أمّا الموقف الشخصي الذاتي، المعبّر بالتالي عن رؤية ذاتية واقتناع، فليس سهلا العثور عليه في متابعة حياة مسؤول كنسي، وقد نجد الكثير لراتسينجر/ بنديكت السادس عشر بصدد قضايا كنسية كانت مطروحة للبحث، ولكن ما يتعلّق بالإسلام وكيفية التعامل معه، أو استيعاب الإسلام والموقف منه، لا نجد إلا القليل النادر، ومن أهمّه ما يتحدّث عنه دانييل بايبس في "نيويورك صن" يوم 17/1/2006م، نقلا عن القسيس يوزيف ديسيو، الذي شارك مع البابا -الجديد آنذاك نسبيا- في ندوة كنسية حول الإسلام في أيلول/ سبتمبر 2005م ويقول إنّه لم يشهده في ندوات مشابهة (تعقد بإدارته منذ 1977م)، يدخل في النقاش ولكن بصورة هادئة وبعد الاستماع إلى الآخرين، أمّا في تلك الندوة فقد اعترض اعتراضا سريعا ومباشرا على فكرة "قابلية الإسلام للتطوّر" التي طُرحت في الندوة نقلا عن وجهة نظر أحد علماء باكستان المسلمين؛ إذ قال بنديكت السادس عشر معترضا من بداية النقاش، ما مؤدّاه "إنّ كلمة الله عند المسلمين كلمة أبدية كما هي، غير قابلة للتلاؤم مع المستجدّات أو التأويل، وهذا فارق أساسي مع المسيحية واليهودية، فكلمة الله عندهما أوكلت إلى البشر، وأوكل إليهم أن تتعدّل لتتلاءم مع المستجدّات".
الإساءة إلى الإسلام
أما الموقف الشخصي الذاتي المنسوب إلى البابا الكاثوليكي في روما بنديكت السادس عشر، فقد صدر قبل أشهر في إطار "ندوة كنسية داخلية"، أي محرّرا من وضع ردود الفعل الإعلامية والشعبية والسياسية في الحسبان، هو الموقف الأقرب إلى معرفة نظرته إلى الإسلام، فعندما يقول فيه إنّه "غير قابل للتطوّر"، يمكن أن نجد ذلك الفهم المبتسر والخاطئ للإسلام منسجما تماما مع الخطّ العام لمحور ما قال به "أستاذا محاضرا" في جامعة ريجنسبورج، التي عرفته متخصّصا بدرجة الأستاذية؛ أي إنّ المفترض به أنّه لا يلقي الكلام على عواهنه أو جزافا.
من هنا لا يصحّ التساؤل: ماذا تقصد الكلمات من حيث معناها، فهي واضحة، تعبّر عن رؤية مرفوضة إسلاميا.
ولا يعني ذلك أن تقترن بالرفض المطلق لما حاول المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية أن يعتذر به اعتذارا غير مباشر.. عندما قال مثلا: إنّ البابا الكاثوليكي لم يقصد الإساءة، فالواقع أنّ المشكلة في البداية لا تتمثّل في "قصده" بل في مضمون كلماته.
- أو قال أيضا إنّ فهم الكلمات يجب أن يكون باعتبارها وردت في"محاضرة" على مستوى علمي، وهذا صحيح، ولهذا لا يمكن اعتبارها غير "مدروسة".
إنّ موضوع المحاضرة هو الموضوع المفضّل قديما وحديثا لدى بنديكت السادس عشر، أي التوفيق بين "العلم والدين" أو "العقل والعقيدة"، وتلك "مشكلة كنسية" قديمة جديدة، ومن هنا كان حديثه عن الإسلام في المحاضرة -على أفضل التفسيرات- من باب "المثال"، الذي أراد ذكره للقول إنّ التناقض (في زعم القائل) بين الدين والعقل يمنع الحوار مع الآخرين.
واستشهاده بمقولة قيصر بيزنطي من حقبة القرون الوسطى ومقدّمات فتح القسطنطينية آنذاك له مغزاه، ولا يعني عدمَ تبنّيه هو لمضمون الاستشهاد، فلا يفيد الجدال الذي يثيره الناقدون لردود الفعل الإسلامية بهذا الصدد، بدعوى أنّ بنديكت السادس عشر لم يستخدم كلماته الذاتية عن الإسلام، فاختيار الاستشهاد هو المهم، وكان باستطاعة البابا الكاثوليكي ذي الأصل الألماني، المتحدّث بالألمانية، لجمهور ألماني، على الأرض الألمانية.. كان باستطاعته لو أراد شيئا آخر سوى "مضمون" الاستشهاد، أن يأتي مثلا ببعض ما قال عن الإسلام القيصر الألماني غليوم الثاني قبل أقلّ من قرن واحد، بدلا من القيصر البيزنطي إيمانويل الثاني قبل ستة قرون، أو مثل آخر ما قال به جوتة، أشهر شاعر وأديب ألماني، أو سواهما -وسواهما كثير- من مشاهير الفلاسفة الألمان وغير الألمان في حقبة "التنوير" الأوروبية.
لا ينبغي أن يأخذ الحديث عن الإساءة البابوية إلى الإسلام منحى التساؤل: هل وقعت أم لم تقع"؟. وهل كانت مقصودة أم غير مقصودة؟.. بل ينبغي:
1- الاستيعاب الهادئ والموضوعي لما قال به البابا الكاثوليكي الرومي بنديكت السادس عشر، كما هو، بنصه ومعناه الظاهر للعيان، وبموازين مجمل خلفيّاته الفكرية والعقدية والسياسية.
2- تثبيت الموقف الإسلامي المطلوب على المدى البعيد، وفق موازين المصلحة الإسلامية، والتعبير عنه وفق ما تقتضيه المصلحة الإسلامية، بما يتجاوز حدود الردود الآنية المتفاعلة مباشرة مع الحدث، هذا ما يحتاج إلى حديث آخر.
نبيل شبيب
================
# أسرار وراء كلام البابا عن الإسلام ونبيّه صلى الله عليه وسلم
الاربعاء:27/09/2006
(الشبكة الإسلامية) د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي - جامعة الإمام محمد بن سعود
يعجب بعض المتابعين من الحملة المتزايدة على الإسلام من بعض الزعماء الدينيين والسياسيين النصارى في السنوات الأخيرة، وتساءل بعضهم عن سر التوقيت والتزامن، فمن كلام بوش عن المسلمين الفاشيّين، إلى كلام البابا بندكت السادس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وقبلهما كلام رئيس الوزراء الإيطالي عن الحضارة الإسلامية، وبعده الرسوم المسيئة، وغير ذلك من حملات التشويه.
وربما تساءل البعض عن الأسباب الكامنة في هذه الحملات المتوالية، وريما حمّل بعض الكتَّاب إخوانه المسلمين وِزر هذه الحملات نظراً لما حدث من بعضهم من أعمال تفجير وقتل.
وأقول: إن ثمة سراً مهماً ينبغي ألاّ نغفل عنه في السر الحقيقي وراء هذه الحملات، ألا وهو الانتشار الواسع لدين الإسلام في معاقل النصرانية، الذي أقضّ مضاجع الرؤساء الدينيين والسياسيين، مما حدا ببعضهم للكلام الصريح عن ضرورة التصدي لانتشار دين الإسلام، وهذه بعض الإحصاءات والأخبار التي تشهد بهذا الانتشار:
أ - زيادة أعداد المساجد في دول الغرب:
ففي قلب أوروبا بدأت أعداد المساجد فيها تنافس أعداد الكنائس في باريس ولندن ومدريد وروما ونيويورك، وصوتُ الأذان الذي يرفع كل يوم في تلك البلاد خمس مرات، خيرُ شاهد على أن الإسلام يكسب كل يوم أرضاً جديدة وأتباعاً جدداً.
فقد أصبح للأذان من يلبيه في كل أنحاء الأرض، من طوكيو حتى نيويورك، وعند نيويورك ومساجدها نتوقف، ففي أوقات الأذان الخمس ينطلق الأذان في نيويورك وحدها في مائة مسجد، و بلغ عدد المساجد في الولايات المتحدة الأمريكية ما يقرب من (2000) مسجد والحمد لله، وترتفع في بريطانيا مئذنة نحو (1000) مسجد، وتعلو سماء فرنسا وحدها مئذنة (1554) مسجداً ولا تتسع للمصلين، وأما ألمانيا فتُقدّر المساجد وأماكن الصلاة فيها بـ(2200) مسجد ومصلى، وأما بلجيكا فيُوجد فيها نحو (300) مسجد ومصلى، ووصل عدد المساجد والمصلّيات في هولندا إلى ما يزيد عن (400) مسجد، كما ترتفع في إيطاليا وحدها مئذنة (130) مسجدًا، أبرزها مسجد روما الكبير، وأما النمسا فيبلغ عدد المساجد فيها حوالي (76 ) مسجداً.(2/96)
هذه فقط بعض الدول في أوروبا الغربية، عدا عن أوروبا الشرقية، والإقبال على الإسلام يزداد يوماً بعد يوم، ومن هذه المساجد يتحرك الإسلام، وينطلق في أوروبا، لذلك ليس غريباً أن تشدّد أوروبا وأمريكا في أمر المساجد ومراقبة أهلها، والتضييق في إعطاء الرخص لبنائها، ومن المفارقات العجيبة أن كثيراً من هذه المساجد كانت كنائس فاشتراها المسلمون وحولوها إلى مساجد!!
ب - تحذير الصحف الغربية من انتشار الإسلام:
فقد بدأت الصحف الغربية تطلق صيحات تحذير من انتشار واسع لدين الإسلام بين النصارى، ومن ذلك ما جاء في مقال نُشر في مجلة (التايم) الأمريكية "وستشرق شمس الإسلام من جديد، ولكنها في هذه المرة تعكس كل حقائق الجغرافيا، فهي لا تشرق من المشرق كالعادة، وإنما ستشرق في هذه المرة من الغرب".
أما جريدة (الصانداي تلغراف) البريطانية فقالت في نهاية القرن الماضي: "إن انتشار الإسلام مع نهاية هذا القرن - يعني الذي مضى- ومطلع القرن الجديد - يعني الذي نحن فيه - ليس له من سبب مباشر إلاّ أن سكان العالم من غير المسلمين بدؤوا يتطلعون إلى الإسلام، وبدؤوا يقرؤون عن الإسلام، فعرفوا من خلال اطلاعهم أن الإسلام هو الدين الوحيد الأسمى الذي يمكن أن يُتبع، وهو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية".
مجلة (لودينا) الفرنسية قالت بعد دراسة قام بها متخصصون: "إن مستقبل نظام العالم سيكون دينياً، وسيسود النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي؛ لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة".
ج - انتشار بيع نسخ القرآن الكريم والكتب الإسلامية:
وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، التي كان لها آثار سيئة واسعة على النشاطات الإسلامية في الغرب وعلى دول الإسلام، إلاّ أنه مع ذلك ازداد في العالم الغربي الإقبال على التعرف على الإسلام بصورة غير متوقعة، وأصبحت نسخ القرآن الكريم المترجمة من أكثر الكتب مبيعاً في الأسواق الأمريكية والأوروبية حتى نفدت من المكتبات، لكثرة الإقبال على اقتنائها، وتسبب ذلك في دخول الكثير منهم في الإسلام، وفي ألمانيا وحدها بيعت خلال سنة واحدة (40) ألف نسخة من كتاب ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الألمانية. كما أعادت دار نشر (لاروس) الفرنسية الشهيرة طباعة ترجمة معاني القرآن الكريم بعد نفادها من الأسواق.
د- تزايد أعداد الداخلين في الإسلام:
ففي عام 2001 نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) مقالاً ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأمريكيين يقدرون عدد الأمريكيين الذين يعتنقون الإسلام سنوياً بـ (25 ) ألف شخص، وأن عدد الذين يدخلون دين الله يومياً تضاعف أربع مرات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حسب تقديرات أوساط دينية. والمدهش أن أحد التقارير الأمريكية الذي نُشر قبل أربع سنوات ذكر أن عدد الداخلين في الإسلام بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر قد بلغ أكثر من ثلاثين ألف مسلم ومسلمة، وهذا ما أكده رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي؛ إذ قال: " إن أكثر من (24 ) ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، "وهو أعلى مستوى تَحقق في الولايات المتحدة منذ أن دخلها الإسلام".
أما في فرنسا فقد أوردت صحيفة (لاكسبرس) الفرنسية تقريراً عن انتشار الإسلام بين الفرنسيين جاء فيه: "على الرغم من كافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية مؤخرًا ضد الحجاب الإسلامي وضد كل رمز ديني في البلاد، أشارت الأرقام الرسمية الفرنسية إلى أن أعداد الفرنسيين الذين يدخلون في دين الله بلغت عشرات الآلاف مؤخرًا، وهو ما يعادل إسلام عشرة أشخاص يوميًا من ذوي الأصول الفرنسية، هذا خلاف عدد المسلمين الفعلي من المهاجرين ومن المسلمين القدامى في البلاد".
وقد أشار التقرير إلى أن أعداد المسلمين في ازدياد من كافة الطبقات والمهن في المجتمع الفرنسي، وكذلك من مختلف المذاهب الفكرية والأديان، من علمانيين إلى بوذيين إلى كاثوليك وغيرهم، كما أشار التقرير إلى نشاط بعض الجاليات المسلمة وجماعات مثل جماعة التبليغ في الدعوة إلى الإسلام في المجتمع الفرنسي.
كما ورد في التقرير إلى أن عدد المعتنقين الجدد للإسلام من الفرنسيين يصل إلى(60) ألفًا مؤخرًا، سواء أولئك الذين أسلموا بدافع حبهم وإعجابهم بهذا الدين، أو بدافع البحث عن الهوية والبحث عن الذات، الكثير منهم من شباب المدن، ويتراوحون ما بين 'الأصولية' والاعتدال. منهم مهندسون.. جامعيون.. رؤساء شركات.. مدربون.. مدرسون.. طلاب.. عاطلون.. متحفظون أو متدينون بشكل واضح... كل هؤلاء الأشخاص يشكلون لبنة جديدة في المجتمع الإسلامي الجديد، وهم بمثابة الأسرة الكبيرة في مختلف مجالات الحياة بالمجتمع الفرنسي .ومن هؤلاء على سبيل المثال: فنان الراب في مدينة مرسيليا المسمى إخناتون، ولاعب الكرة (فرانك ريبري)، ومصمم الرقصات (موريس بيجار) وأيضًا (كليمون) -أصغر أبناء رئيس وزراء الحزب الاشتراكي السابق- موريس توريز'.. كل هؤلاء أعلنوا إسلامهم منذ فترة ليست بالبعيدة.. ومعتنقو الإسلام من الجيل الأول من بينهم فنانون وحاملو شهادات رفيعة، ومعظمهم يفضلون ممارسة الإسلام النقي الصافي، كما أنزله الله على نبيه محمد.. انتهى ما ورد في التقرير..
ونظراً لهذه الشواهد المؤكدة لإقبال الغربيين على الإسلام فقد حذّر أسقف إيطالي بارز من (أسلمة أوروبا)، وفي مدينة بولونيا الإيطالية حذّر أسقف آخر من أن الإسلام سينتصر على أوروبا إذا لم تغدُ أوروبا مسيحية مجددًا.. يحدث هذا الإقبال وهذا التخوف من الإسلام على الرغم من ملاحظة أمور مهمة:
أولها: أن الأوضاع الحاضرة ليست في مصلحة الإسلام والمسلمين؛ فالأحداث السيئة في بلاد الإسلام قد تعطي البعض نظرة سيئة تجاه هذا الدين بسبب أوضاع أهله.
وثانيها: تلك الجهود الهائلة والإمكانات الضخمة التي يبذلها النصارى في سبيل نشر الديانة النصرانية، على كافة الأصعدة، حتى بلغت ميزانيات بعض مجالس الكنائس العالمية أكثر من مليار دولار للسنة الواحدة.
وثالثها: التضييق على النشاطات الإسلامية والمراكز والجمعيات الخيرية الإسلامية في كثير من الدول.
ومع ذلك لا يزال هذا الدين الحق دين الإسلام ينتشر ويعتنقه الكثيرون، ونظراً لأن النصارى خصوصاً رجال الدين ينظرون للإسلام بصفته ديناً منافساً، فقد رأوا فيه خطراً على أوروبا، ولذا حرصوا على إثارة الشبهات حوله لحماية النصارى من خطره كما يتصورون.
وقد جاءت الأحداث الأخيرة ليتخذوا منها أدلة يؤيدون به مزاعمهم الباطلة عن الإسلام، فزعم كثير من غلاة النصارى أن حوادث الإرهاب سببها دين الإسلام، و يمكن لكل عاقل أن يجيب عن هذه الشبهة بحوادث التاريخ القريب، والواقع الذي نعيشه؟ فهل نقول: إن دين النصارى هو سبب الإرهاب لأنهم خلال الحربين العالميتين قتلوا الملايين من أبناء جلدتهم النصارى؟ فضلاً عمن قتلوهم من المسلمين أثناء حروبهم الاستعمارية. هل ننسب القتل والتدمير إلى دينهم؛ لأن الأمريكان النصارى قتلوا مئات الآلاف بالقنبلة الذرية؟(2/97)
هل نقول: إن دين النصارى يدعو للقتل واحتلال البلدان الأخرى؛ لأن الرجل المتدين المحافظ ربيب القسس (بوش)، غزا العراق ودمرها وقت آلاف المدنيين العزل، وأحدث فيها فوضى يجني مرارتها ملايين العراقيين؟ هل نقول: إن دين النصارى دين القتل والإرهاب؛ لأن قسس ورهبان الهوتو في إفريقية ساهموا في المذابح التي حدثت للتوتسي. وقد طُلب بعضهم كمجرمي حرب للأمم المتحدة؟ هل ما حدث في البوسنة والهرسك من مذابح واغتصاب للمسلمين على أيدي الصرب يُحسب على دين النصارى وعلى المسيح عليه السلام؛ لأنه جاء في الإنجيل "ما جئت لألقي سلاماً على الأرض"؟ هل مذابح المسلمين في ليبريا وسيراليون التي قام بها النصارى ننسبها للمسيح ودينه؟
إن على البابا بندكت أن يصلح حال كنائسه التي زكمت فضائح شذوذ رجال الدين فيها الأنوف قبل أن يتحدث عن الإسلام ونبيه بتلك اللهجة المتحاملة؛ فمن كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بحجر.
============
# البابا يتحاشى الاعتذار ويدعو لحوار حقيقي وصادق
الاثنين :25/09/2006
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
البابا سلط الأضواء على حوار الأديان متجاوزا تصريحاته المسيئة دعا بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر اليوم إلى أن تتطور علاقات الثقة بين المسلمين والمسيحيين إلى حوار حقيقي وصادق، وأكد احترامه للمسلمين.
وفي كلمة له أمام عدد من سفراء وقناصل الدول ذات الغالبية المسلمة المعتمدين بالفاتيكان وممثلين عن مسلمي إيطاليا بالمقر الصيفي له قرب روما، ركز بنديكت الـ16 على أن المسلمين والمسيحيين يعبدون إلها واحدا، مذكرا بموقفه الداعي لتعزيز جسور الصداقة مع الأديان خاصة مع الإسلام.
وخلت كلمة البابا من الإشارة إلى تصريحاته الأخيرة المسيئة للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، والتي أثارت موجة من الغضب في أنحاء العالم الإسلامي، داعيا في الوقت ذاته المؤمنين المسيحيين والمسلمين إلى أن يرفضوا العنف بجميع أشكاله.
يأتي خطاب بنديكت الـ16 بعد أن شهدت العديد من الدول العربية والإسلامية احتجاجات يوم الجمعة الذي دعا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د. يوسف القرضاوي، لاعتباره يوما للغضب ردا على تصريحات البابا المسيئة إلى الإسلام.
وكان بابا الفاتيكان عبّر عن الأسف قائلا إن تصريحاته التي ألقاها يوم 12 سبتمبر /أيلول "أسيئ فهمها".
=============
# أزنار يدافع عن البابا ويطالب المسلمين بالاعتذار
الاحد :24/09/2006
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
أزنار اعتبر حوار الحضارات بين المسلمين والأوروبيين سخافة شن ئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أزنار هجوما لاذعا ضد المسلمين ودافع عن البابا بنديكت السادس عشر عقب تصريحاته المسيئة إلى الإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام, والتي أثارت موجة من الغضب في أنحاء العالم الإسلامي.
وزعم أزنار أن العالم الإسلامي "لا يعتذر أبدا, فيما يطلب المسلمون من الغرب الاعتذار", وتساءل بقوله "لماذا علينا دائما أن نطلب الصفح وهم لا يعتذرون أبدا؟".
وأضاف أزنار خلال إلقائه محاضرة بعنوان "التهديدات العالمية" أن العديد من الأشخاص في العالم طلبوا من البابا أن يعتذر عن محاضرته، و"أنا لم أسمع يوما مسلما يقدم اعتذاره لغزو إسبانيا واحتلالها على مدى ثمانية قرون".
واستطرد بقوله "إننا في زمن حرب, فإما هم وإما نحن, الغرب لم يهاجم الإسلام, إنهم هم الذين هاجمونا", ودعا إلى مواجهة ما وصفه بالإسلام الأصولي والإسلام الراديكالي. كما زعم أن الغرب يتعرض للهجوم بصورة دائمة وأن عليه الدفاع عن نفسه, معتبرا في الوقت ذاته تحالف الحضارات بين الغرب والعالم الإسلامي "سخافة".
يوم غضب
ويأتي موقف أزنار بعد يوم من تنظيم يوم غضب في مختلف الدول العربية والإسلامية كان رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي دعا إليه بعد تصريحات البابا المسيئة إلى الإسلام.
وقال القرضاوي إن البابا هاجم العالم الإسلامي بغير مبرر وغير ضرورة، مضيفا -في خطبة الجمعة في أحد مساجد الدوحة- أن للمسلمين الحق في الرد على إساءته بالمثل لأن إساءته تتعلق بدين وعقيدة وحضارة من الحضارات الكبرى.
وانتقد الشيخ القرضاوي عدم تحقق البابا من صحة حديثه عن الإسلام خاصة أنه يتحدث في موضوع من المفترض أن يكون من اختصاصه, وعدم مبالاته بالأمة الإسلامية وعدم التمهيد للحوار الذي دعا إليه لدى تسلمه البابوية.
===============
# القرضاوي جدد انتقاد البابا والآلاف تظاهروا بيوم الغضب
السبت :23/09/2006
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
باكستانيون يتظاهرون في مدينة كويتا شمالي البلاد احتجاجا على تصريحات البابا (رويترز)
جدد رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي انتقاده لتصريحات البابا بنديكت السادس عشر المسيئة للإسلام وسط مؤشرات على ضعف التجاوب مع دعوته لتنظيم يوم للغضب "العاقل" عليها.
وقال الشيخ القرضاوي اليوم إن البابا هاجم العالم الإسلامي بغير مبرر وغير ضرورة، مضيفا -في خطبة الجمعة في مسجد عمر بن الخطاب بالدوحة- أن للمسلمين الحق في الرد على إساءته بالمثل لأن إساءته تتعلق بدين وعقيدة وحضارة من الحضارات الكبرى.
وانتقد الشيخ القرضاوي عدم تحقق البابا من صحة حديثه عن الإسلام خاصة أنه يتحدث في موضوع من المفترض أن يكون من اختصاصه, وعدم مبالاته بالأمة الإسلامية وعدم التمهيد للحوار الذي دعا إليه لدى تسلمه البابوية.
أعلام سود
في السياق تجمع آلاف الفلسطينيين في عدة مدن في غزة والضفة الغربية. ورفع آلاف المتظاهرين أعلاما سودا ولافتات منددة بتصريحات البابا في الحرم القدسي الشريف قبل أن يتفرقوا بسلام، فيما تظاهر عدة مئات برام الله.
وقالت مراسلة الجزيرة نت إن رئيس هيئة العلماء المسلمين الشيخ عكرمة صبري تطرق في خطبة الجمعة إلى تصريحات البابا حيث قال إن الأخير جاهل بالإسلام.
وفي نابلس شمال الضفة خرج نحو ألفي شخص بعد صلاة الجمعة إلى الشوارع رافعين أعلام حماس مرددين شعارات مستنكرة لتصريحات البابا. أما في الخليل فخرجت مظاهرة بعد صلاة الجمعة شارك فيها رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ تيسير التميمي.
وفي شمال غزة تظاهر نحو ألف من أنصار حركة الجهاد الإسلامي ملوحين بالأعلام السوداء. وخاطب القيادي في الحركة خضر حبيب المتظاهرين قائلا إن تصريحات البابا تدل على أنه "لايفهم الإسلام ونبيه".
إسلاميو الأردن
وفي العاصمة الأردنية اعتصم مئات الأشخاص أمام مقر حزب جبهة العمل الإسلامي في العاصمة عمان ورفعوا اللافتات التي تندد بتصريحات البابا وتطالب بالاعتذار الصريح.
ويأتي تنظيم الاعتصام عقب رفض السلطات الأردنية منح الإسلاميين تصريحاً لتنظيم مسيرة كانت مقررة اليوم بعد صلاة الجمعة إلى مقر سفارة الفاتيكان في عمان.
وخلال الاعتصام انتقد القيادي الإسلامي ورئيس لجنة علماء الشريعة في حزب جبهة العمل الإسلامي إبراهيم زيد الكيلاني تصريحات البابا، ورأى أنها تأتي في إطار الهجمة على الإسلام، مجدداً المطالبة بالاعتذار الصريح عن تلك التصريحات، ومنتقداً الدول الإسلامية التي قبلت بالأسف الذي أبداه البابا.(2/98)
وفي باكستان تظاهر المئات من أنصار ائتلاف للأحزاب الإسلامية، وطالبوا بتنحي البابا واتهموه بدعم سياسات إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تجاه المسلمين.
ونظم مئات من أنصار الائتلاف ذاته مظاهرة مماثلة في كراتشي كما تظاهر محتجون مسلمون في لاهور وكويتا. وجاءت هذه التحركات استجابة لدعوة وجهتها جماعة الدعوة، وهي جمعية خيرية تدير عددا من المدارس والمؤسسات الصحية.
في السياق دعا رئيس وزراء ماليزيا السابق محاضر محمد الفاتيكان إلى عمل المزيد لترميم العلاقات مع المسلمين بعد تصريحات بابا روما.
لقاء بالفاتيكان
مقابل ذلك سعى الفاتيكان اليوم إلى التقارب مع ممثلي العالم الإسلامي على خلفية القضية حيث أعلن عن دعوة سفراء الدول الإسلامية المعتمدين لديه إلى اجتماع يعقد في المقر الصيفي للبابا الاثنين المقبل.
وقال رئيس المجلس البابوي للحوار بين الديانات الكاردينال الفرنسي بول بوبار إن الاجتماع يطمح لأن يكون "إشارة إلى ان دعوة البابا إلى الحوار بين الثقافات والأديان تلقى تجاوبا كبيرا"
==============
# بيان من مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.. ردا على اتهامات البابا
الخميس :21/09/2006
(الشبكة الإسلامية)
يتابع مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ببالغ الأسف والإنكار ما أدلى به البابا بنديكت السادس عشر رأس الكنيسة الكاثوليكية على مستوى العالم من تصريحات مسيئة للإسلام والمسلمين في محاضرته بجامعة ريجنسبرج، وهي تصريحات تنم عن ذهول أو جحود لأبسط الحقائق الإسلامية، الأمر الذي لا يليق برجل في مثل سنه ومكانته اللاهوتية، فهو الذي شارف الثمانين من عمره، وأنفق حياته بأسرها في الدراسات اللاهوتية، وتبوأ منصب الأستاذية بالجامعة، وأسس بها علم الأديان، وتدرج في المناصب اللاهوتية حتى تبوأ منصب البابوية منذ ما يزيد على عام!
ورغم كل مشاعر الغضب والاستياء التي تجتاح العالم الإسلامي عامة وتجتاح مشاعر أعضاء المجمع وخبرائه خاصة بمناسبة هذه التصريحات الفجة إلا أننا سننطلق من أدب الإسلام في مجادلة المخالفين، ونستصحب قوله تعالى في محكم آياته: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}، وسنتوجه بكلمة هادئة إلى البابا بنديكيت السادس عشر وإلى العالم من ورائه راجين أن يكون فيها إقامة للحجة وتبرئة للذمة!
أولا: حول طلاقة المشيئة الإلهية
يذكر البابا في حديثه " أن (الله) في العقيدة الإسلامية مطلق السمو، ومشيئته ليست مرتبطة بأي شيء من مقولاتنا، ولا حتى بالعقل، ثم عقد مقارنة مع الفكر المسيحي المتشبع بالفلسفة الإغريقية، زاعما أن الفكر المسيحي ينحاز إلى العقل، ويرفض كل ما يتناقض معه، ودلل على ذلك بما جاء في أول فقرة في سفر التكوين، وهي أول فقرة في الكتاب المقدس ككل استخدمها يوحنا في بداية إنجيله قائلا: في البدء كانت الكلمة (يلاحظ أن هذه الكلمة لم ترد في صدر سفر التكوين كما ذكر وإنما ورد فيه " في البدء خلق الله السماوات والأرض"
أما طلاقة المشيئة الإلهية فهي موضع إجماع المسلمين بل هي موضع إجماع الرسالات السماوية جميعا قبل أن تمتد إليها يد البشر بالتحريف والتبديل، ولكن هذا يمثل نصف الحقيقة فقط، أما نصفها الآخر فهو ما أجمع عليه حملة الشريعة أيضا من أن مشيئة الله تعالى مرتبطة بحكمته لا تنفصل عنها، فلا يشاء أمرًا مخالفًا للحكمة ولا مخالفا للحق، فهو لا يخلق شيئًا باطلاً، ولا يشرع شيئًا عبثا، بل هو حكيم فيما خلق، وحكيم فيما شرع، فخبره صدق، وحكمه عدل، {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا}، فهو الحكم العدل، وتكرار ذلك في القرآن مما يدركه القاصي والداني، فلا تتعلق مشيئته بباطل، ولا تتعلق مشيئته بظلم، كيف وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق وأنزل الكتاب بالحق، وحرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده، وهو جل وعلا لا يفعل إلا ما فيه الخير والصلاح لعباده، كما قال صلى الله عليه وسلم في مناجاته لربه: "الخير بيديك، والشر ليس إليك".
ثانيا : حول الثبات والتطور في مدلول كلمات الله
وللمزيد من استجلاء الحقيقة حول مدى استيعاب البابا للتصور الإسلامي نتابع كلمته - في ندوة كنسية حول الإسلام في أيلول/ سبتمبر 2005م - حول قابلية الإسلام للتطور التي اعترض عليها بشدة قائلا "إنّ كلمة الله عند المسلمين كلمة أبدية كما هي، غير قابلة للتلاؤم مع المستجدّات أو التأويل، وهذا فارق أساسي مع المسيحية واليهودية، فكلمة الله عندهم أوكلت إلى البشر، وأوكل إليهم أن تتعدّل لتتلاءم مع المستجدّات".
ولتصحيح هذا التصور المغلوط نقول: إن كلمات الله منها المحكم القطعي ومنها المتشابه الظني ولله في ذلك كله الحكمة البالغة، ولو شاء الله عز وجل أن يجعل كلماته جميعا على نحو لا يحتمل في الفهم إلا معنى واحدًا ما أعجزه ذلك، ولكنه جعل منها القواطع التي تمثل الشرع المحكم الذي تجتمع عليه كلمة المسلمين ويمثل مبنى دينهم، وجعل منها المتشابهات التي تمثل دائرة المرونة والتوسعة في هذه الملة حتى لا تحبس الأمة في اجتهاد واحد أو في تفسير واحد، وبهذا يجمع مدلول كلمة الله بين الثبات والتطور، وبين القطعي والظني، وبين المحكم والمتشابه، ولهذا استوعبت شريعة الإسلام ما لايحصى وما لا يتناهي من الوقائع والأحداث، وبينت أحكام الله بشأنها، وذخرت المكتبة الإسلامية بمئات الألوف من الذخائر الفقهية التي حوت نفائس الاجتهادات ودقائق الاستنباطات، واستوعبت حاجات الإنسان على مدى الزمان وعلى مدى المكان، فلم تضق بجديد ولم تصادر فطرة، ولم تقمع حاجة بشرية حقيقية، ولم تعنت أحدا من البشر، ولا يزال فقهاؤنا يتحدثون عن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، وعن المصلحة ودورها في استنباط الأحكام، وعن الضرورات وفقهها، والحاجات وتنزيلها منزلة الضرورات في إباحة المحظورات في منظومة تشريعية بديعة محكمة ومنضبطة أذهلت العالم كله شرقا وغربا مما لا أظنه يخفى عن رجل في مثل سن البابا وعلمه.
ولا تزال المجامع الفقهية المعاصرة تنظر نوازل الأمة ومستجدات حياتها، وتستنبط أحكامها وتقدم الصيغ والبدائل للمعاملات المحرمة في إطار يجمع بين المحافظة على الأصل واستيعاب العصر، فلم تحل حراما مجمعا عليه، ولم تحرم حلالا مجمعا عليه، ولم تبدل شرعا مجمعا عليه، ولم تقدم بين يدي الله ورسوله، فبقي الدين محفوظا من الخلل، وبقيت الأمة ممنوعة من الزلل.
أما ما فعله أحبار اليهود والنصارى بشرائعهم فالبابا أخبر به! لقد استحفظوا كتاب الله تنزيلا وتأويلا، فما حافظوا على تنزيل ولا على تأويل، لقد دخل التحريف على التنزيل بما يقر به علماء النصرانية أنفسهم وبما يغني عن الاستشهاد عليه من خارجهم، أما تحريفات التأويل فحسبك أنهم يحلون الحرام ويحرمون الحلال، وما خبر تقنين الشذوذ والسحاق وزواج المثل وإباحة الربا وقد نهوا عنه ببعيد، وهو الأمر الذي يستنكره البابا لما عرف من تصلبه، ولكن كنائس عديدة ومرجعيات نصرانية معتبرة في شرق العالم وغربه أقرته تحت سمع العالم وبصره، وهو الذي أشار إليه القرآن بحق في قول الله جل وعلا {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}.. وقد كانت الربوبية فيهم أنهم يحلون الحرام ويحرمون الحلال فيتابعونهم على ذلك.
ثالثا: حول العلاقة بين الإسلام والعقل(2/99)
إذا كانت أول فقرة استخدمها يوحنا في بداية إنجيله كما يقول البابا: في البدء كانت الكلمة. فإن أول كلمة تنزلت في القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم هي قول الله جل وعلا {اقرأ باسم ربك الذي خلق } فهي دعوة إلى القراءة ودعوة إلى العلم، ولا يعرف كتاب احتفى بالنظر ودعا إلى التدبر وقدر العقل وأعلى من شأنه كالقرآن الكريم، وآياته التي يقرؤها المسلمون في المشارق والمغارب شاهدة بذلك، فقد أشاد هذا الكتاب الكريم بالعقل، وجعله مناط التكليف، وأصبح من القواعد الثابتة في شرعنا أن من لا عقل له، لا تكليف عليه، وقد أمر الله الناس أن يعملوا عقولهم، وأن يتفكروافي ملكوت السماوات والأرض، حتى يخلص الإنسان من خلال ذلك إلى الحق الذي بعث الله به أنبياءه ورسله، قال تعالى :{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }(سبأ:46) ، وعير سبحانه الكفار بتركهم تعقل وتفهم وحيه، فشبههم بالبهائم، فقال سبحانه : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ }(البقرة:171) ، وقال أيضاً : {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}( الأنفال:22)، والآيات في هذا الباب كثيرة، وهي لا تزال كتابا مفتوحا على العالم أجمع، فالعقل أساس النقل، وبالعقل ثبت النقل والوحي والنبوة، وإن من الأبجديات والبدهيات في دين الإسلام أن العلم يسبق الإيمان، وأن الإيمان ثمرة له، كما في قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 54] فجعل العلم سابقا والإيمان ثمرة له، ولايعرف في الإسلام تعارض بين عقل صحيح ونص صريح، وهو تحد معروض على العالم كله، فليأتونا بمثال واحد يهدم هذه الحقيقة، ولعلماء المسلمين في درء التعارض بين العقل والنقل مراجع ومطولات، ولهم في ذلك من القوانين والقواعد الكلية ما لا يزال مفخرة للفكر البشري كله.
ومن العجيب أن يرمي رأس الكنيسة الإسلام بهذه الفرية ولا يعرف دين حفل بالعجائب والخرافات كالنصرانية المحرفة التي يتبوأ البابا عرش بابويتها والتي تقول تعاليمها: آمن ثم اعلم!
اعتقد وأنت أعمى! أغمض عينيك ثم اتبعني! والتي يقول أحد فلاسفتها الدينيين (أوغستين): أومن بهذا لأنه محال، أو غير معقول! ويقول أحد قساوستها من المعاصرين وهو القس وهيب الله عطا: "إن التجسيد قضية فيها تناقض مع العقل والمنطق والحس والمادة والمصطلحات الفلسفية، لكننا نصدق ونؤمن أن هذا ممكن حتى ولو لم يكن معقولاً " (عن كتاب مقارنة الأديان لشلبي 2/124 ) .
هل يستطيع البابا أن يمنطق لنفسه أو للعالم عقائد النصرانية من الصلب والفداء والتثليث والتجسيد والعشاء الرباني وسائر ما حفلت به عقائد القوم من العجائب والغرائب والأباطيل؟!!
رابعا:حول مفهوم الجهاد في الإسلام
يدندن البابا حول مغالطة كبرى معادة ومكرورة، يزعم من تولى كبرها أن الإسلام قد انتشر بالسيف، أي أن حروبه كانت لقهر الناس على الإيمان، ثم يصول البابا ويجول في بيان أن هذا مجاف للمنطق ولطبائع الأشياء، بل مجاف لطبيعة الرب ذاته التي لا تحب الدماء والتي تجعل من الكلمة والإقناع الطريق الوحيد إلى الإيمان.
والحقيقة التي لا مراء فيها أن الجهاد في الإسلام إنما شرع لدرء الحرابة وكف العدوان، وليس للإكراه على الدين سواء أكانت هذه الحرابة واقعة بالفعل، وهو ما يسمى بجهاد الدفع، أو متوقعة ولاحت نذرها بدلائل قطعية وبينات يقينية وهذا هو جهاد الطلب، وحسبنا هذه الآية القطعية المحكمة من كتاب الله عز وجل {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} [البقرة:256]. ولم تخرج حروبه كلها صلى الله عليه وسلم عن ذلك لمن تدبر السيرة وأمعن النظر في حروبه وغزواته صلى الله عليه وسلم؛ ذلك أن هذه الأمة أمة هداية، وليست أمة بغي وحرابة، وحيثما أمكن استحياء النفوس بالإيمان أو بالأمان فلا ينبغي العدول عن ذلك فإن الله تعالى لم يبح من قتل النفوس إلا ما لا بد منه لصلاح الخلق، دفعا للعدوان ودحرا للمعتدين، ولعل الله أن يخرج من أصلابها من يعبد الله تعالى ويوحده، وقد قال تعالى: { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين }.
وكل ما ذكره البابا من مجافاة القهر على الإيمان للمنطق ولحكمة الرب جل وعلا فهو وإن كان صحيحا في مجمله ولكنه لا علاقة له بالإسلام الذي يسوق البابا هذا الكلام للإرجاف حوله والتشنيع عليه.
وإذا كان البابا ينطلق في حديثه من بعض حوادث العنف التي تقع في مناطق متفرقة من العالم، فلا أحسب أنه يخفى على مثله أن العنف ظاهرة عالمية لم تكد تنفك عنها أمة من الأمم ولا ملة من الملل، وأن ما يقع من مظاهر العنف في بعض مناطق العالم الإسلامي أو من بعض من ينتسبون إليه فإن منه ما هو مشروع لا ينكره على أصحابه إلا ظالم لنفسه، وهو ما يندرج تحت أعمال المقاومة المشروعة التي اتفقت على مشروعيتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، كهذا الذي يجري على أرض فلسطين والعراق ولبنان وغيرها من المناطق المحتلة في عالمنا الإسلامي لدفع ما وقع عليها من الظلم والعدوان، والذي لو وقع مثله على دولة الفاتيكان ما وسع البابا إلا أن يعلن بنفسه النفير، وأن ينضم إلى قوافل المقاومة، وأن يجيش قومه قاصيهم ودانيهم لدفع العدوان ودحر المعتدين! ومنه ما هو غير مشروع كهذا الذي جرى في الولايات المتحدة ولندن وغيرها وهو الأمر الذي يدينه المسلمون قاطبة، ويعتقدونه خروجا صارخا على أبسط قواعد المشروعية الإسلامية، وهذا النوع من العنف إن كان سببه ما يقع على أمة الإسلام من مظالم واعتداءات تحت سمع العالم وبصره، ولكن هذا لا يسوغ مثل هذه الأعمال ولا يضفي عليها مشروعية بحال من الأحوال.
ومن ناحية أخرى فهل نسي البابا ما ارتبط بالمسيحية من عنف على مدار التاريخ قديمًا وحديثًا سواء في صراعاتها الداخلية أم في صراعها مع العالم الإسلامي بدءا من الحروب الصليبية وانتهاء بالحملات الاستعمارية في العصر الحديث؟!
يقول "هانز كونج" عالم اللاهوت السويسري، المحاضر السابق بالجامعات الألمانية، ومؤسس "مشروع الأخلاق الكونية"، في معرض انتقاده لباباالفاتيكان: إنه "وضع العنف والإسلام في سلة واحدة، وأغفل ما ارتبط بالمسيحية على مدار التاريخ من عنف".
واستطرد كونج: "المسلمون لا يتذكرون فقط الحملات الصليبية؛ بل يذكرون أيضا الاستعمار الأوربي بالقرن الـ 19 الذي امتد من المحيط الأطلنطي حتى ماليزيا".
الجديد الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم
ويبلغ التطاول والعدوان ذروته عندما يسوق البابا في حديثه قول الامبراطورالبيزنطي في حديثه المزعوم للمسلم الفارسي: أرني شيئا جديدا أتى به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف".(2/100)
وبعيدا عن الشك الذي يكتنف هذه الرواية من حيث المبدأ، وعن ذكره لقول الإمبراطور البيزنطي وصمته عن جواب المسلم عنه، وهو الأمر الذي يجافي أبسط قواعد الإنصاف والموضوعية، فإن الجحود والجهل والحمق الذي يكتنف هذه المقولة أكبر من أن تحيط به كلمات البشر بالغة ما بلغت!
وفي البداية نؤكد على أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن بدعا من الرسل، بل جاء بما جاء به سائر الأنبياء من قبله من التوحيد وأصول الشرائع، كالدعوة إلى عبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دونه، والدعوة إلى مكارم الأخلاق والنهي عن سفسافها، وغير ذلك من أصول الشرائع التي اتفق عليها سائر النبيين، فهو اللبنة الأخيرة في بنيان النبوة الذي تكامل به على مدار التاريخ، وهو القائل إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، والقائل [ إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ] ثم بعد هذا خصه الله عز وجل بباقة من الخصائص تميز بها وتميزت بها دعوته، وهو الأمر الذي لا يحول دون الإقرار به إلا البهت الصريح أو الجهل الفاحش!
ترى أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد وضع بدينه الإصر والأغلال التي كانت على بني إسرائيل بظلمهم وبفجورهم وبفسوقهم عن أمر الله؟! أم هو الجحود والتجاهل؟!
أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الذي أعاد للمرأة كرامتها، وقد كانت سلعة تباع وتشترى وتورث كما يورث المتاع؟! أم هو الجحود والتجاهل؟!
أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بمنظومة متكاملة من الأحكام والشرائع المدنية والحقوقية بما لا يسع العالم إلا أن يقف أمامها صاغرا ومذهولا ؟! أم هو الجحود والتجاهل؟!
أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بمنظومة من القواعد والآداب التي تحكم العلاقات الدولية حربا وسلما بما لا ترقي إلى عشر معشاره أرقي الاتفاقيات الدولية المعاصرة ؟! وهو الأمر الذي شهد به كبار الحقوقين من بني جلدته؟! أم هو الجحود والتجاهل؟!
أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الذي أعلن المساواة بين الجنس البشري، وهدم التمييز بين البشر على أساس الألوان أو الأعراق أو الألسنة، ولم يجعل معيارا للتفاضل بينهم إلا بالتقوي، وقد تجسد ذلك في المؤاخاة التي جرت في المدينة، ثم تجذر هذا المفهوم في المجتمع المسلم وأصبح من آكد الإنجازات الحضارية التي قدمها الإسلام للبشرية؟ أم هو الجحود والتجاهل؟!
أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الذي قدم إلى البشرية التكامل بين الروح والجسد، والتوافق بين العقل والقلب، والتمازج بين الدنيا والآخرة، ولبى مطالب الإنسان المادية كما أشبع أشواقه الروحية، في تكامل وتناسق بديع عجيب، وجاء بالوسطية السمحة بين الرهبانية العاتية والمادية الطاغية؟! أم هو الجحود والتجاهل؟!
هذا غيض من فيض، ولا تحتمل مثل هذه المقولة أكثر من هذه الإشارات المجملة!
هل يمكن اعتبار ما صدر عن البابا من قبيل الزلة العارضة؟
وأخيرا فإنه لا يمكن حمل كلمات البابا على أنه من قبيل الزلة العارضة أو الفلتة العابرة كما اعتبر بعضهم كلمة بوش في حديثه عن قيادته لحروب صليبية في بدايات مسلسل ما سماه الحرب على الإرهاب، فكلمة البابا جاءت في سياق محاضرة أكاديمية له، وهو الرجل الأكاديمي الذي درس في الجامعة لسنوات عديدة، وحصل بها على درجة الأستاذية، وأسس بها علم الأديان، وهو يمثل كنيسة تعتقد العصمة لرجالاتها، وتدقق فيما يصدر عنهم من كلمات وتصريحات قبل تطييرها لعسر رجوعها واعتذارها عما ينسب إليها، ولم تتراجع الكنيسة عن كثير من أخطائها إلا بعد مرور مئات السنين عليها!
كما لا يمكن فصل هذه الكلمة عن السيرة الذاتية للبابا الذي يحمل مشاعر سلبية تجاه الإسلام والمسلمين فاضت بها مواقفه وتصريحاته، سواء منها ما كان قبل تبوئه منصب البابوبة كما حدث عندما أدلى بتصريح في عام 2004 عندما كان كبير علماء اللاهوت في الفاتيكان أعرب فيه عن مناهضته لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لأنها دولة مسلمة! أو ما كان منها عبر مشوار ولايته البابوية على قصره كما حدث عند استقباله لممثلين مسلمين في مدينة كولونيا بقوله (إن على المسلمين نزع ما في قلوبهم من حقد، ومواجهة كل مظاهر التعصب، وما يمكن أن يصدر منهم من عنف)! وكاستقباله للكاتبة الإيطالية المقيمة في الولايات المتحدة (أوريانا فالاتشي) والتي تؤلب في كتبها ومقالاتها على الإسلام والمسلمين. والتي تصم الإسلام كله بالتطرف ولا ترى فرقًا بين إسلام متطرف وإسلام معتدل!
هل يحمل الأسف الذي أعلنه البابا اعتذارا عن تصريحاته أو تراجعا عنها؟
وما اعتذر به البابا من القول بأنه يشعر بالأسف بعد أن رأى أن كلمته عن الإسلام التي تحدثت عن انتشار الديانة عبر إراقة الدماء كانت مسيئة، قائلا إنه يحترم عقيدتهم ويأمل أن يفهموا "المعنى الحقيقي" لكلماته. فالواقع أنّ مثل هذا الأسف لا يفيد في هذا المقام، ذلك أن المشكلة لا تتمثّل في "قصده" بل في مضمون كلماته، فضلا عن أن هذا المضمون هو الموضوع المفضّل قديما وحديثا لدى بنديكت السادس عشر، أي التوفيق بين "العلم والدين" أو "العقل والعقيدة"، وتلك "مشكلة كنسية" قديمة جديدة، فحديثه عنه لا يمكن كما سبق اعتباره من قبيل الزلة العارضة، ومن هنا كان حديثه عن الإسلام في المحاضرة - على أفضل التفسيرات- من باب "المثال"، الذي أراد ذكره للقول إنّ التناقض (في زعم القائل) بين الدين والعقل يمنع الحوار مع الآخرين ، ومن ناحية أخرى فإن هذا الأسف يحمل تجهيلا للمسلمين وسبًا جديدا لهم بقصور الفهم وضيق الأفق، وادعاءً بأنهم لم يرتقوا إلى المستوى الذي يؤهلهم لفهم كلماته ولذلك فإنه يأسى لهم ويأسف لحالهم!!
أما قول بعضهم بأن البابا قد أورد مقولة قيصر بيزنطي ولا يعني إيراده لها بالضرورة تبنيه لمضمونها فإنه قول لا يتسنى قبوله في هذا المقام، فقد كان باستطاعة البابا الكاثوليكي ذي الأصل الألماني، المتحدّث بالألمانية، لجمهور ألماني، على الأرض الألمانية.. كان باستطاعته لو أراد شيئا آخر سوى "مضمون" الاستشهاد، أن يأتي مثلا ببعض ما قاله عن الإسلام القيصر الألماني غليوم الثاني قبل أقلّ من قرن واحد، بدلا من القيصر البيزنطي إيمانويل الثاني قبل ستة قرون، أو ببعض ما قال به جوتة، أشهر شاعر وأديب ألماني، أو سواهما - وسواهما كثير- من مشاهير الفلاسفة الألمان وغير الألمان في حقبة "التنوير" الأوروبية.
للحوار آدابه وقواعده
أما قول "البابا إنه يؤيد بشكل مطلق الحوار بين الأديان والثقافات" فإننا نقول له: إن للحوار آدابه وقواعده متى التزم بها المتحاورن كان الحوار مثمرًا وبناءً، وإلا فإنه يفتح أبوابا إلى الجدل العقيم وإثارة الأحقاد والضغائن بما لا يفيد قضية الحوار بل ربما أتى بنقيض ما أريد بها.
وأخيرا فإن للبابا أن يكفر بالله ورسوله كما شاء، وأن يسيء الظن بنبيه وبرسالته كما شاء، فتلك قضيته التي لا شأن لنا بها، وسيرد إلى ربه فيحاسبه على ذلك، أما أن يحول هذا الكفر إلى سباب وأكاذيب فهذا الذي نتحدث عنه في هذا المقام وهو الذي يرفضه منطق الحوار الذي يرفع البابا لواءه ويفتح أبوابه.(2/101)
وما أحوجنا في واقعنا المعاصر وقد مزقته الصراعات وأشقته المنازعات إلى صوت الحكمة الذي يرفعه عقلاء العالم على اختلاف أجناسهم ومللهم ونحلهم لكي يجنبوا البشرية ويلات هذه الحروب الطاحنة ويهيئوا الأجواء لتعايش سلمي هادئ يمشي الناس فيه في مناكب الأرض يبتغون من رزق الله ويتعرفون على هدايات أنبيائه ويسعون في مرضاته بعيدا عن التطاحن والتظالم والتقاتل الذي لا تصلح به دنيا ولا يقام به دين، والله من وراء لقصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
==============
# الامبراطور والبابا .. هل قرؤوا التاريخ؟
الخميس :21/09/2006
(الشبكة الإسلامية) مسفر بن علي القحطاني
لم يمض على اتهامات الإمبراطور الأمريكي (بوش الثاني) للإسلاميين بالفاشية والراديكالية بمفهومها الخاص لدى المحافظين الجدد، حتى فاجأنا البابا (بندكتس السادس عشر) بتخليطه غير المحسوب والمسؤول عن الإسلام، والعجيب أن الحديث كان في سياق أهمية العقل والمنطق العلمي الذي أظن أن البابا أهمله في محاضرته، ونسي في سكرة الحديث أبجديات الحكم على الأديان وأدبيات الحوار الحضاري.. وكالعادة بدأت ردود الفعل في العالم الإسلامي بالشجب والاستنكار والمطالبة بالاعتذار.. ومازلت أقول إن هذا الأسلوب لا يليق بأمة لها شهودها على الأمم، وفيها أكثر من مليار وثلاثمائة مليون أن تكتفي بهذه المطالبات؛ بل أعتقد أن طلب الاعتذار والتوضيح وحده يقزّم حجمنا وطبيعة الإساءة لديننا، ولا يعني ذلك اللجوء إلى العنف والانتقام الشخصي فهذا الخرق بعينه.. فمثل هذه الاتهامات للإسلام بالعنف والتطرف والفاشية مضحكة وهزلية أن تصدر من إمبراطور الغرب الرئيس بوش، ومن أعلى سلطة دينية للنصارى في العالم وهو البابا (بندكتس السادس عشر)، ومما زاد سخرية الأمر أن هؤلاء القادة (بوش من خلال سلطته السياسية والبابا من خلال سلطته الدينية) يستدعون التاريخ، ويبحثون في طياته بطريقة إقصائية للآخر واستفزازية للمقابل، بينما تاريخهم ملوث بأعنف صور التدمير الحضاري، والإبادات الجماعية، واستغلال خيرات الشعوب، والسطو على مقدراتها، ولا أدلّ على ذلك من الحروب الصليبية والعالمية، ومحاكم التفتيش، وإبادة الهنود الحمر، واستعباد الزنوج، والاستعمار المستبد، وقراصنة الكشوفات الجغرافية للعالم الجديد، والشركات السارقة العابرة للقارات، كل ذلك كان يسوّغ بمباركة فلاسفة صناعة الموت اللطيف بما حباهم الشيطان من فكر ماكر وخداع طوّرته وسائل الإعلام الغربية إلى مواد شديدة التنظيف لغسل الأدمغة البشرية.
استدعاء التاريخ المخزي.. لماذا؟
لا أعرف السبب الحقيقي من وراء استدعاء الرئيس بوش والبابا التاريخ لقراءته وفتح ملفاته المخزية و المؤسفة؟!! في وقت أصبحت حقوق الإنسان من أهم المواثيق الدولية، وأضحى نشر الديموقراطية الجنة التي وعد بها الغرب الشعوب المقهورة، وغدا المنطق العقلي ما تتباهى به الحضارة الغربية..؟!! الحقيقة التي لا أزال أحاول الوصول إليها أني لما عرفت ما حصل من قطبي الغرب من نقض لأسس العقلانية والعدالة الموضوعية في تصريحاتهم الأخيرة، أحسست أن الغرب بكل مؤسساته في خطر حقيقي من أجل المحافظة على ثوابته الليبرالية والمنطقية، وهناك من يريد العودة بهم إلى عصور الإقطاع الفكري و السياسي، حتى نهضة أوروبا الحالية التي جاهد من أجلها فلاسفة التنوير، وضحّوا بأعمارهم لإحلالها في عقول الأجيال قد تتناهى وتخفق في مقاومة من يملكون جينات العنصرية والاستبداد المقيت الذي لا يزال ينمو ويتسارع داخل أروقة الفاتيكان والبنتاغون، ويمتد نحو الأحزاب اليمينية الغارقة في التعصب والعنصرية، مما يصعب السيطرة على نتائجه المدمرة للعالم الغربي قبل بقية العالم الحر.
إن استدعاء تاريخ الصراعات الإنسانية والحروب المقدسة سيفتح كل الجراحات التي التأمت بالاحترام الدولي لمواثيق السلم، وسيهيج بواعث الثأر والعداوات، وسيعيد حقبة النزاع من أجل مصلحة الفرد ولو فني كل مَن في الأرض.
أمة تدور في فلك التغييب
أكرر مرة أخرى، كم هو مؤسف لأمتنا الإسلامية أن ندور من غير وعي في فلك التغييب والتهميش، وننّشد بكل قوة إلى مركزية التأثير الغربي على عقولنا وقلوبنا؛ بل ومصائرنا، ونستثار بشكل كبير لمن يجرح شعورنا، ونتناسى في كل أزمة السم الناقع الذي يصب في عقولنا، ويبدد قوتنا، ويصوّرنا أمام العالم بالضعفاء المهزوزين المتخالفين على أبسط حقوقنا المشروعة.. أجد بكل واقعية أن الحليم أمام هذه المشاهد يبقى حيرانَ، مضطرب الرؤية والهدف من جراء اختلاف مواقفنا من الأزمة.. ومع مرارة هذا المشهد فإن الحالة الراهنة للأمة الإسلامية لا ينبغي أن تثور وهي لا تمتلك رؤية عميقة للفعل الحضاري الأجدى لمثل هذه النازلة، ولا تمتلك وعياً ناضجاً تحافظ على توازنات قوتها وضعفها، و مآلات الفعل وتوقعاته عند الثائرين والماكرين، والمحافظة على مكتسبات المنصفين و أبناء المقيمين في الغرب .. ولو استطاعت نخبنا المثقفة ومؤسساتنا المدنية أن تفكر بالإجراء القانوني الصحيح ورفع الدعوى القضائية على أولئك النفر فإن لها في المواثيق الدولية ولدى مؤسسات المجتمع المدني مساحات جيدة لتحقيق الحوار النافع بين الحضارات، ولكي تتضافر الجهود لإخماد نار الفتنة و الصدامات الدينية التي لن تنال منها الشعوب غير الموت والعار والعودة إلى وحوش الغاب.
===============
# لا .. البابا لم يعتذر وإنما أهاننا مرة أخرى
الخميس :21/09/2006
(الشبكة الإسلامية) د. باسم خفاجي
نقلت قناة البي بي سي BCC عبر موقعها الإلكتروني البيان الذي أصدره البابا بينديكيت السادس عشر، والذي يقول فيه: "إن البابا المقدس "حزين جداً" أن بعض فقرات خطابه قد بدت وكأنها تهاجم مشاعر المسلمين". وأعقب قائلاً: "أنه يحترم الإسلام ويأمل أن يتفهم المسلمون المعنى الحقيقي لكلماته". لم يعتذر البابا، وإنما اتهمنا نحن بقلة الفهم، بل ويطالبنا أن نقبل بما قال، وذكر أنه يحترم الإسلام، ولكنه بالمقابل لم يذكر نبي الإسلام، أو يعتذر عما قاله في حقه صلى الله عليه وسلم، بل تعمد تجاهل أهانته للنبي بكلماته الجارحة على مسمع من العالم أجمع، فأين هو الاعتذار؟
إن البابا يقول إنه "حزين جدا"ً أن عباراته بدت وكأنها هجومية، ولكنه لم يعتذر عن هذه العبارات، أو يشرح لنا كيف يمكن ألا تكون هجومية.. هو فقط حزين جداً لما حدث.. فأين الاعتذار.. ومن قال أننا - في هذا المقام - نهتم لمشاعره، أو نعيرها أدنى اهتمام. إن البابا يستخدم حيل الإعلام المعروفة في التهرب من مواجهة النفس، أو مواجهة من أساء إليهم بطرق إعلامية ملتوية وعبارات فضفاضة، ولا يليق برجل دين في مكانته وقدره لمن يعتنقون دينه أن يفعل ذلك. إن كان قد اخطأ في وصف نبي الأمة الإسلامية بأنه لا يأت إلا بالشر، فلماذا لم يعتذر عن ذلك بوضوح. إننا لسنا وحدنا من يطالبه بذلك، بل حتى وسائل الإعلام الغربية تدرك خطورة ما قال.(2/102)
لقد كتبت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحية عدد يوم السبت 16 سبتمبر 2006م مطالبة البابا باعتذار وصفته بأنه يجب أن يكون "عميقاً ومقنعا" وعقبت قائلة في نفس الافتتاحية: "إن العالم يستمع باهتمام لكلمات أي بابا.. وإنه من الخطير والمؤلم أن ينشر أحد ما الألم سواء عامداًَ أو غير مكترثاً.. إن البابا بحاجة إلى أن يقدم اعتذاراً عميقاً ومقنعاً ليبين أن الكلمات يمكن أيضا أن تشفي الجراح". فإن كان هذا هو رأي بعض وسائل الإعلام الغربية، فكيف برأينا نحن من جرح بهذه الإهانة، والتي أعقبتها إهانة استغفالنا.. واتهامنا بعدم تقدير فهم هذه الأمة لعباراته. إنه يعالج الإهانة الأولى التي جرحت كرامة كل مسلم.. بإهانة ثانية تفترض في كل المسلمين الغباء أيضاً.
إن مواقف هذا البابا من الإسلام معروفة مسبقاً، ولكن الأمة الإسلامية آثرت في السابق أن تعطي لهذا البابا فرصة إعادة النظر في تلك المواقف بعد أن تولى أعلى المناصب الدينية في العالم الغربي. إن هذا البابا هو من عارض وبشدة دخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي، ولم يتنازل عن هذا الموقف حتى الآن، وكان تفسيره لتلك المعارضة أن تركيا "تنتمي إلى دائرة ثقافية أخرى"، وأن دخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي سيكون "خطأ جسيماً يسير عكس أمواج التاريخ" فهل كان يشير إلى التاريخ الذي وقف فيه العثمانيون على أبواب فيينا، أم تاريخ الحروب الصليبية التي تسببت في قتل مئات الآلاف من المسلمين بدعوى نشر المسيحية. إن هذا البابا يبحث عن إحياء أوربا المسيحية، ولا أتمنى أن يكون باحثاً في طياتها عن أوربا الصليبية مرة أخرى. إنه ينقب دائماً في التاريخ عن ذلك، وينوي بعد كل ما قال أن يزور تركيا أيضاً في شهر نوفمبر القادم، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت.
إن هذا البابا قد كتب في عام 1996م أن "الإسلام لا يمكن أن يتعايش مع العالم المتمدن"، فهل هذا هو احترام الإسلام الذي يقصده هذا البابا. إنه نفس البابا الذي هاجم في العام الماضي قيادات المسلمين في ألمانيا بدعوى أنهم قد فشلوا في "إبعاد أبنائهم عن ظلام البربرية الجديدة".. حقاً إنه يحترم مشاعرنا!
وفي اجتماع سري عقد في مدينة كاستيل جوندولوفو الإيطالية بحضور البابا في سبتمبر من عام 2005م، وحضره أحد الأساقفة من فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأسقف جوزيف فيسيو، نقل هذا الأسقف أن البابا تحدث في الاجتماع المغلق عن الإسلام، وذكر أن البابا أعرب عن رأيه أن الإسلام "بخلاف كل الأديان الأخرى لا يمكن إصلاحه، ولذلك فهو لن يتوافق أبداً مع الديمقراطية، لأن حدوث ذلك يقتضي إعادة تفسير جذرية للإسلام، وهذا مستحيل بسبب طبيعة القرآن نفسه وعلاقة المسلمين به". وعندما ناقشه أحد الأساقفة أن ذلك ما يزال ممكناً، اعترض البابا بوضوح كما ينقل عنه الأسقف جوزيف فيسيو قائلاً إن البابا علق على ذلك بهدوء ووضوح قائلاً: "هناك مشكلة أساسية في هذا الرأي. أن الرؤية التاريخية الإسلامية تؤمن أن الله قد أنزل كلماته على محمد، وأنها كلمات باقية إلى نهاية الزمان، وهي ليست كلمات محمد.. وبالمقابل فإن هناك منطق داخلي للإنجيل المسيحي تسمح له وتطالبه أن يتغير ويتأقلم مع المواقف المتجددة".
وفي تعليق آخر على نفس الاجتماع، ذكر الباحث في الإسلام سمير خليل سمير، الذي حضر أيضاً الاجتماع المغلق أن البابا يرى إمكانية تغير الإسلام فقط إن أمكن "إعادة تفسير القرآن بشكل جذري وكامل، وإعادة النظر بالكامل في مبدأ عصمة الوحي" فهل الحوار مع الأديان الأخرى يمكن أن يتقدم من خلال تلك الرؤية السوداوية للإسلام. لماذا لا يكون البابا صريحاً وواضحاً في مواقفه بدلاً من محاولات الاستخفاف بالأمة بشكل مهين بعبارات من مثل "حزين جداً" التي لم تعد تنطلي على أحد.
قام أحد الصحفيين في منتصف هذا العام، بسؤال البابا بشكل مباشر ومفاجئ إن كان يعتبر "الإسلام دين سلام". رفض البابا أن يصف الإسلام بدين السلام، وإنما قال بثقة: "إنني لا أرغب في استخدام الكلمات الكبيرة لوصف أمور عامة.. إن الإسلام بالتأكيد يحتوي على عناصر يمكن أن تميل إلى السلام، ولكنه أيضاً يتكون من عناصر أخرى.. ولابد لنا أن نختار دائماً أفضل العناصر". إن البابا يريد لأمة الإسلام أن تكون انتقائية في تعاملها مع ما يأمر به هذا الدين، ولكنه في الوقت نفسه لا ينتقي من هذا الدين أفضل ما فيه لكي يتحدث عنه، ولكنه يكتفي بالهجوم غير المبرر والدائم والمتكرر على الإسلام وعلى رموز الإسلام.
وفي اليوم السابق لهذا التصريح الصحفي، قام البابا أيضاً بتوجيه النصيحة التالية للمسلمين: "ارفضوا طريق العنف الذي تسبب في معاناة ضخمة للسكان المدنيين، واعتنقوا بدلاً من ذلك سياسة السلام". لم يكلف البابا نفسه عناء توجيه نفس الرسالة إلى قادة الغرب الذين يقتلون باسم الديمقراطية عشرات أضعاف من يقتل ظلماً وزوراً باسم الإسلام، ولم يكلف البابا نفسه أيضاً عناء مخاطبة قادة الكيان الصهيوني أن يلجئوا إلى السلام بدلاً من القتل اليومي والمتكرر لأبناء الأمة الإسلامية في فلسطين ولبنان.
إننا لا نطالب البابا أن يعتذر.. فهو قد تحدث بما يجول في خاطره، ويؤكد مواقفه التي تكررت طوال الأعوام الماضية في الهجوم على الإسلام.. ولكننا نطالبه ألا يستغفل أو يستهين بهذه الأمة، فهي تنهض من جديد، وهو يلعب بالنار، ولن يشاد هذا الدين أحداً إلا غلبه، والله غالب على أمره، ولو كره البابا، ومن هم على شاكلته. إننا نطلب من قادة الغرب أيضاً سواء من مفكرين أو علماء دين أو ساسة أو مثقفين أن يكفوا شرورهم وألسنتهم عن أمتنا إن أرادوا لهذا العالم القليل الباقي من السلام والتعايش.. أما استثارة هذه الأمة بهذا الشكل المتكرر، فإن نتائجه ستكون وخيمة على الجميع، وأول من سيعاني منها هم من اختاروا الاستهزاء بنبي الأمة ورمز عزتها وطهارتها وحبها للسلام. يا قادة الغرب.. أليس فيكم رجل رشيد؟!!
==============
# ثنائية 'الإيمان والعقل' لدى البابا!
الخميس :21/09/2006
(الشبكة الإسلامية) جواد البشتي
يؤمن البابا بينيديكتوس السادس عشر، على ما يحاول إظهاره وتأكيده، بأن للبشر جميعا الحق في حرية التعبير عن آرائهم وأفكارهم ووجهات نظرهم ومعتقداتهم.. ومواقفهم، فـ "العقل" عنده يعلو ولا يعلى عليه. حتى "المشيئة الإلهية" يجب إخضاعها، بحسب إيمانه الإنجيلي، لـ "عقل الإنسان"، فلا إيمان لا يقره العقل. وهنا، بحسب رأيه، يكمن الفرق الجوهري بين المسيحية والإسلام، فالمسيحية "تقوم على المنطق والعقل" بينما الإسلام يقوم على أساس أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل والمنطق.
وهذا الفرق يراه البابا جزءا من كل، فالعقيدتان تختلفان، بحسب رأيه، في "صورة الذات الإلهية"، فالله ـ يقول البابا ـ في العقيدة الإسلامية "مطلق السمو، ومشيئته تعلو على عقل الإنسان، ولا تخضع له". عند البابا، ليس من إيمان ديني لا يقره العقل، أو يكون منافيا له، فالمنافي للعقل لا يمكنه إلا أن يكون منافيا لطبيعة الله. ويفهم البابا "نشر الدين بالعنف" على أنه منافٍ للعقل، ومنافٍ، بالتالي، لطبيعة الله، مع أن الإنجيل في إصحاح متى نسب إلى المسيح القول الآتي: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض بل سيفا". هذا هو الأساس الفلسفي "الصلب" للتفكير المسيحي لدى البابا.(2/103)
"الإيمان الديني" أعرفه؛ أما "العقل" الذي يقدِّسه البابا، ويريد له أن يحكم العالم، فهو الأحجية بعينها. إنه يحدِّثنا عن كائن خرافي، لم يوجد قط، ولن يوجد أبدا، هو العقل الإنساني "العام"، الذي هو ذاته مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة، ومهما اختلفت مصالح البشر وحاجاتهم، ومهما اختلف البشر أنفسهم في الخواص التاريخية والاجتماعية. هل كان البابا يظن أن أسلافه من المؤمنين بأن الأرض مسطحة وليست كروية، وبأنها لا تدور حول نفسها، وبأن الشمس هي التي تدور حولها، كانوا قوما يؤمنون بما هو منافٍ للعقل في زمانهم؟!
المعرفة، في أي زمان ومكان، ليست كلها "حقائق"، فبعضها، الذي تتسع نسبته أو تتقلص، كان "أوهاما"؛ والعصور لا تختلف بحقائقها فحسب، وإنما بأوهامها، فلكل عصر حقائقه وأوهامه. والعقل، في كل عصر، ينظر إلى أوهامه على أنها حقائق. والأوهام التي ينظر إليها البابا بينيديكتوس السادس عشر، اليوم، على أنها حقائق، وحقائق مطلقة، يقرها العقل، ستَظْهَر، غدا، ولبشر الغد، على أنها أفكار ومعتقدات منافية للعقل، ومنافية، بالتالي، لطبيعة الله.
لقد ألَّه البابا العقل الإنساني "العام"، ضاربا صفحا عن حقيقة أن التاريخ لا معنى له، ولا معنى لحركته، إذا لم يتحوَّل "الموافِق للعقل"، فيه، وبه، إلى "منافٍ للعقل".
البابا يستطيع اليوم أن يأتينا بمئات الأفكار والمعتقدات التي قال بها أسلافه في القرون الوسطى والتي هي الآن، في رأيه، وفي رأي كثيرين من المؤمنين وغير المؤمنين، منافية تماما للعقل. ولكن هل كان أسلافه أولئك، وبما يملكون من موازين العقل والمنطق والصواب والخطأ، يرونها منافية للعقل؟! الملحد، مثلا، لا يرى في إلحاده ما ينافي العقل، أي عقله، فهل نستنتج من ذلك أن إلحاده لا يخالف طبيعة الله؟!
لو كان البابا يفهم، أو في مقدوره أن يفهم، أو لديه من المصالح ما يغريه بأن يفهم، "عقلانية" العقل الإنساني فهما نسبيا وتاريخيا لما قام بتأليهه هذا التأليه، ولأدرك الأهم من كل ذلك وهو أن ميزان المصالح الواقعية للبشر، وليس ميزان الصواب والخطأ، هو الميزان الأهم في التاريخ، فالبشر لا يتورعون عن إلغاء كل بديهية هندسية إذا ما وجدوها منافية لمصالحهم.
حتى "العنف"، أو "السيف"، لا يُفْهَم كما فهمه البابا، وكما أراد لنا فهمه، فما هو موقف البابا من العنف "المنافي لطبيعة الله" إذا ما استخدمه أناس في مواجهة من يحاول فرض معتقده عليهم بالعنف، أو السيف؟! هل، عندئذٍ، يصبح العنف الآخر، أو المضاد، موافقا لطبيعة الذات الإلهية؟! بحسب هذا العقل الذي يقدسه البابا، لو سألتموه "هل المطر مفيد أم ضار؟" لأجابكم على البديهة قائلا: "إنه مفيد وليس بضار"، أو "إنه ضار وليس بمفيد"!
والمسيح ذاته، لا أحسب أنه يقف ضد السلام، إذا ما قال "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض بل سيفا"، فالسيف في يد الفلسطيني الذي يقاتل إسرائيل محمود؛ ولكنه مذموم في يد بوش الذي يقاتل العراقيين.
البابا حرٌّ في قوله بأن الإيمان الديني يقوم على إخضاع المشيئة الإلهية لمحاكمة العقل والمنطق؛ ولكنه ليس حرا في أن يدعونا إلى وهم "العقل الإنساني المطلق الذي لا يخضع بأحكامه وعقلانيته ومفاهيمه لمحاكمة التاريخ"، الذي يفهمه البابا على أنه شيء بينه وبين الإنسان وعقله برزخ فلا يبغيان!
===============
# أسرار وراء كلام البابا عن الإسلام ونبيّه
الخميس :21/09/2006
(الشبكة الإسلامية) عبد الله بن عبدالعزيز الزايدي
يعجب بعض المتابعين من الحملة المتزايدة على الإسلام من بعض الزعماء الدينيين والسياسيين النصارى في السنوات الأخيرة، وتساءل بعضهم عن سر التوقيت والتزامن، فمن كلام بوش عن المسلمين الفاشيّين، إلى كلام البابا بندكت السادس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وقبلهما كلام رئيس الوزراء الإيطالي عن الحضارة الإسلامية، وبعده الرسوم المسيئة، وغير ذلك من حملات التشويه.
وربما تساءل البعض عن الأسباب الكامنة في هذه الحملات المتوالية، وريما حمّل بعض الكتَّاب إخوانه المسلمين وِزر هذه الحملات نظراً لما حدث من بعضهم من أعمال تفجير وقتل.
وأقول: إن ثمة سراً مهماً ينبغي ألاّ نغفل عنه في السر الحقيقي وراء هذه الحملات، ألا وهو الانتشار الواسع لدين الإسلام في معاقل النصرانية، الذي أقضّ مضاجع الرؤساء الدينيين والسياسيين، مما حدا ببعضهم للكلام الصريح عن ضرورة التصدي لانتشار دين الإسلام، وهذه بعض الإحصاءات والأخبار التي تشهد بهذا الانتشار:
أ - زيادة أعداد المساجد في دول الغرب:
ففي قلب أوروبا بدأت أعداد المساجد فيها تنافس أعداد الكنائس في باريس ولندن ومدريد وروما ونيويورك، وصوتُ الأذان الذي يرفع كل يوم في تلك البلاد خمس مرات، خيرُ شاهد على أن الإسلام يكسب كل يوم أرضاً جديدة وأتباعاً جدداً.
فقد أصبح للأذان من يلبيه في كل أنحاء الأرض، من طوكيو حتى نيويورك، وعند نيويورك ومساجدها نتوقف، ففي أوقات الأذان الخمس ينطلق الأذان في نيويورك وحدها في مائة مسجد، و بلغ عدد المساجد في الولايات المتحدة الأمريكية ما يقرب من (2000) مسجد والحمد لله، وترتفع في بريطانيا مئذنة نحو (1000) مسجد، وتعلو سماء فرنسا وحدها مئذنة (1554) مسجداً ولا تتسع للمصلين، وأما ألمانيا فتُقدّر المساجد وأماكن الصلاة فيها بـ(2200) مسجد ومصلى، وأما بلجيكا فيُوجد فيها نحو (300) مسجد ومصلى، ووصل عدد المساجد والمصلّيات في هولندا إلى ما يزيد عن (400) مسجد، كما ترتفع في إيطاليا وحدها مئذنة (130) مسجدًا، أبرزها مسجد روما الكبير، وأما النمسا فيبلغ عدد المساجد فيها حوالي (76 ) مسجداً.
هذه فقط بعض الدول في أوروبا الغربية، عدا عن أوروبا الشرقية، والإقبال على الإسلام يزداد يوماً بعد يوم، ومن هذه المساجد يتحرك الإسلام، وينطلق في أوروبا، لذلك ليس غريباً أن تشدّد أوروبا وأمريكا في أمر المساجد ومراقبة أهلها، والتضييق في إعطاء الرخص لبنائها، ومن المفارقات العجيبة أن كثيراً من هذه المساجد كانت كنائس فاشتراها المسلمون وحولوها إلى مساجد!!
ب - تحذير الصحف الغربية من انتشار الإسلام:
فقد بدأت الصحف الغربية تطلق صيحات تحذير من انتشار واسع لدين الإسلام بين النصارى، ومن ذلك ما جاء في مقال نُشر في مجلة (التايم) الأمريكية "وستشرق شمس الإسلام من جديد، ولكنها في هذه المرة تعكس كل حقائق الجغرافيا، فهي لا تشرق من المشرق كالعادة، وإنما ستشرق في هذه المرة من الغرب".
أما جريدة (الصانداي تلغراف) البريطانية فقالت في نهاية القرن الماضي: "إن انتشار الإسلام مع نهاية هذا القرن - يعني الذي مضى- ومطلع القرن الجديد - يعني الذي نحن فيه - ليس له من سبب مباشر إلاّ أن سكان العالم من غير المسلمين بدؤوا يتطلعون إلى الإسلام، وبدؤوا يقرؤون عن الإسلام، فعرفوا من خلال اطلاعهم أن الإسلام هو الدين الوحيد الأسمى الذي يمكن أن يُتبع، وهو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية".
مجلة (لودينا) الفرنسية قالت بعد دراسة قام بها متخصصون: "إن مستقبل نظام العالم سيكون دينياً، وسيسود النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي؛ لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة".
ج - انتشار بيع نسخ القرآن الكريم والكتب الإسلامية:(2/104)
وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، التي كان لها آثار سيئة واسعة على النشاطات الإسلامية في الغرب وعلى دول الإسلام، إلاّ أنه مع ذلك ازداد في العالم الغربي الإقبال على التعرف على الإسلام بصورة غير متوقعة، وأصبحت نسخ القرآن الكريم المترجمة من أكثر الكتب مبيعاً في الأسواق الأمريكية والأوروبية حتى نفدت من المكتبات، لكثرة الإقبال على اقتنائها، وتسبب ذلك في دخول الكثير منهم في الإسلام، وفي ألمانيا وحدها بيعت خلال سنة واحدة (40) ألف نسخة من كتاب ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الألمانية. كما أعادت دار نشر (لاروس) الفرنسية الشهيرة طباعة ترجمة معاني القرآن الكريم بعد نفادها من الأسواق.
د- تزايد أعداد الداخلين في الإسلام:
ففي عام 2001 نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) مقالاً ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأمريكيين يقدرون عدد الأمريكيين الذين يعتنقون الإسلام سنوياً بـ (25 ) ألف شخص، وأن عدد الذين يدخلون دين الله يومياً تضاعف أربع مرات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حسب تقديرات أوساط دينية. والمدهش أن أحد التقارير الأمريكية الذي نُشر قبل أربع سنوات ذكر أن عدد الداخلين في الإسلام بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر قد بلغ أكثر من ثلاثين ألف مسلم ومسلمة، وهذا ما أكده رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي؛ إذ قال: " إن أكثر من (24 ) ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، "وهو أعلى مستوى تَحقق في الولايات المتحدة منذ أن دخلها الإسلام".
أما في فرنسا فقد أوردت صحيفة (لاكسبرس) الفرنسية تقريراً عن انتشار الإسلام بين الفرنسيين جاء فيه: "على الرغم من كافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية مؤخرًا ضد الحجاب الإسلامي وضد كل رمز ديني في البلاد، أشارت الأرقام الرسمية الفرنسية إلى أن أعداد الفرنسيين الذين يدخلون في دين الله بلغت عشرات الآلاف مؤخرًا، وهو ما يعادل إسلام عشرة أشخاص يوميًا من ذوي الأصول الفرنسية، هذا خلاف عدد المسلمين الفعلي من المهاجرين ومن المسلمين القدامى في البلاد".
وقد أشار التقرير إلى أن أعداد المسلمين في ازدياد من كافة الطبقات والمهن في المجتمع الفرنسي، وكذلك من مختلف المذاهب الفكرية والأديان، من علمانيين إلى بوذيين إلى كاثوليك وغيرهم، كما أشار التقرير إلى نشاط بعض الجاليات المسلمة وجماعات مثل جماعة التبليغ في الدعوة إلى الإسلام في المجتمع الفرنسي.
كما ورد في التقرير إلى أن عدد المعتنقين الجدد للإسلام من الفرنسيين يصل إلى(60) ألفًا مؤخرًا، سواء أولئك الذين أسلموا بدافع حبهم وإعجابهم بهذا الدين، أو بدافع البحث عن الهوية والبحث عن الذات، الكثير منهم من شباب المدن، ويتراوحون ما بين 'الأصولية' والاعتدال. منهم مهندسون.. جامعيون.. رؤساء شركات.. مدربون.. مدرسون.. طلاب.. عاطلون.. متحفظون أو متدينون بشكل واضح... كل هؤلاء الأشخاص يشكلون لبنة جديدة في المجتمع الإسلامي الجديد، وهم بمثابة الأسرة الكبيرة في مختلف مجالات الحياة بالمجتمع الفرنسي .ومن هؤلاء على سبيل المثال: فنان الراب في مدينة مرسيليا المسمى إخناتون، ولاعب الكرة (فرانك ريبري)، ومصمم الرقصات (موريس بيجار) وأيضًا (كليمون) -أصغر أبناء رئيس وزراء الحزب الاشتراكي السابق- موريس توريز'.. كل هؤلاء أعلنوا إسلامهم منذ فترة ليست بالبعيدة.. ومعتنقو الإسلام من الجيل الأول من بينهم فنانون وحاملو شهادات رفيعة، ومعظمهم يفضلون ممارسة الإسلام النقي الصافي، كما أنزله الله على نبيه محمد.. انتهى ما ورد في التقرير..
ونظراً لهذه الشواهد المؤكدة لإقبال الغربيين على الإسلام فقد حذّر أسقف إيطالي بارز من (أسلمة أوروبا)، وفي مدينة بولونيا الإيطالية حذّر أسقف آخر من أن الإسلام سينتصر على أوروبا إذا لم تغدُ أوروبا مسيحية مجددًا.. يحدث هذا الإقبال وهذا التخوف من الإسلام على الرغم من ملاحظة أمور مهمة:
أولها: أن الأوضاع الحاضرة ليست في مصلحة الإسلام والمسلمين؛ فالأحداث السيئة في بلاد الإسلام قد تعطي البعض نظرة سيئة تجاه هذا الدين بسبب أوضاع أهله.
وثانيها: تلك الجهود الهائلة والإمكانات الضخمة التي يبذلها النصارى في سبيل نشر الديانة النصرانية، على كافة الأصعدة، حتى بلغت ميزانيات بعض مجالس الكنائس العالمية أكثر من مليار دولار للسنة الواحدة.
وثالثها: التضييق على النشاطات الإسلامية والمراكز والجمعيات الخيرية الإسلامية في كثير من الدول.
ومع ذلك لا يزال هذا الدين الحق دين الإسلام ينتشر ويعتنقه الكثيرون، ونظراً لأن النصارى خصوصاً رجال الدين ينظرون للإسلام بصفته ديناً منافساً، فقد رأوا فيه خطراً على أوروبا، ولذا حرصوا على إثارة الشبهات حوله لحماية النصارى من خطره كما يتصورون.
وقد جاءت الأحداث الأخيرة ليتخذوا منها أدلة يؤيدون به مزاعمهم الباطلة عن الإسلام، فزعم كثير من غلاة النصارى أن حوادث الإرهاب سببها دين الإسلام، و يمكن لكل عاقل أن يجيب عن هذه الشبهة بحوادث التاريخ القريب، والواقع الذي نعيشه؟ فهل نقول: إن دين النصارى هو سبب الإرهاب لأنهم خلال الحربين العالميتين قتلوا الملايين من أبناء جلدتهم النصارى؟ فضلاً عمن قتلوهم من المسلمين أثناء حروبهم الاستعمارية. هل ننسب القتل والتدمير إلى دينهم؛ لأن الأمريكان النصارى قتلوا مئات الآلاف بالقنبلة الذرية؟
هل نقول: إن دين النصارى يدعو للقتل واحتلال البلدان الأخرى؛ لأن الرجل المتدين المحافظ ربيب القسس (بوش)، غزا العراق ودمرها وقت آلاف المدنيين العزل، وأحدث فيها فوضى يجني مرارتها ملايين العراقيين؟ هل نقول: إن دين النصارى دين القتل والإرهاب؛ لأن قسس ورهبان الهوتو في إفريقية ساهموا في المذابح التي حدثت للتوتسي. وقد طُلب بعضهم كمجرمي حرب للأمم المتحدة؟ هل ما حدث في البوسنة والهرسك من مذابح واغتصاب للمسلمين على أيدي الصرب يُحسب على دين النصارى وعلى المسيح عليه السلام؛ لأنه جاء في الإنجيل "ما جئت لألقي سلاماً على الأرض"؟ هل مذابح المسلمين في ليبريا وسيراليون التي قام بها النصارى ننسبها للمسيح ودينه؟
إن على البابا بندكت أن يصلح حال كنائسه التي زكمت فضائح شذوذ رجال الدين فيها الأنوف قبل أن يتحدث عن الإسلام ونبيه بتلك اللهجة المتحاملة؛ فمن كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بحجر.
===================
# موقف البابا .. تاريخ طويل من سوء النية والتشويه
الخميس :21/09/2006
(الشبكة الإسلامية) د. ليلى بيومي
القرآن بالنسبة للمسلمين هو دستورهم وسبب نهضتهم،ولكنه بالنسبة للمستشرقين يعتبر كتاب دراسة وطريقاً للمطاعن والتشويه وإثارة الشبهات. وقد درس المستشرقون، والغربيون عموماً، القرآن بمنهج تعصبي حاقد ومن منطلق علماني صليبي مؤيد للمواقف السياسية العدائية للغرب تجاه الإسلام والمسلمين.
والموقف الأخير لبابا الفاتيكان من القرآن ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، مناسبة لأن نطرح موضوعاً مهماً وهو كيفية استقاء الغرب لمعرفته عن الإسلام.(2/105)
وقد بدأت الدراسات الاستشراقية بترجمة القرآن ترجمة عاجزة ومغرضة وكل ما بني على هذه الترجمات فهو مغرض ومضلل. والمدارس الاستشراقية كلها تتفق على مساندة الاستعمار الغربي الذي يتوجه لاستعمار الدول الإسلامية خاصة. حيث كانت بلاد المسلمين تمثل النسبة الأكبر في خريطة الاستعمار الحديث. وقد انتهت البحوث والدراسات الاستشراقية إلى نتائج محددة منها الطعن في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بل وفي سلوكه وشخصيته، واتهامه بالكذب والتزوير، وأنه لم تجر على يديه أية معجزة، وأنه شخصية أقرب ما تكون إلى محضري الأرواح والدجالين.
والطعن في نبوة وشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الموضوع المحبب إلى العلمانيين والصليبيين، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو إمام المسلمين ورسولهم وقائدهم وملهمهم، وهو الشخصية التي التفت حولها قلوب المسلمين من مكة إلى الصين ومن مجاهل أفريقيا إلى أمريكا واستراليا.
لقد وقف الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل عام 1864 في جامعة أدنبره العريقة في الدراسات الصليبية وبالرغم من أنه هاجم القرآن إلا أنه عندما جاء ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال 'لقد أصبح من العار على أي فرد متمدين أن يستمع أو يصدق ما يقال من أن محمداً كان دجالا وكذابا. فكيف بالله عليكم يستطيع الكذاب أن يبني أمة عظيمة تمتد جذورها في هذه المساحة الشاسعة؟. وكيف بالله عليكم للكذاب أن يأتي بكتاب يستطيع أن يسيطر على نفوس وعقول وقلوب معظم سكان الأرض؟'.
أوهموا أنفسهم أن القرآن من تأليف محمد
إن المستشرقين اتفقوا على الجزم بأن القرآن من تأليف محمد، ومهما اختلفت طرق المستشرقين التأليفية والعقلية والمنهجية، فإنهم جميعاً متفقون على أن القرآن من تأليف محمد، وأن كلامه ليس وحيا من عند الله. وما دام الأمر كذلك من وجهة نظرهم، فقد راحوا يبحثون عن مصادر بشرية استقى منها محمد هذا القرآن.
فقالوا إن محمدا أخذ القرآن من اليهود ومن النصارى ومن عرب الجاهلية وأقاموا على ذلك الدعاوى الكثيرة المتهافتة. ووجد المستشرقون بعض الموضوعات المتشابهة بين القرآن والتوراة والإنجيل، خاصة فيما يتعلق بقصص الأنبياء والحدود كالرجم في الزنا، ولكنهم مع ذلك وجدوا موضوعات كثيرة وأعمق مما يتصورون وغير موجودة لا في كتب اليهود ولا في كتب النصارى ولا تطرقت إليها قط عقلية عرب الجاهلية.
ولو كان المستشرقون ينطلقون في دراساتهم من منطلق الإنصاف لتوقفوا عند هذا ولقالوا: من أين جاء محمد بهذه العلوم العظيمة المتنوعة والعميقة، والتي لم يكن عرب الجاهلية ولا أحد في زمان محمد يفكر فيها؟. وبهذه المناسبة فإن آيات الإعجاز العلمي والآيات الكونية وآيات الأنفس والآفاق في القرآن الكريم كانت بوابة لمئات بل آلاف من الغربيين وخاصة العلماء منهم لدخول الإسلام.
تشويه متعمد
إن ما ردده البابا أخيراً رددته دائماً وسائل الثقافة والإعلام الغربية مؤكدة أن الإسلام انتشر بالسيف، وهذه دعاوى حاقدة وغير حقيقية ولا يمكن لعاقل أو منصف أن يؤمن بها ويصدقها، وأكبر مثال على ذلك شرق آسيا التي انتشر فيها الإسلام سلما وعن طريق التجارة. بل إن البابا لو تجول في شوارع أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا ونيوزيلندا لوجد ملايين من المواطنين الأصليين لتلك الدول والقارات، وليس فقط المهاجرين، قد اعتنقوا وبمحض إرادتهم الحرة الديانة الإسلامية. فهل هذا هو السبب الرئيسي لامتعاض البابا؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن هذا لا يبرر له أن يحمّل البابا الإسلام تبعات فشل التبشير المسيحي في جذب مجرد أعداد محدودة من الناس.
إن المؤكد أن انتشار الإسلام قد تم بالوسائل السلمية والدعوية، وهذا لا ينفي استخدام القوة كإحدى وسائل الجهاد لإزالة السلطة التي تحول بين الإنسان العادي وبين الاختيار، لكن هذه القوة لم تفلح في نشر الديانة المسيحية التي كانت مواكبة للغزوات الاستعمارية، بينما نجح الإسلام في جذب الملايين من مواطني الدول الغربية لاعتناقه لا لسبب غير اقتناعهم به.
حقيقة القول في الجهاد
إن الجهاد يغطي ثلاثة ميادين هي: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس. والمعنيان الأخيران وردا في أحاديث كثيرة صحيحة ومشهورة، أما المعنى الأول وهو جهاد الناس فهو المعنى الأكثر انتشارًا وهو جهاد غير المسلمين الذي يعني عمليات القتال والحرب والذي وردت فيه آيات كثيرة وأحاديث في فضله وشروطه وضوابطه، وكانت له ممارسات في التاريخ بين المسلمين وغيرهم لا تزال أصداؤها تتردد في أسماع التاريخ ومازالت إلى يومنا هذا موضوع أخذ ورد إفراطا وتفريطا وإعجابا وشجبا فكم من أناس برروا حروبا عدوانية ومطامع دنيوية بدعوى الجهاد، وكم آخرون فرطوا في الجهاد فتقاعسوا عن ردِّ العدو ونكصوا عن مقارعة العدو فكانت النتائج وخيمة وكم حركات غير منضبطة بضوابط الجهاد شوهت سمعة الإسلام وأورثت المسلمين عنتا وضياعا.
وكم متجنٍ على الإسلام معتبرا أن الجهاد لا ينتظر مبرراً وأنه دعوة إلى القتال الدائم ضد غير المسلمين.
والحق أن مفهوم الجهاد في الإسلام ليس مرادفا دائما للقتال فالجهاد مفهوم واسع فهو دفاع الحق ودعوة إليه باللسان، وهو قد يكون أعمالاً حربية. وقد قسم ابن خلدون الحرب إلى أربعة أنواع وذلك حسب دوافعها قائلا: إن أصل جميع الحروب إرادة الانتقام وهي نوعان: النوع الأول حروب بغي وفتنة، وهي حرب المنافسة [التوسع]، وحروب العدوان التي تقوم بها الأمم المتوحشة، والنوع الثاني من الحروب هو حروب غضب لله تعالى ودينه وهي جهاد، وحروب على الخارجين عن السلطان وهي حروب للعناية بالملك كما سماها.
ومن يراجع أسباب النزول وتاريخ تطور النزاع بين الإسلام وخصومه يتأكد من أنه لا تعارض بين هذه الآيات والآيات التي تحدد هدف القتال بأنه دفاعي وأنه لا يجوز اقتطاع الآيات عن سياقها الكلي كما يحاول المستشرقون وتلاميذهم أن يفعلوه.*
وبهذا المنطق يمكن اعتبار المسيحية دين حرب إذا حكمنا عليها من خلال الفقرة 24 الواردة في إنجيل متى الإصحاح العاشر مما نسبه إلى سيدنا عيسى عليه السلام [لا تظنوا أني جئت لألقى سلاماً على الأرض ما جئت لألقى سلاما بل سيفاً].
وأما التوراة فشواهد تشريع القتال فيها أكثر من أن تحصى، على ما فيه من الصرامة وبلوغ الغاية في الشدة، مما يدل دلالة قاطعة على الفرق ما بين آداب الحرب في الإسلام ، وغيره من الأديان.
وتاريخ الأمم المسيحية في القديم والحديث شاهد عدل على رد دعواهم ، فمنذ فجر المسيحية إلى يومنا هذا ، خضبت أقطار الأرض جميعها بالدماء باسم السيد المسيح.
خضَّبها الرومان، وخضَّبتها أمم أوروبا كلها، والحروب الصليبية أشعلها المسيحيون وليس المسلمون، ولقد ظلّت الجيوش باسم الصليب تنحدر من أوروبا خلال مئات السنين قاصدة أقطار الشرق الإسلامية، تقاتل، وتحارب، وتريق الدماء وفي كل مرة كان البابوات خلفاء المسيح - كما يزعمون - يباركون هذه الجيوش الزاحفة للاستيلاء على بيت المقدس، والبلاد المقدسة عند المسيحية، وتخريب بلاد الإسلام.
أكذوبة الإكراه(2/106)
وإذا كان المستشرقون الكذابون يروجون أن أغلب المسلمين الذين دخلوا الإسلام حينما تم فتح بلادهم إنما دخلوه بالإكراه، فقد جاءت لهؤلاء آلاف الفرص كي يتخلصوا من هذا الإكراه المزعوم ولكنهم لم يفعلوا بل تمسكوا بالإسلام وحاربوا دفاعاً عنه، وقدموا أنفسهم أموالهم في سبيل نصرته. فالعرب جميعاً ثبتوا على ما تركهم عليه الرسول الكريم، وحملوا الرسالة ، وبلَّغوا الأمانة كأحسن ما يكون البلاغ إلى الناس كافة، ولم يزالوا يكافحون ويجاهدون في سبيل تأمين الدعوة وإزالة العوائق من طريقها حتى وصلت إلى العالم كله.
والعقل يقول أن الدولة الإسلامية الكبرى حينما انقسمت إلى دويلات، وصار المسلمون شيعاً وأحزاباً، وتعرضوا لمحن كثيرة في تاريخهم الطويل كمحنة التتار، والصليبيين قديماً، ثم الاستعمار الغربي حديثاً، كل محنة من هذه المحن كانت كافية للمكرهين على الإسلام أن يتحللوا منه ويرتدوا عنه، ولكن الذي حدث كان مزيداً من حب الإسلام والتمسك به.
ونحن في انتظار المنطق الغربي، الذي يصفونه بالحيدة والعلمية، ليفسر لنا في الانتشار العظيم والمذهل للإسلام في الدول التي لم يدخلها مسلم مجاهد بسيفه؟.
وهل يستطيع هؤلاء أن يكذبوا وقائع التاريخ الثابتة من أن الإسلام انتشر في هذه الدول بوساطة العلماء والتجار والبحّارة، كإندونيسيا، والصين، وبعض أقطار إفريقيا، وأوروبا وأمريكا.
وإذا كان هؤلاء القوم يمنعهم تعصبهم وكراهية الإسلام من الإيمان بالحقائق المجردة فنحن نقول لهم: لقد انتشر الإسلام في هذه الدول بسماحته، وقربه من العقول والقلوب، وبساطته، ومخاطبته لفطرة الإنسان، وواقعيته، ومناسبته للزمان والمكان.
وأخيراً ماذا يقول القوم في انتشار الإسلام في بلادهم هم، رغم كل وسائل الإعلام والثقافة الجبارة التي يملكونها، والتي هي بمثابة حائط صد، ورغم المؤسسات التبشيرية الكبيرة، ورغم الحرب التي يشنونها ضدنا، ورغم ندرة ما يقوم به المسلمون من تعريف بالإسلام، ورغم حالة الهزيمة والضعف التي يعيشها المسلمون؟
مشكلتنا مع الحكومات الغربية
مشكلتنا ليست مع الإنسان الغربي، وإنما مع الحكومات والإدارات الغربية، ومشكلتنا مع الغرب بصفته الاستعمارية الاستكبارية؛ لا بصفته الإنسانية. إننا نعرف أنّ للغرب مصالح في بلادنا بما نملك من ثروات، ولنا مصالح عند الغرب فيما يملك من الإمكانات، ونحن نؤمن بتبادل المصالح وتكافؤ المصالح، ولكن لا نؤمن أن تسقط مصالحنا تحت تأثير مصالحه، وهذه هي المشكلة.
وعندما يحترمنا الغرب فإننا لا بد أن نحترمه، ولكنه إذا لم يحترمنا فمن الصعب أن نشعر بأي احترام تجاهه، وإذا أطلق علينا صواريخه وقنابله فلن نقدّم للغرب عندها باقة ورد.
وليس صحيحًا أنّ العنف نشأ في بلاد العرب والمسلمين وتم تصديره للغرب، بل إن الغرب هو الذي بدأ العنف. الغرب هو الذي خاض الحروب الصليبية ضد الشرق الإسلامي، والغرب هو الذي استعمر البلاد الإسلامية، وهو الذي استعمر بلدان العالم الثالث وسلب ثرواتها؛ ولذلك فإن بلادنا كانت تتحرك دفاعيًا، ولكن حاول أن يسلط الأنظار على العنف الذي هو رد فعل ليقدمه كفعل، ولم يحاول بطبيعة الحال أن يسلط الضوء على العنف الذي بدأه هو.
--------------
*من المعلوم أن الفقهاء يقسمون الجهاد إلى جهاد الدفع وجهاد الطلب فليراجعها من أراد التفصيل
================
# تصريحات البابا
الثلاثاء:19/09/2006
(الشبكة الإسلامية) جمال سلطان
البابا الجديد أسفر عن وجه قبيح ضد الإسلام ورسول الإسلام
التصريحات المثيرة التي أدلى بها بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر قبل أيام في محاضرته التي ألقاها بجامعة رتيسبون الألمانية ، والتي تعرض فيها بالإهانة للعقيدة الإسلامية وللنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، بصورة غير مسبوقة من رمز ديني كبير ، بقدر ما تكشف عن غياب للحكمة واللياقة ، بقدر ما تكشف عن أزمة كبيرة في الكنيسة الكاثوليكية ، هناك انهيار في القناعات الدينية لدى الأجيال الجديدة في الغرب ، وفي أوربا تحديدا ، وهناك شكاوى من انصراف الناس عن الكنيسة وعن المسيحية إلى عقائد أخرى وخاصة إلى الإسلام .
كما أن التقارير المنشورة تفيد بأن عدد الداخلين في الإسلام في الغرب في تزايد مستمر ، بل إنه زاد بعد أحداث سبتمبر الأمريكية رغم أن المظنون كان العكس ، وذلك أن الأحداث حركت الفضول الغربي نحو معرفة الإسلام الذي أثار كل هذا الضجيج والجدل، والقاعدة المضطردة على مدار التاريخ أن كل اقتراب من دراسة الإسلام بروح منفتحة ينتهي بصاحبه إلى شهادة التوحيد.
وأعتقد أن هذه الحقائق كلها كانت حاضرة أمام بابا الفاتيكان وهو ينحرف بكلامه فجأة بدون أي داع أو معنى نحو هجاء الإسلام ونبي الإسلام .
أيضا هناك بعد شخصي في المسألة يتعلق بشخصية بنديكت نفسه ، لأنه يحمل حساسية خاصة ـ ولا أريد أن أقول كراهية ـ تجاه الإسلام والمسلمين تجلت في العديد من مواقفه السابقة حتى قبل توليه منصب البابوية ، فهو صاحب الموقف المتطرف الشهير الرافض لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي حيث اعتبرها لا تتجانس مع "أوربا المسيحية" في إشارة إلى الديانة الإسلامية في تركيا ، كذلك حشر نفسه مرارا في التعليق على الفكر الإسلامي وتسييس الإسلام بدون أي معنى ، إضافة إلى تصريحاته الأخرى التي يعلن فيها عن تحالف الكنيسة الكاثوليكية مع الإدارة الأمريكية الحالية ، وهي المعروف عنها ميولها الأصولية المسيحية المتطرفة ، كذلك علاقاته الوثيقة مع الحركات اليهودية وحرصه الكبير على التودد لكل ما هو يهودي ، ديانة أو تاريخا أو ثقافة أو موقفا سياسيا.
اللافت للنظر أن البابا عندما أراد تجريح دين الإسلام لجأ إلى قراءة سطور من كتاب قديم بما يعني أن "أجواء التاريخ" بكل ثقله وصراعاته وسوداويته حاضرة في مشاعر البابا، وهذا مؤشر خطير يطرح أكثر من علامة استفهام حول فكرة الحوار بين الأديان التي يقودها الفاتيكان ويسهم فيها رجال دين مسلمون ، أيضا يستدعي ذلك التأمل في مسألة التستر بانتقاد الحركات المتشددة للطعن في الإسلام ، فالبابا كشف عن أن الكراهية متوجهه للإسلام ذاته ، بغض النظر عن المتطرفين فيه أو المعتدلين .
بالمقابل أعتقد أن ردود الفعل الإسلامية ينبغي أن لا تستدرج إلى مساحات العنف والخطاب غير العقلاني ، لأن الاعتدال والعقلانية في الموقف الإسلامي تكون أكثر بلاغا وإفحاما لرعونة رأس الكنيسة الكاثوليكية ، خاصة وأن موقف البابا مثل إساءة بل فضيحة للكنيسة الكاثوليكية أكثر منه إساءة للإسلام ، كذلك أتمنى أن تمتنع الحركات الإسلامية عن رد الفعل العنيف أو لغة التهديدات ، لأن هذا لا يليق في مثل هذه المواقف ، كما أنه سوف يسيئ حتما إلى الموقف الإسلامي لو حدث.
لقد ارتكب بابا الفاتيكان حماقة حقيقية ، ولكن دعوا أصحاب القلم والعلم والرأي يجيبونه ، وإن كان هذا بطبيعة الحال لا يحجر على الموقف الشعبي الإسلامي من أن يعبر عن غضبه بالتظاهر السلمي ، فهذا حق مشروع ، وفي المحصلة فإن القرآن الكريم يوجهنا بتوجيهه النبيل الكريم "خذ العفو ، وأمر بالعرف ، وأعرض عن الجاهلين ".
===============
# دول عربية وإقليمية تطالب البابا باعتذار وانقسام غربي
الثلاثاء:19/09/2006
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت(2/107)
سبع دول عربية وتركيا وإيران طالبت البابا باعتذار صريح طالبت سبع دول عربية وتركيا وإيران البابا بنديكت السادس عشر باعتذار "واضح وصريح" عن تصريحاته المثيرة للجدل بشأن الإسلام, فيما اعتبر الرئيس الأميركي جورج بوش أن البابا كان "مخلصا" في اعتذاره.
واستنكر بيان لوزراء داخلية كل من العراق والسعودية والأردن والبحرين وسوريا ومصر والكويت وإيران وتركيا في ختام اجتماع لهم في جدة بالممكلة العربية السعودية, ما صدر عن بابا الفاتيكان "من إساءة للإسلام والمسلمين" وطالب الوزراء "باعتذار واضح وصريح".
وأعاد بيان الوزراء التذكير بـ"رفضهم كل محاولات الربط بين الإسلام والإرهاب والتأكيد على أن الإرهاب بكل أشكاله يتنافى تماما مع مبادئ وقيم الإسلام التي تنبذ العنف والتطرف".
وفي الرباط دعا العاهل المغربي محمد السادس البابا إلى احترام الإسلام لدعم الحوار بين الأديان والثقافات في رسالة احتجاج على التصريحات التي وصفها بأنها مسيئة للإسلام.
كما توالت ردود الفعل الإسلامية غير الرسمية على تصريحات البابا, إذ دعا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي إلى اعتبار يوم الجمعة المقبل يوم "غضب عاقل وخال من العنف" ضد هذه التصريحات.
وشملت ردود الفعل كلا من الأردن وأفغانستان والجزء الذي تسيطر عليه الهند من كشمير وإندونيسيا والعراق ومصر وأنحاء أخرى كثيرة من العالم الإسلامي.
كما طالب بطريرك الأقباط في مصر البابا شنودة الثالث الفاتيكان بمعالجة ردود الفعل الإسلامية الغاضبة.
بوش والبابا
وفي واشنطن ذكر مسؤول أميركي أن الرئيس بوش قال إن البابا كان "مخلصا" في اعتذاره عن تصريحاته بشأن الإسلام.
وقال دنيس وايلدر مدير البيت الأبيض لشؤون شرق آسيا "لاحظ الرئيس أن البابا قدم بعض الاعتذارات عن تصريحاته، ويعتقد الرئيس أن البابا كان مخلصا في تلك التصريحات".
المفوضية الأوروبية من جهتها قالت إنه لا ينبغي أن تنتزع تصريحات البابا عن سياقها, وإن "الضجة التي أثارتها يجب ألا تعرض حرية التعبير للخطر".
كما دافع أسقف كانتربري رئيس الكنيسة الإنجليكانية روان ويليامز,عن البابا وقال إن بنديكت الـ16 كان محقا حين عبر عن أسفه البالغ عن الإساءة التي سببها, وقال إن تصريحاته يجب أن تقرأ في سياقها.
الرئيس الفرنسي جاك شيراك رفض أن ينتقد البابا, لكنه دعا إلى "أسلوب أكثر دبلوماسية في الحديث". وقال "يجب أن نتجنب أي ربط بين الإسلام وهو دين عظيم يحظى بالاحترام ويبعث على الاحترام وبين التطرف الإسلامي وهو نشاط مختلف تماما وذو طابع سياسي".
الصحافة الغربية
تصريحات البابا وما أثارته من أزمة تناولتها الصحافة الغربية من زوايا مختلفة. فقد رأت صحيفة إندبندنت البريطانية أنه كان يجدر بالبابا حذف المقطع الذي اعتبر مسيئا للمسلمين. وقالت الصحيفة "إن كان هدفه الدعوة إلى الحوار، لكان أمكنه ربما اعتماد وسائل أخرى قد لا تثير هذا القدر من سوء الفهم".
وفي هولندا، رأت صحيفة نكست النافذة أن كلام البابا تضمن "استفزازا", فيما كتبت دي فولكسكرانت (يسار الوسط) أنه "لا يمكن للبابا أن يلوم غير نفسه بشكل أساسي".
وفي إسبانيا رأت صحيفة ألموندو (يمين الوسط) في الحادث نكسة للتسامح بين الديانات. ورأت أنه "تطلب الأمر وقتا قبل أن يتوصل -البابا السابق- يوحنا بولص الثاني إلى التخفيف من حدة التناقضات بين الديانات الرئيسية. وفي ما يتعلق بالإسلام، فإن -البابا الحالي- يوزف راتسينغر أفسد في كلمة واحد كل عمل سلفه".
صحيفة ليبراسيون اليسارية الفرنسية كتبت تقول إن "هذا البابا البالغ من العمر 78 عاما يرتكب هفوات متتالية منذ تعيينه. وستتشكل لدينا في نهاية المطاف قناعة بأنها ليست عرضية بل تكشف عن فكره الدفين".
غير أن صحفا غربية أخرى حذرت مما أسمته "خطورة رضوخ العالم الغربي لابتزاز الإسلاميين المتشددين" وتساءلت إن كان الغرب سيقبل أن يتخلى عن حرية الفكر. كما رحبت صحف أخرى بمبادرة البابا الذي عبر عن "أسفه" أو "اعتذاراته" بحسب اختلاف القراءات لموقفه.
أرشيف الفاتيكان
وفي خضم الأزمة التي أثارتها تصريحات البابا, أعلن الفاتيكان عن فتح أرشيفه السري عن فترة بابوية بيوس الحادي عشر, والذي أثار كتاب يهود جدلا دائما حول مواقفه بشأن ما يعرف بـ"المحرقة النازية".
إذ فتح الفاتيكان أمام الباحثين أرشيفه السري المتعلق بالفترة التي تولى فيها البابا بيوس الحادي عشر كرسي البابوية.
وقال مسؤولون في الفاتيكان إن ما وصفوها بآراء غير منصفة حول طريقة تعامل خليفته البابا بيوس الثاني عشر مع اليهود قبيل الحرب العالمية الثانية, ستتم مراجعتها.
ويقول كتّاب يهود إن البابا بيوس الثاني عشر الذي كان وزيرا لخارجية الفاتيكان آنذاك, "لم يفعل الكثير لإنقاذ يهود أوروبا من المحرقة النازية".
==============
# أردوغان يدين تصريحات البابا والمغرب يسحب سفيره
الاحد :17/09/2006
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
تصريحات بنديكت السادس عشر قوبلت باحتجاجات واسعة في العالم الإسلامي تواصلت ردود الفعل العربية والإسلامية المنددة بتصريحات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر المسيئة إلى الإسلام.
فقد وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تصريحات البابا بشأن الإسلام بأنها قبيحة ومؤسفة وطالبه بالتراجع عنها.
كما خرج آلاف الأتراك في محافظة قونية في مظاهرات للتنديد بتصريحات البابا وطالبوه بالاعتذار رسميا قبل بدء زيارته المقررة إلى تركيا نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. لكن مراسلو وكالات الأنباء في أنقرة نقلوا عن مصادر في الخارجية التركية قولها إن تركيا لا تعتزم إلغاء أو تأجيل الزيارة.
من جهتها قررت الحكومة المغربية استدعاء سفيرها في الفاتيكان للتشاور, وجاء في بيان للخارجية المغربية أن هذه الخطوة تقررت "عقب التصريحات المسيئة إلى الإسلام والمسلمين التي أدلى بها البابا بجامعة راتيسبون بألمانيا".
وكانت وكالة الأنباء المغربية أفادت قبل ذلك بأن العاهل المغربي محمد السادس وجه رسالة احتجاج خطية إلى البابا. كما احتجت كل من القاهرة والكويت لدى سفيري الفاتيكان في البلدين.
وفي الرياض بعث وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل رسالة إلى وزير خارجية الفاتيكان تعرب فيها السعودية عن "استيائها وألمها لما تحدث به البابا" مطالبة بتوضيح لموقف الفاتيكان.
تسميم العلاقة
كما ندد المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ بتصريحات البابا، مؤكدا أن مثل هذه التصريحات "كذب" ويمكن أن تسمم العلاقة بين الديانتين.
أما الداعية الموريتاني الشيخ محمد الحسن بن الددو فقد اعتبر أن ما صدر عن البابا "دليل سافر على بسط الولايات المتحدة الأميركية لسيطرتها على المؤسسات الدينية الغربية بعد احتلالها للمؤسسات الدولية واستغلالها في حربها على المسلمين".
وربط الددو تلك التصريحات بما سبق أن أعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش من أن الحرب على الإرهاب هي حرب صليبة وكذلك اقتران وصف الإسلامية بالفاشية في تصريحاته الأخيرة.
وطالب المسلمين بالضغط على الدول الغربية حتى تعلن رفضها لتلك التصريحات، وبقطع العلاقات مع الفاتيكان حتى يتراجع البابا ويعتذر اعتذارا صريحا عن تلك التصريحات.(2/108)
وأكد الداعية الإسلامي عمرو خالد أن إساءة بابا الفاتيكان للإسلام لا تليق بدوره كرمز مسيحي، ويخالف دور القائد الديني الذي يجب أن يتحلى بصفات معينة تسعى للحوار وليس الصدام.
وشدد خالد على ضرورة أن يقدم البابا اعتذارا واضحا للمسلمين وأن يعقب ذلك السعي لإعداد قادة دينيين يستطيعون مد جسور الحوار الصحيح بين الأديان السماوية.
من جانبهم حرص مسيحيو الشرق الأوسط على اتخاذ موقف متميز عن البابا.
وأكدت الكنيسة القبطية المصرية التي يشكل أتباعها أكبر طائفة مسيحية في المنطقة "رفضها الكامل لأي مساس بالإسلام وأي إساءة إلى رموزه".
كما أدانت رابطة الكنائس المسيحية في الكويت "الإساءة إلى الأديان" مؤكدة "سماحة الإسلام ومحبة إخوته المسلمين".
أسف
وقد عبّر البابا عن أسفه الشديد لما قال إنه ما بدا للبعض إساءة للمسلمين عند تعرضه لجوانب في العقيدة الإسلامية بينها مفهوم الجهاد ومنزلة العقل خلال محاضرة ألقاها قبل أيام في ألمانيا.
وقال وزير خارجية الفاتيكان، الكاردينال تارتشيزيو بيرتوني، في بيان نشر على موقع الفاتيكان على الإنترنت، إن مقتطفات وردت في محاضرة البابا بدت للبعض هجوما على العقيدة الإسلامية وتم تفسيرها بطريقة لا تتوافق مع نواياه.
وشدد بيرتوني على احترام البابا بنديكت السادس عشر للإسلام والمسلمين وعلى موقفه الذي لا رجعة فيه من أهمية الحوار بين الأديان والثقافات. وكان سكرتير دولة الفاتيكان الجديد تارتشيتسيو برتوني قد قال في وقت سابق إن البابا لم يقصد الإساءة إلى الإسلام.
واعتبر الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي في الأردن زكي بني ارشيد أن الاعتذار هو خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها غير كافية، وشدد على أنه لابد من رسائل تطمينية أخرى مرافقة للاعتذار.
وقال القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر عبد المنعم أبو الفتوح "إن ذلك ليس اعتذارا وإنه ليس هناك أي سوء فهم، وهذا تضليل فتصريحاته تضمنت إساءة واضحة وصريحة لأكثر من مليار مسلم".
==============
# البابا ينتقد الإسلام ويقتبس إساءة للرسول عليه الصلاة والسلام
الخميس :14/09/2006
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
البابا أثارت طعون بابا الفاتيكان في العقيدة الإسلامية في محاضرة ألقاها بألمانيا حول الإيمان والعقل، ردودا متباينة طالبه بعضها إلى سحب كلامه.
وقد اقتبس بنديكت الـ16 مقتطفا من كتاب إمبراطور بيزنطي يقول فيه إن محمد (عليه الصلاة والسلام) لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني كأمره بنشر الإسلام بحد السيف.
وقال البابا إنّ العقيدة المسيحية تقوم على المنطق لكن العقيدة بالإسلام تقوم على أساس أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق. كما انتقد "الجهاد واعتناق الدين مرورا بالعنف" بلغة مبطنة.
وأثارت تلك الانتقادات ردودا متباينة. فقد دعا عميد الجالية الباكستانية بإيطاليا إعجاز أحمد، بابا الفاتيكان، إلى سحب كلامه عن العقيدة الإسلامية.
وقال إعجاز أحمد "إن البابا في خطابه أغفل أن الإسلام كان مهد العلوم وإن المسلمين كانوا أول من ترجم الفلسفة الإغريقية قبل انتقالها إلى التاريخ الأوروبي". وأضاف أن "العالم الإسلامي يعيش حاليا أزمة عميقة وأي هجوم من الغرب قد يؤدي إلى تفاقم هذه الأزمة".
ومن جانبه ذكر جيل كيبيل، الخبير الفرنسي الشهير في الإسلام، أن البابا "حاول الدخول في منطق النص القرآني" لكنه رأى أن النتائج "تنطوي على مجازفة لأن الخطاب قد يحمل قسما من المسلمين على التطرف".
وكان عالم اللاهوت المعارض هانس كونغ أكثر تشددا، حيث رأى في تعليق أوردته وكالة الأنباء الألمانية أن "هذه التصريحات لن تلقى بالتأكيد ترحيبا لدى المسلمين وتستوجب توضيحا عاجلا".
وأمام الردود التي أثارتها ملاحظات البابا، اضطر الأب فيديريكو لومباردي المدير الجديد للمكتب الإعلامي التابع لبنديكت الـ16 إلى التحدث للصحفيين ليوضح أن "البابا لم (يشأ) إعطاء تفسير للإسلام يذهب في اتجاه العنف".
غير أن بعض خبراء الفاتيكان رأوا أن البابا أراد، على ما يبدو، وضع شروط لحوار مع المسلمين قبل زيارته المقررة إلى أنقرة بين 28 و30 نوفمبر/تشرين الثاني. وقد عارض بنديكت الـ16 باستمرار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
==============
# ...البابا يدعو من ألمانيا إلى حوار بين المسيحيين واليهود
الجمعة :19/08/2005
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
البابا بينديكت السادس عشر يزور ألمانيا في أول زيارة خارجية منذ تنصيبه دعا البابا بنديكت السادس عشر خلال زيارة نادرة لبابا الفاتيكان إلى معبد يهودي إلى حوار "صادق وحقيقي" بين المسيحيين واليهود.
وشدد البابا الذي يقوم بزيارة إلى موطنه الأصلي مدتها أربعة أيام، على عدم المبالغة في التركيز على الاختلافات بين الديانتين.
وأدان بنديكت السادس عشر ما وصفه بـ"جريمة" معسكرات الهولوكوست "غير المعقولة" خلال الحرب العالمية الثانية. وشجب كذلك انبعاث مشاعر معاداة النازية والعداء للأجانب.
تصريحات رأس الكنيسة الكاثوليكية أدلى بها اليوم الجمعة في معبد يهودي في مدينة كولون خلال زيارة هي الثانية من نوعها لبابا الفاتيكان بعد زيارة سلفه يوحنا بولس الثاني إلى كنيس روما إيطاليا عام 1986.
وتأتي تصريحات بابا الكنيسة الأرثوذوكسية بعد أقل من شهر على إثارة حكومة الاحتلال الإسرائيلية زوبعة في وجه البابا بعد إدانته تفجيرات شرم الشيخ ولندن مستثنيا عملية تل أبيب التي نفذها ناشط من الجهاد الإسلامي.
وكانت وسائل إعلام الاحتلال أشارت بعد انتخاب الكاردينال الألماني جوزف راتزغر لمنصب البابوية خلفا ليوحنا بولس الثاني إلى انضمامه خلال شبابه إلى الخدمة الإلزامية ضمن الشبيبة الهتلرية في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.
من جهة أخرى التقى بنديكت السادس عشر اليوم في إطار جولته الخارجية الأولى بعد انتخابه الرئيس الألماني هورست كولر.
واستقبل البابا عند وصوله أمس الخميس إلى مطار كولونيا غرب ألمانيا نحو 400 ألف ألماني معظمهم من الشبان.
==============
# البابا الجديد يشيد بإلارث المشترك مع اليهود
الاحد :24/04/2005
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
بينيدكت ال16 يشيد باليهود للمرة الثانية خلال أيام
أشاد بابا الفاتيكان الجديد بينيدكت الـ16 في قداس تنصيبه اليوم بما أسماه الإرث الروحي العظيم والمشترك بين المسيحيين واليهود "المتجذر في وعود الرب الأبدية"، واصفا اليهود بأنهم إخوته وأخواته.
ولم يأت البابا الألماني الأصل في خطابه على ذكر المسلمين أو الحوار مع الإسلام.
وهذه هي المرة الثانية للبابا التي يرسل فيها رسالة إشادة وترحيب باليهود منذ انتخابه بابا للكاثوليك خلفا للبابا يوحنا بولص الثاني الذي توفي يوم 2 أبريل/نيسان الجاري، إذ بعث برسالة إلى حاخام روما الأسبوع الماضي تعهد فيها بتعزيز حوار الكنيسة الكاثوليكية مع اليهود.
وقال مراسل الجزيرة في روما إن رسائل البابا الجديد لليهود تهدف إلى تطمينهم بعزمه كبح جماح اللاسامية، خصوصا أنه خدم عندما كان عمره 15 عاما في شبيبة هتلر النازية، وهو ما يأخذه اليهود عليه.
الراعي والصياد(2/109)
من ناحية أخرى جدد البابا الجديد في عظته الأولى -التي تعتبر بيان حبريته والنظام الذي سيحكم من خلاله- النداء الذي وجهه سلفه بولص الثاني إلى دعوة المسحيين بقوله "لا تخافوا", داعيا إلى وحدتهم.
ووصف البابا مهمته بمهمة "الراعي" و"الصياد" التي ترمز إليها العصا البابوية والخاتم البابوي المعروف باسم خاتم الصياد.
كما وصف البشرية "بخراف ضالة لا تجد سبيلها في الصحراء" ودعا الكنيسة إلى سلوك الطريق "لقيادة البشر خارج الصحراء"، مشيرا إلى وجود أشكال عددية من الصحاري تتمثل بالفقر والجوع والظمأ والإهمال والظلمة وفراغ النفوس.
وانتقد الحبر الأعظم ما وصفها أيدولوجيات السلطة التي تبرر عملها المدمر برغبتها في "القضاء على الشر".
وشارك في مراسم تنصيب بابا الكاثوليك الجديد والقداس عدد كبير من زعماء العالم وسط إجراءات أمنية مشددة، كما احتشد نحو 350 ألف كاثوليكي في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان والمناطق المحيطة بها.
تجدر الإشارة إلى أن البابا واسمه الحقيق جوزيف راتسينغر (78 عاما) -وهو زعيم التيار المحافظ في الكنيسة الكاثوليكية- ترأس مجمع عقيدة الإيمان الذي يعتبر وريث محاكم التفتيش على مدى 24 عاما.
وانتخب كرادلة الكنيسة الكاثوليكية راتسينغر بابا للفاتيكان رسميا الثلاثاء الماضي خلال اجتماع سري استمر يومين، وهو أحد أقصر تلك الاجتماعات في تاريخ الفاتيكان.
==============
# إسرائيل تلوذ بالبابا لوقف العداء لها في أوروبا
السبت :17/01/2004
(الشبكة الإسلامية) الجزيره نت
التقى كبيرا الحاخامات الإسرائيليين مع البابا يوحنا بولس الثاني وطلبا منه المساعدة في مكافحة ما يسمى معاداة السامية والإرهاب.
وقال الحاخامان شلومو عمار ويونا ميتزغر إن البابا الذي عمل جاهدا لإصلاح العلاقات المسيحية اليهودية خلال رئاسته للكنيسة الكاثوليكية على مدى 25 عاما شاطرهما بواعث القلق بخصوص المسألتين.
وقال عمار في مؤتمر صحفي في المعبد الكبير في روما بعد اللقاء مع البابا أمس "يجب أن يكون لقاؤنا وسيلة لمحاربة العداء للسامية في العالم وخصوصا في أوروبا".
وأشار استطلاع للرأي نشر يوم الثلاثاء إلى أن العداء للسامية يتزايد في إيطاليا حيث قال 35% من الذين شملهم الاستطلاع إنهم يعتقدون أن اليهود يسيطرون سرا على شؤون المال والإعلام.
والاستطلاع هو أحدث مؤشر يحذر من العداء للسامية في أوروبا ويأتي بعد دراسة مثيرة للجدل في الاتحاد الأوروبي ربطت بين العداء للسامية وتزايد العنف في الشرق الأوسط.
وقال ميتزغر "هناك صلة بين العداء للسامية والإرهاب ... فأسباب الإرهاب دينية كذلك". وقال الحاخامان إنهما تحدثا مع البابا البالغ من العمر 83 عاما لمدة 35 دقيقة وإنهما وجداه في حالة طيبة. وأضاف ميتزغر "سمع كل شيء وتكلم وشارك بقسط وافر في الحديث. كان مرحبا للغاية وودودا جدا معنا".
================
# البابا يطالب أوروبا بتذكر جذورها المسيحية
الاثنين :21/07/2003
(الشبكة الإسلامية) الجزيره نت
دعا بابا الفاتيكان يوحنا بولص الثاني الأوروبيين للتأكيد على الجذور المسيحية لأوروبا، في محاولة منه باسم الكنيسة الكاثوليكية لإقناع صانعي السياسة في الاتحاد الأوروبي بالإشارة إلى المسيحية في أول دستور للاتحاد.
ويحث البابا وأعضاء كبار في الفاتيكان قادة الاتحاد الأوروبي بصورة كبيرة في الأشهر الأخيرة على الاعتراف بالجذور اليهودية المسيحية لأوروبا والإشارة إليها في دستور الاتحاد الأوروبي الوليد الذي دخل الآن المرحلة الأخيرة في الصياغة.
وقال البابا "تنظر الكنيسة بحب إلى هذه القارة في هذه المرحلة التاريخية التي نشهد فيها عملية إعادة التوحيد الأوروبي المهمة وتوسيع الاتحاد الأوروبي ليضم دولا أخرى"، ومضى يقول "لكن بين النقاط المضيئة الكثيرة توجد ظلال".
وعبر البابا عن اعتقاده بأن المسيحية تنسى وتبدو الفردية آخذة في التزايد بينما التضامن آخذ في التراجع، وأضاف أن "ذلك يكاد يكون فقدانا للأمل نرى بسببه محاولة أن ينتصر مجتمع دون الرب ودون المسيح".
وقد طالبت إيطاليا وإسبانيا ودول أوروبية كاثوليكية أخرى بإشارة محددة للمسيحية في دستور الاتحاد الأوروبي، لكن واضعي مسودة الدستور رفضوا ذلك مفضلين لغة محايدة.
ولا يواظب على الذهاب إلى الكنيسة إلا أقلية صغيرة من الأوروبيين، خاصة في الدول البروتستانتية حيث لا يذهب للكنيسة بانتظام إلا أقل من 10% من السكان. وزادت أهمية النقاش بالنسبة لكثير من المسيحيين في حين تكافح تركيا الإسلامية لبدء مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وقالت إيطاليا التي تتولى الآن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي إنها تأمل في التوصل إلى حل وسط وأن ترى إشارة إلى الجذور المسيحية لأوروبا، ومن المقرر توقيع الصيغة النهائية للدستور في أول مايو/ أيار 2004.
================
# معبد رام على أنقاض المسجد البابري!
الاثنين :21/07/2003
(الشبكة الإسلامية)
قدم أكثر من 120 عضوًا في البرلمان الهندي اقتراح مشروع قانون يسمح بإنشاء معبد هندوسي على أنقاض مسجد بابري الذي هدمه المتعصبون الهندوس عام 1992م وقتلوا أكثر من ألفي مسلم.
هذه الخطوة قد تعيد قضية مسجد بابري إلى الأضواء مجددًا بعد أن ظلت بين مد وجزر طوال العقد الماضي.
يعود تاريخ المسجد البابري في مدينة أيودهيا في شمال الهند إلى القرن السادس عشر، عندما بناه الحاكم المسلم "ظهر الدين بابر".
المتطرفون الهندوس يقولون إن هذا المسجد بني على أنقاض معبد ولد فيه "رام" الأسطوري المقدس لدى الهندوس، لذلك بذلوا جهودًا متوالية لهدم المسجد حتى نجحوا في ذلك في السادس من ديسمبر عام 1992م، وسط صدامات دامية أودت بحياة ألفي مسلم.
سلسلة من الاعتداءات:
تعود بداية العدوان على المسجد البابري إلى ما يزيد عن نصف قرن، ففي ليلة 22 ديسمبر 1949م هجمت عصابة مكونة من 50 - 60 هندوسيًّا على المسجد البابري ووضعوا فيه أصنامًا لـ"رام" وادعوا أن الأصنام ظهرت بنفسها في مكان ولادته! وهو ما اضطر الشرطة إلى وضع المسجد تحت الحراسة وأغلقته لأنه محل نزاع.
وفي نوفمبر 1984م سمح رئيس وزراء الهند الأسبق "راجيف غاندي" للهندوس بوضع حجر الأساس لمعبد هندوسي في ساحة المسجد، وتبع ذلك الحكم الصادر من محكمة فيض آباد بتاريخ 1/2/1986م من طرف القاضي "ر.ك باندي" الذي أصبح بعد إحالته إلى المعاش عضوًا بارزًا في حكومة حزب بهارنا جانتا ـ الحاكم حاليًّا والمسؤول عن هدم المسجد البابري ـ سمح فيه بفتح أبواب المسجد للهندوس ، وإقامة طقوسهم الدينية فيه، وحذر السلطات المحلية من التدخل في هذا الشأن.
وفي بداية الثمانينيات قام الهندوسي المتطرف "محنت راغوبير" برفع قضية أمام المحكمة بشأن كون المسجد قد بني فوق مكان ميلاد الإله "رام" الأسطوري، إلا أن هذه المزاعم تم دحضها بحكم القضاء في أبريل 1985م لفقد أي دليل تاريخي أو قانوني.
الصراع على أرض المسجد:(2/110)
بعد هدم المسجد تمامًا عام 1992م بدأ الصراع على أرض المسجد، والذي لم ينته حتى الآن! إلا أن ستاراً من الصمت المطبق أسدل على هذه المأساة خلال السنوات الماضية، فالجانب الهندي يحرص على التزام الصمت حول قضية الاعتداء الوحشي على المسجد والمسلمين كيلا تتشوه سمعته، فالهند تتغنى بالعلمانية وبالتعايش مع الأقليات.
أما الجانب الإسلامي فإنه انقسم إلى فريقين: فريق يدعو إلى ابتلاع القضية برمتها بدعوى أن إثارتها لن تؤدي إلا لمزيد من المشكلات للمسلمين. وفريق آخر استنكر وعارض أول الأمر حركة هدم المسجد، وبالتالي إقامة المعبد الهندوسي مكانه، ولما رأى أن استنكاره لم يجد كثير نفع، لاذ من باب "مكره أخاك لا بطل" إلى الموقف الأول.
في مطلع عام 2001م توصل الهندوس المتعصبون إلى حيلة جديدة للاستيلاء على أرض المسجد البابري، وذلك بالحصول على ورقة من رجل مسلم تخول للهندوس بناء معبدهم على أرض المسجد، والرجل الذي اهتدى إليه المتعصبون لعقد هذه الصفقة المشبوهة هو "محمد هاشم أنصاري" من سكان "أيوديا" وهو الوحيد الباقي على قيد الحياة ممن أقاموا الدعوى الأصلية في المحاكم عقب استيلاء الهندوس على المسجد البابري في عام 1949م.وفي 20/5/2001م أعلن المجلس الهندوسي العالمي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء "واجبائي" بأنه سيبدأ بحلول العام القادم العمل على تشييد معبد "رام".
انحياز رسمي سافر للمتطرفين:
الانحياز السافر من قبل حكومة نيودلهي إدارة وقضاءً مع الهندوس لا يخفى على أحد، فقد كشف رئيس الوزراء "واجبائي" عن وجهه القبيح وموقفه من قضية المسجد البابري عندما قال في أواخر عام 2000م: إن بناء المعبد الهندوسي مكان المسجد البابري يأتي تعبيرًا عن الأماني القومية، وأنه برنامج لم ينته بعد.
وصرح يوم 25/2/2003م قائلاً: أتمنى أن أرى المعبد الهندوسي مشيدًا وفي أقرب فرصة ممكنة ، لقد وعدت خلال حملتي الانتخابية عموم الناخبين أنني سوف أبني المعبد إذا وصلت إلى الحكم وسوف أوفي بعهدي.
وخلال الحملة الانتخابية لصالح الحزب الحاكم يوم 20/2/2003م قال واجبائي: نحن نريد كحكومة وكحزب سياسي تعمير معبد رام على أنقاض المسجد البابري، وأنا على يقين بأننا سنجد من الشواهد التاريخية ما يصدق ادعاءنا في الأحقية بهذه البقعة.
وفي العام الماضي وقعت مفاجأة كبيرة في مسار القضية المرفوعة ضد من هدموا المسجد البابري قبل عشر سنوات، حين ألغت محكمة (الله آباد) العليا قرار المحكمة الخاصة التي تنظر في هذه القضية واستندت في حكمها إلى نقطة فنية، وهي أن القرار الحكومي بإنشاء المحكمة الخاصة لم يحصل على موافقة المحكمة العليا مسبقًا عند إنشاء المحكمة الخاصة، وبالتالي فإن كل الإجراءات التالية فاسدة قانونيًّا. وهكذا ظل قادة المتطرفين الهندوس الذين قادوا عملية هدم المسجد البابري عام 1992م بلا أي عقاب وأغلب الظن أنه لن ينالهم عقاب، فثلاثة منهم وزراء في الحكومة الحالية.
وتجد الإشارة هنا إلى أن حكومة واجبائي قدمت طلبها وبشكل رسمي إلى المحكمة الدستورية الكبرى طالبة السماح لها بتشييد معبد رام مكان المسجد البابري لكي يتسنى لها تنفيذ الوعد الذي وعدت به عموم الناخبين والمحكمة بدورها أجَّلت البت في الموضوع على أن يبت في الموضوع لجنة مشكّلة من القضاة الكبار.
وفي سياق متصل تؤكد الأنباء أن منظمة VHP التي تتولى كبر مسؤولية تعمير معبد رام قد أعدت خريطة المعبد وجمعت له الأموال الكافية، ومما يندى له الجبين أن الهنود المقيمين في الخليج ساهموا بنصيب الأسد في حملة التبرعات لصالح تعمير المعبد.
(عن مجلة الأسرة
=============
# الكنيسة والبابا يعاندان الفطرة
الثلاثاء:21/08/2001
(الشبكة الإسلامية)
أعلن الفاتيكان أن المطران إمانويل ميلينجو، الرئيس السابق للكنيسة الكاثوليكية في زامبيا، يعتزم العودة إلى الكنيسة، بعد تهديده بطرده من الكنيسة بسبب نقضه تعهده بالرهبنة بإعلان زواجه.
وكان المطران المثير للجدل قد تزوج من امرأة كورية في نيويورك في مايو/أيار الماضي، في قداس زواج نظمته طائفة دينية أخرى، وفي تلك الأثناء هددت زوجته في مؤتمر صحفي بروما ببدء إضراب عن الطعام إذا لم يسمح الفاتيكان لها بالاتصال بزوجها الذي يخضع لحماية كنسية .
وصدر في روما بيان عن قسم المراقبة في الفاتيكان ـ وهو قسم معني بالتعامل مع الهرطقة ـ وقال البيان: إن المطران الإفريقي منقطع الآن للتفكير والصلاة بغرض إعادة الوئام بشكل كامل .. وذلك بعد تذكيره من قبل البابا يوحنا بولس الثاني يوم الخميس الماضي بمسؤولياته نحو الرب والكنيسة .
وبعد اجتماع مع البابا، تراجع الفاتيكان قليلا عن تحذير نهائي للمطران يمنحه فرصة حتى العشرين من أغسطس/آب الجاري لكي يتبرأ من زوجته ويتعهد بالولاء التام للبابا ، أما الآن فلا موعد نهائيا أمام المطران .
إضراب عن الطعام
لكن ماريا سونج ميلينجو، الطبيبة الكورية التي تزوجت المطران، أدانت الفاتيكان بسبب عدم السماح لها بالاتصال بزوجها ، وقالت ماريا ميلينجو ، التي هددت بالإضراب عن الطعام ـ: إنها مسألة إنسانية .
ويتعامل الفاتيكان مع هذا الموضوع ببعض الحرص ، ويخشى البابا من أن يقدم المطران ميلينجو على الانشقاق من الكنيسة وتأسيس طائفة جديدة تتيح للقساوسة أن يتزوجوا . وللمطران عدد من التابعين بسبب شهرته كمعالج روحي .
وتقول مصادر كنسية : إن بعض القساوسة في إفريقيا قد نقضوا بالفعل مبدأ الرهبنة، الذي لا يسمح البابا بأي استثناءات بشأنه بين الرهبان الكاثوليك .
تعليق:
هذا الذي يحدث يدل على مصادمة هذه القواعد التي اخترعها النصارى للفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها ، وأن أي خروج على هذه الفطرة يعتبر تعديا على الاحتياجات الإنسانية الروحية والجسدية التي خلقها الله تعالى في عباده ، وأنه لا غناء لأحد مهما كان عن قانون الله … وهذا أكبر دليل على عظمة دين الإسلام الذي هو دين الفطرة .. فالحمد لله على نعمة الإسلام .
==============
# لماذا لم يعتذر البابا للمسلمين عن الحروب الصليبية؟
الاثنين :21/05/2001
(الشبكة الإسلامية) دمشق - عبد الرحمن الحاج إبراهيم
لماذا لم يعتذر البابا للمسلمين عن الحروب الصليبية
ولماذا لم يُدِن الإرهاب الإسرائيلي في انتفاضة الأقصى؟
لم يكن لدى السوريين أي مشكلةٍ في قدوم مسيحي لزيارة بلدهم، فهم بطبيعة الحال يتعايشون مع الأقلية المسيحية بسلام، ودون أي توتر أو إشكال، وذلك على النقيض من الحالة اللبنانية، ولم يتلق السوريون زيارة البابا بالنفور أو الحساسية، بقدر ما تم تلقيها بالاستغراب، وقد كان ممكناً لهذه الزيارة ألا تلفت الانتباه والاهتمام وتثير الاستغراب لولا أن برنامجها المعلن قبل مجيء البابا يتضمن زيارةً للمسجد الأموي، ولولا الاستقبال الكبير الذي قوبل به البابا، فجنّد له الإعلام " المحلي " كاملاً، واجتمعت له كل الحكومة السورية، وفي مقدمتها الرئيس السوري بشار الأسد، ورئيس الوزراء مصطفى ميرو، ونائبا الرئيس، وعدد كبير من السفراء، إضافة إلى عدد من رجال الدين المسيحيين (رؤساء الطوائف وممثليها) وبعض الشيوخ المسلمين (أحمد حسون).. كل ذلك جعل زيارة البابا زيارة غير " عادية ".(2/111)
وهكذا قضى السوريون كغيرهم أيام الزيارة في تأويل الزيارة وفك ألغازها.
وكان السؤالان الملحان دوماً هما:
- هل سيعتذر البابا عن الحروب الصليبية أمام قبر صلاح الدين؟
- هل سيدين البابا الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين؟
هدف سياسي أولاً:
في كلمته التي ألقاها الأسد في قاعة كبار الزوار في مطار دمشق الدولي، أشار إلى " الوحدة الوطنية " في سوريا، وروح التسامح والسلام في العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين قائلاً له: " إنكم وأنتم تزورون سورية تطئون أرض التاريخ، والوطن الذي احتضن أقدم حضارات العالم، وكان منارةً من منارات المعرفة، أضاءت للبشرية خلال قرون كثيرة، كان العالم خلالها، في معظم بقاعه، يسترشد بنورها.
ومن سورية، التي حمت الديانة المسيحية بعد المسيح، انطلق القديس بولس حاملاً مع تلامذة المسيح الآخرين الدين الجديد إلى العالم، مبشراً بالأخوة والعدالة والمساواة. ومن سورية انتشر الإسلام إلى العالم داعياً إلى العدالة والمحبة والمساواة بين الناس، فلا يتميّز أحد عن الآخر إلاّ بالتقوى.
وأنتم اليوم تحلون ضيفاً على شعب يعبد جميع أفراده الإله الواحد ويستمدون العون منه، سبحانه وتعالى، ويعيشون متحابين.. يشهد على ذلك.. جلوس ثمانية باباوات من أبناء سورية على الكرسي البابوي في الفاتيكان، ووجود ثلاثة مقرات بطريركية مشرقية في دمشق " وسرعان ما توجه الحديث إلى المسألة السياسية الأكثر إلحاحاً وهي قضية السلام في الشرق الأوسط قائلاً :
" أنتم يا صاحب القداسة، تجسدون بوجودكم على الكرسي البابوي في روما قمة المسؤولية في الحفاظ على هذه القيم، خاصة وأن هناك من يسعى دائماً لتكرار رحلة الآلام والعذاب مع كل الناس؛ فنرى إخوتنا في فلسطين يقتلون ويعذبون، ونرى أن العدل ينتهك: فتحتل أراضٍ في لبنان والجولان وفلسطين. ونسمعهم يقتلون مبدأ المساواة عندما يتحدثون عن أن الله خلق شعباً متميّزاً عن الشعوب الأخرى، ونراهم يعتدون على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في فلسطين، فينتهكون حرمة المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة في القدس، وكنيسة المهد في بيت لحم. وهم يحاولون قتل مبادئ الديانات السماوية بنفس العقلية التي تمت بها خيانة السيد المسيح وتعذيبه، وبنفس الطريقة التي حاولوا بها أن يغدروا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ".
(…) من هنا نقول : إننا متمسكون بالسلام العادل والشامل الذي يعيد الأرض إلى أصحابها حسب قرارات مجلس الأمن وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، فحقوقنا تقرها لنا الشرائع السماوية والتاريخية والقرارات الدولية " .
إذاً إن ما يريده المسؤولون من زيارة البابا كهدف " سياسي "، يتلخص في:
- التأكيد على أن سوريا وطن سلام ومحبة في مقابل الوحشية الإسرائيلية وعدوانيتها وعنصريتها.
- التأكيد على أن سوريا هي داعية السلام، وأن السلام في الشرق الأوسط لا يمرّ إلاّ من هنا.
- كسب البابا في إدانة إسرائيل، وهذا ما يشير إليه حديث الأسد " إننا.. نقدر جهودكم من أجل خير الإنسانية ونشر المحبة بين الناس، ودفاعكم عن المظلومين ، ونشعر أنكم في صلواتكم التي تتذكرون فيها عذاب السيد المسيح ستتذكرون أن هناك شعباً في لبنان والجولان وفلسطين يتعذب ويعاني من القهر والاضطهاد، ونتوقع منكم أن تقفوا إلى جانبهم ضد الظالمين لاستعادة ما سلب منهم على وجه الحق " .
في كلمته (في حفل الاستقبال) حاول البابا التأكيد على دور سوريا في الحضارات الإنسانية، وقال أنه جاء " كحاجٍّ مؤمن، مواصلاً الحج اليوبيلي (...) اليوم أكمل هذا الحج هنا في سورية في دمشق " .
وقد بدأ حج البابا ـ كما يقول ـ بمناسبة " عيد الألفين لميلاد المسيح.. الآن يتجه فكري وقلبي إلى شخص شاوول الطرسوسي ؛ الرسول العظيم بولس، الذي تغيّرت حياته للأبد على طريق دمشق " .
وقد كان البابا ذكياً في الإشارة إلى المسلمين: " يتجه فكري أيضاً إلى التأثير الثقافي العظيم الذي قام به الإسلام في سوريا... هناك حاجة إلى روح جديدة للحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين " وكما هو واضح كانت إشارة إلى " العيش المشترك " الذي يمثل الهدف الأساسي في " حوار الأديان " (الحوار المسيحي الإسلامي).
واللافت في حديث البابا أنه لم يذكر إسرائيل، ولم يدن أعمال القتل والتدمير الذي تقوم به تجاه شعبنا الفلسطيني، ولكنه دعا إلى " نبذ العنف" والعودة إلى مبادئ " الشرعية الدولية " وأهمها " منع أخذ الأراضي بالقوة، حق الشعوب بتقرير المصير، احترام مقررات هيئة الأمم المتحدة" ، وأكّد أن سوريا لن تألو جهداً من أجل " سلام المنطقة ".
إن ما تريده سوريا سياسياً من البابا، أعلن منذ البداية، كما قدّم البابا لها " أكثر ما يستطيعه".
وختم البابا كلمته قائلاً: " إن الدعوة الكريمة التي وجهتموها إلي، مع حكومتكم وشعبكم السوري، ..." وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه، بأن زيارة البابا كانت بدعوة من " سوريا " وبالتالي كانت زيارة المسجد الأموي من الشروط التي قدمها البابا، و" اضطرت " سوريا ـ ربما ـ لقبولها مقابل المكسب السياسي.
في برنامج الزيارة:
في ختام يومه الأول زار البابا كاتدرائية الروم الأرثوذكس " المريمية " بدمشق، وهي أقدم كنيسة في سوريا ، وفيها دفن رأس يوحنا المعمدان حسب الروم الأرثوذكس ، حيث رعى قداساً أقيم فيها، بحضور بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ما يجب الانتباه إليه أن هذه الزيارة كانت بداية البرنامج، وهذا له دلالته إذا تذكرنا أن البابا قدم من " أثينا " (اليونان) بعدما طلب البابا هنا (قبل يوم من قدومه) الصفح من الأرثوذكس باسم الكاثوليك عن الذين ارتكبوا أخطاء حيال الأرثوذكس " حسب تعبيره " أمام " الحبر الأعظم المونسنيور كريستودولوس رئيس الكنيسة الأرثوذكسية " ، وكان البابا يعني بذلك حسب الكنيسة الأرثوذكسية " الحروب الصليبية " التي استهدفت فيما استهدفت " الأرثوذكس " أنفسهم!
وبالمناسبة فإن بطريرك موسكو وعموم روسيا للروم الأرثوذكس " الكسي الثاني " استقبل طلب الصفح بفتور، وشكك في " صدق " الطلب، وقال: " يجب أن ننظر إلى هذا التصريح في إطاره، أولاً كان الصفح يتعلق... أساساً بالحروب الصليبية، ويجب أن نرى كيف سيتحول طلب الصفح إلى أفعال " ، وهو يقصد بذلك الاضطهاد الذي يعانيه الأرثوذكس في كثير من البلدان من قبل الكاثوليك الشرقيين. ويتهم البطريرك الكنيسة الكاثوليكية بالقيام بـ " التبشير " في المناطق الأرثوذكسية تقليدياً ، فيما أعلن كريستودولوس (اليوناني) المذكور أن " الجراح " التي سببتها الكنيسة الكاثوليكية للكنيسة الأرثوذكسية " لا تزال مفتوحةً حتى اليوم "(صحيفة الشرق، بيروت، عدد 15617، 8 أيار 2001م).
إذاً فقد كانت زيارته لتأكيد رغبة الكنيسة الكاثوليكية بالتقارب من الأرثوذكس ولكن الغريب أنه لم يؤكد طلب الصفح من الأرثوذكس في زيارته للكنيسة في كلمته التي تناقلتها الصحف. ويبقى هذا سؤالاً يحتاج للإجابة؛ خصوصاً وأنه يرتبط بالقضية نفسها: أعني " الحروب الصليبية " .
زيارة المسجد الأموي:(2/112)
في أثناء التحضير لزيارة البابا، رفض كل من الأساتذة والعلماء والشيوخ الكبار استقباله، وعلى رأسهم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الذي كان له دور أساسي في " التراجع " عن الصلاة الجماعيّة التي أعلنت في البداية ثم ألغيت، ويذكر البعض أن الدكتور البوطي أبلغ " الجهات المسؤولة " مباشرة، بأن هذه الصلاة تهدد الوحدة الوطنية، وتهدد بفتنة تسيء للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين في هذه البلاد.
هذا فيما دوَّت في كلية الشريعة فتوى للدكتور " وهبة الزحيلي " (الفقيه المعروف) بعدم جواز حضور صلاة البابا في ملعب العباسيين " للفرجة " أو المشاهدة. إذاً فقد بقيت المهمة متعلقة بأحد أبرز الشيوخ في الشام، وهو مفتي الجمهورية الشيخ " أحمد كفتارو " .
اجتمع الشيخ " كفتارو " مع تلامذته للإعداد للزيارة، وناقش معهم ماذا نقول له في المسجد الأموي؟ وماذا نقدم له هديةً تذكارية؟
وبطبيعة الحال كان هدف الزيارة الرسمي يفرض الصبغة السياسية على الزيارة وهو الأمر الذي تشاور فيه فبدأ منه كمسلَّمة، وانتهى إليه كذلك! فاتفق الجميع على أن يأخذ الحديث منحى سياسياً.
ليس هذا غريباً بالطبع، ولكن " الطريف " في الحدث أنه عندما استشارهم في " الهديَّة " التي يجب أن تقدم برتوكولياً للبابا، اقترح بعضهم اقتراحاً شديد الغرابة يتلخص في أن تكون الهدية " لوحة نحاسية كبيرة للمسجد الأموي " مكتوبًا عليها عبارة تشير إلى التسامح والعيش المشترك!!.
وفوراً تنبه البعض إلى أن هذا بمثابة تقديم رمزي للأموي، الذي يحضر الآن بقوّة على أنه كان كنيسة! ورفض الجميع هذه الفكرة، ولم يلبث أن طُرح عليهم أن تكون اللوحة النحاسية هي " المسجد الأقصى " تحفر عليها عبارة " القدس قبلة جهادنا "، وهي بطبيعة الحال تتناسب مع الصبغة السياسية التي يريد " كفتارو " أن تكون للزيارة، انسجاماً مع الجهات العليا، وهو ما تمّ فعلياً.
في مساء (يوم الأحد) الذي أقام فيه البابا " قداساً " في استاد ملعب العباسيين، وحضره خليط من المسيحيين والمسلمين، دخل البابا المسجد الأموي. وعند دخوله " طُلب " من البابا خلع حذائه، وركزت المحطات التلفزيونية على هذه " القضية " ، وخصوصاً قتاة (cnn) (الأمريكية). وزير الأوقاف في كلمته الافتتاحية الترحيبية ركز على القضية السياسية، والوحدة الوطنية، ولم تختلف كلمة الشيخ " كفتارو " في مضمونها عن كلمة وزير الأوقاف محمد زيادة.
ومما قاله " كفتارو " : " اليوم يرى العالم وللأسف الشديد ـ المجازر بنظرة المتفرج الذي لا حول له ولا قوة؛ تهدم البيوت، وتقلع الأشجار، ويهجّر الأبرياء، ويقتل المئات من الأطفال والنساء والرجال ويصاب بالجراح الآلاف، وتنتهك حرمات المساجد والكنائس على السواء، ويعم الخراب كل شيء على أيدي الإسرائيليين، (...) إننا نتطلع إلى موقف أكثر فاعلية، أكثر من الصلوات والدعاء والأمنيات، نتطلع إلى موقف عملي، من قبل كل الشرفاء ومحبي السلام وأتباع الأديان لوقف هذه المجزرة الوحشية، بحق أبناء المسيح وأبناء محمد عليهما السلام على أرض الخيرات فلسطين...
