً مثل هبوب الريح، وخرير الماء، وصياح الطيور، كان يصيح ويقول: لبيك)).(426)
((ونقل عن أبي الحسن النوري أنه سمع نباح الكلاب فقال: لبيك وسعديك)).(427)
فماذا بعد هذا من الكفر الصريح، والوقاحة مع ذات الله جل جلاله.(1/137)
لقد كان عباد الأصنام يحترمونها ويدافعون عن مقدساتهم، أما هؤلاء فقد نزلوا بأربابهم إلى أقل من عباد الأصنام بكثير.(428)
الفصل الثاني
الانحرافات العقدية عند أهل التصوف
وفيه عدة مباحث:
المبحث الأول: الشريعة والحقيقة (أو الظاهر والباطن) وسقوط التكاليف الشرعية.
المبحث الثاني: الأولياء والكرامات.
المبحث الثالث: الصلة بين التصوف والتشيع.
المبحث الرابع: غلاة الصوفية وقولهم بوحدة الوجود.
المبحث الخامس: تقديس القبور والأضرحة والاستغاثة بأصحابها.
المبحث الأول
الشريعة والحقيقة ((الظاهر والباطن))
وقع المتصوفة في انحرافات عقدية خطيرة، تغلغلت في طرقهم من عقائد الشيعة والباطنية خاصة، كما أنها دخلت إليهم من عقائد الملل الأخرى، مما أوقع القوم في ضلالات، من أولها هذا الانحراف الذي قسم الدين فيه إلى ظاهر وباطن، وإلى شريعة وحقيقة، ثم انجرفوا إلى القول بسقوط التكاليف الشرعية وتأويل القرآن تأويلاً باطنياً فاسداً.
* فالشريعة - كما يراها المتصوفة - هي مجموعة من الأحكام العملية التكليفية أي ما يسمى ((بالفقه الإسلامي))، والحقيقة هي ما وراء هذه الأحكام من إشارات وأسرار حسب زعمهم، لقد أهملوا علوم الشريعة لأنها عندهم من علوم الظاهر التي لا تؤدي - بزعمهم - للوصول إلى الحضرة كما هو شأن علم الباطن، ويسمون العلماء بحملة الشريعة، بينما يسمون أنفسهم بحملة الحقيقة.
ومن هنا احتقر المتصوفة العلم وأهله، وقبحوا طريقة العلماء في فهم الكتاب والسنة حتى ترك كثير من علمائهم في القرنين الأخيرين حلقات التدريس والعلم، واعتزلوا الناس تماماً، ليتفرغوا للأتباع والمريدين.(429)
وقد نقل عن الجنيد أنه كان يقول: ((المريد الصادق غني عن علم العلماء، وإذا أراد الله بالمريد خيراً أوقعه إلى الصوفية ومنعه صحبة القراء)).(430)(1/138)
فالفقهاء - في نظر الصوفية - يعلمون الناس أركان الصلاة وسننها، وهم يهتمون بأعمال القلوب من المحبة والخشية، ويقول غلاتهم: إن هذه الأحكام خاصة بعوام المسلمين نظراً لضيق عقولهم وقلوبهم عن استيعاب المعاني العلوية، دون الالتزام برسوم وأشكال معينة... )).(431)
* وقد انحرف غلاتهم بعد ذلك إلى التنفير من علوم الحديث حتى يضعوا الأحاديث لتناسب طرائقهم وبدعهم.. ولهم في ذلك عجائب لا تحصى من ذلك:
ما نقله فريد الدين العطار عن أبي الحسين الخرقاني أنه قال: ((وهبني الله جميع العلوم والمعارف، مع كوني أمياً، وقرأت الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يُصَدِّقْهُ مريده، فرأى - المريد - في المنام رسول الله وسمعه يقول: صدق الرجل، صدق الرجل، وقال المريد: بدأت بعدها أتردد إلى الشيخ وأقرأ الحديث، فأحياناً كان يقول: هذا الحديث ليس بصحيح، ولما سألته كيف عرف ذلك؟ قال: لما تقرأ الحديث أشتغل بمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلما قرأت الحديث الصحيح يبتسم النبي وتنورت جبهته، وإذا مررت بحديث موضوع ظهرت كآبة على وجهه صلى الله عليه وسلم ، فبذلك أميز الصحيح من الضعيف)).(432)
ويصرح الدباغ قائلاً: ((قد ينزل الملك على الولي، ويخبره بصحة حديث ضعفه العلماء)).(433)
فالمتصوفة يرون أن العلم اللدني ليس بينه وبين الغيب حجاب، أي أنه لا يحتاج إلى إسناد، فوجوده إسناده.
وقد جعلوا حديث الناس حديثاً للنبي المعصوم، معتمدين على كشفهم وإلهامهم، فجعلوا الموضوع ثابتاً، والسقيم صحيحاً، دون النظر إلى رواته قائلين: بأنهم سمعوه عن النبيّ رأساً، أو علموا تصحيحه عن رسول الله مشافهة، أو بواسطة الملك أو بتعليم الخضر.(434)
لقد خالف المتصوفة ما قاله العلماء في أهمية علم الإسناد في الحديث النبوي، فعن عبد الله بن المبارك أنه قال: ((الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)) رواه مسلم.(1/139)
وما أكثر ما يقول المتصوفة رداً على أهل الحديث لتمسكهم بالإسناد: ((أخذتم علمكم ميتاً عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت))(435) أي ((أخذتم علمكم عن الرجال، رجال السند وقد ماتوا، أما علمهم فقد أخذوه مباشرة عن الحي الذي لا يموت، هذا مع ادعائهم في كتبهم قائلين: ((علمنا هذا مؤيد بالكتاب والسنة)).
الظاهر والباطن:
لقد ادّعى المتصوفة أن للقرآن ظاهراً وباطناً، فالظاهر هو ما يؤخذ من ألفاظه حسب الفهم العربي، وهو ما يهتم به علماء الظاهر، أما الباطن فهو العلم الخفي وراء تلك الألفاظ، وهو المراد الحقيقي بها، وهذا لا يطلع عليه إلا الخواص من أصحاب المقامات السامية، ويطلقون عليه: ((الإشارات)) وهم يغمزون أهل الفقه بأنهم لا يهتمون بأعمال القلوب.(436)
ولعل فكرة الظاهر والباطن تسربت إلى التصوف من التشيع(437) إذ إن الشيعة بجميع فرقها وخاصة الإسماعيلية منهم، يعتقدون أن لكل ظاهر باطناً، وقد اختص بمعرفة الباطن علي ? وأولاده وأئمتهم المعصومون - حسب زعمهم - وقد سموا الموالين لهم بالخاصة، وغير الموالين بالعامة.
ثم قسموا الظاهر والباطن بين النبي صلى الله عليه وسلم ، والوصي وقالوا: ((كانت الدعوة الظاهرة قسط الرسول، والدعوة الباطنة قسط وصيه الذي فاض منه جزيل الأنعام))(438) يقصدون علياً ? ثم قالوا: ((إن الظاهر هو الشريعة، والباطن هو الحقيقة، وصاحب الشريعة هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وصاحب الحقيقة هو الوصي علي بن أبي طالب)).(439)
وقال المتصوفة: ((العلوم ثلاثة ظاهر، وباطن، وباطن الباطن، كما أن الإنسان له ظاهر وباطن، وباطن الباطن.
فعلم الشريعة ظاهر، وعلم الطريقة باطن، وعلم الحقيقة باطن الباطن)).(440)
* ونلاحظ أن التوافق بينهم وبين الباطنية الإسماعيلية في هذه المصطلحات واضح جلي. فما سبب توغل الصوفية في علم الباطن.
* وما سبب التجائهم إليه؟(1/140)
يقول الصوفية: ((إن علم الباطن هو علم القلب، وعلم التصوف علم جليل شريف نفيس وهو أجل العلوم وأشرفها، وهو الزبدة الممخوضة من الشريعة، التي لم تبعث الأنبياء إلا لأجلها)).(441)
وقالوا:
هل ظاهر الشرع وعلم الباطن
إلا كجسم فيه روح ساكن
والعلم الظاهر هو علم العبودية، والعلم الباطن هو علم الربوبية.(442)
وسئل بعض علمائهم عن علم الباطن أي شيء هو؟
فقال: ((سر من الله تعالى، يقذفه في قلوب عباده، لم يطلع عليه ملكاً ولا بشراً)).(443)
ومن أسباب ذلك أيضاً: أن الصوفية تقولوا بكلمات كلها كفر وإلحاد، ونقل عن الباطنية والتشيع، فلما سمع العلماء هذه المقولات كفروهم بها، ورموهم بالإلحاد والزندقة، فلم يسعهم آنذاك إلا القول بالظاهر والباطن والهروب إلى التأويل.(444)
فالمتصوفة يدعون ((أنهم يأخذون عن الله كل ما يحتاجون إليه وينتفعون به من غير واسطة، أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل بالشرائع الظاهرة، وهم موافقون له فيها، أما الحقائق الباطنة فلم يرسل بها، أو لم يكن يعرفها، وهم أعرف بها منه، أو يعرفونها مثل ما يعرفها من غير طريقته)).(445)
((ومن ادّعى أن من الأولياء الذين بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من له طريق إلى الله لا يحتاج فيه إلى محمد، فهذا كافر ملحد، وإذا قال: أنا محتاج إلى محمد في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، فهو شر من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن محمداً رسول إلى الأميين. فكانوا كفاراً بذلك، وكذلك هذا الذي يقول: إن محمداً بعث بعلم الظاهر دون علم الباطن، آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر... )).(446)
ومن بعض ضلالاتهم ((أنهم قد يقولون كما يقول صاحب (الفصوص) ابن عربي: أنهم يأخذون من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول، وذلك أنهم اعتقدوا (عقيدة المتفلسفة)، ثم أخرجوها في قالب (المكاشفة).(447)(1/141)
وقد نتج عن هذه العقيدة المنحرفة أمران خطيران:
1- سقوط التكاليف الشرعية عن نساكهم ومتقدّميهم.
2- الضلال في تفسير القرآن اعتماداً على التأويل الباطني.
سقوط التكاليف الشرعية:(448)
لقد سلك المتصوفة مسلكاً غريباً في إسقاط التكاليف الشرعية عن مشايخهم، ((وفي النساك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى درجة تزول فيها عنهم العبادات، وتكون الأشياء والمحظورات على غيرهم مباحات لهم)).(449)
وقد أشار إلى هذا صوفي قديم فقال: ((وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة، فعدوا قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة.. واستخفوا بأدائهم العبادات... وركضوا في ميدان الغفلات، وركنوا إلى اتباع الشهوات.. وادّعوا أنهم تحرروا من رق الأغلال، وتحققوا بحقائق الوصال)).(450)
((إن نسخ الشريعة المحمدية مما يؤمن به جميع فرق الباطنية ولو أنهم يتظاهرون بإنكاره كما يذكر الغزالي)).(451)
وفي سيرة المتصوفة غرائب وعجائب، تبين مدى خروجهم على التكاليف الشرعية.(452)
من ذلك ما ذكره العطار عن أبي يزيد البسطامي أنه خرج مرة للحج فرجع من الطريق، فسألوه عن السبب فقال: لقيني في الطريق رجل حبشي وقال لي: لماذا ترك الله ببسطام؟ فرجعت.(453)
وذكروا مثل ذلك عن رابعة العدوية فقالوا: ((سافرت رابعة إلى مكة فرأت أثناء الطريق كعبة الله تمشي إليها - عياذاً بالله - فقالت: لا أريد الكعبة، بل أريد ربها)).
وقال بعضهم: ((إن الكعبة طافت بالشيخ إبراهيم المتبولي حجراً حجراً، ثم رجع كل حجر إلى مكانه)).(454)
((وقالوا مثل ذلك في الزكاة، فلما سئل الشبلي كم في خمس من الإبل؟
قال: في واجب الشرع شاة، وفيما يجب على أمثالنا، كلها لله)).(455)
وقد سئل ابن تيمية رحمه الله عن هؤلاء وطرائقهم، وما الحكم فيهم؟(1/142)
((سئل عن قوم داوموا على الرياضة، فرأوا أنهم قد تجوهروا فقالوا: لا نبالي الآن ما عملنا، وإنما الأوامر والنواهي رسوم العوام، ولو تجوهروا لسقطت عنهم، وحاصل النبوة يرجع إلى الحكمة والمصلحة، والمراد منها ضبط العوام، ولسنا نحن من العوام، فندخل في حجر التكليف - فهل هذا القول كفر من قائله؟ أم يبدع من غير تكفير؟ )).
أجاب رحمه الله: ((لا ريب عند أهل العلم والإيمان أن هذا القول من أعظم الكفر وأغلظه، وهو شر من قول اليهود والنصارى، فإن اليهودي والنصراني آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض)).(456)
وقال رحمه الله أيضاً: ((إن هؤلاء خارجون في هذه الحال عن جميع الكتب والشرائع والملل، لا يلتزمون لله أمراً ولا نهياً بحال، بل هؤلاء شر من المشركين المستمسكين ببقايا من الملل)).(457)
وسئل رحمه الله عمن يقول: ((إن غاية التحقيق وكمال الطريق، ترك التكليف بحيث أنه إذا ألزم بالصلاة يقوم ويقول: خرجنا من الحضرة، ووقفنا بالباب)) فأجاب رحمه الله، بقوله:
((أما من جعل كمال التحقيق الخروج من التكليف فهذا مذهب الملاحدة من القرامطة والباطنية، ومن شابههم من الملاحدة المنتسبين إلى علم أو زهد، أو تصوف أو تزهد. يقول أحدهم، ((إن العبد يعمل حتى تحصل له المعرفة، فإذا حصلت زال عنه التكليف، ومن قال هذا: فإنه كافر مرتد باتفاق أئمة الإسلام، فإنهم متفقون على أن الأمر والنهي جاء على كل بالغ عاقل، إلى أن يموت. قال تعالى: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر:99] واليقين هنا ما بعد الموت... )).(458)
هذا ما توصل إليه المتصوفة من انحراف وتبديل لدين الله، بينما كان الأولون منهم يقيدون زهدهم وتصوفهم بالكتاب والسنة.
قال الجنيد: ((علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن، ولم يكتب الحديث، لم يصح له أن يتكلم في علمنا هذا)).
وقال سهل التستري: ((كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل)).(459)(1/143)
التأويل الباطني في التفسير:
إن التفرقة بين الظاهر والباطن قد أدت بالمتصوفة إلى تأويل الآيات وتحريفها تحريفاً شنيعاً، وقد حاولت كل الفرق الضالة الباطنية أن تجد في التأويل نصيراً لها من كتاب الله، يتناسب وأهواءها.
ولذلك ضبط علم التفسير عند أهل السنة بـ((أصول التفسير)) حتى لا يتحول الأمر إلى فوضى لا نهاية لها، وإليك غرائب التفسير عندهم.
ففي تفسير آية { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي } [الأنعام:76]. قال فيها صاحب منازل السائرين: ((رأى هذه: حالة العطش كأن إبراهيم عليه السلام لشدة عطشه إلى لقاء محبوبه، لما رأى الكواكب قال: هذا ربي، فإن العطشان إذا رأى السراب ذكر به الماء)).
وآية { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } فسرها الشيخ عبد الغني النابلسي - وهو من المتأخرين - ((أي صورتك الظاهرة والباطنة، يعني جسمك وروحك، فلا تنظر إليها لأنها نعلاك)).(460)
ومن ذلك التفسير الإشاري، والتأويلات الصوفية للقرآن:
ما يذكره ابن عطاء الله الإسكندري في لطائفه نقلاً عن بعض مشايخه أنه فسر الآية { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً } [الشورى:49] الحسنات، { وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ } [الشورى:49] العلوم، { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً } [الشورى:50] علوماً وحسنات.. الخ.(461)
ومن ذلك يقول ابن عربي في تفسير قول الله عز وجل:
{ الم } أشار بهذه الحروف إلى كل الوجود حيث هو كلّ، لأن (أ) إشارة إلى ذات الله الذي هو أول الوجود.. و(ل) إلى العقل الفعال المسمى ((جبريل)).. و(م) إلى محمد الذي هو آخر الوجود)).(462)
وقد جمع للمتصوفة أبو عبد الرحمن السلمي تفسيراً للقرآن الكريم من كلامهم الذي أكثره هذيان، يبلغ مجلدين، ((فقد أتى بمصائب وتأويلات باطنية نسأل الله العافية)).(463)(1/144)
ومما نقله الدكتور عبد الحليم محمود عن أبي الحسن الشاذلي تفسير قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: { هِيَ عَصَايَ } [طه:18] أي معرفتي بك أعتمد عليها، { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي } [طه:18] أولادي في التربية، { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } [المائدة:18] من باب: لي وقت مع ربي لا تسعني فيه أرض ولا سماء.(464)
فالصوفية يعتقدون أن العامة يأخذون بالظواهر، وأكثر الشريعة جاء حسب فهمهم، أما المتصوفة فهم العارفون وهم أهل الحقائق.
ولذلك يقول ابن عربي: ((ما خلق الله أشق ولا أشد من علماء الرسوم على أهل الله المختصين بخدمته... الذين منحهم أسراره في خلقه، وفهم معاني كتابه وإشارات خطابه)).(465)
المبحث الثاني
الأولياء والكرامات
من أكثر الأشياء التي تعلق بها المتصوفة قديماً وحديثاً هو موضوع الأولياء وما يحصل لهم من كرامات وخوارق العادات. فما الولي لغة؟ وما حقيقة الولاية الشرعية؟ وما تصور الولاية لدى المتصوفة؟
الولي لغة:
((القريب، والولاية ضد العداوة، وأصل الولاية المحبة والتقرب، والمراد بأولياء الله: خلّص المؤمنين)).
قال ابن تيمية رحمه الله: الولي سمّي ولياً من موالاته للطاعات، أي متابعته لها، ويقول ابن حجر العسقلاني: المراد بوليّ الله، العالم بالله تعالى، المواظب على طاعته)).
هكذا كانت النظرة إلى الولاية حتى دخل المصطلح أوساط الشيعة والصوفية، فأطلقت الولاية على أئمتهم ومشايخهم، مراعين فيه اعتبارات أخرى جديدة.
فالصوفية: يرون أن أكبر مقامات الولي عندهم هو (الفناء) وهو باب الولاية ومقامها.
ويرى القشيري: ((أن من أجل الكرامات التي تكون للأولياء هي العصمة من المعاصي والمخالفات)) وهذه قلدوا فيها الشيعة الذين يعتقدون العصمة في أئمتهم.
أما عند ابن عربي فهي مراتب ومنها مرتبة ((الولاية الخاصة)) والأولياء هم الورثة لأنهم أخذوا علمهم عن الله مباشرة؟(466)(1/145)
يقول ابن عربي: ((علماء الرسوم - يقصد علماء الشريعة - يأخذون عن السلف إلى يوم القيامة، والأولياء يأخذون عن الله ألقاه في صدورهم رحمة منه، وعناية سبقت لهم من ربهم)).(467)
((أي أنهم يزعمون: أن علماء الشريعة إنما يأخذون عن السلف وقد طواهم الموت، أما هم فيأخذون عن الله مباشرة من غير واسطة ملك أو نبي، وبهذا كفروا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم )).(468)
والولاية الحقة: لا تكون إلا باتباع السنة. يقول ابن تيمية: ((فأولياء الله المتقون هم المقتدون لمحمد صلى الله عليه وسلم فيفعلون ما أمر به، وينتهون عما زجر عنه، فيؤيدهم الله بملائكته وروح منه، ويقذف الله في قلوبهم من أنواره، ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه المتقين، وخيار أولياء الله تكون كراماتهم لحجة في الدين أو لحاجة بالمسلمين، كما كانت معجزات نبيهم صلى الله عليه وسلم ، كذلك وكرامات أولياء الله إنما حصلت ببركة اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهي في الحقيقة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم )).(469)
الكرامات عند الصحابة والتابعين:(470)
وقد حصل للصحابة رضوان الله عليهم كرامات، وكانت إما لحاجة أو حجة في الدين، من ذلك ما أكرم الله به أم أيمن عندما هاجرت وليس معها زاد ولا ماء، فكادت أن تموت من العطش، وكانت آنذاك صائمة، فلما كان وقت الإفطار سمعت حساً على رأسها، فإذا دلو معلق فشربت منه، حتى رويت، وما عطشت بقية عمرها.
وكان البراء بن مالك إذا أقسم على الله أبر قسمه، كما كان سعد بن أبي وقاص مستجاب الدعوة، فما دعا قط إلا استجيبت دعوته، وعندما ألقي أبو مسلم الخولاني في النار، لم تحرقه. رضي الله عن صحابة رسول الله أجمعين.
وعندما كان خبيب بن عدي ? أسيراً عند المشركين بمكة، كان يؤتى بعنب يأكله، وليس بمكة عنبة آنذاك.(1/146)
ومن التابعين(471): كان الحسن البصري قد تغيب عن الحجاج، ودخلوا عليه ست مرات، فدعا الله عز وجل فلم يروه. وكان سعيد بن المسيب في أيام الحرة يسمع الأذان من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أوقات الصلوات، وكان المسجد قد خلا فلم يبق غيره.
وينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بسبب حاجة الرجل فإذا احتاج إليها الضعيف الإيمان، أو المحتاج أتاه منها ما يقوي إيمانه، ويسد حاجته، ويكون مَنْ هو أكمل منه ولاية لله، مستغنياً عن ذلك، فلا يأتيه مثل ذلك، لعلو درجته وغناه عنها، لا لنقص ولايته، ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين، أكثر منها في الصحابة... وهذا بخلاف الأحوال الشيطانية.
الأحوال الشيطانية والمعجزات: قد يخدم الجن والشياطين بعض الكفرة أو الفسقة، فيخبرونهم بالأمور الغيبية، أو يؤدون لهم خدمات خارقة.
((فالأسود العنسي الذي ادّعى النبوة، كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأمور المغيبة، فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون من الشياطين أن يخبروه بما يقولون فيه، حتى أعانتهم عليه امرأته لما تبين لها كفره فقتلوه.
((وكذلك مسيلمة الكذاب، كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات ويعينه على بعض الأمور..
فأهل الأحوال الشيطانية، تنصرف عنهم شياطينهم عادة، إذا ذكر عندهم ما يطردها مثل آية الكرسي..
ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع، ومنهم من يطير بهم الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما، ومنهم من يحمله شيطانه عشية عرفة، ثم يعيده من ليلته فلا يحجّ حجاً شرعياً بل يذهب بثيابه ولا يحرم إذا حاذى الميقات ولا يلبي.. ولا يعتبر له حج)).(472)
الفرق بين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية:(1/147)
إن كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى، أما الأحوال الشيطانية فسببها ما نهى الله عنه ورسوله... فالاستغاثة بالمخلوقات.. والشرك والظلم والفواحش من الأحوال الشيطانية، وليست من الكرامات الرحمانية.
ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق حي أو ميت، سواء كان ذلك الحي مسلماً أو نصرانياً أو مشركاً، فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به، ويقضي به حاجة ذلك المستغيث... ومنهم من يتصور له الشيطان يقول له: أنا الخضر، وربما أخبره ببعض الأمور وأعانه على بعض مطالبه.(473)
((ومنهم من يرى عرشاً في الهواء وفوقه نور، ويسمع من يخاطبه ويقول: أنا ربك، فإن كان من أهل المعرفة علم أنه شيطان، فزجره واستعاذ بالله منه فيزول.
((ومنهم من يرى أشخاصاً في اليقظة، يدعي أحدهم أنه نبي أو صديق أو شيخ من الصالحين..
فهذه أحوال شيطانية تحصل لمن خرج عن الكتاب والسنة، وهم درجات، والجن الذين يقترنون بهم من جنسهم، وهم على مذهبهم...
ومثل هذه الأمور يطول وصفها، والإيمان بها إيمان بالجبت والطاغوت، والجبت السحر.
وإن كان الرجل مطيعاً لله ورسوله، لم يمكنهم الدخول معه في ذلك، أو مسالمته)).(474)
ويقول ابن تيمية في هؤلاء من مدعي الولاية: ((ولهذا لو ذكر الرجل الله سبحانه وتعالى دائماً، ليلاً ونهاراً مع غاية الزهد، وعبده مجتهداً في عبادته، ولم يكن متبعاً لذكره الذي أنزله - وهو القرآن - كان من أولياء الشيطان، ولو طار في الهواء أو مشى على الماء، فإن الشيطان يحمله في الهواء)).(475)
الكرامات عند المتصوفة:(1/148)
تمتلئ كتب المتصوفة بذكر الغرائب والشطحات التي لا تخضع إلى عقل، ولا تنسجم مع منطق سوي. من ذلك ما رواه الشعراني في طبقاته من أن بعض مريدي البدوي ذكر: أن أحد زملائهم وهو إسماعيل الأنباني كان صاحب كرامات، فقد كلمته البهائم، وكان يخبر أنه كان يرى اللوح المحفوظ، ويقول: يقع كذا وكذا لفلان، يجيء الأمر كما قال، فأنكر عليه شخص من علماء المالكية، وأفتى بتعزيره فبلغ ذلك سيدي إسماعيل فقال: ومما رأيته في اللوح المحفوظ أن هذا القاضي يغرق في بحر الفرات)).
وقال الشعراني: ((وأخبرني شيخنا محمد الشناوي أن شخصاً أنكر حضور مولد سيدي أحمد البدوي، فسلب الإيمان، فلم يكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام، فاستغاث بسيدي أحمد فقال: بشرط أن لا تعود، فقال: نعم، فرد عليه ثوب إيمانه. ثم قال له: وماذا تنكر علينا؟ قال: اختلاط الرجال والنساء، فقال سيدي أحمد: ذلك واقع في الطواف ولم يمنع أحد منه، ثم قال: وعزة ربي، ما عصى أحد في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته، وإذا كنت أرعى الوحوش والسمك في البحار، وأحميهم من بعضهم بعضاً، أفيعجزني في الله عز وجل عن حماية من يحضر مولدي))؟
فهذا فيه من الاستغاثة بغير الله وهو من أعظم الشرك، وأكبر الفتنة.(476)(1/149)
ومن شطحات الصوفية، ما ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي في كتابه (ختم الولاية)، وهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف، حيث غلا في ذكر الولاية فقال: ((فكما أن محمداً صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، فأعطي خاتم النبوة، وهو حجة الله على جميع الأنبياء، فكذلك هذا الولي آخر الأولياء في آخر الزمان... فإذا أتى وقت زوال الدنيا، بعث الله ولياً اصطفاه واجتباه وقربه وأعطاه ما أعطى الأولياء، وخصه بخاتم الولاية، فيكون حجة الله يوم القيامة على سائر الأولياء... فإذا برز الأولياء يوم القيامة ينصب له مقام الشفاعة، فلم يزل هذا الولي مذكوراً أولاً في البدء، أولاً في الذكر، أولاً في العلم، ثم الأول في اللوح المحفوظ والأول في الحشر وفي الشفاعة... )).(477)
وماذا بعد هذا القول من الضلال والغلو؟
وهنالك نوع من الغلو يطلق على أصحابه المجاذيب: إذ ترفع عنهم التكاليف، وقد يكون المجذوب بجسده على الأرض، بينما يكون عقله سابحاً في ملكوت السماء، يطلع على الغيب، ويخبر من حوله من الناس بالمغيبات، بعد أن كشف له الحجاب - هكذا يزعمون.
والجذبة عند الصوفية توازي عمل الثقلين عندهم، وتعني الجذبة أن الله يجذب الصوفي إلى حضرته ويكشف له الحجاب.
والمجذوب في واقع الحال لا يعدو أن يكون - في أغلب الأحيان - مجنوناً أو دجالاً متظاهراً بالجنون، لكن الجماهير تعتقد أنه جن عندما كشف له الحجاب، وجذبه الخالق، لأنه ما عاد يحتمل عالم الغيب الرهيب...
وقد كثر هؤلاء ممن يمشون في الطرقات مكشوفي العورات، ومرتكبين للمباحات والمحرمات.(478)
هذا ويمتلئ كتاب الطبقات للشعراني بقصص هؤلاء المجذوبين ويعتقد المتصوفة بأنهم أولياء الله، فلا يعترض عليهم خشية أن يصيب المعترض ما لا تحمد عقباه.(1/150)
من ذلك ما ورد في خبر أحد الشيوخ الذين ترجم لهم، من أنه كان يغلب عليه الحال، فيتكلم بالألسن العبرانية والسريانية والعجمية، وتارة يزغرت في الأفراح والأعراس كما تزغرت النساء.(479)
وجاء في خبر شيخ آخر: أنه كان يتشوش من قول المؤذن؟ ((الله أكبر)) فيرجمه ويقول: ((نحن كفرنا يا مسلمين؟ حتى تكبروا علينا؟)).(480)
فهذا وإن كان لا يعبر عن رأي الصوفية جميعهم، إلا أنه يدلنا على سبب انتشار هذه الخرافات في العالم الإسلامي، وأن هؤلاء المعتوهين تصنع لهم الهالات ويعتبرون من أولياء الله المقربين؟
ويرى الصوفية أنه في حالة الجذب قد يصل المرء إلى درجة من فقدان الوعي، حتى أنه لا يرى ولا يسمع وقد يهيم على وجهه، كما ورد ذلك عن سهل بن عبد الله ((أبو حمزة البغدادي)) وأنه ظل مرة مستمراً في انجذابه خمسة وعشرين يوماً، لا يطعم وإن أجاب عن مسائل يسألها له أهل العلم)).(481)
والقول الفصل في مدّعي الولاية: ما قاله ابن تيمية رحمه الله، قال: ((من اعتقد أن لأحد من الأولياء، طريقاً إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو كافر من أولياء الشيطان، ولو بلغ الرجل في الزهد والعبادة والعلم ما بلغ، ولم يؤمن بجميع ما جاء به محمد فليس بمؤمن ولا ولي لله تعالى كالأحبار والرهبان من علماء اليهود والنصارى وعبادهم... وكل من له علم أو زهد وعبادة في دينه وليس مؤمناً بجميع ما جاء به فهو كافر عدو لله، وإن ظن طائفة أنه ولي لله)).
((والناس يتفاضلون في ولاية الله بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى)).(482)
المبحث الثالث
الصلة بين التصوف والتشيع
وفيه مطلبان:
الأول: التشابه بين التصوف والتشيع في الأفكار والمعتقدات.
الثاني: مدرسة التشيع الصوفي وأهدافها السياسية في القرن السابع الهجري.(1/151)
إن تغلغل التشيع في أفكار الصوفية ومعتقداتهم لأمر مريب حقاً، فإضافة إلى تقسيم الشريعة إلى ظاهر وباطن، والغلو في ادّعاء الولاية والتقديس للأئمة والأولياء، فإن هنالك تشابهاً وتطابقاً في كثير من المعتقدات والأفكار نوجزها في النقاط التالية:
أ- التشابه في مراتب الصوفية ودرجاتهم.