ونحن نرغب إلى الكنيسة الكاثوليكية في العالم وعلى رأسها فخامة البابا،... ونرْغب إلى كل الحكومات المسيحية في العالم الغربي أن يقفوا موقفاً لنصرة العدالة وإعفاء ظلم الصهاينة، والضغط على إسرائيل بكل الوسائل لوقف عدوانها الغاشم، وهذا أقل ما يمكن أن تقدمه المسيحية في العالم وفاءً للمسيح عليه السلام " .
في كلمته " الخطيرة " ركز البابا على أن " أرضكم عزيزة على قلب المسيحيين، فهنا عرفت ديانتنا [المسيحية] مراحل حيوية من نشأتها ومن نموها العقائدي، وهنا عاشت جماعات مسيحية عيش سلام وحسن جوار مع المسلمين على مدى القرون ، نلتقي بالقرب مما يعتبره المسيحيون والمسلمون ضريح يوحنا المعمدان، المعروف بـ " يحيى " في التقليد الإسلامي.
إن ابن زكريا هذا وجه كبير الأهمية في تاريخ المسيحية؛ لأنه كان السابق الذي أعد طريق المسيح. إن حياته المكرسة بالكامل للرب تكللت بالاستشهاد، فعسى أن تنوِّر شهادته جميع الذين يكرمون ذكراه في هذا المكان.
كان واضحاً أنَّ البابا في كلمته يركز بطريقة ما على " قداسة هذا المكان بالنسبة للمسيحيين " ومن المهم هنا الانتباه إلى أن البابا مع ذلك لم يذكر قطُّ أن المسجد كان كنيسة في جزء منه، لقد كان البابا على إدراك تام بالمطلب الإسلامي الملح في الاعتذار عن الحروب الصليبية، ولذلك جاء في كلمته ردٌّ مبطن على هذا الطلب في سياق الحديث عن ضرورة أن يكون الحوار بين الإسلام والمسيحية، أكثر فعالية. الردّ على هذا الطلب في الكلام الآتي: " علينا أن نطلب الغفران من القادر على كل شيء، عن كل مرّة أهان فيها المسلمون والمسيحيّون بعضهم بعضاً، كما علينا أن يغفر بعضنا لبعض.. يعلمنا يسوع أنه يجب أن يغفر بعضنا لبعض إذا أردنا أن يغفر الله خطايانا ".
إذاً فالبابا يرى أننا أهنّا المسيحيين، وبالتالي لا داعي للاعتذار لنا، لأنه يتوجب علينا أيضاً أن نعتذر لهم، ولكن متى كانت هذه الإهانات؟ هل يقصد البابا بذلك " الفتح الإسلامي " ؟
في مؤتمر حول " العيش المشترك والتوترات الدينية في المنطقة العربية " العام الفائت، طرحت مسألة الحوار بين المسيحية والإسلام، فقلت وقتها إن علينا أن لا نفكر بأي حوار " رسمي " يفضي إلى تقارب الأديان ووحدتها، وإن علينا بدلاً من ذلك أن نتحاور عن العلاقات السياسية والاجتماعية، حيث يبدو الحوار ممكناً، وأن الحوارات التي تتناول المجال العقدي لا ينبغي أن تكون حوارات تقوم بها مؤسسات رسمية، بل يجب أن تكون حوارات فردية. وإذا كان من الضروري البدء بحوار من هذا القبيل فلابد من إتمام تسوية " نفسيّة " بين المسلمين والمسيحيين عموماً، وبالتالي فإنه يجب أن يعتذر البابا عن الحروب الصليبية التي تركت آثارها وطرحتها بعمق على العالم الإسلامي.
ولم يلبث بعض المشاركين في المؤتمر من المسيحيين الكاثوليك حتى قالوا : وعليكم أولاً أن تعتذروا عن " الفتح الإسلامي ! " .
وقبل المضي فيما أضمره البابا من هذه القضية، فإنه من المناسب أن نذكر موقفاً غريباً، في زيارة المسجد الأموي لبعض الشيوخ... فبينما كان أحد القساوسة يتكلم، رُفع الأذان، فأشار البابا له كي يتوقف عن الكلام احتراماً للمشاعر الدينية، لكن القس تابع معتذراً عن ذلك أنه بقي اليسير جداً من الكلام الذي لا داعي لتأخيره.. قد يكون ذلك مغفوراً بطبيعة الحال، ولكن أن يستلم بعده مكبر الصوت " شيخ " ويتابع الكلام والمؤذن يؤذن فذلك ما يستدعي الدهشة .
نعود لقضية الفتح ومقابلتها بالحروب الصليبية (كما يفهم من كلام البابا المضمر ) كان من الأفضل للبابا أن يقرأ التاريخ جيداً، ويتخلص من عقدته الاستشراقية التي أسست لحروبهم الصليبية، والتي في جوهرها أن الإسلام انتشر بالسيف ، ولكن التاريخ وبعيون غربية (غوستاف لوبون مثلاً في كتابه حضارة الغرب) يثبت أن الإسلام لم يكن ينتشر بالسيف والقهر، ولكن بالدعوة وحدها، وليس من الغلو القول بأن الإسلام لم يكتف بالدعوة إلى التسامح الديني، بل تجاوز ذلك ليجعل التسامح في الإسلام جزءاً من شريعته وعقائده.(2/113)
وقد تجلت أروع صور التسامح في الإسلام عندما دخل الخليفة عمر بن الخطاب مدينة القدس، فقدم كبير أساقفتها مفاتيح الأماكن المقدسة، وحان وقت الظهر وعمر في كنيسة القيامة، فطلب إلى إحدى رجال الدين أن يدله إلى مكان يصلي فيه، فأجابه : هنا ! ولكن عمر رفض قائلاً : " لو فعلت لطالب المسلمون بالقيامة " وخرج إلى الشارع فصلى.
يقول المؤرخ الفرنسي (بيرجودن) معلقاً على هذه الواقعة التاريخية: " إن هذا العمل نبل وشهامةً وتسامحاً واحتراماً للأديان الأخرى، ماذا كان ردنا نحن الغربيين على ذلك، بل ماذا كان ردّ المسيحيين، الأوروبيين.. [لقد] كانت الحروب الصليبية؟ " .
وعندما انتصر صلاح الدين وهزمهم، لم يكتف بالتسامح مع أماكن العبادة المسيحية، أمّا اليتامى والأرامل من الصليبيين، فإن صلاح الدين لم يكتف بإطلاق سراحهم دون فداء، بل منحهم مساعدات مالية.
والآن يضم دير مارجرجس أو دير الخضر أبو العباس في حمص الذي يعود إنشاؤه إلى القرن السادس الميلادي في زمن الإمبراطور بوستيانيوس نموذجاً للتسامح الإسلامي مع الأديان، وهو مخطوطة الخليفة عمر بن الخطاب التي كتبت بخط معاوية بن أبي سفيان وتتضمن توطيد العلاقة بين المسيحيين والإسلام وحسن المعاملة، وإعفاء الدير من جميع الضرائب، وتنظيم وحماية الممتلكات الدينية. وتعتبر هذه الوثيقة بالإضافة إلى الوثيقة العمرية المحفوظة في كنيسة القيامة بالقدس من أول الوثائق لحرية الأديان وحقوق الإنسان في التاريخ الإنساني. (الثورة، خالد عواد الأحمد، العدد 15617 ـ الثلاثاء 8 أيار 2001م).
إن علينا أن نطالب البابا أن يعتذر مرتين، الأولى عن جريمة الاستشراق الصليبي (الذي كان حاملاً فكريًا للحروب الصليبية) ومرّة أخرى عن الحروب الصليبية " الممتدة " ، وكلاهما إلى اليوم لا يزالان يؤثران في فكر المسلمين وعلاقاتهم السياسية والثقافية مع الغرب المسيحي كله وليس مع المسيحيين المحلييّن.
أخيراً:
لقد تجنب البابا ذكر الحروب الصليبية، ولم يقدم اعتذاره للكنيسة الأرثوذكسية في سوريا، بعدما قدمه في اليونان، ليتجنب الحديث المباشر عنه، في المسجد الأموي، ويتجنب الحديث عن اعتذاره لليهود وتبرئتهم من دم المسيح وتأخذ القضية منحى سياسياً، ولهذا لم يكن هناك طلب " رسمي " من شيوخ وعلماء المسلمين بشكل مباشر في الجامع الأموي، بل ربما كان هناك طلب من البابا أو " اشتراط " أن لا تثار هذه القضية أمامه بشكل صريح.
وفضل البابا الحديث عن التسامح والمحبة والسلام ووقف العنف من أي طرف كان، متجنباً الحديث عن الإرهاب الصهيوني حتى في مدينة القنيطرة التي صلى فيها - كما يقال - " للسلام " .
وبالرغم من المكاسب السياسية التي تحققت بزيارته إلاّ أنه لا يمكن القول بأن زيارته كانت ناجحة كما كان يأمل السياسيون السوريون، ولا كما كان يأمل المسلمون.
وكان كثير من الأرثوذكسيين في الشرق يعتقدون أن البابا لديه " ميول " صهيونية، خصوصاً عندما برأ اليهود من دم المسيح، الجريمة التي لا تعدلها جريمة في العقيدة المسيحية، فهل كانت هذه الزيارة لتثب غير ذلك؛ فلم يستطع أن يدين الإسرائيليين بقتلهم الطفلة " إيمان حجو " وهو يصلي للسلام في القنيطرة!.
==============
# ماذا يريد البابا؟
الاحد :06/05/2001
(الشبكة الإسلامية) علي ياسين
فاجأنا بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني في بداية هذا العام- الذي يعتبر بداية الألفية النصرانية الثالثة - بنشاط غير عادي ، وبمبادرات تاريخية غير مسبوقة . ففي يوم 24 فبراير وطِئت قدماه أرض مصر التي يعيش فيها أكثر من 60 مليون مسلم مع أقلية نصرانية كاثوليكية لا يزيد عددها على ربع مليون . وقد استقبل البابا في زيارته لمصر استقبالاً رسمياً وبحفاوة بالغة ، وأقام قداساً للكاثوليك وزار دير سانت كاترين .
ثم في يوم 13 مارس قام بتقديم اعتذار وطلب للمغفرة عن خطايا الكنيسة الكاثوليكية تجاه من خالفوها الاعتقاد . وخص بالذكر شعب إسرائيل ، ولم يذكر شيئاً عن ضحايا المسلمين الذين اضطهدتهم كنيسته سواء إبّان الحروب الصليبية أو في الأندلس ، وكأن دماء ثمانية ملايين من المسلمين أمر لا يستحق البكاء من أحد؟!
وبعد ذلك قام في 20 مارس بزيارة إلى الأردن ، واستقبل فيها رسمياً وبحفاوة ، ثم زار أرض فلسطين يوم 22 مارس حيث زار بعض الأماكن التاريخية ذات الصلة ، ولم ينس زيارة متحف فاش ياديم الذي يجسد - حسب الديانة الصهيونية - مأساة اليهود على أيدي النازيين ، حيث يزعم اليهود أن ستة ملايين يهودي قد أحرقوا في أفران الغاز وطبعاً اليهود لا يكذبون .
وأمس 5/5/2001 زار البابا سوريا ، وهي المرة الأولى التي يزور فيها بابا الفاتيكان سوريا ، واستقبل - كالعادة - ببالغ الحفاوة والتكريم ، وتأتي جولة البابا - وهي الـ 93 له خارج الفاتيكان لإكمال مسيرة الحج على خطى القديس بولس من فلسطين إلى مصر والأردن وانتهاء بسوريا التي جاءها القديس شاؤول بهدف اضطهاد المسيحيين فأصبح على يد القديس حنانيا الدمشقي أحد دعاة المسيحية في العالم.
والعجيب في هذه التحركات البابوية : النشاط والتنازلات ولكن الأعجب هو دعوته البريئة إلى المصالحة وتوحيد الأديان وهذا ما يحتاج منا إلى وقفة تأمل لنرى ما وراء دعوة الرجل الطيب .
يقول القس البروتستانتي مارتي الأستاذ المتفرغ بجامعة شيكاغو في مقال له بمجلة نيوزويك الأمريكية نشر في 27 مارس الماضي : إن المصالحة كلمة معروفة في القاموس المسيحي . ويقول إن المهمة التي يضطلع بها البابا ليست هينة ، ولكن يكفيه أنه يسعى إلى تذكير الناس بأنها فكرة لا ينبغي التبّرم بها . ويزعم الكاتب أن المصالحة لها بعدان أحدهما : بين الله والإنسان ، والآخر : بين الإنسان وأخيه الإنسان ، ثم يزعم أن المصالحة بين الله - تعالى ، عزّ وجل - قد حدثت بصلب المسيح عليه السلام حيث لم يأخذ الله الناس بأوزارهم ، وإنما خلصهم منها في شخص المسيح الابن . وهذه الفكرة يؤمن بها أكثر من مليارين من البشر هم أتباع الديانة النصرانية بمذاهبها المختلفة وهي - والكلام للقس مارتي - فكرة مقدسة تقوّي مفهوم الحب بين البشر وقد تبناها مصلحون نصارى كثيرون ، فدعوا للحب ، وقاوموا الكراهية والظلم . فجعل كل منهم من نفسه مسيحاً جديداً .
ولنا وقفة: إن فكرة المصالحة لا ينبغي أن تبرر الظلم بحيث يحاسب إنسان عن خطايا غيره ، ولا نظن أن العقل السليم المجرد يقبل فكرة الصلب بحيث إن الأب يذبح ابنه ليكفّر عن خطايا الآخرين . فلماذا لا يغفرها ابتداءً لتكون المصالحة كاملة ؟ فإن تعذرت المصالحة بالمغفرة فلا أقل من أن تكون مبنية على العدل . إذ كيف تزر وازرة وزر أخرى ؟(2/114)
أما المصالحة بين البشر فيقول القس مارتي إنها موجودة في الكتاب المقدس فمثلاً يقول عيسى في موعظته على الجبل : إذا كنت جئت بقربانك عند المذبح ، وفي صدرك أن أخاك يكرهك ، فاترك قربانك واذهب ، وصالح أخاك أولاً ، ثم ارجع ، وقدّم قربانك . ثم يقول ليس البابا يوحنا بولس الثاني أول من سعى إلى المصالحة على أساس دجيني ، فالحركة البروتستانتية الأرثوذكسية الرسمية تحاول منذ مائة سنة مصالحة الأجنحة المتصارعة في النصرانية ، وكذلك أبدى البابا جون الثالث والعشرون من قبل مشاعر المصالحة تجاه النصارى الآخرين ، وتجاه اليهود. وفي الخريف الماضي قطع الفاتيكان مع الاتحاد العالمي اللوثري البروتستانتي شوطاً في المصالحة والتقارب ، وإن كان الطريق لا يزال طويلاً . كما ان اعتذار البابا الأخير لليهود من غير التعرض لجرائم النازية يثبت أن المصالحة لا تزال في أول الطريق . كما ان المصالحة بين الكاثوليك والمسلمين تخطو خطواتها الأولى وأخيراً ينادي القس أصحاب الأديان السماوية بالرجوع إلى أصل عقائدهم لدفع عجلة التحرك نحو السلام والمصالحة . ويضر المثال بالمجتمع الأمريكي الذي يعيش فيه المسلمون ذوو الأعداد المتنامية مع اليهود ذوي الأقلية ذات النفوذ الواسع ، مع الأغلبية المسيحية حيث يتعامل الجميع بحرية . ثم يقول إن المصالحة تعني التخلص من الحرب ومن الرغبة في التفوق ، والسعي للانتقام ، وتطويل أمد العداوة .
هذا الكلام الذي نقلناه باختصار يجعلنا نطرح سؤالين: لماذا الصراع ؟ وكيف المصالحة ؟ وللجواب عن السؤال الأول نقول إن الصراع هنا قائم على الاختلاف بين البشر في أصل العقيدة. وعندما تصل الاعتقادات إلى حد التناقض فلا بد أن تكون إحدى العقائد حقاً مطلقاً وغيرها باطلاً . وإذا أردنا التوفيق بين هذه العقائد كنا كمن يجمع المشرق والمغرب معاً ، أو كمن يقول إن الشيء موجود وغير موجود في الوقت نفسه . وهذا بالضبط كمن يريد الجمع بين الاعتقاد بأن عيسى عليه السلم عبد من عباد الله تعالى خلق بمعجزة ليست بأعظم من معجزة خلق أبيه آدم عليه السلام ، وبين الاعتقاد بأن عيسى ابن الله . إذ كيف يتخذ الرحمن ولداً ؟ ولماذا ؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
وكذا الحال في الجمع بين الاعتقاد في أن عيسى صلب والاعتقاد بأنه لم يصلب . فهل الله تعالى لا يقدر على أن ينجي عيسى من أعدائه كما نجى موسى عليه السلام ومن قبله إبراهيم ومن قبلهما نوحاً ؟ الله تعالى يقول : ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) ويقول كذلك : ( بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً ). (سورة النساء: 157).
وما أبعد البون بين اعتقاد النصارى ذاته في كون عيسى إليهاً ، وبين اعتقادهم في أنه صُلِبْ . ولله درّ ابن القيم القائل :
عجباً للمسيح بين النصارى وإلى أيّ أب نسبوه
أسلموه لليهود وقالوا إنهم بعد قتله صلبوه
فإن كان ما يقولون حقّاً وصحيحاً فأين كان أبوه ؟
حين خلّى ابنه للأعادي أتراهم أرضوه أم أغضبوه ؟
أما كيف تكون المصالحة بين الأديان ؟ فإما أن تكون بالاجتماع على عقيدة واحدة ، وهذا ما ينادي به الإسلام : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ، ولا نشرك به شيئاً ، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ، فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنّا مسلمون ). (آل عمران: 64) ومع ذلك فالإسلام قد فسح المجال لأهل الديانات الأخرى ، ولم يشهد التاريخ تسامحاً دينياً كالذي مارسه الإسلام تجاه أهل الأديان المخالفة . ولكنه مع ذلك جلّى الخلاف بينه وبينهم ، وأنذرهم عاقبة شركهم وإعراضهم عن الحق ، لأنه الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ليس إلا دين جميع الأنبياء والمرسلين ، من لدن آدم حتى عيسى عليهما السلام ، وبيّنن لهم أن الذي يدينون به دين محرّف ، بدليل اختلافهم فيه فيما بينهم .
هذا باختصار هو ما يقدمه الإسلام لأهل الأديان الأخرى ، فهل هو نفس ما يريده هؤلاء ؟ أغلب الظن أنهم يريدون مصالحة قائمة على التنازلات . وهذا ما لا بد أن نحذره ، لأن الله تعالى يقول : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملّتهم ). إن التقريب بين الحق والباطل مبدأ خداع، لأنه يعني منتصف الطريق بينهما . وهذا لا يكون إلا بخسارة الحق ، وفقدانه مساحة من أرضه . ولذا لا بد أن نتذكر قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : [ فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم ] . (الزخرف: 43).
===============
# زيارة البابا لسوريا :صعبة وتاريخية
الجمعة :04/05/2001
(الشبكة الإسلامية) الفاتيكان- وكالات(2/115)
يبدأ البابا يوحنا بولس الثاني اليوم الجمعة زيارة صعبة وتاريخية الى اليونان وسوريا ومالطا هي جولته الثالثة والتسعون خارج ايطاليا "على خطى بولس الرسول" منذ وصوله الى السدة البابوية في الفاتيكان. وستكون المرة الاولى التي يزور فيها البابا اليونان وسوريا. ومن المتوقع ان يلقى البابا ترحيبا اكثر حفاوة من قبل المسلمين في دمشق حيث سيكون اول بابا في التاريخ يدخل جامعا، من الترحيب الذي سيلقاه في اليونان من قبل الارثوذكس. وهناك ثلاث محطات اساسية في جولة البابا هذه. اولها اعلان مشترك مع الكنيسة الارثوذكسية في اليونان، وثانيها لقاء مع رجال دين مسلمين في الجامع الاموي في دمشق، وثالثها اقامة صلاة من اجل السلام في الجولان. وستعتبر هذه الجولة خطوة جديدة من البابا يوحنا بولس الثاني من اجل السعي الى توحيد الكنائس المسيحية ومن اجل الحوار بين الاديان. الا انها ستعتبر حدثا سياسيا في الشرق الاوسط. ويصل البابا الى اثينا اليوم الجمعة في اول زيارة لحبر اعظم الى اليونان منذ الانقسام الكبير بين الكاثوليك والارثوذكس عام 1054. وقد اتخذت اجراءات امنية مشددة في اليونان لمواجهة اي تظاهرات محتملة معادية لزيارة البابا من قبل ارثوذكس متشددين. ولن يقام الاستقبال الرسمي للبابا في المطار لدى وصوله بل سيقام في القصر الرئاسي حيث سيستقبله رئيس البلاد كوستيس ستيفانوبولوس. بعدها يتوجه البابا الى مقر الاسقفية في اثينا للالتقاء بالبطريرك كريستودولوس رئيس الكنيسة الارثوذكسية اليونانية غير المنفصلة عن الدولة والمعروفة بعدائها لروما. بعدها يلتقي الاساقفة الكاثوليك في مقر السفارة البابوية ليزور بعدها كاتدرائية الكاثوليك قبل ان ينتقل الى تلة "الاريوباج" بعد الظهر. ومن على هذه التلة توجه الرسول بولس عام 50 بعد المسيح الى سكان اثينا الذين كانوا في تلك الفترة من عبدة الاوثان لحثهم على اعتناق الدين الجديد. وسيشارك البطريرك كريستودولوس في هذا الاحتفال ليصدر بعدها عن الاثنين "اعلان مشترك" حول القارة الاوروبية ومستقبلها. بعدها يقوم البطريرك كريستودولوس بزيارة مجاملة الى البابا في مقر السفارة البابوية. وتنتهي زيارته الى اليونان السبت باقامة قداس في قصر الرياضة في اثينا قبل ان يستقل طائرته متوجها الى دمشق. في العاصمة السورية سيكون الرئيس السوري بشار الاسد في استقباله على ارض المطار لينتقل بعدها الى كاتدرائية الروم الارثوذكس حيث سيعقد اجتماع مسكوني. قبل ظهر الاحد يقيم البابا قداسا في ملعب العباسيين ليعقد بعدها اجتماعا مع البطاركة والاساقفة السوريين في بطريريكية الروم الكاثوليك ثم مع رجال دين وعلمانيين كاثوليك وارثوذكس في كاتدرائية القديس جاورجيوس للسريان الارثوذكس. في الساعة 15،15 تغ من بعد ظهر الاحد يدخل البابا يوحنا بولس الثاني الجامع الاموي حيث سيزور قبر يوحنا المعمدان قبل ان يلتقي الزعماء الدينيين السوريين. الاثنين وبعد اقامة قداس خاص في مقر السفارة البابوية يزور البابا كنيسة مار بولس ومقام مار بولس التذكاري. بعدها يغادر الى مدينة القنيطرة المهجورة في هضبة الجولان على بعد نحو ستين كلم من دمشق والتي كان انسحب منها الاسرائيليون عام 1974. وترتدي هذه الزيارة طابعا رمزيا كبيرا مع تفاقم النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني ووصول عملية السلام برمتها الى الحائط المسدود. ويقيم البابا صلاة من اجل السلام على انقاض كنيسة للروم الارثوذكس في القنيطرة قبل ان يعود الى دمشق حيث سيلتقي شبانا في كاتدرائية الروم الكاثوليك. بعدها يغادر البابا دمشق الثلاثاء الى جزيرة مالطا التي يعتبر 99 بالمئة من سكانها من الكاثوليك حيث سيقوم بتطويب ثلاثة قديسين في العاصمة لافاليتا الاربعاء. ويعود البابا الى الفاتيكان الخميس
===============
# هل يزور البابا قبر صلاح الدين ويعتذر له عن الحروب الصليبية
الثلاثاء:01/05/2001
(الشبكة الإسلامية) - عبد الرحمن الحاج إبراهيم
هل يزور البابا قبر صلاح الدين ويعتذر له عن الحروب الصليبية
بعد زيارته المزمعة للمسجد الأموي الكبير في دمشق؟
ماذا تعني زيارة «البابا» يوحنا بولس الثاني إلى المسجد الأموي الكبير في دمشق؟ ولماذا كان يريد أن يؤدي صلاة «رسميّة» فيه؟ هل يريد أن يكون أول بابا في التاريخ يدخل المسجد الأموي؟ وماذا يعني ذلك في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا يريد أن يكون لزيارته شعار هو «سوريا أرض المسيحيّة»؟.
«أعلن وكيل بطريركيّة الروم الكاثوليك في سوريا «ايزيدور باتيكا» أن الباب يوحنا بولس الثاني سيتوجَّه في السادس من مايو (أيار) المقبل إلى المسجد الأموي في دمشق، حيث سيزور ضريح القدّيس يوحنّا المعمدان (نبي الله يحيى) المدفون بداخله، ليصبح أول بابا في التاريخ يدخل إلى المسجد.
أضاف باتيكا، رئيس لجنة التحضير للزيارة البابوية إلى سورية في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس)، أن زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى المسجد الأموي ستكون مناسبةً لحدث «غير مسبوق»، سيتمثّل في إقامة صلاة مشتركة إسلامية ـ مسيحيّة تنظّم في هذه المناسبة.
وأضاف أنه ستكون أيضاً المرّة الأولى التي يُصلّي فيها مسيحيّون ومسلمون معاً بشكل منظَّم، إذ سيترأّس البابا الصلاة من الجانب المسيحي، ومفتي الجمهورية السورية الشيخ أحمد كفتارو من الجانب الإسلامي .
هذا ما نقلته الصحف المحليّة بدايةً عن زيارة البابا وبرنامجها الرئيسي، ومن الواضح أن تركيزاً كبيراً جداً، تكاد تكون الزيارة ملّخصة به ومقصودة له، وهو التركيز على زيارة «المسجد الأموي الكبير في دمشق».
والسؤال الملح هنا لماذا هذه الزيارة للمسجد الأموي بالذات؟ علينا أن نبحث من خلال استعادة ذاكرتنا بالجامع الأموي أولاً.
فالمسجد الأموي الكبير هو أول مسجد للإسلام أرساه العرب المسلمون خارج الديار المقدسة (الحجاز)، وهو بذلك يمتلك بداية رمزية لانطلاقة الإسلام في التاريخ من الجزيرة إلى العالم، وهكذا يمتلك المسجد الأموي الآن في عاصمة «بني أمية» (دمشق) مكانة روحيّة إسلامية كبيرة عربياً وإسلامياً، وبقي منذ تشييده حتى عهد قريب (منتصف الخمسينيات) قلب دمشق، تلتف حوله المدينة، وكما يقول الشيخ علي الطنطاوي: «كان مدرسة دمشق، فيه الحلقات يدرس فيها كل علم، وكان النادي الذي يُجمع فيه الناس كلما دهم البلدَ خطبٌ، وكان في عهد نشأتنا الأولى لبَّ دمشق، فكانت الدار القريبة هي القريبة من الأموي والبعيدة هي البعيدة عن الأموي» (الجامع الأموي، جدة، ط1، 1990م) كان معبداً منذ آلاف السنين، وكما يشير عبد القادر الريحاوي الآثاري المتخصص بالأموي كان معبداً منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد حيث عثر تحت صحن المسجد على آثار بنيان ترجع إلى ذلك التاريخ (جامع دمشق الأموي، ط1، 1996م).(2/116)
أقيمت على هذه البقعة التي يحتلها المسجد الأموي اليوم المعابد العديدة، أقدم ما نعرفه عنها ـ كما يقول الدكتور الريحاوي ـ معبد نسب للإله «حَدَدْ» (إله العواصف)، أقامه أهل دمشق في العهد الآرامي في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، وتلاه في عهد الرومان معبد نسب للإله «جوبيتير» (Jupiter Damascenien) وكان هذا المعبد، الذي ما تزال آثار منه باقيةً إلى اليوم في محلتي المسكيّة والنوفرة وغيرهما من الأحياء المحيطة بالجامع. يحتلُّ (المعبد) مساحة كبيرة من الأرض، بلغ طول سوره الخارجي (380) متراً، وعرضه (300) متراً. وكان المعبد الحقيقي مشيداً داخل هذا السور، فوق البقعة التي أقيم عليها فيما بعد الجامع الأموي، ويؤلف المعبد مستطيلاً طوله (156 متراً)، وعرضه (97 متراً) فقط، له في زواياه الأربع أبراج مربعة، ويحيط به من الداخل ـ كما يعتقد الدكتور الريحاوي ـ رواق على شاكلة معبد مماثل معاصر له ما يزال قائماً إلى اليوم في تدمر يسمى معبد «بِلْ» أي بعل.
وكان في وسطه معبد صغير هو الهيكل (Sella). وله أبواب أربعة، أفخمها الباب الشرقي، ولكن لم يبق منها سوى الباب الجنوبي الذي يشاهد خلف المحراب الكبير، تحوّل هذا المعبد، معبد جوبيتير الدمشقي بعد انتصار المسيحيّة على الوثنية في أواخر القرن الرابع الميلادي إلى كنيسة، فقد شيدت في داخله ـ أيام الإمبراطور «تيودوسيوس» ـ كنيسة حديثة على اسم القدِّيس يوحنا المعمدان.
وبالمناسبة: لأن المسيحيين يعتقدون أن «الله هو المسيح عيسى ابن مريم» أوبالآرامية «يسوع» فإنهم يعتبرون النبوات مكتسبة، وهي مفتوحة إلى يوم القيامة، ومن هنا فإن من القديسين من قد يصبح نبياً، والقديّس يوحنا المعمدان هو نبي عند المسيحيين أيضاً !!
حول قبر نبي الله يحيى (يوحنا المعمدان):
البابا سيزور - كما أُعلن - هذا القبر، وهو الحجّة التي يقدّمها لزيارة المسجد، وهنا لابدّ أن نقول بأن هذا القبر ـ كما هو معروف ـ مشكوك جداً في صحته، وبالرغم من أن ابن عساكر ينقل برواية لا تصح أنهم رأوا عند عمارة المسجد مغارة، فخبّروا بها الوليد، فنزل إليها، والشموع بين يديه، فوجد غرفةً صغيرة، ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع، فيها صندوق فيه سفط (قفّة) فيه رأس، سليم الجلدة والشعر، مكتوب عليه أنه رأس يحيى بن زكريا، فأمر بتركه على حاله، وجعل للعمود القائم على المغارة علامة تميّزه، وبقي كذلك فترة، ثم وُضع فوقهُ تابوت عليه اسم يحيى، رآه ووصفه ابن جبير في أواخر القرن السادس الهجري، وبعد ذلك تاريخ رحلة ابن بطوطة، ثم أقيمت هذه القبة في وقت لاحق كما يذكر علي الطنطاوي.
والظاهر أن هذا كان عند هدم الكنيسة التي ضمّت إلى المسجد كما سيأتي.. وبالرغم مما ذكره ابن عساكر فإن الوليد لم يتخذ عليه قبراً، ربما للشك في صحته، أو للنهي الوارد في الإسلام عن اتخاذ القبور مساجد. والثابت من تاريخ سيدنا يحيى بن زكريا عليه السلام ـ كما يقول الطنطاوي أيضاً ـ أنه كان على عهد المسيح عليه السلام ، وأن الإمبراطور الروماني أمر بقتله، وسلّم رأسه إلى الراقصة الفاجرة، فعبثت به، ولم يُعلم مصيره، فهو قد قتل في الأردن، قبل عمارة الأموي بنحو ستمائة سنة، فمن أين وصل الرأس إلى هذه المغارة؟ وكيف قطع هذه المسافة على الأرض، وفي الزمان، ثم استقر سليماً في هذا السفط؟
بل كيف دفن هنا وكان المسجد ما يزال معبداً وثنياً، ولم تبن عليه الكنيسة إلاّ بعد أربعمائة سنة! أيام الإمبراطور «تيودوسيوس»! إن عند المسيحيين أكثر من عشرين كنيسة [شرقية]، في كل منها قبر ليحيى عليه السلام! وفي قرية سبطيا قرب نابلس ، حيث قتل، قبرٌ له يقدِّسه المسيحيون!.
ليس لدينا حتى الآن دليلٌ على إثبات أن رأسه دفن هنا، ولدينا أدلة قويَّة على نفي ذلك.
- اقتسام المعبد أم اقتسام الكنيسة؟
عندما فتحت دمشق، دخل المسلمون «عنوة» بسيوفهم المعبد الكبير، الذي بنيت الكنيسة في إحدى جهاته الغربية الجنوبية، حيث دخل المسلمون من الجهة الشرقية، ويبدو أنهم في قتالهم تجاوزوا أرض الكنيسة من جهة شرقي المدينة كلها، ووصلت سيوفهم إلى أبعد منها في المعبد، وكان أبو عبيدة قد دخل «صلحاً» من باب الجابية الجهة الغربية، وأبرم عقداً مع أهل الشام ـ الذين كانوا مسيحيين آنذاك ـ بعد استلام المدينة يُنصُّ على أن يصبح للمسلمين ما وصل إليه السيف فيما فتح عنوةً، وما بقي فهو للمسيحيين ويطبق عليه أحكام الصلح.
وبالرغم من أن نص الاتفاق يجعل من حق المسلمين أن تكون الكنيسة لهم، إلاّ أنهم تركوهم وشأنهم ولم يهدموا الكنيسة، وبنوا مسجداً في الأرض المتبقية للمعبد القديم، بجوار الكنيسة، وهكذا فقد اقتسم العرب هذا المعبد الكبير مع المسيحيين خارج العقد الذي بينهم، وقد فهم الكثير من المؤرخين العرب وعلماء الآثار والمستشرقين خطأً أن الجامع الأموي ما هو إلاّ الكنيسة ذاتها مع شيء من التعديل والزخرفة أدخلها الوليد عليها، ومبعث الخطأ كله هو أن القدماء لم يميّزوا بين معنى المعبد والكنيسة، فقالوا باقتسام الكنيسة، وهم يريدون اقتسام أرض المعبد.
يؤكد الباحث المتخصص بشؤون المسجد الدكتور الريحاوي أنه بعد الدراسة وتمحيص الروايات العربية والأجنبية تبين أن الكنيسة كانت تحتل جانباً من أرض المعبد. ومكانها في الناحية الغربية منه. ولما دخل العرب المسلمون تركوا الكنيسة بكاملها للمسيحيين، وأقاموا مسجدهم الذي عرف بمسجد الصحابة في الجانب الشرقي من أرض المعبد، لأنه لا ينص أن يقتسم المسلمون الكنيسة ويصلّوا مع المسيحيين تحت سقف واحد!.
يؤيد هذا ـ حسب الباحث المذكور ـ قول المهلّبي «وبنى المسلمون الجامع إلى جانب كنيسة يوحّنا»، وقول راهب فرنجي يدعى «أركولفس» زار دمشق بعد الفتح بثلاثين عاماً، بأنه شاهد كنيسة (مسجداً) شيدها المسلمون اللامؤمنون (هكذا يسميهم لأنه مسيحي).
إن الذي يجعل هذه هي الصورة الأقرب للواقع الذي حصل في تاريخ المسجد الأول، وبأن مكان الكنيسة كان في الجانب الغربي، وبأن مكان المسجد في الجانب الشرقي إضافة إلى ما ذكر، هو أن الروايات التاريخية تواترت في أن دخول الناس من باب المعبد الجنوبي، ليتجه المسلمون يمنة أي نحو الشرق، إلى مسجدهم، ويتجه النصارى يسرة، أي نحو الغرب، إلى كنيستهم والباب الجنوبي ما زال على حاله إلى الآن!.
ووصفه الحالي يؤكد أن الكنيسة كانت صغيرة. فثلاثة أرباع المسجد هو شرقي الباب، وقبر نبي الله يحيى يقع في الثلث الشرقي الأخير للمسجد، أي يقع في المعبد الذي تحول إلى مسجد دون أن يكون يوماً ما داخل الكنيسة.
- بناء المسجد الأموي الكبير:
على هذه الأرض (أرض المعبد) التي أصبحت حقاً للمسلمين بعد الفتح عنوة (حسب قانون الحرب الذي كان متعارفاً آنئذٍ) كان المسلمون قد بنوا مسجدهم، وتركوا عن طيب خاطر كنيسة المسيحيين رغم أنها حقّ لهم، تماماً كما أخذ المسيحيون حقهم في بنائها على أرض المعبد من الوثنيين بعد انتصارهم عليهم.
كان المسجد في أقل من نصف مساحته الحالية (أي من باب النوفرة إلى ما قبل القبة)، وكما تشير الكتب التاريخية، وهذا يعني فيما يعنيه أن قبر نبي الله يحيى كان داخل المسجد.(2/117)
ظل هذا التجاور في العبادة قرابة سبعين عاماً، وكان عدد المسلمين كما عدد سكان المدينة قد أصبح كبيراً خصوصاً وأن دمشق كانت عاصمة الخلافة الأموية، وكان التضايق من سماع النواقيس في المسجد يزعج المصلين، كما كان الآذان يزعج المصلين النصارى، وضاق المسجد بأهله فلم يعد عدد المصلين يتسع فيه. فلما كانت خلافة الوليد بن عبد الملك (1 شوال عام 86هـ ـ جمادى الثانية عام 96هـ) وجد الحاجة ملحة إلى إقامة جامع كبير، كما وجد في ذلك ما يليق بعظمة «الدولة» الأموية ويلائم حالة التطور الذي بلغه المجتمع الإسلامي.
فكرّ الوليد بضم هذه الكنيسة إلى المسجد، وقد كان الوليد باستطاعته أن يجبر النصارى على ذلك بالقوّة، لكنه في دين يحرّم ظلم الذّمي، وذي العهد، فلا يجيز له التعدّي ما لم ينقض العهد. وقد مرّ معنا في البداية كيف تم العقد، وكان الوليد يظّن وهو يفكّر في ذلك أن الكنيسة ليست من حق المسلمين، فمنذ استقرّت الشام للمسلمين، لم تُثر هذه القضية، ونسي المسلمون أنها كانت تدخل بالعهد إلى ملكهم.
ظنّه هذا جعله يدعو زعماء النصارى، ويعرض عليهم التنازل عنها مقابل أن يبني لهم بدلاً منها كنيسةً أعظم منها، فأبوا، فعرض عليهم أن يبني لهم أربع كنائس ويعطيهم أموالاً كثيرة، فأبوا، وقالوا نتمسّك بالعهد الذي كان بيننا وبينكم، فقال لهم إن العهد لا يجيز لكم بناء كنائس جديدة، وأنتم خالفتم العهد وأحدثتم كنائس جديدة، لم يكن في المعاهدة بناؤها، فأنا أهدمها، وعزم على ذلك، ولكنه كان بذلك يهددهم بالالتزام بالعهد، ولو هدمها لم تنفعه شيئاً في التوسيع، وهكذا أصبح الوليد مهموماً، وهو لا يملك في دين الإسلام أن يجبرهم على التنازل عنها.
دخل عليه أخوه المغيرة، فوجده على حاله هذه، فقال: مالك يا أمير المؤمنين؟ فخبّره، بما حدث، فقال أخرج العهد، فانظره ، كان يريد أن يجد في العقد ما عسى يحلّ له المشكلة، فلما أخرج العهد فنظر إليه، وجد أن القسم المفتوح عنوة من دمشق يمتدُّ إلى آخر الكنيسة، وذلك يعني أنها حق للمسلمين بنصِّ العهد.! (وهذا ما تجمع عليه الروايات التاريخية العربية). عندئذٍ ألف الوليد لجنةً مشتركة من المسلمين والمسيحيين لتقوم بمسح الأرض التي تدخل في العهد حقاً للمسلمين، فظهر أن الكنيسة كلّها من حق المسلمين، وأنها تدخل في المسجد!.
عاد الزعماء إلى الوليد فقالوا: يا أمير المؤمنين، كنت أقطعتنا أربع كنائس، وعرضت علينا من المال كذا وكذا.. فإن رأيت أن تتفضّل به علينا. امتنع الوليد أولاً، فهو ليس ملزماً إلاّ بنص العهد الذي احتكموا إليه، وبناءً على طلبهم. غير أن الوليد ما لبث أن جبر خواطرهم فأعطاهم الكنائس الأربع، وبنى لهم كنيسة ماريوحنّا الكبرى.
وهدمت الكنيسة، وشارك في هدمها عمال من اليهود، لا حباً في المسلمين، ولكن كرهاً في النصارى المسيحيين، كما يقول الشيخ علي الطنطاوي . ويروي ياقوت الحموي (صاحب كتاب «معجم البلدان») أنه تم نقضُ الحيطان وإعادة بناءها على أساسٍ جديد، فحفر له حتى بلغ الماء. ويبدو أن كلام ياقوت الحموي صحيح ولكن في جدران الكنيسة والمسجد الداخلية، فما تزال الجدران الخارجية جدران المعبد الوثني «جوبيتير» بكل تأكيد.
ويشير البعض إلى أن ما تم هدمه هو كل الجدران الداخلية للمعبد التي تتضمن فيما تتضمنه منشآت رومانية وبيزنطية.
وروي أن إمبراطور القسطنطينية سمع بذلك، وأراد أن يصرف الوليد عن عمارة المسجد، فكتب إليه: «إن كان هدم الكنيسة حقاً وصلاحاً، ولم يفعله أبوك، إنه لوصمةٌ عليك» فلما ورد الكتاب على الوليد، قعدَ يفكّر في جوابه، فدخل عليه الفرزدق، الشاعر المعروف، فقال له: جوابه حاضر يا أمير المؤمنين، قوله تعالى {ففهمناها سليمان، وكلاً آتينا حكماً وعلماً}، أي أنها من فهم وعلم الوليد الذي يوازي فهم وعلم والده عبد الملك، وكل له رأيه.
ويروي ابن الفضل العمري (ولد سنة 700هـ) أن الوليد تصالح أيضاً مع ملك القسطنطينية على «دية»، فصالحهم عليه بنصف كنيسة مريم التي كان معروفاً أنها تدخل بالعهد في حق المسلمين.
إذا كان هذا شأن التاريخ الذي يشير إليه المسجد العظيم، فإنه بات واضحاً أن زيارة البابا، وإصراره على هذه الزيارة للمسجد تريد إحياء ذكرى الكنيسة التي كانت قبل أن تضم إلى الجامع، وهو بهذا يذكي روح طائفية لا يعيشها أهل الشام ولم يذكر في تاريخهم أنهم عاشوها.
وبالتالي فهذه الزيارة تحمل غايات مبيتة غير حسنة، بالرغم من أن ظاهر الزيارة ليست إلاّ زيارة قبر «يوحنا المعمدان» (قبر نبي الله يحيى بن زكريا)، هذا في وقت تتصاعد نقمة المسيحيّون الموارنة في لبنان عبر زعيمهم الديني البطريرك (نصر الله صفير) على الوجود السوري في لبنان ، الأمر الذي يهدد باشتعال أزمة طائفية لا يُعرف نهايتها ونرجو الله أن لا تحدث.
على كل حال شعر المسؤولون السوريون بالحرج من هذه المسألة، وخصوصاً أن البابا (كما قيل) سوف يقيم موكباً احتفالياً ضخماً، وصلاةً «هائلةً»، وطقوساً ضخمة في حرم الجامع، ولا يغيب عن المسلمين ولا على المسؤولين السوريين المسلمين ثقل هذه الزيارة التي تمثل اقتحاماً تاريخياً لحرمة المسجد، تحيي معها ذاكرة مهترئة منذ مئات السنين تقول إن في المسجد كنيسة ضمت إليه، أو ربما يقال تضخيماً (في الأوساط الإلكيريكية) إن المسجد كان كنيسةً.
لقد لفت الأنظار أن ثمة نشاطاً مسيحياً حول «حوار الأديان» و«الإخاء الديني» بدأ ينتشر منذ نصف عقد في المدن السورية، وقد تصاعد بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة، مما يعني أن ثمة إعداداً طويل المدى لهذا «الاقتحام»، الذي سيقوم به البابا للمسجد، في محاولة «لتمرير» الزيارة على المسلمين دون ضجّة.
حرج السوريين بدا واضحاً، أو ربما ( أقول ربما ) كان كذلك تخوف المسيحيين من عدم قبول هذه الشكلية المهولة للزيارة، حين عولج هذا الاقتحام باعتماد الشيخ كفتارو (مفتي سورية) ليقوم بصلاة مشتركة (لا نعرف كيف هي؟!) ترطيباً للأجواء، وتغطيتها بغطاء «التسامح الديني» عولج خطأً.
في (15/ آذار) الجاري نقلت صحيفة الثورة استقبال وزير الإعلام محمد عمران لوكيل بطريركية الروم الكاثوليك، وفي الخبر ، الإعلان عن أن البابا لن يقيم صلاةً جماعية، وأنه سوف يزور المسجد «كمعلم تاريخي» وحسب، في زيارةٍ صامتة.
لقد كان هذا الخبر ساراً بعض الشيء، وقد وضح أن تصريحات وكيل البطريريكية لم تعد صحيحة على الأقل، إن لم تكن في «الأصل» غير صحيحة. كما أنها أكّدت أنها من بنات خيال الزعماء الدينيين، وأن السياسيين هنا في سوريا على وعي بخطورة هذا «الخيال» فيما لو صار واقعاً!.
إضافة إلى ذلك الخبر المذكور في صحيفة الثورة الرسمية، فإن الخبر نفسه يتضمن أن «البابا» عندما يزور المسجد سيكون في لقائه عدد من الشيوخ وعلماء الشام، سيلتقون معه في صحن الجامع!.(2/118)
قد يكون هذا حسناً، وأكثر ضماناً «للخيال» من أن يصلوا معه!، وخيراً من أن يستفرد بالزيارة، لأنها حينئذٍ ستكون بمثابة «إعلان رسمي» للانتزاع المسيحي! إن الوحدة الوطنية في سوريا مكسب تاريخي، يجب محاربة كل ما يؤدي إلى تفتيتها و«السلم الطائفي» قضية لا ينبغي المساس بها، ومن هذا المنطق فإننا نحذّر من هذه الزيارة حرصاً على الوحدة الوطنية، ونأمل أن لا تكون للمسجد وإذا كانت (ونسأل الله أن لا تكون) فإننا نرجو أن يحقق المسؤولون السوريون أمنيتنا التي أطلقها قبلنا غسان الإمام في صحيفة الشرق الأوسط (13/ آذار) في دعوة البابا يوحنّا بولص الثاني «إلى زيارة الضريح البطل صلاح الدين الأيوبي القائم في لصق أحد جدران المسجد الأموي، ولن تثقل الأمتار القليلة، التي تفصل بين ضريح [النبي يحيى بن زكريا] يوحنا المعمدان وضريح صلاح الدين، صحة البابا الواهنة.
... المارشال الإنكليزي الآنبي عندما احتل فلسطين عام 1917م أعلن في القدس «اليوم انتهت الحروب الصليبية»،.. والجنرال الفرنسي غورو عندما احتل دمشق عام 1920م اقتحم ضريح الأيوبي شاهراً سيفه وصائحاً: «ها قد عدنا يا صلاح الدين»، ولعلّ البابا يعود إلى دمشق ليتذكر أيضاً، لكن ليعتذر لصلاح الدين محرر القدس، وليعتذر لدمشق التي كابدت الآلام والأهوال نحو ثلاثة قرون صامدة في وجه الغزوة الصليبية تلو الغزوة الصليبية، بل من الواجب على البابا أن يعتذر عن الغزوات الصليبية التي جيّشها وحرص عليها أسلافه، بابوات روما، تلك الغزوات التي روّعت الوطن العربي ودمَّرت حضارته، واستنزفت وهج وعطاء عروبته... [هذا البابا الذي اعتذر لليهود الذين يذبّحون أهلنا في فلسطين، بل وصل به الأمر إلى تعديل الإنجيل نفسه جبراً لخواطر اليهود الذين يعتقد المسيحيون أنهم قتلة «يسوع» (المسيح عيسى ابن مريم)] لخير العرب والمسلمين أن يستغل بابا روما الحرية الدينية في سوريا ـ رابع صروح الإسلام ـ [لا لزعزتها وإلهاب الطائفية بل] ـ بتواضع وتسامح مسيحي مؤمن، مستغنياً عن اقتحامه في موكب احتفالي، لكيلا يستفز مشاعر دينية عربية مسلمة، ولكيلا يوقظ ذاكرة التاريخ القصي، ولكيلا يؤجج غرائز منطقة توغل أكثر فأكثر في تزمتها وتعصبها».
وحسناً فعل مفتي الجمهورية في تصريحه للصحف الرسمية السورية (16/ آذار) بأنه لن يصلي صلاة جماعية، منتقداً هذه الأكذوبة التي يبدو واضحاً أنها من خيال بعض الإكليريكيين المتعصبين، حيث أكد المفتي (الشيح أحمد كفتارو) استغرابه أن تكون الوحدة الوطنية مرهونة بصلاة جماعية لا تجوز أصلاً!. إن المسجد الأموي ليس ملكاً للسوريين وحدهم، ولا للعرب إنه ملك للأمة، لكل المسلمين، ومسؤولية الحرص عليه مسؤولية العالم الإسلامي برمته؛ لأنه يمثل تاريخه.
================
#المرجعية الحقيقية للمسلمين كتاب الله والسنة الشريفة
تاريخ الفتوى : ... 11 شوال 1421 / 07-01-2001
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله وبركاته سمعنا من فضيلة الشيخ القرضاوي في إحدى برامجه أن مرجعية النصارى هي البابا و نحن ليس لدينا بابا. ما هو شكل مرجعيتنا بعد سقوط الخلافة في عصرناالحالى كأهل سنة وجماعة وأرجوالمقارنة مع مرجعية الشيعة الحالية التي هي ولاية الفقيه وما مدى صحة هذه المرجعية الشيعية.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم ..... وبعد: ليست المرجعية للمسلمين لشخص يحل شيئا اليوم ويحرمه غدا فكل التشريع يرجع إليه ولكن المرجعية لنا معاشر المسلمين هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهما يأخذ العلماء الأحكام، لا من عند أنفسهم فهما الميزان القويم قال تعالى: ( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )[النساء:59] فقد أفرد الله نفسه بطاعة، وأفرد نبيه كذلك بطاعة وجعل طاعة أولي الأمر من العلماء والحكام مقرونة بطاعة الله ورسوله وأمر برد الأمر عند التنازع إلي كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي لأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم.)[النساء:83] . والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى
===========
# أثر بولس في الديانة النصرانية، وأهم الفوارق بين طوائف النصارى
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو الحجة 1423 / 04-02-2003
السؤال
ماهو تعريف المسيحية والنصرانية وما الفرق بينهما، يقال إن المسيحية ديانة أساسها بولس كيف ذلك؟
ماهي أهم الفوارق بين الطوائف الثلاثة في المسيحية الكاثوليك الأرثوذكس البروتستانت، لقد صدرت عام 1993 في أمريكا طبعة جديدة لأسفار العهد الجديد الأربعة المعتمدة مضافا إليها سفر توما الذي اكتشف عام 1945 بمصر واشترك في تحقيقها أكثر من مائتين من كبار علماء ودكاترة اللاهوت في أمريكا، ماهو ملخص ما اتفق عليه في هذا التجمع الذي سمي بندوة عيسى ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنصرانية هي دين النصارى الذين يزعمون أنهم يتبعون فيه المسيح عليه السلام، وسموا نصارى نسبة إلى نصرانة، وهي قرية المسيح عليه السلام، وتسمى هذه القرية ناصرة ونصورية، وقيل سموا بذلك من قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [الصف:14].
ويطلق النصارى على أنفسهم اسم المسيحين -أيضاً- نسبة إلى المسيح عليه السلام؛ لكن لم ترد هذه التسمية في القرآن ولا في السنة وهي تسمية لا توافق واقعهم لتحريفهم دين المسيح ومخالفتهم لما جاء به، وقد سماهم الله في كتابه الكريم بالنصارى، وبأهل الكتاب.
والديانة النصرانية في الأصل تعود إلى المسيح عليه السلام، وليس إلى بولس، فالمسيح نبي من أنبياء بني إسرائيل أرسل إلى بني إسرائيل دعا إلى الله، وبلغ رسالة ربه، وقد ذكره الله في القرآن في مواضع متعددة، قال الله تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ* وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ* قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ* وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:45 :49].(2/119)
وهي من أشمل ما ذكر عنه عليه السلام في القرآن، ولكن لم يبق مما جاء به عيسى عليه السلام إلا النزر اليسير شيء بل بدلت ملته وحرفت واستبدل النصارى التوحيد بالشرك.
وأما بولس فهو أول من حرف في دين النصارى فيما بين عام 51-55 م عقد أول مجمع يجمع بين الحواريين مجمع أورشليم تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار المقتول رجماً سنة 62م ليناقش دعوى استثناء الأمميين، وفيه تقرر -إعمالاً لأعظم المصلحتين- استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة إن كان ذلك هو الدافع لا نخلاعهم من ربقة الوثنية على أنها خطوة أولى يلزم بعدها بشريعة التوراة، كما تقرر فيه تحريم الزنا، وأكل المنخنقة، والدم، وما ذبح للأوثان. بينما أبيحت فيه الخمر، ولحم الخنزير، والربا مع أنها محرمة في التوراة.
عاد بولس بصحبة برنابا إلى إنطاكية مرة أخرى، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا، وحدث بينهما مشادة عظيمة نتيجة لإعلان بولس نسخ أحكام التوراة، وقوله إنها كانت لعنة تخلصنا منها إلى الأبد، وإن المسيح جاء ليبدل عهداً قديماً بعهد جديد، ولاستعارته من فلاسفة اليونان فكرة اتصال الإله بالأرض عن طريق الكلمة أو ابن الإله أو الروح القدس، وترتيبه على ذلك القول بعقيدة الصلب والفداء وقيامة المسيح وصعوده إلى السماء ليجلس على يمين الرب ليحاسب الناس في يوم المحشر، وهكذا كرر بولس نفس الأمر مع بطرس الذي هاجمه، وانفصل عنه مما أثار الناس ضده، لذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية ضمَنَّها عقيدته ومبادئه، ومن ثم واصل جولاته بصحبة تلاميذه إلى أوروبا وآسيا الصغرى ليلقى حتفه أخيراً في روما في عهد نيرون سنة 65م، وقد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى، ففي القرن الثاني الميلادي تصدى هيولتس وإيبيي فايتس وأوريجين لها، وأنكروا أن بولس كان رسولاً، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث وتبعه فرقته البوليسية إلا أنها كانت محدودة التأثير، وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة وبذرت بذور التثليث والوثنية في النصرانية.
وأما الطوائف الثلاث في المسيحية وهم الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت فقد أجمعت هذه الطوائف على القول بألوهية المسيح عليه السلام، وأنه نزل ليصلب تكفيراً لخطيئة آدم عليه السلام، كلهم مجمعون على اعتبار الكتب الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا وبقية العهد الجديد مع العهد القديم هي الكتب المقدسة؛ إلا أنهم يختلفون في بعض الأمور الأخرى.
أ- فالكاثوليك هم أتباع البابا في روما وأهم ما يتميزون به هو:
1- يبيحون أكل الدم والمخنوق.
2- قولهم بأن الروح القدس انبثق من الأب والابن معا.
3- أن البابا في الفاتيكان هو الرئيس العام على جميع الكنائس الكاثولوكية.
4- تحريم الطلاق بتاتاً حتى في حالة الزنا.
والكاثوليك هم أكثر الأوروبيين الغربيين وشعوب أمريكا الجنوبية، وتسمى كنيستهم الكنيسة الغربية.
ب- الأرثوذكس: وهم النصارى الشرقيون الذين اتبعوا الكنيسة الشرقية في القسطنطينية، وأهم ما يتميزون به هو:
1- إن الروح القدس انبثق عندهم من الأب فقط.
2- تحريم الطلاق إلا في حالة الزنا، فإنه يجوز عندهم.
3- لا يجتمعون تحت لواء رئيس واحد، بل كل كنيسة مستقلة بنفسها، وهذا المذهب منتشر في أوربا الشرقية وروسيا والبلاد الغربية.
ج- البروتستانت: ويسمون الإنجيليين، وهم أتباع مارتن لوثر الذي ظهر في أوائل القرن السادس عشر الميلادي في ألمانيا، وكان ينادي بإصلاح الكنيسة وتخليصها من الفساد الذي صار صبغة لها، وأهم ما يتميز به أتباع هذه النحلة هو:
1- أن صكوك الغفران دجل وكذب، وأن الخطايا والذنوب لا تغفر إلا بالندم والتوبة.
2- أن لكل أحد الحق في فهم الإنجيل وقراءته، وليس وقفاً على الكنيسة.
3- تحريم الصور والتماثيل في الكنائس باعتبارها مظهراً من مظاهر الوثنية.
4- منع الرهبنة.
5- إن العشاء الرباني تذكار لما حل بالمسيح من الصلب في زعمهم، وأنكروا أن يتحول الخبز والخمر إلى لحم ودم المسيح عليه السلام.
6- ليس لكنائسهم رئيس عام يتبعون قوله.
وهذه النحلة تنتشر في ألمانيا وبريطانيا وكثير من بلاد أوربا وأمريكا الشمالية، ولا علم لنا بما اتفق عليه هؤلاء الناس الذي اجتمعوا لتحقيق هذا السفر، والعلم به والجهل سواء، لأنه لا ينبني عليه شيء، فالذي يجب أن نعتقده أن ما عندهم باطل ومحرف، ولم يبق عندهم شيء مما أنزل على أنبياء الله البتة، وإنما هو -أي ما عندهم- من بنيات أفكار قسسهم وأحبارهم كتبوها عن هوى وشهوة ليضلوا بها الناس.
ولو سلمنا جدلاً أنه بقي عندهم شيء صحيح من التوارة أو من الإنجيل، فإنه كله قد نسخ بالإسلام، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سبأ:28]. وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْه) [المائدة:48]. وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
ويمكن الرجوع إلى كتاب الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة.. وكتاب دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية للدكتور/ سعود بن عبد العزيز الخلف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى
=============
#تحريم الصلاة على الكافر
تاريخ الفتوى : ... 12 ربيع الأول 1426 / 21-04-2005
السؤال
هل يجوز إقامة صلاة الغائب على البابا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تجوز الصلاة على الكافر بإجماع أهل العلم، ففي المهذب في الفقه الشافعي: وإن مات كافر لم يصل عليه لقول الله تعالى: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ. ولأن الصلاة لطلب المغفرة، والكافر لا يغفر له فلا معنى للصلاة عليه. انتهى.
وقال الإمام النووي في المجموع: وأجمعوا على تحريم الصلاة على الكافر. انتهى.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن: قوله تعالى: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم.. الآية: نص في الامتناع من الصلاة على الكفار. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى
=============
#تشييع جنازة الكافر والتعزية فيه
تاريخ الفتوى : ... 12 ربيع الأول 1426 / 21-04-2005
السؤال
لقد قام إمام المسجد في قريتنا في خطبة الجمعة بتعزية النصارى في أنحاء العالم بوفاة البابا وقد قام بالثناء عليه وأن له مواقف مشّرفة تساند المسلمين وأنّ هذا الأمر من سياسة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
فهل فعل هذا الإمام صحيح وهل تجوز تعزية غير المسلمين وإذا جاز هذا الأمر فماذا نقول لهم وأسأل الله العظيم أن يجزي هذا الموقع والقائمين عليه لما ينشره في خدمة الإسلام والمسلمين
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 12254 حكم تعزية الكافر، وما هي الصيغة التي يعزى بها، وأنه لا يدعى للميت الكافر بالرحمة والمغفرة اتفاقا، لقوله تعالى:(2/120)
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {التوبة: 113} وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذنت ربي أن أستعفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي.
ولعدول النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء بالرحمة للعاطسين من اليهود إلى الدعاء لهم بالهداية، والتعزية لا تكون على المنابر في الخطب وغيرها لعامة الناس، وإنما تكون لقريب الميت.
وأما تشييع جنازة الكافر فلا يجوز، وقيل يكره، إلا إذا كان قريبا فيجوز، وألحق بعضهم الزوجة والجار والمملوك والمولى بالقريب.
قال شمس الدين الرملي في نهاية المحتاج: ولا بأس باتباع المسلم جنازة قريبه الكافر، لما رواه أبو داود عن علي أنه قال: لما مات أبو طالب أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: انطلق فواره. ولا يبعد كما قاله الأذرعي إلحاق الزوجة والمملوك بالقريب، ويلحق به أيضا المولى والجار كما في العيادة فيما يظهر، وأفهم كلامه تحريم تشييع المسلم جنازة الكافر غير نحو القريب، وبه صرح الشاشي كابتداء السلام، لكن قضية إلحاق الزوجة ونحوها به الكراهة فقط، وما نازع به الإسنوي في الاستدلال بخبر علي في مطلق القرابة، لوجوب ذلك على ولده علي كما كان يجب عليه مؤونته حال حياته يمكن رده بأن الإذن له على الإطلاق دليل الجواز؛ إذ كان متمكنا من استخلاف غيره عليه من أهل ملته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى
===============
#المتاجرة في أشجار عيد الميلاد والتسمي باسم نوال
تاريخ الفتوى : ... 25 ذو الحجة 1426 / 25-01-2006
السؤال
ماهو حكم التجارة بشجرة عيد المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام ؟ ومن يكون البابا نوال هذا ؟ هل احتفالهم به له علاقة بدينهم ؟ هل يجوز اتخاذ نوال اسما فقد سمعته في بعض البلدان العربية ؟
بارك الله فيكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن احتفالات النصارى بأعيادهم الدينية ومنها عيد الميلاد من جملة شعائرهم الدينية فالمشاركة فيها مشاركة لهم في شعائر دينهم ، ولا ريب أن ذلك حرام ومنكر عظيم ، وكذا يحرم أن يبيع المسلم لهم شيئا يخص هذه المناسبة كشجرة عيد الميلاد ، وراجع للفائدة الفتوى رقم : 7141 .
وأما قول السائل من يكون بابا نويل هذا ؟
فأولا الاسم الصحيح هو بابا نويل ، وليس بابا نوال كما كتبه السائل ، وبابا نويل هذا هو القسيس نيقولاس من رؤساء الأساقفة في القرن الرابع الميلادي ، وكلمة بابا نويل تعني (أب الميلاد) ، فإذا تبين هذا فلا شك أنه يحرم تسمي المسلم باسم قسيس نصراني .
أما اسم نوال فاسم امرأة ولا بأس بالتسمي به .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى
================
#تأليف الكفار وضعاف الإيمان وترغيبهم بالمال
تاريخ الفتوى : ... 26 ذو الحجة 1427 / 16-01-2007
السؤال
بسم المسيح الإله الحي - امين
أقام الإسلام والمسلمون الدنيا ولم يقعدوها على تصريحات البابا حين قال إن الإسلام كان جاء بالسيف وهذا ما اكتشفته صحيحا لا بل أيضا بالإضافة إلى ذلك فقد كان محمد يبيع الإسلام بالأموال إن لم يستطع بالقهر والسيف وهذا ما سوف تندهش به عندما تقرأ سورة التوبة- الآية رقم 60 وفي موقعكم وفي تفسير القرطبي الذي يظهر في تفسيره الكثير من فظائع محمد حيث جاء في معرض تفسيره للمؤلفة قلوبهم الآتي
المؤلفة من أسلم من يهودي أو نصراني وإن كان غنياً. وقال بعض المتأخرين: اختلف في صفتهم، فقيل: هم صنف من الكفار يعطون ليتألفوا على الإسلام، وكانوا لا يسلمون بالقهر والسيف، ولكن يسلمون بالعطاء والإحسان. وقيل: هم قوم أسلموا في الظاهر ولم تستيقن قلوبهم، فيعطون ليتمكن الإسلام في صدورهم. وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع يعطون ليتألفوا أتباعهم على الإسلام. قال: وهذه الأقوال متقاربة، والقصد بجميعها الإعطاء لمن لا يتمكن إسلامه حقيقة إلا بالعطاء، أهذا هو الإسلام دين يشترى بأموال أو يتبع بالسيف، الله أعطى الإنسان العقل ليفكر وما على الرسل إلا التنبيه وإتمام الرسالة ( إنكم يا معشر المسلمين تفسرون على ما يبدو حتى تحسنوا الصورة غير الحقيقية عن محمد ).وأعطى عباس بن مرداس السلمي أباعر قليلة فسخطها. فقال في ذلك: كانت نهاباً تلافيتها بكري على المهر في الأجرع, الخ الكلام فقال محمد ( اذهبوا فاقطعوا عني لسانه%%. فأعطوه حتى رضي، فكان ذلك قطع لسانه ) في أي ورطة وضع محمد نفسه فيها
أرجو التوضيح رجاء
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية 60 من سورة التوبة هي قول الله تعالى:
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
والذي قاله القرطبي عند تفسير المؤلفة قلوبهم هو ما يلي: الثانية عشرة: قوله تعالى: والمؤلفة قلوبهم، لا ذكر للمؤلفة قلوبهم في التنزيل في غير قسم الصدقات، وهم قوم كانوا في صدر الإسلام ممن يظهر الإسلام ، يتألفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم. قال الزهري: المؤلفة من أسلم من يهودي أو نصراني وإن كان غنياً. وقال بعض المتأخرين: اختلف في صفتهم، فقيل: هم صنف من الكفار يعطون ليتألفوا على الإسلام، وكانوا لا يسلمون بالقهر والسيف، ولكن يسلمون بالعطاء والإحسان. وقيل: هم قوم أسلموا في الظاهر ولم تستيقن قلوبهم، فيعطون ليتمكن الإسلام في صدورهم. وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع يعطون ليتألفوا أتباعهم على الإسلام. قال: وهذه الأقوال متقاربة، والقصد بجميعها الإعطاء لمن لا يتمكن إسلامه حقيقة إلا بالعطاء، فكأنه ضرب من الجهاد...
فأي عيب في هذا الكلام؟ وأين يمكن وجود هذه المعاني السامية في غير الإسلام؟!
ثم ما ذكرته من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى عباس بن مرداس السلمي أباعر قليلة فسخطها. فقال في ذلك: كانت نهابا تلافيتها بكري على المهر في الأجرع, الخ الكلام فقال (محمد -صلى الله عليه وسلم-): (اذهبوا فاقطعوا عني لسانه % %. فأعطوه حتى رضي، فكان ذلك قطع لسانه).
فهذا الخبر -كما ورد في كتب السيرة- هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان بن حرب مائة وأعطى صفوان بن أمية مائة وأعطى عيينة بن حصن مائة وأعطى الأقرع بن حابس مائة وأعطى علقمة بن علاثة مائة وأعطى مالك بن عوف مائة وأعطى العباس بن مرداس دون المائة ولم يبلغ به أولئك فأنشأ يقول:
أتجعل نهبي ونهب العبيد**** بين عيينة والأقرع
فما كان حصن ولا حابس****يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما****ومن تخفض اليوم لا يرفع
إلى آخر شعره... فأتم له رسول الله مائة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقطعوا عني لسانه (لسان عباس بن مرداس) فأعطاه مائة من الإبل، وقد عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أتقول فيَّ الشعر؟ فاعتذر وقال: بأبي أنت وأمي إني لأجد للشعر دبيبا على لساني كدبيب النمل ثم يقرصني كما يقرص النمل فلا أجد بدا من قول الشعر. فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: لاتدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين.(2/121)
فقد أمر الشرع الحكيم بترغيب الكفار في الإسلام، ودعوتهم إليه ولو بالمال لتخليصهم من عذاب الله، وفرض لهم حقا في الزكاة تأليفا لقلوبهم. روى الترمذي عن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي...
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعطي ضعفاء النفوس ممن يعظم في قلبه حب الدنيا، ويحرم أعز الناس إليه، لعلمه بقوة إيمانهم وأن أمر الدنيا ليس هو غايتهم. روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن تغلب قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم مال فأعطى قوما ومنع آخرين فبلغه أنهم عتبوا، فقال: إني أعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، أعطي أقواما لما في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكِلُ أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب، فقال عمرو: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم.
فإن تكفر -أيها السائل- بسمو هذه الأخلاق ونبلها فقد وكل الله بها قوما ليسوا بها بكافرين.
ثم لنعد قليلا إلى قولك أنت: بسم المسيح الإله الحي، فكيف يلتئم هذا مع عقيدتكم بأن المسيح عليه الصلاة والسلام قد صلب ومات يوم كذا ودفن في القبر؟!
ثم كيف تتصور الألوهية في مخلوق أوجده الله من امرأة، وأوذي في سبيل إبلاغ رسالة ربه أذى شديدا؟!
فوالله لو عدنا إلى ما في عقيدتكم من التناقض لضاقت به الصحف.
وهنا لا يسعنا قبل إكمال هذا الجواب إلا أن ندعوك إلى توحيد الله والدخول في الإسلام، الدين الحق الذي لا يقبل الله سواه، ومن لقي الله على ملة غيره كان يوم القيامة من الخاسرين. قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ {آل عمران:85}.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى
==============
#كره النصارى لدين الإسلام والمسلمين
تاريخ الفتوى : ... 20 ذو الحجة 1427 / 10-01-2007
السؤال
شغفت بشدة بـ(البابا ) يوحنا بولس الثاني لما لمست منه من طيبة وتسامح تجاه الأديان الأخرى.. وكم أحزنني وفاته..وودت لو أنه عاش لأصبح (راهبة) بين يديه..على الرغم من أنني مسلمة ولله الحمد وأعيش في بلاد الحرمين وفي منطقة (نجد) التي تشربت منها العقيدة الصافية الخالية من الشوائب والخزعبلات....
أنقذوا عقيدتي أرجوكم..فحبي للنصارى يتعاظم يوما بعد يوم..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يهدي قلبك، ويشرح صدرك، ويثبتك على عقيدة التوحيد التي لا نجاة لأحد بدونها، فقد قال الله تعالى:
إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ {المائدة:72}
ثم إننا نربأ بك عن مثل هذه السفاسف، وهذا الهراء الذي لا معنى له، فما قيمة أن تكوني راهبة بين يدي عدو من أعداء الله ورسوله ذهب إلى ما قدم من الصد عن سبيل الله، وتكريس حياته للباطل والشرك والخزعبلات النصرانية التي بها نال ذلك المنصب وحافظ عليه، فاختاره وآثره على اتباع الحق الذي توالت رسل الله للدعوة إليه من أولهم إلى آخرهم، ابتداء بأبي البشرية، وانتهاء بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ؛ كما قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ {الأنبياء:25}
فكيف يعقل أن يقبل مسلم أو يفكر مجرد تفكير أن يكون خادما بين يدي عدو من أعداء الله تعالى؟! وخاصة من يزعم أنه نهل من معين العقيدة الصافية.
وكيف ينزل من عليائه السامق إلى الحضيض السافل، ويلوث صفاء عقيدة التوحيد بمستنقع الشرك الآسن وخزعبلاته المظلمة المتناقضة التي يتخبط فيها النصارى.. والتي يصادمون بها العقول السوية.. وقد قال الله تعالى عنهم: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {المائدة:72- 73}
وللمزيد عن عقائد النصارى نرجو أن تطلعي على الفتاوى:2924، 27986، 61499.
فلا يغرنك ما تشاهدين عبر وسائل الإعلام من الخداع والتضليل ودعوى التسامح والحرية..
فهؤلاء يخفون من التعصب والكره للإسلام وأهله ما لا يعلمه إلا الله، وتاريخهم مع المسلمين معروف، فقبيل دخولهم لبلاد المسلمين مستعمرين -بزعمهم- وهم في الحقيقة مخربون، شنوا تسع حملات صليبية على المسلمين لصدهم عن دينهم..
كما يظهر تعصبهم وحقدهم وضيق أفقهم وعدم تسامحهم بما وقع من الحروب والقتل والتنكيل ببعضهم عند ما يخالفونهم في مذاهبهم النصرانية كما حدث للكاثوليك والبروتستانت. وكما يظهر في موافقهم وتصرفهم في كل أمر ليس في صالحهم.
ولذلك فهؤلاء ليس عندهم ما يستهوي العاقل وخاصة المسلم الذي شرفه الله تعالى بهذا الدين العظيم الذي يلائم فطرة الإنسان، فيلبي مطالبه العقلية والروحية والجسدية، ويحل مشاكله الدينية والدنيوية فيعطي كل ذي حق حقه. لأنه من عند الحكيم خالق الإنسان ويعلم ما يصلحه في دنياه ويسعده في أخراه؛ كما قال تعالى: تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {فصلت: 42} وقال تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ {الملك:14} وهو دين الأنبياء جميعا؛ كما قال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ {الشورى: من الآية13}
والتسامح الحقيقي هو ما يجده العاقل في دين الإسلام، فقد قال الله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ {البقرة: 256}
ومما يدلك على بطلان دين النصارى أنهم اليوم يملكون المال والجاه والسيادة ويبذلون كل جهد في تنصير الناس، ولكن الناس يرفضون هذا الدين لمصادمته للفطرة الطبيعية للإنسان حتى الوثنيون الذين لا دين لهم لا يقبلونه، فكيف يقبله مسلم شرفه الله بالتوحيد؟! نعوذ بالله من الخذلان وطمس البصيرة.
وهذا بعكس الإسلام فإن يتمدد بنفسه ويعتنقه الناس كل يوم عن قناعة وإيمان، ومن هؤلاء المعتنقين العلماء والمثقفون وغيرهم، وأعظم شاهد على ذلك ما يراه النصارى في عقر دارهم في بلاد الغرب والشرق.
فالعاقل لا يستبدل الخبيث بالطيب، والأدنى بالذي هو خير.
ولذلك نوصيك بتقوى الله، والتمسك بعقيدة التوحيد، ونحذرك من حب أعداء الله تعالى والموالاة لهم، فإن المرء يحشر مع من أحب يوم القيامة، ولا يجتمع الإيمان وحب الله ورسوله مع حب أعداء الله والرضى عنهم أو تصحيح مذهبهم أو عقيدتهم. وتجدين تفاصيل ذلك وأدلته في الفتاوى التالية:15087، 6373، 34609.
وتجدين في تاريخ الإسلام الحاضر والماضي من القدوات في كل مجال من مجالات الحياة ما يغني عن مثل هذه الزعامات المزيفة المشركة العدوة لله ولرسوله والمؤمنين.(2/122)
وراجعي لزاما الفتاوى التالية أرقامها:30506 ،54711، 10326، 33974، 56322، 6149.
نسأل الله لك الهدى والثبات.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى
==============
#نقاط الضعف في الديانة النصرانية
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 173)
رقم الفتوى 10326
تاريخ الفتوى : 24 جمادي الثانية 1422
السؤال
الأخوة الكرام أنا طالب سوري في جمهورية بولندا وأحياناً يدور بيني وبين النصارى حوار حول الدين أيهما الديانة الصحيحة: الإسلام أم المسيحية وأردت أن أسألكم جزاكم الله خيراً ما هي نقاط الضعف الرئيسية في المسيحية وما هي المفارقات والأحاجي التي يمكن اتباعها في هذه الحالة، وما هي أفضل الأساليب لخوض الجدال.
عسى الله جل وتبارك أن يجعل هدايتهم إلى دين الحق على يدي.
أثابكم وأثابني الله .
وشكراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحفظك في بلاد الغربة، وأن يوفقك لنشر الإسلام، وتبليغه للناس.
ولا ينبغي أن يقدم الإنسان على محاورة النصارى أو غيرهم من أهل الكفر، إلا إذا كان متحصنا بالعلم الشرعي الذي يمكنِّه من إقناع المخالف ورد شبهته، وإلا كان هذا الحوار فتنة لأهل الباطل وإضعافاً لموقف أهل الحق.
والنصرانية المحرفة لا تملك حجة صحيحة لإثبات مبادئها، فضلاً عن إبطال مبادئ مخالفها، وكلها نقاط ضعف ووهن، والأمر فيها كما قال الله تعالى: (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور:40].
ويستطيع المحاور أن يتكىء على نقاط عدة منها:
1/ سند الأناجيل التي بين أيدي النصارى، فليس في هذه الأناجيل ما يمكن أن يقال عنه إنه الإنجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام، فقد كتبت جميعاً بعد رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وهي أشبه بكتب السيرة والتراجم، تحكي ما حصل لعيسى عليه السلام، ويرد في ثناياها أن عيسى كان يكرز (يعظ) بالإنجيل، فأين هذا الإنجيل المنزّل الذي تتحدث عنه الأناجيل؟!
بل الباحث في الأناجيل الأربعة يعلم قطعاً أنه لا يمكن نسبتها إلى هؤلاء الأربعة بدليل صحيح.
2/ التناقض الظاهر، والاختلاف البين، والأغلاط الواضحة في هذه الأناجيل، مما يقطع بأنها من عند غير الله، قال الله تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء:82].
وقد بين العلامة رحمه الله الهندي في كتابه (إظهار الحق) وجود 125 اختلافاً وتناقضاً في الكتاب المقدس، ووجود 110 من الأغلاط التي لا تصح بحال، ووجود 45 شاهداً على التحريف اللفظي بالزيادة، وعشرين شاهداً على التحريف اللفظي بالنقصان.
وقد ذكرنا أمثلة لذلك في فتوانا رقم: 2105 .
وهذا يدحض قول النصارى: أن الأناجيل كتبها أصحابها عن طريق الإلهام، فلو كانت من عند الله لسلمت من هذا الاختلاف.
3/ ما اشتمل عليه هذا الكتاب المقدس - بزعمهم - من نسبة العظائم والقبائح إلى أنبياء الله ورسله الكرام، كالباطل الذي ينسبونه إلى لوط، ونوح، وداود عليهم السلام، وغيرهم.
4/ ما اشتمل عليه كتابهم من البشارة بنبينا صلى الله عليه وسلم، ولا تزال هذه البشارة موجودة رغم كثرة تحريفهم واستمرارهم في التحريف.
5/ قضية التثليث والصلب، فما أشد التناقض والاضطراب الواقع في الأناجيل في هاتين القضيتين، رغم أنهما من ركائز دين النصرانية المحرف.
6/ دراسة تاريخ المجامع النصرانية، ونقض بعضها لبعض، بل تكفير بعضهم لبعض: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) .
ومن تأمل تاريخ هذه المجامع علم أن اختيار هذه الأناجيل الأربعة دون سواها، وتقرير ألوهية المسيح وبنوته، وألوهية الروح المقدس لم يكن لها سند إلا هذه المجامع التي لم يؤخذ فيها حتى برأي الأغلبية! وإنما كانت الكلمة لمن وافق الرومان في وثنيتهم وضلالهم، وكان التحريم والعقاب لمن تمسك بالتوحيد.
ونحن ننصح من يتصدى لهذه المحاورات أن يقرأ عدداً من الكتب النافعة في ذلك، ومنها:
1/ كتاب: إظهار الحق للعلامة رحمة الله الهندي.
2/ اليهودية والنصرانية للدكتور: أحمد شلبي.
3/كتاب: محاضرات في النصرانية للشيخ: محمد أبو زهرة.
4/ كتاب: العقائد الوثنية في الديانة النصرانية: لمحمد طاهر التنير.
5/ كتب ومحاضرات أحمد ديدات.
6/ إضافة إلى الكتب المتقدمة: كالجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية.
7/ وهداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن قيم الجوزيه.
إضافة إلى الاستفادة من بعض المواقع المهتمة بالرد على النصارى، ومنها:
موقع: المسيحية بمنظور إسلامي.
وموقع: هداية الحيارى من النصارى.
وموقع: للنصارى فقط.
ويمكنك الدخول إلى هذه المواقع عن طريق :
www.sultan.org
كما يمكنك تحميل كتاب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: شهادة الإنجيل على أن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
وكتابه: الرد على أسئلة توني بولدر وجوفاك وتشكيكاته حول القرآن الكريم، والنبي العظيم.
وذلك من خلال موقع الشيخ:
www.salafi.net
في محور كتب ورسائل.
كما يمكنك الإطلاع على الفتاوى التالية في موقعنا:
2105 ، 6828 ، 9732 ، 8210 .
ونسأل الله أن يوفقك ويعينك، ويسعدنا التواصل معك، والإجابة على استفساراتك عن طريق مركز الفتوى في هذا الموقع.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
================
#بطلان التثليث ومخالفته للمعقول والمنقول
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 5 / ص 573)
رقم الفتوى 30506
تاريخ الفتوى : 03 صفر 1424
السؤال
السلام عليكم
وجدت دراسة تندرج حول الحوار الإسلامي المسيحي تقول إنها موضوعية تدعي أن التثليث الذي حاربه الإسلام ليس هو تثليث العقيدة المسيحية، الدراسة توجد في هذا الموقع ...... فما هو رأيكم وكيف يمكن الإجابة عليها أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الموقع بما يحوي يحاول أن يسوق عقائد النصارى كعقيدة التثليث المبتدعة من المجامع الوثنية بعد عيسى عليه السلام، ويحاول أن يخفي ما في هذه العقائد من تناقض وتخبط.
وما زعموه من أن التثليث الذي أنكره الإسلام غير التثليث الذي يعتقده النصارى محاولة من هذه المحاولات، وذلك لأن العقيدة التي يعتنقها النصارى -على اختلاف مذاهبهم- هي عقيدة أن الإله واحد في أقانيم ثلاثة: الأب، والابن، والروح القدس، والمسيح هو "الابن"، وهم يضطربون في تفسير الأقانيم: تارة يقولون أشخاص وتارة خواص وتارة صفات وتارة جواهر وتارة يجعلون الأقنوم اسما للذات والصفة معا، ومحصل كلامهم يؤول إلى التمسك بأن عيسى إله.
قال الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس: طبيعة الله عبارة عن ثلاثة أقانيم متساوية: الله الأب، والله الابن، والله الروح القدس، فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، وإلى الابن الفداء، وإلى الروح القدس التطهير.(2/123)
وجاء في كتاب "سوسنة سليمان" لنوفل بن نعمة الله بن جرجس النصراني إن عقيدة النصارى التي لا تختلف بالنسبة لها الكنائس وهي أصل الدستور الذي بينه المجمع النيقاوي هي الإيمان بإله، واحد: أب واحد، ضابط الكل، خالق السماوات والأرض، كل ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع، الابن الوحيد المولود من الأب قبل الدهور من نور الله، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للأب في الجوهر، ومن أجل خطايانا نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس، ومن مريم العذراء تأنس، وصلب عنا على عهد بيلاطس، وتألم وقبر، وقام من الأموات في اليوم الثالث على ما في الكتب، وصعد إلى السماء وجلس على يمين الرب، وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات، ولا فناء لملكه، والإيمان بالروح القدس، الرب المحيي المنبثق من الأب، الذي هو الابن يسجد له، ويمجده، الناطق بالأنبياء.
ثم تختلف المذاهب بعد ذلك في المسيح، هل هو ذو طبيعة لاهوتية وطبيعة ناسوتية؟ أم هل هو ذو طبيعة واحدة لاهوتية فقط؟ وهل هو ذو مشيئة واحدة مع اختلاف الطبيعتين؟ وهل هو قديم كالأب أو مخلوق؟... إلى آخر ما تفرقت به مذاهبهم، وقامت عليه الاضطهادات بين فرقهم المختلفة.
وهذه المقولات بعينها من العقائد التي حاربها الإسلام، وهي تتضمن، القول بألوهية المسيح عليه السلام، والقول بأن الله ثالث ثلاثة، وإن حاولت الدراسة المذكورة إنكار ذلك، وقد حكم الله تعالى بأن هذه المقولات كلها كفر، وليس بعد قول الله سبحانه وتعالى قول، والآيات في تأكيد هذا المعنى كثيرة، قال الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً [النساء:171].
وقال جل وعلا: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:17].
وقال عز وجل: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ* لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المائدة:72-73-74-75].
ونظرا لصعوبة تصور الأقانيم الثلاثة في واحد، وصعوبة الجمع بين التوحيد والتثليث، فإن الكتاب النصارى الذين كتبوا عن اللاهوت حاولوا تأجيل النظرالعقلي في هذه القضية، التي يرفضها العقل ابتداء، ومن ذلك ما كتبه القس بوطر في رسالة "الأصول والفروع" حيث يقول: قد فهمنا ذلك على قدر طاقة عقولنا، ونرجو أن نفهمه فهماً أكثر جلاء في المستقبل حين يكشف لنا الحجاب عن كل ما في السماوات وما في الأرض، وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية.
ولهذا فإننا نقول: إن عقيدة الثالوث التي قدمها النصارى للمجتمع الإنساني عجيبة وغريبة، وتبدو غرابتها واضحة وجلية عند عرضها على صفحة العقل الذي كرم الله به الإنسان، ولكن النصارى يرون أن التثليث لا يعالج بمنطق العقل، ولكن بالإيمان والوجدان، وهذا هروب من النصارى من بداية الطريق، فلا بأس أن نعتمد على الإيمان القلبي في قضية من القضايا الغيبية، ولكن بشرط ألا يحكم العقل فيها حكماً بديهياً باستحالتها وتناقضها، وإذا كان النصارى يقولون إن التثليث يصعب تصوره على العقل فإننا نقول بل يستحيل تصوره لدى العقل، ومن أول جولة معه يخرجه بجذوره ويلقيه في دائرة اللامعقول، ومهما حاول النصارى أن يعللوا هذا التثليث فسيبقى مرا في حلوق العقلاء.
ودعوى أن الأقانيم الثلاثة هذه ثلاث صفات لذات واحدة دعوى تبرهن على تناقضهم لأنه يلزمهم على ذلك أن لا يكون المسيح إلهاً خالقاً رازقاً لأن الصفة ليست إلها خالقا رازقا، وأيضاً فالصفة لا تفارق الموصوف وهم يقولون المسيح إله حق من إله حق من جوهر أبيه، وهذا يدل على استحالة الجمع بين التثليث والتوحيد.
وسيظل العقل النصراني يئن تحت وطأة هذا التناقض، وكيف لا يئن ويشتكي أمام قول إثناسيوس الرسولي: فالأب هو الله والابن هو الله وروح القدس هو الله، وكلهم هو الله.
وأما اعتقادهم بأن كل أقنوم من الثلاثة يختص بعمل معين، كما يقول الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس: فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، وإلى الابن الفداء وإلى روح القدس التطهير؟ وأنه بعد صلبه صعد إلى السماء وجلس على يمين الرب. كما في الأمانة التي اتفق عليها النصارى.
فبهذا يظهر أمامهم ثلاثة آلهة تبرز برؤوسها، والثلاثة معاً الله، والله يتفرق فيكون ثلاثة ويجتمع فيكون إلهاً، أين العقل الذي يحتمل ذلك؟
وأما ما ادعته هذه الدراسة من كون القرآن قد دل على ألوهية المسيح بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [آل عمران:45]، وكما في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171].
فالجواب عنه أن الآية الأولى تبين أنه مخلوق، ويتضح ذلك في وجوه منها: أنه قال (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) وقوله: (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) نكرة في الإثبات، يقتضي أنه كلمة من كلمات الله، ليس هو كلامه كله كما يقوله النصارى.
ومنها: أنه بين مراده بقوله (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) أنه مخلوق، حيث قال: كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:47].
وقال في الآية الأخرى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59]، وقال تعالى أيضاً: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ* مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [مريم:34-35].(2/124)
فهذه ثلاث آيات في القرآن تبين أنه قال له "كن" فكان، وهذا تفسير كونه (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ)، وقال: اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فأخبر أنه ابن مريم وأخبر أنه "وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين " ، وهذه كلها صفة مخلوق والله تعالى وكلامه الذي هو صفته لا يقال فيه شيء من ذلك، وقال تعالى على لسان مريم: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ فتبين أن الكلمة هي ولد مريم لا ولد الله سبحانه وتعالى.
فمع هذا البيان الواضح الجلي، هل يظن ظان أن مراده سبحانه بقوله (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) أنه إله خالق، أو أنه صفة لله قائمة به، وأن قوله (وَرُوحٌ مِنْهُ) المراد به: أنه حياته أو روح منفصلة من ذاته؟ بل قوله تعالى (وَرُوحٌ مِنْهُ) معناه أي روح مخلوقة من جملة الأرواح، ولا إشكال في قوله (مِنْهُ) فإن المراد أن أمر الخلق كله راجع إلى الله ومبتدأ منه، وذلك كقوله سبحانه: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثية:13].
وإذا كان النصارى يستشهدون بآيات القرآن على ما يعتقدون، فإن عليهم أن يستشهدوا بجميع نصوص القرآن الواردة في الموضوع، فلا يقتصرون على جملة هنا أو جملة هناك، فهذا لا يفعله منصف، فالتعبيرات القرآنية عن المسيح بأنه كلمة الله أو روح من الله، لا بد أن تفهم على ضوء الآيات الأخرى التي تنفي ألوهية المسيح وبنوته، وتكفر من يقول بهما، والتي تثبت براءة المسيح ممن يؤلهه أو يؤله أمه، والتي تثبت كذلك اعترافه ببشريته ولكنهم لا يفعلون ذلك لئلا يظهر بطلان استشهادهم على عقيدتهم الزائفة بآيات القرآن من جهة، وبطلان عقيدتهم نفسها من جهة أخرى.
وليكن معلوماً أن القرآن حكم على النصارى بالكفر لعدة أمور، كل منها شافٍ كافٍ في تكفيرهم:
- ادعاؤهم أن المسيح هو الله أو ابن الله وأن الروح القدس إله، فهم يعبدون في الحقيقة ثلاثة آلهة وقد تقدم بيان ذلك.
- تكذيبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً* أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً [النساء:150-151]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [النساء:47]، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار.
- اتخاذهم الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله، قال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31].
وفي معجم الطبراني وغيره أن عدي بن حاتم وكان نصرانياً فأسلم لما سمع النبي يقرأ الآية المتقدمة قال له: إنا لا نعبدهم، فقال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتستحلونه، قال: بلى، قال صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم.
والثابت من التتبع التاريخي لأطوار العقيدة النصرانية، أن عقيدة التثليث، وكذلك عقيدة بنوة المسيح لله -سبحانه- ومثلها عقيدة ألوهية أمه مريم، ودخولها في التثليثات المتعددة الأشكال ونحو ذلك من الانحرافات، كلها لم تصاحب النصرانية الأولى، إنما دخلت إليها على فترات متفاوتة التاريخ، مع الوثنيين الذي دخلوا في النصرانية، وهم لم يبرأوا بعد من التصورات الوثنية والآلهة المتعددة، وتتبع نقض ما في هذه الدراسة يطول وفيما ذكرناه -إن شاء الله- ما يتنبه به إلى بطلانها، وللفائدة انظر الفتوى رقم: 10326 ، والفتوى رقم: 8210 ، كما ترجى مراجعة هذا الموقع:
http://www.aleman.com/Islamlib/Viewchp.asp?BID=284&ID=1&SI=q17 q17
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=================
#عقيدة التوحيد والتثليث لا تجتمعان
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 5 / ص 3991)
رقم الفتوى 33974
تاريخ الفتوى : 28 ربيع الثاني 1424
السؤال
هل صحيح فى زماننا هذا من يجمع الدينين الإسلام والمسيحية السمحة بسبب نزول عيسى بن مريم عليه السلام فى آخر الزمان؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان المقصود بالجمع بين الدينين (الإسلام والمسيحية) هو ما يروج له اليوم باسم وحدة الأديان، أي خلطها ومزجها بحيث تصير ديناً واحداً يضم عقيدة الإسلام والمسيحية واليهودية.
فإن هذا كفر واضح وردة صريحة فإنه لا يصح إسلام المسلم إلا بإقراره بالتوحيد وكفره بالشرك والطاغوت، كما قال عز وجل: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [البقرة:256].
فكيف يجمع بين التوحيد والشرك وكيف يجمع بين عقيدة لا إله إلا الله وعقيدة الله ثالث ثلاثة.
وإن كان المقصود هو حوار الأديان والمجادلة بالتي هي أحسن فلا مانع منه، والله تعالى يقول: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46].
وقال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64].
وأما نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام في آخر عمر الدنيا فحق، ولكه ينزل ليحكم بالإسلام لا بالمسيحية ولا باليهودية، فالإسلام هو دين الرسل جميعاً ولا يقبل الله غيره، وبه يحكم عيسى بن مريم عند نزوله، وفي الحديث الصحيح: والذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: قوله يكسر الصليب ويقتل الخنزير، أي يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة، ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
# الأدلة على أن الإسلام هو الدين الحق
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 3852)
رقم الفتوى 54711
تاريخ الفتوى : 03 رمضان 1425
السؤال
ما الدليل على أن الدين الإسلامي هو الدين الصحيح وليست المسيحية أو اليهودية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(2/125)
فقد أرسل الله رسله جميعاً بالإسلام، فأمروا قومهم أن يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن يكفروا بما عداه من المعبودات الباطلة، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ {النحل:36}، فدين الأنبياء واحد، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ {آل عمران:19}، ولكن الاختلاف بينهم في الشريعة والأحكام، قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {المائدة:48}، وقال صلى الله عليه وسلم: الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد. رواه البخاري ، وانظر في بيان هذا المعنى الفتوى رقم: 25251 ، والفتوى رقم: 34493 .
وقد أخذ الله الميثاق على الأنبياء بتصديق النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه لو جاءهم، ولما بعثه سبحانه جعل شريعته ناسخة لما قبلها من الشرائع وأوجب على العالمين اتباعه، هذا ولم يستقم أتباع موسى وعيسى عليهما السلام على أمر ربهم، فعمد الأحبار والرهبان إلى التوراة والإنجيل فحرفوهما بما يتوافق مع أهوائهم، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ {المائدة:13}، وإلا فإن التوراة والإنجيل آمران بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ومتابعته، فمن كفر بمحمد فقد كفر بالتوراة والإنجيل، وانظر الفتوى رقم: 10326 ، والفتوى رقم: 29326 .
ولقد حفظ الله القرآن عن التغيير والتبديل، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}، فلحفظ الله له لم يتبدل منه حرف على مرور القرون، مع شدة الحملة من الكفار على المسلمين، وغزو الصليبيين والتتار، ومحاولات الاستعمار الحديث والمستشرقين، إلا أن جميع كيدهم ذهب أدراج الرياح، وهذا من المعجزات. ولقد تحدى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم البشر جميعاً بتلك المعجزة الباقية، وهي القرآن فعجزوا أن يأتوا بمثل سورة من سوره. ومن الأدلة على أن الإسلام هو الدين الحق -العقيدة الصافية، فالله وحده هو المتصرف في الكون، لا شريك له في الخلق والرزق، ولا يدبر معه الأمر أحد، ولا يستحق أحد من دونه أن يعبد، كما أنه موصوف بكل كمال ومنزه عن كل نقص، بينما في النصرانية الرب عندهم يتزوج وينجب ( سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً )، فالإسلام يبطل عقيدة التثليث عند النصارى ويبطل ألوهية عيسى وأمه، قال تعالى: مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ {المائدة:75}، فالإله لا يأكل ولا يشرب ولا يلد ولا يولد، بل هو الغني عما سواه، فكيف يكون عيسى وأمه إلهين؟.
ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق: شرائعه الواقعية، فهو يبيح الزواج بالنساء، ويرغب فيه، ولا يأمر بالرهبنة والتبتل، لكنه يحرم الزنا، والإسلام يبيح المعاملات بين الناس ولكنه يحرم الربا، ويبيح جمع المال من حله ولكنه يوجب الزكاة للفقراء، ويبيح الطعام ويستثني الميتة ولحم الخنزير ونحوهما، وغير ذلك من الشرائع الواقعية التي تناسب حاجات البشر ولا تضيق عليهم؟
ومن الأدلة كذلك على أن الإسلام هو دين الحق: موازنته بين متطلبات الروح وحاجات البدن، ومن الأدلة على أن دين الإسلام هو دين الحق عدم مصادمة عقائده وتشريعاته للفطرة والعقل، فما من خير يدل عليه العقل إلا والإسلام يحث عليه ويأمر به، وما من شر تأنفه الطباع وينفيه العقل إلا والإسلام ينهانا عنه، ولمزيد بيان انظر الفتوى رقم: 40774 ، والفتوى رقم: 20706 .
ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق -إعجاز القرآن- فهو مع احتوائه على أكثر من ستة آلاف آية، ومع طرقه لموضوعات متعددة، فإنك لا تجد في عباراته اختلافاً بين بعضها البعض، كما لا تجد معنى من معانيه يعارض معنى، ولا حكماً ينقض حكماً، قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82}، ومن وجوه إعجاز القرآن: انطباق آياته على ما يكشفه العلم من نظريات علمية، قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ {فصلت:53}، ومن أوضح ما أثبته القرآن من أن الجنين يخلق في أطوار، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة،.... إلخ ولم يقرر ذلك العلم التجريبي الحديث إلا في عصرنا الحديث، مع أن القرآن قرره قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن.
ومن أوجه إعجاز القرآن كذلك، إخباره بوقائع لا يعلمها إلا علام الغيوب، ومنها ما أخبر بوقوعه في المستقبل، كقوله تعالى: ألم* غُلِبَتِ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ {الروم}، وقوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ {الفتح:27}، وكذلك قص القرآن قصص أمم بائدة ليست لها آثار ولا معالم، وهذا دليل على أن هذا القرآن منزل من عند الله الذي لا تخفى عليه خافية في الحاضر والماضي والمستقبل، قال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا {هود:49}، ومن وجوه إعجاز القرآن كذلك فصاحة ألفاظه وبلاغة عباراته وقوة تأثيره، فليس فيه ما ينبو عن السمع أو يتنافر مع ما قبله أو ما بعده، وحسبنا برهاناً على ذلك شهادة الخبراء من أعدائه، واعتراف أهل البيان والبلاغة من خصومه، فلقد بهتوا أمام قوة تأثيره في النفوس وسلطانه الروحي على القلوب، قال الوليد بن المغيرة وهو من ألد أعداء الرسول: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر. والحق ما شهدت به الأعداء.
وللمزيد من بحوث إعجاز القرآن أقرأ كتاب إعجاز القرآن لأديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي. وانظر لزاماً الفتوى رقم: 6828 .
والعبد الذي على الحق يأتيه الشيطان ليزعزع إيمانه وليشككه في إيمانه، فعليك أن تقطع على هذا اللعين حبائله وتفطن إلى مكائده فقد قطع على نفسه وعداً ببذل كل ما أوتي من جهد في سبيل إغواء العباد، قال تعالى حاكياً عنه: لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف:16-17}، ولا يستطيع الشيطان مع العبد أكثر من الوسوسة، فقد جاء بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نجد في أنفسنا ما لو يكون أحدنا حممة ( فحمة) أحب إليه من أن يتكلم به فقال الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة رواه أحمد وأبو داود .(2/126)
وكل أهل دين أو ملة يدعون أن الحق معهم، ولكن الحق الذي لا مرية فيه في هذا الدين الذي ارتضاه الله لنا، قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا {المائدة:3}، وقال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85}، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 38873 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
# البرامج التنصيرية في القنوات الفضائية
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 5237)
رقم الفتوى 56322
تاريخ الفتوى : 16 شوال 1425
السؤال
سؤالي هو عبارة عن إستفسار عن كتاب دائرة المعارف الإسلامية الصادر عن الأزهر الشريف, لأني شاهدت برنامج على قناة الحياة المسيحية (التبشيرية) اسمه (أسئلة عن الإيمان) يستخدم نصوصا من هذا الكتاب كمرجع محاولة منه لإثبات (وأستغفر الله) أن القرآن متناقض في كثير من آياته وأنه ليس كلام الله وأن سيدنا محمد كذاب وأيضا كثير من الادعاءات والكذب, والمشكلة أن هذه القناة أصبحت تقريبا موجودة في معظم البيوت, ويمكن أن يشاهدها بعض الجهلة ويصدقون ما يقال فيها وخصوصا في هذا البرنامج الذي يهاجم الإسلام ويحاول إثبات أن القرآن ليس من عندالله، أرجو منكم ان تحاولوا الرد على بعض هذه الادعاءات بالحجة على الأقل على إيميل البرنامج.الذي سأحاول الحصول عليه وإرساله لكم إذا لقيت منكم تجاوبا؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فتئ النصارى بعد أن عجزوا عن تنصير المسلمين يشككونهم في دينهم، وفي عصمة نبيهم صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء {النساء:89}.
واعلم أن الأزهر لم يصدر عنه دائرة معارف، وإنما دائرة المعارف الإسلامية الموجودة أصدرتها (دار الشعب) للطباعة في مصر، ووضعها الأستاذ محمد فريد وجدي ، ولم يتمها، فالنصارى يستغلون جهل المشاهدين فيحيلونهم على مراجع وهمية اعتماداً منهم على أن المشاهدين لن ينشطوا لتتبعهم والتثبت مما يطرحونه.
هذا، وإن الآباء الذين يدخلون الفضائيات إلى بيوتهم، ويمكنون ابناءهم من متابعة البرامج التنصيرية آثمون، ومعرضون لوعيد الله، ففي صحيح الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة . وأي غش للرعية أعظم من إفساد دينها.
وقد تصدى العلماء للرد على شبهات النصارى القديمة والجديدة التي يثيرونها حول القرآن والسنة، وذلك في موقع الأزهر على الإنترنت، وإذا أردت أن تطلع على بطلان دين النصارى، فراجع الكتب التالية:
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح. لابن تيمية .
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى. لابن القيم .
إظهار الحق لرحمة الله الهندي .
محاضرات في النصرانية لمحمد أبو زهرة .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
================
#بعد موت البابا
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 4395)
عبد الله بن محمد الطوالة
جدة
مسجد عبد الوهاب عبد الواسع
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- شيوع بعض الانحرافات في قضية موت البابا. 2- حبوط عمل الكافر. 3- تحريم الترحم على الكافرين. 4- خطورة التردد في تكفير الكافر. 5- التحذير من برنامج ستار أكاديمي.
-------------------------
الخطبة الأولى
فقد اطلعت على بعض التعليقاتِ لبعضِ الكُتابِ حول هلاك كبيرِ النصرانيةِ في هذا الزمانِ، فرأيت انحرافًا خطيرًا في ثوابت الدين وأصل العقيدة، فهذا يترحمُ على موتِه، وذلك يجعل الإنسانيةَ هي الجامع بيننا وبينه، وثالثٌ يلبس فكرته بالفتاوى والآياتِ التي لا علاقة لها بالموضوع، ورابعٌ يستدلُ بالمتشابهِ ويتركُ المحكمَ ويلوي أعناقَ النصوصِ لتوافق هواهُ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ: (( مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: ((الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ)) رواه البخاري ومسلم.
وهذا الانحرافُ الخطير في ثوابتِ الدينِ والعقيدةِ يجب أن يرَدَّ عليه من نصوصِ الكتابِ والسنةِ والإجماعِ، ولا بد من بيانِ الموقفِ الشرعي من أعداءِ الملةِ من اليهودِ والنصارى وغيرهم من أصحاب الأديانِ الوثنيةِ؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيي عن بينة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَاب وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ [البقرة:161، 162]. قال الجصاصُ في تفسيره: "فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَعْنَ مَنْ مَاتَ كَافِرًا، وَأَنَّ زَوَالَ التَّكْلِيفِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ لاَ يُسْقِطُ عَنْهُ لَعْنَهُ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ؛ لأَنَّ قَوْلَهُ: وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ قَدْ اقْتَضَى أَمْرَنَا بِلَعْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ" اهـ.
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:91]، أَيْ: مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ خَيْر أَبَدًا وَلَوْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَ مِلْء الأَرْض ذَهَبًا فِيمَا يَرَاهُ قُرْبَة، كَمَا سُئِلَ النَّبِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن جدْعَان وَكَانَ يُقْرِي الضَّيْف وَيَفُكّ الْعَانِيَ وَيُطْعِم الطَّعَام: هَلْ يَنْفَعهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ((لاَ؛ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا مِنْ الدَّهْر: رَبّ اِغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين))، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)) رواهُ مسلم.
قال ابنُ كثيرٍ عند تفسيرِ الآية: وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنَ الأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِدُهُ [هود:17]: "أَيْ: وَمَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ سَائِر أَهْل الأَرْض مُشْرِكهمْ وَكَافِرهمْ وَأَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ وَمِنْ سَائِر طَوَائِف بَنِي آدَم عَلَى اِخْتِلاَف أَلْوَانهمْ وَأَشْكَالهمْ وَأَجْنَاسهمْ".
ومن الطوامِ التي ساقها بعضِهم أنهُ جعل مواقف البابا المزعومة من قضايا المسلمين مسوّغًا لذكرِ مآثرهِ وأعمالهِ، فلننظر ماذا قال اللهُ ورسولهُ عن مثل هذه الأعمالِ.(2/127)
قَالَ تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور:39]، قال القرطبي: "وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تعالى لِلْكُفَّارِ يُعَوِّلُونَ عَلَى ثَوَاب أَعْمَالهمْ، فَإِذَا قَدِمُوا عَلَى اللَّه تعالى وَجَدُوا ثَوَاب أَعْمَالهمْ مُحْبَطَة بِالْكُفْرِ، أَيْ: لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا كَمَا لَمْ يَجِد صَاحِب السَّرَاب إِلاَ أَرْضًا لاَ مَاء فِيهَا، فَهُوَ يَهْلِك أَوْ يَمُوت. قَالَ تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا [الفرقان:23]" اهـ.
وَقَالَ تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ [إبراهيم:18]، قال ابنُ كثيرٍ عند تفسيرِ هذه الآية: "هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّه تعالى لأَعْمَالِ الْكُفَّار الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْره، وَكَذَّبُوا رُسُله، وَبَنَوْا أَعْمَالهمْ عَلَى غَيْر أَسَاس صَحِيح؛ فَانْهَارَتْ وَعَدِمُوهَا أَحْوَج مَا كَانُوا إِلَيْهَا، ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ" اهـ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تعالى: "وَقَدْ اِنْعَقَدَ الإِجْمَاع عَلَى أَنَّ الْكُفَّار لاَ تَنْفَعهُمْ أَعْمَالهمْ، وَلاَ يُثَابُونَ عَلَيْهَا بِنَعِيمٍ وَلاَ تَخْفِيف عَذَاب، لَكِنَّ بَعْضهمْ أَشَدّ عَذَابًا مِنْ بَعْض بِحَسَبِ جَرَائِمهمْ" اهـ.
فالخلاصةُ أن أعمالَ البرِ التي قام بها البابا ـ كما يزعمُ البعضُ ـ أو أي كافرٍ لن تنفعهُ يومَ القيامةِ، بل ستكونُ هباءً منثورًا كما قررت الآياتُ وسنةُ المصطفى .
أما أعجب ما في الموضوع فهو أن يترحّم عليه البعضَ، بل ويفتي بذلك ويستدلُ بقولهِ تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة:7]، ويترك النصوص المحكمة الدالةَ على المنعِ من الاستغفارِ للكافرِ أو الترحمِ عليه، علمًا أنّ هَذِهِ الآيَة في حق المؤمنين فقط، قَالَ تعالى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:114]، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ: "تَعَلَّقَ النَّبِيّ فِي الاسْتِغْفَار لأَبِي طَالِب بِقَوْلِهِ تعالى: سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي [مريم:47]، فَأَخْبَرَهُ اللَّه تعالى أَنَّ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لأَبِيهِ كَانَ وَعْدًا قَبْل أَنْ يَتَبَيَّن الْكُفْر مِنْهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْكُفْر مِنْهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَسْتَغْفِر أَنْتَ لِعَمِّك ـ يَا مُحَمَّد ـ وَقَدْ شَاهَدْت مَوْته كَافِرًا؟! مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيمِ [التوبة:113].
وأما مَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى النَّبِيّ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الأَنْبِيَاء ضَرَبَهُ قَوْمه وَهُوَ يَمْسَح الدَّم عَنْ وَجْهه وَيَقُول: ((رَبّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ))، وَفِي الْبُخَارِيّ أَنَّ النَّبِيّ ذَكَرَ نَبِيًّا قَبْله شَجَّهُ قَوْمه فَجَعَلَ النَّبِيّ يُخْبِر عَنْهُ بِأَنَّهُ قَالَ: ((اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ))، فَهَذَا صَرِيح فِي الْحِكَايَة عَمَّنْ قَبْله، لاَ أَنَّهُ قَالَهُ اِبْتِدَاء عَنْ نَفْسه، فلا يعدّ دليلاً.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: (( اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ)) أخرجه مسلم. فهذا نهي صريح عَنْ الاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ".
وجاء في الموسوعةِ الفقهيةِ ما نصه: "اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ مَحْظُورٌ، بَلْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّ الاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ يَقْتَضِي كُفْرَ مَنْ فَعَلَهُ؛ لأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تعالى لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ" اهـ.
ولن يكون البابا أفضل من عم النبي ، والذي قدم للنبيّ الكثير وعرض نفسه وعشيرته للمخاطر من أجله، فحين سأله ابن عمه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما عن عمه أبي طالب وأنه كان قد نفعه بنفسه وماله قال: ((هو في ضحضاح من النار))، ومعنى هذا أن أعماله الجليلة التي نصر بها ابن أخيه لم تنفه؛ لأنه مات على الكفر. قال العلامةُ الألباني رحمه الله في أحكامِ الجنائزِ: "ومن ذلك تعلمُ خطأَ بعضِ المسلمين اليوم من الترحمِ والترضي على بعضِ الكفارِ، ويكثُرُ ذلك من بعضِ أصحابِ الجرائدِ والمجلاتِ".
وبعد هذه النصوصِ نأتي على مسألةٍ مهمةٍ لها علاقةٌ وثيقةٌ بما نحن بصددهِ، ألا وهي من لا يريدُ أن يكفّرَ أو يشكِّك في كفرِ الكافرِ كالبابا وغيره، وهذا مزلق خطيرٌ جدًا، قد يوقعُ الإنسانَ في الكفر شعر أم لم يشعر، فهذا القاضي عياض رحمهُ اللهُ ينقلُ الإجماعَ على كفرِ من لم يكفر الكافر أو شكّ في كفره، وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في الفتاوى: "فهذا كلهُ كفرٌ باطنًا وظاهرًا بإجماعِ كلِ مسلمٍ، ومن شك في كفرِ هؤلاءِ بعد معرفةِ دينِ الإسلامِ فهو كافرٌ، كمن يشكُ في كفرِ اليهودِ والنصارى والمشركين" اهـ. وهذا شيخُ الإسلام محمدُ بنُ عبد الوهابِ يعدُه من نواقضِ التوحيدِ العشرة، فيقول: "الناقض الثالث: من لم يكفرِ المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم".
فليحذر المميعون للدينِ الساعون لإرضاءِ الآخرين ولو كان ذلكِ بسخطِ رب العالمينِ أن يخسروا دينهم وهم لا يشعرون، قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103، 104].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
-------------------------
الخطبة الثانية
أما بعد: فمن مقال رائع لفضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان أنقل لكم ما يلي، قال فضيلته: "لقد اطلعت على ما نشرته بعض الصحف المحلية في الأيام الماضية فيما يتّصل باستقبال أحد الشباب السعوديين ومتابعة مشاركته في برنامج ستار أكاديمي، حيث يجتمع مجموعة من الشباب والفتيات في منزل واحد يمارسون فيه التعامل البيتي مختلطين بعضهم مع بعض، يأكلون وينامون في مكان واحد، ويمارسون الغناء والرقص وغيره، مما هو معلوم لدى كثير من الناس، وتتمّ متابعته والتصويت عليه، وقد صوت عدد من الناس لهذا الشابّ حتى نال ما نال، وكان استقباله على غرار ما نقلته بعض الصحف.(2/128)
وحيث إن تلك الأعمال مشتملة على مآخذ شرعية عديدة فقد رأيت أن الواجب عليَّ وعلى غيري من أهل العلم التنبيه إلى تلك المآخذ فأقول:
أولاً: قد صدر عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى تحرّم برنامج ستار أكاديمي وما ماثله، ورقمها 22895 في 8/2/1425هـ، أوضحوا فيها ما في ذلك البرنامج من المحاذير الشرعية من دعوة للاختلاط المحرم وإشاعة الفاحشة وإماتة الحياء، وما يجلبه ذلك من المصائب على الناس، وذلك يقتضي تحريم المشاركة فيه أو تمويله أو متابعته أو التصويت لمن شارك فيه.
ثانيًا: إن الأوطان والمجتمعات لا ترتفع ولا تعتز بأن يكون أفرادها على غرار ما يتعاطاه الشباب في ذلك البرنامج وما ماثله، والقبح يكون أشد في حقّ الفتيات، فالأوطان بحاجة إلى الشباب العامل المنتج في شتى ميادين الحياة، مع تحليهم بالأخلاق الإسلامية والشيم العربية، قال : ((إنَّ لكل دين خُلقًا، وخُلق الإسلام الحياء)).
ثالثًا: ينبغي على وسائل الإعلام الجادة والصحفيين الحريصين على شرف مهنتهم أن يترفعوا عن السفاسف، فإن الانحراف ليس له حدّ، وإذا أرادوا مجاراة الآخرين فليس لذلك منتهى؛ ولذا ينبغي أن يقدموا للناس ما ينتفعون به في دينهم ودنياهم، وقد عجبت كثيرًا من بعض الصحفيين الذين راحوا يمجدون هذه الأعمال والمشاركين فيها، وما علموا أن أخلاقيات مهنتهم تحتم عليهم تجنب هذه السقطات، بل وتلزمهم بتوعية الناس حيالها والتحذير من التأثر بها.
رابعًا: لاحظ الناس أن الشاب المشارك في هذا البرنامج وكذلك مشجعوه كانوا يحملون علم المملكة، بما فيه من كلمة التوحيد العظيمة، وهذه الكلمة ليست لتلك الميادين، فهي أنزه وأجل من هذا العبث، والنظام يمنع مثل هذا العبث؛ لأنه استخدام للعلم في غير موضعه. وينبغي أن يعلم الناس أن هذا العمل الذي قُدم في البرنامج لا يمثل المملكة ولا شعبها، وإنما هو اندفاع غير مسؤول من بعض المراهقين، كما أن هذا الشاب وغيره ممن اندفعوا نحو البرنامج المذكور لا يمثلون أسرهم الكريمة، ولكنه خروج عن آداب أسرهم وشعبهم وأخلاقهم.
خامسًا: ينبغي أن يعلم الشباب والفتيات الذين تأثروا بإيقاع البرنامج أنه تقليد لبرامج غربية، ينطلق فيها أصحابها من عاداتهم وتقاليدهم التي لا تمتّ إلى دين ولا خُلق، وإنما هي الشهوات والأهواء.
وفي هذا السياق نسجل كلمة جليلة للملك عبد العزيز رحمه الله، يقول فيها: "فهذه النزعة التي تقود الشبيبة إلى الضلال هي نزعة شيطان، وصدمة للدين وللعرب ولجميع من تمسك بالسمت ومكارم الأخلاق؛ لأنه يقول: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، فأي مسلم يعرف الإسلام وينتسب إليه ويقر ما أقره هؤلاء الغواة من لزوم الرجوع عن الدين وإبداله بما رأوه موافقًا للشهوات الدنيئة التي لا يقرها دينٌ ولا مذهب ولا يقرها أصحاب مكارم الأخلاق في الجاهلية ولا صلحاء أي ملة تعرف الشرف والعقل فهو ضال عن طريق الصواب. فلا والله، ليس هذا التمدن في شرعنا وعرفنا وعاداتنا، ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان أو إسلام أو من مروءة أن يرى زوجته أو أحدًا من عائلته أو من المنتسبين للخير في هذا الموقف المخزي، هذه طريق شائكة تدفع بالأمة إلى هوّة الدمار، ولا يقبل السير عليها إلا رجل خارج من دينه، خارج من عقله، خارج من عربيته، فالعائلة هي الركن الركين في بناء الأمم، وهي الحصن الحصين الذي يجب على كل ذي شيم أن يدافع عنها.
إني لأعجب أكبر العجب ممن يدعي النور والعلم وحبّ الرقي من هذه الشبيبة التي ترى بأعينها وتلمس بأيديها ما نوهنا به من الخطر الخلقي الحائق بغيرنا من الأمم ثم لا ترعوي عن ذلك، وتتبارى في طغيانها، وتستمر في عمل كل أمر يخالف تقاليدنا وعاداتنا الإسلامية العريقة، ولا ترجع إلى تعاليم الدين الحنيف الذي جاء به نبينا محمد رحمة وهدى لنا ولسائر البشر.
فالواجب على كل مسلم وعربي فخور بدينه معتز بعربيته أن لا يخالف مبادئه الدينية وما أمره الله تعالى بالقيام به لتدبير المعاد والمعاش والعمل على كل ما فيه الخير لبلاده ووطنه.
الرقي الحقيقي هو بصدق العزيمة والعمل الصحيح والسير على الأخلاق الكريمة والانصراف عن الرذيلة وكل ما من شأنه أن يمس الدين والسمت العربي والمروءة، وليس بالتقليد الأعمى، وأن يتبع طرائق آبائه وأجداده الذين أتوا بأعاظم الأمور باتباعهم أوامر الشريعة التي تحث على عبادة الله وحده وإخلاص النية في العمل، وأن يعرف حق المعرفة معنى ربّه ومعنى الإسلام وعظمته ومعنى ما جاء به نبينا العظيم من التعاليم القيمة التي تسعد الإنسان في الدارين، وتعلمه أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن يقوّم عائلته ويصلح من شأنها، ويتذوق ثمرة عمله الشريف، فإذا عمل هذا فقد قام بواجبه، وخدم وطنه وبلاده" انتهى كلام الملك عبد العزيز رحمه الله. من الدرر السنية.
ولأهمية هذه المسألة وما أوجبه الله من البيان على أهل العلم في قوله سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] فقد حررت ما تقدم براءة للذمة ونصحًا للأمة، وأسأله سبحانه أن يهدينا جميعًا سواء السبيل، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، وأن يحفظ علينا أمننا وإيماننا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. كتبه عبد المحسن العبيكان، عضو مجلس الشورى، ونشرته جريدة الرياض في 8/3/1426هـ.
==================
#مات البابا وبقي الإسلام
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 4538)
عبد السلام بن محمد زود
سدني
28/2/1426
مسجد السنة
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- تعريف الإسلام. 2- الإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله من أحد سواء. 3- المستقبل والعاقبة والتمكين للإسلام. 4- انتشار الإسلام في الغرب. 5- تزايد عدد المسلمين في الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر. 6- الوصية بالاجتهاد في نشر الإسلام. 7- أهداف الإعلام في الاهتمام البالغ بوفاة البابا يوحنا الثاني. 8- تأثير الإعلام في صياغة الأحداث والتأثير في عقلية القارئ والمستمع والمشاهد. 9- تحريم الصلاة والاستغفار والترحم على الكفار والمنافقين.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فقد خلق الله الناس واختار لهم الإسلام دينا، وأرسل لهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ودعاهم للإيمان به؛ ليسعدوا في الدنيا والآخرة. وقد بين وحي الله تعالى للناس كافة أن حاجتهم إلى الإسلام أشد من حاجتهم إلى الهواء والماء والطعام؛ لأنه لا نجاة للناس ولا سلامة إلا بالإسلام، فما الإسلام يا تُرى؟
الإسلام هو الدين الوحيد عند الله تعالى كما قال: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وسمى من دخلوا فيه قديما وحديثا بالمسلمين، فقال تعالى: هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا [الحج:78]، وكان الإسلام ولا زال هو دين الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.(2/129)
فالإسلام هو دين نوح عليه السلام حيث قال لقومه: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ [يونس:72]، أول رسول يقول لأهل الأرض جميعا: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. والإسلام هو دين خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67]. والإسلام هو دين ذرية إبراهيم عليه السلام: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:131، 132]. والإسلام هو دين يعقوب عليه السلام وبنيه، كما قال تعالى: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 133]. والإسلام هو دين لوط عليه السلام كما قال تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35، 36]، وهو بيت لوط عليه السلام. والإسلام هو دين موسى ومن آمن معه، كما قال تعالى: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84]. والإسلام هو دين عيسى عليه السلام ومن آمن معه، كما قال تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة:111]. والإسلام هو الدين الذي دخل فيه سحرة فرعون يوم أن شرح الله صدرهم له حيث قالوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [الأعراف:126]. والإسلام هو دين سليمان عليه السلام حيث قال: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ [النمل:42]. والإسلام هو الدين الذي لم تجد بلقيس ملكة سبأ دينا يصلح للدخول فيه غيره حيث قالت: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:44]. بل والإسلام هو دين المؤمنين من الجن، قال تعالى حكاية عنهم: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا [الجن:14]. والإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، كما قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
وما جاء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد إلا بالإسلام، كما أمره تعالى بقوله: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163]. والإسلام هو الدين الذي رضيه الله لعباده حيث قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]. والإسلام هو الدين الذي من أراد الله به خيرا شرح صدره له، كما قال تعالى: فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125]، والإسلام هو الدين الذي دعا يوسف عليه السلام ربه أن يتوفاه عليه، فقال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101]. والإسلام هو الأمنية التي يتمنى العباد جميعا ـ حتى الكفارـ أن يموتوا عليه، كما قال تعالى عن فرعون: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90]. والإسلام هو الدين الذي يتمنى الكفار يوم القيامة أن لو كانوا من أتباعه، كما قال تعالى: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ [الحجر:2]. وأبى الله تعالى أن يجعل المسلمين كالمجرمين فقال: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35، 36]. ولا أمن من فزع يوم القيامة بل ولا دخول للجنة إلا للمسلمين فقط، كما قال تعالى: يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ [الزخرف:68-70].
وأمر الله تعالى نبيه محمدا أن يعلن للناس قائلا: قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [الأنبياء:108]. وأمر رسوله محمدا أن يقول للعرب وأهل الكتاب: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20]. وليس هناك أديان سماوية كما يقول الناس، بل هناك دين واحد هو الإسلام، كما قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وإنما هناك شرائعُ ومناهج، قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48]. والإسلام هو الدين الذي أمرنا الله تعالى أن نموت عليه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، ومن مات على غير الإسلام فقد خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
إذًا فالإسلام هو دين الله تعالى الذي جاء به الأنبياء والمرسلون لشعوبهم وأقوامهم، جاء به نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وجعل الله لكل نبي شريعة ومنهاجا تختلف عن شريعة النبي الآخر، فهنيئا لمن كان مسلما وعاش مسلما ومات مسلما، هنيئا له الجنة، وويل لمن كان كافرًا وعاش كافرًا ومات على الكفر، ويل له من النار ومن غضب الجبار جل جلاله.
عباد الله، لقد حاول الكفار بجميع طوائفهم إطفاء دين الإسلام على مر العصور وما استطاعوا ذلك، ولو نظرنا في حاضر الإسلام وكيف يتقدم ويكسب في كل لحظة مواقع جديدة، وناسًا يدخلون فيه، وناسًا من أهله يعودون إلى صفائه ونقائه، وإنجازات لرجاله ودعاته في مشاريع ومؤسسات وكتب، وجماهير تحتشد لهم، وجموعًا تؤم المساجد والمناسك، وصلاحًا هنا وهناك، وتقدمًا في المواقع رغم ضعف المسلمين، لو نظرنا في ذلك لأيقنا أن الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل من أحد دينا سواه.(2/130)
ولما لم يستطيعوا إطفاء نور الإسلام حاربوا أهل الإسلام، وأبادوا منهم جماعات ومجتمعات، وأسقطوا دولا وأذهبوا أسماءً وشعارات، وبقي الإسلام شامخا؛ لأنه دين الله، والذي يريد أن يطفئ نور الإسلام مثله كمثل الفراشة التي تحاول إطفاء نور الكهرباء، يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:32، 33]، ((ولن يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا وسيدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر وأهله)) كما النبي .
وما خُلقت هذه الأمة إلا للإسلام، وما وجدت إلا للإسلام، فالإسلام هو سر بقائها، والذي يريد أن يقضي على الإسلام فليقض على هذه الأمة، وهل يستطيع أحد أن يقضي على هذه الأمة أو على دينها، هيهات ثم هيهات. فهذه الأمة موعودة بالبقاء، وليس بالبقاء فقط بل بالنصر والتمكين، ولا يزال الله عز وجل يخرج لهذه الأمة في كل مرحلة من تاريخها علماء ودعاة وقادة ومجاهدين يستعملهم في خدمة هذا الدين.
انظروا كم دفن الناس من طاغية، وكم دفن الناس من كافر محارب لله ورسوله، كم دَفنوا من زنديق، وكم دفنوا من كافر، وكم دفنوا من منافق وملحد. فرعون مضى، النمرود مضى، أبرهة مضى، أبو جهل مضى، هولاكو مضى، جنكيز خان مضى، وقرونا بين ذلك كثيرا، حتى رؤساء الكفر والضلال في هذا الزمان سيدفنهم أصحابهم، فقط صبر جميل واستعانة بالله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إخواني في الله، إن هذا الدين هو كلمة الله عز وجل، و"لا إله إلا الله" هي كلمة الإسلام، ومن ذا الذي يستطيع أن يُطفأ نور هذه الكلمة؟!
أتُطفِئ نورَ الله نفخةُ كافر…تعالى الذي في الكبرياء تفردَّا
إذا جلجلت الله أكبر فِي الوغى…تخاذلت الأصوات عن ذلك الندا
ومن خاصم الرحمن خابت جهوده…وضاعت مساعيه وأتعابه سدى
ونقول اليوم لأمريكا: لستِ أول من حارب الإسلام، بل حاربه قبلك الكثير، لكن ماذا كانت النتيجة؟! أهلك الله كل من وقف في طريق الإسلام، وأبقى الله الإسلام شامخا، وسيبقى بموعود الله ورسوله، وها هو الإسلام الآن يتململ في أوربا وأمريكا.
إخواني في الله، رغم الظروف الصعبة التي يمر بها المسلمون في كل مكان إلا أن المستقبل للإسلام، لا بد أن يعتقد المسلمون بأن المستقبل للإسلام قطعًا، كيف وقد أفلس الغرب والشرق من القيم والمفاهيم والأخلاق؟! كيف وقد صاروا في أمر مريج؟! وما الدين المرشَّح للانتشار والظهور واقتناعِ البشرية به وإتيانهم إليه؟ أليس هو الإسلام؟! أليس الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في العالم رغم ضعف المسلمين اليوم؟! فكيف في غيره من الأوقات؟!
أجل لقد أفلس الغرب في الأصول الاجتماعية التي قامت عليها حضارته، فحياة الغرب التي قامت على العلم المادي والمعرفة الأولية والكشف والاختراع وإغراق أسواق العالم بمنتجات العقول والآلات لم تستطع أن تقدم للنفس الإنسانية خيطا من النور أو بصيصا من الأمل أو شعاعا من الإيمان، ولم ترسم للأرواح القلقة أي سبيل للراحة والاطمئنان رغم كثرة الكنائس والرهبان والكرادلة، ولهذا كان طبيعيا أن يتبرم الإنسان الغربي بهذه الأوضاع المادية البحتة، وأن يحاول الترفيه عن نفسه، ولم تجد الحياة الغربية المادية ما ترفِّهُ به عنه إلا الماديات أيضا، من الآثام والشهوات والخمور والنساء والاحتفالات الصاخبة والمظاهر المغرية التي تلهيه بها حينا، ثم ازداد بها بعد ذلك جوعا على جوع، وأحس بصرخات روحه تنطلق عالية تحاول تحطيم هذا السجن المادي والانطلاق في الفضاء واسترواح نسمات الإيمان، فاهتدت في آخر الطريق إلى الإسلام فدخلت فيه، فوجدت الراحة والأمن والأمان، وسلوا كل من أسلم يخبركم عن هذه الحقيقة. ومن هنا ندرك سر إقبال الغرب على الإسلام.
بل تدبروا معي ما تخطه الأقلام الغربية، لأن كثيرا من الناس ـ وللأسف ـ لا يصدقون الوحي إلا إذا كان من أوربا وأمريكا، أوردت مجلة التايم الأمريكية الخبر التالي: "وستشرق شمس الإسلام من جديد، ولكنها في هذه المرة تعكس كل حقائق الجغرافيا، فهي لا تشرق من المشرق كالعادة، وإنما ستشرق في هذه المرة من الغرب". من قلب أوروبا تلك القارة التي بدأت المآذن فيها تناطح أبراج الكنائس في باريس ولندن ومدريد وروما، وصوتُ الأذان الذي يرتفع كل يوم في تلك البلاد خمس مرات خيرُ شاهد على أن الإسلام يكسب كل يوم أرضا جديدة وأتباعا.
أصبح للأذان من يلبيه في كل أنحاء الأرض من طوكيو حتى نيويورك، وعند نيويورك ومساجدها نتوقف، ففي أوقات الأذان الخمس ينطلق الأذان في نيويورك من مائة مئذنة، يلبي نداءَ المؤذن فيها نحو مليون مسلم، ويكفي أن تعلم ـ أخي ـ أنه قد بلغ عدد المساجد في أمريكا ـ قلب قلعة الكفر ـ ما يقرب من (2000) مسجد والحمد لله، وترتفع في بريطانيا مآذن حوالي (1000) مسجد، وتعلو سماء فرنسا وحدها مآذن (1554) مسجدا ولا تتسع للمصلين، وأما ألمانيا فتقدر المساجد وأماكن الصلاة فيها بـ(2200) مسجد ومصلى، وأما بلجيكا فيُوجد فيها نحو (300) مسجد ومصلى، ووصل عدد المساجد والمصليات في هولندا إلى ما يزيد على (400) مسجد، كما ترتفع في إيطاليا وحدها مآذن (130) مسجدًا أبرزها مسجد روما الكبير، وأما النمسا فيبلغ عدد المساجد فيها حوالي (76) مسجدا.
هذه فقط بعض الدول في أوربا الغربية، عدا أوربا الشرقية، والإقبال على الإسلام يزداد يوما بعد يوم، ومن هذه المساجد يتحرك الإسلام وينطلق في أوربا، لذلك ليس غريبا أن تشدد أوربا وأمريكا في أمر المساجد ومراقبة أهلها والتضييق في إعطاء الرخص لبنائها، ولو علمتَ ـ أخي ـ أن معظم هذه المساجد كانت كنائس فاشتراها المسلمون وحولوها إلى مساجد لعجبت.
أما جريدة السانداي تلغراف البريطانية فقالت في نهاية القرن الماضي: "إن انتشار الإسلام مع نهاية هذا القرن ـ يعني الذي مضى ـ ومطلع القرن الجديد ـ الذي نحن فيه ـ ليس له من سبب مباشر إلا أن سكان العالم من غير المسلمين بدؤوا يتطلعون إلى الإسلام، وبدؤوا يقرؤون عن الإسلام، فعرفوا من خلال اطلاعهم أن الإسلام هو الدين الوحيد الأسمى الذي يمكن أن يُتبع، وهو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية".
مجلة لودينا الفرنسية قالت بعد دراسة قام بها متخصصون: "إن مستقبل نظام العالم سيكون دينيا، وسيسود النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي؛ لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة". لِمَ لا وهو دين الله الذي أنزله للعالمين؟!
وقال رئيس شرطة المسلمين وهو ضابط أمريكي أكرمه الله بالإسلام قال: "الإسلام قوي جدًا جدًا في أمريكا، وينتشر بقوة في الشرطة الأمريكية".(2/131)
إخواني في الله، وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر ازداد في العالم الغربي الإقبال على فهم الإسلام بصورة غير متوقعة، وأصبحت نسخ القرآن الكريم المترجمة من أكثر الكتب مبيعا في الأسواق الأمريكية والأوربية حتى نفدت من المكتبات؛ لكثرة الإقبال على اقتنائها، وتسبب ذلك في دخول الكثير منهم في الإسلام، ويكفي أن تعلم أن في ألمانيا وحدها بيع خلال سنة واحدة أربعون ألف نسخة من كتاب ترجمة معاني القرآن باللغة الألمانية، كما أعادت دار نشر (لاروس) الفرنسية الشهيرة طباعة ترجمة معاني القرآن الكريم بعد نفادها من الأسواق.
وفي عام 2001م نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأميركيين يقدرون عدد الأميركيين الذين يعتنقون الإسلام سنويا بـ25 ألف شخص، وأن عدد الذين يدخلون دين الله يوميا تضاعف أربع مرات بعد أحداث 11 سبتمبر حسب تقديرات أوساط دينية. والمدهش أن أحد التقارير الأمريكية الذي نُشر قبل أربع سنوات ذكر أن عدد الداخلين في الإسلام بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر قد بلغ أكثر من ثلاثين ألف مسلم ومسلمة، وهذا ما أكده رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي حيث قال: "إن أكثر من 24 ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو أعلى مستوى تَحقق في الولايات المتحدة منذ أن دخلها الإسلام".
إخواني في الله، ونظرا لإقبال الغرب على الإسلام فقد حذر أسقف إيطالي بارز من أسلمة أوروبا. وفي مدينة بولونيا الإيطالية حذر أسقف آخر من أن الإسلام سينتصر على أوروبا إذا لم تغدُ أوروبا مسيحية مجددًا. ولم يقتصر الأمر على هؤلاء بل وصل الخوف إلى من كان يسمى بالأمس القريب بابا الفاتيكان، الذي صرخ بذعر في وثيقة التنصير الكنسي لكل المنصِّرين على وجه الأرض قائلاً: "هيّا تحركوا بسرعة لوقف الزحف الإسلامي الهائل في أنحاء أوربا". وقد قضى البابا عمره لاهثًا وراء حلم توحيد جميع كنائس العالم تحت الكنيسة الأم بالفاتيكان لمواجهة الزحف الإسلامي فما استطاع.
ونحن نقول للمسلمين ولأبنائنا المسلمين: إن المستقبل للإسلام، وبوادر الفتح الإسلامي لأوربا بات وشيكا، وتدبروا معي هذا الحديث الذي يسكب الأمل في قلوب الأمة سكبًا، فعن عبد الله بن عمرو قال: سئل النبي : أي المدينتين تفتح أولا: قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله : ((مدينة هرقل تفتح أولاً))، يعني قسطنطينية. رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.
وفي هذه الأيام التي تغرقنا فيها وسائل الإعلام بالحديث عن بابا الفاتيكان وموته نرى في الجانب الآخر أعدادا لا يعلمها إلا الله يدخلون في دين الله أفواجا، وهذا التوجه الهائل نحو الدين الإسلامي هو ما يخيف الحكومات الغربية، ويجعلها تزداد خوفا وحقدا على الإسلام وأهله، ومحاولة وقف هذا الزحف الإسلامي بشتى الوسائل، بالحروب العسكرية تارة، وبالغزو الفكري تارة أخرى.
أجل، إن الإعلام لا يريكم إلا ما يرى، بينما عندما يلقي داعية مسلما محاضرة عن الإسلام في قلب أمريكا كما فعل ذلك الداعية الإسلامي الأمريكي الذي كان قسيسا سابقا والمعروف بـ(يوسف إستس) ألقى محاضرة عن الإسلام، وفي نهاية المحاضرة أعلن جميع من في القاعة وعددهم 135 شخصًا أمريكيًا أعلنوا الشهادة بصوت واحد، فسبحان الله، أين وسائل الإعلام عن هذه المشاهد التي تهتز لها القلوب؟!
فهيا أيها المسلمون في كل مكان، تحركوا بكل ما تملكون من وسائل وإمكانيات، وبينوا صورة الإسلام المشرقة، فالإسلام الآن متَّهم في الغرب بالإرهاب والتطرف شئنا أم أبينا، فإن كنت ـ أخي ـ تعرف زميلاً لك في أي مكان فأرسل إليه رسالة، أو أهدِه كتابا أو شريطا عن الإسلام، وافعل ذلك مع جيرانك وزملائك في العمل، المهم أن تبذل شيئا للإسلام، وأنت سفيرُ الإسلام في هذه البلاد شئت أم أبيت، فهيا تحرك لخدمة دين الله تعالى، واعلم أن الكون لا يتحكم فيه الأمريكان ولا الفاتيكان، ولا يدير دفته الأوربيون، بل إن الذي يدبر أمر الكون هو ملك الملوك سبحانه وتعالى. وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
تعلمون ـ إخواني ـ أن للإعلام تأثيرا كبيرا في صياغة الأحداث والتأثير في عقلية القارئ والمستمع والمشاهد وتوجيه الرأي العام حول ما يريد، بل وإقناعه بما يريد، إلا أن الأمر ليس بالضرورة كما تصوره وسائل الإعلام، فهي في غالب الأحيان تَذْكُرُ الجزء الذي يناسبها ويخدم مصالحها من القضية الكلية، وتتغاضي عمدا عن جوانب أخرى مهمة من الحدث نفسه.
ولا أشك أنكم قرأتم وسمعتم وشاهدتم شيئا مما تناقلته وسائل الإعلام في حدث وفاة يوحنا بولس الثاني زعيم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالفاتيكان، حيث صوره الإعلام أنه الزعيم الروحي للبشرية جمعاء، ويحظى بإجماع دولي على زعامة العالم، في حين أنه لا يتعدى كونه زعيم واحدة من الكنائس النصرانية التي لا تحظى بالقبول من طرف كنائس أخرى تنتمي إلى نفس الديانة.
وإن المتابع لوسائل الإعلام في هذه الأيام يرى أنها عظَّمت الرجل كثيرا، وأكثرت من ذكر أعماله الإنسانية والتنصيرية، حتى صورته أنه رسول السلام الوحيد في هذا العصر، الحريص على أمن الشعوب في العالم، ناسين أو متجاهلين الحروب الصليبية الدموية قديما وحديثا ضد المسلمين وغير المسلمين من الديانات الأخرى.
أقول: إن وراء هذه الحملة الإعلامية القوية حملة تنصيرية عالمية ودعوة خاصة للنصارى بكافة طوائفهم أن يعودوا إلى الكنيسة، ويحيوا دورها من جديد، بعد أن هجروها وباعوا بعضها بالمزاد، وما كان مسجدُنا هذا ـ أعني مسجد الأزهر هنا ـ إلا كنيسة باعوها بعد أن أصبحت خاوية على عروشها من المصلين، وهكذا حال معظم مساجد المسلمين في الغرب، كانت كنائس فحوّلها المسلمون إلى مساجد.
أقول: إن الاهتمام العالمي الزائد بالرجل وحضورَ رؤساء العالم اليوم للمشاركة في تشييعه إنما هو ثمرة تقطفها النصرانية التي باتت مهددة بالانحسار خاصة في أوربا، وذلك من جراء الزحف الإسلامي إلى قلبها كما سمعتم، حيث يتخذ الإسلام فيها مواقع جديدة كل يوم من خلال دخول أهلها في الإسلام، كما صرَّح بذلك البابا نفسه عندما صرخ بالمنصّرين أن يهبوا للوقوف في وجه الزحف الإسلامي داخل أوربا. وهذا إن دل فإنما يدل على قوة الإسلام وتقدمه، وقد استولى على الأخبار العالمية اليوم، فما من نشرة أخبار عالمية إلا وأخبار المسلمين تتصدرها أو تكون ضمنها، ولم يعد للنصرانية في السنوات الأخيرة ذكر في الأخبار العالمية، سوى فضائح الرهبان من اللواط والاغتصاب، فجاءهم حدث وفاة البابا فرصة ذهبية ليبشروا بالنصرانية التي قضى حياته في الدعوة إليها، كم من مسلم فقير في أدغال إفريقيا نصَّره، وكم من مسلم فقير عديم في آسيا نصَّره ومن دين الإسلام أخرجه، ثم بعد ذلك يحزن البعض من المسلمين على وفاته، بل ويترحمون عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اعلموا ـ إخواني ـ أن أبناءنا هم رأس مالنا في هذه الحياة الدنيا، وهم أكبادنا تمشي على الأرض، ودينهم أغلى علينا من كل شيء، فإن خسرنا دينهم فقد خسرنا كل شيء، وإن ربحنا دينهم فقد ربحنا كل شيء.(2/132)
نقول لإخواننا وأبنائنا: من مات على الإسلام فمصيره إلى الجنة بإذن الله تعالى خالدا فيها أبدا، ومن مات على الكفر بالله فمصيره إلى النار والعياذ بالله تعالى كائنا من كان، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ [البقرة:161، 162]، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال: ((والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)). نقول هذا لننظف أذهان إخواننا وأبنائنا مما سمعوه طيلة هذه الأيام من أخبار عن الرجل وديانته النصرانية وكنيسته الكاثوليكية، وما سمعوه على الفضائيات من جواز الترحم عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اعلموا ـ إخواني ـ أنه تحرم الصلاة والاستغفار والترحم على الكفار والمنافقين لقول الله تبارك وتعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84]، ولقوله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113]، قال النووي في المجموع (5/144، 258): "الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة حرام بنص القرآن والإجماع".
سبحان الله! كيف يجوز الترحم على رجل ظل طيلة حياته وهو يدعو الناس إلى الكفر بالله والشرك بالله تعالى وإقناعهم بأن عيسى هو ابن الله تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وأنه قتل وصلب فداء للبشرية، والله تعالى يقول: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ [المؤمنون:91]، ويقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]؟! كيف نترحم أو نحزن على رجل كان سببًا في تنصير كثير من فقراء المسلمين في أدغال آسيا وإفريقيا؟! لِم الحزن على رجل اعتذر لليهود عن الهوليكوست (محارق اليهود) ولم يعتذر للمسلمين عما لحق بهم من جرائم قديمًا وحديثًا بدءا من محاكم التفتيش النصرانية، ومرورا بالحروب الصليبية، ووصولا إلى الإبادة الجماعية لمسلمي البوسنة والهرسك وكل ذلك باسم الصليب؟!
إن حروب العصر سواء كانت في البوسنة والهرسك أو في أفغانستان أو في العراق قد أوقد نارها شرذمة من المتطرفين النصارى الذين يكنّون العداء للمسلمين، وما تصريحات بوش عند غزو العراق إلا دليلا على ذلك، حيث أكد أن الحرب حرب صليبية، ويومها لم نسمع أي تعليق من البابا يستنكر فيه هذا الأمر الخطير أو يردُّ عليه، وصدق الله العظيم: قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118]. اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، واحشرنا مسلمين مع سيد الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
=============
#وفاة البابا صانع مجد الكاثوليكيّة في العصر الحديث
د. بدران بن الحسن 1/3/1426
10/04/2005
لقد توفي البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان بعد رحلة طويلة مع المرض. أما الهالة الإعلامية التي أُقيمت على وفاته فهي جد مثيرة، وغير مسبوقة في تاريخ الرموز الدينية المسيحية. وفي الحقيقة لقد هالني هذا الاهتمام المنقطع النظير بوفاة هذا الرجل، وخاصة بكاء المسلمين عليه، وبالأخص معظم القنوات العربية التي اهتمت بموته بطريقة لا تصدق.
فمن هو البابا يوحنا بولس الثاني؟ وما هي أهم إنجازاته؟ ولماذا هذا الاهتمام العالمي به؟
من هو يوحنا بولس الثاني؟
البابا يوحنا بولس الثاني، بولندي الجنسية واسمه الحقيقي "كارول جوزيف فوتيلا" ولد في 18 أيار عام 1920 في بولندا لأب كان يعمل موظفاً في الجيش البولندي. وقد تدرج في السلم الكنسي من راعي إلى أسقف إلى كاردينال إلى أن اختير للمنصب البابوي، ورئيساً للكنيسة الكاثوليكية في عام 1978 ليكون أصغر من تولّوْا هذا المنصب في القرن العشرين. ومضى البابا ليصبح أحد أكثر الوجوه المألوفة في العالم. وقد كان يبلغ من العمر آنذاك (58) عاماً، وهو البابا رقم (265) في تاريخ باباوات الكنيسة الكاثوليكية، كما يُعتبر أول بابا غير إيطالي يتقلد هذا المنصب منذ (465) عاماً. وقد وصل يوحنا بولس الثاني إلى "الكرسي البابوي" بطريقة دراماتيكيّة أثارت العديد من الشبهات حوله، وحول القوى الداعمة له، فقد خلف يوحنا بولس الأوّل الذي لم يبق في منصبه سوى (33) يوماً؛ إذ قيل: إنه سُمّم لأنّه لم يكن مناسباً للمرحلة الخطيرة في ذلك الوقت على الصعيد العالمي، وتمهيداً لقدوم بولس الثاني الذي قيل أيضاً: إنه في حقيقة الأمر من أصول يهودية، وإنه بدّل دينه عند انتقاله من تشيكيا وهي بلده الأصلي إلى بولندا كما فعل بعض اليهود آنذاك خوفاً من بطش النازيين كما يدّعون، وخاصة من شاهد الحصة التي أنجزتها القناة التلفزيونية الأمريكية (CNN) يوم وفاته، وذلك الحوار مع أصدقاء طفولته اليهود الذين شهدوا بقربه منهم ومحبتهم له ومعرفتهم بحقيقة شخصيته. بل إن المتأمل في مسيرته يرى من وراء ذلك مختلف المخططات الأمريكيّة الأوروبيّة التي دعمت وصوله آنذاك، ومختلف مخابر صناعة الزعماء كيف سهرت على تلميع صورته وإبرازه زعيماً دينياً متسامحاً مع الجميع، وممثلاً ليسوع المسيح (بزعمهم)، وتجدّدت الشبهات حول اختياره مرة أخرى عندما أصبح البطل الأهم في إسقاط الشيوعية في بلده بولندا، ومرة أخرى عندما قدّم الفاتيكان اعترافاً دبلوماسياً رسمياً بدولة إسرائيل، وثالثاً عندما ذهب لحائط المبكى واعتذر لليهود عمّا قام به أسلافه في حقهم. وبغض النظر عن صدقية القول: إنه من أصل يهودي، فإن ما يهمنا هنا هو هذه الشخصية المثيرة في التاريخ المسيحي المعاصر، وتاريخ العالم المعاصر ككل، وأهم ما قام به.(2/133)
لقد كان من أذكى الباباوات في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الممتد 2000 سنة، ومن أكثرهم جرأة على ممارسة نفوذه بقوة شخصية فريدة من نوعها، كما أنه من أكثر الباباوات ممارسة للعمل السياسي والاجتماعي، وأكثرهم حضوراً في عالم ما بعد الثورة الفرنسية التي غيّرت وجه أوروبا إلى ما يسمى بالعلمانية وانحصار الكنيسة في أداء دورها التعبدي الشعائري. فقد أخرج الكنيسة من جمودها، ودفع بها إلى ممارسة دورها الاجتماعي في توفير الإيمان والدعم الأخلاقي في وجه الماديّة المهيمنة على العالم اليوم، مما استعاد للكنيسة الكاثوليكية خصوصاً، والنصرانية عموماً حيويّتها، وخاصة في أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وأفريقيا. وشملت جولاته البابوية الطويلة أكثر من (120) بلداً، وأحرز لنفسه سمعة دولية كداعية للسلام. وفي عام 2000 قام البابا بخطوة ذكية لها دلالاتها الدينية والحضارية والسياسية بزيارة للمشرق العربي (الشرق الأوسط كما يُقال في الإعلام الغربي والعربي التابع) للاحتفال بذكرى الألفية الثانية، واقتفاء لخُطا القديس بولس، شملت الناصرة في فلسطين ونُصب ضحايا المحرقة النازية في إسرائيل، ودير القديسة (سانت كاترين) في سيناء بمصر. واشتهر البابا بدعوته المستمرة للحوار بين الاديان، وتعزيز التفاهم بينها. ولذلك فيمكن القول: إنه قام بدور لا يعادله دور أي شخصية دينية خلال القرن العشرين الماضي في العالم الغربي.
دوره في هدم المعسكر الشيوعي:
قام البابا بأداء دور محوريّ تاريخيّ في هزيمة الشيوعية بشكل سلمي عام 1989، وذلك في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، ونهاية الحرب الباردة التي أدت إلى إعادة التوحيد التاريخي لأوروبا في أيار (مايو) 2004 الماضي عندما انضمت بولندا وثماني دول شيوعية سابقة إلى الاتحاد الأوروبي.
فقد تمكن الفاتيكان عبر البابا من لعب دور أساسي في القضاء على الشيوعية وانهيار الكتلة الشيوعية في أوروبا الشرقية، وقد قاد بنفسه الحملة لإسقاط النظام الشيوعي، ليس في موطنه بولندا فحسب، بل وفي معظم دول ما كان يعرف بالكتلة الشرقية. وهذا مما كثف من النشاط السياسي المباشر للفاتيكان مما يخالف الأعراف العلمانية الغربية كما يدّعون، وهذا أيضاً ما يؤكد أن العلمانية التي في الغرب ليست ضد الدين وإنما علمانية ضد الكهنوت والتسلّط الكنسي، لكنا إذا وجدت في الكنيسة سنداً لتحقيق مقولاتها فإنها سرعان ما تفتح البابا للدين لقيادة بل وصياغة مفردات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وهذا ما نلاحظه من نشاط للفاتيكان خصوصاً في حماية القيم الأخلاقية في مواجهة ثقافة الشذوذ والإباحيّة، وفي مشاركة الفاتيكان في إسقاط النظام الشيوعي المخالف لسنن الفطرة.
أما العلمانية التي صدّرها لنا الغرب فهي علمانية تسلّطية جاهلة متخلّفة ومتحكمة في مصائر الشعوب، ولا تعي دورها سواء في إطار نسختها الغربية التي جاءتنا بها، أو في إطاراتها المختلفة بعد إدخال كثير من المسميّات عليها مثل: الديمقراطية المحليّة، والإصلاح السياسي، أو الحكم الرشيد، أو حرية العقيدة وغيرها.
وفي سياق الدور الذي قام به يوحنا بولس الثاني في هدم الكيان الشيوعي، فإن كثيراً من الدراسات تشير إلى الخلفية التي أتى منها وهي خلفية بولندية ذات بيئة يهودية، ولذلك فإما أن أصوله يهودية، أو ذات صلة وصداقة باليهود، وهذا ما عجل بوفاة سلفه بطريقة غامضة؛ لأن يوحنا بولس الأول -كما يُقال- كان لا يتلاءم مع المشاريع المناهضة للشيوعية لكونه مناصراً للفقراء والمزارعين والفلاحين ومتمسكاً في موقف الكنيسة الصلب من اليهود.
ولذلك فإن المصالح العليا للغرب اقتضت خرق عُرف دام قرابة خمسة قرون وتنصيب بابا غير إيطالي، خاصّة وأن هذا البابا يرجع إليه الفضل في إعادة العلاقات الدبلوماسية للفاتيكان مع الولايات المتحدة عام 1984 في عهد الرئيس اليميني المسيحي الأمريكي رونالد ريغان.
وبدأ دور البابا في خلخلة الاتحاد السوفيتي منذ استلامه منصبه ففي 2 يونيو 1979 بعد ثمانية اشهر فقط من انتخابه واعتلائه الكرسي البابوي. عاد يوحنا بولس الثاني إلى موطنه الأصلي بولندا (مقر حلف وارسو) لمدة تسعة أيام لزيارة كانت بداية انهيار الاتحاد السوفيتي من خلال دعمه لاتحاد نقابات العمال المستقلة (تضامن) في بولندا حيث ساعدها على الوصول للسلطة لتصبح أول حكومة حرة في الكتلة الشرقية، ومن خلال مطالبته القوية بحرية العقيدة والممارسة الدينية في دول العالم الشيوعي وبخاصة في وطنه.
وكان ممّا قاله في الجموع المحتشدة هناك: "إن المسيح يحارب الشيوعية، لا تكونوا اشتراكيين، نفهم من الكاهن الأكبر، نريد الله في مدارسنا، نريد الله في منازلنا.."، وكان البابا قد أصدر قبل عام ونيّف كتاباً بعنوان (الذاكرة والهوية) قال فيه: إن الشيوعية كانت "شراً لابد منه، وإن هذا الشر المستطير كان يبتلعنا".
والكل يتذكر كيف توالت الانهيارات التي شهدها المعسكر الشرقي ابتداء من بولندا وانتهاء بيوغسلافيا، وكيف استعادت المسيحية دورها من جديد، وكيف انضم نصارى أوروبا الشرقية إلى إخوانهم نصارى أوربا الغربية تحت لواء أوروبا الموحدة، وكيف يتم التأكيد مرة بعد أخرى على أن المسيحية هي الدين المهيمن في أوربا الموحدة، وكيف يعارض كثير من ساسة أوروبا انضمام تركيا؛ لأنها ليست مسيحية، وهو ما يشكل إدخال عنصر غريب في الجسم المسيحي الأوروبي، كما يؤكد ذلك رجالات الكنيسة وكثير من ساسة أوروبا من أصحاب القرار.
تبرئة يهود من دم المسح، وتعاطف مع إسرائيل
أما فيما يتعلق باليهود فإن يوحنا بولس الثاني ما كاد يقضي الثلاث سنوات في منصبه حتى أعلن في عام 1982 الاعتراف بدولة إسرائيل من باب الحق الديني. ثمّ قام البابا بتغيير جذري في مفاهيم الكنيسة يتناسب مع التطورات والتغييرات التي قام بها منذ اعتلائه كرسي الفاتيكان، فأصدر الفاتيكان عام 1985 وثيقة حول "العلاقات الكاثوليكية اليهودية"، وحثّت الوثيقة جميع الكاثوليك في العالم على استئصال رواسب العداء للسامية وذكّرتهم أن المسيح عبراني أيضاً، ولذلك يجب تفهّم تمسّك اليهود بأرض أجدادهم.
واستمر هذا التغيير الدراماتيكي في موقف الكنيسة من اليهود إلى أن حصلت خطوة أخرى تؤكد الصلة الوثيقة بين ماضيه المتصل باليهود وقراراته المناصرة لهم وللصهيونية، وبين التساؤلات المثارة حول من دفع به إلى زعامة الفاتيكان، فقام في عام 1986 بزيارة كنيس يهودي في روما ليكون بذلك أوّل بابا في تاريخ الباباوية يزور كنيسا يهوديا، ثمّ قدم اعتذاراً خطّياً وشفهياً عما يسمى "بالهولوكست اليهودي" عبر الوثيقة الصادرة عن الفاتيكان في 16/3/1998، وجاء فيها: "عندما طردت النازية من أراضيها جموع اليهود ووحشية الحركات العنيفة التي أصابت أناساً عُزَّلا من السلاح، كل هذا كان يجب أن يحرك الشك بما هو أسوأ، هل قدم النصارى كل مساعدة ممكنة للمطاردين وبخاصة اليهود؟ لا نستطيع أن نعرف كم عدد النصارى في الدول التي احتلتها أو حكمتها القوى النازية أو حلفاؤها، احتجوا بغضب على فقدان جيرانهم اليهود، ولم يكونوا شجعاناً بما فيه الكفاية لسماع أصواتهم المعارضة، وللنصارى أقول: إن هذا الحمل الثقيل الجاثم على ضمائرهم بخصوص إخوانهم وأخواتهم خلال الحرب العالمية الأخيرة يجب أن يكون مدعاة للندم".(2/134)
وفي الحقيقة فإن هذا يعتبر تواصلاً مع ما أصدره الفاتيكان سنة 1965، من وثيقة "تبرئة اليهود من دم المسيح" بعد ضغوط كبيرة من اليهود والصهيونية العالمية التي ضغطت بشكل كبير على الكنيسة بمساعدة الولايات المتّحدة وأوروبا، خاصّة فيما يتعلّق باتّهام الكنيسة بالتواطؤ مع النازية التي افتعلت "الهولوكوست" كما يدّعون. وقد كان يوحنا بولس الثاني أحد أهم الذين صاغوا تلك الوثيقة ويعتبر من مهندسيها.
وفي سنة 1991 صرح يوحنا بولس الثاني بأنه يصلّي من أجل أن يحيا "إخوتنا اليهود" بسلام في أرضهم. ثم في كانون أول من عام 1993 وقّع الفاتيكان وثيقة تبادل دبلوماسي مع دولة إسرائيل، وفي نهاية عام 1997 قدم البابا يوحنا بولس الثاني وثيقة بعنوان (نحن نتذكر) لمناقشة وتعديل النصوص في العهد الجديد التي تحمّل اليهود مسؤولية صلب المسيح وقصة تلاميذ المسيح بصفة خاصة، وكان يشير إلى مثل النص الإنجيلي القائل لليهود على لسان المسيح عليه السلام: "أيها الشعب الغليظ الرقبة، يا أولاد الأفاعي، يا أبناء الشيطان، أنتم لستم من أبناء إبراهيم، أنتم أبناء الشيطان" إلى أنه معاداة للسامية، فعمد إلى طمسه.
خاتمة: من بابا جدار برلين إلى بابا ما بعد 11/9
هذان أهم إنجازين حققهما البابا يوحنا بولس الثاني طيلة تربّعه على الكرسي البابوي للكنيسة الكاثوليكيّة، غير أن هذا لا ينسينا ما قام بإنجازه على مستوى توحيد الكاثوليك في العالم بطريقة لم يسبق لها مثيل، واسترجع دور الكنيسة ومكانتها، كما أنه عمل على الاعتراف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه بأنه نبي، وأن القرآن موحى إليه وليس من تأليفه، بعدما كان النصارى يرون النبي -صلى الله عليه وسلم- مهرطقاً في كتبهم الكنسيّة على مدار التاريخ، ابتداء من يوحنا الدمشقي إلى جيري فالويل الأمريكي الذي يقود التيار المسيحي المتصهين اليوم.
كما أنه ساهم في نشر المسيحية في العالم الاسلامي والعالم أجمع بطريقة رهيبة من خلال شعار المحبة والتسامح، وهذه أخطر الإستراتيجيات التي رسمها الفاتيكان ويوحنا بولس الثاني على رأسه.
بقي أن نقول في الأخير: إن الغرب يعرف كيف يصنع زعاماته وينيط بها أدواراً تاريخية من أجل تحقيق أهدافه الحضارية دينية كانت أم سياسية أم اجتماعية أم ثقافية. ولذلك فإنهم الآن يحضّرون لبابا جديد يتلاءم مع ما بعد 11سبتمبر والملفات الشائكة التي أفرزتها التغيرات الكبرى التي حدثت بعد سقوط المعسكر الشرقي، وتوحّد أوروبا، والحرب على الإرهاب، والصراع على القدس، والحفاظ على هوية أوروبا المسيحيّة وتضمينها الدستور الأوروبي، والحوار بين الأديان، وخاصة مع الإسلام والمسلمين، واليمين المسيحي المتصهين (البروتستانتي الإنجيلي خاصة)
=============
#نص محاضرة البابا بنديكت التي أثارت غضب المسلمين
...
16/9/2006
بابا الفاتيكان عقب إلقائه محاضرة بجامعة بون يوم 12 سبتمبر 2006
فيما يلي نص المحاضرة التي ألقاها البابا بنديكت السادس عشر بقاعة المحاضرات بجامعة بون في 12 سبتمبر 2006 تحت عنوان "العقل والإيمان في التقاليد المسيحية والحاضر المسيحي"، والتي أثارت آراؤه بها عن الإسلام ردود فعل غاضبة في العالم الإسلامي، حيث أشار فيها -على لسان إمبراطور بيزنطي- إلى أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جاء بأشياء كلها شريرة، وأن انتشار الدين بالسيف مناقض لطبيعة الله، وهو ما وجد ردودا احتجاجية عنيفة من المسلمين في أنحاء العالم.
وفيما يلي نص هذه المحاضرة*: ـ
"إن اللقاء بين الإيمان الإنجيلي والفلسفة الإغريقية كان على قدر كبير من الأهمية ليس من جهة موقف تاريخ الأديان، بل ومن جهة التاريخ العالمي".
... تذكرت ذلك العهد (بالتدريس والنقاش) بين الزملاء قبل فترة، عندما كنت أقرأ نشرة البروفسور (عادل) تيودور خوري (من جامعة مونستر) لقسم من حوار (ربما جرى عام 1391 في الثكنات العسكرية الشتوية على مقربة من أنقرة) بين الإمبراطور (البيزنطي) العالم مانويل الثاني باليولوغوس، ومثقف فارسي (مسلم) في موضوع المسيحية والإسلام، والحقيقة المتضمنة في كل منهما. وربما كان الإمبراطور نفسه هو الذي سجل ذلك الحوار خلال حصار القسطنطينية بين العامين 1394 و1402، وهذا ربما يعلل سبب ذكر حججه بالتفصيل، دونما اهتمام لافت بإجابات العالم الفارسي. والحوار يتوسع إلى ما وراء حدود البنى العقدية في الإنجيل والقرآن، ليركز بخاصة على صورة الله والإنسان، راجعا عندما يكون ذلك ضروريا، إلى العلائق بين "الشرائع الثلاث": العهد القديم والعهد الجديد والقرآن.
في هذه المحاضرة أريد أن أناقش نقطة واحدة ـ ربما كانت هامشية في الحوار المذكور نفسه ـ هي سياقات علاقة "الإيمان والعقل" وقد وجدت أنه من الممكن أن يكون ذلك السياق الحواري مفيدا في تأملاتي حول المسألة.
في المحادثة السابعة (من الجدال...) والتي نشرها البروفسور خوري، يعالج الإمبراطور موضوع الجهاد (الحرب المقدسة). ومن المؤكد أن الإمبراطور كان يعرف الآية القرآنية (2:256) والتي تقرر أنه "لا إكراه في الدين". وسورة البقرة هذه إحدى السور القرآنية المبكرة، عندما كان (النبي) محمد ما يزال بدون قوة ونفوذ، وواقعا تحت التهديد، لكن من الطبيعي أن يكون الإمبراطور عارفا بالتعاليم الإسلامية التي تطورت فيما بعد وسجلها القرآن، بشأن الحرب... وبدون مقدمات تفصيلية حول الفروق في التعامل مع "أهل الكتاب" والآخرين "المشركين"، يلتفت الإمبراطور إلى محاوره بشكل مفاجئ وقاس طارحا السؤال الأساسي في العلاقة بين الدين والعنف بشكل عام؛ يقول الإمبراطور: "أرني ما هو الجديد الذي أتى به محمد، وسوف تجد أشياء كلها شريرة وغير إنسانية، من مثل أمره بنشر الدين بالسيف".
ثم يمضي الإمبراطور شارحا بالتفصيل الأسباب التي تجعل من نشر الإيمان بالعنف تصرفا غير عقلاني، لا يتفق العنف مع الطبيعة الإلهية، ولا مع طبيعة الروح: "لا يحب الله سفك الدم، والتصرف غير العقلاني مُناقض لطبيعة الله". فالإيمان يبزغ من الروح وليس من الجسد، بيد أن الذين يريدون نشر الإيمان، "يحتاجون إلى قدرة على الحديث الجيد، والتأمل بعقل، وبدون عنف وتهديدات... ومن أجل إقناع روح عاقلة، لا يحتاج المرء إلى ذراع قوية، ولا إلى سلاح من أي نوع، كما لا يحتاج إلى تهديد أي شخص بالموت...".
إن الحجة البارزة في هذا الجدال ضد الإرغام على الإيمان أن الداعية الذي يتصرف بخلاف العقل، إنما يتصرف بخلاف طبيعة الله. ويلاحظ البروفسور خوري معلقا: بالنسبة للإمبراطور البيزنطي ذي الثقافة الفلسفية الإغريقية؛ فإن هذا الأمر بديهي. أما في تعاليم الإسلام فإن الله سبحانه متعال علوا مطلقا، كما أن إرادته ليست مقيدة أو متعلقة بأي مبدأ آخر بما في ذلك مقاييس العقل نفسه. وهنا عاد خوري للاقتباس من دارس فرنسي معروف للإسلاميات هو روجيه أرنالديز ذكر عن ابن حزم (الأندلسي) أن الأخير ذهب بعيدا في (تنزيه) الله إلى حدود القول إن الله سبحانه ليس مقيدا حتى بكلمته (أي بوعده ووعيده)، وليس هناك ما يوجب عليه حتى إنزال الوحي وإرسال النبيين، وهو عز وجل إن شاء، وبمقتضى هذا الفهم، فقد تكون عبادة الأوثان داخلة ضمن المشيئة الإلهية.(2/135)
إن التحدي الذي واجه اللاهوتيين القدامى، وهو ما يزال يواجهنا حتى اليوم: هل الاعتقاد بأن العمل غير العقلاني يناقض طبيعة الله هو مجرد فكرة إغريقية أو أنها حقا وواقعا صحيحة دائما، وأنا أرى أنه في هذه المسألة بالذات يمكن الوصول إلى وجود تناغم بين القناعة الإغريقية والفهم الإنجيلي للإيمان بالله. وإذا عدنا إلى الجملة الأولى في سفر التكوين بحسب يوحنا نجد (في البدء كانت الكلمة "اللوغوس"، وكان الكلمة الله): فالله يعمل باللوغوس واللوغوس يعني العقل والكلمة.. وهو العقل القادر على التواصل، التواصل بذاته باعتباره عقلا. وهكذا فان يوحنا قال القول النهائي في الفهم الإنجيلي لله، وفي هذه المقولة تتلاقى كل خيوط وخطوط الإيمان الإنجيلي.
يقول يوحنا الرسول أنه في البدء كان اللوغوس، واللوغوس هو الله، وهذا اللقاء بين الرسالة الإنجيلية والفكر الإغريقي ما حدث بالمصادفة. ففي رؤيا بولس الرسول بعد أن وجد طرق آسيا مسدودة، أن إنسانا مقدونيا أتاه في المنام وقال له: "تعال إلى مقدونيا وساعدنا"!
وقد عنت تلك الرؤيا أن هناك ضرورة للتقارب بين الإيمان الإنجيلي والتساؤل الإغريقي. وفي الواقع فإن ذلك التقارب كان جاريا منذ بعض الوقت، فاسم الله، الذي تجلى من شجرة العليق المشتعلة، يفترق عن سائر التأليهات الأخرى مهما اختلفت أساميها. إنه هو، هكذا ببساطة.
وهذا تحد لمصطلح الميث (الأسطورة) الذي حاول سقراط اختراقه، والتسامي فوقه في قياس مقارب. وفي العهد القديم اكتملت العملية التي بدأت في العليقة المشتعلة، خلال السبي، الذي عنى تجردا عن الأرض والمعبودات، حيث هو الله رب السموات والأرض: أنا الله، وهذا الفهم الجديد الخالص لله ترافق مع قدر من التنوير، الذي وجد تعبيره الخاص والقوي بالتبرؤ من الآلهة الأخرى، التي هي من صناعة البشر... وقد حدث بذلك التلاقي النهائي بين إله الإنجيل، والفكر الإغريقي الراقي؛ فكان ذلك الإثراء المتبادل في أدب الحكمة المتأخر...
(ويفضل البابا هنا في حيثيات اللقاء بل والتطابق في الترجمة الإسكندرانية للعهد القديم إلى الإغريقية).. وصولا للإمبراطور مانويل الثاني وجدلياته، والذي صار قادرا على القول: إن لم تعمل بحسب "اللوغوس" فإن ذلك مخالف لطبيعة الله (عز وجل).
إن الذي أريد تقريره بكل أمانة هنا أننا نجد اتجاهات في لاهوت العصور الوسطى تتنكر لهذا الامتزاج أو التلاقي بين الروح الإغريقي والروح المسيحي. فبخلاف العقلانية التي عرفها أوغسطين وتوماس، ظهر أناس مثل دونز سكوتوس ينصرون إرادوية تقول إننا لا نستطيع معرفة الله إلا بالإدراك المباشر أو الغريزة. ذلك أن حرية الله تقع فيما وراء أو فوق ذلك، حيث قد تكون أفعال الله مناقضة لكل ما سبق أن فعله! وهذا التوجه يبلغ آفاقا تشبه تلك التي تحدث عنها أو تصورها ابن حزم (يسميه البابا دائما خلال محاضرته: ابن حزن)، وهي صورة تجيز على الله سبحانه أن يفعل ما قد لا يتفق والخير والحقيقة. فتعالي الله وغيريته المطلقة هما من السموق، بحيث إن عقلنا أو إدراكنا للحق أو للخير لا يعودان مرآة لله، الذي يبقى جل وعلا غير مدرك خلف غاياته الفعلية. وبخلاف ذلك، فإن إيمان الكنيسة ظل يؤكد دائما أنه بين الله والإنسان بين الخالق الأبدي وعقلنا المخلوق، هناك دائما قياس حقيقي. وبحسب هذا التوجه فإن الاختلاف أو اللااشتراك يبقى قائما، ولكن ليس إلى حدود إلغاء القياس ولغته. إن الله سبحانه لا يصير مقدسا أكثر، إذا أبعدناه عنا في إرادوية مفرطة.
فالله هو الوجود الذي يفصح عن نفسه باعتباره لوغوس وهو باعتباره كذلك يتقبلنا بحب: ولا شك أن الحب "يتفوق" على المعرفة. ولذلك فهو قادر على التحقق أكثر من تفكيرنا نفسه. وهكذا فالإيمان المسيحي هو في تناغم مع الكلمة الأبدية ومع عقولنا.
إن هذا اللقاء بين الإيمان الإنجيلي والفلسفة الإغريقية، كان على قدر كبير من الأهمية ليس من جهة موقف تاريخ الأديان، بل ومن جهة التاريخ العالمي. وهو أمر ما يزال يهمنا حتى اليوم. وبالنظر لهذا المشيج فإن المسيحية بالرغم من أصولها وتطورها البارز في المشرق، اتخذت سيرها ومصيرها وطبيعتها في أوروبا. ونحن نستطيع أن نعبر عن ذلك بأن هذا المشيج، مضافا إليه الميراث الروماني، صنع أوروبا، وهو يبقى التأسيس الذي يعبر بالكامل عن الذات الأوروبية. وهذه المقولة التي تذهب إلى أن الميراث الإغريقي المصفى يشكل جزءا جوهريا من الإيمان المسيحي تصادمه عمليات "نزع الهلْيَنة" عن المسيحية، وهي العملية التي سيطرت في النقاشات اللاهوتية منذ بدء الأزمنة الحديثة.
ويمكن تتبع العملية المذكورة وقسمتها إلى ثلاث مراحل، تترابط فيما بينها، لكنها تظل ممكنة التمييز والتمايز في الدوافع والأهداف.
بدأت المرحلة الأولى من عمليات "نزع الهلْينة" في زمن الإصلاح بالقرن السادس عشر. وقد نظر الإصلاحيون في التقليد اللاهوتي السكولائي فوجدوه مرتبطا تماما بالفلسفة. ورأوا أن نظام الإيمان هذا ارتبط بمقولات فكرية غريبة عنه. وقد بحث هؤلاء عن الأصل الطهوري للإيمان المسيحي كما يوجد أو يدرك في الكلمة الإنجيلية. فالميتافيزيقا بحسب هذا الإدراك بدت فكرة مسبقة مأخوذة من مصدر آخر، ويكون على الإصلاح أن ينحيها عن المصدر الإلهي وكلمة الله بحيث تعبر الكلمة عن نفسها. وعندما قال عمانوئيل كانط إنه مضطر لوضع الفكر جانبا ليفسح المجال للإيمان، فإنه كان يضع برنامجا راديكاليا، ما رأى الإصلاحيون أنفسهم آفاقه الشاسعة.
لقد وضع الإيمان في العقل العملي، منكرا علاقته بالواقع بشكل عام.(2/136)
وجاءت المرحلة الثانية في القرنين التاسع عشر والعشرين. ومفكرها الأبرز هو أدولف فون هارناك وتلامذته الكبار. وعندما كنت طالبا في سنوات الشباب كان هذا النوع من اللاهوت مؤثرا أيضا في الكاثوليكية. وقد اتخذت العملية في هذه المرحلة منطلقا من كلام باسكال الذي أقام تمييزا كبيرا بين إله الفلاسفة، وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. وقد كانت محاضرتي الأولى بجامعة بون عام 1959 عن هذا التطور. ولا أريد العودة هنا لتلك التفاصيل. لكنني أريد أن أنبه إلى ما هو الجديد في تلك المرحلة من "نزع الهلينة". كان قصد هارناك العودة إلى رسالة المسيح خالية من تعقيدات اللاهوت، ومن الهيللينية: إن الرسالة الأولى للمسيح ـ بحسب هذا الإدراك ـ هي ذروة التطور الديني للبشرية. فقد وضع المسيح نهاية للاهوت العبادة لصالح الأخلاق. وفي المحصلة فإن المسيح هو أبو الرسالة الأخلاقية الإنسانية. لقد كان المراد التوفيق بين المسيحية المحررة من العناصر الفلسفية واللاهوتية ذات الطابع الفلسفي، لتقع في تناغم مع الإيمان بالمسيح وألوهيته والثالوث الإلهي. وبذلك فإن الطريقة التفسيرية التاريخية النقدية للعهد الجديد أعادت للاهوت مكانته بالجامعة. فاللاهوت ـ عند هارناك ـ شديد الأهمية من الناحية التاريخية، ولذلك يجب أن يبقى "علميا" ومن خلف هذا الإدراك أو هذا الفهم يبرز التحديد المحدث للعقل والعقلانية كما عبر كانط في نقداته. لكنه ازداد حدة بالتدريج بسبب تأثير العلوم الطبيعية. ذلك أن المفهوم الحديث للعقل يجمع بين عنصرين: الأفلوطينية والتجريبية. وهي مقولة سادت في عصر التصنيع. وقد ترتبت على هذا التفسير نتيجتان: كل موضوع يخضع للرياضيات وللعناصر التجريبية هو موضوع علمي. والنتيجة الثانية أن هذا النزع للغطاء الفلسفي يتجاهل الله ويتجاهل الأخلاق، وما عادت العلوم الحديثة بناء على هذه النظرة ترتبط بذلك.
... ولننظر قبل الخاتمة في التطور الثالث وتطورات "نزع الهلينة" والذي يجري اليوم. في المرحلة الأولى قيل إن الهلينة هي مرحلة ينبغي تجاوزها، وفي المرحلة الثانية قيل بضرورة العودة للرسالة الصافية والبسيطة للمسيح وتجربته. وكلتا النقطتين تستحق نقاشا حاميا. فالعهد الجديد كتب باليونانية، ويحمل الروح اليونانية. والتصغير من هذا الأمر أو ذاك باسم العودة للعهدين من جانب المسيحيين يفقد المسيحية روحها الباحثة، وقدرتها حتى على اعتناق الحداثة.
ولنصل إلى الخاتمة. إن نقد العقل الحديث لا ينبغي أن يفهم باعتباره عودة إلى الوراء، إلى ما قبل عصر التنوير، ورفض منجزات الحداثة. فنحن نقر بمنجزات العلوم المتطورة وما جلبته للبشرية من خير وتقدم. وهكذا فلا ينبغي فهم دعوتنا باعتبارها أثرا من الماضي، بل هي سبيل من سبل العقل وكيفية وضعه موضع الحياة العملية. وفي الوقت الذي نقر فيه بإنجازات الحداثة ونقدر خدماتها للإنسانية، نرى الأخطار الصادرة عن المرجع ذاته، كما نرى أملا كبيرا في إمكانيات المراجعة والتفسير.
لا بد أن نستشرف حماسا أكبر في الخروج من التلقائيات والإرادويات، وإلا ضرب الدين، وضربت المعاني العميقة المرتبطة به. والذين كانوا يتجاوزون هم الذين عادوا يقرون بأن الدين ضروري اليوم. وقد رأى الغربيون من قبل أن العقل العملي والأشكال الفلسفية المبنية عليه هي الظاهرة العلمية من غير منازع. والذين يرون أن العقل ينبغي أن يعمى ويضعون الدين بمنزلة الثقافات الشعبية هؤلاء لا يستطيعون ممارسة حوار الثقافات. إن العقل العلمي الحديث يكون عليه أن يقبل البنى العقلانية الموضوعة للتراتبية بين العقل والإيمان، بين الروح والدين والله.
وأريد هنا أن أذكر بما قاله سقراط لفيدون، وكانت عدة مقولات خاطئة قد مرت في بداية حديثهما: سهل على أي أحد سمع مقولات فاسدة إلى هذا الحد، أن يبقى طيلة حياته لا داريا ويسخر من الآخرين، لكنه يكون حينها قد حرم نفسه من سؤال حقيقة الوجود، وسيقاسي في حياته كثيرا من وجوه سوء الفهم والتقصير. ولقد ظل الغرب طويلا يتجنب فعلا الكثير من الأسئلة الأساسية، تارة بحجة أنها ليست غربية، وطورا بأنها غربية أكثر من اللازم: وأن تتصرف بخلاف العقل بحسب مانويل الثاني ـ يعني أنك تتصرف بخلاف طبيعة الله. فلنقبل على الحوار وستظهر المشكلات تباعا، ويمكن البحث عن علاجات رحبة ومشتركة لها، دونما إزعاج.
* هذه المحاضرة ألقاها البابا بنديكتوس السادس عشر بقاعة المحاضرات بجامعة بون في 12/9/2006. وقد اختصرت المقدمة وبعض التفاصيل بداخلها وفي الخاتمة لعدم تعلقها بالموضوع؛ وفيها يروي البابا بدء علاقته بجامعة بون (ألمانيا) عام 1959 أستاذا للاهوت الكاثوليكي. وفي الجامعة المذكورة كليتان إحداهما للاهوت الكاثوليكي والأخرى للاهوت البروتستانتي. وقد انشغل البابا في التمهيد للمحاضرة بالعلاقة مع الزملاء البروتستانت في ذلك الزمان.
**عادل تيودور خوري: من أصل لبناني، وهو أستاذ متقاعد بجامعة مونستر الآن. وقد بدأ حياته العلمية بعمل كبير عن "الجدالات البيزنطية ضد الإسلام في القرن التاسع الميلادي" وتابع نشراته للنصوص اللاهوتية اليونانية واللاتينية بشكل متقطع. وله أعمال كثيرة عن العلاقات الإسلامية ـ المسيحية، وعن الإسلام؛ منها عمل عن التسامح في الإسلام.
وقد كتب تفسيرا للقرآن الكريم (بالألمانية) في اثني عشر مجلدا اختاره من أمهات كتب التفسير.
* نقلا عن جريدة المستقبل اللبنانية، السبت 16 سبتمبر 2006 - العدد 2388، الصفحة 19.
===============
#كيف يرد مسلمو الغرب على البابا؟
عماد أبو الرُّب
بألم شديد، تابعنا -كمسلمين مقيمين بالغرب- تصريحات بابا الفاتيكان، في وقت يشهد فيه العالم تنامي حملات إثارة الكراهية والحقد تجاه الإسلام والمسلمين من بعض القوى الخفية التي لا يسرها انتشار الإسلام، وكونه أقوى الديانات في معدل انتشاره، وأكثرها قدرة على المحافظة على أصوله وثوابته في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في الوقت الذي تتهاوى فيه سلطة الكنيسة وأثرها في الحياة الغربية.
وتبرز إشكالية تصريحات البابا أنها تصدر من جهة دينية عليا، وعبر محاضرة معدٍّ لها مسبقا مما يعني أنها تعبِّر إما عن جهله - وهذا لا يليق بمن هو في منزلته الدينية -، أو تعبِّر عن كرهه للإسلام - وهذا لا يصب في تفعيل حوار الحضارات - مما يؤثر على أتباعه سلبا ويؤدي إلى تغذية حقدهم وكراهيتهم للآخر.
الضرورات الثلاث
وحتى ندرك عِظَم هذه الفاجعة، ونخرج منها بوعي وإدراك يوجهنا الوجهة السليمة في معالجة هذا الحدث، أرى أن نلفت الضوء حول بعض النقاط الهامة بعيدا عن رد الإساءة بالمثل أو تجاوز الوسائل السلمية في التعبير عن عميق رفضنا وغضبنا لهذه التصريحات، وأبرز ما أراه هنا:
- ضرورة إدراك المسلمين عامة ومسلمي الغرب خاصة لحجم التحدي الذي أثارته هذه المشكلة، ففي البداية سمعنا أصواتا هنا وهناك تذكِّر بالحروب الصليبية، وتجعلها حاضرة في الأذهان، لترسِّخ معاني الكراهية في نفوس الناس، ثم تنامت هذه الأصوات بعد أحداث سبتمبر الأليمة وانتقلت من مرحلة وصف المسلمين بالتطرف إلى وصف الإسلام نفسه!! كما انتقلت من مرحلة وصف المسلمين بالخطر على العالم إلى وصف الإسلام بذلك!!.(2/137)
- ضرورة إدراك مسلمي العالم عامة ومسلمي الغرب خاصة لمصدر هذا التحدي الذي يواجههم، والذي يدل على وجود قوة خفية تعمل بصورة منظمة وممنهجة لتشويه صورة الإسلام ودفع الناس إلى الانصراف عنه، بعد أن لاحظ الجميع الرغبة المتصاعدة في التعرف على الإسلام والدخول فيه. وكان ذلك من خلال إعطاء معلومات خاطئة ومشوهة لصورة الإسلام، أو بقتل الرغبة الكامنة لدى الناس في التعرف على الإسلام.
- ضرورة التعرف على صورة التحدي لهذه الهجمة، والذي يُخرج لنا بين الفينة والفينة بتصريحات لبعض السياسيين الغربيين أو بعض رجال الدين، أو على شكل مقالات صحفية أو برامج تلفازية أو رسوم كاريكاتورية أو أفلام مسيئة.
الواجبات السبعة
إذا أدركنا هذه النقاط السابقة نكون قد كوَّنَّا رؤية سليمة للأحداث من حولنا، مما يجعلنا نتجه الاتجاه الصحيح الفاعل المؤثر لرد مثل هذه الهجمات من خلال حلول كلية أو جزئية تضعنا على أعتاب درجات الارتقاء والنهوض الحضاري بأمتنا من مستنقع التبعية والتخلف والذل والانكسار. وأبرز ما ينبغي لنا فعله:
1- كشف هذه المخططات وتعريتها أمام الناس، وخاصة في الغرب، حتى لا يتأثر بها أو ينخدع بمقولاتها أحد.
2- لا بد لنا من رصد كل ما يكتب عن الإسلام، خاصة في الغرب، سواء كان كتبا أو نشرات أو مقالات أو غيرها من إصدارات رصدا علميا شموليا.
3- لا بد أن نعمل على تحليل ما رصدناه، ودراسته للتعرف على الإيجابيات والسلبيات المثارة، ومدى مصداقية وصحة ما ذكر عن ديننا الحنيف فيها.
4- لا بد من إصدار مواد علمية تحمل ردودا قوية تخاطب الناس بلغاتهم ومنطقهم الذي يفهمونه ويدخل إلى عقولهم.
5- لا بد من توعية المسلمين عامة ومسلمي الغرب خاصة بهذه المخططات العدوانية وأهدافها، حتى يعصموا أنفسهم من الوقوع في حبالها وشباكها.
6- لا بد لنا من تدريب الكوادر المسلمة التي يمكنها كشف هذه الشبهات والمخططات والرد عليها من خلال المؤتمرات الحوارية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
7- لا بد من تقديم الإسلام بصورته المعروف بها من أصالة وسماحة ووسطية وشمولية بطريقة مبسطة تصل لأيدي الناس، مراعين التنويع في وسائل العرض هذه، لتشمل (قنوات فضائية باللغات الحية - مواقع إلكترونية متخصصة في عرض الإسلام للغرب ودحض الشبهات حوله - كتب ودراسات وأبحاث تخاطب غير المسلمين من خلال طرح الموضوعات الهامة والمباشرة - أفلام وثائقية وعلمية - صحف ومجلات ونشرات...إلخ).
وختاما أقول: إن هذه الرؤية وهذه الرسالة ينوء بحملها الأفراد بداية، ناهيك عن الردود العاطفية أو العدوانية أو الآنية. لذا لا بد من توحيد الجهود وتضافرها من خلال المؤسسات الإسلامية في الشرق والغرب على حد سواء. كما لا بد من دعم برامج المراكز الإسلامية في الغرب لتكون رسالتها متوائمة مع ما يقوم به مسلمو العالم العربي والإسلامي، وهذا يحتاج إلى عقد اللقاءات العلمية والعملية والتواصل الدائم للخروج بالقرارات العملية الفاعلة لنحدث الأثر المناسب فينا بداية وفي العالم من حولنا نهاية.
مع مراعاة أن الغرب ليسوا أمة واحدة، فمنهم المعادي ومنهم المسالم ومنهم الحيادي، ومن الذكاء ألا نضيع الفئة التي أنصفتنا وذادت عنا من أبناء الغرب وأهله.
ومن الذكاء كذلك ألا نسمح لأيدي بعض الغيورين على الإسلام بالرد على مثل هذه الإساءات بشكل غير سلمي فيه اعتداء أو تدمير أو حرق لممتلكات الآخرين، ويسعنا في ذلك ما وسع نبينا الكريم محمدا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حينما كان لا يرد الإساءة بمثلها، ويعفو عمن ظلمه وأساء إليه.
===============
#كيف نرد على إساءة البابا؟
د.علي الحمادي**
د.علي الحمادي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..
يقول أبو الطيب المتنبي:
رماني الدهر بالأرزاء حتى
فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال
في يوم الثلاثاء، الموافق الثاني عشر من سبتمبر 2006م، وفي الذكرى الخامسة للحادي عشر من سبتمبر، وفي جامعة ريتسبون بألمانيا، قام بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر بإلقاء محاضرة بعنوان "الإيمان والعقل والجامعة.. ذكريات وانعكاسات"، ودار مضمونها حول الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية في العلاقة التي يقيمها كل منهما بين الإيمان والعقل.
في هذه المحاضرة تجرأ بابا الفاتيكان على الإسلام وعلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بصورة استفزازية مشينة، خلط فيها السم في العسل، بل خلط فيها السم بالسم؛ ليثير بذلك استياء المسلمين من مشارق الأرض إلى مغاربها.
أورد بابا الفاتيكان في معرض كلامه حوارا دار بين الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1350 - 1425م)، وبين مثقف فارسي مسلم، قال فيه الإمبراطور البيزنطي: "أرني شيئا جديدا أتى به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف".
إما جهل وإما عداء متأصل
ورغم أن هجوم بابا الفاتيكان يأتي ضمن سلسلة من الإساءات التي تعرض لها المسلمون في الفترة الأخيرة، وطالت كتاب الله تعالى وشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تُلْقِ أي اعتبار لمليار وثلث المليار من المسلمين، حتى إن المسلمين ما إن يفيقوا من إساءة حتى تظهر لهم أخرى، إلا أن هذه الإساءة من نوع آخر؛ حيث إنها من العيار الثقيل؛ ذلك لأنها صادرة من رأس الديانة المسيحية الكاثوليكية في العالم.
إن ما ذكره بابا الفاتيكان، والذي تناقلته جميع وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية، يعكس إما مدى جهله بالإسلام أو مدى العداء المتأصل في نفسه تجاه الإسلام والمسلمين، كما أن خطابه يفتقر إلى الطرح العلمي المنصف الذي يفرق بين الدين الإسلامي وتعاليمه الواضحة (والتي تضمنها كتاب الله وسنة نبيه) وبين ممارسات بعض المسلمين واجتهاداتهم التي قد يصيبون فيها وقد يخطئون.
إن المنهج السوي يحتم على أصحابه أن يميزوا بين الشرائع والأديان وبين المنتسبين إليها، وإلا فإن النصارى هم أصحاب محاكم التفتيش، والحملات الصليبية، وقنابل هيروشيما وناجازاكي، وسجون جوانتنامو وأبو غريب، وهم الذين استعمروا كثيرا من مناطق العالم ونهبوا ثرواتهم في القرون الثلاثة الماضية، وهم الذين قتلوا الأطفال والشيوخ والنساء وبقروا بطون الحوامل، وانتهكوا الأعراض في كثير من البلاد، كفيتنام والبوسنة والهرسك وكوسوفو وأفغانستان والعراق والصومال وغيرها من البلاد. ترى هل يعني ذلك أن الديانة المسيحية تدعو إلى القتل والنهب والظلم وانتهاك الأعراض وكل ما هو شرير وغير إنساني؟!.
الكنيسة تدخل مرحلة جديدة
إن تصريحات بابا الفاتيكان تشير كذلك إلى مدى استخفافه بالمسلمين الذين يمثلون ربع سكان العالم، كما أنها تنبئ إلى أن ثمة مرحلة جديدة ربما تدخل فيها الكنيسة (في عهد بنديكت السادس عشر) في حرب يقودها الغرب المعتدي (وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا) ضد الإسلام والمسلمين، وهنا تكمن المشكلة؛ إذْ يتضافر رجال السياسة مع رجال الدين النصارى في حرب واضحة جلية ضد الإسلام والمسلمين، وهذا ما نخشاه ولا نريده؛ لأن عاقبته وخيمة؛ ولأن المسلمين لن يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه هذه الممارسات الظالمة المعتدية.
إساءة مقصودة(2/138)
إن من الخطأ الظن بأن ما قاله البابا لم يكن يقصد به الإساءة إلى الإسلام والمسلمين؛ حيث إن كلامه واضح، والحوار الذي أورده لا يحتاج إلى شرح، كما أنه من غير المقبول الاعتقاد بأن ما ذكره كان زلة لسان؛ ذلك لأن الكلام كان مكتوبا، وقد قرأه من ورقة ولم يرتجله ارتجالاً، وكعادة هؤلاء المسئولين أن كل خطاب أو تصريح أو كلمة يكتبونها أو ينطقون بها فإنه يتم مراجعتها بدقة من قبل مستشاريهم، فضلاً عن أن تاريخ هذا البابا يشهد أنه من المحافظين المتشددين، وأن مواقفه العدائية تجاه المسلمين قديمة وقبل أن يكون في هذا المنصب، وما رفضُه انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي إلا أحد الأدلة على ذلك.
كيف نرد على هذه الإساءة؟
وإذْ أستنكر بشدة هذه الإساءة التي قام بها رأس الكنيسة الكاثوليكية في روما، فإنني أدعو الأمة الإسلامية وجميع العقلاء في العالم وألفت انتباههم إلى التالي:
1- على حكومات الدول العربية والإسلامية أن تستشعر مسئوليتها تجاه دينها، وأن تقوم بواجبها في التصدي لكل من تسوِّل له نفسه الاعتداء على الإسلام والمسلمين، ولا أقل من أن ترسل رسائل الاستنكار الواضحة والشديدة إلى بابا الفاتيكان، وتطالبه بالاعتذار صراحة عن هذه الإساءة، وصدق القائل حين قال:
يدافع عنه شبان وشيب
...
أما لله والإسلام حق
أجيبوا الله ويحكم أجيبوا
...
فقل لذوي البصائر حيث كانوا
2- على الأمة العربية والإسلامية أن تدرك أن سبب تجرؤ بابا الفاتيكان وغيره من اليهود والنصارى على الإسلام والمسلمين هو ضعفها وتمزقها وعدم سعيها الحثيث لامتلاك أدوات القوة التي يضطر بها خصومها إلى احترامها وعدم الاستهتار بها.
3- على الشعوب الإسلامية أن يعلنوا غضبتهم لله ولرسوله ولدينه، وأن يظهروا استياءهم الشديد تجاه هذه الإساءة بكل الوسائل المتاحة والمشروعة، لا سيما من خلال الإعلام بجميع وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة.
4- على الشعوب الإسلامية انتهاج العقل والحكمة في التعبير عن غضبهم واستيائهم، وأن يبتعدوا عن العنف والتخريب.
5- في حالة إصرار بابا الفاتيكان على عدم الاعتذار الصريح والواضح عن هذه الإساءة، فإننا ندعو الدول العربية والإسلامية إلى قطع العلاقات مع هذا البابا، واعتباره شخصا غير مرغوب فيه، وإغلاق مكاتبه في جميع الدول العربية والإسلامية.
6- دعوة الشعوب والحكومات العربية والإسلامية إلى المساهمة الحثيثة في نهضة هذه الأمة، كلٌّ في مجاله وحسب إمكاناته، وهذا أقوى رد يمكن أن يتلقاه كل من تسوِّل له نفسه الإساءة للإسلام والمسلمين؛ حيث هذه الإساءة ليست أول إساءة ولن تكون آخر إساءة.
7- دعوة العقلاء من النصارى إلى التبرؤ من هذه الإساءات، وأن يدركوا أنها لا تخدم السلام العالمي، كما أنها لا تخدمهم، بل تسيء إليهم كما تسيء إلى المسلمين.
8- دعوة المسلمين في الدول غير الإسلامية، لا سيما الدول الغربية، إلى الاجتهاد في توضيح حقيقة الإسلام للغرب، وأن يبذلوا جهودا أكبر في الدعوة إليه ونشره لتنعم البشرية بما فيه من الهدى والنور والرحمة للعالمين.
9- دعوة علماء المسلمين إلى محاورة النصارى، وتفنيد افتراءاتهم، وشرح الدين الإسلامي بصورة صحيحة، ولعل ما قام به أحمد ديدات -رحمه الله- كان مثلاً رائعا في هذا الشأن.
وأخيرا يقول الله تعالى: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وتَكْتُمُونَ الحَقَّ وأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: آية 71]. والحمد لله رب العالمين.
** رئيس مجلس إدارة موقع "إسلام تايم"
===============
#الغضب الرشيد في مواجهة البابا العنيد
الدوحة- داليا الحديدي، القاهرة- رمضان فوزي
القرضاوي
توالت ردود الأفعال الشعبية والرسمية تجاه تصريحات بابا الفاتيكان الني أساء فيها للإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام، خلال المحاضرة التي ألقاها في جامعة ريجينسبورج بولاية بافاريا الألمانية الثلاثاء 12-9-2006 تحت عنوان: "الإيمان والعقل والجامعة ذكريات وانعكاسات".
وكان بابا الفاتيكان قد أشار في محاضرته هذه إلى الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية، واستشهد بحوار دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي ومثقف "فارسي" حول دور نبي الإسلام. وقال فيه الإمبراطور للمثقف: "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد؟ لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف". كما طالب البابا في محاضرته المسلمين بوقف الجهاد.
القرضاوي يدعو إلى غضبة رشيدة
دعا فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي -رئيس الاتحاد العام لعلماء المسلمين- إلى جعل يوم الجمعة القادم (الجمعة الأخيرة من شهر شعبان) يوما للغضب العاقل عند المسلمين، سواء بالتظاهر السلمي أو بالاعتصام في المساجد الكبرى؛ كرد فعل على إساءة بابا الفاتيكان للإسلام في محاضرته التي ألقاها بإحدى الجامعات الألمانية مؤخرًا.
وأكد فضيلته في برنامج "الشريعة والحياة" على قناة الجزيرة، مساء الأحد 17 سبتمبر 2006.. أن ما قاله البابا لا بد من شطبه من مضبطة الفاتيكان، كأن لم يقله، وبغير هذا يظلُّ ما قاله ثابتا لن يتغير.
وطالب الدكتور القرضاوي المسلمين بعدم التعرض للكنائس ودور العبادة، وأسف لاعتداء البعض على الكنائس في فلسطين، وحذر من تكرار مثل هذه الأحداث.
كما حث السفراء العرب والمسلمين لدى الفاتيكان على تقديم احتجاجات كتابية على تصريحات بابا روما.
ورفض القرضاوي اعتبار تصريحات البابا الأخيرة اعتذارا للمسلمين؛ بل اتهاما لهم، ملوحا -في حال عدم سحب النص الذي ورد في محاضرة البابا- بالانسحاب من مؤتمر الحوار المسيحي الذي عقد جلسات في روما وبرشلونة.
واعتبر القرضاوي توضيحات الفاتيكان القائلة بأن المسلمين أساءوا فهم تصريحات البابا إساءة أخرى للمسلمين، وقال: "حين يكون الكلام صريحا لا نسأل عن النيات".
ودعا القرضاوي إلى اعتصام يوم الجمعة القادم بجامع عمر بن الخطاب عقب صلاة الجمعة.
طنطاوي: "البابا جاهل بالإسلام"
شيخ الأزهر
من جانبه صرح شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي بأن تصريحات البابا بنديكت السادس عشر حول الإسلام تنمُّ عن "جهل واضح بالإسلام".
وقال شيخ الأزهر في تصريحات بثتها وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية السبت 16-9-2006.. إن تصريحات الحبر الأعظم "تنسب إلى الإسلام ما ليس فيه، ولا تسهم على نحو بنَّاء في تعزيز الحوار بين أديان العالم وحضاراته وثقافاته".
وعبر شيخ الأزهر عن "بالغ استيائه لما نسب لبابا الفاتيكان من أقوال أساءت للإسلام والرسول الكريم، وأثارت مشاعر الغضب لدى أكثر من مليار وثلاثمائة مليون مسلم حول العالم".
رد فعل الإخوان
د.محمد حبيب
وعلى صعيد ردود الفعل على أسف البابا، قالت جماعة "الإخوان المسلمين" بمصر: إن البابا لم يقدم "اعتذارا واضحا". وقال د.محمد حبيب -نائب المرشد العام للجماعة-: تصريح البابا "يعد خطوة جيدة على طريق الاعتذار، لكنه لا يرقى إلى مرتبة الاعتذار الواضح والصريح".(2/139)
وفي تصريحات خاصة لموقع "إسلام أون لاين.نت" حول هذا الأمر، قال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح -عضو مكتب الإرشاد بالجماعة-: "لا أتصور أن البابا السادس عشر جاهل بالإسلام؛ لأن هذا رجل دين كبير، ويعبر عن مليار وواحد من عشرة من المسيحيين الكاثوليك، وبالتالي لا أتصور أن يكون رجل بهذا القدر جاهلا بالإسلام، وإنما حديثه كان يعبر عن حالة من حالات التعصب عن الإسلام والمسلمين التي عبر عنها السياسيون الغربيون من قبل؛ مثل تعبيرات الرئيس الأمريكي بوش، المعروف عنه أنه متعصب ضد الإسلام، وقد صف الإسلام بأنه "دين فاشستي"، وتحدث من قبل عن قضايا كثيرة مثل الحرب الصليبية وغير ذلك.. خرج كل هذا في أحاديث الرئيس بوش، وعبر عن تعصبه السياسي ضد الإسلام. وما خرج من البابا السادس عشر يعبر أيضا عن حالة تعصب لرمز ديني كبير ضد الإسلام".
ردود فعل سياسية
وفي دمشق أعرب محمد حبش -رئيس مركز الدراسات الإسلامية بدمشق، عضو مجلس الشعب السوري- عن ارتياحه لتقديم البابا بنديكت السادس عشر توضيحا يبين مغزى تصريحاته التي اعتبرت مسيئة للإسلام. فيما اعتبر بطريرك المسيحيين الموارنة في لبنان الكاردينال نصر الله صفير أن الانتقادات التي وجهت إلى البابا بنديكت السادس عشر "سياسية" الطابع، مشددا على ضرورة التعاون بين المسيحيين والمسلمين خصوصا في لبنان. وقال صفير: "الانتقادات ضد البابا سياسية". وأضاف أن "الإسلام عموما يحترم المسيح كنبي، وللمسيحيين والمسلمين مصلحة في التعاون خصوصا في لبنان".
فيما أكد مفتي عام السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز آل الشيخ في أول رد رسمي على تصريحات بابا الفاتيكان المسيئة للنبي -عليه السلام- أن أمر القتال لم يبتدئ من نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- مع أن هناك من الأنبياء من قاتل أعداءه، مثل أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام كموسى وداود -عليهما السلام- وغيرهما، صلوات الله وسلامه على جميع أنبياء الله ورسله.
ودعا آل الشيخ بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر إلى التأمل كثيرا في دين الإسلام، وكثرة المطالعة في القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية بإنصاف وتجرد، مشيرا إلى أن البشارة بالنبي محمد جاءت من عيسى عليه السلام، كما قال تعالى على لسان نبيه عيسى عليه السلام: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]. كما جاءت البشارة به في أسفار الأنبياء من بني إسرائيل عليهم السلام.
وأوضح سماحة مفتي عام السعودية أن رسالة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ثابتة بالنص والعقل والمبشرات قبل أن يبعث؛ ولهذا لما جاءه جبريل -عليه السلام- بالوحي أخبره ورقة بن نوفل، وهو من علماء أهل الكتاب أن ذلك هو الناموس الذي نزل على موسى عليه السلام، وأخبره بما يجد عنده في كتبهم بأن قومه سيخرجونه من بلده مكة.
وفي إيران أغلقت المدارس الدينية في إيران أبوابها أمس، بينما تجمع مئات من طلابها في وسط مدينة "قم" العاصمة الدينية لإيران للاحتجاج على تلك التصريحات، وقال التلفزيون الإيراني الرسمي: أغلقت كل المدارس الإسلامية أبوابها لإظهار اشمئزازها من تصريحات البابا الشائنة المعادية للإسلام.
وتجمع بين 300 و400 من الطلاب في المدرسة الفيضية -كبرى المدارس الدينية في مدينة قم- احتجاجا على تصريحات البابا مطالبين باعتذارات.
و"قم" الشيعية المقدسة التي تبعد حوالي 120 كيلومترا جنوب طهران يدرس فيها آلاف الطلاب. وهي أكبر مدينة دينية في البلاد يعيش فيها كبار علماء الدين. ورفع المتظاهرون صور الإمام مؤسس الجمهورية الإسلامية "آية الله الخميني"، كما استدعى القاصد الرسولي في إيران سفير الفاتيكان لوزارة الخارجية في طهران الأحد 17-9-2006.
وقالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية: تم استدعاء الأسقف أنجيلو موتولا القاصد الرسولي ليتسلم احتجاج إيران القوي على تصريحات البابا. وقال إبراهيم رحيمبور -المسئول بالخارجية الإيرانية- لمبعوث البابا: "رغم القول بأن كلماته أسيء تفسيرها فمن الواضح أن العالم الإسلامي لديه فهم مشترك بأن تصريحات البابا مهينة، وأنه يجب أن يكون أكثر وعيا بواجباته الدينية والسياسية".
من جهة أخرى أعرب مصدر مسئول بوزارة الخارجية القطرية في تصريح لوكالة الأنباء القطرية عن أسفه واستغرابه لما صدر عن البابا بنديكت السادس عشر من ملاحظات حول الإسلام وتعاليمه والنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وأشار المصدر إلى أن هذه الملاحظات غير مقبولة، ومجافية للحقائق التاريخية والإنسانية للدين الإسلامي ومبادئه وقيمه القائمة على الرحمة والتسامح والعدل والمحبة والموعظة الحسنة.
وأعرب المصدر المسئول عن أسفه واستنكاره لما تعرضت له بعض دور العبادة المسيحية من اعتداءات بسبب ذلك، مؤكدا حرمة دور العبادة، وداعيا إلى التحلي بالحكمة والتسامح، والبعد عن الانفعالات التي لا تخدم الحوار البناء بين الأديان والحضارات.
البابا حزين جدا
البابا
وقد أعلن البابا بنديكت السادس عشر أنه "حزين جدا" لموجة الاحتجاجات التي أثارها كلامه عن الإسلام الذي "لا يعبر إطلاقا عن أفكاره الشخصية"، وذلك خلال صلاة التبشير التي أقامها في كاستل غاندولفو. لكن البابا الذي تحدث علنا للمرة الأولى في هذه القضية الشائكة والأكثر خطورة منذ تعيينه لم يذهب إلى حد تقديم اعتذارات رسمية طالبه بها العالم الإسلامي.
ففي محاولة لتهدئة غضب المسلمين، قال البابا أمام حشد في مقره الصيفي في "كاسيلجندولفو" (إيطاليا) الأحد 17-9-2006: "... أشعر بأسف بالغ عن ردود الفعل في بعض الدول تجاه فقرات محدودة وردت في خطابي بجامعة رجينسبرج والتي اعتبرت مهينة لمشاعر المسلمين. كانت تلك في واقع الأمر اقتباسات من نص من العصور الوسطى والتي لا تعبر بأي حال عن رأيي الشخصي".
وقد لاقى كلام البابا السابق بعض الترحيب في العالم الإسلامي، إلا أنه لم يهدئ من غضبه، وما زال العالم الإسلامي يطالبه بالاعتذار الواضح.
من جانبه اعتبر رئيس أساقفة الكنيسة المعلقة في مصر في حديث له في برنامج "90 دقيقة" الذي أذيع الأحد 17-9-2006 على قناة "المحور" أن من حق المسلمين أن يعتبروا أن الاعتذار الذي جاء على لسان البابا ليس كافيا، ووافق على الاقتراح الذي تبناه البعض؛ لاعتبار حديث البابا كأن لم يكن. مؤكدا على أن ما قام به البابا يعتبر خطأ كبيرا يجب أن يصحح؛ لأنه صادر من رئيس دولة ومسئول كبير
==================
#البابا" بين غرابة الاستشهاد والإحباط والقلق
د. صلاح عبد الكريم**
* غرابة الاستشهاد..
* البابا والتركة المثقلة
* الغرب وخطر الانقراض
* أوروبا والحاجة للمسلمين
* الكاثوليكية وآخر الفرسان
* .. واقع محبط
غرابة الاستشهاد..
من الغريب أن يستشهد بابا الفاتيكان الكاثوليكي "بنديكت السادس عشر" بقول إمبراطور أرثوذوكسي قاست بلاده الأمرين على أيدي القوى الكاثوليكية الأوروبية بما فيهم البابا الكاثوليكي، فلابد أن تاريخ ذلك الإمبراطور المحبط آثار شجون البابا.
فقد ولد الإمبراطور "مانيويل الثاني" الذي استشهد به البابا عام 1350 ومات عام 1425، وعاش طوال عمره في خوف من سقوط القسطنطينية وما تبقى من الإمبراطورية البيزنطية في أيدي العثمانيين أو في أيدي القوى الأوروبية الكاثوليكية الأخرى.(2/140)
فلقد كانت الإمبراطورية البيزنطية في مرحلة اضمحلالها مرتعا للجميع، وكانت الحملات الصليبية الكاثوليكية لتحرير بيت المقدس تنهب في طريقها كل المدن البيزنطية وأهلها المسيحيون، بل إن قلة عدد المتطوعين في الحملة الصليبية الرابعة عام 1203 التي كانت تستهدف فتح مصر جعلتهم يصرفون النظر عن الهدف الأصلي بعد ما تورطوا في استئجار سفن الحملة من تجار فينيسيا بتكلفة باهظة واضطر القائمون على الحملة تحت ضغط أصحاب السفن إلى الإبحار إلى بيزنطة ناهبين في طريقهم كل ما صادفوه من مدن حتى دخلوا القسطنطينية بخدعة ماكرة ونهبوها تماما وأحرقوا مبانيها العريقة لجمع ما يكفي لسداد تكلفة الحملة الفاشلة، وأضعفوا بذلك وللأبد ما تبقى من قوة الإمبراطورية البيزنطية الآفلة.
ومن ناحية أخرى شهد القرن الرابع عشر حروباً مستمرة مع الدولة العثمانية تم فيها إنهاء الوجود البيزنطي في آسيا الصغرى تماما. ولم تتوقف الهجمات العثمانية على ما تبقى من الإمبراطورية البيزنطية في أوروبا، ولم تتوقف أيضا محاولات والده (الإمبراطور جون الخامس 1341-1391) لطلب المعونة من دول أوروبا الكاثوليكية دون جدوى.
وكانت هناك أيضا صراعات داخل الأسرة الملكية على عرش الإمبراطورية البيزنطية الآفلة. وكان كل المتصارعين يلجئون لطلب المساعدة من سلاطين الدولة العثمانية حتى أن "مانيويل الثاني" نفسه، صاحب المقولة التي استشهد بها البابا، أقام في بلاط السلطان "بايزيد" كرهينة مكرمة في مقابل المساعدة في عودة والده على العرش بعد ما انقلب عليه جون السابع (ابن أخيه أندرينيكوس الرابع).
وقام "مانيويل الثاني" أثناء تواجده في بلاط السلطان "بايزيد" بمساعدة السلطان في القضاء على الجيوب البيزنطية الأخيرة في آسيا الصغرى!
كان الإمبراطور "مانيويل الثاني" ممزقا بين ضعفه بالمقارنة بالدولة العثمانية الفتية وضعفه في مقابل القوى الأوروبية الأخرى المعادية للكنيسة البيزنطية الأرثوذكسية. واضطرته البرجماتية السياسية لمحاولة الاتحاد مع القوى الأوروبية الكاثوليكية الأخرى لتقوية ملكه ضد الجميع، بل حاول إنشاء مجمع للكنائس بهدف تقوية الجبهة المسيحية وذلك رغم الخلافات الجوهرية في الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية ولكن دون جدوى.
ففي ظل قناعة فينيسيا بأن الإمبراطورية البيزنطية منتهية لا محالة عقدت اتفاقاً مع الدولة العثمانية تقايض فيها امتناعها عن مساعدة الإمبراطور البيزنطي في مقابل سيطرتها على بحر إيجة.
وهكذا عاش الإمبراطور مانويل الثاني (رغم ميوله الأدبية التي تنبئ عن رقة نفسه) طوال حياته وهو محاصر بالأعداء تماما من كل جانب بل وفي داخل الأسرة الإمبراطورية نفسها، وشهد تآكل الإمبراطورية البيزنطية من كل ناحية تحت تأثير كل هؤلاء الأعداء. وبسقوط القسطنطينية (1453) سقطت تماما آخر بقايا الإمبراطورية الرومانية القديمة.
وبذلك عانى الإمبراطور المحبط من تآكل الملك، ومن الهزائم، ومن تناقص الأتباع، ومن دفع الجزية، ومن الفشل في حشد الحلفاء والمساعدات من أوروبا، بل ومن العيش كرهينة في يد أعدائه.
وإن استشهاد بابا الفاتيكان بهذا الإمبراطور يكشف من حيث لا يقصد عن نفس متوترة لعلها تعاني من نفس الإحباط الذي كان يعانيه الإمبراطور القديم ولكن بصورة مختلفة.
البابا.. والتركة المثقلة
إن الأحوال التي يعيشها الغرب بصفة عامة تجعل من الصعب على بابا الفاتيكان خصوصا إذا كان ألماني الأصل أن يشعر بارتياح. فالطبيعة البشرية بصفة عامة تميل إلى الحسم وربما العنف في أثناء البناء، وتتصف بالطمأنينة والسماحة عند الشعور بالقوة واستتباب الأمر، بينما تعاني من التوتر وضيق الصدر عندما تشعر بالأزمة.
لقد حافظت الكاثوليكية بإبقائها على المرجعية الخلقية الثابتة المستقاة من الدين على التواضع الذي تميزت به المسيحية على مر القرون فكانت أكثر المذاهب المسيحية انتشارا بين الفقراء وفي جنوب الكرة الأرضية، طبعا مع بعض التدخلات بالسيوف وغيرها لإقناع المترددين وذلك ليتحقق خلاصهم على الأقل من ضغوط الكنيسة.
وكانت كل الفظائع التي ارتكبتها الكنيسة الكاثوليكية على مر العصور الوسطى تستهدف نشر العقيدة. في حين أن البروتستانتية مثلا كانت أكثر طائفة مسيحية تأثراً بفكر النهضة التي جعلت من الإنسان مرجعاً لنفسه، بحيث أصبحت المراجع بعدد المؤمنين، فوقع أتباعها فريسة لأفكار المادية والعنصرية التي راجت في الفكر المادي الحداثي في الغرب.
ولهذا ففي حين اهتم الكاثوليك بنشر العقيدة (ولو بأساليب تستحق من البابا موقفا معترفا بخطئها، منها مثلا محاكم التفتيش التي استأصلت شأفة المسلمين تماما من الأندلس القديمة)، فإن البروتستانت اهتموا بنشر أنفسهم كعنصر متميز عن بقية البشر.
لقد تسلم البابا الكاثوليكي الحالي تركة مثقلة، فالعالم الغربي الذي نشأ في ظل الأيديولوجية التنويرية الفردية أصبح يعاني من مشاكل سياسية واجتماعية وسكانية حادة جعلت التوتر وضيق الصدر أقرب إلى نفسه من الطمأنينة والسماحة.
الغرب وخطر الانقراض
لقد أدت تلك الأيديولوجية المادية إلى إضعاف العاطفة الدينية في الغرب بصفة عامة، كما أدت إلى الفردية وإضعاف مؤسسة الأسرة، وعدم الرغبة في الزواج وفي إنجاب الأطفال بل وقتلهم بالإجهاض وذلك لأسباب يطول شرحها، إلا أن الثابت من الإحصائيات أن الغرب بصفة عامة وكل من سار على دروبه يعاني حقيقة من خطر الانقراض.
لقد انخفضت معدلات المواليد في أوروبا وأمريكا بين البيض خصوصا، وهم أشد المتأثرين بأيديولوجية التنوير والحداثة، وأصبحت تتراوح بين 1.4 طفل إلى 1.1 طفل لكل زوجين وهي نسبة أقل بكثير من المعدل المطلوب لثبات عدد السكان وهو 2.1 طفل لكل زوجين وذلك طبعا بشرط أن يتزوج الجميع، وأن يتزوجوا من الجنس الآخر عندما يتزوجون وهي أمور قد لا تحدث في أوروبا وأمريكا.
فهناك تفضل العلاقة الجنسية الحرة على قيود الزواج الكنسية ومسئولياته (وبعضهم يفضل زواج المثل) وقد لا ينجبون ويكتفون عادة بطفل واحد أو طفلين لأسباب كثيرة تضرب بجذورها في أيديولوجية التنوير والحداثة، ومقومات النهضة الصناعية، والمجتمع الاستهلاكي وذلك يجعل حل المشكلة الديموغرافية الغربية شبه مستحيل في المستقبل المنظور.
فالاتحاد الأوروبي يحتاج إلى 750 مليون مهاجر في سن العمل حتى عام 2050 لتعويض النقص المتزايد في المواليد والاحتفاظ بعجلة الاقتصاد دائرة. والمصدر الأساسي لسد هذا الاحتياج البشري هو العالم الإسلامي الذي يتمتع بمعدلات مواليد عالية، حتى أن نسبة السكان تحت 20 عاما تزيد عن 50%.
وأوروبا اليوم بها حوالي 25 مليون مسلم يعيش حوالي 75% منهم في الاتحاد الأوروبي وهم يمثلون الآن نسبة صغيرة من السكان (أقل من 5%)، لكن معظم خبراء الديموغرافيا يتنبئون بزيادتهم إلى 10% مع حلول عام 2020 (جلهم من الشباب، بينما تتزايد نسبة كبار السن والعجزة والمقعدين بين غيرهم من الأوربيين). وهذا الأمر هو الذي يجعل الخبراء (الذين لا يستبعد قيامهم ببعض عمليات التجميل للإحصائيات الفعلية قبل نشرها، وذلك بعد عرضها طبعاً على صناع القرار) يتوقعون زيادة أعداد المسلمين في أوروبا.(2/141)
أليس من المثير أن 57% من المواليد في عام 2003 في بروكسل مقر الاتحاد الأوربي كانوا من المغاربة! (والمشكلة الديموغرافية عالمية، فقد تضاعف عدد المسلمين في العالم 235% في الخمسين عاما الماضية بينما لم يزد عدد المسيحيين إلا بمقدار 47% في نفس الفترة).
ومع تقدم الأيام وظهور الأجيال التالية من أبناء المسلمين الذين لا يعرفون أوطانا لهم سوى أوروبا، تزداد كل يوم في أوروبا مظاهر الإسلام المختلفة من رجال ذوي لحى، ونساء محجبات، ودور عبادة تقام في كل مكان بل وفى أبنية الكنائس المهجورة.
كما يعلو صوت المسلمين بمطالب لم تعتدها أوروبا من اعتراف رسمي بالإسلام كدين وتعليمه في المدارس، والحديث عنه باحترام، وعدم الافتراء عليه، وتعديل ظروف وأوقات العمل بالنسبة للمسلمين بما لا يتعارض مع فرائض الإسلام، إلى الحرص على أكل الحلال من الطعام.
إن ازدياد المظاهر الإسلامية في أوروبا وازدياد عدد المساجد في ألمانيا موطن البابا الجديد إلى 2500 مسجد، وتضاعف عدد المسلمين في أوروبا بمقدار 300% في الثلاثين عاما الماضية جعلتهم أكثر ظهورا وأكثر إثارة للمشاعر الأوروبية المحافظة.
إن رؤية تلك الأعداد المتزايدة من البشر الذين يأكلون ويتصرفون ويتكلمون بطريقة مختلفة وملامحهم ليست هي الملامح التي يعجب بها إنسان الحداثة الغربي تجعل من الصعب على الغربي (وخصوصا الألماني التقليدي المحافظ) أن يشعر بالارتياح.
أوروبا والحاجة للمسلمين
إن "فرانسيس فوكوياما" و"صموئيل هنتنجتون" قالا إن النخب الأوروبية لا يصح أن تشعر بالعار عندما تدافع عن تقاليدها الثقافية مثل الهيومانية المادية والمسيحية في مواجهه الوجود الإسلامي المتزايد في أوروبا. لا بد أن مثل تلك الأفكار والأقوال في ظل الواقع الأليم تلح على العقلية الأوروبية التقليدية المثقفة ومنها عقلية البابا الألماني الكاثوليكي الجديد وتضغط عليه. أ
إن محاولات تركيا المستميتة للانضمام للاتحاد الأوروبي الذي أنشأته الأحزاب الديمقراطية المسيحية الأوروبية كناد مسيحي تثير حفيظة النخبة المحافظة التي لا تحب أن يكون أكبر عضو في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان دولة مسلمة!
والأتراك يصرون مرة ثانية على محاصرة أباطرة أوروبا، فمجرد ذكر تركيا ذات الشعب الفتي كثيف العدد (70 مليونا) ومعدل المواليد المرتفع يثير شجون أي أوروبي تقليدي محافظ مثل البابا الكاثوليكي الذي يقضي وقته في قراءة تاريخ سقوط الدولة البيزنطية وأوراق إمبراطورها المحبط وتجعله يستشهد بمقولات ذلك الإمبراطور الأرثوذكسي القديم الذي حاصره الأتراك بأسلوب آخر.
لقد عاد الأتراك (وإخوانهم في الدين) لفعلها مرة أخرى اليوم ولكن بوسائل ديموغرافية لا بوسائل عسكرية، وفي الماضي كان ذلك الإمبراطور المحبط تؤخذ منه الدنيا رغما عنه وهو يقاوم بشراسة.
لكن أوروبا المسيحية اليوم تجد نفسها في موقف شائك بصورة أشد إيلاماً، فهي تحتاج إلى هؤلاء الأغراب المكروهين. وعادة لا يحتاج الأعداء لبعضهم، وهو وضع مريح يمكن الإنسان من أن يعادي عدوه بكل قلبه وقواه.
لكن ما يثير المرارة والارتباك هو ذلك الشعور المحبط بأنك مضطر لأن تفتح لهم أبواب حصونك بيدك.
وكما كان الإمبراطور البيزنطي القديم يشعر بأن المتاعب تأتيه من داخل بيته وممن كان من المفروض أن يكونوا حلفاءه الطبيعيين، فإن بابا روما الحالي يشعر بنفس المشكلات تقريبا ولكن من ناحية العقيدة والأفكار وأتباع الكنيسة.
لا شك بأن البابا يشعر بالغربة العقيدية في وطنه الأم ألمانيا مهد البروتستانتية التي كادت تعصف بالكاثوليكية وكنيستها. لا بد أن هذا الأمر ساهم في العصف بالسلام الداخلي الذي يشعر الإنسان به حال نشأته على دين الأغلبية، وساهم في إذكاء الشعور بالحصار في نفسه.
كما أن ألمانيا أيضا كانت ولا تزال من معاقل الفكر المادي التنويري الحداثي المعادي للمؤسسة الكنسية وللدين بصفة عامة.
إن أوروبا الغربية وبصرف النظر عن الإحصائيات التي تبين أعداد أصحاب كل دين، تعاني من نسب متزايدة من المبتعدين عن الدين والتدين بصفة عامة، حتى أن كل الإحصائيات تشير إلى أن نسبة أتباع أي كنيسة تتراوح من 20% إلى 30% على أقصى تقدير، وهؤلاء فقط هم الذين يتوزع ولاؤهم على الكنائس المختلفة. أما الباقون فهم إما لا دينيون أو يتبعون أديانا أخرى وعلى رأسها الإسلام.
إن أوروبا التي كان من المفروض أن تكون العمق الطبيعي للمسيحية الغربية هي مصدر أشد الضربات التي توجه إلى الدين والتدين المسيحي. فما أشبه الليلة بالبارحة! لقد وحَّد القلق من أوروبا ومن الإسلام بين الإمبراطور الأرثوذكسي القديم وبين البابا الكاثوليكي الحديث.
الكاثوليكية وآخر الفرسان
إن الكنيسة الكاثوليكية تقف وحدها تقريبا في الغرب المسيحي مدافعة عن المرجعية الخلقية الإلهية وعن مؤسسة الأسرة والزواج رافضة الإجهاض، وكل ما يعارض المعتقدات المسيحية ذات المرجعية الدينية الثابتة.
بينما ظاهرة الشواذ والمثليين والتحرش بالأطفال ظواهر مجتمعية في الغرب تضرب بجذورها في الأسس الأيديولوجية لحضارة التنوير والحداثة الغربية منذ أن وضعت في عصور النهضة وما نتج عن ذلك من انهيار للمرجعيات، وهي أمور لا تمثل فضائح بالنسبة للطوائف الأخرى التي تمثلت مبادئ تلك الأيديولوجية بالكامل. ولكنها تمثل فضائح بالنسبة للطائفة المسيحية الغربية الكبرى التي لا تزال تتمسك بالمرجعيات الدينية الثابتة وبالأخلاق التي وضعها الله لعباده تسلط عليها أضواء وسائل الإعلام في عصر ما بعد الحداثة الذي تخلص من المرجعيات.
إن ما يقال عن الفضائح الخلقية لكهنة الكنيسة الكاثوليكية والتي يسلط عليها أشد الأضواء في أمريكا ذات الأغلبية البروتستانتية التي لا ترى في هذه الأمور فضائح بالنسبة لها هو في الحقيقة شهادة إيجابية للكنيسة الكاثوليكية، وهو أيضا إشارة إلى المتساقطين من رجالها تحت مطارق اللامرجعية التنويرية لعصر ما بعد الحداثة. انظروا إلى الطوائف الأخرى ستجد فيها نفس تلك الظواهر، لكن أصحابها يتحركون بحرية في السلم الهرمي لكنيستهم، حيث لا أحد هناك يستطيع أن يشير إليهم بإصبع الاتهام إلا بناء على رأيه الشخصي الذي لا يأبه به أحد وذلك بعد الاستغناء عن المرجعية الإلهية الثابتة.
واقع محبط
ترى كم تركت تلك الأيديولوجية المادية الفكرية (التي يمكن اعتبارها طبيعة لصيقة بالشخصية الغربية) من الآثار على المؤسسات الكنسية ومنها الكنيسة الكاثوليكية، إن هناك مؤشرات تاريخية تشير إلى أن خروقات كثيرة حدثت وكان من مظاهرها وفاة البابا "جون بول الأول" في 28 سبتمبر 1978 فجأة بدون مرض أو مقدمات بعد 32 يومًا فقط من اعتلائه كرسي البابوية في حادث مفاجئ ثم التكتم عليه بشدة عندما ظهر أنه يحاول إجراء بعض الإصلاحات الإدارية والمالية الجذرية في مؤسسة الفاتيكان وخصوصا بنك الفاتيكان.
إن الكنيسة الكاثوليكية اليوم في وضع يصيب بالإحباط فهي ليست في أوج قوتها وسلطانها على مؤسساتها وعلى المؤمنين.
كما أن الأيديولوجية المادية ومؤسساتها التعليمية الإعلامية النافذة في المجتمعات الغربية تأكل من أتباعها في الغرب باستمرار بتحويلهم إلى لا دينيين، بالإضافة إلى أن المجتمعات الغربية المتناقصة العدد تحتاج إلى الأيدي العاملة الفتية وأهم مصادرها هو العالم الإسلامي (ذلك العدو القديم)، وذلك لكي تحتفظ بعجلات حضارتها دائرة.(2/142)
وفي ظل ثورة المعلومات والاتصالات ورغم أن سيوف اليوم وسهامه (وهي الصواريخ عابرة القارات والقنابل النووية) مشرعة في وجه العالم الإسلامي لنشر عقيدة الليبرالية وديمقراطية واقتصاد السوق، فإن الإسلام يشق طريقه في العقل الجمعي ليس للغربيين الأفراد وحدهم، ولكن حتى في المراجع الدينية والمؤسسات المختلفة بما فيها المؤسسات الكنسية التي لم تعد تستطيع (كما فعلت من قبل) أن تدعي في عصر ثورة المعلومات على العقيدة الإسلامية ما ليس فيها بدون أن ينكشف هذا الادعاء.
إن تاريخ الادعاء على الإسلام بما ليس فيه ارتبط دائما في العقل الجمعي المسيحي الغربي بالشعور بالحصار والانكشاف في مواجهة المسلمين. فقد أطلقوا على المسلمين اسم المحمديين وادعوا عليهم ما ليس في معتقداتهم. ولا تزال الكتب الكنسية القديمة غاصة بكل عجيب من الافتراءات. إن البابا على الأقل لم يقل إن المسلمين يعبدون محمدا كما ادعى أسلافه في القرون الوسطى، ولكنه وجه سهام النقد إلى الطريقة التي تم بها في نظره نشر الإسلام على أنها لا ترضي الرب وهذه نقطة تحسب له. خلاف الكنيسة الكاثوليكية مع الإسلام إذن يمكن أن يوصف بأنه خلاف في (الفروع) وليس في الأصل الأكبر وهو عبادة الله الواحد خالق الكون والإنسان.
إن الإسلام والكاثوليكية والأرثوذكسية وكل المؤمنين بالله وكل المؤمنين بالمرجعيات الخلقية في خندق واحد في حقيقة الأمر ضد اللادينيين والمادية واللا أخلاقية. وهذا البابا الألماني التقليدي المحافظ يشعر أنه محاصر داخل أسوار الفاتيكان، بينما تناوشه المؤسسة المادية الغربية المتنفذة من كل جانب وتأكل من اختصاصاته القليلة الباقية وتلتهم أتباعه المتناقصين.
والإسلام الفتي الناهض الذي تدق أفكاره وعقيدته أبواب الحصون المادية الأوروبية ويزداد ظهور أتباعه فيما كان في الماضي يعتبر من حمى الكنيسة الكاثوليكية يسبب له مزيدا من التوتر.
وهذه العوامل كلها تجعل البابا يشعر بأنه محاط به وتجعله لا شك يقلب في أوراق التاريخ وينظر في أحوال مَنْ كان في مثل موقفه لعله يلتمس منهم السلوى.
** أكاديمي مصري.
=============
#البابا والإسلام.. الخلفية التاريخية للخطاب*
السيد ولد أباه**
محاضرة البابا بين اللاهوت والسياسة
لقد غاب عن الكثيرين، بل عن البابا بنديكت السادس عشر نفسه، أن الرجل الذي كان يحاضر في منطقة "البافير" الألمانية حول تجديد الدين المسيحي ليس رأس المؤسسة الكاثوليكية بل رجل اللاهوت المتفلسف "جوزف رازينغر"، الذي عرف قبل اعتلائه مركز البابوية بتكوينه الفلسفي اللاهوتي الصلب وميله للحوار حول موضوعات الدين والعقلنة والتقنية في المجتمعات الغربية التي انهارت فيها المؤسسة الدينية، وانحسرت فيها المعتقدات المسيحية.
فالرجل الذي انتخب في أبريل 2005 خلفا للبابا البولندي -الذي عرف بحسه الانفتاحي وميله للحوار مع الثقافات والديانات الأخرى وعلى الأخص الإسلام- لم يكن يعرف عنه الكثير خارج الوسط اللاهوتي الكاثوليكي الضيق، على الرغم أنه نشر سيرة ذاتية مفصلة بعنوان "حياتي" يسرد فيها مساره الثقافي والديني في المرحلة الممتدة من ميلاده (1927) إلى عام 1977.
نقطتان أساسيتان
وقد كتبت عن البابا الجديد عدة كتب في السنتين الأخيرتين، اتفقت في نقطتين أساسيتين:
أولاهما: أن الأسقف الذي بدأ منفتحا مجددا في المجمع الفاتيكاني الثاني، تحول في السنوات الأخيرة إلى وجه محافظ متشدد يتبنى أكثر المواقف الكنسية انغلاقا، مما جر عليه سخط بعض الأساقفة الأقرب لسلفه.
ثانيتهما: أن الرجل مهووس بسبل تجديد الإيمان المسيحي وتدعيم حضور المؤسسة الكنسية في المجال العام وفي الحقل الاجتماعي والقيمي.
وعلى عكس بعض التيارات المسيحية الساعية لتبني المنطلقات والمفاهيم التحديثية داخل النسيج العقدي والقيمي للمسيحية كتيارات لاهوت التحرر والتفكيكية اللاهوتية والنزعات الإنجيلية الأمريكية.. يرى البابا بنديكت أن تجديد الديانة المسيحية لا يكون إلا بمحاربة الفكرتين الرئيسيتين اللتين جرفتا الحداثة الغربية خارج الدين وهما: النزعة العقلانية المشطة الرافضة للوحي، والعلمانية النابذة للأخلاق والمفضية للتصورات النسبية للقيم.
ولم يفتأ جوزيف رازينغر يعبر عن هذه الأفكار في كتاباته اللاهوتية والفلسفية الغزيرة. ومن أهم هذه الكتابات حواره الثري مع الفيلسوف الألماني الأشهر "يورغن هابرماس" حول "الأسس الأخلاقية ما قبل السياسية للدولة الليبرالية" (نشرت مجلة اسبري أوراق هذا الحوار في عددها بتاريخ يناير 2004).
ففي حين دافع هابرماس عن الدولة العلمانية الحديثة القائمة على التقليد العقلاني الأنواري (شرعية استقلال الذات الراشدة والتصور الأداتي الإجرائي للقيم الجماعية).
يتحدث رازينغر عن الهوة المتفاقمة بين عقلانية تقنية جامحة خارج السيطرة وممارسة دينية صارت عقيمة لأنها أقصيت من أطر الفاعلية.
نزعة مناوئة للتعدد
ويذهب إلى حد الكلام عن "مرض العقل الغربي" معتبرا أن الثقافة الغربية هي في آن واحد بنت الديانة المسيحية والعقلانية اليونانية، ولا يمكن أن يقوم توازنها إلا عن هذين المنبعين معا. فأخطر ما عانت منه هذه الثقافة هي الانحراف تحت إغراء المفاهيم النقدية والتاريخية إلى فكرة التعددية الثقافية وحق الاختلاف، مما انجر عنه تقويض مفهوم العقلانية الكونية، من جهة و"كونية الوحي المسيحي" من جهة أخرى.
ومن الواضح أن العقلانية التي يدافع عنها البابا الكاثوليكي ليست عقلانية الأنوار ذات النزعة الإنسانية التاريخية ولا العقلانية النقدية التفكيكية المعاصرة، بل العقلانية اللاهوتية النسقية العتيقة المتجاوزة.
من هذا المنظور يندرج كلامه الجارح ضد الإسلام في سياق تمسكه بالسياح اللاهوتي الكاثوليكي الوسيط، ونزعته المناوئة لمقولة التعددية القيمية التي هي الخلفية النظرية والمرجعية لفكرة حوار الديانات والحضارات.
ثلاث أوجه
وإذا كانت بعض المؤشرات السابقة تكشف عن موقفه المتعصب من الإسلام، كاستقباله للصحفية الإيطالية أوريانا فالاشي التي اشتهرت بكتاباتها العنيفة الحاقدة والعنصرية ضد الإسلام والمسلمين في سبتمبر 2005، إلا أن الفقرات التي وردت في محاضرته الأخيرة حول المقارنة بين التصور الإسلامي للإلوهية "المناقض للمقولات العقلية" والتصور المسيحي "ذي المسحة العقلانية الإنسانية" تندرج في ما أشرنا إليه من هاجس تجديد الممارسة الدينية في المجتمعات الغربية بإرجاعها لجذورها الدينية التي تمردت عليها.
فالحديث عن الإسلام في هذا السياق، له أوجه ثلاثة مترابطة يحيل أولها إلى ما يعتبره البابا التحدي الخطير الذي تطرحه هذه الديانة التي تحولت إلى الدين الثاني في البلدان الغربية على الانسجام العقدي والثقافي في الوسط المسيحي الرئيسي.
في حين يحيل الوجه الثاني إلى الخلفية اللاهوتية المعروفة للصدام العقدي المسيحي ـ الإسلامي (درسها باستفاضة الباحث التونسي عبد المجيد الشرفي في كتابه الضخم الذي تناول فيه تجربة الحوار الإسلامي المسيحي في العصور الوسيطة).(2/143)
أما الوجه الثالث فيتعلق بالحوار الدائر راهنا حول الخلفية الدينية والفكرية لـ"الإرهاب الإسلامي" الذي عانت منه بعض المدن الغربية الكبرى.وإذا كان البابا بنديكت قد أسف لردود فعل المسلمين المحتجة على محاضرته المسيئة متذرعا بأن الفقرة المقصودة في كلامه كانت استشهادا من العصور الوسيطة لا يوافق على مضمونه، إلا أنه من البين أن موقفه الذي يعيد بالعلاقات الإسلامية ـ المسيحية إلى ما قبل المجمع الفاتيكاني الثاني، يتنزل في إطار الحوار المسيحي الداخلي بين نزعة حوارية منفتحة من أهم ممثليها العالم اللاهوتي السويسري المرموق "هانز كونغ" الذي تردت علاقته بالفاتيكان في العقود الماضية، ونزعة اقصائية مغلقة عاجزة عن التحرر من النظرة الصليبية العدوانية المستبطنة في الأطروحات الاستشراقية واللاهوتية السائدة.
* المقال نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 21-9-2006.
** كاتب موريتاني.
===============
#
...
... ...
... ...
...
* العشماوي.. شموخٌ في زمن الانكسار
...
... ...
... ...
"يا أيها البابا" قصيدة للعشماوي
النطاق الثقافي
العشماوي يهجو بابا الفاتيكان
يعد الشاعر "عبد الرحمن العشماوي" أحد شعراء الصحوة الإسلامية، فهو من حاملي هم الأمة الإسلامية على خطى الألم والأمل في التغيير والتحول نحو الأفضل.
وهو في ذلك يسخر شاعريته العالية ومقدرته على تلمس مواطن الألم والظلم إلى شعر ينطلق به ليحقق أهدافه التي حملها على عاتقه منذ حداثة سنه.
ويلحظ المتابع له أن شعره يصدر عن عاطفة إسلامية تفيض بالمشاعر الصادقة تجاه أمته الإسلامية وآلامها وآمالها، فكتب سابقا عن أفغانستان والعراق والشيشان وفلسطين، وفي كل مواطن الألم الإسلامي، وفي الإساءة الأخيرة على رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم نراه مدافعا قويا عن الإسلام وأهله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذه قصيدته الجديدة التي خطها ردا على إساءة البابا بنديكت السادس عشر ليكون نموذجا للشاعر الذي يتعامل بشعره مع هموم أمته.
يا أيها البابا..
د. عبد الرحمن صالح العشماوي
أَقْصِرْ، فأنتَ أمامَ وهْمٍ حاشدِ
يا من عَبَدْتَ ثلاثةً في واحدِ
أَقْصِرْ، فموجُ الوهْمِ حولكَ لم يزَلْ
يقتاتُ حبَّةَ كلِّ قلبٍ حاقدِ
أَقْصِرْ فدونَ رسولِنا وكتابِنا
خَرْطُ القَتَادِ وعَزْمُ كلِّ مجاهدِ
يا أيُّها البابا، رويدَكَ إِنَّنا
لنرى التآمُرَ في الدُّخانِ الصاعدِ
في دينِنا نَبْعُ السلامِ ونهرُهُ
نورٌ يَفيضُ به تبتُّلُ راشدِ
فَلَنحنُ أوسطُ أمَّةٍ وقفتْ على
منهاجِ خالقِها وقوفَ الصامدِ
إنا لنؤمنُ بالمسيحِ ورَفْعِهِ
ونزولِهِ فيا نُزولَ الرَّائدِ
فعلامَ تصدُمنا بشرِّ بضاعةٍ
معروضةٍ في سوقِ وَهْمٍِ كاسدِ؟؟
أنْساكَ تثليثُ العقيدةٍ خالقاً
فَرْداً يتوقُ إليهِ قلبُ العابدِ
أبديتَ بغْضاءَ الفؤادِ وربَّما
أخفيْتَ منها ألفَ عقدةِ عَاقدِ
أَتُراكَ تُدركُ سوءَ ما أحدثتَهُ
ممَّا اقترفتَ منَ الحديثِ الباردِ؟
عجباً لعقلِكَ كيفَ خانَكَ وَعْيُهُ
حتَّى أسأتَ إلى النبيِّ القائدِ؟!
هذا محَّمدُ، أيُّها البابا، أما
يكفي منَ الإنجيلِ أقربُ شاهدِ؟
بقدومِهِ هتفَ المسيحُ مبشِّراً
بُشرى بموعودٍ لأعظمِ واعدِ
قامتْ عليكَ الحجَّةُ الكبرى فلا
تُشْعِلْ بها نيرانَ جمرٍ خامدِ
إنْ كانَ هذا قَوْلَ مُرشدِ قومِهِ
فينا، فكيفَ بجاهلٍ ومُعانِدِ؟!
ما قيمةُ التَّاجِ المرصَّعِ، حينما
يُطْوَى على وَهْمٍ ورأيٍ فاسدِ؟
يا أيُّها البابا، لدينا حُجَّةٌ
كالشمسِ أكبرُ من جُحود الجاحدِ
مليارُنا حيُّ الضمير، وإنْ تكُنْ
عصفتْ بهِ منكمْ رياحُ مُكايدِ
قعدَتْ بأمَّتِنا الخطوبُ، ولنْ ترَوْا
منها إذا انتفضَتْ تَخاذُلَ قاعد
===============
#عفوًا قداسة البابا!! هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم
د. خالد الطراولي **
هل يمكن أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم نكرة حتى نواصل تقديمه إلى الناس؟ هل يمكن أن يكون هذا الرجل العالمي مجهولاً عند الناس، ويدين بديانته خمس سكان الأرض؟ هل يعقل أن تغيب شخصية هذا النبي الكريم عن البعض، وهي التي لم يترك جانب منها خاص أو عام، وفي أصغر تفصيلاته، إلا ملأت الكتب والمعاجم، واستوطنت الصدور وملأت الأفاق؟ هل يعقل ألا يعرف قداسة البابا قصة هذا الرجل الطيب، وما حمله للبشرية من جديد وتجاوز للقديم، ومن ورائه قصة أمة وقصة دين؟
سوف نبني على حسن النوايا وندعو قداسة البابا، لمرافقتنا في هذه الرحلة القصيرة، نحو جانب بسيط من حياة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتعامله مع الآخر.
وسنقتصر على مشاهد تروي العلاقة التي أفرزها مجيئه الكريم على التقارب بين أتباع عيسى عليه السلام وأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي محطة نخالها إحدى هذه التعبيرات الإنسانية، لهذا الرجل الصالح عليه الصلاة السلام ومحبته؛ للتعارف والتقارب بين الأمم والشعوب، وبين الثقافات والأديان.
تبجيل وتشريف
كانت آل عمران -ثاني أكبر السور القرآنية- تحمل اسم أسرة المسيح عليه السلام، ثم تفاجئنا سورة تحمل اسم العذراء -السيدة مريم عليها السلام- تشريفًا وتكريمًا لها، ولن تجد في المقابل اسم فاطمة ولا خديجة ولا عائشة ولا الحسن ولا الحسين، كعناوين بارزة أو ذكرًا مباشرًا، وهم من البيت النبوي وأقرب الناس إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وذكر القرآن الكريم سيدنا عيسى عليه السلام بالاسم 25 مرة، بينما لم يذكر محمد صلى الله عليه وسلم إلا 5 مرات! ولن تجد أحداثًا خاصة وعصيبة مرّ بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من موت أم وأبناء وبنات وزوجة وجدّ وأعوام حزن وفراق، وسوف تجد بالمقابل سردًا تفصيليًّا لمولد المسيح عليه السلام من قبل الإنشاء إلى حد الرفع.
هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم جعل من النصارى أقرب الناس إلى المسلمين: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُو?اْ إِنَّا نَصَارَى ذالِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} (المائدة: 82).
وهذه الدعوة القرآنية تأكيد مباشر على خاصية الرهبنة والرحمة والمحبة والتواضع في قوم عيسى عليه السلام، ودعوة للعدل المتبادل بين قوم عيسى عليه السلام، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم حيث تسطّر المودة أحلى إطار إنساني لها.
وسنتجاوز آيات التبجيل والتمجيد والتكريم للمسيح وأمه الصديقة التي ملأت أرجاء القرآن، لترسو سفينتنا على هذا التعظيم الذي حمله هذا النبي الكريم نحو المسيح، بأن تنبأ له بالعودة إلى الأرض في آخر الزمان؛ ليحمل مشعل الإسلام، ويواصل المشوار دفاعًا عن المؤمنين.
هلال وصليب
وكان لقاء عجيبًا الذي جمع هذا الرجل الطيب عليه الصلاة والسلام مع نصارى نجران، حيث جاءوا إلى المدينة والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوته وبين أهله وذويه، وجاء القوم من بلادهم وهم ضعاف ينظرون ماذا سيفعل بهم هذا الرسول الذي لا يؤمنون ببعثته.
ودخل 60 فردًا على الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده، وهم يلبسون أحلى ما رأى الناس حتى قيل لم نرَ وفدًا مثلهم، ولم يغضب الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الاستعراض وهذه الجلبة وهو في محرابه، بل استقبلهم داخل مسجده وبجانب محرابه، وفي موطن عبادته وتوحيده.(2/144)
ولما حان وقت صلاتهم، اتجهوا نحو المشرق، وأرادوا أداءها في المسجد، وفي اتجاه مخالف لاتجاه المسلمين.. تثليث وصلبان وصلاة مغايرة في مقابل التوحيد وصاحب الرسالة، ورفض الصحابة هذه الإثارة، ولعلّ البعض رآها استفزازًا.
ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قَبِل ذلك، وطلب من أصحابه الأفاضل السماح للضيوف الكرام أداء صلواتهم في المسجد، على مرمى عين صاحب الرسالة؛ احترامًا لعيسى وآل عيسى وأتباع عيسى عليه السلام.
ولقد بقي هذا الجمع يسكن المسجد لأيام، في ضيافة النبي صلى الله عليه وسلم، يأكلون ويشربون ويصلون وينامون، دون إزعاج أو مضايقة أو منع أو تنديد.. هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم!.
إخوة ومواطنة
ولقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يعود المرضى من غير المسلمين، ويزور جيرانه، ولو لم يكونوا من أصحاب ديانته، ولا يبخل على الإحسان إلى محتاجهم. وقد وقف ذات يوم عند مرور جنازة احترامًا لجثمان الميت، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال عليه الصلاة والسلام: "أليست نفسًا".. تذكيرًا بأصل الخِلقة وتكريم الخلق على اختلاف مشاربهم وأجناسهم وأديانهم وثقافاتهم.
قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس.. إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فيبلغ الشاهد الغائب".
ولن يقف هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام موقف المحايد أو الشامت أو الداعي إلى الخلاص، ممن رفض دينه وعايشه في وطن، علت فيه قيم المواطنة على انتماءات العقيدة والجنس، وغلبت فيه لغة حقوق الإنسان مهما غربت أو شرقت وجهته الدينية، فكان دستور المدينة تعبيرًا فريدًا وإفرازًا نوعيًّا وإنشاء قانونيًّا جديدًا، جمع تحت بنوده أمة محمد والأمم الأخرى التي تساكنه نفس الوطن لها ما لهم وعليها ما عليهم.
ولن يتوقف هذا المدد الإنساني الذي حمله محمد صلى الله عليه وسلم بين دفتي رسالته، بل تجاوزه إلى اعتبار ديني غليظ، يصبح فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سندًا روحيًّا مباشرًا لأهل الديانات الأخرى، إذا طالهم ظلم أو حيف أو انتقاص: "ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة".. هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم!.
لقد كان في كتاب النبي الكريم إلى أهل نجران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، وهذه الآية تبني علاقة الاحترام والتعارف بين الأديان والثقافات والتي حملها رجل جاء رحمة للعالمين!.. هذا يا قداسة البابا هو محمد صلى الله عليه وسلم!
=============
#البابا بيندكت.. تسييس الدين لخدمة أمريكا
معتز سلامة**
بابا الفاتيكان
جاءت تصريحات البابا بيندكت السادس عشر لتلقي بالكنيسة خلف السياسة ولتغلف أجواء من الماضي عمل الجانبان الإسلامي والمسيحي طويلا على تلافيها والتخلص من أعبائها التاريخية الثقيلة. فهل جاء تصريح البابا عن جهل بالآخر، أم جاء ليؤرخ لحقبة جديدة من علاقة الكنيسة بالدولة في الغرب وعلاقة الغرب بالعالم الإسلامي؟.
فقد ألقت تصريحات البابا بيندكت السادس حول الإسلام بالضوء على الخلفية العلمية والتوجهات المحافظة المنغلقة للبابا بيندكت السادس عشر؛ فليس هذا التصريح إلا قمة جبل الثلج التي تخفي تحتها قناعات شخصية خاصة بالبابا وعلماء اللاهوت والمتخصصين الأكاديميين في المعاقل الدينية في الغرب، بشأن القرآن والإسلام، كما أنها ليست أول ملاحظة سلبية يبديها البابا حول الإسلام.
فقد روى الأب جوزيف د.فسيو تفاصيل الحلقة الدراسية التي حضرها مع البابا بيندكت في سبتمبر 2005 حول الإسلام. حيث قال البابا -كما روى الأب جوزيف-: إنه في العرف الإسلامي أعطى الله كلمته إلى محمد، لكن هذه الكلمة أبدية، وهي ليست كلمة محمد، فهي موجودة إلى الأبد مثلما نزلت من دون تغيير ولا مجال لتعديلها أو تفسيرها، وهو -كما يرى البابا- جوهر الخلاف بين الإسلام والمسيحية واليهودية. وطبقا للأب د. فسيو فإن بيندكت يفهم القرآن على أنه "شيء سقط من السماء ولا يمكن تعديله أو تطبيقه"، وهو نوع من الجمود.
قناعات مفارقة ورؤية منغلقة
ويتضح من رواية د. فسيو أن البابا بيندكت ليس من طائفة الباباوات المنفتحين، مثل البابا السابق يوحنا بولس الثاني، وإنما هو من طائفة الباباوات المحافظين المنغلقين على معارفهم بالآخر من خلال تفاعلاتهم الذاتية والمعرفة المتوارثة من الكتب التي تضمنت أسوأ خبرات الاحتكاك بين الحضارتين وليس المعرفة المرتبطة بالعصر والتي تتراكم من خلال الاحتكاك المعاصر بالآخر.
وهذه القناعات الخاصة بالبابا تمثل مفارقة تامة مع القناعات التي أرساها البابا السابق، فبينما نأت الكنيسة الكاثوليكية بنفسها عن السياسة وتمكن البابا يوحنا بولس الثاني من رسم معالم هذه السياسة وتجذيرها على امتداد عقود بابويته، فإن البابا الجديد يضع بتصريحاته ورؤاه المحافظة العلاقة بين الكنيسة والدولة على محك قد يجعل الكنيسة خادمة للسياسات الغربية أو الأمريكية المحافظة تحديدا.
وعلى مستوى علاقة الكنيسة بالدولة في الغرب، فإن هذه التصريحات تأتي في ظل الإدارة الأمريكية الراهنة التي يتحكم بها المحافظون الجدد، وصحيح أنه ليس وراء السياسات الأمريكية توجيهات كنسية مباشرة، إلا أنه من الملاحظ اتجاه عدد من السياسيين الأمريكيين -وعلى رأسهم الرئيس بوش نفسه- إلى إقحام المصطلح الديني على قاموس العلاقات الدولية. وتكثيف رؤية الآخر -وتحديدا العالم الإسلامي- من منظور معين يحصره في معاني: التأخر، والتخلف والإرهاب ومحدودية العقل، ويسلط الضوء على لقطة من أسوأ لقطات التماس بين الإسلام والمسيحية في العصور الوسطى، وهي لقطة مشوهة أيضا في علاقة الكنيسة بالدولة والسلطة الروحية بالسلطة الزمنية في الغرب.
تصريحات بيندكت والسياسة الأمريكية
وعلى مستوى السياسة الأمريكية، فإن هذه التصريحات تأتي في ظل تكرار أكثر من تجربة غزو واحتلال لبلد عربي إسلامي، وقد حرصت الكنيسة الكاثوليكية في عهد البابا السابق على النأي بنفسها عن كل ذلك. وفي يوم ما حينما كانت الطائرات الأمريكية تقصف كابول وبغداد، لم يحمل أي شخص عاقل في العالم الإسلامي البابا السابق أي ذنب في احتلال أي بلد عربي أو إسلامي، وكان الجميع باستطاعتهم التفريق بين سلوك إدارة بوش والبابا المعتدل يوحنا.
وفقط المهووسون بالصراع الديني وبالعداء للآخر هم الذين كانوا يتحدثون عن مؤامرة تبشيرية. لكن من شأن تصريحات البابا الجديد أن تقذف بالكنيسة في قلب الصراع الجاري بين السياسة الأمريكية والعالم الإسلامي. وذلك قد يعمل على تقريب الكنيسة في صورة العقل الإسلامي أكثر بسياسة أمريكا في المنطقة العربية والإسلامية وتوجهات المحافظين الجدد بشأن تقسيم المنطقة علي أسس محض طائفية ومذهبية، بدلا من كونها في قلب الغرب الأوروبي الذي عقلنته خبرات الصراع والتجارب مع العالم الإسلامي.(2/145)
وعلى مستوى حوار الحضارات، فإن تصريح البابا الجديد، قد يوجه ضربة لما بذل من جهود في مجال حوار الحضارات، وقد يفسح المجال لبروز أطروحات الصراع بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية على نحو خاص، ومن ثم يؤدي لتكريس أطروحة صامويل هانتنجتون حول صدام الحضارات.
ولقد كانت تجربة حوار الحضارات مفيدة جدا لكلا الجانبين، فبرزت معاقل فكرية ومسارات أكاديمية وبرامج بحثية تحت مسمى حوار الحضارات يتم دعمها من الجهات المعنية ومن الحكومات، وهي برامج ومعاهد استوعبت في إطارها كل المخاوف السابقة التي كانت تدور حول الغزو الفكري أو الغزو الثقافي، حيث أصبحت كل الأفكار تطرح وتناقش من دون خوف وفي إطار من الشعور بالندية وعلى قدم وساق. ولولا هذه البرامج المتعقلة التي تم تأسيسها منذ سنين قليلة لربما كانت نتائج تصريحات البابا أكثر اتساعا في تداعياتها السلبية، لذلك كان من اللافت أن الأطروحة الغالبة في العالم الإسلامي -كرد على تصريحات البابا الأخيرة- كانت أطروحة الاعتدال وليس أطروحة التطرف.
وقد كان على رأس تلك الدعوات من دعا إلى مزيد من الحوار بين الحضارات لمعرفة الآخر، ومن ألقى باللوم على الذات لقصور التوجه إلى الآخر، وعلى الجانب المسيحي هناك من انتقد البابا بشكل أكثر وأشد من انتقادات بعض المسلمين له على أنه لا يعرف التاريخ جيدا ولا يعرف علاقة المسيحيين والمسلمين في الشرق، وليس على دراية بعلم الأديان المقارنة، وحصر نفسه في دراسة اللاهوت.
تكريس "الدورة الخبيثة"
وعلى مستوى التفاعلات داخل العالم الإسلامي، فقد جاءت تصريحات البابا في ظل مراجعات كبرى في العالم الإسلامي، صحيح أنه لا تزال هناك جماعات عنف يدعمها ويغذيها استمرار الصراع والحرب في أفغانستان والعراق ولبنان والسودان والصومال، ولكن بالمقابل فإن صوت الاعتدال يزداد في العالم الإسلامي، وهناك جماعات أعلنت مبادرات لوقف العنف في مواجهة دولها وخطّأت طروحاتها السابقة في إطار مراجعات شاملة لفكر قادتها الأوائل.
وهناك بعض الجماعات الإسلامية المعتدلة التي شاركت في الحكم من خلال انتخابات حرة نزيهة، وهناك موجة جديدة من الدعاة الجدد ممن تفننوا في الخروج على القنوات الفضائية من خلال تبسيط مفاهيم الدعوة ولا يترددون في اقتناء كل جديد من مظاهر الحضارة في اللبس والعادات، وهم في الأغلب من جيل جديد يؤمن بالحوار في الداخل والانفتاح على الخارج في إطار موجة من عولمة الدين. وهذه كلها عوامل تجعل الأطروحة المتسيدة في العالم الإسلامي حاليا أطروحة الاعتدال أكثر منها أطروحة الصراع والعنف.
هذه العوامل السابقة جميعها توضح أن تصريحات البابا كانت منفصلة عن السياق تماما فيما يتعلق بالعالم الإسلامي، وجاءت في غير وقتها، ولكنها لم تكن منفصلة عن السياق في العالم الغربي بعد 11 سبتمبر، ولم تكن منفصلة عما يدور في الأروقة الأكاديمية الدينية وغير الدينية في الغرب أو لدى قطاعات من الرأي العام الغربي.
ومن خلال تتبع التداعيات المختلفة التي يمكن أن تخلفها تصريحات البابا، يتضح أن هناك تسييس للدين وتديين للسياسة تتضح أكثر ما تتضح في مواقف البابا والسياسة الأمريكية؛ فهذه التصريحات التي أطلقها البابا تخدم بقصد أو من غير قصد السياسة الأمريكية في الآونة الراهنة تحديدا، حيث تواجه الولايات المتحدة مأزقا حادا في العراق وأفغانستان، وتتنامى الدعوات بالانسحاب مع تأكيد استطلاعات الرأي تراجع شعبية الرئيس بوش، ومن ثم تلقي تصريحات البابا بمزيد من الوقود الذي يبرر وجود الجيش الأمريكي، ويخلق مسوغا آخر لاستمرار الحملات الأمريكية على دول إسلامية مهما كانت التكاليف بحجة تغيير الآخر والتدخل لتغيير عقلية الآخر.
ومع إدراك ما لهذه التصريحات على الجانب الآخر من تأثير يتمثل في إخراج أسوأ ما في العالم الإسلامي؛ من مظاهر الهمجية وسفك الدماء التي ترتكب باسم الدين وردا على تصريحات البابا، ومن ثم تكريس "الدورة الخبيثة"، فإذا كان الإسلام يتهم بالتطرف والإرهاب وانتفاء العقل فإن الاتهامات نفسها والشتائم وردود الفعل عليها لا تسمح للمسلمين ولا تدع لهم الفرصة لإظهار الوجه الحقيقي، أو الوجه الآخر للإسلام.
وفي هذه الآونة تحتاج إدارة بوش لدعم الرأي العام وتحتاج إلى فتح كل الأورام في علاقة الإسلام بالغرب، والتي تبرر بقاءها وتعطي مبررًا دينيًّا للنقاوة في تغيير الآخر، وبينما تحبط قوى الاعتدال في العالم الإسلامي مخطط أمريكا، فإن قوى التطرف تطيل فترة بقائها ويحتاج الرئيس بوش إلى ما يبرر بقاءه العسكري مع استحكام فشله السياسي.
التداعيات الإقليمية.. مؤامرة مقصودة
ومن يرى أن تصريحات البابا تأتي في سياق مؤامرة مقصودة على الإسلام يعتقد بأن دلائل هذه المؤامرة واضحة منذ 11 سبتمبر، متمثلة في "ذلة اللسان" التي وقع فيها الرئيس بوش حول الحروب الصليبية، وتصريحات رئيس الوزراء الإيطالي السابق برلسكوني الذي كان قد قال عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 مباشرة: "أن الحضارة الغربية أرقى من الإسلام"، والرسوم الكاريكاتورية الدانماركية المسيئة للنبي محمد، وأخيرا تصريحات البابا.
وقبل هذا وذاك الحملات التي قادتها الولايات المتحدة ضد دول إسلامية، والتي يرى فيها الكثيرين في العالم الإسلامي موجهة إلى الإسلام، ويرى هذا الفريق أن الغرب متمثلا في الدولة والكنيسة والرأي العام أعلن مواقف عدائية تنم عن جهل بالإسلام، وعلى الرغم من أن هذا الفريق يضم الأكثرية في العالم الإسلامي، إلا أن تياراته تتوزع على مشارب مختلفة، فهناك التيارات الدينية العنيفة وغير العنيفة، وهناك جماعات الإسلام السياسي التي وصلت للحكم، وهناك المفكرون وعامة الرأي العام، وهذه الفئات جميعها تختلف في ردود فعلها.
وضمن هذه الفئات يمكن أن تشهد قيام بعض الجماعات المتطرفة بممارسة العنف الداخلي ضد رموز مسيحية أو كنائس مسيحية، وازدياد الفتنة الداخلية، وتعريض الدول الإسلامية لمزيد من العنف والصراع الداخلي والانفعالات الخارجة على العقل، ومن ثم تقع في شرك تأكيد مقولة البابا، وهذا يكرس العلاقة المتأزمة داخل العالم الإسلامي، ويضغط على التركيبة الداخلية للمجتمعات الإسلامية، ويزيد من حملة تشويه الإسلام.
كما أن أشد ما يضغط هذا التصريح على المسلمين المقيمين في البلدان غير الإسلامية وخصوصا في أوروبا، حيث يمكن أن يوضعوا في محل الشبهات وأن تُساء إلى علاقاتهم في البلدان التي يقيمون فيها، وأن يتجه خطابهم إلى مزيد من التطرف والخصام مع مجتمعاتهم والانزواء عنها، بدلا من التوازن والتصالح مع الآخر.
إن ما يظهر ذلك أن أول الإجراءات التي اتخذت أو أعلن عن اتخاذها هو رفع مستويات الاستعداد الأمني حول الفاتيكان والمقر البابوي، مما يكرس صورة للتطرف الإسلامي الذي يطال البابا الكاثوليكي ومعقل الدين المسيحي! وقد قدمت جماعات إسلامية ما يبرر ذلك بإطلاقها البيانات والخطب التي تهدد الفاتيكان والبابا شخصيا.(2/146)
كل ذلك يوضح أنه في الوقت الذي كان العالم في أحوج ما يكون إلى الأمن الدولي بعد 11 سبتمبر، فيبدو أن متطلبات السياسات الأمريكية في الميدان والرأي العام الداخلي خلق حالة من الخدمة المتبادلة غير المقصودة بين الكنيسة والدولة في الغرب لتخدم الأولى في مد الثانية بالطاقة الروحية للحملات العسكرية، مما يكرس السياسات الرسمية ويبررها لدى الرأي العام على أسس دينية، وهذا يطرح منظورًا آخر للأمن العالمي غير المنظور الذي يخدم السلام.
** كاتب ومحلل سياسي
=============
#الجذور الفكرية العقدية لموقف البابا من الإسلام
...
نبيل شبيب**
بابا الفاتيكان
تقول الكنيسة الكاثوليكية في روما منذ بضعة قرون بعصمة البابا على رأسها، ولهذا لا تصدر عنه وثيقة مكتوبة، أو كلمة مرتجلة، أو تصريح بموقف، دون جمع معلومات ودراسة ومناقشة وصياغة ومراجعة، فلا يُعلن شيء إلاّ بعد ضمان -بحدود قدرة البشر وإن قيل ما قيل عن عصمتهم- ألاّ تضطر الكنيسة لاحقا إلى الرجوع عنه، ناهيك عن الاعتذار بسببه، وليس مجهولا أنّ بعض أخطاء الكنيسة التاريخية الكبرى لم تجد طريقها إلى اعتذار رسمي، إلاّ بعد مرور مئات السنين عليه. ولهذا لا ينبغي أن يتّجه الحديث عن الإساءة البابوية إلى الإسلام نحو محاولة تفسيرها وتأويلها بأنّها غير مقصودة، كلمة كلمة، وفي هذا التوقيت بالذات، كما لا تصحّ المبالغة في تحميلها أكثر ممّا تقول به في نطاق سياق المحاضرة التي تضمّنتها، وفي الحالتين لا يفيد الجدل حول اعتذار شكلي، فعلى افتراض صدوره لن يعني تبدّل أسس موقف بابا الفاتيكان.
من هو بنديكت السادس عشر؟
اسمه الأصلي يوزيف آلويس راتسينجر، ولد يوم 16-4-1927م في عائلة كاثوليكية متديّنة، في منطقة بافاريا، الأشهر من سواها في ألمانيا من حيث انتشار الكاثوليكية والتمسّك بها قديما وحديثا، ولا يزال يفخر بأنّ تعميده جرى سريعا في يوم ميلاده ليكون من "ماء عيد الفصح".
كان في السادسة عشرة من عمره عندما أعرب عن رغبته في أن يصبح قسيسا، ومَن يذكر أنّ له "ماضيا نازيا" يستشهدْ على ذلك بعمله في خدمة الجيش النازي لإنشاء حواجز ضدّ الدبابات في النمسا المجاورة لبافاريا، وذلك حتى الأيّام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وكان منذ عام 1941م من "شبيبة هتلر"، والواقع أنّ الانتماء إلى هذه المنظمة كان واجبا قسريّا على الناشئة من التلاميذ في معاهد معيّنة، مثل "سانت ميشائيل" الذي درس فيه.
والتحق راتسينجر فيما بعد بالجامعة لدراسة "علم الأديان" الكاثوليكي والفلسفة، وأظهر مبكّرا اهتمامه بالكتابات الفلسفية-الدينية، لا سيّما ما خلّفه الفيلسوف الديني "آوجوستينوس"، الذي كان في القرن الرابع الميلادي الركنَ الأساسي لتنظير تعاليم التثليث الكنسية وتثبيتها لدى الكاثوليك والأرثوذوكس، قبل انفصال الفريقين نتيجة خلافات على تفاصيل تلك التعاليم لاحقا.
حصل راتسينجر على الدكتوراة عام 1953م في العلوم الدينية، وعلى درجة الأستاذية عام 1957م في فرع "أسس علم الأديان"، وبدأ بالتدريس في العام التالي، لما يُسمّى الإملاءات العقدية الكنسية/ الدوجما وتاريخها، وفي عام 1959م بدأ التدريس في جامعة بون بمحاضرة عنوانها "إله الإيمان وإله الفلسفة"، ثم عام 1969م في جامعة ريجينسبورج (وهي الجامعة التي ألقى فيها محاضرته يوم 12/9/2006م، التي تضمّنت الإساءة إلى الإسلام) وفي عام 1977م أصبح كبيرَ الأساقفة في المدينة نفسها، وبعد شهر واحد تمّ تعيينه برتبة "كاردينال"، وفي تلك الفترة كان لقاؤه الأول مع سلفه يوحنا بولس الثاني، قبل أن يصل الأخير إلى كرسي البابوية في روما بفترة وجيزة.
في الفترة التي جمعت بين دراسته الجامعية ومناصبه الكنسية، بدأت اتجاهاته الكنسية بالظهور، ومن بينها التأكيد أنّ على البابا الكاثوليكي أن يأخذ في قراراته الحاسمة مجموع الكنيسة في الاعتبار، منتقدا الانفراد والمركزية في اتخاذ القرار الكنسي. ولكنّ "إصلاح الكنيسة" باتجاهٍ "ديمقراطي" لم يستمرّ طويلا، بل اضمحلّ نسبيا في مواقفه وكتاباته لاحقا، ويعلّل هو ذلك بتأثره بمصادماته سابقا مع أنصار ما يسمّى "ثورة الطلبة"، وأصبح في هذه الأثناء يُصنّف بين "المحافظين" في نطاق الكنيسة، والمقصود بهذا التصنيف في الدرجة الأولى مواقفه على الصعيد الاجتماعي، أي رفضه المطلق لتمييع موقف الكنيسة في قضايا العلاقات الجنسية، لا سيّما ما انتشر من تقنين الشذوذ في كثير من البلدان الغربية في هذه الأثناء، بالإضافة إلى رفضه انخراط النساء في المراتب الكنسية الكاثوليكية العليا.
في فترة وجود "الكاردينال راتسينجر" في الفاتيكان بات يوصف باليد اليمنى للبابا يوحنا بولس الثاني، ومن أسباب ذلك مسئوليته عمّا يسمّى "مجمع شئون الإيمان"، وهو الاسم الذي اختير لمجمّع كان يحمل سابقا المسئولية عن تثبيت تهمة الهرطقة على مَن تقرّر الكنيسة محاكمتهم. وعزّزت تلك الفترة الجانب "العقلاني" في قناعات راتسينجر الذاتية، وارتبط باسمه إصدار الكنيسة عام 1998م قرارا بفتح الملفّات الوثائقية القديمة عن تاريخ المحاكمات التي أودت في القرون الوسطى بحياة العديد من العلماء والمعارضين.
اعتلى كرسي البابوية يوم 19-4-2005م، ليواجه عددا من المهامّ المقترنة بالتساؤلات عمّا ستكون عليه سياسة الكنيسة في عهده، بعد أن اكتسبت صبغةً جديدة وحركةً دائبة في عهد سلفه يوحنا بولس الثاني، الذي بقي في كرسي البابوية أكثر من ربع قرن. وأهمّها ثلاثة:
1- إنعاش القيم الكنسية في السياسات الرسمية على حساب العلمانية بعد انتشار ظاهرة "التديّن" الشعبي عالميا.
2- التعامل مع تبعات حملة الهيمنة الأمريكية وعسكرتها عالميا، والمقترنة بتصوّرات "الصهيونية المسيحية"، والعداء للإسلام تخصيصا.
3- مركزية موقع الكنيسة الكاثوليكية في روما (وكان من أوائل قراراته إلغاء كلمة "الرومي" من لقب البابا الكاثوليكي الرومي)، وبالتالي مركزية دورها على خارطة الطوائف والمذاهب المسيحية وخارطة الحوار مع "الآخر" عقديا وثقافيا.
بنديكت السادس عشر والإسلام
صدرت عن البابا الكاثوليكي كلمةُ مجاملةٍ عابرة في أثناء لقاء مع قيادات دينية عالمية، عقب تنصيبه على رأس الفاتيكان بأيام، فأعرب فيها عن امتنانه لوجود مَن يمثّل الإسلام بينهم، وتقديره للحوار بين المسلمين والمسيحيين.
باستثناء ذلك مرّت الشهور التسعة الأولى على وجود يوزيف كاتسينجر في منصب البابا الكاثوليكي باسم بنديكت السادس عشر دون أن يصدر عنه ما يوضّح مواقفه من القضايا الأساسية التي يواجهها مع كنيسته ودولة الفاتيكان، بما في ذلك مسألة الحوار عموما، ومع الإسلام تخصيصا.
ومعظم ما يُنشر عن توجّهاته يأتي نتيجة دراسات قامت بها جهات أخرى، تستقرئ سياساته البابوية في الفاتيكان من أفكاره ومواقفه قبل حمل هذه المسئولية، وهنا ينبغي التمييز بين:
1- موقف رسمي يصدر عن مسئول في الكنيسة الكاثوليكية، فلا يخرج به عادة عن الموقف المقرّر من جانبها، بغضّ النظر عن موقفه الشخصي واحتمال تناقضه مع الموقف الرسمي أو تمايزه عنه قليلا أو كثيرا.
2- موقف ذاتي شخصي، يظهر عادة في أثناء المناقشات أو في مناسبات معينة، فيعبّر عن توجّه قائم بذاته عند صاحبه، يمكن أن يؤثّر على صناعة القرار الكنسي على حسب موقع المسئولية لصاحبه، وهو ما يعني ازدياد تأثيره على صناعة القرار عبر الوصول إلى كرسي البابوية.(2/147)
من أبرز الأمثلة على الموقف الرسمي على صعيد التعامل مع الإسلام، صدر عن راتسينجر وهو يشغل المرتبة الثانية في الفاتيكان؛ إذ صرّح بأنّ الإسلام كان لفترة زمنية طويلة متفوّقا على المسيحية في الميادين العلمية والفنية، وقد أعرب بذلك عن ردّ دولة الفاتيكان وكنيستها على مقولة رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلوسكوني، بشأن تفوّق الحضارة الغربية، والتي أثارت ضجّة في حينه، وصدرت في حمئة الحملة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش ضدّ الإسلام والمسلمين، عقب تفجيرات نيويورك وواشنطون، إلى درجة قوله في وصفها إنّها "حرب صليبية".
ومن الأمثلة الأخرى قول راتسينجر في مقابلة صحفية: "إنّ الإسلام كثير التنوّع، ولا يمكن حصره فيما بين الإرهاب أو الاعتدال".
بغضّ النظر عن الاقتناع الذاتي كانت مواقف راتسينجر العلنية آنذاك تمثّل الاتجاه الذي قرّرته الكنيسة الكاثوليكية لنفسها في عهد يوحنا بولس الثاني، وهو ما تضمّن معارضة الحملات العسكرية الأمريكية ونشر الهيمنة الأمريكية من خلالها عالميا، بحجّة "الحرب ضدّ الإرهاب"، وفي تلك الفترة بالذات، أي في السنوات الثلاث الأولى عقب تفجيرات نيويورك وواشنطون، تبنّت الكنيسة في روما الدعوة إلى حوار الأديان، الإبراهيمية على وجه التخصيص، بعد أن بقي التعامل مع "الإسلام" ضمن إطار حوار الأديان عموما.
أمّا الموقف الشخصي الذاتي، المعبّر بالتالي عن رؤية ذاتية واقتناع، فليس سهلا العثور عليه في متابعة حياة مسئول كنسي، وقد نجد الكثير لراتسينجر/ بنديكت السادس عشر بصدد قضايا كنسية كانت مطروحة للبحث، ولكن ما يتعلّق بالإسلام وكيفية التعامل معه، أو استيعاب الإسلام والموقف منه، لا نجد إلا القليل النادر، ومن أهمّه ما يتحدّث عنه دانييل بايبس في "نيويورك صن" يوم 17-1-2006م، نقلا عن القسيس يوزيف ديسيو، الذي شارك مع البابا -الجديد آنذاك نسبيا- في ندوة كنسية حول الإسلام في أيلول/ سبتمبر 2005م ويقول إنّه لم يشهده في ندوات مشابهة (تعقد بإدارته منذ 1977م)، يدخل في النقاش ولكن بصورة هادئة وبعد الاستماع إلى الآخرين، أمّا في تلك الندوة فقد اعترض اعتراضا سريعا ومباشرا على فكرة "قابلية الإسلام للتطوّر" التي طُرحت في الندوة نقلا عن وجهة نظر أحد علماء باكستان المسلمين؛ إذ قال بنديكت السادس عشر معترضا من بداية النقاش، ما مؤدّاه "إنّ كلمة الله عند المسلمين كلمة أبدية كما هي، غير قابلة للتلاؤم مع المستجدّات أو التأويل، وهذا فارق أساسي مع المسيحية واليهودية، فكلمة الله عندهما أوكلت إلى البشر، وأوكل إليهم أن تتعدّل لتتلاءم مع المستجدّات".
الإساءة إلى الإسلام
أتراك يتظاهرون احتجاجا على حديث البابا عن الإسلام
أما الموقف الشخصي الذاتي المنسوب إلى البابا الكاثوليكي في روما بنديكت السادس عشر، فقد صدر قبل أشهر في إطار "ندوة كنسية داخلية"، أي محرّرا من وضع ردود الفعل الإعلامية والشعبية والسياسية في الحسبان، هو الموقف الأقرب إلى معرفة نظرته إلى الإسلام، فعندما يقول فيه إنّه "غير قابل للتطوّر"، يمكن أن نجد ذلك الفهم المبتسر والخاطئ للإسلام منسجما تماما مع الخطّ العام لمحور ما قال به "أستاذا محاضرا" في جامعة ريجنسبورج، التي عرفته متخصّصا بدرجة الأستاذية؛ أي إنّ المفترض به أنّه لا يلقي الكلام على عواهنه أو جزافا.
من هنا لا يصحّ التساؤل: ماذا تقصد الكلمات من حيث معناها، فهي واضحة، تعبّر عن رؤية مرفوضة إسلاميا.
ولا يعني ذلك أن تقترن بالرفض المطلق لما حاول المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية أن يعتذر به اعتذارا غير مباشر.. عندما قال مثلا: إنّ البابا الكاثوليكي لم يقصد الإساءة، فالواقع أنّ المشكلة في البداية لا تتمثّل في "قصده" بل في مضمون كلماته.
- أو قال أيضا إنّ فهم الكلمات يجب أن يكون باعتبارها وردت في"محاضرة" على مستوى علمي، وهذا صحيح، ولهذا لا يمكن اعتبارها غير "مدروسة".
إنّ موضوع المحاضرة هو الموضوع المفضّل قديما وحديثا لدى بنديكت السادس عشر، أي التوفيق بين "العلم والدين" أو "العقل والعقيدة"، وتلك "مشكلة كنسية" قديمة جديدة، ومن هنا كان حديثه عن الإسلام في المحاضرة -على أفضل التفسيرات- من باب "المثال"، الذي أراد ذكره للقول إنّ التناقض (في زعم القائل) بين الدين والعقل يمنع الحوار مع الآخرين.
واستشهاده بمقولة قيصر بيزنطي من حقبة القرون الوسطى ومقدّمات فتح القسطنطينية آنذاك له مغزاه، ولا يعني عدمَ تبنّيه هو لمضمون الاستشهاد، فلا يفيد الجدال الذي يثيره الناقدون لردود الفعل الإسلامية بهذا الصدد، بدعوى أنّ بنديكت السادس عشر لم يستخدم كلماته الذاتية عن الإسلام، فاختيار الاستشهاد هو المهم، وكان باستطاعة البابا الكاثوليكي ذي الأصل الألماني، المتحدّث بالألمانية، لجمهور ألماني، على الأرض الألمانية.. كان باستطاعته لو أراد شيئا آخر سوى "مضمون" الاستشهاد، أن يأتي مثلا ببعض ما قال عن الإسلام القيصر الألماني غليوم الثاني قبل أقلّ من قرن واحد، بدلا من القيصر البيزنطي إيمانويل الثاني قبل ستة قرون، أو مثل آخر ما قال به جوتة، أشهر شاعر وأديب ألماني، أو سواهما -وسواهما كثير- من مشاهير الفلاسفة الألمان وغير الألمان في حقبة "التنوير" الأوروبية.
لا ينبغي أن يأخذ الحديث عن الإساءة البابوية إلى الإسلام منحى التساؤل: هل وقعت أم لم تقع"؟. وهل كانت مقصودة أم غير مقصودة؟.. بل ينبغي:
1- الاستيعاب الهادئ والموضوعي لما قال به البابا الكاثوليكي الرومي بنديكت السادس عشر، كما هو، بنصه ومعناه الظاهر للعيان، وبموازين مجمل خلفيّاته الفكرية والعقدية والسياسية.
2- تثبيت الموقف الإسلامي المطلوب على المدى البعيد، وفق موازين المصلحة الإسلامية، والتعبير عنه وفق ما تقتضيه المصلحة الإسلامية، بما يتجاوز حدود الردود الآنية المتفاعلة مباشرة مع الحدث، هذا ما يحتاج إلى حديث آخر.
**كاتب ومحلل سياسي.
================
#الإسلام وانهيار الكنيسة تحدي البابا الجديد
محمد جمال عرفة**
...
21/04/2005
البابا الجديد جوزيف راتسينجر
يبدو أن اختيار كرادلة الكنيسة لبابا أوربي جديد -وليس إفريقياً أو لاتينياً- هو الألماني "جوزيف راتسينجر" (بنيدكت السادس عشر) يعكس ما أشار إليه بعض الكرادلة ومراكز دراسات دولية قبل انتخاب البابا رقم 265 من أن البابا الجديد سيواجه ثلاثة تحديات كبيرة، أولها: صعود الإسلام وانتشاره في العالم وفي الغرب خصوصا في مقابل التعاون معه في ذات الوقت ضد موجات الإلحاد العالمي وتفشي انهيار القيم الأخلاقية على المستوى العالمي، والتحدي الثاني هو مواجهة انهيار الكنيسة الكاثوليكية وتقلص أتباعها خصوصا في الغرب. ويتصل بالنقطة الثانية التحدي الثالث، وهو مواكبة الكنيسة للتطور التكنولوجي العالمي الهائل وقدرتها على التوفيق بين آرائها الكهنوتية وهذا التقدم العلمي كي لا تتحول العلاقة مع العلماء إلى سابق عهدها في العصور الوسطى وعهود الهرطقة الدينية، بحيث لو نجحت الكنيسة في هذا فستكون أكثر تقارباً مع الغربيين والعكس صحيح.(2/148)
وهناك العديد من الإشارات التي ربما تثبت صحة ذلك، ففيما يتعلق بالتحدي الأول، يبدو أن البابا الجديد غير متوافق إلى حد ما مع الإسلام، إذ سبق له أن اعترض لأسباب دينية على انضمام تركيا للاتحاد الأوربي ووصف ذلك بأنه "خطأ فادح" و"قرار مخالف للتاريخ"، كما أنه طالب البابا السابق يوحنا بولس الثاني بأن ينص الدستور الأوربي الموحد على مسألة الجذور المسيحية لأوربا، يضاف إلى ذلك أن البابا الجديد الذي نشر عنه انضمامه في صباه للشبيبة النازية قد أظهر في السابق تقارباً مع اليهود، حيث كان أول من ألقى كلمة ندد فيها بكراهية اليهود في العام الماضي أثناء منتدى عقد في نيويورك حول معاداة السامية، لذا ليس غريباً أن يصفه كبير حاخامات تل أبيب "مائير لاو" بأنه صديق للشعب اليهودي، غير أنه بالنظر إلى خلفيته النازية يتوقع أن يتعرض البابا الجديد لابتزاز سياسي إسرائيلي.
وفيما يختص بالتحدي الثاني، فإن البابا يعد من أشد المدافعين عن العقيدة المناهضة لانحراف الكنيسة عن ثوابتها الأخلاقية، حيث كان يرأس "مجمع العقيدة والإيمان" الذي يحظى بنفوذ واسع، وهو وريث مجمع "المحاكم الدينية" التي اشتهرت بأحكام الإعدام عبر الحرق في نهاية القرون الوسطى، ومن جانب آخر، فإن هذا الاختيار يعني التركيز على أوربا معقل الكاثوليكية الذي يتهاوى مع عزوف الغربيين عن الكنيسة أكثر من التركيز على المناطق الجديدة المكتسبة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، ولو كان الكرادلة قد اختاروا بابا لاتينيا أو إفريقيا مثل الكاردينال النيجيري "فرنسيس أرينزي" لكان التصور هو أن الكنيسة ستسعى للتركيز على رعاياها المكتسبين الجدد في هذه المناطق.
أما شواهد التحدي الثالث، تتضح من حقيقة أن البابا الجديد أكثر دفاعاً عن جماعات المسيحيين المحافظين والإنجيليين المتشددين، وسبق له القول قبل اختياره رئيسا للفاتيكان: "إن الحركات المسيحية الجديدة مثل الإنجيليين أو الكنائس الحرة في ألمانيا تزدهر؛ لأنها تدافع بضراوة عن القيم الأخلاقية الكبرى ضد تطور الذهنيات"، وأضاف "هذه المجموعات كانت تعتبرها الكنيسة قبل فترة خلت بأنها أصولية، وكانت منافسة كبرى للكنيسة الكاثوليكية، لكنها بدأت في التقارب لأنها أدركت أن الكنيسة وحدها تدافع عن القيم الأخلاقية وأننا نتقبل بفرح هذا التقارب"، وفي مقابل ذلك، فهو من أشد معارضي الخروج على تعاليم الكنيسة والرافضين للتوجهات العلمية الحديثة المخالفة للعقيدة المسيحية، وقد انتهز فرصة صلاة قداس قبل الاجتماع السري لمجمع الكرادلة ليصدر تحذيراً قاسياً من "أن الاتجاهات الحديثة غير الإلهية يجب أن ترفض"، ما اعتبر دليلا على تشدده وعلى صدامه المتوقع مع العلم الحديث ودعاة تطوير الكنيسة الكاثوليكية لتجذب أتباعها الشاردين أو الخارجين منها ودعاة العلمانية.
على أن أبرز ما يحوز الاهتمام هو ما يتصل مباشرة بالعالم الإسلامي للوقوف على درجة التعاون أو الصدام بين البابا وبين الإسلام وموقفه من حوار الأديان الذي طالما شجعه البابا "يوحنا بوليس الثاني".
مع حوار الأديان أم ضده؟
يلاحظ أن أغلب الدراسات والأبحاث الغربية والأمريكية ركزت على قضية حوار الأديان وتحدي انتشار الإسلام في العالم خصوصاً في ظل العزوف عن الكنيسة وتزايد موجات الإلحاد في العالم الغربي، وكان السؤال الأكثر إلحاحاً هو كيف سيتعامل البابا الجديد مع ملف تحدي الإسلام؟ بالحوار.. أم بدونه.. ومن ثم الصدام.
وتعد دراسة "سكوت أبليبي " Scott Appleby أستاذ التاريخ ومدير "معهد كروك للدراسات حول السلام العالمي" التابع لجامعة نوتردام الأمريكية والمنشورة بمجلة "فورين بوليسي" الدورية العلمية الأمريكية، رغم أن تاريخها يرجع إلى فبراير عام 2004 إحدى أهم الدراسات التي أشارت مبكراً إلى التحديات التي على البابا الجديد مواجهتها، ويبدو أنها قد أخذت في الاعتبار عند اختيار البابا الجديد، فهي تتناول ثلاث تحديات رئيسية هي:
1 - تحدي العلمنة الغربية: بمعنى تصاعد المادية وتزايد الإلحاد والبعد عن الدين في الغرب، مع تزايد العداء من جانب هؤلاء العلمانيين (اللادينيين) للمعتقدات الدينية والسخرية منها وخصوصا الكاثوليكية، وهو ما انعكس في رفض الاتحاد الأوربي طلب البابا النص على الجذور المسيحية لأوربا في دستورها الموحد، وجانب من هذه الأسباب متعلق بانهيار الكنيسة في أمريكا وأوربا وانتشار فضائح القساوسة الجنسية في النمسا وأيرلندا وأمريكا.
2 - تحدي الإسلام، فالانتشار المستمر للإسلام كديانة كبرى أصبح يشكل تحدياً للكنيسة الكاثوليكية الغربية ومستقبلها، ما يتطلب نوعاً من المنافسة لجذب الأتباع، ومع ذلك، تنصح الدراسة بالبحث عن نقاط الالتقاء بين الكنيسة والبابا الجديد من جهة، والإسلام من جهة ثانية لتشكيل تحالف لمواجهة موجة الإلحاد والمادية التي طغت على العالم.
3 - الأمر الأخير هو التطور العلمي التكنولوجي الهائل خصوصا في مجالات علمية دقيقة تحتاج رأي الدين فيها، مثل الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية، وهنا الأمر يحتاج تطوراً مماثلاً في نظرة الكنيسة لهذا التطور العلمي ومواكبته كي لا يحدث ما حدث أيام العصور الوسطى من انفصال بين العلم والكنيسة وازدياد الهوة بين الطرفين (قضية جاليليو)، ولهذا يقول بعض القساوسة أن التحدي الرئيسي الذي يواجه الكنيسة هو عرض رسالة الدين بطريقة يمكن أن تكون مؤثرة على الناس ومقنعة لهم".
وبناء على ذلك، تحدد الدراسات المقدمة للفاتيكان عدة نصائح يجب اتباعها عند اختيار البابا الجديد أبرزها أن يكون ملماً بحقائق العلاقة بين الإسلام والمسيحية، وقادرا على التعامل مع تحدي انتشار الإسلام والتعاون معه (في إطار حوار الأديان) ضد العلمانيين الجدد اللادينيين، وأن يبحث نقاط الالتقاء مع المسلمين، كما حدث من تعاون في مؤتمر القاهرة للسكان عام 1994 عندما جرى التنسيق بين الطرفين لوأد مقررات مؤتمر المرأة بشأن تحديد النسل والإجهاض. ويجب أيضاً أن يكون على دراية كافية بالمعارف والعلوم الحديثة النظري منها والتطبيقي، إذ توجه دراسة "أبليبي" نداءً إلى مجمع الكرادلة يقول: "يجب عليكم أن تختاروا بابا بإمكانه أن يعلن الإنجيل للقادة السياسيين العلمانيين، لعلماء الاقتصاد، لمسئولي البنك الدولي، لمهندسي الوراثة ولعلماء الأخلاق الذين يوصون بقرارات تهم الحياة والموت.. عليكم أن تختاروا بابا بمقدوره الحفاظ على الاستقلالية السياسية للكنيسة الكاثوليكية، ومقاومة إغراء إقامة تحالفات مع القوى العلمانية.. عليكم أن تختاروا بابا يعترف بالصلات بين الكاثوليكية والإسلام من أجل مقاومة المتطرفين، وفي نفس الوقت بناء تحالف عملي مع المعتدلين الذين يريدون -مثل الكنيسة الكاثوليكية- التأثير على الثقافة والتعليم على المدى البعيد".
مع الإسلام أم ضده؟
الخوف من انتشار الإسلام والتعاون معه في آنٍ معاً يضع جملة من التساؤلات حول معتقدات وأفكار البابا الجديد، فهو سيقبل بالتعاون معه لصالح هزيمة العلمانية والإلحاد من جانب، كما قد يكون متشدداً تجاهه إلى درجة قد تصل لصدام حضاري ديني جديد تباركه الكنيسة من جانب آخر بعدما بدأته قوى غربية بالفعل في الولايات المتحدة عقب تفجيرات 11 سبتمبر 2001، حين أعلن بوش عن "حملة صليبية سياسية".(2/149)
ولا يخفى أن البابا "يوحنا بولس الثاني" قاد في العقدين الماضيين حملة ساعدت في تحويل الصراع إلى تعاون بين 1.1 مليار كاثوليكي و1.2 مليار مسلم، وربما ساعدت مواقفه المعلنة في إدانة حرب العراق وأفغانستان في تجنب "صدام حضارات" خشي كثيرون أن يتفجر بعد تلويح الرئيس "بوش" بحملة صليبية، واندلاع حرب دينية حقيقية ضد المسلمين في العالم الغربي.
أيضا كانت خطوة البابا "بولس الثاني" عام 1986 بدعوة المسلمين وأتباع الديانات الأخرى للصلاة معاً كي يحل السلام في العالم تحركاً لافتاً في سعيه لخلق مناطق للتفاهم مع العالم الإسلامي، ثم جاءت زياراته -لأول مرة في تاريخ البابوية- لمسجد وهو المسجد الأموي الذي زاره بدمشق في مايو 2001، وقال وهو على بعد خطوات من قبر القائد صلاح الدين الأيوبي الذي هزم وطرد الصليبيين من الشرق: "نحن بحاجة إلى أن نسعى لعفو من العلي القدير، وأن نقدم الصفح المتبادل عن كل العصور التي آذى فيها المسلمون والمسيحيون بعضهم البعض".
ويبقى السؤال: كيف سيتعامل البابا الجديد مع العالم الإسلامي؟ هل يتعاون أم يتحارب معه؟ هل يتبنى خطا متشددا يواكب الحملة الصليبية السياسية التي تقودها أمريكا وأوربا حاليا؟.. وهل ينعكس تصاعد العداء من جانب الأحزاب اليمينية الإيطالية المناهضة للإسلام على مواقفه؟.
وهل يعتذر نيابةً عن الفاتيكان والعالم المسيحي للعالم العربي والإسلامي عن فترة الحروب الصليبية، خاصةً في ظل ما جرى من اعتذار مماثل لليهود بحيث يضمن توافر أرضية لحوار ديني قوي بين المسيحية والإسلام يواجهان به موجة الإلحاد الجديدة في العالم، أم تتغلب روح التنافس مع الإسلام على روح التعاون؟.
وكيف سيكون تعامل الكنيسة الكاثوليكية مع الوضع في القدس المحتلة، خاصة أن الفاتيكان عقد في فبراير 2000 اتفاقا مع السلطة الفلسطينية يعترف لها بحقها في المدينة كسلطة تنفيذية، وبحقها في الحفاظ على التراث الروحي في المدينة؟ هل سيواصل البابا الجديد قيادة الفاتيكان نحو رفض ضم المدينة للدولة العبرية، أم أن صك البراءة الذي أعطاه الفاتيكان لليهود عام 1964 من "دم المسيح" سيؤثر على موقفه من هذه القضية؟.
============
#لماذا الاعتذار لليهود دون المسلمين؟
إميل أمين **
...
04/04/2005
البابا الراحل يتحدث مع أحد الناجيات من الهولوكوست خلال زيارته للنصل التذكاري لضحايا الهولوكوست في القدس المحتلة عام 2000
في أعقاب هجمات سبتمبر 2001، كان العالم قد تحول إلى معسكرين إسلامي ومسيحي أو هكذا على الأقل أريد له أن يصبح من قبل السادة الجدد للعالم الذين أرادوا إذكاء نيران بين العالمين المسيحي والإسلامي، واستمع العالم لأول مرة منذ القرن الثالث عشر إلى كلمة الصليبية من جديد على لسان الرئيس جورج بوش الابن.
وفي تلك الأوقات العصيبة، كان البابا يوحنا بولس الثاني يطلب إلى العالم المسيحي أن يصوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المعظم طلبا لرحمة وعدالة السماء على الأرض، وفي رسالة محبة واضحة منه إلى العالمين العربي والإسلامي تدل على أن الصراع أبعد ما يكون عما يدعيه الأمريكيون، وأن هناك من التوافقات مع العالم الإسلامي الكثير الذي يمكن أن يكون مجال عمل وأمل مشتركين.
واستعراض مسيرة البابا عبر ولايته التي امتدت نحو ست وعشرين سنة يثبت لنا أنها قد حفلت بالكثير من لحظات الوفاق والحوار مع العالم الإسلامي، وفي نفس الوقت ظلت هناك ملفات خلافية لم تحسم بعد رحيله وينظر إليها على أنها حقوق أدبية للعالم العربي والإسلامي وقد كان على رأسها الملف الخلافي التالي:
لماذا الاعتذار لليهود وليس للمسلمين؟
ربما كان من الواجب قبل الإجابة عن هذا التساؤل أن نتوقف لبرهة قصيرة عند قضية فرعية أخرى تتعلق بما أورده عدد كبير من وسائل الإعلام العربية كحقيقة تقول: إن البابا يوحنا بولس الثاني هو الذي برأ اليهود من دم السيد المسيح، والحقيقة أن ذلك غير صحيح بالمرة.
الأصل في الموضوع أن الحديث عن تبرئة اليهود جاءت الإشارة إليه في الوثيقة الصادرة عن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني عام 1964، (ليس في عهد البابا الراحل) وتقول ما نصه: "ولئن كان ذوو السلطة والأتباع من اليهود عملوا على قتل المسيح إلا أن ما اقترف إبان الآلام والصلب لا يمكن أن ننسبه في غير تمييز إلى جميع اليهود الذين عاشوا آنذاك ولا إلى اليهود المعاصرين لنا".
والمعنى الواضح الصريح هنا أن الوثيقة الفاتيكانية لم تبرئ اليهود ذوي السلطان وأتباعهم من الرومان من المسئولية عن قتل السيد المسيح، لكنها ترفض أن تنسحب جريمة القتل على كل اليهود الذين عاشوا آنذاك، ومنهم الكثيرون الذين آمنوا بالمسيحية، إضافة إلى القول بأنه لا ذنب ولا جريرة ليهود اليوم فيما ارتكبه أسلافهم.
إذن البابا الراحل لا علاقة له بقضية التبرئة، لكن حدث الربط بينها وبينه بسبب الاعتذار الذي قدمته في عهده هذه المرة الكنيسة الكاثوليكية لليهود في وثيقة أخرى بعنوان "ذكرى ومصالحة" صدرت عام 2000.
والاعتذار لليهود كان عن المعاناة والألم، وكان إقرارا بما شهدته أوربا من موجات عنصرية ضدهم في الوقت الذي كانوا يتمتعون فيه في البلاد العربية والإسلامية بكامل حقوقهم. ففي عام 1581 أصدر البابا غريغوريوس الثالث عشر حكما بإدانة اليهود يقول ما نصه: "إن خطيئة الشعب الذي رفض المسيح وعذبه تزداد جيلا بعد جيل، وتحكم على كل فرد من أفراده بالعبودية الدائمة"، وقد سار على هذه السياسة الباباوات من بعده.
وهنا يصبح من الطبيعي أن يتساءل العالم الإسلامي لماذا لم يوجه البابا وثيقة رسمية للمسلمين يعتذر فيها عما حدث من أخطاء وما ارتكب من جرائم من قبل الحملات العسكرية الغربية التي لعب البابا أوربان الثاني -ولا شك- دورا فاعلا ومؤثرا فيها؟.
والواقع أن الإجابة تتفرق في عدة آراء، إذ يرى البعض أن البابا اعتذر ضمنيا في الكثير من الأحاديث عن الحروب الصليبية في كلماته وخطاباته للعالم العربي ومن بينها ما أشار إليه ضمنا في كلمته بالمسجد الأموي في دمشق.
كما أن هناك أيضا آراء ترى أن الكنيسة الكاثوليكية قد اعتذرت في ذات توقيت تلك الحملات من خلال مطالبة القديس فرنسيس الأسيزي مؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية من سلطان مصر الملك الكامل في خضم الحروب الصليبية الصفح عما بدر من العسكر داعيا إلى صليبية المحبة والتسامح لا الحرب والقتال، كما يقول المؤرخ والعلامة القديس بونافنتورا.
وهناك أيضا بعض الآراء المسيحية الأخرى التي ترى أن المسلمين في ذلك الوقت هم الذين تسببوا بإطلاق الحروب الصليبية من خلال شروط إقامة المسيحيين في العالم الإسلامي التي اعتبرتها الكنيسة الكاثوليكية مجحفة بحقهم إضافة إلى تهديد قوافل التجارة بين الشرق والغرب؛ مما هدد الحياة الاقتصادية في أوربا.
والمؤكد أن القضية على هذا الأساس تظل مفتوحة، لكن الجديد الذي نميط عنه اللثام هو أن اللجنة المشتركة بين المجلس البابوي للحوار بين الأديان التابع للفاتيكان واللجنة الدائمة للأزهر الشريف في اجتماعها الدوري السنوي في مقر لجنة الحوار في الأزهر في الرابع والعشرين من فبراير المنصرم من هذا العام، توصلت إلى صيغة جديدة باركها البابا الراحل لتداول هذا الأمر، أي أمر الاعتذار للعالم الإسلامي.(2/150)
وقد جاء في البيان المشترك الصادر في نهاية أعمال اللجنة المشتركة "أنه وصولا إلى تفاهم أعمق بين أتباع الديانتين المسيحية والإسلامية فإنه قد تم الاتفاق على أهمية دراسة صراعات حدثت في الماضي بين المسيحيين والمسلمين وبخاصة حروب الفرنجة وذلك من قبل خبراء متخصصين في التاريخ من كلا الجانبين"، وهو الأمر الذي أشارت إليه العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية على أنه جاء بناء على طلب مباشر من الأزهر أعلى سلطة روحية إسلامية إلى الفاتيكان لتقديم اعتذار مباشر عما حدث في تلك الحقبة.
وبرحيل البابا يوحنا بولس الثاني يصبح هذا الملف الشائك من التركة التي على خليفته أن يتعامل معها ويبقى العالم العربي والإسلامي يقارن بين حاله وحال اليهود الذين تم الاعتذار لهم مباشرة، وإذا كان البابا يوحنا بولس لثاني قد قام بتحطيم الحواجز النفسية بين العالمين الإسلامي والمسيحي من خلال زياراته له عام 2000 فهل سيقدر للعالم الإسلامي أن يجد ضالته المنشودة لدى البابا الجديد؟
اتفاق بعد افتراق
علم فلسطين يظلل البابا يوحنا بولس الثاني خلال إحيائه قداسا في بيت لحم في مارس 2000
وفي معرض حديثنا عن علاقة البابا الراحل مع العالمين العربي والإسلامي نجد هناك نقاط التقاء كثيرة فقد كان البابا الراحل في نظر الكثيرين من العالم الإسلامي وعن حق داعية سلام فتح ذراعيه والفاتيكان من خلفه للحوار بين الأمم والشعوب؛ ومن ثم بين الأديان ولا ينسى التاريخ الحديث أن يسجل للبابا يوحنا بولس أنه الأول بين باباوات الكنيسة الرومانية الذي يأتي شيئا غير مسبوق بزيارته للجامع الأموي في دمشق؛ ليصبح بذلك أول زعيم روحي للكاثوليك في العالم يخلع نعليه قبل أن يهم بالدخول إلى مسجد.
كان مشهد البابا وهو مجتاز لساحة الجامع الأموي مناقضا تماما لكل الصور السابقة التي تحدثت عنها كتب التاريخ عن فترة المواجهات الدينية بين الشرق والغرب. دخل البابا مستندا على عصاه إلى قاعة الجامع، حيث استمع إلى شرح حول تاريخ بناء الجامع الذي شيد عام 705 ميلادية على أنقاض كنيسة القديس يوحنا المعمدان الموجود داخل الجامع والذي يبجله المسلمون باعتباره قبر النبي يحيى.
جبهة واحدة
ولعل من العوامل المشتركة التي جعلت للبابا يوحنا بولس الثاني حضورا واحتراما شديدين لدى العالم العربي والإسلامي هو تمسكه بمواقف معينة وجدت ترحيبا واتفاقا معها من المنطلق الديني الإسلامي.
فقد وقف البابا في وجه الإثم والخطيئة متحدا مع الأزهر الشريف عام 1994 في أثناء مؤتمر السكان الدولي بالقاهرة الذي أراد توسيع المساحة المتاحة للحرية الجنسية الشائنة من إباحية وزواج مثلي وإباحة الإجهاض وفي هذه كان البابا نصيرا للعالم الإسلامي.
وإذا كان البابا يوحنا بولس الثاني قد رفض الاشتراكية؛ لأنها تقهر الإنسان فكذلك جاءت إدانته للنزعة الرأسمالية التي تستعبد الإنسان واصفا الروح الغربية بروح الاستهلاك والمتعة، فراح يذكر بالتضامن والاعتدال في استخدام الثروات المادية، وقد فعل ذلك في إطار عقائدي وأخلاقي صارم، وفي هذا الأمر كان يتفق مع مواقف الملايين في الأوطان العربية والإسلامية.
وفي إطار الحديث عما يجمع ويفرق في سيرة البابا الراحل يأتي الحديث عن الإرهاب وكيفية التمييز بينه وبين العمليات الاستشهادية.
تبرئة الإسلام من تهمة الإرهاب
والمعروف أن بعض آراء البابا لم تتفق مع العمليات الاستشهادية، لكنها في الوقت ذاته كانت تتساءل عما وراءها، ويتضح ذلك من خلال القراءة في الوثيقة التي صدرت مؤخرا عن الفاتيكان تحت إشراف البابا والتي عرفت باسم "عقيدة الكنيسة الاجتماعية" والتي أفردت فصلا كاملا تحت عنوان "الإرهاب باسم الله".
تقول الوثيقة: إن "الإرهاب باسم الله تدنيس وتجديف على اسمه القدوس فالإرهاب يجعل من الله وسيلة على غرار الإنسان لتحقيق أهدافه الآثمة"، ويدين المستند الإرهاب بشدة؛ لأنه "يزدري الحياة البشرية ولا مبرر له لكون الإنسان هدفا وليس وسيلة؛ لذا من حق الإنسان أن يدافع عن نفسه من جميع أشكال الإرهاب، ولكن ليس بطريقة عشوائية وفارغة".
ولكن كيف يمكن للإنسان أن يدافع عن نفسه بطريقة منظمة؟ هذا هو التساؤل الذي لم تجب عنه الوثيقة، لكنها في أي الأحوال تقودنا إلى نقطة التقاء شديدة الأهمية لدى العالمين العربي والإسلامي وهي نقطة يحدث عندها تصادم بين الرؤى الفاتيكانية والتوجهات الأمريكية إذ تكمل الوثيقة "أن الصراع ضد الإرهابيين يقوم على احترام حقوق الإنسان ومبادئ دولة القانون؛ ومن هنا واجب تحديد المسئولية بدقة لأن التهمة الجنائية شخصية وفردية ولا يمكن رميها على الديانات والأمم والقوميات التي ينتمي إليها الإرهابيون".
وفي هذا المنطوق دفاع بيِّن وواضح يشير إلى ما انسحب على العالم الإسلامي وبصورة خاصة على الدين الإسلامي من جراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ صارت تهمة الإرهاب لصيقة ووثيقة بكل ما هو ومن هو إسلامي من أقصى الأرض إلى أدناها ومن الشمال إلى الجنوب.