ب- الغلو في علي ?، وفي ذريته.
جـ- التشابه في ادّعاء علم الغيب والعروج إلى السماء، وتنزل الملائكة عليهم.
د- الاعتقاد في عصمة الأئمة والأولياء.
وقد صدرت رسائل ودراسات في بيان الصلة بين التصوف والتشيع، ولم يعد الأمر سراً من الأسرار.(483)
المطلب الأول
التشابه الكبير في الافكار والمعتقدات
أ- في مراتب الصوفية ودرجاتهم:
لقد وضع المتصوفة مراتب ودرجات لبيان طبقات الصوفية ومكانتهم، وهم حسب كلام لسان الدين بن الخطيب: ((خواص الله في أرضه، ورحمة الله في بلاده على عباده، الأبدال والأقطاب والأوتاد والعرفاء والنجباء والنقباء، وسيدهم الغوث)).
وقد رتبوا أولياءهم حسب أهميتهم على الشكل التالي:
1- القطب أو الغوث وهو مقيم بمكة.
2- الأوتاد الأربعة: وهم أربعة رجال، منازلهم على منازل الأربعة أركان من العالم، شرق غرب وشمال وجنوب.
3- الأبدال وعددهم أربعون وهم بالشام؟ وعند الجرجاني في تعريفاته: هم سبعة رجال، من سافر من موضع ترك جسداً على صورته حياً بحياته.
4- النجباء وهم الذين يحملون عن الخلق أثقالهم، عددهم سبعون وهم بمصر.(484)
والقطب عندهم كما يقول مؤسس الطريقة التيجانية: ((هو الخلافة عن الحق مطلقاً فلا يصل إلى الخلق شيء من الحق (الله) إلا بحكم القطب)).(485)(1/152)
ويلاحظ أن صلة التصوف بالتشيع صلة قوية ظاهرة، في هذه الدرجات والمراتب، وهذا ما أشار إليه ابن خلدون إذ يقول: ((إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس، توغلوا في ذلك، فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة.. كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض، وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة الدائنين أيضاً بالحلول وإلهية الأئمة، مذهباً لم يعرف لأولهم، فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر، واختلط كلامهم، وتشابهت عقائدهم، وظهر في كلام المتصوفة القول بالقطب... وقد أشار إلى ذلك ابن سينا ((في كتاب الإشارات في فصول التصوف))... وهذا كلام لا تقوم عليه حجة عقلية ولا دليل شرعي، وإنما هو بعينه ما تقوله الرافضة ودانوا به، ثم قالوا بترتيب وجود الأبدال بعد هذا القطب كما قاله الشيعة في النقباء)).(486)
ويقول ابن تيمية رحمه الله: ((وهؤلاء الذين يدعون هذه المراتب، فيهم مضاهاة للرافضة من بعض الوجوه، بل هذا الترتيب والأعداد تشبه من بعض الوجوه ترتيب الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم، في السابق والتالي والناطق والأساس... وغير ذلك من الترتيب الذي ما نزل الله به من سلطان)).(487)
ويقول أيضاً: ((وكل حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في عدة الأولياء والأبدال والنقباء والنجباء والأوتاد أو القطب الواحد، فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي ولم يرد عن السلف)).(488)
ب- الغلو في عليّ وبنيه:
من الملاحظ أن سلاسل التصوف كلها -ما عدا النادر القليل منها- تنتهي إلى عليّ بن أبي طالب ?، دون سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ونجد أن في طرق إسنادها إلى عليّ ? وأبنائه دون غيرهم، ومما يذكر أن رؤساءهم لهم اتصال وثيق وصلات وطيدة مع أئمة الرافضة، كما تذكره تراجمهم وسيرهم وأحوالهم، إضافة إلى الخرقة الصوفية التي لا يبدأ ذكرها أيضاً إلا من علي ? أيضاً)).(489)(1/153)
فعليّ ? حسب كلام المتصوفة: ((من أصحاب العلم، وممن يعلمون من الله ما لم يعلمه غيره)).(490)
وهذا الغلو في عليّ وأبنائه لا يقل عن غلو الشيعة فيه، وإليه تنسب سلاسل التصوف كلها عند الشيعة كذلك، فقد كان ((الصوفي المشهور أبوالعباس المرسي تلميذ الشاذلي يقول: ((طريقتنا هذه لا تنسب للمشارقة ولا للمغاربة، بل واحد عن واحد إلى الحسن بن عليّ بن أبي طالب ?، وهو أول الأقطاب)).(491)
ويعتبر الرفاعيون أن الرفاعي زعيم طائفتهم هو الإمام الثالث عشر بعد الثاني عشر الموهوم، الذي لم يولد.(492)
إن الانتساب إلى آل البيت نسباً أو طريقةً مما يجذب عامة المسلمين، ويساعد على إخفاء الانحرافات والأهداف المشبوهة.
جـ- التشابه في ادّعاء علم الغيب والعروج إلى السماء وتنزل الملائكة عليهم:(493)
يرى الشيعة أن الإمام علي كان ينزل عليه الوحي ويكلمه الله ويناجيه بلا حجاب، ثم توارث هذه الأوصاف خلفه من بعده إلى خاتم الأئمة، وقد ورد في كتاب (الكافي) للكليني، وهو كالبخاري عند أهل السنة، أن جعفر الباقر الإمام المعصوم السادس لدى الشيعة قال: ((وكان أمير المؤمنين عليه السلام كثيراً ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروق الأكبر... ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا به لمحمد صلى الله عليه وسلم ... ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي، علمت المنايا والبلايا، والأنساب وفصل الخطاب... )).(494)
ويرون كذلك أن أئمتهم أفضل من الأنبياء -كما صرح بذلك الكليني- وأن الإمامة فوق النبوة. وقال الخميني مثل ذلك في كتابه ولاية الفقيه قال: ((إن من ضروريات مذهبنا أنه لا ينال أحد المقامات المعنوية الروحية للأئمة، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل)).
وإذا رجعنا إلى آراء الصوفية المبثوثة في كتبهم نجدها مطابقة لما عند الشيعة في هذه المعتقدات تماماً.(1/154)
يقول الصوفي الكبير عبد القادر الحلبي المعروف بابن قضيب البان: ((كل ما خصت به الأنبياء خصت به الأولياء)).(495)
ونقل النفزي الرندي عن بعض المشائخ أنه قال: ((إن الملائكة تزورني فآنس بها، وتسلم عليّ فأسمع تسليمها)).(496)
ويقول ابن عربي: ((إن القطب ينزل على قلبه الروح الأمين، حيث يذكر في كتابه مواقع النجوم:(497)
وهذا المقام-أي مقام القطب- وهذه أسراره
رفع الحجاب وأشرقت أنواره
وبدا هلال التم يسطع نوره
للناظرين وزال عنه سراره
وتنزل الروح الأمين لقلبه
يوم العروبة وانقضت أوطاره
ويعتقدون كذلك بعروج المتصوفة إلى السماء ووقوفهم بين يدي الرب ومناجاتهم له. يقول أحد المتقدمين من الصوفية نجم الدين كبرى المقتول سنة 618هـ: ((إنه ممن عرج به إلى السماء)) أما ابن عربي، فقد جعل عروجه محاكياً المعراج النبوي الشريف (في كتابه الإسراء). ومثل هذا الانحراف كثير في كتبهم.(498)
ولما حصل الاختلاف بين علماء بخارى في إمكان رؤية الله أم لا؟! تحاكموا عند شيخ الطريقة النقشبندية ((شاه نقشبند)) فقال للذين ينفون الرؤية: أقيموا في صحبتي ثلاثة أيام متطهرين، فلما مضت ثلاثة أيام حصل لهم حال قوي فصعقوا، فلما أفاقوا جعلوا يقبلون قدمه الشريف وقالوا: آمنا أن الرؤية حق، ثم لم ينقطعوا عن خدمته)).(499)
ولا يجوز بحال أن يزعم أحد بأنه يرى ربه، وهذه فرية عظيمة يقشعر لها بدن المؤمن، فهل يعقل أن يقول الله لموسى عليه السلام: ((لن تراني)) ويسمح لأمثال هؤلاء برؤيته؟!
ولما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها: هل رأى محمد ربه؟ قالت: سبحان الله! لقد وقف شعري لما قلت)). رواه مسلم برقم (289).
وعنها رضي الله عنها أنها قالت: ((من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية)).
ويزعم المتصوفة أنهم يطلعون على الغيب: ((لأنه إذا انكشفت الحجب عن القلب، تجلى فيه شيء مما هو مستور في اللوح المحفوظ)).(500)(1/155)
ويقول أحد غلاتهم: ((ما السماوات السبع والأرضون السبع في نظر العبد المؤمن إلا كحلقة ملقاة في فلاة))، ((وإن الجنين إذا سقط من بطن أمه يراه العارف في تلك الحالة إلى آخر عمره)).(501)
وهذا كله يتعارض مع بدهيات الإسلام، ومع قوله تعالى: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [الأنعام:59].
وقوله تعالى: { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [هود:49].
إلا أن غرائب المبتدعة وادّعاءاتهم تكاد لا تنتهي.
د- العصمة:(502)
يرى المتصوفة في أوليائهم أنهم محفوظون (أي معصومون)، كما يعتقد الشيعة في أئمتهم العصمة، لأن الإمام عندهم يجب أن يكون معصوماً.
قال ابن بابويه الملقب بالصدوق عند الشيعة: ((اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة عليهم السلام أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً.. ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر)).(503)
وغلاة المتصوفة يصرحون بعصمة أوليائهم. قال ابن عربي: ((إن من شرط الإمام الباطن (يعني الولي) أن يكون معصوماً وليس الظاهر كذلك)).(504)
وقالوا: ((ومن شرط الولي أن يكون محفوظاً، كما أنه من شرط النبي أن يكون معصوماً)).(505)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الباب موضحاً ضلال الطائفتين: ((وكذلك الرافضة موصوفون بالغلو عند الأئمة... وهؤلاء الإمامية يدعون ثبوت إمامة عليّ بالنص، وأنه كان معصوماً، هو وكثير من ذريته...(1/156)
ومن جعل بعد الرسول معصوماً - يجب الإيمان بكل ما يقوله - فقد أعطاه معنى النبوّة، وإن لم يعطه لفظها..
وكثير من الغلاة في المشايخ يعتقد أحدهم في شيخه نحو ذلك، ويقولون: ((الشيخ محفوظ، ويأمرون باتّباعه في كل ما يفعل، لا يخالف في شيء أصلاً، وهذا من جنس غلو الرافضة والنصارى والإسماعيلية... ومعلوم أن كل هذه الأقوال مخالفة لدين الإسلام، للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها...
وقد اتفق أهل العلم، أهل الكتاب والسنة، على أن كل شخص سوى الرسول، فإنه يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)).(506)
وأخيراً: أخي القارئ!
هل كان هذا التطابق في الأفكار والمعتقدات والتصورات، عفوياً وبلا سابقة من التخطيط والسعي الدائب لتخريب معتقدات الأمة؟!
ألا يذكرنا هذا بفتنة عبد الله بن سبأ اليهودي الأصل، والذي اتخذ التشيع لعليّ ? ستاراً لبث سموم يهود ومعتقداتهم، وذريعة للفتنة وإراقة الدماء منذ فجر الإسلام؟!
ألم يحرق عليّ ? أصحاب عبد الله من السبئية، ثم هم بقتل ابن السوداء فهرب إلى أقاصي خراسان؟!
وهاهم أحفاد ابن سبأ يعيثون الفساد في عقيدة المسلمين عن طريق غوغاء التصوف والصوفية، فعلينا أن نعيد النظر في دراسة هذه البدع، وتنقية الدين مما شابه من شوائب دخيلة.
المطلب الثاني
مدرسة التشيع الصوفي وأهدافها السياسية
في القرن السابع الهجري(507)
بعد أن ضعفت الخلافة العباسية في بغداد، وخراب التتار لها فطن الشيعة الباطنيون لإعادة الخلافة العبيدية التي قضى عليها السلطان صلاح الدين، ومن جاء بعده خلال دولتي الأيوبيين والمماليك.(1/157)
يقول محمد فهمي عبد اللطيف في كتابه ((السيد البدوي أو دولة الدراويش في مصر)) كان التصوف قد وضح في الحياة الإسلامية كظاهرة اجتماعية، وأصبح المتصوفة قوة في المجتمع الإسلامي لها تأثيرها في اجتذاب النفوس، فاستغل الشيعة الباطنية هذه الناحية لمواجهة الخلافة العباسية، وذلك في دهاء وبراعة.(508)
وقد أعد لهذه المهمة إعداداً خاصاً السيد أحمد البدوي، وتعاون من أجل ذلك مع عدد من رموز الصوفية الباطنية آنذاك كما سيأتي تفصيله.
1- فما حقيقة السيد البدوي؟!
يقول الشيخ مصطفى عبد الرزاق شيخ الأزهر: أنه رجع إلى مخطوطة مغربية ينكر صاحبها أن ((أحمد البدوي)) كان صوفياً، ويثبت أنه كان علوياً شيعياً يهدف إلى إرجاع الملك العبيدي ((الفاطمي)) الشيعي المغالي، وأن ((علي البدوي)) والد ((أحمد البدوي)) كان أحد العلويين الشيعة الإسماعيلية، وأنه نزح من المغرب إلى مكة، وكان أحمد البدوي وقتها لم يتجاوز السبع سنوات وكان ذلك عام (603هـ) حيث عقد الشيعة مؤتمراً (في مكة) بحثوا فيه كيف يعملون على إعادة الدولة الإسلامية العلوية - أي شيعة باطنية.(509)
وكانت بلاد المغرب وقتها مسرحاً للنشاط الشيعي الباطني المتستر بالتصوف، والذي يحاول إعادة الدولة العبيدية، التي كانت تقوم على أساس المذهب الإسماعيلي الباطني المغالي.
وبعد اضطهاد الشيعة، بعد أن سقطت الدولة الفاطمية في المغرب خرجوا في هجرة جماعية متجهين إلى مكة متسترين بالحج، وذلك ليبحثوا عن خطة جديدة لتحقيق أهدافهم في العالم الإسلامي... وكانت دعوتهم الجديدة قد تسترت بستار التصوف والزهد، ولكنه كان تصوفاً شيعياً مغالياً، كتصوف البدوي وإبراهيم الدسوقي، كما كان بعضهم يتستر بستار الفلسفة كابن عربي ومن قبله الحلاج وغيرهما من القائلين بوحدة الوجود، وقد ساعد على نشر دعوتهم الضالة انشغال الخلافة العباسية بالحروب الصليبية وصدهم للغزو التتاري.(510)(1/158)
ونقل الإمام حسن البنا رحمه الله رواية عن مجيئ أسرة البدوي، قريبة من رواية الشيخ مصطفى عبد الرزاق.(511)
ويؤكد الدكتور سعيد عاشور ذلك بقوله: ((الحقيقة أنه قد ساد القرن السادس الهجري جو من الاضطهاد للشيعة بالمغرب، مما جعلهم يتسللون إلى المشرق، ومازال والد ((أحمد البدوي)) يتحين الفرصة للخلاص، حتى أتيحت له سنة (603هـ) فتظاهر بالخروج للحج وفي نيته عدم العودة.(512)
وفي وقت سابق على هجرة والد ((أحمد البدوي)) من المغرب إلى مكة كانت هجرة والد ((أحمد الرفاعي)) من المغرب إلى العراق، حيث سكن البطائح بقرية أم عبيدة، وأسس أحمد الرفاعي مدرسته من الذين نزحوا من المغرب، وارتدوا رداء التصوف ليخفوا أفكارهم وعقيدتهم الباطنية ومخططاتهم ضد دولة الخلافة العباسية، وقد أشار الذهبي في سير أعلام النبلاء إلى هذه الهجرة.(513)
ومن العراق انطلق أحد أتباع الرفاعي إلى مصر، وهو ((أبو الفتح الواسطي)) (جد إبراهيم الدسوقي) لنشر دعوتهم الباطنية بها، وقد كان ذلك في العهد الأيوبي، وبعد موت الواسطي جاء (البدوي) ليخلفه في دعوته تلك وقد توزع هؤلاء الدعاة في مصر، فكان ((الدسوقي)) بدسوق و((أبو الحسن الشاذلي)) بالإسكندرية، و((أبو الفتح الواسطي)) ما بين القاهرة وطنطا والإسكندرية، ولما مات الواسطي حل محله البدوي بطنطا. وجميعهم من فلول العبيديين الذين طردهم صلاح الدين الأيوبي من مصر، ثم حاولوا العودة تحت ستار التصوف والزهد.(514)(1/159)
وقد تعاون شيعة المشرق مع شيعة المغرب في التنسيق، فابن بشيش أوفد الشاذلي ليحل محل الواسطي في الإسكندرية، وقد تم التنسيق مع مدرسة أحمد الرفاعي بالعراق بزعامة ((عز الدين الصياد)) الذي أقام بالقاهرة سنة 636-637هـ ليرتب لحضور البدوي إلى ((طنطا))، كما أن كلاً من ابن بشيش والبدوي قد تتلمذ على يد الشيخ بري تلميذ ((أحمد الرفاعي)) بالعراق. كما أن ابن بشيش وابن عربي قد تتلمذا على يد ((أبي مدين)) بالمغرب.(515)
2- رحلات البدوي المريبة:(516)
لقد رحل البدوي إلى العراق سنة (634هـ) بصحبة أخيه الأكبر وكان العراق آنذاك مركزاً من مراكز التصوف الشيعي، حيث أتباع مدرسة أحمد الرفاعي المتوفى سنة (570هـ).
وعلل البدوي لرحلته تلك قائلاً: ((بينما أنا نائم بجوار الكعبة إذ أنا بهاتف يقول في المنام: ((استيقظ من نومك يا همام ووحد الملك العلام... ولا تنم فمن طلب المعالي لا ينام، فوحق آبائك سيكون لك حال ومقام))(517) ولعل في هذه الرؤيا مبالغة مقصودة لإعداد القارئ لتقبل المعجزات التي نسبت إلى السيد البدوي فيما بعد.
وخلال رحلته إلى العراق زار قبر الحسن بن المنصور الحلاج الذي أعدم عام (319هـ) بسبب عقائده الفاسدة، ثم زار بصحبة أخيه ((الكاظمية)) لزيارة قبور أئمة الشيعة هنالك.
((ويرى بعض الباحثين أن رحلة البدوي إلى العراق كانت بأمر العلويين الشيعة ليتم إعداده دعوياً على يد الصوفي الشيعي ((ابن عرب)) واسمه في طبقات الرفاعية ((الشيخ بري))، وهو شقيق ((أبي الفتح الواسطي)) حيث تعلم البدوي كيف يبدو مجنوناً زاهداً)).(518)
وعاد البدوي إلى مكة ليصبح شخصاً مجذوباً قد يطوي أربعين يوماً لا يتناول الطعام ولا الشراب، وغالباً يكون شاخصاً ببصره إلى السماء وقد صارت عيناه تتوقدان كالجمر.(519)
وفي مكة عاوده الهاتف في المنام ثلاث مرات قائلاً: ((يا أحمد سر إلى طنطا فإنك تقيم بها وتربي رجالاً وأبطالاً)).(520)(1/160)
ويرى بعض الباحثين أن الشيعة هم الذين أرسلوا ((البدوي)) لنشر دعوتهم بمصر لإرجاع الملك الفاطمي الشيعي، بعد موت داعيتهم ((أبو الفتح الواسطي)) بالإسكندرية سنة 635هـ. وقد رتبوا للأمر عدته.(521)
وفي طنطا سكن ((البدوي)) سطح دار (ركن الدين) وكانت قريبة من المسجد، وحرص على الصراخ من فوق السطح ليعلم الجميع بجذبته واتخذ زي المجاذيب، وظل ضارباً اللثامين على وجهه، وكان إذا لبس ثوباً أو عمامة لا يخلعها لغسل حتى تذوب، فيبدلونها له بغيرها، وإذا ما شعر بأنه سينكشف اتخذ الجذب له وسيلة للتمويه.
يروي الحافظ السخاوي، أن ابن حيان زار البدوي مع الأمير: ناصر الدين بن جنكلي يوم الجمعة، وكان الخطيب قد بدأ خطبته، عندها وضع الشيخ أحمد رأسه في طوقه بعد ما قام قائماً وكشف عن عورته بحضرة الناس وبال على ثيابه على حصر المسجد واستمر بعدها واضعاً رأسه في طوق ثيابه وهو جالس حتى انقضت الصلاة ولم يصل.(522)
وقد حاول أحد علماء المالكية استجلاء أمر البدوي فذهب مع جماعة من طلبته إلى طنطا، وهناك جلسوا بجوار الدار التي يعيش فوق سطحها السيد البدوي، حيث بدءوا ينتقدونه، وعندما سمعهم وهو فوق السطح أتى إلى طرف السطح وبال عليهم.(523)
وهكذا اتخذ السيد البدوي الجذب والوله والسرية غير مفصح عن شيء من دعوته.
3- دعوة السيد البدوي ومخططاتها الخفية:
لقد مرت دعوة السيد البدوي بمرحلتين هما:(524)(1/161)
المرحلة الأولى: كانت في أخريات حكم الدولة الأيوبية، وتعتبر هذه المرحلة هي مرحلة انطلاق البدوي في دعوته، إذ بقي البدوي مقيماً على سطح منزل الشيخ ركن الدين ((ركين)) لمدة اثنتي عشرة سنة، كان يقوم خلالها بعملين متناقضين، الأول: يوجه إذاعة من الصياح والصراخ، ليقنع الناس بجذبته وجنونه وفي نفس الوقت يسير الدعاة والبعوث، ويحكم الخطط ويعاونه صديقه ((عبدالعال)) في التنفيذ، وكان البدوي يختار دعاته من المريدين المخلصين والقادرين على نشر دعوته بين الناس.
يقول عبد الوهاب الشعراني: ((فلم يزل سيدي (أحمد) على السطح مدة اثنتي عشرة سنة، وكان سيدي (عبدالعال) يأتي إليه بالرجل أو الطفل، فيطأطئ رأسه من السطح، فينظر إليه نظرة واحدة فيملؤه مدداً، ويقول لعبد العال: ((اذهب به إلى بلد كذا، أو موضع كذا، ليكون داعيته فيه)).
وقد اكتمل عدد تلاميذه أربعين، وهم الذين يُسَمَّوْنَ بالسطوحية (نسبة إلى السطح الذين كان البدوي يسكن فيه) وقد تلقوا العهد على يده، وانتشروا في أنحاء الديار المصرية يبشرون بتعاليمه.
وقد أرسل دعاته إلى (نفيا) بمحافظة الغربية بمصر، وإلى (إمبابة) وإلى بلبيس، والقاهرة، وإلى الشام، واليمن والموصل وغيرها.
وكان هؤلاء المبعوثون يقيمون في البلد الذي أرسلوا إليه ولا يغادرونه حتى يموتوا.
المرحلة الثانية:(525) أيام حكم المماليك، وفي هذه المرحلة وُضع البدوي تحت المراقبة الشديدة، وخاصة أثناء حكم الظاهر بيبرس الذي واجه مؤامرة شيعية بزعامة (الكوراني) الصوفي الشيعي، وقد كان بيبرس خبيراً بالمؤامرات، مشهوداً له بالدهاء.
يقول الشيخ مصطفى عبد الرزاق: ((إن البدوي سرعان ما أحس أنه محاط بالجواسيس، وأن الظاهر بيبرس قد وقف على نيته، فانقلب يعلم الناس النحو والصرف، وقرأ دروساً في الفقه، ولبث سنين لا يجتمع بأحد من السطوحيين في مجلس ظاهر)).(526)(1/162)
وكانت دعوة البدوي قد استرعت انتباه الظاهر بيبرس فكلف قاضي القضاة ((ابن دقيق العيد)) ليتحقق من دعوة البدوي ويتأكد من ميوله السياسية.
كما أن (الظاهر بيبرس) نفسه سار متخفياً يستطلع أخبار البدوي وأتباعه في مصر (الإسكندرية والقاهرة) وسار كذلك إلى مكة بزيارة مفاجئة عندما علم من مصادره السرية أن مكة كانت النقطة الأساسية لدعوة البدوي وأشياعه.(527)
لقد تأثر البدوي في دعوته بما لدى الباطنية الإسماعيلية من نظريات وأفكار فنظرية القطب هي نفسها نظرية المهدي عند الشيعة، ورفع التكاليف الشرعية عن الأولياء والأئمة واحدة، وكذلك مظاهر التقديس، وأنهم في مرتبة أعلى من مرتبة الأنبياء، والخ.
ومن الأدلة على وجود مخطط باطني يقف خلف البدوي:(528)
1- استخدام البدوي لأسلوب الدهاء والتخفي، وذلك في ظهوره في زي المجاذيب، واتخاذ التقية عندما يكشف... وتبوله في المسجد، مما جعل الناس لا يفكرون في دعوته ومراميها البعيدة. ولا ننسى الطريقة المريبة التي جاء فيها البدوي إلى (طنطا) والتزامه الصمت، وخاصة عند حضور الأغراب، وامتناعه عن مقابلة رجلين في وقت واحد.
2- التنسيق بين (البدوي) ودعاة الشيعة في العالم، إذ كان التنسيق واضحاً قوياً بين شيعة المغرب، وشيعة المشرق وهذا التنظيم هو الذي أوفد ((السيد البدوي)) إلى مصر أخيراً.
وقد كانت خطط البدوي وأهدافه متسقة مع أهداف الدسوقي والشاذلي وابن عربي.
كما أنهم كانوا يتشابهون في انحرافاتهم العقدية، وفي أذكارهم المملوءة بالكلمات الغامضة المريبة.
3- استخدام الشيفرة في مراسلاتهم، والادعاء بأنها لغة سريانية.
4- ادعاؤهم النسب النبوي: العبيديون ادّعو نسبتهم إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وأساطين التصوف، كلهم أوصلوا نسبهم إلى آل البيت النبوي.(1/163)
فالفرقة الإسماعيلية أسسها ((ميمون بن قداح الديصاني)) في السلمية بالشام، وقد ادّعى أنه من أهل البيت النبوي، رغم أنه من أصل يهودي. وابنه (عبيد الله) الذي تنسب إليه الدولة الفاطمية، قال ابن كثير: إنه كان يهودياً ادّعى أنه شريف علوي فاطمي، وأن الحكام الفاطميين كانوا من أنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة.(529)
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء: مؤسس الدولة العبيدية يهودي.
وإذا عرفنا أن عبد الله بن سبأ رأس الشيعة الغالية ((الذين ألهوا علي بن أبي طالب وتظاهروا بالولاء لأهل البيت ((كان يهودياً، أدركنا خطورة التحركات الخفية للحركات الباطنية، وهي تتلون وترفع واجهات مختلفة، باسم التشيع لآل البيت حيناً، أو التصوف والدروشة حيناً آخر، وتاريخها يكشف لنا الخبايا والخفايا، يطلعنا كل يوم على جديد.
المبحث الرابع
غلاة الصوفية وقولهم بوحدة الوجود
هذه مرحلة تعتبر أخطر مراحل الضلال التي توصل إليها هؤلاء الغلاة من فلاسفة التصوف.
((فقد زعم بعض الصوفية أن الواحد منهم قد يصل إلى مرحلة ينكشف له فيها أن الحق هو الخلق والخلق هو الحق، ولا فرق بينهما مطلقاً..
وقال آخرون: بمثل كلام الحلولية الذين يرون أن الذات الإلهية تحل أو تتحد ببدن الإنسان، أو روحه حيناً، وتفارقه حيناً آخر)).(530)
((وهذه هي عقيدة الفناء ، ووحدة الوجود، وذلك بأن تحدث لهم حال يرون الله فيها بكل مصنوعاته ومخلوقاته - حسب زعمهم - فيصبح الله هو المعبود والعابد في آن واحد... فالكون عندهم عبارة عن مرايا أسماء الله وصفاته... والعارف عندهم هو من فنيت ذاته وصفاته في ذاته تعالى وصفاته فلم يبق له اسم ولا رسم)).(531)
لقد تسربت هذه الضلالات إلى المتصوفة من مصادر فلسفية ودينية مختلفة.(532)(1/164)
فيرى بعض الباحثين: أن موضوع وحدة الوجود في الفلسفة الأفلاطونية قد جذب أنظار الصوفية أكثر من أي شيء آخر، لأن الذين يؤمنون بهذه العقيدة يرون أن العالم كله مرآة لقدرة الحق تعالى وكل موجود بمثابة مرآة تتجلى ذات الله فيها، إلا أن المرايا كلها ظاهرة، والموجود المطلق والموجود الحقيقي هو الله.. وعلى السالك أن يطير بجناح العشق نحو الله تعالى، ويجرد نفسه من قيد وجوده الذي ما هو إلا مظهر فحسب، وينمحي ويفنى في ذات الله، أي الموجود الحقيقي)).(533)
ويرى آخرون: أن هذه العقيدة الكفرية، مأخوذة ومقتبسة بتمامها من الديانات الهندية ((فقد اختاروا نفس المناهج التي وضعها أصحاب الديانات الهندية للحصول على المعرفة ((نروان)) وجعلوا تعذيب النفس ((غورديسا)) والصمت والتفكير والذكر وسيلة للوصول إليها)).(534)
فأبو يزيد البسطامي كان من أهل خراسان، وكان جده زرادشتياً وكان شيخه في التصوف كردياً، ويقال: إنه أخذ عقيدة الفناء الصوفي عن أبي علي السندي الذي علمه الطريقة الهندية التي يسمونها مراقبة الأنفاس، والتي وصفها هو بأنها عبادة العارف بالله.
وإننا نلمح نزعة أبي يزيد إلى وحدة الوجود ماثلة في الأقوال المعزوة إليه كقوله: سبحاني ما أعظم شأني، للخلق أحوال، ولا حال للعارف، لأنه محيت رسومه، وفنيت هويته بهوية غيره)).(535)
ويقال: إنه صلى بالناس الفجر والتفت بعد ذلك وقال: ((إني أنا الله، لا إله إلا أنا فاعبدوني، فتركه الناس، وقالوا: مجنون مسكين)).(536)
فالديانة البوذية كانت قد انتشرت في الشرق، في بلخ وبخارى وفيما وراء النهر قبل الإسلام بأكثر من ألف سنة... وكان صوفية خراسان يعدون في الرعيل الأول من الصوفية في الشجاعة الفكرية والحرية الشخصية، والعقيدة المعروفة بالفناء في الله، المقتبسة من الأفكار الهندية إلى حد ما، والتي انتشرت على الأكثر بواسطة صوفية خراسان كأبي يزيد البسطامي وغيره)).(537)(1/165)
وعندما بدأ المسلمون في ترجمة كتب الشعوب الأخرى، ترجم مقدار من آثار البوذية الهندية، إضافة إلى عقائد النصارى المحرفة، ثم جاءت عقيدة الرافضة لتشق طريقها نحو غلاة المتصوفة.