كانت هذه في الواقع آخر الوثائق التي تصدر عن الفاتيكان في حياة البابا الراحل والتي وإن لم تقر بالعمليات الاستشهادية فإنها حملت جانبا آخر مضيئا تجاه العالم الإسلامي.
فلسطين والعراق في فكر البابا
ومما لا شك فيه أن البابا يوحنا بولس كانت له مواقف تقدمية جهة العديد من القضايا المصيرية كالقضية الفلسطينية وأزمات العراق المتتالية.
فعن القضية الفلسطينية يذكر للرجل أنه أول من استقبل الراحل ياسر عرفات رئيس حركة فتح عام 1981، وقد كانت يومها مقابلته جريمة، ولم يُلقِ بالا للضغوطات والهجومات اليهودية عليه ثم كان أن أقام الفاتيكان علاقات دبلوماسية مع السلطة الوطنية الفلسطينية ناهيك عن الدعم المادي للاجئين الفلسطينيين، أما المساعدة المعنوية فحدث عنها ولا حرج فكثيرا ما كان الفاتيكان منبرا للدفاع عن الحقوق الفلسطينية وصوتا صارخا ضد الظلم والبطش الإسرائيليين.
ففي مخيم الدهيشة كان البابا حاضرا لدى زيارته الأراضي الفلسطينية شاهدا على معاناة الشعب الفلسطيني؛ لذا فقد جاء انتقاده لاذعا ومريرا لإسرائيل غداة بنائها الجدار العازل في الضفة الغربية، ومؤكدا على أن هذا الجدار يعتبره الكثيرون عقبة أمام السلام، ومضيفا أن "الأرض المقدسة في فلسطين لا تحتاج إلى جدران وإنما إلى جسور".
ولما كان الرجل رجل سلام فقد كانت دعوته على الدوام هي إنهاء للهجمات والعمليات الثأرية وهي إشارة مخففة للعمليات الاستشهادية من منطلق أنها ثأرية لما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قمع من الآلة العسكرية الإسرائيلية وداعيا إلى المصالحة.
أما عن الملف العراقي فيذكر التاريخ أن البابا يوحنا بولس الثاني قد وقف في وجه الولايات المتحدة في حرب الخليج الأولى "عاصفة الصحراء"، والكل يعلم كيف حاول أيضا أن يوقف الغزو الأمريكي على العراق، وقد أرسل الكاردينال "أتشيجاراي" إلى العراق وإلى واشنطن لمحاولة إثناء الإدارة الأمريكية عن عزمها، وبعد احتلال العراق، لم يتوقف عن مطالبة القوات الأمريكية بالرحيل وترك إدارة العراق للعراقيين أنفسهم.
وإذا كان من رابط يقوي أواصر الصلة بين البابا الراحل والعالم الإسلامي فإنني أحسب أن كراهية أتباع الديانات السماوية للإلحاد والشيوعية قد جمع بينهما سنواتٍ طوالا، ولا ينكر أحد على البابا الدور الذي قام به في هدم المعسكر الشيوعي.(2/151)
وفي الوقت الذي كان يعمل فيه معول الهدم في أوربا الشرقية الشيوعية كانت يد البناء الأخرى تعمل في الشرق العربي والإسلامي على إنشاء مؤسسات للحوار بين الأديان للتلاقي والتنافح.
والشاهد أن الحديث عن البابا يلقى عند العالمين العربي والإسلامي حضورا طيبا رغم الخلافات العالقة؛ ذلك لأنه كان نصيرا للإسلام والمسلمين في الدفاع عن الإيمان بالله الواحد ضد التيارات التي شكلت موجات من التدهور الأخلاقي في كافة ربوع العالم، كما أن نظرته لبيوت الله وجدت إكبارا عند الجميع ذلك لأنه عندما أحالت بلدية روما إلى البابا الطلب الذي تلقته من سفارات الدول الإسلامية في إيطاليا لبناء مسجد ومركز إسلامي، رد البابا ناصحا بلدية روما بالموافقة دون تردد، وبالفعل فقد قدمت البلدية حوالي 20 ألف متر مربع هدية لبناء المسجد والمركز الثقافي الإسلامي هناك.
-============
#كيف يتم انتخاب بابا الفاتيكان؟
إميل أمين**
...
06/02/2005
عند وفاة البابا يجتمع الكرادلة من جميع أنحاء العالم في الفاتيكان ويدخلون الاجتماع المغلق في "الكابيلا سكستينا" (لفظة كابيلا تعني "كنيسة صغيرة") وينقطعون عن العالم حتى ينتخبوا من بينهم البابا الجديد وبعد كل جلسة مغلقة تنتظر الجموع الغفيرة المجتمعة في ساحة القديس بطرس رؤية الدخان الذي يتصاعد من مدخنة الشرفة التي تطل على الجماهير فإذا لم يتم الاختيار يصعد دخان أسود وإذا تم الاختيار يصعد دخان أبيض ويخرج بعد قليل عميد الكرادلة إلى شرفة كنسية القديس بطرس ويقول باللغة اللاتينية: "لدينا بابا" ويعلن اسمه ويقدمه للجماهير الغفيرة المتواجدة في الساحة وقد تستغرق هذه العملية جلسات وقد تستمر لأيام ولكن الكرادلة لا يخرجون دون انتخاب البابا؟.
لكن، من هم الكرادلة الذين ينتخب البابا من بينهم؟ وكيف يعينون؟ وما هي مكانتهم في الكنيسة الكاثوليكية؟.
إن تاريخ إقامة الكرادلة يعود إلى هيكلية تنظيم كنيسة روما التي أسسها القديس بطرس ويعود ذلك إلى القرن الرابع للميلاد، فكان الكرادلة مستشارين ومعاونين للبابا في خدمة كنيسة روما ثم أصبحوا ينتمون إلى كنائس مختلفة في العالم، أما مجمع الكرادلة فقد أنشئ في عام 1150 وكان يرأسه أسقف أوستيا بإيطاليا الذي كان يدير الكرسي الرسولي عند وفاة البابا إلى أن ينتخب البابا الجديد.
وفي عام 1509 أصبح الكرادلة هم الذين ينتخبون البابا الجديد وفي القرن الثاني عشر أصبح الكرادلة يعينون في الكنائس الرئيسية خارج كنيسة روما أيضا.
وبين القرن الثالث عشر والخامس عشر كان عدد الكرادلة لا يتجاوز الثلاثين ثم رفعه البابا سكستوس الخامس إلى 70 كاردينالا في عام 1586 وفي مجمع الكرادلة الذي انعقد في 15 ديسمبر 1958 اعتمد البابا يوحنا الثالث والعشرون العدد الذي أقره البابا سكستوس الخامس والذي أكد عليه الحق القانوني لعام 1971 في الرقم 231.
وقد أقر البابا بولس السادس في 11 فبراير 1965 إمكانية انضمام البطاركة الشرقيين إلى مجمع الكرادلة، وفي 21 نوفمبر من عام 1970 أقر البابا بولس السادس عمر 80 سنة كحد أقصى لخدمة الكرادلة في الدوائر الرومانية ومنظمات الكرسي الرسولي ودولة الفاتيكان كما يفقدون الحق في التصويت لاختيار البابا والاشتراك في الاجتماع المغلق لاختيار البابا.
ويوم 5 نوفمبر 1973 رفع البابا بولس السادس عدد الكرادلة الذين يحق لهم انتخاب البابا إلى 120، وقد أكد البابا يوحنا بولس الثاني هذا القرار في الوثيقة حول الكرادلة التي نشرت في 22 فبراير 1996.
وقد عين البابا الحالي معظم الكرادلة الحاليين الذين يبلغ عددهم 164 كاردينالا وعقد 19 مجمع كرادلة خلال حبريته ويبلغ عدد الذين يحق لهم التصويت لاختيار البابا حوالي 120 كاردينالا أي أن عمرهم يقل عن 80 سنة، وأما الباقون فقد تجاوزوا السن القانونية المسموح بها لحضور الاجتماع المغلق لاختيار البابا أو التصويت لانتخاب البابا، ويمكن القول: إن البابا الحالي قد ضرب رقما قياسيا في تعيين كل الكرادلة بهذا العدد الكبير.
ومن الجدير بالذكر أنه يوجد ثلاثة كرادلة عرب في مجمع الكرادلة وهم: مار نصر الله صفير بطريرك الموارنة في لبنان، والكاردينال أسطفانوس الثاني غطاس بطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر، والكاردينال أغناطيوس موسى داود بطريرك السريان الكاثوليك سابقا ورئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان.
وكما يرى "جيان كارلو زيزولا" الصحفي والمحلل الإيطالي الكاثوليكي، فإن مجمع الكرادلة الذي عينه بأكمله تقريبا البابا يوحنا بولس الثاني لا يعكس تطور النزعة العالمية وحسب (التي تبلورت في مجامع كل من البابا يوحنا الثالث والعشرين والبابا بولس السادس) بل توسع الحيز الذي باتت تحتله "الكنيسة الثالثة" (نسبة إلى "العالم الثالث") فبعدما كان عدد الكرادلة غير الأوربيين اثنين فقط من أصل 62 في عام 1903 ارتفع هذا العدد إلى 23 في عهد البابا يوحنا الثالث والعشرين وإلى 57 مع البابا بولس السادس وقد باتت الهيئة الانتخابية البابوية بعد الدفعة الثامنة التي عينها البابا يوحنا بولس تتوزع على الشكل التالي: 65 كاردينالا أوربيا "48%" و6 من أمريكا الشمالية و24 أمريكيا لاتينيا و13 أفريقيا و13 آسيويا و4 أستراليين.
واستنادا إلى هذه الحسابات يكون عدد الكرادلة الناخبين في الكنيسة الثالثة 54 يمثلون 40% من المجمع في حين تراجع مؤشر الحصة الإيطالية الذي تلقى الصدمة المعاكسة من أول بابا غير إيطالي منذ خمسة قرون فهناك 24 كاردينالا ناخبا من الإيطاليين أي ما نسبته 18% أو أقل بقليل في حين كانت نسبتهم 25% في بداية العهد البابوي الحالي عام 1978 و61% في مطلع القرن العشرين وربما يشكل هذا ضربة قاضية للهيمنة الإيطالية ويفتح الطريق أمام احتمال وصول بابا لا من خارج الحدود الإيطالية فحسب وإنما من خارج حدود أوربا.
================
#البابا والتاريخ والعوالم الجديدة.. والإسلام
د. رضوان السيد**
د. رضوان السيد
خلاصة محاضرة البابا
التاريخ اللاهوتي وصورة الله
ما فائدة هذا الاستطراد كله؟
تجريد اللاهوت من الأثر اليوناني
لماذا يشعر البابا بالجزع؟
العلاقة بين محاضرة البابا والإسلام
ظروف المحاضرة ودلالاتها
يصعُبُ تحديد أهداف البابا بنديكتوس السادس عشر من وراء محاضرته بجامعة بون، تحت عنوان: "العقل والإيمان"، هل أراد عرض صورة جديدة لتطور "تاريخ" العقيدة المسيحية، بطريقة تجعل من التقليد الكاثوليكي صديقاً للحداثة العلمانية من خلال ربط "الإيمان" الكاثوليكي بالفلسفة الإغريقية، التي يعتقد - هو - أنها هي التي أسست لأوروبا الحديثة؟
إن كان هذا مراده فقد أخطأ الهدف، لأن الإحياء اليوناني في عصري النهضة والأنوار كان الهدف منه ذا شعبتين؛
الأولى: إنسانوية معادية للدين تريد الاستنصار بالوثنيات الإغريقية على التقليد الكاثوليكي بالذات. والثانية: إعادة تحديد الهوية الأوروبية، باعتبار أن الإغريق هم الذين أنشأوا القوميات الأولى، والدول الأولى المتمايزة عن الشعوب الآرية والهندو-أوروبية الأخرى. والمعروف أن الكنيسة الكاثوليكية اختارت منذ مطلع القرن العاشر الميلادي (وربما قبل ذلك كما يقول مؤرخو مدرسة الحوليات الفرنسية) الانتماء الروماني، والإمبراطورية الرومانية المقدسة. ولذلك لا يتلاقى البابا إن كان هذا هدفه مع ماضي كنيسته نفسه!.(2/152)
فهل أراد البابا إذن أن يحاور خصومه من البروتستانت، الذين صارعهم طوال حياته، من طريق القول بأن اللاهوت المسيحي واحد؛ منذ صار العهد القديم في القرن الثاني الميلادي كتاباً يونانياً (في الترجمة السبعينية بالإسكندرية)، ومنذ وجد العهد الجديد صيغة يونانية على يد بولس الرسول كما ذكر هو في محاضرته؟
إن كان هذا مراده فقد أخطأ الهدف أيضاً؛ لأن البروتستانت ما لبثوا أن سايروا الحداثة والعلمانية واليهودية في التخلص من الطابع اليوناني الخفيف للعهد القديم، والطابع الهيلليني (الغنوصي) للعهد الجديد. ثم إن الكنائس البروتستانتية الكبرى تكاد تخلو الآن من المؤمنين والأتباع الذين جرفتهم الإنجيليات الجديدة المندفعة وراء ارتعاشات التجربة المباشرة مع السيد المسيح نفسه، من دون لاهوت ولا كتاب!.
وإذا كان البابا لا يخاطب الحداثيين الذين ما عاد للدين مكان في حياتهم، ولا البروتستانت والإنجيليين الجدد، الذين لا يأبهون كثيراً بالمشيج اليوناني القديم أو المتأخر، فمن يخاطب إذن؟ لنلخص محاضرة البابا أولاً، ولنحاول فهمها من الداخل، ثم لنعد إلى محاولة تأمل مقاصده وغاياته.
خلاصة محاضرة البابا
يبدأ البابا المحاضرة بتذكر نفسه أستاذاً للاهوت بجامعة بون عام 1959، حيث كان يلتقي بزملائه البروتستانت، وتدور بينهم حوارات حول إمكان التلاقي؛ لأن بالجامعة المذكورة كليتين إحداهما للاهوت الكاثوليكي والأخرى للاهوت البروتستانتي. ثم يختار بدء موضوعه في العقل والإيمان باقتباس من الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني باليولوغوس ذكره في معرض مجادلته لعالم فارسي مسلم مفترض، مؤداه أن الله ذو طبيعة عاقلة، ولذلك فإن الإيمان بالنسبة له يرتبط بالعقل، وهو يقصد بذلك الإرادة الحرة العاقلة. والبابا (مستنداً إلى عادل تيودور خوري عالم اللاهوت الكاثوليكي المعروف، ذي الأصل اللبناني، والذي نشر جدالات مانويل الثاني أو محاورته مع المسلمين) يذكر أن فكرة لاعنفية الذات الإلهية، وبالتالي تعقلها، آتية من الفلسفة الإغريقية (اليونانية).
ولليونان معنيان اصطلاحيان. فالتقليد اليوناني في المسيحية هو التقليد الديني الأرثوذكسي، والأرثوذكسية هي دين الإمبراطور مانويل صاحب الجداليات. لكن البابا يختار المعنى الثاني للاصطلاح دون مبرر: اليونان القدامى الذين صنعوا التقليد الفلسفي المعروف من خلال الثلاثي المشهور، الذي يذكره البابا خلال محاضرته: سقراط وأفلاطون وأرسطو. وأقول إن اختيار البابا للمعنى الثاني فيه تحكم؛ لأن هؤلاء الفلاسفة ما كانوا مسيحيين، ولا علاقة لهم بتجربة المسيح غير العنيفة؛ في حين أن التقليد الديني الأرثوذكسي معاد للعنف باسم الدين - وقد كان الأولى به أن يتبناه بدلاً من نسبة عدم العنف إلى تأثير أفلاطون! ولا شك أن الإمبراطور مانويل نفسه لو كان حياً وقرأ كلام البابا لتعجب وأغرب ضاحكاً؛ لأن العنف الديني الذي أطلقته الكنيسة الكاثوليكية (البابا أوربان الثاني عام 1095م) ضد الشرق الإسلامي، نال أول ما نال بشواظه الأرثوذكسية، إذ احتل الفرسان الصليبيون القسطنطينية وظلوا فيها مستعمرين لأكثر من خمسين عاماً وباسم المسيح العنيف وليس المسالم أو العاقل!.
بعدها تابع البابا المحاضرة بعرض تأويل جديد للعهد القديم، خلاصته أنه تأغرق (صار حضارياً!) بعد ترجمته لليونانية، فيتجنب بذلك صورة يهوه العنيفة في التوراة - أما يونانية العهد الجديد غير العنيفة فآتية من بولس الرسول الذي قصد مقدونيا استناداً لرؤيا رآها (مقدونيا اليونانية؟ اليونان القدامى ما كانوا يعتبرونها كذلك، ويقولون: إن الإسكندر المقدوني الذي فتح أثينا كان متوحشاً!) - كما أن يونانية الإنجيل آتية أيضاً من لغته الأولى المعروفة (ربما كتبت الأناجيل في الأصل بالآرامية لغة المسيح، أو بالعبرية، لكن أقدم نسخ الإنجيل كما انتشر في العالم مصوغة باليونانية، وتعود إلى عام 225م )، والذي تبدأ إحدى نسخه القانونية بالعبارة المشهورة: في البدء كان الكلمة (اللوغوس)، وكان الكلمة الله. وهنا يوحد البابا بين الألوهية والكلمة (أي المعرفة) زالنوس (أي العقل). وما اجتمعت الفلسفة الأفلاطونية المسالمة والمعرفة والعقل إلا في مقدونيا على يد بولس الرسول؛ ولذلك فإن المسيحية ما "تحضرت" في المشرق حيث ظهرت، بل في أوروبا؛ ومن هنا تأتي الهوية المسيحية لأوروبا التي تبادلت التكوين والصناعة معها: المسيحية الأوروبية، وأوروبا المسيحية!.
وأحسب أن هذا التفسير المبتكر للطرفين: المسيحية وأوروبا كان سيسر الشيخ ابن تيمية صاحب الكتاب الجدالي الكبير ضد المسيحية: "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح"، والذي قال فيه: ما تنصرت الروم (والروم في الاصطلاح القرآني والعربي هم البيزنطيون اليونان)، لكن النصرانية تروَّمت! كما أنه سيسر - أو سُرَّ ولا شك - الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان، الذي ترأس لجنة صاغت الدستور الأوروبي الميت، وكان في مقدماته: أن الهوية العميقة لأوروبا مسيحية (وهذا لا بأس فيه)؛ ثم رتب على ذلك أن تركيا المسلمة إن دخلت الاتحاد الأوروبي فإن ذلك سيفسد الهوية المسيحية الخالدة فساداً لا صلاح بعده! وهذا هو رأي البابا الحالي الذي ذكره قبل ثلاث سنوات في خضم نقاشات ذاك الدستور، وكان وقتها ما يزال رئيساً لمجمع العقيدة أو الإيمان بالفاتيكان، واسمه الكاردينال جوزف راتسينجر. ويزعم الأتراك أن حبه المفقود لهم يعود لأيام مطرانيته على ميونيخ، واستغرابه للباس نساء العمال الأتراك أو لحجابهن!.
التاريخ اللاهوتي وصورة الله
بعد الترابط الذي استنتجه البابا بين العقل اليوناني والمسيحية وأوربا، ينصرف لقراءةٍ شخصية بعض الشيء للتاريخ اللاهوتي، وصورة الله التي يفترضها في المسيحية. فاللاهوت الكاثوليكي "الأصلي" هو لاهوت اللوغوس أو لاهوت العقل والإيمان (باستثناء قلة نادرة لا حكم لها مثل دونز سكوتوس). وهو يذكر بين أركان ذاك اللاهوت أوغسطينوس وتوما الأكويني. وأوغسطين أفلوطيني غنوصي فعلاً. وليس الأمر كذلك مع توماس إكويناس.
فتوما الأكويني الذي صنع اللاهوت السكولائي (المدرسي) للكاثوليكية أخذ الخلطة اللاهوتية من الغزالي في مواجهة ابن رشد. وفي تلك الخلطة دخل اليونان (أرسطو بالذات) دخولاً تنظيميًّا من طريق إقامة اللاهوت (علم الكلام عند المسلمين) على المنطق الصوري. فالصوفية المسيحية صوفية أفلاطونية وأفلوطينية، أما اللاهوت الرسمي (شأنه في ذلك شأن علم الكلام لدى المعتزلة والأشاعرة) فهو قائم على منطق أرسطو. وقد يكون هذا هو المقام الصحيح لقراءة "صورة الله العاقلة" عند البابا، الذي هو في الأصل أستاذ لاهوت كاثوليكي كبير فعلاً؛ ولذلك يجب تتبع تأويله اللاهوتي للتاريخ المسيحي الوسيط بعناية.
في المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية لاهوتان، وكذلك في الإسلام واليهودية. أما في البروتستانتية فهناك لاهوت واحد. اللاهوتان هما - إذا صح التعبير- : لاهوت الرحمة والعناية والفضل، ولاهوت التنزيه والعدل. وهذان التياران موجودان في اليهودية والإسلام أيضًا؛ في حين أن البروتستانتية لا تعرف غير لاهوت الرحمة والنعمة والاصطفاء؛ الذي يتخذ سمة متشددة مثلما هو لدى بعض اللاهوت اليهودي. وسنعود لذلك لاحقًا.(2/153)
يعني هذا بعبارة أخرى أن صورة الله عز وجل لدى القائلين بالرحمة والفضل هي صورة الحرية المتبادَلة، وفيها أن الله سبحانه منزهٌ تنزيهًا مطلقًا عن الشبه بالبشر، وعن الخضوع لمقاييسهم (كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك)؛ لكنه رحمةً وتفضلاً منه أرسل الرسالات، واختار العناية بسائر الكائنات التي خلقها، ولا إلزام له بذلك إلا بما سمى به نفسه، من ضمن مشيئته وقدرته وإرادته، وحسبما اقتضته حكمته واقتضاه تفضله، ومقاصده التي لا تُدرك. وفي مقابل هذه الحرية المطلقة لله، هناك الحرية النسبية للإنسان بين الإيمان والكفر، والصلاح والفساد، مع وجود النصوص أو التعاليم التي تبين لهذا الإنسان طريقي الخير والشر، وعواقب اختيار أحد الطريقين. لكن في هذا اللاهوت شيء من الجبرية (من خلال القضاء والقدر)، وشيء من الاتكالية (تبقى في نطاق عناية الله ورحمته مهما فعلتَ).
أما في اللاهوت الآخر، لاهوت التنزيه والعدل، والذي سميناه لاهوت الالتزام المتبادَل؛ فإن الله والإنسان كليهما يتمتع بالحرية؛ لكنهما مثقلان بالالتزامات المترتبة عليهما: على الله الالتزام بما ألزم به نفسه (يسميه المعتزلة الوعد والوعيد)، فليس من العدل أو التنزيه أن يهدي الله إنسانًا دون آخر، ولا أن يرحم مذنبًا، ولا أن يثيب مؤديًا للفرائض والتعاليم. على الله الالتزام بوعده ووعيده ولا يستطيع الإخلال بذلك أو تنتفي صورة الألوهية عنه.
وفي المقابل الإنسان هو الذي يخلق أفعاله التي لا علاقة لها بالقضاء والقدر، وهو لذلك مسؤول مسؤولية كاملة. وهكذا فالإيمان نعمة ورحمة وتفضل من الله لدى أهل لاهوت الرحمة، وواجب وحق لدى أهل لاهوت التنزيه والعدل. والنعمة والرحمة والعناية تتخذ أبعادًا كبرى لدى المتكلمين اليهود بحيث تصل إلى اختيار الله لهم شعبًا ودينًا وليس أفرادًا، والاختيار والاصطفاء والاتخاذ قوي أيضًا لدى البروتستانت لكنه فردي.
وفي المقابل يبلغ لاهوت الواجب أحيانًا لدى المعتزلة وبعض الكاثوليك والأرثوذكس حدود وضع الله في ضبطية عقلية محكمة تجاه الإنسان بالذات: يجب على الله كذا، ولا يجوز له أو عليه كذا!. بيد أن مسألة الوجود الإلهي المتعالي في الديانات الإبراهيمية فرضت مشتركات رغم اختلافات اللاهوتيين. إذ لا بد من تصور إمكان قيام علاقة بين الطرفين: الإلهي المتعالي والمتفرد من جهة، والإنساني من جهة ثانية؛ ولذلك كانت هُوامات الصوفية والقبالة والغنوص، والتي ما استطاع اللاهوت الرسمي قبولها؛ لأنها تتجاوز كل المؤسسات الدينية وتلغي الكهنوت بادعاء وحدة الوجود أو الحلول أو الصلة المباشرة بين الله والإنسان خارج القناة (القانونية): النبوات والكتب، وفي المسيحية: تجاه تجسد الله نفسه!. ولذلك قال المتكلمون المسلمون بقياس الغائب على الشاهد، وتبعهم في ذلك المتكلمون اليهود، واللاهوتيون الكاثوليك وإلى حد ما الأرثوذكس. وقياس الغائب (الله) على الشاهد (عقل الإنسان وقيمته وإدراكاته) يعني إقامة صلة من نوع ما بين المطلق والنسبي من خلال صفاته بالقدرة والعناية (لدى الأشاعرة والكاثوليك)، ومن خلال أفعاله بما يسمونه اللطف (لدى المعتزلة والمتأثرين بهم من المتكلمين اليهود والأرثوذكس).
ما فائدة هذا الاستطراد كله؟
فائدته أن البابا يتحدث عن اختلاف في صورة الله بين المسيحيين وغيرهم من أتباع ديانتي التوحيد، وخاصة الإسلام، لأن اليهودية تجاوزت "عنفية" يهوه بالدخول في الميراث اليوناني العقلاني أيضًا. وهذا تأويل للتاريخ اللاهوتي لا يعرفه غيره، وقد لا يقول به غير قداسته. فاللاهوت الكاثوليكي الوسيط مبني كله على المباني التي عرفها المتكلمون المسلمون، وأدخلوا فيها الكاثوليك واليهود، وإلى حد أقل الأرثوذكس والسريان، لأن الفرقتين الأخيرتين عرفتا الميراث اليوناني والمنطق اليوناني قبل المسلمين، وقد هربت الكاثوليكية فالأرثوذكسية من الأفلاطونية إلى نصف أرسطية خوفَ الغرق في الغنوص الذي كافح ضده آباء الكنيسة الأوائل ووقع فيه أوغسطين وغيره وما كادوا يخرجون منه، ولولا المؤسسة الكنسية القائمة سلطتها على سلطة الدولة أو بموازاتها لصارت الكاثوليكية بالذات دينًا غنوصيًّا آخر مثل غنوصيات الأزمنة الهيللينية. فالتجربة مع الإغريق في اللاهوت الأفلوطيني والأرسطي هي تجربة مشتركة بين الديانات التوحيدية، ولا ينفرد بها المسيحيون الأوربيون أو الكاثوليك بالذات الذين أخذوها عن المسلمين أو شاركوهم فيها!.
وهكذا فالعقلنة في المسيحية عقلنة محدودة وتتركز في المؤسسة التنظيمية والسلطوية، وليس في اللاهوت المدرسي، الذي ظل مشتركا بين الإسلام والمسيحية واليهودية (لاهوت موسى بن ميمون يميل للأشعرية. لكن في السنوات الأخيرة جرى اكتشاف عدة نصوص معتزلية كانت متداولة لدى الفرق اليهودية في بغداد ومصر والأندلس).
فمن أين أتت الخصوصية المسيحية المستنيرة التي يتحدث عنها البابا في صورة الله، والتي يُدخل فيها اليهود، ويُخرج منها المسلمين؟
ليس من اللاهوت الكاثوليكي بالتأكيد، وليس من تاريخ الكنيسة بالتأكيد؛ بل من التجربة الإنسانوية الأوربية في القرون الأربعة الأخيرة، والتي صارت عالمية عبر مقولة "الحق الطبيعي" للإنسان. وبهذا المعنى تغيرت صورة الإنسان، وصورة العالم، فتغيرت صورة الله لدى البابا بعد نضال فاتيكاني وبابوي في الإصلاح المضاد، استمر على مدى ثلاثة قرون!. والحداثة التي دخلها البروتستانت وبعض اليهود قبل الكنيسة الكاثوليكية هي التي أعادت طرح كل هذه المسائل، واضطرت المؤسسة الكاثوليكية الصلبة والمتضائلة حتى مطالع القرن العشرين للدخول والمنافسة من جديد مستفيدة لإعادة التموضع داخل العصر من سلبيات راديكاليات الإنسانويين غير الإنسانية!.
تجريد اللاهوت من الأثر اليوناني
ويباشر البابا معالجة مسألة الأزمنة الحديثة أو نقد الحداثة قبل الوصول إلى الخاتمة والاستنتاجات. وهو يرى أن المَعْلم الرئيسي فيما يتعلق بالتفكير الديني خلال أربعة قرون وحتى القرن العشرين، كان ما يزال: نزع الهَلْينة أو تجريد اللاهوت والفكر الديني المسيحي من التأثيرات الفلسفية اليونانية عليه. وقد مرت العملية حتى العصر الحاضر بثلاث مراحل.
في المرحلة الأولى: مرحلة عصر الإصلاح (البروتستانتي) يقول البابا: إن الغرض من وراء ذلك كان العودة إلى سذاجة وحرارة الإيمان، بالاستناد للنص نفسه مجردًا عن أغطيته الفلسفية. وقد دخل في ذلك ليس اللاهوتيون فقط بل والفلاسفة من مثل عمانوئيل كانط الذي أراد أن يضع الفكر الفلسفي جانبًا، ليفسح المجال للإيمان.
وفي المرحلة الثانية مرحلة اللاهوت الليبرالي التي امتدت حتى القرن العشرين ظهر لاهوتيون كبار مثل أدولف فون وهارناك تابعوا تلك العملية وأسسوها على مقولة باسكال في التفرقة بين إله الفلاسفة وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب.(2/154)
وتابع البابا قائلاً: إن هارناك أراد استرجاع حرارة الرسالة الأولى للسيد المسيح التي غرقت في خضم التدقيقات اللاهوتية والتفلسف الهيلليني. وزاد الأمر راديكالية دخول عصر التصنيع وزمان التكنولوجيا حيث صار الهمّ الوصول إلى اعتبار اللاهوت علمًا؛ استنادًا إلى إدخاله في "علم التاريخ" من جهة، وإلى قياس دقته وعلميته، ودقة العلوم الإنسانية الأخرى: على دقة العلوم البحتة والتطبيقية. ولأن اللاهوت المتصل بالإيمان ليس بالأمر الذي يمكن إخضاعه للتجربة؛ فقد أُخرج سؤال الله عمليًّا من المجال العلمي الحي والمتطور؛ وصار الدين يُدرس باعتباره نظامًا وضعيًّا.
ثم دخلت المرحلة الثالثة في نزع الهلينة، وهي المرحلة المعاصرة، في عصر التعددية الثقافية. وفي هذه المرحلة قيل إن التهلين المسيحي تم في أزمنة سالفة، وفي ظروف منقضية. ولذلك ينبغي السماح للمسيحيات والمسيحيين الجدد أن يمارسوا شخصياتهم وظروفهم وسياقاتهم كما مارسها المتهلينون في أزمنة سالفة؛ بحيث ينتجون دينهم الخاص المتلائم مع تقاليدهم الثقافية الخاصة في زمان التعددية. والبابا يرى في ذلك شذوذًا وانعدامًا للمعقولية. فالهلينة بالنسبة للمسيحية ليست غطاءً مستعارًا يمكن نزعه؛ بل إنها صارت جزءًا من الإيمان المسيحي نفسه.
ويختم البابا المحاضرة عن "العقل والإيمان" بالدعوة إلى العودة للعقل الفلسفي، وليس الاكتفاء بقصر العقل والمعقولية على منتجات التجربة المباشرة ومقاييسها. وهو يرى أن ذلك لا يعني التنكر للتكنولوجيا أو لعصر الأنوار قبلها؛ بل البناء عليهما. فلا بد من تصحيح علاقة العقل بالإيمان، من طريق الاعتراف المتبادل والنظر إيجابًا في تاريخية العلاقة والتقاليد الدينية المختلفة، وخاصة المسيحية. لا بد من العودة لتأمل كلمة الإمبراطور مانويل الثاني: "الإقدام على التصرف بدون معقولية، مناقض لطبيعة الله".
يحمّل البابا المسؤولية فيما آل إليه أمر الدين إذن لأولئك الذي أصروا على "نزع الهَلْينة" أو إلغاء اللاهوت منذ القرن السادس عشر. وهو قسّم ذلك في ثلاث مراحل بدءًا بالقرن السادس عشر. يتحمل البروتستانت مسؤولية المرحلتين الأوليين، ويتحمل العلمانيون والتجريبيون التعدديون مسؤولية المرحلة المعاصرة. وهذه - مرة ثانية وثالثة - نظرةٌ متفردة أو خاصة في فهم تطور التفكير بشأن الدين في أوربا في القرن السادس عشر تتمثل في ثلاث: علاقة الدين في الحياة الإنسانية، وعلاقة الكنيسة بالدولة، وعلاقة العقل بالإيمان، وأخيرًا منزلة الدين في الحياة الإنسانية. الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر وما بعد، أثار مسألة علاقة الدين والخلاص بالمؤسسة (الدينية)، أي الكنيسة الكاثوليكية. وقد سبقته تمردات كثيرة على السلطة الكنسية منذ القرن الثالث عشر، الذي انتهت فيه الحروب الصليبية. وقد لجأت البابوية في قمعها إلى الاستنصار بجيوش الملوك "المؤمنين"، وجيوش الفاتيكان نفسه. وأكملت ذلك بإنشاء محاكم التفتيش. وهكذا فما كان الأمر أمرَ نزع الهلينة، بل هل الدين (أو الإيمان) ممكن بدون المؤسسة، ويعتبر التمرد على المؤسسة تمردًا على الدين والإيمان.
وقد ثبت خَطَل هذه الرؤية. فقد انتصرت البروتستانتية التي أضعفت المؤسسة، دون أن يضعُف الدين أو الإيمان. وما استطاعت البابوية في القرنين السادس عشر والسابع عشر أن تنهي التمرد البروتستانتي بخلاف ما حدث للتمردات السابقة؛ لأن الدولة كانت قد انفصلت بالتدريج عن الكنيسة؛ فما عاد بوسعها شن حروب صليبية في الخارج، ولا فرض سيطرتها بواسطة جيوش الملوك المسيحيين في الداخل الأوربي.
وهكذا ففي المرحلة الأولى ما كان السؤال سؤال ماهية اللاهوت، بل ضرورة المؤسسة (الكاثولكية) لبقاء الدين المسيحي. وقد كانت الكنيسة تستخدم النظام اللاهوتي المدرسي لتثبيت سيطرتها في العالم المسيحي، ومن الطبيعي عندما تتزعزع السيطرة، أن يتصدع البناء اللاهوتي الذي يدعمها أو يعطيها المشروعية.
أما السؤال الآخر، الذي طرح في القرن الثامن عشر، أو ما عرف بعصر الأنوار، فكان يتصل بعلاقة الإيمان بالعقل. كان هناك العقلانيون الملحدون الذين اعتبروا أن الدين في طريقه للزوال، وأن الباقي هوامات فردية وشخصية. وقد بلغ هذا النوع من الفكر ذروته في راديكاليات الثورة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر. بيد أن المفكرين الجديين من أمثال كانط وهيغل وهوبز ولوك ولايبنتز واسبينوزا فما كانت عندهم أوهام حول إمكان اختفاء الدين أو الإيمان الديني. لكنهم ما عادوا يرون إمكان استمرار" اللاهوت العقلي"، أي تأسيس الإيمان الفردي على البرهان اللاهوتي الأفلاطوني أو الأرسطي. ومن هنا فقد عادوا إلى أطروحة ابن رشد التي كان المتكلمون واللاهوتيون قد نحوها جانبا كما سبق ذكره ولصالح اللاهوت المعقلن للغزالي وتوما الأكويني. قال ابن رشد بحقيقة إيمانية وأخرى برهانية. الأولى تتعلق بعالم الدين والإيمان، والأخرى تتعلق بعالم الكون والفساد، أو الحس والتجربة. البابا يعتبر ذلك تهميشًا للسؤال الديني، لأنه ما يزال مهجوسا بدور اللاهوت المؤسسي، لكنه من جهة أخرى لا يستطيع اعتبار ذلك مرحلة أخرى في تجريد الدين من أسلحته الفلسفية أو الفكرية.
فالواقع أن كانط وهيغل واسبينوزا كانوا بذلك يحمون الإيمان الديني العميق من شطحات التنويريين الراديكاليين (أمثال هيوم وفيرباخ ونيتشه) وتشددات الحروفيين الإنجيليين، وليس من بقايا الكنيسة الكاثولكية. وقد أضيف لذلك في القرنين التاسع عشر والعشرين، إحساس علماء كبار بأن الإيمان العلمي أو العلم (بالرياضيات والعلوم الطبيعية) أسقط الحاجة للدين أو للإيمان، وما عادت للدين غير فائدة ضئيلة في المسائل الأخلاقية. لقد تبلورت رؤية جديدة للعالم في الوقت الذي كانت فيه الكاثولكية ما تزال منهمكة في الدفاع عن سلطة الكنيسة، وليس عن الإيمان الديني.
لماذا يشعر البابا بالجزع؟
لماذا يشعر البابا بالجزع؟ إنه خائف من تضاؤل دور الدين في الحياة العامة الأوروبية. بيد أن التجربة الأوروبية مع الدين في القرون الأخيرة، خاصةٌ وليست عالمية. وما يجري في الولايات المتحدة وآسيا وإفريقيا شاهد واضح على ذلك. ففي سائر القارات ( بما في ذلك بعض أنحاء أوروبا) تمدد ديني إيماني وثوران ديني، وليس تضاؤلا للدين والإيمان. ولذلك فإن الحل الذي يقترحه (إعادة تعريف العقل ودوره) لا يتلاءم والواقع المتطور. كأنما هو ما يزال محبطا لما كان في حقبة ما بين الحربين، وحقبة الحرب الباردة. لقد تغير الزمان، وما عادت العلمانيات الراديكالية هي المشكلة، بل الديانات الجديدة غير المؤسسية. والخوف مشروع ومبرر لهذه الجهة، وإن يكن الشك كبيرا في إمكان نجاح المؤسسة الدينية لدى أهل الديانات الثلاث، في العودة لقوتها وعزها. هناك معاناة كبيرة في من الإحيائيات والأصوليات المنفلتة من عقالها، والتي لا تشعر بالحاجة إلى أي بعد مؤسسي أو انضباط من أي نوع.(2/155)
لقد انهار اللاهوت المدرسي الكاثوليكي في القرن الثامن عشر نهائيا. كما انهارت المؤسسة الدينية لدى اليهود الأرثوذكس بعد أواسط القرن العشرين، وكذلك الأشعرية السنية. وتعملقت الإحيائيات من دون لاهوت ولا علم كلام. وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الأديان الإبراهيمية كلها. وقد أدرك البابا السابق يوحنا بولس الثاني هذا الأمر، فوضع الكاردينال راتسينجر رئيسا لمجمع الإيمان ليُحكم القبضة على الكنيسة الكاثولكية فلا تتشقق في عصر التحولات الكبرى. وانصرف هو منذ مطلع الثمانينات إلى مصارعة الشيوعية في أوروبا الشرقية، ومنذ مطلع التسعينيات إلى مكافحة الأنظمة الشمولية والمهيمنة الأخرى، والدعوة للحرية الإنسانية والود الإنساني، ومصارعة الفقر والظلم والأدواء البشرية السارية، ومخاطبة ومحاورة أتباع الديانات الأخرى، الذين اعتبرهم حلفاء وشركاء في الإيمان، وفي المصير الإنساني الكبير.
أمسك البابا يوحنا بولس بنبض التاريخ وراح يشارك في صنعه. أما البابا الحالي فيريد أن يتموضع في أوربا، طارحًا من جديد الأسئلة التي جرى تجاوزها قبل قرن وأكثر. ولا شك أن المشكلات الأكبر واقعة اليوم بداخل الكنيسة الكاثوليكية، ليس بسبب هجوم الإنجيليين الجدد والمولودين ثانية عليها فقط؛ بل أيضًا بسبب تفاقم القضايا المحتاجة لحلول منذ ثلاثة عقود ونيف. إنها عوالم جديدة تطل عليها البشرية جمعاء، ولا تنفع فيها لاهوتيات الهيللينيين ولا المصالحات المقترحة بين العقل والإيمان.
العلاقة بين محاضرة البابا والإسلام
يتبين من الاستعراض التفصيلي لمحاضرة البابا بنديكتوس السادس عشر وسياقاتها، ليس أنه لا علاقة لها بالإسلام، كما بدا لي لأول وهلة، بل أنها معنية باستعادة أوربا إلى المسيحية، واستعادة المسيحية إلى أوربا. وللمشروع نفسه بغض النظر عن صحته وإمكانه وطرائق الوعي به، علائق وثيقة بالإسلام يبدو لأول وهلة أيضًا أنها – أي تلك العلائق- غير مباشرة، وليس الأمر كذلك. ولكي لا يبقى ما أقصده عن العلاقة الوثيقة بين محاضرة البابا والإسلام عرضة للتأويلات سأبدأ بترجمة الفقرة التمهيدية التي ورد فيها ذكر الإسلام في المحاضرة:
"كنت أقرأ نشرة البروفسور (عادل) تيودور خوري (من جامعة مونستر) لقسم من حوار (ربما جرى عام 1391 في الثكنات العسكرية الشتوية على مقربة من أنقرة) بين الإمبراطور (البيزنطي) العالم مانويل الثاني باليولوغوس، ومثقف فارسي (مسلم) في موضوع المسيحية والإسلام، والحقيقة المتضمنة في كل منهما. وربما كان الإمبراطور نفسه هو الذي سجل ذلك الحوار خلال حصار القسطنطينية بين العامين 1394 و1402، وهذا ربما يعلل سبب ذكر حججه بالتفصيل، دونما اهتمام لافت بإجابات العالم الفارسي. والحوار يتوسع إلى ما وراء حدود البنى العقدية في الإنجيل والقرآن، ليركز بخاصة على صورة الله والإنسان، راجعا عندما يكون ذلك ضروريا، إلى العلائق بين "الشرائع الثلاث": العهد القديم والعهد الجديد والقرآن.
في هذه المحاضرة أريد أن أناقش نقطة واحدة ـ ربما كانت هامشية في الحوار المذكور نفسه ـ هي سياقات علاقة "الإيمان والعقل" وقد وجدت أنه من الممكن أن يكون ذلك السياق الحواري مفيدا في تأملاتي حول المسألة.
في المحادثة السابعة (من الجدال...) والتي نشرها البروفسور خوري، يعالج الإمبراطور موضوع الجهاد (الحرب المقدسة). ومن المؤكد أن الإمبراطور كان يعرف الآية القرآنية (2:256) والتي تقرر أنه "لا إكراه في الدين". وسورة البقرة هذه إحدى السور القرآنية المبكرة، عندما كان (النبي) محمد ما يزال بدون قوة ونفوذ، وواقعا تحت التهديد، لكن من الطبيعي أن يكون الإمبراطور عارفا بالتعاليم الإسلامية التي تطورت فيما بعد وسجلها القرآن، بشأن الحرب... وبدون مقدمات تفصيلية حول الفروق في التعامل مع "أهل الكتاب" والآخرين "المشركين"، يلتفت الإمبراطور إلى محاوره بشكل مفاجئ وقاس طارحا السؤال الأساسي في العلاقة بين الدين والعنف بشكل عام؛ يقول الإمبراطور: "أرني ما هو الجديد الذي أتى به محمد، وسوف تجد أشياء كلها شريرة وغير إنسانية، من مثل أمره بنشر الدين بالسيف".
ثم يمضي الإمبراطور شارحا بالتفصيل الأسباب التي تجعل من نشر الإيمان بالعنف تصرفا غير عقلاني، لا يتفق العنف مع الطبيعة الإلهية، ولا مع طبيعة الروح: "لا يحب الله سفك الدم، والتصرف غير العقلاني مُناقض لطبيعة الله". فالإيمان يبزغ من الروح وليس من الجسد، بيد أن الذين يريدون نشر الإيمان، "يحتاجون إلى قدرة على الحديث الجيد، والتأمل بعقل، وبدون عنف وتهديدات... ومن أجل إقناع روح عاقلة، لا يحتاج المرء إلى ذراع قوية، ولا إلى سلاح من أي نوع، كما لا يحتاج إلى تهديد أي شخص بالموت...".
إن الحجة البارزة في هذا الجدال ضد الإرغام على الإيمان أن الداعية الذي يتصرف بخلاف العقل، إنما يتصرف بخلاف طبيعة الله. ويلاحظ البروفسور خوري معلقا: بالنسبة للإمبراطور البيزنطي ذي الثقافة الفلسفية الإغريقية؛ فإن هذا الأمر بديهي. أما في تعاليم الإسلام فإن الله متعال علوا مطلقا، وكما أن إرادته ليست مقيدة أو متعلقة بأي مبدأ آخر بما في ذلك مقاييس العقل نفسه. وهنا عاد خوري للاقتباس من دارس فرنسي معروف للإسلاميات هو روجيه أرنالديز ذكر عن ابن حزم أن الأخير ذهب بعيدا في تنزيه الله إلي حدود القول إن الله ليس مقيدا حتي بكلمته ( وعد ووعيده؟) و ليس هناك ما يوجب عليه حتي إنزال الوحي وإرسال النبيين . وبمقتضي هذا الفهم فقد تكون عباده الأوثان داخلية ضمن نطاق مشيئة الله" ا. هـ.
أوردت هذا الاقتباس بطوله لكي يكون واضحا ما هو السياق الذي تعرض فيه البابا للإسلام وللنبي. وقد انصرف مباشرة بعد ذلك لمناقشة مسألة الإيمان والعقل كما ذكرت في العرض التفصيلي السابق للمحاضرة. وأرى أن هناك أربعة أمور تستحق الاعتبار والنقاش في هذا الصدد وهي:
- السياق والظروف التي جرى فيها الجدال المفترض بين الإمبراطور البيزنطي والعالم الفارسي.
- الموضوعات الواردة في الحوار أو الجدال .
- فهم عادل تيودور خوري والبابا لموضوعات الجدال و تداعياتها .
- وأخيرًا دلالات هذا الاقتباس من جانب البابا في هذه الظروف بالذات .
لجهة السياق والظروف التي جرى فيها الجدال أو الحوار بين الإمبراطور والفارس المسلم، الأمر واضح. فقد دأب العثمانيون بعد الاستيلاء على الأناضول في مطلع القرن الرابع عشر، على قضم ممتلكات الدولة البيزنطية حتى أكملوا الاستيلاء على آسيا الصغرى، والممتلكات الأخرى بشرق أوروبا والبلقان، وفي الجزر الإيطالية وما بقي في النهاية غير القسطنطينية التي حاصروها مرارًا دون أن يتمكنوا من الاستيلاء عليها. وما كان مانويل التاني باليولوغوس ( واللقب معناه العلامة بالكتب ) رجل دولة كبيرا، ولكنه كان مثقفا بالثقافة الإغريقية والكنسية، وعارفًا بالإسلام. وفي الحصار الطويل الثاني للقسطنطينية وأنقرة من جانب السلطان بايزيد الثاني ( 1391-1402م) كانت هناك فرصة لدي الإمبراطور لمقابلة الكثير من المسلمين من رسل السلطان، ومن الأسرى، ومن الوسطاء، ولذلك فقد يكون ممكنًا لقاؤه وجداله مع عالم مسلم من أصل فارسي.(2/156)
بيد أن الدعوى التي أوردها بشأن نشر الإسلام بالسيف ليست جديدة علي الجدال البيزنطي ضد الإسلام، والذي بدأ في القرنين الثامن والتاسع للميلاد، ويتضمن أربع دعاوى رئيسية: أن الإسلام دين يقول بالقوة في نشر العقيدة، وأنه مستغرق في اللذائذ الحسية، وأنه يتضمن نزعة جبرية، وأنه استلب العقائد المسيحية وشوهها أو قلبها رأسا علي عقب، وقد كان بوسع الإمبراطور - لو أراد - أن يكون أكثر إنصافا، إذ كان يعرف أن صراعه مع العثمانيين، وصراع العرب مع البيزنطيين من قبل ما كان على نشر الدين، بل كان صراعا سياسيا وعسكريا من أجل السيطرة والفتح، وكان يعرف ذلك ولا شك ليس من القرآن فقط، بل ومن الممارسة، فحتى عصر الحروب الصليبية كانت أكثرية السكان ببلاد الشام ومصر ما تزال مسيحية (أرثوذكسية أو سريانية) رغم خضوعها للسيطرة الإسلامية على مدي ستة قرون، وذلك الأمر بالنسبة لسكان آسيا الصغرى في عصر الإمبراطور، إذ كانت غالبيتهم ما تزال مسيحية، لكنه في الواقع ما كان يستطيع الإقرار بالانفصال بين الفتح العسكري ونشر الإسلام، وهو محاصر، ويسمع نداءات الجهاد. وقد أقبل على متابعة الصراع مع المسلمين في جدالياته بعد أن انفك الحصار عنه لأن تيمور لنك هاجم العثمانيين وقتها أتيا من الشام، ومن أسيا الوسطي، وانتهى الأمر بهزيمة السلطان بايزيد وأسره من جانب تيمور لنك وإطالة عمر الدولة البيزنطية خمسين عاما إلى أن سقطت القسطنطينية أخيرا بيد العثمانيين عام 1453.م.
إن الأخطر في جداليات مانويل الثاني ضد الإسلام ربطه بين العنف باسم الدين وبين "صورة الله" في الإسلام. والعنف من وجهة نظره ضد العقل، والله عقل أو نوس أو لوغوس (بالمفهوم الأفلاطوني أو الأفلوطيني)، والذي يعتبره مانويل الثاني (وعادل خوري والبابا) جوهر الدين المسيحي أيضا.
والواقع أن في الأمر ثلاث مغالطات أو إسقاطات: فالعنف في نشر الدين ليس غريبًا عن الميراث الديني البيزنطي (تجاه البلغار والشعوب السلافية والمتوسطية الأخرى)، ثم إن الحرب ليست جزءًا من صورة الله عز وجل في الإسلام. أما الإسقاط الثالث فيتعلق بالبابا بنديكتوس؛ إذ عندما تورد اقتباسًا فلأنك توافق عليه أو تريد الرد عليه؛ فهو ما رد عليه ولذلك فقد يكون قصده أن الخيار الإسلامي خيار عنيف وغير صالح لما هو بصدده من توفيق بين الدين المسيحي والحداثة في أوربا.
وهكذا فإن الخطل في فهم الأمر كله، لا يظهر لدى الإمبراطور المحاصَر من جيوش إسلامية في مطلع القرن الخامس عشر؛ بقدر ما يظهر لدى البروفسور خوري والبابا بنديكتوس في مطالع القرن الواحد والعشرين.
هناك موضوعات ثلاثة تستحق المعالجة في هذا السياق: صورة الله عز وجل في الإسلام، ومعنى الجهاد قديمًا وحاضرًا، وصورة الجهاد والإسلام في الظروف العالمية الراهنة. وفي هذه الأمور الثلاثة أخطأ الرجلان الكبيران؛ فالذات الإلهية المتسامية والمتعالية والمنزهة في علم الكلام الإسلامي تقصد إلى الإطلاق، ولا تقصد إلى اللامعقولية. وهذا معروف ليس في علم الكلام الإسلامي فقط، بل وفي اللاهوتين اليهودي والمسيحي بكافة تياراته. وقد استُخدم الميراثان الأفلاطوني والأرسطي لدى اللاهوتيين المسيحيين للإمعان في التنزيه؛ لأن العهد القديم يعرض صورة حسية عنيفة لله، ولأن الإله تجسد في المسيحية. والبروفسور خوري والبابا عالمان لاهوتيان كبيران في الدينين المسيحي واليهودي، والبروفسور خوري يدرّس الإسلاميات منذ أربعين عامًا، وله عشرات الكتب في صورة الإسلام قديمًا وحديثًا. ولذلك يصبح عجيبًا أن لا يجد غير اقتباس عن ابن حزم (بواسطة أرنالديز) للتدليل على "الإغراب" في تنزيه الله عند المسلمين، كأنما ذلك غير معروف لدى المسيحيين الأرثوذكس والكاثوليك!.
وكيف لا يعرف - وهو المفسر الكبير للقرآن - العلاقة بين قوله تعالى: (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون)، وقوله: (كتب على نفسه الرحمة)؟! ثم كيف يتصل "الجهاد" العنيف بصورة الله التي تصبح أفلاطونية خالصة لدى المعتزلة بالذات (ذات بدون صفات) الذين يحبهم البروفسور خوري؟!.
وما دام الحديث عن القرآن؛ فأين هو الموضع في القرآن الذي يَرد فيه ذكر الجهاد أو الحرب مجردًا وليس لرد اعتداء، وأين يرد ذكر الجهاد على أنه لنشر الدين الإسلامي أو فرض اعتناقه على المغلوبين؟! ويعلل البابا - تبعًا لتيودور خوري- اتهام الإمبراطور للمسلمين بنشر الدين بالعنف رغم مخالفة ذلك للآية القرآنية؛ بأن الآية نزلت في ظروف ضعف النبي وأن الإسلام شهد تطورات سجلها القرآن تغير فيها هذا الحكم؛ أين هي التدوينات القرآنية المتأخرة التي تقول بنشر الإسلام بالسيف؟ !
أنا أفهم أن مانويل الثاني كان يعتبر جدالياته جزءًا من الدفاع عن نفسه ودولته في مواجهة المسلمين الهاجمين عليه (وإن ليس باسم الدين)؛ لكنني لا أفهم هذه التسويغات للاهوتيَّين الكبيرين (تيودور والبابا) في القرن الحادي والعشرين!.
ظروف المحاضرة ودلالاتها
ولنأتِ إلى الظروف والدلالات. فمنذ مطالع التسعينيات من القرن الماضي تتضخم مصائر أطروحة "صراع الحضارات"، ويقول هنتنغتون وآخرون كثيرون: إن الإسلام يملك حدودًا أو تخومًا دموية. وبعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م صار الإسلام مشكلة عالمية باعتباره يملك تيارًا أصوليًّا قويًّا يقول بالعنف (تحت اسم الجهاد) وعلى مستوى العالم. وفي الأسابيع الأخيرة استعمل الرئيس جورج بوش تعبير "الفاشية الإسلامية" بدلا من "الجهادية الإسلامية". وقد عمل البروفسور خوري طوال العقود الأربعة الماضية على تصحيح النظرة للإسلام في أوربا والغرب، وفي أوساط الكنيسة الكاثوليكية بالذات. وعُرف عن البابا السابق يوحنا بولس الثاني وعيُهُ الكبير لهذه المسألة؛ ولذلك ففي الوقت الذي كان يُدين فيه حروب أميركا بالعراق وفلسطين وأفغانستان؛ كان يُصرُّ على محاورة المسلمين، وعلى اعتبار أن طبيعة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين هي التي ستقرر مصائر العالم.
وليس هذا وعي البابا الحالي فيما يبدو. ليس لأنه معاد للإسلام؛ بل لأنه يملك رؤية انكماشية هدفها استعادة أوربا وتحصينها بالإيمان المسيحي. لقد حيَّد البابا بنديكتوس اليهودية بضمها إلى الميراثين اليوناني والمسيحي، ثم انصرف لكسب البروتستانت والعلمانيين لرؤيته الانكفائية أو الاكتفائية، لكن المسيحية دين عالمي كبير وشاسع. والمسيحيون (حتى الكاثوليك) عددهم أكبر خارج أوربا منه في أوربا كما هو معلوم. ولذلك فإن انكماشيته ستزيد من مشكلات المسيحيين الكاثوليك في أوربا وخارجها.
إن هذا المشروع المتضائل للفاتيكان يتجلى في إقدام البابا على تغيير اسم "لجنة حوار الأديان" إلى "لجنة حوار الثقافات". وهذا تراجع عن نتائج المجمع الفاتيكاني (1962-1965) والتي تضمنت اعترافًا بالديانات الإبراهيمية وشراكة معها، وحوارًا تعارفيًّا مع الأديان الأخرى. وكانت المجلة الفاتيكانية الشهيرة: "إسلامو-كريستيانا" التي يصدرها الفاتيكان قد توقفت أيضًا. وكل ذلك لا يَعد بخير وانفتاح وتواصل. فالمشكلة ليست في رؤية البابا السلبية للإسلام. بل وفي الانكماش والانطوائية والتوجس من الآخر، وإدخال هذا الدين العالمي الكبير في مشروع وهمي هو مشروع أوربا المسيحية؛ أما الذي كان البابا يوحنا بولس الثاني يحاول القيام به فهو إقامة عالم جديد تسوده قيم الحرية والعدالة والسلام، ومكافحة الفقر والجوع والتفاوت الاجتماعي والتفكك الأسري.(2/157)
قد يكون تقديم البابا لمحاضرته بهذه الطريقة عارضًا فعلاً؛ فهي لا تتصل بالإسلام أو أنها ليست جدالاً معه أو معاداة له. لكن التمهيد للمحاضرة بهذه الطريقة لا يمكن أن يكون مصادفة. ثم إن المشهد العالمي تجاه العرب والمسلمين ورؤية الإسلام مُقبِض ويثير الرهبة والهمّ. ولن يفيدنا في شيء هياجٌ كالهياج على سلمان رشدي أو الرسوم الكاريكاتورية أو تسليمة نسرين .. إلخ. فالحاضر في المشهد ليس هذا التصريح أو ذاك ضد الإسلام فقط؛ بل الحاضر أيضًا غزوات 11 سبتمبر إلى نيويورك وواشنطن، وهجمات بالي ومدريد ولندن والمغرب والسعودية والعراق وفلسطين ودارفور والصومال ودمشق. ولا أدري أين وأين. العالم كما سبق القول، يعتبرنا مشكلة بل مشكلة كبرى، ولن تنحل المشكلة بالشتائم والردود في التلفزيونات، ولا بالمزيد من أعمال العنف والعنف المضاد. نحن خمس سكان العالم، وكما لنا حقوق علينا مسؤوليات. ونحن لا نأخذ حقوقنا ولكننا لا نتحمل مسؤولياتنا أيضًا. لا نريد أن نخاف من العالم ولا نريد إخافته. وكما لا صبر على الخراب الذي لا يتوقف بالعراق وفلسطين ولبنان... وأماكن أخرى كثيرة، لا صبر على هذه العزلة المتزايدة عن العالم وسياساته، والعالم وثقافاته، والعالم ودياناته. فلله الأمر من قبل ومن بعد.
بيروت 17-9-2006
==============
#البابا يشكك بإيمان غير الكاثوليك.. وردود غاضبة
محمود رضا
Image
بينيديكت السادس عشر
أقر بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان وثيقة تقول بأفضلية الكنيسة الكاثوليكية الرومانية على غيرها من الكنائس، وتعتبرها "كنيسة المسيح الحقيقية" و"الطريق الحقيقي الوحيد للخلاص"، في حين تعتبر باقي الكنائس إما "معيبة" أو "غير حقيقية".
وأثارت هذه الوثيقة ردات فعل غاضبة سريعة من قادة الطائفة البروتستانتية حول العالم، بحسب صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية اليوم الأربعاء 11-7-2007.
وقالت الوثيقة التي أصدرها مجمع العقيدة والإيمان بالفاتيكان، أمس الثلاثاء: "إن الإيمان المسيحي خارج الكنيسة الكاثوليكية ليس كاملا".
وأضافت "أن الكنائس المسيحية الأرثوذكسية كنائس حقيقية، لكنها تعاني جرحا، لأنها لا تعترف بالبابا رأسا لها، وأن الجرح أعمق بالنسبة للكنائس البروتستانتية".
وشددت على أن "العقائد المسيحية الأخرى تفتقد إلى عناصر تعد ضرورية بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، فهي ليست كنائس بمعنى الكلمة، ولكنها تجمعات إكليريكية".
الحوار أولوية
وبرغم ما سبق، أكدت الوثيقة على أن الحوار مع الكنائس الأخرى يأتي على رأس أولويات الكنيسة الكاثوليكية.
وجاء فيها أيضا أن "الفاتيكان يريد تأكيد موقفه من هذه القضية، لأن بعض رجال الدين الكاثوليك ما زالوا لا يفهمونها".
وأكدت الوثيقة "أن مجمع الفاتيكان الثاني لم يكن يهدف إلى التغيير، ولم يغير في عقيدة الكنيسة".
وشكل المجمع الثاني للفاتيكان في الفترة من 1962 وحتى 1965، وتعتبر الكنائس الأخرى أن اجتماعاته نجحت في تحديث الكنيسة الكاثوليكية ومفاهيمها.
يذكر أن بنديكت السادس عشر تولى رئاسة مجمع العقيدة والإيمان قبل أن يصبح بابا للفاتيكان عام 2005.
انتقادات بروتستانتية
وفي أول رد فعل على هذه الوثيقة المثيرة للجدل قال التحالف الدولي للكنائس البروتستانتية -الذي يمثل نحو 75 مليون من البروتستانت في العالم- : "إن هذه الوثيقة تثير تساؤلات بشأن هل نحن نصلي معا حقا من أجل الوحدة المسيحية؟".
وأضاف التحالف -في خطاب- أن "الوثيقة تجعلنا نتساءل بشأن مدى جدية الكنيسة الكاثوليكية في حواراتها مع الكنائس البروتستانتية وغيرها من الكنائس".
واتهم التحالف الوثيقة بأنها أعادت الحوار بين العالم المسيحي إلى فترة ما قبل "مجمع الفاتيكان الثاني"، الذي نجحت اجتماعاته في تحديث الكنيسة ومفاهيمها.
كما اتهم الأسقف ولفجانج هابر رئيس الكنيسة الإنجيلينية الكاثوليكية في ألمانيا، الوثيقة لجديدة بتقليل شأن الكنائس البروتستانتية، مشيرا إلى أنها ستجعل الحوار بين الكنائس أكثر صعوبة، بحسب شبكة "إيه بي سي" التلفزيونية الأمريكية.
وحذر بيان لاتحاد البروتستانت الفرنسيين من أن "الوثيقة تأتي في النطاق الداخلي للكنيسة الكاثوليكية، لكنها ستجلب ردود فعل وأصداء خارجية".
وسبق لبابا الفاتيكان أن تسبب العام الماضي في جدل واسع حينما قال: إن الإسلام "دين عنف انتشر بحد السيف، ولا يدعو لاستخدام العقل".
وأثارت هذه الاتهامات غضب مسلمي العالم، وأكد علماء المسلمين أنها أضرت بالحوار الإسلامي المسيحي.
... =================
#البابا ينتقد قادة أوروبا لتجاهلهم الجذور المسيحية
رويترز - إسلام أون لاين.نت
Image
البابا خلال كلمته أمام مجموعة الأساقفة الأوروبيين
الفاتيكان- انتقد البابا بنديكت السادس عشر، بابا الفاتيكان، بشدة زعماء الاتحاد الأوروبي لرفضهم الإشارة إلى "الرب والجذور المسيحية" لأوروبا في إعلان برلين الذي كُشف عنه اليوم الأحد بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس الاتحاد.
و"إعلان برلين" هو بيان يتعلق بقيم وإنجازات الاتحاد الأوروبي والتحديات المستقبلية التي تواجهه، وأعلنته اليوم المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي تتولى بلادها حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد.
ففي كلمة ألقاها خلال استقباله للمشاركين في مؤتمر مجالس أساقفة المجموعة الأوروبية، قال البابا بنديكت السبت 24-3-2007: أوروبا ترتكب شكلا من أشكال "التخلي عن الذات"، وهي بذلك تشك في هويتها.
ومضى قائلا في معرض انتقاده للاتحاد: "إذا كانت حكومات الاتحاد تريد في الذكرى الخمسين لاتفاقية روما (التي شكلت النواة الأولى لتأسيس الاتحاد) أن تقترب من مواطنيها، فكيف يمكنهم استبعاد عنصر أساسي لهوية أوروبا مثل المسيحية التي ينتمي لها الغالبية من شعبها".
"روح القارة"
وشدد في كلمته للأساقفة الأوروبيين على أن الاتحاد الأوروبي يتجه إلى منحدر زلق من اللامبالاة إذا لم يعترف بالدين والرب.
وقال بابا الفاتيكان، الذي غالبا ما يدعو مثل سلفه يوحنا بولس الثاني إلى الإشارة للرب والمسيحية في الدستور الأوروبي: إن الزعماء لا يمكنهم استبعاد القيم التي ساعدت على تشكيل "روح" القارة.
وأردف منتقدا: "ليس مفاجأة أن أوروبا اليوم في حين تدعي أنها مجتمع قيم تبدو وكأنها تطعن بصورة متزايدة في وجود قيم مطلقة وكونية".
وتساءل بقوله: "أليس هذا الشكل الفريد من التخلي عن الذات حتى أمام الرب يؤدي بها (أوروبا) إلى الشك في هويتها ذاتها".
برودي وميركل
في الاتجاه ذاته قال رئيس الوزراء الإيطالي، رومانو برودي: إنه ضغط لتضمين إشارة إلى الجذور الكاثوليكية في الدستور الأوروبي.
وأضاف برودي، وهو رئيس سابق للمفوضية الأوروبية، السبت: "حاربت في صمت ولوقت طويل لتضمين الإشارة للجذور المسيحية في الدستور الأوروبي".
وكانت ميركل، المنتمية لنفس بلد البابا، قد دعت الشهر الماضي إلى إعادة إطلاق الدستور الأوروبي، مناشدة الكتلة الأوروبية تضمينه إشارة إلى الجذور المسيحية لأوروبا.
ويأمل قادة الاتحاد الأوروبي أن تساهم الاحتفالات بالذكرى الخمسين لتأسيسه في إحياء الحماس للاتحاد في نفوس الأوروبيين بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي تراجع التأييد له في الكثير من دول الاتحاد
=============
#البابا لم يعتذر عن الإساءة
عواصم - وكالات - إسلام أون لاين.نت
البابا بنديكت السادس(2/158)
وجه 38 عالما مسلما من 10 دول إسلامية رسالة إلى بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر فندوا فيها تعليقاته المثيرة للجدل عن الإسلام والرسول الكريم، وأعربوا عن تقديرهم لأسفه الشخصي الذي أعلنه فيما بعد، لكنهم لم يعلنوا صراحة قبولهم هذا الأسف الشخصي على أنه اعتذار عن تلك التعليقات المسيئة.
وتلقفت صحف عربية ووكالات أنباء تلك الرسالة واعتبرتها بمثابة قبول من جانب العلماء الـ38 لما أسمته بـ "اعتذار البابا"، وسبق أن طالب الأزهر الشريف والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين البابا باعتذار واضح عن إساءته، غير أن البابا اكتفى بإبداء أسفه لإساءة فهم تصريحاته من قبل المسلمين.
وانتهز العلماء الـ38 دعوة البابا بنديكت السادس عشر لإجراء حوار صريح مع المسلمين وبعثوا إليه برسالة مفتوحة سردوا خلالها أخطاء وردت في محاضرته التي ألقاها في 12 سبتمبر الماضي في ألمانيا عن الإسلام التي أثارت احتجاجات في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
وأعرب العلماء تقديرهم لأسف البابا عن الضجة التي أحدثتها تصريحاته وعما عبر عنه من احترام لكل المسلمين، وجاء في نص الرسالة: "يقدر المسلمون أيضاً تعبيركم الشخصي غير المسبوق عن الأسف وإيضاحكم وتأكيدكم "في 17-9-2006" بأن الاقتباس الذي استعملتموه لا يعكس رأيكم الشخصي، بالإضافة إلى تأكيد أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال تارشيزيو بيرتوني في "16-9-2006" على ما جاء في الوثيقة الصادرة عن مجلس الفاتيكان، وأخيراً؛ فإن المسلمين يقدرون تعبيركم عن "الاحترام الكامل والعميق لجميع المسلمين" أمام مجموعة من سفراء دول إسلامية بتاريخ 25-9-2006".
وكان من بين رجال الدين الـ38 مفتون من مصر وسلطنة عمان وأوزبكستان وإستانبول وروسيا والبوسنة وكرواتيا وكوسوفو ورجل دين شيعي والأمير الأردني غازي بن محمد بن طلال وأكاديميون يقيمون في الغرب.
وانتقدت الرسالة إساءة فهم البابا للقرآن وإخفاقه في استخدام الألفاظ بشكل صحيح واستشهاده بمصادر غامضة ومتحيزة، وقالوا إن بنديكت أخطأ عندما جادل بأن إحدى آيات القرآن والتي تحث على حرية الديانة كتبت عندما كان النبي محمد ضعيفا سياسيا وأن "الأوامر... المتعلقة بالجهاد" كتبت عندما كان قويا.
وقالوا إن الآية نزلت عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم في المدينة وأراد أن يمنع الذين اهتدوا إلى الإسلام من إجبار أولادهم على ترك المسيحية أو اليهودية واعتناق الإسلام.
وانتقدت الرسالة أيضا تفسير البابا للجهاد قائلين إن الجهاد يعني الكفاح في سبيل الله ولا يعني بالضرورة استخدام القوة. كما دحضوا الفقرات التي أشار فيها إلى أن الإسلام غير عقلاني وقائم على العنف والانتشار بالقوة.
التقدير تحول لقبول
د. علي جمعة
وكان خبر تقدير العلماء الـ38 لأسف البابا تصدر عناوين العديد من الصحف العربية الصادرة اليوم الأحد إلا أنه هذا "التقدير" تم إدراكه على أنه بمثابة قبول لـ "اعتذار البابا".
وكان العنوان الرئيسي لصحيفة "المصري اليوم" في عدد الأحد هو "علي جمعة و38 مفتياً وعالماً إسلاميًّا يقبلون اعتذار بابا الفاتيكان.. ويرحبون بالحوار معه"، ولم يختلف مانشيت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية كثيراً عن هذا المضمون، حيث نشرت الخبر تحت عنوان "رسالة مشتركة لـ38 من علماء المسلمين تقبل اعتذار بابا الفاتيكان". وتكرار هذا السيناريو أيضا مع العديد من وكالات الأنباء التي بثت الخبر على أنها بمثابة رسالة لقبول الاعتذار.
محاولة للحوار
من جانبها ذكرت مجلة إسلاميكا وهي مجلة دولية تصدر مرة كل 3 أشهر وتُعنى بشؤون المسلمين والتي نشرت الرسالة المفتوحة من خلال موقعها على الإنترنت السبت 14-10-2006 أن "الرسالة تمثل محاولة للحوار مع البابا على أسس دينية من أجل معالجة المفاهيم الخاطئة الواسعة النطاق عن الإسلام في العالم الغربي".
وتعليقاً على هذا الرسالة قال سهيل ناخودة رئيس تحرير مجلة إسلاميكا اليوم الأحد أن الرسالة التي جاءت ردا على خطاب البابا قبل شهر كانت فريدة من حيث إنها جمعت عدة قيادات مسلمة من 8 مذاهب.
وأضاف: "الرسالة المفتوحة التي نشرت الآن تستعرض النقاط الرئيسية محل الخلاف التي أثارها البابا فيما يتعلق بالجهاد ونشر الإسلام بالقوة وقضية العقل والعقيدة والدين في العالم الحديث وتطرح أيضا رسالة إيجابية بشأن كيف يحتاج المسلمون والمسيحيون للعمل معا لبناء علاقة أفضل مع بعضهم البعض".
ومضى يقول: "وفي الوقت نفسه فقد تمكنوا من إبراز أن المسلمين تضرروا من الخطاب الذي ألقاه البابا بشكل خاص".
وبين مدير التحرير محمد خان لرويترز أن نسخة من الرسالة ستسلم إلى سفير الفاتيكان اليوم الأحد في عمان بالأردن حيث يوجد مكتب للمجلة هناك".
وكان البابا قد اقتبس خلال كلمة ألقاها في أوائل سبتمبر قولاً للإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني باليولوجوس جاء فيه أن الإسلام شر وغير عقلاني وانتشر بحد السيف.
وأثارت تصريحاته موجة غضب إسلامي في العديد من دول العالم، وطالبت هيئات إسلامية مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والأزهر الشريف البابا بالاعتذار عن تلك التصريحات. لكنه اكتفى بالإعراب عن أسفه بسبب الردود الغاضبة التي أثارتها ولكونها أسيء فهمها، على حد قوله.
كما نشر الفاتيكان في موقعه على الإنترنت نسخة معدلة لمحاضرة بنديكت السادس عشر وجاءت التعديلات التي أدخلها البابا على نص المحاضرة على هيئة حواش نأى فيها بنفسه عن تعليقات الإمبراطور البيزنطي الذي اقتبس عنه إساءته للإسلام، مبديا في الوقت نفسه تفهمه لغضب المسلمين، ومؤكدا احترامه لدينهم "العظيم".
وفي تصريحات له بثتها قناة أوربت مؤخرا، قال د.محمد سليم العوا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إنه يقدر تأكيد البابا احترامه للإسلام، إلا أن ذلك لا يغير من موقف الاتحاد -الذي يعد مرجعية شعبية للمسلمين- الداعي لاعتذار البابا عن محاضرته المسيئة.
==============
#البابا يضيف توضيحا لمحاضرته المثيرة
الفاتيكان - وكالات - إسلام أون لاين. نت
بنديكت السادس عشر
نشر الفاتيكان في موقعه على الإنترنت اليوم الإثنين نسخة معدلة لمحاضرة البابا بنديكت السادس عشر التي ألقاها الشهر الماضي في ألمانيا، واستشهد فيها بتعليقات تقول إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم جاء بالشر، وإن الإسلام انتشر بحد السيف؛ مما تسبب في موجة من الغضب في أنحاء العالم الإسلامي.
وجاءت التعديلات التي أدخلها البابا على نص المحاضرة على هيئة حواش نأى فيها بنفسه عن تعليقات الإمبراطور البيزنطي الذي اقتبس عنه إساءته للإسلام، مبديا في الوقت نفسه تفهمه لغضب المسلمين، ومؤكدا احترامه لدينهم "العظيم".
وفي النص الأصلي، أورد البابا مقطعا من حوار دار في القرن الرابع عشر بين الإمبراطور مانويل باليولوجوس الثاني ومثقف فارسي، قال فيه الإمبراطور: "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد؟ لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف". كما طالب البابا في محاضرته المسلمين بوقف الجهاد.
ومضى يقول: "الإمبراطور، بعد أن عبر عن نفسه بقوة بالغة راح يشرح بالتفصيل لماذا يعد نشر الدين بالقوة شيئا غير منطقي. فالعنف غير متوافق مع طبيعة الرب وطبيعة الروح".
وتصف النسخة الأصلية من المحاضرة تعليقات الإمبراطور بأنها "فظة إلى حد ما". لكن في النسخة الجديدة تصف التعليقات بأنها "فظة بدرجة نراها غير مقبولة".(2/159)
وأضاف بنديكت السادس عشر في حاشية: "لسوء الحظ تم تلقي هذا الاقتباس في أنحاء العالم الإسلامي على أنه تعبير عن مركزي الشخصي، مما تسبب في إثارة سخط يمكن تفهمه. آمل أن يتمكن قارئ نصي من أن يرى على الفور أن هذه الجملة لا تعبر عن رأيي الشخصي عن القرآن الذي أكن له الاحترام باعتباره الكتاب السماوي لديانة عظيمة".
واعتبرت وكالة رويترز للأنباء أن إضافات البابا جاءت تكرارا لموقفه السابق بأن العالم الإسلامي أساء فهم تعليقاته.
وأردف رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم بالقول: "بالاقتباس عن نص حوار الإمبراطور مانويل باليولوجوس الثاني كنت فقط أحاول أن أعرض الرابطة الأساسية بين الإيمان والعقل. وفي هذه النقطة أتفق مع مانويل دون أن أجعل مجادلته خاصة بي".
وفي حاشية أخرى أوضح أنه اقتبس عن مانويل لدعم تأكيده على وجود تعارض بين التصرف بدون منطق وطبيعة الرب. وقال البابا: "ومن هذا التأكيد يظهر للعيان أساس نقاط الحواشي" التي تمت إضافتها.
وكان مايكل لويس فيتز جيران سفير الفاتيكان بالقاهرة أبلغ شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي الخميس الماضي بأن البابا بنديكت السادس عشر بصدد إعداد "نص نهائي" لمحاضرته المثيرة للجدل التي ألقاها في جامعة رجنسبرج بألمانيا.
وطالبت كبرى الهيئات الإسلامية وفي مقدمتها الأزهر الشريف باعتذار واضح من البابا عن إساءته.
واعتبر شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي أنه من الواجب على البابا أن يعلق في محاضرته بعد ذكر قصة الإمبراطور البيزنطي بعدم موافقته على ما جاء فيها، مشيرا إلى أن كونه روى القصة دون التعليق عليها فذلك يعني أنه راض عن محتواها.
ويؤيد الأزهر في موقفه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يعد بمثابة مرجعية شعبية للمسلمين، والذي طالب باعتذار واضح وصريح للبابا عن تعليقاته المسيئة.
لكن البابا لم يعتذر حتى الآن عن تصريحاته، واكتفى بالإعراب عن أسفه عدة مرات؛ بسبب الردود الغاضبة التي أثارتها ولكونها أسيء فهمها، على حد قوله.
==============
#البابا يعد "نصا نهائيا" لمحاضرته المسيئة
القاهرة- عادل عبد الحليم- إسلام أون لاين.نت
جانب من لقاء شيخ الأزهر بسفير الفاتيكان
قال مايكل لويس فيتز جيران سفير الفاتيكان بالقاهرة إن البابا بنديكت السادس عشر بصدد إعداد "نص نهائي" لمحاضرته المثيرة للجدل التي ألقاها بألمانيا الشهر الماضي، واعتبر فيها أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم جاء بالشر وأن الإسلام انتشر بحد السيف.
وخلال لقائه مع الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر بمقر مشيخة الأزهر الشريف بالقاهرة، أوضح جيران أن البابا بنديكت السادس عشر "سيعد نصا نهائيا لمحاضرته على أن تتضمنها حواشي للتعليق على قصة الإمبراطور البيزنطي التي أساءت للإسلام"، حسبما ذكر مصدر مقرب من المشيخة لـ"إسلام أون لاين.نت" الخميس.
وذكَّر جيران خلال اللقاء مساء الأربعاء بأن بابا الفاتيكان قال: بعد ردة الفعل الغاضبة من المسلمين، إن ما قرأه خلال محاضرته لم يكن يعبر عن رأيه.
وكان بابا الفاتيكان أشار في محاضرة عن الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية، إلى حوار دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي ومثقف "فارسي" حول دور نبي الإسلام.
وأورد البابا مقطعا يقول فيه الإمبراطور للمثقف: "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد؟ لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف". كما طالب البابا في محاضرته المسلمين بوقف الجهاد.
من ناحية أخرى أشار سفير الفاتيكان إلى أن المسئول عن العلاقات الخارجية بالفاتيكان سيزور القاهرة قريبا ليلتقي بقيادات الأزهر للوقوف على الإجراءات التي من شأنها إنهاء الأزمة الحالية.
كما شدد على أهمية نشر الأزهر ردًّا على قصة الإمبراطور البيزنطي، مقترحا أن يلقي الدكتور طنطاوي محاضرة في إحدى الجامعات الكاثوليكية ليوضح هذا الكلام ويظهر حقيقة الإسلام.
الاعتذار أولا
من جهته أكد شيخ الأزهر ضرورة وجود احترام وحوار متبادل مع الفاتيكان، لكنه رفض الدعوة لإلقاء محاضرة في إحدى الجامعات الكاثوليكية للرد على قصة الإمبراطور البيزنطي حتى يتم حل الأزمة أولا بتراجع البابا عن تعليقاته المسيئة.
وقال طنطاوي: "لا مانع من أن نتحاور ويقول بابا الفاتيكان ما عنده ونقول ما عندنا، ولكن بأسلوب حكيم بعيد عن أي إساءة؛ لأن هذا هو الطريق الذي نسير عليه".
وتوجه شيخ الأزهر لبابا الفاتيكان قائلا: "إذا كنت لا تقصد الإساءة للإسلام فكان عليك أن تحترس من الوقوع في هذه الإساءة. فما قلته في المحاضرة من كلام عن المسيحية وتاريخها وموقفها هو أمر لا نتدخل فيه، ولكن ما نرفضه هو ما جاء على لسانك من قصة تسيء للإسلام".
واستطرد: "كان من الواجب على البابا أن يتحدث في محاضرته عن المسيحية، ولا يأتي بأي جملة عن الإسلام. وحتى بعد ذكره قصة الإمبراطور البيزنطي كان عليه أن يعلق بعدم موافقته على ما جاء فيها، وكان الأمر قد انتهى، ولكن كونه روى القصة دون التعليق عليها فذلك يعني أنه راض عن محتواها".
وأشار إلى أن "بابا الفاتيكان ربما يرى أن ما ذكره من قصة البيزنطي أمر طبيعي إلا أنه أثار مشاعر كل المسلمين؛ لكونه رواها دون التعليق عليها".
وأكد شيخ الأزهر أن "على بابا الفاتيكان أن يصدر تصريحات تغير ما قاله، وهذا ما نصمم عليه. ولأن طبيعتنا المصارحة، فسنظل معترضين على ذكر قصة الإمبراطور البيزنطي المسيئة للإسلام في محاضرة البابا".
"البابا أخطأ"
وعقب اللقاء صرح شيخ الأزهر بأن "سفير الفاتيكان أعرب عن اقتناعه بأن بابا الفاتيكان أخطأ بذكره القصة المسيئة للإسلام، وأنه لو علَّق عليها بالنفي لكفانا شر هذه المقالات التي قيلت في هذه المسألة".
وتعد تلك هي المرة الثانية التي يجتمع فيها شيخ الأزهر مع مسئولين من الفاتيكان حول الأزمة، حيث كان اجتمع الشهر الماضي مع وفد ضم ممثلاً عن سفارة الفاتيكان وبطريرك الكاثوليك بمصر.
وكان الدكتور طنطاوي رفض خلال تلك المقابلة اقتراحا للوفد بأن تزور مجموعة من علماء المسلمين على رأسهم شيخ الأزهر الفاتيكان لمحاورة البابا حول تعليقاته المسيئة، مشددا على أن اعتذار البابا هو المخرج الوحيد أمام الفاتيكان؛ لإيجاد علاقات طبيعية مع العالم الإسلامي.
ويؤيد الأزهر في موقفه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يعد بمثابة مرجعية شعبية للمسلمين، والذي طالب باعتذار واضح وصريح للبابا عن تعليقاته المسيئة.
لكن البابا لم يعتذر حتى الآن عن تصريحاته واكتفى بالإعراب عن أسفه عدة مرات؛ بسبب الردود الغاضبة التي أثارتها ولكونها أسيء فهمها، على حد قوله.
==============
#القرضاوي: إساءة البابا جزء من حملة بوش
الدوحة- فرحات العبار- إسلام أون لاين.نت
الدكتور القرضاوي يلقي كلمته
اعتبر العلامة الدكتور يوسف القرضاوي أن إساءة بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر للإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم جزء من الحملة الأمريكية للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وتذكر بالحروب الصليبية، فيما أكد الفقيه على القرة داغي على التعاون القائم بين الفاتيكان والولايات المتحدة ضد ما يعتبرونه "الخطر الأخضر" الإسلامي.(2/160)
جاءت تصريحات القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، خلال فعاليات يوم "جمعة الغضب" في الدوحة احتجاجا على إساءة البابا والتي شارك فيها الدكتور علي محيي الدين القرة داغي نائب رئيس مجلس إدارة إسلام أون لاين.نت وعضو المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، والشيخ حمد عبد العزيز الكواري وزير الإعلام القطري السابق.
وقال الدكتور القرضاوي أمام جموع غفيرة بمسجد عمر بن الخطاب في العاصمة القطرية بعد صلاة الجمعة: "هذه الحملة الشرسة (التصريحات المسيئة لبابا الفاتيكان) لا تنفصل عن الحملة التي تقودها أمريكا على المنطقة والتي تسمى بـ"حملة بوش" حيث سفكت الدماء وسلبت الأموال واستهدفت تغيير هوية الأمة". وأرجع القرضاوي منطلقات هذه الحملة إلى "أحقاد سوداء تحمل في ذاكرتها الحروب الصليبية أو ما عرف بحروب الفرنجة ضد المسلمين والتي باءت بالفشل".
لا حوار
وأكد الشيخ القرضاوي على موقف اتحاد العلماء الذي يرفض أي حوار أو تفاهم أو تعاون مع الفاتيكان حتى يسحب البابا كلامه الذي أساء فيه إلى أمة الإسلام. وقال: "البابا يحاول أن يدلل على الفكرة الموجودة في ذهنه لا على حقيقة الإسلام، فقد تبنى في محاضرته مقولات الملك البيزنطي (مانويل الثاني باليولوجوس الذي يعتبر أن الإسلام انتشر بحد السيف) وإلا كيف يوردها دون أن يرد عليها".
وفند القرضاوي تصريحات البابا عن انتشار الإسلام بالقوة قائلا: "الإسلام انتصر على السيف لا بالسيف، السيف يفتح أرضا ولكنه لا يفتح قلبا, السيف يكون حائلا للدخول في الإسلام إذ لا يمكن أن يدخل الشخص في دين من أذله".
واستشهد الشيخ القرضاوي بمقولات لمستشرقين منصفين أمثال أرنولد توينبي وغيره تبرز سماحة الإسلام، ووجه سؤالا للبابا هو: "ما قولك فيما جاء في التوراة من الدعوة للإبادة والقتل؟".
وتقاطر المصلون من مساجد عدة على مسجد عمر بن الخطاب لسماع خطبة القرضاوي، رافعين شعارات وتكبيرات تناصر الإسلام والمسلمين وترد على بابا الفاتيكان.
واعتبر القرضاوي أن تصريحات البابا جرأت آخرين على وصف النبي بأنه "قاطع طريق"، واستشهد بمقال ورد الأسبوع الماضي في صحيفة لوفيجارو الفرنسية، وقال: "لا عجب مادام كبير القوم قد فتح الباب".
وفي غمرة الرد على البابا لم ينس الشيخ أن ينوه بدعوة البابا خلال زيارته لألمانيا (11-14سبتمبر 2006) الأمة الألمانية إلى حسن التعامل مع المسلمين وإدماجهم في المجتمع حيث قال القرضاوي: "رغم أنه لم يبال بأمة محمد إلا أننا نذكر هذا له".
الخطر الأخضر
د. علي محيي الدين القرة داغي
من جانبه، اتهم الدكتور علي محيي الدين القرة داغي الفاتيكان بالتعاون مع الولايات المتحدة في حربها ضد ما أسموه بالخطر الأخضر (الإسلام)، كما تعاون في السابق مع واشنطن في حربها ضد الشيوعية، وطالب بوضع خطة للرد على هؤلاء.
وذكر في كلمته في فعاليات جمعة الغضب بالإرهاب الذي مارسه الصليبون وقال: "ما جاء على لسان البابا مسيء للبابا وليس لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا لأمة الإسلام، فكيف برجل بهذا الوزن يسقط هذه السقطة الشنيعة". وأضاف القرة داغي: "الجديد الذي جاء به الإسلام كثير ويكفي تبرئته لمريم العذراء البتول التي اتهمتها النصرانية بالزنا".
وبدوره أعرب حمد عبد العزيز الكواري عن صدمته من تصريحات البابا قائلا: "صدمت بتصريحات البابا لأنها تأتي من رجل بهذا الوزن وهذه المكانة، لا أستطيع أن أقبل ما قاله بأنه لم يكن يدرك ردود فعل المسلمين، ولا أجد عذرا له".
وشدد الكواري على أن المتضرر من هذه التصريحات ليس المسلمين وحدهم وإنما الإنسانية جمعاء وقال: "هذا من شأنه أن يذكي نار الفتنة بين الشعوب".
حمد عبد العزيز الكواري
وطالب وزير الإعلام القطري السابق البابا والإخوة المسيحيين الذين قال إننا نحترمهم بأن يعملوا على "معالجة هذه الشرارة"، وجدد مطالبته للبابا بسحب تصريحاته ونشر ذلك في وسائل الإعلام.
وكان البابا بنديكت الذي يتزعم أكثر من مليار كاثوليكي في أنحاء العالم عبر عن أسفه لغضب المسلمين عن محاضرة ألقاها في جامعة ألمانية.
واقتبس البابا خلال المحاضرة مقوله ترجع إلى القرن الرابع عشر عن الإمبراطور البيزنطي مانويل باليولوجوس الثاني في حواره مع مثقف فارسي قائل فيها: "إن الرسول محمدا لم يأت إلا بكل شر مثل أمره بنشر الدين الذي يدعو إليه بحد السيف".
غير أن البابا بنديكت لم يقدم الاعتذار الصريح الذي طالب به علماء ودعاة مسلمون خاصة. وردا على هذا الموقف أعلن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين انتهاء الحوار مع الفاتيكان؛ ودعا الاتحادُ المسلمين إلى الاعتصام في المساجد الكبرى في العواصم العربية في الجمعة الأخيرة من شهر شعبان وتوجيه رسائل إلكترونية إلى الفاتيكان لإظهار احتجاجهم على موقف البابا. ولقيت هذه الدعوة استجابة كبيرة من جموع المسلمين.
=============
#البابا استند إلى رؤية لاهوتية- سياسية ضد الإسلام
محمد عبد الحليم- إسلام أون لاين.نت
جانب من مظاهرة بالجامع الأزهر للتنديد بتصريحات بابا الفاتيكان
استندت كلمة بابا الفاتيكان بينديكت السادس عشر في محاضرته بألمانيا عن الإسلام ونبيه الكريم إلى رؤية لاهوتية قديمة عمدت إلى مهاجمة الإسلام، وغذاها صراع سياسي بين الدولتين العثمانية والبيزنطية، كما تشير المراجع الغربية التاريخية.
فالآراء التي اقتبسها رئيس الكنيسة الكاثوليكية في محاضرته الثلاثاء 12-9-2006 جاءت في إطار جدل بيزنطي أرثوذوكسي معاد للإسلام، كما أنها هي ذات الآراء التي رسمت صورة الإسلام السلبية والمجافية للحقيقة في مخيلة مارتن لوثر مؤسس البروتستانتية، بحسب هذه المصادر الغربية.
وكان بابا الفاتيكان أشار إلى أن الحرب المقدسة أو الجهاد الإسلامي "مفهوم غير مقبول يخالف الطبيعة الإلهية"، وفي محاضرة ألقاها بجامعة ريجينسبورج التي كان يدرس فيها علم اللاهوت بين عامي 1969 و1977 قال بنديكت السادس عشر: إن المسيحية ترتبط بصورة وثيقة بالعقل، وهو الرأي الذي يتباين مع أولئك الذين يعتقدون في نشر دينهم "عن طريق السيف"، في إشارة إلى المسلمين.
ثم عرج البابا في سياق شرح وجهة نظره في الفقرة الثانية مباشرة في حديثه واقتبس كلاما مدونا عن الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني باليولوجوس (1425-1391) في القرن الرابع عشر جاء فيه أن "محمدا جلب أشياء شريرة لا إنسانية؛ مثل أمره بنشر الدين الذي يدعو إليه بالسيف". واقتبس البابا عدة مرات من مدونات الإمبراطور باليولوجوس التي قال إنه كتبها إثر حوارات جرت بينه وبين مثقف فارسي مسلم مفترض.
خيال أم حقيقة!
بابا الفاتيكان
وبحسب مراجع غربية وتاريخية، فإن ما أسس بابا الفاتيكان حديثه عليه اقتباسا من مدونات الإمبراطور باليولوجوس مبنية على كثير من التناقضات ومشكوك في حقيقة نسخها من الأصل، وإن كانت تعكس في نهاية الأمر رؤية لاهوتية معادية للإسلام.
ووفق الحقائق التاريخية، فإن تلك الحوارات جرت بين الإمبراطور باليولوجوس في الفترة بين شهري أكتوبر وديسمبر عام 1391 وبين قاض مسلم مثقف ومطلع، وبلغت نحو 26 حوارا، أول اثنين منها حول الإسلام، وأهدى الإمبراطور هذه الحوارات التي دونها لأخيه ثيودور الأول عام 1399 فقام بكتابتها.(2/161)
وتقول موسوعة أباطرة الرومان على الإنترنت في محاولة لتفسير الفارق الزمني الكبير بين الحوارات وزمن انتهاء الكتابة: "ربما كان الإمبراطور يقوم بكتابة تدوين فقط في أثناء إجراء الحوار مع القاضي المسلم".
لكن الموسوعة التاريخية ترجح على الأقل أن بعض هذه الحوارات لم يتم أصلا، وأنها نتاج خلط الحقيقة بالخيال.
ويعزز الشكوك المثارة حول هذه الحوارات التي قيل إنها مع "فارسي" مسلم أن الموسوعة ذكرت هذا المسلم باعتباره فارسيا، بينما المعروف تاريخيا أنه كانت بين الدولة الصفوية (في فارس) والدولة العثمانية سجال سياسي وعسكري؛ وهو ما يضعف تلك الرواية؛ حيث يفترض منطقيا أن يكون الحوار مع شخصية عثمانية وليست فارسية.
وتشير موسوعة أباطرة الرومان إلى أن الإمبراطور اعتمد ضمن هذه الحوارات في سياق دفاعه عن المسيحية ضد الإسلام على آراء جده لأمه جون السادس، والتي تنبني أصلا على نقد القرآن والمعروفة باسم "Confutatio Alchorani" لراهب الدومنيكان Ricoldo of Montecroce ريكولدو أوف مونتيكروسي المتوفى عام 1320.
وخلصت الموسوعة إلى أن رؤية الجد (جون السادس) والحفيد (مانويل الثاني) ورأيهما التقليديين يظلان كلية في الإطار العام للجدل البيزنطي المعادي للإسلام.
وساهمت هذه الرؤية في تشكيل صورة ذهنية سلبية عن الإسلام وعن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في الثقافة السائدة في التراث الغربي، مفادها أن المسلمين نشروا دينهم "بالسيف والدم".. وأن تعاليم الإسلام الآن تغذي "الإرهاب" الذي يشيعه في العالم أتباعه من "الإرهابيين"!.
خلفية سياسية
لكن الموسوعة نفسها لم تغفل في الوقت نفسه كون تلك الرؤية غذاها واقع سياسي يعد أسود للدولة البيزنطية في ذلك الحين؛ وهو ما يمكن أن يفقدها الكثير من الموضوعية، وربما كان انعكاسا لمأساة عاشها الإمبراطور حيث فرض السلطان العثماني بايزيد الأول -وهو رابع قادة العثمانيين والمعروف بالصاعقة لشده بأسه وسرعة بطشه بأعدائه- على الأباطرة البيزنطيين السابقين، زيادة الجزية المفروضة عليهم، وإنشاء محكمة إسلامية، وتعيين قضاة مسلمين بها للفصل في شئون الرعية المسلمة، وكذلك تعيين قاض مسلم يعد حاكما بجواره فيما يعرف بأدبيات السياسة في القرن الماضي بالمندوب السامي، وبناء مسجد كبير بها والدعاء فيه للسلطان "بايزيد" يوم الجمعة، بجانب تخصيص 700 منزل داخل المدينة للجالية المسلمة بها.
وكان بايزيد قد حقق انتصارات كاسحة ضد الروس والبلغار، وفي المجر والنمسا واليونان، فضلا عن كون مانويل الثاني يعد بمثابة تابع للسلطان العثماني الذي وجه له في إحدى رسائله تلك العبارة الشهيرة: "إذا لم تكن راغبًا في تنفيذ أوامري فأغلق عليك أبواب القسطنطينية، واحكم داخلها فقط؛ لأن جميع ما وراء أسوارها ملك لي".
وعندما أعلن الإمبراطور مانويل رفضه وتذمره من تبعيته للسلطان بايزيد تقدم الأخير لحصار القسطنطينية، ولم ينته ذلك الحصار إلا بعد رضوخ الإمبراطور البيزنطي لمطالب السلطان العثماني التي كان على رأسها ضرورة تشييد مسجد جديد للمسلمين في مدينة القسطنطينية.
وجاءت تصريحات البابا الأخيرة التي تأتي مع استعداد المسلمين لاستقبال شهر رمضان الكريم؛ وهو ما قد ينذر بنشوب أزمة شبيهة بأزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم التي نشرتها صحيفة دانماركية في 2005. كما تزامنت تصريحاته مع الذكرى الخامسة لهجمات 11 سبتمبر التي أسفرت عن شن الولايات المتحدة حربها على "الإرهاب"، والتي لم تستهدف سوى المسلمين.
ومنذ قيام تلك الحرب قامت القوات الأمريكية -بمساعدة من حلفائها- بغزو دولتين مسلمتين هما أفغانستان في أكتوبر 2001، والعراق في مارس 2003. كما باركت واشنطن العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان
===============
#البابا الجديد يتجاهل المسلمين ويشيد باليهود
وحدة الاستماع والمتابعة - الفاتيكان - وكالات - إسلام أون لاين.نت/ 24-4-2005
بنيدكت السادس عشر خلال حفل تنصيبه رسميا اليوم الأحد
أشاد بابا الفاتيكان الجديد بنيدكت السادس عشر بما أسماه "الإرث الروحي المشترك بين المسيحيين واليهود"، غير أنه لم يشر مطلقا إلى المسلمين أو الإسلام في قداس تنصيبه الأحد 24-4-2005 بساحة القديس بطرس بروما، حضره 500 ألف شخص، يتقدمهم قادة ثلاثين دولة من مختلف أنحاء العالم.
وعبر البابا الجديد عن تقديره إلى من وصفهم بـ إخوته وأخواته من اليهود والإرث المتجذر معهم في "وعود الرب الأبدية" والإيمان المشترك. واكتفى في المقابل بتحية ممثلي الديانات الأخرى الذين حضورا القداس قائلا: "أحييكم أيها الإخوة من الشعب اليهودي، وكذلك الرجال والنساء المؤمنين منهم وغير المؤمنين على حد سواء". وذلك دون أن يشير في كلمته إلى ذكر المسلمين أو الحوار مع الإسلام، والذي كان من أهم القضايا التي نادى بها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الذي توفي يوم 2 إبريل 2005.
جدير بالذكر أن هذه الإشارة هي الثانية لبابا الفاتيكان الجديد باليهود خلال أيام، حيث أرسل بعد انتخابه الثلاثاء 19-4-2005 برسالة إلى حاخام روما تعهد فيها بتعزيز حوار الكنيسة الكاثوليكية مع اليهود.
وأعرب مراقبون عن تخوفهم من ابتزاز الجماعات اليهودية للبابا الجديد باستغلال انتمائه في شبابه بألمانيا إلى "الشبيبة النازية" ما بين عامي 1941 و 1944، بالرغم من أن البابا الجديد أكد في أكثر من مناسبة أنه انتمى "لمنظمة الشباب الهتلري" إجباريا ككل الشباب الألماني في تلك الفترة، وأن عائلته معروفة بمعارضتها للنازية منذ البداية.
ولكن إسرائيل رحبت في وقت سابق بانتخاب جوزيف راتسينجر (78 عاما) بابا للفاتيكان مشيرين إلى أنه هو الذي قاد عملية التقارب بين الفاتيكان والشعب اليهودي في فترة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني.
وزاد تجاهل البابا الجديد في كلمته للمسلمين من تخوف المراقبين من مواقف البابا من الإسلام خاصة أنه يعارض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، وقال في حوار له العام الماضي مع صحيفة "لو فيجارو الفرنسية": "على أنقرة أن تسعى إلى الانضمام للدول الإسلامية وليس لأوربا ذات الجذور المسيحية".
واستهل بنيدكت بداية بابويته رسميا بالدعوة إلى الوحدة بين الطوائف المسيحية قائلا: "دعونا نفعل ما أمكننا للسعى على درب الوحدة"، وقال: "إن دوره لا ينصب على اتباع أفكاره الشخصية وإنما الإنصات لرغبة الله واتباع إرشاداته".
ورغم الإجراءات الأمنية المشددة والتي شملت إغلاق إيطاليا المجال الجوي فوق روما وتعبئة صواريخ مضادة للطائرات، حضر القداس حوالي 500 ألف شخص أغلبهم من الألمان الذين توافدوا منذ وقت مبكر إلى ساحة القديس بطرس ليشاهدوا مراسم تنصيب ابن بلدهم وتقدمهم قادة ثلاثين دولة بينهم الرئيس الألماني هورست كولر، والمستشار الألماني جيرهارد شرودر، ورئيس الوزراء الفرنسي جان بيار رافران، والملك الأسباني خوان كارلوس وزوجته، والرئيس اللبناني إميل لحود.
وتم تقديم الخاتم والرداء البابوي وهما يمثلان -وفقا لتقاليد للفاتيكان- رمزا للمسئولية الملقاة على عاتق البابا باعتباره خليفة القديس بطرس، وراعيا لمليار ومائة مليون كاثوليكي في العالم.
===============
#البابا: القيم المسيحية أساس لوحدة "الأوربي"
الفاتيكان - أ ف ب - إسلام أون لاين.نت/ 2-5-2004
بابا الفاتيكان(2/162)
شدد البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان على ضرورة أن تشكل القيم المسيحية أساسا لوحدة الاتحاد الأوربي، معتبراً أن هوية أوربا "ستكون غير مفهومة بدون المسيحية".
يأتي ذلك في وقت اعتبر فيه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن القرار الذي سيتخذه الاتحاد الأوربي في ديسمبر 2004 بشأن ترشيح تركيا للانضمام إليه سيحدد ما إذا كان الاتحاد "اتحادا بين الحضارات" أم "ناديا مسيحيا".
وقال البابا خلال أداء صلاة اليوم الأحد 2-5-2004 في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان: "أوروبا تعيش هذه الأيام مرحلة جديدة مهمة من تاريخها؛ إذ تدخل 10 دول جديدة للاتحاد الأوربي.. 10 دول كانت -من منطلق ثقافتها وتقاليدها- تشعر وتعتبر نفسها أوربية، وقد أصبحت اليوم جزءا من هذا الاتحاد".
وأضاف: "لكن وحدة الشعوب الأوربية، إذا أرادت الاستمرار، لا يمكن أن تكون سياسية واقتصادية فحسب.. أوروبا لا تزال موحدة حتى اليوم بفضل القيم الإنسانية والمسيحية المشتركة بينها".
واعتبر يوحنا بولس الثاني أن "تاريخ قيام الدول الأوربية مرتبط بالتبشير بالإنجيل"، وأن هوية أوربا "ستكون غير مفهومة بدون المسيحية".
وشدد على ضرورة أن تحافظ أوربا على "جذورها المسيحية لتكون على مستوى تحديات الألفية الثالثة الكبرى".
وقد شهد يوم 1-5-2004 أكبر عملية توسيع منذ بدايات تأسيس الاتحاد الأوربي عام 1957؛ حيث انضمت إليه 10 دول جديدة، هي: بولندا وسلوفاكيا والمجر والجمهورية التشيكية وأستونيا ولاتفيا وليتوانيا وسلوفينيا ومالطا وقبرص؛ ليصبح عدد دول الاتحاد 25 دولة تشكل سكانيًّا ثالث قطب سكاني عالمي بعد الصين والهند.
ويدعو البابا إلى تضمين الدستور الأوربي -الجاري التفاوض حوله بين أعضاء الاتحاد الموسع الخمسة والعشرين- إشارة إلى جذور أوروبا المسيحية.
وأعرب أردوغان عن اقتناعه بأن "الاتحاد الأوربي اتحاد للسلام والحوار بين الحضارات، وليس للصدام أو تجمعًا مسيحيًا". وقال في كلمة أذاعها التليفزيون التركي يوم 30-4-2004: "الاختبار الذي سيجتازه الاتحاد الأوربي في ديسمبر سيكون أهم من الاختبار الذي ستمر به تركيا. وقرار بلدان الاتحاد الأوربي حول تركيا هو في الوقت نفسه قرار يحدد ما إذا كان الاتحاد تحالف قيم أم ناديا مسيحيا".
وكان مسئولون أوربيون قد برروا رفضهم انضمام تركيا للاتحاد بما اعتبروه طبيعة الاتحاد "المسيحية".
==============
#الرد على البابا ...
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن المسلمين لم يبنوا مجدهم على أنقاض الآخرين ، ولم يبنوا غناهم على إفقار الآخرين ، ولم يبنوا أمنهم على إخافة الآخرين ، ولم يبنوا عزهم على إذلال الآخرين ، والمسلمون لا يسعون إلى إضلال الآخرين ، ولا إلى إفسادهم ، ولا إلى نهب ثرواتهم ، ولا إلى إبادتهم
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن تاريخ المسلمين ليس ممتلئاً بأعنف صور التدمير الحضاري ، والإبادات الجماعية ، واستغلال خيرات الشعوب ، والسطو على مقدراتها ، وأن المسلمين لم ينشئوا محاكم التفتيش ، ولم يبيدوا الهنود الحمر ، ولم يستعبدوا الزنوج ، ولم يستعمروا الشعوب ، ولا أدلّ على ذلك من الغزو الفرنجي للعالم الإسلامي قديماً باسم الحروب الصليبية ، وحديثاً باسم الحرية والديمقراطية
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن الإسلام لم يكن هو السبب الذي لأجله اندلعت حربان عالميتان قتل فيهما ما لا يقل عن ثمانين مليون إنسان ، وعشرات ملايين المعاقين
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن المسلمين ليسوا هم الذين قرروا قصف مدينة هيروشيما و ناغازاكي في اليابان ، بالقنبلة الذرية فقتل ثلاثمئة ألف إنسان في ثوان معدودات ، ولم يكن المسلمون هم الذين استخدموا أسلحة الدمار الشامل المحرمة دولياً كالقنابل الذكية ، والعنقودية والفسفورية ، وقنابل اليورانيوم المخضب ، لقتل النساء والأطفال والشيوخ ، وتدمير الجسور والمنشآت ، والبنية التحتية لشعب أعزل ضعيف ، والمسلمون لم يعذبوا المساجين الوطنيين الذين قاوموا الاحتلال في العراق بطريقة يندى لها جبين الإنسانية
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن الإسلام ليس عقيدة الذين هاجروا إلى بلاد بعيدة وتحدثوا كثيراً عن الحرية ، بعد أن أبادوا عشرات الملايين من سكانها الأصليين ،فالمسلمون لا يعرفون التطهير العرقي الذي اعترف به الغربيون حينما قالوا : إننا حينما استأصلنا الهنود الحمر في أمريكا ، والإنكليز حين استأصلوا سكان أستراليا الأصليين ، نجحنا في حسم المعركة، إذن ليس عند هؤلاء الأقوياء مبادئ ولا قيم ، ولا شعور إنساني ، إنما الذي عندهم سيناريو متقن أو غير متقن ، وصفقة كبيرة أو صغيرة
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن المسلمين لا يرمون آلاف الأطنان من الحبوب و كل صنوف المواد الغذائية في البحار ، ولا يعرفون إتلاف المحاصيل الزراعية حفاظاً على أسعارها المرتفعة ، وتسميمها خوفاً من أن يأكلها الفقراء مجاناً فيقل الطلب على شرائها ، والمسلمون لا يعرفون إطلاق النار على عشرين مليوناً من الأغنام ودفنها تحت الأرض حفاظاً على أسعارها المرتفعة ، في الوقت الذي تموت فيه بعض الشعوب جوعاً بعد أن فتكتفيها المجاعات ، وهي في أمس الحاجة إلى اللحوم والألبان والمحاصيل
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى المسلمين لا يرسلون نفاياتهم الذرية إلى الشعوب الضعيفة التي فتكت فيها المجاعات والحروب الأهلية مصحوبة ببعض المساعدات الغذائية حتى تسبب لها الأمراض السرطانية بشكل وبائي ولآلاف السنين
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى المسلمين لا يسمحون بتجريب الأدوية على شعوب متخلفة ضعيفة وكأنهم فئران تجارب ليدرؤوا عن شعوبهم خطر الأدوية التي لم تثبت سلامتها
==============
#الرد على البابا.....الكذاب....
الدكتور محمد طرهوني يقلب الطاولة على بابا الفاتيكان ويذكر القصة الحقيقية بين الملك والرجل المسلم
فجر الدكتور محمد طرهوني قنبلة في وجه بابا الفاتيكان حيث ذكر أن القصة التي ضمنها هذا العلج الكافر كلامه الذي تقيأه ولم يذكر مصدرها وتعمد ألا يعلق عليها والتي حاول كثير من الباحثين وأهل العلم الوصول لأصلها هي في حقيقة الأمر قصة محفوظة لدى التاريخ وهي بعكس ما ذكره لعنه الله وليس ذلك بغريب على من حرفوا دينهم وكتابهم فهل يتورعون من تحريف قصة تاريخية ؟
وقد أفاد الدكتور الطرهوني أنه قد قام بتحقيق هذه القصة وهي من مروياته لتاريخ دمشق لابن عساكر وهي تنتظر الطبع وقد نشرها منذ سنوات بموقعه ولكنها مترجمة باللغة الإنجليزية وهذا رابطها بالموقع
http://www.tarhuni.com/story.doc
وها نحن نسوق القصة كاملة باللغة العربية ونتبعها بالنص المترجم لكي تنشر على أوسع نطاق ويصدق على البابا أنه رام ضرا فكان نفعا والحمد لله رب العالمين :(2/163)
روى الحافظ ابن عساكر بإسناده إلى واصل الدمشقي قال : أسر غلام من بني بطارقة الروم وكان غلاما جميلا فلما صار إلى دار الإسلام وقع إلى الخليفة وكان ذلك في ولاية بني أمية فسماه بشيرا وأمر به إلى الكتاب فكتب وقرأ القرآن وروى الشعر وطلب الحديث وحج فلما بلغ واجتمع أتى الشيطان فوسوس إليه وذكره النصرانية دين آبائه فهرب مرتدا من دار الإسلام إلى أرض الروم والذي سبق له في أم الكتاب فأتي به ملك الطاغية فساءله عن حاله وما كان فيه وما الذي دعاه إلى الدخول في النصرانية فأخبره برغبته فيه فعظم في عين الملك فرأسه وصيره بطريقا من بطارقته وكان من قضاء الله وقدره أن اسر ثلاثون رجلا من المسلمين فلما دخلوا على بشير ساءلهم رجلا رجلا عن دينهم وكان فيهم شيخ من أهل دمشق يقال له واصل فسأله بشير وأبى الشيخ أن يرد عليه شيئا فقال بشير ما لك لا تجيبني قال الشيخ لست أجيبك اليوم بشيء قال بشير للشيخ إني مسائلك غدا فأعد جوابا وأمره بالانصراف
فلما كان من الغد بعث بشير وأقبل إليه الشيخ فقال بشير الحمد لله الذي كان قبل أن يكون شيء وخلق سبع سموات طباقا بلا عون كان معه من خلقه ثم دحا سبع أرضين طباقا بلا عون كان معه من خلقه فعجب لكم معاشر العرب حين تقولون إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون فسكت الشيخ فقال له بشير ما لك لا تجيبني قال كيف أجيبك وأنا أسير في يدك فإن أجبتك بما تهوى أسخطت علي ربي وهلكت في ديني وإن أجبتك بما لا تهوى خفت على نفسي فاعطني عهد الله وميثاقه وما أخذ الله على النبيين وما أخذ النبيون على الأمم أنك لا تغدر بي ولا تمحل بي ولا تبغي لي باغية سوء وإنك إذا سمعت الحق تنقاد له فقال بشير فلك علي عهد الله وميثاقه وما أخذ الله على النبيين وما أخذ النبيون على الأمم إني لا أغدر بك ولا أمحل بك ولا أبغي بك باغية سوء وإني إذا سمعت الحق انقدت له قال له الشيخ أما ما وصفت من صفة الله فقد أحسنت الصفة وما لم يبلغ علمك ولم تستحكم عليه رأيك أكثر والله أعظم وأكبر مما وصفت ولا يصف الواصفون صفته وأما ما ذكرت من هذين الرجلين فقد أسأت الصفة ألم يكونا يأكلان الطعام ويشربان ويبولان ويتغوطان وينامان ويستيقظان ويفرحان ويحزنان قال بشير بلى قال الشيخ فلم فرقت بينهما فقال بشير لأن عيسى ابن مريم كان له روحان اثنتان في جسد واحد روح يعلم بها الغيوب وما في قعر البحار وما يتحات من ورق الأشجار وروح يبرىء بها الأكمه والأبرص ويحيى الموتى قال الشيخ فهل كانت القوية تعرف موضع الضعيفة منهما قال بشير قاتلك الله ماذا تريد أن تقول إنها لا تعلم وماذا تريد أن تقول إن قلت إنها تعلم قال الشيخ إن قلت إنها تعلم قلت فما تغني قوتها حين لا تطرد هذه الآفات عنها وإن قلت إنها لا تعلم فكيف تعلم الغيوب ولا تعلم موضع روح معها في جسد واحد فسكت بشير فقال الشيخ أسألك بالله هل عبدتم الصليب مثلا لعيسى بن مريم أنه صلب قال بشير نعم قال الشيخ فبرضا كان منه أم بسخط قال بشير هذه أخت تلك ماذا تريد أن تقول إن قلت برضا منه وماذا تريد أن تقول إن قلت بسخط قال الشيخ إن قلت برضا قلت لقد قلتم قولا عظيما فلم تلام اليهود إذا أعطوا ما سألوا وأرادوا وإن قلت بسخط قلت فلم تعبد ما لا يمنع نفسه ثم قال الشيخ بشير نشدتك بالله هل كان عيسى يأكل الطعام ويشرب ويصوم ويصلي ويبول ويتغوط وينام ويستيقظ ويفرح ويحزن قال نعم قال الشيخ نشدتك بالله لمن كان يصوم ويصلي قال لله عز وجل ثم قال بشير والضار النافع ما ينبغي لمثلك أن يعيش في النصرانية أراك رجلا قد تعلمت الكلام وأنا رجل صاحب سيف ولكن غدا نأتيك بمن يخزيك الله على يديه ثم أمره بالانصراف
فلما كان من الغد بعث بشير إلى الشيخ فلما دخل عليه إذا عنده قس عظيم اللحية قال له بشير إن هذا رجل من العرب له حلم وعقل وأصل في العرب وقد أحب الدخول في ديننا فكلمه حتى تنصره فسجد القس لبشير فقال قديما أتيت إلى الخير وهذا أفضل ما أتيت إلي ثم أقبل القس على الشيخ فقال أيها الشيخ ما أنت بالكبير الذي قد ذهب عنه عقله وتفرق عنه حلمه ولا أنت بالصغير الذي لم يستكمل عقله ولم يبلغ حلمه غدا أغطسك في المعمودية غطسة تخرج منها كيوم ولدتك أمك قال الشيخ وما هذه المعمودية قال القس ماء مقدس قال الشيخ من قدسه قال القس قدسته أنا والأساقفة قبلي قال الشيخ فهل يقدس الماء من لا يقدس نفسه قال فسكت القس ثم قال إني لم أقدسه أنا قال الشيخ فكيف كانت القصة إذا قال القس إنما كانت سنة من عيسى ابن مريم قال الشيخ فكيف كان الأمر قال القس إن يحيى بن زكريا أغطس عيسى ابن مريم بالأردن غطسة ومسح برأسه ودعا له بالبركة قال الشيخ واحتاج عيسى إلى يحيى يمسح رأسه ويدعو له بالبركة فاعبدوا يحيى يحيى خير لكم من عيسى إذا قال فسكت القس واستلقى بشير على فراشه وأدخل كمه في فيه وجعل يضحك وقال للقس قم أخزاك الله دعوتك لتنصرنه فإذا أنت قد أسلمت ثم قال إن أمر الشيخ بلغ الملك فبعث إليه فقال ما هذا الذي قد بلغني عنك وعن تنقصك ديني ووقيعتك ؟؟
قال الشيخ إن لي دينا كنت ساكتا عنه فلما سئلت عنه لم أجد بدا من الذب عنه قال الملك فهل في يديك حجج قال الشيخ نعم ادعوا لي من شئت يحاجني فإذا كان الحق في يدي فلم تلمني عن الذب عن الحق وإن كان الحق في يديك رجعت إلى الحق فدعا الملك بعظيم النصرانية فلما دخل عليه سجد له الملك ومن عنده أجمعون قال الشيخ أيها الملك ما هذا قال الملك هو رأس النصرانية هو الذي تأخذ النصرانية دينها عنه قال الشيخ فهل له من ولد أم هل له من امرأة أم هل له عقب قال الملك ما لك أخزاك الله هو أزكى وأطهر من أن يتدنس بالنساء هذا أزكى وأطهر من أن ينسب إليه ولد هذا أزكى وأطهر من أن يتدنس بالحيض هذا أزكى وأطهر من ذلك قال الشيخ فهل أنتم تكرهون لآدمي يكون فيه ما يكون من بني آدم من الغائط والبول والنوم والسهر وبأحدكم من ذكر النساء وتزعمون أن رب العالمين سكن في ظلمة البطن وضيق الرحم ودنس بالحيض قال القس هذا شيطان من شياطين العرب رمى به البحر إليكم فأخرجوه من حيث جاء
وأقبل الشيخ على القس فقال عبدتم عيسى ابن مريم إنه لا أب له فهذا آدم لا أب ولا أم خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته فضموا آدم مع عيسى حتى يكون لكم آلهين اثنين وإن كنتم إنما عبدتموه لأنه أحيا الموتى فهذا حزقيل تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل لا ننكره نحن ولا أنتم مر بميت فدعا الله عز وجل فأحياه حتى كلمه فضموا حزقيل مع عيسى حتى يكون لكم ثالث ثلاثة وإن كنتم عبدتموه أنه أراكم العجب فهذا يوشع بن نون قاتل قومه حتى غربت الشمس فقال ارجعي بإذن الله فرجعت اثني عشر برجا فضموا يوشع بن نون مع عيسى ليكون لكم رابع أربعة وإن كنتم إنما عبدتموه لأنه عرج به إلى السماء فثم ملائكة مع كل نفس اثنين بالليل واثنين بالنهار يعرجون إلى السماء ما لو ذهبنا نعدهم لالتبس علينا عقولنا واختلط علينا ديننا وما ازددنا في ديننا إلا تحيرا ثم قال له أيها القس أخبرني عن رجل حل به الموت الموت أهون عليه أو القتل قال القس القتل قال فلم لم يقتل يعني مريم لم يقتلها فما بر أمه من عذبها بنزع النفس(2/164)
قال القس اذهبوا به إلى الكنيسة العظمى فإنه لا يدخلها أحد إلا تنصر قال الملك اذهبوا به إلى الكنيسة قال الشيخ ماذا يراد بي يذهب بي ولا حجة علي دحضت حجتي قال الملك لن يضرك إنما هو بيت من بيوت ربك يذكر الله فيه قال الشيخ إن كان هذا فلا بأس قال فذهبوا به فلما دخل الكنيسة وضع أصبعيه في أذنيه ورفع صوته بالأذان فجزعوا لذلك جزعا شديدا وصرخوا ولببوه وجاءوا به إلى الملك فقال أيها الملك أين ذهب بي قال ذهبوا بك إلى بيت من بيوت الله لتذكر فيه ربك قال فقد دخلت وذكرت فيه ربي بلساني وعظمته بقلبي فإن كان كلما ذكر الله في كنائسكم يصغر دينكم فزادكم الله صغارا قال الملك صدق ولا سبيل لكم عليه
قالوا أيها الملك لا نرضى حتى تقتله قال الشيخ إنكم ما قتلتموني فبلغ ذلك ملكنا وضع يده في قتل القسيسين والأساقفة وخرب الكنائس وكسر الصلبان ومنع النواقيس قال فإنه يفعل قال نعم فلا تشكوا ففكروا في ذلك فتركوه
قال الشيخ أيها الملك ما عاب أهل الكتاب على أهل الأوثان قال بما عبدوا ما عملوه بأيديهم قال فهذا أنتم تعبدون ما عملتم بأيديكم هذا الذي في كنائسكم فإن كان في الإنجيل فلا كلام لنا فيه وإن لم يكن في الإنجيل فلا تشبه دينك بدين أهل الأوثان قال الملك صدق هل تجدونه في الإنجيل قال القس لا قال فلم تشبه ديني بدين الأوثان قال فانتقض الكنائس فجعلوا ينقضونها ويبكون قال القس إن هذا شيطان من شياطين العرب رمى به البحر إليكم فأخرجوه من حيث جاء ولا يقطر من دمه قطرة في بلادكم فيفسد عليكم دينكم فوكلوا به رجالا فأخرجوه إلى ديار دمشق
ووضع الملك يده في قتل القسيسين والأساقفة والبطارقة حتى هربوا إلى الشام لأنهم لم يجدوا أحدا يحاجه .
==============
# قصيدة رائعة فى الرد على البابا
أَقْصِرْ ، فأنتَ أمامَ وهْم حاشدِ*
يا من عَبَدْتَ ثلاثةً في واحدِ
أَقْصِرْ ، فموجُ الوهْمِ حولكَ لم يزَلْ
يقتاتُ حبَّةَ كلِّ قلب حاقدِ
أَقْصِرْ فدونَ رسولِنا و كتابِنا
خَرْطُ القَتَادِ وعَزْمُ كل مجاهدِ
يا أيُّها البابا ، رويدَكَ إِنَّنا
لنرى التآمُرَ في الدُّخان الصاعدِ
في دينِنا نَبْعُ السلام ونهرُهُ
نورٌ يَفيضُ به تبتُّلُ راشدِ
فَلَنحنُ أوسطُ أمَّةٍ وقفتْ على
منهاجِ خالقِها وقوفَ الصامدِ
إنا لنؤمنُ بالمسيحِ ورَفْعِهِ
ونزولِهِ فيا نُزولَ الرَّائدِ
فعلامَ تصدُمنا بشرِّ بضاعةٍ
معروضةٍ في سوقِ وَهْمٍِ كاسدِ؟؟
أنْساكَ تثليثُ العقيدةٍ خالقاً
فَرْداً يتوقُ إليهِ قلبُ العابدِ
أبديتَ بغْضاءَ الفؤادِ وربَّما
أخفيْتَ منها ألفَ عقدةِ عَاقدِ
أَتُراكَ تُدركُ سوءَ ما أحدثتَهُ
ممَّا اقترفتَ منَ الحديثِ الباردِ؟
عجباً لعقلِكَ كيفَ خانَكَ iiوَعْيُهُ
حتَّى أسأتَ إلى النبيِّ القائدِ؟!
هذا محَّمدُ، أيُّها البابا، أما
يكفي منَ الإنجيلِ أقربُ شاهدِ؟
بقدومِهِ هتفَ المسيحُ مبشِّراً
بُشرى بموعودٍ لأعظمِ واعدِ
قامتْ عليكَ الحجَّةُ الكبرى فلا
تُشْعِلْ بها نيرانَ جمرٍ خامدِ
إنْ كانَ هذا قَوْلَ مُرشدِ قومِهِ
فينا، فكيفَ بجاهلٍ و مُعانِدِ؟!
ما قيمةُ التَّاجِ المرصَّعِ، حينما
يُطْوَى على وَهْمٍ ورأيٍ فاسدِ؟
يا أيُّها البابا، لدينا حُجَّةٌ
كالشمسِ أكبرُ من جُحود الجاحدِ
مليارُنا حيُّ الضمير، وإنْ تكُنْ
عصفتْ بهِ منكمْ رياحُ مُكايدِ
قعدَتْ بأمَّتِنا الخطوبُ، ولنْ ترَوْا
منها إذا انتفضَتْ تَخاذُلَ قاعد
============
#الرد على البابا المنقولة إذاعياً من مسجد بني أمية الكبير
يوم الجمعة
22 / 9 /26
الخطيب
الدكتور محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ... يا رب أنت غنى كل فقير ، وعز كل ذليل ، وقوة كل ضعيف ، ومفزع كل ملهوف ، فحاشا يا رب أن نفتقر في غناك ، وأن نضل في هداك ، وأن نذل في عزك ، وأن نضام في سلطانك ، فما من مخلوق يعتصم بك من دون خلقك ، فتكيده أهل السماوات والأرض ، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دونك ، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه
الحمد لله الذي كتب البلاء على عباده المؤمنين ، أحمده سبحانه إذ جعل أشد الناس بلاء الأنبياء والمرسلين
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وعد الصابرين أفضل ما أعده لعباده المتقين
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، خيرته من خلقه ، قدوة الصابرين، وإمام الشاكرين
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وأصحابه الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات
موضوع الخطبة اليوم هو الموضوع الساخن ، فقد ألقى البابا بينيدكت السادس عشر الحالي محاضرة على مدرج جامعته في ألمانيا يوم الثلاثاء الواقع في الثاني عشر من أيلول الجاري ، قال فيها :
إنّ العقيدة الإسلامية تقوم على أساس أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل ولا المنطق . ثم إن محمداً لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني ، كأمره بنشر الإسلام بحد السيف .
وقبل تقديم الإضاءة الإسلامية لما انطوت عليه كلمات البابا أضع بين أيدي الإخوة الحاضرين ، والمستمعين الحقائق التالية :
1 ـ التعاليم القرآنية ، والتوجيهات النبوية ، تمنعنا أن نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ، وسألتزم الأدب النبوي حينما أرسل النبي الكريم رسالة إلى قيصر ملك الروم ، فقال له فيها : من محمد رسول الله إلى عظيم الروم
2 ـ ليس القصد من هذه الخطبة التي تلقى في هذا المسجد الأموي الكبير التجريح أو النيل من شخصية دينية في العالم الغربي ، إنما القصد التوضيح والبيان وهذه أمانة العلماء ، قال تعالى :
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً
3 ـ يتمتع المسلمون والمسيحيون في بلادنا بنوع من التفاهم والتعايش والتعاون قل مثيله في بلدان أخرى ، قال تعالى :
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
4 ـ المسيحيون في بلادنا عبروا عن أسفهم الشديد ، وعن استنكارهم الأكيد للكلمات التي أدلى بها بابا الفاتيكان ، فلا يؤخذ أحد بجريرة أحد ، والتعميم من العمى ، قال تعالى : وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
5 ـ وقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية تصريحاً للبابا أنه لم يقصد الإساءة للمسلمين ، وأنه تأسف أشد الأسف لما حصل من تداعيات لكلماته
6 ـ ونحن في هذا البلد الطيب نرفض أشد الرفض اللجوء إلى العنف ، فرد الفعل الانفعالي ضار مثل الفعل تماماً ؛ فالفكرة ترد بالفكرة ، والقول بالقول ، والتصريح المعلن بالتصريح المعلن ، والمحاضرة بالمحاضرة ، والحوار بالحوار
وقد نقل قداسة البابا هذه المقولة متبنياً لها عن الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني في كتاب أصدره في القرن الرابع عشر الميلادي ، وهي مقولة افتراء على الإسلام ظالمة وقديمة لم ينطلق فيها من دراسة موضوعية بل من انطباع شخصي انفعالي، مع أن قداسة البابا يحمل دكتورا في مقارنة الأديان ، ولا تغيب عنه حقيقة الدين الإسلامي(2/165)
الخطورة في هذا الخطاب البابوي ، أنه غير معهود ، وغير مسبوق ، وقد خالف فيه أصول الخطاب والحوار ، وخالف فيه الحقيقة والواقع ، وخالف فيه سياسة سلفه الراحل ، فقد كنا نعتقد أن الحبر الأعظم هو أبعد جهة في الغرب عن أن تسيس الدين لمصلحة الأقوياء ، وعن أن تقدم الغطاء الديني من أعلى مرجعية مسيحية للعدوان الغاشم الذي يقوده الغرب على العالم الإسلامي ، كما يقدم عندنا بعض المفتين في العالم الإسلامي الغطاء الإسلامي لمواقف وتصرفات حكامهم
فمثل هذه التصريحات ... لا تخدم السلام في العالم ، ولا حوار الحضارات ، ولا التعايش السلمي بين الأديان
فليس مسموحا عندنا ـ نحن المسلمين ـ أن يتبوأ رجل درجة الإمامة العظمى ويبلغ أعلى منصب ديني ، ثم لا يعرف أبسط الحقائق عن الأديان السماوية الأخرى ، وفق منهج علمي ، يمنحه الحق فيما بعد ، أن يكون مجادلاً بالتي هي أحسن
وكالعادة ... بدأت ردود الفعل في العالم الإسلامي ، بالشجب ، والاستنكار ، والمطالبة بالاعتذار ... ونحن نعتقد أن هذا الأسلوب لا يليق بأمة لها شهودها على الأمم ، وفيها أكثر من مليار وخمسمئة مليون ، أن تكتفي بهذه المطالبات ؛ بل أعتقد أن طلب الاعتذار والتوضيح وحده يقزّم حجمنا ، ويقلل من قدسية ديننا ، ولا يعني ذلك اللجوء إلى العنف ، بل يعني أن ننهض لمقارعة الحجة بالحجة ، والدليل بالدليل ، فهذا من حقنا ، بل هو واجب علينا ، فمثل هذه الاتهامات الظالمة للإسلام ؛ بالعنف ، والتطرف ، والفاشية ، والإرهاب ، التي تصدر من كتاب وصحفيين من الصف الرابع ألفناها ومللناها ، فمن عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به ، ولكن العجب العجاب أن تصدر هذه الاتهامات الظالمة من أعلى سلطة سياسية العالم الغربي ، ومن أكبر مرجعية دينيةً فيه
استشهد قداسة البابا بمقولة ملك جاهل حاقد ، أن النبي محمد لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني
1 ـ هل من السيئ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم : التعريف الرائع بمعجزة ميلاد السيد المسيح : « فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً * »
2 ـ هل من السيئ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم : التعريف الكريم الودود بالشخصية الوجيهة بالسيد المسيح : « إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ » ؟.
3 ـ هل من السيئ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم : التعريف باعجاز نبوة المسيح ورسالته : « إذ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ ، إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ، تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ، وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ، وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ، فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي ، وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ، وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي » ؟
4 ـ هل من السيئ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم : التعريف بالإنجيل الذي انزله الله على سيدنا المسيح : « وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ »
5 ـ وهل من السيئ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم : تمجيد أم المسيح الصدّيقة مريم والدفاع عنها ، ورفع ذكرها في الكتاب ، وترسيخ اليقين بطهرها : « وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ »
6 ـ وهل من السيئ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم : أنه وصف صنفاً من أهل الكتاب ، بالتقوى والصلاح ، فقال تعالى : لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ
7 ـ وهل من السيئ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم : أن جعل رسول الإسلام الإيمان بالمسيح عيسى ابن مريم من أركان الإيمان في الدين الإسلامي ، ومدخلا إلى الجنة فقال عليه الصلاة والسلام : « من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنَّ محمداً عبدُه ورسولُه ، وأن عيسى عبدُ الله ورسولُه ، وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنةُ والنار حق : أدخله الله الجنة على ما كان من العمل » ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى ورؤيا أمي آمنة »
8 ـ وهل من السيئ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم : أن وصف العلاقة بين رجال الدين ، في الديانتين ، بأنها مبنية على المودة والتقدير ، فقال تعالى :
« وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ »
أي سوء في هذا العدل ، والإنصاف ، والكمال ، والجمال ، والذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام ؟.. وأي عقل وأي منطق هذا الذي يحول الحسن إلى قبح ، والكمال إلى نقص ، وتوقير السيد المسيح وأمه ودينه إلى إساءات غير إنسانية ؟!
كنا ـ نحن المسلمين ـ نتمنى على قداسة البابا قبل أن يتبنى قول إمبراطور بيزنطي جاهل بأقدار الأنبياء ..... أن يطلع على كتاب المئة الأوائل في تاريخ البشرية الذي ألفه الباحث الفلكي الأمريكي مايكل هاردت عام ألف وتسعمئة وثمانية وسبعين وهو كاثوليكي المذهب ، بعد أن قرأ عن عظماء العالَم الشيء الكثير ، واختار من عظماء العالَم في الشرق والغرب ، قديماً وحديثاً ، آلاف الشخصيات ، واختار من الآلاف مئةً عَدَّها من الأوائل ، وجعل النبي محمداً عليه الصلاة والسلام على رأس هذه المئة ، بحسب المقاييس التي وضعها وهي : قوة التأثير ، ونوع التأثير ، واتساع رقعة التأثير ، وامتداد أمد التأثير ، هذه المقاييس طبَّقها على هؤلاء المئة ، فكان النبي عليه الصلاة والسلام في طليعتها .(2/166)
وكنا نتمنى على قداسة البابا قبل أن يتبنى قول إمبراطور بيزنطي جاهل بأقدار الأنبياء ..... أن يطلع على ما كتبه الفيلسوف الروسي تولستوي الذي انبهر بشخصية النبي صلى الله عليه و سلم و ظهر ذلك واضحاً على أعماله فيقول في مقالة له بعنوان من هو محمد : إن محمداً هو مؤسس و رسول و كان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ، و يكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق و جعلها تجنح إلى السكينة و السلام و منعها من سفك الدماء وفتح لها طريق الرقي و المدنية و هو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتي قوة و رجل مثله جدير بالاحترام و الإجلال ، وقد قدمت بعثته خدمة كبيرة للبشرية فقد أرست دعائم الصلح ، والاستقرار ، والرخاء ، وفتحت طريق الحضارة والرقي للأجيال ،
ومثل هذا الشخص ـ و بلا شك ـ يستحق كل إكرام و تقدير واحترام
وكنا نتمنى على قداسة البابا قبل أن يتبنى قول إمبراطور بيزنطي جاهل بأقدار الأنبياء ..... أن يطلع على ما كتبه الباحث الغربي واسمه بعد إسلامه كمال الدين ، قال : كان محمد قائماً على أعظم دعوة شهدتها الأرض ، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل ، وتغلغلت في كيانه كله ، ورأى الناس الرسول الكريم تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة ، فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها ، ورأوها متمثلة فيه ، ولم يقرؤها في كتاب جامد ، بل رأوها في بشر متحرك ، فتحركت لها نفوسهم ، وهفت لها مشاعرهم ، فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل ، و كان هادياً و مربياً بسلوكه الشخصي ، قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به
وكنا نتمنى على قداسة البابا قبل أن يتبنى قول إمبراطور بيزنطي جاهل بأقدار الأنبياء ..... أن يطلع على ما كتبه أحد المفكرين الغربيين حيث يقول : الحقيقة أن محمداً قد جاء برسالة لا يمكن إنكارها ، وهي خلاصة الرسالات السابقة ، بل وتعلو عليها ، بناء على هذا فإن رسالته للعالم دستور ثابت ، وأقواله تنسجم وذوق البشر وإدراك بني الإنسان في هذا العصر .
وكنا نتمنى على قداسة البابا قبل أن يتبنى قول إمبراطور بيزنطي جاهل بأقدار الأنبياء ..... أن يطلع على ما كتبه ميلر الكاتب البريطاني المعروف يقول : بزوغ بعثة محمد صلى الله عليه و سلم وسطوع شمس الإسلام ، أثبت هذا النبي أن دعوته موجهة للعالمين ، و أن هذا الدين المقدس يناسب كل عصر وكل عنصر وكل قومية ، وأن أبناء البشر في كل مكان وفي ظل أية حضارة ، لا غنى لهم عن هذا الدين ، الذي تنسجم تعاليمه مع الفكر الإنساني .
وكنا نتمنى على قداسة البابا قبل أن يتبنى قول إمبراطور بيزنطي جاهل بأقدار الأنبياء ..... أن يطلع على ما كتبه الكاتب الإفرنسي كورسيه حيث يقول : عندما نهض محمد بدعوته وقبل و بعد انطلاق بعثته كان شاباً شجاعاً شهماً ، يحمل أفكاراً تسمو على ما كان سائداً من أفكار في مجتمعه ، و قد تمكن محمد بسمو أخلاقه من هداية عرب الجاهلية المتعصبين الذين كانوا يعبدون الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد ، و في ظل حكومته الديمقراطية الموحدة ، تمكن من القضاء على كل أشكال الفوضى ، والاختلاف ، والاقتتال الذي كانت شائعاً في جزيرة العرب ، وأرسى بدل ذلك أسس الأخلاق الحميدة ، محولاً المجتمع العربي الجاهلي إلى مجتمع راق ومتحضر .
وكنا نتمنى على قداسة البابا قبل أن يتبنى قول إمبراطور بيزنطي جاهل بأقدار الأنبياء ..... أن يطلع على ما كتبه الفيلسوف البريطاني توماس كاريل و قد خصص من كتابه فصلاً لنبي الإسلام ، بعنوان البطل في صورة رسول ، عدّ فيه النبي صلى الله عليه و سلم واحداً من العظماء السبعة الذين أنجبهم التاريخ ، ووالله لقد كانت في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار و الفلوات ، المتورد المقلتين ، العظيم النفس ، المملوء رحمة وخيراً وحناناً وبراً وحكمة
وكنا نتمنى على قداسة البابا قبل أن يتبنى قول إمبراطور بيزنطي جاهل بأقدار الأنبياء ..... أن يطلع على حقيقة نبي المسلمين من كتب المسلمين لا من كتب أعدائهم الحاقدين ، وهذا من أولى مبادئ البحث الموضوعي ، وما تقتضيه درجة الأستاذية في الجامعة ، فقد وصف بعض كتاب السيرة شخصية النبي صلى الله عليه وسلم التعاملية فقالوا : لقد كان صلى الله عليه و سلم جمّ التواضع ، وافر الأدب ، يبدأ الناس بالسلام ، ينصرف بكله إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً ، يكون آخر من يسحب يده إذا صافح ، و إذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين ، و إذا جلس جلس حيث ينتهي به المجلس ، لم يرَ ماداً رجليه قط ، و لم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار ، و كان يذهب إلى السوق و يحمل بضاعته و يقول : أنا أولى بحملها ، و كان يجيب دعوة الحر و العبد و المسكين ، و يقبل عذر المعتذر ، و كان يرفو ثوبه ، و يخصف نعله ، و يخدم نفسه ، و يعقل بعيره ، و يكنس داره ، و كان في مهنة أهله ، و كان يأكل مع الخادم ، و يقضي حاجة الضعيف و البائس ، يمشي هوناً خافض الطرف متواصل الأحزان ، دائم الفكر لا ينطق من غير حاجة ، وكان طويل السكوت ، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم ، و كان دمثاً ليس بالجاحد و لا المهين ، يعظم النعم و إن دقت ، و لا يذم منها شيئاً ، و لا يذم مذاقاً و لا يمدحه و لا تغضبه الدنيا و لا ما كان لها ، و لا يغضب لنفسه و لا ينتصر لها ، إذا غضب أعرض و أشاح ، و إذا فرح غض بصره ، و كان يؤلف و لا يفرق ، يقرب و لا ينفر ، يكرم كريم كل قوم و يوليه عليهم ، يتفقد أصحابه و يسأل الناس عما في الناس ، يحسن الحسن و يصوبه و يقبح القبيح و يوهنه ، و لا يقصر عن حق و لا يجاوزه ، و لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه ، من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو ما يسره من القول ، كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ و لا غليظ ، و لا صخاب و لا فحاش ، و لا عياب ، و لا مزاح ، يتغافل عما لا يشتهي ، و لا يخيب فيه مؤمله ، كان لا يذم أحداً و لا يعيره و لا يطلب عورته و لا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه ، يضحك مما يضحك منه أصحابه ، و يتعجب مما يتعجبون ، و يصبر على الغريب و على جفوته في مسألته و منطقه ، و لا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه ، و الحديث عن شمائله صلى الله عليه و سلم حديث يطول لا تتسع له المجلدات و لا خطب في سنوات و لكن الله جل في علاه لخصها بكلمات فقال :" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " .
وأخيراً كنا ـ نحن المسلمين ـ نتمنى على قداسة البابا أن ينهج منهج سلفه البابا يوحنا بولس الثاني الذي حث على التعايش السلمي بين الأديان
وأن ينهج منهج سلفه البابا بولس السادس الذي أعلن اعترافه بالإسلام كدين سماوي ، وأوقف التبشير في العالم الإسلامي ، وأعلن أن المؤمن برسالة محمد ناج يوم القيامة ، ولو لم يؤمن بالمخلص ، وأرسل برقيات تهنئة لبعض زعماء العالم العربي والإسلامي بعيد الأضحى المبارك ، واستقبل وفداً من كبار رجال الدين الإسلامي معظمهم من بلدنا سورية، وأكرمهم أيما إكرام
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن المسلمين لم يبنوا مجدهم على أنقاض الآخرين ، ولم يبنوا غناهم على إفقار الآخرين ، ولم يبنوا أمنهم على إخافة الآخرين ، ولم يبنوا عزهم على إذلال الآخرين ، والمسلمون لا يسعون إلى إضلال الآخرين ، ولا إلى إفسادهم ، ولا إلى نهب ثرواتهم ، ولا إلى إبادتهم(2/167)
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن تاريخ المسلمين ليس ممتلئاً بأعنف صور التدمير الحضاري ، والإبادات الجماعية ، واستغلال خيرات الشعوب ، والسطو على مقدراتها ، وأن المسلمين لم ينشئوا محاكم التفتيش ، ولم يبيدوا الهنود الحمر ، ولم يستعبدوا الزنوج ، ولم يستعمروا الشعوب ، ولا أدلّ على ذلك من الغزو الفرنجي للعالم الإسلامي قديماً باسم الحروب الصليبية ، وحديثاً باسم الحرية والديمقراطية
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن الإسلام لم يكن هو السبب الذي لأجله اندلعت حربان عالميتان قتل فيهما ما لا يقل عن ثمانين مليون إنسان ، وعشرات ملايين المعاقين
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن المسلمين ليسوا هم الذين قرروا قصف مدينة هيروشيما و ناغازاكي في اليابان ، بالقنبلة الذرية فقتل ثلاثمئة ألف إنسان في ثوان معدودات ، ولم يكن المسلمون هم الذين استخدموا أسلحة الدمار الشامل المحرمة دولياً كالقنابل الذكية ، والعنقودية والفسفورية ، وقنابل اليورانيوم المخضب ، لقتل النساء والأطفال والشيوخ ، وتدمير الجسور والمنشآت ، والبنية التحتية لشعب أعزل ضعيف ، والمسلمون لم يعذبوا المساجين الوطنيين الذين قاوموا الاحتلال في العراق بطريقة يندى لها جبين الإنسانية
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن الإسلام ليس عقيدة الذين هاجروا إلى بلاد بعيدة وتحدثوا كثيراً عن الحرية ، بعد أن أبادوا عشرات الملايين من سكانها الأصليين ،فالمسلمون لا يعرفون التطهير العرقي الذي اعترف به الغربيون حينما قالوا : إننا حينما استأصلنا الهنود الحمر في أمريكا ، والإنكليز حين استأصلوا سكان أستراليا الأصليين ، نجحنا في حسم المعركة، إذن ليس عند هؤلاء الأقوياء مبادئ ولا قيم ، ولا شعور إنساني ، إنما الذي عندهم سيناريو متقن أو غير متقن ، وصفقة كبيرة أو صغيرة
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى أن المسلمين لا يرمون آلاف الأطنان من الحبوب و كل صنوف المواد الغذائية في البحار ، ولا يعرفون إتلاف المحاصيل الزراعية حفاظاً على أسعارها المرتفعة ، وتسميمها خوفاً من أن يأكلها الفقراء مجاناً فيقل الطلب على شرائها ، والمسلمون لا يعرفون إطلاق النار على عشرين مليوناً من الأغنام ودفنها تحت الأرض حفاظاً على أسعارها المرتفعة ، في الوقت الذي تموت فيه بعض الشعوب جوعاً بعد أن فتكتفيها المجاعات ، وهي في أمس الحاجة إلى اللحوم والألبان والمحاصيل
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى المسلمينلا يرسلون نفاياتهم الذرية إلى الشعوب الضعيفة التي فتكت فيها المجاعات والحروب الأهلية مصحوبة ببعض المساعدات الغذائية حتى تسبب لها الأمراض السرطانية بشكل وبائي ولآلاف السنين
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى المسلمين لا يسمحون بتجريب الأدوية على شعوب متخلفة ضعيفة وكأنهم فئران تجارب ليدرؤوا عن شعوبهم خطر الأدوية التي لم تثبت سلامتها
*****
ولكن لابد من همسة في أذن المسلمين لماذا ندين الأقوال ، ولا ندين الأفعال ، أو على الأقل نتغاضى عنها ؟ ألم تسخّر الكثير من الجهات العربية والإسلامية كل طاقاتها الإعلامية والثقافية والدعائية والفقهية والقمعية لاقتلاع مفهومات الدين الصحيحة من عقول المسلمين ؟ لماذا نطلق عشرات القنوات الفضائية الهابطة ، أليس لإفساد العقول وتمييع الشباب وتزييف الوعي ؟ ماذا كان هدف تلك المحطات الإعلامية التي تحاصرنا من كل حدب وصوب سوى إخصاء المجتمعات الإسلامية ، وتحويلها إلى راقصين وراقصات ، وماجنين وماجنات ، وفاسدين وفاسدات ، ومخنثين ومخنثات ؟ هل هناك هدف لمعظم وسائل الإعلام التي تبث عبر الأقمار سوى الحض على الفساد والإفساد ، والابتعاد عن المفهوم الحقيقي للإسلام ؟
أيهما أخطر على الإسلام والمسلمين جملة قالها الحبر الأعظم ، أم الضخ الإعلامي اليومي وغسل الأدمغة العربية والإسلامية بطريقة منظمة وممنهجة وتطهيرها من قيم النخوة والعزة والإباء والحمية والكرامة ؟
أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيِّس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين ، واشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين
ليس خافياً أن توقيت هذه الإساءة جاء في مرحلة يمكن أن تسبب انفجارا واسع النطاق ، على مستوى صراع الأديان ، أو صدام الحضارات ، أو أن تضيف على الأقل احتقانا عقديا إلى احتقانات عقدية وإنسانية وسياسية سابقة ، فتصنف هذه الإساءة مع القذائف القاتلة ، وتضيع محاولات رأب الصدع ، تحت تأثير تنوع الضربات ، وتعدد مصادرها .
فلا يمكن القبول بأن كلمات قداسة البابا هي زلة لسان ، أو كلمات أسيء فهمها ، فهذا لا ينتظر من قداسته ، لاسيما أنه يحمل درجة الدكتوراه والأستاذية في علم الأديان ، وأنه لم يرتجل كلمته ، بل ورد كلامه من محاضرة ، نصها مكتوب أمامه ، خضع للمراجعة والتنقيح والضبط مثلما هي عادة كل بحث علمي يقدمه أستاذ جامعي متخصص ، قبل أن يكون رجل الكنيسة الكاثوليكية الأول في روما ، ورئيس دولة الفاتيكان
ولعل القصد من كلمات قداسة البابا ـ وأرجو أن أكون مخطئاً ـ أن يدفع المسلمين إلى التطرف ، لأن تطرف الغرب وإرهابه الدولي والمنظم يحتاج إلى تطرف إسلامي مستمر ، ليكون تبريراً لمتابعة خططه التي لا يستطيع إعلانها ، فإن لم يكن هناك تطرف إسلامي ..... دفع هؤلاء القادة السياسيون والقادة الروحيون المسلمين إليه ، أو صنعوه هم ونسبوه إليهم ، بطريقة أو بأخرى
وقد شرح هذه التحليل ، وذاك التفسير السيد الرئيس في مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد بكوالالامبور في ماليزيا مؤخراً ، فقال في خطابه :
في الثمانينات كانوا في الغرب يدعمون التطرف الإسلامي وليس الإسلام ، أما اليوم فهم يحاربون الإسلام لا التطرف الإسلامي ولو تساءلنا لماذا يحارب هؤلاء المتعصبون الإسلام وهو دين العدل والمحبة والتسامح لكان الجواب البديهي لأن الإسلام الحقيقي هو الذي يمنع التطرف ، لأنه دين الاعتدال ، وهؤلاء المتعصبون يتمنون ويعملون عكس ما يعلنون ، من انتهاك للسيادة ، والحصار الاقتصادي ، إلى الاجتياح الثقافي ، والتمويل السري لبعض الهيئات لاستمرار واتساع التطرف الإسلامي ، أو أي تطرف آخر ، لأنه المعادل الموضوعي لتطرفهم ، والمبرر الأكيد لبقائهم في مواقع السيطرة في مناطق عديدة في هذا العالم ، فالتطرف يعيش على تطرف مقابل وهو يضمحل في بيئة الاعتدال .
إن علينا أن نعزز الدين الإسلامي الصحيح عقيدة وسلوكا ففيه تحصين للإسلام والمسلمين وإضعاف لأعدائهم وهذا يبدأ بمكافحة وتجنب كل الممارسات الشاذة الناجمة عن فهم خاطئ للدين والتي تسيء إليه بشكل مباشر وتعطي الآخرين من أصحاب النيات السيئة الحجة والمبرر لوصف الإسلام بشتى الصفات السلبية واللا إنسانية. وان كنا نرفض وبقوة كل المحاولات التي تجعل من صفة الإرهاب خاصة بالدين الإسلامي فإننا نرفض وبنفس القوة كل محاولة لربط الممارسات الخاطئة لبعض الأفراد بديانة أو حضارة معينة(2/168)
وإننا ندعو بدعاء البطل صلاح الدين ، ونحن نرى جيوش الفرنجة من جديد تداهم أرض العرب والمسلمين في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين ، وهي في طريقها إلى السودان
اللهم قد انقطعت أسبابنا الأرضية في نصرة دينك ، ولم يبق لنا إلا الإخلاد إليك والاعتصام بحبلك ، والاعتماد على فضلك، أنت حسبنا ونعم الوكيل ، اللهم اكفنا شرهم بما شئت ، وكيف شئت ، اللهم رد عنا كيدهم ، اللهم إنهم قد استعلوا علينا بقدرتهم ، فأرنا فيهم قدرتك ...
اللهم بفضلك و رحمتك أعل كلمة الحق و الدين ، و انصر الإسلام و أعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، و خذ بيد ولاتهم إلى ما تحب و ترضى .. والحمد لله ربّ العالمين
===============
#وإذا لم يعتذر البابا..فكان ماذا ؟.
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
- سؤال مشروع ؟.
لما صدر عن البابا اتهام المسلمين والإسلام بأنه شرير وغير إنساني، وغير عقلاني: طالبه جمع كبير من الشخصيات والمنظمات الإسلامية بالاعتذار العلني الصريح، وألحوا في ذلك جدا، وأكدوا، وأصروا، ولم يقبلوا تصريحه الثاني، ولا الثالث، الذي تضمن أسفا على سوء فهم كلامه؛ إذ لم يكن سوى أسفا، وليس اعتذارا. وتفاعل كثير من المسلمين غيرة على دينهم مع هذه المطالبة، وقد كانت حالة تجسدت فيها المعاني الإيمانية، والغيرة، والاعتزاز بالانتماء إلى الإسلام.