قال فخر الدين الرازي عن فرق الصوفية: ((ومنها الحلولية.. وأول من أظهر هذه المقالة في الإسلام الروافض، فإنهم ادّعوا الحلول في حق أئمتهم)).(538)
ويقول الشيخ عبد القادر البغدادي عن هؤلاء مؤكداً: ((الحلولية في الجملة عشر فرق، كلها كانت في دولة الإسلام، وغرض جميعها: إلى فساد القول بتوحيد الصانع، وتفصيل فرق، في الأكثر يرجع إلى غلاة الروافض)).(539)
وهذه فكرة تسربت إليهم من اليهود والنصارى القائلين نحن أبناء الله وأحباؤه: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } [المائدة:17]، { وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } [المائدة:18].
فوحدة الوجود كفر محض لاشك في ذلك. يقول ابن تيمية رحمه الله: ((وأما أن يكون الخلق جزءاً من الخالق تعالى، فهذا كفر صريح يقوله أعداء الله النصارى، ومن غلا من الرافضة، وجهال المتصوفة، ومن اعتقده فهو كافر... فالرب رب، والعبد عبد ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، وليس أحد من أهل المعرفة بالله يعتقد حلول الرب تعالى به، أو بغيره من المخلوقات، ولا اتحاده به)).(540)
ومن كبار القائلين بوحدة الوجود:
الحلاج وابن عربي والسيد البدوي وابن الفارض. وغيرهم كثير.(541)(1/166)
* فالحلاج: الحسين بن منصور المتوفى عام (309هـ) كان جده مجوسياً عرف عند الفقهاء وبعض المتصوفة أنه زنديق، وممن يتعاطى السحر والشعوذة، فقُتِلَ بالعراق.(542)
وقد أثر عنه من الشعر ما يصرح فيه بالكفر كقوله:
سبحان من أظهر ناسوته
سرُّ سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهراً
في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه
كلحظة الحاجب بالحاجب
فالحلاج من أكبر دعاة الحلول وامتزاج الخالق بمخلوقه، تعالى الله عما يقوله هذا الزنديق علواً كبيراً. ويقول أيضاً:
مزجت روحك في روحي كما
تمزج الخمرة في الماء الزلال
فإذا مسَّك شيء مسَّني
فإذا أنت أنا في كل حال(543)
وقد حاول بعضهم أن يبرر للحلاج أقواله، إلا أنها تأويلات فاسدة غير مقبولة، وإلا كيف يؤول قوله التالي؟!:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
نحن روحان حللنا بدنا
بغير الكفر والحلولية؟!
قال ابن تيمية رحمه الله: ((الحلاج قُتِلَ على الزندقة التي ثبتت عليه بإقراره، وبغير إقراره، والأمر الذي ثبت عليه مما يوجب قتله باتفاق المسلمين، ومن قال: إنه قُتِلَ بغير حق، فهو إما منافق ملحد، وإما جاهل ضال)).(544)
ويُروى أنه قُتِلَ بعد أن ادّعى النبوة حيناً، والألوهية حيناً آخر، وأقرّ بكتاب منسوب إليه ((من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان)) يدعوه إلى الضلالة والإيمان به، وذلك في بغداد.
وقالوا له: كنت تدّعي النبوة فصرت تدّعي الألوهية والربوبية؟ فقال: ((لا، ولكن هذا عين الجمع عندنا. هل الكاتب إلا الله وأنا واليد آلة)).(545)
هذا نموذج مما نسب إلى الحلاج، وفي سيرته غرائب وعجائب، ورغم ذلك يُتّخذ هذا الزنديق رمزاً لحرية الفكر، فتكتب فيه القصائد، وتؤلف القصص عند زنادقة العصر الحاضر باسم الأدب.
* ومحيي الدين بن عربي: المتوفى سنة (638هـ) كان من أصحاب هذه الضلالات، وممن يعتقد بالوحدة بين الخالق والمخلوقات.(1/167)
يقول ابن عربي: ((إن الوجود الحقيقي هو الله سبحانه، ولكنا نرى هذه الكثرة والتعدد قائمة أمام أعيننا، فلا يمكن إنكارها، ومن ثم فهذه الموجودات كلها ليست سوى الله ذاته - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً - وكلها مظهر من مظاهره، وتجل من تجلياته، وليست آية من آياته، كما هو مفهوم أهل السنة)).(546)
وها هو يترجم عقيدته شعراً فيقول:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان بكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أن توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني
فدير الرهبان وبيوت الأوثان، وكعبة الطائفين وألواح التوراة والقرآن، كلها واحد عند ابن عربي، والحب دينه وإيمانه.
وهكذا ((فكل كائن هو الله والله هو كل كائن... فاتّخذ بذلك الوجود مع الخالق المعبود.. وهذا أشد شركاً من قول اليهود والنصارى)).
((وكان كلام الفلاسفة إرهاصاً أدى بابن عربي إلى القول بوحدة الوجود، وإن كان مذهبهُ أكثر شرًّا من مذهب الفلاسفة، وخاصة أنه حرّف آيات القرآن لتنسجم مع نظريته الباطلة، وأن كثيراً من المسلمين المغفلين من يعظّمه ويسميه الشيخ الأكبر)).(547)
وقال ابن تيمية(548): ((ورأيت بخطه في كتابه ((الفتوحات المكية)) هذين البيتين:
الربّ حق والعبد حق
يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد، فذاك رب
أو قلت رب أنى يكلف؟
ويرى ابن تيمية أن ابن عربي وأمثاله تأتيهم أرواح تخاطبهم وتتمثل لهم، وهي جن وشياطين فيظنونها ملائكة...
وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذي يزعم صاحب ((الفتوحات)) أنه ألقى إليه ذلك الكتاب...
ولما كانت أحوال هؤلاء شيطانية، كانوا مناقضين للرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم، كما في كلام صاحب الفتوحات المكية: و((الفصوص)) وأشباه ذلك مدح للكفار مثل قوم نوح وهود وفرعون وغيرهم، وتنقص للأنبياء كنوح وإبراهيم وموسى، وكان يذم شيوخ المسلمين المحمودين)).(549)(1/168)
والغريب أن كثيراً من المتصوفة والملاحدة يرون ما يراه ابن عربي فيزعمون ((ما كان يزعمه التلمساني منهم لما قُرئ عليه ((الفصوص)) وقيل له: القرآن يخالف فصوصكم أجاب: القرآن كله شرك وإنما التوحيد كلامنا. فقيل له: فإذا كان الوجود واحداً فلم كانت الزوجة حلالاً والأخت حراماً؟ قال: الكل عندنا حلال هؤلاء المحجوبين قالوا: حرام، فقلنا حرام عليكم)).(550)
وما يزال كثير من متصوفة القرن الأخير يعكفون على دراسة كتب ابن عربي وغيره من غلاة المتصوفة، فالأمير عبد القادر الجزائري مثلاً كان يعكف في بيته - بدمشق - على مطالعة الفتوحات للشيخ الأكبر ويحاور في مسائلها مع جلة علماء دمشق.(551)
* وكان عمر بن الفارض المتوفى سنة (632هـ) من القائلين بالاتحاد والحلول. وذلك في قصائده المشهورة في ديوان شعره، ومن أشهر قصائده التي صرح فيها بمذهبه هذا قصيدته (التائية) الكبرى والمسماة ((نظم السلوك)) يقول فيها(552):
لها صلاتي بالمقام أقيمها
وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصلٍّ عابد ساجد إلى
حقيقة الجمع في كلّ سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم تكن
صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
إلى أن يقول:
وما عقد الزنار حكماً سوى يدي وإن حل بالإقرار فهي حلت.
وإن خر للأحجار في البدّ عاكف فلا وجه للإنكار بالعصبية.
وإن عبد النار وما انطفت فما قصدوا غيري لأنوار عزتي.
فهل هنالك تصريح بالكفر أشد مما قل في هذا الشعر؟!
فصلاته لنفسه لأنها هي الله (والعياذ بالله) ((وصلوات اليهود وعقد زنار النصارى، وبد الوثنية الهندية، ومساجد الله، كلها عند هؤلاء ساح فساح، يعبد فيها الله)).(553)
قال الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال:(554) ((إنه ينعق بالاتحاد الصريح في شعره)) وقال في تاريخ الإسلام ((كان سيد شعراء عصره وشيخ الاتحادية)).
((والحقيقة أن هذه المعاني السابقة شرك واضح وزندقة وإلحاد، ولا يجوز تأويلها إلى غير هذه المعاني القبيحة التي نطق بها ابن الفارض)).(555)(1/169)
وفي عقيدة الحلولية هؤلاء قال ابن تيمية: ((وأما ما جاء به هؤلاء من الاتحاد العام، فما علمت أحداً سبقهم إليه إلا من أنكروا وجود الصانع، مثل فرعون والقرامطة، وذلك أن حقيقة أمرهم أنهم يرون أن عين وجود الحق هو عين وجود الخلق، وأن وجود ذات الله خالق السماوات والأرض هو نفس وجود المخلوقات)).(556)
* ومن هنا فقد تولد عن هذه العقيدة - وحدة الوجود - فكرة خبيثة أخرى، وهي أن المتصوفة قد عشقوا الصور الجميلة لاعتقادهم أنها مظاهر الحق، فصار تصوف وحدة الوجود، دعوة إلى خلاعة ماجنة، وإلى حب الشهوات الرذيلة، حيث جعلوا العشق الطبيعي سلماً للحب الإلهي، وحاكوا في كتبهم الحكايات الغزلية، والأساطير العشقية، وجعلوا مجنون ليلى قدوة لهم في حبهم لله تعالى.
ومن هنا جاء تصريح ابن العربي في (فصوصه) بأن ((من أحب النساء على هذا الحد فهو حب إلهي)).(557)
المبحث الخامس
تقديس القبور والأضرحة والاستغاثة بأصحابها
لقد ضخّم الصوفيون دور مشايخهم، وقدّسوهم أحياء وأمواتاً وتجاوزوا معنى أن الله قريب يجيب دعوة الداعي، وليس هناك حاجة إلى الوسطاء بينه وبين عباده. قال تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ } [البقرة:186].
وقد غلا المتصوفة في مشايخهم، كما غلا الرافضة في أئمتهم.
يقول الغالية في مشايخهم: ((إن الولي محفوظ، والنبي معصوم... وأن الشيخ والولي ((لا يخطئ ولا يذنب)) ((وقد بلغ الغلو بالطائفتين)) الرافضة وأشباههم من الغالية في بعض المشايخ ((أن الرافضة تزعم بأن الأئمة الإثني عشر معصومون من الخطأ والذنب وأن منهم من هو بمنزلة النبي وأفضل منه، وإن زاد الأمر جعلوا له نوعاً من الإلهية، وكل هذا من الضلالات الجاهلية المضاهية لضلالات النصرانية. قال صلى الله عليه وسلم : ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)).(558)(1/170)
وقد تحول الأمر عند المتصوفة إلى أن يستغيثوا بالمشايخ أحياءً وأمواتاً ولهم في ذلك قصص غريبة، وأساطير مختلفة، تصلح أن تكون مجالاً لخيال قصصي خصب.
((يروى أن أحد مريدي الشيخ ((محمد المعصوم)) كان راكباً على فرس فجفلت به فسقط على الأرض، وبقيت رجله معلقة في الركاب، وجعلت الفرس تعدو به حتى أيقن بالهلاك، فاستغاث بحضرة القيوم ((أي الشيخ المعصوم)) قال: ((فرأيته حضر وأوقفها وأركبني)) ((وكذلك وقع نفس المريد في البحر، وما كان يعرف السباحة، وكاد أن يغرق، فناداه مستغيثاً به، فحضر وأخذ بيده وأنقذه)).(559)
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل لا فرق عند المتصوفة بين الاستغاثة بالشيخ حياً، وبين الاستغاثة به بعد موته.
ومن أساطيرهم في ذلك: أن امرأة مات لها صغير فجاءت إلى السيد البدوي وهي باكية، وقالت يا سيدي ما أعرف ولدي إلا منك، وكانت تقول: توسلت إليك بالله ورسوله، فمد أحمد البدوي يده إليه ودعا له، وأحياه الله. تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.(560)
وقد زعم الخليفة الحالي للسيد البدوي في مولد عام 1991م:
((أن السيد البدوي موجود معك أينما كنت، ولو استعنت به في شدتك وقلت: يا بدوي مدد، لأعانك وأغاثك)).
قال ذلك في الجموع المحتشدة بسرادق وزارة الأوقاف في القاهرة أمام العلماء والوزراء، وقد تناقلته الإذاعات وشاشات التلفاز.(561)
وقد انتقل التقديس والتعظيم إلى قبور هؤلاء المشايخ وأضرحتهم الفارهة، والتوسل بها في هالات وضجيج واعتقاد باطل، بأن أصحابها ينفعون أو يضرون.
* الأضرحة تهيمن على حياة الناس:(562)(1/171)
اهتم الصوفيون بقبور مشايخهم وأضرحتهم المشيدة، وصاروا يتوسلون لديها، ويمرغون الوجوه بالأعتاب والتراب، وقد يصل الحال بهم إلى الطواف حول القبر، وهذا ما يشاهد حول قبر السيدة زينب بنت الحسن أو الحسين بن علي رضي الله عنهما سبع مرات تشبهاً بالطواف حول الكعبة، وهذا ما يحصل الآن حول ضريح سيدهم البدوي، أو حول قبر الإمام الشافعي رحمه الله، وبكل هؤلاء سدنة وطقوس وأوقاف وأموال تبذل، ناهيك عن الاختلاط وصرف العبادة إلى غير الله، وأكثرهم يسأل الميت المقبور بقوله: يا سيدي فلان اغفر لي وارحمني.
وقد يقول أحدهم: ((مدد يا سيدنا الحسين، مدد يا سيدة زينب مدد يا بدوي يا شيخ العرب، مدد يا رسول الله، مدد يا أولياء الله.. وهذا شرك أكبر يخرج قائله من ملة الإسلام والعياذ بالله)).(563)
لقد انتشرت القبور والقباب والأضرحة انتشاراً عجيباً، وأنفق على قبابها ومبانيها وزخرفتها الأموال الطائلة.. إضافة إلى ما ينسبونه إلى قبور الأنبياء والصحابة مما لم يصح منه شيء.
وعندما حل الحكم العثماني في بلاد المسلمين، ازداد التعلق بالقبور والأضرحة ((حيث أن الموجود في القاهرة (في بداية القرن الرابع عشر الهجري) وحدها كان يبلغ مائتين وأربعة وتسعين ضريحاً، وفي الأستانة عاصمة السلطنة كان يوجد أربعمائة وواحد وثمانون جامعاً، لا يكاد يخلو جامع فيها من ضريح، وتنافس الملوك والأمراء على تشييدها وتعلق الناس بها.
ووصل الأمر أحياناً أن يُبنى على قبر صعلوك (كان قاطع طريق) جامع وقبة، كما صنع الخديوي إسماعيل سنة (1280هـ) برجل يدعى (صالح أبو حديد) كان قاطع طريق، فصار يعمل له حضرة كل أسبوع ومولد كل عام.(564)
وهنالك رجل مجذوب ((علي البكري)) كان يطوف عرياناً، فلما مات، أقام أخوه له ضريحاً، بأن عمد إلى أحد مساجد القاهرة واجتزأ نصفه، وصار الناس يَرِدُونَ إليه من كل أنحاء القطر.(565)(1/172)
وكان لهذه الأضرحة ألوف من السدنة يعيشون في رغد وثراء من ورائها، وكانوا يتوارثون هذه الوظائف ويزعمون أنها لا تنتزع منهم إلا من قبل ظالم.
ويكفي أن تعلم أن ما كان يصل إلى ضريح الجيلاني في السنة من أموال الزائرين، يفوق ما كانت تنفقه الدولة العثمانية على الحرمين الشريفين في السنة الواحدة أضعافاً مضاعفة.(566)
وضريح البدوي في مسجده حيث يقام داخله جماعتان لكل صلاة، ولكل جماعة إمام إحداهما جماعة الضريح وتقام داخل ضريح البدوي، والثانية جماعة عامة تقام خارج الضريح بنفس الوقت، وفي داخل القبر نجد من يطوف ويتمسح بالضريح، كما تجد مظاهر التوسل المختلفة بالبدوي، ومناجاته ومطالبته بتفريج الكرب وقضاء الحوائج، ونرى رفع الأكف في الدعاء مع خشوع وبكاء أحياناً، وتقبيل المقصورة والأعتاب ووضع النقود والمصاغ داخل صندوق النذور.. أملاً في تفريج الكروب كالشفاء من المرض أو النجاح في الامتحان، وغير ذلك مما لا يُقصد به وجه الله..
وقد لا يكتمل الحج عند الصوفي إلا بزيارة ضريح السيد البدوي.(567)
يقول السخاوي: ((جاء الحجاج هذه السنة لسيدي أحمد البدوي من الشام وحلب ومكة، أكثر من حجاج الحرمين)).(568)
وهذا ما يشجعه أعداء الإسلام. جاء في دائرة المعارف الإسلامية (التي يصدرها المستشرقون) عن السيد البدوي: ((بأنه أكبر أولياء مصر ومفرج كل الكروب منذ عهد طويل)).(569)
ومثل هذا الانحراف يجري حول قبر محيي الدين بن عربي في دمشق، وحول قبر السيدة زينب في دمشق أيضاً وفي مصر...
وبذلك ((انصرف الناس إلى خدمة الأموات بإعمار أضرحتهم وبناء القباب عليها، وصرفوا الأموال والجهود، على حساب تربية الأحياء وتقوية الأمة على أعباء الجهاد.(570)
وصارت حياة الناس مرتبطة بها أشد الارتباط، يلجؤون إليها في الشدائد ويلتمسون فيها أسباب النصر، يطلبون منها الرزق والولد، ويفر إليها العصاة والمجرمون يلجؤون إليها.(1/173)
وقد كان الحكام والقادة يبذلون أموالهم في ذبح القرابين لتلك الأضرحة. وعند مغادرة الفرنسيين للقاهرة (1216هـ) هرع قائد الجيش العثماني - حسين باشا القبطان إلى زيارة المشهد الحسيني، وذبح فيه خمس جواميس، وسبعة أكباش واقتسمتها خدمة الضريح)).(571)
يقول الإمام الشوكاني رحمه الله: ((ومن المفاسد البالغة إلى حد يرمي بصاحبه وراء حائط الإسلام ويلقيه على أم رأسه من أعلى مكان، أن كثيراً منهم يأتي بأحسن - ما يملكه من الأنعام - وأجود ما يحوزه من المواشي فينحره عند ذلك القبر، متقرباً به إليه، ويهل بها لغير الله، ويتعبد به لوثن من الأوثان، إذ لا فرق بين النحائر لأحجار منصوبة يسمونها وثناً، وبين قبر لميت يسمونه قبراً؟
وهذه من المحرمات القطعية. قال صلى الله عليه وسلم :
((لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا)).(572)
وقال صلى الله عليه وسلم : ((لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج)).(573)
* هذا أبرز ما تيسر لي جمعه، حول الانحرافات العقدية عند أهل التصوف، وفيها من خلل التصور، ومجانبة صفاء هذا الدين، ما يؤسف له أشد الأسف، وقد تركت هذه الانحرافات العقدية انحرافات سلوكية عند قطاع كبير من المسلمين، ما تزال تفتك في كيان هذه الأمة حتى الآن، وذلك مجال حديثنا في الفصل القادم.
الفصل الثالث
الآثار السلبية لظاهرة التصوف
1- نظرة المتصوفة إلى الحياة.
المبالغة في التقشف ومدح العزلة وترك الزواج.
2- تعدد الطرق وانتشار الزوايا والأربطة.
3- الوجد والسماع.
4- التواكل والبطالة.
5- المتصوفة والجهاد في سبيل الله.
6- أسلوب التربية عند المتصوفة.
الآثار السلبية لظاهرة التصوف
تمهيد: نفوذ المتصوفة في العالم الإسلامي:(574)(1/174)
لقد سيطر الفكر الصوفي في القرون الأخيرة على العالم الإسلامي حتى أن بعض الباحثين أطلق على هذا النفوذ في مصر خلال العصر العثماني ((دولة الفقراء)) وقد كانت أعظم نفوذاً من سلطان بني عثمان.
((وذلك لأن روح العصر لما كان يسوده من ظلام الجهل، وشدة الفقر، واضطراب الأمن وظلم الحكام، عاون على ثبات هذه الدولة، وعلى رسوخ قدمها وشيوع تعاليمها بين الناس))(575) ولا غرابة في ذلك، حيث أن هؤلاء المتصوفة قد سيطروا على الدولة العثمانية نفسها، وتمكنوا من نشر مذاهبهم.
ويذكر محمد بن علي السنوسي، أن السلطان عبد الحميد كان قد قرّب إليه ثلاثة من كبار المتصوفة في ذلك العصر، وهم: الشيخ محمد ظافر المدني، والشيخ أحمد أسعد المدني، والشيخ أبو الهدى الصيادي، وكان لهؤلاء مقام سام في السلطنة العثمانية، فالصيادي مثلاً كانت له الكلمة النافذة في تنصيب القضاء والمفتين، واستطاع أن ينشر الطريقة الرفاعية وأن يبني من مال الدولة كثيراً من التكايا والزوايا والأضرحة..
هذا النفوذ كان رغم حنكة السلطان عبد الحميد ودهائه، لأن روح العصر كانت خاضعة للفكر الصوفي.. والأولياء كانوا في عرف الناس فوق الدين والعرف، وهم في عرف الكثيرين قد سقطت عنهم التكاليف الشرعية.
وكان الحكام يعفون الأولياء والمتصوفة من الضرائب في كثير من الأحيان، ويرون أن أخذها منهم من الكبائر)).(576)
لقد طغت الصوفية على العالم الإسلامي، وجعلته ينام في سبات عميق، وتخدره إلى حد لا يفيق منه، فانشغل المسلمون بالأضرحة والقبور، والشفاعة عندها، ولازموا الزوايا والتكايا ورددوا أوراد المشايخ عاطلين عن العمل وحتى العلم الشرعي، وغسل المشايخ أدمغة أتباعهم فصدقوا كل مستحيل، وآمنوا بما يقول الشيخ العتيد، فكانت تربيتهم للأتباع تربية ذليلة في الغالب، وقد يخرج المجاذيب إلى الشوارع يدعون على الكافر المارق ذي المدافع والدبابات.(1/175)
((وفي مصر انتشر الأولياء وفشا أمرهم، واقتسموا مناطق النفوذ فيها، وأصبح كل قسم منطقة نفوذ لولي منهم، يتصرف في أهلها ويستغل غلاتها، ويقيم الولائم في بيوت يخفون إليهم سراعاً، يحملهم على ذلك الأمل في اكتساب البركة، والظفر بالزلفى إلى الله.(577)
إن هذا السبات العميق، والجهل الشديد، كان نتيجة طبيعية للآثار السلبية التي تركها المتصوفة تنخر في جسم الأمة، إضافة إلى فكر الإرجاء، وأمراض أخرى كثيرة، وسوف نلقي نظرة على هذه الآثار..
1- نظرة المتصوفة إلى الحياة:
المبالغة في التقشف ومدح الفقر والعزلة:
كان أوائل الصوفية أصحاب مجاهدات وعبادات، صادقين مع أنفسهم، وإن كانت بعض أعمالهم فيها تعمق وتشدد، ومخالفة للسنة.. ثم ظهرت أجيال بنوا التكايا والزوايا مستريحين من كد المعاش، وساح بعضهم في البراري والقفار وارتاحوا إلى الخلوة والعزلة، وذموا الزواج، ومجدوا العري والجوع متأثرين بمصطلحات وافدة غريبة.
((فقد زعم كثير من الصوفية أن الفقر أمر محمود لذاته، وإنه مقام شريف من مقامات الوصول إلى الولاية)).(578)
لكن الزهد بعد ذلك أخذ صوراً متفاوتة في البعد والقرب عن المنهج الإسلامي.
فمن أقوالهم الحسنة في ذلك: ((الزهد عزوف النفس عن الدنيا بلا تكلف)) وقولهم ((الزهد خلو القلب مما خلت منه اليد)).(579)
إلا أن التطرف صار من لوازم التصوف، فتكاد لا تجد صوفياً لا يبالغ في الجوع والتعري وترك الحلال، وتجده يفرط في التقشف وتعذيب النفس، وجلب الأذى، والتجاوز في أوامر الله أو نواهيه)).(580)
وينسى هؤلاء قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم)).(581)
وعن أنس بن مالك ? أنه قال: ((كنا عند عمر، فقال: نهينا عن التكلف)).(582)(1/176)
وقال ابن مسعود ?: ((الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة)).(583)
* لقد مدحوا التعري ومجدوا الجوع والتسول:(584)
قال السهروردي: ((قد اتفق المشائخ على أن بناء أمرهم على أربعة أشياء: قلة الطعام، وقلة المنام، وقلة الكلام والاعتزال عن الناس)).(585)
وذكر الشعراني عن السيد البدوي: ((أنه لازم الصمت، وما كان يكلم الناس إلا بالإشارة))(586) مع العلم أن ملازمة الصمت من العادات البوذية.
ومن ذلك ((أن البدوي كان طول نهاره وليله قائماً شاخصاً ببصره إلى السماء، وقد انقلب سواد عينيه إلى حمرة تتوقد كالجمر، وكان يمكث الأربعين يوماً وأكثر لا يأكل ولا يشرب ولا ينام))، ((وكان إذا لبس ثوباً أو عمامة لا يخلعها للغسيل، ولا غيره حتى تذوب فيبدلونها بغيرها)).(587)
((وكتب الدكتور عبد الحليم محمود، عن أحمد الدردير أنه ردّد الذكر ستة شهور حتى أحرق الذكر جسمه، وأذهب لحمه ودمه حتى صار مجرد الجلد على العظم)).(588)
وقد نقلوا حكايات وأساطير عجيبة لتمجيد الجوع فقالوا:
((إن سهل بن عبد الله التستري، كان لا يأكل الطعام نيّفاً وعشرين يوماً)).(589)
ونقلوا عن أحمد الرفاعي أنه قال: ((أنا أحب للمريد الجوع والعري والفقر والذل)).(590)
* فلماذا هذا التعذيب للجسد؟ ولم كل هذه المجاهدات؟
((لقد كان الهدف الأسمى للمتصوفة، هو الوصول إلى الحضرة الإلهية، وكان الطريق إلى ذلك، هو ما تمثل في نظرتهم إلى الحياة من استهانة بها، وإعراض عن ملذاتها.. ومن هنا حببوا الخلوة والانقطاع عن الناس والسياحة في البراري والقفار وتعذيب النفس بحرمانها مما أحل الله، وذلك بالرياضات الشاقة والمجاهدات المؤلمة...
وكان بعضهم يختار المغارات (الكهوف) ليختلي بنفسه وكان بعضهم ينقطع إلى الأودية والجبال كما فعل الشيخ وهبة المشهور بـ((أبي العظام)) إذ نقل عنه أنه انقطع في الأودية والجبال نحو سبعة أعوام.(591)
* واعتبروا قلة النوم من أصول الولاية والكرامة:(1/177)
يذكر الهجويري عن أحد أقطاب المتصوفة(592) أنه لم ينم لأربعين عاماً، وعندما نام رأى الله سبحانه وتعالى في النوم، فقال: ((يا إلهي! كنت أطلبك بسهر الليالي، فرأيتك في النوم، فقال يا شاه، لقد أدركت في النوم بغيتك بسهرك الليل، ولو كنت نمت هناك لما رأيت هنا)).(593)
* وقد ذم المتصوفة الزواج ومدحوا العزوبة:(594)
حتى أنهم بوّبوا في كتبهم أبواباً مستقلة في مدح العزوبة وذم الزواج، ولعل هذا مأخوذ من رهبان النصارى، ونساك المسيحية الذين ألزموا أنفسهم التبتّل خلافاً لفطرة الله التي فطر الناس عليها.
قال تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم:21].
وثبت في الصحيحين عن أنس أن رجالاً سألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنهم تقالوها فقالوا: وأيّنا مثل رسول الله ثم قال أحدهم: ((أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أما أنا فأقوم ولا أنام.. وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، فقال رسول الله: ((ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا؟ ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام.. وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)).(595)
هذا شرع الإسلام فماذا قال المتصوفة؟
ينقل الطوسي والعطار عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: ((إذا تزوج الفقير، فمثله مثل رجل ركب السفينة فإذا ولد له ولد فقد غرق)).(596)
ونقل عن بشر بن الحارث أنه قيل له: ((إن الناس يتكلمون فيك فقال: وما عسى يقولون؟! قيل: يقولون: إنك تارك السنة يعنون النكاح.
فقال: قل لهم، إني مشغول بالفرض عن السنة، فالأفضل في زماننا هذا ترك التزويج)).(597)(1/178)
ونقل الشعراني عن رباح بن عمرو القيسي - من الصوفية الأوائل - أنه قال: ((لا يبلغ الرجل منازل الصديقين، حتى يترك زوجته كأنها أرملة، وأولاده كأنهم أيتام، ويأوي إلى منازل الكلاب)).(598)
* ألا تجد أن هذا مشابه لكلام النصارى؟!
يقول رسول المسيحيين في رسالته إلى أهل كورفتوس:
((وأما من جهة الأمور التي كتبتم عنها، فحسن للرجل أن لا يلمس امرأة)). ويقول كذلك: ((أقول لغير المتزوجين والأرامل إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا)).(599)
* كما مدح المتصوفة الفقر ودعوا إلى ترك الدنيا:(600)
ذكر المحاسبي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: ((إن كنت تحب أن تكون لله ولياً، وهو لك محب فدع الدنيا والآخرة، ولا ترغبنّ فيها))؟!