غير أنه وسط هذه الموجة من الغضب لم يسأل أحد: ما المقصود والغاية من اعتذار البابا ؟.
وإذا لم يعتذر - كما هو الحال - فكان ماذا ؟.
هل سيتضرر الإسلام والمسلمون من ذلك ؟.
وإذا اعتذر هل سيكون ذلك خيرا للإسلام والمسلمين ؟.
* * *
- الأحداث.
في محاضرة له في جامعة جنيسبرج بولاية بفاريا بألمانية، في 12/11/2006م، والتي كانت بعنوان: "العقل والإيمان"، أورد البابا حوارا جرى بين الإمبراطور مانويل الثاني (1350-1425) ومثقف فارسي قال فيه: "أرني شيئا جديدا جاء به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين، الذي كان يبشر به بحد السيف".
وفي المحاضرة أكد البابا على:
- رسوخ العنف في بنية الدين الإسلامي، من خلال إفادته بأن آية البقرة: {لا إكراه في الدين}، إنما نزلت في بداية الدعوة، حين لم يكن لمحمد صلى الله عليه وسلم قوة ولا منعة.
- أن الإسلام يخلو من العقل، واستدل عليه بأن مشيئة الرب في العقيدة الإسلامية وإرادته ليست مرتبطة بمقولاتنا، ولا حتى بالعقل، وأن ابن حزم ذهب في تفسيره إلى حد القول بأن الله ليس لزاما عليه أن يتمسك حتى بكلمته، ولا شيء يلزمه أن يطلعنا على الحقيقة.
وحينما عرج على المسيحية سبغها بكل ما جرد الإسلام منه؛ بالسماحة والعقلانية، واستدل عليه بأول نص في الكتاب المقدس، في سفر التكوين: "في البدء كانت الكلمة"، فالرب يتحاور بالكلمة، والكلمة هي عقل وكلمة في نفس الوقت.
في نهاية كلمته دعا إلى المحاورة بين الحضارات، بالعقل والإيمان وبالكلمة؛ ليكون موافقا لطبيعة الرب.
ويلاحظ في كلمته هذا: محاولة الاستئثار المسيحي بالرب والعقل والتسامح معا، وتجريد الإسلام منها، فالمسيحية هي التي تعمل وفق إرادة وطبيعة الرب، ووفق العقل، والإسلام يعمل معارضا لطبيعة إرادة الرب والعقل؛ كونه يتخذ العنف والسيف طريقا للإقناع، ولأنه يلصق بالرب الاستعلاء المطلق، والمشيئة المطلقة، التي لا تتغير ولا تتبدل، ولا ترتبط بمقولاتنا ولا العقل..؟!!.
إثر هذه المحاضرة انطلقت ردود الفعل - المعتادة !! - من المسلمين، تمثلت في التعبيرات التالية:
- غضب إسلامي عبرت عنه: دول، ومنظمات، وشخصيات، ومظاهرات جماهيرية.
- استنكار جهات إسلامية، ونصرانية شرقية خصوصا من هذا التصريح.
- مطالبة بالاعتذار العلني الصريح، وطلب توضيح موقف البابا من الإسلام.
- أن التصريح كان في سياق تبرير الحملات الصليبية الأخيرة على بلاد الإسلام.
- الرد على الإدعاء البابوي حول العنف واللاعقلانية المنسوبة إلى الإسلام، وذلك من طريق:
o نفي جهاد الطلب، وقصره على جهاد الدفع.
o رسم عقلانية الإسلام من خلال موقف الأشعرية في رفض إيمان المقلد، وإيجاب النظر. وموقف المعتزلة في إيجاب الأصلح على الله تعالى.
o بيان تسامح الإسلام مع الديانات بعد الفتح الإسلامي.
o فضح السلوك المسيحي في العالم؛ احتلالا، ونهبا، وتقتيلا، واضطهادا.
وقد كان الصوت الأعلى هو صوت المطالب بالاعتذار، الحاث على غضبة إسلامية كبرى، ومحاولة دفع التهمة عن الإسلام والمسلمين. والذين قاموا بالرد بالمثل؛ أي ببيان فضائح الاعتقاد والسلوك النصراني في العالم كانوا قليلين، وليست لهم من الشهرة كالتي للذين اكتفوا بطلب الاعتذار، دون نقد للمسيحية عقيدة أو تاريخا.!!.
* * *
الاعتذار ؟.
نعود إلى السؤال المشروع، فنقول:
يطلب الاعتذار في العادة من المخطئ، بقصد الحد من الآثار السلبية التي تنجم عن الخطأ، من رد فعل غير ملائم، يضر بالجانبين: المخطئ، والمخطئ عليه.
فالاعتذار ينزع فتيل أزمة تكاد أن تقع بسبب ذلك الخطأ.
والأزمة ورد الفعل يقع من شعور المخطئ عليه بالإهانة، التي لحقت به، فيسعى في رد الاعتبار، وإزالة التشويه، وذلك بتقرير المخطئ بخطئه، أو بطريق آخر هو الرد بالمثل. فإن لم ينجح لجأ إلى التصادم، ورد الاعتبار بالقوة، ومن هنا تتدخل أطراف أخرى لمنع مثل هذا التصادم.
وفي حالة تصريح البابا، فإنه تسبب في الطعن في الإسلام والمسلمين، وتشويه الصورة، وفتح بابا ، المفتوح أصلا - للتصادم بين الإسلام والمسيحية، أو المسلمين والمسيحيين.
وهنا نفهم لم تصدت كل هذه القوى الإسلامية للرد، إنهم يقصدون: رد الاعتبار، وإزالة التشويه الذي لحق بالإسلام والمسلمين، ومنع التصادم بين الحضارة الإسلامية والمسيحية. ولأجلها طالبوا بالاعتذار، فكان الاعتذار وسيلتهم الوحيدة - تقريبا - في تحصيل هذه المقاصد.
لكن ألم يكن ثمة وسيلة أخرى لتحصيل هذه المقاصد ؟.
وبصورة أخرى: هل كانت وسيلة الاعتذار هي الوسيلة المثلى، التي لا تحمل معها أية آثار سلبية ؟.
في هذا التساؤل إثارة لمسألة سلبية الاعتذار، أو لنقل المحتوى الآخر للاعتذار غير ما ذكر، فإن للاعتذار وجها آخر غير تلك التي ذكرت في المقاصد، أغفلت، فلم يذكرها إلا القليل، وهي:
- أن على الطرفين ألا يبادرا بأي فعل فيه نقد وطعن تجاه الآخر، وهكذا يستطيع كل طرف أن يحاج الآخر، إن هو بادر بنقد أو طعن، بأنه خرج عن القاعدة والأصل، وعليه أن يعتذر.
وفي حالة تصريح البابا، فإن مطالبته بالاعتذار يحتوي ضمنا التعهد بعدم الطعن والنقد في المسيحية، فلا ينتقد المسلمون النصرانية، ولا يتكلمون في بطلانها، وتحريف كتابها، ومصادمتها للمعقول.
مع أن هذا النقد أمر من صميم دين الإسلام، وصميم الواجبات على المسلمين، لبيان الحق، والدعوة إليه، ودحض الباطل المبين، وعليه درج العلماء حينما ألفوا في بطلان النصرانية، كابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم، ومن المعاصرين: رحمت الله الهندي، وأبو زهرة..
فهذا هو الأساس الذي بنيت عليه فكرة الاعتذار، سكوت كل طرف عن الآخر، من مبدأ التساوي، وبه يمكن للمسيحيين أن يكفوا، وأن يطالبوا المسلمين بالمثل. لكن إذا كان نهج الإسلام هو الرد ونقض النصرانية، واتهامها بمخالفة المعقول والمنقول، فإن ذلك يضعف موقف المطالبين بالاعتذار.
فهل كان هؤلاء مدركون لمثل هذه النتيجة، أم إنهم مستعدون للكف عن نقد النصرانية ؟.
إن كانوا غير مدركين، فعليهم أن يدركوا.(2/169)
وإن كانوا مدركين، وهم مستعدون للكف وعدم الخوض في بطلان النصرانية، فتلك هي الداهية!!.
ويسأل عن سببها: هل هو إيمان بفكرة وحدة الأديان، أم شعور بالضعف ؟.
أما وحدة الأديان، فنبرؤهم منها، ونعيذهم، لكنا ذكرنا بها؛ لأن موقفهم ينسجم تماما مع فكرة وحدة الأديان، التي تقوم على اعتبار صحة جميع الأديان، وتساويها، ومن ثم فلا وجه لنقد أو طعن يوجه تجاه إحداها.
لكنه شعور بالضعف، يبدو، يحمل على السكوت أمام عدو نصراني كبير، يحمل معه كل أدوات التدمير، ويتحكم في مصير ملايين المسلمين. محاولة للإبقاء على المسلمين، نظرا إلى عدم تكافؤ القوى. وهذا هدف نبيل لا شك ..
غير أن المتابعة للأحداث تدل على: أن هذه الطريقة غير نافعة في تحصيل الهدف، بل ضارة، فإن على أهل الحق بيان الحق، وإن عذروا حينا، فلا يعذرون كل حين في السكوت على الباطل.
ومداراة المسيحيين ومحاباتهم، طلبا للسلامة وكف شرورهم، بهذه الطريقة لم تنجح، بل زادت شرهم، فمنذ عقود وبعض المسلمين في محاولة لمد جسور التواصل، والتقارب، والحوار، والتعايش.. إلخ، ولو بالسكوت عن نقد المسيحية، ودعوة المسيحيين للإسلام. لكن لم يظهر في الأفق المسيحي سوى العدوان الصريح، فهم الذين احتلوا: أفغانستان، والعراق، والشيشان، ودمروا البوسنة، وكوسوفا، ولبنان، وهم الداعمون لإسرائيل، وقد عبروا عن صليبيتهم في كلمة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الأخيرة: "إنها حرب صليبية"، وموقفهم من الرسومات المسيئة للنبي واضح، فدول أوربية كثيرة حذت حذوا الدنمارك، آخرها النرويج قبل أيام، أعادت نشر الصور، ثم هذا البابا يخرج بمثل هذه التصريحات، مع أن الفاتيكان هي الراعية للحوار بين الحضارات.
فكل ما بذله هؤلاء المسلمون من الحوار، والتقارب، والتعايش، والذي حملهم على السكوت عن نقد النصرانية، لم يفد بشيء، بل زاد من هجمتهم ضد الإسلام، وصدق ربنا إذ يقول:
- {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }.
فهذا موقف خاطئ من هذه المنظمات والشخصيات المطالبة بالاعتذار، خطأ واقعا، كما تقدم، وخطأ شرعا، فإن الشرع يأمر بقولة الحق، والصدع بها، لا عقد تحالفات لغض النظر عن فساد المعتقدات، والسكوت عن بيان الحق، مهما كانت الدعاوى، من ضعف أو عجز، فإنه إذا نظرنا في تاريخ الدعوة، فإن الدين كان ضعيفا، ثم مازال يقوى بالدعوة والبلاغ؛ ببيان محاسن الإسلام، ومساوئ ما سواه، ومن ذلك النصرانية، وعلى هذا درج القرآن. فإذا ما اتخذ مبدأ السكوت بداعي الضعف، فمتى يهدى الناس إلى الإسلام، ومتى ينتشر ويقوى، وقد علم أن قوته إنما تتحصل بالدعوة والبلاغ، التي تزيد من أتباعه المتمسكين به ؟!.
* * *
إن الموقف الصحيح في الرد على البابا، وكل تصريح من هذا النوع، هو:
الرد بالمثل، وفي التاريخ والدين النصراني من النقاط السوداء الكبيرة ما لا تعجز ناقدا، حتى لو كان عاميا؛ ببيان فساد المعتقد النصراني، ومعارضته للعقل، وللرحمة، وتأييد ذلك بالتاريخ المسيحي:
- فالتلثيث، والصلب، والفداء، والعشاء الرباني، عقائد مسيحية معارضة للعقل، كانت سببا في ردة طائفة من النصارى، ورفضها للمسيحية.
- وتاريخ الحروب الصليببية شاهد على دموية، وعنف، وإرهاب المسيحيين، منذ أيام الحاكم الروماني قسطنطين، ونيرون، واضطهاد الكاثوليك - حزب البابا- للآرذثوكس في مصر وغيرها، والآريوسيين، وما حدث في حقهم من مجازر أمر لا يخفى.
- كما أن محاكم التفتيش في أسبانيا، والتي قتل فيها مئات الآلاف من المسلمين على الهوية الإسلامية، تركت ندبة سوداء في تاريخ أوربا المسيحية.
- ومثلها ما حدث من تطهير عرقي في البوسنة، وتحديدا في سربرنتشا، تحت سمع وبصر، بل وعون النيتو، والأمم المتحدة، ودول أوربا، وأمريكا، سفك الدم الحرام لما يزيد عن ثمانية آلاف مسلم، قتلوا بدم بارد، ودفنوا في مقابر جماعية، هذا عدى إجرام أمريكا الصليبية في أفغانستان، والعراق، حيث قتل مئات الآلاف.
فبعد كل هذا، ألا يستحي البابا من اتهام المسلمين بالعنف واللاعقلانية ؟!.
وألم يجد الذين غضبوا من تصريحه حلا لرد الاعتبار سوى المطالبة الاعتذار ؟!.
إن صفحة المسيحيين سوداء مخزية مليئة بالإجرام، كان يكفي هؤلاء المخلصين أن يسلطوا الضوء على إحداها، بدل المطالبة بالاعتذار. الاعتذار يعطيه قيمة، ويرسخ مفهوم التساوي والسكوت عن بيان الحق فيهم، وهذه هي الداهية ؟!.
كان عليهم بعده التعريج على محاسن الإسلام، وصنائعه المباركة في العالم وتاريخه أجمع، حتى شهد بعدله وبره وإحسانه وقسطه المنصفون من أتباع الديانات، من كاثوليك، وآرثوذكس.
إنها لفرصة تاريخية لإحياء الدعوة إلى الإسلام من جديد، في العالم كله، وفضح الدين المسيحي في عقيدته وتاريخيه، كان من الواجب استغلالها؛ بنشر المؤلفات الميسرة للذكر والفهم، بكافة اللغات، وبالبرامج والمحاضرات والندوات الفضائية المكثفة، على نطاق شامل وواسع؛ لتكون تصريحات البابا أداة وصولها إلى الإسماع في الأصقاع.
لكن وبدلا من ذلك، اتجه الحل إلى المطالبة بالاعتذار، واستنفد هؤلاء المخلصون جهدهم ورأيهم وكلمتهم فيه، مع تمنع وتمتع نصراني بهذا الإلحاح، ثم لم يخرجوا من البابا بشيء يذكر، ففي كل مرة يخرج فيها، يربت على أكتاف الغاضبين، يهدئ من روعهم، ويقول لهم كمعلم: هذه الحقيقة، فاسمعوها، ولو غضبتم.. فنحن نعمل على ترشيدكم، وترقيتكم إلى ما هو أسمى. !!..
هذا هو معنى أسفه من سوء فهم المسلمين كلامه، وعدم اعتذاره..
لدينا خلل في التعاطي مع المخالفين، بين من لا يرى إلا السيف معهم، حلا وحيدا، وبين من لا يرى سوى التقارب والكف حتى عن بيان الحق فيهم، تحت ذرائع شتى.
لكن أين من يقول لهم: نحن لا نتعدي عليكم، لكن دينكم باطل.. نحن لا نظلمكم، لكنكم ضالون.. نحن نحب لكم الخير، فتعالوا إلى الإسلام.. أنتم في شقاء، فتعالوا إلى الراحة والنعيم.. أنتم في ضيق وظلمة.. فتعالوا إلى السعة والنور.. وصدق الله تعالى إذ يقول:
- {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.
=================
#عدوى محاربة الإسلام تنتقل إلى البابا: من يقطع عنا لسان الراهب الكاثوليكي؟
16-9-2006
بقلم مصطفى فرحات
لم يعد التهجم على الإسلام يتم بطرق ملتوية وأساليب ماكرة تُخفي من الشر والحقد أكثر مما تُظهر، لأنها أضحت اليوم تتم بطرق سافرة مكشوفة، رضيها من رضيها، وسخطها من سخطها، فهي تذاع اليوم عبر الأثير وتتخاطفها الجرائد بدعوى السبق والإثارة الإعلامية واحترام حرية الصحافة والرأي الآخر.
ونجوم هذا الوباء الجديد الذي نُسميه "طاعون سبّ الإسلام" تتمايز ثقافاتهم وأجناسهم ووظائفهم، وتتفق غاياتهم وعواقب أفعالهم، فهم على رأي كاهن الحي: "ما بين كاتب مشهور وآخر مغمور، وفنانة ساقطة وأخرى لكل عيب لاقطة، ونجم كرة أفلت أيامه، وتناقصت في حسابات المصارف أرقامه، ورسام أربكته الأقراص المهلوسة، وأحاطت به النفوس الموسوسة، وحاكم اغتر بالسطوة، واستعبد الناس بالقوة، وأخيرا، وليس آخرا، راهب اعتزل العبادة، ونبذ الزهادة، واتصل مع الله بحبل مقطوع، واغترّ بتأليه يسوع، فلم يجد أمامه بدا سوى الغض من دين الإسلام، بعدما ألقى أجداده دهورا إليه الأزمة والخطام، ودفعوا الجزية وهم صاغرون".(2/170)
في الحقيقة، لا يمكن أن يُكتب موضوع يتسم بالجدية دون الجنوح إلى السخرية حول انتقاد بابا الكنسية الكاثوليكية جوزيف راتزينغر، الملقب بينيدكت السادس عشر، للإسلام واتهامه بأنه دين عنيف، وأن إله المسلمين ـ كما يقول ـ لا علاقة له بالعقل. لأنه وبكل بساطة، الكاثوليك، وخاصة كبيرهم وكاهنهم الأكبر، هم أبعد الناس عن المنطق عندما يدعون إلى دين لا يفهم كبراؤهم معنى عقيدة التثليث وانفصال الأقانيم وتوحدها فيه، وامتزاج اللاهوت بالناسوت في طبيعة يسوع المسيح عليه السلام.
وأذكر أنني ناظرت أحد المنصرين الطاعنين في الإسلام، قبل سنوات، فلما حاججته وألجأته إلى ضيق من أمره، تبرّم وقال لي بأن الإيمان لا يخضع للمنطق، ولا يمكن أن يُستدلّ له! فقلت له مستغربا: وكيف تطالب الناس باعتناق دين لا يمكنك التدليل على صحته! وكان آخر العهد به.
اعتاد المسلمون على التحرك بردود الأفعال، وهم في حياة الخمول التي يعيشها كثيرون منهم، يتصيّدون الفرص التي تمكّنهم من صب جام غضبهم على كل شيء.. وتدفعهم من ثمّ إلى ممارسة العنف المضاد غير المدروس تجاه عنف مدروس يريد أن يُثبت مرة أخرى أن المسلمين هم مصدر الإرهاب والعنف في العالم.. لأنهم يمارسون العنف في دعوتهم إلى دينهم كما يمارسون العنف للدفاع عنه، وهكذا.
وينساق كثيرون أيضا لتبرير كل تهمة تُلصق بالإسلام، ولو اقتضى الأمر إخفاء أجزاء من معالمه اللامعة المشرقة، بدعوى أن المدنية الحديثة ترى من أمداحنا له ذما يُركّب على ذمّ أنشأوه. فعندما يقولون إن الإسلام دين العنف نسارع لنفي ذلك إلى درجة تجعل بعضنا يود لو أنه لم ترد كلمة جهاد لفظا ولا معنى في هذا الدين. وعندما يقولون إن الإسلام دين الجهل، نُسارع إليهم ونسرد عليهم صفحات طوالا من كتاب زيغريد هونكه (شمس العرب تسطع على الغرب)، مرفقة بقائمة طويلة لأسماء من وزن ابن رشد وابن سينا والفارابي والرازي، وكأننا نذكّرهم، هم الذين لا ينسون التاريخ الذي تناسيناه، بأن أولئك الأعلام وغيرهم كانوا المطية التي نقلت نور المعرفة الذي أنار ظلام الغرب الذي زاده طغيان ملوكه ونفاق رهبانه حلكة على ظلمة.
لهذه الأسباب لا يصلح استعمال أسلوب "الردّ المفصل على الاتهام المجمل"، الذي يطلقه الغرب تجاهنا. فنحن وهم على طرفي نقيض في مرحلة الصراع. ونحن نرى كيف يتحاشون ذكر اليهود بالتلميح بَلْهَ التصريح، لأنهم تطاولوا حتى على دينهم وبرؤوا اليهود من دم المسيح الذي ترتكز عقيدتهم على أنه ضحى بنفسه ليُخلّص العالم!
ونعود فنذكّر أن التحرك بردود الأفعال لم، ولن، يكون سليما أو صحيحا، لأنه سيجعلنا كالمجانين، نتسابق إلى إخماد نيران يوقدونها هنا وهناك، مع أن الواجب يُحتّم علينا أن نُواجه من يُشعلها لا أن نحمل عبء رجال المطافئ.
الغرب اليوم اتحدت كلمته على مناوءة الإسلام ومحاربته، لأن الإسلام هو المشروع الوحيد الذي يعيق إحكام النظام العالمي الجديد قبضته على العالم، رغم إمكانياته الكبيرة، لأن أناسا مؤمنين يحملون حضارة متجذّرة تواجه الطغيان العالمي وتصلح خلله وتعيد إليه توازنه، وإن تصرّف بعضهم بعنف زائد، وإن سطّح بعضهم حقيقة الصراع العالمي، وإن انحرف بعضهم عن المفهوم الحقيقي للإسلام.
لم يمت عشرات الملايين من الناس في حربين كونيتين باسم الإسلام، ولم تُلق القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي باسم الإسلام، ولم تُلق آلاف الأطنان من القمح والغذاء في البحر حفاظا على الأسعار باسم الإسلام، ولم تُحتلّ دول العالم الثالث باسم الإسلام، وهي اليوم من العالم الثالث لأن ملوك العالم الأول حطموها بعدما استنزفوا خيراتها ونهبوا ثرواتها وجوّعوا شعوبها وحرموهم من حقهم في العلم والمعرفة.
فلنكفّ إذا عن أساليبنا الانهزامية.. وإلا، فليخبرنا بابا الكاثوليك كيف كان أحد الموالين لنظام هتلر الذي فعل ما فعل، وكيف قدّم مشروع الوحدة الأوروبية على أنها يجب أن تكون وحدة دينية بين الكاثوليك فقط، دون غيرهم، وهو المشروع الذي رفضه الاتحاد الأوروبي في حينه بناء على أن أصل الاتحاد هو الدول وليس الدين، وكيف تحول اليوم إلى مسوّق للنظريات الأمريكية في أوروبا، حتى عدّته تقارير إستراتيجية على أنه رجل التقارب الأمريكي اليهودي الأوروبي، ربما استعدادا لمعركة "هرمجدون"!
==============
#تُثِيرُ النقعَ موعدها " روما " !
الكاتب : بياض الطرس
15 -9 -20006
بسم الله الرحمن الرحيم
تفوه رأسُ الكفر ، وأبو التثليث ، وأسيرُ المستحيل ، بابا الفاتيكان المخذول يوم أمس على سيّده وسيّد آبائه الأولين محمد صلى الله عليه وسلم !
وهذا ليس بمستغرب ممن جهل أعظمَ شيء ، وفاته أرفعُ شيء ، أعني به توحيد الإله !
ولكن المستغرب هو وضع صحفنا " الغبراء " ، والتي نراها تفرد الملاحقَ الطوالَ الأسطُرِ حين يهلك سافل كلمة ، وأديب إلحاد ، ومجةُ باطل ! بينما هي تنشر وعلى استحياءِ مُومِس استنكارات بعض الجهات الرسمية في العالم الإسلامي لمقولات هذا البابا !
لكن لا بأس ، فمنذ متى ظننا بهم خيرا ؟! أو جاءنا منهم خير ؟! بل إن شرف الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستحقه هؤلاء ! فمكانهم الطبيعي - حين يحزنون ! - هو البكاء على لبنان من الناحية السياحية فقط !
لكنَّ أمضّ الحزن ، وأشدّ الغضب الذي يعترينا هو عجزنا أن نفعل لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم شيئاً ! وماذا عسانا أن نفعل وبعض أمتنا لا يغار حتى على الله تعالى ولا على رسله الكرام صلى الله عليهم وسلم ! وقد رأينا بالأمس القريب وبين ظهرانينا - وليس في روما الموعودة بفتحنا إن شاء الله تعالى - من يُمجد شاتم الله ورسله عليهم السلام ! ومن فقد فهمَ عقيدته فَقَدَ كرامته ! وليّت بعضنا يعلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أُتي برجل سب النبي صلى الله عليه وسلم فقتله ! ثم قال : من سب الله ورسوله أو سب أحداً من الأنبياء فاقتلوه !بل إن بعض العلماء قد قال بأن شاتم الرسول عليه الصلاة والسلام لا يُستتاب ؛ بل يُقتل على الفور !
لكنه زمن العجائب والمنكرات التي صارت معروفاً ؛ بل وورعاً يُحمد الذابُ فيها عن الوالغين في دين الله ، والمتخوضين في أعراض أنبيائه عليهم صلوات الله وسلامه !
إن الأمة فقدت بفقدها عقيدتها كامل كرامتها ! وإن الجهل الذي غيّبَ هذه الأمة عن أصل دينها ، وأس عقيدتها ، وجعل الكثير من جهلتنا يترحمون قبل سُنيّات من الآن على أديب نصراني - إدوارد سعيد - كفيل - أي الجهل - أن نرى بعده من يُحسن الحديث عن الإرهاب ولا ينبس ببنت شفة في الدفاع عن عرض محمد صلى الله عليه وسلم حين يُتهم بالارهاب !
إنه الجهل ، والنفاق الذي أسس وكرّس الجهل ، ومعه الإرجاء الذي وسّع معذرة الزنديق هرباً من التكفير - وياله من ورعٍ بارد - ! ومعهم علماء العصرنة الذين كاد رأسهم في هذا الزمان أن يترحم على الهالك السابق للفاتيكان البابا يوحنا بولس الثاني - وأظنه قد ترحم عليه - !
هو من عند أنفسنا تسليط أعدائنا علينا بالسلاح واللفظ والتجريح !
هو من عند أنفسنا ومدارس فقهية عتيقة في عالمنا الإسلامي تدعو إلى وحدة الأديان و" أبناء إبراهيم " الذين يبرأ منهم إبراهيم عليه السلام !
هو من عند أنفسنا وألسنة بعضنا تفري من قال حقاً ، وتبغي المعذرة لمن قال زندقةً !
هذا الذي عندنا ، وأما بابا الشر والقذارة والنتن فله نقول :
إن محمد - صلى الإله عليه وسلم - ، ودين محمد ، ورجال محمد ، لم ينشروا القتل بل نشروا الرحمة !(2/171)
والقتل والنكث ديدنك وديدن أجدادك الصليبيين الذين ولغت أفراسهم في دماء المسلمين في القدس وقتلوا في يوم واحد ما يعرفه قرّاء التاريخ -قتل الصليبيون في ذلك اليوم 70 ألف مسلم موحد من العزل وجمعوا اليهود وحرقوهم فى كنيسهم وبلغت الدماء ركب الخيول وبقى القتل مستمراً في المسلمين لمدة أسبوع!! بينما صلاح الدين قد عفا عنهم وردهم إلى بلادهم ؛ فأين المقارنة ؟! - !
وأما نبيُّ الرحمة ، ودين الرحمة ، وأمة الرحمة ، فقد سجل لهم التاريخ أنصع الملائكية في نشر الحق ، وإسبال العطف !
فهذا نبي الهدى رآه أصحابه وهو يرفع يديه حين قتل خالد بن الوليد بني جذيمة وهو - أي خالد - متأول في ذلك فيقول عليه الصلاة والسلام : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ! وأرسل "عليًا بن أبي طالب" بعدها لدفع دية قتلى "بني جذيمة !!
فهل فعل أجدادك الصليبيون - وحاشاهم - مثل ذلك حين احتلوا القدس !!
وهل فعلت محاكم التفتيش الرهيبة في الأندلس مثل ذلك ؟!
وهل فعلت حضارتكم - مكنَّ الله المسلمين منها - مثل ذلك في العراق وأفغانستان وفلسطين ؟!
إنه نبي الرحمة الذي يقول لحبه وابن حبه أسامة بن زيد حين قتل محارباً قال " لا إله إلا الله " فظنه قالها خوفاً من السيف : أشققت عن قلبه ؟!
ولا شك أنك تعلم - أيا حاقد - بأن الإسلام كانت غايته في الجهاد تذليل الدعوة إلى الله ! ولا أدلَّ من هذا سوى الشروط المتدرجة في لقاء العدو : الإسلام أو الجزية أو القتال !
!=============
#تصريحات البابا
16-9-2006
بقلم جمال سلطان
التصريحات المثيرة التي أدلى بها بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر قبل أيام في محاضرته التي ألقاها بجامعة رتيسبون الألمانية، والتي تعرض فيها بالإهانة للعقيدة الإسلامية وللنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بصورة غير مسبوقة من رمز ديني كبير، بقدر ما تكشف عن غياب للحكمة واللياقة، بقدر ما تكشف عن أزمة كبيرة في الكنيسة الكاثوليكية، هناك انهيار في القناعات الدينية لدى الأجيال الجديدة في الغرب، وفي أوربا تحديدا، وهناك شكاوى من انصراف الناس عن الكنيسة وعن المسيحية إلى عقائد أخرى وخاصة إلى الإسلام.
كما أن التقارير المنشورة تفيد بأن عدد الداخلين في الإسلام في الغرب في تزايد مستمر، بل إنه زاد بعد أحداث سبتمبر الأمريكية رغم أن المظنون كان العكس، وذلك أن الأحداث حركت الفضول الغربي نحو معرفة الإسلام الذي أثار كل هذا الضجيج والجدل، والقاعدة المضطردة على مدار التاريخ أن كل اقتراب من دراسة الإسلام بروح منفتحة ينتهي بصاحبه إلى شهادة التوحيد، وأعتقد أن هذه الحقائق كلها كانت حاضرة أمام بابا الفاتيكان وهو ينحرف بكلامه فجأة بدون أي داع أو معنى نحو هجاء الإسلام ونبي الإسلام.
أيضا هناك بعد شخصي في المسألة يتعلق بشخصية بنديكت نفسه، لأنه يحمل حساسية خاصة ـ ولا أريد أن أقول كراهية ـ تجاه الإسلام والمسلمين تجلت في العديد من مواقفه السابقة حتى قبل توليه منصب البابوية، فهو صاحب الموقف المتطرف الشهير الرافض لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي، حيث اعتبرها لا تتجانس مع "أوربا المسيحية" في إشارة إلى الديانة الإسلامية في تركيا، كذلك حشر نفسه مرارا في التعليق على الفكر الإسلامي وتسييس الإسلام بدون أي معنى، إضافة إلى تصريحاته الأخرى التي يعلن فيها عن تحالف الكنيسة الكاثوليكية مع الإدارة الأمريكية الحالية، وهي المعروف عنها ميولها الأصولية المسيحية المتطرفة، كذلك علاقاته الوثيقة مع الحركات اليهودية وحرصه الكبير على التودد لكل ما هو يهودي، ديانة أو تاريخا أو ثقافة أو موقفا سياسيا.
واللافت للنظر أن البابا عندما أراد تجريح دين الإسلام لجأ إلى قراءة سطور من كتاب قديم، بما يعني أن "أجواء التاريخ" بكل ثقله وصراعاته وسوداويته حاضرة في مشاعر البابا، وهذا مؤشر خطير يطرح أكثر من علامة استفهام حول فكرة الحوار بين الأديان التي يقودها الفاتيكان ويسهم فيها علماء مسلمون، أيضا يستدعي ذلك التأمل في مسألة التستر بانتقاد الحركات المتشددة للطعن في الإسلام، فالبابا كشف عن أن الكراهية متوجهة للإسلام ذاته، بغض النظر عن المتطرفين فيه أو المعتدلين.
بالمقابل أعتقد أن ردود الفعل الإسلامية ينبغي أن لا تستدرج إلى مساحات العنف والخطاب غير العقلاني، لأن الاعتدال والعقلانية في الموقف الإسلامي تكون أكثر بلاغا وإفحاما لرعونة رأس الكنيسة الكاثوليكية، خاصة وأن موقف البابا مثل إساءة، بل فضيحة للكنيسة الكاثوليكية أكثر منه إساءة للإسلام، كذلك أتمنى أن تمتنع الحركات الإسلامية عن رد الفعل العنيف أو لغة التهديدات، لأن هذا لا يليق في مثل هذه المواقف، كما أنه سوف يسيء حتما إلى الموقف الإسلامي لو حدث.
لقد ارتكب بابا الفاتيكان حماقة حقيقية، ولكن دعوا أصحاب القلم والعلم والرأي يجيبونه، وإن كان هذا بطبيعة الحال لا يحجر على الموقف الشعبي الإسلامي من أن يعبر عن غضبه بالتظاهر السلمي، فهذا حق مشروع، وفي المحصلة فإن القرآن الكريم يوجهنا بتوجيهه النبيل الكريم "خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين".
=============
#الثالوث المسيحي النكد: البابا وبوش وبلير وحاجتهم للحرب مع الإسلام
17-9-2006
بقلم د. محمد الأحمري
الغربيون الذين كتبوا وتابعوا مواقف الأصوليين المتطرفين الثلاثة: "بوش والبابا وبلير" يرون أنهم يمثلون موقفا موحدا مليئا بالحقد والكراهية للإسلام وللمسلمين، وكانت بداية أفكارهم ظاهرة في ميولهم الديني المتعصب للمسيحية، -وقد ناقشته مجلتان شهيرتان "نيوز ويك" الأمريكية و"نيوستاسمان" البريطانية، فيما يتعلق ببلير قبل تسلمه الرئاسة- وكراهيتهم لمن يخرج عنها، وكراهيتهم للعلمانيين عندهم، وهي أزمات دينية داخلية عميقة في بلدانهم، أهم هذه المشكلات أن بلدانهم قطعت شوطا في التسامح العام مع الشعوب والديانات الأخرى.
ونالت شيئا من التسامح، الجالية المسلمة القاطنة في الغرب، وكان حقدهم في البدء موجها للعلمانية الغربية، ولظواهر التسامح مع غير المسيحيين، وكراهيتهم للموجة العلمانية التي أعطت بعضا من الحريات وتعددا في الأديان، وأنتجت مجتمعا خرج عن تزمتهم الديني، وأنجب شبابا من الجنسين منهم من لم يعد مباليا بأي دين أو أسلم، وأنتجت موظفين كبارا في مواقع مهمة لا يعطون الأولوية في حياتهم لمعاداة غير المسيحيين، وزاد من أزمتهم تطرف بعض العلمانيين ولا مبالاتهم تجاه المشكلات الجنسية والشذوذ والإجهاض، وكثير من محظورات الكنيسة.
وقد حُشي هؤلاء الثلاثة بكراهية للمسلمين، كراهية تفوق الوصف، فاستدعى هؤلاء المواقف المسيحية المتطرفة والمعادية للإسلام عبر العصور، وأحيوا القيم المتعصبة التي يسميها بلير "قيمنا" ويطالب بعودتها، وهي التعصب للمسيحية، والحروب الدينية، وعودة الاحتلال للشعوب الأخرى، وسرقة ما يمكن سرقته من ثرواتها، اثنان من هذا الثالوث لم يفكرا فقط في استعادة الحروب الصليبية على المسلمين بل مارسوها، ودعوا لها، وحثوا شعوبهم ومثقفيهم وإعلامهم عليها، وكذبوا ونصبوا، ليحيوا الحروب الصليبية والمواجهات الدامية بين الإسلام والمسيحية.
ونحن لم نخترع هذا الثلاثي المتعصب، بل هو يعلن عن نفسه في كل مناسبة وبلا مناسبة، كما تصرف البابا أخيرا.(2/172)
ثم يزعم هؤلاء بأن المسلمين متعصبون ومسلحون وإرهابيون، وهم هم الذين يحتفلون كل يوم بمذبحة للمسلمين ويفاخرون بها، وبارتفاع عدد المذبوحين من المسلمين، وكل ذبيح لهم "إرهابي" ولو كان عجوزا منهكا أو طفلا في أيامه الأولى. ومن يتابع الإعلام الأمريكي يرى ويسمع الحفلات اليومية بقتل أعداد كبيرة من المسلمين «الإرهابيين"، فكل مسلم يقتل فهو إرهابي!!
والشبكة الليبرالية الغربية من مفكرين وكتاب وصحف، وجماعات حقوق إنسان، ومؤسسات تراجعت منهزمة مقهورة أمام التعصب والتطرف المسيحي الذي يمثله هذا الثلاثي النكد، وقد كانت أحداث سبتمبر خير هدية وقعت بأيديهم ليستنهضوا شعوبهم على المواجهة الصليبية، وكما يشنون حربا على المسلمين مسلحة مبيدة فهم يقاتلون على جبهتين؛ الأولى داخل بلادهم يتخلصون من خلالها من الإنسانيين والعقلاء والمعتدلين، والعلمانيين بين شعوبهم، ويحاربون ويحاولون قهر الإسلام على أراضيهم، فقد أضعفوا المؤسسات ونشروا الرعب والخوف واليأس في قلوب المسلمين المقيمين في الغرب، والثانية، خارج بلادهم، حيث شرّعوا للمذابح والإبادة، وحددوا الإسلام بأنه عدوهم الذي جعلوه التحدي الأكبر بعد الشيوعية، قبل أحداث سبتمبر.
البابا الهالك -قبل هذا المتعصب الأعمى- كان أهم شخصية بابوية منذ قرون، فقد عمل مع الولايات المتحدة عملا جبارا لتجنيد المسيحية ضد الشيوعية، واستخدمت أمريكا وبريطانيا وبقية الدول الغربية البابوية لحرب الشيوعيين في العالم، ويعتبر نجاح حركة التضامن البولندية من أبرز نماذج الحرب الدينية ضد الشيوعية، وقد اتجه البابا الجديد ليمارس إرهابه الديني ضد المسلمين، يستنهض النصارى في العالم على خصومهم المسلمين، ويستعين بمخلفات الحروب الصليبية من كتب وباباوات وحروب وسياسات، وستمثل الواجهة الدينية والثقافية والعنصرية السياسية لحملات الصليبية التي ينوون تطويرها في بلدان أخرى.
قالوا مرة لستالين إن البابا مستاء من الشيوعيين، فرد بقوله: كم عند البابا من فيالق؟ أي أنه لا جيش لديه، إن الحقيقة غابت عن ستالين، فإن البابا قد أضرّ فيما بعد بالشيوعية، أكثر من جميع الجيوش، وكان من أقوى الذين ساهموا في هدمها، - وحسنا فعل- فلا تستهينوا بهذا البابا، ولا بحربه الجديدة على الإسلام، فهو يحرك الكثير من القلوب والأيدي للكاثوليك في العالم، بل ربما حرك كثير من البروتستانت، كما فعلت المستشارة الألمانية "ميركل" في ألمانيا التي خرجت لنصرة البابا، وهي تمثل الخط الألماني المناصر للثلاني المتعصب. وقد تعين المتطرفين في بلادها لتنضج الأحقاد ضد المسلمين.
الغرب المسيحي اليوم بأشد الحاجة لأن يعلن الحرب ويعلي من صوت الهجاء والشتم والقول بأن المسلمين فاشيون وإرهابيون، ويحملون السلاح لنصرة دينهم، وسوف يستمر هؤلاء ومن على شاكلتهم في الحرب الدينية ضد المسلمين، لأسباب داخلية؛ ليستعيدوا بها التحدي ضد المؤمنين، وليحيوا الأرواح العلمانية الميتة، وليوقفوا المد الإسلامي. وليكسبوا أرضا وثروات، وليستعبدوا شعوبا، وليقتلوا المزيد -بحجة الإرهاب-، وليعيدوهم للقرون الوسطى، للأسف لم يرو ضمأ هؤلاء للدماء قرابة ثلاثمائة ألف من المسلمين قتلوهم بعد أحداث سبتمبر من أفغانستان إلى العراق ولبنان، وحملة الإبادة المنظمة في فلسطين يباركها الثلاثي النكد، الذي يؤيدها ويسلحها، ويهجو ويشوه ويبرر قتل المسلمين فهم إرهابيون دائما.
والنازيون الصهاينة والنصارى دائما يصورون أنفسهم بأنهم رسل حضارة وتقدم، فهذا البابا وصاحباه لا يتحدثون عن تاريخ المذابح والحروب الدينية المخزية عبر مئات السنين التي شنوها قديما، في قارتهم "كحرب المائة عام، وحرب الأربعين عاما، بل يديرون حربا الآن، ويأملون في المزيد منها غدا، ولم يزالوا يقتلون، ثم يسمون جميع ضحاياهم إرهابيين، أو دعاة للإسلام بالسلاح، ويسمون إبادتهم: دعوة للسلام والحرية والديمقراطية!!
إنهم هم فقط لهم حق القتل والإبادة، ويجب أن يقبل المسلمون بالموت وأن يعتبروه حرية وتقدم وتطور وسلاما مسيحيا!!
إنهم يريدون التغطية على جرائمهم بنشر التشويه لسمعة وصورة المسلمين في العالم، وهم بأشد الحاجة لنشر الكراهية والحقد على المسلمين حتى يبرروا إبادتهم، ويبعدوا شعوبهم من جاذبية الإسلام!
هذا البابا نفسه اشتكى من الليبراليين الذين يسيئون للمسيحية بنشر فيلم "شفرة دافنشي"، وأشار إلى أنه لو كانت الإساءة للمسلمين لكان الموقف غير ذلك! إنها أيضا عقدة نقص أمام حمية المسلمين لدينهم، فأراد أن يكسر هذه الحمية، ويشارك في القهر والتشويه، ويحيي ويثير الذين لا يتعصبون للنصرانية!! إنه يريد إعادة الحقد بقوة للمسيحية، وللمسيحيين، ويريد أن يبعث الحمية لدينه وذاته بالتعرض للآخرين.
إنها النازية الدينية المتجددة التي لا نتوقع سواها من هؤلاء المتعصبين، ويبقى على قوى الخير والتسامح في العالم أن تقف في وجه هذا الكذب، وهذا الإرهاب الديني المتجدد، فكرا وممارسة، والنازية التي لا تروى من دماء المسلمين، ولا توفر أرضا ولا عرضا ولا برا ولا بحرا إلا لوّثته، هذه النازية المسيحية، من المهم لعقلاء العالم أن يوقفوها، فهي سفه وحقد ينتج مذابح وشرور لا تنتهي، وتغلف شرورها بكل اسم كاذب وملطف بعيد عن الحقيقة!!
================
#لرد على البابا للدكتور شوقي أبو خليل
بسم الله ، والحمد لله ، أما بعد...
فقد ألقى قداسة البابا بنديكتس السادس عشر محاضرة في جنوب ألمانية يوم الثلاثاء بتاريخ 12/9/2006م ، بجامعة ريغينسبورغ ، هاجم فيها الإسلام ونبيه بالاسم .
أهم ما جاء في هذه المحاضرة :
- انتشار الإسلام بالسيف ، وأن الإسلام دين عنف .
* ما جاء به محمد لا يتقبله العقل ، وقد استشهد على ذلك بنص قديم لإمبراطور بيزنطي اسمه مانويل الثاني جاء فيه : إن محمداً لم يأت إلا بما هو سيء.
الرد :
أولاً : أقول : إن من حّقنا الرّدّ إذا كان هناك هجوم وافتراء تناول أقدس ما نعتقد به ، وهو دينا ونبينا صلى الله عليه وسلم ، ولكننا نرد رداً حضارياً علمياً ، وسنعرض الحجج حجةً حجة ، كما أننا ندين إحراق الكنائس ، لأن الإسلام الذي هاجمه قداسة البابا لا يسمح بذلك .
ثانياً : حينما يستشهد محاضر بنص ، فإن استشهاده هذا يكون إما لتأييد رأيه والبرهنة على سلامة فكره وصواب طرحه ، أو لنقض النص و تفنيده وإثبات زيفه ، وهذا ما لم يقم به قداسة البابا ، إذن فكلامه محسوب عليه مادام لم يعلق .
وكنت أتمنى لو أنه قدم أمثلة وشواهد تثبت أقواله ، فالاتهام - كما نعلم - يسير جداً ، إنْ هي إلا كلمات تقال ، ولكن البرهنة على الادعاء والاتهام أمر مطلوب علمياً ، فالادعاء يحتاج إلى دليل ، لاسيما أنه لم يذكر رد المحاوِر المسلم على الإمبراطور .
فالآراء التي قدمها قداسة البابا ما هي إلا جهل نربأ به عن عاميّ ، فكيف بقداسته وهو يشغل مكانة رفيعة ؟!
ونتساءل ! لماذا لم يستشهد بنصوص أخرى وثّقت سماحة المسلمين الفاتحين وعدالتهم وإنسانيتهم ، وإصرارهم على الحرية الدينية لكل الشعوب ، مثل النصوص التي جمعها السير توماس آرنولد في كتابه ( الدعوة إلى الإسلام ) ؟.
وقبل تفنيد ما قاله قداسة البابا أذكره بقول الدكتورة آنا ماري شمل ، زعيمة الاستشراق في بلده ألمانيا :
"الإسلام مثل نمطي لتلك التأويلات الظالمة المشوهة "
(الإسلام كبديل ، لمراد هو فمان ،المقدمة).(2/173)
وروجيه غارودي قال حرفياً في دمشق : " إن الغرب لم يدرس الإسلام دراسة صحيحة وذلك حتى في الجامعات الغربية ، و مع الأسف ربما كان هذا مقصوداً ".
اعتذار البابا ليس هو الاعتذار المطلوب :
وأقول: إن أسفك _ يا قداسة البابا _ على ردود الفعل التي حدثت في العالم الإسلامي في موعظتك يوم الأحد 17/9/2006م ، لا يعني الاعتذار المطلوب ، فالاعتذار إنما يكون عما قلتَه خطأ وافتراءً .
ووصمك الناس أنهم أساؤوا فهم ما قلته ، خطأ آخر يتهم الناس بسوء الفهم والجهل لاسيما أن ماضيك لا يشفع لك ، بل إنه يؤكد معاداتك للإسلام بتصريحات معروفة عن تركيا والسوق الأوربية ، كذلك دعوتك عند تنصيبك للحوار مع اليهودية ، واليهود في العالم لا يزيدون عن عشرين مليون نسمة ، متجاهلاً الحوار مع مليار و مئة مليون مسلم!
فرعبك من (اللاسامية) جعلك تطالب بفتح الحوار مع اليهودية ، لكنك تغلق هذا الحوار مع الإسلام بل وتهاجمه وتهاجم نبيه بالاسم ، لا سيما بعد الحرب الصليبية التي أعلنها بوش الابن واتهامه المسلمين بالفاشية.
عدم اطلاع البابا على التاريخ الإسلامي :
وليتك - يا قداسة البابا - قرأت مرة واحدة وصية أبي بكر الصديق لجيش أسامة بن زيد و التي جاء فيها :
" لا تغدروا ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلا ًصغيراً ، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوا ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة .. ولا تذبحوا شاه ولا بعيراً إلا لمأكله ، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم له.
(الطبري 3/266، الكامل في التاريخ 2/227).
وليتك قرأت العهدة العمرية مرة واحدة ، و نصها :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء ]القدس [من الأمان : أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسهم وصلبانهم ، و سقيمها وبريئها وسائر ملّتها ، أنّه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ، ولا ينتقص منها ولا من حيّزها ، ولا من صليبهم ، ولا شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم ..وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله ،وذمة الخلفاء ، وذمة المسلمين " .
(الطّبري/906،اليعقوبي2/167).
والحقوق العامّة لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي من أهمّها :حفظ النفس ،فدم غير المسلم كدم المسلم ، فالقانون الجنائي سواء بينهما ، مع حفظ الأعراض .
فقد جاء في الدّر المختار 3/273 :
"ويضمن المسلم قيمة خمره _خمر غير المسلم _ وخنزيره إذا أتلفه "، ويقضي المسيحي في الأمور الشخصية بحسب قانونه الشخصي ، ومع كامل حرية إقامة شعائره الدينية في كنسه. .إلخ .
رمتني بدائها وانسلّت :
وإليك الدليل والتوثيق من كتبكم ومصادركم ومؤتمراتكم.
انتشار الإسلام بالسّيف :
اعكس يا قداسة البابا تصب ، فالفتوح شيء ، وانتشار الإسلام شيء آخر، ولو فرض الإسلام بالسّيف ، لارتدّت الشّعوب بعد الانحسار العسكري عنها .
فالإسقاط ( PROJECTION ) عملية نفسية نخلع بها تصوراتنا و رغائبنا و عواطفنا ، وما بنا من عار ونقص على الآخرين ، فكما يقال : "رمتني بدائلها وانسلت "، و هاكم الدليل : - جاء في إنجيل متّى 10/234 على لسان السّيّد المسيح :
"لا تظنوا أنيّ جئت لألقي سلاماً على الأرض ، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً " .
- وفي إنجيل لوقا22/37 يقول السّيّد المسيح :
"ومن ليس له سيف فليبع ثوبه و يشترِ سيفاً ".
- وفي العهد القديم الّذي تؤمن به :
" فضرباً تضرب سكّان تلك المدينة بحد السيف وتحرمها بكلّ ما فيها مع بهائمها بحد السيف .
(التثنية 13/16)
" وأما من هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرّبّ إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ماء ".
( التثنية 20/70)
" قتل كل من في المدينة من رجل و امرأة ، من طفل وشيخ حتى البقر و الغنم والحمير بحد السّيف " .
(يشوع6/22)
" وكلّ من انحاش يسقط بالسّيف و تحطم أطفالهم أمام عيونه ،وتنهب بيوتهم و تفضح نساؤهم ".
(إشعياء 13/16)
أما في القرآن الكريم :
(( ومآ أرسلنك إلا رحمة للعالمين ))
] الأنبياء:21/107[
(( ولقد كرّمنا بني آدم ))
]الإسراء:17/70[
وهذه النّصوص تفسّر لنا سبب نشوء حضارة سامقة أينما وصل الفتح الإسلامي، حيث منح الرّفاه للجميع ، وفتح المدارس والجامعات و المشافي ، كما في الأندلس ، وحوض النّيجر ، وما رواء النهر، وما وصل التنّصير المرافق للاستعمار المسمّى (الكشوف الجغرافية) إلا وانتشرت معه أعداء البشرية : (الفقر والجهل والمرض ) ، والهند ومصر وغرب إفريقية ، وأمريكة اللاّتنيّة خير شاهد على ذلك .
- ثيودسيوس الأول ، الإمبراطور الروماني 379-395م أمر بتحطيم المعابد الوثنية وحرم إقامة الشعائر القديمة .
- شارلمان حارب السّكسون ثلاثاً و ثلاثين سنة بغاية العنف , وذروة الوحشية حتى أخضعهم و حولهم قسراً بالسيف إلى الديانة المسيحية على يد (القديس ) ليودجرLIUDGERوويليهاد WILLEHAD
- ونشر الملك كنوت CUNT المسيحية في الدّنمارك بالقوة والإرهاب.
- وفرضت المسيحية في روسيا على يد جماعة اسمها (إخوان السّيف ) - BREHTERS OF THE SOWRD
(الدعوة إلى الإسلام للسّير توماس آرنولد ص 30).
- وعلى يد فلا ديمير دوق كييف (985-1015م) الذي يضرب به المثل في الوحشيّة والعنف والشهوانيّة.. والذي عرف بحمقه وطيشه أيضاً ، تمّ تعميد أهل دوقية روسية كلهم مرة واحدة في مياه نهر الدنيبر.
(تاريخ أوربة في العصور الوسطى ،فيشر ،ص407).
- وفي النروج ، أمر الملك أولاف ترايجفيسون بذبح الذين أبوا الدخول في المسيحية
أو بتقطيع أيديهم وأرجلهم ، أو بنفيهم و تشريدهم .
* أما في أمريكا ، فقد حلّت حرب الإبادة _ باسم الكنيسة _ ضد الهنود الحمر وقضي فعلاً على حضارة الأنتيل ، المايا، والآزتيك ، والأنكا ، ونحيل قداسة البابا إلى كتاب (فتح أمريكا-مسألة الآخر-لغرفتيان تودوروف) ، ليعلم أن ثمانين مليون هندي أحمر حصدتهم البندقية الأوربية باسم الكنيسة ، ولقد نشرت مجلة CUBA INTERNATIONAL في عدد تموز سنة 1972م تحت عنوان LA HISTORY، وفي الصفحة 6 صورة لمبشر بيده صليب ، وزعيم هندي أحمر اسمه هايتهاي مقيد إلى سارية ، وقد غطي حتى منتصفه بحزم الحطب والقش لحرقه ، أما المبشر فكان رافعاً الصليب في وجهه يدعوه إلى المسيحية قبل إحراقه ، ليدخل الجنة ، فسأله الزعيم الهندي : وهل في الجنة إسبانيون مثلك ؟ فأجابه الراهب : طبعاً ، فما كان من الزعيم الهندي إلا قال :إذن لا أريد أن أذهب إلى مكان أصادف فيه أبناء هذه الأمة المتوحشة !
* وهذا ما جرى أيضاً في أستراليا حيث سُحق شعب (الأبورجيين) .
- وفي العام 1455م صدر مرسوم بابوي يقرر سيادة النّصارى على الكفار ، وأقر هذا المرسوم استرقاق الزنوج في إفريقية والهنود الحمر في أمريكة ، وبهذه النّظرة ، نظرة السّيّد للعبد ، جرى قنص الأفارقة باسم المسيح ، وتم نقلهم وبيعهم في أوربة وأمريكة ، وعلى الرغم من تعميدهم وإدخالهم في المسيحية غضباً وإكراهاً ، فإن عبوديتهم ظلت قائمة .
(الاستعمار والتنصير في إفريقية السّوداء ص49).(2/174)
عشرات الملاين من الأفارقة قتلوا أثناء اصطيادهم ، وملايين ماتوا في البواخر لتغيّر المناخ وسوء التغذية ، وأول حملة إنكليزية نقلت الألوف من الرقيق من غينية إلى المستعمرات الإسبانية ، كانت في سنة1562م ، برئاسة النّخّاس الشهير (جون هوكنز)، وذلك أيام الملكة إليزبيت الأولى ملكة إنكلترة ، و حامية حمى المسيحين، وقد كان من السفن التي استعملها هذا النّخّاس لنقل الرقيق ثلاثة سفن ، اسم إحداها (سليمان) والثانية (يسوع) والثالثة (يوحنا المعمدان) و في تلك إشارة إلى إن عملهم إذ ذاك عمل مبرور.
(الهلال والصليب ، ص138).
قال الدكتور فرانزغريس في كتابه ( تبدد أوهام قسيس) ،الذي طبع في بوينس آيرس (مطبعة دار الطباعة -الضياء) :
"إن تاريخ الأمم النصرانية بل وتاريخ الكنيسة بالذات ، مضرج بالدّماء وملطّخ ، ولربما أكثر تضرجاً ووحشية من أي شعب وثني آخر في العالم القديم".
- وأُذَكّر قداسة البابا بملحمة(سان بارتلمي) التي ذكرها غوستاف لوبون في كتابه : مذبحة أمر بها سنة 1572م شارل التاسع ، وكاترينا دوميديسيس ، فقد قتلت كاترينا خمسة من زعماء البروتستانت في باريس ، ظنّت أنهم يتآمرون عليها وعلى الملك ، ولم يكد ينتشر الخبر في باريس ، حتى شاع أنه شرع في قتل الخوارج - أي البروتستانت الذين خرجوا عن سلطة البابا الكاثوليكي - ، فانقض أشراف الكاثوليك والحرس الملكي والنّبّالة والجمهور على البروتستانت ، وقتلوا منهم ألفي نسمة ، وقد قلد سكان الولايات الفرنسية بعامل العدوى أهل باريس ، فسفكوا دماء ستة إلى ثمانية آلاف نسمة .
(روح الثورات ص44)
ولم تنل حادثة ( سّان بارتلمي ) أيام وقوعها شيئاً من الانتقاد في أوربة الكاثوليكية ، بل أوجدت حماساً يفوق الوصف ، فكاد فيليب الثاني يصبح مجنوناً لشدة فرحة يوم بلغه وقوعها ، وانهالت التهاني على ملك فرنسة كما لوأنه نال نصراً عظيماً في ساحة الوغى أو أكثر من ذلك .
وما بدا السرور على أحد كما بدا على البابا غريغوار الثالث عشر ، فقد أمر بضرب أوسمة خاصّة تخليد لذكراها ، رسمت على هذه الأوسمة صورة غريغوار الثالث عشر وقد كان بجانبه ملك يضرب بالسيف لأعناق الخوارج ، ثم كتبت هذه العبارة : "قتل الخوارج" . كما أمر بإيقاد نيران الفرح ، وضرب المدافع ، و تكليف الرسام فازاري أن يصور على جدران الفاتيكان مناظرها.
ولن أتوسع هنا فأتحدث عن عطش أوربة إلى الذهب ، حيث أبحرت السّفن الأوربية تحمل إلى الشعوب الإفريقية والآسيوية والأمريكية جماعة من الرهبان يبشرون بالعهد الجديد ويعودون منها بكنوزها من الذهب والفضة والعاج والتوابل ، وأمعن البابا مارتن الخامس في الكرم والسّخاء ، فأحل من الأوزار والخطايا أرواح من يلقون حتفهم في تلك المغامرات .
( في طلب التوابل ،سونيا ي.هاو،ص 106)
معطياً الاستعمار طابع الحروب الصليبية الصريح .
فأي دين انتشر بالسيف يا قداسة البابا ؟
ما آثار الفتح الإسلامي ، وما آثار الاستعمار الغربي حيثما حل وإلى يومنا هذا؟
فاعكس تصب يا قداسة البابا ، وتذكر أنه في عام 1992م ،وبمناسبة مرور 500عام على اكتشاف أمريكة واستعمارها ، زار سلفك ( البابا يوحنا بولس الثاني ) جنوب أمريكا ، فقوبل بمظاهرات دامية مندّدة وبتحطيم تماثيل قادة المستكشفين والقديسين ، فلماذا ؟
ما جاء به محمد لا يتقبله العقل :
يا قداسة البابا ...
لقد انعقد مؤتمر كولورادو التّبشيري في 15 تشرين الأول (أكتوبر)1978م ، تحت الشعار (مؤتمر أمريكة الشمالية لتنصير المسلمين) ، وقد كان مما قاله المؤتمرون :
- إن الحقائق العلمية صدمت المعتقد المسيحي .
- إن الإسلام هو أكثر النظم الدّينية المتناسقة اجتماعياً وسياسياً ، مع البساطة والوضوح .
- وتساءل بعض المؤتمرين : كيف يمكن للعقل أن يفهم الأقاليم الثلاثة على أنها واحد في ثلاثة ، والثلاثة في واحد ؟
البابا يوحنا بولس الثاني : طالب الولايات المتحدة الأمريكية بمنشور أصدره أواخر سنة 1990م بدعم مالي كي يضاعف التبشير جهوده " فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يتحدى انتشار المسيحية ، وهناك تزايد في الإقبال على الإسلام ، و انحسار في المناطق المسيحية في الشّرق الأدنى وإفريقية ، وهناك جسور للإسلام تتزايد في جنوبي أوربة ".
فهل تساءلتم يا قداسة البابا ، عن سبب إقبال الناس على الإسلام ، وسبب انحسار المسيحية في عصر التّقدم العلمي ومخاطبة العقل ؟
المكتبة المنطقية في باريس (شارع فوجيرارد رقم 41/6) نشرت عدداً من الكتب الجليلة الفائدة العلمية .
في أحد هذه الكتب المسمى : (مشكلة يسوع والمصادر النصرانية) لقس كاثوليكي، كان أستاذ تاريخ الأديان في جامعة استراسبورغ ، قد أعلن الفاتيكان حرمانه بتاريخ 2تموز 1933م، لأنه شكّ وارتاب في كتابات الفاتيكان عن ألوهية المسيح ، وعن وجوده أيضاً.
وهناك رأي مهم في (دائرة المعارف الفرنسية 5/117) خلاصته : أن المصادر المسيحية كلها من عمل ( شاؤول بولس) أو من أتباعه ، وليست الأسماء الموضوعة عليها إلا أسماء مستعارة غير حقيقية.
وفي (العقائد الوثنية في الديانة النصرانية) للمرحوم محمد طاهر التنير، يكفينا مثال واحد ، من أصل ستة وأربعين تتطابق فيها النصوص الهندية الوثنية مع الأناجيل:
كرشنا هو المخلص، و الفادي ، والمغزي ، والراعي الصالح ، والوسيط ، وابن الله و الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس ، وهو الأب والابن والروح القدس.. إلخ.
ويسوع المسيح هو المخلص ، والفادي ، والمغزي ، والراعي الصالح ، والوسيط وابن الله والأقنوم الثاني من الثالوث المقدس ، وهو الأب والابن والروح القدس ..إلخ.
الأناجيل الأربعة المعتمدة من أصل أكثر من ثمانين إنجيلاً تم
===============
# لماذا هذا الحقد الدفين على الإسلام أيها البابا ؟؟إنهاالحرب الصليبيه )
[بقلم :* محمد أسعد بيوض التميمي (الكاتب والباحث والمحلل السياسي الفلسطيني)]
بسم الله الرحمن الرحيم
( ود كثيراً من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كُفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) 109 البقره , قال تعالى ( يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ) 71 أل عمران .
إن ما تفوه به ( بابا الفاتيكان ) ضد الإسلام وضد نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ليس بجديد ولا هو عن جهل ولا زلة لسان , وانما هو حقد دفين على الاسلام وأهله متوارث عبر القرون , ومنذ أن نزل القرأن على محمد صلى الله عليه وسلم الذي يدعوا إلى عبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد وليس له شريك في المُلك , قال تعالى (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون )8الصف , فسرعة إنتشار الإسلام في الأرض أذهلت وأثارت حسد الكُفار والمشركين والملاحده والشياطين وأتباعهم في كل زمان وحين , فالإسلام لم يدخل إلى بلد و أخرجه أهله منه لأن أهله كانوا يُسلمون بمحض إرادتهم دون إجبار وإكراه , وذلك لما وجدوا في هذا الدين العظيم من عدل ورحمة وإنسانيه , ولأنهم وجدوا تعاليمه تتوافق وتنسجم مع الفطرة الانسانيه السليمه التي تبحث عن السعادة في الحياة .(2/175)
فسرعة إنتشار الإسلام في فترة وجيزه تعتبر لمحة بصر في عمر الزمان هي التي جعلت هؤلاء الحاسدون يقولون بأن الإسلام إنتشر بحد السيف , وأخذوا يُحرفون معنى الجهاد في سبيل الله وأهدافه وغاياته مدعين بأنه دعوة فوضويه للقتل والعنف والإرهاب, وأن الناس إعتنقوا الإسلام بالإجبار والقوه والإكراه , فهذه مقولة كاذبة خاطئه فهي تدل على الحقد الأعمى على الإسلام , فحقائق التاريخ وحقيقة الفتوحات الإسلاميه هي أكبر رد على هذه الإفتراءات الباطله المفعمة بالحقد الأسود والحسد الشيطاني .
فالإسلام لا يُمكن الدخول فيه عن طريق الإكراه والإجبار لأن الإيمان بالله هي علاقة بين الإنسان وربه فمن يستطيع أن يخدع الله !! فالله يطلع على مكنونات القلوب إن كانت صادقه أو كاذبه , فالإيمان بالإكراه لا يُعتد به من ناحية شرعيه إلا إذا كان عن قناعة كامله , فكيف لعقيدة تقوم على العلاقه المباشره بين العبد وربه والثواب والعقاب بيد الله سبحانه وتعالى ممكن أن يكون فيها إكراه على إعتناقها .
ومن الدلائل الكبرى على أن إعتناق الإسلام لا يكون إلا بالإقتناع هو أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى يُعتبرون أهل ذمه بالنسبة للمسلمين أي انهم أمانة في أعناقهم ما داموا يُحافظون على العهد والميثاق الذي يُنظم علاقاتهم بالمسلمين حتى أن من يُقتل من المسلمين دفاعاً عنهم وعن أموالهم وأعراضهم فإنه يُعتبرشهيد , أما إذا نقضوا العهد والميثاق وأعلنوا العداء للمسلمين أو أعانوا أعدائهم عليهم كما فعل اليهود في فلسطين فإن قتالهم يُصبح واجب شرعي وفرض عين دفاعاً عن الإسلام وديارالمسلمين ,قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين *إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون )8+9الممتحنه .
ولو كان الإسلام قد فُرض بالإكراه وبالقوه وبالسيف ما كان قد بقي نصراني أو يهودي في ديار الإسلام وبين ظهراني المسلمين خلال 1400 سنه من إستمرار دولة الإسلام التي غابت عن الوجود في مطلع القرن العشرين .
وإذا كان (البابا) كما يقول بأنه عالم في اللاهوت والأديان فكيف لم يأته نبأ ( العُهده العمريه ) التي كتبها سيدنا وحبيبنا الخليفه العادل (الفاروق عمر بن الخطاب ) لأهل القدس النصارى عندما فتح القدس , وكيف أنه رفض أن يُصلي في داخل كنيسة القيامه قائلاً أخشى أن يقول المسلمون هنا صلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستولوا عليها.
و ألم يأتك أيها ( البابا )نبأ وصية ( أبي بكرالصديق ) خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقادة جيوش الفتح المنطلقه من المدينه المنوره إلى جهات الدنيا الأربعه حيث جاء فيها ( لا تخونواولا تغلواولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولاإمرأة ولا تقطعوا شجراً ولا تحرقوه ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم بالصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم إليه ) .
فكيف أيها ( البابا ) لأناس هذه هي أخلاقهم وتعاليمهم لجنودهم في ميدان القتال و التي تحثهم على التعامل بمنتهى الإنسانيه والرحمه مع الشجر والحيوان أن يفرضوا دينهم بالقوه وبالسيف .
والمسلمون في جميع معاركهم كانوا أقل عدداً وعدة من عدوهم لأنهم يؤمنون بأن النصر من عند الله وليس بالسيف , فالسيف هو لإرهاب عدو الله وعدونا ولقتال من يقاتلنا أويعتدي على ديننا وعقيدتنا وديارنا وليس لإكراه الناس على الإسلام فبدون السيف نكون كلأ مباحاً للأمم كما نحن اليوم ,لذلك تتهمنا أيها ( البابا ) بالإرهاب والتطرف حتى نلقي السيف من ايدينا ونحمل بدلاً منه سيفاً خشبياً نشرعه في الرقصات الفلكلوريه ونحن نرتدي ملابس مزركشه بكل ألوان الطيف .
وألم يأتك أيها ( البابا ) نبأ تعاليم التلمود والتوراه المحرفه التي تقول عن أصحابها بأنهم إخوانك في العقيده والدين فإنها تقول ( إحترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض التي أنت أت إليها لئلا يصير فخاً في وسطك وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمه ما , بل واقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل إمرأه ) وألم تسمع بالمقوله المشهوره في أناجيلكم المتعدده والمحرفه والتي تنسبونها ألى سيدنا عيسى عليه السلام (من ليس لديه سيف فليبع رداءه وليشتري سيف ) .
وألم يأتك أيها ( البابا ) نبأ جنوب شرق أسيا التي يوجد فيها الأن أكثر من 300مليون مسلم بأنهم قد أسلموا بواسطة التجار المسلمين أي من خلال المعامله ودون أن يصلها جندي مسلم .
فيا أيها ( البابا ) إن التاريخ لم يشهد أرحم ولا أكثر إنسانيه من الفاتحين المسلمين هكذا يقول المؤرخون الأوروبيون أنفسهم , فتاريخهم لم يُسجل بأنهم قد إرتكبوا مذبحة أو مجزرة أو عاثوا فساداً في إحدى البلدان التي فتحوها من ( الأندلس غرباً إلى الصين شرقاً ), فالناس في البلدان التي فتحها المسلمون كانوا يدخلون في دين الله أفواجاً لما وجدوا في هذا الدين من عدل ورحمة وإنسانيه وإحتراماً لكرامة الإنسان وعقله ( ولقد كرمنا بني ادم ) ورسخ هذا الدين في عقولهم ووجدانهم وضمائرهم رسوخ الجبال التي لا يمكن أن تتزحزح من أماكنها , لذلك عندما إنحسرالإسلام السياسي المُتمثل بالدوله الإسلاميه وخضعت مُعظم بلاد المسلمين للإستعمار الأوروبي المباشر والذي حكم هذه البلدان بالحديد والنار فإن المسلمين لم يتخلوا عن دينهم وعقيدتهم رغم جميع وسائل الترغيب والترهيب والتشكيك والتخريب والقمع التي إستخدمت من أجل ذلك .
فالمسلمون في الجمهوريات الإسلاميه في الإتحاد السوفياتي الإلحادي السابق بقوا مُحافظين على دينهم يتداراسونه بالسر رغم شدة البطش والقمع والمجازر التي تعرضوا لها ورغم عدم معرفتهم باللغة العربيه ورغم هدم مساجدهم وحرق مصاحفهم , فالذي كان يُضبط وهويُصلى أولديه مصحف فإنه كان يُتهم بالرجعية والخيانه فيُعدم أويُنفى إلى سيبريا , فما أن سقط الإتحاد السوفياتي الإلحادي حتى إنبعث الإسلام في هذه الجمهوريات الإسلاميه من جديد بشكل أذهل الدنيا كلها , فلو كان هؤلاء قد أكرهوا على الإسلام لتخلوا عنه بمُجرد تعرضهم إلى هذا الإبتلاء العظيم الذي إستمر سبعين عاماً على يد الشيوعيه الملحده القاسيه قساوة الحديد والتي لاتعرف الشفقة ولا الرحمه .
وألم يأتك ايها ( البابا ) نبأ فرنسا الصليبيه التي تتبع كنيستك عندما إستعمرت الجزائر لمدة مائة وأربعين عاماً حاولت خلالها القضاء على الإسلام في الجزائر بالحديد والنار حتى أنها قتلت من الشعب الجزائري المسلم الملايين بمنتهى الوحشية وعدم الشفقة والرحمه , ومن أجل إجبار الشعب الجزائري على أن يقبل بالأمر الواقع بأن تصبح الجزائر جزء من فرنسا وإجتثاثها من ديار الإسلام , ولكن فرنسا فشلت بمهمتها فكانت جمعية العلماء وكتاتيب (بن باديس )هي التي إنطلق منها المجاهدون الجزائريون لإستعادة الجزائر وها هو الإسلام في الجزائر يغلي ويفور في نفوس الجزائريين فهو خيار الشعب الجزائري رغم محاربة عملاء فرنسا لهذا الخيار بشده وعنف , فإنتخابات عام 1991تشهد على ذلك .(2/176)
وألا يذكر ( البابا ) الحروب الصليبيه عندما دخلت جيوش الصليبيين القدس حيث قامت بذبح سبعين ألفاً من أهلها المسلمين بناءاً على فتوى(ا لبابا ) يومئذ حتى أن خيلهم غاصت ببحر من دماء المسلمين, وعندما إستعادها المسلمون بقيادة (صلاح الدين الايوبي )لم يقتل أحدا من الصليبيين غير المحاربين وتم تخييرهم بين البقاء والخروج فخرجوا بمحض إرادتهم وسُمح لهم بأن يأخذوا معهم متاعهم وأموالهم حتى أن بطريرك القدس غادر المدينه مصحوباً بعدة عربات مُحمله بالذهب والسجاد وكل أنواع المتاع النفيس مما أغاظ بعض المسلمين فقالوا ل(صلاح الدين الأيوبي) إن البطريرك ينقل أموالاً لاتقل قيمتها عن مئتي ألف دينار ولقد سمحنا لهم بحمل متاعهم وأما خزائن الكنائس والأديره فلا يجوز تركها لهم , بيد أن ( صلاح الدين الأيوبي ) أجاب ( علينا أن نطبق المواثيق التي قطعناها بحذافيرها فلا يستطيع إنسان إتهام المسلمين بخيانة عهودهم بل أن النصارى سوف يتذكرون أينما حلوا مما غمرناهم به من إحسان ) المصدر الحروب الصليبيه كما رأها العرب أمين معلوف ص250 .
هذا هو ديننا وهذا هو إسلامنا وبهذا يأمرنا يا أيها (البابا )الذي توارثت حقدك على الإسلام من أسلافك الذين أفتوا لأتباعهم بإرتكاب المذابح ضد المسلمين في الحروب الصليبيه وأسلتم دمائهم أنهاراً بسيوفكم .
وألا يذكر (البابا) بأن المسلمين عندما فتحوا الأندلس لم يتعرضوا لأحد من أهلها أو يجبروهم على إعتناق الإسلام وأقاموا فيها حضاره وجعلوا منها قبلة لطلاب العلم من الأوروبيين عندما كانت أوروبا تغرق في بحر من الظلمات , أما عندما هُزم المسلمون في الأندلس بعد ثمانمائة عام على أيدي أتباعه ماذا حصل للمسلمين؟؟؟ ألم ترتكب ضدهم المذابح والمجازر التي لم يذكُر التاريخ لها مثيلاً والتي عُرفت في التاريخ( بمحاكم التفتيش ) والتي كانت تفتش على قلوب الناس هل بقوا مسلمين أم إرتدوا عن الإسلام , فالذي كان يتمسك بدينه يُذبح وفر كثير من المسلمين بدينهم إلى المغرب العربي بعد ان ذبح منهم الملايين , وحتى أن اليهود لم يسلموا من هذه المذابح فأ تباع ( البابا ) قاموا بذبح اليهود وإجبارهم على تغيير دينهم وطردهم من الأندلس والذين كان المسلمون يتسامحون معهم بشكل لم يعرف اليهود له مثيلاًفي تاريخهم , ولقد سمعت رئيس الكيان اليهودي السابق (إسحاق نافون) وهو مستشرق في برنامج وثائقي عن (الأندلس ) يقول بأن الفتره التي عاشها اليهود في الأندلس تحت حكم المسلمين هي الفتره الوحيده في التاريخ التي لم تشهد إضطهاداً أو مذابح ضد اليهود وهي الفتره التي شهدت إبداعات فكريه وأدبيه لكثير من اليهود .
وهل نسي ( البابا ) المذابح التي يتعرض لها البروتستانت في إيرلندا الشماليه على أيدي الإرهابيين الكاثوليك أتباعه ؟؟ , وهل الذي إفتعل الحربين العالميتين الأولى والثانيه خلال عقدين من الزمن والتي راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر هم المسلمون أم أتباع دينه وملته ؟؟؟, وهل الذي ألقى قنبلتي هيروشيما وناغازاكي على اليابان هم المسلمون أم الغرب الصليبي ؟؟ , ومن الذي زرع هذا الكيان السرطاني المجرم في أرض فلسطين والذي حولها من أرض تنتج العسل واللبن إلى أرض تنتج الموت والهلاك والدمار والعذاب ومن أرض هادئة أمنة وادعه إلى أرض تشتعل فيها النيران وفقد فيها الأمن والأمان ؟؟؟؟ أليس هو الغرب الصليبي .
إن الكيان اليهودي وما يُسمى ( بإسرائيل ) سيبقى لطخة خزي وعار وشنارفي جبين الحضاره الغربيه والتي تفوق بشاعتها أية جريمة في التاريخ .
أما قول البابا ( بأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لم يأتي إلا بالشر والسوء )فهذا قول فيه إفتراء وبهتان وحقد أعمى على الآسلام قال تعالى( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن يُنزل عليكم من خير من ربكُم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) 105البقره , فأينما يكون خير البشريه يكون الإسلام , وأينما يكون العدل والرحمه يكون الإسلام , فالإسلام جاء لينشر الفضيله ويُحارب الرذيله , وجاء بالطيبات وحارب الخبائث قال تعالى( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين أمنوا به وعزروه ونصروه واتبعواالنور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون )157الآعراف , وجاء بالعدل وحارب الظلم قال تعالى( ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هوأقرب للتقوى)8المائده , وجاء بالرحمة وحارب قساوة القلوب( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ) .
فالإسلام جاء بمنظومة أخلاقيه وقيميه إنسانيه ليس لها مثيل في الدنيا جاءت لإسعاد البشريه فليس هناك إنقاذ للبشريه إلا بها وخصوصاً الغرب الذي تعيش مجتمعاته في حالة إنهيار وتفكك وإندثار للروابط الإجتماعيه والدينيه الشرعيه مثل الزواج الشرعي والأسره والعائله والولادات الشرعيه فكل هذه الروابط تكاد أن تصبح من الماضي فهي مجتمعات في طريقها لأن تصبح مجتمعات حيوانيه .
حتى أن ( الأمير تشارلز ) ولي عهد بريطانيا إستشعر الخطر الذي تعيشه المجتمعات الغربيه , فلقد نشرت جريدة الرأي الأردنيه في عددها رقم ( 9601 ) الصادر بتاريخ 15/12/1996 تحت عنوان ( الأمير تشارلز يدعوا الغرب للتعلم من الإسلام للمحافظه على القيم المقدسه ) , حيث أدان الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا النزعات الماديه الحديثه ودعا الغرب للتعلم من الإسلام لتجديد إحترامه للقيم المقدسه وقال الأمير تشارلز إن المجتمعات الغربيه تعاني من فقدان الإتجاه والهدف فيما نجح الإسلام في الجمع بين هويته الروحيه وبين الحداثه وفي حديثه أمام مؤتمر سنوي للخارجيه البريطانيه في لندن امس الأول وصف تشارلز الماديه الحديثه بعدم الإتساق وقال إنها تؤدي إلى عواقب مدمره على المدى البعيد وأضاف إن فصل البحث العلمي عن المباديء العليا والخلقيه والإعتبارات المقدسه قد أدى إلى نشوء ظواهر سيئه ودعا الخبراء الإقتصاديين ورجال الدين بمركز ( ويلتون بارك ) إلى الإستعانه بالمدرسين المسلمين في حماية القيم لدى الصغار , وكان الأمير تشارلز قد سبق له الحديث عن الإسلام في خطاب أمام جامعة اكسفورد عام 1993 ركز فيه على الإطار العام للعلاقه بين الإسلام والغرب لكنه تطرق أمس لأول مره إلى تصوره لهذه العلاقه العمليه بين الجانبين وقال في كل أنحاء العالم يُمكننا أن نجد من يريد تعلم الإنجليزيه لكننا هنا في الغرب نحتاج للتعلم بواسطة مدرسين مسلمين كيف نتدبر الأمور مرة أخرى بقلوبنا وليس بعقولنا فقط .
وقال تشارلز في خطابه ان الإسلام وأديان الشرق قد نجحت على مر العصور في الحفاظ على رؤيتها المتماسكه للعالم والكون في مجمله وقال إننا في الغرب يمكننا الإستفاده من هذه الرساله في إعادة إكتشاف جذور مفاهيمنا الحاليه التي ندين فيها للقيم الإسلاميه التي تحترم الطبيعه الثابته للقوانين الطبيعيه وإستطرد قائلاً ان الغرب في حاجة إلى إعادة النظر في جملة مفاهيمه العامه تجاه دور الإنسان في عدة مجالات ذكرها كما انه أي الغرب فصل على مدى القرون الثلاثه الأخيره الدين عن العلم الذي حاول أن يلعب دور ( الرب ) مما أدى إلى تقكك العالم وإنحطاط المقدسات لتصبح مجرد مسائل ثانويه متباعده لا رابط بينها في عالم اليوم .(2/177)
فيا أيها ( البابا )هذه شهادة شاهد من أهله , فالخراب في الغرب وصل أيضاً إلى الكنيسه التي يترأسها ( البابا ) فكم من فضائح الشذوذ الجنسي والاعتداءات الجنسيه على الأطفال والتي حصلت في داخل الكنائس و التي إهتزت لها المجتمعات الغربيه وكان أبطالها من القساوسه والكرادله ورعاة الكنائس التابعه اليك في كثير من دول أوروبا وفي أمريكا يُبيح هؤلاء الكرادله الشذوذ الجنسي والزواج المثلي فكثير منهم شاذين جنسيا , فأي عقل هذا الذي يتحدث عنه البابا والذي يُبيح ويقبل الشذوذ الجنسي والزواج المثلي , فوالله ان الحيوانات تأبى هذا الفعل والتصرف فكيف يقبله من يتهم الإسلام بتناقضه مع العقل .
ان مفاهيم وقيم الحضاره الغربيه لا تصلح حتى للحيوانات فهي تقود البشريه نحو الهاويه والدمار الشامل إذا لم تنقذ على أيدي المسلمين كما يقول الامير تشارلز .
وألم يأتك أيها ( البابا ) نبأ أسلافك من الباباوات في القرون الوسطى الذين كانوا يبيعون (صكوك الغفران وأرض الجنه بالمتر ) لأتباعهم المغفلين وتجريم كل من إستعمل عقله بالبحث العلمي وإلقاء الحرمان الكنسي عليه, ألم يقوموا بحرق العالم الايطالي ( جاليلو)الذي قال بدوران الأرض وكرويتها .
ان محاربة الباباوات للعلم والعقل أدى إلى حدوث ثوره على الكنيسه عُرفت ( بثورة البروتستانت بقيادة مارتن لوثر كينغ )والتي ادت الى فصل الكنيسه عن الحياه .
وإذا كنت أيها ( البابا )عالماً بالأديان وتدعي بأن لديك ثقافة واسعه حول الإسلام فكيف لم تقرأ وتعرف بأن الإسلام جاء لمخاطبة العقل وان العقل في الاسلام هو المكلف شرعاً , فالذي لا عقل عنده غير مكلف بأوامر ونواهي وفروض الإسلام , فالقاعده الفقهية تقول ( إذا أخذ ما أوهب أي (العقل )أسقط ما أوجب أي (التكليف) ) , وألم تقرأ أن مئات الأيات في القرأن الكريم تدعوا إلى التفكير والتدبر وإعمال العقل في هذا الكون وفي هذه الحياة ( لعلهم يتفكرون, ولعلهم يتدبرون, ولعلهم يعقلون ) وان القرأن الكريم يتحدث عن الحكمه وهي أعلى مراتب العقل ( ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ).
قال تعالى ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن ءامنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ) 59 المائده .
ان الحرب ا لدائره بيننا وبين الغرب هي حرب صليبيه تستهدف تدمير الإسلام وأهله , لأن الصليبيين يعلمون أن قوة المسلمين تأتي من تمكن روح الجهاد في نفوسهم وان القضاء على فريضة الجهاد يعني القضاء على الإسلام والمسلمين فكل من لا يحدد معالم الحرب والمعركه التي تخوضها الأمه بأنها حرب صليبيه ويدعوا إلى حوار الحضارات الذي ليس له وجود في عقول الغربيين الصليبيين وفي مقدمتهم ( البابا ) انما هومداهن ومجامل للكفار على حساب الإسلام أو جاهل وغبي أو خائن وعميل وجزء من الحرب على الإسلام والمسلمين ولو كانت عمامته بطول قطر الكره الأرضيه وإسمه ألمع من الشمس وألقابه لاتعد ولا تحصى , فهذه الحرب تستخدم كثير من الأدوات من رجال دين و مفكرين و أدباء و شعراء و أحزاب ,فالحوار المطلوب مع الغرب ان يكون من منطلق الآيه الكريم( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعُبد إلاالله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )64ال عمران .
فإن ما تفوه به ( البابا ) ضد الإسلام وضد رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم انما يؤكد على هذه الحقيقه و يأتي في السياق التاريخي للحرب على الإسلام وهو تعبير عن حقيقة موقف ( البابا ) من الإسلام وليس عن جهل , وهو ينسجم مع ما أعلنه ( بوش ) في بداية الحرب على أفغانستان والعراق وما أعلنه قبل أيام باننا نخوض حربا ضد الفا شية الاسلاميه وما تخرس به البابا يذكرنا بتصريح ( الجنرال اللنبي ) قائد قوات الحلفاء في الحرب العالميه الأولى عندما دخل القدس وهو على صهوة جواده حيث صرح بكلمات مدويه لا زال صداها يتردد في أذان المسلمين حيث قال ( الأن إنتهت الحروب الصليبيه ) أي انه إعتبر أن الحروب الصليبيه الأولى لم تنتهي بإنتصار المسلمين والقضاء على دولة الصلبيين وانما إستمرت منذ ذلك الحين حتى توجت بإنتصارهم في الحرب العالميه الأولى واحتلالهم القدس مرة اخرى .
ويذكرنا ايضا بالجنرال الفرنسي( غورو ) قائد القوات الفرنسيه التي دخلت دمشق بعد معركة ( ميسلون ) عندما توجه فورا إلى قبر ( صلاح الدين الأيوبي ) ووكزه بسيفه قائلاً ( قم يا صلاح الدين ها نحن قد عدنا أخيراً ) .
إن هذا الدين لولا انه دين الله و تكفل بحفظه لإستئصل منذ زمن بعيد ( والله متم نوره ولو كره الكافرون ) , وإني أبشر ( البابا ) بأن الإسلام سيدخل روما يوماً من الأيام وسنفتحها كما وعدنا ( رسول الله صلى الله عليه وسلم )بذلك عندما قال ( ستفتح عليكم القسطنطينيه ثم روما قالوا أيهما أول يا رسول الله قال القسطنطينيه ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش ) فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد فتحنا القسطنطينيه لتصبح عاصمة دولة الإسلام وقلعته الشامخه لمدة خمسة قرون وسيصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فسنفتح روما فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
الكاتب والباحث والمحلل السياسي
المختص بالقضايا الاسلاميه
محمد اسعد بيوض التميمي
================
#ماذا يريد البابا شنودة !
[بقلم: (سميح الجوهري (روما)
)]
بسم الله الرحمن الرحيم(2/178)
قرأت مقال الأستاذ فهمي هويدي عن مسخ السلطات المصرية في عدم نشر عدد نسبة الأقباط في مصر لئلا يغضب عليها الأقباط ، ولئلا يزاد عليها سوء الفهم لدى المسلمين .. شئ غريب وعجيب ! وما يعيب في نشر احصاءات رسمية تبين حقيقة الشعب الواحد بين مسلمين وأقباط ، لست أدري ما السبب في هذا ؟ .. كل هذا لأن الأقباط لا يزالون مصرين على أن نسبتهم تفوق الى 15 % بينما نسبتهم الحقيقية وحسب الاحصائيات لا تزيد عن الخمسة في المائة ، وليس في الخمسة أو ال 15 % تعني الشئ الكبير والا العديد ولا تعنى الأهمية في شعب تعداد سكانه يقرب من السبعين مليونا .. وفي أغلب الأحوال وفي مضمون اللاعدالة وتحكم الاستعمار كثيرا ما تحكم النسبة القليلة في النسبة الكثيرة بقوة حجمها وقوة عضلاتها المالية والاقتصادية والعلمية والأخلاقية وفوق كل هذا بقوة سلطان القوى الخارجية .. والمشكلة كلها نحن بتنا في مصر نعال في أقدام الاخوة الأقباط ونحاول أن نرضيهم بأي شكل كان حتى ولو بفتح الأدبار وكل هذا لا يعجبهم ولا يرضيهم ، الناس يريدون منا الردة وأن مصر هي أراضيهم وأن الاسلام دخل بلادهم محتلا ، متناسين أن الاسلام لم يدخلها محتلا ولا محاربا انما فتحت له الأبواب وهروبا من عذاب احتلال الرومان ، فعلينا مواجهة التاريخ والكف عن هذا التنازل الوقح من السلطات المصرية التي يقال عنها زورا بأنها تدين بالاسلام وهي في أعمالها وتصرفاتها أكثر من وثنية ! … ويزيد البلاء بلاء هو ما نشرته صحيفة الأهرام أنه تم اتفاق بين الهيئة العام المصرية وبين الكنيسة المصرية لفتح فصول لمحو الأمية للكبار في داخل كنائس الأقباط بالقاهرة تجمع 1300 فصل يؤمها حوالي 30 ألف طالب في كل عام ، كل هذا تحت رعاية حاكم مصر الجديد البابا شنودة وبالمجاملة العراء محافظ القاهرة الدكتور خراء !! .. كل مصر لم تجد لتعليم أبناء أو كبار المسلمين الا في الكنائس وهو لشئ غريب ! … نريد أن نقول لهؤلاء القوم الذين يقولون عن أنفسهم أنهم مسلمون ، نحن عملنا على غلق كتاتيب الرحمن ، والعالم كله يجري على غلقها والتي يقال عنها وحسب رأيهم أنها تفرخ الارهاب ، ومنعنا تلاوة آيات من القرآن حتى لا نغضب الناس ، كل هذا حبا وجبنا في الناس وحسب الأوامر الصادرة ، وكأن القرآن الكريم لا يدعو الى الرحمة وحرية العقيدة ، وهو أول داع لهما وعدم الاكراه في الدين حتى أمام الوثني الذي يعبد الأحجار فلا اكراه له في اعتناق الاسلام وهكذا علمنا القرآن وهكذا علمنا الرسول ، ويجب أن نتذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال أنه من أذى ذميا فقد أذاني ، ولا يوجد في العالم كله دين يحمي حرية العقيدة وأتباعها كالاسلام ، ولم يدخل الاسلام في حروب الا من أجل الدفاع عن أهله ونفسه من مشركين ووثنين وقطاع طرق ، ولم يدخلها لأجل فتح أو اجبار الناس على العقيدة ، وهكذا كانت مصر وهكذا كانت كل الدول التي آمنت بعقيدة الاسلام ، أما أن نرى اليوم هذا التنطع أو الانبطاح لأجل ارضاء الأخوة الأقباط بأي شكل كان لئلا يغضبوا وهم مصرين ومصممين على أن مصر بلدهم وأن المسلمين محتلين غرباء ! والآن البابا شنودة غضبان على حكم محكمة في الردة ، وأنه سوف يفتح الموضوع مع مبارك وأنه يجب فتح المجال لعودة الأقباط الى دينهم الأول قبل دخولهم الاسلام وكله مفتوح وغضبان ونزلت الأقلام تطالب بحق الردة ، ونقول للبابا شنودة وحينما اعتنقت السيدة وفاء وغيرها الاسلام ماذا فعلتم أنتم وماذا قدمتم واعتصمتم الى آخره .. مرة أخرى كنيسة مصر ماشية في مخططها المرسوم ونحن لن ننس ماذا فعلتم في مسرحية الأسكندرية وغيرها … وأقول ألف مرة يا أولاد الزنيم من حكام وطني حينما أنظر الى أحفادي وأنا في الغربة وأعرف أن مصيرهم لن يقرأوا القرآن في الغد وفي دولة ضحلة الدراسة باللغة العربية وفي اطار البيئة التي يعيشون فيها ، ولم تعتن مصر يوما من الأيام بأبنائها في الغربة اعتناء الأم الودود التي ترعى أبنائها ، والآن يزداد الخراب بأنها نفسها تقطع في أبنائها الكبار على الصغار وتعليم لغة بلادهم في الكنائس وارضاء للذي يريد ردتنا في القريب العاجل وينفخ فيها ! .. ليس هناك مفر أن النار فعلا تجري تحت الرماد وكل هذا يزيد من شعلة الفتنة التي يحاول الأغبياء من الحكام طفأها باجراءات وخنوع تزيد فينا ارضاء لسيدنا شنودة .. ألا وكثرة الضغط والتبجح يولدان الانفجار وسوف يكون ، ونقر ونقول والحمد لله رب العالمين في كلا العقيدتين هناك أناسا على مستوى من الذكاء والفهم والادراك ولكنهم لا يكفون لاطفاء النار .. انها حرب شعواء على الاسلام في كل مكان .. البابا شنودة انسان خطير على وحدة مصر وكان السادات على حق في نظرته .. كلمة أخيرة أقولها للبابا شنودة لا تظنن أن أمريكا أو غير امريكا قادرة على ردة المسلمين في مصر أو غير مصر والاسلام ينتشر في العالم كله وفي عقر دار أمريكا نفسها رغم كل التقطيع والقتل والاعلام المكثف والمال الذي يغدق ، وفي نفس الوقت كما أري في ايطاليا هنالك مسلمون يرتدون ، ولكن يا سيدي الفاضل الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .. مرة أخرى سيدي البابا حرية العقيدة مكفلة وملك للانسان وحده كما يقر بها القرآن وأنتم تعرفون ذلك جيدا ويعرفها من عاش فيها في بيت القدس في زمانه " ليست عليهم بمسيطر" أما الطريقة التي تسيرون عليها في مصر من زمان ومع سقطتها التاريخية وحكمها المرتد القذر هي التي أزادت من نفخكم السموم وهذا خطأ وأنت بشر تخطئ وتصيب ولست نبيا ولا رسولا ولا مقدسا ، ونحن لن نقبل على أنفسنا هذا وعلى مقدرة الدفاع عن ديننا .. ثم ثق أننا لن ننسى أنكم استغليتم هذا الضعف بطريقة غير مقبولة وسوف يدون ذلك في التاريخ ومع حروب 56 .. من فضل الله علينا أننا كلنا سنموت ومرجعنا الى الله الذي نؤمن به ، أنت تؤمن بعيسى النبي على أنه الاله ، ونحن نؤمن بالاله على أنه الله الواحد الأحد الفرد الصمد ولكل دينه وعقيدته ، والأصلح من يعمل صالحا ويتقى ، أما أن تلزمني أو لا يزال النعرة القائمة على أن مصر كانت قبطية ويجب أن تعود ، فليس هذا من حقك ولا حق أن انسان في هذه الدنيا ، مرة أخرى حرية العقيدة مكفلة للانسان .. الأنياء عليهم صلوات الله جميعا لم يوفقوا في ايمان الناس كلهم برب العباد ، فمن تكون أنت أمام خالق البشر والناس .؟! .. نحن في ايطاليا نعيش كلنا اخوة متحابين مسلمين وأقباط ونجمع من الصداقة التي لا أشير عنها انما يشير عنها الأخوة الاقباط أنفسهم لأننا كلنا من وطن واحد مسكين يتحكم فيه صعاليك ، وتجمعني مع الأنبا برنابا قمص روما للاقباط صداقة وهو رجل طيب وحينما قابلته وأنا المسلم قبلته باحترام لأنه رجل دين ، وأي انسان يمثل الدين له أحترامه وتقديره ، وشاركت في مؤتمرات حضرها حاخام وكرادلة كانوا على مستوى من الأخلاق والمسئولية وحينما تحدثنا عن رمز يمثل الأديان الثلاثة أشرت لهم عن بيت ابراهيم بمكة المكرمة ، فأبدوا الموافقة على الفور مرحبين دون غبار ، وفوجئت مدى تلاؤم الدين حينما يكون هناك اناسا على مستوى من الثقافة والوعي والذكاء دون النفخ في أبواق الشيطان.. يبدو أن مصر تحولت الى ساحة يجري فيها الأبالسة من كل جانب !!.. مصر مليئة بالمشاكل الخطيرة التي تأخذ بالأعناق ، ألا من الأفضل أن نتشابك مسلمين وأقباط لحلها ؟! .. الا أن حاكم البلاد المغضوب عليه والمحبوب لديكم لأنه استجاب لكم في كل ما تريدونه ،(2/179)
يبدو أنه تحول عن عقيدته وفي هذا فأنتم له مساندون مؤيدون على طول الخط رغم رمز الفساد المعلن في كل مكان وشبر في البلاد .. كلمة أخيرة سيدي ، اسلامنا يؤمن بعيسى نبي الله عليه السلام الذي ولد من البتول سيدة نساء الجنة ولا غبار وهي مريم ابنة عمران عليها وعلى أبنها صلوات الله وسلامه الى يوم الدين ، ويؤمن كذلك باليهودية وموسى عليه السلام وكل أنبياء اسرائيل ، وأنتم لا تؤمنون بالاسلام ولا بمحمد ولا بالقرآن ، واليهود كذلك لا يؤمنون برسولنا وقرآننا ، ولا يؤمنون بكم ولا بديانتكم ، وهكذا كما ترون الاسلام هذا الدين القيم العظيم يؤمن بكما الاثنين مسيحية ويهودية ويأمرنا نحن بالصلاة والسلام على جميع الأنبياء لا فرق بينهم وكلهم أدوا رسالتهم لهداية البشر .. ألا ترون كم عظيم الاسلام في ذلك ، ورغما عن ذلك فلا تحبون وتجرون على أتباعه جري الوحوش .. انا لنا سورة تحمل سورة أهل الأخدود في القرآن يذكرها رب العباد عن عباد الرحمن الأتقياء في عهد المسيحية الطهور النقية وكيف ضحوا بحياتهم من أجل العقيدة في داخل أخدود الحريق وهم أحياء ورميا من قوى غشيمة ، هل تظنون سوف توقعون علينا هذا ، ونحن نرحب بذلك في سبيل الرحمن كما رحبتم أنتم في يوم من الأيام وفي عقيدتكم السوية ، الا أننا والحمد لله أقوياء بالعقيدة وأقوياء بأكثر من ذلك وفي مضمار مليار ونصف في العالم يؤمنون بعقيدة التوحيد ويزيدون في كل يوم .. الشمس لا يمكن أن تطفئ سيدي وأتقي لله بينك وبين نفسك وأنت تعلم الحقيقة وأين توجد وأخلع من عليك رداء البابوية وأسجد للرحمن سجود عيسى عبد الله ورسوله وهو النبي الكريم ابن العذارء البتول التي نحمل لها ولابنها حبا يفوق حبكم والله على ذلك شهيد ، ولا نلوك اسمهما الكريم بأي لغط الا بكل حب واحترام وتقدير .. ما أعظمك ربي نطالبك الهداية للجميع ولا نفضل أنفسنا على أحد.
ماذا تقول سيدي في هذا القبطي الذي قابلته في روما وهو يبكي لأنه وصله خطاب من أبيه يعلن عن وفاة جاره المسلم في السكن ، وأنه حينما تعثر العمل على أبيه كان جاره المسلم أكبر معين ويزيدهم خيرا من فضل الله غليه الى أن حصل الأب على عمل وحلت المشكلة .. أو هذا القس الذي رأيته في وطني منذ عشرين عاما يمشي مع زوجه وأبنائه في حالة مهلهلة فبكيت وأنا المسلم على حال الرجل متذكرا أن نظائره في ايطاليا يلبسون مفاخر اللبس ويركبون السيارات الفخمة ، وهذه التي رأيتها تصرخ في داخل سيارة أجرة بالنفر اركبها في اتجاه الريف لسرقة مالها ، وقمت بدفع حق ركوبها وهي الأم وهي تسألني هل أنا قبطي مثلها ، فكان ردي بأني مصري يا أختي ولا فرق بين هذا وذاك فدعت لي وكان هذا كافيا أمام الله ، أو هذا القبطي الانسان الذي شاهدته في المركز الثقافي بروما ومع صديق مسلم يبحث له عن عمل ويرجو ولم يكف البحث الى أن عثر عليه بارك الله فيه وهو الطبيب . أو ذاك القبطي الصديق الذي شاهدته وهو يقول في حوار مع آخر أنه يستطيع دفع الشئ عن صديقه المسلم المرافق ، ولا بد من اكرامه بعمل التخفيض عنه لأنه أفضل منه سعة وخيرا ، وهكذا فضل صديقه المسلم عنه ! ... هذا هو الشعب المصري ، وهكذا سوف يظل ويكون مهما حاول اي انسان مهما كان مركزه ومنصبه في الحكم أو الدين من كلا الديانتين أن يفرق أو يسود ليكون له شأنا وعظمة .. الشعب المصري وحدة متكاملة ، وقوته توجد في وحدته وسوف يكون .. واذا كانت السقطة الحضرية التي عمل عليها الانقلاب العسكري زادت في هذا الانكماش أو الفكر الخاطئ الذي ينفخ فيه بعد الأساقفة الخطريين أو الشيوخ الابلة فلن يكون ، ولقد شاهدت أحدهم في مؤتمرا وكيف يتحدث عن عذاب الأقباط وكذبته في حينه بأدلة قاطعة أمام الجميع .. مرة أخرى فلنتق الله ربنا جميعا لئلا تصبنا فتنة تصيب الجميع وكلنا اليه راجعون !
================
#بوش وبنديكت وجهان لعملة واحدة
[بقلم: *ممدوح اسماعيل]
بسم الله الرحمن الرحيم(2/180)
الزمان منتصف شهر سبتمبر 2006 المكان مؤتمر علمى فى مدينة المانية المتحدث بابا الفاتيكان رمز الكاثوليك الدينى وفى لحظة هامة للمسلمين وللبشرية لم يعتد بها الحاضرون انطلق لسان بيندكت الفاتيكان بكلمات حاقدة عمياء منتقدا الدين الاسلامى وعقيدة المسلمين والنبى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن فى رايى مفاجاة هذه الكلمات الحاقدة لان تاريخ بيندكت المتطرف لايستبعد هذه الكلمات وايضا الترحيب الذى قوبل به عند توليه البابوية من اليهودوالادارة الامريكية كان ملفتا جدا لمن يتابعون ترحيبات الامريكان باى شخصية دينية او سياسية لكن الملفت ان الحاضرين كان ينبغى فيهم انهم من اهل العلم والعقل وكلام بيندكت ينافى العلم والعقل فالبشرية لم تعرف الخير والعدل الا عندما جاء الحبيب محمد برسالة الاسلام الخالدة واوربا التى تدعى العلم الان كانت غارقة فى ظلمات الجهل والعمى حتى عرفت الاسلام واقتبست من انواره ا والتاريخ حاضر ينطق بكل مكرمة وفضل للمسلمين فليس المسلمون هم من قاموا ياستعماربلاد العالم واحتلالها فليس المسلمون هم الاسبان ولاالبرتغال ولااهولنداولافرنسا ولابريطانيا ولاامريكا ولاروسيا فلم يحتل المسلمون بلد واستعبدوا شعبها واستولوا على خيراتها كما فعلت اوربا المسيحية ولم يقتل المسلمون خمسين مليون من البشر فى الحربين العالميتين ولم يدمروا مدن العالم كما حدث من اوربا وليس المسلمون من دمرا مدينة نجازاكى ولاهيروشيما بالقنابل النووية وليس المسلمون من قتلوا مليون جزائرى فى فرنسا ولا هم من قتلوا ثلاثة ملايين فيتنامى وليس المسلمون هم من احتلوا بيت المقدس فى الحروب الصليبية وجعلوا الدماء تجرى انهرا من دماء المدنيين العزل من الشيوخ والاطفال والنساء وليس المسلمون هم من قتلوا الهنود الحمر فى امريكا وابادوهم من على ارض وسلخوا رؤسهم وليس المسلمون هم من فتلوا المدنيين فى افغانستان بقنابل زنة 7و8 طن وليس المسلمون هم من احتل العراق ودمروه وقتلوا الامنيين وارتكبوا فضائح سجن ابوغريب فمن جاء بكل هذا الشر يابابا الفاتيكان ليس بالطبع المسيح عليه السلام لاننا نؤمن به انه رسولا ربانيا داعيا الى السلام والخير انما من جاء بكل هذا الشر هم الحاقدون فى اوربا ممن لم يلتزموا بتعاليم المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام 000 ان العقلاء فى العالم يعرفون فضل الاسلام اما الحاقدون فهم يتجاهلون نور الاسلام لان رمد الحقد يملآ عيونهم 000واذا عدنا الى كلمات بابا الفاتيكان نجد انه خرجت من مشكاة واحدة هى وكلمات بوش فالرئيس الامريكى هو من اطلق لفظ الحرب الصليبية ومؤخرا قال بفاشية الاسلام مع ان الغرب هو اصلها ومنبتها وراعيها حتى الان ولكن كما يقال فى المثل رمتنى بدائها وانسلت 00 لذلك عتقد ان كلمات بابا الفاتيكان ليست مطلقا زلة لسان انما هى مقصودة فى الوقت والزمان لتعطى صكا دينيا لبوش يفعل ما يشاء بطغيانه فى العالم العربى والاسلامى 00انها كلمات مقصودة لتدشن غطاء دينيا للطاغية الامريكى فى حربه الخبيثة ضد العرب والمسلمين انها مقصودة لتعطى بوش بركات كنسية فى قتل المسلمين 00 انها كلمات مقصودة لترفع الروح المعنوية المنخفضة عند الجنود الامريكان المتواجدين فى افغانستان او العراق فى قتالهم للعرب والمسلمين 00 انها كلمات مقصودة فى شهر سبتمبر وذكرى خمس سنوات من الحرب الامريكية على القاعدة التى انقلبت الى حرب على الاسلام 000 انها كلمات مقصودة فى المانيا المنقسمة فى رايها حول التعاون الاعمى مع امريكا او التعاون الحكيم ورعاية مصالح المانيا فوق كل اعتبار 00 انها كلمات مقصودة لتدشين عالم جديد لامبراطورية الشرالامريكية ويبقى اننى اعتقد ان البابا لن يعتذر وسوف يلجأالى تحليل كلامه بما يستطيع تحويره كيفما شاء ولكنه لن يعتذر ليجد المسلمون انفسهم امام تحدى جديد فى ظل حالة ضعف ولكن عسى ان تسنهض كلمات بيندكت همم الشعوب وتنطلق الى ان تبنى امة قوية رادعة لمن يعاديها ويعادى نبيها واخيرا ان اكبر مستفيد من كلمات البابا هو تنظيم القاعدة الذى وجد فى كلمات البابا تاكيدا لكلامه وخطابه حول الحرب الصليبية.
* ممدوح اسماعيل محام وكاتبelsharia5@hotmail.com
==============
#أي الفريقين أحق بالعقل يا بنديكت؟!
[بقلم: د.هاني السباعي (مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن)]
بسم الله الرحمن الرحيم
تقدمة:
بتاريخ 12-9-2006 ألقى رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا بنديكت السادس عشر محاضرة بعنوان (العلاقة بين العقل والعنف في الإسلام والمسيحية) وكان من ضمن ما قاله واقتبسه حبر الكاثوليك (بنديكت) العبارات التالية:
"تداعت هذه الذكريات إلى ذهني عندما قرأت منذ فترة وجيزة جزءا من حوار نشره البروفيسير تيودور خوري، من جامعة مونستر، جرى بين الإمبراطور البيزنطي العالم مانويل الثاني ومثقف فارسي حول المسيحية والإسلام وحقيقة كل منهما خلال إقامته بالمعسكر الشتوي بالقرب من أنقره عام 1391".
"يبدو أن هذا الإمبراطور قد سجل هذا الحوار إبان حصار القسطنطينية بين عامي 1394 و1402، ويدل على ذلك أن مناظرته كانت أكثر توسعا من مناظرة محاوره الفارسي".
ثم يقتبس بنديكت ما ذكره البروفيسير (خوري) المذكور حول الجهاد في الإسلام وربطه بالعنف:
"ففي جولة الحوار السابعة كما أوردها البروفيسير خوري تناول الإمبراطور موضوع الجهاد، أي الحرب المقدسة. من المؤكد أن الإمبراطور كان على علم بأن الآية 256 من السورة الثانية بالقرآن (سورة البقرة) تقول: لا إكراه في الدين.. إنها من أوائل السور، كما يقول لنا العارفون، وتعود للحقبة التي لم يكن لمحمد فيها سلطة ويخضع لتهديدات. ولكن الإمبراطور من المؤكد أيضا أنه كان على دراية بما ورد، في مرحلة لاحقة، في القرآن حول الحرب المقدسة".
أقول: يعني أن القرآن ذكر (لا إكراه في الدين) عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مرحلة استضعاف في مكة أي من باب التقية حسب فهم خوري والإمبراطور وبنديكت!! بدليل أنه قال إن الإمبراطور كان على دراية بما ورد في مرحلة لا حقة في القرآن حول الحرب المقدسة. بقصد عندما فرض الجهاد في الحقبة المدنية. يعني البابا (بنديكت) دارس وفاهم ويعي ما يقول عكس ما قاله شيخ الأزهر طنطاوي ومن على شاكلته من علماء المسلمين الذي اتهموا البابا بالجهل بالإسلام!!!
ثم ينتقل البابا بنديكت إلى فقرة السب المباشر الذي نقله على لسان الإمبراطور البيزنطي في صورة الموافق والمادح لتحليل الإمبراطور الحقود على النحو التالي:
"وبدون أن يتوقف عن التفاصيل، مثل الفرق في معاملة (الإسلام) للمؤمنين وأهل الكتاب والكفار، طرح الإمبراطور على نحو مفاجئ على محاروه(...) السؤال المركزي بالنسبة لنا عن العلاقة بين الدين والعنف بصورة عامة. فقال: أرني شيئا جديدا أتى به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف".
أقول: من الذي برأ البتول مريم؟! أليس هو القرآن الذي أوحاه الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟! ومن الذي برأ الرسل الكرام الذين اتهموهم بأنهم أولاد زنا ولصوص؟ أليس هو القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم؟! فهل وصل الحقد والحسد إلى هذا الانحطاط الأخلاقي؟!
لله در شوقي! في رده على حاسدي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا أيها الأمي حسبك رتبةَ ** في العلم أنْ دانتْ لك العلماءُ(2/181)
فإذا رحمتَ فأنتَ أمٌ أو أبٌ ** هذان في الدنيا هما الرحماءُ
ويستمر بنديكت في غيه متهما مقتبساً العبارة التالية:
"الجملة الفاصلة في هذه المحاجة ضد نشر الدين بالعنف هي: العمل بشكل مناف للعقل مناف لطبيعة الرب، وقد علق المحرر تيودور خوري على هذه الجملة بالقول: بالنسبة للإمبراطور وهو بيزنطي تعلم من الفلسفة الإغريقية، هذه المقولة واضحة. في المقابل، بالنسبة للعقيدة الإسلامية، الرب ليست مشيئته مطلقة وإرادته ليست مرتبطة بأي من مقولاتنا ولا حتى بالعقل".
هكذا يخلص حبر الكاثوليك إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت بجديد! وأنه صلى الله عليه وسلم (حاشاه) لم يأت إلا بما هو شرير وغير إنساني!! وأن الإسلام دين عنف! الإسلام دين مخالف للعقل!! ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً)(الكهف:5)
وانطلاقا من تلكم التقدمة أود أن أعلق انتصاراً لرسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم، وللذب عن دين الإسلام العظيم الذي نحمد الله أن جعلنا مسلمين عبر النقاط التالية:
أولاً: مدخل تمهيدي: الباقلاني وخبر الروم الأعظم.
ثانياً: العنف المقدس من كتابهم المقدس!.
ثالثا: التاريخ المخزي.
رابعاً: صفوة القول.
أولاً: مدخل تمهيدي: الباقلاني وحبر الروم الأعظم:
قد يتساءل البعض ما علاقة القاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني البغدادي إمام المالطية في زمانه المتوفى 403هـ بالبابا (بنديكت) السادس عشر؟! العلاقة أن سلف هذا البنديكت (حبر الروم الأعظم في زمانه) قد طلب إمبرطوره في القسطنطينية من الخليفة العباسي أن يرسل له أحد علماء المسلمين ليناظر الحبرالأعظم للنصاري فانتدب الخليفة العباسي الإمام العلامة الباقلاني ليناظرهم وقد ذكر هذه المناظرة القاضي عياض في ترتيب المدارك وذكرها باختصار أيضاً الذهبي في سير أعلام النبلاء، وأشار إليها ابن خلكان في وفيات الأعيان. وقد كان القاضي أبو بكر الباقلاني أعجوبة زمانه في العلم وقوة الحجة وكان يلقب بلسان الأمة وشيخ السنة، وكان مضرب الأمثال في الذكاء وسعة العلم، وقد استطاع أن يناظر عدة فرق في وقت واحد! حيث قضى على أساطين المعتزلة وكل أصحاب البدع في زمانه! الشاهد من هذا السرد أن هذا العالم لم يتزلف إلى النصارى ويدعوهم إلى ما يسمى بحوار الحضارات الزائف!! بل إن إمبراطور الروم هو الذي سعى وطلب ليناظرهم في أس عقيدة الملتين؟!
نبذة حول سير المناظرة:
لقد رفض القاضي الباقلاني أن يخلع عمامته عندما دخل قصر الإمبراطور بل أنه أصر على عدم نزع خفيه لما طلب منه ذلك وقال: لا أفعل ولا أدخل إلا بما أنا عليه من الزي! وقال: أنا رجل من علماء المسلمين، وما تحبونه منا ذل وصغار! والله قد رفعنا بالإسلام وأعزنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وأيضاً فإن من شأن الملوك إذا بعثوا رسلهم إلى ملك آخر، رفع أقدارهم،لا إذلالهم. سيما إذا كان الرسول من أهل العلم. ووضع قدره انهدام عند الله تعالى وعند المسلمين! فما كان من الإمبراطور إلا أن رحب به ووافق على كطالبه وشروطه!
وهذا درس لعلماء المسلمين ولا سيما الذين يتمحكون في الحوار مع الغرب لدرجة أن أحدهم لو طلب منه أن يخلع جبته وعمامته وكل ما يشير إلى هدي ظاهر من لحية وغيرها لا ستجاب غير متردد!! بل إن من هؤلاء العلماء والدعاة من على استعداد أن يتنازل عن المعلوم من الدين بالضرورة وقواعد الإسلام الكبرى بزعم التقريب والتحبيب إلى الشريعة الغراء!! بالطبع هذا الذي شجع بنديكت وبطانته وبوش وعصابته وكل من هب ودب على وجه البسيطة الطعن في الإسلام وصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، بل وفي الاستهزاء من رب العالمين سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً!
عود إلى مناظرة الباقلاني:
ونظراً لطول المناظرة فإني أنقل بعض المواقف منها على النحو التالي:
الموقف الأول:
قال الذهبي في السيرج10 ص408 طبعة مكتبة الصفا بالفاهرة: "إن الطاغية (إمبراطور الروم) سأله: كيف جرى لزوجة نبيكم؟ بقصد توبيخاً. فقال: كما جرى لمريم بنت عمران، وبرأهما الله، لكن عائشة لم تأت بولد، فأفحمه".
الموقف الثاني:
جاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض مج2 ص210 طبعة دار الكتب العلمية بيروت: حيث قال له الملك (الإمبراطور:"هذا الذي تدعونه في معجزات نبيكم من انشقاق القمر، كيف هو عندكم؟ قلت (الباقلاني): هو صحيح عندنا،وانشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأى الناس ذلك. وإنما رآه الحضور، ومن اتفق نظره إليه في تلك الحال.
فقال الملك: وكيف لم يره جميع الناس؟
قلت (الباقلاني): لأن الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لشقوقه وحضوره.
فقال (الملك): وهذا القمر بينكم وبينه نسبة وقرابة؟ لأي شئ لم تعرفه الروم وغيرها من سائر الناس، وإنما رأيتموه أنتم خاصة؟
قلت (الباقلاني): فهذه المائدة (أي المائدة التي نزلت على عيسى عليه السلام من السماء) بينكم وبينها نسبة؟ وأنتم رأيتموها دون اليهود،والمجوس، والبراهمة،وأهل الإلحاد، وخاصة (يونان) جيرانكم، فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن، وأنتم رأيتموها دون غيركم. فتخير الملك".
وهنا استدعى الملك أحد القساوسة الكبار ليتدخل:
قال الباقلاني: "فلم أشعر إذ جاؤوا برجل كالذئب أشقر الشعر مسبله، فقعد، وحكيت له المسألة فقال (القسيس): الذي قاله المسلم لازم، هو الحق لا أعرف له جواباً إلا ما ذكره. فقلت له: أتقول إن الكسوف إذ كان يراه جميع أهل الأرض أم يراه أهل الإقليم الذي بمحاذاته. قال (القس): لا يراه إلا من كان في محاذاته. قلت: فما أنكرت من انشقاق القمر، إذا كان في ناحية لا يراه إلا أهل تلك الناحية، ومن تأهب للنظر له؟ فأما من أعرض عنه وكان في الأمكنة التي لا يرى القمر منها فلا يراه. فقال (القس): هي كما قلت. ما يدفعك عنه دافع. وإنما الكلام في الرواة الذي نقلوه. وأما الطعن في غير هذا الوجه، فليس بصحيح. فقال الملك: وكيف يطعن في النقلة؟ فقال النصراني: شبه هذا من الآيات، إذا صح وجب أن ينقله الجم الغفير، إلى الجم الغفير، حتى تصل بنا العلم الضروري به، ولو كان كذلك لوقع إلينا العلم الضروري به. فلما لم يقع به العلم الضروري به، دل على أن الخبر مفتعل باطل. فالتفت الملك إلي وقال: الجواب.
قلت (الباقلاني): يلزمه في نزول المائدة، ما يلزمني في انشقاق القمر، ويقال له لو كان نزول المائدة صحيحاً، لوجب أن ينقله العدد الكثير، فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا ثنوي إلا ويعلم بهذا بالضرورة. ولما لم يعلموا ذلك بالضرورة، دل ذلك على أن الخبر كذب. فبهت النصراني والملك، ومن ضمه المجلس، وانفض المجلس على هذا".
الموقف الثالث:
قيل إن ملك الروم وعد القاضي الباقلاني الاجتماع معه في محفل من محافل النصرانية، فحضر الباقلاني وبولغ في زينة المجلس وأدناه الملك منه وأجلسه بجانبه وكان الملك في أبهته وخاصته عليه التاج ورجال ممكلته يحيطون به ثم جاء البطرك قيم ديانتهم (البابا في زمانه) فسلم القاضي عليه أحفى سؤال ولنترك القاضي عياض والذهبي يحكيان لنا ما حدث في هذا الموقف الطريف:
"وقال له (الباقلاني): كيف الأهل والولد؟ فعظم قوله هذا عليه، وعلى جميعهم وتغيروا له، وصلبوا على وجوههم، وأنكروا قول أبي بكر عليه (الباقلاني)".
"فقال الملك: مه! أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا! فقال (الباقلاني): تنزهونه عن هذا، ولا تنزهون رب العالمين عن الصاحبة والولد!". انتهى بتصرف.(2/182)
أقول: هكذا كان العلماء الأفذاذ الذين استعلوا بإيمانهم على الباطل فلم يقتاتوا بعلمهم ولم يعطوا الدنية في دينهم! فكانوا بحق نجوماً في سماء التاريخ.
ثانياً: العنف المقدس من كتابهم المقدس!:
لقد رمى البابا بنديكت السادس عشر الإسلام بالعنف! ومن ثم لن نرد عليه بالقرآن ولا بالسنة ولا بالنقل من الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية ولا حتى مناظرات الشيخ أحمد ديدات الذي كسر شوكتهم في العصر الحديث رحمة الله عليه رحمة واسعة! ولكن من العهد القديم الذي يؤمن به البابا بنديكت وأهل الملة النصرانية جمعاء لنعلم بالدليل القاطع من الكذاب الأشر؟!
وهذه عينة من بعض أسفار العهد القديم:
(1) سفر التثنية: الإصحاح 20:
الخروج للحرب: " فاَضْرِبوا كُلَ ذكَرٍ فيها بِحَدِّ السَّيفِ. وأمَّا النِّساءُ والأطفالُ والبَهائِمُ وجميعُ ما في المدينةِ مِنْ غَنيمةٍ، فاَغْنَموها لأنْفُسِكُم وتمَتَّعوا بِغَنيمةِ أعدائِكُمُ التي أعطاكُمُ الرّبُّ إلهُكُم. هكذا تفعَلونَ بجميعِ المُدُنِ البعيدةِ مِنكُم جدُا، التي لا تخصُّ هؤلاءِ الأُمَمَ هُنا. وأمَّا مُدُنُ هؤلاءِ الأُمَمِ التي يُعطيها لكُمُ الرّبُّ إلهُكُم مُلْكًا، فلا تُبقوا أحدًا مِنها حيُا بل تُحَلِّلونَ إبادَتَهُم، وهُمُ الحِثِّيّونَ والأموريُّونَ والكنعانِيُّونَ والفِرِّزيُّونَ والحوِّيُّونَ واليَبوسيُّونَ ".
(2) التثنية: الإصحاح 12:
"هذه هي الفرائض و الأحكام التي تحفظون لتعملوها في الأرض التي أعطاك الرب اله آبائك لتمتلكها كل الأيام التي تحيون على الأرض. تخربون جميع الأماكن حيث عبدت الأمم التي ترثونها آلهتها على الجبال الشامخة و على التلال و تحت كل شجرة خضراء و تهدمون مذابحهم و تكسرون أنصابهم و تحرقون سواريهم بالنار و تقطعون تماثيل آلهتهم و تمحون اسمهم من ذلك المكان".
(3) التثنية: الإصحاح 13:
"إن سمعت عن إحدى مدنك التي يعطيك الرب إلهك لتسكن فيها قولا. قد خرج أناس بنو لئيم من وسطك و طوحوا سكان مدينتهم قائلين نذهب ونعبد آلهة أخرى لم تعرفوها وفحصت و فتشت و سالت جيدا و إذا الآمر صحيح وأكيد قد عمل ذلك الرجس في وسطك. فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف و تحرمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف. تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك فتكون تلا إلى الأبد لا تبنى بعد".
(4) التثنية: الإصحاح 7:
" ولكن هكذا تفعلون بهم تهدمون مذابحهم و تكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم وتحرقون تماثيلهم بالنار. أنك أنت شعب مقدس للرب إلهك إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعبا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض ".
(5) سفر حزقيال: الإصحاح 9:
" اعبروا في المدينة وراءه واضربوا لا تشفق أعينكم و لا تعفوا الشيخ و الشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك ولا تقربوا من إنسان عليه السمة وابتدئوا من مقدسي فابتدئوا بالرجال الشيوخ الذين أمام البيت. وقال لهم نجسوا البيت واملأوا الدور قتلى أخرجوا فخرجوا وقتلوا في المدينة".
(6) سفر العدد: الإصحاح 31:
"وكلم الرب موسى قائلا: انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين ثم تضم إلى قومك . فكلم موسى الشعب قائلا جردوا منكم رجالا للجند فيكونوا على مديان ليجعلوا نقمة الرب على مديان. (..) فتجندوا على مديان كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم آوى وراقم و صور وحور ورابع خمسة ملوك مديان وبلعام بن بعور قتلوه بالسيف. وسبى بنو اسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم و كل أملاكهم. وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم و جميع حصونهم بالنار. وأخذوا كل الغنيمة و كل النهب من الناس و البهائم. و أتوا إلى موسى و العازار الكاهن و إلى جماعة بني إسرائيل بالسبي و النهب و الغنيمة إلى المحلة إلى عربات موآب التي على أردن أريحا. فخرج موسى و العازار الكاهن و كل رؤساء الجماعة لاستقبالهم إلى خارج المحلة. فسخط موسى على وكلاء الجيش رؤساء الألوف ورؤساء المئات القادمين من جند الحرب. وقال لهم موسى هل أبقيتم كل أنثى حية. إن هؤلاء كن لبني إسرائيل حسب كلام بلعام سبب خيانة للرب في أمر فغور فكان الوبا في جماعة الرب. فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال و كل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها".
أقول: فماذا عسى حبر النصارى الأعظم (بنديكت) أن يجيب على هذه النصوص الصريحة في التحريض على القتل والعنف وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وعدم استعمال الشفقة والرأفة والرحمة معهم؟! ماذا عسى بنديكت وبطارقة الفاتيكان أن يردوا على هذه النصوص التي تحرض على هدم البيوت وتدمير المدن رأساً على عقب فوق سكانها؟! فماذا عسى بنيكت وأخبار النصارى أن يفسروا لنا هذا التحريض الوحشي وعدم الرحمة حتى مع البهائم والأمر باجتثاث الأشجار والزروع وكل ما يمت إلى خصومهم؟! وماذا .. وماذا .. وماذا..؟! حقاً رمتني بدائها وانسلت! وصدق شوقي في تألمه من الذين يزعمون أنهم يحاربون باسم المسيح عيسى عليه السلام وهو منهم براء:
ما كنت سفاك الدماء ولا امرءاً ** هان الضعاف عليه والأيتامُ
يا حامل الآلام عن هذا الورى ** كثرت علينا باسمك الآلامُ
ثالثا: التاريخ الدموي المخزي لآل بنديكت:
لن نتكلم عن المجازر التي ارتكبها النصارى مع أهل الإسلام إبان الحروب الصليبية، ولكن نتكلم عن المجازر التي اقترفها عباد الصليب مع بعضهم البعض ومع غيرهم من الأمم عبر النقاط التالية:
الأول: جار في تاريخ الدولة العلية ص 74: مذبحة سان برتيلمي: "وهي مذبحة الروتستانت بجميع أنحاء فرنسا ذبحهم الكاثوليك بأمر ملك فرنسا (شارل التاسع) بناء على إيعاز والدته (كاترين دي مديسي) في يوم 24 أغسطس 1572م واختلف في عدد من قتل في هذا اليوم فأبلغه بعضهم إلى 60 ألفاً)"!. يا للهول! في يوم واحد أجداد بنديكت يقتلون من بني جلدتهم البروتستانت ستين ألف نسمة في يوم واحد! تاريخ مشرف فعلاً!!
الثاني: خسائر الحرب العالمية الأولى (1914م إلى 1918م) حوالى 20 مليون نسمة. أنفقت الدول المشاركة حوالى 82.4 مليار دولار.
خسائر الحرب العالمية الثانية: (1939م إلى 1945م) قرابة 35 مليون قتيل.
نفقات التسلح 2100 مليار دولار.
خسائر الحروب الماضية: 207 ملايين نسمة؛ كان للحرب الأهلية والقومية والاستعمار فيها النصيب الأكبر.
أقول: لم يكن للمسلمين في هاتين الحربين ناقة ولا جمل! ولم يكن هناك تنظيم قاعدة ولا ما يسمى بالإرهاب إلا الإرهاب الغربي في تلك الحقبة بين نصارى ونصارى! فالنازية الهتلرية النصرانية صناعة غربية محضة! والفاشية الموسولينية صناعة غربية نصرانية بحتة! وجماعات الكوكوس التي أثارت الذعر بين الأمريكان الزنوج! صناعة أمريكية نصرانية بحتة! بل إن وضع أكياس على رؤوس الأسرى المسلمين في جوانتانامو وأبي غريب وباجرام مستوحاة من هذه الجماعات الهمجية الإرهابية الذين كانوا يحرقون منازل الزنوج وقراهم ويضعون أعواد مشانق أمام بيوت السود لإرهابهم!! ناهيك عن المافيا والجرائم العابرة للقارات كلها صناعة غربية نصرانية!(2/183)
الثالث: قال الرئيس الأمريكي وليام ما كينلي الذي أمر بغزو الفلبين سنة 1898م: "نحن لم نذهب إلى الفلبين بهدف احتلالها، لكن المسألة أن السيد المسيح زارني في المنام، وطلب مني أن نتصرف كأمريكيين، ونذهب إلى الفليبين لكي نجعل شعبها يتمتع بالحضارة".! صدق أو لا تصدق! رؤساء النصارى يوحى إليهم! ماكينلي يعزو الفلبين لأن الرب جاءه في المنام! وجورج بوش الصغير زاره الرب أيضاً لغزو أفغانستان والعراق! وهلم جرا! من أجل ماذا لتتمتع هذه الشعوب بالحضارة!! وهل تحققت الديمقراطية واستمتع أهل الفلبين بجنة الغرب النصراني!! طبعاً تحولت أمان الله إلى الفلبين!! وانقرض المسلمون وصاروا أثراً بعد عين! ولم يبق من حضارة الغرب النصراني إلا التفنن في أكل القطط والكلاب وقتل المسلمين! تماماً مثل ما يحدث الآن في استمتاع الشعب العراقي والأفغاني بالحضارة الغربية النصرانية تحت قيادة أمريكا!!
الرابع: يقول يوهان جالتونج: "الأمم الغربية ملك للولايات المتحدة، والولايات المتحدة في حلف مع الله". (فهد العرابي: أمريكا التي تعلمنا الديمقراطية ص311). أقول: هذا حلف الشيطان طبعاً لأن الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر. وصدق الله القائل فيهم: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) (لأنفال:73).
الخامس: قال روبرت كروش: من أن رئيسه قال له: لا أريد أسرى أريد إحصاء للجثث. ثم يضيف كروش: لقد كنا نعتبر كل من هو فوق الثانية عشرة مشروع جثة"! (أمريكا التي تعلمنا الديمقراطية ص342).
السادس: في إيطاليا: "وإلى تاريخ متأخر 1762م كان السجناء تحطم أجسادهم على دولاب التعذيب عظمة بعد عظمة، أو يسحلون على الأرض في ذيل حصان مهموز" (وول ديورانت: قصة الحضارة ترجمة فؤاد أندراوسمج39_40 ص176).
أقول: طبعاً لم نذكر محاكم التفتيش لأنها لا تحتاج إلى تذكير فهي من الأحداث الوحشية المتواترة التي ارتكبها أجداد بنديكت وبنو طائفته الكاثوليك في حق المسلمين في الأندلس!! أجل! إنها حقاً حضارة غربية نصرانية مشرفة جداً!!
السابع: هلاك السكان الأصليين:
يقول ناعوم تشومسكي في كتابه (الغزو مستمر) ترجمة مي النبهان ص 13: عن غزو الأوربيين للعالم أسفر عن كارثتين لا مثيل لهما في التاريخ: "هلاك السكان الأصليين في نصف الكرة الغربي وخراب أفريقيا حيث تجارة الرقيق سريعاً".
ويرجع تشوماسكي السبب الأهم في نجاح الأوربيين في غزو العالم: "تمكن أوروبا من ثقافة العنف وانغماسها فيها".
الثامن: لقد كانت مدينة (دكا) عاصمة بانجلاديش حالياً مزدهرة وغنية وكان الأوروبيون يطلقون عليها ما نشستر الهند! تشبيهاً بمدينة مانشستر الصناعية في بريطانيا! ماذا حدث لأهلها على يد دعاة الحضارة الغربية النصرانية؟! لقد انخفض عدد سكانها كما يقول تشاموسكي بفعل الإرهاب البريطاني من مائة وخمسين ألفاً إلى ثلاثين ألفاً فقط!!
التاسع: لقد قتل الأوربيون المتحضرون جداً عشرة ملايين إنسان من سكان زائير! يقول ناعوم: "وسوف يؤسس تشرشل لمبدأ القصف الكيماوي فيقول: (إن من الصحيح تماماً استخدام الغازات السامة ضد القبائل غير المتمدنة" ص43. وهذا ما فعلوه سابقاً ويفعلونه حالياً في أفغانستان! وإلا ماذا يفسر لنا البابا بنيديكت عن سبب وجود حلف الناتو الصليبي في أفغانستان؟! هل يوزعون الحلوى والمن والسلوى على الشعب الأفغاني الفقير المظلوم؟! أم أنهم يقذفونهم بأطنان المتفجرات والغازات السامة التي تبيد القرى عن بكرة أبيها! ماذا يفعل الذين يزعمون أنهم أتباع المسيح عيسى عليه السلام في أفغانستان؟! ألم ينشروا العنف والقتل والخراب في البلاد؟! ألم يهتكوا الأعراض ويعيثوا في الأرض فسادا؟! من الذي قتل مليون ونصف مليون عراقي إبان الحصار الظالم لعاصمة الرشيد؟! أليس زعماء الحضارة الغربية النصرانية المتحضرة جداً؟! من الذي قتل أكثر من مائتي ألف قتيل في العراق منذ الغزو عام 2003م حتى الآن؟! أليس الغرب النصراني المتحضر وأذنابه العملاء!! أين حمرة الخجل يا بند يكت؟!
العاشر: شهد شاهد من أهلها: لقد كتب المؤرخ الأسباني (لاس كاساس) في وصيته قبل موته: "أظم أن الله سيصب غضبه ومقته على أسبانيا بسبب هذه الأعمال الشائنة الإجرامية غير الورعة التي ارتكبت بظلم وبربرية وطغيان،لأن معظم الأسبان اشتركوا في الثروة المغموسة بالدم والتي اغتصبناها على تلك السواحل وسط المذابح والخراب" تشاوسكي: ص58. أقول: هلا تأسيت أيها البابا بنديكت بالمؤرخ لاس! ورجعت إلى العقل ونطقت بالحق وتبرأت من جرائم أتباع ملتك التي اقترفوها في حق البشرية جمعاء؟! فأي الفريقين أحق بالعقل يا بنديكت؟!
صفوة القول
لقد استبان لنا بعد هذا التطواف أي الفريقين أحق بالعقل؟! هل هم الذين طعنوا في أنبيائهم أم الذين ينزهونهم وينتصرون لهم؟! فأي عقولكم يا بنديكت وأنتم تؤمنون بزنا نبي الله لوط عليه السلام مع ابنتيه؟! وها هو ذا النص الذي تشيب له الرؤوس وتنخلع منه القلوب! كما جاء في سفر التكوين الإصحاح التاسع عشر: " و صعد لوط من (صوغر) وسكن في الجبل و ابنتاه معه أنه خاف ان يسكن في صوغر فسكن في المغارة هو و ابنتاه. و قالت البكر للصغيرة أبونا قد شاخ و ليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلا. فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة و دخلت البكر و اضطجعت مع أبيها و لم يعلم باضطجاعها و لا بقيامها. وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة إني قد اضطجعت البارحة مع أبى نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعي معه فنحيي من أبينا نسلا. فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا و قامت الصغيرة و اضطجعت معه و لم يعلم باضطجاعها و لا بقيامها. فحبلت ابنتا لوط من أبيهما. فولدت البكر ابنا و دعت اسمه (موآب) وهو أبو الموآبيين إلى اليوم والصغيرة أيضا ولدت ابنا و دعت اسمه (بن عمي) وهو أبو بني عمون إلى اليوم".
تأمل: شرب خمر واقتراف زنا وليس أي زنا؟! زنا من نبي منزه معصوم عن الخطأ ناهيك عن الخطيئة! يزني مع محارمه مع ابنتيه وليس بنتاً واحدة! يعني سلالة زنا!! إذن هذا هو سر شيوع الفاحشة والدعارة وزنا المحارم، والانسلاخ من الفطرة عبر ممارسة فعل قوم لوط وانتشار السحاق!! فلم العجب فلقد اقترف أحد الأنبياء الأطهارالزنا مع ابنتيه؟! هل هذه عقول تستحق الاحترام وهي تؤمن بهذه الخرافات والافتراءات على أشرف خلق الله من البشر أنبيائه الأبرارورسله الكرام الأخيار! سبحانك هذا بهتان عظيم!!
أين ذهبت عقول هؤلاء القوم! الذين يؤمنون بأن ابن الله على حد زعمهم كان يعيش في رحم امرأة؟! ولماذا تركه أبوه (الإله) يصلب ويقتل هذه القتلة الشريرة؟! أين حكمة هذا الأب (الإله) الذي يترك ابنه يعبث به هؤلاء المجرمون؟!(2/184)
أين ذهب عقلك يا بنديكت! وأنت تؤمن أن نبي الله يعقوب يصارع الله!! كما ورد في سفر التكوين الإصحاح الثاني والثلاثين: " و لما رأى انه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه. و قال أطلقني لأنه قد طلع الفجر فقال لا أطلقك إن لم تباركني. فقال له ما اسمك فقال يعقوب. فقال لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس و قدرت. وسأل يعقوب و قال اخبرني باسمك فقال لماذا تسال عن اسمي و باركه هناك. فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلا لأني نظرت الله وجها لوجه ونجيت نفسي وأشرقت له الشمس إذ عبر فنوئيل وهو يخمع على فخذه. لذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النسا الذي على حق الفخذ إلي هذا اليوم انه ضرب حق فخذ يعقوب على عرق النسا."!!
تأمل! أكرم الله عقولنا أهل الإسلام! يعقوب عليه السلام يصارع الله رب العالمين!! والرب يتوسل ليعقوب أن يطلقه لأن الفجر طلع! والرب يجهل اسم يعقوب ويقول له ما اسمك ثم يسميه إسرائيل!! ثم آخر المضحكات المبكيات: عرق النسا! الذي لا يأكله بنو إسرائيل لأن الله ضرب حق فخذ يعقوب على عرق النسا!! الحمد لله على نعمة العقل! (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا) (لأعراف:89).
أين ذهبت عقول هؤلاء القوم! وهم يؤمنون بأن المسيح عليه السلام يتهم الأنبياء قبله بأنهم لصوص! ليس هذا افتراء منا على بنديكت وأهل ملته! فقد ورد النص في إنجيل يوحنا الإصحاح العاشر: "فقال لهم يسوع أيضا الحق والحق أقول لكم إنى أنا باب الخراف. جميع الذين أتوا قبلي هم سراق و لصوص و لكن الخراف لم تسمع لهم".!!
تأمل! واسترجع وحوقل! أنبياء الله؛ سراق ولصوص!! سبحانك هذا بهتان عظيم!
الآن قد حصحص الحق أيها الحبر بنديكت! واستبان لكل ذي لب: أي الفريقين أحق بالعقل؟!
------------------------------------------------------------------------------------------------------
تعلقات حول المقالة من موقع صحيفة المصريون:
تحيه واحترام
برنس مان | 9/19/2006 4:45:18 PM
بارك الله فيك
لا تجزعوا
فايد | 9/19/2006 1:24:09 PM
يجب أن نتجاهل هذا الشخص فلا قيمة له فهل نتصور أن ينصف الإسلام بابا الفاتيكان الفاقد لدوره و أهميته و يجب أن نعلم بأن مثل هذه الأقوال الحاقدة لا ترقى لأن تسيئ للإسلام و لا الرسول صلى الله عليه و سلم فالجهال و الحاقدون على الإسلام موجودون على مر العصور
salah_mohed@yahoo.com
د. رونق | 9/19/2006 9:40:50 AM
اكرمك الله ورزقك الحجة والحكمة للرد على ذئاب النصارى واذنابهم
لابد و أن تطالبوا بمناظره
محمد | 9/19/2006 9:33:48 AM
لابد و أن تطالبوا بمناظره
نعرض على البابا المناظرة العلنية المباشرة
د . عبد الله بهنساوي | 9/19/2006 8:19:22 AM
اخي الدكتور / هاني السباعي ان المسيحية الحالية ليست هي المسيحية الحقيقية، بل هي مسيحية شاؤول - بولس الرسول- وأنا معك ننصح بنديكت الى التعرف على المسيحية الحقيقية من واقع ادق مصادرها ( القرآن الكريم ) ، فبعد ماذكرتم في مقالكم الرائع نخلص الى أن الاسفار التي يؤمن بها المسيحيين لا توافق العقل ولا المنطق بل هي مجرد ميثيولوجيا منقولة من مثيولوجيات سابقة عليها حتى مايتعلق منها بصلب العقيدة، والأمثلة كثيرة، اود بل اتمنى ان تتحول ردودنا نحن المسلمين الى مناظرة علنية مباشرة لكي يشهدها كل العالم ، وأنتم لديكم من الأدلة ما يدحض كل خرافاتهم وافتراءاتهم وأنا معكم مساهماً بأدلة ليست من القرآن الكريم والسنة، بل من واقع اسفارهم التي يقدسونها ويؤمنون بها أكاديمي متخصص في الفلسفة والأديان
احسنت ولكن
د عبد الباارى | 9/19/2006 7:01:08 AM
برجاء حار التوقف عن الغمز واللمز فى العلماء المسلمين فليس هذا وقتو ولا هذا مكانة ولاداعى لاافساد هذا العمل العظيم بما لاداعى لة فنحن نريد الوحدة ولانريد الفرقة وجزاك اللة خيرا
الرد لعلمائنا وليس لهذا الـ (البنديكت )
حسن رمضان | 9/19/2006 5:59:06 AM
إن هذا الردلابد وان يوجه الي كثير من علمائنا الذي قصروا في ردهم وتمايلوا بفتواهم لغير رضا ربهم وتقصيرا في حمل امانتهم
الاصلاح
قارئ عابر | 9/19/2006 4:59:34 AM
اعتقد ان اول خطوة لمواجهة هذه الهجمات على الاسلام هى اصلاح الداخل بتغيير رؤوس المؤسسات الدينيه التى لاتعرف حتى كيفية الرد ولاتتعلم من الشيخ البقلانى رحمه الله واولهم بالطبع سيد طنطاوى الذى شاهدناه كيف يرد على الرسومات المسيئه للرسول صلى الله عليه وسلم واليوم كيف يرد على محاضرة بنديكت وكأنه يدافع عنهم فالاولى عزل مثل هذا الرجل الذى يعتبر وجوده اساءه للاسلام.
بارك الله فيك وفتح عليك
م. حسام الدين محمود | 9/19/2006 4:51:36 AM
عناية السيدالكتور / هانى السباعى ماقرات ابدا امتع من هذا المقال , الذى جعلنى اشعر كم كرمنى الله بنعمة الاسلام,ان ماقدمته من وثائق هى فى الحقيقه بين ايديهم ويعلمونها كافية لان تفحم اى انسان يدعى انه صاحب عقل. اخى الدكتور هانى السباعى ارجوك ان تقوم بترجمة هذا المقال الرائع , الى الانجليزيه والفرنسيه والالمانيه والايطاليه, هذا واجب وضرورى , وانا واثق ان هذا المقال وما يحويه من حقائق ثابته سيكون سببا فى انضمام الكثير من الضالين الى نور وسماحه الاسلام. افادك الله وفتح عليك, والحمد لله على ان هدانا الى الاسلام
شكرا و جزاك الله خيرا
محمد على | 9/19/2006 4:41:51 AM
لكاتب المقال جزاك الله خيرا و هذا أبلغ الثناء كما قال المعصوم عليه الصلاة و السلام. و أقول للسيد سانو صاحب تعليق "الأمة الملازمة للتدهور" فالدين لا يؤخذ من النجوم الزاهرة الخ ما ذكرت (هذا على إعتبار أنك أحسنت فهم ما قرأت) ما ذكر فى المقال لم يتعد كتاب القوم المقدس و هو محل إيمان جازم لديهم. أما الإدعاء بملازمة الأمه للتدهور فهذا من عور البصر و فساد العقل فهذه الأمة لا تعرف القتل بإسم الله و لا الحرب المقدسة (التعبير الذى أخترعه الصليبيون ليقتلوا بإسم الرب) و لا تعرف الكهنوت و الإنسياق كالخراف خلف كاهن فعندنا "كل نفس بما كسبت رهينة" فهلا تخليت أنت عن ملازمة الاختزال و الظلم.
خير رد .....و لكن
د. محمد الصديق الصقار | 9/19/2006 4:19:46 AM
السلام عليكم جزاكم الله خير الجزاء ولكنى اطالب مالكى القنوات الفضائيه بترجمة هذا المقال بكافة اللغات الحيه وبثه مشاهدة فى اوقات الذروه المناسبة لغالبية المتلقين غير المسلمين تكفيرا لقنوات العرى التى اكتظت بها الساحة العربية الان بل واطالب بقنوات فضائيه دائمه تبث باللغات الحيه وان تكون مستقلة عن الحكومات وتقام اساسا على التبرعات وتقوم بالتعريف عن الاسلام بلغة سهلة راقية بعيدا عن العصبية والتطرف ويشرف على مادتها علماء افاضل امثالكم ود.مبروك ود.محمد هدايه ود.وجدى غنيم...الخ وتشمل افلاما ومسلسلات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضى الله عنهم ويقوم بالتمثيل فيها افضل الممثلين الاجانب والعرب حتى تصل للاخر فى افضل صوره وذلك باخراج عربى مع تنوع موادها حتى لا يمل المتلقى...وشكرا لكم والسلام عليكم.
ارجو ترجمة هذا المقال من فضلكم
مؤمن عبد الحميد | 9/19/2006 3:39:49 AM
بارك الله فيك يا د/ هانى و ارجو ترجمة هذا المقال سريعاً حتى يتيسر له الوصول الى اكبر عدد ممكن من وكالات الانباء الغربية، و جزاكم الله خيراً(2/185)
ان الدين عند الله الاسلام
عبد الله | 9/19/2006 3:22:22 AM
لاحول ولاقوة الا بالله العلى العظيم . أخشى التعليق لكى لاأجترئ على انبياء الله . الاسلام ونبى الاسلام فى منزلة خاصة عند ربهم وتابعيهم . وخالص الشكر على هذه المعلومات القيمة . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يتحدث عن العقل من عدمه
احمد | 9/19/2006 3:03:53 AM
اظن ان الامر بحاجة الي مناظرة لا محاورة فلم لا يدشن اهل العلم والفضل موقعا للمناظرة او قناة فضائية بلغات القوم وان لم تكن اليوم فمتي؟
نحن نجل عيسي عليه السلام ونقتدي به أكثر منهم
محمد | 9/19/2006 2:22:20 AM
الحمد لله الذي فرض علينا الجهاد,والله انه شرف لا يوازيه شرف أن نقف ضد من يفسد في الارض ويهلك الحرث والنسل. سلمت يمينك يادكتور هاني,هكذا يكون الرد,فهم يريدوا أن يجروننا الي الدفاع وكأنها تهمة, وأضيف,ألم يأمر المسيح أتباعه بأن يبيعوا ثيابهم ليشتروا سيوفا,ألم يقل لهم ما جئت لألقي سلاما بل سيفا,ما جئت لألقي سلاما بل نارا,من لم يأتني ويبغض أباه وأمه وامرأته واخوته...الخ لا يستطيع أن يكون لي تلميذا (معني الأعداد).ارجوا النشر وعدم تجاهل رسالتي كالعادة وشكرا.
مقال يستحق الترجمة
محمد شفيق | 9/19/2006 2:11:31 AM
جزى الله كاتب هذا المقال د. هانى السباعى خير الجزاء، فعلا مقال يستحق الترجمة وارساله الى الفاتيكان وBBC وغيرها حتى لا نخاطب نفسنا ولكن يجب ان نخاطبهم بلغتهم
ارجو نشرها وترجمتها
معاذ فرماوي | 9/19/2006 1:30:17 AM
جزاك الله خيرا واقترح نشر هذه المقالة فى أكثر من جهة وأكثر من موقع ، واقترح أيضا ترجمتها الى الانجليزية ونشرها ، على أن يكون عنونها رسالة الى بابا الفاتيكان
الرد الجميل
abodogana | 9/19/2006 12:50:02 AM
بارك اللة فيك سيدى الفاضل ونرجوا المزيد جزاكم اللة خيرا
الامة الملازمه للتدهور
sano | 9/18/2006 7:53:50 PM
د/ هانى السباعى ليست المشكلة فى كلام البابا المشكلة الكبرى تكمن فى النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة لابى المحاسن وايضا فى الخطط للمقريزى وايضا فى الطبقات الكبرى لابن سعد وفى الكثير من امهات الكتب الاسلامية ولن يبرء الاسلام سفر التثنية ولا التوراه كلها ولا الانجيل كله الذى يبرء الاسلام هو تحديد الموقف من تلك الاحداث التى اصطبغت بالدين والتى تملاء امهات الكتب والتى يقتل فيها البشر بأسم الله وبتحريض الله وها العراق يقتل يوميا خمسون مسلما ولم نسمع للعلماء رأى واضح ولم تخرج مظاهرات وكأنهم نفاية اعدت للكنس افيقوا وحددوا المواقف يرحمكم الله
مقال يستحق أن يترجم
أحمد المنوفي | 9/18/2006 6:58:50 PM
مقال أكثر من رائع يحتاج إلى ترجمة إلى عدة لغات أجنبية شكراً للمصريون على هذه المقالةالمتميزة فعلاً. بارك الله في الدكتور هاني السباعي.
يحمل اسفارا
د.حسام حسن | 9/18/2006 5:15:20 PM
ادعو البابا بندكت الى الدخول الى مكتبة الفاتيكان وبدلآ من أن يحصر فكره في القرن الثالث عشر يقرأ انجيل برنابا ... يقرأ القرآن الكريم ولا يتورط مع الصهاينةحتى لايفقد مكانة المنصب الذي يعتليه والا فما فائدة العقل؟
================
#النصارى يحكمون مصر!
الجزء الاول
[بقلم: د. محمد عباس (www.mohamadabbas.net)]
بسم الله الرحمن الرحيم
كلما ازدادت الخطوب، وتهاطلت المصائب، وتكاثرت الفتن، تدهمني الحيرة، وينقض السؤال ظهري، سؤال يقول: في أي الشئون أكتب، ولأي الفتن أتصدى، وعن أي الخطوب أدافع، أتقلب على الجمر و أقبض عليه إذ أتساءل: أي الكوارث أولى بالمواجهة، و أي المصائب لا يجوز التواني عن الحديث عنها، كلما حدث ذلك تتغير أولوياتي، فأنصرف عما نويت التصدي له، وأتحول عما أردت الخوض فيه، ليس انصرافا عن المهم، بل اتجاها للأهم، فأكون كالأب الذي ينصرف عن ابنه الذي تصرعه الحمى، إلى ابنه الآخر الذي يكاد النزيف أن يقتله، وما أكثر ما انتويت أن أكتب حاشية في أمر ما، حاشية من بضعة سطور، فإذا بالحاشية تتحول إلى مقال، وكم من مرة انتويت أن أكتب مقالا واحدا أعود بعده إلى ما كنت فيه، لكن المقال يستدعي أجزاء و أجزاء و أنا أدرك أنني لم أكمله، و أن هناك نقاطا في غاية الأهمية لم أذكرها، أقول كلما حدث ذلك ينساب إلىّ خيال حزين، ربما كان رؤيا، وربما كان من خلال أستار الزمن رؤية، عن فارس، ربما كان في الأندلس أو في العراق أو في فلسطين أو في سيناء أو في البوسنة والهرسك أو الفلبين أو كوسوفا أو في بخارى أو في سمرقند، أو الشيشان أو كشمير أو في دمشق وبيروت والرياض والقاهرة، فارس يحاول الدفاع عن قلعة تهدمت حصونها ونقبت ثغورها، وانشغل ولاتها الخونة، و أمراؤها اللصوص، انشغلوا عن الدفاع عنها بجمع ما سرقوه منها والهرب، ويقف الفارس حيرانا، هذا الثقب أولى بالدفاع أم تلك الثغرة، تلك الثلة من فرسان العدو أم تلك القلة، هل يندفع إلى اليسار أم اليمين أولى، إلى الأمام أم الخلف أخطر، كلما اتجه إلى مكان اكتشف أن الخطر في المكان الآخر أشد، وكلما عزم على أمر وجد أن فرصة تنفيذه قد ولت، تجيئه النداءات من كل صوب، والاستغاثات من كل جهة، اختلطت الأصوات فما عاد يعلم إن كان الصوت صوت أخيه أم صوت عدوه، وما إذا كانت الاستغاثة صادرة لتحذيره أم لتضليله كي يندفع إلى المكان الخطأ في الزمان الخطأ، اشتبكت الأصوات واختلطت الملامح، الأعداء يلبسون زى قومه وقومه يلبسون زى الأعداء، لم يعد يعرف، لم يعد يفهم، عيناه تكذبان وأذناه تكذبان وفكره يختل، إلى من يستجيب؟ من يُنجد وبمن يستنجد؟؟ تدور عيناه، تنسعر عيناه، يجرى لكن في نفس النقطة من المكان، يلهث، يدور حول نفسه، يظل يدور، ويدور ويدور..
***
يستبد بي هذا الخيال الكابوسي، ثم ما يلبث حتى يستسلم لواقع لا يكاد يختلف عنه، فمنذ شهور، مرت كدهور، و أنا أنوي العودة للكتابة عن شهيد الإسلام سيد قطب، لعن الله قاتليه، و نصر متبعيه وتابعيه، ورحت أؤجل و أؤجل، ملتمسا الأعذار لنفسي، فالشهيد - إن شاء الله- يستطيع أن ينتظر، وهو - إن شاء الله- في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وعندما انتقلت المجاهدة زينب الغزالي - وهي الشهيدة في فراشها إن شاء الله - إلى رحاب الله، قلت لنفسي قد آن الأوان إذن، لأن مدخل الكتابة عن الفصل الأخير من حياة الشهيد سيد قطب، لابد أن يمر من خلال أيام من حياة المجاهدة العظيمة، و عزمت، وتوكلت، وقدرت، ونويت..
نعم.. عزمت، وتوكلت، وقدرت، ونويت.. لكن الله قدر أمرا آخر، عندما اشتعلت النار في مكان آخر، من الشلو المليء بالحروق، والجسد المليء بالجراح، و أقصد بهذه النار تلك المسرحية المجرمة، التي تسئ إلى الإسلام أبلغ إساءة، والتي مثلت في إحدى الكنائس في مدينة الإسكندرية، ربما كان المسيح عليه السلام يقصد مثلها عندما تحدث عمن يحولون دور العبادة إلى مغارات لصوص.
و أنبه القارئ الكريم إلى ملابسات لابد يدرك أسبابها حيث أنني سأحاول قد ما أستطيع، أن أستعيض بالتلميح عن التصريح، وبالإشارة عن العبارة، ليس لمجرد الحفاظ على الوطن من تداعيات الفتنة، بل رعبا من تحذيرات سيدي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رعبا من أن أخطئ في حق ذمّيّ أو معاهد ولو بغير قصد فلا أشم رائحة الجنة، رعبا من أن أخالف الرسول الخاتم الذي اجترأ عليه عباد الشيطان رغم أنه يقول في قبط مصر:
- "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما"(2/186)
الراوي: عبد الله بن عمرو بن العاص - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 3166
- " إنكم ستفتحون مصر. وهي أرض يسمى فيها القيراط. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها. فإن لهم ذمة ورحما ".الراوي: أبو ذر الغفاري - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2543
- الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله
الراوي: أم سلمة هند بنت أبي أمية- خلاصة الدرجة: إسناده صحيح رجاله ثقات- المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 3113
- إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة و رحما
الراوي: كعب بن مالك - خلاصة الدرجة: صحيح على شرط الشيخين - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1374
***
إن القارئ الذي يتابعني، يعلم أنني عزفت منذ عشرين عاما عن الدخول في هذا الأمر إلا في لمحات سريعة، ولعله يدرك السبب، ذلك أنني - كما تعود القارئ مني- لا أسمي الأشياء بغير أسمائها، ولا أري التأول والتقية حقا لي، و أنني عندما لا أستطيع قول ما أعتقد أنه الحق فإنني أصمت، ليس جبنا، و إنما فطنة المؤمن.
تجنبت الحديث عن الفتنة الطائفية لأنني أرى أن هذه الفتنة وما سبقها ليست فتنة طائفية بالمعنى الصحيح، فهي ليست بين أتباع محمد و أتباع عيسى عليهما السلام، و إنما هي بين أنصار الله و أنصار بوش، بين أتباع محمد وعيسى وموسى عليهم السلام جميعا و أتباع المخابرات المركزية الأمريكية و الموساد. بين أبناء مصر و أعداء مصر. بين الشرفاء والخونة، بين العملاء والوطنيين، بين الأصلاء والدخلاء، إنها قضية ينبغي أن تحكم فيها المخابرات لا الشريعة، وألا يحدد الفقهاء الجرائم الكامنة فيها.. بل محاكم أمن الدولة.. وأن يتحرى عن مخازيها ومؤامراتها جهاز مباحث أمن الدولة لو كان بالفعل جهاز مباحث أمن دولة وليس فرعا للموساد والسي آي إي.
وعندما نبهني البعض إلى موقع عبد الشيطان زكريا بطرس شعرت بالاشمئزاز والعزوف فالرجل كلب من كلاب النار يمزق الحقيقة وخنزير يدنسها. تجنبت الرد عليه والانشغال به، فمن ناحية ليس فيما يطرحه أي جديد، ومن ناحية أخرى هو عميل لجهاز مخابرات ما، ومهمته أن يشغلنا بسفاسفه وحديث إفكه عما هو أهم من مواجهة أكاذيبه. بل إن مجهود هؤلاء الناس غالبا ما يصب في صف الإسلام، لأن من يستمع إلى مثله ويصدقه، تكون صدمته هائلة عندما يكتشف الحقيقة، ويترتب على هذه الصدمة إما الإلحاد بمعنى الكفر بالدين كله و إما الدخول في الإسلام. وبغض النظر عن الصواب والخطأ فإن الكفر بالدين كله قد يتسق اتساقا شيطانيا، أما الإيمان باليهودية دون المسيحية والإسلام، أو الإيمان باليهودية والمسيحية والكفر بالإسلام فعبث لا يمكن للعقل البشري أن يتورط فيه، ذلك أن نقطة العبور أو التحول، أو الحد الفاصل بين بشر كالأنعام أو أضل، وبشر كالملائكة أو أفضل، هي نقطة الإيمان بالغيب كمطلق، وبعد هذا الإيمان يأتي الإيمان بالرسل، جميعا، كنتيجة طبيعية بل وحتمية للإيمان بالغيب.
ولقد ذكرت في مقال سابق ما قاله المفكر المسيحي الشهير نظمي لوقا في كتابه محمد الرسالة والرسول: " أن التسليم بوجود رسل ونزول وحي يجعل من الصعب التسليم برسالة ورفض الأخرى، والإقرار بظهور رسول ونفي ذلك عن آخر" (ولأنه تحدث عن نبي الإسلام بموضوعية و إجلال في كتابه" محمد الرسالة والرسول" فطرده البابا شنودة شر طردة، وحرم الصلاة عليه في كنائسه، ودارت أرملته الكاتبة صوفي عبد الله على الكنائس دون فائدة: راجع المقال بالغ الأهمية للأستاذ جمال سلطان- مجلة المنار الجديد - شتاء 2005).
نعم.. لم يكن الأمر صراعا بين المسلمين والمسيحيين بل صراعا بين الأمناء والخونة، بين الشرفاء والعملاء، بين الطيبين البسطاء والجواسيس، وليس عندي في ذلك شك.
بيد أننا يجب أن نعترف أن أولئك وهؤلاء يوجدون على الجانبين.. ولست أظن - على سبيل المثال - أن البابا شنودة، أشد خطرا على الأمة - وبالتالي الوطن والدولة - من وزير الأوقاف أو بعض كبار الشيوخ في الأزهر. كما لا أظن أن أقباط المهجر رغم خيانتهم وعمالتهم أشد خطرا من كتائب المثقفين المجندين كعملاء في الداخل. والعملاء لا تستعمل هنا ككناية أو تشبيه أو مجاز، بل كصفة، فهؤلاء تسميهم الصحف الفرنسية والألمانية بكتاب المارينز وبصحف المارينز، والمقصود بالنسبة لهؤلاء، الصحف والأقلام التي سخرت وتسخر للترويج لأفكار أمريكا الساعية إلي تعميم الحرية والديمقراطية عبر العالم والتي تعتم علي كل الأخبار حول جرائم أمريكا وإسرائيل، والتي خصصت لها الحكومة الأمريكية بمختلف فروعها حوالي 628 مليون دولار في السنة المالية 2004. الصدمة التي أحدثها إدراك المحافظين الجدد في واشنطن بأن مخططهم لغسل عقول المسلمين لم يحقق نجاحا يذكر زادهم شراسة في حرب التضليل. إلا أن العقول والقلوب المدربة على توقي الخطر الخارجي قد تغفل عن الخطر الداخلي.. رغم أن الخطر الداخلي لا يقل خطورة عن الآخر وقد يزيد.
نعم.. انحرافات المنافقين أشد خطرا.. وكذلك انحرافات المنحرفين عن طريق الإسلام ولو دون ردة ظاهرة أو باطنة.
هل هناك فرق حقيقي بين مجلة روز اليوسف ومواقع الأقباط؟ بين عبد الله كمال و أوغسطينوس؟ بين رفعت السعيد وزكريا بطرس.
هل هناك أي فرق؟!.
***
ليس من حقي التأول ولا التقية، فإما أن أصمت و إما أن أقول الحقيقة بملء فمي..
مهما كانت جارحة أو محرجة أو دامية..
وليس أمامنا سوى أن نسمي الأشياء بأسمائها.. لا بعكس أسمائها كما يفعل سوانا فيسمي الاستسلام سلاما والخيانة تحررا والكفر فكرا والزنا حبا والسرقة مهارة والاختلاس شطارة، والتجهيل تنويرا، والكذب تطويرا، والانحلال حرية، والاستغلال حقوقا، وينسب الخمر إلى الروح فيقول المشروبات الروحية..و..و...
الحقيقة التي أواجهها اليوم هي أن المسرحية التي مثلت في مغارة اللصوص السكندرية، هي بالفعل مسرحية سافلة مجرمة، ولقد كنت حريصا على ألا أكتب حرفا واحدا قبل أن أشاهدها أكثر من مرة، ولقد دهشت لكم الإجرام والبذاءة والكذب فيها، ولكن دهشتي وذهولي الأكبر، كانت عندما تصدى البعض لينكر ذلك، وليدعي أن المسرحية لا تمس الإسلام بل تحارب الإرهاب. وكان هذا القول كذبا فاجرا كالمسرحية نفسها، كذب يزداد فجوره كلما ازداد منصب قائله ومدعيه. كان ممن قاله صحافيون علمانيون، وكان منهم أقباط غير شرفاء، لكن المذهل حقا أن يتورط في هذا الكذب الفاجر قيادات كنسية.
كان كذبا فاجرا، لأن من يقول أن المسرحية لم تتطرق للإسلام بل للإرهاب يعلم ما في المسرحية، ويعلم أنها كلها تسفه الإسلام وتحقره وتزدريه، وأن الكاهن الذي وقف يحيي الممثلين في نهاية المسرحية قد مرغ قداسته المدعاة في الوحل، وهبط إلى مرتبة كمراتب عادل إمام، أو أي ممثل أو ممثلة ساقطة في مسرحية هابطة في ملهي ليلي.
نعم..
أعترف..
آذت المسرحية مشاعري، لكن ما آذاها أكثر كذب كبارٍ غير محتاجين إلى الكذب.
إن الكذب كله مرفوض، وهو رذيلة، بل كبيرة من الكبائر، يدل على خسة في النفس، وفساد في الطبع، ولعلنا نذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سئل: "أيزني المؤمن؟ قال: نعم. أيسرق المؤمن؟ قال: نعم. أيكذب المؤمن؟ قال: لا".
إذن فصفة الإيمان - كلها - منفية عن كل من يكذب في أي ملة و أي دين..(2/187)
و أولئك الذين كذبوا ليسوا عبادا لله سواء حرف دينهم أم لم يحرف..
ليسوا عبادا لله بل عبيدا للشيطان. لا فرق بين كبير وصغير.. بل إن الشيطان يتسلط على الكبار أكثر.. ملوكا كانوا أو رؤساء أو بابوات وشيوخ.
***
لعل القارئ يدرك أن المسرحيات لا تُحكى، لأن ما يتم قوله فيها بالصمت والإشارة والموسيقى والديكور و الإيماءات والإيحاءات لا تقل أهمية عما يقال بالكلمات، لذلك أقول للقارئ أن ما ورد في هذه المسرحية الساقطة إساءة للإسلام نفسه، إساءة فاجرة، للإسلام وليس للإرهاب، الإسلام المتمثل في القرآن الكريم و النبي محمد صلى الله عليه وسلم بشخصه والسنة الشريفة مباشرة وليس في أقوال الفقهاء أو سيرة العلماء أو فقه التابعين وتابعيهم.
نعم.. الإهانة موجهة للإسلام: للقرآن الكريم و للرسول العظيم صلى الله عليه وسلم..
ولقد قال بعضهم أن المسرحية تشبه أفلام عادل إمام..
ولقد كذب وكذب عادل إمام..
عادل إمام، الشيوعي، عميل الداخلية، المستهزئ بدين الله وبعباده الصالحين، والذي يدعي البعض علاقته الوثيقة برئيسنا القادم، جمال مبارك، عادل إمام هذا – رغم تفاهته وفسوقه- لم يبلغ هذا القدر المنحط من المجاهرة بالعداء للإسلام والسخرية من القرآن.. إلا أنني أحسب أن عادل إمام لم ينكص عن ذلك بسبب بقايا إيمان أو إخلاص أو حتى احتراما لعشيرته وقومه.. لكن عادل إمام أكثر حصافة و أقل وقاحة لذلك فهو يعرف الحدود التي يجب أن يقف عندها.
الفارق إذن هو الفارق بين مهارة قرد يتسلق ويتسلل ويهرب.. وغباء ثور يقتحم ويحطم حتى لو تهاوى السقف على أم رأسه.. وحتى لو تسبب بحماقته وطيشه في أن يرجمه الناس كالزناة والخطاة.
هل يدرك الثور الغبي أنه غبي؟!
ملحوظة: في نهاية المسرحية يقف شخص يلبس ملابس قسيس ليحيي الممثلين، وكلما حيا ممثلا انطلق الممثل ليقبل يده!!.. والملحوظة مهداة لخنازير التنوير الذين لو رأوا مشهدا مماثلا مع مسلم لا يمثل الإسلام في شيء لما كفوا عن العواء والنباح والفحيح.
***
لا أكتب في صحيفة يومية، والصحيفة الأسبوعية التي كنت أكتب فيها أغلقت لأنها دافعت عن الإسلام، لذلك لن يكون مجديا أن أتصدى لتفاصيل المسرحية التي أفاضت الصحف اليومية والأسبوعية في عرضها، لكنني أشهد أمامكم يا أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله شهادة يسألني الله عنها يوم القيامة أنه لا توجد صحيفة واحدة تزيدت أو أضافت إلى ما ورد بالمسرحية فعلا، ومن الناحية الأخرى، فلا يوجد أي صحيفة، ولا حتى الصحف كلها، قد استطاعت أن تعرض كل ما ورد في العمل الفاجر.
تقول المسرحية الفاجرة أن الإسلام دين لا يفهمه أحد وأن القرآن لا معنى له وأن المسلمين مخادعون وإرهابيون و أن القرآن يدعو للعنف والفواحش و أن المسلم متوحش متخلف مجرم لا يستمع لمنطق العقل ويقتل لأتفه الأسباب و أن الشرع يتم تفصيله حسب المقاس و أن هدف المسلمين تدمير المسيحيين وتخريب الكنائس وقتل القساوسة.
دعنا الآن من أن هذا كله ليس قول الإنجيل ولا المسيح ولا حوارييه.. و إنما قول بوش وشارون والموساد والسي آي إيه وعملائهم أينما كانوا.. وكما ذكرت في المقالة الماضية فإن هذه هي الآلية التي يتبعها أي مجرم خسيس لكي يوجد لنفسه المبررات والدوافع للجرائم التي ارتكبها أو تلك التي يوشك على ارتكابها، دعنا من ذلك، ودعنا أيضا من مزيد من التفاصيل عن المسرحية الفاجرة.
دعنا من ذلك لنطرح بعض التساؤلات:
- إن كان هناك منحرف مجرم ألف هذه المسرحية المجرمة الساقطة، فماذا عن العشرات والمئات الذين من المحتّم أنهم علموا بالجريمة فصمتوا..
- يدّعي المجرمون أن المسرحية لم يشاهدها أي مسلم.. فمن الذي سرب تسجيلها إلى المسلمين..
- لماذا هذا التوقيت بالذات يتم توزيع 200000 اسطوانة والمسرحية على شباب الجامعات في مظروف مكتوب عليه: كل عام وانتم بخير وبمناسبة شهر رمضان الكريم.. لاحظوا عدد الاسطوانات الموزعة .. وبالتالي التكلفة التي تناهز نصف مليون جنيه.. من السهل تعقب مصدرها لمن يريد..
- لقد أعلن "عدلي أبادير " في أحد قنوات القمر الصناعي أنه يجهز لفيلم تسجيلي عن اختطاف فتاة مسيحية وإرغامها على الإسلام؟؟ وأنه سيفضح المسلمين ومصر على مستوى العالم. وعدلي أبادير هذا مكانه مستشفى للأمراض العقلية، لكن الكونجرس يستضيفه والمخابرات الأمريكية والإسرائيلية تحركه، لكن ما العجب في ذلك؟ بوش المجنون نفسه: مجنون ويحكم.. وكذلك شارون المجرم.. وبلير الشاذ وبيرلسكوني اللص.. فما كل أولئك سوى دمى تحركها أجهزة المخابرات في لعبة سيدها الشيطان.
- هذه المسرحية السافلة ليست سوى قمة جبل الثلج العائم الذي يختفي معظمه.. هي المفضوح والمكشوف فما هو المخبوء والمستور؟ .. إنها متصلة بسياق يتصل فيه الداخل بالخارج والماضي بالحاضر في منظومة شيطانية واحدة منذ يوحنا الدمشقي حتى الآن، سياق المؤامرة، سياق الغارة على العالم الإسلامي، سياق التبرير للجرائم التي يوشكون على ارتكابها فيبادرون بالتمهيد والتبرير لها. وفي هذا السياق المتصل يقول خنزير من خنازيرهم في مجلة صوت مصر الحر:
"أنا القبطي الفرعوني صاحب الأرض، أنا القبطي الشامخ صاحب هذا الوطن الذي سُلِبَ مني منذ الغزو الإسلامي وإلى الآن، وسيرحل قريباً كما رحل من أسبانيا، فلم تعد النعرة الإسلامية لها جاذبيتها الآن في جو أصبح الغرب المتحضر يفهم أن العرب جرب"...
هذا الفاجر يجيب لنا عن سؤال يقول: ماذا يريد خنازير المهجر عملاء المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.
في نفس السياق أيضا يقول خنزير آخر لا أدري لماذا تستضيفه الجزيرة ولماذا تسمح له القدس العربي بالكتابة فيها.. يقول هذا الخنزير ( واسمه مجدي خليل):
"لقد دفع الأقباط المسالمون حوالي 4000 قتيل وجريح خلال العقود الثلاثة الماضية بدون سبب سوى لكونهم مسيحيين، هذا بالإضافة إلى تخريب ونهب ممتلكات بعشرات الملايين وممارسة التهجير القسري لخلخلة الصعيد من الكثافة القبطية، بالإضافة إلى تطفيش مئات الألوف للهجرة للغرب حيث الحريات والفرص المتكافئة "..
4000 أيها الكذاب..
4000!!
والأمر الطبيعي بعد الكذبة الفاجرة أن يتدخل العالم لإنقاذ الأقباط من المذابح، لذلك فإن هذا الخائن طالب بالتدخل الأجنبي في شئون مصر، بدعوى حماية الأقباط!!.. فكتب يقول: "إن المطالبة بممارسة ضغوط دولية على الدول من أجل المحافظة على حقوق مواطنيها واحترام المواثيق الدولية هو أمر مشروع تماما، داخليا وخارجيا.. ولا عجب في هذا، فنحن نعيش في عصر الدولة ناقصة السيادة، وهذا أحد أهم أوجه ظاهرة الكونية"
فهل رأى الناس كذبا أكثر وقاحة وفجرا.. كذب الماضي وكذب الحاضر.. كذب يبارزون فيه الشيطان فيبزونه .. كذب يستمر فيتحدث الفاجر عن واقعة لم تحدث أبدا ولا في خيال الشيطان ذاته حيث يقول الجاسوس العميل: "بكي البابا شنودة على العنف الموجه ضد الأقباط والذي كان هو شاهد عيان عليه منذ حادثة السويس في 4 يناير 1952، والذي قامت به جماعة الأخوان المسلمين حيث تم حرق عدد من الأقباط بشكل بربري والطواف بهم في الشوارع وإلقائهم في إحدى كنائس السويس وإشعال النار فيها"..
هل سمع أحدكم بمثل هذا الكذب الفاجر..
بل هل تتخيلون يا قراء أن تصل الخسة والانحطاط إلى هذا الحد؟!..
المسلمون هم الذين يقتلون ويحرقون.. لكننا لا نقول المسيحية ولا حتى الصليبية بل نقول الأمريكيين أو البريطانيين أو الروس أو الهنود أو الصرب أو التايلانديين ..(2/188)
لا نتهم المسيحية – رغم ما يفعله بنا أتباعها- سموا ونبلا وترفعا عن الألم و إدراكا أن وازرة لا تزر وزر أخرى..
لا نتهمها رغم أن كل بلايانا من أتباعها.. وكل كوارثنا من أبنائها .. وليسوا أتباعها ولا أبناءها بل أتباع الشيطان وعبيده.
لا نتهمها رغم اعترافات اللورد كرومر بخيانات بعضهم كما خان البعض الآخر إبان الحملة الفرنسية.. إذ يكشف اللورد كرومر في مؤلفه (مصر الحديثة) الروح المتعصبة لبعض الأقباط المتطرفين (مجلد 2 فصل 36 الطبعة الإنجليزية) بقوله:
" إن مباديء الحيدة الدقيقة التي طبقها البريطاني كانت غريبة عن طبيعة القبطي وعندما بدأ الاحتلال البريطاني أخذت تساور عقله آمال معينة فكان القبطي يقول لنفسه: إنني مسيحي والإنجليز مسيحيون فلو كان الأمر بيدي لكنت تعصبت للمسيحيين على حساب المسلمين... وكان يقول لنفسه ولما كان للإنجليز السلطة فإنه من المؤكد أنهم سوف يحابون المسيحيين على حساب المسلمين.. هذا هو الخطأ المحزن الذي يلام هؤلاء الأقباط عليه ولما اكتشف القبطي أن هذا الأسلوب في التفكير عقيم وأن سلوك الإنجليزي مرجعه مبادئ لم يضعها القبطي في اعتباره ويعجز عن فهمها تملكه إحساس بالفشل عمق ضغينته.. لقد كان يرى أن تطبيق العدالة بالنسبة للمسلمين يعنى الظلم له وكان يعتقد ولو بطريقة غير شعورية بأن الظلم وعدم محاباة الأقباط ألفاظ مترادفة".
نعم فكر خسيس.. نعم .. لكننا لم نحمله على الأقباط جميعا بل حملناه على من قاله..
***
هناك حكاية فرعية أريد أن يكون القارئ على علم بها كي يعيش معي الأحداث كما حدثت، ففي منتصف رمضان فوجئت بمكالمة هاتفية ذكرتني بالمسرحية الشهيرة: "القصة المزدوجة للدكتور بالمي" تأليف الكاتب الأسباني الكاتب "أنطونيو بويرو باييخو"(1916-2000م) ، ترجمة الأستاذ الدكتور الحداثي صلاح فضل ( ينطق اسمه زملاؤه وتلاميذه بطريقة أخرى: إذ يقولون: بل كان صلاحاً فضلّ!..) وقد مثلت المسرحية على المسرح في الثمانينيات، ثم عارضها الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس في مسرحية (الاغتصاب) حاول في إعداده لهذه المسرحية مقاربة الهم الفلسطيني، على خلفية نفس الأحداث.
لحظة التنوير في المسرحية تبدأ بكتاب، تحمله زوجة معتقل مات من التعذيب، إلى زوجة الضابط الجلاد الذي قتله، ولم يكن لدي المسكينة أي فكرة عن طبيعة عمل زوجها، الجلاد، الحيوان الوحش المسعور ( وليأخذها مني ضباط الأمن في كل أرجاء عالمنا العربي والإسلامي: كل من يمارس التعذيب جلاد، حيوان وحش مسعور، أما من يمارسها لصد الناس عن دين الله وهو يعلم، فليس في كفره شك، ولتعلم زوجته و أبناؤه و أهله أن حكمه حكم الكافر).. أقول أن لحظة التنوير تبدأ بهذا الكتاب، والأرملة المعذبة تتحدث إلى زوجة الجلاد بألم لا يوصف وبازدراء، لأنها زوجة جلاد لم تحاول أن تعرف عن طبيعة عمله شيئا. وتدور أحداث المسرحية بعد ذلك لتنتهي بالجلاد قتيلا.
في تلك الليلة الرمضانية هاتفني شخص ما:
- هناك قرص مدمج ( CD) أريد أن أوصله إليك..
حاولت أن أؤجل مجيئه حتى ينتهي رمضان، كان سيقطع أكثر من مائتي كيلومتر، وكان سيضيع علىّ برنامجي في تلك الليلة، حاولت، لكنني فهمت منه أن الأمر يثقل ضميره، و أنه يريد أن يلقي الحمل علىّ بعد أن فعل ما بوسعه.
كان حييا مهذبا.. تكتسي ملامحه بتلك النظرة النبيلة الحزينة التي يتسم بها من يحملون هم نصرة لا إله إلا الله محمد رسول الله، أعطاني القرص المدمج وسألني إن كنت قد سمعت شيئا عن قصة المسرحية التي مثلت في كنيسة مار جرجس في الإسكندرية، وعن المظاهرات التي تمت في الأسبوع الأول من رمضان بسببها، كانت معلوماتي محدودة، وكنت حريصا على ألا أحكم قبل أن أرى، بدا لي الشاب الجميل كما لو كان جنديا، ظل يجري ويسابق الزمن مائتي كيلومتر، كي يبلغني، أنا الجندي الأقدم منه، بالكارثة الجديدة التي حلت، وبدالي، أنه في اللحظة التي أبلغني فيها، قد أبرأ ذمته أمام الله، وارتاح ضميره، بعد أن نقل إلىّ همه وغمه وعذابه، وبدا كما لو أنه قد تخلص من حمل ثقيل أبهظ ظهره، لينقض ظهري أنا، وتحدثت ملامحه: "لا أطلب منك شيئا.. أتركك لضميرك"..
هالني ما سمعت.. هاهي ذي قصة الوليمة تتكرر مرة أخري.. قصة الفسوق والمجون والكفر.. قصة الإجرام والإسفاف والاعتداء على قدس أقداسنا وكرامة رسولنا صلى الله عليه وسلم.. هاهو جيش الشيطان يتجمع من جديد.. وهاهي ذي الشراذم الساقطة الباقية من جسد سلطة تعفنت وتحللت ولم يعد لها من الأمر إلا أن تقايض بكل شيء كي تستمر عاما آخر..
ترددت في جنبات نفسي أصدا ندائي يومذاك : " من يبايعني على الموت" .. أنت تعلم يا علام الغيوب أنني كنت أعنيها وكنت قد أعددت نفسي لها.. و أنني أتشبث بها.. دثارا يغطي نار القلق المستعرة داخلي خوفا من الحساب.. من النار.. وقبل الحساب وقبل النار خوفا من خزي الوقوف أمامه وأنا من أمة مهزومة، وما كان لها أن تُهزم، فليس أمامها من سبيل إلا الشهادة أو النصر..
نكأ الشاب النبيل الجرح.. طلبت منه أن يشرح لي الأمر..
وها أنذا أنقلها بنفس حروفه تقريبا كما سمعتها منه يومها ثم كما استزدت منه بعد ذلك هاتفيا أو بالشبكة العنكبوتية. لقد فكرت أن ألحق كل جزء مما قاله الشاب أو كتبه بما يوافقه ويواكبه في مقالي.. فألحق حديثه عن المفتي بما كتبته أنا عنه، وتعليقه على البابا بتعليقي عليه لكنني فضلت أن أترك حديثه كما قاله.. يحمل مشاعره كما أحسها وبألفاظه كما قالها، شهادة أمام الله والأجيال القادمة يعرفون منها كيف حدث ما حدث.. يعرفونه يقطر صدقا لا كذبا.. شرفا لا خسة.. أمانة لا عمالة.. ولكي تكتمل شهادتي فإنني لم أجر إلا بعض تصويبات نحوية و إملائية وقليلا جدا من التصويبات الأسلوبية( جملتين أو ثلاث) .. كما أنني لاحظت ربما مرة أو مرتين أنه ذكر اسم البابا دون لقبه، فأضفت اللقب.. ثم أنني قدمت الفقرة الثانية وجعلت الأولي – وهي التي تتحدث عن المفتي- جعلتها الأخيرة.. وهذه شهادة منى أمام الله قبل أن تكون أمام الناس. و أرجو أن يلاحظ القارئ أنني ميزت كلام الشاب بأمرين: أن الخط مائل و أن الخلفية خضراء، ولكي لا يلتبس الأمر على القراء في المنتديات العديدة التي تعرض مقالي كنص دون تنسيق فإن كلام الشاب يبدأ من الفقرة التالية إلى فقرة تقول: ويجول في خاطري سال : إذا كان المفتى لم يفعل هذا أو ذاك فلماذا لم يصمت مثلما عهدناه دائماً في قضايا المسلمين الكبرى والهامة ؟؟؟. كما يجب أن أضيف هنا، أن شهادة الشاب تتفق تماما مع المكالمات الهاتفية العديدة التي جاءتني من الإسكندرية مسلمة ومحيية بمناسبة العيد.. نعم.. تتفق تماما.. والآن إلى الشاب النبيل..
منذ أكثر من ثمانية شهور والجمر يشتعل تحت الرماد، وذهب بعض الشباب إلى جهاز مباحث أمن الدولة في الإسكندرية و أبلغوه بالأمر و أعطوهم نسخة من الرص المدمج بالمسرحية.
بعجرفة وصلف رد المسئول بأنهم سينظرون في الأمر، ثم لا شئ..
ظلت النار تشتعل، وقلوب الشباب الغض تحترق وكل آن و آخر يستغيثون بمسئول هنا أو هناك بلا جدوى..(2/189)
ثم بدأت القضية تطفو على السطح بتحقيق نشرته جريدة الميدان الأسبوعية بتاريخ (6/10) عرضت فيه نصوصا من المسرحية وتحدثت عن توزيعها على نطاق واسع في الجامعات ، وتابعتها جريدة الأسبوع في الأسبوع التالي بتحقيق للصحفية زينب عبد اللاه نبهت فيه على خطورة المسرحية وما تحتويه من سب وتهكم على أقدس المقدسات الإسلامية، وعادت الميدان فنشرت تحقيقاً موسعاً عن المسرحية ومحتوياتها واستطلعت آراء عدد من المسلمين والمسيحيين الكتاب والمفكرين، وذهبت أيضا إلى كنيسة مار جرجس بمحرم بيك لسماع رأيهم ولكن لم يسمح للصحفيين بالدخول واكتفي القساوسة بقولهم أن البابا أمرهم ألا يتحدثوا في المسرحية لأنه شخصياً بتابع الحدث، وذهبت الجريدة أيضاً إلى مقر البطريركية في العباسية فلم يتحدث لها أحد ورفضوا لقاء الصحفيين، ومع هذا التفاعل وانتشار الخبر وتكبر الكنيسة عن الحديث إلى المسلمين وسكوت القيادات الأمنية والدينية والقانونية على هذه الجريمة , قامت أول مظاهرة للشباب المسلم أمام الكنيسة الآثمة في الإسكندرية , بعد صلاة التراويح يوم الجمعة (14/10)
خرج الشباب تملئ حلوقهم المرارة القاسية، مرارة الشعور بالخديعة ونكران الجميل من الكنيسة التي ما عاشت الأمان إلا في ظل الإسلام وأهله، وبينما تظهر لهم التسامح ظاهرياً فهي من أعماق قلبها تزرع الكراهية والحقد والكذب تجاه المسلمين في نفوس أتباعها، وفي الوقت الذي تظهر فيه احترامها للإسلام ظاهرياً فهي في أعماقها تجعل من أقدس مقدساته مادة للضحك والسخرة والتندر، خرج الشباب تملئ حلوقهم المرارة، مرارة الشعور بالغدر والخيانة من قيادات الدولة ومؤسساته , الذين يملئون الدنيا ضجيجاً ويشحنون الأمة كلها لوفاة ممثل أو مرض رئيس أو هزيمة رياضية، وعندما يُسب ربّ المسلمين ويستهزئ بكتابهم ويطعن نبيهم يصمت الجميع وكأن شيئاً لم يحدث، لقد غدروا بالشباب المسلم عندما استنفدوه في مناسباتهم التافهة وتركوه وهو جريح والكلاب تنهش في دينه وعقيدته بلا رأي ولا عون، خرج الشباب يملؤهم الغضب لله ورسوله تجاه الكنيسة ...ولكن
لم يدفعهم الغضب إلى التحطيم والتخريب ، وإنما وقف الشباب يتظاهرون معبرين عن غضبهم وقد أقاموا بأجسادهم سوراً حول الكنيسة حتى لا ينفلت الزمام من أيديهم ويثور العامة على الكنيسة ومن فيها، كانت تلك الوقفة النبيلة تحرص على ألا يصيب الكنيسة أو من فيها أذى، لم تكن تريد ذلك، كانت تريد فقط أن تلقي الضوء على الحدث وتعبر عن غضب الشباب تجاهه وتعلن مطالبها للجميع. وانصرف الشباب بعد وعود من الأجهزة الأمنية والإدارية في الإسكندرية بالتحقيق ومعاقبة الجاني والمسئول عن هذه الجريمة، ولكن ثورة جمرة الغضب لم تهدأ في نفوس المسلمين في الإسكندرية فقامت في الأيام التالية عدة مظاهرات خرج فيها أهالي الإسكندرية رجالا ونساء ليعبروا عن غضبهم ويعرضوا مطالبهم حتى أنه خرجت مظاهرة نسائية يوم السبت (15/10) تعبر عن الغليان في صدور أبناء هذا الدين..
مرت الأيام والمظاهرات والكنيسة صامته صمت القبور وكلما خاطبت احد رجالها يقول لك البابا بنفسه يتولى هذا الموضوع , وفعلا بعد المظاهرة الأولي توجه البابا شنودة إلى الإسكندرية ونزل بها لعدة أيام, وانتظر المسلمون ما تتمخض عنه الاجتماعات بين قيادات الدولة ورجال الكنيسة.
وتمخض الجبل فولد بياناً مستفزاً للمجلس الملي يتحدث عن مؤامرة تحاك ضد الأقباط وعن قلقه تجاه ذلك ويتهم الصحافة بإثارة الفتنة , أحدث البيان صدمة للمسلمين جميعاً بل ولبعض العقلاء من المسيحيين، وانتظر الناس حركة رجال الدولة ولكن لم يتحرك أحد، بل على العكس، قامت الأجهزة الأمنية باستدعاء بعض الدعاة وهددتهم باعتقال كل من يحاول أن يثأر لدينه، وراحت الصحف العميلة تطرح القضية من زاوية أخري تماما وتتحدث عن الشباب الذين قادوا المظاهرات وعن خطرهم وعمالتهم وأغراضهم الدنيئة في إشعال الفتنة, وهنا بدأت تدوي على ساحة الحدث أصوات أجهزة الإعلام وهي تعلن أن هناك أيد خفية تحرك الحدث وتهدف إلى زرع الفتنة وتعلن تمسكها بالوحدة الوطنية وعلى اثر ذلك تحركت أجهزة امن الدولة للقبض على من شارك في المظاهرة الأولى.
وهنا اسقط في الشباب المسلم.
وبدا للجميع أن الدولة اختارت أن تداري ضعفها وعجزها أمام الكنيسة عن طريق التنكيل بالمسلمين وبدا للجميع أن الأمر قد مر بسلام لرجال الدولة والكنيسة أما المسلمين الغاضبين فأجهزة الإعلام والأمن كفيلة بإسكاتهم.
حتى كان يوم الجمعة( 21/10) والذي افتتحه الأمن بمنع الصلاة في مسجد أولاد الشيخ المجاور للكنيسة ظناً منه أن هذا يعجز المسلمين الغاضبين ويعيق حركتهم و ولكنه فوجئ أن أهالي الإسكندرية تواعدوا بالخروج من المساجد بعد الصلاة للاحتشاد أمام الكنيسة , ووقف الأمن أما م الجموع عاجزاً بالكلية , عاجزا عن تلبية مطالبهم العادلة والمشروعة وعاجز عن مواجهة غضبهم النبيل على دينهم فلجأ إلى القوة لتفريق المتظاهرين وارتفعت يده العاجزة عن القصاص من الظالم إلى البطش بالمظلوم وهنا كانت أحداث الإسكندرية الدامية التي استشهد فيها ثلاثة من المسلمين.
3-
المظاهرات كانت عفوية وليس لها علاقة بأي تنظيمات سياسية كالإخوان أو غير سياسية كالدعوة السلفية
بل دعني أقول أن هذه التنظيمات كانت تنأى بنفسها عن تحمل مسؤولية هذه المظاهرات!!
غريبة هي التنظيرات التي سمعت عن من قام بالمظاهرات فالكل ممكن يصدق أن الإخوان فعلوها من اجل الانتخابات
والبعض ممكن يصدق أنها من ترتيب الحكومة لتكريس قانون الطوارىء وانتهاك الحريات
والبعض أنها من ترتيب صهيوني لضرب عنصري الأمة
الغريبة انه لا احد من العلمانيين ومن تابعهم ممكن يصدق أن هناك من المسلمين من غار على دينه ورسوله فتظاهر غريبة جدا ألا يكون هذا في خلدهم !!!!
4- البابا لا يبكى إلا يوم الأربعاء !!!
بكى البابا بعد أن مات من مات من متظاهري العزة في محرم بك من مات..
بكى البابا بعد أن أصيب من أصيب من المسلمين..
بكى البابا بعد أن اعتقل من اعتقل من المسلمين..
بكى البابا بعد كل هذا دمعتين دمعتين..
بكى لكي يتحول من جان إلى مجني عليه..
بكى والكاميرات تنقل له إلى العالم مدى محنة الأقباط وهم يتهجمون على دين الأغلبية والأغلبية الهوجاء تتظاهر يا للعجب!!!..
بكى دموع التماسيح وكان بكلمة يقولها أو يشرح فيها ما حدث من كنيسة تتبعه وقساوسة منتمين للكنيسة كان ممكن أن يوقف تلك الفتنه..
لكن يعلم الله كم سعدت لعدم اعتذاره حتى ينضح للعامة والخاصة وجهه القبيح ولله الحمد من قبل ومن بعد.
5- نشرت صحيفة الأسبوع عدد 31اكتوبر 2005 تحت عنوان " مجمع البحوث الإسلامية يناقش أحداث الإسكندرية" : سيطرت أحداث محرم بك بالإسكندرية على مناقشات الجلسة التي عقدها مجمع البحوث الإسلامية والتي عقدت الخميس الماضي حيث تم عرض تقرير من السي دي الخاص بالمسرحية التي تم عرضها بكنيسة مار جرجس وأثارت الأزمة أشار التقرير إلى أن المسرحية تحمل إساءات للدين الإسلامي حيث تضمنت قراءات محرفة لآيات من القران بجانب إساءات للرسول صلى الله عليه وسلم وطالب التقرير بضرورة التحري عن مصدر السي دي وتحديد المسئول عن ذلك .
ولنا تعليق هذه الحقيقة أدركها الشباب المسلم المتظاهر قبل أن يدركها المفتى ومجمع البحوث ولذلك تظاهروا فهل نحولهم إلى جناة أم إلى شرفاء لم يطأطئوا رؤوسهم كما طأطأها....
(1) حوار عزت السعدني في الأهرام ,تحقيق السبت (29/10/20005)(2/190)
يقول الأستاذ عزت السعدني في مقدمة العمود الرابع ما نصه :"وذهبت إلى الدكتور على جمعة مفتي الديار المصرية أسأله لعلى أجد عنده ملاذاً...
قلت له : هل رأيت مسرحية كنت أعمى وأصبحت مبصرا"والتي عرضت في كنيسة محرم بيك وتتداول الآن على أقراص CD.
يقول فصلية المفتي : نعم شاهدتها
أسأله : وما رأيكم دام فضلكم ؟؟
يقول فضيلة المفتي : عمل سيئ يسيء للإسلام والمسلمين .... ويجب محاكمة كل من قام به وشجعه وصوره ووزعه على الناس.
أسأله: هل صدمك هذا السي دي.
فضيلة المفتي :لم اصدم ...لان الناس تسرق وتقتل وترتكب الجرائم ..وهي جريمة مثل كل الجرائم ولابد من معاقبة مرتكبيها . وجاءت في وقت تشمر فيه عصابة الإفك في نيويورك عن ساعديها لكي تهاجم مصر، والغريب أنهم من أبناء هذا الوطن ومن أقباطه الذين طردتهم الكنيسة لسوء تصرفاتهم وخبث نواياهم.
أسأله :هل هناك مخطط لإظهار هذه المسرحية الآن في وقت الانتخابات البرلمانية لصالح مرشح دون أخر؟.
فضيلة المفتي : ممكن برضه ولم لا.
قلت : وما العمل؟.
فضيلة المفتي: العمل عمل الله .. والقانون ... والغريب أن الذين ارتكبوا هذا الإثم نسوا تماماً قول المسيح بن مريم عليه السلام :باركوا لاعنيكم"أهـ
هذا ما قاله المفتي بالنص في جريدة الأهرام ..ولكن ....
يظل ما قاله المفتي في برنامج البيت بيتك(21/10/2005) مع المذيع الكارثة تامر أمين من أنه لا توجد مسرحية أصلا والكنيسة ليس لها علاقة بالموضوع ودعوته للغاضبين لربهم ودينهم أن يتمسكوا بالوحدة الوطنية.
يظل قوله هذا هو الأشهر والأقوى والأكثر شيوعاً بين الناس وهنا حق للعقلاء أن يتساءلوا:
- لماذا يتحدث المفتي بلسانين ويتكلم بلغتين ؟؟؟.
- هل لم يكن يعلم بأمر المسرحية ولما رآها تغير رأيه؟؟؟.
لكنه لم يقل لا اعلم بل قال لا توجد ولا داعي ولا.....
- هل يتحدث المفتي مثل الساسة في بلادنا حديثين: فحديث للخاصة وحديث للعامة؟؟
- هل تحرج المفتي عندما نفي وجود المسرحية بينما اعترفت بها الكنيسة ؟؟.
- هل وهل وهل ...
تختلف الآراء والتحاليل لكلام المفتي ...
ولكن الشيء الوحيد المتيقن أن المفتي سقط سقطة كبيرة وعظيمة لا ولن ينساها تاريخ الأمة..
وان المفتي ولى الأدبار في معركة من اشرف المعارك لتي يخوضها الإنسان في حياته .. معركة الدفاع عن الدين , الله والرسول والقران.
وأن المفتي خسر فرصة لا تعوض يصلح بها صورته المشوهة عند جماهير المسلمين ويبني له في قلوبهم مكانة عظيمة.
ويجول في خاطري سؤال : إذا كان المفتى لم يفعل هذا أو ذاك فلماذا لم يصمت مثلما عهدناه دائماً في قضايا المسلمين الكبرى والهامة ؟؟؟
***
نكأ الشاب النبيل الجرح.. بعد أن شرح لي الأمر..
نكأ الشاب النبيل الجرح وهو يؤكد أن المظاهرات كانت عفوية وليس لها علاقة بأي تنظيمات سياسية كالإخوان أو غير سياسية كالدعوة السلفية.. نكأ الجرح.. فالحقيقة كما أعلمها علم المتصل لا المنفصل أن هذه التنظيمات كما قال كانت تنأى بنفسها عن تحمل مسؤولية هذه المظاهرات!!
نكأ الشاب النبيل الجرح و أوجع قلبي وهو يلاحظ أن الكل يضع كل الاحتمالات لهذه المظاهرات إلا الاحتمال الوحيد الصحيح.. فالكل يمكن يصدق أن الإخوان فعلوها من أجل الانتخابات والبعض يؤكد أنها من ترتيب الحكومة لتكريس قانون الطوارىء وانتهاك الحريات والبعض يقول أنها من ترتيب صهيوني لضرب عنصري الأمة .. أما الغريب فهو أنه لا أحد من هؤلاء وعلى رأسهم العلمانيين يمكن يصدق أن هناك من المسلمين من غار على دينه ورسوله فتظاهر..
نكأ الشاب النبيل الجرح و أنا أحس بكلماته على الورق تصرخ:
غريبة جدا ألا يكون هذا في خلدهم !!!!
غريب يا بنيّ.. وقد أوجعتني والله..
هل أحسستم بوجعي يا قراء..
وهل أوجعكم وجعي..
وهل أوجعكم ما أوجعني..
أوجعني أيضا وصف الشاب للشباب المسلم الذي وقف في المظاهرة الأولى، ورغم غضبهم فقد أقاموا بأجسادهم سوراً حول الكنيسة حتى لا ينفلت الزمام من أيديهم ويثور العامة عليها..
أوجعني عندما تذكرت ما يفعله العمانيون الأشرار من تشويه للشباب المسلم، وهم بهذا يقومون بأكبر خدمة للموساد والسي آي إيه.. إنهم صحفيو المارينز.. وهم الطابور الخامس الذي يفت في عضد الأمة ومهمته كسر قلب الأمة المتمثل في هذا الشباب الذي لا يوجد غيره ليدافع عن الدين والهوية والأمة والوطن عندما تقتحم الدبابات الأمريكية والإسرائيلية باقي عواصمنا.
***
عندما اندلعت أعمال العنف في المظاهرة الأخيرة في الإسكندرية كنت حريصا على معرفة من الذي مارسه، كنت أدرك أن الضوابط الشرعية التقليدية وعجز الفقهاء عن التجديد تكبل الشباب المسلم و أنه يصعب أن يمارس العنف ضد كنيسة حتى لو اعتدت هذه الكنيسة، هذا الشباب النقي الطاهر الذي يعبد الله كأنما كل يوم آخر يوم في حياته لا يقدم على فعل إلا بفتوى خاصة بعد الصحوة الإسلامية وتجارب ممارسات العنف غير الكافي والتي جاءت بمردود عكسي، تصوري النظري إذن كان يؤكد لي أن العنف مارسه آخرون، وهو ما أكده لي عالم من علماء الإسكندرية والذي كان شاهد عيان.. فلقد صدق حدس الشباب المسلم.. استطاعوا هم ضبط أنفسهم.. لكن العامة لم يستطيعوا.. قال لي الرجل أنه سمع العشرات يؤكدون أنهم لا يصلون.. ولكن عندما يسب النصارى الرسول صلى الله عليه وسلم أو يهينوا القرآن فإنهم سوف : " يجيبوا عاليها واطيها".. و أكد لي الرجل أن هذا لم يحدث إلا بعد تلكؤ الأمن وطناش أهل السياسة والحكم.
***
الأمن الباطش الجبار صمت..
واللواء الوغد الخسيس الذي أمر بهدم مدرسة الجزيرة الإسلامية صمت..
أعوان الشيطان وكلاب النار الذين نكلوا بالشباب المسلم أيام الوليمة أيما تنكيل كانوا أمام النصارى كالجرذان و أمام المسلمين كالضباع الضارية التي لا تقتات إلا لحم البشر.
أعوان الشيطان وكلاب النار من كتاب وصحافيين وسياسيين ومفكرين فعلوا نفس ما فعلوه أيام الوليمة..
نفس الحجج النجسة التي تنطلق من أرواح نجسة وصف القديس أوغسطينوس مثلها بقوله: إنهم يرغبون في تدمير الحق الذي لا يمكن تدميره. أمّا الخنازير فتختلف عن الكلاب فهي لا تهاجم لتمزّق بأسنانها، لكنها تدنّس الشيء إذ تدوسه بأقدامها في طياشة... إذن لنفهم أن "الكلاب" تُشير إلى مقاومي الحق، "والخنازير" إلى محتقريه.
نعم..
كنا وما زلنا نواجه الكلاب والخنازير..
نفس الكلاب والخنازير..
***(2/191)
إنني أذكر القراء فقط بما فعله اليهود عند عرض مسلسل يتعرض لبروتوكولات حكماء صهيون، البروتوكولات، وليس للتوراة أو سيدنا موسى، كما أذكرهم بما فعلته مكتبة الإسكندرية من إلغاء عرض البروتوكولات في أجنحتها أصلا. كما أذكرهم أيضا بمظاهرات المسيحيين أثناء فضيحة الراهب المشلوح، وكان مشلوحا لم يعد ينتمي إلى الكنيسة، ولم يعد ما يهينه ينسحب عليها، وكان من فضح الأمر ونشره صحافي علماني لا يمثل الإسلام ولا المسلمين، ومع ذلك هاجت الدنيا وماجت، واعتذر كل مسلم عن عمل لم يكن مسئولا عنه بداية ونهاية، وبالرغم من ذلك تظاهر شباب الأقباط وخربوا , وأصابوا رجال الأمن ولم يكد يصب منهم أحد. وبعدها ادعوا بالكذب الخسيس المنكر أن رجال الأمن هم الذين اعتدوا عليهم، رغم أنهم يعلمون أنهم لو قتلوا رجال الشرطة الموجودين جميعا لما امتدت يد إليهم بسوء، حيث تكرس جبن من عبد الطاغوت ونسي الله فأنساه نفسه. ولو حدث الأمر مع مسلمين لما اكتفت الشرطة بإبادتهم عن بكرة أبيهم، بل كانوا سيشنون حملات عسكرية بالمصفحات والطائرات والصواريخ على بيوتهم ومدنهم وقراهم ليدمروها تدميرا.
أذكر القراء كذلك بمظاهرات الأقباط أثناء العمل السينمائي " بحب السيما "رغم أن معظم طاقم العمل كان مسيحيا..وبرغم أنها كانت إيحاءات فنية ( إبداع كما يقول خنازير التنوير).. وليس التعرض لمقدسات وكتب. كان تمثيلا وممثلين وممثلات في قصة خيالية وليس قساوسة يتحدثون عن القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم.
***
ذلك الفاجر الذي ترحب به أجهزة الإعلام لأنه كلب أمريكي وخنزير من خنازير المهجر، ترحب به و كأنه بشر سوي لا كمجرم ينبغي محاكمته يروج زورا حكاية حرق الأقباط في السويس. وهو نفس المنهج الخسيس المجرم الذي اكتشفت أنهم جميعا يتبعونه في أبسط القضايا و أعقدها.. يمارسونه في قضية وفاء قسطنطين، وفي قضية أسلحة الدمار الشامل، بنفس الطريقة التي يمارسونه بها في محاولة اصطياد سوريا.
لم يحرق المسلمون أحدا..
كانوا هم الذين حُرِقوا لا حَرَقوا..
وبالرغم من ذلك لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين..
لم نتهم المسيحية ولم نقل أنهم قاموا بحرق (100) شاب مسلم بالبنزين، بل قلنا فعلت الشرطة في تايلاند ذلك، بل وصرح رئيس البوليس في المنطقة بأن حياة المسلم لا تساوي (26) سنتاً فقط (ثمن الرصاصة).
لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بتسليط الكلاب المدربة على التهام للأعضاء الذكرية لـ 300معتقل في سجن أبو غريب بعد فتح أرجلهم عنوة عبر قيود حديدية في أيديهم وأرجلهم مثبتة في الحائط ووفاتهم على الفور..
لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بالمسئولية عن مصرع مصرع 60 طفلاً في سجن أبي غريب بعد تقطيع أطرافهم أمام أمهاتهم، ومن ربط الأعضاء الذكرية والألسنة أحيانا للعديد من أبناء العراق الصامد بالأسلاك الكهربائية..
لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بإجبار المعتقلين على اللواط والإتيان بحركات جنسية مهينة وهم عراة ليتم تصويرهم على أنهم همج، ومن دهسهم أحياناً بالأحذية العسكرية على الرأس والرقبة والأماكن المجروحة، ومن تقييد بعضهم وربطهم بالأسرة وهم عراة وحرمانهم من الطعام الشراب لساعات طويلة، ومن تعليق البعض منهم لعدة ساعات لإجبارهم على الإدلاء باعترافات كاذبة، ومن تبول على أجساد بعضهم العارية وجراحاتهم، ومن وضع حبال حول رقاب بعضهم وجرهم بها كالكلاب، ومن حلق رؤوس عراقيات وضربهن وإجبارهم على المبيت في الماء وعلى عدم النوم والوقوف لمدد طويلة أحياناً ووفاة العديد منهن بعد اغتصابها أو اغتصابه..
لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بذلك أو بغير ذلك مما تواترت أخباره ويعف اللسان عن ذكره وكان ضمن 100 ألف حالة تعذيب أكدتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان وأظهرتها عدسات الكاميرات وتناقلتها جميع وكالات الأنباء ووقف عليه العالم كله..
لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بما أوقعته إدارة بوش ( لم نقل إدارة المسيحيين أو الصليبيين رغم أنه هو قالها ) على العراقيين في سجون الموصل وأم قصر وبوكا وغيرها، وعلى مجاهدي طالبان في سجون أفغانستان وفي (جوانتانامو) بـ (كوبا) ..
لم نتهم المسيحية ولا اليهود بما نشرته صحيفة (ديلي ستار) الملحقة بـ (الهيرالد تريبيون) فقد أمدت إسرائيل الأمريكيين بآليات ونظم تعذيب لانتزاع الاعترافات من أسرى ومعتقلي السجون العراقية حتى بات العسكريون الأمريكيون يستمعون بعناية فائقة إلى خبراء إسرائيليين للتزود بخبراتهم في التعامل مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية.. وعملاً بمبدأ أن الفعالية في انتزاع الاعترافات ينبغي أن تكون لها الأسبقية على احترام مقتضيات الديمقراطية وحقوق الإنسان فقد أقيمت تدريبات مشتركة أمريكية إسرائيلية في صحراء النقب.
لم نتهم المسيحية ولا اليهود بما حدث عندما ثار الجزائريون أثناء الحرب العالمية الثانية مطالبين بحريتهم، فما كان من البوليس الفرنسي إلا أن قصف المتظاهرين بمدافع الميدان التي تستخدم في تحطيم الحصون، كان القصف وحشيا، وكان ذلك في الثامن من مايو سنة 1945، فأعلنت الأحكام العرفية على أثر ذلك، وأقبل الطراد ديجواى – تراون" ليواصل المذبحة فأمطر مدينة خزاطة" وابلاً من قنابله الثقيلة، وقامت قوات الجيش بالحملات التأديبية، وشنق الوطنيون من غير محاكمة، كان عدد القتلى من العرب كما قيل أولاً بصفة رسمية إنه 1500، غير أن الجيش أعلن أنه يتراوح بين 6000 و 8000. ثم جاءت إحصاءات أخرى تقول إن العدد الصحيح هو: عشرون ألفا، وبعد إعادة النظر في حقائق الأمور تبين أن العدد الصحيح هو 000 40 قتيل، وقد أيده القنصل الأمريكي ببيانات من عنده.
أربعون ألف قتيل يحصدون هكذا بين عشية وضحاها!!!
أربعون ألفا......
ولم نتحدث عن وحشية المسيحية أو المسيحيين..
بعد المذبحة.. ذهب المبشرون كي ينصروا اليتامى من أبناء الشهداء.. تماماً كما حدث لأبناء وبنات مسلمي البوسنة والهرسك – وليقولوا لهم وهم يحشرونهم في إحدى الملاجىء المسيحية: الله محبة!!!" و على الأرض السلام!!!" و للناس المسرة!!!".
***
ولم يكن الأمر عابرا ولا جديدا..
كانوا دائما كذلك.. منذ مذبحة معرة النعمان وبيت المقدس مرورا عبر القرون حتى مذابح الفلوجة وبغداد وتلعفر..
ولم نتهم المسيحية بالهمجية والوحشية والتخلف..
في نهاية القرن التاسع عشر كانت القوات الأميركية تكتسح كل أرض ظهرت عليها حركة مقاومة في الفيليبين، وكما هو الأمر الآن في العالم، لم يعد يقاوم إلا المسلمون. كانوا منذ مائتي عام يحاربون الاستيلاء على بلادهم وتنصيرها حتى جاءت القوات الأمريكية ولم تترك هناك فلبينيا واحدا إلا قتلته. وكذلك لم يعد في هذا البلد رافضون للوجود الأميركي لأنه لم يتبق منهم أحد"!!! ويضيف صحفي رافق الحملة ما نصه: "إن الجنود الأميركيين قتلوا كل رجل وكل امرأة وكل طفل وكل سجين أو أسير وكل مشتبه فيه ابتداءً من سن العاشرة، واعتقادهم أن الفلبيني ليس أفضل كثيرا من كلبه وخصوصا أن الأوامر الصادرة إليهم من قائدهم الجنرال "فرانكلين" كانت :"لا أريد أسرى ولا أريد سجلات مكتوبة!!.
كانوا مسيحيين جميعا ومع ذلك لم نتهم المسيحية ولم نقل عليهم بالحق ما ادعوه بالباطل علينا.(2/192)
لم نقل ذلك.. رغم أن نفس هذا الإجرام موجود أيضاً بين فرق النصارى أنفسهم: فقد اشتركت الكنيسة الكاثوليكية في صربيا مع قساوستها ورجال الإكليرك والرهبان وكذلك أعضاء منظمات الشباب الكاثوليك في المذابح التي لاقاها الأرثوذكس من أهل الصرب في معسكرات الاعتقال التي كان يشرف عليها القساوسة الكاثوليك وأسفرت عن مقتل 700000 من الصرب الأرثوذكس و 90000 من اليهود والزيجويتر، على الرغم من علم البابا بما يحدث هناك تبعاً للتقرير المفصل الذي قدمه إليه (بوكون) في الثامن من أكتوبر لسنة 194. ( باختصار وتصرف عن: الغارة على العالم الإسلامي د/ ربيع بن محمد بن علي).
يقول أحد ضباط الأمم المتحدة الذين خدموا في البوسنة والهرسك: "إنه قضى شهوراً طويلة لا يستمع إلا لطلقات الرصاص والبنادق ولا يرى سوى قذائف الصرب التي كانت تتوالى تباعاً فوق أشباح الموتى وهي عطشى لمزيد من الجثث من الرجال والنساء والأطفال المسلمين في مذبحة (سربرنيتشا) المروعة".
ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..
ولقد اعترف قائد القوات الصربية (فوشتيك) لمجلة (ديرشبيجل) الألمانية وقال بالحرف الواحد: "لقد قتلت وحدي مئات المسلمين، وقمت شخصياً بإطلاق الرصاص على الأسرى المسلمين للقضاء عليهم"، وعندما نبهته المجلة إلى المعاهدات الدولية التي تحرم قتل الأسرى قال: بأنه "لما لم يجد سيارات لنقلهم، وجد أن أرخص طريقة هو قتلهم بالجملة، مثلما أجهز رفاقه الصرب على 640 مسلماً كانوا يختبئون في مخبأ"، كما ذكر: "أن من لم يقتله كان يقوم أحياناً بخرق عينيه وتعذيبه، وانه كان يلجأ إلى تهشيم أيدي الأسرى ببطء حتى يعترفوا بما يريد"، وحين سؤل عن هدف الحرب التي تخوضها القوات الصربية في البوسنة صرح بقوله: "المسلمون في أوربا يجب أن يختفوا كأمة، وأن على المسلمين في البوسنة إعلان تحولهم عن الإسلام وأن يصبحوا صربيين أو كروات أما الخيار الثالث فهو الموت، وإن بيننا وبين المسلمين الألبان في كوسوفو ثأر وسنقوم بطردهم ومن يرد البقاء سنقتله، لا نريد مسلمين بيننا أو حتى في أوربا كلها"، كما يؤكد حقيقة العداء بين الغرب والإسلام ما صرح به جزار الصرب الأرثوذكس الأصوليين (سلوبودان ميلو سوفيتش)، وذلك حين سئل عما يفعله في مسلمي البوسنة فقال: "إنني أطهر أوربا من أتباع محمد".
حدث هذا كله ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..
النصارى يحكمون مصر!
الجزء الثاني
[بقلم: د. محمد عباس (www.mohamadabbas.net)]
بسم الله الرحمن الرحيم
نعم..
حدث هذا كله ولم نقل أن المسيحيين إرهابيون.. حتى عندما تفجرت الحقائق بالفضائح وثبت – على سبيل المثال- أن طائرات حلف الناتو التي كانت تحلق فوق سماء البوسنة لم تكن تضرب المعتدي، بل تضرب مواقع خلفية لا توقف الزحف الصربي على الجيب الذي وعدت الأمم المتحدة بحمايته.
وما (سربرنيتشا) التي نحكي أحد فصولها، وما (بيهاتش) التي نقصُ بعض ما حدث فيها، إلا اثنتان من عشرات المدن البوسنوية التي تم فيها طبقاً لبعض الإحصائيات قتل وتعذيب وحرق ما يزيد عن300 ألف مسلم أغلبهم من النساء والأطفال، منهم 70 ألف قضوا نحبهم في مجازر جماعية و50 ألف معاق وما يزيد عن 120 ألف مفقود، كما تم تدمير أكثر من 800 مسجداً من أصل 1500 مسجد، وطرد جماعي قسري لما يزيد عن مليوني مواطن- هم تقريباً جملة من بقي حياً من سكان هذه الدولة المسلمة- بلا مأوى ولا طعام ولا خيام، واغتصاب ما يزيد عن 75 ألف جندي داخل ما يقرب من عشرين معسكراً لأكثر من 700 ألف طفلة وسيدة، زرعت أرحام المئات منهن بأجنة ذئاب وكلاب بشرية تنتسب إلى تلك الحضارة الزائفة الفاجرة التي لا تعرف الرحمة ولا تمت للإنسانية ولا للقيم والمبادئ النبيلة بأدنى صلة، والغريب في الأمر أن عمليات الاغتصاب غالباً ما كانت تتم علانية وعلى مرأى ومسمع من الجميع بل وأمام الآباء والأزواج في كثير من الأحياء، وكان جزاء من يتحرك لإنقاذ أي منهن وابلاً من الرصاص يخترق رأسه ويسقط بعدها صريعاً مضرجاً في دمه، ووسط هذا الجحيم تروي بعض التقارير الرسمية الأوربية مأساة أكثر من 60 أسرة تعرضت لاعتداءات تفوق الخيال وكلها من قبيل ما ذكرنا. ( باختصار وتصرف عن: الغارة على العالم الإسلامي د/ ربيع بن محمد بن علي).
ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..
وإزاء هذه الأعمال البربرية والأوضاع الهمجية أجمع المراقبون الدوليون من كل جنس أن الذي جري في هذه الآونة شيء يصعب إيجاد وصف مناسب له، وربما لو اطلعوا على ما فعله الأمريكان وتحالفه البغيض بقيادة مجرميّ الحرب (بوش) و(بلير) فيما بعد في مسلمي الفلوجة وأبو غريب وجوانتانامو فيما أسمياه بالحرب الصليبية الثالثة لتغير رأيهم، لكن نستأنس على أي حال لبيان ما جرى في البوسنة بتقرير (شفارتز) عضو الحزب الديمقراطي المسيحي وعضو البرلمان الألماني الذي ورد في إحدى نشرات منظمة البر الدولية بتاريخ 16/ 7/ 1413 تحت عنوان (رأيت بعيني) وفيه يقول: "رأيت طفلاً لا يتجاوز عمره الثلاثة أشهر مقطوع الأذنين مجدوع الأنف، رأيت صور الحبالى وقد بقرت بطونهن ومُثل بأجنتهن، رأيت صور الشيوخ والرجال وقد ذبحوا من الوريد إلى الوريد، رأيت الكثيرات ممن هتكت أعراضهن ومنهم من تحمل العار ولم يبق لولادته سوى أسابيع، رأيت صوراً لم أرها على أية شاشات تليفزيونية غربية أو شرقية، وأتحدى إن كانت عند هؤلاء الجرأة والشجاعة لبثها"، وما أشبه الليلة بالبارحة فما يعاود الغرب فعله ومعه الشيطان الأكبر في مسلمي أفغانستان والعراق وجوانتانامو لا يقل بشاعة عما فعله الصرب.
ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..(2/193)
والذي لا شك فيه، أن ما رآه (شفارتز) وسبق أن تعجب له (كاميرون) لا يساوي شيئاً بالنسبة لما حجب عنها، فهما معذوران في عدم دقة ما وصفاه لأنهما لم يريا وحوش الصرب يقطعون- حين قتلهم المسلم البوسنوي- إصبعين فقط من أصابع يده ويتركون الثلاثة الباقية علامة التثليث .. ولا وهم يدهمون القرى فيبدؤون أول ما يبدؤون بتدمير ودك المساجد بالمدافع والدبابات وأحياناً عن طريق القذائف والمتفجرات التي يضعونها بداخلها، كما كانوا يبالغون في تعذيب حفظة القرآن وأئمة تلك المساجد ويذبحونهم في أغلب الأحيان على مرأى ومسمع ويمثلون بجثثهم .. ولا وهم يأخذون أطفال البوسنة إلى كندا وأمريكا والغرب ليتم تنصيرهم داخل الأديرة ولا يسمح بزيارتهم إلا للقساوسة .. ولا وهم يقومون بنحر المجموعات التي كانت تحاول الهرب بعد الإمساك بهم .. ولا وهم يلقون بمئات الجثث في الأنهار وأحياناً يتركونها في الشوارع والطرقات فما يكون مصير من يحاول أخذها ليدفنها إلا نفس المصير.. ولا هم يقومون بإجبار امرأة مسلمة على شرب دم ابنها الصغير بعد قتله أمامها.. ولا وهم يضعون الأطفال المسلمين في فرّامات اللحم وخلاطات الأسمنت ومطاحن الأعلاف.. ولا وهم يقومون بدفنهم أحياء وأحياناً بسحب دمائهم حتى الموت لنقلها - حسب ما جاء في جريدة (المسلمون) بتاريخ 24/ 7/ 92 – لجنود الصرب.. ولا وهم يطلبون من المسلمين من خلال دار الإذاعة الخروج من منازلهم وإلا تعرضوا للقتل فما يكون مصير من خرجوا ممن زاد عددهم عن الألف إلا القتل.. ولا وهم يسمحون لهم لبضع ساعات لشراء الخبز كيما يسدوا رمق أطفالهم الذين عضهم الجوع حتى إذا ما خرجوا لشرائه حصدتهم قذائف الهاون من فوق رؤوسهم.. ولا وهم يقومون بتجنيد الشباب المسلم واقتياده إلى الخطوط الأمامية بعد إلباسهم نفس لبسهم ليكونوا دروعاً بشرية في مرمى نيران الحرس الدفاعي المسلم.. ولا وهم يقومون في يوم واحد هو 17/6/ 1992 بقتل ألف مسلم ثم يتبعون ذلك بفقء أعينهم وبرسم الصلبان على جثثهم بالخناجر ثم بتقطيع آذانهم وأنوفهم ويتركونهم بعد ذلك نهباً للحيوانات تلغ في دمائهم.. ولا هم يقومون بحصد 20 ألف مسلم في 31/ 10/ 92 خارج (يابيتش) والاستمتاع بقتلهم بعد حصارهم- حسب إذاعة لندن الذي وصفت هذا العمل بأنه انتهاك خطير لحقوق الإنسان.. ولاهم يقومون بشوي طفل رضيع على النار أمام أبيه تماماً كما يشوى اللحم، ويأمرون الأب تحت تهديد الرصاص أن يأكل من لحم فلذة كبده ليطلقوا عليه الرصاص بعد ذلك.
ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..
لم ير (شفارتز) ولا (كاميرون) من بقرت بطونهن من النساء المسلمات بعد أن خطت ورسمت على أجسادهن الصلبان.. ولا من قتلن منهن بعد عملية الاغتصاب ويقدر عددهن بأكثر من 30 ألف فتاة شوهد بعضهن عراة قد قطعت صدورهن ومثل بهن.. ولا من لقين مصرعهن بعد أن استؤصلت أرحامهن لا لشيء إلا لأنهن كن في الدورة الشهرية إبان فترة الغزو.. ولا الأسرى من الذكور وهم يجبرون على خلع ملابسهم الداخلية والكشف عن أعضاء الذكورة لديهم، فإذا وجدوا أنه مسلم مختون قطعوا أعضاءه التناسلية ثم قاموا بذبحه وإلقائه في الماء المغلي وشيه كالذبائح.. ولم يريا عمليات التعذيب والتمثيل والذبح الواسعة النطاق التي كانت تتم بالمدى والسكاكين حيث يتم تقييد الشباب الأعزل ولعلماء المسلمين هناك ثم يطرح أرضاً ويلقى بعد ذبحه- حسب شاهد عيان- في المستنقعات أو الأنهار أو في أكوام القمامة.. ولا مئات الألوف ممن نزحوا نساءً وأطفالاً وشيوخاً عن بلادهم وأخرجوا منها بغير حق إلا أن يقولوا (ربنا الله)، وأضحوا- وهم يتسولون لقمة العيش- بلا وطن ولا عائل ولا مأوى بعد أن سلبوا كل ذلك وشردوا أفراداً وجماعات في بقاع شتى هرباً من الجحيم، ولم يريا هذا الصربي الذي كان يجول بين عشرات القناصة مفتخراً بما فعله إخوانه في البوسنة ومعلناً أنه تواق لتكراره مرة أخرى في (كوسوفا).. وبدا واضحاً أن تلك هي حقيقة النظام الذي يدعي أنه عالمي وحيد، والحضارة التي تدعي أنها لا تفرق بين الناس على أساس الجنس أو اللون أو الدين، والقول باعتذار حكومة الصرب فيما بعد يكذبه واقع انخراطها الآن مع حكومات الغرب في إرسال جنودها وعدتها وعتادها لحرب المسلمين في العراق وأفغانستان.
ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..
لقد انتشرت الفتوحات الإسلامية من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً ومن جبال القوقاز شمالاً إلى أواسط أفريقيا جنوباً.. ولم يجرؤ مؤرخ مهما كان مغرضاً أو حاقداً على الإسلام وحضارته أن يتهم جيشاً عربياً أو إسلامياً بفعل شيء من ذلك أو بارتكابه جرائم حرب أو قيامه بإبادة جماعية ضد سكان بلدة أو جزيرة مهما كانت نائية أو صغيرة أو تافهة كما فعل الصرب في البوسنة، وكما يفعل اليهود في فلسطين، والأمريكان والبريطانيين في الفلوجة والبصرة والرمادي والنجف وبعقوبة والموصل وتلعفر وبغداد وغيرها، وكما يفعل كل أولئك ومن كان على شاكلتهم في مسلمي البلاد التي يستعمرونها شرقاً وغرباً غير مكتفين بالزج بأهل البلاد التي يحتلونها داخل سجون أوطانهم ولا بنهب نفطهم وخيراتهم بحجج واهية استنكرها المنصفون ممن هم على دينهم وقام أقرب الناس إليهم وأخلصهم لبني جلدتهم بتفنيدها، لكونها في جملتها ذرائع لا تنطلي على من عنده مسحة من عقل أو مثقال ذرة من ضمير، ولكونها في مجموعها حجج هي أوهى من نسج العنكبوت.. وعلى أولئك المبهورين بحضارة الغرب من أهل النفاق والطابور الخامس أن يراجعوا بأنفسهم التاريخ ويقرؤوا ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالنصارى عند فتحه بيت القدس وما فعله صلاح الدين بهم عند تحريرها، ليتأكدوا من صدق ما نقول وليميزوا بين الحضارة الحقيقية المتمثلة في عظمة الإسلام ورجال الإسلام.. وتلك الحضارات المعاصرة الزائفة التي بنيت على الهمجية والبربرية واستلاب أراضي الغير ونهب ثرواتهم دون وازع من ضمير ولا احترام لقيم. .(الغارة على العالم الإسلامي)..(2/194)
والغريب في الأمر أن تنبري بعض الأقلام لتبرئ ساحة الغرب من تهمة العداء للإسلام وترفض مصطلح (حرب الحضارات)، وكأن ما ذكرنا نتفاً منه وما يجري على الساحة العراقية والأفغانية يحدث على كوكب آخر، أو لكأننا معاشر أتباع محمد الذين نسعى للصدام.. ويتعامى أصحاب هذه المقولة وكأنهم في حالة سكر أو إغماء وتغابٍ عن آلاف الأطنان من القنابل الأشد فتكاً وعن ترسانة الغرب وآلته العسكرية التي ما فتأت ولا زالت تجوب بلاد المسلمين شرقاً وغرباً وهنا وهناك بعد أن جاءت بنفسها طائعة مختارة من كل حدب وصوب تدمر وتهلك وتخرب.. يقول اليهودي المتعصب (صموئيل هنتجتون) في أخطر فقرات كتابه (صراع الحضارات) في كشفه لحقيقة الأمر وفي رده على حسني الظن من المسلمين كي يصححوا معلوماتهم ويعدلوا من تفكيرهم الخاطئ: "إن الصراع على خطوط الصدع بين الحضارتين الغربية والإسلامية قد بدأ منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام، وعلى مدى القرون كان الاحتكاك المسلح بين الغرب والإسلام ولم يهدأ أبداً، ومن غير المتوقع أن يؤول ذلك التفاعل إلى الزوال بل يمكن أن يصبح أكثر ضراوة.. إن الإسلام- هكذا هو يقول- يمتلك حدوداً دموية"، والفقرة الأخيرة التي علل بها روح الصدام، هي بيت القصيد لأن (هنتجتون) يعلم قبل غيره أن أنهار الدم التي فجر ينابيعها وأوقد نارها يهود كل عصر ومصر، إنما جاءت بفعل الغرب وأن الروح الصهيونية والصليبية البعيدتان كل البعد عن دين موسى والمسيح، لم يخمد لهيب سعارها المتأجج في صدور هؤلاء وأولئك على امتداد التاريخ القديم والحديث، بل ولغاية تصريح بوش الأخير بشن الحملة الصليبية.. مروراً بالحملات والحروب الصليبية التي أطلقها البابا (أوربان الثاني) في نوفمبر سنة 1095 م، ودعا لها حكام الغرب وداهمت- كما هو الحال الآن ولكن أكثر الناس لا يعلمون- كل ما واجهها في بربرية متعطشة للتخريب والتقتيل حتى كانت الخيول تنزلق في برك الدماء المسلمة وسقط فيما سقط كثير من نصارى القدس .. وبجحافل الفرس والرومان وجيوش (جنكيزخان) وولده (اغوتاي) التي اجتاحت العالم الإسلامي عام 1221، 1236، ومن بعدهما هولاكو الذي استطاع بالمغول عام1258أن يبيد جند الخليفة المستعصم عن آخرهم، واستباحوا كل شيء ببغداد وأجهزوا على ما يربو عن التسعين ألفاً من سكانها دون تفرقة حتى امتلأت الدروب بالجثث وداستها الخيول.. وبحملات (تيمورلنك) الذي زحف بقواته على بغداد في 1393 وأشاع في الأهالي القتل والتعذيب كعصر الأعضاء والمشي على النار والتعليق من الأرجل ودس خرق التراب الناعم بأنف المعذب، وأتم احتلال بلاد الشام ثم احتلالها بعد مذابح شملت الأطفال والنساء والشيوخ وبعد أن كلف كل واحد من أتباعه بأن يأتي برأسين حتى بلغ عدد القتلى تسعين ومائة ألف.. وبسقوط غرناطة سنة 1492م الذي راح ضحيته الآلاف وأجبر 400000 أربعمائة ألف على الدخول في المسيحية بعد أن نصبت لهم محاكم التفتيش وعقب تعرضهم لفظائع وأهوال تشيب لها الولدان.
يصرخ د/ ربيع: أين حقوق الإنسان من اتخاذ أطفال دروع بشرية يضعونها على فوهات الدبابات ومن قتل جرحي وطردهم أحيانا وتدمير مراكز طبية وأخذ كل ما تبقى من أجهزة طبية من داخل المستشفيات بعد الاعتداء على الأطباء لمنع معالجة الجرحى وقصداً لإفناء من لم يفن من رصاصات القناصة وقنابل الفوسفور وقذائف الطائرات ونيران الدبابات والمدرعات التي لا تبقي ولا تذر وتدمر البيوت على ما ومن فيها؟ أين حقوق الإنسان من هذه الانتهاكات التي نسمع عنها مما يجري في الهند وبورما وبلغاريا وكشمير والفلبين وغيرها ضد كل ما هو إسلامي؟ وفي أي نظام أو أية شريعة يُمنع المعتدى عليه من الدفاع عن نفسه ويحظر عليه السلاح بل ويطلب منه تسليم بنادقه المتهالكة التي بقيت مع بعض أفراده في حين يتمتع المعتدي بدباباته وطائراته وصواريخه وكامل عتاده يقتل ويهلك ويدمر؟ أين ذلك النظام الدولي الجديد الذي يدعي القوامة على العالم إلا أن يكون هذا النظام أقيم خصيصاً لمواجهة الإسلام والمسلمين؟.
حدث هذا كله فلم نتهم المسيحيين ولا المسيحية بالتوحش والتخلف والإرهاب..
حدث فلم نعلن الحرب على العالم..حاولنا فقط أن ندافع عن أنفسنا.. وفشلنا.. لأن الغرب – المسيحي – كان قد جاء بمجموعة من القوادين والنخاسين وجعلهم ملوكا علينا..فأذلونا..
لم نتهم الجمع بل حددنا التهمة بمن يرتكبها فقط..
لأننا خير أمة أخرجت للناس لم ننسب الفعل للدين ولم نقتل لمجرد الاشتباه كما يفعل وحوش يدعون انتماءهم زورا إلى عبد الله المسيح عيسى ابن مريم.
أساءوا إلينا فرددنا على إساءاتهم بالإحسان..
***
كان لا بد أن أكتب هذا كله ردا على موجة الهجوم الوقحة التي لا تعرف الحياء والتي انطلقت ضد الإسلام والمسلمين بعد افتضاح ما حدث.. موجة حاولت قلب الأمر كله وكأن الأمر لم يتم بسبب مسرحية مجرمة سافلة بل بسبب غوغائية المسلمين المتخلفين..
من الفقرات السابقة أظننا نعرف من هو الوحشي ومن هو المتخلف..
***
ومع احتدام الأمر في الإسكندرية، ومع صلافة البابا وهو يرفض الاعتذار، وجدت صاحبي وقد بلغ به الانفعال كل مبلغ يهتف صارخا:
- سوف يتغير الحال.. وسننهض من كبوتنا.. ويومها سنفعل بهم الأفاعيل..
وقلت له في وجوم:
- ولا حتى هذه ستنالها.. فدينك يعصمهم منك مهما جاروا عليك.. نعم.. ديننا يمنعنا من الثأر والانتقام.. بل ويدعونا إلى الصفح والمغفرة..
صدقت يا رب..
صدقت يا حبيبي..
كنتم خير أمة أخرجت للناس.. لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين.. بل لن نحملهم مسئولية ما فعلوه بنا..
***
فلنترك حظيرة الخنازير تلك لنتجه إلى خنزير آخر.. في حظيرة خنازير أخرى.. حيث تتعدد الأماكن ويتوحد الهدف: تشويه الإسلام تمهيدا للقضاء عليه.. واتهام المسلمين بما ليس فيهم لنزع صفة البشرية عنهم حتى يستسيغ العالم إبادتهم دون إدانة..نواصل تقليب الصفحات في سفر جليل جميل " الغارة على العالم الإسلامي وصدام الحضارات"إعداد د/ ربيع بن محمد بن علي الأستاذ بالجامعة الإسلامية حيث يتعرض لترجمة (روبرت) اللعين في لمعاني القرآن الكريم بطريقة أعطت صورة بشعة لهذه المعاني.. ومن ترهاته أنه أعطى معنىً غامضاً لخطاب (يا أهل الكتاب) وجعله يبدو في معظم الأحيان وكأنه موجه إلى المسلمين.. كما أضفى على كل الآيات المتعلقة بأحكام الزواج والطلاق معاني جنسية داعرة بحيث تبدو للقارئ الغربي لاسيما الرهبان مثيرة للاشمئزاز والنفور، ففي ترجمته مثلاً لقول الله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره.. البقرة/ 230)، يقول: "فلا تحل له حتى يطأها رجل غيره".. وجعل المعنى في قوله سبحانه: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين.. البقرة/ 220)، (تمارسوا معهم اللواط).. وفي قوله: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم).. البقرة/ 223) (فأتوهن في أدبارهن).. وفي قوله تعالى: (يا أيها النبي إنا احللنا لك أزواجك.. الأحزاب/ 50) هكذا: (نحن نجيز لك أزواجك اللائي أتيتهن مهورهن، وجميع إمائك اللائي أعطاكهن الله، وبنات عمك وبنات عماتك، وبنات خالك وبنات خالاتك اللائي اتبعنك، وكل امرأة مؤمنة إذا هي ترغب أن تقدّم جسدها أو نفسها للرسول، وإذا الرسول يرغب أن يضطجع معها فليفعل، وهذا خاص لك وليس للمؤمنين الآخرين).. وهكذا.(2/195)
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل قام معلق مجهول بالتعليق والتحشية على تلك الترجمة فزاد في التشويه إلى أقصى حد فمثلاً عندما لا يتفق القصص القرآني مع بعض قصص العهد القديم.. مثل وسوسة الشيطان لآدم وزوجه للأكل من الشجرة، بينا في العهد القديم: أن الحية هي التي أغرت آدم بالأكل من الشجرة.. يهاجم القرآن ويتهمه بالخرافة ويعلق عليه وعلى القصة الرائعة لحمل مريم بعيسى عليه السلام كما جاءت في سورة مريم بقوله: (كذب وقح) .. كما علق على قوله تعالى من سورة الغاشية: (فذكّر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر) قائلاً: (لماذا أنت بعد هذا توجَّه أصحابك إلى أن يُحوِّلوا الناس إلى دينك بالسيف، إذا أنت تقول مثل هذه المبادئ التي لا تُجبر الناس على الطاعة، فلماذا تُجبر الناس على الطاعة ولماذا تُخضعهم بالقوة مثل الحيوانات والبهائم المتوحشة، وليس بواسطة الحجج والبراهين مثل البشر، في الحقيقة أنت نموذج للكذّاب، فأنت في كل مكان تُناقض نفسك).. فهل يقول عاقل بأن إلهاً يخاطب نبيه بهذه اللهجة وبهذا الخبل؟ وما الذي يجبر هذا الإله لأن يرسل هذا النبي من الأساس إذا كان هذا هو حاله؟ اللهم إن هذا بتهان عظيم. (الغارة على العالم الإسلامي وصدام الحضارات إعداد د/ ربيع بن محمد بن علي الأستاذ بالجامعة الإسلامية.).
***
ما أريد أن أقوله، أن ما عرض في مغارة اللصوص، لم يكن مقطوع الصلة بما قبله ولا بما حوله، إننا نتكلم عن انحراف واسع المدى.
انحراف ممتد عبر التاريخ.. ذلك أن هذه الحملة العدوانية الشرسة- المتمثلة في تصوير الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام في صورة بالغة البشاعة ومغايرة تماماً للحقيقة وقائمة على التلفيق والأوهام وليّ الحقائق من طرف وسائل الإعلام في الغرب وقيام الحرب الصليبية المقنعة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإسلام والمسلمين تحت مسمى (الحرب على الإرهاب وإزالة أسلحة الدمار الشامل)- هذه الحملة ليست جديدة ، بل هي عقيدة غربية موروثة تشكلت ونمت منذ القرن الأول وحتى نهاية القرن الثامن الهجري.. وانتقلت هذه العقيدة كاملة متماسكة عبر هذه القرون الثمانية لتصل إلى القرون الحديثة والمعاصرة، وأصبحت أشبه بالمستنقع الآسن العَفِن الذي تغرف منه وسائل الإعلام الغربية وبعض رجال الدين الإنجيليين في أميركا، وينشرونها عبر وسائلهم المختلفة على أنها حقائق. ينشرونها أيضا عبر عملائهم وجواسيسهم من أقباط مهجر وعلمانيين وشيوعيين.
***
نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها..
الحملة سلسلة طويلة تمتد من يهوذا الإسخريوطي إلى كاهن الكنيسة الساقط..
الحملة تضم الآلاف والملايين..
الحملة تضم خنازير مثل "جيري فالويل" الذي لا يكف عن مهاجمة النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال بعض وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، ومما قاله فالويل مساء يوم الأحد 6 أكتوبر 2002م في برنامج 60 دقيقة: "أنا اعتقد أن محمداً كان إرهابياً، لقد قرأت ما يكفي من المسلمين وغير المسلمين أنه رجل عنف، ورجل حروب.. في اعتقادي المسيح وضع مثالاً للحب كما فعل موسى، وأنا اعتقد أن محمداً وضع مثالاً عكسياً".
***
نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها.. إنها تضم خنزيرا اسمه “بات روبرتسون" ويقف خلف أقوى تحالف سياسي ديني في الحزب الجمهوري وهو التحالف النصراني، وفي هجومه على النبي عليه الصلاة والسلام من خلال برنامج هانتي وكولمز في قناة فوكس الإخبارية قال ما يلي: "كل ما عليك هو أن تقرأ ما كتبه محمد في القرآن، إنه كان يدعو قومه إلى قتل المشركين.. إنه رجل متعصب إلى أقصى حد.. إنه كان لصاً وقاطع طريق.. (...).
***
تقول المسرحية السافلة مثل ذلك..
نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها.. إنها تضم واحدا آخر مثل فرانكلين جراهام الذي قام بعمل الطقوس الدينية لتنصيب الرئيس الأمريكي الحالي (جورج دبليوبوش) وقد أدلى (فرانكلين) بتصريحات إعلامية ذكر خلالها أن الإرهاب جزء من التيار العام للإسلام، وأن القرآن (يحض على العنف) وكرر جراهام خلال برنامج (هاينتي وكولمز) المذاع على قناة فوكس نيوز الأمريكية في الخامس من أغسطس 2002م رفضه الاعتذار عن تصريحات أدلى بها بعد حوادث سبتمبر 2001م وصف فيها الإسلام بأنه دين (شرير)..
نعم.. هو أيضا رفض الاعتذار.. فالكفر ملة واحدة..
نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها.. إنها تضم خنزيرا سافلا مثل جيري فاينز: وهو راعي كنيسة في (فلوريدا) افترى على الرسول عليه الصلاة والسلام واتهمه زوراً وبهتاناً بأنه "شاذ يميل للأطفال ويتملكه الشيطان، وتزوج من 12 زوجة آخرهن طفلة عمرها تسع سنوات ( أعتذر عن ذكر الباقي فهو بشع وكاذب.. ولم يطاوعني قلبي ولا قلمي على نشره بسبب شدة بذاءته في الهجوم على حبيبي وسيدي ومولاي صلى الله عليه وسلم.
لقد تعمدت الإطناب لسببين، السبب الأول أن أؤكد أن عواء الذئاب ونباح الكلاب والخنازير على الإسلام لم يتوقف أبدا، و أن المسرحية السافلة التي مثلت في مغارة اللصوص لم يكن استثناء و أنه لم يؤثر في الإسلام أبدا والسبب الثاني أن أطرح على القراء منابع هذه الصورة الملفقة المشوهة والتي تمثل العقيدة الدينية الغربية الموروثة والتي تمثل المصدر الرئيسي للعلمانيين والقوميين والشيوعيين في بلادنا.. لأنه إذا عرف المنبع النجس بطل العجب.
لقد كان هدف تلك الخنازير من ذلك التشويه، تحصين النصارى من أهل الذمة الذين أدركوا عدالة الإسلام وسماحة المسلمين، والحيلولة بينهم وبين اعتناق الإسلام خاصة بعد دخول الكثيرين منهم في الإسلام .. فلم يجد وسيلة لتثبيت النصارى على دينهم سوى محاولة تشويه الإسلام بالباطل.
في هذا المستنقع النتن سوف نرى جذور العلمانيين العرب.
ولنطالع على سبيل المثال الترجمة المشوهة لمعاني القرآن الكريم التي قام بها (روبرت أوف كيتون) لحساب بطرس المكرم سنة 537 هـ / 1143 م .. أو رسائل الكندي..في هذه أو تلك سنعثر على مرجعية أنصار أمريكا وإسرائيل أدعياء السلام والاستسلام.. ومهاجمة شعائر الإسلام، واعتبار الحج عملاً من أعمال الوثنية، ويرى أن الجهاد في سبيل الله إنما هو عمل الشيطان..!!
هل تشمون الآن نتن روائح فكر نوال السعداوي وصلاح عيسى وجابر عصفور و أدونيس ومجلة روز اليوسف؟!
هل ترون فاروق حسني و أزلامه؟
هل ترون النخبة؟؟
هل ترون عبد الرحمن الراشد والشرق الأوسط والحياة والأهرام والأخبار؟..
هل ترون رفعت السعيد وقد بارت كل تجارته، فكلما ازداد الخونة كسد سوقه وقل الطلب عليه؟..
هل ترون المسوخ التي جاءت بدلا من المسوخ التي ذهبت؟..(2/196)
يواصل د/ ربيع بن محمد بن علي فضحه للعدوان الفكري الإعلامي على الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام من جانب رجال الدين الإنجيليين ووسائل الإعلام الغربية- الذي يُعبِّر عن عقيدة موروثة ويمثل الدوافع الحقيقية لحرب دينية مصطنعة- ليس إلا وسيلة تمهيدية ضمن وسائل كثيرة يشملها هذا العدوان السافر على الإسلام والمسلمين والذي يهدف ضمن ما يهدف- رغم كل الأقنعة الزائفة التي يستتر بها- إلى مسخ هوية الأمة الإسلامية وتحويلها عن دينها وتدمير عقيدتها، وتمزيقها إلى دويلات وطوائف متناحرة لا تدين بالولاء إلا لأمريكا وإسرائيل، ونهب ثرواتها ومقدراتها، وتحويلها إلى مجرد مجتمعات استهلاكية لمنتجاتهما وتحويل كل فرد مسلم إلى مجرد كائن بهيمي لا حافز له ولا هم إلا السعي اللاهث وراء لقمة العيش وإشباع غرائزه الفطرية.
نعم..
مسخ لهوية أمتنا..
والقضاء على الإسلام..
وهذه المرجعيات والمراجع هي البركة العفنة التي تتربى فيها الخنازير..
فهل تشمون روائح النتن يا قراء؟..
وبرغم كل ما كان وما هو كائن فإننا لا نتهم المسيحيين ولا حتى اليهود..
هل تذكرون كيف انقلبت الدنيا من أجل تماثيل بوذا..
هل تذكرون كيف روعوا وشوهوا طالبان.. وكيف اتهموهم بالهمجية والتخلف لأنهم لا يدركون قيمة تلك الأصنام.. ثم كيف اتهموا الإسلام كله بالهمجية والتخلف لأنه لم يدرك ولم يدرك أهله قيمة تلك الآثار.. هل تذكرون كم من واحد منا انخدع فانضم إليهم مهاجما طالبان المتوحشة التي تقتل التماثيل!!.. غفر الله لكثير ممن ندعو لهم بالهداية والمغفرة.. غفر الله لشيخنا العظيم القرضاوي ولكاتبنا الكبير فهمي هويدي..
خُدعوا بالحضارة فانخدعوا..
كان ابن عباس رضي الله عنه يقول من خدعنا بالله انخدعنا له..
أما القسم من نخبتنا التي نظنها على خير فقد انخدعت بغير الله!!..
هل تعرفون ما فعل رواد الحضارة بعد ذلك بآثار العراق؟..
لكننا – نحن خير أمة أخرجت للناس- لم نقل ماذا فعل الصليبيون بهذه الآثار.. بل قلنا فقط ما روته صحيفة (الأسبوع) بتاريخ 22/ 3/ 2004 - 17/ 5/ 2004- 14/ 11/ 2004 وعلى لسان مدير المتاحف، ومدير المحفوظات الوطنية (سعد إسكندر) - أن هناك ما يزيد على (51) ألف قطعة أثرية عراقية مفقودة، فضلاً عن سرقة ونهب أكثر من 60% من تاريخ العراق المكتوب، وهذه النسبة تمثل ملايين السجلات والوثائق الملكية منذ العهد العثماني.
لم نتهم – نحن الأمة الوسط- الصليبيين ولا اليهود رغم أن الجرائم الأمريكية والصهيونية على تراث الأمة وحضارتها لا تقف عند حد، فقد نشرت صحيفة (الجارديان) البريطانية بتاريخ 15/ 1/ 2005 مقالاً افتتاحياً عن التدمير المتعمد الذي تعرض له تراث الحضارة البابلية على يد قوات الغزو جاء فيه: "أن الدمار الذي سببه إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على حطام مدينة بابل التاريخية أحدى أهم وأشهر المناطق الأثرية في العالم، يعتبر أحد أدنأ الأعمال البربرية الثقافية في الذاكرة الحديثة، حيث إنه عمل لا تبرره أي ضرورة عسكرية وكان من الممكن تجنبه تماماً إذ لم تكن هناك ضرورة لبناء المعسكر في المدينة حيث كانت توجد حدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وندرك- والكلام لا زال على لسان (د/ جون كورتيز) من المتحف البريطاني وكما جاء في تقريره-- أن السلطات الأمريكية كانت على علم تام بتحذيرات علماء الآثار بالأهمية الأثرية العالية لهذه المنطقة ورغم ذلك فقد تجاهلت القوات الأمريكية هذه التحذيرات تماماً"، وأعرب د/ كورتيز عن دهشته إزاء "الدمار الهائل الذي لحق بالموقع فيما بعد والذي لم يقتصر على هدم بعض الصروح الأثرية النادرة مثل بوابة الإله (عشتروت) إحدى أشهر الآثار في العالم، بل امتد إلى ما يقرب من ثلاثمائة ألف متر مربع من المنطقة الأثرية تم تسويتها بالأرض ودفنها في الردم المأخوذ من مناطق أخرى، لإنشاء مهبط لطائرات الهيلوكوبتر ومواقف لسيارات النقل الثقيل لم يكن يجب أبداً وضعها فوق هذا الكنز الأثري- ويضيف د/ كورتيز- أن هذا العمل البشع من وجهة النظر الأركيولوجية، يعني أن مواقع أثرية لم يسبق التنقيب فيها قد أصبحت مدمرة للأبد، مما يحرم البشرية من الحصول على معلومات أثرية مستقبلة منها ومن هذه المنطقة الحدائق المعلقة نفسها، وقد تضاعف الدمار نتيجة استجلاب رمال وردم من مناطق أخرى قد يكون بعضها مواقع أثرية بدورها".
وقد نقلت الإذاعة عن مراسل من المتحف البريطاني أن الولايات المتحدة تسببت في خسائر فادحة في مدينة بابل العريقة التي فاقت في روعتها أية مدينة أخرى، وأضاف المراسل في تقريره أن طرقاً مرصوفة منذ ألفي عالم قد دمرت بالعربات العسكرية، وأن بقايا الآثار استخدمت لحشو أكياس الرمل عندما أقيمت قاعدة عسكرية هناك، وأن المركبات العسكرية الأمريكية سحقت تحت عجلاتها وجنازيرها ألفين وستمائة عام هي عمر حجارة الرصيف الأثري الذي دمرته تلك المركبات، أما الرمال الأثرية التي تحتوي- حسب قول الإذاعة- على قطع أثرية، فقد أزيلت هي الأخرى واستخدمت لملء أجولة الرمال ولأغراض عسكرية أخرى، الأمر الذي أدي إلى طمس المعلومات حول المكان سيما بعد أن أزيلت أتربة التربة السطحية لثلاثمائة ألف متر مربع من المنطقة وتم تغطيتها بالحصى ومواد معالجة كيمائية، ونقلت الإذاعة على لسان أحد الباحثين وعن متحدث باسم القوات الأمريكية قولهما: إن المنطقة شوهت معالمها تماماً، وأن الغزو والتدمير كان على نحو خطير، وطال إلى جانب الحدائق برج بابل الذي يعد هو الآخر كنزاً من كنوز العالم القديم ومعلماً بارزاً من معالم الحضارة البابلية التي قامت منذ أربعة آلاف سنة.
ومرة أخرى: تذكروا تماثيل بوذا!!ّ
تذكروها واكتشفوا بأنفسكم نوع الكذب الخسيس المجرم الذي يواجه به هؤلاء الناس العالم.. ابتداء بجورج بوش وانتهاء بالكاهن الساقط الذي بارك المسرحية السافلة مدعيا أنها تدين الإرهاب ولا تسئ للإسلام.
نعم..
هذا متصل بذاك..
ومسرحية الإسكندرية استمرار لخيانات قطيع غير بسيط من الأقباط لوطنهم عبر التاريخ ليتركز في النهاية في أقباط المهجر.
نعم.. لم تكن مسرحية الإسكندرية استثناء ولا خطأ عارضا و إنما كانت استمرارا لحقد قديم لم يمت أبدا.. دفن تحت وطأة انتصار الإسلام الطاغي و إبهاره و إعجازه.. دفن ولم يمت.. نعم.. دفن ولم يمت فتشبع عفونة معتقة عبر التاريخ تشمها في بعضهم فكأنها وصمة عارهم عبر التاريخ.. وصمة عار تشمها في بوش كما تشمها في نابليون كما في كاترين وبطرس كما في كمال أتاتورك ومبارك وعبد الله وجمال عبد الناصر وصلاح عيسى والغيطاني ومئات و آلاف وملايين.. ارتضوا غير شرع الله وحاربوا الله ورسوله..
***
نعم..
علاقة الأقباط بالمسلمين في مصر حفلت بتسامح هائل من المسلمين وبانحراف من بعض الأقباط.. ولم يكن الانحراف بسبب وجود مشكلة لدينا في قبول النصارى.. على العكس.. كانت المشكلة في قبول النصارى للمسلمين..و كان المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه (باثولوجيا الإسلام يقول: "أعتقد أنه من الواجب إبادة خُمس المسلمين، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر"..
***
في المسرحية السافلة سوف نشم ذات الرائحة النتنة..(2/197)
كانت المشكلة انحرافا في صلب الفكرة تعرض لها الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية ـ لندن في مقالة متميزة – و إن كنت لا أتفق معه في كثير مما ورد فيها، ولكنها على أي حال جهد وجهاد يحتمل الأجر أو الأجرين.. وعنوان المقال: " هل كان للأقباط دور تاريخي في مقاومة المحتل (حملات صليبية ـ فرنسي ـ بريطاني)؟
يستعرض الدكتور هاني السباعي في بحثه استعراضهم للقوة واستقواء بعضهم بالأجنبي عبر التاريخ ونقضهم العهود، ونقضهم عقد الذمة منذ الفتح الإسلامي سنة 20هـ ، رغم تعامل ولاة المسلمين معهم بكل تسامح، فكانوا يتظاهرون ويعلنون العصيان المسلح على الدولة ويقتلون عمال الحكومة ويتصلون بدولة الروم ثم يتصدى الحكام لهم بإرسال من يطالبهم بفض العصيان في مقابل العفو عنهم إلا أنهم في الغالب يتعنتون ويصرون على التمرد بزعم أن دولة الروم قد تساعدهم غير أن حساباتهم كانت على الدوام خاطئة فسرعان ما ينتصر عليهم جيش المسلمين ثم يعفو عنهم الخليفة أو الوالي ويجددون له الولاء والطاعة والالتزام بنود عقد الذمة المنصوص عليه في اتفاقيتي بابليون الأولى (الخاصة بأهل مصر قبل فتح الإسكندرية)سنة 20هـ وبابليون الثانية (الخاصة بأهل الإسكندرية) سنة 20هـ أيضاً، لكنهم يعودون مرة أخرى لعصيانهم متذرعين بأحداث لا تتناسب وحجم عصيانهم المسلح..
كما يلاحظ ما يحدث في العصر الحديث، حيث غر بعضهم تحريض أقباط المهجر وخفافيش البنتاجون .. فراحوا يبتزون الحكومة.. ويلاحظ الدكتور هاني السباعي أن تمرد الأقباط و أخطاءهم تقابل من السلطة بصبر منقطع النظير وغير معهود على رجال الشرطة الذين يتعاملون بمنتهى الرقة مع مثل هذه الأحداث رغم استفزاز المتظاهرين لقوات الأمن والحكومة وترديد شعارات معادية للإسلام وأهل البلد والحكومة نفسها ( وصل الأمر إلى استعمال هتافات مثل الاستنجاد ببوش وشارون والهتاف: لا إسلام بعد اليوم). وبرغم ذلك فإن الحكومة عادة ما تستجيب للابتزاز .. الحكومة التي دأبت على تدليل الأقلية القبطية والرضوخ لمطالبهم المتعسفة التي يفتقدها الشعب المسلم في مصر، بل يطالب عدد كبير من المسلمين أن تعاملهم الحكومة مثلما تعامل الأقلية المسيحية حيث كل أنواع القمع والتضييق على المسلمين سواء في الفصل من الوظائف الحكومية والتربوية وإحالة العديد من المدرسين إلى وظائف إدارية، والطرد من المؤسسة العسكرية أو جهاز الشرطة أو الأجهزة الإدارية الحساسة وغير الحساسة في الدولة لكل من يشتبه أن له قريباً كان ذات يوم معتقلاً سياسياً أو يشتبه بأن هذا القريب كانت له صلة بالجماعات الإسلامية، بالإضافة إلى حملة حكومية منظمة بغية تجفيف المنابع الإسلامية سواء في برامج الإعلام أو المناهج التعليمية. هذا كله بالإضافة إلى مطاردة وملاحقة الإسلاميين (60 ألف معتقل مسلم لا يوجد بينهم نصراني) عبر سلسلة المحاكمات العسكرية وتأميم النقابات المهنية وفرض الحراسات عليها والاعتقال طويل الأمد ومحاربة روح التدين، والسخرية من الهدي الظاهر لدى المتدينين المسلمين كالنقاب واللحية وتسخير كافة الأجهزة الأمنية لمحاربة الإسلاميين تحت شعار محاربة (الإرهاب)..
يتحدث الدكتور هاني السباعي بعد ذلك عن تاريخ طويل من الغدر والتشويه والكذب ويدين بقوة موقفهم إبان الغزوة الفرنسية والإنجليزية لمصر. ويقرر أن ما يقوم به أقباط مصر بقيادة الأنبا شنودة الثالث هو إهانة لمشاعر المسلمين في مصر وفي العالم الإسلامي بأسره. الأنبا شنودة الذي عودنا على اعتكافه السياسي في وادي النطرون مهدداً القيادة المصرية الخانعة المرتجفة من ضغوط الغرب؛ لن يجدي اعتكافه هذا إذا تمخض الزلزال وخرج المارد من قمقمه فلن يتحمل الشعب المصري كل هذه الإهانات المتكررة من أقباط مصر، تلك الأقلية التي لا هم لها إلا الاستقواء بالغرب .. لا .. ولن تنفعهم أمريكا ولا قوات الناتو ولا من في الأرض جميعاً من غضبة الشعب المصري المسلم المكلوم المهان في دينه وكرامته.. فأفيقوا قبل أن يتمخض الزلزال.. وساعتها سيقول الجميع ولات حين ندم!.
حاشية على بحث الدكتور هاني السباعي:
أعتقد أن الدكتور هاني السباعي يتحدث عن أقلية داخل أقلية، أقلية سافلة وسط أغلبية أفضل، تماما كأقليات اليسار السافل بين المسلمين، نعم.. أقلية و إن كنت أظن أنها تزداد تدريجيا, أقلية.. لا أقولها نفاقا أو مجاملة للأقباط، فالتاريخ يتحدث فعلا عن ترحيب الأقباط – في مجملهم- بالفتح الإسلامي .. ليس ميلا للدين الجديد و إنما لأنهم كانوا يعتبرون الرومان كفارا و أعداء معا وكانوا يرون أن المسلمين أقل كفرا من الرومان الذين عاملوهم بوحشية منقطعة النظير، لقد قتل جستنيان الأول عام 560م 000 200 في الإسكندرية وحدها. وكان التاريخ الدامي لا ينفك يذكرهم بكيفية دخول المسيحية لمصر في عام 55 م علي يد مارمرقس الرسول وإنشاء أول كنيسة في مصر في منطقة بوكاليا في الإسكندرية وكيفية قتل مارمرقس الرسول بمعرفة الوثنيين بربطه من رقبته في عام 68 م بحبل وجره في الشوارع حتى ظهرت عظامه وكيف عاش المسيحيون في اضطهاد دائم في مصر وصل ذروته في عهد دقلديانوس حاكم الدولة الرومانية في عام 284 م حتى وصل عدد القتلى من المسيحيين إلي أكثر من مليون شخص. ويرى بعض المؤرخين المحايدين أن الفتح الإسلامي أنقذ قبط مصر من الإبادة. ثم أن المراجع القبطية نفسها – ومنها أنقل الآن- تذكر كيف بدأ الأقباط في مساعده عمرو بعد سقوط بابليون والإسكندرية واحتلاله البلاد وكان زعيم القبط وكبيرهم رجلا اسمه باليوناني سانوتيوس أو شنودة بالقبطي، أعلم عمرو بأحوال أهل البلاد وكيف اضطهدهم الأروام وهروب البابا بنيامين منهم واختفاؤه. فكتب عمرو بن العاص وعد عهد وأمان كالآتى ( أينما كان بطريرك القبط بنيامين، نعده الحماية والأمان وعهد الله فليأت البطريرك إلى هنا في أمان واطمئنان ليلى أمر ديانته ويرعى أهل ملته (2) وكان البابا بنيامين قد غاب عن كرسيه 13 سنه منها 10 سنين في عهد الأروام وحكم قورش(المقوقس) وثلاث سنين منذ غزا العرب مصر0كما أمر عمرو بإرجاع الكنائس التي اغتصبها الأروام من الأقباط. أما البابا بنيامين فلما عاد إلى كرسيه عمل وعلم بكل طاقته لإرجاع الذين أضلهم قورش فرجع منهم الكثيرين0وعاد الأساقفة أيضا إلى كراسيهم( أماكنهم) بعد هروبهم وأمر ملاك الله البابا أن يبنى بيعه (كنيسة) مطرا لأنها كانت أكثر الأماكن التي أهرق فيها الأروام والملكيين دماء الأقباط، ورمم أيضا أديره وادي النطرون (دير الأنبا بيشوي وأبى مقار) بعد أن دمرها الفرس وقتلوا رهبانها. ثم تروي المراجع القبطية ما قاله المؤرخون العرب انه خرج 70000 راهب قبطي من وادي النطرون بيد كل منهم عكازا عراة الأقدام وبثياب ممزقه، مهللين لعمرو بن العاص.
ولا تنفي المراجع القبطية هذا الخبر لكنها تنتقد العدد.. وترى أن فيه مبالغة كبيرة.
هامش على الهامش:
هذا هو الفاتح الصحابي الجليل عمرو بن العاص..
فهل رأيتم فاتحا في التاريخ يفعل فعله ( كلب من كلاب الروم كان يقول: لقد فتحت أمريكا العراق كما فتح عمرو بن العاص مصر.. وكلب آخر من كلاب الروم قبح الله وجهه ( أسامة أنور عكاشة) كان يقول عن الصحابي الجليل أنه أحقر شخصية في التاريخ..
ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون.
***(2/198)
هكذا جرت حملات الكذب لتشويه الإسلام والمسلمين وكان هدفها الرئيسي تنفير النصارى من الدخول في الإسلام.. ولو لم تكن الغواية هائلة لما كانت الأكاذيب بهذا الحجم..
إنني أريد أن أفرق هنا بين أمرين أظنهما هامين، و أريد ألا أسقط في فخ الإساءة لأحد، كما لا أريد أن أسقط في مستنقع المجاملات الكاذبة المنافقة اللزجة.
وعلى سبيل المثال: عندما يقول المسلم أن النصارى كفار فهذا ما قرره له القرآن الذي يقول "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " 17 و 71 المائدة و" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ" المائدة 73.. إنه لا ينطلق من حكم شخصي أو هوى مضل. إنه ينطلق من القرآن كحكم سماوي مطلق لا استئناف فيه ولا قدرة لبشر على تغييره. نعم .. أعلم أن النصارى لا يؤمنون بالقرآن.. ولم نطلب منهم ذلك.. لكننا نطلب فقط أن يفهموا أننا نؤمن به أكثر من إيماننا بوجودنا الأرضي ( لا أقول ذلك لصرفهم عن محاولاتهم الساذجة السافلة لصرفنا عن الإسلام) وعندما نقول أنهم بدلوا في كتابهم، فإن ذلك يعني يقيننا المطلق بما أخبرنا به القرآن، وذلك لا يتعلق على الإطلاق، إنه لا يتعلق حتى بالنبأ الذي ذاع أن الكنيسة الكاثوليكية في روما توشك علي الإعلان رسميا عن أن 80% من الأقوال المنسوبة للسيد المسيح عليه السلام في الإنجيل ، غير صحيحة تاريخيا . أليس هذا ما قاله الإسلام؟ أليس هذا ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم .
على الجانب الآخر .. ما هي مرجعية النصارى عندما يحكمون على المسلمين في شيء؟ هل قاله الله؟ هل نطق به عبد الله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام؟ أم أنه رأي بشر.. إنني أرجو من القارئ القبطي أن يفهمني، إنني أحاول مناقشة الأمر بصورة عقلية مجردة، لا أهدف منها أبدا إلى إقناعه بالإسلام، بل أهدف منها – و أقولها بلا خجل وبلا كبرياء مرذول – إلى استرضائه. نعم أريده أن يفهم أنني عندما أقول أن الله واحد أحد لم يلد ولم يولد فإنني لا أقصد إيذاءه، وحتى عندما أقول لقد كفر الذين قالوا.. فإنني لا أملك من الأمر شيئا ولا حيلة لي ولا لغيري فيه.. بمعنى أنني من ناحية لا أقصد إيذاءه، ومن الناحية الأخرى فإنه إن كان ضروريا أن يمنعوا تلك الآيات من أن تتلى على الأرض فليس لهم إلا سبيل واحد.. أن يقتلوا مليارا وثلاثة أرباع مليار مسلم.. وهذا أيضا لن ينالوه أبدا.. ليس استكبارا.. ولكن أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك.
بشكل آخر: عندما يقول المسلم على النصراني أنه كافر فذلك أمر طبيعي.. تماما كما أنه طبيعي أن يقول النصراني عن المسلم أنه كافر، وشد ما يصيبني الاشمئزاز من إنكار هذا المعنى أو الكفر به، فمن المؤكد أن المسيحي لا يقبل أبدا أن يقال أنه مؤمن بنبوة سيد البشر وخاتم النبيين سيدنا وحبيبنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن أي مسلم لا بد أن يشعر بالفخر الشديد حينما يذكر عنه أنه كافر بالتثليث، فذلك مدح لا قدح.
نعم.. وبطريقة أخرى فالكفر يعني الغطاء، أو الإخفاء أو الإنكار، وبذلك فإن إنكار النصراني لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم تعني بالنسبة لي كفره، و إنكاري أن الله ثالث ثلاثة تعني بالنسبة له أنني كافر بما يقول.. وهذا صحيح ولا يحمل أي نوع من الإساءة أو الإهانة. إن الأمر كما قال المستشار العلامة طارق البشري ذات يوم ضاربا المثل بالماركسية، فإن لها أسسا معينة فإن آمنت بها فأنت مؤمن و إن أنكرت المادية الجدلية فأنت كافر بها دون أن يعنى هذا الرغبة في الإهانة.
***
لست أدرى هل استطعت توضيح الفكرة السابقة أم لا..
وربما يحتاج القارئ الآن أن أخفف من جهامة الكلمات وشدة وطأتها بأن أروي له الحكاية التالية..
لست أدري من الذي أدخل في روعي أن الأستاذ نبيل الذي أتعامل معه مسيحي، وظلت علاقتي به طيلة عشرة أعوام شديدة الصفاء والنعومة، كنا نلتقي – لقاء عمل – كل عدة شهور.. وكان هو يستمتع بخطئي و يتجنب كشف الحقيقة أمامي.. إلى أن التقينا في الحج!!..بعدها قلّت مجاملتي له، و أصبحت أعنفه أحيانا إذا أخطأ فيقول مازحا: ليتك ما اكتشفت الحقيقة، فأوضح له الأمر، ذلك أنني في علاقتي بالمسيحي أحمل مسئولية مضاعفة، مسئولية : " الدين المعاملة" ومسئولية توصية الرسول صلى الله عليه وسلم بهم. لكن هل تعني المجاملة أن أنكر ما هو معلوم في الإسلام بالضرورة؟ نعم.. لكم دينكم ولي دين.. لكن.. من هم هؤلاء الذين لهم دينهم ولي دين.. إنهم: " يا أيها الكافرون!"..
***
وقبل أن نعود إلى المسرحية المجرمة فإننا نعرض في إيجاز شديد رد فعل العالم على الأكاذيب القذرة والمسرحيات المجرمة وجميع وسائل الإعلام الخاضعة للصليبيين واليهود..
نعرض رد فعل العالم على الأكاذيب عابرة القارات والقرون..
هل انصرف الناس عن الإسلام؟..
هل قل عدد المسلمين؟؟..
على العكس..
رد الفعل أن عدد المسلمين ازداد وكذلك نسبتهم.
- فقد ازداد عدد المسلمين نسبة إلى سكان العالم من 18% عام 1980 23% عام 2000 ويتوقع أن يصل إلى 31% عام 2025( البيان ذو الحجة 1419).
وللمسلمين أقول أن ذلك يتم لأن الإسلام حق بذاته دون حاجة إلى دفاع ، كما أن فكرة التوحيد في الإسلام بالغة النقاء والرقي، نعم إنها نقية وشامخة للدرجة التي تخطف قلب أي إنسان على غير دين الإسلام عندما يسمع بها، وسنجد ذلك في كثير من مذكرات من هداهم الله لإسلام.
***
النماذج الوضيعة التي ذكرناها ليست استثناء و .. لا أقول أيضا أنها القاعدة في تناول الإسلام والمسلمين.. لكنها واسعة الانتشار..وعلى من يريد معرفة المزيد أن يلجأ إلى مواقع أقباط المهجر، وليست سوى أوكار للخونة والجواسيس والعملاء، وبالمناسبة سوف يذهل القارئ من أن أهم كتاب هذه الأوكار رفعت السعيد والعشماوي وحسن حنفي وفرج فودة والقمني وخليل عبد الكريم وصلاح عيسى والغيطاني ومن على شاكلتهم. دعنا من ذلك. لديّ صحيفة كنسية توزعها الأهرام تتعرض لسيدنا عمر بن الخطاب باتهامات خسيسة قذرة بشعة كالصحيفة ومن أصدرها وباركها ووزعها.. ولولا حرصي على عدم إشعال النار لذكرت التفاصيل.
***
لم تستخف الكنيسة.. بل قامت بهذا العمل الفاجر بتحد سافر للمسلمين ولأجهزة الدولة وقامت بعرض كل شيء من أسماء طاقم العمل بالكامل.. فما المطلوب من هذا التصرف الوقح...هل هو إعلان التحدي والتمرد من قبل الكنيسة على الدولة؟ هل هو السعي إلى فتنة المفروض أن يكونوا أشد الناس خوفا منها؟ هل هو الاستقواء الدنيء بالخارج ؟(2/199)
يقول الدكتور يونان لبيب رزق ـ قبطي ـ في مجلة المصور : تصور نفر من الأقلية القبطية أنهم يستمتعون بالحماية الأمريكية ولعل هذا ما دفعهم إلي تأليف وتمثيل هذه المسرحية الركيكة والتي تفتقر إلي ابسط مبادئ الحبكة الدرامية، فهي تقوم منذ بدايتها علي فكرة وهمية مؤداها نجاح احدي الجماعات الإسلامية المتطرفة في إغراء شاب قبطي علي الانضمام إليها ولم يحدث أن سمعنا من قبل أن هذه الجماعات قد سعت إلي ضم أي قبطي، الأكثر من ذلك أن هذا الشاب لسبب أو لآخر قد استجاب لهذه الدعوة غير المنطقية، ولا ندري من كان وراء هذا التصرف الذي لا يمكن وصفه إلا بالتعصب وقصر بالنظر، أو على الأقل بفعل فاعل في نفس الفترة أخذت إحدى قنوات القمر الأوروبي هي قناة الحياة تبث برنامجا استفزازيا لقس مصري اسمه الأب زكريا حفل بالقصص الوهمية عن نجاحه في تنصير أعداد من المسلمين هذا فضلا عما يبشر به من معجزات وهمية.
***
هو الاستقواء الخسيس إذن.. استقواء عميان يقودون عميانا .. ولكن.. إذا كان الأعمى يقود أعمى يسقطان معا في حفرة .. و أنهم هم الذين ينطبق عليهم ما جاء في الطبعة المعاصرة للإنجيل : "كتب أن بيتي بيتا للصلاة يدعى، أما أنتم فقد جعلتموه مغارة لصوص".. أو أنهم كما قال القديس أوغسطينوس : إنهم يرغبون في تدمير الحق الذي لا يمكن تدميره. أمّا الخنازير فتختلف عن الكلاب فهي لا تهاجم لتمزّق بأسنانها، لكنها تدنّس الشيء إذ تدوسه بأقدامها في طياشة... إذن لنفهم أن "الكلاب" تُشير إلى مقاومي الحق، "والخنازير" إلى محتقريه.
- لقد بلغ الفجور بالكهنة الذين اشتركوا في هذه الجريمة أن كذبوا حتى على البابا شنودة نفسه، فقد ورد في مقدمة المسرحية أنها "حظيت بمباركة صوت البابا شنودة".. والكلمة رغم غموضها أعطت انطباعا بتورط البابا نفسه تورطا مباشرا في هذا العمل الإجرامي. ولم يكن ذلك صحيحا، و إنما تدني الكهنة إلى مستوى النصب والاحتيال، ولقد فسر الأنبا موسى الجملة، فقد أتوا بتسجيل موعظة من مواعظه و سجلوها في المسرحية لتباركها.
- لقد قلت قبل ذلك أن الغرض من مثل هذه المسرحية السافلة والكهنة السفلة الذين تبنوها هو تشويه الإسلام كي يشوهوه عند أبنائهم ولكي يبغضوا لهم أتباعه.. لكن القبطي المحترم الوقور المحروم من قبل البابا شنودة: جمال أسعد عبد الملاك يخبرنا بسبب آخر.. إن الكهنة الساقطين.. أبناء الأفاعي الذين يلبسون ملابس الكهنة.. يتاجرون في هذه المسرحيات ويكسبون منها.. وذلك سبب هام آخر.. وهو أيضا يؤكد أنهم ليسوا أتباع عبد الله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، سواء بتحريف أو بدون تحريف ( فحتى المسيحية المحرفة لا تأمر بالكذب الفاجر أو جرائم القتل والإبادة)..و إنما هم أتباع يهوذا و أنهم ينتجون هذه المسرحيات من أجل الثلاثين فضة!!..
- أين كانت الحكومات العميلة الساقطة وهي تتراجع تراجعا بعد تراجع وتفرط تفريطا بعد تفريط.
- أين كانوا وهم يردون المؤمنات المحصنات ماريان مكرم عياد وتريزا إبراهيم ووفاء قسطنطين وغيرهن..
- أين مباحث أمن الدولة التي لا تخفي عليها في المساجد خافية؟؟ أين؟؟
- العار والشنار لأجهزة تسجل أسماء الشباب الذين يصلون الفجر في المساجد دون أن تجرؤ على التسلل لقلاع وحصون تسمى بعضها زورا كنائس.
- الخزي والعار والشنار لأجهزة لا تجرؤ على التدخل في برنامج عمل الكنائس ثانية واحدة بينما تحرص على تقييد العمل في دور عبادة المسلمين الأعداء.. في المساجد!!.. يحرص كلاب النار على ألا يذكر اسم الله فيها.. فلا تفتح إلا قبل صلاة الفرض بدقائق ثم تغلق بعد الصلاة مباشرة.. لعنهم الله و أخزاهم.. و أخزى وزيرا يوافق على هذا ويباركه.
- الخزي والعار والشنار لأجهزة الأمن الباطش الجبار التي قتلت الناس داخل المساجد وأطلقت النار داخلها وهدمت بعضها لاتهامات كلها مزورة وصمتت صمت الجرذان عندما كانت الجرائم جرائم خيانة عظمى لكنها تحدث في الكنائس.
- الخزي والعار والشنار لهم .. الخزي والعار والشنار لهم .. الخزي والعار والشنار لهم .. إنني أوجه السؤال لهم أو لأي واحد منهم ما يزال لديه دين أو ضمير- وهو الأمر الذي أرتاب فيه- هل يمكن أن يفعلوا بالإخوان المسيحيين (!!) ما فعلوه بالإخوان المسلمين؟.. ولا أقول بالجهاد أو الجماعة الإسلامية؟؟..
- لماذا استهان كلاب النار – أيا كانوا و أيا كانت مناصبهم.. من الخفير إلى الأمير.. بالمساجد وجبنوا أمام الكنائس التي تحولت إلى دويلات متناثرة داخل الدولة ؟ نعم .. دويلات لها هيئة مستقلة وخصوصية خاصة داخل البلد .. دويلات لها قوانينها وسجونها و أجهزة إعلامها بل وصحفها.
- هل يدرك القراء أن من حق كل كنيسة أن تصدر صحيفة؟! لدي بعض هذه الصحف، وهي طباعة فاخرة، وليست للتوزيع الداخلي، بل تباع، ومكتوب في صفحاتها الأولى أنها توزيع الأهرام، فهل يدرك جهاز الأمن الباطش الجبار ذلك؟ وهو الذي يحاصر أي مطبوعة للمسلمين، وهو الذي يمنع بمنتهى الجبروت والقسوة عودة صحيفة الشعب رغم عشرات الأحكام القضائية النهاية ، الخزي والعار والشنار لجهاز أمن يفعل ذلك..خزي وعار يلحق أيضا الباقين جميعا .. من الخفير إلى الأمير.
- هل تراقب أجهزة الثقافة مسرحيات الكنائس ومطبوعاتها، وهي التي لا تسمح لأي مؤسسة مسلمة بأي نشاط، إلا إذا كان هذا النشاط نفاقا وازورارا عن الإسلام، هل تراقب هذه الأجهزة نشاطات الكنائس.. أم أنها مشغولة كوزيرها الشاذ – فكريا!- بإخراج مسرحية صنع فيها – عليه من الله ما يستحقه- نموذجا للكعبة وأتى براقصة لترقص فوقه.
- أين وزارة الداخلية.. أين شرطة المصنفات وقسوتها الباطشة وهي تهاجم مساكين يرتزقون من بيع تسجيلات دينية معظمها صحيح لكنه لا يوافق هوى الشياطين التي تحكمنا ثم لم تتحرك قيد أنملة لإزار المسرحية الفاجرة.
- فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية مثلت منذ عامين.. لكن التساؤل: هل تسقط جرائم إهانة القرآن وسب الرسول بالتقادم؟.. وبعد عامين فقط!!..
- فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية مثلت مرة واحدة فقط.. وهذا كذب لأنها مثلت مرات عديدة.. أما المصدر فهم مسيحيون شاهدوا المسرحية.. و أسلموا بعدها!!
- فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية مثلت مرة واحدة ثم صدرت الأوامر بإيقافها.. وهذا كذب.. فقد مثلت في أغسطس الماضي حيث صورت.. لكن دعونا من أجل الجدل نوافق.. فإذا كانت الأوامر قد صدرت بإيقافها فمن سجلها؟.. ومن طبعها؟
- فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية لم يشاهدها مسلم قط.. فكيف وصل تسجيلها إلى آلاف المسلمين إذن؟ ( المسيحيون الذين هداهم الله للإسلام أقروا بأن التسجيل والتوزيع كان مقصودا به المسلمون وليس المسيحيين)..
- هل كل ضباط مباحث أمن الدولة مشغولون في مراقبة المساجد؟ أما من ضابط منهم يذهب ليقول لنا من الذي طبع القرص الفاجر ومن وزعه.. ومن هو الفاجر الذي وافق أو بارك؟!..
- ثم: أين شيخ الأزهر.. لا عفوا.. أنا أسحب السؤال يا قراء.. لا أسأل عن شيخ الأزهر ولا أناديه فالرجل موظف.. والموظف ملتزم بشرع ولي نعمته لا بشرع خالقه.
- أين المفتى؟.. لقد فقد الرجل احترامي كله وهو ينكر وجود تسجيل للمسرحية أصلا.. وهو قول كاذب لم يجرؤ عليه حتى البابا شنودة نفسه..(2/200)
- أين النائب العام.. الذي أكتفي بصدده بأن أشكوه إلى الله.. ليس في هذه القضية فقط..بل في كل قضية يكون الحاكم طرفا فيها.. و أحيل القارئ إلى مقال لي نشرته منذ أعوام ثم ضمنته كتابي " إني أرى الملك عاريا " عن صدام عنيف مع النائب العام آنذاك حين صارحته أن قاضيا في الجنة وقاضيين في النار.
- أين وزير العدل – المزور كما اتهمه القضاة أنفسهم-..
- إنني أنقل تعليقا من رسالة قيمة لبعض من تصدوا للمسرحية الفاجرة.. تعليقا يستنكر كيف أن أصحاب هذا العمل المسرحي الهزيل قيمة ومضموناً .. نشروا مثل هذه الأفكار دون أن تطرف لهم عين..ودون أدنى مسئولية أو شعور بالآخرين..إننا كنا نتصور إن مصر من كافة طوائفها وأفكارها ومثقفيها وبُسطائِها قبل علمائها كانت ستعلن التنديد والاستنكار على الفور إذ ما تجرأ أحدهم من دولة قريبة أو بعيدة بمثل هذا العمل..إننا لم نتصور أبدا أن نُؤتى من مأمننا..ونُطعن من مكمننا..كنا نتصور أن هؤلاء الذين يسبون الإسلام( مثل زكريا بطرس وأعوانه في القنوات المشبوهة) في الخارج هم أعداء لديننا ودولتنا ، وكنا نعلم أن أغراضهم الرخيصة المكشوفة في إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين لن يعبأ بها شبابنا الواعي للوحدة الوطنية ولمستقبل وأمن بلاده .. فإذ بعيوننا تتحول عن مكامن الخطر الخارجي لنجدها هنا ونشاهدها من الداخل للأسف. المشكلة أن الطعنة هذه المرة جاءت صريحة من قلب أقباط مصر أنفسهم ، وليس كما أعتدنا تلقي السهام من أقباط المهجر في الخارج. الشيء المؤسف أن هذه الطعنة وهذا الاستهزاء الرهيب بشرائع الإسلام جاء من قِبَل أكبر مِلّة طائفية مسيحية في مصر وهم الأرثوذكس ، والذي يشكلون معظم أقباط مصر المسيحيين. ولو كان هذا العمل قد قام به مجموعة من الشباب كحالة منفردة لكنا قد سكتنا ولكذبنا أنفسنا وأعيننا ، وقلنا لأنفسنا ولأبنائنا المسلمين لا تحزنوا ولا تغضبوا لأنهم مجموعة عشوائية من الشباب لا تمثل أبدا الكنيسة المصرية ، ولا تمثل أبدا إخواننا الأقباط. إلا أن الصدمة هذه المرة كانت من قبل أحد الكنائس الأرثوذكسية التي يقودها ويرأسها البابا شنودة نفسه.. حيث أن العمل تم في "كنيسة ماري جرجس – بمحرم بك- الإسكندرية" ،هذا العمل المسرحي الذي يشرف عليه قساوسة كبار وليس مجرد مجموعة من الشباب المتعصب أو غيره. إن الشيء المحزن أن هؤلاء القساوسة يفترض أنهم أكثر استيعاباً وإدراكاً للمسئولية في مثل هذه الفترات ، ولا بد أن يكونوا قدوة للآخرين ، لأنهم رجال دين في محل نظر واهتمام الآخرين حيث أن تصرفاتهم وأفعالهم محسوبة عليهم. وللأسف أن أي شخص سيشاهد هذه المسرحية سيدرك أن العمل لم يكن عشوائياً ، بل كان عملا منظما متكاملا ضخما داخل مسرح الكنيسة وخارجها ، عمل فني بما يعرفه المشاهدون من طاقم تصوير وموسيقى وديكور وكمبيوتر وملابس ومكياج وتأليف وإخراج وطبعاً لا تنسوا القساوسة ومباركتهم للعمل بأنفسهم. بل إن الجمهور المسيحي الذي كان يحضر هذا العمل لم يكن بضع أفراد ولم يكن العمل سرياً، بل كان جمهورا كبيرا ضخما بالمئات أصرت الكاميرات إظهاره عدة مرات لتوضح مدى سعادتهم وتصفيقهم الحار للعمل إعجابا به!!. وتلك نقطة أخرى لا أتوسع فيها حرصا، إذ كيف يهبط هذا الجمهور الغفير إلى هذا الدرك السافل دون احتجاج واحد، وهل هذا الجمهور لا يمثل إلا نفسه أم أنه عينة عشوائية صادقة للانحطاط والكفر والسفالة.
***
إن عنوان المسرحية نفسه يعود إلى رواية وردت في الإنجيل تقول:
" وفيما هو مجتاز رأى إنسانا أعمى منذ ولادته. فسأله تلاميذه قائلين يا معلّم من اخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى. أجاب يسوع لا هذا اخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه. ينبغي أن اعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار. يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل. ما دمت في العالم فأنا نور العالم
قال هذا وتفل على الأرض وصنع من التفل طينا وطلى بالطين عيني الأعمى. وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام. الذي تفسيره مرسل. فمضى واغتسل وأتى بصيرا "
"فالجيران والذين كانوا يرونه قبلا انه كان أعمى قالوا أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي. آخرون قالوا هذا هو. وآخرون انه يشبهه. وأما هو فقال أنى أنا هو. فقالوا له كيف انفتحت عيناك. أجاب ذاك وقال. إنسان يقال له يسوع صنع طينا وطلى عينيّ وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل. فمضيت واغتسلت فأبصرت".(...) اسألوه فهو يتكلم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنهما كانا يخافان من اليهود. لان اليهود كانوا قد تعاهدوا انه إن اعترف أحد بأنه المسيح يخرج من المجمع. لذلك قال أبواه انه كامل السن اسألوه، فدعوا ثانية الإنسان الذي كان أعمى وقالوا له أعطي مجدا لله. نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ. فأجاب ذاك وقال أخاطئ هو. لست اعلم. إنما اعلم شيئا واحدا. أنى كنت أعمى والآن أبصر "..يوحنا 9: 1-41.
النصارى يحكمون مصر!
الجزء الثالث
[بقلم: د. محمد عباس (www.mohamadabbas.net)]
بسم الله الرحمن الرحيم
إنني أريد أن أنبه القراء، والمسيحيين قبل المسلمين أن هذه الطريقة الساقطة في الهجوم على الإسلام تفيده ولا تنتقص منه ذلك أن الشاب المسيحي يفاجأ عندما تزال غشاوة الكلاب والخنازير الذين تحدث عنهم القديس أوغسطينوس من على عينيه، عندما تزال هذه الغشاوة يدرك هذا الشاب عظمة الإسلام وعمقه، إن الشاب يدرك كم خدع، ويكتشف كم كذبوا عليه، ويكتشف كم كان هذا الكذب خسيسا.. بل ويكتشف الشاب فوق ذلك من عظمة الإسلام ما يدفعه لإشهار إسلامه حين يكتشف أن الإسلام لم يأت مكذبا لنبيهم ولا سابا له ولا متورطا في محاولة قتله ولا مدعيا على أمه مثل ما ادعى اليهود بل قال في عيسى وأمه: (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام)(المائدة 75). فعيسى عليه السلام عبد الله ورسوله جاء ذكره في السلسلة النبوية الكريمة شأنه شأن إخوانه من الأنبياء والمرسلين كإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى عليهم الصلاة والسلام، وقصة عيسى ذكرت في أكثر من موضع في القرآن الكريم ولم يرد في موضع واحد من القرآن الكريم ما يمس عيسى عليه السلام بسوء أو يشينه كما أنه لم يرد فيه شيء يمس جناب أمه أو يشينها بل خص القرآن الكريم أمه بسورة كريمة من سوره هي سورة مريم عليها السلام فلنستمع إلى ما سطره الوحي الرفيع من الآيات في حق عيسى وأمه مريم عليها السلام: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)(آل عمران 42)(وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم (آل عمران 45)
ولا يوجد فرق كبير بيننا وبين النصارى في شخص مريم عليها السلام فنحن نؤمن بها صديقة وبأنها بشر وبأنها عذراء لم يمسها بشري، طاهرة، صالحة، تقية، نقية، تعهدها الله برعاية خاصة وفضلها تفضيلا عظيما على نساء العالمين.
والفرق بيننا وبين رجال الكنيسة يتمثل أول ما يتمثل في شخص المسيح عليه السلام فنحن نؤمن بأنه رسول قد خلت من قبله الرسل ولا نؤمن بأنه إله ولا ابن إله ولا أنه يجلس إلى جوار أبيه في السماء ونؤمن بأن النصرانية الصحيحة التي نزلت على عيسى تنزلت بما نؤمن به وأن فرقا كثيرة من النصارى كانت عقيدتها موافقة لعقيدتنا ولكنها ووجهت بحرب إبادة فأبيدت. (التبشير والخطة الحكيمة لمقابلته الشيخ علي بن احمد بن طه المسيري)
***(2/201)
لقد كتب عادل حمودة، الذي لا يجمع بينه وبين الإسلاميين إلا العداوة والشحناء – من طرفه- كتب في صحيفته " الفجر" عن الوقائع فأدان الكنيسة وحملها مسؤولية ما حدث بقوله:
"لقد أشعلت الكنيسة القبطية الفتنة هذه المرة في الإسكندرية.. مسرحية لا لزوم لها.. تتدخل في عقيدة الجيران.. ولا تحترم القاعدة الفقهية والوطنية والقانونية لكم دينكم ولي دين.. وقد تصورنا أن آباء الكنيسة وعلي رأسهم البابا شنودة سوف يبادرون بالشرح والتفسير والتبرير والاعتذار لكن.. ذلك لم يحدث.. إن كل مؤسسات الدولة في مصر اعتذرت للكنيسة عما نشر في صحيفة النبأ رغم أن ذلك كان خطأ شخصيا لم ترتكبه.. وعوقب رئيس تحرير الصحيفة علي ما نشر بالسجن ومات قبل أن يكمل فترة العقوبة.. وكان متوقعا أن تبادر الكنيسة بالاعتذار عما جري في الإسكندرية خاصة أنها مسئولة عنه.. كما أن الخطأ لم يكن شخصيا هذه المرة.. بل كان إهانة مباشرة يعاقب عليها القانون.. لكن. الكنيسة تغطت بالصمت.. وبدت وكأنها مظلومة لأنها أيدت انتخاب الرئيس مبارك وروجت له دون أن تجد من بين قائمة المرشحين علي قائمة الحزب الوطني سوي اثنين فقط من رعاياها، أحدهما وزير المالية يوسف بطرس غالي، والآخر في الإسكندرية، حيث الطبعة الأخيرة من الفتنة الطائفية، وكأن الكنيسة تعاقبنا علي ما فعلته السلطة بها.. كأنها تطالبنا بدفع فواتير بضاعة سياسية حصل عليها غيرنا.. وكان تفسير رموز الحزب الوطني صفوت الشريف وكمال الشاذلي وقد سألتهما مباشرة عن سر ندرة الأقباط بين مرشحي حزبهم أنه لم يتقدم للترشيح من الأقباط سوي عدد محدود جدا لا يزيد علي خمسة طبقت عليهم معايير الاختيار التي طبقت علي غيرهم.. لكن ذلك التفسير لا يريح البابا شنودة الذي طالب أكثر من مرة بنسبة من مقاعد مجلس الشعب للأقباط تناسب حجمهم وعددهم ولو قاطعوا العمل السياسي وجلسوا في بيوتهم لتأتيهم المقاعد المطلوبة بالتليفون مثل البيتزا والفراخ المشوية.. هوم ديلفري. وتصورنا أن آباء الكنيسة القبطية وعلي رأسهم البابا شنودة سيقدمون المتهمين فيما جري إلي سلطات التحقيق لتهدئة الخواطر وإطفاء النار قبل أن تتحول إلي جحيم.. لكن ذلك لم يحدث.. بل علي العكس.. نقلت رئاسة الكنيسة المتهمين إلي دير وادي النطرون وأخفتهم هناك.. مع السيدة وفاء قسطنطين وأخواتها اللاتي حاولت الانتقال من المسيحية إلي الإسلام.. وكأن الدير أصبح منطقة مستقلة عن السيادة المصرية لا يجوز تسليم أحد يلجأ إليه أو ينقل إليه.. وفي هذه الحالة يجب توقيع اتفاقية للتعاون القضائي وتبادل المجرمين بين الحكومة المصرية والكنيسة المصرية."
و أضاف نبيل عمر في نفس الصحيفة:
"وأظن أن الاعتذار في فتنة الإسكندرية كما يطالب الغاضبون لا يكفي، أو بمعني أصح ليس هو الحل، لأن القضية الآن ليست خناقة علي قارعة الطريق تحتاج إلي قاعدة صلح وكلمتين لتطييب الخواطر، وإنما تحتاج إلي تفعيل القانون.. فالقانون هو الدرع الذي يجب أن يحتمي به المصريون جميعا! وكلنا يعرف ماذا حدث في قضية رئيس تحرير النبأ ، إحالة إلي النيابة وتحقيقات ومحكمة وحكم بالسجن، ثم عزل من نقابة الصحافيين وإلغاء ترخيص الجريدة! وهو ما يجب أن يتم في حادث المسرحية المغضوب عليها، أن تحال إلي النيابة العامة وتحقق فيها بعيدا عن المهاترات والبيانات، والقانون المصري به من المواد التي تعاقب علي الإساءة المتعمدة للأديان، إذا ثبت أن المسرحية بها من المشاهد والحوار ما يمس الدين الإسلامي أو يسخر منه بأي شكل من الأشكال "...
***
يظل الطبيب الجراح متمتعا بحماية القانون وحصانته طالما التزم المعايير العلمية المهنية الصحيحة، بل ويعفى من العقاب حتى عن الخطأ غير المتعمد مادام لم يشبه إهمال أو تقصير أو تعمد، فإذا شابه أيا من ذلك، أو إذا استعمل آلات الجراحة، أو مهاراته للإيذاء، كأن يستعمل مبضع الجراح في طعن خصم، أو أن يستغل علمه في أن يسدد الطعنة في موضع يسبب ضررا أكبر، إذا ما فعل ذلك، فإن القانون لا يسحب عنه حصانته فقط، بل إنه يتشدد في عقابه، ليكون عقابه على الجرم، أكثر من عقوبة الشخص العادي.
وبهذا المعيار نفسه، فإن القسيس أو الكاهن أو البابا ولو كان بابا روما أو الإسكندرية، أو الشيخ – ولو كان شيخ الأزهر- والمفتي ولو كان مفتي الديار، والوزير حتى لو كان وزير الأوقاف، إذا ما خرج على مقتضيات منصبه، وتجاوز اختصاصات وظيفته، فلا حصانة له، وعلينا أن نتوقف على الفور عن التعامل معه كرجل دين – في حالة المسيحيين- أو كعالم في الدين في حالة المسلمين ( ليس في الإسلام رجال دين)..نعم.. علينا أن نتوقف عن التعامل معه بوضعه السابق، لنتعامل معه كمجرم استغل ما اؤتمن عليه، واستعمله كما يستعمل الجراح المجرم مبضعه، للقتل لا للإنقاذ.
يدخل في هذا الإطار لينطبق عليه الحكم كل مجرم ادعى أن المسرحية (التي مثلت في مغارة لصوص أو وكر شيطان) لا تسئ للإسلام. كما ينطبق نفس الحكم على من رفضوا الاعتذار بحجة أن المسرحية لا تسيء للإسلام. فلقد كان رفض الاعتذار إهانة مضاعفة. كان الأمر أشبه برجل يسب آخر، فيقول له: "أنت كلب".. فيطلب منه الناس الاعتذار.. فلا يزيد عن قوله: "لكنني لم أشتمه" .. وذلك كما لا يخفى على القارئ سباب إضافي، و تأكيد للسباب الأول.
نعم..
كل من شارك في العمل المجرم مجرم، وكل من رفض الاعتذار أيضا كذلك.
أما من تلاعب بالأحداث وغير الوقائع و أنكر المعلوم بالضرورة فهو أكثر من مجرم ومن خسيس..(2/202)
والحمد لله الذي هدى البابا شنودة إلى ما يشبه الاعتذار ( وهو غير كاف بأي حال) ، فقد نزع مؤقتا فتيل انفجار يعلم الله ماذا كان يمكن أن يحدث لو انفجر، ولقد كان فيما صدر عن البابا من شبه اعتذار كابحا لإجراءات كانت قد بدأت في الظهور. وكانت ستنال الأقباط وتمسهم مسا مباشرا. إجراءات كالمقاطعة الاقتصادية، حيث يسيطر المسيحيون على 60% من اقتصاد الإسكندرية، و 40% من اقتصاد مصر، وعلى غير ما يدعي عملاء المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، وجل أقباط المهجر، لعنهم الله أينما كانوا، على غير ما يدعون، فإن المسيحيين يتمتعون في مصر بوضع لا تتمتع به أي أقلية في العالم، إلا الأقليات الخائنة تحت سيف الطاغوت ( كما كان البيض في جنوب أفريقيا واليهود في العالم العربي) .. أقول أن ما يجب أن يحرص عليه الأقباط هو المحافظة على الوضع الذي وصلوا إليه، و أن يدركوا أن هذا الوضع يحمل أشد الغبن للمسلمين، الذين يشكلون الأغلبية الساحقة. و أن يدركوا، أن العالم الإسلامي، و إن كان غير قادر على الانتصار فهو غير قابل للتلاشي. و أن هذه الخاصية ستدور به مع الزمان حتى يجيء النصر الموعود، ولقد كان البابا شنودة، شديد الوعي بذلك حين منع الأقباط من زيارة القدس، حتى لا يكونوا أول من خان. ولقد كان موفقا في هذا، للدرجة التي جعلت تقدير كثير من المسلمين له، يفوق تقديرهم لشيخ الأزهر، فنحن مأمورون ألا يجرمنّا الشنآن ألا نعدل، ومأمورون أن نحكم بالظاهر، و ألا نشق عن قلوب الناس. وليس في هذا مبالغة، ولا مخالفة للولاء والبراء، ولا موالاة لغير مسلم على مسلم، بل لقد أدرك الضمير الجمعي الديني للأمة، أن الناس سبعة: أولها المؤمن وثانيها المسلم وثالثها الكتابي المسيحي ورابعها الكتابي اليهودي وخامسها المشرك والكافر وسادسها المرتد أما سابعها فهو المنافق الذي هو في الدرك الأسفل من النار، و أن ضمير الأمة يضع البابا في المركز الثالث، بينما يضع بعض شيوخنا – دون تعيين – في المركز السابع.
أقول أن البابا منع باعتذاره مقاطعة اقتصادية كانت ستؤذي الأقباط بلا شك، كما أنه كبح شعورا راح يتنامى بعد أن منعه الحياء من ذلك، شعور بالغبن، وبالمهانة، و بأن الحكومة الضعيفة، فاقدة الحس والنخوة والكرامة، تستجيب للمسيحي مهما كان افتراؤه وظلمه، وتتنكر للمسلم مهما كان حقه.
وكان من ضمن ما يحرك هذا الشعور هو أن تعداد الأقباط لا يزيد عن ستة في المائة، و أن الحكومات المتعاقبة، الحكومات العاجزة الفاسدة العميلة، تتعمد عدم ذكر النسبة مجاملة للأقباط أو خوفا منهم، هذا الشعور لو وصل إلى غايته فسوف يطالب بحصر دقيق للأقباط، وسوف يتجاوز على سبيل المثال عن أن يحصل الستة في المائة على 10% أو حتى 12% من الاقتصاد لكن ليس أكثر، كما سوف يطالب بالتعامل وفقا للعرف الدولي، الذي يتجاهل بالكامل الأقليات الإسلامية في دول العالم، حتى لو وصلت هذه الأقليات إلى 30 أو 35% دون أي تمثيل على أي مستوى، بل سيطالب بإعطائهم تمثيلا يوازي تمثيل المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا أو ألمانيا، حيث تتقارب نسبة المسلمين هناك مع نسبة المسيحيين في مصر.
***
لقد كتبت ذات مرة أن تعداد النصارى في مصر يكاد يصبح لغزا، ليس لأنه مجهول ، لكن لأن هناك طريقة طريفة في النصب والاحتيال لا يتبعها إلا نصاب محترف، ذلك أن عدد الأقباط في مصر منذ الحملة الفرنسية إلى الآن يتراوح ما بين 5-6% من عدد السكان (حوالي أربعة ملايين نصراني) ويأتي النصابون من النصارى والعلمانيين الأشرار الذين يتملقونهم نكاية في الإسلام، ليخلطوا بين الرقمين: رقم العدد ( وهو هنا أربعة ملايين) وبين النسبة ( وهي هنا 6%). ففي المرحة الأولى يتم استعمال رقم النسبة المئوية بدلا من العدد فيكون تعداد النصارى ستة ملايين نسمة ( وليس أربعة ملايين أو 6% من عدد السكان) لكننا إذا ما حسبنا النسبة المئوية التي يشكلها الرقم المغلوط وهو الستة ملايين لوجدناهم يمثلون 8% من عدد السكان، وهو الرقم الذي يستعمل مع النسبة المئوية بشطب ما نشاء من طرفي المعادلة ليكون تعدادهم في المرحلة التالية ثمانية ملايين، لكن الثمانية ملايين لا يساوون 8% من عدد السكان بل 12%، يستعمل هذا الرقم عدة أسابيع ثم يتحول إلى أن عدد النصارى 12 مليون نسمة، وبعد عدة أسابيع من الحداثة ونسيان الماضي يكتشفون أن 12مليون مسيحي يشكلون 18% من السكان.. وهكذا دواليك .. حتى وصل الرقم الآن إلى 25% من عدد السكان نصارى.
وبهذه الطريقة لا يبقى سوى عدة خطوات ليكون النصارى هم الأغلبية في مصر..
وخطوات أخرى لتصل نسبة المسيحيين إلى 100% من الشعب المصري.
وفي مصر – بالذات- يمكن للنسبة أن تزيد عن 100%!!..
***
ورغم أن الدراسات العلمية الصادرة مؤخرا من باحثين مسيحيين لبنانيين تتحدث عن تعداد مسيحيي العالم العربي كله من المحيط إلى الخليج بأقل من عشرة ملايين، ورغم أن جميع الإحصائيات الرسمية المصرية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الإحصاء المعلن الأخير عام 1986 تؤكد على أن نسبة الأقباط من عدد سكان مصر شبه ثابتة ، وتتراوح حول 6% ، فإن البعض لا يكف عن التشكيك في صحة هذا الرقم، وللأمانة فإن منع إعلان الدولة للأرقام الإحصائية للسكان في العقد الأخير هو نوع من المجاملة للكنيسة .
***
في بحث علمي رصين أورده الدكتور محمد مورو في كتابه القيم: يا أقباط مصر انتبهوا – الناشر: المختار الإسلامي- حرر المسألة بأسلوب علمي خلصها من الأكاذيب التي تنشر عنها وتنثر حولها.
يقول الدكتور مورو ( بتصرف واختصار) : موضوع القضية همس يدور وشائعات تبذر في الظلام بأن الأقلية القبطية في مصر قد بلغ تعدادها أربعة ملايين ثم إذا بالرقم يرتفع إلى ستة ملايين ثم إلى ثمانية ملايين ويرتب مثيرو هذه الشائعات على هذا الادعاء حقوقا يضمنوها منشورات لم تعد سرا تداولتها الأيدي. والسؤال هو كيف وصل مثيرو هذه الشائعات إلى هذه الأرقام الإحصائية. والرد العملي يكمن في مناقشة هذا الادعاء في هدوء وموضوعية، ومع ذلك فلأي مواطن أن يطعن في هذه البيانات الرسمية أمام جهات الاختصاص كالمحكمة الدستورية أو مجلس الدولة مؤيدا دعواه بالأدلة القانونية، ولكن هذا الإجراء، الذي يبدو أنه الإجراء الوحيد لإثبات الحقيقة، هو الإجراء الوحيد الذي تجنبه الأقباط طول الوقت، ولقد طالبوا بكل شيء معقولا كان أم غير معقول، خائنا كان أم شديد الخيانة، لكنهم لم يتورطوا قط في أن يطلبوا – على سبيل المثال – إجراء تعداد للسكان تحت إشراف الأمم المتحدة. تجنبوا ذلك لأنهم يدركون أنه لو حدث، فسوف يكشف كذبهم ويدحض ادعاءهم ويفضح مؤامرتهم.
لكن.. ماذا تقول الإحصاءات الرسمية عن نسبة الأقباط بين السكان؟
- أجرى أول تعداد في مصر على أسس علمية نظامية في أول يونيه 1897 بإشراف من دولة الاحتلال للتعرف على التركيبة الحقيقية للمجتمع المصري وأشرف على عملية الإحصاء المستشار المالي البريطاني مستر ألبرت بوانه وساعده في متابعة العملية عدد من الموظفين الإنجليز.
- في هذا الإحصاء بلغ مجموع سكان مصر 9.734.405 نسمة منهم 8.977.702 من المسلمين أي بنسبة 92.23% والباقي من المسيحيين واليهود، وفي هذا التعداد\\ كانت نسبة الأقباط الأرثوذكس: 7.3%.(2/203)
- توالت عمليات التعداد كل عشر سنوات وتوالى ارتفاع عدد السكان بمختلف طوائفهم مع ثبات النسبة المئوية لكل طائفة، ففي تعداد عام 1907 وكانت نسبة المسيحيين من جميع المذاهب بما فيهم الأقباط الأرثوذكس إلى 7.8% .
- وفى مارس 1917 أجرى التعداد الثالث تحت إشراف المستر كريج مراقب الإحصاء والدكتور أ. ليفي وهو إنجليزي يهودي وبلغت نسبة غير المسلمين (مسيحيون ويهود) 8%.