وقال ابن عجيبة الحسني مبيّناً حالة أهل التصوف: ((الفقر أساس التصوف، وبه قوامه)).(601)
وذكر الصوفي عماد الدين الأموي في كتابه ((حياة القلوب)) أن رجلاً دخل على بعض الصوفية يتكلم في الزهد، وعنده قميص معلق وعليه آخر فقال: يا شيخ، أما تستحي أن تتكلم في الزهد ولك قميصان؟)).(602)
وذكر الكلاباذي عن أحمد بن السمين أنه قال: ((كنت أمشي في طريق مكة، فإذا أنا برجل يصيح: أغثني يا رجل! قال خذ مني هذه الدراهم، فإني ما أقدر أن أذكر الله وهي معي، فأخذتها منه فصاح: لبيك اللهم لبيك، وكانت أربعة عشر درهماً.(603)
وينقلون عن الرفاعي - صاحب الطريقة الرفاعية - أنه كان يقول: ((أكره للفقراء دخول الحمام، وأحب لجميع أصحابي الجوع والعري والفقر والذل والمسكنة، وأفرح لهم إذا نزل بهم ذلك)).(604)
ويرى بعض المتصوفة أن هذه المعاني مقتبسة من النصرانية كما نص على ذلك أبو طالب المكي حيث قال: ((روينا عن عيسى عليه السلام أنه قال: أجيعوا أكبادكم وأعروا أجسامكم، لعل قلوبكم ترى الله عز وجل)).(605)
وقال جولد زيهر ((إن مدح الفقر وإيثاره على الغنى كان من العناصر النصرانية)).(606)(1/179)
فمن خصائص المسيحية وتعاليمها ترك الدنيا والتجرد عن المال والجوع وتعري الأجساد والإعراض عن زينة الحياة المباحة وتحريم الطيبات باسم الانقطاع إلى الآخرة.(607)
وكل ذلك مضاد للفطرة السوية، ولذلك بقيت تعاليم النصرانية المحرفة أفكاراً مثالية لا تطبق في عالم الواقع، بل إن كثيراً من الرهبان انجرفوا في حمأة الرذيلة، وتعلقوا بأطايب الدنيا، ناهيك عن الغرب الذي يدين بالنصرانية.
وهذا ما وقع فيه كثير من المتصوفة تعلقاً بالحياة الدنيا باسم الزهد والدروشة، وخاصة في العصور المتأخرة.
فلا إفراط ولا تفريط، وكل ذلك انحراف ينافي هدي الإسلام.
((فالصمت الدائم بدعة منهي عنها، وكذلك الامتناع عن أكل الخبز واللحم وشرب الماء، فذلك من البدع المذمومة أيضاً.
كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قائماً في الشمس فقال: ((ما هذا؟!)) ، فقالوا: أبو إسرائيل قد رأى أن يقوم في الشمس ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((مروه فليجلس، وليستظل وليتكمم وليتمّ صومه)).(608)
وقال ابن تيمية عن الرجل(609) ((يتعبد بغير العبادات المشروعة، وإن كان خالصاً في نيته - مثل الذي يصمت دائماً أو يقوم في الشمس، أو على السطح دائماً، أو يتعرى من الثياب دائماً، ويلازم لبس الصوف، أو لبس الليف ونحوه، .. أو يمتنع عن شرب الماء أو أكل الخبز واللحم، ونحو ذلك.. كانت هذه العبادات باطلة ومردودة، كما ثبت في الصحيح عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).(610)
لقد كان زهد الصحابة في متاع الدنيا، ذلك الزهد الإيجابي البناء، ذلك الزهد الذي يدفع أصحابه إلى الجهاد والمجالدة والمواجهة، لا إلى الانحسار داخل النفس، وهو الزهد الذي يحصن النفس ضد الفتنة، لا الذي يقتل النفس للوقاية منها.(1/180)
أما الصوفية: فقد انصرفوا إلى الصلاة أو الصيام والذكر، وقالوا: هذه هي الأعمال المطلوبة للآخرة، أما أمور الدنيا فلا حاجة لنا إلى الخوض فيها، لأنها فتنة توقع في حبائل الشيطان.
وكانت النتيجة بسبب هذا الفكر السلبي إضافة إلى الفكر الإرجائي الذي شجّع على التفلت من التكاليف أن وصل العالم الإسلامي إلى حالته الراهنة من الفقر والجهل والمرض)).(611)
2- تعدد الطرق وانتشار الزوايا والأربطة:
انتشرت الطرق الصوفية في العالم الإسلامي في القرون الأخيرة، وكثرت الزوايا والتكايا التي يقيمون فيها شعائرهم، ويأوون إليها متفرغين لأورادهم وسماعهم، بعيداً عن كد المعاش، وعمارة الأرض.
والطريق الصوفي: ((ما يضعه شيخ من مشايخ الصوفية لمجموعة من المريدين من أوضاع يلتزمونها ويختصون بها دون غيرهم)).(612)
((فالشيخ الصوفي - شيخ الطريقة - يفرض الطريقة على المريدين، وقد انكشف له الحجاب، وتجلت له الأقدار، وعرف الأسرار، إلى غير ذلك مما يروّج على ألسنة أتباع الطريقة)).(613)
وعلى المريد أن يواظب على الأوراد والأذكار التي لقنه إياها الشيخ وأن يكون في علاقاته بشيخه كما عبر الشيخ القشيري ((كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء)).
وقد ظلت هذه مناهج الطريق، حتى أخذ العمل الصوفي في القرون المتأخرة الشكل الجماعي، والأسلوب التنظيمي في البلاد الإسلامية، أي منذ القرن السادس الهجري.
ويعتقد أصحاب الطرق الصوفية أن سلوك الطريق، له مراحل تبدأ بمرتبة المريد، ثم يعطى الأوراد ويسمى ((سالكاً)) للطريق، ثم يرتقي بالذكر وصدق النية، حتى يصل إلى مقام ((العبودية)) ثم يصل إلى مقام ((العشق)) والوجد والهيام، حتى تصل النفحات الربانية والبركات الإلهية، وهنا يصل السالك إلى ((مقام الحقيقة)).(1/181)
وبعدها قد يفنى العبد عن نفسه وحظوظه، فيصل إلى ((الفناء واللقاء والبقاء)). أي برب العباد، وهذا هو منتهى الضلال في الكفر، ومن ثم حالات: الحلول والاتحاد ووحدة الوجود.(614)
* أوراد الصوفية وأذكارها:(615)
وقد اخترع الصوفية وظائف وأوراداً، وجعلوا لها ثواباً من عند أنفسهم، وأوجدوا لها حلقاً وآداباً.
ومن هذه الأوراد، ما لم يرد في كتاب ولا سنة...
فعندما يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن أفضل الذكر لا إله إلا الله محمد رسول الله. يقول بايزيد الأنصاري وهو يقسم الذكر إلى أقسام:
((أما ذكر لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهو ذلك اللسان، وهو يجوز في الشريعة، وذكر (لا إله إلا الله) هو ذكر القلب، وهو يجوز في الطريقة، وذكر (إلا الله) هو ذكر الروح، وهو يجوز في الحقيقة وذكر (الله) هو ذكر السر، وهو يجوز في المعرفة، وذكر (هو) هو ذكر الغيب، وهو يجوز في القربة، والاسم الأعظم هو ذكر المذكور، وهو يجوز في الوحدة.(616)
وحُكي عن الشبيلي أنه قيل له: لِمَ تقول: ((الله))؟ ولا تقول: ((لا إله إلا الله))؟ فقال: أستحي أن أوجه إثباتاً بعد نفي.. أخشى أن أؤخذ في كلمة الجحود، ولا أصل إلى كلمة الإقرار)).(617)
وقد كثرت بدعهم في ذلك، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((لا إله إلا الله))، ومثل: ((الله أكبر)) ومثل ((سبحان الله والحمد لله)). فأما الاسم المفرد مظهراً مثل ((الله، الله)) أو مضمراً مثل: ((هو، هو)) فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنة، ولا هو مأثور أيضاً عن أحد من السلف، وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين.
وربما غلا بعضهم في ذلك حتى جعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة وذكر الكلمة التامة للعامة)).(618)(1/182)
ويقول أيضاً: ((أما ذكر الاسم المفرد، فبدعة لم يشرع وليس هو بكلام يعقل، ولا فيه إيمان.. ومن العجب أن الصوفية يقولون: ذكر العامة ((لا إله إلا الله)) وذكر الخاصة ((الله، الله)) وذكر خاصة الخاصة ((هو، هو)). وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أفضل الكلام بعد القرآن أربع، وهو من القرآن، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)).
وفي حديث آخر: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله))(619) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ولم يكتف المتصوفة بهذا الإعراض عن الذكر الشرعي، بل ابتدعوا أحزاباً سبعة، وزعوها على أيام الأسبوع، يكررها الصوفية معرضين عن الأوراد والأذكار المأثورة في كتب السنة، واخترعوا لها فضائل ومناقب، منها ما ذكروه: ((من قرأ مرة واحدة كتب الله له ثواب حجة مقبولة، وثواب من أعتق رقبة من ولد إسماعيل عليه السلام، فيقول الله تعالى: ((يا ملائكتي هذا عبد من عبادي أكثر الصلاة على حبيبي محمد، فوعزتي وجلالي لأعطينه بكل حرف صلى قصراً في الجنة..))(620)
ويعتقد بعض المتصوفة أنهم أخذوا هذه الأذكار، والوظائف والأحزاب من علي ?، أو من الخضر عليه السلام، أو من رسول الله مباشرة، عليه أفضل الصلاة والتسليم، كحزب أبي الحسن الشاذلي، الذي سماه ((حزب البحر وكلماته: ((رب يسر وسهل، ولا تعسر علينا، يا ميسر كل عسير، بحق: أب ت ث... هو، لاي.. بسم الله ((بابنا)) تبارك ((حيطاننا)) يس ((سقفنا)) كهيعص كفايتنا..(621)
رُوي أنه لما اعترض الفقهاء على حزب الشاذلي هذا قال الشيخ: ((والله لقد أخذته من رسول الله صلى الله عليه وسلم حرفاً بحرف)).(622)(1/183)
هذا وللذكر عندهم آداب: ((فلا يتلو المريد ورداً إلا بإذن من شيخه، أو يلقنه إياه، وأن يجلس على هيئة المتشهد وأن يراقب صورة شيخه في جميع عباداته، وأن يستمد من شيخه بقلبه... وألا يشرب عقب الذكر مباشرة، وينتظر قليلاً في مكانه بعد الذكر صامتاً مستحضراً.. )).(623)
((فهذه آداب غريبة عجيبة، تسربت إلى المتصوفة من طقوس الهنود البوذية)) وقد تحول الدين عندهم إلى كهنوت جديد ورسوم خاوية.(624)
* لقد تحول السواد الأعظم من المسلمين إلى اتّباع هذه الطرق:
وقلما تجد في كتب التراجم والرجال ترجمة لرجل إلا وفيها ذكر الطريقة التي ينتمي إليها، مع ذكر شيوخه الذين أخذ عنهم هذه الطريقة، وكأنما أضحت هذه الطرق هي الدرجة الرفيعة من الدين، ويتسابق إليها العلماء قبل غيرهم.
وكان الكثير من المتصوفة في ذلك العصر، لا يكتفون بطريقة واحدة، بل كثيراً ما يسعون لأخذ أكثر من طريقة، ويرون أن ذلك زيادة في الدين والخير.
وكان شيوخهم يتنقلون بين البلدان ينشرون خرافاتهم وبدعهم، ويتحمّلون ما يصيبهم من عنت ومشقة في سبيل تبليغ طرقهم ونشرها بين الناس.(625)
فالدعوة إلى الله كانت عند الناس هي الدعوة إلى الطرق الصوفية، وكان النصح والإرشاد بتوجيه الناس إلى الصوفية... وكان الدين والصلاح - في العرف السائد - هما الصوفية، ولهذا كان يحرص الآباء على تنشئة أبنائهم نشأة صوفية.(626)
وقد ذكر الدكتور توفيق الطويل أن الطرق الصوفية كثرت كثرة مفطرة في العهد العثماني، إذ بلغت حوالي ثمانين طريقة، أما في زمنه ((قبل حوالي أكثر من نصف قرن من الآن)) فقد بلغت خمساً وأربعين طريقة، لكل منها شيخ له نواب في المركز التي يستحوذ فيها على كثرة من المريدين والأتباع، ثم يكون له خلفاء في المدن والقرى، ولكل منهم مريدون يسلكون طريقة الشيخ.(627)
وقد بلغت الطرق الصوفية زمن السلطان عبد الحميد سبعين طريقة.(628)
* التآخي بين النساء والرجال في الطرق الصوفية:(629)(1/184)
يقول الشعراني: ((إن أتباع الأحمدية ((البدوي)) والبرهامية ((أي إبراهيم الدسوقي))، والقادرية ((أي عبد القادر الجيلاني)) يأخذون العهد على المرأة، ثم يصيرون يدخلون عليها في غيبة زوجها ((أي أنهم اتخذوا من التصوف طريقاً للوصول إلى النساء، بدعوى أنها صارت بنته أو أخته في الطريق، وتحت هذا الشعار يخلو بها ويكون الشيطان ثالثهما.
وبهذه الوسيلة اشتدّ خطر الصوفية الأحمدية، ورفاقهم على المجتمع المصري)). وهذا الشعراني نفسه يقول في القرن العاشر الهجري ((إياك أن تمكن جاريتك - أي ابنتك - أن يأخذ أحد من الأحمدية أو البرهامية العهد عليها إلا مع المحافظة على آداب الشريعة)).(630)
وهذا ابن الحاج الفقيه الصوفي يندد لما ظهر من البدع الأحمدية، مثل المؤاخاة مع النساء، كستار يخفي الانحلال الخلقي. يقول: ((آخى بعضهم بين الرجال والنساء، بل كانت بعض النساء تعيش مع بعض الرجال ويزعمون أنهن أخواتهم من الشيخ.(631)
ومن الغريب أن تتحول الطرق الصوفية إلى اللهو والعبث والانحلال، ولاشك أن الباطنية والمذاهب الهدامة قد نخرت في جسمها، فليالي الإفاضة وشيوعية النساء عند القرامطة معروفة، وإباحة المحارم معروفة عنهم أيضاً.
* أما الزوايا:(632)
فقد كانت تعتبر أهم محاضن الصوفية، وأكثر نقاط تجمع أصحابها.
وكان الحكام والآباء يتسابقون في إنشائها وتعميرها، ويستجيبون لمطالب شيوخ الطرق، وخاصة في القرون المتأخرة.
وكان الصوفيون في كثير من الأحيان يبادرون إلى بناء زواياهم، لأن الزوايا بالنسبة إليهم، تمثل شرايين الحياة، التي تجري فيها طرقهم وطقوسهم وبدعهم.
وقد كثرت الزوايا كثرة مفرطة في العصر العثماني، ففي القاهرة وحدها كان يوجد مائتان وخمسة وعشرون زاوية... ومما يؤسف له أن عدد الزوايا الصوفية كان يفوق بكثير عدد المساجد والمدارس.
يقول الشيخ محمد الحجوي (المتوفى سنة 1376هـ):(633)(1/185)
((حتى أنك إذا بحثت في أي مدينة، أو قرية في غالب الممالك الإسلامية تجد زواياها أكثر من المساجد ومن المدارس، ولا تكاد تجد عائلة إلا وهي آخذة طريقة من الطرق، تتعصب لها برجالها ونسائها وصبيانها..
والطامة الكبرى هي أن من ينتسب للعلم من أهل زماننا يتسابقون للأخذ عن تلك الطرق البدعية، ويتحزبون لها... )).
وبذلك انحصرت اهتمامات السواد الأعظم من المسلمين، في طرق وزوايا وأوراد، قلما يسأل هؤلاء عن مدى موافقتها لشرع الله، وازدادت السلبية عندما تعلق هؤلاء بسماع الأناشيد مع الموسيقى أحياناً، والترنح اللاواعي أحياناً أخرى، مع الميل إلى البطالة، وتعطيل شعيرة الجهاد في سبيل الله كما سيأتي بيانه.
* ومن أغرب ما نشاهده عند المتصوفة، أنهم في هذا العصر يعقدون حلقات الذكر، فتزدحم الشوارع بالمريدين، يستمعون الساعات الطوال للمنشدين، وهم يحسبون أنهم في عبادة لله، ولا نجد أحداً منهم يصلي الصلاة المكتوبة في المسجد رغم قربه من أماكن هذه الحلقات، فالمؤذن يؤذن وتقام الصلوات وتنتهي، ومع الأسف، لا نرى أحداً من هؤلاء المتصوفة، يرتاد المسجد ويستمرون فيما هم فيه من وجْد وأناشيد ولهو، وهذا لو تعلق به المسلمون في القرون المفضلة لما فتحوا العالم، ولما انتشر هذا الدين في مشارق الأرض ومغاربها.
3- الوجْد والسّماع:(634)
ابتدع المتصوفة في حلقاتهم ألواناً من الذكر وسماع الأناشيد الغزلية، حتى جعل بعضهم الرقص والسماع من العبادات المفضلة.
وكانت مجالس الذكر تعقد في الزوايا والخلوات غالباً، وربما عقدت في المساجد أحياناً.
يقول أبو الهدى الصيادي الرفاعي وهو يصف هذه الحلقات: ((وفي أثناء ذكرهم، يهتزون يميناً وشمالاً، يميلون ويبكون ويتواجدون، ويئنون ويتأوهون... وينشد لهم الحادي من كلمات الصالحين، ومن منظومات العارفين، وأقوال العاشقين الصادقين شيئاً كثيراً من المدائح النبوية)).(635)(1/186)
ويذكر محمد رؤوف الشيخلي وصفاً لمجلس من مجالس الذكر في بغداد فيقول: ((وأن الذاكرين في المجلس، يصاب بعضهم بغيبوبة فيتكلمون بكلام غير مفهوم، ويخرج من أفواههم زبد أبيض، وهم قائمون وقاعدون ويأتون بحركات اختيارية، كأن يترنحوا واقفين ويتمرغوا على الأرض.. )).(636)
* السماع:(637)
من البدع العملية عند المتصوفة، سماع الأناشيد والأشعار الغزلية، ففيها ذكر الهجر والوصل، والقطيعة والشوق والحب والعشق، وفيها ذكر الخمر والكؤوس، مع آلات أو بدونها مكاءً وتصديةً.
وتعتبر حلقات الذكر عندهم، من أفضل العبادات، ويرون أن الذاكر جليس الله، وليس يصلح لمجالسة الله غير أكابر أهل الحضرة، وقد نقل الشعراني عن الحارث المحاسبي أنه كان يقول: ((مما يتمتع به الفقراء سماع الصوت الحسن)).(638)
ونقلوا عن الجنيد أنه كان يقول: ((الرحمة)) تنزل على الفقير بثلاثة مواضع: عند الأكل فإنه لا يأكل إلا عند الحاجة، وعند الكلام فإنه لا يتكلم إلا لضرورة، وعند السماع فإنه لا يسمع إلا عند الوجد)).(639)
واستخدموا لذلك أبياتاً ومقطوعات في الغزل والعشق، ويزعمون أنهم يقصدون بها حب الله.
من ذلك ما نقله السهروردي في عوارفه عن ذي النون أنه لما دخل بغداد، دخل عليه جماعة ومعهم قوّال، فاستأذنوه أن يقول شيئاً، فأذن له فأنشد القوال:
صغير هواك عذبني
فكيف به إذا احتنكا
الله وأنت جمعت من قلبي
هوى قد كان مشتركا
أما ترثي لمكتئب
إذا ضحك الخلي بكى
فطاب قلبه، وقام وتواجد وسقط على جبهته، والدم يقطر (من جبهته) ولا يقع على الأرض.(640)
* وقد حاكى شعراء الصوفية شعراء الحب العذري:
فذكروا اسم المحبوبة ومواطن اللقاء، وتصوير أيام الصبا، وتحدثوا عن مواطن الفتنة في طرفها وجيدها ووجهها وحديثها، وكانت ليلاهم - على حد ما زعموا - فريدة في تمنعها وعزتها، ويزعم المتصوفة أنهم نقلوا سلوك الزهد والتقشف من عالم العبارة كما يقولون إلى عالم الإشارة كما يزعمون.(641)(1/187)
وانظر إلى قول ميمونة، فيما نسبه إليها النيسابوري في عقلاء المجانين:
قلوب العارفين لها عيون
ترى ما لا يراه الناظرونا
وألسنة بسر قد تناجي
تغيب عن الكرام الكاتبينا
وأجنحة تطير بغير ريش
إلى ملكوت رب العالمينا
فتسقيها شراب الصدق صرفاً
وتشرب من كؤوس العارفينا
وانظر إلى عذوبة اللفظ، وشدة التوله في قول ريحانة التي ترجم لها النيسابوري أيضاً في (عقلاء المجانين):
حسْب المحب من الحبيب بعلمه
أن المحب ببابه مطروح
والقلب فيه إن تنفس الدجى
بسهام لوعات الهوى مجروح
((ونقل الغزالي عن النوري، أنه كان مع جماعة في دعوى، فجرى بينهم مسألة في العلم، وأبو الحسين النوري ساكت، ثم رفع رأسه وأنشدهم:(642)
رب ورقاء هتوف في الضحى
ذات شجو صدحت في فنن
ذكرت إلفاً ودهراً صالحاً
وبكت حزناً فهاجت حزني
فبكائي ربما أرقها
وبكاها ربما أرقني
غير أني بالجوى أعرفها
وهي أيضاً بالجوى تعرفني
((وقد ذكر ابن خلكان شعراً للرفاعي الكبير إذ يقول:
وإذا جنّ ليلي هام قلبي بذكركم
أنوح كما ناح الحمام المطوق
وفوقي سحاب يمطر الهم والأسى
وتحتي بحار بالأسى تتدفق
سلوا أم عمرو كيف بات أسيرها
تفك الأسارى وهو موثق
فلا هو مقتول ففي القتل راحة
ولا هو ممنون عليه فيطلق
ولم يزل على تلك الحال إلى أن توفي.(643)
وزاد ابن كثير في تاريخه بعد هذه الأبيات:(644)
أغار عليها من أبيها وأمها
ومن كل من يدنو إليها وينظر
وأحسد للمرأة أيضاً بكفها
إذا نظرت مثل الذي أنا أنظر
فهذا الشعر وهذه الأناشيد المليئة بذكر ما يذكره الغاوون، تغنى على ألحان وأنغام، مع آلات اللهو، وقد يكون القوال ((المنشد)) من الجواري والبنات، وقد تكون حلقات السماع والذكر مختلطة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(1/188)
وقد ذكروا آداباً لهذا السماع والغناء، لا تقل عن آداب سماع القرآن كمراعاة الزمان والمكان والإخوان، وأن يصغي السامع وهو حاضر القلب، قليل الالتفات، وإذا رقص أو تباكى فهو مباح، وأن يوافق القوم في القيام والجلوس.(645)
* الحب الإلهي:
وهي فكرة نتجت عن اعتقاد المتصوفة بوحدة الوجود، ولذلك فقد عشقوا الصور الجميلة لاعتقادهم أنها مظاهر الحق، فتصوف وحدة الوجود فيها دعوة إلى خلاعة ماجنة، وإلى حب الشهوات الرذيلة، حيث جعلوا العشق الطبيعي سلّماً للحب الإلهي، وحاكوا في كتبهم الحكايات الغزلية وأساطير العشاق، وجعلوا مجنون ليلى قدوة لهم في حبهم لله تعالى.(646)
وقد ذكرنا نماذج من هذا الغزل في الفقرة السابقة.
ومن هذا المنطلق أحب ابن عربي امرأة ذات مرة - وهي ابنة الشيخ مكين الدين - في مكة!! وعندما تمنعت عليه وأبت أن تنساق مع خطيئته، راح يتوسل إليها ونظم فيها ديوانه: ((ترجمان العشاق))، ويؤكد لها فيه أنها هي ((الرب)) متجسداً في صورة أنثى جميلة، وأنه ما أحبها إلا لأنها أجمل تجليات الحقيقة الإلهية، وأنه إذ يتشهاها، فإنما يتشهى فيها أنوثة ربه وجسده الفائر - حاشا لله - فأبت المرأة إلا أن تكون شريفة.(647)
فهذا الانحلال ليس غريباً على فرق الباطنية من الإسماعيلية والقرامطة والحشاشين، فجذورهم جميعاً اليهودية، وليالي الإفاضة وشيوعية النساء عند القرامطة معروفة.(648)
ومن هذا المنطلق قال ابن الدباغ:
((فالنظر إلى الجماع عبادة إذا قصد بالتعلق به الوصول إلى الخالق، إذ لا يستدل على علم الصانع وقدرته إلا بإتقان صنعته وإحكامها.. فلا يعطي الجمال إلا من هو أجمل منه)).
ويقول في ذلك شعراً:
وقد قلتما لي ليس في الأرض جنة
أما هذه فوق الركائب حورها
يقول خليلي والظباء سوانح
أهذا الذي تهوى فقلت نظيرها
لئن شابهت أجيادها وعيونها
لقد خالفت أعجازها وصدورها
أراك الحمى قل لي بأي وسيلة
توسلت قبلتك ثغورها(649)(1/189)
فانظر إلى القوم كيف يدعون إلى معصية الله ورسوله بالحث على النظر إلى النساء الجميلات، بدليل أن النظر إلى جمالهن يوصل إلى محبة الله، ويدل على حبه، إذ أنه هو خالق ذاك الجمال، وأن خالقه أجمل منه.(650)
أين ذلك من قوله تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [النور:30].
* الوجد والرقص:
يعتبر من طرق المتصوفة في الذكر والعبادات الاستهتار والاستخفاف، والرقص الجماعي مع سماع الذكر والأناشيد على الدفوف.
ومن أناشيدهم ما يقوله يحيى بن معاذ المتوفى سنة 258هـ:
دققنا الأرض بالرقص
على غيب معانيكا ((أي جمع معنى))
ولا عيب على رقص
لعبد هائم فيكا
وهذا دقنا للأرض
إذا طفنا بواديكا(651)
فقد كان للسماع عند جمهور المتصوفة منزلة عظيمة سرعان ما يتحول الذكر إلى رفع الصوت، والحركة الشديدة. ويدافع أبو الهدى الصيادي عما يقع من المتصوفة من حركات هوجاء أثناء ذكرهم ويقول: ((من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن لطف الاعتدال بعيد عن نور الروحانية.. فالسماع يثمر حالة في القلب، وتسمى وجداً، ويثمر الوجد تحريك الأطراف، إما بحركة غير موزونة فتسمى الاضطراب، وإما بحركة موزونة فتسمى التصفيق والرقص)).(652) وقد أباح المتصوفة الغناء والسماع والرقص، وكان كثير منهم يقبلون على استماع الملاهي والمعازف ويتعلمون الموسيقى.
يقول أبو الهدى الصيادي من قصيدة له في الدف، الذي كانت لا تخلو منه حلقة إلا قليلاً:
اضرب الدف وجانب جاهلاً
حكمة الشرع لمعنى ما درى
كل ما حرك قلباً ساكناً
ودعا العقل به معتبرا
وأجال الروح في برزخها
تذكر الله وتبغي مظهرا
إن في الدف وفي رنته
نغمة يعرفها من ذكرا
صوته ذكر وفي لحنه
أنه تذكر أوقات السرى
نضرب الدف ومنه عندنا
ذاكراً نسمعه لن يفترا(1/190)
قال ابن تيمية رحمه الله: ((الضرب باليد على أختها أو غيرها على دف أو طبل كناقوس النصارى، والنفخ في صفارة كبوق اليهود، فمن فعل هذه الملاهي على وجه الديانة والتقرب، فلا ريب في ضلالته وجهالته)).(653)
ومن ثمار الوجد ولواحقه عند الصوفية والرقص.(654)
يقول السهروردي: ((ربما صار الرقص عبادة بحسن النية إذا نوى به استجمام النفس)).(655)
وقد أحل أبو حامد الغزالي الرقص، كما أباح تمزيق الثياب وتقطيعها يقول: ((فإن قلت: فما تقول في تمزيق الصوفية الثياب الجديدة بعد سكون الوجد والفراغ من السماع، فإنهم يمزقونها قطعاً صغاراً، ويفرقونها على القوم ويسمونها الخرقة فاعلم أن ذلك مباح)).(656)
ومما أخذ على الأحمدية ((أحمد البدوي)) الضرب بالدف عند الذكر والرقص والتصفيق، فإذا دب الطرب مع المتصوف قليلاً، حرّك رأسه كما يفعل أهل الخمر، ثم إذا تمكن الطرب منه ذهب حياؤه ووقاره، فيقوم ويرقص وينادي ويبكي.. ويدخل ويخرج ويبسط يديه، ويرفع رأسه نحو السماء وكأنه جاءه المدد منها، ويخرج الرغو أي الزّبد من فيه، وربما مزق بعض ثيابه. وعبث بلحيته.(657)
هذا ومنذ القرن الخامس الهجري وحتى اليوم، فإن معظم الفرق الصوفية ينتظمون في ذكرهم وحلقاتهم مجموعات مجموعات من الرجال والنساء معاً وبدون حجاب.. وفي مواسم ذكر الشيخ أو ميلاد أئمة الطريقة يقومون بحلقات للإنشاد الجماعي أشبه ما يكون برقص جماعي..
وقد دفع ذلك بشاهد عيان(658) وهو في سن الشباب إلى بيت أحد الشيوخ من أصحاب طريقة شهيرة، فوجد في حلبة الذكر الجماعي رجلاً ضخم الجثة، يمسك عصاً ومسبحة، وكان يضرب بعصاه الأرض متنقلاً بين زحام الذكر، وقد غص المكان بالرجال والنساء، وبينهم شباب وشابات في سن العشرين، وكان الرجل ينتقل وهو يردد قول الحلاج، والذي حاكى فيه ابن أبي ربيعة في حبه العذري:
ولا ذكرتك محزوناً ولا فرحاً
إلا وأنت بقلبي بين وسواسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش(1/191)
إلا رأيت خيالاً منك في الكأس
وإذا بصوت نسائي يصدر من بين الحلبة التي علا ضجيجها يعلق على هذين البيتين حين كان الرجل يرددها بالنغم المميز للطريق بحركة ((هستيرية)) مندفعة بين الصفوف تروح وتجيء وهي في سن الشباب ترتدي ثوباً أبيض ضاق بجسدها الممتلئ وهي تقول: يا روحي يا روحي يا روحي، ثلاث مرات، ألهبت حماس جميع من في الحلقة فتحولت العبادة المزعومة، وذلك القلب المدعى، إلى هدير راقص، كان المنشد أشبه بمقام ((المايسترو))، وحين أدرك أنهم أجهدوا، وبدءوا يتساقطون، أمسك عنهم، وهم بين الأنات والآهات والصراخ.
وقام كاتب السطور - شاهد عيان - وهو في ريعان شبابه يضرب كفاً على كف وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله... ويتساءل هل كان من الممكن أن ينتشر الإسلام بين الأمم لو انشغل السلف في صدر الدعوة بمثلب هذا العبث؟!))
أين هذا من عبادة المسلمين، وعباد الله المؤمنين؟! { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً } [الأنفال:2].
{ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً } [مريم:58].
على هذا السماع، سماع آيات الله تتلى كان أصحاب رسول الله يجتمعون، وليس على المزمار والدف والرقص والرعونة.
فما حكم هذا السماع، وما حكم الرقص والدف والمزمار؟!
قال ابن تيمية رحمه الله في مواضع من فتواه:
((فعبادة المسلمين الركوع والسجود، أما الدف والرقص فلم يأمر الله به ولا رسوله ولا أحد من سلف الأمة، بل أمروا بالقرآن في الصلاة والسكينة)) ((وهذه الأحوال الفاسدة، من كان فيها صادقاً فهو مبتدع ضال... ممن ضارعوا عبّاد النصارى والمشركين والصابئين في بعض ما لهم من الأحوال، ومن كان كاذباً فهو منافق ضال)).(659)(1/192)
وقال: ((أما السماع المحدث، سماع الكف والدف والقضيب فلم تكن الصحابة والتابعون لهم بإحسان يجعلون من هذا طريقاً إلى الله تبارك وتعالى، ولا يعدّونه من القرب والطاعات، بل يعدّونه من البدع المزعومة، حتى قال الشافعي رحمه الله: خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة، يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن)).
((والذين حضروا السماع المحدث الذي جعله الشافعي من أحداث الزنادقة، لم يكونوا يجتمعون مع مردان ونسوان، ولا مع مصلصلات وشبابات، وكانت أشعارهم مزهدات ومرققات)).
((وهذا السماع المنكر، من عده من القربات استتيب فإن تاب وإلا قتل، وإن كان متأولاً جاهلاً بين له خطأ تأويله)).(660)
((وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الذين يستحلون الحِرَ(661) والحرير والخمر والمعازف على وجه الذم لهم)).
والمشركون كان سماعهم كما ذكره تعالى في كتابه العزيز بقوله:
{ وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً } [الأنفال:35].
قال السلف: المكاء الصفير، والتصدية: التصفيق باليد، إذ كان المشركون يجتمعون في المسجد الحرام، ويصفقون ويصوتون يتخذون من ذلك عبادة وصلاة، فذمهم الله على ذلك، وجعل ذلك من الباطل الذي نهى عنه)).(662)
ونقل القرطبي عن الإمام الطرسوسي أنه سُئل عن قوم في مكان يقرءون شيئاً من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيئاً من الشعر، فيرقصون ويطربون ويضربون بالدف والشبابة، هل الحضور معهم حرام أم لا؟
فأجاب بأن هذا ضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأما الرقص والتواجد، فأول من أحدثه أصحاب السامري، لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار، قاموا يرقصون حوله ويتواجدون، وهو - أي الرقص - دين الكفار وعباد العجل.(1/193)
وإنما كان مجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار.. فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا أن يعينهم على باطلهم(663)
وقال ابن القيم رحمه الله عن هؤلاء المتصوفة: ((فلو رأيتهم عند ذياك السماع، فتمايلوا تمايل النشوان، وتكسروا في حركاتهم ورقصهم، أرأيت تكسر المخانيث والنسوان؟!... فيا شماتة أعداء الإسلام بالذين يزعمون أنهم خواص الإسلام، قضوا حياتهم لذة وطرباً، واتخذوا دينهم لهواً ولعباً، مزامير الشيطان أحب إليهم من سماع القرآن)).(664)
4- التواكل والتباطل:
لقد تطرف المتصوفة في مفهوم التوكل على الله، وفهموه فهماً خاطئاً فقطعوا الأخذ بالأسباب، وتركوا التحرز والاحتياط، وفسروا التوكل بغير معناه الشرعي، وخالفوا بذلك الكتاب والسنة.
فالتوكل عند المتصوفة صار يفسر تفسيراً عجيباً، وطبق في حياة القوم تطبيقاً غريباً.
وها هو أحد كبار الصوفية يشرح معنى التوكل عندهم فيكتب ((قال الحسن أخو سنان: حججت أربع عشرة حجة حافياً متوكلاً، وكان يدخل في رجلي الشوك، فلا أخرجه، لئلا ينقص توكلي)) ((وقيل من ادعى التوكل ثم شبع فقد حمل زاداً)). ((وجاء جماعة من الشام إلى بشر الحافي، فطلبوا منه أن يحج معهم فقال لهم: نعم ولكن بثلاثة شروط: أن لا نحمل معنا شيئاً، ولا نسأل أحداً شيئاً، ولا نقبل من أحد شيئاً.. فلما اعتذروا عن بعض هذه الشروط قال: خرجتم تحجون متوكلين على زاد الحجاج؟!(665)
((وحكي أن أحد مشايخ النقشبندية ((وهو الشيخ حبيب الله جان)) كان يسافر مع أصحابه بغير زاد ولا راحلة، فكانوا إذا نزلوا منزلاً، تأتيهم الموائد من الغيب)).(666)
إن هذا النوع من التوكل كاف لهدم المجتمعات، ونشر الفقر بينها وقد يؤدي إلى هلاك أهلها، وهو مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/194)
عن أنس بن مالك ? قال: قال رجل ((يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال صلى الله عليه وسلم اعقلها وتوكل)).(667)
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لبعض أصحابه بكثرة المال. فقد دعا لأنس بن مالك فقال: ((اللهم أكثر ماله وولده)) فلو كان الفقر مفضلاً لذاته، لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابي جليل بهذا الدعاء.(668)
* ذم التكسب:(669)
يترك المتصوفة التكسب عادة، ويرونه من المنغصات، بل من المنكرات والمحرمات، ويأمرون بالتسول والاستجداء، أو الكسل والخمول.
وكل ذلك منافٍ لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء المهديين من بعده.
قال صلى الله عليه وسلم : ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وأن نبي الله داود عليه السلام، كان يأكل من عمل يده)).(670)
إلا أن ابن عجيبة الحسني يقول: ((التصوف بني على ثلاث خصال: التمسك بالفقر والافتقار، والتحقق بالبذل والإيثار، وترك التدبير والاختيار، والصوفي الصادق: علامته أن يفتقر بعد الغنى، ويذل بعد العز))(671) إن هذا مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم ، ولما كان عليه أصحابه من بعده..
((وعن عطاء بن السائب قال: لما استخلف أبو بكر ?، أصبح غادياً إلى السوق، وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا: أين تريد؟ فقال: السوق. قالا: تصنع ماذا؟ وقد وليت أمور المسلمين؟ قال فمن أين أطعم عيالي؟ فنهياه عن مزاولة التجارة، لأنه تولى أمر المسلمين، وفرضوا له في كل سنة ستة آلاف درهم)).(672)
قال ابن الجوزي عقب هذه القصة: ((لو قال رجل للصوفية من أين أطعم عيالي لقالوا: لقد أشركت، ولو سئلوا عمن يخرج إلى التجارة لقالوا: ليس بمتوكل ولا موقن، وكل هذا لجهلهم بمعنى التوكل واليقين)).(673)(1/195)
فالتوكل ثمرة الإيمان بالقضاء والقدر ونتيجته، ولذلك فهو عقيدة تقترن بالعمل... قال تعالى: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [الطلاق:3].
{ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [آل عمران:159].
إلا أن الصوفية يرون أن التوكل يتعارض مع العمل، فهو درجة يلتزم بها من يستطيعها منهم، بالطريقة السلبية عندهم.(674)
((رُوي عن أصحاب أبي تراب النخشبي أنه نظر إلى صوفي مد يده إلى قشر بطيخ ليأكله بعد ثلاثة أيام فقال له: لا يصلح لك التصوف، الزم السوق)) ((وقال بعضهم: إذا قال الفقير بعد خمسة أيام أنا جائع، فألزموه بالسوق ومروه بالعمل والكسب)).(675)
فمن ترك العمل إطلاقاً، فإنه لم يفهم التوكل على وجهه الصحيح وذلك من التواكل المذموم، الذي يوجد البطالة، وينتج المتسكعين في الشوارع، أو التكايا والزوايا.
وكان من ثمرات هذا التوكل تخلف المجتمعات الإسلامية في القرون الأخيرة.(676)
فهذا الشيخ عبد الله الدهلوي يتحدث عن نفسه قائلاً: ((كان لي جهة تعيّش فتركتها، فاشتدت عرى الفاقة عليّ، فاعتصمت بالتوكل! واتخذته سجية، ولم يكن عندي يومئذ غير خلق حصير أفترشها، وبلغ بي الضعف أقصاه، فلفرط ما نالني أغلقت باب حجرتي، وقلت هذا قبري، حتى يأذن الله بالفتح، أو بأمر من عنده، فما لبثت أن فتح الله على يد من أعرفه، فمكث في زاوية القناعة خمسين سنة)).(677)
لقد ترك هذا الصوفي مصدر الرزق الوحيد الذي كان يتعيش منه واعتكف في حجرته واشتدت فاقته، فاعتصم بالتواكل، فلم يسعفه حتى أيقن بالهلكة من الجوع، ومع ذلك لم يفكر في الخروج مما هو فيه اعتقاداً أن ذلك منه طعن في التوكل على الله... وقد كاد يهلك لولا أن منّ الله عليه بالفتح، وهو عبارة عن أحد المتصدقين.(678)(1/196)
لقد أدت تلك النظرة المنحرفة إلى احترام البطالة، وإباحة التسول، وتحقير ما تنطوي عليه الحياة من لذات، وإغراء الناس بتكليف الحزن والسعي إلى مواطن الذل.. والقناعة بالتافه من شئون العيش والاستهتار بالمال.. وأباحوا التسول قائلين: ((إن الشحاذين الذين يطوفون بالأبواب يحملون عن المحسنين ذنوبهم، فإن هدية الله للمؤمن وقوف السائل على بابه)).(679)
لقد أفسد التواكل كثيراً من عقيدة القضاء والقدر، وحولها من عقيدة إيجابية دافعة إلى عقيدة سلبية مخذلة، وإلى الرضا السلبي بالواقع، وعدم محاولة التغيير)).(680)
وقد استغل نابليون بونابرت تلك الفكرة المنحرفة عن القضاء والقدر لما احتلت جيوشه الصليبية أرض مصر، فكان يصدر منشوراته بتذكير المسلمين بأن ما وقع لهم من الاحتلال والأسر كان بقدر من الله، فمن حاول الاعتراض على ما وقع فكأنه يعترض على القضاء والقدر.(681)
وبذلك يحاول المتصوفة مخالفة واقع هذا الدين، ومصادمة نصوصه الواضحة في انحرافات كثيرة، ساهمت في تخلف هذه المجتمعات، وأن تترك قيادة ركب الحضارة لغيرها من الأمم الضالة، بعد أن كانت خيراً وبناءً وإعماراً للبشرية كلها، يوم أن كانت تسير على هدي هذا الدين، وتستنير بنوره الوهاج.
5- المتصوفة والجهاد في سبيل الله:
إن التربية الصوفية على الدعة في التكايا والزوايا، مع سماع الأناشيد والأشعار وفهم مغلوط (عند كثير منهم) لمفهوم القدر، وأن إرادة الله نافذة ولا مجال لدفع العدو بالجهاد.. كل ذلك أبعد المتصوفة عن الجهاد، بل جعل أكثرهم يوالي الأعداء أو ينزوي بعيداً عن أحداث الأمة ونكباتها.
((ولقد أصبحت الصوفية جبرية مرجئة تُرَبِّتُ على أكتاف النائمين، فيستولي اليأس والقنوط على الحياة... هذه النظرة السلبية كانت خير عون للمستعمر.. الذي غذّى الصوفية وأنفق على مشاهدها وزواياها الكثير من أجل قتل الحيوية، ونفسية الجهاد عند المسلمين... )).(682)(1/197)
وها هو شيخ المتصوفة الكبير الإمام محمد الغزالي، الذي عاش في القرن الخامس الهجري، وهو العصر الذي غزا فيه الصليبيون والتتار بلاد المسلمين، واحتلوا كثيراً منها، ثم ذبحوا الآلاف من أهلها. لم يذكر الجهاد في سبيل الله في كتابه ((إحياء علوم الدين)) ولم يتطرق إليه أبداً، بل كان مجاوراً في بيت المقدس تارةً ومعتكفاً في زاويته في الجامع الأموي تارةً أخرى، وكأنه في كوكب آخر، لا يعيش بين المسلمين.
فإذا كان هذا هو موقف كبير المتصوفة في عصره، فلا غرابة أن يكون موقف الصوفية من الجهاد في جملته موقفاً سلبياً، بل موقفاً معادياً أحياناً.(683)
حتى صارت قراءة أحاديث البخاري للبركة ورفع النازلات، ودفع غوائل الحروب.
((وقد كان سلاطين المسلمين وملوكهم يرسلون إلى العلماء في زمن الحروب ليقرؤوا لهم صحيح البخاري، ويذكر الجبرتي أن السلطان العثماني (في سنة 1202هـ) أرسل أموالاً لتفرق على طلبة العلم في الأزهر حتى يقرؤوا له صحيح البخاري ويدعوا له بالنصر)).
((ويذكر أيضاً: أنه حين قدم الفرنسيون إلى مصر، وقبل دخولهم القاهرة، كان العلماء يجتمعون بالأزهر كل يوم ويقرؤون البخاري وغيره من الدعوات. وكذلك كان يفعل فقراء الأحمدية والرفاعية والقادرية والسعدية وغيرهم من الطوائف.. ويعملون له مجالس في الأزهر.. ويذكرون في أذكارهم الاسم اللطيف وغيره من الأسماء))(684) ((وقد خرج أرباب الأشاير بالطبول والزمور والأعلام والكاسات، وهم يضجون ويصيحون، أن العامة لما التحم القتال ضجوا بالصياح، ورفعوا الأصوات قائلين: يا رب يا لطيف، يا رجال الله... إلا أن الهزيمة قد حلت خلال ثلاثة أرباع الساعة واحتلت فرنسا القاهرة)).(685)(1/198)
((ولم يكن لمثل هذه الجموع الفوضوية التي كانت غارقة في البدع والخرافات، أن تقاوم الجيش الفرنسي في قوته وتدريبه، وكان الأولى بهؤلاء الطرقية وغيرهم أن يلقوا بطبولهم ومزاميرهم، وأن يحملوا السلاح ليقاتلوا الفرنسيين بدلاً من صخبهم وصياحهم بأذكارهم المبتدعة، كما كان الأولى بعلماء الأزهر الذين عكفوا على قراءة صحيح البخاري لحصول النصر، أن ينظروا ما بين دفتي صحيح البخاري من أحاديث وسنن وسير ومغاز، فيقتدوا بما فيها، ويقوموا بواجبهم في نصح الأمة وقيادتها وتوعيتها، وحثها على الجهاد، ولكن ذلك لم يحدث على الإطلاق)).(686)
* لقد أغرق الفكر الصوفي الناس بالتعلق في الخوارق والكرامات:
حتى اعتمدوا عليها في جهاد الكافرين ومقاومة المعتدين..
((فحين احتل الفرنسيون مدينة ((فاس)) عام 1330هـ عمد - أحمد الهبة بن الشيخ مصطفى ماء العينين - إلى دعوة أهل سوس لبيعته، وصار يعدهم بانكسار العدو أمامهم لأول وهلة، وأن مدافع العدو لا تخرج إلا ماء!! ولا يصلهم منها شيء، وأن العفاريت تخدمه وتنصره، وترد عنه كيد الخائنين، وصارت الوفود تتوارد عليه ثم دخل ((مراكش)) وبايعه الناس، ولما أحاط به الفرنسيون، فرّ هارباً بعد أن تكبدت جموعه خسائر فادحة في العتاد والأرواح)).(687)
وفي العصر الحديث عندما اقتسمت فرنسا وبريطانيا أكبر بلاد المسلمين كانت أكثر فرق الصوفية غارقة في أذكارها، وكأن شيئاً لم يكن، بل يقام للمعتمد البريطاني لدى سورية ((جنرال سبيرس)) حلقة ((ذكر)) على طريقة المولوية، بدعوة من الشيخ هاشم العيطة، حيث أنشدت الأناشيد، وفتلت المولوية(688) ثم خطب صاحب الدار باسمه واسم إخوانه، مثنياً على رئيس الجمهورية، والملك جورج السادس والمستر تشرشل والجنرال سبيرس، فأجاب الجنرال شاكراً)).(689)(1/199)
وفي الجزائر كان الصوفية يحضرون اجتماعات جمعية العلماء لا خدمةً لغاياتها، ولكن عوناً لفرنسا والإدارة المحلية، ولكن الجمعية أخرجتهم منها، ولذلك كان الشيخ ابن باديس يحارب هذه الطرق الصوفية أثناء تفسيره للقرآن الكريم في الجامع الكبير في مدينة قسنطينة.(690)
* موقف الصوفية من الجهاد ومقاومة الاستعمار:(691)
ليست مواقف المتصوفة واحدة في هذا الشأن، ولكنها مواقف متباينة يسودها الاضطراب.
أ- فطائفة منهم أعلنت الجهاد وقاومت الاستعمار، ومن هذه الطائفة الأولى أتباع الطريقة السنوسية، الذين جاهدوا ضد إيطاليا في ليبيا.
ب- وطائفة أخرى نكصت عن الجهاد وانزوت على نفسها فرقاً وهرباً، ومن هؤلاء كثير من الطرق المنتشرة في أنحاء العالم الإسلامي.
جـ- وهنالك طائفة ثالثة قاومت المستعمر ردحاً من الزمن ولما لم تفلح في طرد المستعمر استسلمت للمستعمر، ولم تكتف بذلك، بل أبرمت معه المعاهدات، وأوضح من يمثلها هو الأمير عبد القادر الجزائري، الذي قاوم العدو الفرنسي في الجزائر سبعة عشر عاماً، إلا أنه استسلم أخيراً وسلم نفسه للفرنسيين، فنفوه إلى خارج البلاد، ثم أطلقوا سراحه، ورتبوا له مبلغاً من المال سنوياً، وزار باريس ثم استقرّ في دمشق، وحين انهزمت فرنسا (عام 1987م) أظهر كمال الأسف إظهاراً للاعتراف بمصداقيتها، وحين قام ابنه (محيي الدين) بإعلان الجهاد ضد فرنسا مرة أخرى، تبرأ عبد القادر منه، وكان ذلك سبباً في انفضاض القبائل عنه وفشل حركته.(692)
د- أما الطائفة الرابعة: فقد والت المستعمر وقاتلت إخوانها في سبيله، ويمثلها كثير من زعماء الطريقة التيجانية.
وفي رسالة للمارشال ((بوجو)) أول حاكم فرنسي للجزائر إلى شيخ الطريقة التيجانية، ذات النفوذ الواسع جاء فيها: ((أنه لولا موقف الطريقة التيجانية المتعاطف!! لكان استقرار الفرنسيين في البلاد المفتوحة حدثاً أصعب بكثير مما كان)).(693)(1/200)
وكان شيوخ الطرق الخونة يقومون بكتابة عرائض بتوقيعاتهم وتوقيعات أتباعهم، يملؤونها بالثناء والشكر لفرنسا، التي كانت تعتبرهم ممثلين للشعب، ولا غرابة بعد ذلك أن يقول الحاكم الفرنسي في الجزائر: إن الحكومة الفرنسية تعظم زاوية من زوايا الطرق أكثر من تعظيمها لثكنة جنودها وقوادها، وأن الذي يحارب الطرق إنما يحارب فرنسا!!(694)
وقد سجلت مجلة الفتح ((المجلد السادس)) قصة صاحب السجادة الكبرى، وهو محمد الكبير رئيس الطريقة التيجانية والخطاب الذي ألقاه بين يدي الكولونيل ((سيكوني)) الفرنسي، وصف فيها فرنسا المستعمرة بأنها أم الوطن الكبرى، وقال: إن من الواجب علينا إعانة فرنسا حبيبة قلوبنا مادياً وأدبياً وسياسياً.. وقال: إن سيدي أحمد حمل تشكرات الجزائريين، وبرهن على ارتباطه بفرنسا، فتزوج ((أوليلي بيكار)) وهو أول مسلم تزوج بأجنبية.
وكانت هذه المرأة قد أصدرت كتاباً أسمته ((أميرة الرمال)) تعني نفسها، ملأته بالمطاعن على الطريقة التيجانية وعلى مسلمي الجزائر، وذكرت أن (أحمد التيجاني) قد تزوجها وأجرى الطقوس الكردينال ((لافيجري)) على حسب الطقوس المسيحية.
وبقيت أورلي على دينها ومذهبها الكاثوليكي، ولما توفي عنها زوجها، خلفه عليها، وعلى السجادة التيجانية أخوه ((علي)) فأطلق عليها لقب (زوجة السيدين).(695)
وقد كافأتها السلطات الفرنسية لقاء خدماتها بوسام جوقة الشرق وقالت عنها: إن هذه السيدة قد أدارت الزاوية التيجانية إدارة حسنة، كما تحب فرنسا، وساقت إلينا جنوداً من أحباب هذه الطريقة ومريديها، يجاهدون في سبيل فرنسا كأنهم بنيان مرصوص.(696)
إن هذه المواقف المتخاذلة من الجهاد، بل والتآمر مع العدو ضد المواطنين والمجاهدين، لهو وصمة عار في سجل كثير من الحركات المتصوفة، ودليل على بعدها عن صفاء عقيدتها، وتعاليم شرعها الحنيف.
6- أسلوب التربية عند المتصوفة:(1/201)
للصوفيين عالمهم الخاص، فيه يسبحون ويهيمون، وقد دربوا مريديهم على أفكارهم وبدعتهم، مع إلحاح على الطاعة، بل وإلغاء للمنطق والعقل، لأن المتصوفة لا يجيزون الاعتراض على مشايخهم ويقولون: ((من قال لأستاذه: لِمَ؟ لا يفلح لأن الشيخ في أهله كالنبي في أمته)).(697)
* ومن مخاطر الصوفية أنها فصلت بين الدين والدنيا، بين الآخرة والحياة الدنيا ((فقد اتّكؤوا على الآيات التي وردت في ذمّ الدنيا، والأحاديث التي وردت في ذمها، واتّكؤوا على حال الزهاد وأخبارهم، واعتبروا أنه لا سبيل إلى درء المعاصي إلا باحتقار الدنيا وازدرائها، .. لكن هذا شيء واعتبار الدنيا والآخرة معسكرين متقابلين متضادين شيء آخر)).(698)
قال تعالى: { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا } [القصص:77].
* ومن ثم فقد وضع المتصوفة قواعد عامة لتربية مريديهم، وكلها تحوم حول الخضوع التام من المريد للشيخ، بحيث يتحول التلميذ المسكين إلى آلة جوفاء تردد ما يقال لها بلا تفكير ولا شخصية مستقلة، ومن ثم أمروهم بلبس معين، ومشية معينة، وطريقة معينة وشيخ معين.(699)
* ويؤكد الصوفية على وجوب اتّباع المريد لشيخ معين، وتكون إرشاداته وتعاليمه هي أهم ما يجب أن ينفذه المريد.
يقول القشيري: ((لو أن رجلاً جمع العلوم كلها، وصحب طوائف الناس، لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة من شيخ أو إمام مؤدب)).(700)
ويقول أبو يزيد البسطامي: ((من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان)) ويقول القشيري كذلك: ((فمن رده قلب شيخ من الشيوخ، فهو الشقي المحروم)).
ويؤكد السهروردي هذه التربية الذليلة حين يقول: ((وهكذا أدب المريد مع الشيخ، أن يكون مسلوب الاختيار، لا يتصرف في نفسه وماله إلا بمراجعة الشيخ وأمره)).(701)
وقال بعضهم في ذلك:(702)
وكن عنده كالميت عند مغسل
يقلبه ما شاء وهو مطاوع
ولا تعترض فيما جهلت من أمره
عليه فإن الاعتراض تنازع(1/202)
وسلم له فيما تراه ولو يكن
على غير مشروع فثم مخادع
* ومن أقوالهم وقواعدهم في ذلك: أن المريد لا ينبغي له الكلام إلا بما شاهده وعاينه، والصمت عليه واجب، والفكر عليه حرام، والنظر عليه في الأدلة محظور.. والأولى بالشيخ إذا رأى المريد يجنح إلى استعمال عقله في النظريات، ولا يرجع إلى رأيه فيما يدل عليه، فليطرده من منزله)).(703)
* لقد خالف القوم الكتاب والسنة في هذه التربية، وأدت هذه الطرق إلى الغلو في المشايخ.
من ذلك مثلاً أن الشيخ نجم الدين، كان يستحي أن يصلي باتجاه القبلة وخلفه ((القطب الشيخ أبو العباس المرسي)) فأدار وجهه باتجاه القطب!! ولكن أبا العباس كان متواضعاً فقال له: أنا لا أرضى خلاف السنة.(704)
وعلم السلوك في الإسلام سهل ميسور، يمكن استقاؤه مباشرة من الكتاب والسنة، فلا رهبانية ولا طقوس في الدين ولله الحمد.
((وجميع الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يعلمون السلوك بدلالة الكتاب والسنة، لا يحتاجون في ذلك إلى فقهاء الصحابة، ومع هذا لم يحصل بينهم نزاع في ذلك، كما تنازعوا في بعض مسائل الفقه)) ((أما ما ظهر من حاجة بعض العباد والزهاد إلى تقليد شيخ معين في السلوك، فسببه ما حصل لهم من إعراض عن طلب العلم النبوي الصافي الذي يعرف به طريق الله ورسوله)).(705)
((فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يربوا هذه التربية الخانعة، ولكنهم تربوا تربية القيادة والرجولة، فكان أحدهم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أوحي هذا أم هو الرأي والمشورة؟ فإن كان ذلك الرأي والمشورة أدلى برأيه وكان رسول الله يستمع إليهم، ويناقشهم وجوه الرأي ولا يقول لهم: كيف تعترضون عليّ، وأنا سيد الخلق ورسول من رب العالمين؟
ومع حبهم الشديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانوا لا يقومون له، ولا يقبلون يديه، كلما دخل، وذلك لمعرفتهم أنه يكره المبالغة في تعظيم البشر.(706)(1/203)
وأين هؤلاء المتصوفة من ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! أين هم من قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)).
فمن آداب المريد مع شيخه ألا يعترض عليه فيما فعله، ولو كان ظاهره حراماً.(707)
إن تربية الأتباع، وعمليات غسل الأدمغة جعلت كثيراً من هؤلاء يسيرون كالقطعان البشرية، لا يفكرون فيما يقومون به، حتى لو خالف النصوص الشرعية.
((لهذا مفتي الحنفية - في بغداد - ((الشيخ عبد الله بن صبغة الله بن إبراهيم الحيدري النقشبندي)) يأمره شيخه الصوفي الشهير ((خالد الشهرزوري)) بحمل الماء على ظهره وتسبيله في أسواق بغداد وأزقتها، وسقي العطاش من حاضر وباد، فامتثل الأمر، وفعل ذلك مدة عشرين يوماً على التوالي، ثم أمره ببيع الماء من دون تسبيل، ففعل ذلك عشرة أيام... مع كونه من أجل العلماء وأفضل الفضلاء.(708)
يقول محقق الكتاب الشيخ ((محمد بهجت البيطار)) معلقاً على ذلك: ((أليس هذا من العجيب الغريب؟ أديب كبير، وشاعر في اللغات الثلاث: العربية والتركية والفارسية، ثم هو من أجل العلماء، يكلف بحمل الماء على ظهره، وسقي المارة في مدينة بغداد عشرين يوماً، وبيعه لمدة عشرة أيام، ولمن يترك نشر العلم والدين؟ للسقائين والحمالين؟ اللهم أرنا الحق حقاً)).(709)(1/204)
إن هؤلاء المتصوفة درّبوا مريديهم أن يلغوا عقولهم، وأن يلغوا العادات وترك الهيئات الحسنة، والوقوف في مواقف الذل والتسول... ومن ذلك قصة الشيخ علي الدرقاوي(710) الذي كان مدرساً يعلم التلاميذ ومن ثم أمره شيخه ((سعيد المعدري)) أن يترك التدريس في المدرسة، وأن يدور في الأسواق ويتكفف الناس فيها. كان يمد يديه وهو يقول ((أطعموني فإني جائع)) أموت جوعاً، وقد لبس أسمالاً بالية، وتدلى وراء كتفه جراب مثقوب من أصله.. وكان يتبعه الصبيان والهمج والرعاع.. وكانت والدته آنذاك، يكاد الألم يمزق كبدها على ما حل بولدها وجاءوا بولدها، مقيداً فصنعت له أطايب الطعام، إلا أنه سرعان ما كان ينسحب إلى سطح الدار ويصرخ، ألا من يشبع جوعتي الملتهبة، ولو بقطعة من الخبز.. قالت والدته: ثم نبادر إلى إيوائه داخل البيت، ونحن نتقطع على ولدها العالم الذي صار مجنوناً يتخبط.. بسبب ذلك الرجل المعدري الذي أفسده، تقصد شيخه ((سعيد المعدري)) فماذا أفادت هذه التربية إلا التشرد والذل والسؤال، ثم العقوق والتمرّد على الوالدين، بما كان يصدره شيوخهم من أوامر قاسية وتعليمات منحرفة؟
* هذه خطوط عريضة في أسلوب التربية عند المتصوفة، ربت أتباعاً خاضعين، مسخت شخصياتهم، وانزووا في التكايا والزوايا يرددون أوراد شيوخهم، ويعارضون بها ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فحمداً لك اللهم على نعمك التي لا تحصى وبعد..
فإن الحديث عن البدع الثلاث التي عالجها هذا الكتاب يوقفنا عند بعض النتائج الهامة ومن أبرزها:
1- إن هذه البدع العقدية، قد تغلغلت في المجتمعات الإسلامية، بل ولم تسلم منها قطاعات كبيرة من التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة حتى الآن.(1/205)
فعندما نشاهد أن بعضها قد تَبَنّى فكر الإرجاء في منطلقاته وأحكامه، نرى أن بعضها الآخر قد لجأ إلى النقيض من الغلو والتطرف، في حين أن جماعات أخرى قد عاشت في أجواء التصوف ومواجيده.
2- لقد اعتمد منهج أصحاب البدع على مناقضة منهج أهل السنة والجماعة، وتأليه العقل، مع تأويل السنة أو رفضها، ورد مقاصد الشرع، إذ جعلوا للهوى على أنفسهم سلطاناً.
وقد عرضت أهم ضلالات المبتدعة من خلال الحديث عن منهج أهل البدع في الاستدلال.
3- ففكر الإرجاء مثلاً، أبعد العقيدة عن مضمونها الحقيقي، فَفَصَلَ بين القول والعمل، وأفسد النفوس بعقيدة ترى أن ارتكاب جميع المحرمات، وترك جميع الطاعات لا يذهب شيئاً من الإيمان من أجل ألا يقعوا في قضية التكفير على الكبيرة، شأن الخوارج وكان من آثار هذا الفكر أن رضي الناس بإبعاد الشريعة عن واقع الحياة والناس، وشجعت مبررات المرجئة الملاحدة والفسقة على ارتكاب المعاصي علناً، ماداموا لا يجدون رادعاً، ومادام فكر الإرجاء يحكم لهم بالإيمان ويستهين بقضية المعاصي لأنها من الأعمال التي لا علاقة لها بالإيمان.