- وفى 9 يناير 1927 أجرى التعداد الرابع وأشرف عليه حنين بك حنين مراقب مصلحة الإحصاء وهو قبطي أورثوذكسى بمعاونة المستر كريج فبلغت نسبة جميع الطوائف المسيحية واليهود 33 ر8% مع ملاحظة تضاعف عدد الأقباط الكاثوليك ستة أضعاف والأقباط البروتستانت خمسة أضعاف ( تحت وطأة الضغوط والدعاية الأمريكية).
ولقد حافظت النسبة المئوية للسكان على أساس الديانة في جميع التعدادات التالية مع فارق الارتفاع التدريجي للأقباط الكاثوليك و البروتستانت لكن النسبة العامة للمسلمين إلى مجموع السكان ظلت مستقرة تقريبا وهى 92%. ذلك أن الإسلام في الأغلب الأعم دين يتحول الناس إليه ولا يتحولون منه. أو قل هو الدين.
في تعداد عام 1937 وكذلك عام 1947 و 1960 كانت نسبة جميع الطوائف المسيحية 7.33% منهم 6.49% من الأقباط الأرثوذكس. وتكررت النتيجة في تعداد عام 1976 كانت نسبة غير المسلمين 6.32% منهم 68.% من الأقباط الأرثوذكس.. هذا الانخفاض النسبي يعزى إلى ارتفاع في عدد الأقباط الكاثوليك والبروتستانت وإلى هجرة أعداد من الشباب القبطي الأرثوذكس المتعلم إلى استراليا وكندا والولايات المتحدة.
إن مناقشة هذه الأرقام التي جاءت نتيجة لنظام وضعت أسسه تحت إشراف إنجليزي وانتقل إلى إشراف مصري قبطي أرثوذكسي لا يسمح لإثارة الشكوك حوله ولا يسمح بنقض أو رفض و إلا تحولت أية مناقشة إلى سفسطة بسبب الإمعان في المبالغة والاختلاف وتحويل المئات إلى آلاف والآلاف إلى ملايين...
يواصل الدكتور مورو حديثه المفعم بالمرارة والاستياء والاستهجان:
إن تعداد سكان دولة كمصر يحتاج إلى أكثر من 30 ألفا من الموظفين المسلمين والأقباط للمشاركة في إجرائه، وهل يمكن أن تجرى في الظلام مؤامرة يشترك فيها ثلاثون ألفا لا يعرف بعضهم البعض؟
ولعل الدكتور مورو يقصد تلك الأكاذيب الفاجرة التي يطلقها أقباط المهجر مع أصوات داخلية تدعي في صفاقة ليست غريبة على الطواغيت والمستعمرين والقتلة واللصوص في التاريخ، فيزعمون أن الحكومة المصرية تأمر آلاف مكاتب السجل المدني بتسجيل المسيحيين كمسلمين!!
ولم يقدم أبناء الأفاعي مثلا واحدا.. نعود إلى الدكتور مورو الذي لا يكتفي بكل ما أورده بل يلجأ إلى أرقام إحصائية تفصيلية أخرى تؤكد ما ذهب إليه فينشر الإحصاءات التفصيلية على مستوى المحافظات التي تكاد أن تكون نسبتها مستقرة ثابتة، ففي الفترة بين عام 1897 و 1976 تراوحت نسبة الطوائف المسيحية في المحافظات الآتية (على سبيل العينة) على النحو الآتي:
أسيوط بلغت النسبة (وهى أعلى ما يكون على مستوى البلاد) بين21.7% و 19.9% وفى القاهرة بين15.9% و 10.3% وفى قنا بين 8.5 و 7.5% وفى الشرقية ما بين 2.1 و 1.3% وفى الدقهيلة بين 2% 1.1% .
ومع أن هذه البيانات استخلصت من إحصائيات مباشرة فإن هناك ميزانا لتقنين مدى صحتها وذلك بإجراء مقارنة لعدد المواليد والوفيات خلال عام من الأعوام على أساس الديانة وهى بيانات مثبتة في شهادات الميلاد والوفيات وتخطر بها أولا بأول منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة التابعتين لهيئة الأمم المتحدة. ويورد الدكتور مورو جداول تفصيلية بالأعداد التي لم يجرؤ قبطي واحد على الطعن فيها، وما كان أسهل الطعن لو أن معهم ذبالة حق. ومن هذه الإحصائيات يتضح أن النسبة المئوية على أساس المواليد والوفيات لغير المسلمين تدور في جميع الحالات حول 6.22% وهو ما يؤكد صحة التعدادات المباشرة.
***
يؤكد الدكتور محمد عمارة نفس الأرقام في كتابه ( بتصرف واختصار قليلين) : " في المسألة القبطية: حقائق وأوهام- دار الشروق".. ويضيف قائلا: وعلى هذا الدرب- الكذب في الأرقام والإحصاءات- سار سعد الدين إبراهيم وغيره حتى رأيناهم يبلغون بعدد أقباط مصر إلى سبعة ملايين.. وأحيانا عشرة.. وأحيانا خمسة عشر مليونا!!.. يحدث ذلك في بلد يقوم بإحصاء رسمي ودقيق ومحايد لعدد السكان ودياناتهم وطبقاتهم وتخصصاتهم كل عشر سنوات.. ويحدث ذلك في مصر منذ الاستعمار الإنجليزي حتى الآن.. وهذه الإحصاءات تعلن الثبات التقريبي لنسبة الأقباط إلى المسلمين، منذ أن كان القائم على التعداد الإنجليز والموظفون الأقباط وحتى آخر تعداد.. ففيما بين 1907 م و 1937م كانت نسبة النصارى- كل النصارى- إلى المسلمين أعلى قليلا من 8%.. ثم هبطت في تعداد 1947 م إلى 7.9%.. ثم أخذت- بسبب ارتفاع أعداد المهاجرين الأقباط.. وهجرة من هاجر من الأجانب مع جلاء جيش الاحتلال- في الهبوط، فكانت في سنة 1965 م7.3 %.. وفى إحصاء 1986 م 5.9%.. أي أن تعداد الأقباط - في ذلك الإحصاء- أقل من ثلاثة ملايين.. وليس عشرة ملايين، أو خمسة عشر مليونا؟!.. والذي يقر هذه الحقيقة.. ويؤكد على صدق الإحصاءات الرسمية، ليس كاتبا إسلاميا، وليس مرجعا كتبه مسلم.. وإنما هو مرجع في المعلومات والإحصاءات كتبه اثنان من النصارى.. أحدهما فرنسي- هو فيليب فارج- رئيس المركز الفرنسي بمصر- والثاني لبناني- هو رفيق البستاني- ففي هذا المصدر (أطلس معلومات العالم العربي: المجتمع والجغرافيا السياسية)- والذي نشرته دار نشر قومية- وليست إسلامية- هي " دار المستقبل العربي! سنة 1994 م".. في هذا المصدر الحجة.. نقرأ تحت عنوان (أقباط مصر) ما يؤيد ما سبق .
"ويصرخ الدكتور عمارة مفسرا تناقص أعداد المسيحيين:
الحقيقة أن أقباط مصر، شأنهم في ذلك شأن مسيحيي الشرق الآخرين، سبقوا المسلمين إلى تخفيض عدد المواليد، ولذلك قد هبطت نسبة عدد الأقباط بالنسبة للعدد الكلى للسكان من 3. 7% في سنة 960 1 م إلى 9. 5% في عام 986 1 " (..). تلك هي الحقيقة، كما أعلنها العلماء المحايدون.. المتدينون بالنصرانية، من غير المصريين!!
لكن الهدف- من الكذب الفاجر- هو "تضخيم الورقة"، التي تتحول!- بالكذب أيضا- إلى عقبة أمام الهوية الإسلامية للدولة والمجتمع والدستور والقانون!!..
***
يؤكد المستشار طارق البشري ما سبق ، ويضيف إليه في كتابه " الجماعة الوطنية: دار الهلال- أبريل 2005" فيقول:(2/204)
واطرد التعداد كل عشر سنوات ، فجاء تعداد سنة 1976باجمالى عدد السكان نحو ستة وثلاثين مليونا وستمائة وستة وعشرين ألف نسمة ، المسلمون منهم نحو أربعة وثلاثين مليونا وثلاثمائة وأربعين نسمة بنسبة حوالي 7. 93% من الإجمالي والمسيحيون عددهم حوالي مليونين ومائتين وخمسة وثمانين ألف نسمة بنسبة 6.24% من السكان. وفى تعداد سنة 1986بلغ العدد الإجمالي للسكان نحو ثمانية وأربعين مليونا ومائتين وأربعة وخمسين ألف نسمة ، المسلمون منهم يبلغون نحو خمسة وأربعين مليونا ومائتي ألف نسمة بنسبة لا تقل عن 94% من السكان ، والمسيحيون عددهم لا يجاوز ثلاثة ملايين نسمة بنسبة لا تجاوز 6% من سكان ، وفى تعداد سنة 1996بلغ الإجمالي العام نحو تسعة وخمسين مليونا وثلاثمائة وثلاثة عشر ألف نسمة ، بنسب مسلمين وأقباط مشابهة ، ورأت الحكومة عدم إذاعته لئلا يتكرر اللغط في هذا الشأن مثلما حدث في سنة 1976عندما نشرت نتائج تعداد سنة 1976مبينا أن عدد الأقباط في مصر لا يجاوز 3. 2مليون نسمة بنسبة لا تجاوز 24. 6% من الإجمالي ، أثار بعض من أقباط المهجر القاطنين في الغرب ، وفى الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة ، هذا الأمر مثيرين الشكوك حول صوابه ، وانعكس ذلك في الصحف الغربية وفي استقبالات الرئيس السادات في زياراته للولايات المتحدة ، وأثير الموضوع في مجلس الشعب ، فتشكلت لجنة لتقصى الحقائق بالمجلس لدراسة نتائج التعداد ومناقشة المسئولين عن إعداده في الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وكان ذلك في عدة جلسات أهمها الاجتماع الثالث التي انعقد في 15 يونيه سنة 1980 برئاسة وكيل مجلس الشعب السيد محمد رشوان محمود، وكان أعضاء اللجنة وهم من أعضاء مجلس الشعب هم الأساتذة مختار هاني ووجيه لورانس ود. حلمي الحديدي ونشأت كامل برسوم. وحضر الاجتماع الفريق جمال عسكر رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وذكر رئيس الجهاز المركزي في شروحه لعملية التعداد أن من اشترك في عملية التعداد كانوا حوالي 70 ألف فرد وظهرت نتائجه في 81 مجلد، وشرح مراحل التدريب للعاملين بالتعداد وإجراءات العملية، وإن البيانات تتحول إلى أرقام رمزية ويجرى التعامل بهذه ا لأرقام، وأن إحدى استمارات التعداد تبين منها أن شخصا مسيحي وأن زوجته مسلمة فبقى البيان كما هو، وإن مسيحيين كثيرين اشتركوا في عملية التعداد ومنهم وكيل وزارة هو السيد/ موريس حنا غبريال كان هو المسئول تقريبا عن تعداد الوجه البحري كله. كما ذكر أن نسب المسلمين والمسيحيين في التعداد لم تتغير على مدى ثمانين سنة، وبيانات المسيحيين تشمل كل الطوائف المسيحية بما فيها الأجانب، وآن نسبة المسيحيين كانت في تعدادي 1897 و 7 0 9 1 كانت في حدود 6.3%، ثم ارتفعت في التعدادات الثلاث التالية (1917، 1927، 1937) إلى أكثر من 8% نتيجة ضم جيش الاحتلال الإنجليزي بما يشمله من أسر إلى المسيحيين، وبقى الأمر كذلك تقريبا في تعداد 1947 بسبب انتشار قوات الاحتلال الإنجليزي في أنحاء مصر وما يتبع ذلك من تواجد أسرهم، فضلا عن التبعيات الأجنبية المختلفة ذات الديانة المسيحية في غالبها، وكان ثمة مجموعات من الأجانب المسيحيين الذين أقاموا في مصر لمدد طويلة ثم تمصروا بعد إلغاء الحماية على مصر في سنة 1922 وإلغاء المحاكم المختلطة. وذكر أنه كما أن الزيادة في نسبة الأقباط من 6.3% إلى ما يجاوز 8% لم يكن نتيجة نمو طبيعي إنما يرجع إلى الهجرة إلى مصر قبل الحرب العالمية الأولى وأثناءها، فكذلك فإن الانخفاض النسبي في نسبة الأجانب من سنة 1960 يعكس هجرة الأجانب والمتمصرين من مصر بعد ثورة 23 يوليه 1952 ومع تصفية كثير منهم أعمالهم في مصر، وبخاصة بعد حرب سنة 1956 ومع قرارات التأميم التي صدرت منذ عام 1961، ثم الهجرة المسيحية شبه المنظمة إلى الخارج بعد حرب 1967 للاستيطان في الولايات المتحدة وكندا واستراليا ". وذكر في حديثه أيضا أمام اللجنة أن جميع التعدادات المصرية التي أجريت قبل سنة 1947كان أشرف عليها خبراء إنجليز وفرنسيون، وإن مدير الإحصاء في تعداد 1907كان فرنسيا ، ومدير الإحصاء في 1917كان إنجليزيا ، وهو الذي أشرف على تعدادي 1927و 1937 ويدعى مستر كريج ، وأن رئيس الإحصاء آنذاك كان حنين بك حنين ، وهو قبطي مصري ، ثم قدم إلى لجنة تقصى الحقائق بيانا بالإخوة المسيحيين الذين اشتركوا في التعداد (يقصد تعداد 1976لم سواء في اللجنة التحضيرية أو في التنفيذ الميداني ، أو في التعداد التجريبي والمراجعة وأعمال الإدارة ، وذكر أن نسبة المسيحيين إلى المسلمين تكاد تكون واحدة ، ذلك لأن نسبة نمو السكان واحدة ، سواء لدى المسلمين أو لدى المسيحي. ثم ذكر أن وصله خطاب سب من شوقي فلتاؤس كراس المقيم في الولايات المتحدة يتهمه فيه بتزوير البيانات ويطلب محاكمته ، وأنه رد عليه بما يوضح نسبة تسلسل السكان المسيحيين إلى المسلمين على مدى مائة سنة(...).
وكان ممن عقبوا على هذا حديث السيد روجيه لورانس عضو لجنة تقصى الحقائق الذي ذكر: " أنه خلال السنوات العشر السابقة على التعداد الأخير ، لاشك أن هناك أعدادا مهولة من الشبان الأقباط قد هاجروا وأقاموا في بلدان أخرى كأمريكا واستراليا".
***
من حقي إذا بعد هذا الاستعراض المفصل لأعداد الأقباط في مصر أن أسأل بني قومنا النصارى الذين أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..
إنهم يحصلون بالفعل على أكثر من حقوقهم بكثير في بحر من سماحة إسلامية بلا حدود..
أم أنهم يستقوون بالأجنبي ليحصلوا على باقي حقوق المسلمين..
و إلى أي مدى يبلغ هذا الاستقواء..
هل يبلغ إلى مدى الاستعمار الكامل لمصر..
ويجب أن نعترف أنهم حصلوا في عهود الاستعمار على مزايا تتجاوز عددهم بصورة فاجرة.. فهل يحن بعضهم إلى أيام الاستعمار؟..
دعونا نعود إلى الدكتور مورو مرة أخرى إذ يستشهد بالسير ألدون جورست المعتمد البريطاني في تقريره المرفوع إلى حكومته بتاريخ 10 مايو 1911 والذي يلقى الضوء على محاولات بعض المتطرفين الأقباط إثارة الخواطر بدعوى أن الأقباط في مصر لا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون المسلمون قال جورست:
إن المسلمين يؤلفون 92% من مجموع السكان ويمثل الأقباط أكثر قليلا من 6% (...) لهذا فإن فكرة معاملة قطاع من سكان البلاد كطائفة مستقلة في نظري يمثل سياسة خطأ سوف تكون في النهاية مخربة لمصالح الأقباط.. إن شكوى عدم تطبيق العدالة مثلا في التعيين في الوظائف الحكومية تنقصه الإحصاءات التي تبين أن الأقباط يشغلون نسبة من الوظائف العامة تزيد بكثير عن نسبة قوتهم العددية التي تسمح لهم بذلك (...) إن جملة العاملين بوزارات الحكومة بلغت 17596 منهم 9514من المسلمين أي بنسبة 54.69% و 8208 من الأقباط أي بنسبة 71ر45% بينما في بعض الوزارات ترتفع هذه النسبة أكثر بكثير.. فوزارة الداخلية وإداراتها المحلية تضم 6224 موظفا منهم37.7% من المسلمين والباقي من الأقباط(بنسبة الثلث من المسلمين والثلثين من المسيحيين.. وفي وزارة الداخلية بالذات!!)..
من هذا يتبين أن الأقباط يمثلون في الجهاز الحكومي من حيث العدد والمرتبات نسبة لا تتكافأ مطلقا مع نسبتهم العددية. .. إنني لا أقر مطلقا في ضوء مصالح الأقباط أنفسهم أن أشجع أي نظام من شأنه أن يحدث انشقاقا بين الطوائف المسلمة والقبطية لأنه ليس في صالح الطائفة القبطية .
أي تمثيل نسبي و أي حقوق إذن؟..(2/205)
النسب السابقة لم نوردها نحن ولم ندعيها.. لقد سجلها المندوب السامي البريطاني ووجهها إلى حكومته في عام 1911 وهو مسيحي وليس مسلما!! .
وعلينا أن نلاحظ هنا أن الأقباط الذين كانوا وما يزالون يتمتعون بنسبة من الثروة والوظائف والمهن تفوق عشرة أضعاف نسبتهم العددية ، لم يقنعوا بهذا ، إنهم يريدون أكثر، لكن إلى أي حد؟!.. لم يقولوا حينها ولكن بعضهم يقولونها الآن: يريدون كل شيء!! إلى حد طرد المسلمين من مصر!! لأن المسلمين أتباع دين بدوي وافد!!.. وكأنما الأديان محلية، وكأنما عبد الله المسيح عيسى ابن مريم قد أرسل إلى مصر، ولماذا هم مسيحيون إذن وقد أرسل عبد الله سيدنا عيسى في فلسطين؟! لماذا والمسيحية دين وافد أيضا.. وما كان معظم دعاتها في البداية إلا بدوا ينتمون إلى الهكسوس ( ليس في هذا أي إساءة.. بل هي المراجع التاريخية، والأمر برمته تناولته في مقال سابق منذ سنوات).. لماذا يمارسون طريقة الساقطات من النساء في الإسقاط والاستهانة برعي الغنم وبالبدو وهم يقصدون بذلك العرب والصحابة عليهم رضوان الله وسلامه؟.. ألم يرع كل الأنبياء الغنم حتى اعتبر رعي الغنم من خصائص وعلامات النبوة؟.. في كلمة واحدة لعبدة الشيطان : ألم يرع عبدا الله موسى وعيسى عليهما السلام الغنم؟؟.. يا ذئاب يا كلاب!!..
***
من حقي أن أسأل بني قومنا النصارى الذين أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..
ينقل الدكتور محمد عمارة عن كتاب "آدم متز": الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري" ترجمة د. محمد عبد الهادي أبو ريدة. ط بيروت-67:
لقد درس المستشرق الألماني الحجة "آدم متز" (1869-1917 م) تاريخ المجتمعات الإسلامية، ورأى كيف كانت الدولة وأجهزتها الحساسة في أيدي الأقليات النصرانية، فكتب يقول: لقد كان النصارى هم الذين يحكمون بلاد الإسلام .
***
أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..
يواصل د عمارة أن الأرقام- التي لا تكذب ولا تجامل- تعلن أن الأقلية القبطية- التي لا تتعدى الثلاثة ملايين- هي الحاكمة الفعلية في المجتمع المصري- الذي يزيد تعداده على الستين مليونا!!- فهم يملكون ويمثلون:
22.5% من الشركات التي تأسست بين عامي 1974 م و 1995 م !.
- و 20% من شركات المقاولات في مصر..
- و 50% من المكاتب الاستشارية..
- و 60% من الصيدليات..
- و 45% من العيادات الطبية الخاصة..
- و35% من عضوية غرفة التجارة الأمريكية.. وغرفة التجارة الألمانية..
- و 60% من عضوية غرفة الجارة الفرنسية (منتدى رجال الأعمال المصريين والفرنسيين.
- و 20% من رجال الأعمال المصريين..
- و 20% من وظائف المديرين بقطاعات النشاط الاقتصادي بمصر..
- وأكثر من 20% من المستثمرين في مدينتي السادات والعاشر من رمضان..
- و 9، 15% من وظائف وزارة المالية المصرية.
- و 25% من المهن الممتازة والمتميزة- الصيادلة والأطباء والمهندسين والمحامين.. والبيطريين..
أي أن 5.9% من سكان مصر- الأقباط- يملكون ما يتراوح بين 35% و 40% من ثروة مصر وامتيازاتها ؟!....
الدكتور محمد عمارة لم يؤلف هذه النسب.. بل لقد استقاها من مصادر بعضها أكثر نصرانية من النصارى، كروز اليوسف .. نعم .. كل الإحصائيات السابقة منقولة عن: تقرير "روزاليوسف) واتحاد المهن الطبية، و"اتحاد المقاولين" و"مجلة المختار الإسلامي" عدد 15 ربيع الأول سنة 1419 هـ- يوليو سنة 1998 م. وجمال بدوى (الفتنة الطائفية) ص 116 طبعة القاهرة سنة 1992 م..
فأي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم..
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ ينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) المدثر.
***
ترى كم هي نسبة الأقباط في الأمية وفي سكنى المقابر وفي البطالة وفي المعتقلات وفي المقتولين من التعذيب؟؟.. وكم نسبتهم في الجامعات.. كم نسبتهم في أصحاب البلايين وكم نسبتهم في أصحاب الملايين..
كم نسبتهم..
كم نسبتهم..
كم نسبة الكنائس إلى عدد السكان؟ و أيها أكثر..؟
نسبة الكنائس أو نسبة المساجد؟؟ ولماذا لم يتطرق الأقباط إلى هذه التساؤلات قط..
كم نسبتهم..
***
ثم أن المسلمين سيطالبون حكوماتهم الفاسدة الفاسقة العاجزة العميلة، بمساواة المساجد بالكنائس، وجعلها قلاعا لا يعرف أحد ماذا يجري فيها، وبتمكين كل مسجد من إنشاء فرقته المسرحية و إصدار صحيفته!!.. بل قد يفكر البعض بأن العدل يقتضي باعتماد نسبة المسيحيين التي يقولونها هم بألسنتهم.. ليكون لهم في المعتقلات دون محاكمة ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف.. و أن يعدم منهم – بأحكام عسكرية – عشرون أو ثلاثون.. و أن ينكل بهم ويعذبوا كما ينكل بالمسلمين!!..أو بأن تفتح الكنائس قبل الصلاة بخمس دقائق وتغلق بعدها بخمس دقائق .. تحت رعاية مباحث أمن الشيطان.
أما عن تمثيلهم في المجالس النيابية فلماذا لا يعرضون أنفسهم على الناس؟.. لماذا لا يتقدمون للترشيح؟.. لماذا يقتصر جهدهم على لطم الخدود وشق الجيوب لأن الحزب الوطني لا يرشحهم على قوائمه، والحزب الوطني لا يرشحهم لأنهم ساقطو الأهلية، وسوف يفقد الحزب المقعد الذي يرشحهم عليه، كما أنهم يعلمون أن نواب الحزب ينجحون في الأغلب الأعم بالتزوير. لقد كان نواب الأقباط ينجحون بأصوات المسلمين عندما كانوا يدافعون عن الأمة والوطن والشرف والكرامة.. بل وعن المسيحية الأرثوذكسية أيضا.. لكن.. بعد أن انضموا إلى أمريكا و إسرائيل.. بعد أن خرجوا على إجماع الأمة وخانوها في لحظة حرجة من لحظات التاريخ لن تنسى لهم أبدا.. و أظن الوقت الذي سيبدءون دفع الثمن فيها قد اقترب إن لم يكن قد بدأ بالفعل....
نعم.. بعد هذا كله أصبح من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل أن يحصلوا على أصوات المسلمين.. بل ولا على أصوات المسيحيين الشرفاء أيضا.
***
إن المسلمين يسجنون ويطاردون ويعتقلون ويعذبون ويقتلون في أمريكا لمجرد أنهم مسلمون.. فهل عانى المسيحيون طيلة عهود الدولة الإسلامية مثل ذلك؟!..
***
كنت أراقب بعض الوجوه على شاشة التلفاز تتحدث، أعترف أن بعضها كان من روز اليوسف، وبعضها من حزب التجمع وبعضها من الحزب الوطني ، بالإضافة إلى القمل والديدان والطفيليات التي تنمو على جسده وتتغذى ويسمونها أحزاب معارضة متحالفة معه ، أما البعض الآخر فهو وجه النخبة العلمانية من أدعياء الثقافة. كنت أراقب الوجوه جزعا فزعا، قلت لنفسي ليس لهم من البشر إلا الإهاب، كل شيء فيهم لم يتعفن ويتنتن فقط بل قد ذوى وتلاشى أيضا، إنهم كتلك الحيوانات المحنطة التي تحنط بإتقان شديد، حيث يفرغ داخلها كله وتحشى بالقش.. نعم.. لا روح ولا عقل ولا قلب.. فقط القش.. لا شيء له قيمه.. فقط القش.. كنت أتأمل الوجوه في فزع وخلاياي تصرخ: شاهت الوجوه.. شاهت الوجوه.. شاهت الوجوه وانعدمت الضمائر.. كانوا بلا روح وكانت رائحة عفنهم تتسلل عبر شاشة التلفاز إلىّّ.. كنت أعرف أن صفقة كهذه لا يمكن أن تتم إلا بمباركة الشيطان وتوجيهاته ورعايته.. الشيطان أصلا لا فرعا وحقا لا مجازا.. كنت أستعيد بعض قصيدة لأمل دنقل:
تُرى.. حين أفقأ عينيك و أضع جوهرتين مكانهما..
تُرى .. هل تَرى..(2/206)
هي أشياء لا تُشترى..
قلت لنفسي.. بل لم تكونا جوهرتين.. كانا كيسين من القش..
***
الأقباط جزء من نسيج الشعب المصري، ليسوا أكفأ أو أكسل، ولا هم أذكى ولا أغبى.. و كان الوضع الطبيعي أن يتمتعوا بنسب من الثروة والأعباء تتناسب مع عددهم.. ولكن الاستعمار الصليبي خلق هذا الخلل الشديد وجعلهم يتمتعون بعشرة أمثال نسبتهم العددية لخلق وضع غير قابل للاستمرار، لزرع شحنة قابلة للانفجار في أي وقت، لكن سماحة الإسلام والمسلمين تغاضت عن هذا كله، دون أي محاولة لتغيير الوضع أو إزالة الظلم الواقع عليهم من واقع مقلوب، ولم يحاولوا تغييره ولا حتى بالانحياز الاقتصادي لإخوانهم من المسلمين أو مقاطعة الأقباط..
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ..
إن نسبة الكنائس إلى السكان أعلى من نسبة المساجد، فحسب التقرير الاستراتيجي للأهرام لسنة 1999 ، فإن هناك كنيسة لكل سبعة عشر ألف قبطي ، بالمقابل هناك مسجد لكل ثمانية عشر مسلم.
ويعلق الدكتور عمارة على ذلك قائلا: إذا كانت نسبة الكنائس لعدد النصارى تكاد أن تساوى نسبة المساجد لعدد المسلمين. فإن الواقع يقول: إن الكنائس مفتوحة على مدار النهار والليل.. والمساجد تغلق عقب الصلاة.. ومنبر الكنيسة حر كل الحرية، ومنبر المسجد مؤمم، لا يرقاه إلا من ترضاه وترضى آراءه "الأجهزة"!.. والشباب القبطي المتدين ينام في بيته آمنا، ونظيره المسلم يعيش في رعب قوائم "الاشتباه "!.. وأروقة الكنائس مفتوحة أمام التبتل النصراني- وحتى الرهبنة- بينما الشاب المسلم إذا أراد الاعتكاف بالمسجد في رمضان، لا يتاح له ذلك إلا إذا تقدم بصورة البطاقة إلى "الأجهزة"، التي تضعه- فورا- في القوائم المرشحة لما يعرفه الجميع!!.. وأوقاف الكنائس قائمة، وفى نمو- وهى تحفظ لها استقلال الموقف والتوجه والقرار-.. بينما أوقاف المساجد والأزهر ومؤسسات الخير الإسلامية، قد أممت، واغتالتها البيروقراطية الحكومية، واغتالت معها حرية هذه المؤسسات في التوجه والقرار!!..
***
أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..
والمسلمون يتمنون المساواة بالأقباط على كافة المستويات..
أما الأمل في أن تتساوى الأقليات الإسلامية في العالم بمثل ما تتمتع به الأقلية القبطية في مصر فيبدوا مستحيلا..
***
من حقي أن أسأل بني وطننا من النصارى الذين أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..
أسألهم جميعا و على رأسهم البابا..
أستثني من السؤال فقط الفجرة من نشطاء المهجر وهم ليسوا أقباطا بل مجرمين وعملاء وجواسيس وهم مستعدون للقدوم على ظهر الدبابات الأمريكية لينكلوا بالشعب كله مسلمين و أقباط..
أسأل أي حقوق..
أسألهم..
أسأل البابا شنودة أي حقوق مهضومة لهم و أي مظالم مدعاة تقع عليهم..
وليذكر لي البابا أو أي واحد من الأقباط أقلية مدللة كما يدلل الأقباط في مصر..
بل هاتوا لي أقلية مسلمة تتمتع بمعشار ما يتمتع به الأقباط في مصر..
هل يتمتع المسلمون في الهند أو الصين أو حتى أوروبا و أمريكا بما يتمتع به الأقباط في مصر؟ ..
يبلغ عدد المسلمين في الهند مائة مليون ( 15% من السكان) يذبحون ويحرقون أو يغرقون أحياء وينكل بهم أيما تنكيل..
وفي الصين يبلغ عدد المسلمين 120 مليونا ( 11% من السكان) وقبل أن يتشكك القارئ في العدد الهائل عليه الرجوع إلى كتاب نشره كتاب اليوم ( أكتوبر 2005) بعنوان "المسلمون في الصين" .. وسلسلة كتاب اليوم هذه ليست تابعة لطالبان ولا للشيخ المجاهد أسامة بن لادن رضي الله عنه بل لمؤسسة أخبار اليوم.. وهي مؤسسة نبتت في البداية في رحم الأمريكيين.. ولم تثر حولها طيلة تاريخها أية شبهة للتعاطف مع الإسلام أو المسلمين..
ينال المسلمون في الصين حقهم الكامل من السحق والتذويب رغم أن نسبة عددهم تصل إلى ضعف نسبة عدد الأقباط في مصر..
وفي روسيا حوالي أربعين مليونا من المسلمين ( 20% من السكان) ينكل بهم منذ ثلاثة قرون على الأقل.. سحقوا وحرموا من ممارسة أي شعيرة من شعائر دينهم وكان القتل نصيب من يكتشفون أنه ما يزال مسلما.. نعم.. عانى المسلمون في روسيا من شتى صنوف التعذيب والاضطهاد ومنعوا من إقامة الصلاة والصيام والحج والزكاة حتى الكتب الدينية والمصاحف لم تسلم من الروس فمنعوا طباعتها، وتم إنشاء مدارس لتلقين أصول الإلحاد وخلق جيل إسلامي لا يعرف عن الدين شيئا وانتشرت الكتب والمجلات التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين.
وعندما حاولت أذريبجان المسلمة الاستقلال تعرضت لما يشبه حرب صليبية حتى يخبو صوتها وفي الشيشان تعرض أهلها لشتى أفانين البطش والتعذيب فكان يتم نقل الأهالي في عربات الماشية ويتم إلقاؤهم بمجاهل الصحراء وتعرضوا لشتى أنواع التعذيب والتصفية الجسدية وتم طرد المسلمين من منازلهم وضياعهم واستولوا على ممتلكاتهم.
***
نعم.. كان عدد المسلمين داخل ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي أربعون مليونا، ويلاحظ أن عدد الولايات أو الأقاليم الستة عشرة منها ستة أقاليم يمثل المسلمون فيها أكثرية تبلغ في بعضها 95% وبالطبع تلاشت هذه الأكثرية وتحولت إلى أقلية; فألغيت المحاكم الشرعية في المناطق الإسلامية عام 1926م، ومنعت الأنشطة الإدارية الدينية واشتدت حملات الإرهاب الشرسة ضد المسلمين فاعتقل ابتداء من عام 1928م أكثر من مليون ونصف المليون من المسلمين، وفي عام 1929م أغلقوا وهدموا أكثر من عشرة آلاف مسجد، وأكثر من أربعة عشر ألف من المدارس الإسلامية. واتبعت الشيوعية أساليب ترجو من ورائها إذابة المسلمين وتمييع كيانهم، وكان لمحنة الأقليات المسلمة في الإتحاد السوفيتي أبعاداً ذات خطورة لا يتصورها عقل بشري وخاصة ونحن في القرن العشرين; حيث هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، ولجنة حقوق الإنسان والقانون الدولي العام.
وفي بلغاريا يتم إجبار المسلمين على تغيير أسمائهم..
دعنا من أسبانيا.. فلم يعد فيها أية أقلية مسلمة.. أبيد الجميع أو طردوا بعد أن سُرقوا ونكل بهم..(2/207)
وفي كل من بورما و الفليبين يبلغ عدد المسلمين 6% وفي البرازيل 11% وفي الغابون 5% وفي جبل طارق 8% وفي رواندا 14% وفي رومانيا 20% وفي فرنسا 7% وفي الفليبين 14% وفي زامبيا 15% وفي زيمبابوي 15%وفي الولايات المتحدة الأمريكية 3,5% (حوالي عشرة ملايين) وفي ليسوتو 10% وفي فيجي 11% وفي بنما 4% وفي غويانا 15% وفي يوغسلافيا ( صربيا) 19% وفي سيريلانكا 9% وفي منغوليا 5.6% وفي بتسوانا 5% وفي السويد 3.6% وفي سويسرا 4.5% وفي ناميبيا 5% وفي نيبال 4% وفي النمسا 5% وفي النيجر وفي ترينداد وتوباغو 12% وفي جورجيا 11% وفي أنجولا 25% وفي أندونيسيا 88% وفي أوزبكستان 88% وفي أوغندا 36% وفي إيران 99% وفي باكستان 97% وفي البحرين 100% وفي الإمارات 96% وفي أثيوبيا 65% وفي إريتريا 80% وفي أفغانستان 99% وفي جمهورية أفريقيا الوسطى 55%وفي ألبانيا 80% وفي الإمارات 96% وفي بروناي 67% وفي بريطانيا 5,1% وفي بلجيكا 4% وفي بلغاريا 35% وفي بنجلاديش 83% وفي بينين 20% وفي وفي بوركينوفاسو 50%وفي بوروندي 20% وفي البوسنة والهرسك 43% وفي تركمانستان 87% وفي تركيا 99,8% وفي تشاد 65% وفي تنزانيا 65% وفي توغو 55% وفي تونس 98% وفي الجزائر 99% وجزر القمر 98% وفي جيبوتي 94% وفي ساحل العاج 60% وفي السعودية 100% وفي سنغافورة 25% وفي السنغال 95% وفي سوازيلاند 10% وفي السودان 85% وفي سوريا 90% وفي سورينام 25% وفي سيراليون 65% وفي الصحراء الغربية 100% وفي الصومال 100% وفي طاجكستان 85% وفي عمان 100% وفي العراق 97% وفي غامبيا 90% وفي غانا 30% وفي غينيا 95% وفي غينيا الاستوائية 25% وفي غينيا بيساو 70% وفي فلسطين المحتلة قبل 67: 12% وفي غزة والضفة 85% وفي قازاقستان 51% وفي قبرص 33% وفي قرقزستان 76% وفي قطر 100% وفي الكونغو 15% وفي الكويت 89% وفي الكاميرون 55% وفي كينيا 29.5% وفي لبنان 70% وفي ليبيريا 30% وفي ليبيا 100% وفي مالطا 14% وفي المالديف 100% وفي مالي 90% وفي ماليزيا 52% وفي المجر 6% وفي مدغشقر 20% وفي مصر 94% وفي المغرب 99% وفي مقدونيا 40% وفي ملاوي 35% وفي موريتانيا 100% وفي موريشيوس20% وفي موزمبيق 29% 91% وفي نيجيريا 75% وفي اليمن 99%. ( بتلخيص شديد وتصرف عن: جمعان بن عبدالله الغامدي)..
أسأل البابا شنودة و أي قبطي مصري هل يتمتع المسلمون في أي من هذه البلاد بما يتمتع به الأقباط في مصر..
بل لقد بلغ الأمر أن هناك بلادا كالحبشة يصل تعداد المسلمين فيها إلى 65% محرومون من حقوقهم السياسية حرماناً كاملاً، لا وزير لهم في الحكم، ولا رجل في منصب حيوي. ولا يدرس لأبنائهم الإسلام في مدارس الدولة التي يشرف عليها النصارى، ولا يتاح لهم أن يفتحوا مدارس لتعليم أبنائهم القرآن والدين.
وفي فرنسا، قلب الحضارة الغربية، تقوم دعوة متزايدة تنادي بطرد المسلمين من فرنسا، وارتكب أصحاب تلك الدعوة أعمالا وحشية، فألقت بخمسة من المسلمين من قطار " المترو " أحياء، أثناء سير القطار، فقتلوا على التو. وتهاجم مظاهراتهم المسلمين - والنساء المحجبات خاصة - في طرقات باريس، مدينة النور، وإحدى كبريات عواصم " العالم الحر "! هذا والمسلمون في فرنسا هم الأغلبية الثانية بعد النصارى، ويبلغ عددهم خمسة أو ستة ملايين.
ليعطينا البابا شنودة المثل الذي يريدنا أن نحتذيه..
ليختر أي أقلية في هذا العالم المترامي الأطراف ويقول لنا: عاملونا مثل هؤلاء!!..
***
أسأل البابا شنودة ألا يخشى من النار التي يشعلها رعاياه في الداخل والخارج؟!..
أسأله ألا يخشى أن ينفد صبر المسلمين الذي يبدو فعلا بل حدود..
أسأله ألا يخشى أن رد الفعل لا يكون دائما من علماء يلتزمون بقواعد الشرع، بل ربما يأتي من عامة الناس غضبا لدينهم واحتجاجا على استفزاز مجرم يمارسه مجرمون من الأقلية ضد الأغلبية.. ألا يخشى أن قوات الأمن التي حمت الكنائس والأقباط – بمساعدة الأهالي المسلمين – هذه المرة يمكن تحت وطأة الاستفزاز الفاجر أن تنضم إلى الجماهير في المرة القادمة..
هل يتصور مدى المذبحة..
ألا يخشى البابا شنودة على نفسه..
إنني أقرأ المستقبل من كتاب مفتوح كما قرأته في حرب الخليج و أنذرت دون مجيب..
نعم ..
أقرأ المستقبل..
مصر الآن ليست الهدف المباشر.. و إنما يتم التسخين فيها فقط..
الدور المباشر الآن على سوريا.. تتلوها السودان .. تتلوها إيران.. ثم يأتي دور مصر ليسبق القضاء المبرم على السعودية..
أقرأ المستقبل لا اطلاعا على الغيب ولا تنجيما ولا كهانة و إنما أستعمل عقلا وهبنيه الله فأرى كيف سيتم إشعال الفتنة في مصر..
نعم.. سيتم اغتيال اثنين أو ثلاثة لينفجر بعدها طوفان الدم..
سوف يتم اغتيال البابا شنودة.. والدكتور يوسف القرضاوي وعمرو خالد.. لتبدأ عاصفة الشيطان التي يحملها إلى العالم رسول الشيطان : بوش!!..
لكن يبدو أن البابا شنودة متورط في المشروع الغربي بأكثر مما نظن.
لكن هذا التورط للأسف – وربما العكس!!- ليس دينيا..
كما أن ثقته في هذا المشروع الغربي أكثر مما يجب..
لذلك يلجأ باستمرار إلى التصعيد والصدام.. غير مدرك أن نهايته ستكون في موجة من موجات ذلك التصعيد، على يد عميل للموساد أو المخابرات الأمريكية.. ثم يتم اتهام مسلم.. ويأتي الخنزير ميليس.. ويكون البابا قد خدم "شعبه القبطي!!" حيا وميتا.. يكون قد خدم شعبه ودمر أمته ووطنه..
***
نعم
يستقوي أقباط المهجر بالعدو، بالأمريكيين و إسرائيل.
ولقد صمد معظم الأقباط المصريين للغواية طيلة التاريخ.. ولم يبدأ انهيارهم إلا منذ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، للأسف مع مجيء البابا شنودة. الذي تنكب عن إعطاء ما لقيصر لقيصر.. بل ازدرى قيصر العربي واستهان به وابتزه واستقوى بالرومان عليه حتى أصبح كأنه هو القيصر!!.
قبل الإسلام كان القبط ينظرون إلى المسيحيين الرومان ككفرة. وكان هذا هو السبب في ترحيبهم بالمسلمين عند فتح مصر، واستمر هذا الموقف أثناء الحروب الصليبية، حيث انضم القبط إلى المسلمين في دحر العدو، بل إن الخط الهمايوني الذي لا يكفون عن الصراخ منه والتنديد به وفضحه كان مطلبا ملحا من الأقباط إلى الباب العالي لحمايتهم من الأمريكيين الذين كانوا قد بدءوا يبنون عشرات الكنائس في صعيد مصر في القرن التاسع عشر ( نفس توقيت إنشاء الجامعة الأمريكية في بيروت).. ويعلق الأستاذ جمال سلطان في مقال له بمجلة المنار على ذلك بأن الخط الهمايوني إنما تم بطلب ملح ومتكرر من قبط مصر ، وبعد استغاثات للكهنة والوجهاء الأقباط في مصر إلى الباب العالي لحمايتهم من الغزو الكنسي الكاثوليكي والبروتستاني الذي انتشر في مصر انتشار النار في الهشيم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وأصبحت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية مهددة بالانقراض بعد تحول أعداد كبيرة من أتباعها إلى الكاثوليكية والبروتستانتية ، وللمعلومية ما زالت هذه المخاوف تقض مضاجع الكنيسة المصرية وفي خاطرها دائما واقعة الأب دانيال البراموسي الذي انشق عنها ومعه عشرة آلاف قبطي تحولوا جميعا إلى الكاثوليكية، المهم أنه بعد أن بدأت قوات الغزو الأجنبي في تعزيز ودعم بناء الكنائس الأخرى ، استغاث أقباط مصر بالباب العالي وناشدوه وقف بناء مثل هذه الكنائس وحظر البناء أو الترميم إلا وفق شروط مشددة ، فاستجاب الباب العالي بعد إلحاح كبير ، وعندما صدر هذا القرار اعتبرته الكنيسة المصرية عيدا ويوما تاريخيا..(2/208)
بيد أن الدكتور محمد عمارة يفاجئنا مفاجأتين هامتين في كتابه: "في المسألة القبطية: حقائق و أوهام" دار الشروق القاهرة..
نعم..
يفاجئنا بمفاجأتين خطيرتين: الأولي أن الخط الهمايوني الذي لم يكفوا عن تشويهه والتنديد به كان إصلاحا هائلا نتمنى أن يطبق على الأقليات المسلمة حتى الآن..
أما المفاجأة الثانية فهي أن القانون لم يطبق في مصر على الإطلاق..!!
ويكاد الدكتور محمد عمارة يتفتت من الألم وهو يصرخ:
- اكذب.. ثم اكذب.. فإنك لابد واجد من يصدقك!!
تلك كانت فلسفة النازية والفاشية في الثقافة والإعلام.. ترديد اكاذيب، والإلحاح على عقول الناس بتكرار هذه الأكاذيب، حتى يصدقها الناس، بل وتصبح عندهم من البدهيات والمسلمات!.. ولقد كانت تتوارد إلى خاطري هذه المعاني كلما سمعت أو قرأت- بصدد الهجوم على مصر، والتهجم على حكومتها- أن مصر مازالت- بعد نحو قرن من زوال الدولة العثمانية- تطبق على مواطنيها الأقباط قانونا عثمانيا- صدر سنة 1856 م- اسمها الخط الهمايوني!، وأن بناء الكنائس في مصر لا يزال إلى الآن محكوما ببنود هذا الخط الهمايوني!.. وكان عجبي يتزايد، ليس فقط من الكذب والكاذبين، وإنما من حكومتنا التي تنفق بسخاء على طوابير من المثقفين ومن ترزية القوانين، كيف لا تفكر هذه الحكومة في تحقيق هذا الأمر، لنفى ودحض هذه الأكذوبة، التي غدت سبة في جبينها، يرددها صباح مساء العملاء من أقباط المهجر، والأعداء في دوائر الكونجرس الأمريكي، واللوبي الصهيوني في أمريكا(...) وإذا كان الهدف هو تجلية الحقيقة، لنفى ودفن الأكذوبة، فلنبدأ بتعريف القارئ بمعنى هذا (الخط الهمايوني).. إن معنى كلمة الخط هو القانون.. ومعنى الهمايوني هو الشريف.. " الخط الهمايوني" إذن هو القانون السلطاني الشريف والمعظم. وهذا الخط الهمايوني، هو واحد من القوانين الإصلاحية- التي سميت بالإصلاحات الخيرية- تلك التي أصدرها السلطان عبد المجيد خان (1255- 1277هـ) لإنصاف الأقليات غير الإسلامية من رعايا الدولة العثمانية، وإزالة مظاهر التمييز بينهم وبين المسلمين، وتقرير المساواة بين كل رعايا الدولة، بصرف النظر عن العقيدة الدينية.. (...) أي أن هذا الخط الهمايوني، قد صدر ليحقق الإنصاف والإصلاح، سدا لثغرات التدخل الاستعماري في شئون الدولة، تلك الثغرات التي كانت متمثلة في الأقليات ذات الارتباطات والعلاقات المذهبية مع القوى الاستعمارية الكبرى في ذلك التاريخ- القيصرية الروسية.. وفرنسا.. وإنجلترا.. ولقد نص هذا الخط الهمايوني على ضرورة رفع المظالم المالية عن النصارى، سواء تلك التي كانت لحساب جهاز الدولة أو لحساب كبار رجال الدين في طوائف هؤلاء النصارى ففي هذا القانون تقرر رفع المظالم عن كاهل النصارى، وتنظيم الرواتب والمعاشات للرهبان ورجال الدين وتكوين مجالس- بالانتخاب العام- لإدارة شئون هذه الملل والطوائف غير المسلمة.. (...) ولتقرير المساواة بين جميع الرعية، من كل الديانات والمذاهب، في تولى الوظائف العامة بالدولة، والمدارس، المدنية والعسكري(...) وفوق كل ذلك، فتح هذا الخط الهمايوني، الباب لهذه الطوائف والملل كي تنشئ المدارس الخاصة بها، على اختلاف تخصصاتها (...) كذلك نص الخط الهمايوني على كامل المساواة بين المسلمين وغيرهم في الخراج، والخدمة العسكرية، وسائر الحقوق.. (..) ولتقرير المساواة بين غير المسلمين والمسلمين في التكاليف المالية والخوارج، وإزالة أي تفرقة أو تمييز بين الرعية في ذلك..(..) .. أما بناء الكنائس الجديدة، فلقد أباحه الخط الهمايوني، بعد تقديم طلب البناء، والتأكد من ملكية الأرض التي سيتم عليها البناء، وذلك دون رسوم أو تكاليف..
يصرخ الدكتور محمد عمارة أن هذه الإصلاحات قد صدرت قبل قرن ونصف قرن إلا أنها ما زالت تمثل مطالب ومقاصد، بل وأمنيات، للأقليات المسلمة في كثير من بلاد النور والتنوير والديمقراطية الغربية في القرن الواحد والعشرين!!.. لكن الكذبة لا يكتفون بتشويه التاريخ، اعتمادا على الجهل وسوء النية.. وإنما ذهبوا إلى حد الزعم بأن مصر لا تزال حتى الآن تطبق على أقباطها هذا الخط الهمايوني، رغم زوال الدولة العثمانية وكل تقنيناتها منذ ثلاثة أرباع القرن.. بينما الحقيقة الصارخة والمذهلة تقول: إن هذا الخط الهمايوني لم يكن في يوم من الأيام مطبقا في مصر، حتى عندما كانت مصر ولاية من ولايات الدولة العثمانية!!.. فمصر منذ قيام دولة محمد على باشا (1184-1265 هـ 1770- 1849 م) أي قبل نصف قرن من صدور الخط الهمايوني- قد حققت استقلالها في التشريع والتقنين عن الدولة العثمانية- أي الاستقلال في "العدل والحقانية"، بلغة ذلك التاريخ.. وهى قد حققت هذا الاستقلال في الفقه والتشريع والتقنين لكل أبنائها، مسلمين كانوا أو مسيحيين.. ولم يكن القانون العثماني حاكما في مصر، لا على المسيحيين ولا على المسلمين.. حدث هذا بحكم الأمر الواقع- في الاستقلال- الذي حققته دولة وسلطة محمد على باشا.. ثم جرى تقنين هذا الاستقلال التشريعي في اتفاق كوتاهية سنة 1833 م.. وحتى عندما جاءت معاهدة لندن سنة 1840 م فانتقصت من سيادة مصر واستقلالها، فإنها قد وقفت بذلك الانتقاص عند وضع القيود على قوة مصر العسكرية، وعند تقرير الجزية التي تدفعها مصر للدولة العثمانية.. وظلت سيادة مصر واستقلاليتها في المعاملات المالية الخارجية.. وفى التقنين والتشريع، ليس حبا من الدول الأوروبية- التي عقدت معاهدة لندن- في استقلال مصر بتلك الميادين، وإنما حرصا على فتح الباب أمام مصر لتستدين من أوروبا.. ولتأخذ بالقوانين الأوروبية، دونما عائق عثماني في هذه الميادين...
ويشهد على هذه الحقيقة- حقيقة استقلال مصر في العدل والحقانية والتشريع والتقنين.. وأن القانون العثماني، ومنه الخط الهمايوني، لم يكن مطبقا بمصر في يوم من الأيام، منذ قيام دولة محمد على باشا- أن الإصلاحات التي صدر لأجلها الخط الهمايوني سنة 1856 م، قد سبقت إلى تقريرها مصر في عهد الخديوي سعيد (1273- 1279 هـ 1822-1863 م) بما سنته من إلغاء للجزية، ومساواة النصارى بالمسلمين في قواعد الجندية سنة 1855 م.. بل إن القانون العثماني، الخاص بالمسلمين لم يكن هو الآخر مطبقا في مصر- بسبب استقلالها في التشريع والتقنين- حتى أن الدولة العثمانية عندما قننت فقه المذهب الحنفي سنة 1869 م، واعتمدت "مجلة الأحكام العدلية" في القضاء العثماني، لم تطبق تشريعات وتقنينات هذه "المجلة" في مصر أيضا، بينما طبقت في سوريا والعراق وغيرهما من الولايات..ويشهد بهذه الحقيقة المهندس سمير مرقص- مدير مركز البحوث بأسقفية الخدمات العامة والاجتماعية بالكنيسة المصرية الأرثوذكسية، كما يشهد بهذه الحقيقة الباحث والمفكر نبيل مرقص في (تقرير الحالة الدينية في مصر) لسنة 995 1 م- ص 88.
***
فهل رأيتم يا قراء كمّ الافتئات الفاجر رغم أنهم يعرفون الحقيقة لكنهم لا يكفون عن الكذب أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا.. فلا فرق بين أكاذيب نابليون وبوش.. ولا كرومر وبلير.. ولا أسلحة الدمار الشامل والخط الهمايوني..
كذب فاجر..
كذب سافل..
كذب مجرم لا يخشى من افتضاح أمره أبدا لأن من كان يمكن أن يخشى من افتضاح أمره أمامهم هو الذي حرضهم.
بل كذب كافر.. كما أخبرنا سيد ولد آدم وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم..(2/209)
كذب كافر.. وكل الكذب كافر..
ذلك أن الله الذي خلق لهذا العالم عقله هو الذي يعطيه معقوليته أيضا.. هو الذي يمنحه موازينه.. ومن هذه الموازين قيمة القيم.. قيمة الصدق مثلا أو القيمة السلبية للكذب.. فالله موجود في العلاقة بين النتائج والأسباب.. وبين الغايات والأهداف.. والذين لا يؤمنون بالله هم الذين تنمحي عندهم العلاقة بين الغايات والأهداف وبين الأسباب والنتائج.. ويصبح لا فرق هناك بين الكذب والصدق.. ولا يوجد فائدة لهذا أو ضررا لذاك إلا بقدر ما يجلبه من فائدة أو يدفعه من ضرر.. وسوى ذلك .. لا فرق على الإطلاق ..
***
بيد أن هذا الكذب الخسيس لا يصارح أبدا بما يريد، إنه يضغط ويضغط ويضغط حتى تنفذ له ما يريد .. وهو مختلف تماما عن الأكاذيب التي ابتزك بها..
ألم يحدث هذا في حرب الأفيون مع الصين؟.. ألم يحدث في أكاذيب أسلحة الدمار الشامل في العراق.. ألا يحدث الآن في قضية مقتل الحريري الذي لا أشك لحظة واحدة في أن الأمريكيين هم الذين قتلوه.. أما ضغطهم على سوريا وتهديدهم لها فليس سببه كما يعلنون الرغبة في كشف الحقيقة.. فهم أول من يعرف هذه الحقيقة.. كان المطلوب من صدام حسين – فك الله أسره- الاعتراف بإسرائيل وكانت أكاذيب أسلحة الدمار وحقوق الإنسان ستتوقف على الفور.. والمطلوب اليوم من سوريا أن تبرم الصلح ( هو في الواقع استسلام وليس صلحا) مع إسرائيل، و أن تتخلى عن حزب الله.. لكن الأهم من ذلك كله أن يدخل الجيش السوري ليواجه المقاومة العراقية كمرتزقة بدون أجر..
دعنا الآن من مستوى الفجور..
لكن هذا هو المطلوب من سوريا والذي لم يعلن أبدا.. وسيظل الضغط مستمرا حتى تنفذ المطلوب منها.. ورغم أن الموضوع ليس موضوعنا في هذا المقال إلا أنني شديد العطف على بشار الأسد.. وشديد الإدانة أيضا لأنه طاغوت كالطواغيت لكن الزمن لم يتسع له ليتغول كالباقين.. طاغوت تأسس نظامه على الكفر.. ثم أنني واثق أنه كمبارك وعبد الله وكل الآخرين لو أمنوا رد فعل شعوبهم لأرسلوا جيوشهم لتموت بدلا من الأمريكيين في العراق، و أنهم يفعلون ما هو دون ذلك ولكن سرا، ولا تنسوا الفضيحة التي فجرها مصطفي بكري بتعاقد الأمريكيين مع المسرحين من الجيش المصري. و أذكر القارئ أن القوات السورية دخلت لبنان بطلب أمريكي وكان طبيعيا أن تخرج بطلب أمريكي.. غير الطبيعي والذي فات الأوان لتصحيحه هو استسلام سوريا لنزع لبنان منها سنة 1920.. كانت تلك أولي خطوات التمزيق. راجع: "دمشق من عصور ما قبل التاريخ إلى الدولة المملوكية" للكاتب الفرنسي جيرار ديجورج ترجمة محمد رفعت عواد - المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة ويتهم المؤلف بلاده بأنها وضعت بذور النزاع في سوريا منذ عام 1920 حين أعلنت قيام دولة لبنان مستغلة النعرة الطائفية الموجودة عند بعض الموارنة كما حاولت ضم السكان في حكم ذاتي محلي وأنشأت دولة حلب ودولة دمشق وجبل العلويين.
ليس هذا موضوعنا إلا من زاوية واحدة.. أن المخطط الذي تم به تفتيت الشام، والمخطط الذي يستعمل الآن لتفتيت سوريا ولبنان، هو نفس المخطط الذي يستعمل الآن لتفتيت مصر، والذي يعتبر البابا شنودة أحد أهم الأعمدة فيه، كما تمثل المسرحية الساقطة معولا مما استعمل ويستعمل في هدم بناء كان ذات يوم شامخا.
النصارى يحكمون مصر!
الجزء الرابع
[بقلم: د. محمد عباس (www.mohamadabbas.net)]
بسم الله الرحمن الرحيم
هل لاحظ القارئ نوع الكذب الأمريكي..
إنه وثسق الصلة بالكذب المصري عندما تشهر الدولة بأحد للوصول إلى غرض معين، لاحظوا مثلا التشهير بالمشير أبو غزالة لمنعه من التنافس على الرئاسة، ولاحظوا أيضا سحق أيمن نور.. ولم ينطق أي شيطان من الحزب الوثني بالحقيقة، فقط يستمر الضغط حتى يستسلم الضحية أو يموت.
لكن الأنسب أن أضرب مثلا يجلي الصورة.. فالأمر يشبه رئيس عمل قواد فاجر، يراود إحدى موظفاته عن عرضها، وهي تأبى، فيبدأ في إثارة المشاكل والإشاعات حول كفاءتها وذكائها و إتقانها للعمل، ومهما حاولت أن تتقن العمل و أن تتفانى فيه فإن ذلك لن يشفع لها أبدا..
الأمر الوحيد الذي يجعل الهجوم يتوقف هو استسلامها للاغتصاب..
وهذا ما تريده أمريكا من العالم العربي..
وما تريده حكوماتنا العربية من شعوبها..
وهذا هو الأمر الذي يتواطأ فيه البابا شنودة مع أعداء وطنه ضد أهله وقومه..
نعم.. إنهم لا ينطقون إلا كذبا..
الكذب يسري في دمائهم.. منذ لويس التاسع وحتى كاهن مارجرجس الساقط.
لكن سلامة الرأس كانت تعوض عن أخطاء الجسد لتؤسس نوعا من التوازن..
نعم..
كان التوازن قائما عندما كان توجه رأس الكنيسة المصرية وطنيا، عندما سادت مقولة مكرم عبيد التي ترفضها الآن رأس الكنيسة: أنا قبطي دينا ومسلم وطنا. عندما تغيرت المقولة إلى: أنا قبطي دينا وصليبي وطنا، أو و أمريكي وطنا، عندما حدث ذلك حدث الخلل.
يقول عبد العظيم رمضان في مقال منشور بصحيفة الوفد، وهو ليس شاهد عدل، لكنه في أي قضية سيشهد في صف البابا وليس ضده، ومع الأقباط ضد المسلمين، لكنه بالرغم من ذلك يقول:
ومن المصادفات البحتة أن الكنيسة التي جلس علي عرشها البابا شنودة كانت تختلف عن الكنيسة التي جلس علي عرشها من سبقوه. فمنذ أواسط الخمسينيات، وبسبب ظروف حكم ثورة يوليو التي أشرنا إليها من قبل حدثت هجرة واسعة لعدد من شباب الأقباط الذين خرجوا يحاولون بناء حياة جديدة في الغرب، خصوصا في الولايات المتحدة وكندا واستراليا. وعندما جاءت قوانين التأميم في يوليو 1961 لحقت بهذه الموجة موجة أخري مكونة في هذه المرة من أغنياء الأقباط، الذين ذهبت عائلات بأكملها مع جزء كبير من ثروتها، وجد هؤلاء لأنفسهم موطنا جديدا في سويسرا وفرنسا وغيرها من بلدان أوروبا. وقد كان نتيجة لهذه الهجرات أن أصبح للكنيسة القبطية فروع عبر البحار، تتبع تعاليم الكنيسة الأم، وتبعث إليها بمساعداتها، وتمثل قوة ضغط تستطيع الكنيسة الأم أن تستخدمها في مواجهة السلطة المصرية عند اللزوم! وقد أدرك البابا شنودة الثالث هذا المصدر الجديد من مصادر القوة، فأخذ يركز علي كنائس الخارج، ويتوسع فيها، ويرسم لها أساقفة جددا، كما أخذ يوثق علاقات الكنيسة القبطية ببقية الكنائس الكبري في العالم، وراح يحقق تواجدا دوليا ملحوظا لكرسي مرقص الرسول، بلغ ذروته حين وقع في سنة 1973 إعلانا مشتركا مع البابا بول في الفاتيكان، يعربان فيه معا عن اهتمامهما المشترك بتحقيق الوحدة بين كل الكنائس المسيحية .(2/210)
وفي عهده زاد التوجه السياسي للكنيسة المصرية وتقديم مفهوم جديد للنصرانية على أنها دين ودولة، مستخدماً في ذلك سياسة الانتشار الدولي، والتقارب مع الكنائس الغربية ومؤسساتها لدعم السياسات الداخلية للكنيسة وتحقيق أغراضها، كما أعلن عن تنظيمات جديدة للكنيسة، ودعا إلى تطوير الكلية الأكليريكية وإعادة الكنيسة إلى مكانتها العالمية، فزاد اهتمامه بإنشاء الكنائس في الخارج وعيّن لها الأساقفة، من أجل ذلك تعددت جولاته ولقاءاته. ومن أبرز هذه اللقاءات: لقاؤه ببابا الفاتيكان بولس السادس عام 1973م، الذي تمت فيه المصالحة بين الكنيسة الكاثوليكية الغربية والكنيسة المصرية الأرثوذكسية. وتوقيعه وثيقة رفع الحرم المتبادل بين كنيسته والكنائس الأرثوذكسية الكلدونية وغير الكلدونية في شميزي عام 1990م. أيضاً الاتفاق على تحقيق الوحدة بين كل الكنائس النصرانية، وزيارته لرئيس أمريكا كارتر عام 1977م والتي كان لها أثرها السياسي والديني لصالح الكنيسة المصرية.
***
من أخطر ما يمكن، أن ننظر إلى الأمور نظرة جزئية منفصلة عن السياق العام، فنكرر قصة العميان والفيل في المأثورة الشعبية ( لا أظن أن هناك من لا يعرف القصة لشهرتها، وهي باختصار تتحدث عن أربعة من العميان راحوا يتحسسون فيلا ليصفوه، فقال الذي أمسك ساقه إنه كالشجرة، وقال الذي أمسك خرطومه إنه كالثعبان الضخم، وقال الذي تحسس بطنه وهو واقف تحتها إنه كالسقف.. وقال الذي أمسك بأذنه إنه كشجرة الموز .. والمعنى واضح عن قصور النظرة الجزئية)..
لا نريد أن نغرق في التفاصيل، ولا نريد في نفس الوقت أن نغمض أعيننا عن علامات الطريق.
منذ منتصف القرن التاسع عشر بدأت أمريكا تشعر بقوتها وترسل إرسالياتها التبشيرية إلى العالم ومنه مصر.
يقول الدكتور محمد مورو في كتابه الهام: " يا أقباط مصر انتبهوا " :
وفى أوائل عقد السبعينات في القرن التاسع عشر (1870)- نصب الأنبا كيرلس الخامس بطريركا للأقباط وواصل مقاومته للتيار التبشيري وسافر البطريرك إلى أسيوط ونشر في مقاومة الإرساليات وأمر بتجريد قسيس من رتبته لسماحه لأخيه المتخرج من مدرسة الإرسالية الأمريكية بالخدمة في الكنيسة القبطية كما أصدر مطران أسيوط فرمانا كنسيا لثلاثة من تلاميذ الإرسالية، وأمر البطريرك بإحراق كل الكتب البروتستانتية في أسيوط، ثم سافر إلى أبو تيح وإخميم حيث أغلقت مدرسة الإرسالية هناك.
وبالطبع لم تيأس أمريكا التي كانت تؤسس لمشروعها الأضخم عابر القارات والقرون، فتتسلل من الباب الخلفي إلى المثقفين، وليسوا بمثقفين وإنما هم الذين استسلموا للغواية.
يقول الدكتور مورو:
بدأت عناصر من المثقفين الأقباط والمتأثرين بالحضارة الغربية، ومعهم عدد من كبار الأغنياء الأقباط والوجهاء المرتبطين بالمصالح الاقتصادية بالمشروع الاستعماري الأوروبي. بدأ هؤلاء جميعا محاولتهم للسيطرة على المجتمع القبطي. بدأوا بالسيطرة على المجالس الملية، أو قل: ضغطوا على البابا كيرلس الخامس لاستحداثها لتكون وسيلة من وسائل تأثير القوة الثالثة على المجتمع القبطي والكنيسة القبطية. وسرعان ما دب الخلاف بين هذه المجالس الملية وبين البابا كيرلس الخامس. وحدث الصدام بين البابا كيرلس الخامس وبين بطرس غالى الذي كان يرأس تلك المجالس الملية. إلا أن الشعب القبطي وقف مع البابا في هذا الصراع. وحاول عناصر تلك القوة الثالثة المتمثلة في الوجهاء- المثقفين المغتربين- كبار الأغنياء الأقباط- الإطاحة بالبابا كيرلس الخامس. وتنصيب بابا جديد من المؤمنين باتجاهاتهم والموالين لسياساتهم. واستعان بطرس غالى والمجلس الملي بالاحتلال وبالخديوي ونجح هؤلاء في استصدار قرار بتعيين بطريرك آخر مكان الأنبا كيرلس الخامس. إلا أن الإكليروس القبطي ومعه الشعب القبطي تجمعوا ومنعوا الأنبا الجديد من دخول مقر البطريركية، وكانوا يهتفون ارجع يا محروم.
( جملة اعتراضية: أرجو أن يلاحظ القارئ البصمات الأمريكية القبيحة وطريقة تسللها)..
وكانت هذه التجارب مدعاة لإدراك ضرورة السيطرة بالزحف الهادىء على الإكليروس وعلى كرسي البطريركية، وليس بالانقلاب السافر عليها. وهكذا تم دفع عدد من شباب القوة الثالثة وخاصة من خريجي الجامعات إلى التحاق بالأديرة طلبا للانخراط في سلك الرهبنة (...) وكذلك تم الاهتمام بالسيطرة على أقباط المهجر في أمريكا وكندا واستراليا وأوروبا، ليكونوا من دعاة القوة الثالثة ومن عناصرها النشيطة التي تعمل على ربط القوة الثالثة في مصر بالكنائس الأوروبية، وتحقق لها أيضا من خلال العمل في المهجر النفوذ السياسي والدعم المالي. وفى سنة 1959 انحازت عناصر تلك القوة الثالثة إلى انتخاب البابا كيرلس السادس على أساس أنه يمثل حلقة وسيطة، لأن قوتهم لم تكن تسمح بتصعيد بطريرك من داخلهم. وتمسك البابا كيرلس السادس بالتراث القبطي التقليدي، إلا أنه سمح للقوة الثالثة بالنفوذ إلى المجتمع القبطي عن طريق إنشاء أبرشيات جديدة يتولون إدارتها لرئاستها. وفى سنة 1971، توفى البابا كيرلس السادس ووجدت القوة الثالثة أن الفرصة مواتية فلديهم الكثير من العناصر في الإكليروس القبطي، كما أن الظروف المحلية والدولية في ذلك الوقت كانت تسمح بذلك، وهكذا جاء البابا شنودة الثالث وأصبح بطريركا للأقباط سنة 1971.
***
فلنترك الدكتور مورو قليلا..
كانت تلك الحقبة هي التي تفجرت فيها رغبة أمريكا المحمومة في السيطرة على العالم.. أو على الأحرى كان الغطاء قد انكشف عنها فظهر ما كان مستورا.. كانت قد خرجت منتصرة من الحرب فتسللت إلى كل دول العالم للسيطرة عليها.. وانقلبت حتى على أخلص حلفائها لتحل محلهم في المستعمرات، و كانت أقسى لحظات حياة تشرشل حين أدرك أنه لا يتعامل مع الحليف والصديق بل مع عدو مصرٌّ على التهامه، وهو نفس الشعور الذي شعر به أنتوني إيدن عام 56. وقد ترتب على هذا أن بريطانيا وهي تجلو عن اليمن الجنوبي سلمته للشيوعيين نكاية في أمريكا. كانت أمريكا تتمدد في العالم كله، في آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية، وكانت كوريثة قيصر تركز على بلاد المسلمين.. كانت قد استولت – بلا غزو ولا تزال - على السعودية واستعادت إيران وبدأت سياسة الانقلابات في سوريا ودعمت الانقلاب في مصر.
وكانت قد جندت السادات والملك حسين..
وكانت تصوغ جورباتشوف..
ثم..
ثم..
ثم .. في نفس السياق والإطار جاء البابا شنودة!!..
***
يذكر محمد حسنين هيكل في كتابه (خريف الغضب) أن السادات وممدوح سالم وزبر الداخلية 1971 وغيرهما من الجهاز الحكومي كانوا يفضلون انتخاب البابا شنودة كبطريرك للكنيسة القبطية عقب موت الأنبا كيرلس السادس وأن هيكل قد عارض في ذلك وطرح أسبابه لتلك المعارضة وألمح الأستاذ هيكل في نفس الكتاب إلى احتمال استخدام الحكومة المصرية لنفوذها لترجيح كفة البابا شنودة على غيره من المرشحين للكرسي البطريركي.. بل إنه روى واقعة الانتخاب وقيام الطفل باختيار الورقة التي ظهر فيها اسم البابا شنودة بطريقة معينة تجعلك تشك ولكنها لا تورطه!!
***(2/211)
وكما قلنا أن موقف الكنيسة المصرية من الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية كان حادا جدا، وكان ثمة إدراك عميق بالتباين الحضاري بين هذه وتلك، و إدراك أن الكنيسة الأرثوذكسية لا تمثل الصواب العقدي فقط، بل وتمثل الهوية الوطنية ورفض التغريب، وكانت الكنيسة المصرية تحارب بضراوة مجلس الكنائس العالمي، الذي تشرف عليه المخابرات المركزية الأمريكية كما يقول الدكتور مورو: وهذا الكلام ليس من عندنا ولكن عليه شهادات من كتاب لايمتون للاتجاه الإسلامي بصلة. فعلى سبيل المثال يقول محمد حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب : إن مجلس الكنائس العالمي يعكس دون أدنى شك رغبة جهات أمريكية معينة في أن يقوم الدين بدور رئيسي في الصراع، وإن التحقيقات التي جرت في الكونحرس أثبتت أن مجلس الكنائس العالمي كان من الجهات التي حصلت على مساعدات ضخمة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ويضيف هيكل : وفوق منصة الرئاسة يوم الافتتاح كان جلوس وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس شقيق رئيس إدارة المخابرات المركزية الأمريكية آلان دالاس إلى جانب رئيس مجلس الكنائس العالمي وكان مما قاله دالاس: أن نبشر بالمسيحية فهذا معناه أن نبشر بالحضارة الغربية. أما الكاتب القبطي المعروف د. وليم سليمان قلادة فيقول في كتابه " الكنيسة المصرية تواجه الاستعمار والصهيونية " (إن دعوة مجلس الكنائس العالمي تتجه في صراحة تامة إلى ضرورة تدخل الكنائس داخل البلاد المستقلة حديثا في سياسة بلادها، وابتداع لاهوتية جديدة لتبرير هذا الاتجاه تقول بأن نشاط الدولة في كل نواحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو تحت سلطان الله ولابد للكنائس من أن تبدى رأيها في هذا النشاط ولابد من الاستعانة بخبرة الكنائس الغربية حتى يكون اتجاه الكنيسة داخل الدولة المستقلة حديثا متفقا مع اتجاه الكنائس المسيحية في الغرب (...) أما الناقد الأدبى القبطي د. غالى شكري فهو ينقل النص السابق للدكتور وليم سليمان قلادة في كتابه " الأقباط في وطن متغير" ويضيف إليه (أنه في ديسمبر سنة 1961 عقد في العاصمة الهندية نيودلهي المؤتمر العام الثالث لمجلس الكنائس العالمي وأصدر قرارا يبرىء اليهود من دم المسيح ويحذر الكنائس من التعليم المعادى لليهود، وكان هذا القرار- والكلام ما يزال لغالى شكري- هو أداة الضغط الأولى على الفاتيكان ليصدر وثيقته الشهيرة في تبرئة اليهود من دم المسيح.
ولخطورة الأمر فإن الدكتور مورو يعيد عرض الأمر ملخصا:
إذن فمجلس الكنائس العالمي تابع للمخابرات الأمريكية على حد قول هيكل وله دور مشبوه في الترويج لقيم الحضارة الغربية والسياسة الغربية عموما والأمريكية، خصوصا على حد قول د. وليم سليمان وهو موال لإسرائيل على حد شهادة غالى شكري، والطبيعي والمسألة هكذا أن الموقف الوطني الصحيح هو رفض ومناهضة هذا المجلس، وبالفعل كان هذا الموقف الصحيح هو موقف الأقباط المصريين حتى جاء البابا شنودة فأصبح رئيسا له!..
نعم..
أصبح البابا شنودة رئيسا له على عكس التراث الكنسي المصري وعلى عكس المصالح الوطنية وعلى عكس المتوقع وعلى حساب المشروع الحضاري الوطني وانحيازا وتبعية للمشروع الحضاري الغربي.
وننقل هنا ما قاله الأستاذ عبد اللطيف المناوى في كتابه " الأقباط: الكنيسة أم الوطن" :(ما الذي تغير في موقف الكنيسة المصرية حتى تنخرط في أنشطة مجلس الكنائس العالمي بصورة أوسع وحتى تدفع بيطريرك أقباط مصر إلى سدة رئاسته).
ويجيب (أهم متغير فيما نرى هو الطرف الثالث في المعادلة المتمثل في الأنبا شنودة شخصيا الذي تولى منصبه سنة 1971).
وبعد أن عدد الحقائق حول الدور المشبوه لمجلس الكنائس العالمي، من ارتباطه بالمخابرات الأمريكية- واختراق الصهيونية لكنائس البروتستانتية الأوروبية والأمريكية وهى المسيطر على المجلس منذ إنشائه يعود ليتساءل هل يمكن أن تكون الخطوة حلقة في جر الكنيسة المصرية إلى تلك الساحة؟.
***
لماذا غير البابا شنودة موقعه ولماذا بدل موقفه..
هل كف الغرب عن طغيانه؟..
هل تغيرت الكنيسة؟؟
أم تغيرت الفريسة؟؟
***
" إن البابا شنودة خيب الآمال ، وتنكب الطريق المستقيم الذي تمليه عليه قوانين البلاد ، واتخذ من الدين ستارا يخفي أطماعا سياسية ، كل أقباط مصر براء منها وإذا به يجاهر بتلك الأطماع واضعا بديلا لها على حد تعبيره بحرا من الدماء تغرق فيه البلاد من أقصاها إلى أقصاها ، باذلا قصارى جهده في دفع عجلة الفتنة بأقصى سرعة ، وعلى غير هدى ، في كل أرجاء البلاد ، غير عابئ بوطن يأويه ، ودولة تحميه ، وبذلك يكون قد خرج عن ردائه الذي خلعه عليه أقباط مصر "
نص حرفي من حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري بتاريخ 3/1/1982 ، في التظلم المقدم من البابا شنودة ضد قرار رئيس الجمهورية بعزله عن منصبه.
***
سبحان الله..
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ..
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ
الطاغوت الخائن المجرم الذي جاء وعاش برعاية أمريكا اتهم الإخوان بما ليس فيهم فأذلهم الله وهم لا يستطيعون التنفس ببنت شفة..
اتهم الطاغوت الإخوان بأنهم عملاء للأمريكان..
وكان الطاغوت و أتباعه هم العملاء..
فانظر كيف أذلهم الله على يد من هم أكثر منهم عمالة..
سبحان الله..
لكم نكل الطاغوت المجرم بالمجاهدين والمسلمين ..
كان تخطيط المجاهدين المسلمين يتشابه إلى حد كبير مع ما نفذه البابا شنودة بالفعل.. لكن في الاتجاه المضاد..
كان التخطيط المسلم يسعى لتكوين مراكز عالمية تابعة للتنظيم في مصر كي تكون نواة لوحدة إسلامية تعز مصر وتغنيها وتزيد من قوتها .. وكان التخطيط الصليبي الشنودي يسعى إنشاء مئات الكنائس الأرثوذكسية في العالم تتبع البابا شنودة وتمثل مراكز إعلامية خطيرة تستعمل في الضغط على مصر لتحجيمها و إرهابها وتفتيتها.. ومنع اتحادها بالدول الإسلامية الأخرى..
كان التخطيط المسلم يدرك أنه يمثل الأمة الوسط.. وميزان التاريخ والشهادة على الأمم.. و أنه كلما قويت مصر قويت الأمة وكلما قويت الأمة كلما اعتدل ميزان التاريخ.. وكان التخطيط الصليبي الشنودي يسعى لتذويب الأمة في الحضارة الغربية الوثنية المنحلة..
كان التخطيط المسلم يدرك أن عداوة الشيوعيين له ليست أخطر من عداوة الأمريكيين والصهاينة.. وكان التخطيط الصليبي الشنودي يحتضن اليسار ويتجه به إلى اليمين كي يكونا معا عملاء للصليب والصهاينة..
وكان الاتهام الذي وجه للمسلمين هو الاتهام بالعمالة لأمريكا..!! ( يا للحسرة والاشمئزاز والألم)..
وكان عملاء أمريكا هم الجانب الآخر الذي لم يجرؤ أحد على اتهامه بالعمالة وهو العميل..
بل كان العملاء هم الذين وجهوا الاتهام بالعمالة!!
كان القاضي هو اللص والمدعي هو الجلاد والحاكم طاغوت..
ذبحوا الشهيد وكرموا الخائن..
فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله .. صبرا على قضائك لا إله سواك..
نعم..
كان الخونة هم الذين اتهموا الشرفاء وحاكموهم وذبحوهم..
أما من خان فعلا ومالأ أعداء الأمة والوطن والدين فإن الطاغوت الخسيس المجرم لا يجرؤ على إدانته.. بل ينافقه ويتزلف إليه!!..
والحديث في هذا طويل لكنه موضوع آخر..
***
أذكر القارئ بما سبق أن ذكرته به في بداية المقال عن الجراح الذي يستعمل مبضعه للقتل فيتوقف القانون عن اعتباره طبيبا..
و أذكره بأن أي إنسان يخرج عن مقتضيات وظيفته يفقد الحصانة التي تمنها له هذه الحصانة، ومن هنا حقنا في التنديد بما يفعله البابا شنودة.(2/212)
يلفت الدكتور مورو النظر إلى قضية خطيرة تترتب على انحيازات البابا.. ذلك أن الأقباط جميعا ملزمون بطاعته باعتباره بطريركا وملزمون بدعم مشروعه السياسي حتى لو تعارض مع رؤاهم السياسية وهنا مكمن الخطر فإذا أدركنا أن الجذور السياسية للبابا شنودة تعكس الرفض للمشروع الحضاري الوطني، وتتعاطف مع المشروع الحضاري الأوروبي وترى ضرورة التعاون مع الكنائس الأوروبية لأدركنا خطر المسألة على مصالح الوطن عموما وعلى المشروع الحضاري الوطني عموما، وعلى الأقباط والكنيسة القبطية خصوصا.
نعم..
أصرخ فيكم يا ناس..
لقد انشق البابا عن إجماع الأمة..
ومسيحنا الذي نعرفه لا يقر له بذلك..
ولا حتى مسيحه الذي يعرفه يقر له بذلك..
لم يقل عبد الله المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أن نخون الوطن والأمة والعشيرة لننضم إلى سفاح وقاطع طريق اسمه جورج بوش..
ولا قال عبيد الله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام أن أناصر اليهود ظالمين على من سواهم..
***
المشكلة ليست في المسرحية السافلة ولا في كاهن أو كهنة ساقطين أجازوها..
المشكلة أكبر بكثير..
المشكلة أن البابا شنودة يؤمن في داخله بما جاء في هذه المسرحية السافلة..
و أن هذه المسرحية و أمثالها جزء من مخططه..
وأن دموعه التي سالت لم تكن بسبب ضغوط مورست عيه، بل بسبب أنه بعد جهد خمسة وثلاثين عاما من التدمير وجد أن المسلمين ما تزال لديهم ذبالات روح..
كانت الدموع تثير الغضب لا التعاطف..
هل يمكن أن يتعاطف المرء مع قصاب يدمع لأنه لم يتمكن من ذبح فريسته؟!..
بل هل يمكن أن يتعاطف المرء مع نصاب لأنه فشل في خداع ضحيته؟..
المشكلة في اختراق رأس الكنيسة وعجز الأقباط عن مواجهة هذا الاختراق..
تماما كما تم اختراق رأس النخبة المسلمة – اسما - وتماما – أيضا – عجز المسلمون عن مواجهة الاختراق وصده أو حتى كبحه..
المشكلة لخصها أنور السادات وهو يتحدث عن البابا شنودة في خطابه أمام مجلس الشعب في 10 مايو1980 حيث اتهمه بأنه يريد أن يجعل من الكنيسة سلطة سياسية، وأن من سبب الفتنة الطائفية هو البابا شنودة، وأنه يحرض أقباط المهجر أمام الأمم المتحدة وأمام البيت الأبيض الأمريكي وأنه يتصل بالرئيس كارتر ليحثه على لي ذراع السادات وإحراج موقف السادات أمامه. وأنه يقف وراء المنشورات التي توزع في أمريكا عن الاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون في مصر، وكذلك المقالات والإعلانات المنشورة في الصحف الأمريكية وأن البابا شنودة يقف وراء مخطط ليس لإثارة الأقباط فقط، ولكن لإثارة المسلمين واستفزازهم.
إن البابا شنودة هو أكبر من أضر بالأقباط، وأنه لم يضر أحد بالأقباط مثلما فعل شنودة وأن هناك عددا من الأقباط يحارب في صفوف الموارنة في لبنان.
في تقرير لمجلس الشعب المصري أعدته لجنة فرعية مكونة من محمد رشوان وكيل المجلس كل من حافظ بدوى، محمد محجوب، كمال هنري أبادير، كامل ليلة، ألبرت برسوم سلامة، مختار هاني، كمال الشاذلي، إبراهيم شكري، ألفت كامل، إبراهيم عوارة. جاء في التقرير:
تأكد للجنة أن بعض المتطرفين من القيادات المسيحية وبعض المتعصبين من رجال الكنيسة قد حاولوا تضخيم بعض الأحداث الفردية وتصويرها في صورة صراع ديني وأنها اضطهاد للأقباط. بل ووصل الأمر إلى حد افتعال بعض الأحداث وإلصاق التهمة بالمسلمين بهدف إذكاء نار الفتنة واتخذ بعض القسس من مثل هذه الأحداث مادة للموعظة التي يلقونها في الكنائس، فتحولت بعض الكنائس إلى منابر لنشر الشائعات الكاذبة وبث روج الفرقة بين المسلمين والمسيحيين. وتسجل اللجنة أسفها مما لديها من قرائن ودلائل على أن بعض القيادات الكنسية ومنها رأس الكنيسة دأبوا على التشكيك وأنهم تمادوا في مسلكهم وأوعزوا بطبع منشورات وتسجيلات عن الأحداث دونما تمحيص وأوعزوا بنشرها في المجلات الصادرة بالداخل والخارج، و أن البابا شنودة يريد أن تقيم الكنيسة من نفسها دولة داخل الدولة.
إن مجمل هذه الأقوال والتصريحات تشكل اتهاما بالخيانة العظمى..
و إحقاقا للحق..
فليست رأس الكنيسة فقط هي التي تستحق هذا الاتهام لأن رؤوسا من أكبر الرؤوس في السلطة والأزهر تستحقه.
يقول الدكتور مورو:
أقباط مصر أبرياء من هذا السلوك الذي يسلكه البابا شنودة، والبابا شنودة هنا خارج على التراث الكنسي التقليدي. إن البابا شنودة يدفع عجلة الفتنة بأقصى سرعة، وهذه بالطبع جريمة كبرى. إن البابا شنودة يريد إغراق البلاد في بحر من الدماء وهذه تهمة أكبر. إن للبابا شنودة أطماعا سياسية، وهذا بالطبع مخالف للتراث الكنسي، ومخالف لحدود العقيدة المسيحية القبطية التي رسمتها لدور البطريرك. وهكذا فإن الحقائق الثابتة التي أكدتها حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري والتي أكدتها الوقائع الثابتة تؤكد كلها أن القوة الثالثة التي نجحت بالوصول بممثليها، وخاصة البابا شنودة إلى الإكليروس المسيحي القبطي. هي قوة تعادى المشروع الحضاري للأمة، وتريد إلحاق الأقباط بالمشروع الحضاري الغربي، ولا تحافظ علي الاستقلال التقليدي للكنيسة القبطية في مواجهة الكنائس الأوروبية، وهى تسعى لإغراق البلاد في الفتنة الطائفية لتحقيق كل هذا. وإنه يخرج عن حدود وظيفته الدينية التي حددها التراث الكنسي ويتدخل في أمور سياسية. وأنه يعادى المشروع الحضاري للأمة الذي يؤمن به الأقباط والمسلمون أي هو هنا خارج على الإجماع الوطني ومنحاز إلى المشروع الحضاري الغربي. وأنه هنا خرج على الوجدان القبطي المنحاز عموما إلى المشروع الحضاري الإسلامي، باعتبار أن الأقباط جزء من النسيج الثقافي والحضاري الإسلامي.
***
المشكلة إذن أكبر بكثير من أن تكون مشكلة مسرحية سافلة و كهنة ساقطين..
المشكلة ليست في الأطراف بل في الرأس.. وهي مشكلة يعجز الجسد عن حلها..
و للإنصاف الذي تعلمناه من ديننا فإن الانحراف ليس مقصورا على الأقباط.. بل إنه عندنا أخطر بحكم الغلبة العددية. وليس البابا شنودة بأخطر على مصر من مبارك وحاشيته أو من شيوخ في الأزهر. بل إنني قد ألتمس المعذرة للبابا شنودة، فالرجل ينصر طائفته و أمته ظالما ويحرضها على الظلم لكن في صف – ما يعتقد – أنه شعبه و أمته وربه، أما قياداتنا فينصرون أعداء الأمة والله والدين عليها.
***
المشكلة أن المسرحية السافلة والكاهن الساقط الذي أجازها جزء من مخطط شامل ..
مخطط لتفتيت الأمة..
مخطط يتحدث عنه الدكتور محمد عمارة فيذكر أن المستشرق الصهيوني القذر برنارد لويس (كلاب العلمانية يرفعونه إلى عنان السماء.. فاحذر).. قد ذكر تفاصيله .. وهذا المخطط يقضي بتفتيت العالم الإسلامي- من باكستان إلى المغرب- على أسس عرقية و"إثنية" ودينية ومذهبية، وذلك حتى يزداد التشرذم في هذا العالم- المتشرذم أصلا- فتضاف إلى كياناته القطرية- التي تزيد على الخمسين- كيانات جديدة تزيد على الثلاثين.. لتتحول كل تلك الكيانات- حسب تعبير "برنارد لويس إلى "برج ورقى، ومجتمعات فسيفسائية.. أو مجتمعات الموزايك فيتحقق الأمن لإسرائيل لنصف قرن على الأقل..!!..
هذا المخطط هو الذي احتشدت جيوشنا في حفر الباطن لتدشينه لعن الله كل من شارك فيها..
ولقد تحدث هذا المخطط عن تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث:
دولة كردية سنية في الشمال و دولة سنية عربية في الوسط.. ودولة شيعية عربية في الجنوب.. وهو ما يجرى تنفيذه اليوم على أرض العراق.. أما مصر فلقد خطط "لويس " لتقسيمها إلى دولتين على الأقل..
فهل هذا هو المخطط الذي يدفعنا إليه البابا شنودة؟!..(2/213)
هل هذه هي النهاية البئيسة لمن حسبناه شاعرا مثقفا وطنيا؟..
سوف تحرك أجهزة المخابرات الصليبية والصهيونية الأقليات في العالم الإسلامي وفي قلبه مصر لتدمير هذه المجتمعات المستقرة، وتشعل النار في مشاعر الأقليات المسيحية في المنطقة، وتوجهها نحو المطالبة بالاستقلال.. "- كمما جاء بالحرف في عبارات "بن جورلون "- بمذكرات "موشى شاريت
هل ينفذ البابا شنودة هذا المخطط؟!..
في مصر ظهرت في النصف الأول من الخمسينيات- "جماعة الأمة القبطية"- التي تدعو إلى تحرير مصر من الإسلام والمسلمين!.
ويتحدث الدكتور عمارة - انظر أيضا لكاتب هذا المقال : إني أرى الملك عاريا- عن وثيقة استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات "- التي نشرتها مجلة المنظمة الصهيونية (الاتجاهات) كيفونيم في 4 1 فبراير سنة 1982 م- تقول: "إن مصر المفككة والمنقسمة إلى عناصر سلطوية كثيرة- وليس على غرار ما هي اليوم- ل تشكل أي تهديد لإسرائيل، وإنما ضمانة للأمن والسلام لوقت طويل. وهذا في متناول أيدينا اليوم."! بل وتحدثت هذه الوثيقة عن أن تفتيت مصر هو مفتاح تفتيت كل بلاد العروبة والإسلام، فقالت- بالحرف-: فإن دولا مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منهما لن تبقى طويلا على صورتها الحالية، بل ستقتفى أثر مصر في انهيارها وتفتتها، فمتى تفتتت مصر تفتت الباقون. إن رؤية دولة قبطية مسيحية في صعيد مصر، إلى جانب عدد من الدول ذات سلطة أقلية- مصرية، لا سلطة مركزية كما هو الوضع الآن، هو مفتاح هذا التطور التاريخي الذي أخرته معاهدة السلام، لكنه لا يبدو مستبعدا في المدى الطويل.. "! فنحن، إذن، أمام مخطط معلن! لانهيار مصر وتفتيتها"- ولسنا أمام "مؤامرة سرية" ولا "هوس بنظرية وذهنية المؤامرة".. وفى ضوء هذا المخطط علينا أن نرى "خارطة" كل ما يقال ويطبق اليوم باسم الأقليات..
في ضوء هذا علينا أن نقرأ تصرفات البابا شنودة.. و تأليف المسرحية السافلة وعرضها!..
وفي ضوء السخرية من القرآن واللغة العربية في المسرحية السافلة علينا أن نفهم المحاولات المريضة لإحياء اللغة القبطية، لا كلغة آثارية وتاريخية لأهل الاختصاص، وإنما لتحل محل اللغة القومية - العربية-!.. حتى ليصل الأمر إلى حد أن يعلن الرجل الثانى في الكنيسة الأرثوذكسية- الأنبا " غريغوريوس "- في صحيفة " وطني، 30 يوليو سنة 2000 م- "أن اللغة القبطية هي لغتنا بوصفنا قبطا.. وهى تراث الماضي ورباط الحاضر!! وهى من أعظم الدعائم التي يستند إليها كيان الشعب المسيحي، وأن إهمالنا للغة القبطية كان من اكبر العوامل التي عمل بها المستعمر الدخيل فقضى على الفوارق التي كان لابد من بقائها لتكون سورا يحمى كياننا من الانصداع ووحدتنا من التفكك !.. فهم يحيون اللغة القبطية لتكون سورا بين الشعب المسيحي وبين المستعمر الدخيل أي المسلمين المصريين!!..
هل تلاحظون يا قراء إذن ذلك التسارع المحموم نحو تفضيل الهيروغليفية أو القبطية أو حتى العامية على العربية الفصحى..
بالنسبة لنا فإن اللغة ليست وعاء للمعرفة والثقافة فقط.. إنها روح الأمة وتراثها ووجدانها.. إنها مسألة هوية ونسيج ضام يحمي الأمة من التفتت.. لذلك ستجد كل شركاء المؤامرة يهاجمون اللغة العربية ويدعون إلى سواها.. ( لست أدري كيف تغيب هذه الحقيقة الساطعة عن صحافي متميز مثل إبراهيم عيسى)..
وراجع أيها القارئ ذاكرتك لتتذكر كل خئون هاجم اللغة..
راجع تضافر جهود السفهاء في كل مكان في وزارة الثقافة والإعلام وفي الكتاب والمخرجين والممثلين الذين جعلوا من اللغة العربية أو من تحية الإسلام علامة على الإرهاب..
لم يكن ذلك مجرد انحراف عقدي.. بل كانت وضاعة من يبيع شرفه بثمن بخس ولو كان ملايين الجنيهات.. فقد كانت خسة من يطلق فتياته للبغاء.
***
يتساءل المستشار طارق البشري والدكتور عمارة والدكتور مورو عن سر تزايد نفوذ أقباط المهجر على كنيستهم الأرثوذكسية.. يطرحون السؤال ويتركون الإجابة للقارئ أو للسلطة، يتحدثون عن مليار دولار تصل إلى الكنيسة كل عام..
مليار دولار..
الطواغيت والسفلة اتهموا الإسلاميين بكل فصائلهم بالتمويل الأجنبي.. ولم يثبت ذلك قط..
فلما ثبت على الأقباط تصرفت السلطة و أجهزة الأمن ككلب مذعور أجرب دس ذيله بين فخذيه وراح يختلس النظر رعبا وهو يتصنع أنه لم ير شيئا..
مليار دولار لا يدري أحد فيم تنفق وكيف تنفق وعلى من تنفق.. وهل كانت مئات الألوف التي أنفقت على طباعة قرص المسرحية السافلة من هذا المال؟
مليار دولار حسمت توجه رأس الكنيسة..
كتب الأستاذ جمال أسعد في صحيفة العربي في 2 يناير سنة 2005 رسالة وجهها إلي البابا شنودة، وذكر فيها الأموال التي لا تحصي ولا تعد والتي يتم إرسالها للكنيسة، تلك الأموال التي كانت سببا في فض العلاقة الكنسية بين الشعب وبين الإكليروس، حيث أصبح الإكليروس في غير احتياج للشعب لأن البديل كان أموال الخارج ثم استطرد موجها الحديث إلي البطريرك هنا لا ننسي مقولتك عندما قلت: (لقد انتهي اليوم الذي يمد فيه البابا يده لأغنياء الأقباط) ولكل ذلك ضاع الأمل في إصلاح كنسي كنا نتمناه.
وكانت النتيجة صدور قرار بحرمان جمال أسعد..
ولقد تكررت قرارات الحرمان في الداخل لكل شريف يقول كلمة حق، كنظمي لوقا الذي كتب يمتدح الإسلام والقس إبراهيم عبد السيد الذي كتب ينتقد البابا.. لكن هذه القرارات لم تلحق أبدا بخنزير مثل زكريا بطرس لا يجرؤ أبدا على مواجهة شاب مسلم في العشرينيات لديه الحد الأدنى من العلم الديني ( كما حدث في قصة فتاة حلوان) .. ولكنهم أعطوه قناة فضائية حيث يحصل على مائة وعشرين ألف جنيه مقابل كل محاضرة – واحدة – يلقيها.. وهو الجاهل عبد الشيطان!!..
نعم.. حرم البابا من لا يتفق فكرهم مع فكره وحرم من يختلف فكره مع فكره..
نعم.. حسمت أموال الخارج توجه رأس الكنيسة..
فتعداد هؤلاء المهاجرين، وإمكاناتهم المادية والأدبية، ونفوذهم وحركيتهم، وعلاقاتهم مع ولائهم للبلاد التي يحملون جنسيتها، وتسخيرهم أحيانا لخدمة المصالح الاستعمارية لتلك البلاد- وخاصة في أمريكا-.. وكذلك زيادة الفروع الخارجية لهذه الكنيسة، ومن ثم ثقل ونفوذ هذه الفروع.. كل هذا الجديد قد أحدث تطورا نوعيا وكيفيا – على حد تعبير الدكتور مورو- في حسابات وتوجهات الكنيسة، التي اتجهت غربا أكثر فأكثر، بعد رجحان كفة رعيتها الغربية على رعيتها الداخلية الوطنية.. ولقد كان دخولها في "مجلس الكنائس العالمي"- الذي أقامته المخابرات الأمريكية، إبان الحرب الباردة، لخدمة الهيمنة الأمريكية- بعد أن ظلت هذه الكنيسة رافضة دخوله لسنوات طويلة- كان ذلك إعلانا عن هذا التحول في التوجهات.. حتى لقد أصبح بعض الغيورين عليها- حتى من أبنائها- يخشون من اهتزاز طابعها الوطني التاريخي لحساب الغرب و ا لتغريب!.. وهذا هو ما حدث.. تحول البابا شنودة إلى قيصر..
ولقد كتب مدحت بشاي يهاجم البابا شنودة في مقال له بجريدة روز اليوسف:
- ألا تري سيدي البابا أن انشغالكم بأمور سياسية والتحدث في شأنها إلي جميع الأجهزة الإعلامية وتبني مواقف قد تكون متسرعة تأتي بشكل قاطع وحاد في أحيان كثيرة قد أدي بنا إلي حدوث ظواهر سلبية وتبعات تحدث هنا وهناك مثل أن تتبني جماعة قبطية فكرة السعي إلي إنشاء حزب الأمة القبطية الذي يرفع شعارات شديدة التطرف، أو يتم تنظيم مؤتمرات لأقباط المهجر تناقش أحوال أقباط الداخل بشكل منفرد ودونما تنسيق مع الكنيسة الأم في مصر؟(2/214)
ـ لماذا تفرض سيدي البابا سلطانك الروحي والتأديبي إذا لزم الأمر علي المسيحيين داخل البلاد، أما التابعون للكنيسة في بلاد المهجر ورغم حبهم الجارف لقداستكم نجد منهم المارقين المتاجرين بمواقف عنترية مبالغ فيها وبدلا من أن يمدوا أيادي العون الخيرة للمساهمة في حل مشاكل المواطن المصري يرفعون الشعارات الكثيرة للفتن والمشاكل.. فلماذا لا تجدون وسيلة لوقف محاولاتهم التي قد تودي بأحلام السلام الاجتماعي في وطنهم الأم.
ـ ألا تري قداستكم أن ما استحدثتموه من أشكال احتفالية بمناسبة الأعياد في مقر الكنيسة الأم والتي صارت طقوسا سنوية بداية من ارتداء البابا لحلة جديدة تخطف الأبصار من شدة بريق الإكسسوارات ذات الألوان الفضية والذهبية والقرمزية المبهرة للاحتفال بمولد المسيح الذي اختار لميلاده مِزود بقر ثم الاحتفال بقيامته وهو الذي رآه العالم علي الصليب برداء متواضع لا يكاد يستر بدنه.. فلماذا البابا الراهب الزاهد يطل علينا ملكا يرتدي بزة أباطرة القرون الوسطي؟ ثم تطوف بنا الكاميرا فنلمح الصف الأول وقد شغلت كراسيه مجموعة كبيرة من المسئولين يمثلون رموز الدولة والسلطة التنفيذية والتشريعية بالإضافة لعدد من الشخصيات العامة ونجوم المجتمع أقباطا ومسلمين في صورة تليفزيونية أمريكاني .. وهنا أناشد الكنيسة أن توضح للناس مبرر مشاهد سيناريو احتفالات ليالي الأعياد وتجيب عن أسئلة المواطنين التالية: لماذا تشاركنا تلك النخبة صلاة العيد، فإذا كان للتهنئة فأظن أن مكانها هو الصالون البابوي في الكاتدرائية ولا مانع من حضور كل كاميرات العالم لترصد تلك اللحظة العبقرية والتفضل الأخاذ في ضرب الأمثلة علي التواد والمحبة! أما إذا كان ليتفضل البابا بتقديمهم بامتنان للمجتمع المسيحي الحضور في الكاتدرائية والمتابعين لصلاة العيد عبر شاشات التليفزيون فأري أنه مشهد عبثي لم تعد مدلولاته المظهرية المتكررة ذات معني أو قيمة.. فما معني أن يتابع الضيوف طقوسا شديدة الخصوصية.. تعذبهم موجات الوقوف والجلوس المتكررة ويصعب عليهم بالطبع فهم ما يقال باللغة القبطية التي يصعب علي المسيحيين أيضا فك طلاسمها ويتعجبون لهذا الإصرار من الكنيسة علي استخدامها في تباعد مترفع عن وجدان مصلين بسطاء يرفعون أكف الضراعة إلي المولي فتخرج من صدورهم حروف مفردات عامية بسيطة صادقة.. فالرب المستجيب للدعاء لم يشترط لصلاتنا أن تكون بالقبطية. هل تشارك الرموز المسيحية في احتفالات المسلمين بحضور صلاة عيد الفطر أو الأضحى في المساجد وساحات الصلاة أم يتم الاكتفاء بالمشاركة بزيارات تهنئة لرجال الدين في مكاتبهم وهو الأمر الطبيعي والمقبول.. فلماذا التزيد علي الجانب الآخر!؟ هل صارت من طقوس الأعياد المسيحية شعائر تتضمن قراءة كشوف أسماء المهنئين يعقبها تصفيق الحضور وزغاريد النساء؟ .القدس العربي 8-11
***
يتحدث الدكتور محمد عمارة عن تداعيات الصلف والمليارات والغباء والتعاون مع العدو ضد مصلحة البلاد.. يتحدث عن سقوط النخبة في مراكز "البحث "- في داخل مصر- في براثن العمالة والخيانة، ويتحدث عن أموال حرام استقطبت غلاة العلمانيين، وسواقط الماركسيين، والتي تمولها- بسخاء يسيل اللعاب- الدوائر والمؤسسات الأجنبية، لتعد "الملفات " عن ما يسمى باضطهاد الأقباط وهموم الأقباط ومظالم الأقباط.. تلك "الملفات " التي تفتحها وتستخدمها الدوائر المعادية لوحدة مصر في الخارج.. حتى لقد وصل الأمر بأحد هذه المراكز : " مركز ابن خلدون- مع الاعتذار لاسم فقيه الإسلام ابن خلدون!" أن يدعو صاحبه- د. سعد إبراهيم- إلى تنفيذ المخطط الإمبريالي- الصهيوني لتفتيت العالم العربي- أكثر مما فتتته اتفاقية "سيكس- بيكو" سنة 1916 م- فيطالب بإقامة كيانات "فيدرالية"، تحقق "تعددية سياسية"- نعم تعددية سياسية- لكل الأقليات في الوطن العربي "لأن المجتمعات التي تتسم بالتعددية الإثنية في الوقت الحالي، ينبغي أن تكون متعددة من الناحية السياسية أيضا..
نحن أمام جريمة خيانة عظمى ولسنا أمام مسرحية سافلة أو كاهن ساقط أو مغارة لصوص أو قيادات خائنة..
نحن أمام جريمة خيانة عظمى أيا كان وضع مرتكبها..
يصرخ الدكتور عمارة محذرا أن المشروع الغربي لا رابطة بينه وبين المسيحية الشرقية ومنها الأرثوذكسية المصرية- فهذه الأرثوذكسية، فضلا عن أنها جزء من نسيجنا الوطني والقومي والحضاري والثقافي والقيمى، فإن مسيحية الغرب لا تعترف بمسيحيتها؟!.. وإنما يتخذ الغرب الاستعماري- والصهيونية- منها "ورقة" يلعب بها في معركته ضد الاستقلال الحضاري للشرق، واليقظة القومية لأممه وشعوبه.
***
طال البحث بأكثر مما قدرت له..
لكنني لا أستطيع الانتهاء منه قبل تناول أمرين:
أولهما: هل البابا شنودة هو المسئول الوحيد..
وثانيهما : تساؤل عن موقف النائب العام.
سوف أبدأ في ذلك على الفور
لكن دعوني أبدأ بطرفة أمريكية من العيار الفاجر.. فقد صدر عن الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن الحريات الدينية لعام 2005.. أما الطرفة فهي انتقاد التضييق على البهائيين واتهامهم بالكفر.. وفي نفس الوقت يطالب التقرير بعدم السماح للإخوان المسلمين بالحركة لأنها حركة محظورة..
هل ضحكت يا عزيزي القارئ؟..
أم بكيت؟!..
***
والآن لنبدأ بالسؤال الأول.. والإجابة: لا.. ليس البابا شنودة هو المسئول الوحيد عن الكارثة التي نقف الآن على مشارفها..
فالمشكلة التي نواجهها في حقيقتها ليست قوة مفرطة ظهرت على الأقباط فجأة.. بل ضعفا مستمرا مخططا حاق بالمسلمين.. كل من شارك فيه خان الله والرسول والأمة والوطن والدولة والهوية..
قبل البابا شنودة يأتي الملك فاروق وزمرة حاشيته وحربه الخائنة على الإسلام والمسلمين وعلى رأسهم الشهيد الإمام حسن البنا..
قبل البابا شنودة يأتي جمال عبد الناصر وحربه الفاجرة على الإسلام والمسلمين وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين وعلى رأسهم الشهيد العظيم سيد قطب..
قبل البابا شنودة يأتي أنور السادات الذي ادعى أن لا دين في الساسة ولا سياسة في الدين فكانت كلمة الكفر..
قبل البابا شنودة يأتي حسني مبارك وهو أخطر الجميع.. لأنه يقتل بالخنق وليس بالذبح أو بإطلاق الرصاص.. يقتل دون أن يدرك الآخرون أنه قتل..
قبل هؤلاء جميعا يأتي محمد علي وهزيمة علماء الأزهر أمامه.. كان محمد على امتدادا للمشروع الفرنسي.. بنفس الدرجة التي كان بها سعد زغلول امتدادا للمشروع الإنجليزي.
قبل البابا شنودة أيضا تأتي مباحث أمن الشيطان.. ليهنئوا الآن بعارهم.. فقد كان جهدهم طيلة نصف قرن لصالح إسرائيل و أمريكا والبابا شنودة.. فهنيئا لهم خزي الدنيا وعار الآخرة..
قبل البابا شنودة يأتي الشيوعيون والقوميون فقد كانت علاقتهم بأمتهم علاقة الذئب بالقطيع..
قبل البابا شنودة يأتي دور الأمة التي سمحت لكل هذا أن يحدث..
***(2/215)
في الحلقات التي يذيعها هيكل على قناة الجزيرة كان يتحدث عن الموقف الأمريكي من إنشاء إسرائيل ( لا حظ أن تحليلات هيكل يجب أن تؤخذ بمنتهى الحرص والشك.. ولاحظ أيضا أنه مسئول قبل البابا شنودة).. قال أن أمريكا كانت ضد إنشاء دولة إسرائيل لأن معلومات مخابراتها كانت تؤكد أن العرب و إن أخذوا على غرة في البداية سوف يستجمعون قواهم في فترة وجيزة لن تتعدى الشهرين، وسيحاربون إسرائيل وسيقضون عليها.. و أن مئات الآلاف من المجاهدين سوفوا يهرعوا إلى فلسطين، ويقول هيكل أن ذلك لم يحدث، و أنه كان يمثل مفاجأة صارخة للولايات المتحدة الأمريكية غيرت بعدها موقفها بالكامل من القضية الإسرائيلية العربية..
عدم وجود رد الفعل إذن مسئول قبل البابا شنودة..
لقد أدركت أمريكا مدى ضعف العرب وهشاشتهم وعدم قدرتهم على رد الفعل فأخرجتهم من حسبانها ( دعنا الآن من أن هيكل لم يفسر لنا لماذا ظلت أمريكا على نفس الموقف بعد قيام ثورة 23 يوليو وقيادتها للعالم العربي)..
كان علينا مواجهة العنف بالعنف فلم نفعل فكان حقا أن يفعل بنا البابا شنودة ما يفعله..
عدم قيامنا برد العنف المستعمل ضدنا بعنف أشد هو الذي وصل بنا إلى هذا الحال..
وزير التربية والتعليم مسئول قبل البابا شنودة..
وزير التعليم العالي مسئول قبله.. ووزير الإعلام أيضا..
كل كاتب وكل ممثل وكل مخرج وكل مؤلف تبني وجهة النظر الصليبية اليهودية في الإسلام والمسلمين مسئول قبل البابا شنودة..
كل..
كل..
كل..
مسئول قبل البابا شنودة..
والحقيقة أن الوحيد الذي ألتمس له العذر هو البابا شنودة.. بل لعلى أهنئ طائفته به..
رجل وجد هذا الخنوع كله فلماذا لا يركب ويدلى ساقيه..
رجل وجد هذا الخضوع كله فلماذا لا يتسلط..
في العلاقات.. ابتداء من العلاقات بين الرجل وزوجه وانتهاء بالعلاقات الدولية تسيطر نظرية الفراغ.. فهو غير مسموح به.. وإذا ما تخليت عن مساحة لا بد أن يملأها طرف آخر..
ولقد أفرغ الطاغوت الدولة من الإسلام فكان لابد أن تحل المسيحية محله و أن تتصرف الـ 6% كأنها الـ 94%.
نعم.. تسبب الطاغوت من أكبر ملك إلى أحقر مخبر في فقدان التوازن الطبيعي..
وعندا يفقد التوازن الطبيعي تختل الطبيعة بنفس نوع الخلل القائم الآن والذي يمثل البابا شنودة أحد طرفيه..
نعم..
ومن أمثلة ذلك انتشار العنكبوت الأحمر ودودة اللوز في مصر في أعقاب استخدام بعض المبيدات الحشرية بإسراف شديد وبطريقة غير محسوبة. ولم تكن مثل هذه الآفات مصدر خطر للنباتات فيما مضى، ولكن قتل المبيدات لأعدائها الطبيعيين ترك لها حرية التكاثر.
وكمثال واحد على التوازن الذي أنشأه الله تعالى، وكيف يخربه الإنسان ما جرى في ماليزيا في الستينات. فقد قررت الحكومة هناك استعمال مادة د. د. ت السامة في الغابات والمستنقعات لقتل بعوض الملاريا. وفعلا مات البعوض، والتهم من قبل الصراصير. ولكن تمرضت هذه الصراصير فسهل التقاطها من قبل السحالي التي أصبحت بدورها فريسة سهلة للقطط. ثم ماتت القطط بالتسمم فتكاثرت الفئران بشكل كبير، فتكاثرت براغيث الطاعون التي تعيش على أجسام الفئران. وهنا اندلع وباء الطاعون، وهلك نتيجة لذلك أكثر مما كان ممكنا للملاريا أن تقتل في سنين!!. ..
فهل أدركتم الآن يا قراء لم سيطر وكيف سيطر كل من أراد أن يسيطر ابتداء من أمريكا ومرورا بإسرائيل ثم بأقباط المهجر ثم بالبابا شنودة ثم بأقباط الداخل ثم بكل عدو لله ولرسوله وللمؤمنين..
هل أدركتم أن المشكلة ليست في قوة غير طبيعية للبابا شنودة بل في ضعف غير طبيعي للمسلمين.. و أن العلاج يأتي بتقوية الإسلام لا بإضعاف البابا شنودة ( و إن كان ذلك لا يمنع من محاسبته أو حتى محاكمته)..
هل أدركتم أن المشكلة ليست في البابا شنودة بل في الرئيس مبارك وشيخ الأزهر .. وفينا..
***
ليس ثمة تثريب على الشباب لهف قلبي عليهم، ألئك الأطهار الذين جعلوا من أجسادهم سياجا يحمون به الكنيسة ومن فيها حتى لو كان بعض من فيها أشرار وفجار، لا تثريب عليهم منذ حاولوا قبل ذلك بشهور طويلة أن يستدروا عطف ديوث كي يغار على دينه لكن كيف يغار ديوث أجاب بصلف و كبرياء سوف نرى دون أن يدرك أنه أعمى البصيرة.. لا تثريب على الشباب الذين صبروا ثمانية شهور طويلة وهم ينتظرون رد فعل من مسئول.. دون أن يدركوا لهف قلبي عليهم أنه لم يعد في بلادنا مسئول.. ثمانية شهور وهم يكتمون الأمر بين ضلوعهم جمرا تتلظي عليه جنوبهم وهم يلتزمون بالصمت تستعر النار فيخفونها خوفا من انفجار الفتنة و أملا في رشيد يطفئ النار قبل أن تستفحل.
لكن أي رشيد..
أي رشيد..
أي رشيد والرئيس مبارك نفسه، والمفروض أنه أمين على الدين والأمة يعز النصارى ويلتمس رضاء اليهود ويذل المسلمين ويدعي أنه على الحياد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ادعاء غير صحيح، فهو في الواقع على الحياد بين الخونة من الفلسطينيين والإسرائيليين، وثلاثتهم ضد فلسطين المؤمنة المسلمة الصابرة.
مبارك هذا.. كي يجامل النصارى.. أعلن في إحدى خطبه رغم كل ما لديه من معلومات أن عدد الأقباط يصل إلى 10%.. ولم يكن ما قاله مبارك صادقا.. ولا كان خطأً عن سهو، بل كان خطأ متعمدا أراد به أن يجامل النصارى على حساب المسلمين و أن يعضد كلينتون الذي كان قد صرح بنفس الرقم قبلها بأيام، ولم نكن نريد منه أن يكذب.. بل كنا نريد أن يقول الحقيقة.
والحقيقة أن مواقف مبارك هي المسئولة عن حالة الاستخذاء العنيف للسلطة ورجالها أمام الأقباط. ومواقف مبارك هي التي دمرت النخوة والقدرة على المواجهة، وحتى الدفاع عن النفس. دمرتها في الأجهزة التي كان ينبغي أن تكون سياجا يحميها.. فإذا بها بالذهول كله وبالغباء كله وبطاعة المخلوق في معصية الخالق تدمرها تدميرا لصالح عبادة الطاغوت لعن الله كل طاغوت وكل من أطاعه.
***
نعم..
استمرار السياسة الحالية..
استمرار الرئيس مبارك..
ليست مجرد خطر على الدين.. بل على الأمة والدولة والحكومة أيضا..
أما البابا شنودة فأمره هين جدا..
رجل وجد فراغا.. فلماذا لا يملؤه.. ووجد نفاقا فلماذا لا يستثمره.. ووجد ظهرا محنيا فلماذا لا يقفز عليه ويتبختر؟!..
هل تريدون رأيي؟..
لو لم يفعل لكان مخطئا!!..
والحقيقة أنني حرصا على الوطن أركز على هذه النقطة و أرجو أن ينتبه أبنائي و إخوتي لها..
نحن نقول أن الأقباط يستقوون بأمريكا و بإسرائيل..
دعنا من القيمة الأخلاقية لذلك.. ودعنا من خطورته الهائلة على الأجيال القادمة من النصارى عندما يعتدل الميزان..
دعنا من ذلك وذاك.. لنقول أن هذا الاستقواء أمر حقيقي لا شك فيه..
لكن هناك استقواء آخر خفيا لا نكاد ندركه ولا نكاد نتنبه إليه..
وهو استقواء نظام الحكم المصري – والعربي أيضا- بالنصارى.. وهذا الأمر أيضا حقيقة لا شك فيها.
نعم..
تماما كما تمثل إسرائيل مفتاح قلب أمريكا ( لعن الله إسرائيل و أمريكا) فإن الأقباط يمثلون بالنسبة للحكومة المصرية وللنخبة المستغربة درعا واقيا من غضب أمتهم عليهم.. وملاذا آمنا وغطاء أمام أمريكا و إسرائيل..
هذه النقطة هامة جدا..
استقواء النخبة الفاجرة الكافرة (دون تعيين ) بالنصارى..(2/216)
هذه النخبة التي فقدت كل دعم وكل تأييد من أمتها ولم يبق سوى دعم الجيش – الذي تخلى عن مهمته وانقلب على عكسها) والأمن ( الذي يقوم بأشد الأعمال إجراما وخسة وقذارة.. حتى أنه يمثل اليد القذرة للموساد والسي آي إيه) : ( انظر ماذا يفعل الأمن والجيش في بنجلاديش على سبيل المثال!)..( للقارئ أن يضيف علامة تعجب أخرى إذا أراد..!)..
هذه النقطة هامة جدا.. لن أمل من التركيز على ذلك.. لأنها تعني أن هناك حلفا غير مقدس بين الحكومة والنخبة والعلمانيين والملحدين والبلطجية والنصارى في طرف وفي الطرف الآخر توجد الأمة ودينها و أمنها ومستقبلها..
هذا حلف لا شك فيه و إن أنكره الجميع.. لكنه يتبدى بصورته الكاملة في شخصين يعدان من أبغض الشخصيات في الوجدان الجمعي: رفعت السعيد وعلى سالم.. لا أغمط حق الآخرين لكن أمرهم أتفه و أحقر من أن يذكر.
يتبدى بصورته الكاملة في هذين.. أما صورته الأخطر فلا ندركها أبدا.. لأنها تدور في كواليس أعلى طبقات الحكم.. حيث يتم تحذير الغرب دائما من الديموقراطية لأنها ستأتي بالمسلمين إلى الحكم وهم ضد أمريكا والأقباط.
مخبر السيدة زينب.. حوذي الوزير الشاذ.. الذي ادعى أنه مضطهد طول عمره لأنه يطالب بالديموقراطية.. لكنه عندما ذاق خمر الشاذ انقلب على عقبيه وراح يصرخ: ولكن الديموقراطية هي التي أتت بهتلر.
الغريب أن هذه النخبة الخائنة والتي تبني فكرها على العلمانية – أي الإلحاد- لا تعادي من الأديان إلا الإسلام، ولا تعادي من المناسك إلا مناسكه، أما فيما يتعلق بالأديان الأخرى، حتى البوذية فإنها تعامل بنفس الاحترام التي عوملت به أصنام بوذا في أفغانستان. الامتهان فقط للإسلام.. وهذا يدل – فيما يدل – على أن موقفها ليس موقفا فكريا، وإنما هو موقف العاهرة التي تهاجم الدين ليس لأنها فقدت الاقتناع به، و إنما لأن ضوابطه تحول بينها وبين شهواتها ومكاسبها.
وهذه الفئة الخائنة المجرمة، المدلسة الكاذبة المزورة، والتي ظلت لأكثر من قرن تربط ما بين العلمانية والعلم، وهذا كذب ( على مستوى كتب الفلسفة وليس الدين).. كما ظلت تربط بالإفك ما بين الحداثة والتحديث، فالأولي كفر وخيانة.. والثانية واجب و أمانة.. ولست أنسي أبدا مخبر قسم السيدة زينب وهو يصرخ على شاشات التلفاز: فلنعد إلى ركوب الإبل إذن.. فياله من حمار!!..
***
كثيرون هم الذين يلعبون نفس اللعبة القذرة، وكثيرون هم الذين يسوقون لأنفسهم ويروجون لها كما تروج البغي لنفسها..
فقط..
افتحوا أعينكم وراقبوا..
لكن.. و أنتم تفعلون ذلك قولوا لا إله إلا الله سبحانه جل وعلا شانه.. محمد رسول الله..
انظروا إلى مثوى هؤلاء الآن وكيف ينظر الشعب إليهم..
انظروا إلى فكرهم في مزبلة التاريخ.. وانظروا إلى الإخوان المسلمين وتأييد الشعب الكاسح لهم.. بل تأييد الله إن شاء الله.
***
حسم العلمانيون والمستغربون أمرهم وانضموا إلى أعداء الأمة..
كانوا قد باعوها وخانوها و أدركوا أنها لفظتهم فمدوا أعينهم و أيديهم إلى الحلف المدنس..
بدءوا كالحية الرقطاء بالتسلل مدعين أن العلمانية من الإسلام و أن الماركسية نظرية اقتصادية لا تتعارض مع الإسلام.. ثم كانت الخطوة التالية: العلمانية مذهب يمكن أن يتفق عليه الجميع مع كامل الاحترام للإسلام.. ثم لا إسلام بعد اليوم.. وبعد أن كانت العلمانية – كما ادعي الفجار – وسيلة لتحقيق العدالة.. أصبحت هي الغاية.. و أصبح الإسلام مرفوضا و إن حقق العدالة.
***
انظر مثلا إلى الدكتور علاء الأسواني الذي لم أعترف له بموهبة قط .. وحينما كنت مسئولا منذ ما يقرب من عشرة أعوام عن صفحة عبد الله النديم في الشعب فقد رفضت بإصرار انضمامه إلى كتابها، كما أنني فيما بعد ذلك لم أعترف بموهبته، فقد أدركت إنه يسير على خطى الشيطان من مسيلمة إلى فاروق حسني وصلاح عيسى وعصفور و.. و.... ولم يختلف موقفي بعد صدور روايته عمارة يعقوبيان، حيث الجنس المبتذل، والقطيعة المعرفية وانعدام المرجعية، وبعض الغزل لليهود ثم الدفاع عن الشذوذ الجنسي، وهذه مقومات نجاح العمل الأدبي بمفهوم العلمانية والحداثة. خاصة إذا صحب العمل ضجة إعلامية لم يظفر بها كاتب في مصر من قبل.. ومسارعة من الجامعة الأمريكية لترجمتها لإنجليزية، ثم أعقبتها ترجمة لإيطالية، وكلف وحيد حامد بكتابة السيناريو للفيلم السينمائي الذي تصدى لإنتاجه وعماد الدين أديب (!!) راصدا لإنتاجه 60 مليون جنيه!! واستدعاء كبار الممثلين لتمثيلها كعادل إمام نور الشريف، يسرا، إسعاد يونس، هند صبري، محمد عادل إمام، سمية الخشاب، خالد صالح، خالد الصاوي، احمد راتب، احمد بدير، عبد المنعم، باسم سمرة، احمد صلاح. بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الفنانين الذين وصل عددهم إلى 160 فنانا..بل وتقرر أن يكون أول فيلم عربي يعرض تجاريا في أمريكا.. و..و..
كان واضحا أن الأمر يتعلق بصناعة نجم.. بل كانت فضيحة صناعة نجم سوف يؤيد إسرائيل غدا والصليبيين بعد غد وسيظل ضد الإسلام على الدوام.. ومن أجل هذا يربى اليوم.. ويمنح ما لم يمنح لنجيب محفوظ نفسه .. ولم يلتفت أحد إلى نقاد كبار عندهم صغار عندنا كفاروق عبد القادر الذي أكد أن الرواية متوسطة القيمة، و أنها تسئ إلى المصريين كما قال صبري العسكري أنها مستنسخة من أعمال نعمان عاشور .. لكن أحدا لم يلتفت إليهما..
***
إنني أريد أن أنبه القارئ إلى أمر بديهي جدا، و هو أن أي اثنين يتواطآن على ارتكاب الفاحشة، لا يفعلان ذلك في العلن أمام الناس، ولا يحتاجان إلى جدل، تكفي غمزة أو إشارة أو لفتة أو كلمة عابرة لا يلتفت إليها إلا شريك التواطؤ.
وما يتم في سبيل التواطؤ على ارتكاب الفاحشة يحدث أيضا في التواطؤ على خيانة الأمة والدين والوطن..
أظن أن شيئا من هذا القبيل قد حدث من بعض ضباط الجيش العراقي و أمريكا قبيل سقوط بغداد.. و أن كثيرا منه لا يكف عن الحدوث بين حكامنا وبين أروقة المخابرات في الغرب.
***
نعود إلى علاء الأسواني، الذي كان عليه أن يسدد ثمن الأفضال التي أسبغت عليه، بالغمزة أو الإشارة أو اللفتة أو الكلمة العابرة، لذلك، فما أن حدث ما حدث في الإسكندرية، إلا وقد انطلق النجم وانبرى، لا ليدين الإساءة البالغة والمسرحية السافلة والكهنة الساقطين، بل ليدين المسلمين أولا!! الذين أدى تطرفهم إلى تطرف بعض المسيحيين الودعاء الطيبين، أو على حد نص الكلام المنشور في صحيفة العربي: "يجب أن نذكر، بصراحة، أن التعصب ضد الأقباط قد أدي بهم إلي تعصب مضاد، وهذه ظاهرة طبيعية، فلو أن طالب الطب القبطي المظلوم، قدر له أن يتولى منصبا قياديا فسوف يتعصب علي الأرجح للأقباط ضد المسلمين الذين ظلموه.. وقد آثر الأقباط الانسحاب والتقوقع وعزفوا عن المشاركة وتحولت كل مجتمعاتهم إلي كيانات مغلقة عليهم وأصبح القبطي يمارس كل أنشطة حياته عن طريق الكنيسة وحدها.. "..
أما طالب الطب فلنترك النجم يروي روايته:
حدثت هذه الواقعة أثناء الامتحان العملي في إحدى كليات طب الأسنان.. انتهي الطالب من علاج أسنان المريض، وجاءت الأستاذة لتقييم عمله وإعطائه الدرجة.. فأعجبت بمهارته وقالت:
ـ شغلك ممتاز.. سأعطيك الدرجة النهائية.
ابتسم الطالب في سعادة.. وسألته الأستاذة وهي تتصفح كشف الأسماء:
ـ اسمك إيه..؟
ـ إيهاب أمين..
ـ قل اسمك بالكامل
ـ إيهاب أمين جرجس..(2/217)
هنا بدا الامتعاض علي وجه الأستاذة ومنحته درجة أقل بكثير من الدرجة النهائية التي وعدته بها.. لأنه قبطي.. ليست هذه الحادثة شاذة ولا نادرة في كليات الطب، فالطلاب الأقباط يتم إنقاص درجاتهم عمدا حتى تفوتهم فرصة التعيين كمعيدين في الجامعة، ولو أفلت أحدهم في غفلة من الزمن وتم تعيينه فإن إدارة القسم تتعمد غالبا إسقاطه في امتحان الماجستير مرة بعد أخري حتى يستبعد من الجامعة.. هذا الظلم الفاحش، المنافي لأبسط قواعد الدين والأخلاق، يحدث يوميا من سنوات ويعرفه كل طلاب وأساتذة الطب في مصر.. ولا يقتصر اضطهاد الأقباط علي كليات الطب ولا علي الجامعة بل يتعدى ذلك إلي مجالات الدولة جميعا، فالمحافظون ورؤساء الجامعات وقادة الجيش ومديرو الأمن والنائب العام، كلها مناصب محجوبة عن الأقباط.. التمييز ضد الأقباط حقيقة.
النصارى يحكمون مصر!
الجزء الخامس
[بقلم: د. محمد عباس (www.mohamadabbas.net)]
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما أسمع هذه النماذج البشرية، أتصور أنهم ينتظرون من كل مسلم أن يعتذر لأنه مسلم ، و أن يعترف بالخطأ .. ويقلع عن الإسلام فيتوب!!.. ويدهشني سيطرة الخلفية الصليبية على وجدانهم فكل ما يتعلق بالإسلام مدان ولا مبرر له.. وكل ما هو متعلق بأي دين آخر محترم ومصان ومقدس وتستدعي دواعي اللياقة والكياسة ( والجنتلة!) أن نتحدث عنه باحترام عظيم.
إنني أتعمد التفصيل في هذه النقطة، لا لكي أكشف ما تعلنه كلمات علاء الأسواني، ولا لأفضح ما يضمره قلبه وهو أكبر، و إنما لأعرض أمام القارئ نموذجا تفصيليا لكيفية صياغة الأكاذيب وتلوينها حتى لو اعتمدت في بعض أجزائها على وقائع حقيقية أو صادقة.
نعم..
هناك تحيز في بعض الأقسام في بعض كليات الطب ضد المسيحيين – وهو خطأ لا ندافع عنه أبدا-.. لكنه خطأ فردي.. لأن ذلك الخطأ لو كان عاما أو جماعيا لوجدنا على سبيل المثال أن عدد الأطباء الأقباط نصف نسبتهم العددية في المجتمع.. فإن كانت نسبة الأقباط أقل من 6% فإننا نتصور أن نسبة الأطباء ستكون 3 أو 4% مثلا..
لكن الحقيقة التي تخرق كل عين ومنها عيني علاء الأسواني أن الأقباط يملكون 60% من الصيدليات.. و 45% من العيادات الطبية الخاصة....
نعم..
45% من العيادات الخاصة ومنها طبعا عيادات الأسنان..
فهل تشعر بالاشمئزاز أيها القارئ من طريقة نجومنا من نسج الأكاذيب وتلوينها وتوظيفها في النهاية ضد الأمة والدولة.
45% من العيادات الخاصة ومنها طبعا عيادات الأسنان..
يا له من اضطهاد جميل ليت الأكثرية الإسلامية تتعرض لمثله..
وسوف أقول الآن أمرا يبدو متناقضا مع هذه النسبة.. لكنني سأفسره على الفور..
مع الاحتلال الفرنسي القصير انحرف كثير من المسيحيين كما انحرف كثير من المسلمين.. ومالئوا المحتل.. وبعد هزيمة نابليون وفراره ثم انسحاب الحملة كلها بدأ الغزو الثقافي عن طريق محمد على وبعثاته ( هناك وثائق تؤكد أن فرنسا قبل انسحابها كانت قد رتبت الأمور لمحمد على لكي ينتهي الحكم إليه، على أي حال، سادت الثقافة الفرنسية واستبدل الغزو الثقافي بالغ7زو العسكري. في هذه الفترة أنشئت كلية الطب وكان كل أساتذتها من الأجانب، الذين اختاروا فيما بعد أكثرية من المسيحيين، واضطهدوا المسلمين في استقواء خسيس بالمستعمر، حتى أن بعض الأقسام كقسم النساء والولادة في طب القصر العيني، ظل عشرات الأعوام لا يسمح لمسلم واحد فيه بالتخصص في النساء والولادة تحت رئاسة أستاذ القسم العالمي المشهور: الدكتور نجيب محفوظ.
بعد معاهدة 36 بدأ رد الفعل العكسي.. و أصبح ممنوعا على أي مسيحي أن يتخصص في هذا الفرع.. واستمر الأمر نصف قرن حتى بدأ التوازن يعود من جديد.
لكن..
على الرغم من ذلك ظل الأقباط يملكون 60% من الصيدليات.. و 45% من العيادات الطبية الخاصة....!!
والحقيقة أن مثل هذه الأحداث – خاصة من ناحية المسلمين - لا تعود إلى تفرقة دينية بقدر ما تعود إلى عصبية قبلية.. كتلك التي نشاهدها ما بين جامعة القاهرة وعين شمس.. أو ما بين جامعات القاهرة والأقاليم. و أفسر التناقض فأقول: يوجد قدر قليل جدا من التمييز ضد الأقباط، ولن أجامل في الحق يا قراء، إنه تمييز يكاد أن يكون مشروعا، ففي القرنين الماضيين أدى استقواء الأقباط بالغرب إلى خلل جسيم في الموازين، جعل الأقباط الذين يمثلون أقل من 6% يمتلكون 60% من الصيدليات و 45% من العيادات. و أظن أن هذا لو حدث في بلد غير مسلم، لتم استصدار قرارات مشددة بوقف التحاق أبناء الأقباط بكليات طب الأسنان وكليات الصيدلة.. وأن أن ما متع صدور هذا القرار: ليس إلا سماحة الإسلام.
أم عن الغبن الكاذب الذي يشعر به الأقباط فهو كالحمل الكاذب، وليد لوهم خاطيء فإن لم يكن فلتخطيط فاجر.. إن – بعضهم- يحنون إلى عهد الاستعمار عندما كانت له اليد الطولى.. يحنون إليه فيستدعون الأمريكي القذر لاحتلال البلد.. ولست أدري كيف غفلوا وقد عاشوا معنا مئات القرون، عن أن قوة التوحيد في قلوبنا، تجعلنا ننكسر ونخسر لكننا لا نهاب ولا ننهار..ونحن نعرف على سبيل المثال أن أمريكا أقوى.. و أن بوش أقوى لكن البغل أيضا أقوى فإذا أخذت الذبابة شيئا من أي منهما – بوش أو البغل- لما استطاعا استرداده ضعف الطالب والمطلوب. وفي نفس هذا الإطار دار الحوار بين الغازي المنتصر نابليون وبين علماء الأزهر.. وراح نابليون يمارس ألاعيبه كي يبهرهم ويقهرهم ويجعلهم يدركون أن لا قبل لهم بنابليون وجنوده، لكن عالما من العلماء أدرك ذلك فأجابه إجابة صاعقة: فالله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، كانت الإجابة تحمل عمق التاريخ من الثراء الروحي والعمق النفسي، والقدرة على امتصاص أي قدر من الهزائم، ثم الاستعانة بمن يأتي بالشمس من المشرق والانتصار من جديد.. كان المعنى يحمل ذلك، لكن مخبر قسم شرطة السيدة زينب، القذر، جعل من هذا الرد المعجز مادة لتندره ودليلا على تخلف المسلمين وظلاميتهم. وكان هذا دأب كل أعضاء الحلف المدنس، غير المقدس.
لكننا نعود إلى قصة الدكتور علاء الأسواني لأنها نموذج للكذب الذي لا يقف على قدمين أبدا.. و أنا لا أتمالك إلا الدهشة: ألم يسعف النجم الساطع خياله ليحبك الكذبة أكبر.
نعود إلى الفرية التي تنتهج نهج الميلودراما المباشرة الساذجة:
فالأستاذة تمتحن الطالب دون أن تعرف اسمه!! ودون أن تطلع على بطاقته خشية أن يأتي آخر ليمتحن بدلا منه.. ثم هي لا تعرفه.. وهذا يعني أنه في الأغلب الأعم ليس في الماجستير أو الدكتوراه.. لأن عدد الطلبة القليل في الشهادتين يجعل العلاقة مع الأساتذة مباشرة.. إذن .. الطالب في الكلية.. والأستاذة لا تعرفه.. ولم تسأله عن اسمه منذ البداية.. واكتمال الكذبة يستدعي أن تنبهر الأستاذة بإجاباته.. لتكتشف أنه مسيحي.. فلا تعطيه الدرجة التي يستحقها..
لم يقل لنا النجم الساطع مصدر معلوماته ولا من حكى له الحكاية.. المفترس أم الفريسة.. ولم يكن يستطيع أن يقول لنا أنه سمعها بنفسه.. لسبب بسيط.. أنه حصل على بكالريوس طب الأسنان من جامعة أمريكية.
القصة إذن فبركة الدكتور علاء الأسواني.. ونعم.. توجد أخطاء فادحة ويوجد تحيز.. وقد يكون ضحاياه أحيانا من الأقباط لكن الضحايا معظمهم من المسلمين..
يلح علىّ سؤال لعلاء:
- هل تصلي؟!..(2/218)
ويلح علىّ سؤال آخر.. إذا كان الظلم يحيق أحيانا ببعض الأقباط فلا يعينون في مناصب معينة – دون أن يؤثر هذا على النسبة العامة: الأقباط يملكون 60% من الصيدليات.. و 45% من العيادات الطبية الخاصة....أقول إذا كان هذا يحدث فهل يمكن أن يخبرني النجم الساطع عن عدد الذين يحرمون من تولي أي منصب في الجامعة لأنهم يصلون الفجر جماعة في المساجد؟!..
هل يمكن أن يخبرني عن أي مكان يمنع المسيحيون من ارتياده لأنهم ملتحون.. أنا أخبره بعشرات الأماكن يمنع المسلمون من ارتيادها حتى في الأفراح.. عشرات الأماكن و أولها النوادي العسكرية..!!
هل يملك علاء الأسواني للسؤال إجابة؟!..
هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني تسامح الدولة بلا حدود مع الأقباط وشبابهم الذين نكلوا بالشرطة وضربوهم ومع الخنزير زكريا بطرس.. وقسوتها بلا حدود مع المسلمين..
هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني إلى من تنحاز الدولة وهي تصر على إغلاق صحيفة الشعب التي كان علاء من كتابها – للأسف- ثم لا تجرؤ على العبث بحق – مشكوك فيه – يجعل من حق كل كنيسة أن تصدر صحيفة لا تجرؤ حتى الكلاب على النباح عليها؟..
هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني شيئا عن قناة الخنزير زكريا بطرس الذي يحصل على أكثر من مائة وعشرين ألف جنيه مقابل كل عظة ينطقها الشيطان على لسانه، وكيف لا يجرمه القانون ولا يحرمه البابا (الذي حرم جمال أسعد بسبب معارضته)..
وهل يمكن أن يفسر لي أمر القناة القبطية الأخرى التي لا نعرف عنها شيئا سوى ما قاله الأب بيشوي الأنطوني المدير العام للقناة التي سميت قناة (أجابي) التي تعني المحبة بالقبطية و أنها تسعى إلى ربط الأقباط الموجودين في مصر بالأقباط الموجودين في الخارج وأن ننقل كلمة الرب .
وأضاف نقول أن قناتنا ستقربنا من المسلمين وقد يفهموننا أفضل وأفضل من خلال القناة .
وسيقدم برامج القناة كهنة وشمامسة وستذيع في البداية ساعتين يوميا تجري إعادة بثها. ويرأس القناة الأنبا شنودة بابا الأقباط وتمول من التبرعات.
ونقل التقرير عن الأب بيشوي الأنتوني أحد المديرين التنفيذيين في القناة قوله: القناة تخضع لتوجيه البابا شنودة الثالث نفسه، الذي عين لجنة عامة تتشكل من 13 أسقفا لإدارة القناة. وأضاف: القناة تتم إدارتها من داخل دير في شمال شرق القاهرة.
كان قد تقرر بدء بث القناة الفضائية في 14 نوفمبر الماضي على القمر الصناعي الأمريكي تيليستار 12 الذي يغطي مصر وعدة دول إفريقية.
هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني أمر القناتين الأخريين.. قناة ستمنح للحيزبون نوال السعداوي والأخرى لحمدي قنديل..
لاحظوا أن كل القنوات الآن ضد الإسلام فإذا أضفنا القنوات الحكومية ازداد الأمر سوءا.. كما يزداد سوءا مرة أخرى عندما نكتشف عدم وجود أي قنوات دينية مصرية.
ومرة أخرى لاحظوا يا قراء ذلك الحلف المدنس لا المقدس بين النظام والعلمانيين والشيوعيين والقوات المسلحة – جيشا وشرطة- ثم الأقباط من ناحية والاتجاه الإسلامي من الناحية الأخرى.
نعم حلف مدنس تصل الخسة فيه إلى حد مدهش.. فالمثقفون يبررون جرائم السلطة – لا أقصد جرائم الرأي.. ولست أراها جرائم- ولا تهتز لهم شعرة لعشرات الآلاف من المعتقلين ما داموا مسلمين.. ولا لعشرات المقتولين بيد المحاكم العسكرية، ولا للتزوير، وقد ترتب على هذا كله تفشي الفساد بصورة مروعة لم تحدث أبدا.. ذلك أن المجرم القاتل المعذب المزور لن يستنكف أبدا عن سرقة البلاد في منظومة يزعمون أنها لمحاربة الإرهاب وإنما هي حرب على الإسلام يتحاكمون فيها إلى الطاغوت وقد أمِروا أن يكفروا به، يقوم المثقفون إذن بمعظم الدور الداخلي، ثم يأتي الأقباط يضمنون رضا الطاغوت الغربي على مواجهة دين أهل البلاد بأي طريقة، ولو بتزوير الانتخابات.. ولو بالتعذيب والتشريد والقتل. أما الشيوعيون فهم أخس الجميع وهم سماسرة بيع شرف الأمة، ولاحظوا يا قراء، أن الشيوعيون، رواد الإلحاد و أساتذة الكفر يتحدثون بمنتهى الاحترام عن القبط – دون المسلمين- وتنهال أموال الأقباط عليهم.. و أصواتهم أيضا في الانتخابات..
ورغم حجم المرارة الطافحة فإن هذا الحلف طبيعي وكان علينا أن نتوقعه لا أن نندهش له.. ذلك أن الإسلام حين – بإذن الله – ينتصر سوف يكتسح هؤلاء جميعا كما يكتسح فيضان النهر أكداس القمامة والجيف التي ترسبت في مجراه فترة الجفاف..
نعم..
عندما ينتصر الإسلام بإذن الله سوف يقضي على الطاغوت.. والفساد.. والعمالة.. والخيانة.. والمال الحرام... والتزوير... والتهريب... والتعذيب... وسوف يحجم فساد القضاء .. وسوف يحاكم أجهزة أمن وعدل حولت القانون إلى سكين في يد مجنون.. وسوف يعيد النصارى إلى حجمهم الطبيعي: أقل من 6%.. وسوف يتمتعون بحقوق أكثر من حقوق أي 6% أخرى في العالم!!..
فهل أدركتم يا قراء أن هذا الحلف كان محتما..
و أن مواجهة عنصر واحد من عناصره تمثل خطأ عقديا واستراتيجيا أيضا وذلك ما أنبه إليه و أحذر منه.
إن أطراف الحلف الخسيس كلها، كل منها يستتر خلف الآخر – بمنتهي الخسة والجبن-.. ليستتر الجميع خلف البابا شنودة.. الذي يسلط أتباعه في الداخل والخارج للتحذير من المسلمين..
إن المستفيد الرئيس من هذا الحلف المدنس هم كل الطوائف التي ذكرت.. ما عدا النصارى.. فهم ضحاياه..ذلك أن وضع الآخرين جميعا مؤقت سرعان ما تلفظهم الأمة كما يلفظ الجسد خبثه.. وكما يطرد الخراج صديده وكما يطرد الحديد صدأه.. نعم وضع هؤلاء جميعا مؤقت وعارض.. أما الدائمون معنا فهم النصارى.. الذي لن ينسى المسلمون لبعضهم أبدا أنهم خانوهم وقت الأزمة.. وكانوا عونا عليهم لا لهم..
ترى: ماذا يمكن أن يحدث لهم إذا اعتدل الميزان؟..
هل يرضى النصارى أن يعاملوا بعد عشرين عاما كما يعامل المسلمون اليوم في أمريكا؟!.
أطراف الحلف الخسيس كلها إذن تستتر خلف النصارى ليكون الصدام مباشرا بين المسلمين وبينهم فهذا سيكون أفعل في الاستقواء ( لا يراعي المجرمون خطورة ذلك على الأمة)..
والمطلوب ألا يستدرج المسلمون إلى هذا..
إنني أخشى من أن يفهم البعض مما سأقوله على الفور أنني ضد المظاهرات التي خرجت تندد بالمسرحية السافلة والكهنة الساقطين ومغارة اللصوص، على العكس، لو استطعت أن أقبل قدم كل من خرج محتسبا لينصر دينه لفعلت..
بالطبع .. أنا ضد أي نوع من التخريب..
لكنني في نفس الوقت أرى أن السبب في التخريب ليس العامة الذين استثارتهم المسرحية الفاجرة.. بل الأجهزة الفاسقة التي علمت بالكارثة ولم تتحرك..
كان يمكنها أن تطفئ النار فلم تطفئها.. ليس مجرد إهمال لأمر الإسلام والمسلمين .. ولا مجرد تفريط في أمن الدولة.. بل تصعيدا للصراع بين المسلمين وبين النصارى..
لاحظوا يا قراء أنهم جميعا و أولهم البابا شنودة يميلون إلى التصعيد.. ذلك أنهم يظنون -أخلف الله ظنهم- أن الظروف لم تكن في صفهم عبر التاريخ كله كما هي الآن.. و أن أمة الإسلام لم تتشرذم كما هي الآن .. و أن الحكام لم يكونوا أبدا أشد خيانة وفسوقا مما هم الآن.. و أن النخبة لم تخن أمتها كما تفعل الآن.. فلماذا لا ينتهزون الفرصة إذن..
بل.. أليس هذا المعنى بتمامه هو عنوان الكتاب الشهير لريتشارد نيكسون – الرئيس الأمريكي الأسبق- الذي كتب كتابا بعنوان : انتهزوا الفرصة .(2/219)
بعد انهيار وتفكّك الإتحاد السوفيتي وسقوط المعسكر الاشتراكي وإثر حرب الخليج الأولى انتهى النظام العالمي "القديم" متعدّد الأقطاب ليحلّ محلّه نظام أصطلح على تسميته بالنّظام العالمي الجديد وساد رأي بالإدارة الأمريكية وخاصة لدى صنّاع القرار مفاده أنّ الولايات المتّحدة "حققت قيادتها المطلقة للعالم لأنّها استطاعت أن تمسك باللّحظة التاريخية الفريدة التي توفّرت لها" وعليها منذ الآن أن تستعمل كلّ إمكاناتها المادّية والمعنوية للحفاظ على هذا المكسب وأن تؤسّس له للاستئثار بريادة العالم وزعامته وإعادة صياغته وتشكيله من جديد وفق المصالح القومية الأمريكية، كيف لا وهي التي تتمتع بتفوق لم تصل إليه أعظم الإمبراطوريات منذ فجر التاريخ : "فهي تمارس سيطرة لا نظير لها على كل أنحاء العالم وتنتشر قواتها حوله من سهول أوروبا الشمالية إلى خطوط المواجهة في شرق آسيا" وعلى امتداد وطننا العربي "كما تسيطر على النظام المالي العالمي وتوفر أكبر مجمع لرأس المال الاستثماري وأوسع سوق للصادرات الأجنبية " بحيث إذا هبطت الأسهم في وول ستريت تداعى لها الاقتصاد العالمي بأسره. فكان أن سيطرت على صانعي الإستراتيجية الأمريكية فكرة الفرصة التاريخية السانحة فصدرت في تلك الفترة كتب ودراسات تؤسس لهذه الغاية وتعمل من أجل هذا الهدف حتى أن الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون نفسه أصدر كتابين أحدهما بعنوان (انتهزوا الفرصة) Seize The Moment)) والثاني (1999 نصر بلا حرب) (Victory Without War 1999) شدّد فيهما على نفس الأفكار المشار إليها وحذر في الكتاب الثاني من الإسلام الذي سماه "المارد الأخضر" في إشارة إلى "المارد الأحمر" الشيوعي المتمثل بالاتحاد السوفيتي المنهار.(نايلي نبيل، باحث في الشؤون الإستراتيجية. جامعة باريس المشروع الإمبراطوري في السياسة الأمريكية: من التطهر التبشيري إلى إستراتيجية الصدمة والترويع).
كما يحاول اليهود جر العالم إلى حروب مهلكة يخرجوا هم منها سالمين ظافرين، فإن النخبة المجرمة وجميع أجنحتها من ضباط ومثقفين وكلاب صيد تمزق وخنازير تدنس وكهنة ساقطين وكتبة كذبة فاسدين.. كل أولئك يريدون تفجير الفتنة في مصر لعل أمريكا تأتي لتنصرهم نصرا حاسما.
لست قلقا من ذلك.. فلدي وعد مكين من رسول أمين بأن مصر في رباط إلى يوم القيامة. لكنني أريد أن أحقن الدم.. و أرى أن التوجه يجب أن يكون تقوية الإسلام وليس مواجهة النصارى..
إنني لست ضد التظاهر.. بل أنا معه ومع الإفراط فيه بضوابطه الشرعية قبل الأمنية، و أعود إلى التذكير بما قاله هيكل، من أن أمريكا غيرت موقفها من العالم العربي عندما وجدته لا يقاوم، لو قاوم ما حدث ما حدث، بل ولقد تمنيت بالنسبة للمظاهرات الحاشدة، أن تحاصر وكرا للشيطان قتل فيه من التعذيب مسلم، أو لجنة للشيطان يزور فيها صوت، أو قاضيا من قضاة النار، بنفس الحمية التي حاصرت بها بيتا من بيوت العبادة حوله أبناء الأفاعي إلى مغارة لصوص.
إن فتح جرح مملوء بالصديد في جسد انعدمت مناعته قد يؤدي إلى تسمم الجسد كله..
إن الجسد العليل الذي هاجمته الطفيليات والطحالب والجراثيم والحشرات إنما يزداد مرضه وتتفاقم علته لو وجهت جهدي إبادة الجراثيم أو مكافحة الطحالب.. وعلاج مثل هذا الجسد إنما يأتي كنتيجة لتقويته وزياد مناعته .. وفي هذه الحالة ستتساقط الأوصاب جميعا..
وزيادة القوة والمناعة تأتي بأمرين: العوامل الإيجابية التي يجب توفيرها.. والعوامل السلبية التي يجب القضاء عليها.
إن المواجهة مع النصارى تعطيهم أكبر من حقهم وحجمهم وتعطينا أقل من حقنا وحجمنا.. كما أنها تلون الصراع بلون طائفي كاذب.. فنحن لسنا ضد النصارى الذين ينتمون لمصر.. بل ضد النصارى الذين يعبدون أمريكا و إسرائيل. كما أن هذه المواجهة ستطمس حقيقة الصراع كونه صراعا بين شرفاء وعملاء.. بين أمناء وخونة.. بين مواطنين صالحين وقطاع طرق مزورين لصوص أصبحوا في غفلة منا حكاما وقادة جيوش ووزراء عدل وكتاب سوء.. وأبناء حكام.. وزوجات حكام..و..و..
وننتقل إلى الجزء الأخير من المقال.
***
لأسباب لا بد أن القارئ سيتفهمها سوف أتعرض لموقف النائب العام من القضية باختصار شديد، فالرجل صرح جهارا نهارا أنه سيستهدف من يكتبون في الموضوع..
لكنني أؤكد في حدود وعيي وعلمي أن مصر لم تقابل قرارا للنائب العام بمثل هذا الاستنكار والاستهجان أبدا..
بل إن الأمر يتجاوز كل حد ممكن، فليس له سابقة ولا مثيل فالنائب العام يواجه بمانشيتات الصحف تتهمه بالكذب.. كما تتهم وزير العدل بالتزوير..
أتناول الأمر باختصار متسائلا في الوقت نفسه: هل النائب العام من قضاة الجنة أم من قضاة النار..
ولست أخشى السجن ولا حتى الموت في سبيل الله.. ولكن علينا تجنبهما.. فإن جاءا فسنثبت ونصبر إن شاء الله.
لقد بدا موقف النيابة مثيرا لتساؤلات الكثيرين، وكان ما تنشره الصحف يخفي أكثر مما يظهر.
انظر مثلا إلى البيان التالي:
مصدر قضائي مسئول لـ الوفد:
النيابة لن تحقق في مسرحية الفتنة.. لعدم وجود بلاغ
أكد مصدر قضائي مسئول لـ»الوفد« أن تحقيقات النيابة العامة بالإسكندرية لن تتناول أسباب اندلاع المظاهرات الدامية بمنطقة محرم بك. ولن تتناول التحقيقات حكاية اسطوانة الـCD المسجلة للمسرحية التي أثارت الأزمة.
وبدا التصريح غريبا .. لأننا تعودنا أن النشر في الصحف يعدّ بلاغا..
ولم تعلق النيابة..
ولكن بدا أن النيابة مصرة على عدم التحقيق..
وفي 31 - 10 -2005 نشرت صحيفة المصريون:
اتهمت مصادر قانونية رفيعة المستوى النائب العام المستشار ماهر عبد الواحد بالمسئولية غير المباشرة عن اندلاع أحداث كنسية مار جرجس التي شهدتها الإسكندرية وخلفت 3 قتلى وعشرات المصابين بعد أن تواترت أنباء عن وجود عرض مسرحي يسيء إلى الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وشددت المصادر على أن جهات أمنية علمت بأنباء قيام جهات بتوزيع الـCD الذي يتضمن المسرحية على طلاب وموظفي جامعة حلوان بدون التميز بين مسلم ومسيحي وشاهدت المسرحية وقدمت بلاغا للنائب العام وأرفقت به نسخة من المسرحية وطلبت منه اتخاذ اللازم فما كان من المستشار ماهر عبد الواحد إلا حفظ البلاغ في مكتبه والامتناع عن إجراء أي تحقيق.