* أما فكر الخوارج فقد برز مجدداً، وتلون بمفاهيم ومنطلقات، تأثرت بظروف العصر وملابساته.
فتكفير المعين، ومقاطعة الجمعة والجماعة، والعزلة عن المجتمعات، واستباحة دماء المسلمين، تشبه إلى حد بعيد عقائد الخوارج، مع اختلاف في قضايا أخرى أشرنا إليها خلال البحث.
إن فكر التطرف هذا إنما جاء كردة فعل على تسيب فكر المرجئة الجدد، وخاصة فيما يخص تحكيم شرع الله، الذي أهمل في أكثر المجتمعات الإسلامية.
وقد ضخّمت ظاهرة الغلو هذه من قبل العَلْمانيين والغربيين إذ استغلوا تطرف بعض الفئات - على قلّتها - من أجل الإجهاز على شباب الصحوة الإسلامية، المعتدل منها والمتطرف.(1/206)
* أما الصوفية، فما زالت تتسرب إلى صفوف الكثيرين وتشيع في النفوس الخرافة والاتكالية، مع العزلة وتعيش في شطحاتها في أبراج بعيدة عن واقع الحياة الجادة، تترنّم على نغمات المنشدين، ووجد المولهين وترديد أوراد الطريقة المفضلة.. وقد أسقطوا التكاليف الشرعية عن مشايخهم، وقال غلاتهم بوحدة الوجود والفناء والعصمة، إلى آخر ما عرضنا له من عقائد القوم وأفكارهم.
4- إن البدعة أشد من المعصية، لأن المعصية يُتاب منها، أما البدعة فقلّما يرجع صاحبها عنها.. ولذلك فخير علاج للحدّ من هذه البدع هو التربية المتوازنة التي لا تهتم بجانب دون آخر.
وأن نربي أبناءنا على ضرورة الالتزام بتعاليم الكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح لهما.
وأن نحصّنهم بالعلم الشرعي باستمرار، وأن نحذّرهم من التيارات المنحرفة، مع بيان مفاسدها.
ولابد من التنفير من البدعة وبيان حكمها في الدين، وأن كل بدعة ضلالة، وأن مقاطعة أهل البدع حسب الأصول الشرعية، خير رادع وزاجر لأصحابها.
اللهم اجعل عملي كله صالحاً، ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.
والحمد لله رب العالمين،،،
أهم المصادر والمراجع
(( أ ))
القرآن الكريم:
1- …الإبانة في أصول الديانة: أبو الحسن الأشعري، مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1400هـ.
2- …أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم بشبه القارة الهندية: خادم حسين إلهي بخش، دار حراء للنشر، الطبعة الأولى.
3- …اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطّلة الجهمية: ابن القيم، مكتبة الرياض الحديثة، البطحاء، الرياض.
4- …أحكام القرآن: أبو بكر محمد عبد الله، تحقيق علي محمد البجاوي، طبعة دار الفكر، بيروت، لبنان.
5- …الأحكام السلطانية: أبو الحسن علي بن محمد الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت.(1/207)
6- …الأحوال الدينية عند المسلمين في القرنين الثالث والرابع عشر الهجريين وآثارها في حياة المسلمين: رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، علي بن بخيت الزهراني، 1414هـ.
7- …الإبداع في مضار الابتداع: الشيخ علي بن محفوظ، توزيع دار الإصلاح، الدمام، الطبعة الخامسة، 1956م.
8- …أخلاق العرب بين الجاهلية والإسلام: محمد الناصر، دار الرسالة، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1413هـ.
9- …الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد: د. صالح بن فوزان الفوزان، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1411هـ.
10- الاعتصام: الإمام الشاطبي، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض.
11- اقتضاء الصراط المستقيم: ابن تيمية، تحقيق د. ناصر العقل، 1404هـ.
12- الإيمان: شيخ الإسلام ابن تيمية، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة.
13- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: تحقيق محمد حامد الفقي، تأليف ابن قيم الجوزية، بيروت، دار المعرفة.
14- الافتخار: للداعي أبي يعقوب السجستاني، طبعة لبنان.
15- الأنوار المقدسية: عبد الوهاب الشعراني، مطبعة بغداد.
16- أصول الدين: عبد القادر البغدادي، الطبعة الثانية، بيروت.
17- الإسلام والقوى الدولية: د. حامد ربيع، دار الموقف العربي، 1981م.
18- البداية والنهاية: للحافظ ابن كثير، طبعة دار الفكر، بيروت، 1978م.
19- البحر المحيط: لأبي حيان، مطبعة السعادة بمصر، ط1، 1328م.
(( ت ))
20- تاريخ التصوف في الإسلام: د. قاسم غني، ترجمة صادق نشأت، طبعة مكتبة النهضة المصرية، القاهرة.
21- تاريخ الخلفاء: السيوطي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة القاهرة.
22- تحكيم القوانين: محمد بن إبراهيم آل الشيخ، الطبعة الثانية، الرياض، 1403هـ.
23- تذكرة الأولياء: فريد الدين العطار، طبعة باكستان.
24- تذكرة الحفاظ: الذهبي، طبعة القاهرة.
25- التصوف: المنشأ والمصادر، إحسان إلهي ظهير، الطبعة الأولى، 1406هـ، إدارة ترجمان السنة، لاهور.(1/208)
26- التصوف الإسلامي منهجاً وسلوكاً: د. عبد الرحمن عميرة، مكتبة الكليات الأزهرية.
27- التصوف في مصر إبان العصر العثماني: د. توفيق الطويل، مكتبة الاعتماد، مصر.
28- التصوف في ميزان البحث والتحقيق: عبد القادر بن حبيب الله السندي، مكتبة ابن القيم، 1410هـ.
29- التطرف الديني: د. صلاح الصاوي، نشر الآفاق الدولية للإعلام، 1413هـ.
30- التعريفات: الجرجاني، علي بن محمد بن علي، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، 1405هـ.
31- تاريخ الأمم والملوك: محمد بن جرير الطبري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
32- التكفير، جذوره، أسبابه، مبرراته: د. نعمان السامرائي، المنارة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية.
33- التكفير والهجرة وجهاً لوجه: رجب مدكور، مكتبة الدين القيم، القاهرة، 1405هـ.
34- تلبيس إبليس: الحافظ ابن الجوزي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1413هـ، بيروت.
35- تهذيب الآثار: محمد بن جرير الطبري، تحقيق د. ناصر الرشيد - د.عبد القيوم عبد رب النبي، عام 1407هـ.
(( ج ))
37- جامع بيان العلم وفضله: ابن عبد البر، توزيع دار الباز، مكة المكرمة، 1398هـ.
38- جامع العلوم والحكم: ابن رجب الحنبلي البغدادي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الثانية، 1410هـ.
39- جمهورية البوسنة والهرسك قلب أوروبا الإسلامي: د. أحمد بن علي تمراز وحسين عمر سباهتش، دار الأرض للنشر والخدمات الإعلامية، 1413هـ.
40- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: لابن القيم الجوزية، طبعة بيروت.
(( ح ))
41- حاضر العالم الإسلامي: لوثرب ستودارد الأمريكي، نقله إلى العربية عجاج نويهض، بقلم شكيب أرسلان، دار الفكر، بيروت، الطبعة الرابعة.
42- الحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو: محمد سرور زين العابدين، دار الأرقم، ط 1407هـ.
43- حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية: الشيخ بكر أبو زيد، الطبعة الأولى.(1/209)
44- الحجة في بيان المحجة: أبو القاسم الأصبهاني، رسالة دكتوراة، إعداد محمد محمود أبو رحيم، جامعة أم القرى، 1406هـ.
45- الحياة الدينية عند العرب بين الجاهلية والإسلام: محمد الناصر - خولة درويش، دار عالم الكتب، الرياض، 1417هـ.
(( خ ))
46- خريف الغضب: محمد حسنين هيكل، دار طلاس، القاهرة.
47- خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: سيد قطب، دار القرآن الكريم، 1398هـ.
48- دراسات في الفرق: د. صابر طعيمة، مكتبة المعارف، الرياض، 1403هـ.
49- دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة، لاهور، 1409هـ.
50- درء تعارض العقل والنقل: شيخ الإسلام ابن تيمية، الطبعة الأولى، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ط 1401هـ.
51- دراسات قرآنية: الأستاذ محمد قطب، دار الشروق.
(( ذ ))
52- ذخائر الأعلاق: ابن عربي، طبعة مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة.
53- الذخيرة في الحقيقة: للداعي الإسماعيلي علي بن الوليد، طبعة دار الثقافة، بيروت.
54- ذكرياتي مع جماعة المسلمين: عبد الرحمن أبو الخير، دار البحوث العلمية للنشر، الكويت، 1400هـ.
(( ر ))
55- الرسالة القشيرية: عبد الكريم القشيري: تحقيق د. عبد الحليم محمود، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
56- رياض الأسماع في أحكام الذكر والسماع: مطبعة التمدن، مصر، 1903م.
57- الرد على الزنادقة والجهمية: الإمام أحمد بن حنبل، المطبعة السلفية، 1393هـ.
(( س ))
58- سقوط الأندلس: د. ناصر بن سليمان العمر، مطبعة دار الوطن، الرياض، 1412هـ.
59- السنة: أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل: تحقيق د. محمد بن سعيد القحطاني، ط1، دار ابن الأرقم.
60- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: د. مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1402هـ.
61- السيد البدوي أو دولة الدراويش في مصر: مطبعة الحرية، 1948م.(1/210)
62- السيد البدوي (دراسة نقدية): د. عبد الله صابر، دار الطباعة والنشر الإسلامية، القاهرة، 1991م.
63- سيدي أحمد الدردير: د. عبد الحليم محمود، ط/القاهرة، 1974م.
64- سير أعلام النبلاء: الإمام الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت.
(( ش ))
65- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: الشيخ أبو القاسم اللالكائي، تحقيق د. أحمد سعد الحمدان، دار طيبة، الرياض.
66- شرح السنة: الإمام البغوي، تحقيق: الأرناؤوط - الشاويش، المكتب الإسلامي.
67- شرح السنة: أبو محمد الحسن بن علي البربهاري، تحقيق: د. محمد بن سعيد القحطاني، ط1، دار ابن القيم.
68- شرح العقيدة الطحاوية: الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، 1408هـ.
69- شفاء العليل في مسائل القدر والحكمة والتعليل: ابن قيم الجوزية، مكتبة السوادي، جدة، تحقيق مصطفى الشلبي، 1412هـ.
70- شطحات الصوفية: د. عبد الرحمن بدوي، ط الكويت.
(( ص ))
71- الصارم المسلول على شاتم الرسول: شيخ الإسلام ابن تيمية.
72- صحيح الجامع الصغير: محمد ناصر الدين الألباني، ط2، 1406هـ، المكتب الإسلامي.
73- صحيح مسلم بشرح النووي: نشر وتوزيع إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية.
74- الصوفية نشأتها وتطورها: محمد العبدة - طارق عبد الحليم، ط1، 1406هـ، دار الأرقم، الكويت.
75- الصوفية والفقراء: ابن تيمية، ط دار الفتح، القاهرة.
76- الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف: د. يوسف القرضاوي، الطبعة الأولى، قطر، 1402هـ.
77- الصلة بين التصوف والتشيع: د. كامل مصطفى الشيبي، ط بيروت، 1982م.
(( ض ))
78- ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة: د. عبد الله القرني، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413هـ.
(( ط ))
79- طبقات ابن سعد: طبعة الشعب بمصر.
80- الطبقات الكبرى: الشعراني، طبعة الحلبي، 1954م.
81- طريق الدعوة في ظلال القرآن: أحمد فايز، بيروت، الطبعة السادسة.
(( ظ ))(1/211)
82- ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: د. سفر الحوالي، رسالة دكتوراة، جامعة أم القرى، 1405هـ.
83- ظاهرة التكفير (تاريخها، خطرها، أسبابها، علاجها): الأمين الحاج محمد أحمد، مكتبة دار المطبوعات الحديثة، جدة، 1412هـ.
(( ع ))
84- عجائب الآثار في التراجم والأخبار: عبد الرحمن الجبرتي، دار الفارس، بيروت.
85- العَلمانيون والإسلام: الأستاذ محمد قطب، دار الوطن، الطبعة الأولى، 1414هـ.
86- عوارف المعارف: السهروردي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1403هـ.
(( غ ))
87- الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، 1412هـ.
88- غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية: النفزي الرندي، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1970م.
(( ف ))
89- الفتاوى: شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب.
90- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: جمع وترتيب الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش، دار أولي النهي.
91- فتح الباري شرح صحيح البخاري: الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، المكتبة السلفية، القاهرة.
92- الفتوى الحموية الكبرى: ابن تيمية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
93- الفصل في الملل والأهواء والنحل: ابن حزم، طبعة مصر.
94- الفتوحات الإلهية: ابن عجيبة الحسني، عالم الفكر، القاهرة.
95- الفتوحات المكية: ابن عربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1405هـ.
96- فضائح الباطنية: الإمام محمد الغزالي، مؤسسة دار الكتاب الثقافية، الكويت.
97- الفكر والثقافة المعاصرة في شمال أفريقيا: أنور الجندي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1995م.
98- الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: تحقيق د. عبد العزيز القارئ، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ط1، 1396هـ.
99- فصوص الحكم: ابن عربي، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت.(1/212)
100- الفوائد: ابن القيم، المطبعة القيمة، ط1، 1400هـ.
(( ق ))
101- قلادة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الأكابر: محمد أبي الهدى الرفاعي، بيروت، 1400هـ.
102- قواعد التصوف: أحمد بن رزق، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة.
103- قوت القلوب: لأبي طالب المكي، طبعة دار صادر، بيروت.
(( ك ))
104- كشف الشبهات: تعليق محمد حامد الفقي، دار الثقافة للطباعة بمكة، 1413هـ.
105- الكواشف الجلية عن معاني الواسطية: عبد العزيز المحمد السلمان، مؤسسة مكة للطباعة دار الإعلام.
(( ل ))
106- لطائف المنن: ابن عطاء الاسكندري، تحقيق شيخ الجامع الأزهر عبدالحليم محمود، مطبعة حسان، القاهرة.
107- اللمع: الطوسي أبو نصر السراج، ط دار الكتب الحديثة بمصر.
108- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية: السفاريني، مكتبة أسامة، الرياض، ط2، 1405هـ.
(( م ))
109- مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة وموقف الحركات الإسلامية المعاصرة منها: د. ناصر عبد الكريم العقل، دار الوطن، ط1.
110- مدارج السالكين: ابن القيم الجوزية، دار الراية للنشر، ط1، 1411هـ.
111- المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي: د. عبدالحليم محمود، مطبعة دار الكتب الحديثة، مصر.
112- المجالس الرفاعية: أحمد الرفاعي، مطبعة الإرشاد، بغداد.
113- مذابح وجرائم محاكم التفتيش في الأندلس: محمد علي قطب، بيروت، 1407هـ.
114- مفاهيم ينبغي أن تصحح: محمد قطب، دار الشروق، الطبعة الثانية، 1408هـ.
115- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: الإمام أبو الحسن الأشعري، دار النشر (فراتر شتايز بفيسيادن)، ط3، 1400هـ، مكتبة النهضة المصرية.
116- مقدمة ابن خلدون، طبعة مصر، دار المصحف بالقاهرة.
117- مقدمة كتاب كبرى اليقينيات: د. سعيد رمضان البوطي.
118- منهاج السنة النبوية: ابن تيمية، طبعة لاهور، باكستان.
119- مواقع النجوم: ابن عربي، مطبعة السعادة، مصر، ط1.(1/213)
120- موقف الإمام ابن تيمية من التصوف والصوفية: د. أحمد البناني، جامعة أم القرى، ط2، 1413هـ.
121- المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية، مصر.
(( ن ))
122- النجوم الزاهرة: ابن تغري بردي، مطبعة دار الكتب المصرية، 1935م.
123- النفحة العلية في أوراد الشاذلية: عبد القادر زكي، مكتبة المثنى، القاهرة.
124- النقشبندية: عبد الرحمن دمشقية، دار طيبة، الرياض، 1404هـ.
125- نهر الذهب في تاريخ حلب: كامل حسين الجلي، المطبعة المارونية، 1342هـ.
(( هـ ))
126- هذه هي الصوفية: عبد الرحمن الوكيل، دار الكتب العلمية.
(( و ))
127- واقعنا المعاصر: الأستاذ محمد قطب، ط1، 1407هـ، مؤسسة المدينة، جدة.
128- وفيات الأعيان: ابن خلكان، طبعة بيروت.
الصحف والمجلات
1- مجلة البيان: المنتدى الإسلامي، لندن.
2- مجلة السياسة الأسبوعية.
3- مجلة الرابطة: مكة المكرمة.
4- مجلة المرأة.
5- صحيفة الأهرام.
6- جريدة الحياة.
وبعض الصحف والمجلات الأجنبية المشار إليها في ثنايا البحث.
فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
المقدمة
بين يدي البحث:
مفهوم أهل السنة والجماعة ومنهج أهل البدع في الاستدلال.
1- مفهوم أهل السنة والجماعة.
2- البدعة: تعريفها - أنواعها - حكمها.
- من أبرز الأسباب المؤدية إلى البدع.
- حكم البدعة في الدين.
3- الحجة للكتاب والسنة، لا للرأي والعقل.
4- منهج أهل البدع في الاستدلال:
- أبرز انحرافاتهم.
- من الأسباب التي أدت إلى زيادة الانحراف.
الباب الأول
ظاهرة الإرجاء وأخطارها على المجتمعات المعاصرة
مقدمة
الفصل الأول: الجذور التاريخية لظاهرة الإرجاء.
الفصل الثاني: تطور ظاهرة الإرجاء.
1- إرجاء الفقهاء.
منطلق شبهة هؤلاء المرجئة.
2- إرجاء الجهمية.
الجهمية وتغلغل الشرك والوثنية بين ثنايا رؤوسها.
الفصل الثالث: الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
1- حقيقة الجيل الأول وواقع هذا الدين.(1/214)
2- إجماع علماء السلف على خلاف هذه المعتقدات.
3- الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة على فساد آراء المرجئة.
- الأدلة من الكتاب على اقتران العمل بالإيمان.
- الأحاديث الدالة على فساد رأي المرجئة.
الفصل الرابع: العلاقة بين إيمان القلب وعمل الجوارح.
1- حقيقة الترابط بين أجزاء الإيمان على ضوء مذهب السلف.
- قول القلب وعمله.
- قول اللسان وعمل الجوارح.
2- علاقة قول اللسان بقول القلب وعمله.
3- إثبات عمل القلب.
- طوائف ضلت في أعمال القلوب:
المتكلمون - غلاة الصوفية - المرجئة المعاصرون
- القول في مرجئة الفقهاء.
- نماذج من أعمال القلوب.
4- أثر عمل الجوارح في أعمال القلوب.
- أثر المعاصي على القلب.
- أثر الطاعات في أعمال القلب.
الفصل الخامس: أثر فكر الإرجاء على المجتمعات المعاصرة.
1- اضطراب مفهوم لا إله إلا الله على يد المرجئة.
2- من الآثار المدمرة في حياة الأمة.
- انحسار مفهوم العبادة وتضييقه.
- تفاقم الفسق والفجور.
3- تجرؤ الملاحدة زعماء وكتاباً على دين الله سخرية واستهزاء.
4- تأويلات المرجئة وقضية الحكم بغير ما أنزل الله.
5- دور المستشرقين وعقيدتهم في نشر فكر المرجئة.
الباب الثاني
الغلو في الدين (( التطرف ))
تمهيد:
الفصل الأول: الغلو والتطرف في حياة المسلمين المعاصرة.
المبحث الأول: مفهوم الغلو - أنواع الغلو.
المبحث الثاني: الجذور التاريخية لظاهرة الغلو.
- ظاهرة التكفير عند الخوارج.
- موقف أهل السنة من غلو الخوارج.
- هل لجماعات الغلو المعاصر صلة بفكر الخوارج؟
المبحث الثالث:
ظاهرة الغلو المعاصر، وأبرز الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة.
1- التحاكم للأنظمة والقوانين الوضعية.
2- الاضطهاد السياسي.
3- الجهل بالعلوم الشرعية.
4- الفساد العقدي في حياة الأمة.
5- الفساد الخلقي.
6- غياب دور العلماء الثقات.
المبحث الرابع: …
مظاهر الغلو عند بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة
1- التكفير بالمعصية.(1/215)
2- تكفير المعين دون مراعاة للضوابط الشرعية.
3- تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله بإطلاق.
4- تكفير الأتباع المحكومين بغير ما أنزل الله.
5- تكفير الخارج على الجماعة المسلمة.
6- المقصود بالجماعة.
7- مقاطعة الجمعة والجماعة في المساجد.
8- تحريم التعليم والدعوة إلى الأمية.
المبحث الخامس: كيف تعالج هذه الظاهرة.
1- الاعتصام بالكتاب والسنة ونشر عقيدة السلف.
2- نشر العلم الشرعي.
3- إحياء دور العلماء.
4- تحكيم شرع الله ونبذ القوانين الوضعية.
5- محاورة أهل الغلو.
6- البعد عن الازدواجية والتناقض.
الفصل الثاني: الغلو والتطرف عند غير المسلمين.
المبحث الأول: دور الأعداء في تضخيم هذه الظاهرة عند المسلمين
1- دور الدوائر الغربية.
مفهوم الغلو ((الأصولية الإسلامية)) عند الغربيين.
2- دور إسرائيل.
3- دور العَلمانيين.
المبحث الثاني: غلو الأعداء وتطرفهم عبر التاريخ:
أولاً: من هم أهل التطرف والإرهاب؟!
ثانياً: صور من غلو الأعداء وتطرفهم عبر التاريخ:
1- مأساة المسلمين في الأندلس.
2- الحروب الصليبية في القديم والحديث.
3- محنة المسلمين في الأندلس.
أ- طمس التراث والشخصية الإسلامية.
ب- وحشية الصرب الأرثوذكس.
جـ- التآمر الصليبي العالمي والموقف الدولي المتخاذل.
الباب الثالث
التصوف
الفصل الأول: نشأة التصوف وتطوره:
1- تعريف التصوف واشتقاقه.
2- نشأة التصوف وبيان مصادره.
- متى ظهر التصوف؟
3- تطور التصوف والمراحل التي مرّ بها:
المرحلة الأولى: يغلب عليها جانب العبادة.
المرحلة الثانية: وقد أدخل المتصوفة مصطلحات غامضة وأعلنوا سقوط التكاليف الشرعية عن أوليائهم.
المرحلة الثالثة: تسربت الفلسفة اليونانية إليها مع القول بوحدة الوجود.
الفصل الثاني: الانحرافات العقدية عند أهل التصوف.
المبحث الأول: الشريعة والحقيقة (( الظاهر والباطن )).
- الظاهر والباطن.
- سقوط التكاليف.
- التأويل الباطني في التفسير.(1/216)
المبحث الثاني: الأولياء والكرامات.
- الولاية الحقة.
- الكرامات عند الأولياء والتابعين.
- الفرق بين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية.
- الكرامات عند المتصوفة.
المبحث الثالث: الصلة بين التصوف والتشيع.
المطلب الأول: التشابه بين التصوف والتشيع في الأفكار والمعتقدات.
أ- في مراتب الصوفية ودرجاتهم.
ب- الغلو في علي ? وفي بنيه.
جـ- التشابه في ادّعاء علم الغيب والعروج إلى السماء، وتنزل الملائكة عليهم.
د- العصمة.
المطلب الثاني:
مدرسة التشيع الصوفي وأهدافها السياسية في القرن السابع الهجري.
1- حقيقة السيد البدوي.
2- رحلات البدوي المريبة.
3- دعوة السيد البدوي ومخططاتها الخفية.
المبحث الرابع: غلاوة الصوفية وقولهم بوحدة الوجود.
- من كبار القائلين بوحدة الوجود.
- الحلاج - محيي الدين بن عربي - عمر بن الفارض.
المبحث الخامس:
تقديس القبور والأضرحة والاستغاثة بأصحابها
- الأضرحة تهيمن على حياة الناس.
الفصل الثالث: الآثار السلبية لظاهرة التصوف.
- نفوذ المتصوفة في العالم الإسلامي.
1- نظرة المتصوفة إلى الحياة.
- المبالغة في التقشف ومدح الفقر والعزلة.
- مدح الجوع والتسول.
- اعتبار قلة النوم من أصول الولاية والكرامة.
- ذم الزواج ومدح العزوبية.
2- تعدد الطرق وانتشار الزوايا والأربطة.
- أوراد الصوفية وأذكارها.
- التآخي بين الرجال والنساء في الطريقة.
- الزوايا محاضن الصوفية.
3- الوجد والسماع: السماع - الحب الإلهي - الوجد والرقص - حكم السماع والرقص.
4- التواكل والبطالة - ذم التكسب.
5- المتصوفة والجهاد في سبيل الله.
6- أسلوب التربية عند المتصوفة.
الخاتمة
صدر للمؤلف الكتب التالية:
* …سلسلة الجاهلية في الشعر الجاهلي:
1- الحياة السياسية عند العرب.
2- أخلاق العرب بين الجاهلية والإسلام.
3- المرأة بين الجاهلية والإسلام؛ بالاشتراك مع (حرمه) السيدة: خولة درويش.
* الكتب التربوية، (بالاشتراك أيضاً):(1/217)
1- تربية الأطفال في رحاب الإسلام.
2- تربية المراهق في رحاب الإسلام.
3- تربية الموهوب في رحاب الإسلام.
* كتب أخرى:
1- بدع الاعتقاد وأخطارها على المجتمعات المعاصرة.
2- العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب.
3- الجهاد والتجديد في القرن السادس الهجري: عهد نور الدين وصلاح الدين.
4- تأملات في رحاب البيت العتيق: دروس من السيرة في العهد المكي.
5- علماء الشام في القرن العشرين: وجهودهم في إيقاظ الأمة والتصدّي للتيارات الوافدة.
* تحت الطبع:
1- المدرسة العصرانية في نزعتها المادية: تعطيل للنصوص وفتنة في التغريب.
2- الشيخوخة: دراسة شرعية - اجتماعية - نفسية.
(1) الحياة الدينية عند العرب في الجاهلية والإسلام: الباب الخامس بعنوان: مظاهر الانحراف في المجتمعات المعاصرة.
(2) تحت عنوان: العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب.
(3) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث: جـ3، ص177.
(4) مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة: د. ناصر العقل، ص14.
(5) معالم الانطلاقة الكبرى: محمد عبد الهادي المصري، ص67.
(6) كتاب شرح السنة: البربهاري، ص21 تحقيق: محمد بن سعيد القحطاني، ط1، دار ابن القيم.
(7) الاعتصام للإمام الشاطبي، ص83، مكتبة الرياض الحديثة - الرياض.
(1) الاعتصام: الشاطبي، جـ2، ص226.
(2) الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، 1912م.
(8) الكواشف الجلية عن معاني الواسطية: عبد العزيز السلمان، ص440، مؤسسة مكة للطباعة.
(9) انظر: الاعتصام للشاطبي: ص105.
(10) الفتاوى: لابن تيمية، جـ4، ص137، جمع عبد الرحمن بن محمد قاسم، مكتبة المعارف - الرباط.
(11) المرجع السابق: جـ4، ص108.
(12) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد: د. صالح الفوزان، ص292-293.
(13) السابق بإيجاز، ص298-299.
(14) شرح العقيدة الطحاوية: جـ1، ص230، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، 1408هـ.(1/218)
(15) خصائص التصور الإسلامي: سيد قطب، ص119.
(16) كتاب شرح السنة: البربهاري، ص57.
(17) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(18) رواه البخاري ومسلم.
(19) الاعتصام: الشاطبي، جـ2، ص37.
(20) الإبداع في مضار الابتداع: علي محفوظ، توزيع دار الإصلاح في الدمام، ط5، 1956م، ص108-110.
(21) رواه مسلم.
(22) شرح الطحاوية: جـ1، ص228.
(23) جامع بيان العلم وفضله: لابن عبد البر، جـ2، ص173، ط1398هـ.
(24) الفوائد: لابن القيم، ص48، ط1، 1400هـ.
(25) الحجة في بيان المحجة: أبو القاسم الأصبهاني، جـ2، ص182.
(26) جامع بيان العلم وفضله: جـ2، ص34.
(27) الحجة في بيان المحجة: أبو القاسم الأصبهاني، جـ2، ص377.
(28) اجتماع الجيوش الإسلامية: لابن القيم، ص43-44، مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.
(29) المرجع السابق: ص46.
(30) درء التعارض بين العقل والنقل: لابن تيمية، جـ1، ص18، ط1401هـ - الرياض.
(31) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: د. مصطفى السباعي، ص2-3.
(32) أثر الفكر الغربي: خادم حسين بخش، ص359، نقلاً عن دائرة المعارف الإسلامية: جـ11، ص408.
(33) الاعتصام: للإمام الشاطبي، ص49، ص51.
(34) المرجع السابق نفسه.
(35) الإيمان: لابن تيمية: ص114، المكتب الإسلامي، ط3.
(36) الرد على الزنادقة والجهمية: الإمام أحمد بن حنبل، ص186.
(37) الحجة في بيان المحجة: أبو القاسم الأصبهاني، جـ2، ص433 ، رسالة دكتوراة، جامعة أم القرى 1406هـ.
(38) الاعتصام: ص231.
(39) الفتاوى لابن تيمية: جـ7، ص116.
(40) لوامع الأنوار البهية: للسفاريني، جـ2، ص225، ط2/1405هـ.
(41) الاعتصام: ص220.
(42) الصوفية: محمد العبدة، طارق عبد الحليم، ص31، دار الأرقم - الكويت/1406هـ.
(43) شرح الطحاوية: جـ1، ص13.
(44) شرح الطحاوية: جـ2، ص799 بتصرف يسير.
(45) انظر شفاء العليل: 1/220، وشرح الطحاوية: جـ1، ص244.(1/219)
(46) ينظر كتابه: الإبانة في أصول الديانة، وفيه بيان رجوعه إلى عقيدة السلف، وهو آخر كتبه، وانظر المنتقى من منهاج الاعتدال، ص41.
(47) انظر: كتابه تهافت الفلاسفة وتهافت التهافت.
(48) الفخر الرازي في كتابه أقسام اللذات، صنفه آخر عمره، عن الفتاوى لابن تيمية: 4/72-73.
(49) الفتوى الحموية الكبرى: ابن تيمية، ص7، ط دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
(50) انظر: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: د. سفر الحوالي، المقدمة، رسالة دكتوراة، جامعة أم القرى، 1405-1406هـ.
(51) واقعنا المعاصر: الأستاذ محمد قطب. ص28، ص129، ط1/1407هـ.
(52) المرجع السابق نفسه.
(53) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: المقدمة.
(54) انظر: نشأة الإرجاء: من رسالة ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي من ص163-حتى ص255.
(55) المرجع السابق، ص170-171.
(56) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص196-197.
(57) تهذيب الآثار: محمد بن جرير الطبري، تحقيق د. ناصر الرشيد وعبد القيوم عبد رب النبي، جـ2، ص181، ط1407هـ.
(58) المرجع السابق: 2/182.
(59) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص225.
(60) المرجع السابق، ص242.
(61) مقالات الإسلاميين: لأبي الحسن الأشعري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، 1/221، طبعة ثانية، 1996م، مكتبة النهضة المصرية.
(62) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص261-262.
(63) مجموع الفتاوى: لابن تيمية، 7/395.
(64) انظر: طبقات ابن سعد: 6/199، طبعة الشعب بمصر.
(65) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص263-264.
(66) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص264.
(67) الإيمان لابن تيمية: ص377، مع تخريج الألباني للأحاديث، بيروت.
(68) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص280-281 بتصرف واختصار.
(69) المرجع السابق: ص282-283 بإيجاز.
(70) مما سنفصله في الفصل القادم.
(71) مقالات الإسلاميين: لأبي الحسن الأشعري، 1/211، ط3-1400هـ مكتبة النهضة المصرية.(1/220)
(72) الأحوال الدينية عند المسلمين في القرنين الثالث والرابع عشر الهجريين وآثارها في حياة المسلمين: رسالة ماجستير - جامعة أم القرى، علي بن بخيت الزهراني، 1414هـ.
(73) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص296.
(74) سير أعلام النبلاء: للإمام الذهبي، 10/542، مؤسسة الرسالة - بيروت.
(75) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص297-298.
(76) مقدمة ابن خلدون: ص480 طبعة مصر.
(77) انظر: مقدمة كتاب كبرى اليقينيات: د. سعيد رمضان البوطي.
(78) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص300.
(79) أصول الدين: عبد القادر البغدادي، بيروت، الطبعة الثانية، ص268.
(80) انظر: المواقف، ص387، شرح العقائد النسفية ص427، وسعد الدين التفتازاني من أشهر أئمة الكلام المتأخرين ت793هـ نقلاً عن ظاهرة الإرجاء، ص353.
(81) تبسيط العقائد الإسلامية: الشيخ حسن أيوب، ص33.
(82) كتاب الإيمان: لابن تيمية يرحمه الله، ص179.
(83) انظر: كتاب الإيمان لابن تيمية، ص210.
(84) ظاهرة الإرجاء: د. سفر الحوالي، ص53-54.
(85) طريق الدعوة في ظلال القرآن: أحمد فايز، بيروت، ط6، ص153.
(86) ظاهرة الإرجاء: الحوالي، ص131.
(87) اللالكائي: 1/172، والحافظ في الفتح: 1/47.
(88) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: أبو القاسم اللالكائي: 1/176-179. تحقيق: د. أحمد سعد الحمدان.
(89) عن الإيمان: لابن تيمية، ص293-295، تخريج الألباني، بيروت.
(90) جامع العلوم والحكم: تحقيق محمد أبو النور، 1/57، مختصر.
(91) انظر: الفتاوى: لابن تيمية، 7/582.
(92) الإيمان: لابن تيمية، ص162، طبعة بيروت.
(93) عدة الصابرين لابن القيم: ص129.
(94) أخرجه الإمام مسلم، ومالك في الموطأ.
(95) كتاب السنة: أحمد بن حنبل رحمه الله، جـ1/310. تحقيق: د. محمد بن سعيد القحطاني، ط1.
(96) مدارج السالكين: ابن القيم الجوزية، جـ1، ص327، دار الراية للنشر، ط1/1411هـ.
(97) شرح صحيح مسلم: جـ1، ص146-147.(1/221)
(98) رواه مسلم: انظر: شرح صحيح مسلم، جـ9، ص67.
(99) المرجع السابق: ص484.
(100) انظر: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص485-498.
(101) رواه مسلم رقم (1)، والبخاري عن أبي هريرة 1/114.
(102) شرح السنة: للإمام البغوي، 1/10. تحقيق: الأرناؤوط وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي.
(103) رواه مسلم: رقم (75)، والبخاري: 1/51 واللفظ لمسلم.
(104) هذه أسماء آنية يوضع فيها النبيذ.
(105) رواه البخاري واللفظ له 1/185، ومسلم رقم 23-28.
(106) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص489-492.
(107) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص498.
(108) عن ظاهرة الإرجاء: د. سفر الحوالي ص508-509.
(109) هذا الفصل مقتبس باختصار من ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي (ص372-455).
(110) انظر: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص372-373.
(111) فتح الباري: لابن حجر، 1/77، المطبعة السلفية، 1380هـ.
(112) عن الإيمان: لابن تيمية ص280 تخريج الألباني/ بيروت.
(113) انظر: الفتح: لابن حجر رحمه الله، جـ1، ص95.
(114) ظاهرة الإرجاء: الحوالي، ص374-375 باختصار.
(115) المرجع السابق: ص377-378.
(116) والمؤسف أن كثيراً من الدعاة والكتاب المعاصرين على هذا المذهب كما سيأتي.
(117) الإيمان: لابن تيمية، ص135.
(118) الإيمان: لابن تيمية، ص287.
(119) الإيمان الأوسط: لابن تيمية، ص95.
(120) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص380-383، بتصرف وإيجاز.
(121) مدارج السالكين: ابن القيم الجوزية، تحقيق حامد فقي، بيروت.
(122) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص385.
(123) المسند عن أنس: 3/112، 257 وهو صحيح.
(124) انظر: المواقف في علم الكلام: عضد الملة الإيجبي، ط: بيروت، وبراءة الأشعريين: 1/149، أبو حامد بن مرزوق.
(125) انظر: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي، ص391.
(126) ينظر: ظاهرة الإرجاء: ص392-442، ففيها تفصيل وإيضاح شافيان.(1/222)
(127) انظر: كتاب الإيمان: لأبي عبيد. وظاهرة الإرجاء: للحوالي، ص397.
(128) سنفصل الحديث عن التصوف في الباب الثالث من هذا الكتاب.
(129) انظر: مدارج السالكين: لابن القيم، من ص59-72 ومن ص131-133.
(130) ظاهرة الإرجاء: د. سفر الحوالي، ص402.
(131) انظر المرجع السابق: ص402-404.
(132) سنفصل ذلك في المبحث القادم إن شاء الله.
(133) انظر: ظاهرة الإرجاء: للحوالي، ص406-442.
(134) انظر: مدارج السالكين: جـ2، ص214، وكذلك ص172-183.
(135) مسند الإمام أحمد: 3/19، 181، ومعنى قوله: أجدني كارهاً أن نفسه فيها بقية كره للدين، ولم ينشرح صدره للإسلام بعد، فأرشده النبي إلى إرغام النفس وقبول الحق.
(136) انظر قصة إسلامه في الإصابة: جـ2/60.
(137) رواه البخاري في صحيحه، ومسلم برقم (43).
(138) انظر: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: د. سفر الحوالي، ص415-429.
(139) رسالة تحكيم القوانين: ص6 النوع الخامس.
(140) الحديث متفق على صحته ينظر شرح السنة/ ص100، جـ1.
(141) مسند الإمام أحمد: 2/258.
(142) انظر رسالة: ظاهرة الإرجاء: ص438-442.
(143) انظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: لابن القيم طبعة بيروت/ص34-83.
(144) انظر: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص453-455.
(145) المرجع السابق: ص455.
(146) دراسات قرآنية: الأستاذ محمد قطب، ص61-62 بتصرف، دار الشروق.
(147) انظر: الأحوال الدينية عند المسلمين في القرنين الثالث والرابع عشر الهجريين وآثارهما في حياة المسلمين: علي بن بخيت الزهراني، ص80-83، رسالة ماجستير من جامعة أم القرى، 1414هـ.
(148) كشف الشبهات: ص205، تعليق محمد حامد الفقي، دار الثقافة للطباعة بمكة 1413هـ.
(149) مفاهيم ينبغي أن تصحح: ص107-108، دار الشروق 1408هـ، الطبعة الثانية.
(150) الفتاوى: لابن تيمية، جـ35، ص202-203.
(151) ظاهرة الإرجاء: ص405.(1/223)
(152) رسالة تحكيم القوانين: للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، ص6.
(153) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص422.
(154) واقعنا المعاصر: الأستاذ محمد قطب، ص165-166.
(155) في إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله. انظر: ظاهرة الإرجاء: الحوالي، ص498.
(156) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص47.
(157) المصدر السابق: ص391.
(158) ظاهرة الإرجاء: ص501 بتصرف وإيجاز.
(159) انظر: كتابنا ((الحياة الدينية عند العرب))، الباب الخامس، فصل تحكيم القوانين الوضعية.
(160) الأحوال الدينية عند المسلمين: علي بن بخيت الزهراني، ص84.
(161) انظر الحديث عنهما وعن فكرهما في الإرجاء. رسالة ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص186-ص191.
(162) السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات: ثلاث مقالات له أو كتيبات ترجمة حسن إبراهيم حسن وزميله ص15، وص66.
(163) انظر: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص194 وما بعدها.
(164) انظر: المذاهب الإسلامية: 1/133.
(165) انظر: الفرق الإسلامية في الشعر الأموي: ص272-ص282.
(166) الفرق الكلامية: فصل نشأة المرجئة، المطبعة الكاثوليكية/ بيروت.
(167) مذاهب الإسلاميين: 1/37.
(168) انظر تحقيقه لكتاب (فرق وطبقات المعتزلة ص5-7) وهو الجزء الأول من كتاب ((المنية والأمل)).
(169) انظر: رسالة الإرجاء: ص191-195.
(170) حديث صحيح: رواه الإمام أحمد 1/215، والنسائي 5/268 كتاب الحج، وانظر صحيح الجامع الصغير رقم (2680).
(171) انظر: الصحاح: للجوهري، مادة (غلا) واللسان لابن منظور (غلو).
(172) المعجم الوسيط: مادة (طرف).
(173) رواه مسلم (4/2055) كتاب العلم.
(174) سبق تخريجه.
(175) اقتضاء الصراط المستقيم: لابن تيمية 1/289 ت: د. ناصر العقل 1404هـ.
(176) فتح الباري: لابن حجر: 13/278. المطبعة السلفية، القاهرة، الطبعة الأولى سنة 1380هـ.(1/224)
(177) انظر: الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، ص70-71، مؤسسة الرسالة 1412هـ، مجلة البيان العدد (67) بعنوان حقيقة التطرف.
(178) رواه البخاري: 1/16 كتاب الإيمان: باب الدين يسر.
(179) فتح الباري: جـ/ص94. وعون الباري: م1/ص180.
(180) مختصر منهاج السنة: ص329.
(181) رواه البخاري: 9/21 كتاب استتابة المرتدين والمعاندين، ومسلم: 2/741 كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم.
(182) انظر: فتح الباري: 1/282.
(183) انظر: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص201-202.
(184) انظر: تاريخ الطبري: 5/83، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، والفتح 12/284.
(185) انظر الطبري: جـ5، ص84. والفتح: جـ12، ص284.
(186) الفصل في الملل والأهواء والنحل: لابن حزم جـ4، ص157، طبعة مصر.
(187) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي: ص215-216.
(188) الإيمان: لابن تيمية، ص209.
(189) الفتاوى: لابن تيمية، جـ3/ص279.
(190) شرح الطحاوية: جـ2، ص432، 539.
(191) التكفير: جذوره، أسبابه، مبرراته، ص8، ص12. د. نعمان السامرائي.
(192) المرجع السابق ص12.
(193) المرجع السابق نفسه.
(194) المرجع السابق نفسه.
(195) الحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو: محمد سرور زين العابدين، ص260، دار الأرقم 1407هـ.
(196) الغلو في الدين: اللويحق، ص100.
(197) المرجع السابق: ص100-101 بإيجاز وتصرف.
(198) انظر: ظاهرة التكفير - تاريخها خطرها أسبابها علاجها: الأمين الحاج محمد أحمد، ص124-142، مكتبة دار المطبوعات المدنية، جدة، 1412هـ.
(199) الفتاوى: جـ35، ص408.
(200) انظر تفصيلاً لذلك في كتابنا: الحياة الدينية عند العرب بين الجاهلية والإسلام: الباب الخامس.
(201) انظر الغلو في الدين: عبد الرحمن اللويحق، ص102-106.
(202) انظر: الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف: د. يوسف القرضاوي، ص119، طبعة قطر الأولى، 1402هـ.(1/225)
(203) التكفير: جذوره - أسبابه - مبرراته، د. نعمان عبد الرزاق السامرائي، المنارة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط ثانية، 1406هـ، ص43-48. وانظر: البوابة السوداء: لأحمد رائف، والإخوان وعبدالناصر، أحمد عبد المجيد.
(204) واقعنا المعاصر: الأستاذ محمد قطب، ص396-298.
(205) الغلو في الدين: اللويحق، ص119-120.
(206) مجلة البيان: العدد (67)، حقيقة التطرف، ص16-17.
(207) الغلو في الدين: عبد الرحمن اللويحق، ص113.
(208) انظر: واقعنا المعاصر: الأستاذ محمد قطب، ص165-166.
وظاهرة التكفير: الأمين الحاج محمد أحمد، ص146-147.
(209) مجلة البيان: العدد (67)، مقال حقيقة التطرف، ص18-19.
(210) انظر: كتابنا أخلاق العرب بين الجاهلية والإسلام، الفصل الثالث السمات الأخلاقية للمجتمعات الإسلامية والجاهلية.
(211) مجلة البيان: حقيقة التطرف، العدد (67)، ص22.
(212) البحر المحيط: لأبي حيان، 2/424، مطبعة السعادة بمصر، الأولى 1328هـ.
(213) انظر: الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، القرضاوي، ص90.
(214) ظاهرة التكفير: الأمين الحاج محمد أحمد، ص169-172.
(215) التكفير: د. نعمان السامرائي، ص53، 55.
(216) المرجع السابق: ص55.
(217) انظر الغلو في الدين: عبد الرحمن اللويحق، ص360 حتى ص404 وص476-520.
(218) انظر الغلو في الدين: ص265-288. والحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو: ص157-200.
(219) كتاب الهجرة: ماهر بكري، وهو ابن أخت شكري مصطفى، ص72.
(220) الفتاوى: لابن تيمية، 19/73.
(221) رواه البخاري: 1/14 كتاب الإيمان، ومسلم: 3/282 كتاب الإيمان، وانظر: فتح الباري، كتاب الإيمان، جـ1/84.
(222) شرح العقيدة الطحاوية: ص355، طبع مؤسسة الرسالة ببيروت، وطبعة المكتب الإسلامي ببيروت.
(223) شرح النووي على صحيح مسلم: جـ1، ص150.
(224) الفتاوى: لابن تيمية.
(225) صحيح الجامع الصغير: حديث رقم (2687).(1/226)
(226) أخرجه الترمذي: 4/434، وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجه: 2/1418، وحسنه الألباني ((الجامع الصحيح: 1666)).
(227) انظر في هذا الموضوع: الغلو في الدين: ص311-312. وضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة: عبدالله القرني ص210-ص228.
(228) الفتاوى: لابن تيمية، جـ3، ص231، جـ10، ص372.
(229) ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة: د. عبد الله القرني ، ص210، مؤسسة الرسالة، بيروت 1413هـ.
(230) انظر تفصيلاً لهذه الحالات: ضوابط التكفير: القرني، ص211-221.
(231) الصارم المسلول على شاتم الرسول: لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص517.
(232) رواه البخاري: 8/126، كتاب الرقائق، باب الخوف من الله.
(233) الفتاوى: جـ3، ص231.
(234) الفتاوى: جـ11، ص403.
(235) انظر ضوابط التكفير: ص244-245.
(236) رواه مسلم في صحيحه.
(237) شرح النووي على صحيح مسلم: جـ2، ص54.
(238) البخاري: 8/32 كتاب الأدب، ومسلم: 1/79 كتاب الإيمان.
(239) واقعنا المعاصر: الأستاذ محمد قطب.
(240) التكفير: الدكتور نعمان السامرائي، ص135.
(241) انظر: تحكيم القوانين الوضعية في كتابنا الحياة الدينية عند العرب، الباب الخامس.
(242) شرح الطحاوية: ص302.
(243) انظر تحكيم القوانين: للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ص4-7.
(244) نقلاً عن ابن القيم: أحكام أهل الذمة: ص237.
(245) فتح الباري: جـ13، ص123.
(246) الغلو في الدين: ص292.
(247) المرجع السابق: ص436.
(248) الغلو في الدين: ص296.
(249) ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة: عبدالله بن محمد القرني، مؤسسة الرسالة، بيروت،1413هـ، ص269.
(250) انظر: الفتاوى: لابن تيمية، جـ7، ص70.
(251) رواه البخاري: 9/79 كتاب الأحكام، ومسلم: 3/1465 كتاب الإمارة.
(252) أحكام القرآن: أبو بكر محمد عبدالله: جـ2، ص743، تحقيق علي محمد البجاوي، ط دار الفكر، بيروت - لبنان.
(253) رواه مسلم: 3/1481، كتاب الإمارة.(1/227)
(254) انظر: الغلو في الدين: ص198-217.
(255) رواه البخاري (9/6) كتاب الديات، ومسلم (3/1302) كتاب القسامة.
(256) رواه الترمذي (2863، 2864) وأحمد (4/130) والحاكم (1/117-118).
(257) الشاطبي في الاعتصام: جـ2، ص260-265. وينظر: ابن حجر في الفتح: جـ13، ص37.
(258) جعفر شيخ إدريس من مقال له في مجلة المسلم المعاصر، عدد 13، ص8.
(259) المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين: ص21.
(260) ينظر: التوسمات: ((مخطوط)) لشكري مصطفى.
(261) التوسمات: ص38.
(262) هو المكنى بأبي مصعب، ينظر: ذكرياتي مع جماعة المسلمين: ص74.
(263) ينظر: الحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو: ص314. وذكرياتي مع جماعة المسلمين: ص65 وما بعدها.
(264) ينظر: ذكرياتي مع جماعة المسلمين: عبد الرحمن أبو الخير ص93-95، دار البحوث العلمية للنشر والتوزيع، الكويت، 1400هـ.
(265) التكفير والهجرة وجهاً لوجه: رجب مدكور، ص119-200،مكتبة الدين القيم، القاهرة، 1405هـ.
(266) المرجع السابق نفسه.
(267) الفتاوى: لابن تيمية جـ3، ص280.
(268) الفتاوى لابن تيمية جـ3/ص280.
(269) الأحكام السلطانية: أبو الحسن علي بن محمد الماوردي، ص130، دار الكتب العلمية، بيروت.
(270) الفتاوى: لابن تيمية، جـ11، ص615-616.
(271) الفتاوى: لابن تيمية، جـ3، ص280-281.
(272) متفق عليه.
(273) رواه مسلم.
(274) رواه أبو داود بإسناد حسن، والنسائي وإسناده جيد.
(275) انظر تفصيلاً لهذا الموضوع: الحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو: محمد سرور زين العابدين (ص238-250) طبعة دار الأرقم 1407هـ، والغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة: عبد الرحمن اللويحق ص444-457.
(276) ذكره البخاري معلقاً (9/64 الأحكام)، والحافظ في الفتح (13/161).
(277) الغلو في الدين: ص444-448 بإيجاز.
(278) التوسمات: ص16.
(279) الخلافة: نقلاً عن الحكم بغير ما أنزل الله لمحمد سرور زين العابدين ص237.(1/228)
(280) الحكم بغير ما أنزل الله: ص238.
(281) الحكم بغير ما أنزل الله: ص241-242 بإيجاز.
(282) فتح الباري: 28/5 ط الحلبي.
(283) الحكم بغير ما أنزل الله: ص141، ص250.
(284) مجلة البيان: العدد (67)، ص20.
(285) رواه أبو داود في المناسك.. وهو صحيح ينظر سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1761.
(286) رواه البخاري في العلم: رقم (1711) باب من يرد الله به خيراً.
(287) انظر: ظاهرة التكفير: الأمين محمد أحمد، من ص189-ص194.
(288) الغلو في الدين: اللويحق، ص532.
(289) صحيح مسلم: كتاب العلم.
(290) شرح السنة: للإمام البغوي 1/279.
(291) مجلة البيان: عدد 67، ص23.
(292) انظر: الغلو في الدين: اللويحق، ص532-ص533.
(293) مجلة البيان: العدد (79) عام 1994م، من مقال: العلماء ومسؤولية البلاغ، عبد اللطيف الوابل.
(294) انظر: ظاهرة التكفير: الأمين الحاج محمد أحمد، ص205 وما بعدها.
(295) الغلو في الدين: عبد الرحمن اللويحق، ص536.
(296) الغلو في الدين: عبد الرحمن اللويحق، ص533-534.
(297) مجلة البيان: العدد (67)، ص21-22.
(298) الغلو في الدين: اللويحق، ص537-538.
(299) مجلة البيان: العدد (67)، ص23.
(300) الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف: د. يوسف القرضاوي، ص140.
(301) انظر في هذا الموضوع: الغلو في الدين: اللويحق، ص172 إلى ص186.
(302) معجم مقارنة الأديان: ص292 نقلاً عن المرجع السابق، ص172.
(303) الإسلام والقوى الدولية: ص7، د. حامد ربيع، دار الموقف العربي 1981م.
(304) الغلو في الدين: باختصار وتصرف، ص175، 182.
(305) المرجع السابق: ص182.
(306) آراء في الصحوة الإسلامية: د. محمد محمود ربيع ص21 ط عالم الكتب، القاهرة، 1405هـ.
(307) انظر: مذاهب فكرية معاصرة: الأستاذ محمد قطب ص9-70.
(308) انظر: الغلو في الدين: اللويحق، ص190.(1/229)
(309) عن مجلة البيان العدد (74) شوال / 1414هـ، ص74-78، من مقال بعنوان: حين يستنطق الشهود، الدكتور عبد الله عمر سلطان.
(310) سلفاتوري بوتو: من مقال البيان السابق، ص78.
(311) مجلة الإيكونومست: 19/12/1992م.
(312) جريدة الحياة: 26/2/1993م.
(313) وكالة رويتر: 28/5/1992م.
(314) وكالات الأنباء: 4/3/1993م.
(315) جريدة الحياة: 25/3/1993م.
(316) وكالات الأنباء: 26/3/1993م.
(317) الحياة: 28/3/1993م.
(318) مجلة النيوزويك: 20/1/1993م.
(319) صحيفة الواشنطن بوست: 20/1/1993م.
(320) جريدة الحياة: 24/3/1993م.
(321) وول ستريت جورنال: 7/7/1993م.
(322) انظر: التطرف الديني: د. صلاح الصاوي، الآفاق الدولية للإعلام سنة 1413هـ.
(323) العَلمانيون والإسلام: الأستاذ محمد قطب، الطبعة الأولى 1414هـ، دار الوطن.
(324) مجلة البيان: العدد (79) الافتتاحية.
(325) السابق: ص96/ العدد (79).
(326) انظر: الغلو في الدين: عبد الرحمن اللويحق، ص160-168.
(327) مجلة فكر: العدد (8) ندوة التطرف ص34.
(328) ينظر الصفحات 39، 45، 58، 64 من كتابه الإسلام السياسي نقلاً عن الغلو في الدين، ص164.
(329) مجلة فكر: ندوة التطرف ص41، 49 د. نور فرحات.
(330) الغلو في الدين: اللويحق ص168.
(331) مجلة فكر: عدد (8) ص82، د. فؤاد زكريا.
(332) حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية: الشيخ بكر أبو زيد ص72 وما بعدها.
(333) خريف الغضب: محمد حسنين هيكل جـ2، (ص405، 406)، دار طلاس، القاهرة.
(334) انظر: الغلو في الدين: اللويحق، ص136-140.
(335) انظر: العَلمانيون والإسلام: الأستاذ محمد قطب، ص125-ص126، طبعة دار الوطن.
(336) الغلو في الدين: اللويحق، ص142.
(337) انظر: مجلة البيان: العدد (67) من مقال بعنوان: أوضاع المسلمين الطاجيك، بقلم: نظر الفريابي.
(338) عن BBC في 3/7/1993م.
(339) المرجع السابق نفسه.(1/230)
(340) سقوط الأندلس: د. ناصر بن سليمان العمر، ص6-8، طبعة دار الوطن للنشر، الرياض، 1412هـ.
(341) نهاية الأندلس: د. محمد عبد الله عنان، ص231.
انظر تفصيلاً لهذه المعاهدة في حاضر العالم الإسلامي: شكيب أرسلان، المجلد الثاني، طبعة 1394هـ الرابعة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ص2-142: ((وفيها خمس وخمسون مادة تتضمن عهود المحافظة على أعراض القوم وعقائدهم ودمائهم وأموالهم لكن خيانة العهد كانت لهم ديدناً)).
(342) نفح الطيب: جـ1، ص449-450، أحمد بن محمد المقري التلمساني. وانظر: رسالة سقوط الأندلس.
(343) التاريخ الأندلسي: د. عبد الرحمن الحجي، ص434، عن سقوط الأندلس، ناصر العمر.
(344) سقوط الأندلس: ص9-10.
(345) انظر: كتاب مذابح وجرائم محاكم التفتيش في الأندلس: محمد علي قطب، ففيه ما تقشعر منه الأبدان، بيروت، 1407هـ.
(346) يقصد بالمشاهد: المعالم الإسلامية المميزة للحضارة الإسلامية.
(347) تاريخ الخلفاء: السيوطي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ص427، طبعة القاهرة.
(348) هذه هي الجزائر: أحمد توفيق المدني، ص90.
(349) الجزائر حتف الاستعمار: للكاتب الفرنسي ((ليون فيكس)).
(350) القومية والغزو الفكري: محمد جلال كشك، ص280.
(351) انظر: حاضر العالم الإسلامي: الأستاذ شكيب أرسلان، جـ1، ص64-74.
(352) انظر كتاب: جمهورية البوسنة والهرسك قلب أوروبا الإسلامي، تأليف: د. أحمد بن علي تمراز وحسين عمر سباهتش (من أبناء البوسنة والهرسك)، دار الأرض للنشر والخدمات الإعلامية، 1413هـ.
(353) المرجع السابق: تاريخ المذابح الجماعية ضد المسلمين في البوسنة والهرسك، ص66-75.
(354) المرجع السابق: ص66-69. ومجلة البيان: العدد (49) ص72.
(355) الأهرام: في 29/9/1944م.
(356) مجلة المرأة: العدد (2)، فبراير 1990م، باللغة البوسنية نقلاً عن كتاب: جمهورية البوسنة والهرسك، ص72.(1/231)
(357) جمهورية البوسنة والهرسك قلب أوروبا الإسلامي: ص58، 62.
(358) جمهورية البوسنة والهرسك قلب أوروبا الإسلامي: ص58، 62.
(359) مجلة الرابطة: عدد وثائقي عن مأساة البوسنة والهرسك، محرم وصفر وربيع الأول 1414هـ، ص20-27.
(360) مجلة الرابطة: ص9-11. ومجلة البيان: عدد (49)، ص72.
(361) مجلة الرابطة: ص49-53، ص77.
(362) مجلة الرابطة: ص49-53، ص77.
(363) البيان: العدد (58)، ص80.
(364) مجلة الرابطة: ص76، 80.
(365) مجلة البيان: العدد (53)، ص74.
(366) أمين عام الندوة العالمية للشباب الإسلامي. وهذه فقرات من تقريره في الفترة ما بين (22-25 محرم 1413هـ - عن مجلة الرابطة، ص88-93).
(367) عن مجلة الرابطة: ص88-93.
(368) نيوزدي والغارديان: 5/أغسطس/1992م.
(369) أي . بي . سي: الأخبار في برنامج صباح الخير أمريكا، 10/أغسطس/1992م.
(370) نيوزدي والغارديان: 5/أغسطس/1992م.
(371) مجلة تايم: 17/أغسطس/1992م. وانظر: البيان: العدد (55)، ص60-63، أحمد بن راشد بن سعيد.
(372) راجع تفصيلات ذلك في مجلة الرابطة: ص19، 172-173. ومجلة البيان: العدد (55)، ص63-65. وما تنقله عن الصحف الغربية.
(373) الأيكو مونست: الواحد من أغسطس سنة 1992م.
(374) مجلة نيو ستيشمان سوسيتي: 31/يوليو/1992م.
(375) عن مراسل شبكة أي . بي . سي . الأمريكية.
(376) انظر: مجلة البيان: العدد (55)، ص67-68، وما نقله الكاتب عن الصحف السابقة، للكاتب أحمد بن راشد بن سعيد.
(377) وكالات الأنباء الغربية نقلاً عن مجلة البيان الأعداد: (53) ص71، العدد (75) ص64، والعدد (58) ص83.
(378) عن مجلة الرابطة: ص154، محرم وصفر - ربيع الأول 1414هـ ((وفيها نص للرسالة باللغتين العربية والإنجليزية)).
(379) النيوزويك: 7/سبتمبر/1992م.
(380) المرجع السابق: 17/أغسطس/1992م.
(381) النيويورك تايمز: نقلاً عن مجلة البيان: عدد 58، ص82.
(382) انظر: البيان: العدد (58)، ص87.(1/232)
(383) جمهورية البوسنة والهرسك: أحمد تمراز - حسين سباهيتش، ص116.
(384) الاندبندنت: 7 أغسطس 1992م.
(385) البيان: العدد (55)، ص69، 70.
(386) نقلاً عن وكالات الأنباء في الصحف والإذاعات المحلية والعالمية خلال (24-28) نوفمبر 1994م.
(387) انظر مجلة البيان: العدد (82) جمادى الآخرة سنة 1415هـ، مقال: هذه حقيقة مجلس الأمن.
(388) مجلة البيان: العدد (55)، ص74، من مقال: (دماء ودموع البوسنة).
(389) المرجع السابق: العدد (75)، ص62، من مقال (البوسنة على مفترق الطرق) وكلاهما للكاتب: د. أحمد ابن راشد السعيد.
(390) انظر: التصوف المنشأ والمصادر: إحسان إلهي ظهير، ص31-37، والفتاوى: لابن تيمية، جـ11، ص5-6. والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة: ص341.
(391) الفتاوى: لابن تيمية جـ11، ص7.
(392) مقدمة ابن خلدون: ص333، نشر دار المصحف بالقاهرة.