وانتقدت المصادر تجاهل النائب العام التحقيق في القضية ومساءلة المتورطين فيها مشيرة إلى أنه لو اتخذ أي إجراء جاد يستبق الأحداث لتم استبعاد السيناريو الدامي الذي وقعت أحداثه أمام كنيسة مار جرجس من تدافع للمسلمين احتجاجا على العرض المسرحي الذي يسخر من الإسلام.
وأبدت المصادر استياءها البالغ من عدم توجيه النائب العام اتهاما لقساوسة ورهبان كنيسة مار جرجس طبقا للمادة 160 من الدستور والذي يعاقب بموجبه أي شخص عرض الوحدة الوطنية المصرية للخطر أو قام بفعل يضر بالسلام الاجتماعي.
وانتقدت المصادر قيام البابا شنودة بمعاقبة كهنة الكنيسة التي مثلت فيها المسرحية بالنقل إلى دير وادي النطرون أو دير السريان أو نقلهم إلى الأديرة النائية باعتبار أن ذلك قرار كنسي يخرج هؤلاء عن سلطة الدولة ويكفل لهم حصانة غير دستورية مشيرة إلي أن مثل هذه التصرفات تفقد الدولة هيبتها وكرامتها وحقوقها القانونية بقدر ما يشل من سلطانها علي بعض مواطنيها لافتة إلى أن الكهنة والرهبان وسائر الأقباط ليسوا فوق القانون ومعاقبتهم تعد مهمة الحكومة وليست مهمة الكنيسة أو أحد اختصاصها.(2/220)
وطالبت المصادر شيخ الأزهر بالتدخل للإفراج عن 102 من المواطنين المسلمين أسوة بما قام مع البابا شنودة الذي اعتكف بدير وادي النطرون حتى أفرجت النيابة العامة عن الشباب الأقباط الذين ألقي القبض عليهم علي خلفية أحداث وفاء قسطنطين مطالباً د. طنطاوي بموقف مشابه لمواقف البابا شنودة عندما أثيرت قضية اعتناق وفاء قسطنطين للإسلام وعدم الاكتفاء بإصدار بيانات علاقة عامة لا تقدم ولا تؤخر وتسهم في عدم احترام قدسية الدين الإسلامي.
و كان الدكتور محمد سليم العوا الفقيه القانوني قد حمل النيابة العامة في تقرير ضاف نشرته صحيفة الأسبوع المستقلة مسئولية تدهور الأحداث و تصاعدها لصمها عن التحقيق في البلاغ الذي قدم إليها قبل أن يعلم المواطنون بأمر المسرحية ويتسع نطاق توزيعها ملمحا إلى أن خضوع الكهنة والقساوسة الافتراضي لهذا التحقيق كان سينهي الأزمة في مهدها.
وأشار العوا إلى أن تصرف النائب العام قد حول الكهنة والقساوسة إلى دولة داخل الدولة ويعد تكريسا وتضخيما لمفهوم الطائفية الذي لم يعد مفهوما في حالة الدولة الحديثة التي يحكمها مبدأ المواطنة.
وحذر العوا من أن الصمت على تجاوزات الكهنة والقساوسة للقانون وإفلات المتورطين وراء المسرحية من الحساب يشكل خطورة بالغة عل الأمن والاستقرار في مصر ويهدد بحدوث فتنة تأكل الأخضر واليابس على حد قوله
وفي تصريحات خاصة لـ"المصريون" قال الدكتور أحمد المجدوب الخبير الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث أن المعلومات التي تفيد معرفة جهاز أمن الدولة بتداول الـCD بين طلاب جامعة حلوان وإبلاغه النائب العام بذلك هي معلومات بالغة الخطورة ، وإذا كان النائب العام علم بأمر الـCD قبل عرضه بفترة كافية فإن ذلك كان يلزمه بالتحقيق ، وبإصدار قرار بمنع تداول الـCD وعرضه بالإضافة إلى الحصول على جميع النسخ الموجودة والتي تداولها هؤلاء الطلاب وهو الأمر الذي كان كفيلا بمنع الأزمة قبل اشتعالها لفترة كافية ، مؤكدا على أن الخطأ الأكبر يتمثل في طبع CD كهذا وتداوله لأنه يسيء إلى الدين الإسلامي الذي هو دين الأغلبية في مصر فيما يجعل اعتذار الكنيسة أمرا واجبا لأن الخطأ كبير ولا يمكن تجاهله.
***
ثم بعد هذا كله حدثت المفاجأة الهائلة المزلزلة التي ليس لها في تاريخ النيابة مثيل:
مفاجأة يعلنها النائب العام للأهرام : لم تعرض في كنيسة بالإسكندرية مسرحية تسيء للإسلام
أعلن المستشار ماهر عبد الواحد النائب العام ـ في تصريحات خاصة لـ محمد زايد مستشار رئيس التحرير ـ أن التحقيقات في أحداث الإسكندرية الأخيرة , كشفت عن مفاجأة مهمة , فقد تأكد أن المسرحية التي قيل إنها عرضت داخل كنيسة مار جرجس في منطقة محرم بك , وتضمنت إساءة للإسلام , لم يحدث أن عرضت أصلا , كما ثبت أنه لم يشهدها أحد , ولا استمع مواطن لاسطوانة الـ C.D المدعاة . وقال إن التحقيقات أوضحت علي نحو قاطع أن الادعاءات المضللة هي التي أثارت حالة التجمهر والشغب وما ترتب عليها من أحداث مؤسفة .
***
كان الكل قد اعترف.. ولم يبق إلا فضيلة المفتي والنائب العام..
ولقد سبق المفتي النائب العام بهذا الرأي ولكن عصورا من امتهان الحكام للعلماء جعلت الناس لا يأخذون كلام المفتي على محمل الجد.. بل كثيرا ما يكون موضعا للتندر..
ويوم أصدر فضيلة المفتي فتواه جاءني صديق يضحك وهو يقول:
- هل لي أن أروي لك طرفة عن شيخ كبير من شيوخ الأزهر؟..
وقلت له:
- أوافق بشرط ألا تكون على شيخ الأزهر شخصيا فالرجل لا يفحم أعداءه بل يسجنهم..
ووافق الصديق على الشرط وراح يروي طرفته:
- ذات يوم خرج الرئيس في رحلة صيد اصطحبه فيها شيخ من شيوخ الأزهر، وكان الرئيس قد بلغ أرذل العمر، وكان بالكاد يري، لكن الشيخ الكبير لم يتوقف عن نفاقه وامتداحه للرئيس كصياد ماهر، ومر سرب من البط، وحاول الرئيس اصطياد بطة منه ففشل وإذا بالشيخ الكبير ( أؤكد أنه ليس شيخ الأزهر) يصرخ : هذه معجزة.. هذه معجزة وكرامة للسيد الرئيس.. لقد مات سرب البط كله بعد أن أصابه السيد الرئيس لكنه بفعل المعجزة ما يزال يطير.. وهو ميت..
أنهي الصديق طرفته منتظرا أن أنفجر في الضحك لكنه وجدني صامتا.. ثم أجبت على نظرته المتسائلة هامسا في ألم..
- لم تعد الطرف تضحك.. بل إنها تحرض على البكاء.
***
تقبل الناس ذلك من المفتي.. ( أرجو الرجوع إلى صدر المقال.. أنكر المفتي في التلفاز أمام الملايين ثم عاد ليعترف في مجلة محدودة التوزيع)..
لكن..
عندما صرح النائب العام بما صرح به انفجر الغضب..
وكان مما كتب ما قاله المفكر القبطي جمال أسعد والذي انتقد بعنف التصريحات التي نشرتها صحيفة الأهرام منسوبة إلى النائب العام ، ونفى فيها وجود المسرحية المسيئة للإسلام التي أثارت أحداث العنف في الإسكندرية ، وذلك رغم اعتراف الكنيسة بعرض المسرحية وتسجيلها على " سي دي " ، وكتب أسعد يقول " إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الحسنة يا سادة ، ولذا فهل تعلمون حضراتكم ما هو رد الفعل الطبيعي لدى كل من المسلمين والمسيحيين من جراء تلك النيات الحسنة وتلك المعالجات الخاطئة ، والتي مازلنا نصر عليها والتي لا تخرج عن شعارات فارغة جوفاء أو اختلاق معلومات غير صحيحة أو التخفيف من الوقائع في وقت يجب فيه المصارحة أو الشفافية ، والتستر على المخطئ في وقت يجب فيه تحديد المسئولية ومحاسبة المخطئ. أقول إن رد الفعل تجاه ذلك الخبر لدى المسلمين هو الإحساس بالتستر على المخطئ وعدم تحيد المسئول ، والاهم هو عندما ننسب تلك التصريحات للنائب العام حتى نعطي الإيحاء بأنه نتيجة للتحقيق فتحدث هنا ردود فعل عكسية واستفزازية تؤكد التواطؤ للمداراة على الخطأ والمخطئين ، خاصة أن الخبر جاء في إطار نفي ما هو معلوم وما هو معترف به من صاحب الشأن وهو الكنيسة ، أفلا يعطي هذا إحساسا بأن هناك قوة أكبر من القانون تضغط لصالح طرف ، ألا يجعل المسلم يشعر بأن هناك تدليسا على الإساءة لدينه ، ألا يولد ذلك مزيدا من الكبت والاستفزاز الذي يتراكم ويولد انفجارا لا نعلم سببه ومكانه وزمنه .
وأضاف أسعد " أما رد فعل المسيحيين تجاه الخبر فهو الاستقواء حيث إنهم يعلمون أن المسرحية عرضت فعلا وبها إساءة خاصة بعد اعتراف الكنيسة بهذا ، ولكن قد انتابهم إحساس فعلا بالاستقواء يجعلهم يمارون ويدعون ، باسم النائب العام ، أنه لم تعرض المسرحية أصلا وهذا يعني أن الجانب المسلم قد اختلق تلك المسرحية وقد افتعل ذلك الحدث حتى تتم مهاجمة الكنائس وأن هذا هدف إرهابي للضغط على الأقباط واضطهادهم ، كما أن ذلك الخبر قد أعطى الحجة لأقباط المهجر للمزايدة والمبالغة.
الموقف لم ينته بعد ولم تنته آثاره الطائفية وإذا لم يتم التحقيق من خلال الشفافية والمواجهة لتحديد المسئول ومعاقبته قانونا ، فستكون تلك الحادثة مثل سابقيها ، حادثة طائفية تترك جرحا غائرا في نفوس المسلمين حيث إنه تمت الإساءة إلى دينهم ، وفي نفوس المسيحيين حيث إنه تم الاعتداء على كنائسهم ، خاصة وان كل طرف يعتبر نفسه المجني عليه " .
***
أما القس فلوباتير فقد قال فلوباتير في "صوت الأمة" يوم الأحد 29-010-2005 :(2/221)
1- " أعتبر هذه التصريحات مستفزة ولا تحترم عقلية الشارع المصري لأن السيد النائب العام لم يستطع الوصول إلي حقيقة معلنة للكل فهل سيادتكم لم تقرأ صحفا كثيرة ولم تستمع إلي بيانات كثيرة صدرت عن الكنيسة والمجلس الملي تؤكد وجود مسرحية فعلا ولكنها تنفي أنها تحمل أية إساءة للإسلام؟ إن كنت سيادتك تريد إطفاء لهيب مشتعل فنحن نطالبك بالصدق والشفافية بدون أية مجاملة لطرف علي حساب الآخر".
2 ـ "هذه التصريحات يمكن أن تثير فتنة طائفية أخري لأن الأقباط يمكن أن يثاروا بسبب تصريحاتك هذه عن إخوانهم المسلمين بسبب إحساسهم بظلم وقع عليهم ويمكن أن يتساءلوا أنه إن لم تكن هناك مسرحية فلماذا كل هذه الثورة من شركاء الوطن ولماذا كل هذه الاعتداءات عليهم وهذه الخسائر التي مني بها الأقباط وهذه الإهانة الكبيرة التي حلت بمقدساتهم، فهل يمكن أن يطالب الأقباط باعتذار يقدمه فضيلة شيخ الأزهر لأقباط هذا الوطن عن كل ما قام به مسلموه؟"
3 ـ لماذا لا تقوم النيابة بعمل تحقيق كامل في الموضوع لبيان مدي ما اخطأ به كل طرف وليخرج الأمر بشكل حيادي.
سيادتك بتصريحاتك هذه أغضبت الطرفين، فالأقباط لم يسعدوا كثيرا بها بسبب أنها تخالف الحقيقة وتظهرهم كما لو كانوا مسنودين من الدولة. إن تصريحات سيادتك لم ترض الإخوة المسلمين بل علي العكس يمكن أن يزيد حزنهم وضيقهم لأن إشاعة ازدراء الأقباط بعقيدتهم بل أكاد أقول أنها أكدتها وكأن النائب العام في مصر تأكد من أن هناك ازدراء وأراد أن ينفيه لتهدئة الجو فقام بنفي وجود المسرحية من الأساس فهل هذا مقبول!؟ ويبقي السؤال من المستفيد من هذه التصريحات؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات تصدر؟
أخيرا كررت كثيرا في مقالي هذا عبارة فتنة طائفية وأخشى أن يخرج لي السيد النائب العام بتصريح يقول إنه لم تحدث أصلا فتنة طائفية في حي محرم بك.. بل لا توجد في الإسكندرية منطقة تسمي محرم بك! .
***
المحامي الشهير الدكتور محمد سليم العوا، خاض أشرف و أذكي معاركه في هذه القضية ( أدعو الله أن يغفر له ما انتقدته فيه قبل ذلك من أخطاء وخطايا) وكتب عدة مقالات كانت آخرها في صحيفة الأسبوع وتمثل قطعة من الأدب الرفيع الذي تختلط فيها السخرية الخفيفة بالأدب الجم. إنه يعاتب الناس لأنهم لم يفهموا ما قصده النائب العام بقوله أن المسرحية لم تعرض أصلا، يقول الدكتور العوا في صحيفة الأسبوع 7/11/2005 تحت عنوان "دور الضحية والبحث عن الحقيقة":
تعجب الناس للعناوين التي نشرت بإحدى الصحف القومية في صفحتها الأولي وصفحتها الحادية عشرة من عدد يوم الجمعة 4/11/2005 تنسب فيها إلي السيد المستشار النائب العام أنه نفي عرض مسرحية 'كنت أعمي والآن أبصرت' في كنيسة مار جرجس بالإسكندرية، وهذه العناوين غير المعبرة عن حقيقة كلام النائب العام اغترت بها بعض الأقلام الشريفة واضطربت لذلك كلمتها في الموضوع بين تصديق النائب العام أولا ثم استنكار كلامه آخرا. (مجدي مهنا في عموده ب'المصري اليوم' السبت 5/11/2005).
والواقع أن كلام النائب العام مفتاحه هو كلمتا 'قبل الأحداث' فهو يقول إن تلك المسرحية لم تعرض قبل الأحداث، ومعني 'قبل الأحداث' أي في الأيام الأولي من شهر أكتوبر لأن الأحداث وقعت علي التوالي في أيام 13، 14، 21/10/2005 ، والمسرحية عرضت قبل عامين ثم أعيد عرضها في آخر أغسطس الماضي وفي هذا العرض صورت بالفيديو ونسخت منها نسخ علي القرص المدمج (C. D) الذي وزع أول ما وزع في جامعة حلوان كما بينته في مقالي المنشور في 'الأسبوع' عدد 449 بتاريخ 24/10/2005 وأبلغ بهذا التوزيع السيد المستشار النائب العام في حينه. ثم اتسع نطاق التوزيع ليشمل الإسكندرية ومدنا أخري غيرها، حيث وزعت عشرات الآلاف من نسخ (C. D) ولا أستطيع أن أحصي عدد الذين رأوه فغضبوا لدينهم ولنبيهم وقرآنهم(... )
حدث ما أصبح من العلم العام الذي لا يحتاج إلي مزيد بيان في شأن المسرحية التي عرضت علي مسرح كنيسة مار جرجس بالإسكندرية.
وتبينت الأدوار في الأمر كله لذي عينين، فلم يعد أحد يجهل من الجاني ومن المجني عليه، من الذي بدأ بخطيئة العدوان علي دين الغالبية العظمي من المصريين (...) ومن الذي تجاهل مشاعر الذين تظاهروا سلميا أمام الكنيسة نفسها يوم 14/10/2005 وضربوا بأجسادهم حصارا حول الكنيسة لحمايتها من انفعال غير متعقل قد يصدر من بعض المتظاهرين، وقدموا لرجال الأمن مطلبا متواضعا هو أن يعتذر البابا شنودة عن خطيئة القساوسة والمشاركين في المسرحية (عددهم 49 شخصا) التي تمثلت فيما تضمنته المسرحية من هزء بالقرآن الكريم، والنبي صلي الله عليه وسلم، وأحكام الإسلام القطعية في شأن نظام الزواج وفي شأن الجهاد وغيرهما.(2/222)
وأصبح معلوما للكافة أن صمت أسبوع كامل علي جريمة هذه المسرحية، وهي توزع في الشوارع والجامعات في الإسكندرية وخارجها ستغضب عوام المسلمين وخواصهم.. (...) وأصبح الناس وأمسوا وهم ينتظرون قرارا من النيابة العامة بالإفراج عن جميع من لم يثبت عليه ارتكاب جرائم الاعتداء علي دور العبادة القبطية، وهو اعتداء يجرمه القانون ويحرمه الدين، وتأباه المروءة، وتنكره الوطنية، لكن الذين قبض عليهم وحبسوا احتياطيا يستحيل أن يكونوا كلهم ممن قامت أدلة كافية في نظر النيابة علي ارتكابهم هذه الجريمة، بدليل الإفراج عن بعضهم يوم 31/10/2005 ثم يوم 1/11/2005 والناس لا يجدون مسوغا لحبس شخص واحد، فضلا عن عشرات من الأشخاص، بتهمة لم تثبت أو لم تقم ضدهم في شأنها أدلة كافية. وهم يقارنون في هذا الشأن بين الشباب القبط الذين أفرج عنهم في خلال أيام معدودة بعد أن اعتكف البابا من أجلهم وهدد بإلغاء الاحتفال بعيد الميلاد الماضي (2004)، وهم كانوا قد أصابوا إصابات متنوعة بعضها خطير 64 ضابطا وجنديا وقفوا يحرسون الكنيسة المرقسية في العباسية خشية الاشتباك بين المتظاهرين الأقباط والمتظاهرين المسلمين. وتأتي المقارنة في غير صالح قرار استمرار حبس المتظاهرين السكندريين، فهم لم يصيبوا أي فرد بأي أذي، بل أصيب منهم نحو ثمانين أو يزيدون. وهم لم يساهموا كلهم قطعا في جريمة الاعتداء علي الكنائس والممتلكات. ومن فعل منهم ينبغي أن يحاكم بلا إبطاء. وبينما الناس يصبحون ويمسون تحيطهم هذه المشاعر والأفكار، فلا يتحدثون إلا فيها ولا يختلفون إلا حولها ولا يترقبون إلا نبأ جديدا عنها: بينما هم في هذه المشغلة: فوجئوا بالقيادات الكنسية القبطية تلعب دور الضحية، وتتجاهل دور مشعلي نار الفتنة، وتستبعد أن يثبت علي أحد جرم، ويتعهد الذين يحسنون من تلك القيادات استبقاء صلات الصداقة مع المسلمين 'بمحاسبة كهنة الكنيسة' بمعرفة الكنيسة نفسها: وفوجئوا بالبابا شنودة يستعيد إلي قلوب الأقباط وعقولهم مشاعر عصر الاضطهاد الروماني للقبط المصريين، في كلمته العامة التي يلقيها كل أربعاء في مقره بالقاهرة. (...) وهذا الموقف لابد أن يتضمن أن يعامل كل بحسب جريمته ودوره فيها، وأن يطبق قانون واحد علي الجميع، وأن لا تسبغ حماية كنسية أو بابوية علي المخطئين الأقباط ويطبق القانون علي المخطئين المسلمين وحدهم. والذين يحرصون علي هذا البلد ويخافون أن يصيبه ما أصاب بلادا غيره من جراء العدوان علي المقدسات وامتهان دور العبادة، وترك الأمر فوضي في أيدي العامة والدهماء، عليهم جميعا أن تتكاتف جهودهم وآراؤهم لعودة القانون سيدا علي الجميع، وللحيلولة دون عودة الوطن إلي عهد المحاكم القنصلية والامتيازات الأجنبية، بترك القبط للكنيسة تودعهم الأديرة وتحاسبهم بطريقتها، بعيدا عن سلطان الدولة والحكومة، وبتقديم المسلمين وحدهم إلي سلطات التحقيق وإلي محاكم البلاد..(...) والكلام الذي نشر في عدد من الصحف والمجلات علي ألسنة بعض القيادات الكنسية يحاول كله أن يلقي اللوم علي المسلمين الذين أغضبتهم إهانة دينهم وقرآنهم ونبيهم. ويستعمل أدوات الشرط دائما في احتمال خطأ الكهنة، ويعد بأن تحقق الكنيسة معهم. وكلما سئل أحد القيادات الكنسية عن سر الصمت الكنسي أسبوعين كاملين تعلل بأنه كان 'لابد من فترة للدراسة والتقييم' وبأن الشحن والتظاهر جعل الكنيسة تشعر أن هناك 'شيئا مبيتا وأن مبدأ الاعتذار لن يكون هو الحل الأمثل'. ومثل هذه الإجابات التي تتهرب من المشكلة الحقيقية، ولا تواجه الأصل الذي تفرعت عنه سائر الأوضاع التي أدمت المسلمين وأضرت بممتلكات الكنائس وبعض الأقباط، هذه الإجابات إمعان في محاولة الظهور بمظهر الضحية الذي يحتاج إلي منقذ، وإبعاد صورة الكهنة والشباب والمسئولين عن كنيسة مار جرجس باعتبارهم أصحاب الخطأ الأول والجريمة الأكبر في الأمر كله.
وقد بلغت هذه المحاولات ذروتها في حديث البابا شنودة الثالث في الكنيسة المرقسية بالعباسية يوم الأربعاء 26/10/.2005 ففي هذه المناسبة الأسبوعية التي حضرها نحو ثلاثة آلاف شخص، تحدث البابا باكيا عن أحداث الإسكندرية فقال إن 'في ذهنه كلام كثير ليقوله وفي قلبه كلام أكثر، لكنه يفضل الصمت لكي يتكلم الرب'. وأثني البابا علي الرب بعبارات معتادة في الصلوات القبطية، ثم قال 'حينما تتعقد الأمور فإن يد الله تعمل وبقوة ووضوح' واستشهد البابا بجملة تقول: 'لتكن مشيئتك: إن أردت تحلها، لتكن مشيئتك، وإن أردت أن تأخذ بركة صليب نحمله لتكن مشيئتك أيضا'.
والإشارة في هذه الجمل البابوية لا تخطئها العين. إنها تقول إن الأقباط يعيشون اضطهادا يشبه اضطهاد نبي الله عيسي عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام علي يد اليهود الذين كفروا به وأنكروا نبوته. وأن هذا الاضطهاد يشبه في نتائجه 'إن لم يحلها الله' ما يعتقده الأقباط من أن المسيح عليه السلام قد حمل صليبه علي ظهره إلي حيث علق عليه.
والواقع أن الأقباط يتمتعون في مصر 'مبارك' بمقادير من النفوذ والقوة والسلطان السياسي والاقتصادي والاجتماعي لم يسبق لهم أن تمتعوا بمثلها. والبابا نفسه له كلمة نافذة مسموعة لم يتخيل أحد أن تكون لممثل أقل من 6 % من السكان في مواجهة الذين يشكلون أكثر من 94 % من السكان. والذي حدث وكررت الحديث عنه في واقعتي وفاء قسطنطين وماري عبد الله كفيل بأن يؤكد ما أقول. والذي يحدث في كل أنحاء البلاد من بناء الكنائس القلاع في الوقت الذي تشترط فيه شروط معجزة لبناء المساجد، والذي يعرفه الخلق جميعا من حرية الكنيسة في اتخاذ دورها مدارس وملاعب ونوادي وفصول تعليم ومستوصفات ومشاغل، وهي مفتوحة للعبادة والاعتراف وسائر أنواع النشاط، دون أي قيد حكومي أو أمني علي كهنتها وشعبها، 24 ساعة يوميا و365 يوما سنويا في الوقت الذي تغلق فيه المساجد بعد الصلاة بربع ساعة وتفتح قبلها بعشر دقائق، ولا يسمح فيها بأي نشاط إلا الدروس الرسمية لموظفي الأوقاف.. ويخضع داخلها وخارجها ويخضع خطباؤها وروادها لرقابة أمنية مكثفة.. هذا كله يؤكد مدي النفوذ الذي بلغته الكنيسة القبطية وسائر الكنائس الإنجيلية والكاثوليكية مقارنة بمؤسسة العبادة للأغلبية التي أصبحت شبه مغلقة في وجوه أصحابها إلا سويعة من النهار والليل معا.
وحين يكون هذا هو الحال فإن دور الضحية لا يليق أن تقوم به القيادات الكنسية، ولا يجوز أن تهراق له دموع البابا الذي هو أدري الناس بما تحقق له من نفوذ وسلطان في ربع القرن الذي أدار فيه شئون الكنيسة.
ولعب دور الضحية يزيد شعور المسلمين بالقهر، وينفخ لدي العوام في نار الغلو والرغبة في الانتصار لأنفسهم ودينهم من كل قول أو فعل تبدو فيه استهانة بشيء من ذلك أو إهانة له. وهو لذلك دور يجب الحذر من الاسترسال فيه والاستمساك به لأن عاقبته وخيمة لن يحتملها أحد، لا الضحية الحقيقية ولا الضحية المدعي..
***
بالنسبة لي فقد أعدت مشاهدة القرص لأستوثق.. ولم أستطع أن أستوعب قرار النائب العام رغم كل الاحتمالات، ثم خطر ببالي أن تكون الشرطة قد زيفت الحقائق أمامه، فقررت أن أبادر بعرض خدماتي عليه.. فإن كانت النيابة لم تحقق في الأمر لعدم وجود بلاغ فليعتبر هذا المقال بلاغا.. و إن لم يقبل بمقال كبلاغ فسوف أتوجه إلى دار القضاء العالي لأقدم البلاغ إليه.. وسوف أرفق بالبلاغ القرص المدمج الذي يحتوي على المسرحية ، لعله لم يشاهده.. ولعله.. ولعله.. ولعله..!!(2/223)
إن القرص المدمج لا يحتوي على مسرحية مكتوبة بل على مسرحية تمثل .. فهناك من يقدم.. وهناك صوت.. وهناك ممثلون لهم وجوه لها ملامح ولهم حناجر لها أصوات. وعلى الشاشة تظهر أسماء المتهمين. و إن كان الأمر كما نبحت حيوانات بلا ضمير يعود إلى تزوير في القرص المدمج فإننا نتساءل : إذا أمكن تزوير الصوت وتقليده فكيف يتم تزوير الصورة؟! الصورة المتحركة لعشرات يمثلون؟.. كيف يمكن تزييفها ودسها ؟!
كيف يمكن تزوير أصوات وأشكال 49 مجرما اشتركوا في تمثيل المسرحية الساقطة.. هذا غير الساقطين الذين أشرفوا عليها..
49 مجرما لم نسع نحن إلى حصرهم ولكن من البداية فإن الكتابة على الشاشة تقول:
كنيسة مار جرجس الأنبا أنطونيوس بمحرم بيك
كورال مار جرجس والأب أنطونيوس
نال هذا العمل بركة صوت قداسة البابا شنودة.
تم هذا العمل تحت رعاية كل من أبونا أوغسطينوس فؤاد و أبونا أنطونيوس فهمي..
- نال بركة هذا العمل:
مينا جمال- فادي عياد- أندرو نجيب-
بيتر بيتل- مايكل ماهر- نجيب ماهر-
نادر زكري- جون إتيل- مينا صبحي-
بوساب عاطف- صبحي كمال- كيرلس كمال-
مينا عادل- إيليا مينا إدوارد- ماجد مقار-
أندرو سمير- روبير غطاس- فادي منير-
أندرو أمجد- جورج سامي- فادي وصفي-
بيتر جورج- جرجس لمعي- بيتر ألبير-
مينا جرجس- مرقص هنري كيرلس نجيب-
مينا نبيل- مينا نسيم- مينا عزت- مارك جيل-
بيشوي مجدي- جورجيوس سمير- ريمون وديع-
فادي فاروق- عماد فيكتور- أرساني القس-
جون سامي- مينا عطية- كيرلس صبحي-
مينا مجدي فائق- مينا طلعت- فادي وجنة-
عماد عزت- مايكل جميل- مايكل عطية-
مينا ميشيل- عماد سمير- عادل نصيف.
- فريق التمثيل حسب الظهور:
جوزيف سامي- مارك سمير- مايكل مقار-
مينا عبد الوهاب- أمجد فؤاد-
بيتر القس أوغسطينوس- جاكلين متري-
سحر ماهر- جورج ناجي- مينا عادل عزيز-.
- الموسيقى والتوزيع الموسيقي:
مينا ميخائيل.
- أعمال الديكور:
م/ نورة طلعت - م/ مايكل سمير- - ماريان سمير-
ماريان حليم- ماري فؤاد- مارسيل فؤاد-
ميرا عادل- جوستينا زكي- سالي عادل-
ماري إيهاب- ماريان ماهر- كريستين إدوارد.
- كتابة الترانيم بالكمبيوتر: سيلفانا إميل
- صوت روك ساوند: أسامة لبيب.
- إضاءة : أمير نسيم – سعد آدم..
- أعمال الجرافيك والفيديو كليب: مركز الكمبيوتر بالكنيسة.
- تم التصوير والمونتاج بوحدة فوتو ميشيل
مصور صحفي ميشيل نبيل 4962062/0123605003
***
لقد عرض عليّ أحد خبراء الكمبيوتر أن أقدم لسيادتكم صورة لكل ممثل أو أن أنشرها على الشبكة لكي يستطيع أهل الإسكندرية الإرشاد عنهم، لكنني قدرت أن سيادتكم ستكتفون بالأسماء.
***
ملحوظة أخرى أقولها لعلها تفيد السيد النائب العام في التحقيق..
ذلك أنه يوجد بجوار الكنيسة مباشرة مسجد ( مسجد أولاد الشيخ) ، وقد كانت المسرحية تعمل أثناء أداء الصلاة، لذلك تسمع في الخلفية صوت المؤذن ثم صوت الإمام.. وهذه قرينة لا يستهان بها..
فإن عجزت يا سيادة النائب العام بعد هذا كله أن أقنعك برأيي ، وإذا كنت مصرا على أن هذا القرص المصطنع مزور ومدسوس، فإنني أرجوك أن تسمع رأيي في ذلك، لأن هذا القرص إن كان مزورا فلا يمكن لأحد أن يزوره إلا مباحث أمن الدولة..
فإن كان القبض على الكهنة الساقطين الذين باشروا عرض هذه المسرحية الساقطة مستحيلا..
و إن كان القبض على رئيس مباحث أمن الدولة صعبا..
فإنني أرجوك ..
أن تأمر بالقبض عليّ أنا!!..بتهمة البلاغ الصادق وتكدير النائب العام!!
***
***
حاشية 1
حجب
قامت الأجهزة السعودية بحجب موقعي.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. وحسبنا الله ونعم الوكيل..
لا أملك للإخوة الذين يستغيثون بي شيئا إلا محاولة إرسال المقال لهم فردا فردا.. لكنني أتمنى على قارئ يجيد كسر البروكسي أن يشرح للقراء طريقة دول المواقع المحجوبة..
***
حاشية 2
القرضاوي ومحمد اسماعيل
في المقالة الماضية كتبت عنهم، وكان رد الفعل في عمومه متفهما ومؤيدا، ولكنني فوجئت بالبعض الذين أساءوا فهم ما كتبت.. فالبعض ظن أنني أنقض بنيانا لإسلام و أهده فبارك ذلك ، وما إلى هذا قصدت، والبعض بدا كما لو كان يمنحهما العصمة ويرفض توجيه أي نقد لهما، وذلك مرفوض، فكلٌ يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا أكرر أنني من أكثر الناس إعجابا بهما وتقديرا لفضلهما.. لكنني في نفس الوقت من أشد الناس مناصحة لهما وتقويما لأخطائهما بقلمي ( ورحم الله من كان يبارك تقويم عيوبه بالسيف) خاصة عندما يتعلق الأمر بالمجاهدين. وغفر الله لنا جميعا.
لكنني أعترف للقراء أن صدري قد ضاق باثنين من أتباع الدكتور محمد إسماعيل، فأحدهما أخذ يردد طول الوقت أنه لن يدخل في الموضوع لأنني من ناحية الشكل لم يكن يصح أن أدخل بيت الدكتور محمد إسماعيل ثم أنتقده. ومن الواضح أن أخانا لم يقرأ المقال أصلا.. لأنني ذكرت بوضوح شديد أن الحوار الذي دار قد حدث بيني وبين عالم آخر غير الدكتور محمد إسماعيل.. بل وذكرت أن مجموعة من الأصدقاء تمنوا علىّ زيارته لكن الفرصة لم تسنح والوقت لم يسمح. كان هذا مكتوبا بوضوح لكن الرجل أخذ يدور على المنتديات منددا ومهاجما .
الشخص الثاني كانت واقعته أشد و أنكى و إن كان يخفف منها أنها تثير الضحك. لقد كان موجودا أثناء الحوار مع الشيخ الجليل الذي دار الحوار معه، و إن كنا قد ابتعدنا عنه أثناء الحوار في غرفة أخرى. واعتبر هذا أن ما لم يسمعه من الحوار لم يدر أصلا و أخذ يندد بذلك.
وكنت قد قلت – حزينا – أن رعب الشيخ الجليل من الملاحقة الأمنية جعلني أتخيل أن هناك ضابط أمن دولة يختبئ خلف الستائر يسجل عليه ما يقول كي يحاسبه عليه غدا..
ذلك الشخص الثاني راح يدور في المنتديات مؤكدا أنه حضر الحوار بنفسه، و أنه كان قريبا جدا من الستائر، و أنه يستطيع أن يؤكد أنه لم يكن هناك ضابط أمن دولة يختبئ خلف الستائر..
و..
و..
و.. ناقشني ألف عالم فغلبتهم وناقشني جاهل واحد فغلبني..
لكن ما أقلقني هو تدله البعض في تقديس شيخه..
ومرة أخرى أعبر عن إعجابي الشديد بشيخينا.. وانتقادي الشديد لموقفيهما من المجاهدين.
***
حاشية 3
تحية
تحية من الأعماق للشباب الذي غضب لدينه فلم يطأطيء رأسه عندما طأطأ الكبار رؤوسهم.
***
حاشية 4
هيكل
أتعرض كثيرا لمحمد حسنين هيكل، بالإعجاب أحيانا وبالنقد والإدانة معظم الأحيان، إلا أنني في كل المرات والأحوال كنت أتابعه باهتمام .. حتى لو كنت سأنقض غزله و أكشف أكاذيبه أو أستفيد من معلوماته..
في الأسبوع الماضي كانت المرة الأولى التي أشعر فيها بالاشمئزاز و أنا أسمعه يتحدث عن سبب الهزيمة في إحدى المعارك عام 48.. عندما – طبقا لروايته- جامل القائد المصري زميله السعودي فأشركه في معركة كان الجيش المصري قد كسبها بالفعل.. ولكن تدخل السعوديين أدى إلى انقلاب نتيجة المعركة فاستعاد اليهود الموقف الذي كانوا قد خسروه.. أما السبب فهو أن أحد اليهود المختبئين استسلم رافعا يديه.. فحملوه إلى القائد السعودي.. ورغم أنه أسير فقد ذبحه القائد السعودي.. فغضب اليهود وعادوا فاحتلوا الموقع..
يا له من كذب ويالها من خسة..
كيف احترمت هذا الرجل ذات يوم..
من الواضح أن الرواية تأليف و إخراج وسيناريو الموساد.. أما الممثل أو المؤدي فهو محمد حسنين هيكل..(2/224)
دعنا من موقف الإسلام من الأسرى.. ودعنا من المرجع الذي لم يقله لنا هيكل ( أغلب الظن أنها مذكرات يهودية) بيد أنه قال للإخفاء أنه كان حاضرا دون أن يتورط في مزيد من الكذب بالقول أن شاهد بعينيه..
دعنا من أن السعوديين فعلوا ذلك أم لم يفعلوه..
دعنا من ذلك كله..
وسنفترض أن رواية هيكل صحيحة..
فهل ذبح الضابط السعودي أسيره اليهودي على شاشة التلفاز فرآه جميع اليهود الفارين والذين كانوا قد هزموا فعلا فعادوا للانتقام..
الرواية ساذجة.. وتأليفها سبق حدوثها.. تماما كرواية أسلحة الدمار الشامل.. وكرواية ميليس..
وهي تصب في نفس الاتجاه الصليبي في ازدراء العرب المتوحشين الهمج..
نفس المنهج الصليبي الذي يقطر من حلقات هيكل.. وتجنبه ذكر أي دور للإسلام والمسلمين.. حتى في حرب فلسطين.. حتى وهو يتحدث عن معارك خاضوها وقواد قادوها..
الخط العام للحلقات حتى الآن:
- ليس للإسلام أو المسلمين أي دور سوى الهمجية والوحشية والتخلف..
- أمريكا عظيمة جدا.. وقد كانت ضد إنشاء إسرائيل لولا خيبة العرب وجهلهم وقصورهم ( لا ذكر على الإطلاق بالطبع للتحالف الصهيوني البروتستانتي.. ولا أن أمريكا كانت ستسمى إسرائيل بسبب التأثيرات التوراتية لولا أن التصويت بين الاسمين : إسرائيل أو أمريكا قد أسفر عن فوز الأخير بصوت واحد)..
- السودان لا يصلح أبدا أن يكون وطنا واحدا.. إنه في الحقيقة أربعة..
- عدو الإسلام أحمد لطفي السيد هو المثل الأعلى..
- عميل الداخل والخارج الصليبي العفن سلامة موسى.. لم ينل حقه من التقدير..
- طالباني الكافر صديقه الحميم..
هذه هي توجهات هيكل وخطوطه الرئيسية..
فلماذا لم يمنحوه إذن جائزة نوبل؟!..
(حاشية على الحاشية: علاء الأسواني ينهل من نفس المنهل.. مع الاعتذار لهيكل)
***
حاشية 5
علاء بدلا من جمال!!
سعدت سعادة بالغة في زمن لم يعد فيه إلا سعادة مزيفة.. سعدت عندما قرأت أن أحمد نظيف صلى الجمعة اليتيمة نائبا عن الرئيس مبارك..
كان مبعث سعادتي هو أنني ظننت ليس أنه لا يقيم الصلاة فقط.. بل أنه لا يستطيع أداءها أيضا، و أن مجرد السجود والركوع والجلوس للتحيات المباركات بالنسبة له محنة.. تمنيت لو أنني رأيته يصلي.. لكنني كنت مشغولا بالصلاة .. من المؤكد أن المشهد كان ممتعا.. لم يقلل سعادتي إلا سؤال حائر.. سؤال حقيقي يدمي قلبي.. والسؤال هو: هل يصلي الرئيس مبارك بعيدا عن شاشات التلفاز التي تكون الصلاة فيها للناس لا لله؟!..
وهل يصلى جمال.. الرئيس المقبل؟!..
إحقاقا لحق يجب ألا يغمط بين الناس فقد سارت الركبان بأن علاء مبارك يصلي..
فهل تغير القوى الإسلامية مجهودها الضائع في المطالبة بعدم التجديد أو التوريث إلى مجهود يمكن أن يجدي.. بأن نتوسل إلى سيادة الرئيس أن يستخلف علينا علاء لا جمال..
لكن..
إذا رضي الرئيس مبارك..
فهل يرضى الرئيس بوش؟!..
***
حاشية 6
متى توفق رئاسة الجمهورية أوضاعها..
دهشت من مهارة الأستاذ إبراهيم نافع في الاستثمار والتنمية.. ففي عشرين عاما نمت ثروته من ثلاثة آلاف جنيه إلى ثلاثة مليارات جنيه.. لقد ضاعف ثروته مليون مرة.. دعنا من مشاعر الإعجاب والحسد.. ودعنا من مدى تسامح السلطة وهي تعتبر ذلك شأنا داخليا للصحافة عليها أن توفق أوضاعها فيه.. ذلك لا يهمني.. ما يهمني هو تساؤل آخر يكاد الفضول يقتلني لأعرف الإجابة عنه.. والسؤال يقول: إذا كان إبراهيم نافع قد استطاع بهدوء أن ينمي ثروته مليون مرة.. فكم مليون مرة ضاعف الرئيس مبارك – شخصيا- ثروته.. وكم مليون مرة ضاعفت العائلة ( الشريفة ) ثروتها.. وكم مليون مرة ضاعف من هم أقرب و أهم من نافع ثرواتهم..
***
حاشية 7
رحم الله أنور السادات..
كنت أبغضه في الله كثيرا.. والآن كلما رأيت الرئيس مبارك ترحمت عليه ( على السادات لا مبارك)..
في ليلة القدر كان مبارك يتلو آيات شيطانية من سفر العلمانية مثل: الدين لله والوطن للجميع..
وكان أيضا يقول: أن أحدا لا يملك حق الزعم باحتكار الدين , ( ورددت في نفسي ساخرا: ولا حتى بوش؟!) ولكنه واصل القول: وما من جماعة تملك الزعم بأفضلية خاصة أو مرتبة أعلي , ورددت وقد انتقل الجمر الذي كانت أصابعي تقبض عليه إلى قلبي: أما زال من حقنا أن نتلو: " كنتم خير أمة أخرجت للناس".. أو " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" .. أو: " لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ"..
هل ما زال من حقنا أن نفعل..
أم سيقرر علينا حكامنا – بوحي من بوش – أن نتلو الفرقان الأمريكي..
صرخت: رحم الله أنور السادات..
ففي لحظة مماثلة.. ثارت نخوة الرجل وكرامته وعاطفته ليصرخ: فليعلموا أنني رئيس مسلم لبلد مسلم..
رحمه الله..
رغم كل عيوبه كانت لدية بعض كرامة.. وبقايا نخوة.. وآثار رجولة.. وذرات شرف..
رحمه الله رحمة واسعة..
***
حاشية 8
أيمن نور
تجنبت الكتابة عنه رغم عطفي الشديد عليه..
لا أريد أن أمسه بسوء وهو محاصر.. رأيي فيه لا يسره.. لكنه أفضل بكثير من آل مبارك جميعا.. أدرك أنه سيسجن.. وربما في السجن يقتل.. قتلا رخيصا بلا ثمن يقوم به مجنون أو محكوم بالإعدام..
إنني مدين بالاعتذار له فقد نظرت إلى كل ما يقول بعين الريبة .. فإذا به أكثر صدقا مما أظن كثيرا.. لكنني – يبدو – قد صدقت إعلام مسيلمة الذي لا أكف عن تحذير الآخرين منه.. كما كنت أنظر إلى منافسته لمبارك في الانتخابات على أنه تحد رمزي.. وعندما أعلنت "الغد" أيمن نور وليست الـ"غد " الأخرى التي يصدرها عملاء مباحث أمن الدولة أنه حصل على 35% من الأصوات لم أصدق.. لكنني فوجئت عندما تقصيت الأمر بنفسي بأن الأمر أكثر مما يظن أيمن نور نفسه، أما طريقة استقصاءي فكانت سؤالا إلى عشرات العمد والمشايخ في عشرات القرى.. وكانت الإجابات تتفق في النهاية رغم اختلاف البدايات. ولنأخذ نموذجا من هذه الإجابات كنموذج لإجابات الباقية جميعا.
الإجابة النموذجية المكررة – مع اختلاف الأرقام وثبات النسب:
" الأصوات الانتخابية في بلدنا خمسة و أربعون ألفا.. أدلى ألف وخمسمائة بأصواتهم ( 3% تقريبا) أسفر الفرز عن فوز أيمن نور بـ: سبعمائة صوت، والرئيس مبارك بخمسمائة صوت، ونعمان جمعة بأكثر قليلا من مائتي صوت، كانت هذه هي الأصوات الحقيقية التي أسفر عنها الفرز، وفي آخر اليوم لم نغير من نتيجة أيمن نور أو نعمان جمعة، لكننا زورنا للرئيس مبارك خمسة آلاف صوت.. ف5أصبحت النتيجة: 5500:700:200.. وهكذا اعتمدت!!"..
أؤكد أنه ليس هناك أي احتمال لأي اتفاق تكتيكي أو استراتيجي ولو على المستوى النظري.. لكن كلمة الحق أحق أن تقال..
أيمن نور على فرض صحة كل الاتهامات التي وجهت إليه أشرف و أنبل ممن وجهوها إليه.
أيمن نور سيقتل كي لا يكون موجودا عام 2011..
سألت نفسي هل أدينه لو لجأ إلى سفارة أجنبية؟!!
***
حاشية 9
على عبد الرحيم
لا تقلقوا.. لم تعقم أرحام النساء بعد، وما زالت مصر ولادة، وما بدا أنه أزمة حادة في الممثلين الكوميديين الذين لم يعودوا يثيرون الضحك بل الازدراء ثبت بالدليل القاطع لدينا أنه غير حقيقي.
ذلك أن هناك كوميديان بارع بدأ من القمة دون مرور بالسفح.. كوميديان يدفعك للضحك طول وقت رؤيتك له.. كوميديان يشغل منصب مستشار قناة العربية وهو متخرج من جامعة سعد الدين إبراهيم للمنافقين..
الكوميديان هو الأستاذ على عبد الرحيم!!..
***
حاشية 10
الأمير الحقير(2/225)
أمير حقير أدان العلماء والشيوخ لأنهم لم يكفروا بن لادن والزرقاوي!.. ألم يعلم الجاهل أن ربه حكم عليهما بالكفر.. ربه بوش.. ورسوله رامسيفيلد.. أما الوحي فيأتيه من المخابرات الأمريكية.
***
حاشية 11
البابا والقيصر
البابا شنودة يصدر قرارات بالحرمان ضد أشرف و أنبل النصارى ويترك المجرمين كزكريا بطرس وساقطي كنيسة مارجرجس . السرطان يلتهم الخلايا السليمة ويدمر الصحيحة كي ينمو على حسابها . هل أصبح البابا يشغل منصب القيصر. كان المفروض أن المنصب الأهم والأعلى هو شيخ الأزهر لولا أن الإسلام ليس له رجال دين، ثم أن شيخ الأزهر انسحب من الدور وقنع راضيا سعيدا بالوظيفة، في المسيحية، رغم وجود رجال الدين فالمفروض أنهم لا يحكمون و أن ينفذوا مقولة لا يمكن أن يكون المسيح عبد الله عيسى بن مريم عليه السلام قد قالها حول إعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله. فالأمر كله لله، والله أغنى الشركاء عن الشرك، ولكن البابا التهم حتى المقولة التي يؤمن بها، فبدا أن الصراع بينه وبين الحكومة برئاسة مبارك، ثم سرعان ما التهمها البابا ليبدو كقيصر ويبدو الرئيس مبارك واليه على مصر فلا يكف عن تملقه واسترضائه.
***
حاشية 12
Xxxxxxxxxx
(.......................) يرفض رئيس التحرير أي كلمة إشادة تقال في حقه مرددا في تقوى: لا أريد أن ينقص من أجري في الآخرة شيئا.
ولقد تسبب في مجهود أسبوع آخر لإعادة صياغة المقال، بتعليق عابر جعلني أشعر بجسامة المسئولية الملقاة على عاتقنا.. قال:
- هناك اثنان فقط يفهمان سر إصرار البابا شنودة على إشعال نار الفتنة كلما انطفأت: صحيفة الشعب .. وهو..!!..
وكنت مضطرا إلى إعادة تصويب وتصحيح وتنقيح المقال .. إدراكا لصدقه ولجسامة المسئولية..
***
حاشية 13
مصطفى بكري:
مبروك.. مبروك من القلب.. مبروك وليس مبارك!!
***
حاشية 14
عزاء
فشل القضاء في إدارة الانتخابات..
كان رعب السلطة من الخارج وشعبية الإخوان الكاسحة هي التي كبحت إلى حد من التزوير..
هل كان يمكن لقاض أن ينجح وقد أتي بالمجرمين وقطاع الطرق وراح يفاوضهم لا على حقوق الناس فقط.. بل على حقوقه هو أيضا.
***
حاشية 15
الإخوان المسلمون
تحية للإخوان المسلمين .. كلمة " مبروك" لا تكفي..
نقول أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا..
فمتى نقول:
جاء الحق وزهق الباطل .. إن الباطل كان زهوقا..
ومتى..
ومتى..
ومتى يموت أبوجهل و أبولهب..
=================
#جدير بالشيخ القرضاوي أن يعود
[بقلم: الشيخ محمد مصطفى المقرئ]
بسم الله الرحمن الرحيم
أجل.. جدير بمن كان في مثل مكانة الشيخ القرضاوي (حفظه الله وأحسن عملنا وعمله) أن يعود، بل أن يكون أسرع الناس أوبة إلى الحق، أجرأهم تصويباً لخطأ نفسه، ولا سيما إن كان هو وحده الذي تتوفر له فرصة التصحيح، أعني الفرصة السانحة والمكافئة من خلال نفس المنبر الذي جرى فيه الخطأ.
ففي ذلك إعفاء لنفسه من تبعة أن يُتبَعَ في غير صواب، ومسؤولية أن لا يضرب من نفسه القدوة والمثل، فيما يجب على من يدركه خطأ أو زلل، وأهل العلم ـ لا جرم ـ منوط بهم التعليم والتربية جميعاً.
وقديماً قالوا: "العود أحمد" ، وفي خطاب عمر إلى أبي موسى ـ رضي الله عنهما ـ يوصيه بالتراجع عن الخطأ ، فيقول : " ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل" (1).
وهذا النصح والتبيين مني ـ وإن وقع متراخياً عن صدور الزلة المعنية ـ مقصوده: أن أصوب ما استطعت من خلال هذا المنبر الموقر، وعبر مقال واحد بزاوية فيه، على أن ذلك قد لا يكافئ برنامجاً بحجم "الشريعة والحياة" أو لا يغطي نفس مجاله ومداه.. آملاً أن يصدر التصويب من الشيخ الموقر نفسه، وعبر منبر "الجزيرة" نفسه.
لقد ورد على لسان الشيخ الموقر كلام يتصل بأحكام لا مجال فيها للاجتهاد، لأنها معدودة من مسائل العقيدة، والأمر فيها نصي لا يحتمل التأويل، توقيفي لا يسوغ إعمال الرأي فيه.
وسأنقل ـ فيما يلي ـ كلام الشيخ بنصه وحرفه، قبل أن أشرع في بيان وجوه الخطأ فيه، مستعيناً بالله تعالى أن يوفقني لصياغة الرد عليه في أرق عبارة ممكنة، وأخفها وقعاً على آذان محبي الشيخ، وألطفها نزولاً على نفوسهم.
قال ـ غفر الله لنا وله ـ : " نقدم عزاءنا في هذا البابا (يعني باب الفاتيكان) الذي كان له مواقف تذكر وتشكر له، ربما يعني بعض المسلمين يقول أنه لم يعتذر عن الحروب الصليبية وما جرى فيها من مآسي للمسلمين كما اعتذر لليهود وبعضهم يأخذ عليه بعض أشياء ولكن مواقف الرجل العامة وإخلاصه في نشر دينه ونشاطه حتى رغم شيخوخته وكبر سنه، فقد طاف العالم كله وزار بلاد ومنها بلاد المسلمين نفسها، فكان مخلصا لدينه وناشطا من أعظم النشطاء في نشر دعوته والإيمان برسالته وكان له مواقف سياسية يعني تُسجل له في حسناته مثل موقفه ضد الحروب بصفة عامة.
فكان الرجل رجل سلام وداعية سلام ووقف ضد الحرب على العراق ووقف أيضا ضد إقامة الجدار العازل في الأرض الفلسطينية وأدان اليهود في ذلك وله مواقف مثل هذه يعني تُذكر فتشكر.. لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب ونقدم عزاءنا للمسيحيين في أنحاء العالم ولأصدقائنا في روما وأصدقائنا في جمعية سانت تيديو في روما ونسأل الله أن يعوِّض الأمة المسيحية فيه خيراً ". أهـ.
راجع نص كلام الشيخ مفرغاً كتابة على موقع "الجزيرة نت" نقلاً عن برنامج "الشريعة والحياة": الأحد الموافق 3/4/2005م.
وسأكتفي ـ هنا ـ بما ورد في قوله: " لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب "!!
فهل يجوز شرعاً:
ــ أن ندعوا الله ـ لمن مات على الكفر، سواء كان له دين أو لا دين له أو كان مرتداً عن دين الإسلام ـ بالرحمة والمثوبة؟
والجواب على هذا تراه فيما يلي من خلال مسألتين:
المسألة الأولى: لا يجوز أن يدعى للكافر (الذي يموت على الكفر) بالرحمة.
ذلك أن الكافر الذي يموت على الكفر مطرود من رحمة الله، ونحن مأمورون بأن نأخذ الناس بظواهرهم، فمن مات على الكفر وجب أن نجري عليه أحكام الكفار، ومن مات على الإسلام؛ وجب أن نجري عليه أحكام أهل القبلة، ولا يسعنا أن نفترض في هؤلاء أو أولئك خلاف ما دل عليه ظاهر أمرهم.(2/226)
والرحمة المطلقة لا تحق إلا في حق من مات على الإيمان.. قال تعالى ـ والخطاب في حق المؤمنين ـ : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ).. إلى قوله تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )(البقرة : 155ــ 157 ) ، وقال: (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ) (النساء : 175 ) ، وقال: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (آل عمران : 107 ) ، ولم يزل دعاء المؤمنين ربهم ورجاؤهم إياه (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ )(آل عمران: 8 ) ، وأيضاً ما حكاه القرآن عن أصحاب الكهف: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً) (الكهف : 10 ).
فالرحمة المطلقة لا حظ فيها للكافر، هذا مع سعة رحمة الله التي وإن شملت الكفار في الدنيا من بعض الوجوه لا تشملهم في الآخرة.. قال تعالى: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام : 147 ).
ولذلك فإن ما أثبته القرآن من رحمة في حق عموم الناس أو نص على أنها تثبت في حق المشركين منهم إنما هي رحمة نسبية أو جزئية، مقيدة..
ــ مقيدة بالدنيا ، كما قال تعالى: (وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ* وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ* إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ) (يس : 41ــ 44 ).
ــ أو مقيدة بتوفير أسباب الهداية إلى الآخرة، كما قال تعالى: (أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ) (الأنعام : 157 ).
وفرق بين رحمة هي توفير أسباب الهداية للخلق أجمعين، وبين رحمة هي مآل الاهتداء وعاقبته والتي لا تثبت إلا للمؤمنين.. وقد فرق الله بين الرحمتين، كما في قوله: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (التوبة : 61 ). وقال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ) (الإسراء : 82 ). وقال تعالى: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل : 64 ). وقال تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل : 89 ). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) (يونس : 57 ). وقال: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ) (الجاثية : 20 ).
ــ أو مقيدة بتخفيف العذاب عن بعضهم لمعنى مختص بذلك البعض، كما الحال مع أبي طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- . أما فيما سوى ذلك فلا يناله الله برحمة..
وبهذا التقسيم نفهم قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (الأنبياء : 107 ). وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " إنما يرحم اللهُ من عباده الرحماءَ " (2) .
فالرحمة المذكورة في نحو هذا من النصوص هي من جهة ثبوتها في حق المؤمن غيرها في حق الكافر، أي من جهة وجوهها ومقدارها.. لأنها في حق هذا الأخير مقيدة بهذه الدار، وبأحكام جاء بها النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها تخفيف عن الناس آمنوا أو لم يؤمنوا، وبأخلاق راقية في معاملة أهل الإيمان لأهل الشرك، وبأسباب للهداية والبيان، ورفع الإصر والأغلال التي كانت على أهل الأديان قبلنا، كما في قوله الله تعالى ـ في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- ـ : (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف : 157 ).
أما رحمة الله عباده في الآخرة فالكافر مطرود منها لا ريب.. ومقتضى الطرد من رحمة الله أن لا يغفر الله للمطرود وهو الذي يموت على الكفر.
ذلك أن مغفرة الذنوب إنما هو مظهر من مظاهر الرحمة، بل أعظمها.. قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ) (النساء : 48 )، وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ) (النساء : 116 ). وقد دلت هذه الآية وسابقتها على أن من لم يتب من الشرك حتى مات غير مغفور له، مقطوع بذلك غير معلق على المشيئة، وإنما يدخل في المشيئة من مات على التوحيد مع ما ألم به من ذنب دون الشرك.. (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). وقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الزمر : 53 ). فهذه في حق العموم بشرط الإيمان، فالله يغفر الذنوب جميعها بما في ذلك الشرك إن تيب منه.. وإلا فلا مغفرة ولا رحمة.
لا رحمة ولا مغفرة لم مات على الكفر
والدعاء بالرحمة للكافر متضمن لطلب المغفرة له ولا ريب، ولا سيما إن اقترن بطلب المثوبة، وحمله على ما هو دون ذلك ـ كرجاء تخفيف العذاب مثلاً ـ بعيد، وقد جاءت الصياغة في كلام الشيخ القرضاوي مطلقة غير مقيدة، بل اقترن بها ما يتعين معه حملها على الإطلاق كما تقدم. ولو فُرض ـ جدلاً ـ جوازُ حملِها على غير ذلك لكان فيها من التلبيس والاشتباه على السامع والقارئ ما يوجب تركها وأن يستبدل بها صياغة تسلم من الالتباس والشبهة.(2/227)
والشيخ ـ لا ريب ـ يعلم أنه لا يجوز الاستغفار للكافر الذي مات عل الكفر، ولكن عبارته تضمنت هذا المعنى أو اقتضته، وإن لم يذكر ذلك بصريح لفظه. وإلا فما هو وجه رحمة ومثوبة من مات على الكفر، ولا نعلم في الآخرة سوى دارين ومآلين؟
والشيخ يعلم أن الكلام إنما يصاغ على ما يفهمه سامعه، وفي المشاهدين والسامعين من يتعذر عليه استكناه المقاصد والنيات، أو حمل الكلام على غير ظاهره، أو صرفه إلى خلاف مدلوله لدلالة أو قرينة خارجة، أو نحوه.. ولذلك وجب التنويه إلى أن من مات على الكفر لا يغفر له، ولا يستغفر له..
قال تعالى: ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ* وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (التوبة : 113، 114).
قال الإمام الطبري ـ في تفسير الآية ـ : " يقول تعالى ذكره: ما كان ينبغي للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والذين آمنوا به أن يستغفروا, يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين, ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم أولي قربى, ذوي قرابة لهم. ( من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان تبين لهم أنهم من أهل النار; لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله" (3).
وفي سبب نزول الآية روى الشيخان في صحيحيهما، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله" فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب. فلم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب ـ آخر ما كلمهم ـ : هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك " ؛ فأنزل الله عز وجل: ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) ( القصص : 56 ).
فالآية على هذا ناسخة لاستغفار النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمه؛ فإنه استغفر له بعد موته على ما روي في غير الصحيح. وقال الحسين بن الفضل: وهذا بعيد؛ لأن السورة من آخر ما نزل من القرآن، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة (4).
وفي زيادة للطبري، أوردها العسقلاني في "الفتح" : " قال: أي عم، إنك أعظم الناس عليَّ حقاً، وأحسنهم عندي يداً، فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة فيك يوم القيامة ". وفيه أنه مع عظيم ما قدم أبو طالب للنبي -صلى الله عليه وسلم- لا ترجى له شفاعة إلا أن يؤمن.
وقد بوب مسلمٌ لهذا الحديث بقوله: باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرع في النزع، وهو الغرغرة، ونسخ جواز الاستغفار للمشركين. والدليل على أن من مات على الشرك، فهو من أصحاب الجحيم. ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل.
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ : " وأما قول الله تعالى: ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ) فقال المفسرون وأهل المعاني: معناه: ما ينبغي لهم. قالوا وهو نهي".
قال: " أما قوله عز وجل: ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) ( القصص : 56 ). فقد أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وكذا نقل إجماعهم على هذا الزجاج، وغيره، وهي عامة؛ فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى" (5).
وقد حقق الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ المسألة تحقيقاً رصيناً كعادته في التدقيق والاستقصاء؛ فقال: " قوله : ( فأنزل الله : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) أي ما ينبغي لهم ذلك، وهو خبر بمعنى النهي . هكذا وقع في هذه الرواية .
وروى الطبري من طريق شبل عن عمرو بن دينار قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : " استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال استغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي" . فقال أصحابه : لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه، فنزلت ". وهذا فيه إشكال، لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقاً، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم-أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية، والأصل عدم تكرر النزول .
وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال : " خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً إلى المقابر فاتبعناه، فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى، فبكينا لبكائه، فقال : إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي، واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، فأنزل علي : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين )، وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه وفيه " نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب " ولم يذكر نزول الآية .
وفي رواية الطبري من هذا الوجه " لما قدم مكة أتى رسم قبر " ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية: " لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت " ، وللطبراني من طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس نحو حديث ابن مسعود وفيه " لما هبط من ثنية عسفان " وفيه نزول الآية في ذلك .
فهذه طرق يعضد بعضها بعضاً، وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب، ويؤيده أيضا أنه -صلى الله عليه وسلم- قال يوم أحد ـ بعد أن شج وجهه ـ : " رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " لكن يحتمل في هذا أن يكون الاستغفار خاصاً بالأحياء وليس البحث فيه، ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم، ويكون لنزولها سببان : متقدم، وهو أمر أبي طالب. ومتأخر، وهو أمر آمنة .
ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره -صلى الله عليه وسلم- للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك، فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب، ويشير إلى ذلك أيضا قوله في حديث الباب : " وأنزل الله في أبي طالب : ) إنك لا تهدي من أحببت) " ؛ لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره، والثانية نزلت فيه وحده، ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال : " سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-فأنزل الله : (ما كان للنبي..) الآية ". وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : وقال المؤمنون: ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه ؟ فنزلت. ومن طريق قتادة قال : " ذكرنا له أن رجالاً " فذكر نحوه (6).
فهذه أم النبي -صلى الله عليه وسلم- المشفع في أمته قاطبة لم يأذن الله تعالى لنبيه في الاستغفار لها، ومثلها كثير من أمهات الصحابة وآبائهم.(2/228)
ثم إن قول الله تعالى: ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ) تضمن قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم؛ فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز.
شبهة وردها:
فإن قيل: فقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ـ يوم أحد حين كسروا رباعيته وشجوا وجهه ـ : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " فكيف يجتمع هذا مع منع الله تعالى رسوله والمؤمنين من طلب المغفرة للمشركين. قيل له: إن ذلك القول من النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء، والدليل عليه: ما رواه مسلم عن عبد الله قال: كأني أنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: " رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ". وفي البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر نبياً قبله شجه قومه فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبر عنه بأنه قال: ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ).
قال الإمام القرطبي: وهذا صريح في الحكاية عمن قبله, لا أنه قاله ابتداء عن نفسه كما ظنه بعضهم. والله أعلم. والنبي الذي حكاه: هو نوح عليه السلام.
وقال الطاهر بن عاشورـ في قوله تعالى: (ما كان للنبي..) ـ : " وجاءت صيغة النهي بطريق نفي الكون مع لام الجحود مبالغة في التنزه عن هذا الاستغفار" (7).
وقيل: إن المراد بالاستغفار في الآية الصلاة. قال بعضهم: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنا; لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين بقوله: ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) الآية.. قال عطاء بن أبي رباح: الآية في النهي عن الصلاة على المشركين، والاستغفار هنا يراد به الصلاة.
قلت: وحمل الآية على أن المراد بالاستغفار فيها الصلاة لا ينفي دلالة ما سواها من الأدلة على حرمة الاستغفار للكافر.
وللآية جواب ثالث أورده الإمام القرطبي: وهو أن الاستغفار للأحياء جائز; لأنه مرجو إيمانهم ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين. وقد قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيين. فأما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعى له. قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت؛ فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا (8).
ووجه الاستغفار للمشرك في حياته: أن يهديه الله تعالى ببركة استغفار المؤمن له فيتوب فيغفر الله له.
ثم قال تعالى ـ بعد هاتين الآيتين ـ : (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (التوبة : 115 ).
قال ابن جرير: " يقول الله تعالى: وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله حتى يتقدم إليكم بالنهي عه فتتركوا. فأما قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه ثم تتعدوا فيه إلى ما نهاكم عنه فإنه لا يحكم عليكم بالضلال؛ فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي، وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعاً أو عاصياً فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه "(9).
وقال الحافظ ابن كثير: " يقول تعالى ـ مخبراً عن نفسه الكريمة وحكمه العادل ـ إنه لا يضل قوماً إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة كما قال تعالى: ( فأما ثمود فهديناهم ) الآية وقال مجاهد ـ في قوله تعالى: ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم ) الآية.. ـ قال: بيان الله عز وجل للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه لهم في معصيته وطاعته عامة فافعلوا أو ذروا" (10).
وقال الطاهر بن هاشور: " وفيه تسجيل أيضاً لكون أولئك المشركين أحرياء بقطع الاستغفار لهم لأن أنبياء الله ما قطعوه عنهم إلا بعد أن أمهلوهم ووعدوهم وبينوا لهم وأعانوهم بالدعاء لهم فما زادهم ذلك إلا طغياناً " (11).
المسألة الثانية: لا يجوز أن يُدعى للكافر (الذي يموت على الكفر) بالمثوبة.
أما الدعاء لمن مات على الكفر بالمثوبة فلا يصح ولا يستقيم، ذلك أن الكافر لا مثوبة له في الآخرة.. قال الله تعالى: ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) (هود ـ 15، 16).
ومثلها قول الله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ) (الشورى : 20 ).
وقول الله تعالى: ( ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ) (آل عمران : 145).
وقد اختلف العلماء في تأويل الآية من سورة هود على آراء(12) :
فقيل: نزلت في الكفار; قاله الضحاك, واختاره النحاس; بدليل الآية التي بعدها ( أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار )( هود : 16 ). أي من أتى منهم بصلة رحم أو صدقة نكافئه بها في الدنيا, بصحة الجسم, وكثرة الرزق, لكن لا حسنة له في الآخرة.
وقيل: المراد بالآية المؤمنون; أي من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له الثواب ولم يُنقَص شيئاً في الدنيا, وله في الآخرة العذاب لأنه جرد قصده إلى الدنيا, وهذا كما قال -صلى الله عليه وسلم- : " إنما الأعمال بالنيات " فالعبد إنما يعطى على وجه قصده, وبحكم ضميره; وهذا أمر متفق عليه في الأمم بين كل ملة.
وقيل: هو لأهل الرياء; وفي الخبر أنه يقال لأهل الرياء: " صمتم وصليتم وتصدقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك فقد قيل ذلك " ثم قال: " إن هؤلاء أول من تسعر بهم النار". رواه أبو هريرة, ثم بكى بكاء شديداً، وقال: صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) وقرأ الآيتين. خرجه مسلم في "صحيحه " بمعناه، والترمذي أيضاً.
وقيل: الآية عامة في كل من ينوي بعمله غير الله تعالى, كان معه أصل إيمان أو لم يكن; قاله مجاهد وميمون بن مهران, وإليه ذهب معاوية رحمه الله تعالى. وقال ميمون بن مهران: ليس أحد يعمل حسنة إلا وُفّيَ ثوابَها; فإن كان مسلماً مخلصاً وُفّيَ فِي الدنيا والآخرة, وإن كان كافراً وُفّيَ في الدنيا. وقيل: من كان يريد [ الدنيا ] بغزوه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وُفِّيَهَا, أي وُفِّيَ أجرَ الغزاة ولم ينقص منها; وهذا خصوص والصحيح العموم.
وحكى ابن الجوزي هذه الآراء الأربعة في تفسيره مختصرة (13).
وأورد ابن كثير نحوها، وإن كان يميل إلى أن الآية في أهل الرياء عامة، فإنه لا ثواب لهم في الآخرة (14).
وكذلك أوردها ابن العربي، وقال: " أخبر الله سبحانه أن من يريد الدنيا يعطى ثواب عمله فيها، ولا يبخس منه شيئا . واختلف بعد ذلك في وجه التوفية؛ فقيل في ذلك صحة بدنه أو إدرار رزقه.
قال سعيد بن جبير: " أعطوا ثواب ما عملوا من خير في الدنيا. وقال مجاهد: " من عمل عملاً من صلة، أو صدقة، لا يريد بت وجه الله، أعطاه الله ثواب ذلك في الدنيا، ويدرأ بت عنه في الدنيا (15).
فتقرر ـ على آرائهم جميعاً ـ : أن لا ثواب للكافر في الآخرة. وهذا متقرر في محكمات الشريعة وبدهياتها.(2/229)
وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة (أي في توفية الكافر أجره في الدنيا); وكذلك الآية التي في " الشورى" : ( ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ) ( الشورى: 20) الآية.. وكذلك: ( ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ) (آل عمران : 145)(16).
ومن ذهب إلى هذا قيد هذه الآيات بآية الإسراء (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً) (الإسراء : 18 ). كما نقله من سبق ذكر أقوالهم.
وبوب الإمام مسلم ـ في "صحيحه": باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل.
وأورد تحته: عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين. فهل ذاك نافعه؟ قال: " لا ينفعه. إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " (17).
قال الإمام النووي: " أي لم يكن مصدقاً بالبعث، ومن لم يصدق به كافر ولا ينفعه عمل.
قال القاضي عياض ـ رحمه الله تعالى ـ : وقد انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذاباً من بعض بحسب جرائمهم. هذا آخر كلام القاضي.
وذكر الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي ـ في كتابه "البعث والنشور" ـ نحو هذا عن بعض أهل العلم والنظر، قال البيهقي: وقد يجوز أن يكون حديث ابن جدعان وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وإدخال الجنة، ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات" (18).
وفي إحباط عمل الكافر ـ إن مات على الكفر ـ نصوص كثيرة.. منها: قول الله تعالى: (ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأنعام : 88 ).
فهذا شرط ـ كما يقوله ابن كثير ـ (19). ولا مراء في أن تحقيق توحيد الله جل وعلا شرط في قبول الأعمال وسلامتها من البطلان والإحباط.
وقال الإمام القرطبي ـ في تفسير الآية ـ : " أي لو عبدوا غيري لحبطت أعمالهم " (20).
وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (الزمر : 65 ).
قال الحافظ ابن كثير ـ في "التفسير" ـ : " هذه كقوله تعالى: " ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون"(21).
وقال القاضي ابن العربي: "هذا وإن كان خطابا للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقد قيل: إن المراد بذلك أمته، وكيفما تردد الأمر فإنه بيان أن الكفر يحبط العمل كيف كان، ولا يعني به الكفر الأصلي؛ لأنه لم يكن فيه عمل يحبط ، وإنما يعني به أن الكفر يحبط العمل الذي كان مع الإيمان؛ إذ لا عمل إلا بعد أصل الإيمان، فالإيمان معنى يكون به المحل أصلا للعمل لا شرطا في صحة العمل، كما تخيله الشافعية؛ لأن الأصل لا يكون شرطا للفرع؛ إذ الشروط أتباع فلا تصير مقصودة؛ إذ فيه قلب الحال وعكس الشيء، وقد بين الله تعالى ذلك بقوله: ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)".
وقال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً ) (الفرقان : 23 ).
قال ابن كثير: "هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي إما الإخلاص فيها وإما المتابعة لشرع الله فكل عمل لا يكون خالصاً وعلى الشريعة المرضية فهو باطل فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين وقد تجمعهما معا فتكون أبعد من القبول حينئذ " (22).
وقال الإمام القرطبي: " (وقدمنا): قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل بر عند أنفسهم ، (فجعلناه هباء منثوراً): أي لا ينتفع به; أي أبطلناه بالكفر".
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأعراف : 147 ).
قال ابن كثير: "أي من فعل منهم ذلك واستمر عليه إلى الممات حبط عمله " (23).
وقال الطاهر بن عاشور ـ في تفسير هذه الآية ـ : " لا تخلوا جماعة المتكبرين من فريق قليل يتخذ سبيل الرشد عن حلم وحب للمحمدة، وهم بعض سادة المشركين وعظماؤهم في كل عصر، كانوا قد يحسب السامع أنْ ستنفعهم أعمالهم، أزيل هذا التوهم بأن أعمالهم لا تنفعهم مع التكذيب بآيات الله ولقاء الآخرة، وأشير إلى أن التكذيب هو سبب حبط أعمالهم بتعريفهم بطريق الموصولية (أي الذين) ، دون الإضمار" (24).
ونحو ذلك من الآيات كثير..
ومهما كان للكافرين من أعمال نافعة وآثار مفيدة فهم الأخسرون أعمالاً.. قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً* أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ) (الكهف : 103ــ 105 ).
قال أبو بكر بن العربي: " أجاب الله عما وقع التقرير عليهم بقوله : (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً) لكن العلماء من الصحابة ومن بعدهم حملوا عليهم غيرهم ، وألحقوا بهم من سواهم ممن كان في معناهم ، ويرجعون في الجملة إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول : الكفار بالله ، واليوم الآخر، والأنبياء، والتكليف؛ فإن الله زين لكل أمة عملهم، إنفاذاً لمشيئته، وحكما بقضائه، وتصديقا لكلامه. الصنف الثاني: أهل التأويل الفاسد للدليل الذين أخبر الله عنهم بقوله: ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) كأهل حروراء والنهروان، ومن عمل بعملهم اليوم، وشغب الآن على المسلمين تشغيب أولئك حينئذ، فهم مثلهم وشر منهم. قال علي بن أبي طالب يوما، وهو على المنبر: لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته، فقام ابن الكواء، فأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغ عمر بن الخطاب، فقال: ما الذاريات ذروا؟ قال علي: الرياح. قال: ما الحاملات وقرا؟ قال: السحاب. قال: فما الجاريات يسرا؟ قال: السفن. قال: فما المقسمات أمرا؟ قال: الملائكة. قال: فقول الله تعالى: ( هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ) قال: ارق إلي أخبرك. قال: فرقى إليه درجتين قال: فتناوله بعصا كانت بيده ، فجعل يضربه بها. ثم قال: أنت وأصحابك. وهذا بناء على القول بتكفير المتأولين. وقد قدمنا نبذة منه، وتمامها في كتب الأصول. الصنف الثالث: الذين أفسدوا أعمالهم بالرياء وضيعوا أحوالهم بالإعجاب".
وعلى الجملة فإنه لا وزن ولا قيمة لأعمال الكافرين وآثارهم في الآخرة..
قال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ) (إبراهيم : 18 ).(2/230)
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ) إلى قوله: ( لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ ) (البقرة ـ من الآية: 264 ).
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (النور : 39 ).
قال الحافظ ابن كثير: " وذلك أنهم عملوا أعمالاً اعتقدوا أنها على شيء، فلما عرضت على الملك الحكم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحداً إذا إنها لا شيء بالكلية، وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق الذي لا يقدر صاحبه منه على شيء بالكلية " (25).
فالكافرون ضالون ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون، وأن أعمالهم ذات وزن موزون، وأنهم على شيء، وليسوا على شيء... وقد خيب الله ظنهم في أعمالهم كما تقرر في الآيات، أفيليق بأهل الإيمان أن يكون ظنهم بأعمال أهل الضلال كظن أولئك بها، مع ما قطع به القرآن ببوارها؟! قال تعالى: ( إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) (الأعراف ـ من الآية: 30 ).
قال الطاهر بن عاشور ـ في تفسير آيتي سورة هود: (من كان يريد الحياة الدنيا..) الآية. إلى قوله: (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار.. ) الآية ـ : " وفيه تنبيه للمسلمين أن لا يغتروا بظاهر حسن حال الكافرين في الدنيا، وأن لا يحسبوا أيضاً أن الكفر يوجب تعجيل العذاب فأوقظوا من هذا التوهم، كما قال تعالى: (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) (آل عمران : 196، 197 ). " (26).
غاية ما يستفيده الكافر في الآخرة:
غاية ما يستفيده الكافر في الآخرة مما قدم من عمل في دنياه، ولم يستوف أجره فيها.. أن يخفف به عنه من عذابه يوم القيامة، وهذا لا يعلم في حق معين إلا بنص، كما وقع لأبي طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- .
روى مسلم في "صحيحه": عن العباس بن عبد المطلب، أنه قال: يا رسول الله! هل نفعت أبا طالب بشىء؛ فإنه كان يحوطك؟ (27) ويغضب لك. قال: " نعم، هو في ضحضاح (28) من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار" .
وفي رواية: قال: " نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح " .
وفي رواية: فقال: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة. فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه" (29).
وقد تقدم من كلام الإمام النووي ما نقله عن الإمام البيهقي، قال: " وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وإدخال الجنة، ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات" (30).
هذا غاية ما يمكن أن يحصله كافر في الآخرة، أما أن يثاب ـ لتطلب له المثوبة ـ فلا.
وبقطع النظر عما أنجزه بابا الفاتيكان من عمل "صالح"، وأثر "طيب" على حد وصف الشيخ القرضاوي.. فإن كلامنا هنا في بيان حرمة الدعاء للكافر بالرحمة والمثوبة كائناً من كان، وإن فاق عمله وأثره عمل وأثر أبي طالب ـ الذي نُصَّ على تخفيف العذاب عنه ـ أضعافاً مضاعفة.
وبعد.. فما كنت أحسب أن هذه البدهيات العقدية والأبجديات الشرعية يمكن أن تحتاج يوماً إلى تقرير وبيان، وكنا ـ والشيخ ـ في غنى عن ذلك لولا ما تكلم به الشيخ، وما نخشاه من التباس يحصل للعامة، وأيضاً لما يمكن أن يتسلل إلى نفوسهم ـ والنشء منهم خاصة ـ من معنى تربوي خاطئ، وهو اعتقاد جواز المجاملة أو تأليف الآخر أو إبداء سماحة الإسلام للغير...على حساب عقيدة الإسلام، ووضوحها في عقول أبنائها..
على أن السماحة، والرحمة، والرأفة ونحو ذلك من المعاني جعل لها الشارع ضابطين اثنين: الأول: أن تكون في اتجاهها الصحيح. والثاني: أن تكون بمقدارها الصحيح، أي من غير إسراف ولا تقتير، وهذا إنما يتحقق بالوقوف عند حدود الله تعالى، فلا تتجاوز ولا تتعدى.
فالرحمة إن تجاوزت حدود الله كانت تفريطاً وضعفاً، كما أن الشدة إن تجاوزت حدود الله كانت ظلماً وبغياً.
ووضع الندى في موضع السيف مضركوضع السيف في موضع الندى إنجازات بابا الفاتيكان..
ولكن تجدر الإشارة ـ هنا ـ إلى بعض إنجازات الرجل، كي لا يغتر بما قيل فيه مسلم..
أولاً: هو البابا الأكثر ولعاً بالتنصير.
وشهد شاهد من أهلها:
" في أول تعليق لها بعد تأكد نبأ وفاة 'يوحنا بولس الثاني' زعيم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالفاتيكان، وصفت وكالة ميسنا الكنسية [البابا] بأنه كان [البابا المولع بالتنصير].
وفي معرض ثنائها على 'بولس' الذي هلك يوم أمس السبت قالت الوكالة: إن البابا أخذ على نفسه تبليغ [رسالة الإنجيل] في القارات الخمس أثناء فترة [حبريته].
وأضافت الوكالة أن فترة مكث يوحنا بولس على سدة الفاتيكان، كانت إحدى أطول الفترات في التاريخ، حيث استمرت أكثر من ستة وعشرين عامًا، بدأت بتوليه [البابوية] عام 1978.
وعلى الصعيد ذاته ذكرت الوكالة التنصيرية أن يوحنا بولس الذي مات بعد بلوغه 84 عامًا قام بأكثر من مائة رحلة تبشيرية قابل فيها ملايين الحجاج في نحو 129 دولة.
كما ذكرت الوكالة أن الزعيم السابق للكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالفاتيكان كان قد عقد نحو 737 اجتماعًا ومقابلة مع رؤساء دول العالم خلال ستة وعشرين عامًا، كما أجرى مقابلات تصل إلى 245 مقابلة مع رؤساء وزراء دول العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن 'بولس' كان قد حذر الكاثوليك من التخلي عن التنصير قائلاً: 'إن التبشير لازم وحتمي على كل مسيحي، والويل والجحيم لمن لم يبشر" (31).
وقد اعترف [البابا] ذات مرة باختراق النشاط التنصيري للمنظمات الإغاثية مؤكدًا أن: 'مهمة [التبشير] ملازمة للكنيسة طالما ظلت قائمة، وأن المنظمات [الخيرية] تسعى إلى القيام بـ[واجباتها] من خلال الأعمال الإغاثية والمساعدات الإنسانية بالمناطق المنكوبة حول العالم لإرواء العطشى إلى [دم المسيح].. على حد زعمه.
ثانياً: وضع أساسًا متينًا للعلاقة الجديدة بين الكنيسة الكاثوليكية و[إسرائيل].
صرح المسؤول الكاثوليكي الفرنسيسكاني 'ديفيد جايجير' عضو وفد الفاتيكان الذي تفاوض نيابة عن 'يوحنا بولس الثاني' في اتفاقية عام 1993 مع الكيان الصهيوني بأن بولس وضع أساسًا متينًا للعلاقة الجديدة بين الكنيسة الكاثوليكية و[إسرائيل]، وأعطى أملاً عظيمًا لتأثير الكنيسة في الدولة اليهودية.
وقال 'جايجير': إن تأثير [البابا] على إدراك اليهود كان قد اتضح في استطلاع رأي أجري عام 2000حيث أظهر أن غالبية [الإسرائيليين] يعتقدون أنه كان مرشحهم المفضل.
وزعم المسؤول الكاثوليكي بالفاتيكان أنه: 'بعد أيام قليلة من ظهوره على شاشات التلفزيون 'الإسرائيلي'، استطاع هذا الكاهن -المعين من قبل السيد المسيح - تحويل أنظار غالبية الشعوب الإسرائيلية نحو الكنيسة وزعمائها " ـ حسب تعبيره ـ .
وعلى الصعيد ذاته قال'جايجير': إن يوحنا بولس - في الواقع - قدم الجمهور 'الإسرائيلي' إلى مفهوم جديد من الإيمان.
ووصف 'جايجير' تأثير بولس على اليهود بقوله: إن الأغلبية العلمانية 'الإسرائيلية' رأت في بولس شيئًا جديدًا، فهو زعيم ديني لم يكن يعظ بالقومية أو التطرف أو الخوف، بل بالعدالة والمساواة.(2/231)
وحسب وكالة آسيا نيوز قال 'جايجير': إن بولس أسس علاقات جيدة للكنيسة مع الشعب اليهودي حيث وقع المعاهدات مع دولة [إسرائيل]، وبوفاة يوحنا بولس؛ يكون قد بدأ عملاً عظيماً ما زال بحاجة إلى من يكمله.
وكان يوحنا ومسؤولو الفاتيكان قد ساعدوا في التغلب على 'معاداة السامية' في مناطق نفوذ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية (32).
بدأت أولى خطوات بولس نحو التعاون المشترك مع اليهود بتأكد تأييده لتبرئتهم من القتل المزعوم للمسيح ـ عليه السلام - خلال لقاءاته بمؤسسي الدولة الصهيونية وإنشاء مكتب للفاتيكان داخل الكيان الصهيوني.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن زعماء الصهاينة يكلفونه بأدوار تخدم مصالحهم، ويتضح ذلك من لقائه بثمانية عشر قياديًا من الرابطة اليهودية التي تطلق على نفسها 'ضد التشهير', وهي إحدى أبرز المنظمات الأمريكية المتخصصة فيما يسمى بـ'مكافحة معاداة السامية'.
وقد طلب 'إبراهام فوكسمان' رئيس الرابطة وأحد قادة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة من يوحنا ومسؤولي الفاتيكان المساعدة في التغلب على 'معاداة السامية' في مناطق نفوذ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
وفي هذا الإطار أعرب الرئيس الصهيوني 'موشية كاتساف' عن أسفه العميق لوفاة 'بولس' وقال في برقية عزائه: 'إن الشعب اليهودي سيتذكر يوحنا بولس الثاني الذي ساهم في تغيير أفكار المسيحيين تجاه اليهود بعد فترة من الكراهية من أتباع الكنيسة الكاثوليكية لليهود'.
ثالثاً: أبرأ اليهود من دم المسيح عليه السلام.
يشار إلى أن الفاتيكان كان قد برأ اليهود من القتل المزعوم للمسيح منهيًا بذلك قرونًا من الكراهية من أتباع الكنيسة الكاثوليكية واليهود.
رابعاً: سعيه الحثيث لتوحيد الكنائس العالمية تحت قيادة كنيسته، حتى بات ذلك يمثل القضية الثانية على قائمة اهتماماته بعد التنصير.
وكانت القضية الثانية في حياته هي توحيد الطوائف النصرانية تحت زعامة كنيسته، وينضم إلى ذلك دعوته إلى ما يعرف بـ[الحوار بين الأديان] والتي كانت دأبه وديدنه، وكان يرسل نوابه لعقد المؤتمرات تلو المؤتمرات لتلك [الحوارات] في أماكن متفرقة من العالم [لاسيما العالم المسلم].
ولا يخلو الأمر من محاولاته المتعددة تحسين الصورة المشوهة التي حاقت بكنيسته وكرادلته بعد تفشي الفضائح الأخلاقية بين القساوسة، فضلاً عن الاعتداءات التاريخية للكاثوليك ضد الأرثوذكس والطوائف الشرقية، ولن نتحدث عن الحملات الصليبية التي تعد علامة سوداء بارزة من تاريخ مرير للكنيسة الكاثوليكية الرومانية والتي أعلن عنها جورج بوش في خطابه الشهير عند سقوط بغداد وسماها حرب الصليب..
قضى 'بولس الثاني' عمره لاهثًا وراء حلم توحيد جميع كنائس العالم تحت الكنيسة [الأم] بالفاتيكان – حسب تعبيره - وبذل الاعتذارات المتعددة على الفظائع التي ارتكبها أجداده في حق تلك الكنائس، ورغم ذلك فقد رفض الأرثوذكس مجددًا قيادة [كنيسة روما].
وبسبب قيام الكاثوليك بأعمال تنصيرية بين الأرثوذكس في أوكرانيا ومناطق رعايا الكنيسة الأرثوذكسية رفض رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية البطريرك 'أليكسي الثاني' زيارة 'يوحنا' لروسيا.
وانتقد أليكسي الثاني الفاتيكان مرات عديدة للعداء التاريخي بينهما بعد أن اقتحم الكاثوليك الموالين للفاتيكان الكنائس الأرثوذكسية في العديد من المدن الروسية عقب سقوط الشيوعية؛ فنهبوها وتركوها خرابًا...
وبذل [البابا] الأموال الطائلة من أجل استرضاء الأرثوذكس سواء في روسيا أو في مصر واليونان، وقد اشترط شنودة الثالث للغفران للكاثوليك الاشتراك في الإيمان الكامل أولاً قبل الحديث عن العمل تحت راية واحدة الأمر الذي جعل رأسي الكنيسة العالميين [بولس وشنودة] في نزاع شبه دائم ظهر بعضه وخفي أكثره.
خامساً: تحذيره الملح وتوعده بالجحيم لمن يترك التبشير (التنصير).
شهدت الحركة التنصيرية في عهد يوحنا بولس توسعًا غير مسبوق، فهو لم يفتأ يرسل منصري الكنيسة الكاثوليكية الرومانية إلى مناطق متفرقة حول العالم لاسيما إلى أفريقيا وآسيا وشرق أوروبا.
وقد عقد مجمع [تبشير الشعوب] الذي أسسه بولس التابع للفاتيكان لقاء ضم رؤساء الأساقفة الأمريكيين مع أساقفة أفريقيا الكاثوليك حول أهمية التجديد في وسائل التنصير، وحينئذٍ أعلن [البابا] - في إطار ترهيبه من ترك النصارى [للتبشير]-: 'إن التبشير لازم وحتمي على كل مسيحي، والويل والجحيم لمن لم يبشر، ولا بد أن تشكل كلمات [بولس الرسول] شعارًا لكل منهم، فلا تفتخروا أعزائي الأساقفة بأعمالكم [التبشيرية] إذا [بشرتم] فإنه ليس مجالاً للفخر'.
وقد عقد 'بولس' عشرات المؤتمرات من أجل [إحياء] التنصير في أفريقيا وشرق أوروبا مستفيدًا بالميزانيات الأمريكية والأوربية الضخمة الخاصة بالحملات التنصيرية.
سادساً: نشاطه في الحرب على [الإرهاب] وتفعيل فكرة [حوار الأديان]:
التقى الزعيم السابق للكنيسة الكاثوليكية خلال الأعوام الستة والعشرين الماضية بنحو 737 رئيس دولة من رؤساء دول العالم و245 مقابلة مع رؤساء وزراء الدول، وقد تركزت حواراته مع هؤلاء الرؤساء في السنوات الأخيرة حول ما يعرف بالحرب على [الإرهاب].
فعندما قابل رئيس الحكومة الأسبانية 'ثاباتيرو' بالفاتيكان مع وفد من الأساقفة الأسبان أعلن على مسامعهم: 'أكرر ما قلته لكم سابقًا من ضرورة تعاونكم مع الفاتيكان من أجل خدمة قضية السلام وحرب الإرهاب وتنمية الحوار بين الأديان'.
وعلى سبيل المثال تباحث بولس مع الرئيس اليمني 'علي عبد الله صالح' حول أهمية وضرورة مكافحة [الإرهاب]، بل ووجه حديثه إلى اليمنيين قائلاً: 'إنني أحث جميع الرجال والنساء في منطقتكم على محاربة [الإرهاب] والعمل من أجل [السلام]'.
ثم انتقل بولس في حديثه للرئيس اليمني إلى مسألة حوار الأديان حيث قال: 'إن العمل من أجل السلام لا يتأتى إلا بعد استقرار [التسامح] في القلوب؛ لذا فعليكم أن تحتضنوا لقاءات للحوار بين الأديان والشعوب في مناطقكم لا سيما الجزيرة العربية'.
سابعاً: لقاؤه بعلاوي والمطالبة بحماية نصارى العراق:
عندما التقى 'بولس' رئيس الحكومة العراقية المعين إياد علاوي وزوجته في الفاتيكان حثه على إشراك نصارى العراق في [إرساء دعائم الديموقراطية] – على حد وصفه-، وشدد على حتمية توفير الحرية الدينية للمسيحيين.
وعن الشأن العراقي أشاد يوحنا بأعمال مجمع الكنائس الشرقية [الإغاثية] بالعراق وفلسطين والتي تتضمن مساعدة الهيئات الكنسية هناك، كما تشمل [التبشير بالإنجيل] في الشرق الأوسط.
وهذا يكشف أن استنكاره الهزيل غزو العراق هو من قبيل المناورة السياسية، والحيل الدعائية، وللإستهلاك الإعلامي.
ثامناً: دوره في خدمة المصالح الأمريكية والغربية.:
وفي هذا الشأن أماطت مصادر أمريكية مقربة من الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان اللثام عن دور يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان في 'الحرب الباردة' وفي إسقاط الاتحاد السوفيتي.
وأدلى إدوارد راوني - مستشار الرئيس ريجان بشأن محادثات الأسلحة النووية - بتصريحات نشرتها وكالة الأنباء الكاثوليكية الأمريكية مفادها أن 'بولس الثاني' شارك 'ريجان' عن كثب فيما عرف تاريخيًا بالحرب الباردة التي أسقطت الاتحاد السوفيتي السابق، ويؤكد 'راوني' على أن البابا قدم كل ما يستطيع لإسقاط المطرقة والمنجل سواء من ناحية تقديم المعلومات أو تحريك عناصره داخل الجمهوريات السوفيتية.(2/232)
تاسعاً: حزنه وشجونه على النصرانية أن لا تحكم أوروبا.
لم يُخفِ 'يوحنا بولس الثاني' شجونه حين أطاحت أوروبا بحلمه باعتماد القيم النصرانية كدستور للاتحاد الأوربي على الرغم من تأييد بعض الدول مثل إيطاليا وبولندا وأيرلندا.
وظل 'بولس' يحذر من سيطرة العلمانية على أوربا الموحدة حيث كتب رسالة إلى كنيسة بولندا وأساقفتها يحثهم فيها على الوقوف ضد الأصوات الداعية إلى سيطرة العلمانية على القارة الأوربية، محذرًا من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي مذكرًا بدورها التاريخي في نشر الإسلام في القارة، ومذكرًا بضرورة تنصير شرق أوروبا كي تتنفس القارة برئتين ـ حسب وصفه ـ .
عاشراً: عصر بولس عصر فضائح القساوسة:
عندما تفجرت الفضائح الخلقية الشاذة لأساقفة الكاثوليك في أمريكا اعتذر [البابا] لأُسر الأطفال الذين اعتُدِي عليهم من قبل القساوسة، ولم تمض أسابيع حتى تفجرت الفضائح من جديد؛ فلم يُطِق [البابا] الاعتذار لمئات المنتهَكين داخل الكنائس من [رجال الدين].
ويكفي القارئ أن يعلم أن نحو 65 أبرشية تابعة أمريكية أشهرت إفلاسها نظرًا للأزمة المالية الحادة التي تمر بها نتيجة دفعها تعويضات كبيرة لضحايا اعتداءات القساوسة، من بينها أسقفية 'بوسطن' التي تعد هي الأكثر غُرمًا من بين الأسقفيات الكاثوليكية في الولايات المتحدة حيث اضطرت لدفع مبلغ 85 مليون دولار لما يزيد عن 550 ضحية اعتداء جنسي وشذوذ قام بها القساوسة! (33).
حادي عشر: آخر أعماله.. اهتمامه بالتنصير في الدول العربية!
وقد كان البابا يوحنا واضحًا حين أعلن عن رغبته فى توسيع دائرة التنصير في الشرق الأوسط واتخذ في سبيل ذلك خطوات على المستويات المختلفة وصارت تحمل لقب 'تاريخية'، بمعنى أنها حدثت للمرة الأولى في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذي يمتد إلى قرابة ألفي سنة.
فـ البابا يوحنا كان أول بابا على الإطلاق يدخل مسجدًا حين زار المسجد الأموي في دمشق في مايو من عام 2001. وهو أول رئيس للكنيسة الكاثوليكية في التاريخ يزور مصر، التي تضم أكبر مجتمع مسيحي في الشرق الأوسط من حيث العدد، وإن كانت أقلية ضئيلة للغاية فيه تدين بالولاء لكنيسة روما.
وفي عهده أقيمت علاقات دبلوماسية قوية جدًا بين إسرائيل والفاتيكان عام 1994، بعد أن كان – أيضًا - أول بابا يلتقي مباشرة بالحاخام الأكبر في إسرائيل قبل ذلك بسنة على ملأ من الصحافة والإعلام العالميين، وأول بابا يزور معبدًا يهوديًا، عام 1986, كما يعلم اهتمام البابا بالعملية الإرسالية التنصيرية في العراق, وبكلمته المشهورة بعد سقوط بغداد أن الأجواء في العراق مهيأة للتنصير كأفضل ما يكون.. كما قام البابا يوحنا قبيل تدهور حالته الصحية بتعيين نائب جديد له على شبه الجزيرة العربية، كرئيس لما يسمى بـ'إدارة شؤون النيابة الرسولية' والتي تشمل البحرين والسعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان واليمن.
وكان بولس قد قبل صباح يوم الاثنين 21/3/2005 استقالة المطران 'جوفاني بيرناردو جريمولي' الذي كان يشغل هذا المنصب وعين مكانه المطران 'بول هيندر' الذي كان أسقفًا لمنطقة شبه الجزيرة العربية.
وقالت الإذاعة السويسرية: إن بول هيندر حاصل على دكتوراه في القانون الكنسي.
وتم إنشاء ما يسمى بـ "إدارة شؤون النيابة الرسولية" في شبه الجزيرة العربية ـ التي تتخذ من العاصمة الإماراتية "أبو ظبي" مقرًا لها ـ في 28 من يونيو من عام 1889، ويعتبرها الفاتيكان إحدى المقاطعات الكنسية الأكثر أهمية وامتدادًا في العالم، ويعمل فيها نحو: 40 كاهنًاً، و70 راهبة (34).
هذا هو بابا الفاتيكان مجرداً من هالات الإعلام وأغلفة السياسة ومجاملات المعزين.
ثُمَّ بقيت ملاحظة تعَجُبٍ لا بد فيها من المعاتبة:
ذلك أننا ـ من أسف ـ لم نر، ولم نسمع، ولم نقرأ مثل هذا العزاء والتأبين لرموز منا ـ نحن الإسلاميين ـ فقدتهم الأمة، ممن يخالف نهج الشيخ وكثيراً من آرائه وفتاواه، بدءاً بالدكتور علاء محيي الدين ، ومروراً بالعلامة حمود العقلا، وليس انتهاء بالقائد خطاب وخلفه أبي الوليد. وغير هؤلاء كثير. رحمهم الله جميعاً برحمته، وإن لم يترحم عليهم المترحمون على البابا.
وكتب/
محمد مختار مصطفى المقرئ
مراجع:
(1) "إعلام الموقعين" لابن قيم الجوزية: ( 86/1) ط : دار الجيل ـ بيروت 1973م.
(2) صحيح مسلم ـ كتاب الجنائز ـ باب ما يقال عند المريض والميت ـ ح: (923).
(3) "جامع البيان": (7/50) ط أولى ـ 1421هـ / 2001م.
(4) فتح ـ كتاب التفسير ـ (16) باب (ما كان للنبي.. ) ح/4679، ومسلم شرح النووي: (1/294) ـ كتاب الإيمان ـ (9) باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت: (ح/39).
(5) "مسلم بشرح النووي": (1/297) ط ثانية ـ مؤسسة قرطبة 1414هـ / 1994م.
(6) "فتح الباري": (8/367ــ 377) ط ثالثة ـ دار الفكر ـ 1407هـ.
(7) "التحرير والتنوير": (11/44) ط دار سحنون بتونس ـ بدون رقم وبدون تاريخ.
(8) الجامع لأحكام القرآن": (4/586ــ 590) ط: دار الحديث ـ القاهرة ـ 1423هـ / 2002م. بدون رقم.
(9) "جامع البيان": (7/65) ط أولى ـ 1421هـ / 2001م.
(10) "تفسير القرآن العظيم": (2/296) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.
(11) "التحرير والتنوير": (11/44) ط دار سحنون بتونس ـ بدون رقم وبدون تاريخ.
(12) الجامع لأحكام القرآن": (5/16ــ 18) ط: دار الحديث ـ القاهرة ـ 1423هـ / 2002م. بدون رقم.
(13) "زاد المسير": (4/84) ط رابعة ـ 1407هـ / 1987م.
(14) "تفسير القرآن العظيم": (2/440) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.
(15) "زاد المسير": (4/84) ط رابعة ـ 1407هـ / 1987م.
(16) هذه الآية قيدها وفسرها آية " الإسراء " : ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد " [ الإسراء : 18 ] إلى قوله: " محظورا " [ الإسراء : 20 ] قال القرطبي: "فأخبر سبحانه أن العبد ينوي ويريد والله سبحانه يحكم ما يريد , وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ( في قوله : " من كان يريد الحياة الدنيا " أنها منسوخة بقوله : " من كان يريد العاجلة " ) [ الإسراء : 18] . والصحيح ما ذكرناه ; وأنه من باب الإطلاق والتقييد ; ومثله قوله : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " [ البقرة : 186 ] فهذا ظاهره خبر عن إجابة كل داع دائما على كل حال , وليس كذلك ; لقوله تعالى : ( فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ) [ الأنعام : 41 ] والنسخ في الأخبار لا يجوز; لاستحالة تبدل الواجبات العقلية , ولاستحالة الكذب على الله تعالى فأما الأخبار عن الأحكام الشرعية فيجوز نسخها على خلاف فيه , على ما هو مذكور في الأصول ; ويأتي في " النحل " بيانه إن شاء الله تعالى . وانظر "الجامع لأحكام القرآن": (5/16ــ 18) ط: دار الحديث ـ القاهرة ـ 1423هـ / 2002م. بدون رقم.
(17) "مسلم بشرح النووي": (3/107) ـ كتاب الإيمان ـ (92) باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل: (ح/365).
(18) "مسلم بشرح النووي": (3/108).
(19) "تفسير القرآن العظيم": (2/156) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.
(20) الجامع لأحكام القرآن": (4/34) ط: دار الحديث ـ القاهرة ـ 1423هـ / 2002م. بدون رقم.
(21) "تفسير القرآن العظيم": (4/62) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.
(22) "تفسير القرآن العظيم": (3/315) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.
(23) "تفسير القرآن العظيم": (2/248) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.(2/233)
(24) "التحرير والتنوير": (9/107، 108) ط دار سحنون بتونس ـ بدون رقم وبدون تاريخ.
(25) "تفسير القرآن العظيم": (2/315) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.
(26) "التحرير والتنوير": (12/22ــ 23) ط دار سحنون بتونس ـ بدون رقم وبدون تاريخ.
(27) قال أهل اللغة: حاطه يحوطه حوطاً وحياطة إذا صانه وحفظه وذب عنه وتوفر على مصالحه.
(28) الضحضاح فارق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين، واستعير في النار.
(29) "مسلم بشرح النووي": (3/104) ـ كتاب الإيمان ـ (90) باب شفاعة النبي ص لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه: (ح/357).
(30) "مسلم بشرح النووي": (3/108).
(31) "مفكرة الإسلام": الأحد 23 صفر 1426هـ الموافق: 3/4/2005م.
(32) "مفكرة الإسلام": الثلاثاء 25 صفر 1426هـ الموافق: 5/4/2005م.
(33) الفقرات من 2ــ 10 منقولة عن مقال كتبه للمفكرة نجاح شوشة: الأحد 23 صفر 1426هـ الموافق: 3/4/2005م.
(34) عن تقرير نقلته المفكرة: الأحد 23 صفر 1426هـ الموافق: 3/4/2005م.
================
#القدس لنا ونحن أولى بها
[بقلم: د.هاني السباعي (مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن)]
بسم الله الرحمن الرحيم
للقدس منزلة عظيمة في قلوب المسلمين فهي مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم ومعراجه، وهي أولى القبلتين، ثالث الحرمين، وقد شرفها الله في كتابه الكريم: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله).. وهناك عشرات الأحاديث النبوية التي تبين فضل بيت المقدس وبركته
وقبل أن أشرع في الموضوع أحب أن نتكلم في النقاط التالية:
أود أن ألقي الضوء على عقيدة النصارى في القدس لكي تتضح الأمور وليعلم الناس لماذا المسلمون أولى بالقدس من غيرهم
عقيدة النصارى في القدس:
(القدس جزء من فلسطين المقدسة لدى المسيحيين، بل هي الأقدس والأعز لديهم، لذا فهي خاضعة لحكمهم، شأنهم شأن جميع فلسطين لكنها تكون لسائر الأمم ولاتقفل بوجه أحد، في عقيدة الإنجيل، أي أنها تخضع للتدويل، إذ هي ليست مقصورة على دين معين أو قوم معينين أو شعب خاص، فهي ليست للعرب ولا للمسلمين ولا للمسيحيين، مع احتفاظهم بالهيمنة الإدارية عليها، وستبقى كذلك لجميع الأمم والشعوب حتى يبعث السيد المسيح ثانية في آخر الزمان، حينئذ تكون (مسيحية خالصة لهم). ولقد أقر البابا (بولس السادس) بوجوب تدويلها، اعتماداً على نص الإنجيل فيها: (تكون مدوسة من الأمم، حتى تكمل أزمنة الأمم) أي حتى مجئ السيد المسيح ثانية، قبيل قيام الساعة، وفناء العالم إذ تكون القدس حينئذ (مسيحية خالصة له> فلوآمنا بعقيدة التوراة ــ العهد القديم من الكتاب المقدس ــ وحدها لسلمنا (فلسطين) إلى اليهود من طيب نفس منا، وانحلت مشكلة فلسطين إلى الأبد وانتهى الأمر!! ولو آمنا بعقيدة العهد الجديد الذي منه الأناجيل في الكتاب المقدس، لصارت فلسطين صليبية، كما حاول مسيحيوأوروبا في أكثر من قرنين من الزمن أو في أكثر من عشر حملات رهيبة، انتزاعها من المسلمين، وازهقت الأرواح خلالها مئات الألوف بل الملايين من الجانبين.. ولكنهم رجعوا خائبين... ولصارت القدس لجميع الأمم ــ فخسرناها. إذ هي بين (التهويد والتدويل)!! ليست عربية ولا إسلامية!!.. التهويد بحكم التوراة، والتدويل بحكم الإنجيل!! وحكم البابا! وحكم هيئة الأمم!!
ولقد أخذت هيئة الأمم المتحدة في توصيتها عام 1947 بشأن حل مشكلة فلسطين بقرار تدويل القدس، تبعاً للعقيدة المسيحية المثبتة في نص الإنجيل.)(عقيدة اليهود في تملك فلسطين/عابد توفيق الهاشمي/ص204 بتصرف
أردت من خلال هذذه التقدمة أن أبين اعتقاد النصارى في القدس لأننا سنتعرض لهم من خلال مرورنا على محطات تاريخية للمدينة المقدسة
ثانيا: القدس تاريخيا (الهيكل وحقيقته/ الصخرة وحكايتها.
القدس مدينة عربية قديمة أسسها اليبوسيون وهم فرع من الكنعانيين، أسسوا المدينة وسموها (يبوس) عام 2500 ق.م. وفي عهد العربي (ملكي صادق) وهو أحد حكام اليبوسيين وكان رجلاً صالحاً معتقداً التوحيد، وسع المدينة وسماها (أورسالم) أي مدينة السلام
وبنى فيها بيتاً للعبادة سماه (بيت قدس) فسميت في ذلك الوقت (بيت المقدس) ويقال في عهد الملك صادق زار خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام فلسطين، فأحسن ملكي صادق وفادته وضيافته وقدم له الطعام والشراب كما جاء في الإصحاح 14 من سفر التكوين
وفي عهد يوشع بن نون احتل بنو إسرائيل مدينة أريحا وكان ذلك عام 1260 ق.م .وفي عهد نبي الله داود عليه السلام دخل القدس واخذها عاصمة له أي في عام 1000ق.م
ثم حكم نبي الله سليمان عليه السلام من بعد أبيه أربعين سنة. فبنى الهيكل في القدس بأيدي البنائيين الكنعانيين أي العرب حتى إن كلمة هيكل كلمة كنعانية وليست عبرية
ولتمام الفائدة نلقي الضوء على قصة هذا الهيكل وحقيقته :
ما هو الهيكل؟
كانت بنو إسرائيل يحفظون في التابوت مخلفات أنبيائهم من آل موسى وآل هارون. وبعد موت يوشع بن نون، حين انحرفوا عن طاعة الله، صار بأيد أعدائهم، ثم انتزعه داود عليه السلام في معارك ضارية ضد خصومه، وحفظه سليمان عليه السلام بعد أبيه في (قدس الأقداس) عند الهيكل الذي بناه، والمسمى بهيكل سليمان. وكان يحرم فيه الرؤية واللمس على الناس باستثناء الكهنة وحدهم. ولمن انتهك التابوت جزاؤه الموت الزؤام
أما عن شكل هذا الهيكل:
فيبلغ طوله 30م، وعرضه 10م، وارتفاعه 15م. ينقسم إلى مكانين :
مكان يعرف باسم (بير) وآخر (هيكل)، وفي الجهة الغربية يقوم (قدس الأقداس)، وهو مكعب تبلغ مساحته 10م، وفيه يوجد التابوت. وقد هدم الهيكل بما فيه وقدس الأقداس خمس مرات وهذ ما سنوضحه في الفقرة التالية
أما هل الهيكل موجود حالياً :
من خلال هذه المحطات التاريخية تنجلي الحقيقة :
يؤكد المؤرخون أن دولة يهود الموحدة لم تدم إلا حوالي 97 عاماً فقط لأنه بوفاة نبي الله سليمان عليه السلام خلفه ابنه (رحبعام) الذي انقسمت الدولة في زمنه إلى دولتين مملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها أورشليم
مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها السامرة قرب نابلس
ونشبت حروب دامية بين المملكتين حتى إن الملك (يهواش) ملك إسرائيل أغار على أورشليم واستباح هيكلها
ثم اجتاح (سرجون) الآشوري مملكة إسرائيل فاستولى عليها عام 722ق.م. وسبى أهلها إلى بابل، وأسكن محلهم قبائل عربية نزحت من سورية
أما مملكة يهوذا فقد اجتاحها (نبوخذ نصر) عام 586ق.م. فاحرق أورشليم وسبى أهلها ودمر الهيكل وغنم كل مافيه. وفي عهد كورش الفارسي عمل اليهود جواسيس لمصلحته ضد الدولة الكلدية التى هزمها عام 539ق. ومن ثم علت منزلة اليهود عنده، وخاصة بعد أن تزوج (إستير) اليهودية وسمح لهم بالعودة إلى إورشليم، وبنى لهم الهيكل عام 516ق.م. رغم أنه لم يكن لهم أي شأن سياسي فبه فقد ظل تحت السيطة الفعلية للحثيين العرب
وبقيت القدس تحت الحكم الفارسي حتى فتحها الإسكندر المقدوني عام 332ق.م وبقيت القدس تحت الحكم اليوناني حتى استولى عليها القائد الروماني (بومبي) عام 63 ق.م
وفي عهد الإمبراطور (هارديان) عام 130م قام اليهود بثورة في القدس، فسحقها بعنف ودمر الهيكل ولم يكتف بذلك بل إنه أبدل إسمها إلى (إيلياء) وحرم على اليهود دخولها أو السكن فيها
وفي عام 624 اجتاح الفرس فلسطين واحتلوا إيلياء وذبحوا آلاف النصارى فيها وهدموا كنيسة القيامة، وقد ساعدهم اليهود على ذلك بل وشاركوهم جرائمهم فقتلوا الكثير من النصارى(2/234)
وفي سنة 628م استرد هرقل القدس وانتصر على الفرس أمرت أمه بتطهير مكان القمامة واتخاذه كنيسة هائلة. وظل بيت المقدس تحت الحكم الروماني حتى فتحها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 15هـ. ولما دخل عمر رضي الله عنه بيت المقدس طلب من البطريرك (صفرونيوس) عن مكان الصخرة فدله عليها: (فوجدوها وقد اتخذها النصارى مزبلة. كما فعلت اليهود بمكان القمامة وهو المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي شبه بعيسى (عليه السلام) فاعتقدت النصارى واليهود أنه المسيح. وقد كذبوا في اعتقادهم هذا كما نص الله تعالى على خطئهم في ذلك)
(ويحكي لنا الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية هذا الحدث العظيم: (ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائه، ونقل المسلمون معه في ذلك وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها، وكانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لأنها قبلة اليهود، حتى إن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة، وذلك مكافأة لما كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب. فجعلوا يلقون على قبره القمامة. فلأجل ذلك سمي الموضع القمامة وانسحب هذا الإسم على الكنيسة التي بناها النصارى هنالك
: وبقيت القدس تنعم بأمن الإسلام
وفي عام 66هـ ابتدأ عبد الملك بن مروان (ت86هـ) ببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته سنة 73هـ
ويحكي لنا ابن كثير أن عبد الملك بن مروان جمع الصناع من أطراف البلاد وأرسلهم إلى بيت المقدس: فبنوا القبة فجاءت من أحسن البناء، وفرشها بالرخام الملون، (..) وحفا القبة بأنواع الستور، وأقاما لها سدنة وخداماً بأنواع الطيب والمسك والعنبر والماورد والزعفران، ويبخرون القبة والمسجد بالليل، وجعل فيها قناديل من الذهب والفضة. وجعل فيها العود القماري المغلف بالمسك وفرشاها والمسجد بأنواع البسط الملونة، وكانوا إذا أطلقوا البخور شم من مسافة بعيدة، وكان الرجل إذا رجع من بيت المقدس إلى بلاده توجد منه رائحة المسك والطيب والبخور أياما، ويعرف أنه قد أقبل من بيت المقدس، وأنه دخل الصخرة
أما هذه الصخرة :
فهي الصخرة التي صلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج. ويبلغ طولها 18 متراً وعرضها 14 متراً.
وكانت هذه الصخرة مكشوفة حتى أمر عبد الملك بن مروان ببناء القبة فكان مسجد الصخرة: الذي يقع على قمة جبل موريا وتقع تحت قبته الصخرة المقدسة. وظل القدس في عيش رغيد حتى استولى عليها الصليبيون 15/7/1099م وبعد معركة دامية ذاد المسلمون عن مدينتهم، ولما لجأ المسلمون إلى ساحة المسجد الأقصى داهمتهم جيوش الصليبيين وذبحت حوال 70 ألف مسلم يشيب لها الولدان لمن أراد المزيد فعليه بابن الأثير الذي وصف هذا الهول في كتابه الكامل.
وبقيت دولة الصليبيين في القدس حوالي 88 عاما حتى خلصها من براثنهم البطل العظيم صلاح الدين الأيوبي، الذي كان بحق صلاح الدنيا والدين رحمه الله. وأمر السطان الناصر صلاح الدين بتطهير المسجد الأقصى والصخرة المباركة من أوساخ الصليبيين، وصلى على قبة الصخرة، وأحضر المنبر المشهور الذي كان قد عمله الملك العادل نور الدين محمود وكانت أمنيته أن يحضر هذا المنبر الذي أحضر له أمهر الصناع وظل المنبر في حلب قرابة عشرين عاماً حتى فتح الله القدس على يد صلاح الدين عام 583هـ فأمر بنقل المنبر ونصبه يوم الفتح في المسجد الأقصى حيث خطب عليه قاضي دمشق محيي الدين بن الزكي خطبة الجمعة بعد انقطاع دام حوالى تسعين عاماً.
وقد أحرق اليهود منبر صلاح الدين الأيوبي عام 1969م.
(وبقيت القدس تحت حكم الخلافة العثمانية حتى جاء الصليبيون الجدد حيث استولى عليها الإنجليز بقيادة الجنرال (اللنبي) في 11/12/1917م. وهو صاحب قولته الشهيرة (الآن انتهت الحروب الصليبية). ثم جاء الصليبي الحاقد الجنرال الفرنسي (غورو) حينما دخل دمشق عام 1920 ووقف على قبر صلاح الدين الأيوبي، وضرب الضريح بسيفه قائلاً: (أنا من أحفاد الصليبيين، فأين أحفادك ياصلاح الدين).
وقد كان هذا ديدن اليهود أيضاً فبعد هزيمة 5 يونية 1967م اقتحم اليهود المسجد الأقصى وكان هتافهم مهيناً يومذاك، مهيناً لكل المسلمين، يمزق القلوب ويفتت الأكباد، كان هتافهم لعنهم الله: (محمد مات وخلف بنات) رددوها بالعربية والعبرية!!
ويدور الزمان دورته وحكام العرب والمسلمين يضعون أنف أمتنا الرغام وأحلوا قومهم البوار.. وفي خضم هذه الهزائم المتكررة وفي خضم هذا الحصار والتعتيم الإعلامي تخرج الطير الأبابيل بحجارة مباركة تقض مضاجع اليهود.. تأتي الحجارة الصغيرة لترد على الجنرال الصليبي الحاقد غورو.. هانحن أولاء ياغورو نحن أحفاد صلاح الدين!! يأتي محمد الدرة ليفضح هذه الحضارة الزائفة وليدحض مراكز الدراسات التي كرست قانون العجز والهزيمة لتجعله واقعاً لامناص منه!! جاء الدرة وأطفال الحجارة ليقولوا لليهود : محمد صلى الله عليه وسلم مات لأن الله كتب على كل نفس الموت والموت حق، لكن محمداً صلى الله عليه وسلم خلف رجالاً يقضون مضاجعكم ويجعلون الأرض المقدسة سماً زعافاً بدلاً أن تكون لبناً وعسلاً كما تريدون.
صفوة القول
أولاً: القدس عربية إسلامية، أعني القدس بشقيها القديم والجديد، أعني المسجد الأقصى وماحوله، فالله سبحانه وتعالى يقول (باركنا حوله) أي أن المسجد الأقصى وماحوله من قرى ومدن وصحراء وزروع ونخيل وزيتون يقع تحت ظل هذه الآية.. فلسطين كلها مباركة بأرضها وسمائها، ففي كل شبر على أرضها دم شهيد فقد رواها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدمائهم الطاهرة.
ثانياً: نحن أولى بالقدس من اليهود والنصارى، فالمسلمون فقط هم المؤهلون حقاً لحكم فلسطين، نحن نؤمن بجميع الأنبياء وهم لايؤمنون إلابأنبيائهم فقط. فماذا فعلوا وماذا فعلنا بهم فالتاريخ شاهد على عظمتنا وتسامحنا والتاريخ نفسه شاهد على خستهم ونذالتهم وغدرهم. فماذا فعلوا لما كانت تحت سيطرتهم حيناً من الدهر.. ألم يقم اليهود بذبح وقتل النصارى وتدمير كنائسهم. ألم يقم النصارى بذبح اليهود وتشريدهم وتمزيقهم شر ممزق. ألم يقم الصليبيون بذبح 70 ألف مسلم في المسجد الأقصى في حملتهم الأولى. ألم يتخذوا المسجد الأقصى وسائر مساجد فلسطين اصطبلات لخيولهم ودوابهم. ألم يقم اليهود بهد حي المغاربة بحجة البحث عن هيكلهم المزعوم رغم أن هؤلاء المغاربة الطيبين هم الذين كانوا يشفعون لهؤلاء اليهود لدى الخليفة العثماني!! فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. لكنها جبلة اليهود قتلة الأنبياء.
ثالثاً: أما الهيكل المزعوم فقد دمر خمس مرات ودمره بالكامل الإمبراطور هارديان.. وكما معلوم أن الإهتمام بحائط البراق ظهر لدى اليهود منذ 400 سنة فقط أي في القرن 16م. فهم مختلفون أصلاً حتى في موقع الهيكل: فطائفة تقول موجود في ساحة الأقصى. وأخرى تزعم أنه خارج الأقصى. وبعد أن حفروا خندقاً حوالى 15 متراً لم يعثروا حتى يومنا هذا على أية قطعة أثرية تدل على هيكلهم المزعوم، بل العكس فقد وجدوا آثاراً إسلامية على مختلف العصور وآثاراً بيزنطية، ويونانية. وبالطبع قد كان هناك هدف آخر لهذه الحفريات ألا وهو خلخلة أساسات المسجد الأقصى.
رابعاً: لقد فتحت القدس تحت راية الجهاد.. وتحت هذه الراية وحدها فتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15هـ. وتحت راية الجهاد استرد صلاح الدين الأيوبي المدينة المقدسة من الصليبيين سنة 583هـ. وتحت راية الجهاد أيضاً ستعود فلسطين لنا إن شاء الله(2/235)
هامش :
لقد قمت بكتابة هذه المقالة بعد قراءة لمجموعة من المراجع أختار منها: البداية والنهاية لابن كثير المجلد الرابع
- المحاسن اليوسفية والنوادر السلطانية للقاضي ابن شداد.
- مفرج الكروب في أخبار بني أيوب لابن واصل.
- كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية لأبي شامة.
- النجوم الزاهرة لابن تغري بردي.
- عقيدة اليهود في تملك فلسطين لعابد توفيق الهاشمي.
- هيكل سليمان ليوسف الحاج.
- مقارنة الأديان أحمد شلبي.
- فضح التلمود لزهدي الفاتح.
- خطر اليهودية على الإسلام والمسيحية لعبد الله التل.
- مجلة الأمة القطرية، مجلة العربي الكويتية وغيرها من مجلات عربية وإسلام
=============
#تنازلات الأزهر المتواصلة إلى أين؟!
[بقلم: د. زينب عبد العزيز]
بسم الله الرحمن الرحيم
فوجىْ المسلمون صباح يوم الأحد الموافق 2 أبريل 2006 بتصريح للأنبا يوحنا قلتا فى جريدة "المصرى اليوم" ، يعلن فيه على الملأ بأن شيخ الأزهر ورئيس لجنة الحوار فى الأزهر قد وقعا على وثيقة تبيح للمؤسسات الكنسية المختلفة بأن تقوم بعمليات التبشير فى مصر دون ان يتعرض لها أحد !
وفى اليوم التالى ، نشرت نفس الجريدة ان هناك من تقدم بطلب تفسير من شيخ الأزهر حول ما جاء فى الوثيقة الدولية التى وقعها الأزهر والتى تتيح حرية التبشير فى مصر .. بينما انتشر الخبر فى صحافة البلدان العربية بصور متفاوتة من الإستنكار والدهشة..
وبعد يومين ، تضاربت التصريحات فى وسائل الإعلام المصرية ، المقروءة أو المرئية ، بصورة فجة ، ما بين الإنكار والإقرار ، وإن كان الإجماع اتفق على ان عمليات التبشير تسير، بكل تأكيد ، بخطى حثيثة فى القطر المصرى ، دون أن يتعرض لها أى شخص ...
ومريرة هى الكلمات ..
مريرة هى ، وما هو أكثر مرارة إن من يقوم بمثل هذه التنازلات الرخيصة مسلمون يترأسون واحدا من اكبر رموز الإسلام فى العالم .. مريرة هى الكلمات حينما تعجز عن وصف ما آلت اليه تلك الضمائر من رخص وعهر ولا همّ لها إلا الحفاظ على مقاعدها التى تتكسب وتسترزق منها على حساب الدين وعلى حساب الرسالة التى كان من الأكرم ان تقوم بها بدلا من بيعها ..
وأهم ما يأتى على رأس قائمة هذه التنازلات من جانب الأزهر بكل مؤسساته ، وذلك الكمّ المخزى من المواقف التى ذكرنا العديد منها فى مقال سابق ، على سبيل المثال لا الحصر ، هو ما قام به المسؤلون فيه من باب الجهل ، أو مراضاة للغرب المتعصب الصلف، أو تفاديا لما يطلقون عليه ظلما أو جبناً: " تفادى الفتنة الطائفية" ! وأقول ظلما او جبناً لأن المسيحيين فى مصر ، بكل طوائفهم، ليسوا عاجزين عن الفهم و التفكير، وحين تعرض الحقائق بكاملها وبلا مواربة يتخذون المواقف السليمة سواء أكانت وطنية أو غيرها، وعليهم أن يعرفوا ما يحاك لنا لأنهم، فى هذه القضية تحديدا ، مستهدفون مثلنا فى مسألة إقتلاع الدين ، فالمطلوب فاتيكانيا هو توحيد الكنائس تحت لواء كاتوليكية روما ، والباكى على دينه عليه أن يفهم الوقائع والحقائق ليعى ما نحن فيه..
والأزهر، الذى يمثل فى مصر والعالم الإسلامى على إتساعه ، أكبر و أعرق رمز للإسلام ، والرمز أعلى وأسمى من أى مسمّى أو عبارة سلطوية ، الأزهر ، بكل أسف ومرارة ، كان أول من فرّط فى حق الإسلام و فى حق نبيه عليه الصلاة والسلام، وذلك بقبوله إلغاء مادة الدين من التعليم كمادة أساسية للنجاح والسقوط ، وقبوله " تعديل" المناهج الدينية وتغيير الآيات فى المناهج الدراسية بدلا من شرح وتفسير أسباب نزولها ، وإسناد المعاهد الأزهرية إلى التربية والتعليم أو تحويلها إلى مرافق أخرى، و " تعديل " الخطاب الدينى ، وإغلاق المساجد بين الصلوات ، وتضييق نطاق بناء المساجد ، و تحويل ما لم تُقم فيه الشعائر بعد إلى مرافق أخرى، بل وهدم ما تم بنائه قبل إستخراج تصاريح البناء، وهنا لا يسعنى إلا أن أسأل: هل يمكن لنفس هؤلاء المسؤلين والوزراء القيام بنفس التصرف حيال الكنائس؟! فما اكثر ما تم بناؤه بلا تراخيص ، بل ما أكثر الأراضى التى أُخذت بوضع اليد ولم يتحرك أحد ، وما اكثر الكنائس التى تضخّم حجمها فى مكانها الى درجة الإنبعاج الفظ معماريا وكأنها على وشك الإنفجار!..
بل لقد خرج العاملين بالأزهر عن تعاليم دينهم ووصايا الرسول عليه الصلاة والسلام بالتهاون فى مسألة الحجاب فى فرنسا ، وبتسليم وفاء قسطنطين بدلا من حمايتها، كما غضوا الطرف عن الدفاع عن الإسلام وعن نبيه الكريم فى مهزلة مسرحية كنيسة الإسكندرية ، بإحالتها إلى عالم الصمت والنسيان ببضعة عبارات مرتعدة جوفاء، والصمت حينما أهانت السلطات القمعية الأمريكية المصحف الشريف فى جوانتنامو وغيرها .
.. والأدهى من هذا وذاك ، وغيره جد كثير بكل أسف، هو التوقيع على إتفاقية بين الأزهر والفاتيكان والكنيسة الأنجليكانية بالموافقة على أن يقوم المبشرون بالتبشير فى مصر دون أن يتعرض لهم أى شخص !؟ وكان ذلك فى 18 ابريل 2005..
أرتجف خجلا وحزناً ومهانةً وأنا أكتب هذه الحقائق وكلها منشورة فى الصحف المحلية والغربية! وهذا هو ما كشفه او ما "أعلنه" الأنبا يوحنا قلتا هذا الأسبوع ( 2/4/2006) بعد قرابة عام من التوقيع عليه.. ولا أقول شيئا عما إذا كان من حق هذا الأنبا أن " يعلن " على المسلمين !
كما لا أقول شيئا عن غياب دور "علماء" المسلمين وعدم القيام بواجبهم الأساس أو جزء منه، وهو تعريف الغرب المسيحى بالإسلام والدفاع عن حقوق الأقليات المسلمة ، ومناقشة الخلافات الأساسية الحقيقية بين المسيحية والإسلام وتوضيحها للكافة ، فكل ما توصل اليه العلماء فى الغرب ، فيما يتعلق بتاريخ المسيحية وكيفية تكوينها ، كان القرآن الكريم سبّاقا فى الكشف عنه ، وهذه الخلافات التى يجهلها الكثيرون هنا وهناك هى السبب الأساسى فى كل هذه المشاحنات والضغائن المكتومة والتى تشرئب من حين لأخر، بدلا من ترك الساحة للتعصب الفاتيكانى ورجاله الذين لا شرعية لوجودهم إلا الحفاظ على ما قاموا به من تحريف على مر العصور وفرضه على الأتباع والإصرار على فرضه على الديانات الأخرى وخاصة المسلمين ، أو تركها لوقاحة السياسة الأمريكية وعربدتها وأتباعها الغربيين ، بل وبدلا من التنطيط بين الفضائيات والقنوات الأرضية والبرامج الإذاعية الممقوته والمؤتمرات واللقاءات الجوفاء التنازلية النزعة ، والدعْوات المظهرية ، والإنسياق فى لعبة البذخ والمظاهر على حساب الدين..
وفى نفس هذه السلسلة الممجوجة من التنازلات ، صدرت نفس هذه الأوامر الخاصة بتجفيف الإسلام من المنبع ، إلى كل البلدان الإسلامية . كما صدرت إلى مجمع الملك فهد بتقليل طباعة المصاحف إلى النصف سنويا ، وبذلك سيأتى اليوم بعد بضعة سنوات و لا نجد فى متناول اليد سوى "الفرقان الحق" - تلك البدعة المهينة التى ابتدعتها الأيادى العابثة فى الإدارة الأمريكية وتقوم بتوزيعها على بلدان العالم الإسلامى والعربى..ولا أقول شيئا عن الفضائيات والبرامج التى تسب الإسلام ونبيه الكريم ولا نرد أو نشرح الحقائق بل ولا يسمح بذلك إلا على إستحياء !..
وهكذا أصبحنا نحقق مطلب القس زويمر ، كبير المستشرقين والمبشرين ، حين قال فى مطلع القرن العشرين :" لن يقتلع الإسلام إلا أيادى مسلمة من الداخل " .. وياللعار!(2/236)
وياللعار يا من كان اجدادكم يفْدون الأزهر- الرمز ويفدون الإسلام بأرواحهم ضد هجمات الحروب الصليبية وضد حملة المنافقين الفرنسيس وضد كل من يتجرأ على المساس بهذا الدين ..
لقد كان من الأكرم - بدلا من الصمت أو التواطؤ ، أن يتصدّوا لحملة عبدالرحمن المرتد فى أفغانستان ، والذى تدخل لحمايته كل من بوش ووزيرة خارجيته وبابا الفاتيكان وهيئة الأمم ، ليفرضوا سابقة رسمية دولية تحت ستار مزعوم هو أنه " مختل عقليا ولا يجوز تقديمه للمحاكمة " ! وياللعجب ، كل هذا الهيلمان للدفاع عن مرتد بينما يقوم نفس هؤلاء الأشخاص بقتل وإبادة الآلاف فى مختلف البلدان الإسلامية والعربية بكل جبروت وعلى مرآى ومسمع الجميع ، وما من احد يتحرك فى ذلك الغرب الذى ألف الفرجة فى صمت طالما الضحية من المسلمين !
كان من الأكرم ان يتصدى العاملون فى الأزهر للمجزرة التى يتم الإعداد لها فى دارفور ، وأن يتصدوا لمطلب البابا بينديكت السادس عشر هذا الإسبوع من ضرورة استخدام الثقافة والعلوم والإقتصاد والسياسة ووسائل الإعلام فى عمليات التبشير.. خاصة بعد توقيعهم على تلك الوثيقة المشؤمة . بل لقد كان من الأهم والأكرم لهم أن يساندوا الجزائر فى خطوتها الصائبة الجريئة باستصدار قانون يمنع التبشير وفرض عقوبة السجن والغرامة المالية على من يضبط متلبسا بعمليات التبشير بأنواعها ، سواء أكانت علنية أم سرية ، والمطالبة بتعميم مثل هذا القرار الشجاع فى كافة بلدان العالم الإسلامى والعربى ، لكن من الواضح أن ماديات الدنيا وإغراءاتها باتت أقوى وأعتى ..
وإلى الذين يكذبون ويكذّبون توقيع الأزهر على وثيقة إباحة التبشير فى مصر ننقل نص المقال الذى كان أول من أحاطنا علما بهذه الخيانة ، فهو منشور بجريدة "الأسبوع" بتاريخ 18/4/2005 ، العدد رقم 421
خدمة مجانية للاحتلال في الأرض العربية وفرصة لا تعوض للاختراق
هل وافق الأزهر علي وثيقة أمريكية تضمن حرية التنصير في العالم الإسلامي؟!
مصطفي سليمان :
"هل أعطي شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي الضوء الأخضر للمنظمات الأمريكية المسيحية لحرية التبشير في مصر والعالم الإسلامي؟..و كيف حدث ذلك؟
التقي شيخ الأزهر بوفد أمريكي الأسبوع الماضي يطلق علي نفسه 'سفراء السلام' وهم مجموعة من رجال الدين المسيحي الأمريكي منهم القس إميل حداد والقس جاري أمنديل وأديب غبريال وأيضا الدكتور محمد البطران بصفته رجل دين إسلامي علي شاكلة طارق رمضان صاحب دعوة تعليق الحدود.
عرض الوفد علي فضيلة الإمام وثيقة أمريكية أطلقوا عليها وثيقة 'الحقوق الدينية' تدور في معظمها في إطار السماح لأي جماعات دينية بحرية الدعوة لمذهبها وعدم التصدي لها أو استعمال العنف ضدهم وذلك تحت ستار التآخي والتسامح بين المسيحية والإسلام.
تضمنت الوثيقة 17 بندا أيدها شيخ الأزهر جميعها دون قيد أو شرط ووقع عليها الشيخ فوزي الزفزاف نيابة عن شيخ الأزهر وبصفته رئيس لجنة الحوار بين الأديان تقول الوثيقة:
إن المجتمع الديني في العالم أجمع لم يعد يقبل بتسييس حقوق الإنسان الممنوحة من الله والتي تتمثل أهميتها في حرية الاعتقاد والعيش بسلام علي هذه الأرض.
لذلك فإن مساندة هذا القرار الوثيقة سيعزز الاحترام والتسامح بين اتباع الديانات المختلفة.
وهذه الوثيقة تلزم جميع المسئولين الدينيين والزعماء السياسيين بتحمل مسئولياتهم في هذا الخصوص من أجل السلام.
انطلاقا من ذلك فإننا نعلن هنا أن الجواب الوحيد للخلافات الدينية يكمن في الحوار المبني علي الاحترام المتبادل بين اتباعها وليس في اللجوء إلي العنف.
نحن الموقعين نقرر ما يلي:
1 إن هناك متطرفين بين اتباع كل دين من الأديان.
2 إن اللجوء إلي العنف لتأكيد وجهة نظر دينية أو لإجبار آخرين علي اعتناقها هو أمر مرفوض.
3 إننا كممثلين عن جميع الأديان في العالم، مشتركون معا في إنسانية واحدة، بإيماننا الشخصي بخالقنا نتفق هنا علي تقديس حق كل فرد في الإيمان بخالقه.
4 إننا نقر بوجوب احترام حقوق جميع الأفراد الممنوحة من قبل الخالق وبأنها غير قابلة للتبديل.
5 أن لجميع الأفراد أو الجماعات من مختلف الديانات الحق في أن يعرضوا بشكل سلمي، علي الآخرين نظرتهم الخاصة بالأمور اللاهوتية أو الإنسانية أو الحياة الآخرة.
6 إن لجميع الناس من كل المؤسسات الدينية، الحق في الإعلان عن معتقداتهم وفي مناقشتها في أي مكان عام وبعيدا عن العنف.
7 إننا نؤمن بحق كل فرد في الإيمان بأي دين يشاء.
8 إن لكل إنسان رجلا كان أو امرأة، حقا مقدسا في اعتناق أو رفض اعتناق دين من الأديان دون التعرض لأذي من قبل أي جهة دينية أو سياسية.
9 إنه لا يحق لأي جهة دينية أو سياسية أن تتدخل في الخدمات الروحية لاتباع دين آخر.
10 إن لكل فرد الحق في مناظرة حقائق دينية دون خوف من انتقام.
11 إن لكل فرد الحق في أن يستمع إلي غيره أو أن يسمع الآخرين صوته، كما أن لكل إنسان في العالم الحق في تعلم حقائق دينه والحصول علي الكتب المقدسة.
12 إن لكل إنسان بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي أو الوطني الحق في أن يعيش بسلام مع جيرانه مهما كان معتقدهم.
13 إن لكل فرد من أي دين الحق في أن يستمع إلي فرد من معتقد آخر.
14 إنه لا يحق لأحد التدخل أو تعطيل خدمة روحية لغيره.
15 إن لكل ساع وراء المعرفة الحق في الذهاب إلي أي خدمة دينية لإرضاء معرفته.
16 لكل إنسان الحق في أن يشارك الآخرين معرفته.
17 وبناء علي ذلك فإننا نصر علي أن لاتباع جميع الأديان حقا مقدسا في أن يشركوا الآخرين في معرفتهم وأن يعيشوا بسلام مع حصيلة هذه المعرفة.
وأيد شيخ الأزهر كل ما جاء في الوثيقة دون تدقيق ودون أن تعرض علي مجمع البحوث الإسلامية ليناقشها علماء المجمع.. وكان يجب علي الإمام الأكبر قراءة الوثيقة بتأني أو أن يستشير علماء المجمع.. خاصة أن الوثيقة بها ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية فبموجبها لا يحق لأي مؤسسة دينية أن تتدخل لوقف عمليات التنصير مثلا أو التبشير بمذهب مسيحي غربي يتناقض مع المسيحية الشرقية.. خاصة ما تحاول الإدارة الأمريكية الجديدة نشره وهو المسيحية الصهيونية، كما أن توقيت صدور الوثيقة يثير شكوكا كثيرة حولها.. وبغض النظر عما جاء فيها من بنود.. فيكفي أنها وثيقة أمريكية.
أما فضيلة الإمام فقد قال لهم: 'إننا نسير في حياتنا علي مبادئ ثابتة أولها أن الناس جميعا من أب واحد وأم واحدة لا فرق بينهم وأن الاختلاف في العقائد لا يمنع من التعاون وأن الذي يحاسب علي العقائد هو الله عز وجل ولا يجب أن يتدخل أحد في العقائد. وأضاف أن الأديان السماوية أمرت بالعدل مع كل البشر ولابد أن نبني حياتنا علي المحبة والتعاون وأن الإسلام وجميع الأديان السماوية تمد يدها بالسلام لكل من يمد يده بالسلام وأن الحوار هو الذي يولد الثقة والمحبة ويفتح الأبواب المغلقة مؤكدا أن العالم عليه أن يعلم أن الحروب لا تحل المشاكل وإنما تزيدها حيث تزداد كراهية الشعوب'.(2/237)
سألنا د. جمال الدين محمود عضو مجمع البحوث الإسلامية عن بنود الوثيقة فقال: حق كل إنسان في أن يعتقد ما يشاء أو يرفض ما يشاء من الأديان مبدأ أتي به الإسلام أصلا. ففي الإسلام الا إكراه في الدين وقد قال تعالي: 'أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين' صدق الله العظيم. لذلك فإن حق الفرد في الاعتقاد لا يمكن المساس به من الجماعة أو من أي سلطة مادام لم يكن متصادما تماما مع الأديان السماوية.. لكن ما تحويه هذه الوثيقة من بنود أخري خاصة ما يتعلق بحق أي شخص أن يترك دينا ويعتنق آخر دون المساس به فهذا محرم ومحظور شرعا ويوجد رأي للفقهاء المحدثين مثل الشيخ شلتوت يري أن الخروج عن الإسلام لا يستدعي إقامة الحد إلا إذا اقترن هذا الخروج بالإعلان عنه وتشجيعه والدعوة له أو إلحاق ضرر بالجماعة المسلمة بأي طريق كما أن العقوبة البالغة وهي القتل بالنسبة للمرتد لم ترد في القرآن ولا في حديث متواتر.. بل وردت في أحاديث الآحاد وإن كان جمهور الفقهاء يجعل الارتداد حدا من الحدود.. فبمجرد تغيير العقيدة من الإسلام إلي أي دين آخر ليس هو سبب الحد وإنما الخروج عن الدولة وإلحاق الضرر بالجماعة هو سبب الحد وبالنسبة للبند 12 فإن الإسلام يحمي المخالفين إذا عاشوا في مجتمع مسلم فتكون لأنفسهم وأموالهم ولأعراضهم حرمة وكذلك للمستأمنين من أي دين ماداموا دخلوا لغرض مشروع وبإذن الدولة، ولكن إذا كان ما تقصده الوثيقة في البند 12 أن لكل إنسان بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي أو الوطني الحق في أن يعيش بسلام مع جيرانه مهما كان معتقده هو حماية للكيان الصهيوني وهذا لا تقره الشريعة الإسلامية.. فالفلسطينيون وكذلك العراقيون يعيشون علي أرض محتلة وقد أمرنا الإسلام بقتال من يتولي أمورنا من الكفار قال تعالي: 'قاتلوا الذين يلونكم من الكفار' فالواضح أن الوثيقة تحاول أن تمرر أشياء مخالفة للدين وتتلاعب بالألفاظ.
أما من ناحية حق رجال الدين المخالفين لنا في العقيدة أن يعرضوا علي الملأ وعلي المستوي العام وأمام الجماهير ما يرونه من عقائد ففي هذا خطورة لابد من تجنبها وهو أن يكون الخطاب الديني المتعلق بالعقائد محل مناقشة بين جماهير الناس في بلد إسلامي وكذلك فإن الدعوة إلي دين مخالف كما هو الشأن في بعض الحركات التبشيرية قد يصطبغ بأغراض سياسية ورغبة في شق وحدة المجتمع المسلم وتظهر خطورة ذلك في بلاد إسلامية عديدة قد يكون فيها الجهل أو الفقر والحاجة سببا في اضطراب العقيدة الدينية لدي البعض كما أن تاريخ التبشير المسيحي بالذات في المنطقة العربية كما يقول د. جمال الدين محمود ارتبط في بعض جوانبه بأهداف سياسية.. وليت الغربيين يتركون الحرية للمسلمين في أداء وممارسة شعائرهم كما يحدث في البلاد الإسلامية، ففي بعض البلاد توضع القيود علي إنشاء المساجد وحرية العبادة بالنسبة للمسلمين.
فرض الحماية
وعلق الدكتور رفيق حبيب الباحث والخبير في شئون الحركات الدينية علي هذه الوثيقة قائلا: هي محاولة لحماية حرية النشاط والعمل لمؤسسات غربية في الدول العربية والإسلامية وغيرها لذلك إذا فرقنا تماما بين حرية الاعتقاد كقيمة علي الجماعة المصرية أن تحميها وعلي الأمة العربية أن تحميها لأبنائها لتجنيبهم ممارسات المؤسسات الغربية في غيرها من الدول.. هنا سنستطيع تحديد موقف من مثل هذه الوثائق حيث نؤكد أن حرية الاعتقاد لأبناء الأمة هي قيمة ندافع عنها أما حرية عمل المؤسسات الغربية في بلادنا فهذا شأن سياسي ولا يندرج تحت مفهوم حرية الاعتقاد.
ويضيف د. رفيق حبيب.. ما تهدف إليه هذه الوثائق هو ترويج المسيحية الغربية.. بل هي أيضا تحاول نشر القيم وتمرير السياسات وحماية المصالح الغربية، فالإدارة الأمريكية الحالية تمثل اليمين المحافظ الديني الذي يهدف إلي تغريب العالم ونشر المسيحية الغربية لأن لهذا التيار اعتقادا بأنه صاحب الحق في قيادة المسيحية العالمية كما يعتقد أن أمريكا صاحبة الحق في قيادة العالم وبالتالي فقد تسربت النزعة الاستعمارية في جدول الأعمال السياسي والديني.
ويضيف د. رفيق حبيب مؤكدا أن العلاقة بين الأديان المختلفة يجب أن تصاغ داخل إطار الوطن الواحد وأي صياغة دولية لن تكون مناسبة لاختلاف تقاليد المجتمعات فكيفية حماية حرية الاعتقاد تختلف في ثقافتنا عن ثقافة الغرب.. عندنا مثلا يعتبر الهجوم علي الأديان من موقع الإلحاد هو خرق لقدسية الاعتقاد أما في الثقافات الغربية العلمانية فهذا أمر مسموح به، كذلك فإن قضية إدارة المشكلات الخاصة بحرية الاعتقاد وتغيير الدين لها أوضاع في ثقافتنا تختلف عن الغرب نظرا لارتباط المعتقد الديني للفرد بانتمائه الأسري، أيضا فإن قضية التبشير أو الدعوة لدين معين تختلف في الثقافة الغربية عن ثقافتنا فبالنسبة لنا ليس من المقبول أن تكون أي رسالة دينية تحمل نقدا أو تجريحا في العقائد الأخري في حين أن الغرب يسمح بهذا في ثقافته ".
وإلى هنا ينتهى المقال الذى نقلته كاملا ، ولا يسعنى إلا أن أردد عبارة واحدة:
حسبنا الله ونعم الوكيل ، حسبنا الله ونعم الوكيل.
* نقلاً عن جريدة الشعب المصرية
===============
#المسلمون في الغرب و"أصل الحكاية"
[بقلم: *حسن الحسن]
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يتحمل سليم عبد الحميد عبء الغربة وما آل إليه حال آل عثمان فانتحر في نيويورك، وأخذت شقيقته الأميرة عائشة ترسم اللوحات الزيتية كي يبيعها ابنها في شوارع باريس فيعتاشا من ريعها، وعلى نفس النسق تفرق باقي أبناء سلطان المسلمين عبد الحميد الثاني ليذوقوا حياة البؤس في ديار الاغتراب، فيما وافت المنية عبد المجيد آخر خلفاء بني عثمان في منفاه، ليحنط جسدَه طبيبٌ يهودي حتى لا يتعفن جثمانه بانتظار أن يُؤذنَ من قبل آل سعود لجسده المسجى في مسجد باريس لدفنه في المدينة المنورة، الأمر الذي تمّ بعد لأْيٍ.
لم تقتصر تداعيات إلغاء الخلافة العثمانية على آل عثمان وحدهم، إذ فجرت تلك الفاجعة مواجع الأمة الإسلامية التي بدأت رحلة التيه والضياع، فتقطعت أوصالها شذر مذر وتولى أمرَها سقطُ المتاع. تلك الأمة التي كانت تعتز بحضارتها وتتباهى بها، حيث كانت تحيا في عصر النور بينما تغرق أوروبا في عصور الظلمة. وبعد أن كان المسلمون يدخلون تلك الديار المظلمة فاتحين أو سفراء إلى ملوكها، وكان غير المسلمين من يهود ومستضعفين يلوذون بدار الخلافة فراراً من القهر والظلم الذي لحق بهم، يتفيأون بعدلها وينعمون بالطمأنينة والاستقرار فيها، بعد كل هذا، بات المسلم يجتاز البر والبحر للوصول إلى ديار ينفر من سياساتها وقيمها وثقافتها السائدة، فارّاً من وطن تلاشى في جعبة فئة شاذة من المارقين واللصوص وقطاع الطرق على غفلة من الزمن.
كانت فتاوى الأئمة تحظر إقامة المسلمين في ديار الكفر، ولم يكن ذلك يروق للمسلمين أصلاً على كل حال، بل كان ينظر لمن يفعل ذلك بعين الشك والريبة، حتى كان ما كان من انحدارٍ متسارع لأوضاع الأمة بشكل متضخم ككرة الثلج المتدحرجة، فأرسل السلاطين حينئذ مبتعثين إلى اوروبا كي ينهلوا من معارفها، ظنّاً منهم أنّها ستلأم صدع الخلافة، مستفيدين من نهضتها العمرانية والعسكرية والعلمية.(2/238)
وهكذا تقاطرت البعثات في رحلات هادفة من القاهرة وبيروت واستنبول إلى لندن وباريس وبرلين. ذهب هؤلاء إلى هناك بوجه ورجعوا منه بوجه آخر، مستبدلين الطربوش العثماني بالقبعة الأوروبية، مستنسخين نفور الأوروبيين من الدين، ملقين كل أوزار تجربة أوروبا وصراعاتها مع الكنيسة على الإسلام من غير تمحيص ولا تمييز بين كونه سبب ارتقاء الأمة وبين النصرانية المحرفة التي كانت سبب تخلف أوروبا.
عاد هؤلاء المبتعثون إلى ديارهم متزاهين كالطواويس، محتقِرين أُمَّتَهم، عاملين بجد على سلخها عن دينها، منشئين المجالس المشبوهة التي تستصغر الأمة وتحطّ من قدر الإسلام فيها، بل وتعتبره أسّ البلاء وسبب التخلف ورأس كل داء، بعد أن نهل هؤلاء سمّاً زعافاً سرعان ما نفثوه في جسد أمتهم، وأخذوا ينهشون في ثقافتها ويشوهون حضارتها بداعي الإصلاح والنهضة، فيما أخذ الاستعمار ينهش في جسد الأمة ويحتل بقاعها الواحدة تلو الأخرى.
إلا أن الأيام تدول كما الليل والنهار، حاملة في طياتها مفارقات كتبتها يد القدر بحكمة بالغة. فبعد أن كان المسلمون الوافدون إلى الغرب رأس حربته للطعن بالأمة وتمزيق الخلافة إرباً إرباً، أضحى هؤلاء عامل قلق دؤوب يؤرق الغرب بشدة، قاضّاً مضاجعه ومؤججاً هواجسه، تلك التي لم تتبدد يوما إزاء المسلمين. وفي هذا السياق بدأت سياسات الحكومات الغربية تتسم بالحيرة والانفعال في كيفية التعاطي مع المسلمين، حيث إنهم يعدّونَهم مصدر تهديد وجسماً غريباً ينمو باضطراد ويتحرك بسرعة ضد سياساتهم وتوجهاتهم الفكرية، ما دفع تلك الحكومات للتعاطي مع ظاهرة الإسلام السياسي في الغرب بشكل مضطرب في كثير من الأحيان، وعلى خلاف مع ما يتباهون به من قيم وقوانين في أحيان أخرى، مبررين ذلك بدرء أخطار مزعومة تارة، وخشية من عدم إمكان سيطرتهم على الجاليات الإسلامية مستقبلاً تارة أخرى!
وهكذا بدأت سياسات النظم الغربية تتعاطى مع المسلم كأنه قنبلة موقوتة تنتظر الزمن المناسب للانفجار، وبات على المسلم أن يثبت ولاءه للدول القابع فيها بشتى السبل حتى يخرج من دائرة المشتبة بهم! فيما أخذت وسائل الإعلام وتصريحات الساسة ورجال الدين تجنح إلى عزل المسلمين ودفعهم إلى التقوقع أو الهجرة إن أمكن، بخاصة بعد الحملات المنهجية على المسلمين من أعلى مراكز سدة القرار في الغرب. ويتضح هذا بإعلان بوش صراحة وبشكلٍ مكرر عن حروبه بأنها صليبية وعن استهدافه "الفاشية الإسلامية"، مروراً بتصريحات بلير عن حرب القيم التي لا بد من سحق المناوئين له فيها، وصولاً إلى استحضار بابا روما حادثة رمزية لإمبراطور بيزنطا الذي يصف النبي بشكل مقززٍ، ملخصاً البابا بذلك كافة أبعاد الصراع من جانبهم على لسان الإمبراطور المحاصر في القسطنطينية، مسبغاً على لسانه الشرعية الدينية على حروب الغرب على الإسلام، ومحدداً البوصلة في تعاطيهم مع المسلمين، هذا بعيداً عن تفاصيل الأحداث في الإعلام الغربي الرسمي والخاص على حد سواء، والذي بات النيل من المسلمين خبزه اليومي، غاضّاً النظر عن كافة مشاكلهم الكثيرة والمتنوعة الأخرى وكأنها منعدمة أو ثانوية تماما.
=============(2/239)