(393) عوارف المعارف: للسهروردي، ص57، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، 1403هـ.
(394) التصوف المنشأ والمصادر: تأليف إحسان إلهي ظهير، ص43-44، إدارة ترجمان السنة، لاهور، الطبعة الأولى، 1406هـ.
(395) مجموع الفتاوى: لابن تيمية، جـ11، ص6-8، طبعة المغرب.
(396) المرجع السابق: ص17-18، من الجزء السادس عشر.
(397) سير أعلام النبلاء: الذهبي، جـ5، ص219.
(398) المرجع السابق: جـ4، ص601.
(399) تاريخ بغداد: جـ7، ص67-80.
(400) تاريخ بغداد: جـ7، ص241-249. وانظر: التصوف في ميزان البحث والتحقيق: عبد القادر بن حبيب السندي، توزيع مكتبة ابن القيم، طبعة 1410هـ، من ص43-104، حيث ترجم لعدد من معتدلي الصوفية.
(401) التصوف المنشأ والمصادر: إحسان إلهي ظهير، ص46.
(402) انظر: الصوفية نشأتها وتطورها: محمد العبدة - طارق عبد الحليم، دار الأرقم، الكويت، 1406هـ، ص22-27.
(403) الصوفية والفقراء: ابن تيمية، ط دار الفتح، القاهرة، ص5.
(404) الصوفية: محمد العبدة - طارق عبد الحليم، ص29.(1/233)
(405) سنفصل الحديث عن هذه الانحرافات العقدية في الفصل القادم.
(406) التصوف المنشأ والمصادر: إحسان إلهي ظهير، ص43-45، بتصرف يسير.
(407) انظر سير أعلام النبلاء: جـ13، ص86-88. والبداية والنهاية: جـ11، ص35.
(408) طبقات الشعراني: جـ2، ص4-13.
(409) السابق: جـ2، ص7.
(410) انظر: المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي: د. عبد الحليم محمود، ص32، طبعة دار الكتب الحديثة، القاهرة.
(411) المرجع السابق: ص83.
(412) دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص235-248، طبعة إدارة ترجمان السنة، لاهور.
(413) انظر: دراسات في التصوف: لإحسان إلهي ظهير، فصل عن الرفاعية.
(414) قلادة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الأكابر: لمحمد أبي الهدى الرفاعي، من ص215-234. والتصوف: للسندي، ص111-133، طبعة بيروت، 1400هـ.
(415) القلادة: الصفحات 104-108-109. وجامع كرامات الأولياء: للنبهاني، جـ1، ص198.
(416) انظر: العبر: للذهبي، جـ3، ص75.
(417) وفيات الأعيان: لابن خلكان، جـ1، ص172، بيروت.
(418) طبقات الأولياء: ص98. وانظر: التصوف: للسندي، ص111-133.
(419) انظر: الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص445-466.
(420) انظر: السيد البدوي دراسة نقدية: د. عبد الله صابر، الفصل الخامس، من ص37 حتى ص45. والتصوف في ميزان البحث والتحقيق: للسندي، ص134 حتى ص172.
(421) السيد البدوي: د. عبد الله صابر، الفصل الرابع، ص26-35.
(422) الصوفية: محمد العبدة، ص40-41.
(423) التصوف والمنشأ والمصادر: إحسان إلهي ظهير، ص121.
(424) دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص296.
(425) الفتوحات المكية: ابن عربي، جـ2، ص44-45.
(426) كتاب اللمع: للطوسي، ص495، ط دار الكتب الحديثة بمصر.
(427) إيقاظ الهمم: ابن عجيبة الأندلسي.
(428) سوف نزيد هذا الموضوع تفصيلاً في الفصل القادم (الانحرافات العقدية).(1/234)
(429) انظر: الأحوال الدينية عند المسلمين في القرنين الثالث والرابع عشر الهجريين: رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، سنة 1414هـ، علي بن بخيت الزهراني.
(430) طبقات الشعراني: جـ1، ص84، طبعة 1305هـ.
(431) الصوفية: العبدة، ص51.
(432) تذكرة الأولياء: فريد الدين العطار، ص277، نقلاً عن دراسات في التصوف، ص129.
(433) الإبريز: عبد العزيز الدباغ، ص151، طبعة مصر.
(434) دراسات في التصوف: ص130-131، إحسان إلهي ظهير.
(435) ذخائر الأخلاق: ابن عربي، ص153، طبعة مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة.
(436) الصوفية: العبدة - طارق عبد الحليم، ص51.
(437) ينظر في: التصوف المنشأ والمصادر: فصل الظاهر والباطن، ص243-255.
(438) الذخيرة في الحقيقة: للداعي الإسماعيلي علي بن الوليد المتوفى سنة 612هـ، ص113، طبعة دار الثقافة، بيروت، نقلاً عن التصوف المنشأ والمصادر، ص243.
(439) الافتخار: للداعي أبي يعقوب السجستاني، ص71، طبعة لبنان.
(440) انظر: الفتوحات الإلهية: ابن عجيبة الحسني، ص333، طبعة عالم الفكر، القاهرة.
(441) التصوف المنشأ والمصادر: إحسان إلهي ظهير، ص248.
(442) الفتوحات الإلهية: ابن عجيبة، ص333.
(443) قوت القلوب: لأبي طالب الملكي، ص120، طبعة دار صادر، بيروت.
(444) التصوف المنشأ والمصادر: ص252.
(445) الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص65.
(446) المرجع السابق: جـ11، ص225.
(447) المرجع السابق: جـ11، ص227.
(448) انظر: التصوف المنشأ والمصادر: ص260-274.
(449) مقالات الإسلاميين: الأشعري، ص289.
(450) الرسالة القشيرية: عبد الكريم القشيري، جـ1، ص22-24، تحقيق: د. عبد الحليم محمود، طبعة دار الكتب الحديثة، القاهرة.
(451) فضائح الباطنية: ص46، مؤسسة دار الكتب الثقافية، الكويت.
(452) انظر: دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص100-105.
(453) تذكرة الأولياء: فريد الدين العطار، ص82، طبعة باكستان.(1/235)
(454) جامع كرامات الأولياء: النبهاني، جـ1، ص245.
(455) قواعد التصوف: لأحمد بن رزق، ص20، طبعة مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1976م. والفتوحات الإلهية: ابن عجيبة الحسني، ط51، ط عالم الفكر بالقاهرة.
(456) الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص401.
(457) المرجع السابق: جـ11، ص402.
(458) المرجع السابق: جـ11، ص539.
(459) المرجع السابق: جـ11، ص585.
(460) شطحات الصوفية: عبد الرحمن بدوي، ص195. وانظر: الصوفية: محمد العبدة، ص53-54.
(461) لطائف المتن: ابن عطاء الله الاسكندري، ص248، تحقيق: عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر، مطبعة حسان، القاهرة.
(462) تفسير ابن عربي: جـ1، ص5، طبعة طهران، نقلاً عن التصوف المنشأ والمصادر، ص279.
(463) تذكرة الحفاظ: الذهبي، جـ3، ص249، طبعة القاهرة.
(464) المدرسة الشاذلية الحديثة: د. عبد الحليم محمود، ص403، طبعة القاهرة.
(465) الفتوحات المكية: ابن عربي، الباب الرابع والخمسون، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1405هـ.
(466) الصوفية: محمد العبدة، ص63،64.
(467) هذه هي الصوفية: عبد الرحمن الوكيل، ص129، عن فصوص الحكمة لابن عربي، ص130.
(468) المرجع السابق: ص130.
(469) مجموع الفتاوى: جـ11، ص274.
(470) انظر: مجموع الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص275-283.
(471) المرجع السابق: جـ11، ص280-283.
(472) انظر: المرجع السابق: ابن تيمية، جـ11، ص284-288.
(473) انظر: الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص284-288.
(474) المرجع السابق: جـ11، ص289-290، جـ11، ص173.
(475) المرجع السابق نفسه.
(476) عن كتاب: التصوف في ميزان البحث والتحقيق: عبد القادر بن حبيب الله السندي، مكتبة ابن القيم في المدينة النبوية، 1410هـ.
(477) الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص373-376.
(478) انظر: الأحوال الدينية عند المسلمين: علي بن بخيت الزهراني، ص332-336.
(479) الطبقات الكبرى: الشعراني، ص115، في ترجمة الشيخ محمد السروري، ت932هـ.(1/236)
(480) السابق: ص126، في ترجمة الشيخ إبراهيم عصيفر، ت942هـ.
(481) انظر: حلقات الصوفية: السلمي، ص295، وكتاب موقف الإمام ابن تيمية من التصوف والصوفية: د.أحمد البناني، ص244.
(482) الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص170-175.
(483) ينظر: الصلة بين التصوف والتشيع: د. كامل مصطفى الشيبي، ط بيروت، 1982م.
(484) انظر: الجرجاني: التعريفات ص39، 23. التصوف المنشأ والمصادر: ص231. التصوف: عبد القادر السندي، ص525. والصوفية: محمد العبدة، ص70-71.
(485) هذه هي الصوفية: ص125، عبد الرحمن الوكيل، طبعة دار الكتب العلمية.
(486) مقدمة ابن خلدون: الفصل الحادي عشر في علم التصوف، ص473، طبعة القاهرة.
(487) الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص439.
(488) المرجع السابق: جـ11، ص167.
(489) انظر: التصوف المنشأ والمصادر: إحسان إلهي ظهير، ص147-158.
(490) الفتوحات المكية: ابن عربي، جـ1، ص260.
(491) طبقات الشعراني: جـ2، ص14.
(492) المجالس الرفاعية: ص6، أحمد الرفاعي، مطبعة الإرشاد، بغداد.
(493) انظر: التصوف المنشأ والمصادر: من ص159 حتى ص185.
(494) الأصول من الكافي: جـ1، ص196-197، طبعة إيران، نقلاً عن المرجع السابق ص160.
(495) المواقف الإلهية: ابن قضيب البان، ص20، ملحق بكتاب الإنسان الكامل لعبد الرحمن بدوي، طبعة وكالة المطبوعات، الكويت، 1976م.
(496) غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية: النفزي الرندي، 1/262، طبعة دار الكتب الحديثة، القاهرة،1970م.
(497) مواقع النجوم: ابن عربي: ص102، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة بمصر.
(498) انظر: التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص166 وما بعدها.
(499) المواهب السرمدية: ص145-146، نقلاً عن النقشبندية: عبد الرحمن دمشقية، دار طيبة، الرياض، 1404هـ.
(500) حياة القلوب في كيفية الوصول إلى المحبوب: عماد الدين الأموي، وبها مسند قوت القلوب لأبي طالب، طبعة دار صادر، بيروت، ص261.(1/237)
(501) الإبريز: عبد العزيز الدباغ، طبعة مصر، ص242-274.
(502) انظر: التصوف المنشأ والمصادر: إحسان إلهي ظهير، ص201-212.
(503) اعتقادات الصدوق: ص108، طبعة إيران نقلاً عن التصوف المنشأ والمصادر.
(504) الفتوحات المكية: جـ3، ص183.
(505) الرسالة القشيرية: جـ2، ص521. مواقع النجوم: ابن عربي، ص80. غيث المواهب: النفزي، ص131.
(506) منهاج السنة النبوية: ابن تيمية، ص174، 175، طبعة لاهور، باكستان.
(507) اعتمدت كثيراً في هذا المبحث على كتاب ((السيد البدوي: دراسة نقدية)) د. عبد الله صابر، سلسلة الغزو الفكري في المناهج الدراسية، القاهرة، 1991م، دار الطباعة والنشر الإسلامية.
(508) السيد البدوي (أو دولة الدراويش في مصر): مطبعة الحرية، 1948م.
(509) مجلة السياسة الأسبوعية: عدد (89، 90، 92)، 1927م، مقالات تحت عنوان (المولدان الأحمدي والدسوقي).
(510) السيد البدوي: د. عبد الله صابر، ص6-7.
(511) انظر: مذكرات الدعوة والداعية: ص40-41.
(512) السيد البدوي شيخ وطريقة: ص47، د. سعيد عاشور نقلاً عن: الجواهر السنية لعبد الصمد ص7، والطبقات الكبرى للشعراني جـ1، ص183، طبعة سنة 1954م.
(513) سير أعلام النبلاء: 4/323.
(514) السيد البدوي: د. عبد الله صابر، ص8-9، ص28-29.
(515) السيد البدوي: د. عبد الله صابر، ص8-9، ص28-29.
(516) انظر: السيد البدوي - دراسة نقدية: د. عبد الله صابر، ص11-15.
(517) السيد أحمد البدوي: د. سعيد عاشور، ص57.
(518) د. أحمد صبحي ص9 (عن طبقات الرفاعية ص26، 47) في كتابه السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة: ص90.
(519) الجواهر السنية في الكرامات الأحمدية: عبد الصمد زين الدين الأحمدي، نقلاً عن: السيد البدوي: د. عبد الله صابر، ص14.
(520) الطبقات الكبرى للشعراني: جـ1، ص184، ط الحلبي، 1954م، د. سعيد عاشور، ص81.
(521) انظر تفصيلاً لذلك: السيد البدوي: د. عبد الله صابر، ص15.(1/238)
(522) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: جـ9، ص150، عن السيد البدوي السابق ص16.
(523) السيد البدوي: سعيد عاشور، ص128.
(524) انظر: السيد البدوي - دراسة نقدية: ص17-20.
(525) المرجع السابق: ص18-21.
(526) مجلة السياسة الأسبوعية: عدد (89)، 1927م.
(527) المقريزي: حوادث (663-664هـ).
(528) انظر: السيد البدوي - دراسة نقدية: ص26-31.
(529) البداية والنهاية: لابن كثير، جـ12، ص267، ط. دار الفكر، بيروت.
(530) موقف الإمام ابن تيمية من التصوف والصوفية: د. أحمد البناني، ص171.
(531) النقشبندية - عرض وتحليل: عبد الرحمن دمشقية، ص55-58.
(532) انظر: التصوف المنشأ والمصادر: ص121-135، وص223-230.
(533) تاريخ التصوف الإسلامي: د. قاسم غني، ترجمة صادق نشأة، ص142، 143، نقلاً عن التصوف المنشأ والمصادر: ص114-115.
(534) التصوف المنشأ والمصادر: ص114-115.
(535) في التصوف الإسلامي وتاريخه: ترجمة الدكتور أبو العلاء عفيفي، ص75.
(536) تلبيس إبليس: لابن الجوزي، ص345، ط دار الوعي ودار القلم، بيروت.
(537) تاريخ التصوف في الإسلام: د. قاسم غني، ترجمة صادق نشأت، ص221-222، طبعة مكتبة النهضة المصرية، القاهرة.
(538) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: ص72-74، عن التصوف في ميزان البحث والتحقيق: عبد القادر السندي، ص12.
(539) الفرق بين الفرق: ص254.
(540) الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص74.
(541) انظر: التصوف في ميزان البحث والتحقيق: عبد القادر السندي، فقد ترجم لسبعة عشر رجلاً من هؤلاء ((الفصل الرابع)).
(542) انظر ترجمته في المرجع السابق: ص643-716. والبداية والنهاية: 11/132-134، مطبعة دار الفكر، بيروت.
(543) انظر البداية والنهاية: 11/133. وأخبار الحلاج: ص60 مع كتابه الطواسي، طبعة مكتبة الجندي بمصر، 1970م، عبد الحفيظ محمد هاشم.
(544) جامع الرسائل: ابن تيمية، ص187، طبعة محمد علي صبيح: الرسالة الثالثة.(1/239)
(545) البداية والنهاية: ص138، الجزء الحادي عشر.
(546) درء تعارض العقل والنقل: ابن تيمية، 5/82.
(547) الصوفية: محمد العبدة، ص45.
(548) الفتاوى: ابن تيمية، جـ1، ص242.
(549) المرجع السابق: جـ11، ص239.
(550) المرجع السابق: جـ11، ص241.
(551) الرحلة الحجازية: 3/200، محمد لبيب البتنوني، مطبعة المعارف، جـ3، نقلاً عن: الأحوال الدينية عند المسلمين: علي بن بخيت الزهراني، ص237.
(552) الديوان: ص34 وما بعدها.
(553) هذه هي الصوفية: عبد الرحمن الوكيل، ص98، ط دار الكتب العلمية.
(554) ميزان الاعتدال: الجزء الثالث، رقم الترجمة (6173).
(555) التصوف في ميزان البحث والتحقيق: عبد القادر السندي، ص600.
(556) مجموعة الرسائل: جـ1، ص172.
(557) فصوص الحكم: ابن عربي، ص218. وسوف نفصل في موضوع الحب الإلهي في الفصل الثالث من هذا الباب.
(558) الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص67-68.
(559) جامع كرامات الأولياء: جـ1، ص99-200. المواهب السرمدية: ص210-213.
(560) عجائب الآثار: الجبرتي، جـ3، ص141.
(561) السيد البدوي - دراسة نقدية: د. عبد الله صابر، ص54.
(562) انظر: الأحوال الدينية عند المسلمين: علي بن بخيت الزهراني، ص171-218.
(563) فتاوى اللجنة الدائمة: جـ2، ص193. وانظر كتابنا: الحياة الدينية عند العرب: الباب الخامس، فصل ((ألوان من الشرك في حياة المسلمين المعاصرة)).
(564) الخطط التوفيقية: علي باشا مبارك، جـ3، ص338.
(565) عجائب الآثار في التراجم والأخبار: عبد الرحمن الجبرتي، جـ2، ص155، دار الفارس، بيروت.
(566) الرحلة الحجازية: محمد لبيب التبنوني، جـ2، ص219.
(567) انظر: كتاب السيد البدوي: د. عبد الله صابر، ص46-47.
(568) المسبوك في نيل السلوك: ص176، نقلاً عن المرجع السابق.
(569) دائرة المعارف الإسلامية: جـ1، ص468.
(570) الأحوال الدينية عند المسلمين: علي بن بخيت الزهراني، ص200 وما بعدها.(1/240)
(571) عجائب الآثار: الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، جـ2، ص479.
(572) رواه البخاري ومسلم.
(573) رواه الترمذي (كتاب الجنائز) برقم (320) وحسنه.
(574) انظر: الأحوال الدينية عند المسلمين: علي بن بخيت الزهراني، ص275-279.
(575) التصوف في مصر إبان العصر العثماني: د. توفيق الطويل، ص109، مطبعة الاعتماد، مصر، 1365هـ.
(576) عجائب الآثار في التراجم والأخبار: جـ3، ص319، الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، دار الفارس، بيروت.
(577) التصوف في مصر إبان العصر العثماني: ص120.
(578) الرسالة القشيرية: ص209، ص94.
(579) المرجع السابق نفسه.
(580) دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص15.
(581) رواه أبو داود.
(582) رواه البخاري.
(583) رواه الحاكم في المستدرك.
(584) انظر: التصوف المنشأ والمصادر: ص100-113. ودراسات في التصوف: ص25-30.
(585) عوارف المعارف: السهروردي، ص223، ط دار الكتاب العربي، 1983م.
(586) الطبقات الكبرى: الشعراني، جـ1، ص182-183.
(587) المرجع السابق نفسه.
(588) سيدي أحمد الدردير: د. عبد الحليم محمود، ص76، ط القاهرة، 1974م.
(589) اللمع للطوسي: أبي نصر السراج، ص269، ط دار الكتب الحديثة المصرية.
(590) الأحوال الدينية عند المسلمين: علي بخيت الزهراني، ص280-283.
(591) المرجع السابق نفسه.
(592) هو أبو الفوارس شاه بن شجاع الكرماني.
(593) كشف المحجوب: الهجويري، ص350، ترجمة عربية، طبعة بيروت. أيضاً تذكرة الأولياء: العطار، ص169، عن دراسات في التصوف، ص45.
(594) انظر: التصوف المنشأ والمصادر: ص50-78.
(595) رواه الشيخان.
(596) اللمع: الطوسي، ص265.
(597) قوت القلوب: جـ2، ص238.
(598) طبقات الشعراني: جـ1، ص46.
(599) رسالة بولس من العهد الجديد: الإصحاح السابع (الآيتان 10، 8).
(600) انظر: التصوف المنشأ والمصادر: ص74-78.
(601) إيقاظ الهمم: ابن عجيبة الحسني، ص213، ط3، مصطفى البابي، 1402هـ.(1/241)
(602) حياة القلوب: عماد الدين الأموي، جـ2، ص122، على هامش قوت القلوب، طبعة دار صادر، بيروت.
(603) التعرف لمذهب أهل التصوف: الكلاباذي، ص185، طبعة القاهرة، 1400هـ.
(604) النفحة العلية في أوراد الشاذلية: عبد القادر زكي، ص263، مكتبة المثنى بالقاهرة.
(605) قوت القلوب: لأبي طالب المكي، جـ2، ص67.
(606) انظر: كتاب التصوف الإسلامي منهجاً وسلوكاً: د. عبد الرحمن عميرة، ص33، مكتبة الكليات الأزهرية.
(607) انظر: التصوف المنشأ والمصادر: ص64-65.
(608) الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص200.
(609) المرجع السابق: جـ11، ص613.
(610) متفق عليه.
(611) انظر: مفاهيم ينبغي أن تصحح: الأستاذ محمد قطب، ص323، 328.
(612) التيجانية: علي بن محمد الدخيل الله، ص28، دار طيبة، الرياض.
(613) الرسالة القشيرية: ص95، 20، تحقيق د. عبد الحليم محمود، الطبعة الأولى، 1963م.
(614) انظر: دراسات في الفرق: د. صابر طعيمة، ص113-117، مكتبة المعارف، الرياض، 1403هـ.
(615) انظر: دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص189-212.
(616) مقصود المؤمنين: بايزيد الأنصاري، ص306، طبعة إسلام أباد، باكستان، نقلاً عن دراسات في التصوف، ص192، إحسان إلهي ظهير.
(617) انظر: شطحات الصوفية: للدكتور عبد الرحمن بدوي، ص44، طبعة الكويت.
(618) الفتاوى: ابن تيمية، جـ10، ص556.
(619) المرجع السابق: جـ10، ص396.
(620) انظر: دلائل الخيرات: ص112-113، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1346هـ.
(621) انظر: النفحة العلية في أوراد الشاذلية: ص12، عبد القادر زكي، طبع مكتبة المثنى، القاهرة.
(622) جامع كرامات الأولياء: النبهاني، جـ2، ص176.
(623) أبو الحسن الشاذلي: د. عبد الحليم محمود، ص387.
(624) انظر: دراسات في التصوف: ص212، إحسان إلهي ظهير.
(625) الأحوال الدينية عند المسلمين في القرنين الثالث والرابع الهجريين: علي بن بخيت الزهراني، 1414هـ، ص291، 292، 296.(1/242)
(626) المرجع السابق: علي بن بخيت الزهراني، ص298.
(627) التصوف في مصر إبان العصر العثماني: ص74، نقلاً عن السابق، ص300.
(628) انظر: السلطان عبد الحميد الثاني والخلافة الإسلامية: ص122، موفق المرجة، الكويت، 1981م.
(629) السيد البدوي - دراسة نقدية: د. عبد الله صابر، ص34-35.
(630) السيد البدوي: د. أحمد منصور، ص334، عن لواقح الأنوار: ص323.
(631) المدخل: ابن الحاج، جـ2، ص204. نقلاً عن: السيد البدوي: د. عبد الله صابر، ص35.
(632) انظر: الأحوال الدينية عند المسلمين: علي بن بخيت الزهراني، ص300-302.
(633) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: تحقيق د. عبد العزيز القارئ، المكتبة العلمية بالمدينة، ط1396هـ، جـ2، ص612.
(634) انظر تفصيلاً لذلك: دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص150-185.
(635) رياض الأسماع في أحكام الذكر والسماع: مطبعة التمدن بمصر، 1903م، ص6-14.
(636) نهر الذهب في تاريخ حلب: جـ1، ص281، المطبعة المارونية، 1342هـ، كامل بن حسين الحلبي. وانظر: الأحوال الدينية عند المسلمين: ص302-304، الزهراني.
(637) انظر: دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص150-161.
(638) الأنوار المقدسية في معرفة قواعد الصوفية: الشعراني، جـ2، ص679، طبعة دار إحياء التراث العربي، بغداد.
(639) كتاب اللمع: الطوسي. والرسالة القشيرية: جـ2، ص645.
(640) عوارف المعارف: السهروردي، ص179. الرسالة القشيرية: جـ2، ص650.
(641) انظر: دراسات في الفرق: د. صابر طعيمة، ص113-117، مكتبة المعارف، الرياض120-123.
(642) انظر: إحياء علوم الدين: جـ2، ص273، 274.
(643) وفيات الأعيان: ابن خلكان، جـ1، ص171-172.
(644) البداية والنهاية: جـ12، ص312.
(645) إحياء علوم الدين: الغزالي، جـ2، ص276 وما بعدها.
(646) دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص302.
(647) هذه هي الصوفية: عبد الرحمن الوكيل، ص239، دار الكتب العلمية، بيروت.(1/243)
(648) السيد البدوي: د. عبد الله صابر، ص36.
(649) مشارق أنوار القلوب: ابن الدباغ، ص47-48، طبعة دار صادر، بيروت، 1379هـ.
(650) دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص303.
(651) دراسات في الفرق: د. جابر طعيمة، ص61. عن اللمع: أبو نصر سراج الدين، ص452.
(652) رياضة الأسماع: أبو الهوى الصيادي، ص45. وانظر: الأحوال الدينية عند المسلمين: ص306-308، علي بن بخيت الزهراني.
(653) الفتاوى: ابن تيمية، جـ11، ص176.
(654) انظر: دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص180-185.
(655) عوارف المعارف: السهروردي، ص180.
(656) إحياء علوم الدين: جـ2، ص278-279، طبعة دار القلم، بيروت.
(657) السيد البدوي: د. عبد الله صابر، ص34، نقلاً عن سعيد عاشور، عن المدخل: ابن الحاج، جـ2، ص2 وما بعدها.
(658) هو الدكتور جابر طعيمة في كتابه: دراسات في الفرق: ص123 وما بعدها.
(659) الفتاوى: جـ11، ص599-600.
(660) المرجع السابق: جـ11، ص299-298، جـ11، ص534-535.
(661) الحر: يقصد أنهم يستبيحون الزنا.
(662) الفتاوى: ابن تيمية، جـ3، ص327.
(663) الإبداع في مضار الابتداع: الشيخ علي بن محفوظ، توزيع دار الإصلاح، الدمام، 1956م، طبعة خامسة، ص322.
(664) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: جـ1، ص224، تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت.
(665) جامع الأصول في الأولياء: الكمشخانوي، ص243. عن دراسات في التصوف: ص53.
(666) جامع كرامات الأولياء: جـ1، ص389.
(667) رواه الترمذي.
(668) رواه البخاري: جـ7، ص161-162، باب الدعاء بكثرة المال والولد. ومسلم: برقم (2840).
(669) انظر: دراسات في التصوف: إحسان إلهي ظهير، ص37-40.
(670) رواه البخاري: رقم (118).
(671) إيقاظ الهمم في شرح الحكم: ابن عجيبة الحسني، ص4، طبعة البابي الحلبي، القاهرة، 1982م.
(672) انظر: تاريخ الطبري: جـ3، ص554. طبقات ابن سعد: جـ3، ص184. تلبيس إبليس: ص282.
(673) تلبيس إبليس: ص282.(1/244)
(674) موقف الإمام ابن تيمية من الصوفية: د. أحمد البناني، ص125-126.
(675) الرسالة القشيرية: القشيري، ص134.
(676) انظر: الأحوال الدينية عند المسلمين: ص283-285، علي بن بخيت الزهراني.
(677) حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر: جـ2، ص930، عبد الرزاق البيطار، تحقيق محمد بهجت البيطار، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق، 1380هـ.
(678) الأحوال الدينية عند المسلمين: ص283، بتصرف يسير.
(679) التصوف في مصر إبان العصر العثماني: ص211، د. توفيق الطويل، مطبعة الاعتماد، مصر.
(680) واقعنا المعاصر: محمد قطب، ص144.
(681) عجائب الآثار في التراجم والأخبار: الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، جـ2، ص239، دار الفارس، بيروت.
(682) أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية: ص235.
(683) الأحوال الدينية عند المسلمين: علي بن بخيت الزهراني، ص328.
(684) عجائب الآثار: الجبرتي، جـ2، ص53.
(685) المرجع السابق: جـ2، ص185، 186.
(686) الأحوال الدينية عند المسلمين: ص232.
(687) الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام: جـ2، ص447. نقلاً عن المرجع السابق: ص318.
(688) فتلت المولوية: أي رقصت وترنّحت.
(689) يوميات الخليل: خليل مردم، ص62، عن الصوفية: محمد العبدة، ص93.
(690) الصوفية: محمد العبدة، طارق عبد الحليم، ص93.
(691) الأحوال الدينية عند المسلمين: ص327-331.
(692) الأحوال الدينية عند المسلمين: ص328.
(693) التيجانية: علي بن محمد الدخيل الله، ص61، دار طيبة، الرياض.
(694) الفكر والثقافة المعاصرة في شمال أفريقيا: أنور الجندي، (ص51، 52)، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1385هـ.
(695) التيجانية: علي بن محمد الدخيل الله، ص61.
(696) المرجع السابق نفسه.
(697) غيث المواهب العلية: التفزي الرندي، جـ1، ص197. وكشف المحجوب: الهجويري، ص252.
(698) مفاهيم ينبغي أن تصحح: الأستاذ محمد قطب، ص306.(1/245)
(699) الصوفية: الأستاذ محمد العبدة، ص78.
(700) الرسالة القشيرية في علم التصوف: عبد الكريم القشيري، ص44، الطبعة الأولى، القاهرة، 1972م.
(701) عوارف المعارف: عبد القادر السهروردي، ص403، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، 1966م.
(702) تنوير القلوب: ص529، نقلاً عن النقشبندية: ص79، عبد الرحمن دمشقية.
(703) الأمر المحكم المربوط فيما يلزم أهل طريق الله من الشروط: ابن عربي، المنشور مع ذخائر الأعلاق، ص269-270، ط. مطبعة السعادة، القاهرة.
(704) لطائف المنن: ابن عطاء الله السكندري، ص77.
(705) الفتاوى: ابن تيمية، جـ19، ص273.
(706) انظر: الصوفية: محمد العبدة، ص80.
(707) تنوير القلوب: 528.
(708) حلية البشر: ص1025.
(709) السابق: ص1025.
(710) كتاب المعسول: محمد مختار السنوسي، جـ1، ص205، نقلاً عن الحياة الدينية عند المسلمين: علي بن بخيت الزهراني، ص323-324 بإيجاز.
??
??
??
??
318
-15-(1/246)